Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫مفهوم الملك العمومي بين النص القانوني والتوجه القضائي‬

‫تشكل األمالك العمومية اليوم أهم الوسائل التي تعتمد عليها الجماعات العمومية إلنجاز المرافق العامة أو‬
‫إلرساء أسس االقتصاد الوطني‪ ،‬كما تتعدد إلى أمالك عامة وأخرى خاصة للدولة أو للجماعات الترابية‪،‬‬
‫وأمالك ذات طبيعة تاريخية أو دينية كأراضي الحبوس و أراضي الجموع و أراضي الجيش‪.‬‬

‫ولتحديد مفهوم الملك العام البد من عرض مختلف التعاريف التي أعطيت له هذا سواء من طرف‬
‫المشرع‪ ،‬أو من طرف القضاء أو من طرف الفقه‪ ،‬حتى نتمكن من توضيح الخصائص التي يتميز بها‬
‫عن الملك الخاص ‪ ،‬خاصة وأن هناك مجموعة من المعايير التي تعد أساسا للتمييز بينهما‪.‬‬

‫ففي فرنسا ‪ ،‬فقد تضاربت اآلراء الفقهية حول مسألة تمييز الملك العمومي ‪ ،‬فتمخضت عن ذلك ثالث‬
‫اتجاهات رئيسية مألت الساحة الفقهية القانونية ‪ ،‬تركزت على ضرورة تحديد مجال المالك العمومية‬
‫وكذا طبيعتها ‪ ،‬ويمكن إجمال المعايير التي اعتمدتها هذه النظريات في ثالث نقط رئيسية ‪ :‬معيار طبيعة‬
‫المال ‪ ،‬حيث تعتبر من األموال العامة الطريق العامة والبحار والموانئ واألنهار ‪ ،‬وكان هذا المعيار‬
‫مستمدا من نص المادة ‪ 538‬من القانون المدني الفرنسي ‪ ،‬أي أن إستحالة ملكية المال تملكا خاصا تكون‬
‫مبررة إلعتبار هذا المال عاما ‪ ،‬وتمييزه عن األموال الخاصة ‪ ،‬التي ال تقبل التملك الخاص‪.‬‬

‫ومعيار تخصيص المال لخدمة مرفق عمومي وأخيرا معيار تخصيص المال للمنفعة العامة‪.‬‬

‫أما بالنسبة المشرع المصري فإنه يعرف األموال العامة في الفقرة األولى من المادة ‪ 87‬من التقنين‬
‫المدني فيبين ذلك التعريف أن المشروع لم يورد حصرا معيرا لألموال العامة بل أنه في شقه األول‬
‫أضفى صفة المال العام على سائر العقارات المنقوالت المملوكة للدولة أو لألشخاص االعتبارية العامة‬
‫كالمؤسسات والهيئات العامة ‪).....‬‬

‫إال أن المشروع قد قيد ذلك و أوضحه‪ ،‬حتى ال يختلط مفهوم المال العام على العقارات والمنقوالت التي‬
‫للدولة أو األشخاص اإلعتبارية العامة التي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتض قانون أو‬
‫مرسوم‪.‬‬
‫ويمكن أن نستنتج من خالل مختلف التعاريف أن المشرع في معظم الدول قد أخد بمعيار واسع التطبيق‬
‫يسمح بالتمييز بين الملك العام والملك الخاص انطالقا من مدى تخصيصه للمنفعة العامة‪ ،‬هو نفس‬
‫المنحى الذي سار عليه المشرع الفرنسي وأكد اإلجتهاد القضائي فيما بعد‪.‬‬

‫وإذا كان هذا هو موقف القانون المقارن فماذا عن موقف المشرع والقضاء المغربيين بخصوص تعريف‬
‫الملك العمومي واإلشكاالت التي يطرحها ؟‬
‫ولإلجابة عن هذا التساؤل سنقوم بعرض موقف المشرع المغربي ( الفرع األول ) ثم نوضح بعد ذلك‬
‫معيار التمييز وفق التوجه القضائي ( الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬معيار التمييز للملك العمومي في التشريع المغربي‬

‫لعل الحلول النصية التي عرفها المغرب في ميدان تمييز الملك العام‪ ،‬والتي الزال معموال بها إلى اليوم‪،‬‬
‫تتجسد في نصين مشهورين هما‪ :‬منشور فاتح نونبر ‪ ،1912‬وظهير فاتح يوليوز ‪.1914‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التمييز وفق منشور فاتح نونبر ‪1912‬‬

