Professional Documents
Culture Documents
الحقوق - 240416 - 140231
الحقوق - 240416 - 140231
حقــــوق االنــــــسـان
المرحلة األولى
1
تقديم
(())1
تبن ي اإلسالم بصورة جادة وموضوعية جميع حقوق اإلنسان ،ورصد له أروع األحكام التي تنتظم
بها حياته ،وتنسجم مع جميع قومياته ولغاته ومذاهبه ،فليس في تشريعاته ما يشذ عن سنن الطبيعة
ويخالف مناهج الكون.
إن اإلنسان هو الكائن األعظم في هذا الوجود الذي فضله هللا تعالى على كثير من الكائنات الحية،
وهو خليفته في أرضه ،وقد بعث هللا تعالی له النبيين هداة ومرشدين لتهذيب أخالقه ،واستقامة
سلوكه ،وإبعاده عن المنعطف ات والطرق الملتوية التي تلقيه في مستوی سحيق ماله من قرار.
(())2
نظر اإلسالم بعمق وشمول إلى اإلنسان ،ووقف على جميع أبعاد حياته االجتماعية والسياسية
واالقتصادية ،فوضع له المناهج السليمة التي توفر له حقوقه التي ال غنى له عنها ،ومن أهمها أن
تسود العدالة االجتماعية بأوسع معانيها في األرض بحيث ال يبقى أي ظل للبؤس والحرمان ،
ويعيش اإلنسان حياة وادعة آمنة مطمئنة ،يعمها الرخاء واألمن االستقرار والسالم
إن حقوق اإلنسان التي أعلنها اإلسالم هي التي توفر للمجتمع الحياة الكريمة في ظل نظام آمن
مستقر ،ال طغيان فيه وال ظلم وال استبداد ،وال تسلط للحاكم على المحكومين ،فالسيادة للقانون
الذي شرعه اإلسالم ،وتسري نظمه على الحاكم والمحكوم على حد سواء ،فال ميزة ألحد على أحد
إال بالتقوى التي هي المقياس في التفاوت بين الناس ،ونعني بها نكران الذات وعمل الخير وصنع
المعروف.
2
(())3
ولم تقتصر رحمة اإلسالم وسعة رأفته ولطفه على اإلنسان ،وإنما شملت الحيوان ،بل كافة
الكائنات الحية كالشجر ،أما الحيوان من الدواب كالخيل والبغال والحمير فقد ألزم بإطعامها
وسقيها و مراعاتها وعدم إجهادها وإرهاقها بكثرة الحمل الذي ال تطيقه ،وأما بالنسبة إلى الكالب
َّللا لَكُ ْم فِّي َها َخي ٌْر ۖ فَا ْذكُ ُروا والهررة فقد أمر بإطعامها .قال تعالى (( َو ْالبُ ْدنَ َج َع ْلنَاهَا لَكُم ِّمن َ
ش َعائِّ ِّر ه ِّ
ط ِّع ُموا ْالقَانِّ َع َو ْال ُم ْعت هَر ۚ َكذَلِّكَ َ
س هخ ْرنَاهَا لَكُ ْم ت ُجنُوبُ َها فَكُلُوا ِّم ْن َها َوأ َ ْ
اف ۖ فَإِّذَا َو َجبَ ْ علَ ْي َها َ
ص َو ه اس َْم ه ِّ
َّللا َ
()1
لَعَلهكُ ْم ت َ ْشكُ ُرونَ ))
وبالنسبة إلى صيد البر إذا كان للنزهة فقد جعل السفر إلى " صيده سفر معصية بتم المسافر فيه
صالته كسائر السفر إلى المعصية ،وقد حرم اإلسالم على حجاج بيت هللا الحرام الصيد ،ورتب
عليه الكفارة ،وقد أراد هللا تعالى من ذلك أن يعم األمن حتى للحيوانات ،فإن الحج مدرسة للقيم
والمثل العليا.
ويقول الرواة :إن اإلمام أمير المؤمنين (عليه السالم) اجتاز في ليلة شهادته على وزَ في بيته،
فأمر (عليه السالم) سيدة النساء زينب سالم هللا عليها بإطعام او اطالق سراحها هذه صوورة
موجزة لرأفة اإلسالم العظيم بالحيونات
___________________
الحج.26:22
()1
3
(())4
من أجل كرامة اإلنسان في اإلسالم فقد ضحى أئمة المسلمين ،وكنوز الحكمة وسدنة علم
النبي(صلى هللا عليه واله وسلم) بأرواحهم ،فقد استهان الطغاة من حكام عصورهم بحقوق الناس
،فاتخذوا مال هللا تعالی دوالً وعباده خوالً ،وتالعبوا بمقدرات األمة ،واستهاتوا بقيمها ،واخذوا
السلطة مغنما ً لهم وألتباعهم وعمالئهم ،فكان أول ثاثر عليهم أبو الشهداء اإلمام الحسين(عليه
السالم) فقد رفع علم الثورة على يزيد بن معاوية الذي اقترف جميع ما حرم هللا تعالى ،وساس
المسلمين سياسة نكراء لم يألفوها فقد عم جوره ،واستبداده جميع مناطق العالم اإلسالمي ،وكانت
سياسته امتدادة لسياسة أبيه معاوية الذي أغرق البالد بالمحن والخطوب ،فأباد أعالم اإلسالم
كحجر بن عدي ،وعمرو بن الحمق الخزاعي ،و ،وغيرهما من المؤمنين ،وفي طليعتهم سيد
و على أي حال ،فقد رفع أبو األحرار راية الثورة على فرعون زمانه من أجل إحقاق الحق ،
وإنكار المنكر ،واستهان بالموت في سبيل هللا تعالى ،وقال كلمته الخالدة:
((ال أرى الموت إال سعادة ،والحياة مع الظالمين إال َب َرماً)) ،من أجل القيم الكريمة والمثل العليا
ثار اإلمام أبو عبدهللا(عليه السالم) ثورته الكبرى التي أوضح هللا تعالى بها الكتاب وجعلها عبرة
4
االنسان في النظرة اإلسالمية للعالم
لالنسان قصة عجيبة في النظرة االسالمية للعالم ،لم يکن انسان االسالم حيوانا مستقيم القامة له
أضافر عريضة ويمشي علی قدمين و يتكلم فقط ان هذا الموجود -فی نظر القرآن -أعمق واكثر
غموضا من أن يمكن تعريفه بهذه الكلمات.
فقد مدح القرأن اإلنسان واثني عليه كثيرا ،وذمه ووبخه أيضا فأسمى المدائح وأسوأ المذام هي
ماقالها القرآن بحق اإلنسان فصنله على السماء واالرض و ألمالئكة ،ووضعه عن مستوى األنعام
.فاالنسان -في نظر القرآن موجود له القدرة على تسخير عالمه واستخدام المالئكة لنفسه ويمكن
أن ينزل إلى أسفل سافلين))
وهذا هو االنسان الذي عليه أن يقرر مصيره النهائي .ونبدأ حديتا عن مدح االنسان .في القرآن
تحت عنوان قيم االنسان
قيم االنسان
ض َخ ِّليفَةً * قَالُوا ((و ِّإ ْذ قَا َل َربُّكَ ِّل ْل َم َالئِّ َك ِّة ِّإنِّي َجا ِّع ٌل فِّي ْاأل َ ْر ِّ)1اإلنسان خليفة هللا في األرض َ
س لَكَ * قَا َل ِّإ ِّني أ َ ْعلَ ُم َما َال أَتَجْ َع ُل ِّفي َها َمن ُي ْف ِّس ُد ِّفي َها َو َي ْس ِّفكُ ال ِّد َما َء َونَحْ ُن نُ َ
س ِّب ُح ِّب َح ْمدِّكَ َونُقَ ِّد ُ
()1
ت َ ْعلَ ُمونَ ))
ت ِّليَ ْبلُ َوكُ ْم فِّي َما آت َاكُ ْم ۗ ض َد َر َجا ٍ ضكُ ْم فَ ْوقَ بَ ْع ٍ ض َو َرفَ َع بَ ْع َ ف ْاأل َ ْر ِّ((وه َُو الهذِّي َج َعلَكُ ْم خ ََالئِّ َ َ
()2
ور هر ِّحي ٌم)) ب َو ِّإنههُ لَغَفُ ٌ ْ
س ِّري ُع ال ِّعقَا ِّ ِّإ هن َربهكَ َ
عله َم آ َد َم ْاأل َ ْس َما َء كُله َها ث ُ هم )2ان ظرفة االنسان العلمية هي أكبر ظرفة يمكن أن تكون لمخلوق (( َو َ
()3
صا ِّدقِّينَ )) علَى ْال َم َالئِّ َك ِّة فَقَا َل أَنبِّئُونِّي بِّأ َ ْس َماءِّ َهؤ َُالءِّ إِّن كُنت ُ ْم َ ض ُه ْم َ ع َر َ
َ
)3القطرة تعرف هللا ،يعي ربه في أعماق وجدانه ،وان كل الشكوى والجحود أمراض
ور ِّه ْم ذُ ِّريهت َ ُه ْم َوأ َ ْش َه َدهُ ْم ((و ِّإ ْذ أ َ َخذَ َربُّكَ ِّمن َب ِّني آ َد َم ِّمن ظُ ُه ِّ وانحرافات من جبلة اإلنسان االولی َ
()4
غافِّلِّينَ )) ع ْن َهذَا َ ش ِّه ْدنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَ ْو َم ْال ِّقيَا َم ِّة إِّنها كُنها َ علَى أَنفُ ِّس ِّه ْم أَلَسْتُ بِّ َربِّكُ ْم ۖ قَالُوا بَلَى ۛ َ َ
َّللا ۚ ذَلِّكَ الدِّي ُنق ه ِّ علَ ْي َها ۚ َال ت َ ْبدِّي َل ِّلخ َْل ِّ
اس َ ط َر النه َ َّللا الهتِّي فَ َ
ط َرتَ ه ِّ ِّين َحنِّيفًا ۚ فِّ ْ
((فَأَقِّ ْم َوجْ َهكَ ِّللد ِّ
()5
اس َال َي ْعلَ ُمونَ )) ْالقَ ِّي ُم َولَ ِّك هن أ َ ْكث َ َر النه ِّ
5
)4ان في جبلة االنسان عنصر ملكوتي الهي باإلضافة الى العناصر المادية الموجودة في كل
الجماد و النبات والحيوان ،فاالنسان مركب من الطبيعة ومما وراء الطبيعة من المادة والمعنى
ين ث ُ هم َجعَ َل نَ ْسلَهُ ان ِّم ْن ِّط ٍ س ِّ ش ْيءٍ َخلَقَهُ َوبَ َدأ َ خ َْلقَ اإل ْن َ سنَ كُ هل َ من الجسم والروح (الهذِّي أَحْ َ
ار َواأل ْفئِّ َدة َ ص َ س ْم َع َواأل ْب َ وح ِّه َو َج َع َل لَكُ ُم ال ه
س هواهُ َونَفَ َخ فِّي ِّه ِّم ْن ُر ِّ ين ث ُ هم َ ِّم ْن سُاللَ ٍة ِّم ْن َماءٍ َم ِّه ٍ
قَ ِّليال َما ت َ ْشكُ ُرونَ )
)5ان خلقة االنسان مدروسة ،ولم تكن صدفة واالنسان موجود مصطفى ومنتخب ((ثم اجتباه
ربه فتاب عليه و هدى))
)6و له شخصية حرة مستقبلة و هو امين هللا و له رسالة وعليه مسوؤلية ،طلب منه أن يعمر
األرض بعملهُ و ابداعه و ان يختار احد الطريقين السعادة او الشقاء.
