Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 20

‫ماستر قانون المنازعات‪ ،‬وحدة الوسائل البديلة لتسوية المنازعات‬

‫الموضوع‪ :‬المفاوضات كآلية لحل المنازعات‬

‫من انجاز الطلبة المجموعة (ن)‪:‬‬


‫‪ ‬محمد اعميمي‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عويطة‪.‬‬
‫‪ ‬امين غوزال‪.‬‬
‫‪ ‬فاطمة الزهراء األخلفي‬
‫‪ ‬محمد بدر الدين طالبعلة‪.‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫الموضوع ‪ :‬المفاوضات كألية لتسوية الن‬

‫التصميم ‪:‬‬

‫مقدمة عامة‪:‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مبدأ التفاوض‬

‫المطلب األول‪ :‬التفاوض فن أم علم؟‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المهارات أو السياسات التفاوضية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع التفاوض ومراحله‬

‫المطلب األول ‪:‬أنواع المفاوضات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل المفاوضات‬

‫المبحث الثالت‪ :‬المفاوضات االلكترونية ‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التفاوض عبر الوسائل االلكترونية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوساطة عبر الوسائل اإللكترونية‬

‫الخاتمة‬

‫‪1‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫مقدمة عامة‪:‬‬

‫أضحت وسائل فض النزاعات بصفة عامة في عصرنا الحالي متنوعة‪ ،‬ولم تعد تقتصر على القضاء (المحكمة) فقط‪ ،‬بل أصبحت‬
‫هناك وسائل وطرق بديلة لتسوية النزاعات كالمفاوضات‪ ،‬الوساطة والتحكيم‪ .‬بحيث يتم اللجوء إليها نظرا لما تمتاز به هذه الوسائل من‬
‫سرعة ومهنية وسرية واقتصاد في المصاريف ونفقات التقاضي‪ ،‬إضافة الى التعقيدات المسطرية القانونية منها ما هو موضوعي وما هو‬
‫شكلي‪.‬‬
‫فالمفاوضات تقوم على أساسا على حسن النية والرغبة في اجاد الحلول بشكل حبي وودي لبعض النزاعات التي تنشأ بين‬
‫األشخاص في اطار النقاش وتبادل الحجج واالقناع بشكل مباشر دون ادخال اطراف خارجة عن القضايا صلب النزاع مما يتطلب من اطراف‬
‫المفاوضات التحلي بروح المسؤولية واألخذ والعطاء في اطار تنازالت متبادلة بين المعنيين باألمر لتجنب القطيعة التي غالبا ما تنتج بين‬
‫األطرا ف المتنازعة عقب اللجوء الى المحاكم‪ ،‬في الوقت الذي تبقى الصورة النمطية ألطراف النزاع تشوبها شكوك حول انحياز القضاء‬
‫لطرف دون اخر‪.‬‬
‫هذا وقد تأخذ المفاوضات بين اطراف النزاع الواحد عدة صور منها ما هو سياسي‪ ،‬ومنها ما هو اقتصادي او اجتماعي حسب‬
‫طبيعة النزاع واط رافه تجارية منها او مدنية او قانونية مثال‪ ،‬كما يمكن ان تأخذ ابعادا متعددة منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي كل‬
‫حسب الموقع الدي يتواجد به او الجهة التي يمثلها‪....‬الخ‪.‬‬
‫وقبل تناول موضوع المقاضاة السؤال الرئيس في عرضنا هذا يبدو جليا تحديد معنى التفاوض وداللته (‪ )1‬تطوره كوسيلة بديلة‬
‫لحل النزاعات(‪ ) 2‬الفرضيات التي يمكن عليها االعتماد في البحث (‪ ) 3‬و قبل تحديد الموضوع الذي يهمنا من معالجة هده الوسيلة في كبديل‬
‫عن الوساطة والتحكيم و اللجوء الى القضاء من خالل عرضنا هذا(‪ )4‬مرورا بطرح بعض اإلشكاالت التي تطرحها هذه الوسيلة كبديل لحل‬
‫المنازعات (‪ )5‬والمنهجية المعتمدة في البحث( ‪.)6‬‬
‫‪ -1‬تعريف ومدلول المفاوضات‪:‬‬
‫تحظى المفاوضات بمكانة مهمة بين الوسائل السلمية دات الطابع الحبي والودي في تسوية القضايا الناشئة عن تضارب‬
‫المصالح بين االفراد والجماعات والمترتبة عن قصد او غير قصد باإلخالل بالتزامات احد اطراف النزاع او كالهما‪ .‬وتعد هذه الوسيلة احدى‬
‫الطرق إلرجاع األمور الى نصابها بشكل مباشر وودي بين أطراف النزاع دون تطور األحداث أكثر واللجوء لوسائل وطرق غير مرغوب‬
‫فيها من لدن الطرفين‪ .‬وان ذل ذلك عن شيء‪ ،‬انما يذل على حسن نية األطراف الراغبة في تسوية النزاع بطرق سلمية إلعطاء انطالقة‬
‫جديدة دون احذات قطيعة بين األطراف المتنازعة كما تكون عليه الحالة عندما يلجؤون اللجوء الى القضاء او وسائل أخرى كالوساطة او‬
‫التحكيم مثال ‪ .‬وذلك مما تتميز به من مرونة ويسر في تسوية مختلف أنواع النزاعات‪ .‬ومساهمتها في الحفاظ على أواصر المحبة والمودة‬
‫التي تطبع المعامالت والعالقات بين األشخاص فرادا وجماعة عامة واألطراف المعنية بالنزاع بصفة خاصة من خالل تذليل الصعاب واجاد‬
‫الحلول الكفيلة لضمان حقوق المتنازعين كطريقة راقية دات البعد األخالقي السامي‪ .‬بعيدا عن اشراك أطراف خارجة عن النزاع والتي يمكن‬
‫لدورها في حل النزاع ان تزيده تأزيما وتعقيدا‪.‬‬
‫ويعرف النزاع بانه نتاج تضارب المصالح بين طرفين او أكثر ورغم الصيغة االصطالحية المشحونة بالعنف فهذا ال يعني انه يمكن‬
‫ان يكتسي صبغة نزاع سلمي بعيدا عما يقصد بصيغته اللغوية‪ .‬كما يمكن تعريف التفاوض لغة او اصطالحا بأنه‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬التفاوض لغة‪ :‬تفاوض القوم في االمر أي فاوض بعضهم بعضا‬

‫‪ 1‬زين الدين أبو عبد هلال محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي‪ ،‬مختار الصحاح المحقق‪ :‬يوسف الشيخ محمد بيروت‪ :‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬الطبعة ‪ ،1999, 5‬الجزء األول‪ ،‬ص‪.244:‬‬

‫‪2‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬فاوضه في األمر بادله الرأي بغية الوصول إلى تسوية واتفاق‬
‫‪ -‬التفاوض اصطالحا ‪" :‬المحادثات المؤدية إلى التفاعل‪ ،‬بهدف التوصل الى اسس لالتفاق‪ ،‬نحو مشكلة قائمة أو هدف محدد‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫للوصول إلى الرضا من تحقيق االتفاق‪.‬‬
‫أو هو‪" :‬عملية ديناميكية متكاملة األبعاد ‪ ،‬تقوم على التفاهم بين طرفين أو أكثر‪ ،‬للوصول إلى اتفاق يحقق لهم مصلحة مشتركة‪،‬‬
‫وهي عملية تمتد من اإلعداد للمفاوضات مرورا بالمفاوضات ذاتها‪ ،‬وانتهاء بصياغة وتوقيع اتفاق أو معاهدة‪ ،‬بين األطراف المشاركة في‬
‫التفاوض ‪.4‬‬
‫تنشأ أهمية علم التفاوض من زاويتين أساسيتين‪:‬‬
‫‪ -‬األولى ضرورته‪ ،‬والثانية حتميته ‪.‬فنحن نعيش عصر المفاوضات‪ ،‬سواء بين األفراد أو الدول أو الشعوب فكافة جوانب حياتنا‬
‫هي سلسلة من المواقف التفاوضية ‪.‬وتظهر ضرورة علم التفاوض ومدى األهمية التي يستمدها من العالقة التفاوضية القائمة بين أطرافه‬
‫أي ما يتعلق بالقضية التفاوضية التي يتم التفاوض بشأنها وتلك هي الزاوية األولى ‪ .‬أما زاوية الحتمية‪ ،‬نجد أن علم التفاوض يستمد حتميته‬
‫من كونه المخرج أو المنفذ الوح يد الممكن استخدامه لمعالجة القضية والوصول إلى حل للمشكلة المتنازع بشأنها‪ .‬فكل طرف من أطراف‬
‫القضية التفاوضية لديه درجة معينة من السلطة والقوة والنفوذ لكنه في الوقت نفسه ليس لديه كل السلطة أو النفوذ أو القوة الكاملة إلمالء‬
‫إرادته وفرضها إجباريا على الطرف اآلخر ومن ثم يصبح التفاوض هو األسلوب الوحيد المتاح أمام األطراف التي لها عالقة بالقضية وتريد‬
‫الوصول إلى حل لها‪.‬‬
‫ه ذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التفاوض يمثل مرحلة من مراحل حل القضية محل النزاع إذ يستخدم في أكثر من مرحلة‪،‬‬
‫وغالبا ما يكون تتويجا كامال لهذه المراحل‪ ،‬فالتفاوض كأداة للحوار يكون اشد تأثيرا من الوسائل األخرى لحل المشاكل ‪.‬ويعد التفاوض‬
‫مخرجا نهائيا نحو االستقرار وان كان يجب التحفظ قليال للتأكد من صدق النوايا والتأكد من القدرات والقوى التي تملكها األطراف‬
‫المتفاوضة‪ .‬وهو كذلك انتصار للعقالنية المدركة لكافة األمور واألبعاد وتستخدم فيها أسلحة الحوار ومقارعة ‪5‬الحجة بالحجة والدليل‬
‫بالدليل ومن ثم يكون الوصول إلى نتائج نهائية يقتنع بها األطراف‪.5‬‬
‫هناك عدة مبادئ تحكم العملية التفاوضية في أي مجال من مجاالت الحياة وهي‪:‬‬
‫أ – مبدأ القدرة الذاتية‪ :‬وهي قدرة المفاوض على تفهمه للقضية وأبعادها‪ ،‬وكذلك قدرته على فهم الطرف اآلخر‪ ،‬من حيث سلوكه‬
‫وأفكاره‪ ،‬كما يتمثل في قدرته على القيادة واإلشراف‪ ،‬ومهاراته في االتصال والحوار واإلقناع‪.‬‬
‫ب – مبدأ المنفعة‪ :‬وهي الفوائد والمنافع التي يسعى كل طرف إلى تحقيقها‪ ،‬سوا ء أكان ذلك مكسب أو تقليل للخسائر‪..‬‬
‫ج – مبدأ االلتزام‪ :‬وهي التزام كل طرف بالعمل على تحقيق األهداف والمنافع للطرف الذي ينتمي إليه؛ وكذلك التزامه بتنفيذ ما يتم‬
‫التوصل إليه من اتفاقيات‪ ،‬واحترام المواعيد المحددة بأوقتها‪.‬‬
‫د – مبدأ العالقات المتبادلة‪ :‬أي المحافظة ع لى استمرارية العالقات المتبادلة المستقبلية بين أطراف التفاوض ‪.‬‬
‫ه ‪ -‬مبدأ أخالقيات التفاوض‪ :‬هي التأكيد على أهمية األخالق في التعامل‪ ،‬بعيدا عن الغش والتضليل‪ ،‬حيث أن المفاوض أوال‬
‫وأخيرا يمثل المنظمة التي ينظر إليها الجميع‪.6‬‬
‫‪ -2‬تطور التفاوض كوسيلة بديلة لحل النزاع‪.‬‬
‫منذ القدم كان الحوار والنقاش بين األفراد والجماعات فيما يتعلق بعالقتهم الحياتية الوسيلة للتفاهم والتوافق وقد كانت المحادثات‬
‫الشفوية الوسيلة األولي لالتصال والتفاوض وتبادل الرأي في مختلف المواضيع والقضايا والمشاكل ‪ ،‬ففي الصالت والعالقات االجتماعية‬