‫لقد صدر هذا المنشور عن الصدر األعظم بوصفه سلطة تنظيمية واستهدف أول ما استهدف‪ ،‬العمال‬
‫والقواد والقضاة من أجل إيجاد الحلول الناجعة للنزاعات العقارية‪.‬‬

‫فالمالحظة األساسية التي يجب إبداءها بصدد هذا المنشور هو كونه يتسم بطابع مؤقت‪ .‬وذلك ألن‬
‫السلطات الحامية كانت تبحث عن وضع حد للفوضى التي عمت الميدان العقاري‪ ،‬وخاصة ظاهرة‬
‫الترامي على األمالك المخزنية التي بلغت أوجها في مطلع هذا القرن‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يؤكد المنشور على أن اإليالة الشريفة‪ ،‬تضم أمواال ال يمكن تملكها أو تفويتها‬
‫لألشخاص ويقتصر على إعطاء أمثلة لذلك كالطرقات والممرات واألزقة والشواطئ والموانئ والبرك‬
‫المائية والسبحات والوديان واألنهار والمنابع واآلبار وأسوار المدن وما يتبعها‪.‬‬

‫كل هذه األموال يمنحها المنشور المذكور صفة عدم التفويت‪ ،‬إال أن الجديد الذي يسترعي االنتباه‪ ،‬هو أن‬
‫هذه األموال تعود آليا للمخزن متى انقطع تخصيصها الستعمال العموم‪ ،‬إال إذا رخص المخزن بعكس‬
‫ذلك‪ .‬تم يسترسل المنشور في وضع الئحة تضم ثمانية أنواع من هذه األموال وهي‪:‬‬
‫‪-‬األمالك المحبسة‬
‫‪ -‬األراضي الجماعية‬
‫‪ -‬الغابات‬
‫‪ -‬أراضي الجيش‬
‫‪ -‬أراضي الموات‬
‫‪ -‬المناجم‬
‫‪ -‬أموال الغائبين‬
‫‪ -‬كل األموال الحضرية والقروية التي هي في ملك المخزن‪.‬‬

‫ثم يسترسل المنشور المذكور واضعا تعريفا لألموال القابلة للتفويت‪ ،‬موضحا أنها تلك األموال التي‬
‫يمكنها أن تكون موضوع نقل بين األشخاص طبقا للشريعة واألعراف المغربية‪ .‬كما يضع تنظيما جديدا‬
‫للصفقات العمومية‪ ،‬يلعب فيها القاضي دورا كبيرا‪ ،‬وذلك بمراقبته لرسوم الملكية العقارية الموجودة في‬
‫حوزة البائعين بعد أخذ كل المعلومات كتابيا من عامل المدينة أو الميناء‪ ،‬وبعد معرفة ما إذا كان العقار‬
‫المراد بيعه غير داخل في دائرة األموال الغير القابلة للتفويت‪ ،‬فيكون بذلك هذا اإلجراء نوعا من الحماية‬
‫لهذه األموال‪.‬‬

‫بعد هذا المنشور بسنتين‪ ،‬بادرت سلطات الحماية إلى استصدار ظهير فاتح يوليوز ‪ 1914‬الذي يعتبر‬
‫بحق ميثاقا لألمالك العامة بالمغرب‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التمييز وفق ميثاق األمالك العامة (ظهير فاتح يوليوز ‪)1914‬‬

‫أول شيء يمكن تسجيله من خالل قراءة تجميعية لهذا الظهير‪ ،4‬وخاصة ما جاء في الفقرة األخيرة من‬
‫الفصل األول ‪ ..." :‬وعلى العموم كل األراضي واألعمال التي ال يمكن لألفراد أن يمتلكها ألنها مشاعة"‪.‬‬
‫يعني أنه ال يمكن اعتبار ملك من قبيل األمالك العامة إال إذا كان غير قابل بطبيعته للتملك الشخصي من‬
‫طرف الخواص‪.‬‬

