Professional Documents
Culture Documents
The Notion of Digital Public Order
The Notion of Digital Public Order
–
Résumé :
Le présent article aborde le problème du maintien de l’ordre public dans le
monde numérique. En effet, le point de départ consiste à mettre en évidence le
cadre théorique de cette notion à travers la présentation du concept, son
évolution historique, ses fondements et ses caractéristiques. De surcroit, dans la
deuxième partie nous allons définir la notion de l’ordre public numérique et ses
fondements conceptuels, avant de mettre l’accent sur les dispositions législatives
visant le maintien de cette notion ainsi que le rôle de la jurisprudence dans ce
cadre. Mots-clés : ordre public, digitalisation, cybersécurité.
مقدمة:
© 2024ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
–
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ،ﺣﺴﻦ .(2023) .ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺮﻗﻤﻲ.ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ،ﻉ،57
.380 - 365ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ 1406501/Record/com.mandumah.search//:http
ﺇﺳﻠﻮﺏ MLA
The notion of Digital Public Order
ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ،ﺣﺴﻦ" .ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺮﻗﻤﻲ".ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔﻉ:(2023) 57
.380ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ 1406501/Record/com.mandumah.search//:http - 365
ملخص:
يتناول هذا المقال بالدراسة والتحليل إشكالية حفظ النظام العام في الفضاء
اإللكتروني ،وتكون نقطة االنطالق من تحديد اإلطار النظري لمفهوم النظام العام ،من خالل
تحديد المفهوم ونشأته وتطوره ،كما يبين المقال المصادر التي يستمد منها هذا المفهوم
شرعيته والخصائص التي تميزه .وتعمل الدراسة في طور الحق على تأصيل فكرة النظام العام
الرقمي ومدلوالته ،باإلضافة إلى إبراز مساهمة المشرع المغربي في تأطيره وحمايته في الفضاء
الرقمي ودور القضاء واالجتهاد القضائي في ذلك .كلمات-مفتاح :النظام العام ،الرقمنة ،األمن
السيبراني.
Résumé :
Le présent article aborde le problème du maintien de l’ordre public dans le
monde numérique. En effet, le point de départ consiste à mettre en évidence le
cadre théorique de cette notion à travers la présentation du concept, son
évolution historique, ses fondements et ses caractéristiques. De surcroit, dans la
deuxième partie nous allons définir la notion de l’ordre public numérique et ses
fondements conceptuels, avant de mettre l’accent sur les dispositions législatives
visant le maintien de cette notion ainsi que le rôle de la jurisprudence dans ce
cadre. Mots-clés : ordre public, digitalisation, cybersécurité.
مقدمة:
© 2024ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
يتناول هذا المقال بالدراسة والتحليل إشكالية حفظ النظام العام في الفضاء
من خالل، وتكون نقطة االنطالق من تحديد اإلطار النظري لمفهوم النظام العام،اإللكتروني
كما يبين المقال المصادر التي يستمد منها هذا المفهوم،تحديد المفهوم ونشأته وتطوره
وتعمل الدراسة في طور الحق على تأصيل فكرة النظام العام.شرعيته والخصائص التي تميزه
باإلضافة إلى إبراز مساهمة المشرع المغربي في تأطيره وحمايته في الفضاء،الرقمي ومدلوالته
األمن، الرقمنة، النظام العام:مفتاح- كلمات.الرقمي ودور القضاء واالجتهاد القضائي في ذلك
.السيبراني
Résumé :
:مقدمة
لقد خلق اإلنسان كائنا اجتماعيا بطبعه ،فال يمكنه االستمرار إال مع غيره من األفراد
الذين يتقاسمون معه شبه طباعه وعاداته ،هذا التعايش كان ينتظم قديما في صورة قبيلة أو
عشيرة ،ومع تطور السلوك البشري وتغير الزمان والمكان واألحوال أصبحنا نتحدث اآلن عن
األمة والدولة كإطار ينتظم فيه األفراد .وعليه ،كانت الحاجة ماسة إلى وجود قواعد تنظم
الروابط االجتماعية التي تحكم عالقات األفراد ،وهو الدورالذي تضطلع به القواعد القانونية
في وقتنا الحالي.
ويقصد بالقواعد القانونية مجموعة القواعد التي تنظم الروابط االجتماعية وتقوم على
احترامها سلطة عامة توقع الجزاء على من يخالفها .643وتستمد هذه القواعد قوتها من مجموعة
من المصادرأهمها التشريع المكتوب الذي يصدرعن سلطة أساسية في الدولة تسمى بالمشرع.