ض َو ْال ِّجبَا ِّل فَأَبَيْنَ أَن يَحْ ِّم ْلنَ َها َوأ َ ْشفَ ْقنَ ِّم ْن َها ت َو ْاأل َ ْر ِّ اوا ِّ
س َم َ علَى ال ه ضنَا ْاأل َ َمانَةَ َ ع َر ْ (( ِّإنها َ
()3
ظلُو ًما َج ُهولً)) سا ُن ۖ ِّإنههُ َكانَ َ َو َح َملَ َها ْ ِّ
اإلن َ
صيرا ً * ِّإنها َه َد ْينَاهُ ال ه
س ِّبي َل ِّإ هما شاج نَ ْبت َ ِّلي ِّه فَ َج َع ْلناهُ َ
س ِّميعا ً َب ِّ طفَ ٍة أ َ ْم ٍ اإل ْنسانَ ِّم ْن نُ ْ (( ِّإنها َخلَ ْقنَا ْ ِّ
()4
شَا ِّك ًرا َوإِّ هما َكفُ ً
ورا))
)7يتمتع االنسان بكرامة ذاتية وشرف ذاتي فقد فضله هللا على كثير من خلقه ثم يتفهم واقعه
ويشعر به عندما يتفهم هذه الكرامة ويشعر بها ويعتبر نفسه اسمى من الدناءات والرذائل
ت
الطيِّبَا ِّوالشهوات والقيودَ (( :ولَقَ ْد ك هَر ْمنَا بَنِّي آ َد َم َو َح َم ْلنَاهُ ْم فِّي ْالبَ ِّر َو ْالبَحْ ِّر َو َرزَ ْقنَاهُم ِّمنَ ه
ً ()5
ضيل)) ير ِّم هم ْن َخلَ ْقنَا ت َ ْف ِّ علَى َكثِّ ٍ َوفَض ْهلنَاهُ ْم َ
س هواهَا ((ونَ ْف ٍس َو َما َ )8يتمتع بضمير أخالقي يدرك القبيح و الجميل يحكم االلهام الفطري َ
()6
ورهَا َوت َ ْق َواهَا)) فَأ َ ْل َه َم َها فُ ُج َ
)9ال يهدأ اال بذكر هللا وال نهاية لطلباته وال يشبع من كل شيء يحصل عليه اال ان يتصل بذات
ح ِّإلَى َر ِّبكَ سا ُن ِّإنهكَ كَا ِّد ٌ وب))((( )7يَا أَيُّ َها ِّ
اإل ْن َ َّللا ت َْط َمئِّ ُّن ْالقُلُ ُ هللا األبدية الالمحدودة((أ َ َال ِّب ِّذ ْك ِّر ه ِّ
()8
َك ْد ًحا فَ ُمال ِّقي ِّه))
()9
ض َج ِّميعًا)) )10خلقت نعم األرض من اجل االنسان(( :ه َُو الهذِّي َخلَقَ لَكُم هما فِّي ْاأل َ ْر ِّ
_1سورة النجدة_االيات9،8،7
_2طه _االية122
_3سورة األحزاب_االية72
_4سورة الدهر_االيتان3،2
_5سورة االسراء_االية70
_6سورة الشمس_االيتان 8،7
_7سورة الرعد _االية28
_8سورة االنشقاق_ االية6
_9سورة البقرة _ االية 29
6
()1
ت َو َما فِّي ْاأل َ ْر ِّ
ض َج ِّمي ًعا)) اوا ِّ س هخ َر لَكُم هما فِّي ال ه
س َم َ (( َو َ
نس ِّإ هال )11خلق هللا ليعبده ويطيعه ،اذا فواجبه اطاعة أمر هللا (( َو َما َخلَ ْقتُ ْال ِّج هن َو ْ ِّ
اإل َ
()2
ُون))
ِّليَ ْعبُد ِّ
)12انه ال يجد نفسة اال بعباده هللا وذكره هللا ،وإذا نسى ربه نسى نفسة وال يعرف من هو و
ساهُ ْم أَنفُ َ
س ُه ْم ۚ لماذا؟ وماذا يجب أن يعمل والى اين يذهب ؟ (( َو َال تَكُونُوا كَالهذِّينَ نَسُوا ه َ
َّللا فَأَن َ
()3
أُولَئِّكَ هُ ُم ْالفَا ِّسقُونَ ))
)13وعندما يرحل عن هذا العالم ،و يندلع عنه ستار البدن الذي هو حجاب الروح يتضح له
()4
ص ُركَ ْال َي ْو َم َحدِّي ٌد)) عنكَ ِّغ َ
طا َءكَ فَ َب َ ش ْفنَا َ
كثير من الحقايق التي تكون اليوم عليه خفية (( :فَ َك َ
)14لم يعمل للقضايا المادية فحسب ،ولم تكن حاجات الحياة المادية دافعه الوحيد ،فهو يتحرك
ويتحمس للغايات السامية أحيانا ،وربما ال يتطلب من حركته وسعيه شيئا سوى رضا هللاَ ((:يا
()5
ضيهةً فَا ْد ُخ ِّلي فِّي ِّعبَادِّي َوا ْد ُخ ِّلي َجنهتِّي))
اضيَةً َم ْر ِّ س ْال ُم ْ
ط َمئِّنهةُ ْ
ار ِّج ِّعي ِّإلَى َر ِّب ِّك َر ِّ أَيهت ُ َها النه ْف ُ
ط ِّيبَةً فِّي
ساكِّنَ َ ت تَجْ ِّري ِّمن تَحْ تِّ َها ْاأل َ ْن َه ُ
ار خَا ِّلدِّينَ فِّي َها َو َم َ ت َجنها ٍ َّللا ْال ُمؤْ ِّمنِّينَ َو ْال ُمؤْ ِّمنَا ِّ
ع َد ه ُ (( َو َ
()6
َّللا أ َ ْكبَ ُر ۚ ذَلِّكَ ه َُو ْالفَ ْو ُز ْال َع ِّظي ُم))
عد ٍْن ۚ َو ِّرض َْوا ٌن مِّنَ ه ِّ ت َ َجنها ِّ
وبناء على ما قيل ،فاإلنسان في نظر القرآن موجود مصطفى من قبل هللا ،وخليفته في األرض ،
نصفه ملكوتى و نصفه مادى ،له فطرة معرفة هللا ،حر ،مستقل ،آمين هللا ،و مسؤول عن نفسه
و العالم ،مسيطر على الطبيعة و االرض و السماء ،كلهم بالخير و الشر ،يبدأ وجوده من
الضعف و العجز ويسير نحو القوة و الكمال و يسمو وال يهدأ إال في حضيرة القدس اإللهي و
بذكره ،و ظرفيته العلمية و العل مية غير محدودة ،يتمتع بشرف و كرامة ذاتيه ،ال صبغة ماديه
لدوافعه أحيانا ،له حق التصرف المشروع بالنعم التي وهبها هللا له ولكن عليه واجبا أمام هللا .
()1سورة الجاثية_ االية 29
( )2سورة الذاريات_االية 56
()3سورة الحشر_االية18
()4سورة ق _ االية 22
( )5سورة الفجر_ االية 28
()6سورة التوبة_االية 72
7
حقوق االنسان
تمثل مادة (حقوق االنسان) جزءا مهما من (مادة التربية الدولية) ،اضافة الى طبيعتها القانونية
ومضمونها السياسي ،والتي تم االهتمام بها بضرورة مكثفة من قبل (اليونسكو) منذ عام ()١٩٤٦
حتى تمكنها من (عقد اجتماع دولي للخبراء) عام ١٩٩١في استراليا ،أدى الى انشاء (شبكة
اليونسكو الدولية لبحوث الكتب المدرسية) ،ومثلت (الخطوط التوجيهية لتطوير منهج وكتاب
مدرسي للتربية الدولية ).
ويتعين من خالل تحديد المكونات المعرفية للتربية الدولية ،البد وأن يتم نقل قيم :إنسانية وثقافية
وأخالقية ،تستند الى :حقوق اإلنسان والى مثل السالم ومواقف التسامح نحو الخصوصية الثقافية
المختلفة ،والى القيم التي تعزز الديمقراطية الحقة كما ان التربية الدولية هي :جزء من التربية من
أجل المستقبل وينبغي اعتبار اصطالحات ( التربية الدولية) و (التعاون) و (االسالم ) كل ال يتجزأ
قوامه العالقات الودية بين الشعوب والدول ذات النظم االجتماعية والسياسية المختلفة ،ومبدأ
احترام حقوق اإلنسان والحريات األساسية .
وقد اعتمد مؤتمر اليونسكو لعام ١٩٩٤تحديث توصية من أجل السالم وحقوق اإلنسان
والديموقراطية .ومنذ عام ، ١٩٧٤أكدت اليونسكو على أن توجه مؤسسات التربية والتعليم نحو
إزالة الظروف التي تؤدي الى استمرار او استفحال المشكالت الكبرى التي تهدد بقاء البشر
ورفاهيته ،مثل عدم المساواة ،والظلم ،والعالقات الدولية القائمة على استعمال القوة ،كذالك نحو
أتخاذ تدابير التعاون الدولي تكون كفيلة بحل تلك المشكالت .
وفي عام ٢٠٠٣تم إدخال مادة حقوق اإلنسان ضمن المناهج الجامعية .
وبالتالي يأتي جهدنا هذا ليقدم خدمة أولية ألبنائنا الطلبة في هذا المجال ،آملين تطويره مستقبال ،
ومن هللا التوفيق :
8
الفصل األول
المبحث األول:
ماهية حقوق اإلنسان
اوال :التعريف بحقوق اإلنسان
ج /ليس هناك اتفاق على تسميه واحدة لهذا الموضوع ،بل استعملت عدة مصطلحات للداللة عليه
،فمن الكتاب من يستعمل مصطلح (الحقوق األساسية الفرد) او (الحريات الفردية األساسية) ،
ومنهم من يستعمل مصطلح (الحريات العامة) ،أما األغلبية فتستعمل مصطلح (حقوق اإلنسان) .
وقد استعمل قانون إدارة الدولة العراقي للمرحلة االنتقالية الصادر في /8 :آذار ، 2004/مصطلح
(الحقوق األساسية ) في الباب الثاني :المواد ، ) 23 - 10( :بينما استعمل دستور جمهورية
العراق الدائم لعام 2005مصط لح( الحقوق و الحريات ) كما وردت في الباب الثاني الذي اشتمل
على فصلين ،اختص االول منها بالحقوق والذي يم تقسيمه إلى( الحقوق المدنية و السياسية ) في
المواد ، ) 21-14( :والى (الحقوق االقتصادية واالجتماعية و الثقافية) في المواد،/) 34 -22( :
بينما اختص الفصل الثاني بالحريات في المواد ، )44 - 35( :ومن الدساتير ما ذكر مصطلح
(الحريات و الحقوق و الواجبات العامة) ،كالدستور المصري الصادر عام . 1971
وتميل إلى استعمل مصطلح(حقوق االنسان) ،ألنه المصطلح الشائع و واسع االستعمال و المعتمد
من قبل منظمة األمم المتحدة و منظوم تها ،خصوصا في الرابع االخير من القرن الماضي ،كما
أن( الحريات هي حقوق اإلنسان ،اي حقوقه في ان يكون حرا من القيود التي يراد فرضها عليه
الن الحقوق نفسها ليست إال حريات معترفا بها و محلية بوسيلة ما ) .
وبالتالي ،يمكن القول بأن الحرية هي األصل وما الحق إال وسيلة لممارسة الحرية ،فهو وسيلة
للحرية وأداة لديمومتها ،وأن كان كال المفهومين يستعمل استعماال متبادال ،اي ان كل عبارة
تستعمل محل األخرى دون ان يكون هناك فرق قانوني جوهري بينهما .
9
وفي ضوء ذلك ،نص مثال الدستور اإليطالي الصادر عام 1947في المادة ( )21منه على أن:
للجميع حق التعبير للحرية عن آرائهم بالقول و بالكتابة وبجميع وسائل االذاعة االخرى ،......
وكذلك نص الدستور السوداني االنتقالي الصادر عام 1985في المادة ( )19منه على ان :لجميع
االشخاص الحق في حرية التعبير و النشر و الصحافة في حدود القانون ،كما تطرق االعالن
العالمي لحقوق االنسان الصادر عام 1948الى الحق في حرية التفكير و الضمير و الدين و ذات
النهج نجده في العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق االقتصادية و االجتماعية ،و بالحقوق المدنية
و السياسية الصادرين عام . 1966
و يبقى السؤال المطروح امامنا :ما المقصود بحقوق االنسان ؟
يمكن القول بان حقوق االنسان :هي قدرة اإلنسان على اختيار تصرفاته بنفسه و ممارسة نشاطاته
المختلفة دون عائق ،مع مراعاة القيود المفروضة لمصلحة المجتمع ،ويتبين من هذا أن اإلنسان
هو محور الحقوق جميعا ،وأن هذه الحقوق ترتبط وجودا و عدما بوجوده و عدمه .
ومن المعروف أن بعض حقوق اإلنسان وصفت منذ القدم بأنها حقوق طبيعية ارتباطها الوثيق
بطبيعة اإلنسان ،وأنها منبتقة من صميم ذاته ،ومن ثم فهي غير قابله التصرف ،وليست منحة
من سلطة معينة ،أنما هي حقوق اسياسية من حقوق البشر الطبيعية التي فطر اإلنسان عليها منذ
خلقه ،ومنذ أن ميزه هللا بالعقل و القدرة على سائل مخلوقاته .