‫نفهم من ذلك أن المشرع المغربي اعتمد معيار التخصيص الستعمال الجميع‪ ،‬لكن هذا التعبير ال يخلو‬
‫من غموض وال يصلح لوحده للتمييز بين األمالك العامة واألمالك الخاصة خصوصا في الوقت الحالي‬
‫حيث تمت صياغته بصفة عامة وغير واضحة‪.‬‬
‫ونجد كذلك المشرع المغربي لم يعطي لنا‪ ،‬من خالل النصوص القانونية المختلفة‪ ،‬جردا حصريا لكافة‬
‫األمالك العمومية التي تملكها الجماعات العمومية‪ ،‬وإنما اكتفى بإعطاء أمثلة على سبيل االستئناس ال‬
‫غير‪.‬‬

‫وعليه فتعريف الملك العام ال يبدو واضحا‪ ،‬شأنه في ذلك منشور ‪ ،1912‬كما أن المشرع المغربي ينظر‬
‫إلى الملك باعتباره ملكا مملوكا للدولة أو لإلدارة ومخصصا الستعمال الجمهور إما مباشرة أو عن‬
‫طريق استعماله من طرف المرفق العام‪.‬‬
‫وقدم بمقابل ذلك‪ ،‬تعريفا سلبيا لألمالك الخاصة التي تملكها هذه الجماعات‪ ،‬بحيث اعتبرت من قبيل تلك‬
‫األمالك كل األمالك التي ال تدخل في دائرة األمالك العامة‪.‬‬

‫واقتصارا على ذلك‪ ،‬يبدو األمر في غاية السهولة إذ سيكون من األيسر علينا معرفة األمالك الخاصة‬
‫بمجرد تحديدنا وحصرنا لألمالك العامة‪ ،‬وهو شيء يتعذر علينا القيام به على اعتبار أن المشرع‬
‫المغربي‪ ،‬كما سلف القول‪ ،‬لم يضع جردا حصريا لألمالك العامة‪ ،‬وإنما اكتفى بسرد بعضها على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬مستبدال بذلك الصعوبة بصعوبة أخرى‪ ،‬إذ يتعين علينا لمعرفة األمالك الخاصة‪ ،‬أن نضع قائمة‬
‫حصرية لمختلف األمالك العامة‪ .‬ومن هذه الزاوية‪ ،‬إذن‪ ،‬تظهر لنا أهمية التنقيب عن المعيار الذي‬
‫اعتمده التشريع المغربي في هذا الباب باعتباره الوسيلة التي بواسطتها يمكننا وضع الحدود الفاصلة بين‬
‫ما يعد أمالكا عامة وما يعد أمالكا خاصة‪.‬‬

‫وانعدام الوضوح النسبي هنا‪ ،‬يجرنا إلى الحديث عن موقف القضاء المغربي من هذه القضية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬موقف القضاء من تعريف الملك العمومي‬

‫لقد لعب االجتهاد القضائي دورا أساسيا في تعريف الملك العمومي ورصد عناصره ومنطلقا أساسيا‬
‫بالنسبة لمختلف المواقف التي تبناها الفقهاء أو بالنسبة للتعريف الذي اعتمده المشرع بهذا الصدد‪.‬‬

‫تجب اإلشارة إلى أن الجانب األكبر من النصوص القانونية الفرنسية تتكون من قواعد تجد أساسها في‬
‫الحلول التي أفرزها االجتهاد القضائي‪.‬‬
‫ذلك أن هذا األخير في معرض تعريفه للملك العام قد اتخذ مواقف تتسم بالمرونة وتعبر عن مدى عمق‬
‫التطور الذي ما فتئ يميز قراراته في الموضوع‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل أهم القرارات عن مجلس الدولة‬
‫الفرنسي في هذا الباب‪ ،‬إنه قرار « ‪ "» Société le béton‬حيث تبنى المجلس معيارا يقوم على أساس‬
‫عنصرين رئيسين‪:‬‬
‫العنصر األول وهو تخصيص المال لمرفق عام‪ ،‬اما العنصر الثاني فهو التهيئة الخاصة لهذا المال‪.‬‬