حيث قد يرى هذا األخير –المشرع -في بعض األحيان ترك الحرية لألفراد في تنظيم شؤونهم
بأنفسهم ،فيورد بمقتض ى ذلك قواعد يمكن االحتكام إليها كما يمكن تالفيها ،وتسمى هذه
القواعد بالقواعد المكملة ،وقد يرى المشرع في أحيان أخرى أن هناك أمورا يتعين عليه
تنظيمها بنفسه وال يترك فيها مجاال الختيار األفراد ،وهي القواعد التي ال يجوز االتفاق على ما
يخالف حكمها أوالتحلل من الخضوع لها ،وهي المتصلة بمفهوم النظام العام ،وهذا ما يسوقنا
إلى التساؤل عن ماهية هذا المفهوم؟
ترتبط فكرة النظام العام نشأة وتطورا بظهورفكرة الدولة القومية حيث املجتمع المنظم
سياسيا والمقسم إلى حكام ومحكومين؛ وهي بذلك فكرة متصلة اتصاال مباشرا باملجتمع كونها
مستمدة من مجموعة القواعد المعبرة عن القيم واألسس العليا الكامنة في ضميرالجماعة مما
يجعلها صمام األمان لهوية املجتمع وحفظ ثوابته .ومع هذه الوظيفة السامية تكون فكرة
النظام العام إحدى أهم األفكار القانونية الكبرى التي ال يساهم رجل القانون وحده في تحديد
كنهها وتأطير مضمونها؛ بل يشاركه فيها صائغو ضمير الدولة ومفكروها كل في مجال تخصصه؛
مما يجعلها بحق مفصال من مفاصل الربط بين مجموعة من العلوم؛ األمرالذي سينعكس سلبا
على تحديد طبيعة هذه الفكرة المتنوعة االستخدام.644
643الطيب الفصايلي ،المدخل لدراسة القانون ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،4888 ،ص .41
644عليان بوزيان ،أثر حفظ النظام العام على ممارسة الحريات العامة ،أطروحة دكتوراه في الشريعة والقانون ،كلية العلوم االنسانية،
جامعة وهران ،الجزائر ،4991 ،ص.1 :
ولم يتوقف األمر عند تعدد منابع الفكرة بين مختلف العلوم االنسانية بل تعداه إلى
تغلغلها في ثنايا النظرية العامة للقانون؛ إذ تجد مكانا بارزا لها في مختلف فروع القانون بقسميه
العام والخاص؛ فهي في القانون الخاص مجموعة القواعد القانونية التي تنظم المصالح
األساسية والعليا في املجتمع في شكل قواعد آمرة وناهية يمنع على األفراد االتفاق على مخالفتها
في الحال والمآل .وهي في القانون العام تعتبر هدفا يجب أن تبتغيه سلطات الضبط التشريعي
واإلداري والقضائي من أجل إشاعة األمن وصيانة الصحة العمومية وتوفيرالسكينة العامة.645
إن محاولة فرض منظومة قانونية موحدة في كل دولة قومية مع بداية القرن التاسع عشر
في أوروبا من أجل إخضاع المبادرات الفردية والحريات التعاقدية لسلطان القانون ،دفع بالفكر
القانوني األوروبي إلى البحث عن ضابط يقوم بدورالدرع الحامي للقيم والمصالح العليا للدولة،
ومن ثم تم استعارة مصطلح النظام العام ليكون األداة القانونية في الضبط االجتماعي كحد
على سلطان اإلرادة.646
منذ نهاية القرن الماض ي وبعد انتشار شبكة االنترنيت وتكنولوجيا المعلوميات
واكتساحها ألغلب مجاالت الحياة كان المشرع ملزما بمواكبة هذا التطور بواسطة قواعد
قانونية تؤطرالعالم االفتراض ي كتلك التي تؤطرالعالم الحقيقي ،وبالتالي كان من الضروري من
جهة تعديل بعض النصوص القانونية وتوسيع نطاق تطبيقها لتشمل العالم االفتراض ي ،ومن
جهة أخرى سن قواعد جديدة بالنسبة للمجاالت التي ال تسعها التشريعات السابقة.
ولقد حاول المشرع المغربي تأطيرالعالم الرقمي بمجموعة من النصوص التي يروم جزء
مهم من قواعدها الحفاظ على النظام العام الرقمي ،وحيث إننا في الطور األول من تنزيل هذه
القواعد القانونية ،أضف إلى ذلك أن هذا املجال يعرف تطورا مستمرا ومضطرا مما يصعب
من مهمة تأطيره من طرف المشرع ،خصوصا وأن حدوده ومجاالت تغطيته تزيد يوما بعد يوم،
فمجموعة من المعامالت يتم رقمنتها باستمرار نظرا لعدة أسباب أهمها كون هذه المعامالت
الرقمية أكثر فعالية سواء من ناحية الوقت أو التكلفة .لكل هذه االعتبارات كان لزاما علينا
كباحثين في العلوم القانونية تناول المفاهيم الكبرى للقانون والبحث في مدى إمكانية تنزيلها
والتعامل معها في العالم الرقمي.
تتجلى أهمية هذا البحث في ارتباطه بمفهوم النظام العام الذي تفرق الباحثون في تحديد
ماهيته وضبطه نظريا ،بحيث ما يزال يكتنف جوانبه من الغموض والعمومية الكثير ،وال أدل
على ذلك من عدد األبحاث حوله .وهكذا ،فأهمية موضوع النظام العام الرقمي تكمن في حداثته
وندرة الكتابات حوله ،على أساس أن مادة البحث والتي يتكون جزء مهم منها من مجموعة من
النصوص القانونية ،مازالت في المراحل األولى لتنزيلها .كما يمكننا أن نشير إلى راهنية البحث
بالنظر للظروف التي يمر بها العالم في هذه المرحلة والمرتبطة أساسا بانتشار جائحة كورونا،
وهو ما عزز قيمة العالم الرقمي وقاد األفراد والحكومات والمنظمات إلى السعي نحو استعمال
الوسائل التكنولوجية واللجوء إلى العالم الرقمي أكثر.
