وتعاونوا على البر والتقوى

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 14

‫َوَتَعاَو ُنوا َعَلى اْلِبِّر َوالَّتْقَو ى‬

‫َواَل َتَعاَو ُنوا َعَلى اِإْلْثِم َواْلُعْد َواِن‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬أمحده جَّل يف عاله محد الشاكرين ‪ ،‬وأثين عليه اخلري كله ال أحصي ثناًء عليه هو كما‬
‫أثىن على نفسه ‪ ،‬أمحده جل وعال على نعمه اليت ال تعد وال حتصى ومننه اليت ال ُتستقصى ‪ ،‬أمحده جل وعال‬
‫على نعمة اإلسالم ‪ ،‬ونعمة اإلميان ‪ ،‬ونعمة األهل واملعافاة ‪ ،‬ونعمة القرآن ‪ ،‬ونعمة رمضان وما فيه من صياٍم‬
‫وقيام وعتٍق من النريان ‪ ،‬له احلمد تبارك وتعاىل حىت يرضى ‪ ،‬وله احلمد بعد الرضا ‪ ،‬أمحده محدًا كثريًا طيبًا‬
‫مباركًا فيه كما حيب ويرضى ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أنَّ حممدًا عبده ورسوله‬
‫صلى اهلل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فأسأل اهلل عز وجل يف بدء لقائنا هذا ومستهل جملسنا هذا أن يعمره تبارك وتعاىل باخلري والربكة وأن ميَّن علينا‬
‫فيه بالعلم النافع ‪ ،‬وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما ‪ ،‬وأن يصلح لنا شأننا كله وأن ال يكلنا إىل أنفسنا طرفة‬
‫عني ‪ ،‬وهذا اجمللس أيها اإلخوة الكرام هو يف هذه الواحة اليت تقيمها قناة القصباء بالتعاون مع دائرة األوقاف‬
‫يف جهٍد مبارك يشكرون عليه يف ليايل رمضان املبارك مع واحاٍت إميانية وهداياٍت قرآنية ومعاٍن عظيمٍة‬
‫مستفادٍة من كالم اهلل وكالم رسوله صلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه ‪.‬‬
‫ولقاؤنا هذا ‪-‬أيها اإلخوة الكرام‪ -‬مع هدايات بعض آية من القرآن الكرمي ؛ أال وهي قول اهلل سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫{َو َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ى َو اَل َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن َو اَّتُقوا َهَّللا} [املائدة‪ .]2:‬وهذه اآلية فيها‬
‫هدايات عظيمة ومعاين جليلة ‪ ،‬وكلنا حباجة ماَّس ة إىل الوقوف على هدايات هذه اآلية املباركة ودالالهتا‬
‫العظيمة ‪.‬‬
‫وإذا تأملت أيها األخ املوفق جتد أن يف هذه اآلية ذكرًا لنوعني من التعاون ‪:‬‬
‫‪ .1‬تعاون ذكره اهلل سبحانه وتعاىل وحَّث عليه ورَّغب فيه ودعا عباده إىل فعله ‪.‬‬
‫‪ .2‬وتعاون آخر هنى عنه وحَّذ ر منه وحَّذ ر عباده من فعله ‪.‬‬
‫قال جل وعال {َو َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ى } ؛ فهذا نوع من التعاون أمر اهلل جل وعال به ‪َ { ،‬و اَل‬
‫َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن }؛ وهذا نوع من التعاون هنى اهلل تبارك وتعاىل عباده عنه وحذرهم منه‪.‬‬
‫والتعاون أيها اإلخوة الكرام خطري جدًا ‪ ،‬خطري للغاية ؛ فبالتعاون ُيتوَّص ل إىل األهداف واملقاصد والغايات‬
‫واملطالب أيًا كان نوعها ؛ خريًا أو شرا ‪ ،‬نفعًا أو ضرا ‪ ،‬حسنًة أو سيئة ‪ ،‬كفرًا أو إميانًا ‪ ،‬هدايًة أو ضالال ‪،‬‬
‫فبالتعاون يتم الوصول إىل األهداف ‪ ،‬وكلما كان الناس متعاونني يف أهدافهم ومبادئهم أمكنهم إىل الوصول‬
‫إىل غاياهتم ومطالبهم أيًا كانت أهدافهم وأيًا كانت غاياهتم ‪ ،‬وهذا كله مما يبني لنا خطورة التعاون وأنه أمر‬
‫خطري ‪ ،‬وأن الواجب على اإلنسان يف هذا الباب ‪-‬باب التعاون‪ -‬أن يزن األمور وزنًا دقيقًا ‪ ،‬وأن يزَّم نفسه‬