‫‪ 2‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوجيز القاهرة‪ :‬دار التحرير‪.1980 ،‬ص‪.484،‬‬


‫‪ 3‬حسن الحسن‪ ،‬التفاوض والعالقات العامة بيروت‪ :‬المؤسسة الجامعية‪ .1993. ،‬ص‪.1،‬‬
‫‪ 4‬علي سالم‪« .‬فن التفاوض المبادئ العامة وبعض التطبيقات العملية‪ ،‬المصرية للتنمية والتخطيط‪ ،‬المجلد‪ 4 ،‬العدد‪ ،2 ،‬القاهرة ‪ ،1996‬ص‪.92،‬‬
‫‪ 5‬برنامج األمم المتحدة اإلنمائي اليمن دليل المجتمع المحلي للحد من النزاعات والتنمية الحساسة للنزاعات ‪, 2012‬الصفحة‪.32،‬‬
‫‪ 6‬محمد عوض الهزايمة‪ ،‬المدخل إلى فن التفاوض الدنمارك‪ :‬األكاديمية العربية المفتوحة‪ ،2011,‬ص‪.9 ،‬‬

‫‪3‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫كالزواج مثال ‪ -‬كانت المحادثات الشفوية ووساطة أطراف ثالثة من وسائل التفاوض الهامة إلتمام الزواج ‪.‬وفي العالقات والمعامالت‬
‫التجارية كانت المحادثات الشفوية وسيلة التفاوض واالولي في البيع والشراء والمقايضة بين سلعة وأخرى‪.‬‬
‫وفي المعامالت بين المجموعات البشرية في حروبها وص لحها كان التفاوض وسيلة إلقرار هدنة او عقد صلح او تكوين نوع من التحالف‬
‫بين فريقين ضد الفريق االخر ومع تقدم االنسان وظهور الحضارات القديمة العريقة اهتمت بتنظيم عالقاتها الخارجية واجراء المفاوضات‬
‫ونجد ان المصريين والبابليين كانوا يعقدون المعاهدات الخاصة بالتحالف والصداقة ومع نشوء االمم وظهور الدولة الحديثة بمؤسساتها‬
‫السياسية والقانونية واالقتصادية واالجتماعية تطورت وتعقدت وتنوعت العالقات بين الجماعات والمؤسسات والتكتالت المختلفة داخل‬
‫الدولة الواحدة كما تطورت العالقات السياسية واالقتصادية والتجارية بين الدول المختلفة‪.‬‬
‫وفي ظل هذا التطور اصبح التفاوض سواء على المستوي المحلي او االقليمي او الدولي أداة هامة في تسوية المشاكل وحل‬
‫الخالفات وخنق أالزمات وإحالل الوفاق وفي العمل على زيادة التفاهم والتفاعل واقامة التوازن بين المصالح المختلفة وبين اآلراء‬
‫‪7‬‬
‫والمصالح المتباينة وبين الحقوق والواجبات‪.‬‬
‫ففي العقد األول من القرن العشرين عثر على لوح حجري يحتوي على نصوص معاهدة الصلح باللغة السومارية ابرمت بين مدينة‬
‫( ليكش) ومدينة (اوما) السوماريتين في جنوب العراق ‪ ،‬وقد تضمنت المعاهدة وجوب احترام ا خندق الحدود بين الطرفين‪ ،‬وعلى شرط‬
‫‪8‬‬
‫التحكيم لفظ أي نزاع قد ينشا بشان الحدود ‪.‬‬
‫‪ -3‬أهمية الموضوع‪:‬‬
‫تبرز أهمية الموضوع في األهداف والغايات التي يصبو اليها التفاوض في حل المنازعات المختلفة عن طريق الوسائل السلمية‬
‫البديلة والودية والتي تقصي دور القضاء من خالل التزام األطراف المتنازعة بالنتائج المترتبة عن هذه االتفاقات المتعددة الصور‬
‫والمجاالت‪ .‬وهي الوسائل التي فرضتها التحوالت والمستجدات المتالحقة التي دعت فيها الحاجة الى تغيير لغة التواصل والحوار باعتماد‬
‫أداة مباشرة بين اطراف النزاع‪.‬‬
‫‪ -4‬تحديد موضوع البحث‪:‬‬
‫يهدف موضوع البحث الى دراسة وت طبيق احد المبادئ االخالقية في حل النزاعات كبديل موضوعي للوسائل التقليدية كالتحكيم‬
‫والوساطة والقضاء‪.‬‬
‫‪ -5‬إشكاليات الموضوع‪:‬‬
‫رغم اإليجابية المتعددة للتفاوض كوسيلة لفظ النزاعات بطريقة مباشرة‪ ،‬تطفو على السطح بعض اإلشكاالت المتعلقة بمهارات‬
‫المتفاوض وقدرته ع لى االقناع وتحقيق مصلحته من خالل عملية التفاوض التي قد يطغى عليها جو عدم التوازن بين األطراف تكوينا‬
‫وتجربة ومهنية‪ ،‬فإلى أي حد يمكن اعتبار التفاوض وسيلة بديلة لتحقيق األهداف التي دفعت للجوء اليه؟‬
‫‪ -6‬منهجية البحث‪:‬‬
‫ولإلجابة على هده التساؤالت سنعتمد على المنهج التحليلي الوصفي لطبيعة الموضوع‪.‬‬
‫‪ -7‬التصميم‪:‬‬

‫‪ 7‬تاريخ وأنواع وخصائص ومجاالت التفاوض‪ ،‬المصدر ‪ http://www.ecwregypt.org/Arabic :‬تم تفحص الموق بتاريخ ‪ 2021-05-27‬الساعة ‪.18‬‬
‫‪ 8‬الدكتور عبد الحسين القطبفي‪ ،‬دور التحكيم في فض المنازعات الدولية‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‪ ،‬عدد ‪ .1‬بغداد ‪ ،1996‬ص‪.32،‬‬

‫‪4‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫المبحث األول ‪ :‬مبدأ التفاوض‬ ‫‪-‬‬

‫بعد ما تطرقنا سابقا إلى كل من مفهوم التفاوض ومبادئه‪ ،‬سنحاول من خالل هذا المبحث الذي قسمناه إلى مطلبين محاولة الوقوف‬
‫على طبيعة التفاوض ( المطلب األول ) قبل أن ننتقل إلى أساليب أو مهارات التفاوض (المطلب الثاني )‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التفاوض فن أم علم؟‬


‫يواجه مجتمعنا العربي عقبات عديدة في طريق محاوالته الدؤوبة حينا و المترددة في حين آخر‪ ،‬نحو التطور إلى أوضاع أفضل‬
‫وظروف أكثر صحية‪ ،‬و في مقدمة هذه العقبات‪ ،‬تلك األوهام التي روجها البعض حول وجود تناقض بين العلم والممارسة‪ ،‬و هو وهم‬
‫ال يقل خطورة عن التناقض السابق المزعوم بين أهل الثقة و أهل الخبرة‪ ،‬ولقد فات مروجو هذه األوهام أن صناعة المستقبل األفضل‬
‫غير ممكنة بغير سيادة النظرية والمنهجية العلمية لكافة مناحي الحياة‪ ،‬وأن الفجوة الحقيقية بين المتقدمين وغير المتقدمين هي في‬
‫األساس فجوة العلم والتكنولوجيا والعجز عن اللحاق بركاب العصر‪.‬‬
‫وإذا كان البعض يتصور في صحة هذا التناقض الوهمي في العديد من مجاالت الحياة االجتماعية‪ ،‬فإن هذا الزعم مؤسف في مجال‬
‫الديبلوماسية والتفاوض؛ حيث ال يمكن للممارسة أن تحقق أهدافها دون تناول علمي ومنهجي واستخدام رشيد ألدواتها‪ ،‬ولسعيها‬
‫لتحقيق أهدافها‪ .‬ويسئ إلى هذه القضية‪ ،‬وللمستقبل بالتالي‪ ،‬بعض المخلصين والجادين‪ ،‬الذين يرون بحسن نية‪ ،‬أو بتأثير من رؤية‬
‫نابعة من منطق العلوم الطبيعية‪ ،‬أن مجاالت الديبلوماسية والتفاوض ال موضع حقيقي للعلم فيها‪ ،‬أو على األقل يضعون هذه المجاالت‬
‫االجتماعية في مرتبة أدنى من العلم الطبيعي‪ ،‬ومهما كانت دوافع هؤالء أو غيرهم فإن كافة هذه التصورات تصب في مجرى واحد‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫يغفل حقائق كثيرة حول طبيعة ومفهوم العلم‪ ،‬كما يغفل تراثا ضخما للفكر واالجتهاد اإلنساني عبر التاريخ وعبر األماكن‬
‫ولكي يتم حسم هذا الخالف‪ ،‬ومع الت سليم برأي البعض بأن التفاوض يحتاج إلى قدرات فنية ومواصفات وسمات شخصية يتمتع بها‬
‫المفاوض‪ ،‬وتجعله ينفرد بمفرده دون غيره من اآلخرين بتحقيق نتائج مرضية لقادته‪ ،‬فإن العلم قد يسد العجز لدى اآلخرين من خالل‬
‫تدريبهم على أساليب مهارات وخطط و استراتيجيات العملية التفاوضية‪ ،‬بيد أن يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك‪ ،‬أن نتائج العلم قد تفوق‬
‫القدرات الشخصية لألفراد‪ ،‬ولكن النتيجة األكثر إيجابية والحل األمثل هو الربط بين العلم والفن‪ ،‬فخالصة القول في هذا الصدد إذا أمكن‬
‫وتوافر لدى البعض أفراد بمواصفات فريدة‪ ،‬وندعمهم بالجانب العلمي‪ ،‬فإن النتائج التي سوف تتحقق بال شك على أرض الواقع تمثل‬
‫أحالم يتطلع إليها الجميع ويهدف إلى تحقيقها‪ ،‬ومن ثم فإن العلم والفن وجهين لعملة واحدة التصور فصلهما‪.8‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المهارات أو السياسات التفاوضية‪.‬‬