كما تظهر أهمية الموضوع جلية في معالجته لمسألة مدى مواكبة القاعدة القانونية
للتطورات التي تعرفها املجتمعات ،ومدى احتوائها وتأطيرها لنشاط األفراد وتعامالتهم وما يعرف
ذلك من تطورات ،إضافة إلى بيان اإلكراهات والمعيقات التي يمكن أن تتولد عن تكييف
مجموعة من النصوص القانونية مع خصوصيات العالم الرقمي .وسنحاول أن نسبرأغوارهذا
الموضوع مسترشدين بقواعد القانون الخاص والعام على حد السواء ،وهو ما سيمكننا من
اإللمام بالموضوع من كافة جوانبه .ونظرا لألهمية البالغة التي يكتسيها الموضوع ،سنحاول
بسط تمفصالته من خالل اإلشكالية التالية :إلى أي حد يمكن تأصيل مفهوم النظام العام
الرقمي بالمغرب؟ وما مدى مساهمة التشريع والقضاء في تحديد مدلوله وتأطيره وحمايته؟
وتتفرع عن هذه اإلشكالية مجموعة من األسئلة الفرعية من قبيل:
كيف يمكن التمييزبين حدود النظام العام بمفهومه التقليدي وحدوده في العالم الرقمي؟
وهكذا ،ومن أجل تناول هذا الموضوع بالبحث والدراسة سنعمل على تقسيمه إلى
محورين :األول سنرى فيه مفهوم النظام العام ومصادره وخصائصه ،أما الثاني فسنخصصه
لدراسة مدلول النظام العام الرقمي وتأطيره وحمايته ،وبالتالي تكون هندسة البحث على الشكل
التالي :املحور األول :النظام العام :مفهومه ،مصادره ،وخصائصه .املحور الثاني :النظام العام
الرقمي :مدلوله وتأطيره وحمايته.
إن تطور املجتمع في العقود األخيرة من الناحية التكنولوجية والرقمية أدى إلى ظهور
عوالم أخرى غير العالم الحقيقي الذي جرت العادة على تأطيره بواسطة القواعد القانونية .إذ
أحدث لنا التطور التكنولوجي عالما آخر افتراضيا من خالل شبكة االنترنيت ،وأصبح أغلبنا
يمض ي زمنا مهما من حياته في هذا العالم .وبالتالي برزت الحاجة ماسة إلى تقنينه وضبط
القواعد التي تحكمه من طرف المشرع .وهكذا ،البد في مرحلة أولى من بسط المفاهيم
األساسية التي يتناولها الموضوع من خالل طرح مدلوالت فكرة النظام العام(أوال) ،وهو ما
سيمكننا في مرحلة الحقة من اإلحاطة بالموضوع بشكل أدق من خالل دراسة المصادر
التشريعية والتنظيمية للنظام العام باإلضافة إلى خصائصه(ثانيا).
إن مفهوم النظام العام مفهوم مرن يختلف مضمونه من حيث الزمان والمكان وفقا
لألنظمة السائدة في كل مجتمع ،فما يعتبر من النظام العام في مكان معين قد ال يعتبر كذلك في
مكان آخر .لذلك فهو مفهوم متغير ونسبي ،إذ ال يمكن حصره وال تقديم تعريف دقيق له ،فهو
من المفاهيم القانونية األكثر غموضا .وعليه ،فأغلب التعريفات التي جاد بها الفقه كانت
تعريفات تقريبية ومن زوايا نظر متقاربة أحيانا ومتباعدة أحيانا أخرى ،لكنها كانت تدور حول
محورأساس ي أال وهو حماية المصلحة العامة التي تعلو على مصلحة األفراد.
وهكذا ،يمكن القول بأنه مجموعة القواعد القانونية المنظمة للمصالح التي تعلو على
المصلحة الفردية سواء أدخلت تلك المصالح في املجال السياس ي أو االجتماعي أو االقتصادي
أو الخلقي ،ولو لم يرد بهذه القواعد نص تشريعي .647كما عرفه "جودوليوري المرداندير"
بمجموعة الشروط الالزمة لألمن واآلداب العامة التي ال غنى عنها لقيام عالقات سليمة بين
المواطنين ،بما يناسب عالقاتهم االقتصادية.648
647ماموني ربيعة ،حدوش تسعديت ،النظام العام االجتماعي ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،4941 ،ص .7
648فيصل نسيغة ،رياض دنش ،النظام العام ،مجلة المنتدى القانوني ،العدد الخامس ،ص .466
إن مفهوم النظام العام قد تطوربتطوروظائف الدولة ،فهذه األخيرة أصبحت فضال عن
وظائفها السابقة طرفا هاما في المعادلة االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،الش يء الذي
انعكس إيجابا على مفهوم النظام العام ،بحيث لم يعد يكتس ي طابع االستثناء المقيد للحرية
الفردية فقط بل أصبح ضابطا أساسيا .وهكذا ،أصبحنا نتحدث عن مجموعة من المفاهيم
المرتبطة بالنظام العام والتي تولدت عن تطور املجتمع وتطور وظائف الدولة ،ونتحدث هنا
بالخصوص عن مفاهيم من قبيل :النظام العام اإلداري ،النظام العام االقتصادي ،النظام
العام االجتماعي...