وعلى الرغم من االهمية التي يحتلها هذا الوصف حتى الوقت الحاضر ،فما ينبغي تأكيده هو أن
حقوق اإلنسان أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بدور الدولة من حيث هي الوسيلة الفعالة و األداة
السليمة المنظمة لهذه الحقوق .
وعليه ،فتقول بطبيعة الحقوق ،و بكونها مطلقة وغير قابلة للتصرف ،ال يمكن التسليم به ،وذلك
أن حقوق اإلنسان نسبية و ترتبط ارتباطا وثيقا بإمكانيات الفرد المادية والفكرية.
10
وجملة ظروف لها دورها المؤثر في ممارسة االستعان لحقوقه ،والمتجسدة في الظروف
االجتماعية العامة ،والظروف الطبيعية الخارجية .
ومن وجهه نظرنا نلخص الي القول بأن :حقوق اإلنسان هي :مجموعة شاملة من المباديء
األخالقية التي ينبغي ان تحكم عمل الناس والمؤسسات والحكومات على المستويين الداخلي
والخارجي .
تمثل من و جهه نظر اسالمية باحكام القران الكريم واحاديث الرسول العظيم محمد بن عبد هللا
(ص) وسيرته الكريمة ،وأقوال ال بيته االطهار وسيرتهم الجهادية اإلستشهادية الرامية الى احقاق
الحقوق وانجز الواجبات بما يؤدي الى تحقيق الكمال اإلنساني لالنسان ،على مستوى الفرد
والمجتمع .
بينما تمثل من وجهه نظرغربية في -:
.1االعالن العالمي لحقوق االنسان .
.2الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية.
.3الميثاق الدولي بشان الحقوق االقتصادية واالجتماعية .
تتميز هذه الحقوق
( .1التعميم) :كالحق في الحياة ،والمساواة ،والحرية ،باعتبارها تشمل جميع الناس بسبب
كونهم بشر .
( .2رفض مبدأ التمييز ) ،سواء اكان على اساس العنصر او الجنس وغيرها .
.3وتؤكد على (حماية حقوق االقليات ) وفقا الحكام القانون الدولي ومقتضيات العدالة.
.4وتطرح مسألة (حقوق الالجئين) على المستويين الوطني والدولي ،بصورة ايجابية .
.5وتقر (بالمسؤوليات الشخصية) في تمكين االخرين من التمتع بالحقوق .
11
جذور حقوق االنسان وتطورها التاريخي
ان دراسة التطور التاريخي لحقوق االنسان ،يعد أمرا ضروريا لبيان وضع حقوق األفراد
وحرياتهم في مختلف المجتمعات االنسانية ،و ذلك ان من المسلم بع أن حقوق اإلنسان تختلف
باختالف الزمان و المكان و تتأثر بمختلف التيارات الفكرية السائدة في المجتمع.
وعليه فان البحث في التطور التاريخي لحقوق اإلنسان يستلزم تناول المواضيع اآلتية:
)1حقوق اإلنسان في العصور القديمة.
)2حقوق اإلنسان في الشريعة اإلسالمية.
)3حقوق اإلنسان في العصر الحديث.
12
وقانون باياللما : Bilalmaالقانون االول الذي تمت صياغته (بستين مادة قانونية في حوالي سنه
1920ق.م تناولت :حق األمومة و التروض و الوديعة اليجار و البيع ،كما انه مثل غيره من
قوانين الحقوق البدائية قد خصص حيزا للعقوب ات ،و القانون الثاني فقد وضيعه (لبيت عشتار
) Lipit-ashtarوهو يعبر عن المؤسسات السامية ،و كثيرا ما تغنى الملك (لبيت عشتار)
بمحاسنة قائال:
وطدت العدل في بالد سومر وأكد ،كنت عانيا على الكبراء ورحيما بالوضعاء ،واقمت للحق
وأعطيت الحرية للناس .
مشرع في التاريخ بسبب
َ ويعتبر اإلمبراطورية حمورابي ( )1728-1686ق.م اعظم واهم
الشريعة التي خلفها لنا المكونة من ( 282مادة) قانونية .
ولقد كان الدين في حضارة وادي الرافدين تأثيرا كبيرا على جميع المؤسسات ،وقد ولدت فكرتهم
عن الحق من الديانات القديمة ،وكانت العالقات بين الناس وقضايا الملكية واالصول تنظم وفق
مبادئ تلك الديانات وعلى ضوء حاجاتها حيث كان للدين والقانون والسلطة متداخلة وصارت شيئا
واحدا يضم ثالثة مظاهر مختلفة ،مع بقاء الدين بمثابة السيد المكلف في الحياة الخاصة والحياة
السياسية معا ،وبذلك فان القانون يكون جزءا من الدين ،وعلى هذا الساس تكون مسائل واجبات
وحقوق االنسان في جوهرها االساس دينيا ً .
ومن خالل ما تقدم ،يتبين ان الحضارة العراقية ،كانت اول من تعامل مع قضايا حقوق االنسان ،
بمستوى اخالقي راقي .
وصار من المسلم به ان العصور القديمة كانت تجهل فكرة خضوع الحاكم لقواعد قانونية تقيد
سلطانه ،فقد كان الحاكم في نظر االفراد في اغلب االحيان بمثابة اإلله ،وكان الخضوع لحكمه
من قبيل الخضوع ألحكام الدين وااللتزام بتعاليمه من قبل الحكام والمحكومين على حد سواء وهو
ما حصل في الحضارة العراقية القديمة .
اما اذا كان سلطان الحاكم مطلقا ال يناقشه فيه احد ،تكون النتيجة الحتمية المترتبة على هذا
الوضع هي حرمان االفراد من كل حق في مواجهة حكامهم ،وهو ما حصل على سبيل المثال ،
في الحضارة اليونانية،
13
حيث كان المجتمع مقسما الى طبقتين ،االولى :طبقة االحرار (المواطنون) ،والثانية :طبقة
األرقاء ،حيث اعترف لبعض افراد طبقة األحرار بالحق في االسيام في تسيير شؤون الدولة ،في
حين نجد ان طبقة االرقام ظلت محرومة من أية حقوق تذكر سواء كانت حقوقا سياسية ،مثل ابداء
الرأي ،والمشاركة في التشريح واالنتخابات ،وتولي المناصب العامة ،ام حقوقا اجتماعية ،
وحق العالج وحق التعليم ،وحقوق اقتصادية مثل حق العمل ( الن الحق في اختيار العمل
مرفوض بالنسبة لألرقاء ) .وكذلك نجد الوضع نفسه في الحضارة الرومانية ،ولكن على نحو
اثقل وطأة مما كان في الدول التي سبقتها في أوربا ،بسبب التقسيم الطبقي والتأصيالت التاريخية
في هذه الحضارة لنظام الرق والعبودية ومن ثم لتجارة الرقيق على الصعيدين الداخلي والخارجي
وما مثله في امتهان كرامة اإلنسان وانتهاك صارخ لحقوقه المختلفة ،هذا فضال عما جاء قي
قانون الشعوب الذي يطبق شعوب االقاليم التي تحتلها روما وعدم تطبيق القانون الروماني عليها
والذي اقتصر تطبيقه على طبقة المواطنين االشراف.
ان انتهاكات حقوق اإلنسان لم تتغير بالرغم من ظهور المسيحية واستبشار الناس بها خيرا (
وخاصة األرقام والطبقات المحرومة) لما جاءت بع من مبدا مساواة األفراد جميعا ،التي كان
يقصد بها أن تكون أمام هللا فقط اي في الحياة األخرى ،عالوة على أن المسيحية أصبحت الدين
الرسمي للدولة ،ومن ثم كان يعاقب من يدين بغير دين للدولة بقسوة بالغة .
و من هنا بدأت سيطرة الكنيسة المطلقة على السلطتين الدينية و الدنيوية ،و احتلت بذلك مركزا
سياسيا و فكريا مهيمنا على االفراد ،فعددت بذلك القيود المفروضة على حريات االفراد ،فقد حق
الفرد في المشاركة في الحكم ،اذا كان البابا يعد الحاكم األول و األوحد و الممثل للسلطة اإللهية
المطلقة ،و هذا عالوة على العالقات التبعية القائمة بين اإلقطاعيين ورقيق األرض ،و كذلك
قيدت الحريات السياسية التي تستهدف توجيه الحكم و اإلشراف عليه ،وهذا ما يفسر عدم وجود
حرية تأليف الجمعيات و الهيئات التي يمكن ان توجه النقد لحكم الكنيسة
14
واستمرت بذلك سيطرة الكنيسة طوال القرون الوسطى التي كانت تتجاهل فكرة الحرية والمساواة
،حيث كانت سيطرة التبعية مهيملة ونظام الطبقات سائدا.
و بطبيعة الحال ،يمكن القول بأن الفترات التي مرت بها البشرية في تلك العصور لم تخل من
األصوات المنددة بالظلم و االستبداد ،و قد بدأت بوادر الثورة ضد هذه األوضاع في القرن الرابع
عشر ،فظهرت بذلك ح ركة تحرير األرقام و التمرد على االستبداد و عدم المساواة ،وفي نهاية
القرن الخامس عشر بدأ عصر النهضة في أوربا وفيه انتمت افكار الحرية و ظهرت الدعوات الى
تقييد سلطان الملوك ،و إخضاعهم لقواعد تعلو عليهم ،اذا كان لظهور حركات اإلصالح األثر
الكبير في بلوزة افكار الحريات الفردية ،و بيان االساس الفاسد للحكم المطلق .
ان تل ك الحركات جاءت ردا حاسما على تردي أوضاع الكنيسة والنحطاطها وفشلها في تحرير
االفراد من القيود المفروضة عليهم ،وفي نهاية القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر بدأت
الحركات التحررية بالظهور منددة بالظلم واالستبداد ومستلهمة اراء الفالسفة السياسيين في تلك
الفترة ،الذين كانت مؤلفاتهم تشكل منهال خصبا لتلك الحركات سواء في أوربا او في الواليات
المتحدة األمريكية.
تعتبر حقوق االنسان من أهم القضايا العالية ،و من اكثرها حساسية في المجتمع الدولي ،و كان
من اهتمامه البالغ بها أن أقام محكمة دولية في الهاي لمحاكمة مجرمي الحرب ،و المنتهكين
لحقوق االنسان ،و يحاكم فيها ذوو المراتب العالية ،كرؤساء الجمهوريات ،و الوزراء ،و قادة
الفرق ،وضباط الجيش ،وغيرهم من ذوي المراتب العالية من الذين استهانوا بأرواح الناس و
كرامتهم ،وهو مشروع حسن و جميل جدا ً يقابل بالشكر ،وقد دل على مدى النضوج االجتماعي
عند القائمين بذلك ،و قد رحبت به و أقرته بعض الدول ،و أمتنعت من االعتراف به و دول
أخرى التي ال يعنيها كرامة اإلنسان و حقه في الحياة ،
وعلى اي حال ،فقبل ان نعرض للوثيقة الدولية لحقوق اإلنسان نذكر بعض البحوث التي ترتبط
بالموضوع.
15
الوضع في أوربا
حفل تاريخ أوربا قبل عصر النهضة العلمية بالمآسي والخطوب السود ،فقد كانت الحياة العامة
يسودها الظلم والجور والغبن االجتماعي ،وكان طابع الحكم فيها استبداليا ال ظل فيه للعدل واألمن
واالستقرار ،فالجهاز الحاكم كان القوة الضاربة لإلرادة الشعب والمحتكرة لجميع السلطات
التشريعية والتنفيذية ،وكلمة القانون بيد الحاكم .يقول لويس الرابع عشر:
«الدولة أنا»
إن الدولة بجميع اجهزتها ماثلة في شخصيته ،وليس للرعية على أي إرادة او اختيار ،فبيده إعالن
الحرب وسوق الجحافل البشرية إلى المجازر ،وعلى الشعب الطاعة والخضوع.
وعبر ريتشارد ملك بريطانيا المخلوع عن استهتاره بحقوق شعبه قائال ً:
()1
«القانون في فمي ،وكثيرا ً ما يكون سرا ً كامتا ً في صدري»
القانون في فمه وصدره ،وليس الي أحد ان يقف أمام رغباته وميوله النفسية ،وأن كانت شريرة
ومهلكة للعباد.