‫تعد السياسة التفاوضية هي المفتاح الرئيسي لمعرفة منهج الطرف االخر الذي سوف يستخدمه في التفاوض والهدف الذي يسعى‬
‫إلى تحقيقه وماذا يدبر من وراء الجلوس الى مائدة المفاوضات؟‬
‫ع موما وعلى الرغم من تعدد وتنوع السياسات التفاوضية المستخدمة إال أنه يمكن لنا أن نشير بإيجاز الى أهم هذه السياسات على‬
‫سبيل المثال ال الحصر فيما يلي‪:‬‬
‫سياسة االختراق التفاوضية‪.‬‬
‫سياسة التعميق التفاوضية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سياسة التوسيع واالنتشار التفاوضية‬ ‫‪-‬‬
‫سياسة التعتيم التفاوضية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سياسة الحصار التفاوضي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سياسة إحداث التوتر التفاوضية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سياسة االسترخاء التفاوضية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪5‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫وأيا ما كانت هذه السياسات فكل منها له سياسات مضادة‪ ،‬ومن ثم فإنه من المناسب العرض لكل سياسة مع السياسة المضادة لها‪،‬‬
‫وهو ما سيتم تناوله فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬سياسة االختراق التفاوضية ‪ /‬سياسة الجدار الحديدي التفاوضية‬
‫‪ 1-1‬سياسة االختراق‪:‬‬
‫تستخدم هذه السياسة بفعالية وعلى نطاق واسع في حالة الجلوس ألول مرة مع طرف آخر لم تكن هناك عالقات معه من قبل‪،‬‬
‫ومن ثم فإنه يمثل كما مجهوال وصندوقا مغلقا في حاجة الى اختراقه وال يعني هذا بالطبع أن ليس هناك معلومات عنه بل قد تكون هناك‬
‫بعض المعلومات ولكنها بالطبع معلومات غير كافية أو معلومات غامضة ومبهمة حصلت عليها‪.‬‬
‫وسوف تكتشف أن بعض هذه المعلومات خاطئة تم تسريبها إليك عبر عدة قنوات إقناعك بموقف معين أو إجبارك على اتباع‬
‫أسلوب معين وسياسة معينة يسهل التغلب بها عليك أثناء العملية التفاوضية‪.‬‬
‫وهنا يجب التحذير من االنطباع األول الذي يتكون من خالله اللقاء التفاوضي األول مع هذا الطرف‪ ،‬حيث غالبا ما يكون غير دقيق‬
‫نظرا لقدرة الطرف اآلخر على إضفاء كثير من الصفات الخادعة غير الحقيقية على نفسه خالل هذه المقابلة‪ ،‬والتي سرعان ما تتالشى‬
‫تدريجيا من تعدد اللقاءات والجلسات التفاوضية‪ ،‬إلى أن يظهر هذا المفاوض على حقيقته‪ ،‬وتعتمد هذه السياسة على الحصول على كل ما‬
‫يمكن جمعه من معلومات عن الطرف اآلخر‪ ،‬وتقليل دائرة عدم التأكد أو هالة الضباب المحيطة به‪.‬‬
‫فإذا ما تمكنا من الحصول على هذه البيانات أمكن التأثير على فريق التفاوض اآلخر بشكل يمكننا من كسب الجوالت التفاوضية‬
‫بنجاح‪.‬‬
‫‪ 2.1‬سياسة الجدار الحديدي التفاوضية‪:‬‬
‫وهي السياسة التي تواجه بها محاولة الخصم استخدام سياسة االختراق عن طريق المحافظة على تماسك وصالبة فريق التفاوض‬
‫الذي عليه ان ال يتيح للطرف اآلخر فرصة الحصول على معلومات يستفيد منها‪ ،‬وتستخدم سياسة الجدار الحديدي بفعالية كبيرة في‬
‫المفاوضات الدولية والمحلية بل و الشخصية على حد سواء‪ ,‬حيث يتم االعتناء باختيار أفراد فريق التفاوض الذين يتسمون بالقدرة على‬
‫المحافظة على أسرارهم ‪ ,‬وأنهم من غير المعروفين للطرف اآلخر‪ ,‬وأن االحترام و الثقة قائما بينهم وبين رئيسهم و أنهم من الصعب التأثير‬
‫عليهم‪ ,‬و أنهم شديدو الصالبة و التزمت أمام المغريات المادية و غير المادية‪ ,‬كما أنهم من أصحاب الوجوه الجامدة التي تخفي مشاعر‬
‫أصحابها و عواطفهم الحقيقية‪. ...‬‬
‫ومن ثم فإن من الصعب التأثير عليهم واختراقهم ومعرفة تكوينهم النفسي والتأثير على وحدة القرار لديهم او تماسكهم كفريق‬
‫تفاوضي متكامل‪ .‬فضال عن اإلشراف عليهم وحمايتهم من أي اختراق يقوم به الطرف اآلخر من حيث زرع أجهزة التصنت أو ارسال‬
‫الجواسيس أو غيرهم من األفراد الذين يهددون سالمة قيامهم بالعمل التفاوضي على خير وجه‪.‬‬
‫‪ -2‬سياسة التعميق التفاوضية ‪ /‬سياسة التعتيم التفاوضية‬
‫‪ 1.2.‬سياسة التعميق ‪:‬‬
‫وتعمل هذه السياسة على تطوير مستوى المعلومات التي تم الحصول عليها من الطرف اآلخر سواء خالل جلسات التفاوض‬
‫السابقة أو قبلها‪ .‬وبحث مجاالت أكثر تفصيال وعمقا من المجاالت التي تم بحثها في الجلسات السابقة‪ ،‬خاصة وأننا أصبحنا على دراية‬
‫ومعرفة أكثر بالطرف اآلخر ومن ثم فإنه من معرفة المجاالت التي يتم التركيز عليها أكثر يمكن تعظيم العائد وتضخيم المكاسب التفاوضية‪،‬‬
‫ومن ثم يتم اختيار هذه المجاالت كنقاط بحث ذات أولوية خاصة‪ ،‬ويتم تركيز االهتمام عليها بشكل كبير‪ .‬ومن حيث االرتقاء بمستوى‬
‫المعالجة التفاوضية واالنتقال بها من معالجة القضايا والنواحي الشكلية الى معالجة األمور الجوهرية والحقيقية أو الرئيسية الخاصة‬
‫بالقضية المتفاوض بشأنها‪ .‬وال تستخدم هذه السياسة‪ ،‬إال بعد التأكد من اإلحاطة بكل شيء عن الطرف آخر‪ ،‬وخاصة أن البعض من‬
‫المفاوضين يطلقون على هذه السياسة سياسة التأكيد التفاوضية‪ ،‬أي تأكيد مستوى العالقات التفاوضية مع الطرف اآلخر بالسير في نفس‬
‫االتجاه السابق‪ ،‬ولكن بصورة أكثر تحديدا وتأكيدا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫‪ 2.2‬سياسة التعتيم‬
‫ويطلق عليها البعض أحيانا سياسة التهميش أو التسطيح حيث تعمل على جعل العملية التفاوضية مجرد عملية هامشية سطحية ال‬
‫تتعدى النواحي الشكلية للقضية التفاوضية‪ .‬وهي السياسة التي تستخدم لمواجهة سياسة التعميق‪ ،‬حيث يكون على الفريق التفاوض‬
‫مواجهة محاوالت الفريق اآلخر للتغلغل وابطال هذه المحاوالت وإفشالها عن طريق استخدام سياسة ذكية وماهرة للتعتيم تقوم بالتشكيك في‬
‫قيمة المعلومات التي حصل عليها‪ ،‬وفي تصديقها وفي مدى مناسبتها‪ .‬وبصفة عامة تستخدم هذه السياسات إلخفاء سحابة من الشك‪،‬‬
‫وإلباس الموقف التفاوضي خالله الريبة والتوجس‪ ،‬عن طريق الطرف اآلخر بعدم توافر بيانات كافية لديه عن نوايا وحقيقة أهدافنا‪.‬‬
‫‪ -3‬سياسة التوسيع واالنتشار التفاوضية ‪ /‬سياسة التضييق والحصار التفاوضية‬
‫‪ 1.3‬سياسة التوسيع واالنتشار‬
‫وهي سياسة من أهم وأزكى سياسات التفاوض التي تجعل جلساته ساخنة دائما‪ ,‬وتجعل الفريق اآلخر يلهث من اإلرهاق و التعب‬
‫حيث تقوم على توسيع النقاط التفاوضية التي يتم بحثها باستمرار وضم نقاط جديدة للتفاوض‪ ,‬بحيث يتسع نطاق التفاوض ليشمل في‬
‫الجلسة الواحدة عدة عناصر من ع ناصر القضية التفاوضية‪ ,‬مع سرعة عرض وتناول كل منها معا‪ ,‬مما يمثل ارهاقا للطرف اآلخر بشكل‬
‫يجعله ضعيف التركيز‪ ,‬ومن ثم يمكن كسب كثير من النقاط التفاوضية شديدة األهمية دون أن يدرك الطرف اآلخر التفاصيل و األجزاء التي‬
‫يحتويها و التي يكون لها القدرة على كسب القضية بكاملها‪.‬‬
‫‪ 2.3‬سياسة التضييق والحصار‬
‫وتقوم هذه السياسة على السماح للطرف اآلخر باالنتقال من نقطة أخرى قبل أن نفرغ تماما من النقطة التي نحن بصددها‪ ،‬وعدم‬
‫التوسع في تناول أكثر من نقطة تفاوضية خاصة إذا كان الطرف اآلخر ممن يتصف بالخبث والدهاء ولم يتسع لنا الوقت لإللمام بكافة‬
‫عناصر القضية التفاوضية‪.‬‬
‫سياسة إحداث التوتر التفاوضي‪ /‬سياسة االسترخاء التفاوضي‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ 1.4‬سياسة إحداث التوتر التفاوضي‬
‫يعد القلق أحد أهم العوامل التي من خاللها يتم ارباك الطرف اآلخر و االنتصار عليه تفاوضيا‪ ,‬ويتم إحداث القلق عن طريق اتباع‬
‫سياسة التوتر التفاوضي ‪ ,‬من حيث إحداث نوع من عدم االستقرار في الموقف التفاوضي‪ ,‬وإدخال عدة عوامل تفاوضية جملة واحدة بغرض‬
‫إحداث إرباك لدى الطرف اآلخر من حيث صعوبة تناوله جملة واحدة بالتفاوض‪ ,‬فضال عما تحتاج اليه كل منها من معالجة خاصة‪ ,‬وما‬
‫تتطلبه من توافر متخصصين ومعلومات عن كل منها‪ ,‬وهو يمثل أيضا وسيلة في نفس الوقت لزيادة حالة "القلق" لدى الطرف اآلخر عن‬
‫طريق زيادة كم و حجم النواحي الفنية في القضية التفاوضية مثل العوامل الجغرافية‪ -‬الهندسية‪-‬القانونية‪ -‬التعليمية‪ -‬البحرية‪ -‬االقتصادية‪-‬‬
‫التجارية‪ -‬السياسية‪ -‬الثقافية‪ -‬االجتماعية‪ -‬القومية‪ (...‬وجعلها محور التفاوض مما يجبر الطرف اآلخر على اللجوء للمتخصصين في هذه‬
‫النواحي ويجعله دائم التغير في فريق التفاوض الخاص به‪ .‬أو على األقل زيادة عدده مما يجعل الفرصة مهيأة أكثر لوجود خالف في الرأي‬
‫بين أعضائه أو زرع هذا الخالف مما يزيد من فرص التوتر ويجعل المجال مهيأ للفوز على هذا الفريق المرتبك القلق جدا سواء بالنسبة‬
‫لعوامل الوقت‪ ،‬أو بالنسبة لعوامل التكلفة التي سوف تتحملها عملية التفاوض‪.‬‬
‫‪ 2.4‬سياسة االسترخاء التفاوضي‬