فأما النظام العام اإلداري فيقصد به مجموعة من القواعد التي تستهدف تحقيق
المصالح العامة ،سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ،أو هو السير العام والمنتظم
للمر افق العامة ،وهو الذي يحمي ما قد يهدد اإلدارة بمفهومها العام من أخطار ،649وغالبا ما
يروم تطبيق قواعد النظام العام اإلداري تحقيق ثالثة أهداف أساسية :األمن العام ،والسكينة
العامة ،والصحة العامة .وعندما نقول األمن العام ،فإننا نقصد به حماية حياة األشخاص
وممتلكاتهم من كل خطر سواء أكان مصدر هذا الخطر فعل االنسان أو فعل الطبيعة .أما
السكينة العامة ،فيقصد بها تلك اإلجراءات التي تهدف إلى املحافظة على الهدوء العام ومنع كل
مظاهراالزعاج .بينما يقصد بالصحة العامة حماية صحة المواطنين من األمراض واألوبئة.
وبالنسبة للنظام العام االقتصادي فيعرف بكونه نظام إيجابي يهدف إلى تحديد ما يجب
أن يتضمنه ال عقد من أحكام ،فينقسم إلى نظام عام اقتصادي توجيهي ونظام عام حمائي.
ونتحدث عن النظام العام االقتصادي التوجيهي عندما يكون املجتمع في بعض األحيان في
حاجة إلى توجيه معامالت وعالقات الفرد ،فيجبر على المشاركة لتحقيق هدف اقتصادي أو
اجتماعي ،فالهدف من هذه القواعد هو توجيه العالقات االقتصادية من أجل تحقيق منفعة
عامة .أما النظام العام االقتصادي الحمائي فيهدف إلى الدفاع عن مصلحة المتعاقد الضعيف
في العقد نظرا لتفوق الطرف اآلخراقتصاديا عليه.650
أما النظام العام االجتماعي فيقصد به مجموعة القواعد والمبادئ التي تستهدف حماية
العامل وتكفل الظروف االنسانية للشغل ولحياة المستخدمين ،سواء تعلق األمرباألجرأو بإنهاء
649أحمد الجراري ،النظام العام اإلداري في زمن كورونا ،مجلة استشراف للدراسات واألبحاث القانونية ،العدد الخامس ،شتنبر
،4949ص .8
650ماموني ربيعة ،حدوش تسعديت ،مرجع سابق ،4941 ،ص 1و.1
العقد والفصل التعسفي والتعويض عنه ،أو بالسالمة المهنية والرعاية الصحية ،أو بتنظيم
ساعات و أيام العمل .651فالغاية من كل هذه القواعد هي حماية طرفي عقد العمل وحماية
مصالحهما ،خصوصا الطرف الضعيف في العقد.
ويعود ظهورفكرة النظام العام إلى عهد نظرية األحوال عندما لجأ بعض الفقهاء في أو ائل
القرن الرابع عشرإلى التفرقة بين القوانين المستحسنة أو المالئمة وبين القوانين البغيضة أو
الغير مفيدة .فاألولى يمكن أن تسري وتمتد خارج إقليم الدولة ويطبقها القاض ي الوطني ،أما
األخرى فتقف عند حدود إقليم الدولة التي صدرت فيها وال يسوغ للقاض ي الوطني تطبيقها
ملخالفتها لقيم ومبادئ مجتمعه ،إذ يعتبر الفقه هذه التفرقة أصل فكرة النظام العام بالمعنى
الحالي بوصفها وسيلة الستبعاد القوانين األجنبية المتعارض مع األسس التي يقوم عليها
املجتمع الوطني .652ومن جهة أخرى هناك من يقول بأن أصل ظهور فكرة النظام العام لصيق
بظهورتنازع القوانين ،ومرتبط باسم الفقيه اإلطالي "بارتول" زعيم المدرسة اإليطالية التي تعد
أول مدرسة وضعت النواة األولى لفكرة النظام العام.653
إن فكرة النظام العام تسمح بدخول األفكاروالظواهراالجتماعية السائدة في املجتمع إلى
دائرة المعامالت بين األفراد ،فعندما كان النظام الحر بنزعته الفردية ،ومبدأ عدم التدخل،
يمثالن الفلسفة السائدة في املجتمع في زمن معين ،كان مبدأ سلطان اإلرادة من أهم تطبيقات
فكرة النظام العام .وهو ما أدى إلى تضرر طبقات اجتماعية واسعة ،فكان البد من تدخل
القانون استجابة لحاجات هذه الفئات .وبهذا المعنى يمكن القول أن القانون هو تلك األداة
التي يمكن بواسطتها الحفاظ على حقوق المستضعفين في املجتمع بالخصوص ،مع مراعاة
حقوق الفئات األخرى.
وتحديد مضمون فكرة النظام العام يوجب علينا قراءة آراء الجماعة ومعتقداتها
وفلسفتها وما تسعى إلى تحقيقه ،فالتيار السائد في املجتمع في زمن معين هو الذي يسمح لنا
بتحديد مضمون فكرة النظام العام ،وبالتالي تصبح هذه الفكرة تعبيرا صادقا عن التصورالكلي
لضميراملجتمع ،وال أدل على ذلك من أن القاض ي وهو بصدد تحديد مضمون فكرة النظام العام
ال يتقيد برأيه الشخص ي ،و إنما مقيد بإمالءات الجماعة و أفكارها وادعاءاتها .وعلى هذا
األساس ،يرتبط القانون وجودا وعدما بالغاية التي وضع من أجلها وهي المصلحة العامة ،كما
يعتبرالنظام العام بمثابة المرجع األساس واألصلي في مراجعة القانون للتأكد من انسجامه مع
الغاية التي وضع من أجلها والنظرفي مآله ،ووضع ضوابط تسلبه صفة المشروعية إذا انحرف
عنها.