لقد نظر الحاكمون في أوربا في تلك العصور الى رعاياهم انهم حول وعبيد لهم يتصرفون
بأرواحهم وأموالهم حيثما شاءوا ،وأنهم غير مسؤولين عما يقترفونه في حقهم من صنوف اإلهانة
والتنكيل ،فقد أعلن(غليوم) األلماني في خطابه سنه 1897م ما نصه:
____________________
()1الدستور البريطاني/ايرون الكسندر،39:ترجمة:محمد بدران
16
((ان غليوم االول قد أقام كنزا واسع النطاق يجب علينا حفظه مقدسا ،هذا الكنز هو الملك المستمد
من معونة هللا تعالى ،الملك القائم على المسؤولية العظمى أمام الخالق دون سواه ،تلك المسؤولية
()1
التي ال يمكن الي وزير او مجلس نواب أن يوفعها عن عاتق ولي األمر))
وحكى هذا الخطاب االستبداد بحق الرعية ،وأنها ال قيمة لها عندهم ،ومن الطبيعي أن هذا الحكم
الفردي قد أدى إلى خنق الحريات ،واضطهاد ليس الشعب.
ويقول المعنيون بهذه البحوث :ان فرنسا كانت من أعظم دول أوربا في المحنة والشقاء ،فقد عدمت
فيها بالكلية الحرية السياسية والمساواة االجتماعية ،ولم يعد فيها الي نظام عادل ،خصوصا في
الضرائب المالية التي كانت تسير وفق رغبات الحاكمين ،وقد اختصت باالمتيازات بعض
الطبقات ،وحرمت منها األكثرية الساحقة ،أما التي ظفرت باالمتيازات فهي:
-1النبالء.
-2أرباب الكنيسة.
-3المشرعون.
-4نقابات طوائف العمال.
وقد أوجدت هذه االمتيازات انتشار الكراهية والحقد على الحكومة ،وقد عمدت الحكومة إلى
حرمان ابناء الفقراء من المناصب الرفيعة في الدولة كقيادة
____________________
()1النظام السياسي في اإلسالم160:
17
الجيش والقضاء والكنيسة وغيرها(.)1
كما عمدت إلى زج المطالبين بالعدالة في السجون ،وقد ساد الجوار في جميع أنحاء أوربا ،
خصوصا في فرنسا بالذات.
الثورة الفرنسية
وتفجرت االوضاع السائدة في فرنسا بالثورة العامرة على الحكم القائم ،فقد ثار الشعب الفرنسي
في يوم 17يونيو سنة 1789م مطالبا بإلغاء الضرائب التي فرضتها الحكومة الملكية ،وعمت
المظاهرات الساخطة على الدولة جميع انحاء البالد ،وهي تهتف بسقوط الحكم القائم ،وقد قابلتها
السلطة بالنار ،فقد صوبت مدافعها على الثوار ،إال أنها لم تنجح ،فقد صمم الشعب الفرنسي على
إسقاط حكومته ،وبعد صراع رهيب استطاع الشعب إسقاط الحكم ،وقد ارتكبت في تلك األحداث
من الجرائم ماال يوصف لفضاعتها ،كالقتل والنهب وحرق المحالت التجارية ،وقد ألفت فيها
مئات الكتاب ،وقد نقلت االحداث الجسام في تلك الثورة التي هي من غرائب الثورات التي
شاهدها العالم(.)2
___________________
( )1تاريخ أوربا في العصر الحديث /هـ .أ .ل فشر6,5:
18
واحد ،وهو جهل الحاكمين والمسؤولين بهذه الحقوق او تجاهلها ،وأصدرت الجمعية بيانا علما
للشعب يتكون أساسا لمطالبة ،وقد اشترك في وضعه جمهرة كبيرة من خيرة علماء فرنسا
ومشرعي قوانينها.
ومن المؤكد أن اإلسالم قد سبق فرنسا في تأسيس حقوق اإلنسان ،فقد نظر إليه بعمق وشمول ودقة
وحكمة ،فوضع لمناهج حياته الفردية واالجتماعية أسمى الحقوق ،وأكثرها أصالة وابداعا لم
يجاريه في سمو تشريعاته اي مشرع مهما اوتي من فضل وعلم.
اما اهم نصوص الوثيقة الدولية لحقوق االنسان .التي اعلنتها هيئة االمم المتحدة فهي:
-1يولد الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق ،مزودين بالعقل والضمير ،وعليهم أن
يعاملوا بعضهم بعضا يروح األخوة.
-2لكمل انسان ان يتمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذه الوثيقة ،وذلك بدون ايي تتميز
وخاصة ما كان بسبب الجنس ،واللون ،والذكورة او االنوثة ،واللغة ،والدين ،والرأي
السياسي ،أو أي رأي خالفة ،أو األصل الوطني ،الذي نزح عنه الفرد ،أو األصل
االجتماعي ،وحالة الغنى والفقر ،والمركز العائلي او اللي مركز خالفه.
-3تمتد الحقوق الواردة في هذه الوثيقة إلى جميع سكان األراضي الواقعة تحت الوصاية ،
واألراضي غير الممتعة بالحكم الذاتي ،وذلك على قدم المساواة مع سكان البالد ذات
السيادة.
-4لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية ،وفي ان يعيش أمنا مطمئنا ً
-5ال يجوز ان يعيش انسان في الرق أو االستبعاد ،والرق النخاسة في كافة صورهما
محظوران.
-6ال يجوز أن يعذب أنسان ،أو أن توقع عليه عقوبات قاسية غير أنسانية أو مزرية بالكرامة.
-7لكل إنسان الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية.
-8الجميع متساوون أمام القانون ،ولكل فرد دون أي تمييز وعلى قدم المساواة ،الحق في أن
يحتمي به وللجميع الحق في الحماية ضد كل تمييز يعتبر خروجا على هذه الوثيقة وضد
كل تحريض على هذا التمييز.
19
-9لكل انسان الحق في االلتجاء الفعلي الى القضاء ،الوطني المختص بالنظر في كل اعتداء
على الحقوق االساسية المعترف له ،بها في الدستور والقوانين.
-10ال يجوز القبض على احد أو حبسه أو نفيه بإجراء تحكمي.
-11ال يجوز أن يتعرض أحد لتدخل تحكمي في حياته الخاصة أو في اسرته أو منزله أو
مراسالته ،وال أن يتعدى على شرفه وسمعته ،لكل إنسان الحق في حماية القانون ضد مثل
هذا التدخل وذلك االعتداء.
-12لكل فرد الحق في التنقل بحرية ،وفي اختيار مسكنه داخل الدولة ،لكل إنسان الحق في أن
يغادر أي بلد بما في ذلك بلده ،وأن يعود إليه.
-13لكل إنسان الحق بإزاء االضطهاد في أن يبحث عن ملجأ ،وأن يستفيد من وجود هذا الملجأ
في بالد أخرى.
-14لكل فرد الحق في الملكية ،سواء بصفة فردية أو جماعية ال يجوز حرمان أحد عن
ممتلكاته بإجراء تحكمي.
-15لكل إنسان الحق في حرية التفكير واالعتقاد والديانة .
-16لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير بما يتضمنه ذلك الحق في أال يزعج بسبب
آرائه.
-17لكل إنسان الحق في ان يساهم في أدارة شؤون بالده العامة؛ وذلك سواء بصفة مباشرة أو
بواسطة ممثلين منتخبين انتخابا حرا.
-18لكل شخص الحق في تولي الوظائف العامة في بلده على أساس المساواة.
-19إرادة الشعب هي مصدر السلطات العامة .
-20لكل انسان الحق في الضمان االجتماعي أن يحصل على الحقوق االقتصادية واالجتماعية
والثقافية الالزمة لكرامة االنسان وتنمية شخصيته تنمية طليقة ،وذلك بفضل المجهود
القومي والتعاون الدولي.
-21لكل شخص الحق في العمل والحرية في اختياره بشروط عادلة مجزية كما أن له الحق في
الحماية من البطالة.
-22للجميع الحق دون تمييز في الحصول على أجر متسا ٍو عن عمل من متسا ٍو .
20
-23لكل من يعمل له الحق في أجر عادل مجز يضمن له وألسرته حياة تتفق مع الكرامة
البشرية ،ويكمل عند الضرورة هذا األجر بأية وسيلة من وسائل الحماية الجماعية.
-24لكل فرد الحق في مستوى من الحياة يضمن له وألسرته الصحة والرخاء ،وبخاصة فيما
يتعلق بالمأكل والملبس والمسكن والخدمات الصحية والخدمات االجتماعية الضرورية كما
أن له الحق في حالة البطالة والعجز عن العمل الزمان والشيخوخة ،وفي الحاالت االخرى
التي يفقد فيها وسائل كسب قوته نتيجة ظروف ال دخل إلرادته فيها.
-25لكل إنسان الحق في التعلم ،ويجب أن يكون التعلم مجانا والتعليم األولي إجباري.
-26يجب أن يهدف التعليم الى تنمية شخصية البشرية ،وتقوية احترام حقوق األنسان وحرياته
األساسية ،ومن الواجب أن يناصر الفهم المتبادل ،والتسامح والصداقة بين كافة األمم
وكافة الجماعات ،كما يعمل على تعزيز مجهودات األمم المتحدة للمحافظة على السالم .
-27على الفرد واجبات نحو الهيئة االجتماعية التي من الممكن أن تنمو فيها وحدها شخصيته
نموا حرا كامال.
-28ال يخضع الفرد عن مزاولة حقوقه والتمتع بحرياته اال للقيود التي ينص عليها القانون
لضمان االعتراف بحقوق الغير وحرياتهم واحترامها ،ثم لحماية مقتضيات األخالق الدقيقة
والنظام العام والرفاهية العامة في مجتمع ديموقراطي ،ثم ال يمكن بأية حال مزاولة هذه
الحقوق والحريات على نحو يتعارض مع أهداف ومبادئ األمم المتحدة.
-29ال يجوز أن يقر أي نص من نصوص هذه الوثيقة على أن يتضمن بالنسبة ألية دولة أو أية
هيئة أو أي فرد الحق في أن يزاول أي نشاط ،أو ان يقوم بأي عمل يرمي الى تحطيم
الحقوق والحريات الواردة فيها (.)١
( )١تاريخ اعالن حقوق االنسان لليراقية /تعريب د .محمد مندرو ،منشورات الجامعة العربية.
21
معظم هذه الحقوق قد تبناها اإلسالم منذ فجر نوره وطبقها على الصعيد االجتماعي للمسلمين،
خصوصا في أيام حكومة األمام أمير المؤمنين (عليه السالم) رائد العدالة االجتماعية ومؤسس
حقوق األنسان.
وقد تخلفت معظم دول الغرب عن تطبيق هذه الوثيقة على شعوبها ،فقد عمدت الى التحجير على
بعض األشخاص الذين ال يرتضون سياستهم ومنعتهم من السفر الى الخارج ،وثم تأشير جوازات
سفرهم بالمنع ،كما فرضت االقامة الجبرية على قوم في بيوتهم ال يغادرونها .
أما أساليب القمع فإنها ال توصف لقسوتها وفظاعتها في دوائر األمن والمخابرات والشرطة ،فقد
عمدت الى اخذ االعترافات من المتهمين بأبشع أنواع التعذيب ،وبذلك فقد ألغيت من وثيقة إعالن
حقوق اإلنسان المواد التالية:
المادة ((: ٦ال يجوز أن يعذب إنسان أو أن توقع عليه عقوبات غير إنسانية أو مزرية بالكرامة)).
المادة ((: ١٠ال يجوز القبض على أحد ،أو حبسه ،أو نفيه بإجراء تحكمي في حياته الخاصة ،أو
منزله أو لسرته ،أو مراسالته ،وال أن يتعدى على شرفه وسمعته)).
فقد الغيت هذه البنود من الميثاق ،ولم يعد لها أي على واقع الحياة عندهم .
التمايز العنصري
أكدت وثيقة حقوق االنسان على الغاء التمايز العنصري بين ابناء البشر ،وأنهم جميعا متساوون في
الحقوق والحريات بدون أي تمييز بينهم،
22
وقد جاء ذلك في البند االول والثاني من الوثيقة ،وهذا نصها:
المادة األولى :يولد الناس احرار متساوون في الكرامة والحقوق ...الخ.
المادة الثانية :لكل إنسان يتمتع بكافة الحقوق الواردة في هذه الوثيقة ،وذلك بدون أي تمييز وخاصة
ما كان بسبب الجنس واللون ...الخ .