‫ويطلق عليها البعض أحيانا سياسة التجاهل‪ ،‬وسياسة النفس الطويل‪ ،‬وهي تقوم على عدم االهتمام بكل ما يطلبه الفريق اآلخر‪ ،‬وعدم‬
‫االنسياق للضغوط التي يقوم بها‪ ،‬بل التريث حتى يتبين لنا مدى أهمية ما يعرض علينا وماهي جوانبه التي حاول الطرف اآلخر أن يجعلها‬
‫مبهمة ويخفيها عنا‪ .‬وتستخدم في سياسة االسترخاء عوامل الصبر‪ ،‬وأن يترك للزمن حل معظم القضايا‪ ،‬وان الزمن في هذه الحالة سيكون هو‬
‫العامل شديد الفع ل والتأثير على سير القضية التفاوضية وعلى إدارة جلساتها‪ .‬وكثيرا ما تستخدم الشركات المتعددة الجنسية هذه الوسيلة في‬
‫مفاوضاتها التجارية مع بعض الوفود التجارية من دول العالم الثالث‪ ,‬حيث تقوم باستضافة هذه الوفود في افخر الفنادق التي تبعد كثيرا عن‬

‫‪7‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫مكان التفاوض ال محدد‪ ,‬وأن تتضمن إقامتهم برنامج حافل بالسهرات حتى ساعات متأخرة من اليل‪ ,‬وأن يتاح لهم الوقت الكامل للقيام بعمليات‬
‫الشراء لذويهم وأسرهم ‪ ,‬ومن ثم يكون الوقت المتاح للتفاوض محددا للغاية يكاد يكون محددا فقط للتوقيع على االتفاق الذي اعد ببراعة وعناية‬
‫وتحت ضغط العالم و الحاجة اللذين سبق إحض ارهما و اختيارهما لتسجيل اللحظة "التاريخية" لتوقيع العقد يتم التوقيع عليه‪ ,‬وال مانع من‬
‫إضافة فقرات إعالمية تظهر مدى براعة وكفاءة وجهد وصبر وإتقان وتفاني فريق مفاوضي العالم الثالث في الوصول على هذا االتفاق بعد‬
‫مفاوضات شاقة ومرهقة للغاية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع التفاوض ومراحله‬


‫بعد تناولنا لكل من طبيعة التفاوض وسياساته في المبحث األول انتقلنا إلى هذا المبحث الذي قمنا بتقسيمه هو أيضا إلى مطلبين‬
‫خصصنا األول ألنواع المفاوضات‪ ،‬أما الثاني فسنتطرق فيه إلى مراحل هذه المفاوضات‪.‬‬

‫المطلب األول ‪:‬أنواع المفاوضات‬


‫‪9‬‬
‫قدّم عالم االجتماع "فريد اكلي" ' ‪ ' Fred Ike‬تصنيفا خماسيا مبنيا على الهدف التفاوضي وهو على الشكل اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬التفاوض من أجل م ّد اتفاقيات أو عقود عسكرية أو اقتصادية قائمة شارفت على االنتهاء مما سيؤدي إلى نتائج سلبية على‬
‫الطرفين أو أحدهما‪.‬‬
‫‪ -2‬التفاوض من أجل تطبيع العالقات‪ ،‬أي تأسيس أو إعادة تأسيس عالقات دبلوماسية انقطعت لظروف معيّنة أو لم تكن‬
‫موجودة باألساس كالمفاوضات التي حصلت بين مصر وإسرائيل عام ‪.1979‬‬
‫‪ -3‬مفاوضات تغيير األوضاع أو "إعادة التوزيع" حيث يكون الهدف هنا هو تغيي ر أوضاع معينة لصالح طرف ما على حساب‬
‫طرف آخر كالمفاوضات التي جرت بين ألمانيا في عهد "هتلر" والرئيس التشيكي في مارس من عام ‪ 9391‬من أجل تسليم بقية األراضي‬
‫التشيكية لأللمان‪.‬‬
‫‪ -4‬المفاوضات االبتكارية والمقصود منها خلق عالقات جديدة أو مؤسسات جديدة من شأنها تنظيم العالقات بين األطراف المعنيّة‬
‫بالتفاوض‪ ،‬وكمثال على هذا النوع من التفاوض يضرب فريد اكلي مثاال عن المفاوضات التي حصلت قبل تأسيس السوق األوروبية أو وكالة‬
‫الطاقة النووية‪.‬‬
‫التوصل إلى حل نهائي وإنما التأثير على‬
‫‪ -5‬مفاوضات التأثيرات الجانبية‪ ،‬حيث ال يكون الهدف من هذه المفاوضات ّ‬
‫الطرف اآلخر واستطالع مواقفه وربما خداعة وتضليله أو إيصال رسالة له‪.‬‬
‫وفي نفس السياق يقترح الدكتور‪" ،‬حسن محمد وجيه"‪ ،‬في كتابه "مقدمة في علم التفاوض االجتماعي والسياسي" الصادر‬
‫عام ‪ 1994‬عن سلسلة عالم المعرفة تصنيفا ألنواع التفاوض‪ ،‬معتمدا أيضا على أهدف التفاوض ولكن من زاوية ُأخرى‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫‪ -1‬التفاوض من أجل اتفاق لصالح الطرفين‪ ،‬وهو يقوم على مبدأ المصالحة والمصلحة المشتركة أو ما يعرف بمبدأ‬
‫"اكسب أكسب" الذي أشرنا إليه في مقالنا السابق‪ ،‬حيث تتعاون األطراف المتفاوضة فيما بينها من أجل الوصول معا وبطريقة ابتكارية‬
‫وتفاعليّة من أجل الوصل إلى حل يستفيد منه جميع األطراف‪ .‬والشرط األساسي لهذا النوع من التفاوض هو تكافؤ موازين القوى واقتناع‬
‫الطرفين المعنيّين بأنه ال "غالب وال مغلوب" في صراعهما‪.‬‬
‫‪ -2‬التفاوض من أجل مكسب ألحد األطراف وخسارة للطرف اآلخر‪ ،‬وهذا النوع يحصل عندما ال يكون هناك توازن قوى‬
‫بين األطراف المعنيّة بالتفاوض وعلى األغلب في هذه الحالة يملي الطرف األقوى شروطه على الطرف األضعف‪ .‬وربما عدم التوازن في‬
‫القوى يكون ناتجا عن سوء اختيار الطرف األضعف لتوقيت التفاوض وحسن االختيار من قبل الطرف القوي‪.‬‬
‫‪ -3‬التفاوض االستكشافي‪ ،‬ومن اسمه يدل على أن الهدف الرئيس منه هو استكشاف نوايا األطراف المعنيّة واستطالع مواقفها‬

‫‪ https://www.alaraby.co.uk-‬تاريخ التصفح ‪ 2021-06-20‬الساعة ‪.18‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪8‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫ومدى قبولها وتقبّلها لبعض المقترحات والحلول‪ .‬وقد يكون التفاوض االستكشافي إحدى مراحل عملية التفاوض النهائيّة ويكون الهدف‬
‫منه‪ ،‬في هذه الحالة ‪ ،‬هو تكوين فهم ووعي لمتطلبات كل طرف في المفاوضات ووضع استراتيجيات اإلقناع والمساومة الالزمة‪.‬‬
‫‪ -4‬التفاوض التسكيني‪ ،‬والهدف من هذا النوع من التفاوض هو تهدئة األوضاع القائمة بين األطراف المعنيّة وربما تمييعها‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب صعوبة الوصول إلى حل وشدّة الصراع بين تلك األطراف‪ .‬وقد يشكّل التفاوض التسكيني إحدى االستراتيجيات لربح‬
‫للوقت والتالعب باألجندة والتمهيد لمفاوضات مقبلة تكون الظروف أكثر مواءمة لطرف ما أو للطرفين معا‪.‬‬
‫‪ -5‬تفاوض التأثير في طرف ثالث‪ ،‬ويحدث هذا النوع من التفاوض حين يكون هدف أحد األطراف المعنيّة هو إيصال رسالة لطرف‬
‫ثالث أو التأثير على موقفه بخصوص قضية التفاوض‪ .‬وعلى األغلب‪ ،‬هذا الطرف الثالث غير معني بالصراع بشكل مباشر‪ ،‬ولكنه يمكن أن‬
‫يؤثر على الخصم المباشر‪.‬‬
‫‪ -6‬تفاوض عن طريق الوسيط‪ ،‬وهو من أه ّم أنواع التفاوض‪ ،‬واألكثر شيوعا سواء في مجال التجارة أو الحروب وصراع الدول‪.‬‬
‫فغالبا ما تلجأ األطراف المتصارعة إلى المفاوضات بعد تدخل وسيط من المفترض أن يكون محايدا‪ .‬وكمثال على ذلك‪ ،‬يمكننا الحديث عن‬
‫المفاوضات الجارية حاليا في جنيف برعاية األمم المتحدة وممثلها دي ميستورا‪ ،‬كوسيط محايد‪ ،‬بين وفد من المعارضة السور ّية ووفد‬
‫ممثل لنظام بشار األسد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل المفاوضات‬