أما بالنسبة لتأطير هذا المفهوم من الناحية القانونية فيمكننا الحديث عن مجموعة
من المصادر التي تساهم بشكل أو بآخر لتحقيق هذه الغاية ،وأول هذه المصادر يتمثل في
االتفاقيات الدولية التي تعمل على تنزيل مبادئ وقواعد تلزم جميع رعايا الدولة ،وطبعا البد من
أن تكون هذه القواعد متو افقة مع مبادئ وقيم املجتمع ،وبالتالي تكون جزءا ال يتجزأ من
النظام العام .ويحدث أن يصادق بلد ما على اتفاقية دولية قد تحوي في طياتها بعض
المقتضيات التي تخالف النظام العام لذلك املجتمع ،وفي هذه الحالة تصادق الدولة االتفاقية
في مجملها مع التحفظ على تلك المقتضيات املخالفة لنظامها العام.
أما ثاني المصادر فهو دستور الدولة ،باعتباره النص القانوني األسمى والجامع ألهم
القواعد الكبرى التي تنظم حياة األفراد ،وعليه يمكن القول بأن النص الدستوري من أهم
النصوص التي تسهم في تأطير النظام العام ،على اعتبار أنه نص يستمد قوته ومشروعيته من
اإلرادة الشعبية (االستفتاء بالنسبة لنموذج المغرب) .وعلى غرار هذه النصوص ،فالنصوص
القانونية العادية والتنظيمية تساهم أيضا في هذا األمر ،وكذلك األمربالنسبة لالجتهاد القضائي
الذي يعد أيضا مصدرا من مصادر تكريس النظام العام بما يسنه من قواعد جديدة وتفسير
للقواعد القانونية الموجودة.
ولدراسة النظام العام البد من معرفة السمات التي تميزه والخصائص التي تطبع ماهيته،
أول هذه الخصائص كون النظام العام فكرة وطنية لصيقة باملجتمع الذي بلورها من خالل
تصرفات وسلوك أفراده ،فهي فكرة ذات طابع وطني تختلف من دولة إلى أخرى وتتعلق المبادئ
العامة التي تستقرفي ضميراملجتمع من حيث الدين واآلداب والسياسة واالقتصاد وغيرها ...وما
يميزالنظام العام أيضا ،كونه مفهوما نسبيا فهو يرتكزعلى قواعد أساسية يقوم عليها املجتمع،
ولذلك فهومفهوم متطوربتطوراملجتمع ،ومن ثم يكون نسبيا يختلف من مكان إلى آخرومن زمن
إلى آخر ،الختالف المثل والمبادئ باختالف الجهات واألفكاروالمعتقدات واألزمنة.
كما أن النظام العام يتميز بصفة العمومية ،والمقصود في هذا المقام أن يكون النظام
العام المراد حمايته أوإعادة استتبابه متصال بمجموعة من األفراد غيرمحددين بذواتهم ،وليس
بفرد واحد بعينه حاله في ذلك حال القاعدة القانونية التي ال تنفك عن صفة العمومية ،حيث
ال سبيل لتحقيق المصلحة العامة لألفراد في ظل غياب طابع العمومية والتجريد .ويرى بعض
الفقه أن طبيعة فكرة النظام العام ال عالقة لها بالفلسفة السياسية واالجتماعية للدولة ،فهي
فكرة قانونية محايدة على خالف فكرة الخير المشترك ذات الطبيعة السياسية.654
إن الهدف األساس ي من هذا البحث هو تأصيل فكرة النظام العام ومحاولة ربطها بالعالم
الرقمي باعتبارها مقصدا عاما من وراء التشريع ،بحيث تستخدم كمعيار مؤطر لسلوك الفرد،
فالغاية األساسية التي تسعى إليها كل القواعد القانونية تتمثل في كيفية ضمان ممارسة
الحقوق والحريات في إطارمن النظام العام.
من خالل هذا املحور ،سنحاول جاهدين بذل وسعنا لبسط مدلول النظام العام الرقمي،
الش يء الذي يمكن اعتباره محاولة أولى لتناول مفهوم جديد كهذا(أوال) ،وهو األمر الذي
سيمكننا من دراسة مدى تأطيره وحمايته سواء من طرف التشريع أو القضاء (ثانيا).
إن مهمة تحديد المفاهيم لها من الصعوبة ما يجعلها عسيرة المنال ،خصوصا عندما
يتعلق األمر بمفهوم جديد أو مفهوم فضفاض ومرن كمفهوم النظام العام ،و إننا في محاولتنا
هذه لتأسيس هذا المفهوم لن نخرج عن املجال الذي حلقت حوله تعاريف الفقهاء لمفهوم
النظام العام ،على اعتبار أن المفهوم الذي نحاول اإلحاطة به امتداد لفكرة النظام العام في
العالم الرقمي .وهكذا ،يمكن أن نقول بأن النظام العام الرقمي هومجموعة القواعد السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والخلقية التي تحكم سلوك األفراد في العالم الرقمي ،أو هو تلك
األسس التي اتفق األفراد على احترامها وحمايتها خالل ممارستهم ألنشطتهم االقتصادية
واالجتماعية إلكترونيا.