‫وقد تم تفسير هذا المعيار تفسيرا موسعا إلى حد أمكن معه القول بأن الملك العمومي ال يهم الموضوع‬
‫ذاته فقط بل إنه قد يهم حتى توابعه وذلك حسب الحاالت التي يعود للمحاكم المختصة البث فيها‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء المغربي‪ ،‬فنجد بأنه فسر مبدأ االستعمال من طرف الجميع تفسيرا واسعا واعتمده‬
‫كأساس للتمييز بين األمالك العامة واألمالك الخاصة‪.‬‬
‫فاألمالك العمومية هي األموال العقارية واألموال المنقولة سواء كانت هذه األموال مخصصة الستعمال‬
‫المباشر للجمهور أم كانت مخصصة لخدمة المرافق العامة وذلك وفقا لما جاء في االجتهاد القضائي‬
‫لمحكمة النقض الفرنسية (التي كانت تنظر إذ ذاك في طلبات النقض المقدمة ضد أحكام المحاكم)‪ ،‬وذلك‬
‫في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 28‬أكتوبر ‪" :1957‬إن األمالك العامة للسكك الحديدية ال تشمل فقط السكك‬
‫الحديدية ولكنها تشمل جميع األمالك المعدة للمرفق العمومي الخاص بالسكك الحديدية‪ ،...‬وترتبط طبيعة‬
‫الملكية العامة بالتخصيص الخاص المعد للعموم أو باإلعداد الخاص باستغالل مرفق عمومي"‪.‬‬

‫وفي بعض االجتهادات القضائية الصادرة عن المحاكم اإلدارية وبالرغم من قلتها‪ ،‬نالحظ محاولة القضاء‬
‫اعتماد المعيارين معا‪ :‬معيار التخصيص الفعلي ومعيار التخصيص القانوني أيضا إلضفاء صفة‬
‫العمومية على ملك من األمالك وهذا نجده في إحدى القضايا المطروحة على المحكمة اإلدارية بفاس‬
‫بتاريخ‪" :10/12/2002‬وحيث إن المقصود فقها وقضاء باألموال العامة سواء كانت للدولة أو‬
‫للجماعات أو المؤسسات العمومية‪ ،‬هي تلك الوسائل المادية التي تستعين بها الجهات اإلدارية على‬
‫ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام ويشترط العتبارها أمواال عامة أن تكون مخصصة للمنفعة العامة‬
‫بالفعل أو بمقتضى القانون من جهة أخرى‪ ،‬والتخصيص بالفعل معناه رصد المال العام الستعمال‬
‫الجمهور مباشرة‪ ،‬أما التخصيص بالقانون فهو متى ينص القانون على اعتبار مال معين من األموال‬
‫العامة"‪.‬‬

‫ومن أحكام المحاكم اإلدارية التي سارت في نفس االتجاه نذكر‪ :‬حكم المحكمة اإلدارية بوجدة‪ .‬والذي جاء‬
‫فيه‪" :‬وحيث إنه إذا كان المال العام هو ما تملكه الدولة واألشخاص االعتبارية العامة التابعة لها من‬
‫عقارات ومنقوالت مخصصة بالفعل أو بمقتضى القانون للنفع العام وخدمة المصلحة العامة وتسيير‬
‫المرفق العام‪."...‬‬

‫إذن هناك اعتراف صريح بتبني المعيارين معا‪ :‬التخصيص الفعلي والتخصيص القانوني لتحديد صفة‬
‫األمالك وهذا من شأنه أن يشكل وسيلة لتوحيد االجتهاد القضائي بهذا الخصوص وإزالة التناقض وكل‬
‫التباس من شأنه أن يشجع اإلدارة على استعمال سلطتها التقديرية في مجال تخصيص األمالك العمومية‪.‬‬

‫فبعد الحديث عن التصنيفات المتعددة لألمالك العامة وكذا المعايير المعتمدة في ذلك‪ ،‬البد من التذكير‬
‫على أن األمالك العمومية تعتبر الوسيلة األساسية التي تعتمدها الدولة وباقي أشخاص القانون العام‬
‫لممارسة نشاطها وانجاز المشاريع المختلفة والمرتبطة بتحقيق النفع العام‪ .‬ولهذا السبب بالذات كان البد‬
‫من إخضاع األمالك العمومية لنظام قانوني خاص بها يختلف عن النظام المطبق في مجال األمالك‬
‫الخاصة‪.‬‬

‫وحينما نتحدث عن نظام القانوني لألمالك العمومية يستوجب أن يتجه المشرع المغربي إلى سن نصوص‬
‫قانونية واضحة ومحينة تحدد بشكل حصري األمالك العامة حتى يتسنى تميزها عن األمالك الخاصة ‪،‬‬
‫وبذلك يتم حصر التدخل القضائي في ظل وجود نص صريح يتعلق بتدبير وتسيير هذه األمالك‬
‫وحمايتها‪.‬‬

You might also like