‫يمكن إجمالها في أربعة مراحل وهي كاآلتي‪:10‬‬

‫أوال‪ -‬مرحلة التحضير واإلعداد‪:‬‬


‫يتم التهيئة للمقابلة التفاوضية مقدما‪ ،‬وذلك بجمع البيانات وتحديد األهداف‪ ،‬وعلى المفاوض أن يستعد في هذه المرحلة باتباع‬
‫خطواتها المهمة‪ ،‬ويتعلق األمر بتحديد الحاجات األساسية بعد دراسة طبيعة النزاع‪ ،‬ووضع عدة خيارات للتفاوض وترتيبها وفق أهميتها‪،‬‬
‫وإعداد خطة التعامل مع المفاوضين‪ ،‬وأساليبهم المختلفة في التفاوض‪ ،‬مع وضع خطط واقتراحات بديلة‪ ،‬فالمفاوض الماهر هو الذي يعرف‬
‫هدفه األساسي‪ ،‬وأهدافه الثانوية‪ ،‬والذي يملك في جعبته تصورات لكل البدائل الممكنة‪ ،‬ومعرفة مطالب الطرف اآلخر وتوقعاته من التسوية‬
‫النهائية‪.‬‬
‫ثانيا ‪-‬مرحلة اللقاء والمناقشات‪:‬‬
‫التي يمكن تقسيمها لمرحلة استقبال أطراف النزاع وتحليلها واحترام آراءهم واألخذ بها وتحليلها بموضوعية والتركيز على‬
‫موضوع وليس على األشخاص المحاورين‪ ،‬وأن يتحلى بالمرونة في التحاور وحسن‬
‫االستماع لألطراف المختلفة والتعرف على آليات الطرف اآلخر في عملية التفاوض‪ ،‬والتركيز الشديد في المفاوضات‪ ،‬وأخذ الوقت الالزم في‬
‫استيعاب ما يتم طرحه من قبل الطرف اآلخر ‪ ،‬ثم االنتقال لمرحلة إبداء الحجج‪ ،‬واتخاذ المواقف المبدئية‪ ،‬ثم مراجعة وتقييم هذه المواقف‪،‬‬
‫وإعادة مناقشتها مع الطرف اآلخر‪ ،‬إن تبين له عدم صوابتيها‪ ،‬ومن تكتيكات المتبعة في هذه المرحلة‪:‬‬
‫أ‪-‬رفع سقف الطلبات‪ :‬لكي تكون لديك مساحة تسمح لك بالمناورة وتقديم التنازالت‪ ،‬ويكون لها مقابل‪ ،‬وكي يشعر الطرف اآلخر‬
‫أنه ربح كذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوافق على العرض األول ‪ :‬إن الموافقة السريعة والكاملة على العرض األول‪ ،‬تجعل الطرف اآلخر يعتقد أنه لم يربح‪ ،‬ويشعر‬
‫بالندم لو أنه عرض أكثر من ذلك‪ ،‬فقم في البداية بالرفض‪ ،‬والتظاهر بالدهشة من حجم هذا العرض‪ ،‬لكي تدفع الطرف اآلخر لتقديم‬
‫التنازالت‪.‬‬

‫‪ /https://www.alaraby.co.uk-10‬تاريخ التصفح ‪ .2021-06-02‬الساعة ‪.12‬‬

‫‪9‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫ت‪-‬التمنع‪ :‬يجب عليك المناورة حين يقدم إليك أي عرض‪ ،‬دائما تمنع حين يقدم لك أي عرض‪ ،‬كي توحي للطرف اآلخر‪ ،‬أن عليهم‬
‫أن يقدموا لك عروضا مناسبة إلتمام التسوية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مرحلة االقتراح‪:‬‬
‫على المفاوض االستمرار في عملية تحليل األوضاع وتحليل التغذية الراجعة أثناء الموقف الحواري‪ ،‬والقيام بتقديم حلول إيجابية‬
‫جديدة واالبتعاد عن تكرار الصيغ التفاوضية‪ ،‬من أجل ضمان إحراز تقدم في المفاوضات‪ ،‬واالبتعاد عن الصراع للوصول إلى المصالح‪،‬‬
‫واعتبار المفاوضات فرصة للتعاون‪ ،‬وإيجاد المرونة لجعل الطرف اآلخر يقدم على تقديم تنازالت‪ ،‬حيث يقوم بتقديم بعض التنازالت غير‬
‫الهامة‪ ،‬ومن تكتيكات هذه المرحلة‪:‬‬
‫أ‪-‬الضغط دون صدام‪:‬‬
‫المفاوض الناجح هو الذي يضغط على الطرف اآلخر‪ ،‬لتقديم أكبر قدر من التنازالت‪ ،‬دون الوصول لمرحلة الصدام‪ ،‬لكن يجب أن‬
‫تعرف متى تتوقف عن الضغط‪ ،‬وعليك عند تقديم الطرف اآلخر عرضه بعد الضغط عليه‪ ،‬أن تبدي عدم قدرتك على الموافقة على هذا‬
‫العرض‪ ،‬إذ يتوجب عليك رفع األمر للجهة العليا‪ ،‬ثم تؤجل المفاوضات من أجل ذلك‪ ،‬وعند العودة للمفاوضات عليك بالتظاهر بعدم موافقة‬
‫الجهة العليا على هذه العرض‪ ،‬وإن على الطرف اآلخر تقديم عرض‪ ،‬يمكنك من عرضه على الجهة العليا لنيل موافقتها‪ ،‬هذا التكتيك يوحي‬
‫بأنك راغب بالموافقة‪ ،‬لكن األمر األخير للسلطة العليا‪ ،‬وكي ال تقع ضحية هذا التكتيك‪ ،‬فاطلب منذ البداية من الطرف اآلخر أن يكون مفوضا‬
‫بإقرار التسوية النهائية‪.‬‬

‫ب‪-‬العبارة السحرية‪:‬‬
‫عند تقديم أي عرض من الطرف اآلخر ال تقابله بطلب تنازالت محددة وخاصةُ لجهة األرقام‪ ،‬بل استخدم العبارة السحرية‪ :‬ينبغي‬
‫عليكم أن تقدموا أفضل من هذا العرض‪ ،‬ثم اصمت‪ ،‬فهذا التكتيك يضغط على الطرف اآلخر دون مواجهته‪ ،‬وتجعله يقوم بتقديم تنازالت‪،‬‬
‫ولتفادي هذا الضغط يمكن الرد بعبارة‪ :‬ألي مدى تريدون تحسين هذا العرض‪ ،‬فإن من أهم ما عليك معرفته في هذه المرحلة‪ ،‬هو مدى‬
‫حماس ورغبة الطرف اآلخر بالوصول إلى تسوية‪ ،‬وما هو هدفه النهائي‪ ،‬وهل يمتلك هذا الطرف‪ ،‬سلطة إقرار التسوية النهاية‪ ،‬فبمقدار‬
‫امتالك المفاوض إجابات لهذه األسئلة‪ ،‬يساهم ذلك بقدرته على معرفة أي الضغوط يمكنه ممارستها‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬اتخاذ المواقف ‪:‬‬


‫على المفاوض أن يدرك الوقت المناسب للتوقف عن التفاوض‪ ،‬حين يحقق أهدافه‪ ،‬وينجح في الحصول على مبتغاه‪ ،‬وعليه كذلك‬
‫معرفة متى يكون عليه ترك قاعة التفاوض‪ ،‬وعليه إذا ما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود أن يقوم بإتباع اآلتي‪:‬‬
‫طلب فترة من الراحة لمراجعة األمور‪ ،‬الطلب من بقية األطراف مراجعة شاملة لمواقفهم‪ ،‬والنظر في األسباب الذي جعلت كل طرف يتشبث‬
‫بموقفه‪ ،‬القيام بتأجيل المسائل الخالفية‪ ،‬وتحرير وإبراز المسائل المتفق عليها‪ ،‬وتغيير أسلوب التفاوض‪ ،‬وإن كانت أسباب الوصول لطريق‬
‫مسدود هي أحد المفاوضين‪ ،‬ينبغي استبدال المفا وض المتعنت بآخر أكثر مرونة‪ ،‬فالمفاوض الناجح‪ :‬هو المفاوض الذي يعي ويتفهم موقف‬
‫الطرف اآلخر ومصالحه‪ ،‬ويحسن االستماع إليهم‪ ،‬بغية التوصل إلى تسوية‪ ،‬فبعد انتهاء المفاوضات تقوم األطراف المتفاوضة بإبرام اتفاق‪،‬‬
‫يتضمن شروط التسوية التي تم التوصل إليها‪ ،‬وتعتبر هذه الوثيقة ملزمة لجميع األطراف‪.‬‬
‫ويرى الباحث أن تعرف كيف تتفاوض ليس أمرا فطريا‪ ،‬بل مكتسبا‪ ،‬مع ذلك ينبغي أن يتمتع المفاوض بصفات فطرية كالذكاء‪ ،‬فمن‬
‫الضروري أن يخضع المفاوضين لتأهيل خاص‪ ،‬فالمفاوضات تهدف البحث عن أفضل تسوية ممكنة لحماية مصالح كل طرف‪ ،‬وإقامة عالقة‬
‫ثقة‪ ،‬وفهم سلوك اآلخر‪ ،‬والتعرف على المصالح التي يبغي الحصول عليها من عملية التفاوض‪ ،‬وأن على أطراف التفاوض االلتزام بالصدق‬
‫واألمانة‪ ،‬والتحلي بالمبادئ األخالقية لعملية التفاوض‪ ،‬واالبتعاد عن األساليب الالأخالقية لتحقيق منافع غير عادلة من عملية التفاوض‪،‬‬
‫وإ ن التفاوض ليس صراع للحصول على كل شيء من الطرف اآلخر‪ ،‬فالطرف اآلخر ليس عدوا ولكنه شريك‪ .‬وإن مبدأ الفائز‪ -‬الخاسر ليس‬

‫‪10‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫مبدأ جيد للمفاوضات‪ ،‬بل يجب تبني مبدأ تشاركي هو مبدأ الفائز‪ -‬الفائز‪ ،‬أي أن الطرفين يجب أن يخرجا فائزان من عملية التفاوض‪ ،‬بإيجاد‬
‫تسوية يرضى بها الجميع‪ ،‬وللوصول للنتيجة الفائز‪ -‬الفائز‪ ،‬يجب على المفاوض أن يحترم األسس والمبادئ التي تؤدي إلى نجاح‬
‫المفاوضات‪ ،‬فالمفاوضات ليست حربا وليست مباراة‪ ،‬فالمفاوضات مشروع تعاوني‪ ،‬فعند مراعاة المصالح المشتركة للطرفين تؤدي‬
‫المفاوضات للوصل إلى تسوية‪ ،‬فالمفاوضات أخذ وعطاء‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المفاوضات االلكترونية ‪:‬‬