وهنا سنجد أنفسنا أمام مجموعة من االشكاالت المرتبطة بمحاولة التعريف هذه .أول
هذه االشكاالت يتعلق بتحديد المدلول المادي للعالم الرقمي ،حيث إن التطور التكنولوجي
الذي تنامى في ظل الثورة المعلوماتية أدى إلى بروز جيل جديد من المفاهيم ،كمفهوم العولمة
الذي يشيرإلى حالة من انفتاح شعوب العالم على بعضها البعض اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا،
ومفهوم القرية الكونية الذي يشير إلى حالة من اختزال المسافة والزمن .وبالتالي يبرز إشكال
الحدود المكانية لتطبيق النصوص القانونية المؤطرة للعالم الرقمي أي نطاق التطبيق
القاعدة القانونية في الفضاء اإللكتروني.
وتأسيسا على ما سبق ،إذا كانت القواعد القانونية التي يصدرها المشرع يبتغي بها تأطير
سلوك األفراد داخل مجال ترابي معين ومحدد بدقة ،تبعا لمبدأ إقليمية القوانين والذي يحكم
أغلب النصوص القانونية ،نظرا لكون املجال الترابي في هذه الحالة محصور بالحدود
الجغر افية والقانونية للدولة؛ فإن حدود العالم الرقمي يصعب حصرها وتأطيرها جغر افيا.
ينبثق عن إشكال نطاق تطبيق القواعد المؤطرة للعالم الرقمي إشكال أخر ،وهو
المتعلق بمرجعية تلك األسس السياسية واالجتماعية واالقتصادية والخلقية التي يقوم عليها
مفهوم النظام العام فاختالط املجتمعات في الفضاء اإللكتروني يجعل من الصعب االتفاق على
قواعد مشتركة تؤطر كل املجاالت ويتو افق عليها الجميع في كل أنحاء العالم ،فالعالم الرقمي
أنشأ مجموعة من العالقات والروابط االقتصادية واالجتماعية بين عدد كبير من األشخاص
الذين ينتمون إلى مجتمعات ذات بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة .وبالتالي يمكننا القول بأن
أهم المصادر التي يمكن أن يعهد إليها بتأطير النظام العام الرقمي هي االتفاقيات والمعاهدات
الدولية ،على اعتبار توحيدها إلرادة مجموعة من الشعوب واملجتمعات حول قواعد قانونية
موحدة ،حيث تصبح بهذا المعنى شريعة عامة ،وهو نموذج اإلعالن العالمي لحقوق االنسان.
ومن جانب آخر ،يتقاطع النظام العام اإلداري في الو اقع مع النظام العام اإلداري في
الفضاء الرقمي في كون أن كليهما يرميان إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية اإلدارة مما قد
يهددها من أخطار ،غير أنه إذا كان النظام اإلداري يهدف إلى تحقيق األمن العام والسكينة
العامة والصحة العامة فالنظام العام اإلداري الرقمي من المفترض أن يكتفي إلى حد ما بحفظ
األمن العام أكثر ،على اعتبار أن السكينة العامة والصحة العامة لهما من الخصوصية ما
يجعلهما في منأى عن التهديد المباشرملخاطرالفضاء اإللكتروني.
وأما بالنسبة للنظام العام االقتصادي فالظاهر أن هناك نقاط تقاطع كثيرة مع النظام
العام االقتصادي الرقمي ،حيث إن مجموعة من القواعد التي تؤطر عالقات األفراد
االقتصادية في الو اقع تمتد أيضا إلى العالم الرقمي ،فالغش أو التدليس في عقود البيع مثال من
أسباب فساد العقد سواء أكان العقد ورقيا أو إلكترونيا ،صريحا أو ضمنيا ،ومن البديهي أيضا
كونه يخضع لنفس االستنكار في كل مجتمعات العالم ،ألن هذا من قواعد النظام العام التي
تستمد مشروعيتها من األسس األخالقية المشتركة بين مختلف الشعوب.
ومعلوم أن املجال االقتصادي يعتمد حاليا وبشكل كبير على املجال الرقمي فرقم
معامالت السوق اإللكترونية يزداد يوما بعد يوم ،وبالتالي تزداد نسبة نشاط األفراد الذي
يشتغل جزء كبير منهم لدى مشغلين وشركات من دول أجنبية يقوم نشاطها على بيع سلع أو
خدمات في الفضاء اإللكتروني ،وهنا يمكننا الحديث عن قواعد النظام العام االجتماعي التي
تعمل على تنظيم العالقة بين هذين الطرفين ،وعن إمكانية تأطير عقود العمل هذه من طرف
التشريع المكتوب بالشكل الذي يضمن حقوق طرفين العقد والطرف الضعيف باألساس،
ويحفظ قواعد النظام العام االجتماعي المشتركة بين الشعوب.