ولم يعد لهاتين المادتين أي وجود في الحياة العامة في أوربا ،فقد عمد األوربيون الى التمايز
العنصري وتطبيقه على واقع حياتهم بصورة مكشوفة ،فاألمريكان البيض بمعزل تام عن
االمريكان السود ،فكنائس كل منهما بمعزل عن االخر ،وكذلك مقابرهم وفنادقهم وقطاراتهم
ومدارسهم ومحالت سكنهم منفصلة بعضها عن البعض ،وكان األطباء يجرون تجربة لدواء أو
عملية جراحية على السود للنظر في نجاحها ،ولكن االمريكان في عام ١٩٥٤م عمدت الى الغاء
هذه الفوارق تحت ضغط عالمي.
وكان من استهانة البيض بالسود أذا ركب أسود حافلة تخص البيض قدم للمحاكمة ،ولو كانت امرأة
عجوز سوداء جالسة في الحافلة وجاء شاب أبيض فأنه يتحتم عليها ان تقوم من مكانها وتجلسه
فيه ،وأدلى الرئيس األمريكي كندي بتصريح أعرب فيه عن ضياع حقوق األنسان بالنسبة الى
السود ،حيث قال:
((ان األرقام تشير الى ان الطفل األسود حين يولد اليوم في بالدنا له نصف حظ الطفل األبيض من
فرصه إنهاء مرحلة الدراسة الثانوية وله ثلث حظ األبيض بشأن فرص حصوله على عمل مناسب
()١
له)).
لقد انتهكت حقوق االنسان ال في أمريكا فقط ،وأنما في معظم دول الغرب الذين ينادون بحقوق
اإلنسان.
23
عدم التساوي في االجور
وكان من مظاهر التمييز العنصري عدم مساواة الزنوج للبيض في اجور العمل الواحد ،ففي ناميبيا
يبلغ معدل دخل البيض من عملهم ( )٢٠٠٠جنيه ،وأما السود فيبلغ دخل عملهم الذي هو نفس
عمل البيض ( )٩٠جنياً ،ويعيش االنسان األبيض في رفاهية العيش بذخا ً ورخا ًء ،ويعيش اإلنسان
األسود في ضنك وقهر من حياته البائسة (.)١
اختيار المسكن
ومن بوادر التمايز العنصري الذي انتهكت فيه كرامة اإلنسان عدم الحرية في اختيار المسكن الذي
يرغب اإلنسان األسود فيه ،فليس له من سبيل أن يختار السكنى في مناطق البيض ( ، )٢وهو
منافٍ للمادة ( ) ١٢من ميثاق هيئة االمم المتحدة الذي نص على حرية الشخص في اختيار السكن
الذي يرغب به ،فأين حقوق اإلنسان ؟
24
حقوق االنسان في رحاب اإلسالم
25
اما حقوق االنسان فإنها من صميم رسالة االسالم فقد تجسدت فيما قنته له من الحقوق جميع القيم
األصلية والمثل العليا وهي أسمى وأفضل وأكمل من الحقوق التي شرعتها هيئه االمم المتحدة ألنها
احاطت بجميع ابعاد حياته االجتماعية والسياسية واالقتصادية فوضعت لها أسمى المناهج واكثرها
عمقا ً وشموالً ولم تبق اي شريحة من حياة االنسان النفسية وغيرها اال عالجها االسالم ورصد لها
من أنظمته اخالقه ما يعده ويجعله بمنجى من االزمات والمشاكل والمشاكل التي تشق بها الحياة.
ونحن نعرض الى الحقوق االنسان على ضوء ما أثر في كتاب هللا العظيم من اآليات البينات التي
اشادت بكرامة االنسان وانه المخلوقات وأعظمها شأنا عند هللا تعالى خالق الكون وواهب الحياة
وكذلك نذكر كوكبة من االخبار التي اسست حقوق االنسان.
وقد ادلى بها سيد الكائنات الرسول االعظم (صلى هللا عليه واله وسلم) باعث الروح والعلم في
االجيال وكذلك ادلى بها وصيه وباب مدينة علمه االمام امير المؤمنين (عليه السالم) فقد وضع
اصولها بسيرته وسلوكه في حب االنسان وانقاذه من متاهات الحياة وقد سار على خطة ابناؤه
االئمه العظام دعاة العدل االجتماعي في دنيا االسالم فأشادوا بكرامة االنسان وحقه في الحياة وهذه
نماذج من تلك النصوص.
26
كرامة االنسان
المادة االولى من حقوق االنسان هي اإلشادة بسمو مكانته وعظيم شأنه عند هللا تعالى وهذه بعض
االبيات:
ت (ولَقَ ْد ك هَر ْمنَا بَنِّي آ َد َم َو َح َم ْلنَاهُ ْم فِّي ْالبَ ِّر َو ْالبَحْ ِّر َو َرزَ ْقنَاهُم ِّمنَ ه
الطيِّبَا ِّ _1قال هللا تعالى َ :
()1 ض ً
يال) ير ِّم هم ْن َخلَ ْقنَا ت َ ْف ِّ َوفَض ْهلنَاهُ ْم َ
علَى َكثِّ ٍ
ان هللا تعالى خلق االنسان فأحسن خلقه
ص َو َركُ ْم ص هو َركُ ْم فَأَحْ َ
سنَ ُ س َما َء بِّنَا ًء َو َ
ارا َوال ه ض قَ َر ً َّللا الهذِّي َجعَ َل لَكُ ُم ْاأل َ ْر َ _2قال هللا تعالى (( ه ُ
()2
َّللا َربُّ ْال َعا َل ِّمينَ ))
اركَ ه َُّللا َربُّكُ ْم ۖ فَت َ َب َ
ت ۚ ذَ ِّلكُ ُم ه ُ َو َرزَ قَكُم ِّمنَ ه
الط ِّي َبا ِّ
()3
سانَ ِّفي أَحْ َ
س ِّن ت َ ْق ِّو ٍيم)) _3قال تعالى ((لَقَ ْد َخلَ ْقنَا اإل ْن َ
ان هللا تعالى ميز االنسان وفضله على كثير من مخلوقاته بما منحه من العقل الذي لواله لم يكن
شيئا ً مذكوراً.
()1االسراء 70:17
()3التين 4:95
27
كما ميز هللا تعالى االنسان بالعقل الذي يقود الى شاطئ االمن والسالم فاذا اطاعه وخالف هواه
جلب له الرحمة عند المسير واالرساء كما يقول المعري حكيم الشعراء
ان االنسان قد استخدم بعقله سائر الموجودات لصالحه فنفذ الى اعماق البحار واستخرج ذخائرها
وسيطر على ما فيها من المعادن والجواهر كما طار في الجو وذلل الصعوبات التي تقف امام
طموحاته فاخترق الغالف الجوي لألرض واخذ يصور ابعادها وطبقاتها وجبالها وبحارها ليكتشف
ما يحدث فيها من الزالزل والبراكين كما استخدم السفن الفضائية يفتش عن كوكب صالح للحياة
ليتخذه مسكنا ً ومقرا ً له بعد ان اكتشف بعض الكواكب التي ال تصلح للحياة
هذا هو االنسان الذي ميزه هللا تعالى بالعقل وجعله حجه عليه ليسير بهداه ويخلع عن نفسه
()1
النزاعات الشريرة من االن انية والغرور والطيش والكبرياء والظلم واالعتداء
ض َخ ِّليفَ ًة قَالُوا أَتَجْ َع ُل ِّفي َها َمن ُي ْف ِّس ُد (و ِّإ ْذ قَا َل َربُّكَ ِّل ْل َم َال ِّئ َك ِّة ِّإ ِّني َجا ِّع ٌل ِّفي ْاأل َ ْر ِّ
_4قال هللا تعالى ( َ
عله َم آ َد َم ْاأل َ ْس َما َء س لَكَ قَا َل ِّإنِّي أ َ ْعلَ ُم َما َال ت َ ْعلَ ُمونَ َ
*و َ س ِّب ُح ِّب َح ْمدِّكَ َونُقَ ِّد ُ فِّي َها َو َي ْس ِّفكُ ال ِّد َما َء َونَحْ ُن نُ َ
صا ِّدقِّينَ *قَالُوا سُ ْب َحانَكَ َال ِّع ْل َم
علَى ْال َم َالئِّ َك ِّة فَقَا َل أَن ِّبئُونِّي ِّبأ َ ْس َماءِّ َهؤ َُالءِّ ِّإن كُنت ُ ْم َ
ض ُه ْم َ
ع َر َ كُله َها ث ُ هم َ
عله ْمتَنَا ۖ ِّإ هنكَ أَنتَ ْال َع ِّلي ُم ْال َح ِّكي ُم*))
َلنَا ِّإ هال َما َ
28
االنسان الذي وجد او سيوجد انما هو خليفة هللا تعالى في ارضه بمعنى انه مسؤول امام هللا تعالى
عن العمل الذي يسمو به في هذه الحياة وهو عمل الخير واقامة الحق ونسف الباطل وقد خاطب هللا
اس ِّب ْال َح ِّ
ق ض فَاحْ كُم بَيْنَ النه ِّ تعالى عبده ورسوله داود فقال له(( :يَا َد ُاوو ُد ِّإنها َج َع ْلنَاكَ َخ ِّليفَةً فِّي ْاأل َ ْر ِّ
َّللا لَ ُه ْم َ
ع َذابٌ َ
ش ِّدي ٌد بِّ َما نَسُوا يَ ْو َم سبِّي ِّل ه ِّ
عن َ ضلُّونَ َ َّللا ۚ ِّإ هن الهذِّينَ يَ ِّ
سبِّي ِّل ه ِّ ُضلهكَ َ
عن َ َو َال تَتهبِّ ِّع ْال َه َوى فَي ِّ
()1
ب)) ْال ِّح َ
سا ِّ
لقد اختار هللا تعالى داود فجعله خليفة في االرض ليقيم الحق والعدل ويتبع سبل الرشاد ليأمن
المظلومون من العباد ويعيشون حياة امنه مستقرة ال ظلم فيها وال اعتداء.
ان االنسان تحمل المسؤولية الكبرى وهي اقامة العدل الخالص في االرض وهو المعبر عنه
باألمانة التي لم تستطع السماوات واالرض والجبال من حملها ولكن االنسان حملها فكان ظلوما ً
جهوالً ألنه لم ِّ
يف بأداء امانته.
ومن المؤكد ان الذين حملوا االجتماعي في االرض وقد عانوا في سبيلها اشق ألوان المحن
واالضطهاد من فراعنة عصورهم الذين عاثوا في االرض فسادا ً فأشاعوا الفساد والجور واستهانوا
بكرامة االنسان وحقة في الحياة امنا ً مطمئنا.
هذا هو البند االول من حقوق االنسان في االسالم ولك يشرع مثله في اي دين او مذهب اجتماعي.
()1سورة ص 26:38
29
حرمة سفك الدماء
المادة الثانية من حقوق االنسان التي شرعها االسالم حرمة سفك الدماء بغير حق فقد جعله من
افحش الجرائم الموبقات وتوعد القاتل بالخلود في نار جهنم ولتستمع الى التحذير منه في الكتاب
والسنه .
في رحاب القران الكريم
هذه بعض اآليات التي توعد هللا فيها القاتل بالعذاب االليم
سا ٍد فِّي سا بِّغَي ِّْر نَ ْف ٍس أ َ ْو فَ َ
علَى بَنِّي إِّس َْرائِّي َل أَنههُ َمن قَت َ َل نَ ْف ً
((م ْن أَجْ ِّل ذَلِّكَ َكت َ ْبنَا َ
_1قال هللا تعالى ِّ
اس َج ِّميعًا ۚ َولَقَ ْد َجا َءتْ ُه ْم ُرسُلُنَا بِّ ْالبَيِّنَا ِّ
ت اس َج ِّميعًا َو َم ْن أَحْ يَاهَا فَ َكأَنه َما أَحْ يَا النه َض فَ َكأَنه َما قَت َ َل النه َ
ْاأل َ ْر ِّ
()1
يرا ِّم ْن ُهم َب ْع َد ذَلِّكَ ِّفي ْاأل َ ْر ِّ
ض لَ ُمس ِّْرفُونَ )) ث ُ هم ِّإ هن َك ِّث ً
ارتأيتم كيف عبر القران الكريم عن قتل النفس بأنه قتل للناس جميعا ً وهل هناك جريمة أفحش من
الناس
علَ ْي ِّه َولَ َعنَهُ
َّللا َ
ب هُ ((و َمن يَ ْقت ُ ْل ُمؤْ ِّمنًا ُّمت َ َع ِّمدًا فَ َجزَ ا ُؤهُ َج َهنه ُم خَا ِّلدًا فِّي َها َوغ ِّ
َض َ _2قال هللا تعالى َ :
()2
عذَابًا َ
ع ِّظي ًما)) َوأ َ َ
ع هد لَهُ َ
30
..............................................................................االسالم وحقوق االنسان
ان من اشد الناس عذابا يوم القيامة هو الخلود في نار جهنم الذي ال انقضاء له.