‫إن دخول شبكة األنترنت بصورة غير مسبوقة‪ ،‬عالم األنشطة التجارية والمعامالت المالية‪ ،‬أسس لنشوء ( سوق إلكترونية)‪ ،‬تتم‬
‫بواسطته‪ ،‬كل تلك األنشطة والمعامالت ‪ ،‬سواء تمت بين المؤسسات أو الشركات المهنية المحترفة‪ ،‬أو تمت بينها‪ ،‬وبين المستهلكين‪ ،‬فغدا‬
‫المقصود بتعبير التجارة اإللكترونية‪ ،‬تلك التجارة الممكنة بواسطة تقنيات عصر األنترنيت‪ ،‬والتي كتب لها االنتشار‪ ،‬والتطور المضطرد‪،‬‬
‫بفضل ما له من مميزات هي في الحقيقة ليست ف ي ذات التبادل التجاري إنما فيما وفرته التقنية الحديثة‪ ،‬من تسهيالت‪ .‬ومن الطبيعي في‬
‫بيئة التجارة اإللكترونية أن تظهر المنازعات تماما كما هو الحال في العالم غير اإللكتروني‪ ،‬لذلك اتجه التفكير إلى تسوية منازعاتها‬
‫باستخدام وسائل إلكترونية بمعنى أن إجراءاتها تجري عبر شبكة االتصال اإللكتروني‪ ،‬دون حاجة لتواجد أطراف عملية التسويق في مكان‬
‫واحد‪ ،‬فالطابع العالمي للقنوات اإللكترونية‪ ،‬التي تجري من خاللها إنجاز التعامل‪ ،‬يجعل تركيزه في مكان محدد أمر صعبا إن لم يكن‬
‫مستحيال‪ ،‬األمر الذي يستبعد معه صالحية القواعد التقليدية لالختصاص التشريعي و القضائي للحكم على منازعات معامالت التجارة‬
‫اإللكترونية‪ .‬فظهرت فكرة البحث عن أساليب أخرى لتسوية النزاعات فيها من المرونة‪ ،‬ما يتجاوز تلك الصعوبات‪.‬‬
‫إذ أن من هذه الوسائل ما هو معروف سابقا‪ ،‬ولكن تم استخدام شبكة األنترنيت وسطا‪ ،‬أو بيئة تجرى من خاللها‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫التشريعات القانونية المختلفة لم تنظمها بعد بشكل شامل ودقيق‪ ،‬األمر الذي يحتم الرجوع إلى ما هو معمول به في المراكز المتخصصة‪،‬‬
‫تمهيدا للوصول إلى قواعد موحدة يمكن االسترشاد بها وتضمينها معاهدات‪ ،‬أو قوانين وطنية تنظمها‪ ،‬ولعل من أوسعها انتشارا التفاوض‬
‫اإللكتروني والوساطة اإللكترونية‪ .‬إذ شاع مؤخرا استخدامهما في فض منازعات التجارة اإللكترونية‪ ،‬فكان لزاما التعرف على طبيعة كل‬
‫منهما‪ ،‬أهما دوي طبيعة واحدة‪ ،‬أم أنهما يختلفان؟ وما هو مفهوم كل منهما؟ وهل التفاوض‪ ،‬أو الوساطة اللذان يتمان عبر شبكة اإلنترنت‬
‫نوع واحد أم أنواع متعددة؟ وما هي هذه األنواع؟ وما اإلجراءات التي تجرى بها كل واحدة منها؟ وما التقييم القانوني لدور كل منهما في‬
‫تسوية منازعات التجارة اإللكترونية؟ هذا ما سنحاول اإلجابة عنه في المطلبين اآلتيين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التفاوض عبر الوسائل االلكترونية‬


‫يعتبر التفاوض وسيلة من وسائل تسوية المنازعات‪ ،‬غير أن هناك طرقا جديدة للتفاوض بدأت تجرى عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬مما‬
‫أوجد ما يعرف بالتفاوض عبر الوسائل اإللكترونية أو المفاوضات المباشرة‪ ،‬فما هو هذا التفاوض؟ أهو شبيه بالتفاوض التقليدي؟ أم يتميز‬
‫عنه؟ وما هي أنواعه؟ ( الفقرة األولى ) ‪ .‬وما هي اآلليات المستخدمة في إجراءات كل نوع؟ وما دوره في تسوية منازعات التجارة‬
‫اإللكترونية ( الفقرة الثانية )‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬مفهوم التفاوض اإللكتروني‬
‫يعرف التفاوض اإللكتروني على أنه تبادل االقتراحات والمساومات والمكاتبات والتقارير والدراسات الفنية‪ ،‬بل االستشارات‬
‫القانونية التي يتبادلها أطراف التفاوض على وسائل إلكترونية‪ ،‬ليكون كل منهم على بينة بأفضل األشكال القانونية التي تحقق مصلحة‬
‫األطراف‪ ،‬وللتعرف على ما يسفر عنه االتفاق من حقوق والتزامات لطرفيه‪.‬‬
‫كما يعرف بعض الفقهاء التفاوض بشكل عام بأنه ‪ " :‬حوار مباشر بين الطرفين المتنازعين‪ ،‬سعيا لحل الخالف‪ ،‬دون تدخل‬
‫طرف ثالث بينهما"‪ ،‬فهو وسيلة من وسائل تسوية المنازعات تقوم على تبادل وجهات النظر بين األطراف المتنازعة‪ ،‬بقصد الوصول إلى‬
‫تسوية يرتضيانها للنزاع ‪ ،‬بشكل نهائي‪ ،‬دون أن يتدخل بينهما أي شخص آخر‪ ،‬أو طرف ثالث‪ .‬وأفضل تعريف أعطي للمفاوضات هي‬
‫التشاور أو التواصل بقصد اإلقناع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫وتشكل المفاوضات ركنا أساسيا من الحلول البديلة في مرحلة ما قبل الوساطة‪ .‬وتعد عملية التفاوض من أعقد العمليات على‬
‫اإلطالق‪ ،‬ففيها محاورة‪ ،‬ومراوغة‪ ،‬وإصرار‪ ،‬ومثابرة‪ .‬وظهرت عملية التفاوض منذ وقت بعيد على شكل المساومة حيث يسعى كل طرف‬
‫إلى تحقيق أقصى منفعة من الصفقة المتفاوض عليها نظير أدنى مقابل‪ .‬ومع مرور الوقت لم تعد المسألة مجرد مساومة تحكمها اجتهادات‬
‫شخصية‪ .‬وإنما علم له قواعد وأصول أفردت لشرحها كتابات متخصصة‪ ،‬فالمفاوض ات مهمة جدا إذا كان الفرقاء واقفين على أسس‬
‫متساوية ويهدفون للمحافظة على عالقاتهم ‪ ،‬فهي وسيلة مرنة وال تحتاج إلى مظاهر وشكليات إنهاء الخالف القائم بل مجرد تعيين‬
‫المكان و الزمان و المواضيع التي تحتاج إلى حوار و نقاش جدي‪ ،‬و ذلك بحسن نية و رضا األطراف أنفسهم بهدف الوصول إلى حل نقاط‬
‫الخالف فيما بينهم وعملية التفاوض سواء أكانت تقليدية‪ ،‬أم تمت باستخدام وسائل االتصال الحديثة‪ ،‬ذات عوامل مشتركة مهما اختلف‬
‫الموضوع الذي يتم التفاوض بشأنه‪ ،‬و لهذا فإن التفاوض الذي نعنيه هنا‪ ،‬هو إحدى الوسائل البديلة لحل النزعات الناشئة عن عقود‬
‫التجارة الدولية‪ ،‬التي تبرم بواسطة شبكة األنترنت‪ ،‬األمر الذي يفترض أن عملية التفاوض تتم بين طرفين‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬تربطهم عالقة‬
‫تجارية أبرمت عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬و يفترض أن كل األطراف المتفاوضة تهدف من وراء هذه المفاوضات إلى االتفاق على حل للنزاع‬
‫الناشئ بينهما ‪ ،‬غير أن ذلك ال يعني أن المفاوضات سوف تنتهي باالتفاق على الحل في جميع الحاالت‪ ،‬ذلك أن المفاوضات‪ ،‬سواء أكانت‬
‫تقليدية أم معاصرة‪ ،‬تستخدم فيها وسائل االتصال الحديثة‪ ،‬تكون محاطة بظرف يؤثر في نتيجتها النهائية بشكل كبير‪ ،‬وال يمكن ألي من‬
‫الطرفين‪ ،‬أن يؤكد جازما على النتيجة التي ستؤول إليها‪ ،‬و السيما في بدايتها‪ ،‬خصوصا و أن األطراف يدركون عدم وجود عنصر إلزام‬
‫يوجب عليهم االتفاق مع بعضهم‪ ،‬بالنظر لوجود وسائل أخرى لحل النزاع‪ ،‬يستطيع كل من الطرفين اللجوء إليها‪ ،‬إذا لم يتم التوصل إلى‬
‫حل للنزاع عبر التفاوض‪.‬‬
‫وكلما كبرت معرف ة المفاوض باألمر الذي يفاوض بشأنه‪ ،‬نوع ومحل التفاوض‪ ،‬كلما كبرت فرص الوصول إلى تسوية للنزاع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع التفاوض عبر الوسائل اإللكترونية‬
‫ينقسم التفاوض اإللكتروني إلى نوعين رئيسيين‪ ،‬النوع األول وهو تفاوض يتم بين طرفي النزاع على األنترنت مع تدخل بعض برامج‬
‫الحاسوب التي تعين هؤالء األطراف على الوصول إلى تسوية‪ .‬والنوع الثاني تفاوض تستخدم فيه الوسائل الحديثة اإللكترونية من قبل‬
‫الطرفين المتفاوضين‪ ،‬باعتبارها مجرد وسائل تساعد األطراف في إكمال عملية التفاوض التي يجريانها بغية تسوية النزاع الناشئ بينهما‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوساطة عبر الوسائل اإللكترونية‬


‫الفقرة األولى ‪ :‬آليات التفاوض اإللكتروني‬
‫أ – التفاوض اآللي‬
‫تمكن هذه اآللية في البحث على مصالحة عرفية بين الطرفين دون الرجوع إلى شخص ثالث‪ ،‬ودون تدخل بشري في عملية‬
‫التسوية‪ ،‬وذلك عن طريق عروض مرموزه مقدمة من جانب طرفي النزاع والتي يقوم الحاسب اآللي بإجراء المقارنة بينهما للتوصل إلى‬
‫حل وسط توفيقي بينهما‪ ،‬ويلتزم الطرفان مسبقا بالحل الذي ستسفر عنه هذه المفاوضة‪.‬‬
‫وتلتقي األطراف المتنازعة على شبكة األنترنيت‪ ،‬للتفاوض بصورة مباشرة ودون تدخل طرف ثالث‪ ،‬غير أن عملية التفاوض‪ ،‬تكون‬
‫مقيدة ببرامج الكومبيوتر المدخلة سابقا من قبل مراكز التسوية اإللكترونية ) ‪ ،‬مثل مركز ‪ ، ORD‬الذي يعد من اول مراكز التسوية التي‬
‫قدمت برامج للتفاوض‪.‬‬
‫ويبدأ برنامج التفاوض اآللي الذي يستخدمه مركز بإعطاء رقم سري لكل طرف من أطراف النزاع‪ ،‬و بهذا الرقم يستطيع كل منهم‬
‫الدخول إلى الصفحة على الموقع ثم يطلب من كل طرف إدخال ثالثة أرقام مختلفة‪ ،‬و هذه األرقام تعبر عن المبالغ التي يمكن أن يقبلها‬
‫الطرفان لتسوية النزاع‪ ،‬و بذلك يدخل المدعي ثالثة أرقام تمثل المبالغ التي يمكن أن يقبل ها في التسوية‪ ،‬على أن يدخل المدعى عليه أرقاما‬
‫تمثل مبالغ أقل بطبيعة الحال من التي أدخلها المدعي‪ ،‬و يأتي عند ذلك دور البرنامج اإللكتروني‪ ،‬الذي يجري مقارنة بين المبالغ المطروحة‬
‫من الطرفين‪ ،‬فإذا تطابقا بين الرقمين‪ ،‬كان ذلك بداية التسوية ( ‪ 30‬في المائة ) فان وجد البرن امج فرقا بين مبلغين‪ ،‬ضمن حدود هذه النسبة‬