لقد حاول المشرع المغربي منذ السنوات األولى للثورة المعلوماتية تأطيروحفظ النظام
العام الرقمي من خالل مجموعة من النصوص القانونية التي تواترت على مدى سنوات ،من
أولها القانون المتمم ملجموعة القانون الجنائي والمرتبط بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة
اآللية للمعطيات ،655والذي صدر بالجريدة الرسمية في نهاية سنة ،1111حيث حدد مجموعة
من العقوبات لمرتكبي الجرائم المعلوماتية ،ويعتبرهذا النص من أول النصوص القانونية التي
عملت على حفظ النظام العام الرقمي من خالل تجريم مجموعة من األفعال المرتكبة بشكل
إلكتروني .يمكننا الحديث أيضا عن القانون المتعلق بزجرإهانة علم المملكة ورموزها ،656حيث
حدد هذا القانون عقوبة جريمة إهانة العلم المملكة ورموزها بواسطة أفعال مادية
655القانون رقم 91097بتتميم مجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات ،الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 940970481صادر في 46رمضان 44( 4141نونبر ،)4997ج ر عدد 1414بتاريخ 44دجنبر .4997
656القانون رقم 41091المتعلق بزجر إهانة علم المملكة ورموزها ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 40910491صادر في 49
ذي القعدة 49 ( 4146دجنبر ،)4991ج ر عدد 1799بتاريخ 44دجنبر .4991
كالمكتوبات والمطبوعات والملصقات سواء أكانت معروضة في الو اقع أو بواسطة الوسائل
اإللكترونية.
ومع تطور النشاط اإللكتروني ،كانت الحاجة ماسة إلى تشريعات إضافية تؤطر هذا
املجال ،وعلى هذا األساس صدرالقانون المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية،657
والذي جاء لتحديد النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية
والمعادلة بين الوثائق املحررة ورقيا وتلك المعدة بشكل إلكتروني ،وعلى التوقيع اإللكتروني،
وقد عملت المقتضيات التشريعية لهذا القانون على حماية وتأطيرالنظام العام الرقمي بفروعه
املختلفة ،كالنظام العام اإلداري واالقتصادي واالجتماعي .وفي نفس االتجاه ،يعتبر القانون
المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي 658من أبرز
القوانين الهادفة إلى حفظ النظام العام الرقمي ،حيث عزز الترسانة القانونية السابقة الذكر
بمجموعة من المقتضيات التي تحمي األمن االقتصادي واالجتماعي والنفس ي لألفراد من خالل
حماية معطياتهم الشخصية في الفضاء اإللكتروني بالخصوص ،وهو ما يعتبر بدون شك من
صميم النظام العام.
إن المصلحة العامة تقتض ي مواكبة التشريع للتطورات التي يعرفها املجتمع ،فالقانون
هو تعبير عن إرادة املجتمع ،بل هو أسمى تعبير عن إرادة األمة .وهكذا ،فقد اقتضت هذه
المواكبة تقنين مجموعة من األنشطة االقتصادية في صيغتها اإللكترونية وهو ما عجل بصدور
قانون حماية المستهلك ،659حيث يعد من النصوص التشريعية المؤطرة للنظام العام
االقتصادي الرقمي ،إذ وردت بين مضامينه مجموعة من القواعد القانونية الرامية إلى حماية
الحقوق االقتصادية لألشخاص في إطار المعامالت التجارية ،وقد تم تأطير هذه المعامالت في
صيغتها العادية وصيغتها اإللكترونية أيضا ،حيث خصص الباب الثاني من القسم الرابع
للعقود التجارية المبرمة عن بعد ،ناهيك عن التعبير الحرفي الصريح للمشرع عن دخول كل
657القانون رقم 17091المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 94.91.448صادر في
48ذي القعدة 79( 4149نونبر ،)4991ج ر عدد 1191بتاريخ 6دجنبر .4991
658القانون رقم 98099المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ،الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 94.98.41صادر في 44صفر 49( 4179فبراير ،)4998ج ر عدد 1144بتاريخ 47فبراير .4998
659القانون رقم 74099القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4044097صادر في 41ربيع
األول 49( 4174فبراير ،)4944ج ر عدد 1874بتاريخ 1ابريل .4944
األحكام والمقتضيات المتعلقة بالعقود المبرمة عن بعد في كنف النظام العام من خالل المادة
.11
لقد فرضت الثورة الرقمية تحول مجموعة من األنشطة االقتصادية والمهنية من شكلها
التقليدي إلى الصيغة اإللكترونية ،وهو ما فرض على المشرع تكييف تلك النصوص التي كانت
تؤطر هذه األنشطة في صيغتها األولى مع الوضعية الحالية .من هذه األنشطة نذكر مهنة
الصحافة ،حيث تمت إعادة تأسيس التشريع المؤطر لها والمتمثل في القانون المتعلق
بالصحافة والنشر 660ليشمل الصحافة اإللكترونية ،والتي أصبحت تعرف إقباال كبيرا ونشاطا
متزايدا على حساب الصحافة الورقية.
وعلى غراركل هذه النصوص المذكورة ،هناك مجموعة من النصوص األخرى التي تروم
من قريب أو من بعيد حفظ النظام الرقمي أو تأطيره ،661غير أن من أهم النصوص التشريعية
الحديثة التي تطال النظام العام الرقمي بشكل مباشر القانون المتعلق باألمن السيبراني،662
حيث يعتبر أول نص قانوني يختص بشكل أساس ي باألمن اإللكتروني أو السيبراني ،وهو مفهوم
لصيق بموضوعنا حول النظام العام الرقمي ألن األمن من محددات النظام العام ،وفي مدلول
هذا القانون يقصد باألمن السيبراني مجموعة من التدابير واإلجراءات ومفاهيم األمن وطرق
إدارة املخاطر واألعمال والتكوينات و أفضل الممارسات والتكنولوجيات التي تسمح لنظام
معلومات أن يقاوم أحداثا مرتبطة بالفضاء اإللكتروني ،من شأنها أن تمس بتو افر وسالمة
وسرية المعطيات املخزنة أو المعالجة أو المرسلة ،والخدمات ذات الصلة التي يقدمها هذا
النظام أو تسمح بالولوج إليه.