َّللا ِّإ هال ِّب ْال َح ِّ
ق َو َال َي ْز ُنونَ َو َمن َي ْف َعلْ س الهتِّي َح هر َم ه ُ -٣قال تعالى َ ( :وا هلذِّينَ َال َي ْدعُونَ َم َع ه ِّ
َّللا ِّإلَ ًها آخ ََر َو َال َي ْقتُلُونَ النه ْف َ
خلُ ْد فِّيه مهانًا)()1
ِّ ُ َ ف لَهُ ْال َعذَابُ يَ ْو َم ْال ِّقيَا َم ِّة َويَ ْ
ع ْ ذَلِّكَ يَ ْلقَ أَثَا ًما يُ َ
ضا َ
قارن تعالى جريمة القتل بجريمة الشرك والزنا وهن جميعا يضاعف عليهن العذاب والخلود في نار جهنم .
في ظالل السنة النبوية الشريفة
وشددت االخبار التي اثرت عن النبي (ص) في التحذير من اقتراف جريمة القتل وهذه بعضها:
()2
قال رسول هللا (ص) ( ال يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) .1
ان اقتراف جريمة القتل تخرج االنسان المسلم عن دينه وتزجه في ظلمات الكفر وااللحاد.
()3
وعنه (ص) (( لزوال الدنيا اهون على هللا من قتل رجل مسلم )) .2
وعنه (ص) (( كل ذنب عسى هللا ان يغفره اال الرجل يموت كافرا )) .3
31
()1
او الرجل يقتل مؤمنا متعمدا
.4وعنه (ص) ((والذي بعثني بالحق لو ان اهل السماء واالرض شركوا في دم امرئ مسلم
()2
الكبهم هللا تعالى على مناخرهم في النار))
()3
.5وعنه (ص) ((ابى هللا ان يجعل لقاتل المؤمن توبة))
()4
.6وعنه (ص) ((اكبر الكبائر االشراك باهلل وقتل النفس وعقوق الوالدين وشهادة الزور))
وكثير من امثال هذه االحاديث اثرت عن النبي ص في التحذير من اقتراف هذه الجريمة النكراء
وقال وصية وباب مدينة علمه االمام امير المؤمنين (عليه السالم) في عهده لمالك االشتر
((وإياك والدماء وسفكها بغير حلها ! ..فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ،وال أعظم لتبعة ،وال أحرى
لزوال نعمة ،وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق ،وهللا مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا
()5
من الدماء ،يوم القيامة))
ان سفك الدماء بغير حق تدمير للحياة واشاعة للفساد في االرض فلذا
سنن ابي داود . 307 /٢السنن الكبرى . 21/٨مسند احمد بن حنبل . 99 /٤ :سنن النسائي .81/7:كنز العمال 20/١٥ : .1
نبل االوطار .44/7 :
فروع الكافي .272/٧ : .2
كنز العمال ، 19/١٥الرقم .٣٩٨٨٢ .3
سنن النسائي . 63/8:صحيح البخاري . 26/٨ :السسن الكبرى ٢٠/٨ :كنز العمال.443/٣ : .4
نهج البالغة.٤٤٣ : .5
..............................................................................االسالم وحقوق االنسان
32
شدد االسالم في حرمته
القصاص صيانة للنفوس
ان القصاص وازهاق نفس القاتل من اهم الوسائل في حسم القتل العمدي ،فان القاتل اذا عرف انه
يقتص منه ،فانه يمتنع عن اقتراف الجريمة ،وقد حكى القرآن ذلك ،قال تعالى :
اص فِّي ْالقَتْلَى ۖ ْال ُح ُّر ِّب ْال ُح ِّر َو ْال َع ْب ُد ِّب ْال َع ْب ِّد َو ْاألُنثَى ِّب ْاألُنثَى ۚ فَ َم ْن ص ُ علَ ْيكُ ُم ْال ِّق َ
ب َ (( يَا أَيُّ َها الهذِّينَ آ َمنُوا كُتِّ َ
يف ِّمن هر ِّبكُ ْم َو َرحْ َمةٌ ۗ فَ َم ِّن ان ۗ ذَلِّكَ ت َْخ ِّف ٌ س ٍ وف َوأ َ َدا ٌء ِّإلَ ْي ِّه ِّبإِّحْ َ ش ْي ٌء فَ ِّات َباعٌ ِّب ْال َم ْع ُر ِّ
ي لَهُ ِّم ْن أ َ ِّخي ِّه َ ع ِّف َ
ُ
()1
ب لَعَلهكُ ْم تَتهقُونَ )) اص َحيَاة ٌ يَا أُو ِّلي ْاأل َ ْلبَا ِّ ص ِّ عذَابٌ أ َ ِّلي ٌم َولَكُ ْم فِّي ْال ِّق َ ا ْعت َ َدى بَ ْع َد ذَلِّكَ فَلَهُ َ
وفي المثل الجاهلي "القتل انفى للقتل"
االحاديث الشريفة
قال رسول هللا (ص) "الدواوين ثالثة :فديوان ال يغفر هللا منه شيئا ،وديوان ال يعبأ هللا به شيئا ،
وديوان ال يترك هللا منه شيئا.
فأما الديوان الذي ال يغفر هللا منه شيئا فاالشراك باهلل .
واما الديوان الذي ال يعبأ هللا به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ؛ من صوم يوم وتركه او
صالة تركها ؛ فإن هللا يغفر ذلك إن شاء ويتجاوز .
وأما الديوان الذي ال يترك هللا منه شيئا فمظالم العباد بينهم القصاص .
()1
ال محالة ،
33
وقال امير المؤمنين (عليه السالم) "فرض هللا االيمان تطهيرا من الشرك ،والصالة تنزيها عن الكبر،
والزكاة تسبيبا للرزق ،والصيام ابتالء إلخالص الخلق ،والحج تقوية للدين ،والجهاد عزا لالسالم،
واالمر بالمعروف مصلحة للعوام ،والنهى عن المنكر ردعا للسفهاء ،وصلة الرحم منماة للعدد،
()2
والقصاص حقنا للدماء ،وإقامة الحدود إعظاما للمحارم…"
القصاص يحسم القتل وينفي الجريمة
" وليس في العالم كله ،قديمة وحديثه عقوبة تفضل عقوبة القصاص فهي اعدل العقوبات لالمن
والنظام ؛ الن المجرم حينما يعلم انه سيجزى بمثل فعله ال يرتكب الجريمة غالبا والذي يدفع المجرم
بصفة عامة للقتل والجرح هو تنازع البقاء وحب التغلب واالستعالء فإذا علم المجرم انه ال يبقى بعد
فريسته ابقى على نفسه بإبقائه على فريسته ،واذا علم انه اذا تغلب على المجني عليه فهو متغلب
عليه غدا لم يستطع الى التغلب عليه عن طريق الجريمة ،وأمامنا على ذلك االمثلة العملية نراها
كل يوم فالرجل العصبي المزاج السريع الى الشر نراه اهدأ مايكون وابعد عن الشر وطلب الشجار
اذا رأى .
مسند احمد بن حنبل . 240/٦ :المستدرك على الصحيحين .575/٤ :كنز العمال 223/٤ :الرقم ١٠٣١١اصول الكافي .1
، 602 /٢ :الحديث ١٢
نهج البالغة ٥١٢ : .2
34
خصمه اقوى منه او اقدر ،وانه سيرد االعتداء بمثله والرجل المسلح قد ال يثنيه شئ من االعتداء
يتراجع اذا رأى خصمه مسلحا مثله ويستطيع ان يرد على االعتداء بمثله والمصارع والمالكم ال
يتحدى ايهما شخصا يعلم انه اكثر منه قوة او مرانا او جلدا ولكنه يتحدى بسهولة من يظنه اقل منه
قوة واضعف جلدا تلك طبيعة البشر لذا وضعت الشريعة على اساسها عقوبة القصاص فكان دافعا
()1
نفسيا مضادا يصرف عن الجريمة وذلك ما يتفق تمام االتفاق مع علم النفس الحديث "
وقال قتادة:
"جعل هللا حياة ونكاال الهل السفه والجهل من الناس وكم من رجل قد هم داهية لوال مخافة القصاص
لوقع بها ولكن هللا تعالى حجز بالقصاص بعضهم عن بعض وما امر هللا تعالى بأمر قط اال وهو
س الح في الدنيا واالخرة وال نهى هللا تعالى عن امر قط اال فساد في الدنيا والدين وهللا تعالى اعلم
()2
بالذي يصلح خلقه "
" واما النافذ البصير العارف بمصالح االمم ،الذي يزن االمور العامة بميزان المصلحة العامة ال
بميزان الوجدان الشخصي .
35
الخاص بنفسه او ببلده فانه يرى القصاص كما في شريعتة االسالم – بالعدل والمساواة هو االصل
الذي يربي االمم والشعوب والقبائل كلها وان تركه بالمرة يغري االشقاء بالجرأة على سفك الدماء
وا ن من الحبس واالشغال الشاقة اذا امكن ان يكون مانعا من االقدام بالقتل في البالد التي غلب على
اهلها التراحم او االنغماس في النعيم كبعض بالد اوربا فانه ال يكون كذلك في كل البالد وكل الشعوب
بل ان من الناس في هذه البالد وغيرها من يحبب اليه الجرائم او يسهلها عليه كون عقوبة السجن
()1
الذي يراه خيرا من بيته"
إقصاء الظلم
36
المادة الرابعة من حقوق االنسان التي شرعها االسالم إقصاء الظلم وتدميره من المجتمع ليعيش
اإلنسان في أمان وطمأنينة واستقرار .
ان من اهم االهداف االصيلة التي ينشدها االسالم ازالة شبح الظلم وإقصائه عن الحياة ونعرض الى
ما ورد في التحذير منه في الكتاب والسنة .وفيما يلي ذلك:
في رحاب القرآن الكريم
ان معظم سور القرآن حلف ت بذم الظلم واللعنة على الظالمين وأن هللا تعالى لهم بالمرصاد البد ان
ينتقم منهم وهذه بعض االيات:
37
حرم القرآن الكريم الركون للظالمين والتعاون معهم بأي عمل أيجابي
قال تعالى (( :وال تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون هللا من اولياء ثم ال
()1
تنصرون ))
()2
قال النبي (ص) " من اعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة هللا ورسوله" .1
()3
وعنه (ص) " الظلمة وأعوانهم في النار" .2
()4
وعنه (ص) " من اعان ظالما سلطه هللا عليه " .3
()5
وعنه (ص) " اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة " .4
وعنه (ص) " أربعة يبغضهم هللا تعالى :البياع الحالف ،والفقير المختال ،والشيخ الزاني .5
()6
،واالمام الجائر
()1
-6وعنه (ص) "اشتد غضب هللا على من ظلم من ال يجد ناصرا غير هللا"
()4
ص ْيحَةُ فَأ َ ْ
صبَ ُحوا فى ِديَ ِر ِه ْم َجثِ ِمنَ َكأَن لَّ ْم يَ ْغنَ ْوا فِيهَآ)) وقال تعالىَ (( :وأ َ َخذَ الَّ ِذينَ َ
ظلَ ُموا ال َّ
وسائل الشيعة .341 /11:كنز العمال 500/3 :مجمع الزوائد260/4 : -1
النمل 52:27 -2
سبأ 19:34 -3
هود 67: 11و68 -4
()1
األرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ((
ْف فَعَ ْلنَا بِ ِه ْم َوض ََر ْبنَا لَكُ ُم ظلَ ُموا أَنفُ َ
س ُه ْم َوتَبَيَّنَ لَكُ ْم َكي َ سا ِك ِن الَّ ِذينَ َ
سكَنت ُ ْم فِي َم َ
وقال تعالى َ (( :و َ
()2
ْاأل َ ْمثَا َل))
39
ان هللا تعالى حكم بتدمير الظالمين وهلك هم وسوء منقلبهم ،ودعا العباد الى االعتبار بما يجري عليهم
من االنقالب وسوء المصير وسوء الذكر وقد شاهدنا دوال تحطمت ولم تغن عنها قالعها وجيوشها
لما تفجرت سياسته م بالظلم والجور واالستبداد فكان سوء مصيرهم عبرة الولى االلباب.