‫‪1‬‬
‫يف هذا الباب بزمام الشرع حىت يكون تعاونه يف أموٍر حيمد عاقبتها ويتأكد من فائدهتا ونفعها وعدم مضرهتا ‪.‬‬
‫وإذا كان اإلنسان يف هذا الباب ‪-‬باب التعاون‪ -‬مندفعًا متسرعًا فلرمبا أعان على شر وعاون على إمث وساعد‬
‫على خطيئة وجَّر غريه إىل جناياٍت وأضرار وأمور ال حيمد هو وال هم عاقبتها ؛ فلهذا البد فعًال من النظر يف‬
‫أمر التعاون ووزنه مبيزان الشرع وضبطه بضوابط الشرع حىت ميضي فيه راشدًا مسَّد دًا موفقًا يف ضوء قواعد‬
‫الشريعة ودالئلها املعلومة ‪.‬‬
‫فإذًا ما أحوجنا بل ما أمَّس حاجتنا إىل التأمل يف هدايات هذه اآلية املباركة ‪ ،‬والنظر من بعد ذلك إىل أحوالنا‬
‫وأمورنا وتعامالتنا وتعاوننا ؛كيف حنن يف هذا الباب ؟ وما مقياسنا يف هذا األمر ؟ وهل حنن فعًال نعمل على‬
‫تعاون حممود يف ضوء هدايات كالم اهلل جل وعال وكالم رسوله عليه الصالة والسالم؟ أم أننا نعمل يف أمور‬
‫نتعاون عليها أو نعاون اآلخرين عليها وهي من اجلانب الذي ال حُي مد ومما هنى اهلل تبارك وتعاىل عباده عنه ؟‬
‫وبني يدي هذا األمر ‪-‬أمر التعاون‪ -‬البد من التنبيه على أصلني عظيمني وأساسني متينني عليهما قيام التعاون‬
‫الصحيح ‪-‬بل عليهما قيام الدين كله‪ -‬أال ومها ‪ :‬اإلخالص للمعبود ‪ ،‬واملتابعة للرسول صلوات اهلل وسالمه‬
‫وبركاته عليه ‪.‬‬
‫فإن اهلل سبحانه وتعاىل ال يقبل من العمل ومن ذلكم التعاون إال إذا كان خالصًا لوجهه ُقصد به التقرب إليه‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فإذا حصل مثًال تعاون على أمٍر صحيح وعمل مشروع وطاعة من الطاعات اليت حيبها اهلل‬
‫جل وعال إال أن فاعلها مل يكن بفعلها خملصًا هلل وإمنا فعلها لشهرة أو فعلها لسمعة أو فعلها إلرادة دنيا أو غري‬
‫ذلك مل ينل هبا رضا اهلل ‪ ،‬ألن اهلل سبحانه وتعاىل ال يقبل من العمل إال ما كان خالصًا لوجهه ‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪َ{ :‬و َم ْن َأَر اَد اآْل ِخ َر َة َو َسَع ى َلَها َس ْع َيَها َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفُأوَلِئَك َك اَن َس ْعُيُهْم َم ْشُك وًرا} [اإلسراء‪ ، ]19:‬وقال‬
‫جل وعال‪َ{ :‬م ْن َك اَن ُيِريُد اْلَحَياَة الُّد ْنَيا َو ِزيَنَتَها ُنَو ِّف ِإَلْيِهْم َأْع َم اَلُهْم ِفيَها َو ُهْم ِفيَها اَل ُيْبَخ ُسوَن (‪)15‬‬
‫ُأوَلِئَك اَّلِذ يَن َلْيَس َلُهْم ِفي اآْل ِخ َرِة ِإاَّل الَّناُر } [هود‪ . ]16-15:‬فاهلل سبحانه وتعاىل ال يقبل من العمل حىت لو‬
‫كان العمل يف طاعة أو عبادة أو أعمال حيبها اهلل تبارك وتعاىل إال إذا قام على اإلخالص هلل جل وعال وابُتغي‬
‫به وجه اهلل ‪ ،‬وهلذا جيب على املسلم يف هذا الباب ويف كل باب أن تكون أعماله قائمة على اإلخالص هلل‬
‫يتقرب هبا إىل اهلل يطلب هبا رضاه يرجو هبا ما عند اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فإن قليًال من العمل باإلخالص خٌري‬
‫من كثٍري بال إخالص ‪ ،‬ألن الكثري بال إخالص ال يقبله اهلل ‪ ،‬والقليل باإلخالص يبارك اهلل فيه ويثيب صاحبه‬
‫عليه وُيعظم له أجره ولو كان شيئًا قليال ‪ ،‬وال يتقاّل العبد املؤمن من املعروف شيئًا وإن قّل ‪ ،‬وإذا تصدق‬
‫العبد املؤمن بعدل مترة من كسٍب طيب واهلل جل وعال ال يتقَّبل إال طيبًا تلقاها اهلل وأخذها بيمينه ورَّباها له‬