وقد جاء هذا التشريع بتأسيس هيئة مختصة باألمن اإللكتروني أطلق عليها إسم السلطة
الوطنية لألمن السيبراني ،وبالمدلول الحرفي للمادة 15من هذا النص ،فإن هذه السلطة تعمل
على التصدي ألي هجوم إلكتروني يمكن أن يمس بالوظائف الحيوية للمجتمع ،أو الصحة ،أو
660القانون رقم 99047المتعلق بالصحافة والنشر ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 40460444صادر في 6ذي القعدة 4171
( 49غشت ،)4946ج ر 6184بتاريخ 41غشت .4946
661نذكر على سبيل المثال القانون رقم 17041القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي ،الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 40460491صادر في 47شوال 49( 4171يوليو ،)4946ج ر 6184بتاريخ 41غشت .4946
والقانون رقم 64046المحدثة بموجبه وكالة التنمية الرقمية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4041041صادر في 9ذي الحجة
79( 4179غشت ،)4941ج ر عدد 6691بتاريخ 41شتنبر .4941
والقانون رقم 74047المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4049041صادر في 1جمادى
اآلخرة 44( 4178فبراير ،)4949ج ر عدد 6611بتاريخ 44مارس .4949
662القانون رقم 91049المتعلق باألمن السيبراني ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4049068صادر في 1ذي الحجة 41( 4114
يوليو ،)4949ج ر عدد 6891بتاريخ 79يوليو .4949
السالمة ،أو األمن ،أو التقدم االقتصادي أو االجتماعي ،وهو ما يمكن اعتباره من صميم النظام
العام الرقمي .وعليه ،يمكن القول بأن المشرع المغربي حاول تأطيروحفظ النظام العام الرقمي
من خالل مجموعة من التشريعات وعبر امتداد زمني دام قرابة العشرين سنة .وهنا يمكننا
التساؤل عن دورالقضاء في هذا الباب؟
إن الدور األساس ي الذي يضطلع به القضاء يتمثل في تفسير النصوص التفسير الصحيح
واألقرب لتحقيق غايات التشريع والمتمثلة في تحقيق المصلحة العامة وحفظ النظام العام
وتجنب المساس به ،وهو دور محوري في تنزيل النصوص وتكييفها مع معطيات الو اقع .وحيث
إن كل هذه النصوص التي تم ذكرها والتي تروم حفظ النظام العام الرقمي البد لها من تفسير
وإسقاط على أرض الو اقع؛ يمكننا القول بأن التفسيرالقضائي لهذه المقتضيات ال يقل أهمية
عن التشريع نفسه .وعلى غرار الوظيفة التفسيرية للقاض ي ،ال يمكننا إغفال دور االجتهاد
القضائي في حفظ النظام العام الرقمي باعتباره مصدرا مهما من مصادر القاعدة القانونية،
وبالنظر كذلك لما للقاض ي من سلطة تقديرية واسعة في تكييف الوقائع وتحديد ما إذا كانت
تمس بالنظام العام أم ال.
خاتمة:
تأسيسا على ما سبق ،وبالنظر لما يشكله مفهوم النظام العام من أهمية على مستوى
المنظومة القانونية ألي بلد ،يمكننا القول أن من العسير تحديد إطار مفاهيمي دقيق لفكرة
النظام العام الرقمي ،على اعتباراألبعاد الكثيرة واملحددات املختلفة التي يشملها هذا المفهوم،
شأنه في ذلك شأن مفهوم النظام العام الذي ما يزال يسيل من مداد الباحثين الكثير ،لكن تبقى
هذه محاولة أولية اقتضتها نزعة البحث العلمي رغبة في تناول المفهوم وإلقاء الضوء على دور
التشريع في تحديد ماهيته ،حيث يتبين من خالل ما سبق أن المشرع المغربي أطرهذا المفهوم
من خالل مجموعة من القواعد القانونية التي تم ذكرها ،وال يمكننا أن نغفل دور القضاء في
تأطير تنزيل هذه القواعد وتفسيرها .وختاما ،إن كل هذه المعطيات واالعتبارات تسائل الباحثين
في العلوم القانونية لتناول مفاهيم كهذه والتفصيل فيها بقدرما تضطلع به من أهمية في النظرية
العامة للقانون؟
الئحة المصادروالمراجع:
أحمد عبد الكريم سالمة ،القانون الدولي الخاص ،دار النهضة ،القاهرة،
الطبعة األولى.1117 ،
يحيى قاسم علي ،المدخل لدراسة القانون دراسة مقارنة ،كوميت للتوزيع،
القاهرة ،الطبعة األولى.5779 ،
عليان بوزيان ،أثر حفظ النظام العام على ممارسة الحريات العامة ،أطروحة
دكتوراه في الشريعة والقانون ،كلية العلوم االنسانية ،جامعة وهران ،الجزائر.1119 ،
ماموني ربيعة ،حدوش تسعديت ،النظام العام االجتماعي ،رسالة لنيل شهادة
الماسترفي القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري ،تيزي وزو.1159 ،
فيصل نسيغة ،رياض دنش ،النظام العام ،مجلة المنتدى القانوني ،العدد
الخامس.1117 ،