‫‪12‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫‪ ،‬يقوم البرنامج بحساب متوسط هذين المبلغين‪ ،‬ليحدد – في النهاية – المبلغ المستحق‪ ،‬و ذلك بصورة إلكترونية‪.‬‬
‫هذه اآللية عرفت حديثا ب ( المناقصة العمياء )‪ ،‬ألنها تقوم على تقديم الطرفين عطاء أو مبلغا موافقا عليه من قبلهما‪ ،‬كبداية‬
‫لتسوية‪ ،‬و ذلك على صورة مبلغ نقدي في المنازعات المالية‪ ،‬أو بصورة تسوية موضوعية‪ ،‬في المنازعات التي يكون موضوعها أمورا‬
‫غير نقدية‪ ،‬و الفكرية الرئيسية هي أن المركز الذي تجري عملية التفاوض عبره‪ ،‬يحرص على بقاء األرقام المقدمة من الطرفين‬
‫المتناز عين‪ ،‬سرية إلى أن تقترب من بعضها لحد يسمح بإجراء تسوية مقبولة بينهما‪ ،‬عن طريق تسوية الخالف على أساس معدل حسابي‬
‫بين الرقمين المقدمين لغرض حسم النزاع‪.‬‬
‫ولما كانت اآللية التي يستخدمها مركز تسوية ‪ Cyber Seattle‬تخص المنازعات المالية التي يقع الخالف فيها بين الطرفين حول‬
‫مبالغ مستحقة لبعضهم‪ ،‬لذا أوجدت مراكز أخرى مثل مركز ‪ Smart Stèle‬برنامجا ‪Multi Variable résolution optimisation‬‬
‫‪ programs‬يمكن أن يستخدم في تسوية جميع أنواع المنازعات‪ ،‬و منها المنازعات المالية‪ ،‬برنامج تقدير و يقوم هذا البرنامج – أساسا –‬
‫على طرح جملة من األسئلة التوقيعية‪ ،‬تتعلق بتحديد موضوع النزاع بدقة‪ ،‬بهدف تحديد النقطة التي ينصب عليها الخالف‪ ،‬و مدى إمكانية‬
‫التوصل إلى تسوية مرضية‪ ،‬و ما هي نسبة التنازل التي يمكن أن يقدمها كل من الطرفين ‪ ،‬أو المعدل المقبول من أطراف النزاع للتنازل‬
‫عنه‪ ،‬و غي ر ذلك ‪ ،‬مع منح أطراف النزاع فرصة التفاوض المباشر بينهما بالشكل الذي يساعدهما في تعديل ما يتوصالن إليه من حلول‪،‬‬
‫بغية إيجاد تسوية نهائية للنزاع‪.‬‬
‫ومن الجدير بالمالحظة‪ ،‬أن حرية الطرفين في التفاوض ليست مطلقة‪ ،‬من حيث المدة الزمنية التي يجب أن تستغرقها‪ ،‬إذ توجب‬
‫بعض المراكز‪ ،‬توصل األطراف إلى تسوية و إنهاء المفاوضات‪ ،‬سلبا أو إيجابا‪ ،‬خالل مدة ال تتجاوز ‪ 30‬يوما من تاريخ بدء المفاوضات‪،‬‬
‫يبادر المركز بنهايتها إلى غلق صفحة التفاوض اإللكتروني بشكل تلقائي‪ ،‬ما لم يقدم الطرفان أسباب وجيهة تستوجب منحهما مهلة إضافية‬
‫‪ ،‬يتوقف أمدها على ما يقدمانه من أسباب‪ ،‬وهناك مراكز أخرى‪ ،‬تحدد المدة التي يجب على طرفي المفاوضات المباشرة التوصل خاللها إلى‬
‫تسوية للنزاع ‪ ،‬ب ‪ 10‬أيام ‪ ،‬يتعهد الطرفان‪ ،‬بإحالة النزاع‪ ،‬عند انتهائها دون التوصل إلى تسوية‪ ،‬المركز ليتولى تعيين وسيط يساهم في‬
‫تسوية النزاع‪ ،‬أ و اللجوء إلى وسيلة أخرى من وسائل التسوية البديلة‪ ،‬و بالتالي فإن هذا التقييد للمدة التي يجب من خاللها تسوية النزاع‪،‬‬
‫فإن أمر إيجابي لوضع حد ألساليب المماطلة و التسويف‪ ،‬التي قد يلجأ إليها أحد األطراف‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفاوض بمساعدة الكمبيوتر‪.‬‬
‫يتم التفاوض بين األطراف المباشرة على األنترنت دون استخدام برامج الكمبيوتر الخاصة للتسوية كما هو الحال في التفاوض‬
‫اآللي‪ ،‬و إنما يبقى الحاسوب مجرد و سيلة اتصال بين األطراف لتبادل وجهات النظر و الحلول المقترحة لتسوية المنازعة‪ ،‬كما تظهر‬
‫خاصية مساعدة الكمبيوتر من خالل تمكين األطراف من استخدام برامج االتصال و تحميلها‪ ،‬و تسهيل دخولهم إلى المواقع اإللكترونية‬
‫المؤمنة أو تقديم برامج تدير الحوار بينهما و تطرح عليهما حلوال نموذجية أو حلوال تم التوصل إليها من قبل في منازعات مشابهة‪.‬‬
‫ويعد مركز ‪ ،Square Trade‬من بين أهم المراكز التي تستخدم التفا وض بمساعدة الكمبيوتر و الذي حقق نجاحا كبيرا في‬
‫تسوية المنازعات‪ ،‬حيث أعلن المركز أن نسبة ‪ %80‬من حجم المنازعات التي تم التفاوض حولها عن طريقه قد تم حلها بالمفاوضات‬
‫المنظمة من طرف الحاسوب ‪ ،‬ولعل ما يبرر فعالية مركز ‪ Square Trade‬هي بساطته و سهولة اإلجراءات المتبعة خالل مرحلة‬
‫التفاوض‪ ،‬بحيث تبدأ بتقديم الطرفين‪ ،‬أو أحدهما إلى المركز طلبا إلكترونيا‪ ،‬يتضمن البيانات الرئيسية عن الطرفين‪ ،‬وعن موضوع النزاع و‬
‫أسبابه‪ ،‬فإذا كان الطلب مشتركا تبدأ عملية التفاوض‪ ،‬أما إذا كان الطلب مقدما من أحدهما‪ ،‬فعندئذ يتم إخطار الطرف اآلخر‪ ،‬برغبة مقدم‬
‫الطلب التفاوض معه‪ ،‬فإن قبل‪ ،‬تبدأ‪.‬‬
‫عملية التفاوض‪ ،‬و أما إذا أجاب بالرفض أو امتنع عن اإلجابة‪ ،‬خالل المدة المحددة له‪ ،‬فإن مرحلة المفاوضات المباشرة تعد‬
‫منتهية قبل أن تبدأ‪.‬‬
‫يتمثل دور المركز‪ ،‬في حالة تسلمه طلبا مشتركا من الطرفين‪ ،‬أو طلبا منفردا‪ ،‬ويوافق الطرف اآلخر عليه‪ ،‬في إرسال كلمة المرور‬
‫السرية الخاصة بالصفحة اإللكترونية‪ ،‬التي تخصص للنزاع‪ ،‬على الموقع اإللكتروني للمركز‪ ،‬إلى الطرفين ليتفاوضا من خاللها‪ ،‬مع‬
‫التأكيد عليهما بأن المدة التي يتوجب عليهما التوصل خاللها إلى تسوية‪ ،‬يجب أن ال تزيد عن ‪ 30‬يوما‪ .‬إال أنه غالبا ما تستغرق عملية‬