االحاديث الشريفة
وتواترت االخبار عن النبي (ص) و أوصيائ ه في ذم الظلم والتحذير منه ،وهذه كوكبة من االخبار
()3
-1قال النبي (ص) "اياكم والظلم ،فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"
-2قال االمام امير المؤمنين (عليه السالم) "وهللا الن أبيت على على حسك السعدان مسهدا ً او
اجر في االغالل مصفدا ً ،احب إلى من ان القى هللا ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد
،وغاصبا ً لشئ من الحطام ،وكيف اظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ،ويطول في
()4
الثرى حلولها"؟!
انت يا امام المتقين وسيد الموحدين نشرت العدل واضات الدنيا بحكمك فقد تجسدت فيك مثل األنبياء
ولقيت هللا عزوجل وليس الي احد من العباد عليك حق وقد رحلت عن الدنيا وانت اول مظلوم في
اإلسالم فقد غصب حقك ،وانتهكت كرامتك ،ولقيت هللا تعالى وانت مخضب بدم الشهادة .
في مراكز العبادة
40
-3قال االمام زين العابدين وسيد الساجدين لولده اإلمام أبي جعفر (عليه السالم)
حينما حضرته الوفاة :
()1
" يا بني ،اياك وظلم من ال يجد عليك ناصرا ً إال هللا "
ان افحش الظلم ،ظلم الضعيف الذي ليس له ركن شديد يأوي اليه ليدفع عنه االعتداء
-4قال االمام محمد الباقر (عليه السالم) " :الظلم ثالثة :ظلم ال يغفره هللا تعالى ،وظلم يغفره
هللا ،وظلم ال يدعه هللا تعالى "
فأما الظلم الذي ال يغفره هللا عز وجل فالشرك .
وأما الظلم الذي يغفره هللا عزوجل فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين هللا عزوجل
()2
وأما الظلم الذي ال يدعه فالمداينة بين العباد"
-5وقال االمام الصادق (عليه السالم) " :العامل بالظلم ،والمعين له ،والراضي به "
()1
شركاء ثالثتهم"
()2
-٦وعنه (ص) " :اتقوا الظلم ،فأن دعوة المظلوم تصعد الى السماء "
()3
-٧وعنه (ص) " :ما من مظلمة أشد من مظلمة ال يجد صاحبها عليها عونا اال هللا تعالى "
الى غير ذلك من االخبار التي حفلت بها مصادر الحديث وهي تحذر المسلمين اشد الحذر
41
الحاكم الظالم
إن الحاكم الظالم يميت العدل ويحيي الباطل وينشر الجور والفساد في االرض وقد تظافرت االخبار
في ذمه ولزوم مقاومته وحرمة التعاون معه وقد بسطنا الكالم في البحث عنه في كتابنا ( :النظام
السياسي في االسالم ) .
.1قال النبي (ص) ":انما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا
()4
سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد"
.2وعنه (ص) " :من حكم بين اثنين تحاكما اليه فلم يقض بينهما بالحق فعليه لعنة هللا "(.)5
()1
وعنه (ص) " اشد الناس عذابا يوم القيامة امام جائر" .3
()2
وعنه (ص) " هللا مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى هللا عنه ولزمه الشيطان" .4
وعنه (ص) " ما من عبد يظل م رجال مظلمة في الدنيا ال يقصه من نفسه اال قصه هللا تعالى .5
()3
منه يوم القيامة "
()4
وعنه (ص) " أفضل الجهاد من اصبح ولم يهم بظلم أحد" .6
42
حلية االولياء . 114/١٠ :المعجم االوسط . 166/٢ :كنز العمال .15/6:مجمع الزوائد 197/٥ : .1
سنن الترمذي 395/٢ :السنن الكبرى . 88/١٠ :كنز العمال 92/٦ : .2
شعب االيمان .55/٦ :كنز العمال .502/3: .3
الفردوس .357/١ :كنز العمال . 307 /٤ :المحاسن .292/١ :بحار االنوار 314/٧٥ : .4
إقامة العدل
المادة الخامسة التي أقامها اإلسالم لحقوق اإلنسان ،و جعلها الركيزة األولى في بناء المجتمع
اإلسالمي وهي العدل ،الذي هو ظل هللا تعالى في األرض ،و به تنتظم الحياة ،وتصان الحقوق ،
وتحفظ األرواح ،وقد عرض القرآن كثيرة الذكره ،وكذلك السنة ،وفيما يلي ذلك :
العدل في القرآن
43
أما العدل في القرآن فقد أمر هللا تعالی به في مجاالت متعددة ،منها :
- ١العدل في الحكم
ألزم القرآن الكريم الوالة والحكام بالعدل فيما يحكمون به .قال تعالى :
إن هللا يأمركم أن تؤدوا األمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن هللا نعما
يعظكم به إن هللا كان سميع بصيرة ) ()1
وقال تعالى ( :يا داؤد إنا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس بالحق وال تتبع الهوى فيضلك
عن سبيل هللا إن الذين يضلون عن سبيل هللا
.1النساء ٤:58
44
حقوق االنسان في رحاب االسالم........................................................................
()1
لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب))
- ٢أداء الشهادة
ألزم القرآن الكريم بالعدل في أداء الشهادة ،وإن كانت على األقرباء .قال هللا عز وجل { :يا أيها
الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء هلل ولو على أنفسكم أو الوالدين واألقربين إن يكن غنيا أو
فقيرا فاهلل أولى بهما فال تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن اللة كان بما تعملون
()2
خبيرا )
أمر هللا تعالى بهذه اآلية بالعدل وااللتزام بالصدق في أداء الشهادة ولو كانت على النفس بأن يقر
لخصمه بالحق الذي عليه ،فيكون إقراره له شهادة منه على نفسه ،وكذلك يجب أداء الشهادة ولو
على الوالدين واألقربين ،وليس للمسلم أن يحابي في أدائها الغني لغناه ،أو يتغاضى عن المسكين
المسكنته .
() ٢
قال النبي (ص)" :من شهد شهادة يستباح بها مال امرئ مسلم أو يسفك بها دم فقد أوجب النار"
()4
وعنه (ص) ":اكرموا الشهود فأن هللا يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم"
45
..............................................................................االسالم وحقوق االنسان
قال شهاب الزهري :وكان سلف المسلمين على ذلك حتى دخل الناس فيما بعدهم ،وظهرت منهم
()١
أمور حملت الوالة على اتهامهم فتركت شهادة من يتهم
إن اإلسالم أقام مجتمع نظيف ترفرف عليه العدالة ،وتسوده المحبة واأللفة .
-٣العدل في القول
من ضروب العدالة في االسالم العدالة في الكالم والقول .
ْط ۖس ُن َحتهى يَ ْبلُ َغ أَشُ هدهُ ۖ َوأ َ ْوفُوا ْال َك ْي َل َو ْال ِّميزَ انَ بِّ ْال ِّقس ِّ قال تعالىَ (( :و َال ت َ ْق َربُوا َما َل ْاليَتِّ ِّيم إِّ هال بِّالهتِّي ه َ
ِّي أَحْ َ
صاكُم بِّ ِّه لَ َعلهكُ ْمَّللا أ َ ْوفُوا ۚ ذَ ِّلكُ ْم َو هسا ِّإ هال ُو ْس َع َها ۖ َو ِّإذَا قُ ْلت ُ ْم فَا ْع ِّدلُوا َولَ ْو َكانَ ذَا قُ ْربَى ۖ َوبِّ َع ْه ِّد ه ِّ
ف نَ ْف ًَال نُك َِّل ُ
()2
تَذَ هك ُرونَ ((
()3
قال النبي (ص) " :ان هللا عند لسان كل قائل ،فليتق هللا عبد ،ولينظر مايقوله"
()4
وعنه (ص) " :إن هللا ال يقبل عمل عبد حتى يرضى قوله "
ألزم هللا تعالى العباد بالعدالة في القول ،وإن كان على ذوي القربي ،وإنما خمن ذلك بالقول ألن
من التزم بذلك يكون من أهم المحفزات إليه في ميدان العمل
إن اإلسالم يأمر بإقامة العدل مع المسلمين وغيرهم ،سواء أكانوا أصدقاء للمسلمين أم أعداء لهم ؛
ألنه أقرب للتقوى ،فإن هللا تعالى إنما بعث عبده ورسوله إلقامة العدل بين الناس ،وقد خاطبه تعالى
بهذه اآلية:
ب ۖ َوأ ُ ِّم ْرتُ ((فَ ِّلذَلِّكَ فَا ْدعُ ۖ َوا ْست َ ِّق ْم َك َما أ ُ ِّم ْرتَ ۖ َو َال تَتهبِّ ْع أ َ ْه َوا َءهُ ْم ۖ َوقُ ْل آ َمنتُ بِّ َما أَنزَ َل ه ُ
َّللا ِّمن ِّكت َا ٍ
َّللا َربُّنَا َو َربُّكُ ْم ۖ لَنَا أ َ ْع َمالُنَا َولَكُ ْم أ َ ْع َمالُكُ ْم ۖ َال ُح هجةَ بَ ْينَنَا َوبَ ْينَكُ ُم ۖ ه ُ
َّللا يَجْ َم ُع بَ ْينَنَا ۖ َو ِّإلَ ْي ِّه ِّأل َ ْع ِّد َل بَ ْينَكُ ُم ۖ ه ُ
ير((()2 ص ُ ْال َم ِّ
عرض القرآن الكريم في كثير من اآليات إلى العدل واعتبره ضرورة ملحة اإلقامة مجتمع إسالمي
متكامل ومتوازن في سلوكه .
العدل في السنة
تواترت األخبار الواردة عن النبي (ص) واألئمة الطاهرين (عليهم السالم) في الحث على العدل
ومساندة المحاكم العادل ،وهذه نماذج منها :
_1المائدة 8:5
_2الشورى 15:42
47
-1قال رسول هللا (ص) « :عذل ساعة خير من عبادة سبعين سنة ،قيام ليلها ،وصيام نهارها
(. )1
-2وعنه (ص) « :لينحر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فينهيه فانه له نضرة وإن
كان مظلومأ فينصره ( . ) ٢
-3وعنه (ص) « :لتمألن االرض ظلما وعدوانا ثم ليخرج رجل من أهل بيتي حتى يمألها
قسطا وعدال " كما ملئت ظلما وعدوانا ( . ) ٣
-4قال اإلمام أمير المؤمنين (عليه السالم) « :عليكم بتقوى هللا تعالى وبالعدل على الصديق
()٤
والعدو
()٥
-5قال اإلمام الصادق (عليه السالم) « :اتقوا هللا واعدلوا فإنكم تعيبون على قوم ال يعدلون
.
(.)6
-6وعنه (ص) « :ما أوسع العدل وإن قل )
(.)7
-7وعنه (ص) « :العدل أحلى من الماء يصيبه الضمآن )
48
-8وعنه (ص) " ثالثة يحتاج اليها الناس طرا ً :االمن والعدل والخصب "
()1
وكثير من أمثال هذه االحاديث عرضت الى ضرورة العدل واهميته ،وحث االئمة الطاهرين (عليهم
السالم) على إقامته .
الحاكم العادل
تظافرت االخبار في الثناء على االمام العادل ،وان به صالح االمة وهذه شذرات منها:
-1قال رسول هللا (ص) " لعمل االمام العادل في رعيته يوما واحدا افضل من عبادة العابد في
()2
اهله مائة عام او خمسين عاما"
ان سعادة االمة وتطور حياتها ليست بالعبادة ،وانما بالوالة والحكام المصلحين الذين يؤثرون مصلحة
وطنهم وامتهم على كل شيء .
()3
-2وعنه (ص) " ان احب الناس الى هللا تعالى يوم القيامة امام عادل واشدهم عذابا اما جائر"
-3وعنه (ص) " من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فال يرفع صوته على احد الخصمين اال يرفع
()4
على االخر "
-4وعنه (ص) " اذا حكمتم فاعدلوا ،واذا قلتم فأحسنوا ،فان هللا محسن"
()1
يحب المحسنين"
49
-5وعنه (ص) " ما من قاض من قضاة المسلمين اال ومعه ملكان يسددانه الى الحق ما لم يرد
()2
غيره فان أراد غيره وجار متعمدا تبرأ منه الملكان ووكاله الى نفسه"
-6قال االمام موسى بن جعفر (عليه السالم) " ان صالحكم من صالح سلطانكم وان السلطان
()3
العادل بمنزلة الوالد الرحيم فاحبوه له ما تحبون واكرهوا له ما تكرهون النفسكم"
ان اإلسالم قد تبنى العدل ،وركز عليه جملة من القواعد العامة التي يرجع اليها الفقهاء في استنباطهم
لألحكام الشرعية كقاعدة نفي العسر والحرج ،وقاعدة نفي الضرر .