‫‪13‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫التفاوض من ‪ 10‬إلى ‪ 14‬يوما استنادا لمدى تفاعل التفاوضين وسعيهم لحل نزاعهم‪.‬‬
‫وقد القت هذه الطريقة في فض المنازعات إقباال واسعا‪ ،‬لما لمسه المتنازعان‪ -‬إلى جانب ما تقدم من أسباب – من توفير للوقت‬
‫والمال‪ ،‬وخصوصا العاملين منهم في حقل التجارة اإللكترونية والذين تتجاوز اعمالهم الحدود الجغرافية التقليدية‪ .‬الفقرة الثانية ‪ :‬دور‬
‫التفاوض عبر الوسائل اإللكترونية في تسوية منازعات التجارة اإللكترونية‬
‫عند النظر إلى المفاوضات المباشرة كوسيلة لتسوية المنازعات الناجمة عن عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬يمكن القول أنها بنوعيها اآللي‬
‫و الجاري عبر اإلنترنت‪ ،‬تمثل وسيلة مفيدة لتسوية و حسم عدد كبير من المنازعات‪ ،‬و خاصة تلك التي تكون قيمتها المادية ضئيلة‪ ،‬و‬
‫بالذات منها عقود االستهالك‪ ،‬ذلك أنه و مع المميزات التي توفرها المفاوضات باستخدام الوسائل اإللكترونية‪ ،‬من سهولة اللجوء إليها‪ ،‬و‬
‫قلة تكاليفها‪ ،‬و سرعة حسم النزاع من خاللها‪ ،‬نجد أنها وسيلة تصلح لحسم عدد كبير من النزاعات التي قد ال تستوجب لجوء أطرافها‬
‫إلى وسائل تقاضي أكثر تعقيدا و تكلفة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذه المميزات‪ ،‬يعتقد البعض أن أهم سلبية في التفاوض كوسيلة لحل المنازعات‪ ،‬هي أن األطراف المتفاوضة تضع‬
‫في حساباتها‪ ،‬منذ بدء عملية التفاوض‪ ،‬أنها ليست ملزمة بحل النزاع عبر هذه الوسيلة ‪ ،‬لذلك يشير الواقع العملي إلى ان كل طرف يضع‬
‫في ذهنه عند التفاوض اعتبارات معينة‪ ،‬و يتبع أسلوبا محددا للوصول إليها في المفاوضات‪ ،‬ونرى أن هذه المسألة ال تنقص من قيمة‬
‫التفاوض كوسيلة بديلة‪ ،‬ألنها ليست مسألة قانونية تحتاج إلى حلول بقدر ما هي أمر يعود إلى الخصوم أنفسهم وعند تقييم التفاوض‬
‫اآللي‪ ،‬قياسيا إلى التفاوض عبر شبكة األنترنت‪ ،‬نرى تفضيل التفاوض عبر األنترنت‪ ،‬و الوسائل الحديثة لالتصال‪ ،‬على التفاوض )‬
‫اآللي(‪ ،‬نظرا للمميزات التي يتمتع بها التفاوض عبر األنترنت‪ ،‬و التي سبقت اإلشارة إليها‪ ،‬ومرد ذلك هو إمكانية بروز دور العنصر‬
‫البشري في التفاوض المباشر الذي يتم بواسطة األجرة الحديثة‪،‬‬
‫ومنها شبكة اإلنترنت‪ ،‬بعكس التفاوض اآللي‪ ،‬الذي يطغى فيه دور اآللة على دور األطراف المتفاوضة‪ ،‬ذلك أن التفاوض عبر شبكة‬
‫األنترنت‪ ،‬يقترب من اللقاء المباشر بين الطرفين المتنازعين‪ ،‬األمر الذي يزيد من فرص الوصول إلى تسوية للنزاع‪ ،‬نظرا إمكانية األخذ و‬
‫الرد بين األطراف‪ ،‬هذا فضال على أنه بإمكانهم – أي األطراف – في أي مرحلة اللجوء إلى القضاء الرسمي‪ ،‬وهو أمر و إن كان يمثل في‬
‫شق منه عنصرا سلبيا يقلل من قيمة المفاوضات كوسيلة لتسوية المنازعات‪ ،‬إال أنه من جانب ثان‪ ،‬يعطي مرونة و حرية أكثر‪ ،‬للطرف‬
‫الذي ال يجد في المفاوضات‪ ،‬سبيال منصفا لحل نزاعه‪ ،‬في العدول عنه‪ .‬ومن الجدير بالذكر أنه سواء تم التفاوض آليا وعن طريق‬
‫مساعدة الحاسوب ‪ ،‬فإن لألطراف دائما أو ألحدهما حق رفض التسوية التي يصل إليها الكمبيوتر في التفاوض اآللي‪ ،‬أو التي يطرحها‬
‫الطرف اآلخر في التفاوض بمساعدة الكمبيوتر‪ .‬فالمفاوضات تتميز بصفة عامة بالطابع غير الملزم‪ ،‬ويتوقف نجاحها دائما على قبول‬
‫الطرفين معا للمشرع المقترح للتسوية‪ .‬وال بد من اإلشارة إلى أن قوة اإلنسان التفاوضية لها أكثر من مردود اجتماعي وعملي‪ ،‬حيث أن‬
‫المفاوضات بهدف المصالحة تلعب دورا مهما على الصعيد االقتصادي والتجاري في حل النزاعات‪ ،‬وعلى المفاوض كلما تحلى بحنكة‬
‫ودراية أصولها فإن حظوظه بالنجاح في الوصول إلى الحل الودي سوف تزداد‪ ،‬خصوصا إذا تم تشخيص موضوع النزاع قبل اللجوء إلى‬
‫المفاوضات‪ ،‬ووضعه ضمن أطره الواقعية بعيدا عن المشاعر واالنفعاالت الشخصية‪ .‬وال بد من االعتراف بأن الجهة المفاوضة األخرى‬
‫هي أيضا صاحبة حقوق وإن هدف المفاوضات ليس إقناع الغير بالتنازل عن حقوقه‪ ،‬بل التوصل إلى حلول مشتركة ترضي الجميع‪،‬‬
‫ويفترض أيضا عدم التركيز على حل واحد للنزاع‪ ،‬بل اإلتيان بحلول عدة لتوسيع حلقة المفاوضات وحظوظ نجاحها‪ .‬لكي نعطي‬
‫المفاوضات ثمارها بهدف التوصل إلى حل ينهي النزاع ويعيد أطرافه إلى الحالة التي كانوا عليها قبل نشوء النزاع‪ .‬البد من تسهيل‬
‫تعقيدات موضوع النزاع بتجزئة إلى مفاصل والعمل على حل كل مفصل بحد ذاته‪.‬‬
‫ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن عدد المنازعات التي يتم تسويتها بالتفاوض بمساعدة الحاسوب كبيرة جدا بالمقارنة بغيرها من وسائل‬
‫التسوية اإللكترونية األخرى بما فيها التحكيم والوساطة ويمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال أكثر من ‪ %60‬من المنازعات التي تطرح‬
‫على هذا ا لموقع‪ ،‬يتم تسويتها في مرحلة المفاوضات بمساعدة الحاسوب ‪ ،‬وذلك قبل االنتقال إلى الوساطة التي يقدمها أيضا هذا المركز‪،‬‬
‫وهو ما يمكن أن يؤخذ في االعتبار عند تقدير مدى نجاح هذا النوع من التفاوض‪.11‬‬

‫‪ https://www.droitetentreprise.com11‬تاريخ التصفح ‪ 2021/05/03,‬الساعة‪22:57:.‬‬

‫‪14‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫خاتمة ‪:‬‬
‫إن ثقافة وقيم اللجوء للوسائل البديلة لفض النزاعات‪ ،‬هي ثقافة فض النزاع داخل األسرة الواحدة‪ ،‬أي تسوية ودية دون شحناء‬
‫وبغض‪ ، 12‬وتعتبر المفاوضات أحد أهم وأنجع هذه الوسائل وأكترها ميوال للسلم إلى جانب كل من الوساطة والتحكيم‪ ،‬وتقوم المفاوضات‬
‫على مجموعة من الخطوات الالزمة والضرورية إلى جانب ضرورة اعتماد المفاوضين على أحد األساليب التفاوضية وذلك بغية التأثير‬
‫بشكل أفضل وتحقيق أكبر عدد من النقاط الممكنة من العملية التفاوضية‪ .‬وختاما يمكن القول إن المفاوضات تبقى أفضل وسيلة سلمية‬
‫للتصفية النزاعات كيفما كانت خلفيتها كما أن األمر أصبح ميسرا بشكل أكبر وذلك تحت ظل ما يعرف بالمفاوضات اإللكترونية‪.‬‬

‫‪ 12 - 12‬المجلد الخامس من العدد الثالث والثالثين لحوليات كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات باإلسكندرية "حوكمة الوسائل البديلة لتسوية المنازعات لتحقيق‬
‫مقاصد الشريعة من إعداد الباحث عبد الحنان محمد العيسى الصفحة ‪1006.‬‬

‫‪15‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫الئحة المراجع ‪:‬‬

‫زين الدين أبو عبد هللا محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي‪ ،‬مختار الصحاح المحقق ؛ يوسف الشيخ‬ ‫‪-‬‬
‫محمد بيروت المكتبة العصرية‪ ،‬الطبعة ‪ ، 1999 ,5‬الجزء األول‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجمع اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوجيز القاهرة دار التحرير‪. 1980 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫حسن الحسن‪ ،‬التفاوض والعالقات العامة بيروت المؤسسة الجامعية‪.1931،‬‬ ‫‪-‬‬
‫علي سالم‪ ".‬قن التفاوض المبادئ العامة وبعض التطبيقات العملية"‪ ،‬المصرية للتنمية والتخطيط‪ ،‬المجلد ‪ 4‬العدد ‪ ،2‬القاهرة‬ ‫‪-‬‬
‫‪1996‬‬
‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي اليمن دليل المجتمع المحلي للحد من النزاعات والتنمية الحساسة للنزاعات ‪.2012‬‬ ‫‪-‬‬
‫محمد عوض الهزايمة‪ ،‬المدخل إلى فن التفاوض الدنمارك‪ :‬األكاديمية العربية المفتوحة‪2011,‬م‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫محمد بدر الدين زايد‪ ،‬المفاوضات الدولية بين العلم والممارسة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬الطبعة األولى‪.2003 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬‬
‫المجلد الخامس من العدد الثالث والثالثين لحوليات كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات باإلسكندرية "حوكمة الوسائل البديلة‬
‫لتسوية المنازعات لتحقيق مقاصد الشريعة" من إعداد الباحث عبد الحنان محمد العيسى‪.‬‬

‫‪https://democraticac.‬‬
‫‪https://www.alaraby.co.uk‬‬
‫‪https://www.droitetentreprise.com‬‬

‫‪16‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫الفهرس‬

‫مقدمة‪1.............................................................................................................................................. :‬‬

‫المبحث األول‪ :‬سياسة التفاوض ‪2......................................................................................................................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬التفاوض فن أم علم ‪2 .............................................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المهارات أو السياسات التفاوضية ‪2 ............................................................................................‬‬

‫‪ -1‬سياسة االختراق التفاوضية ‪ /‬سياسة الجدار الحديدي التفاوضية ‪4 ....................................................................‬‬

‫‪ -2‬سياسة التعميق التفاوضية ‪ /‬سياسة التعتيم التفاوضية ‪5.....................................................................................‬‬


‫سياسة التوسيع واالنتشار التفاوضية ‪ /‬سياسة التضييق والحصار التفاوضية ‪5...............................................................‬‬

‫‪ -4‬سياسة إحداث التوتر التفاوضي‪ /‬سياسة االسترخاء التفاوضي ‪6............................................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع التفاوض ومراحله ‪6 ......................................................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أنواع المفاوضات ‪7 ................................................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مراحل المفاوضات ‪8 ..............................................................................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المفاوضات اإللكترونية ‪10 ......................................................................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التفاوض عبر الوسائل اإللكترونية ‪10 ..........................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ماهية التفاوض عبر الوسائل اإللكترونية ‪10 ..................................................................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوساطة عبر الوسائل اإللكترونية ‪11 ..........................................................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬آليات التفاوض اإللكتروني ‪11 ..................................................................................................‬‬

‫أ – التفاوض اآللي ‪11 ..............................................................................................................................‬‬

‫ب‪ -‬التفاوض بمساعدة الحاسوب ‪12 ..............................................................................................................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬دور التفاوض عبر الوسائل اإللكترونية في تسوية منازعات التجارة اإللكترونية ‪12 ...................................‬‬

‫الخاتمة‪15 ........................................................................................................................................... :‬‬

‫الئحة المراجع ‪16 .................................................................................................................................. :‬‬

‫‪17‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫‪18‬‬
‫المفاوضات كآلية لحل النزاعات‬

‫‪19‬‬

You might also like