وعلى أي حال فانا ال نحسب ان هناك دينا سماويا او مذهبا اجتماعيا قد اعتنى بالعدل كما اعتنى به
اإلسالم في جميع انظمته االقتصادية والسياسية .
المساواة
50
المساواة هي المادة السابعة التي شرعها اإلسالم لحقوق اإلنسان ،وهي ذات أهمية
بالغة في تشريعه ،وال بد لنا من وقفة قصيرة أمام هذه المادة التي لم يسبق لها نظير في
تشريع األديان السماويه والمذاهب االجتماعية .
إن اإلسالم أعلن المساواة العادلة ما بين األجناس ،فال فضل األبيض على أسود ،وال
لعربي على عجمي ،وال لحاكم على محكوم ،فالناس أمام تشريعاته كأسنان المشط ،ال
فضل لبعضهم على بعض إال بالتقوى وعمل الخير ونفع الناس .وقد اعترف بذلك
جمهرة من غير المسلمين كان منهم :
-١األستاذ جيب ،حيث قال :
إن اإلسالم هو الدين الوحيد الذي ما زال في قدرته أن ينجح نجاحا باهرا في تأليف
العناصر واألجناس البشرية المتنافرة في جبهة واحدة أساسها المساواة ،وإذا وضعت
منازعات الشرق والغرب موضع الدرس فال بد من االلتجاء إلى اإلسالم )(. )1
51
" إن نظرية االخوة اإلسالمية والمساواة التي كان المسلمون يؤمنون بها ويعيشون فيها أثرت في أن
عميقة ،وكان أكثر خضوعا لهذا التأثير البؤساء الذين حرم عليهم المجتمع الهندي المساواة
()1
والتمتع بالحقوق اإلنسانية :
.إن اإلسالم أوجد نوعا من الروابط المقدسة بين البشر تقضي على جميع الفوارق الجنسية وتوحد
ما بين بني اإلنسان .
-٣توماس كارليلي
قال الفيلسوف االنجليزي توماس كارليلي :
()٣
" إن في اإلسالم خلة شريفة من أشرف الخالل وأحبها وهي المساواة بين الناس "
إن المساواة التي تبناها اإلسالم توحد وال تفرق ،وتجمع وال تشت .إنها األمل الباسم لجميع
الشعوب المضطهدة التي تعاني المرمان ،وعدم الحصول على حقوقها المشروعة .
ما هي المساواة ؟
ليس المقصود من المساواة التي أعلنها اإلسالم هي المساواة في اللون والشكل ،فإنها غير
ملحوظة مطلقا في نظر اإلسالم ،فإن الناس خلقهم هللا غير متساوين في اللون والشكل والعقل
والذكاء والميول والطبائع ،ويستحيل أن يتساوون في هذه الجهات .
المساواة االجتماعية
وتعني بها المساواة بين أبناء البشر ،من دون فرق بين األبيض واألسود والعربي واألعجمي ،
وهكذا بقية األجناس التفاضل بينهم إال بالتقوى
52
قال تعالى ( :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل تعارفوا إن أكرمكم
()1
عند هللا أتقاكم إن هللا عليم خبير)
روی اين عباس أن السبب في نزول هذه اآلية أن أحد الوالي خطب امرأة من بني بياضة ،فأشار
النبي (ص) على أهلها أن يزوجوه ،فقالوا له :
فنزلت اآلية الكريمة التي حطمت الحواجز بين المسلمين ،فالمسلمون أسرة واحدة ال فضل ألحد
على أحد إال بالتقوى ،وسار على هذا الخط الرسالي أئمة أهل البيت (عليهم السالم) ،فقد أعتق
اإلمام زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السالم)جارية له ،
و بعد العتق تزوج بها ،فانتهز ذلك عبد الملك فيعت له رسالة يستنكر في ذلك ،ويعيب عليه ،وقد
جاء فيها :
" أما بعد ..فقد بلغتي تز ويجك موالتك ،وقد علمت أنه كان في أكفانك من قريش من تجد به في
الصهر وتستنجيه من الولد ،فاللنفسك نظرت ،وال على ولدك أبقيت " ...
ولم ا انتهت الرسالة إلى اإلمام وقرأها رأی روح الجاهلية في سطورها فرد عليه :
53
" أما بعد ..فقد بلغتني كتابك تعنفني بتزويجي موالتي ،وتزعم أنه كان في نساء قريش من أمجد
به في الصهر ،وأستنجبه في الولد ،وإنه ليس فوق رسول هللا(ص) مرتقى في مجد ،وال
مستزاد في گرم ،وإنما كانت ملك يميني ،خرجت منى بأمر أراده هللا تعالى التمست في ثوابة ،
ثم ارتجعتها على سنته ،ومن كان زكيا في دينه فليس يخل به شيء من أمره ،وقد رفع هللا تعالى
باإلسالم الخسيسة وأتم به النقيصة ،وأذهب اللوم فال لوم على امري مسلم ،إنما اللوم لؤم
()1
الجاهلية )
ولم يع ولم يفقه المنطق اإلسالمي الذي هدم الحواجز بين المسلمين ،فأي نقص على اإلمام إن
تزوج بأمة مسلمة بعد ما أعتقها ،فإنه لم يخالف بذلك كتاب هللا تعالى وال سنة نبيه ،فالمسلم كفء
المسلمة في شريعة اإلسالم ،وقد زوج رسول هللا ﷺ ابنة عمته زينب ،وأمها بنت عبد المطلب ،
من غالمه وملوكه وعتيقه زيد بن حارثة ،وقد قضى بذلك على التعالي في األنساب الذي كان
54
وقال (ص) " :أيها الناس ،إن هللا تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بابائها ،فالناس
رجالن :رجل بر تقي كريم على هللا تعالى ،ورجل فاجر شقي هين على هللا تعالی ) (. )2
أقام اإلسالم قواعد المساواة وأصولها على أساس الفطرة اإلنسانية ،فلم يميز قومأ على آخرين إال
بالتقوى والعمل الصالح .قال اإلمام زين العابدين (عليه السالم) :
إن هللا تعالى خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبش يا ،وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا
()3
قرشيا
خاطب النبي (ص) أسرته قائال " :يا بني هاشم ،ال يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم
()4
تقولون :نحن ذرية محمد"
إن التفاخر باآلباء واألنساب كان سائدة في المجتمع الجاهلي فحطمه اإلسالم .
تفسير ابن كثير ، 4/٢٣٢ :سورة الحجرات .السنن الكبرى /النسائي . ١٠/٢٣٢ :الجامع الصغير . ٢/٢٨٨ :کنز -1
العمال .۵ ٢/٢٧ :مجمع الزوائد . ٨/٨٩١ :
فتح الباري . ٩/٣٨٢ :تفسير القرطبي . ١٩/٣۶١ :تفسير ابن کثير ٤/٢٣٣ : -2
الصحيفة السجادية .١٧٧ :مناقب آل أبي طالب . ٣/٢٩١ :بحار األنوار 41/٨٢ : -3
أحكام القرآن . ١/١٠٢ :بحار األنوار .14 ١٧٧ : -4
55
()١
ليس إلبن البيضاء على ابن السوداء سلطان إال بالحق
إن التفاخر باآلباء سالح الضعفاء الذين ال يملكون موهبة و نزعة شريفة ،فإن التفاخر والتفاوت
إنما هو باألعمال الصالحة ،وبالخدمات الجليلة التي يقدمها اإلنسان لوطنه وأمته ،ال يجد اآلباء
واألجداد ،وال بالثراء العريض الذي ال يستفيد منه الن اس .وهذا عرض لبعض أنواع المساواة
االجتماعية :
-١المساواة أمام القانون
من بنود المساواة التي تبناها اإلسالم هي مساواة جميع الناس أمام القانون ،بال فرق بين الرئيس
والمرؤوس ،والقوي والضعيف ،وقد حذر النبي (ص) من عدم تطبيق ذلك ،فقد سئل أن يعفو
عن سارقة لشرف أسرتها ،فغضب وقال (ص):
انما هلك من كان قبلكم ألنهم كانوا إذا أذنب الضعيف فيهم عاقبوه ،وإذا أذنب الشريف فيهم
()2
تركوه ،وهللا لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها "
وفي اال يام األخيرة من حياته كان مريضا ،فاعتلى المنبر وخطب المسلمين قائال:
" أيها الناس ،أال فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد ،مني ومن كنت أخذت منه ماال
فهذا مالي فليأخذ منه ،ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد مني ...وال يقولن قائل :
أخاف الشحناء من قبل رسول هللا ،أال وإن الشحناء ليست من شأني وال من خلقي ،وإن أحبكم
()١
إلى من اخذ حقا كان له علي ،أو حللني فلقيت هللا عز وجل وليس ألحد عندي مظلمة ...
ثم نزل عن المنبر وصلى صالة الظهر ،ثم رجع إلى المنبر وأعاد مقالته .
56
لقد أعلن النبي المساواة العادلة بين الناس ،وطبقها على نفسه الشريفة وهو في الساعات األخيرة
من حياته .
وهذا وصيه وباب مدينة علمه اإلمام أمير المؤمنين (عليه السالم) في أيام خالفته خاصم يهوديا
وجد عنده درعه ،فرفع اإلمام أمره إلى القاضي فحكم لصالح اليهودي ،فما تأثر وإنما عمد إلى
ذلك ليرى الناس أهمية القضاء وحرمته ،وإنه ال فرق بين الملك وغيره ،والرئيس والمرؤوس
في المثول أمام القضاء ،و ترافع سالم هللا عليه مع يهودي في أيام عمر بن الخطاب ،فقال له
عمر :
" قم يا أبا الحسن وقف مع خصمك ".
فغضب اإلمام ،وبعد انتهاء المرافعة قال له عمر :
"يا أبا الحسن لعله ساءك امري ان تقف مع خصمك اليهودي ؟"
قال االمام علي (ع) :
" كال وانما ساءني انك كنيتني ولم تساو بيني وبين خصمي ،والمسلم واليهودي امام الحق سواء"
-1موسوعة اإلمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السالم) . 82/2 .الكامل االبن األثير .194/2 :
ألزم اإلسالم بالمساواة العادلة بين الخصمين في مجلس القضاء ،فال يجوز تقديم أحدهما على
اآلخر ،ومن الصور الرائعة ما ذكره الفقهاء
57
-1التسوية بين الخصمين في السالم ،فليس للقاضي أن يخص أحدهما بالسالم ويعرض عن
اآلخر ،وإن كان عدوا له ،كما إذا سلما يجب عليه أن يرد عليهما السالم بالسواء ،كما يجب عليه
أن يساوي بينهما في جميع صنوف التكريم.
- ٢المساواة بينهما بالكالم ،فليس له أن ينطلق في كالمه مع أحدهما ويسكت عن اآلخر .
-٣المساواة في األذن بينها في الدخول عليه .
-٤التسوية بينها في التكريم ،فليس له أن يقدم أحدهما على اآلخر في ذلك .
-5التسوية بينها في المجلس ،فال يجوز له أن يرفع أحدهما في المجلس على صاحبه ،بل
يساوي بينها .
إن هذه المساواة التي أعلنها اإلسالم في القضاء ليس لها مثيل في األديان السماوية وال في
المذاهب االجتماعية ،وهي تحقق العدل و تنشر الكرامة بين الناس .
58
- ٣المساواة في الضرائب –
إن الضرائب المالية التي فرضها األسالم يتساوى فيها جميع المسلمين ،فال يعفى منها شخص
مهما كانت مكانته ومنزلته ،فالزكاة والمس -مثال يجبان على كل مسلم إذا كان خاضعا لها ،كما
أن الجزية تحجب على جميع الكتابيين المقيمين في بالد اإلسالم ،ومن الجدير بالذكر أن من أهم
األسباب في الثورة الفرنسية أن الضرائب المالية ال تؤخذ من الطبقة العليا وتؤخذ من غيرهم .
- 4المساواة في التوظيف
من بنود المساواة اإلسالمية المساواة بين المواطنين في الوظائف ومناصب الدولة ،وليس من
اإلسالم في شيء أن يختص بها قوم ويحرم منها آخرون ،فجميع من تتوفر فيه القابليات و
الشرائط فإنه يستحق أن يكون موظفا من دون فرق بين القريب والبعيد ..هذه بعض مواد المساواة
في اإلسالم.
59