‫كمال يريب أحدكم فلَّو ه أو قال فصيله حىت تكون يوم القيامة مثل اجلبل ‪ ،‬فال يتقال اإلنسان من أعمال اخلري‬

‫‪2‬‬
‫وأعمال الرب والتعاون على الطاعات ‪ ،‬ال يتقال منها شيئا إذا كانت قائمة على اإلخالص هلل تبارك وتعاىل‬
‫وقصد التقرب إليه جل يف عاله ‪.‬‬
‫واألمر الثاين ‪ :‬أن تكون األعمال موافقة للسنة وعلى هدي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ويف ضوء منهجه‬
‫القومي وصراطه املستقيم صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وكما أن اهلل عز وجل ال يقبل من العمل إال ما كان خالصًا‬
‫لوجهه فإنه سبحانه ال يقبل من العمل إال ما وافق هدي نبيه عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وهلذا جاء يف احلديث‬
‫((َمْن َعِم َل َعَم اًل َلْيَس َعَلْيِه َأْم ُر َنا َفُه َو َر ٌّد)) ‪ ،‬وإَّن من اخلسران العظيم واحلرمان الفادح أن ينفق اإلنسان وقتًا‬
‫من عمره طويال‪ ،‬وجزًء من ماله كثريًا ‪ ،‬ونصيبًا من فكره ورأيه طويال يف أموٍر ال يثيبه اهلل عليها ألهنا مل تكن‬
‫ِم‬
‫موافقة هلدي الرسول الكرمي صلوات اهلل وسالمه عليه ومنهاجه القومي ‪ ،‬واحلديث واضح يف الباب ((َمْن َع َل‬
‫َعَم اًل َلْيَس َعَلْيِه َأْم ُر َنا َفُه َو َر ٌّد)) أي مردود على صاحبه غري مقبول منه ‪ ،‬وال يشفع لإلنسان يف هذا الباب‬
‫حسن النية وسالمة املقصد بل البد من إصابة السنة وموافقة هدي النيب الكرمي صلوات اهلل وسالمه وبركاته‬
‫عليه ‪ ،‬وكثري من أهل البدع وأرباب املقاالت الباطلة واآلراء الفاسدة يظنون أن ُح سن نيتهم وسالمة‬
‫مقصدهم شافعًا هلم يف قبول عملهم ؛ وهذا غري صحيح ‪ ،‬ألن كما أنه ُيطلب يف العمل حسن النية وسالمة‬
‫املقصد البد يف العمل من موافقة الشرع ليكون مقبوًال عند اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫إذًا هذان أصالن عظيمان يقام عليهما التعاون ويقام عليهما أيضًا مجيع أعمال الرب ‪ ،‬وإن مل ُتقم األعمال على‬
‫هذين األصلني ُر َّدت وإن كُثرت وقد قال اهلل تعاىل‪ِ{ :‬لَيْبُلَو ُك ْم َأُّيُك ْم َأْح َس ُن َع َم اًل } [امللك‪ ]2:‬ومل يقل أكثر عمال‬
‫‪ ،‬ألنه ليست العربة بكثرة األعمال وإمنا العربة ُحبسنها وموافقتها للهدي والصواب ‪ ،‬وهلذا قال الفضيل ابن‬
‫عياض رمحه اهلل تعاىل يف تفسري قوله تعاىل‪ِ{ :‬لَيْبُلَو ُك ْم َأُّيُك ْم َأْح َس ُن َع َم اًل } قال ‪ :‬أخلصه وأصوبه ‪ ،‬قيل يا أبا‬
‫علي وما أخلصه وأصوبه ؟ قال ‪ « :‬إن العمل إذا كان خالصًا ومل يكن صوابًا مل ُيقبل ‪ ،‬وإذا كان صوابًا ومل‬
‫يكن خالصًا مل ُيقبل حىت يكون خالصًا صوابا ‪ ،‬واخلالص ما كان هلل ‪ ،‬والصواب ما كان على السنة » ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام ‪ :‬إن التعاون بنوعيه كما قَّدمت أمره خطري جدا وآثاره خطرية جدا ‪ ،‬وهلذا احتاج املقام يف‬
‫كل من أراد أن يعمل عمًال أو يتعاون مع اآلخرين يف أعماٍل أن يقيسها مبا تقَّدم وأن يزَّم نفسه يف هذا الباب‬
‫بزمام شرع اهلل تبارك وتعاىل ‪ ،‬فإذا كان العمل موافقًا للهدي وُقصد به التقرب إىل اهلل تبارك وتعاىل أقبل عليه‬
‫راجيًا ثواب اهلل عز وجل وأجره ‪ ،‬وإن كان خبالف ذلك أحجم ومنع نفسه من فعله اتقاًء لعقوبة هذا العمل‬
‫ووزره ‪.‬‬
‫اهلل جل وعال عندما أمر بالتعاون يف هذا السياق املبارك قال ‪َ{ :‬و َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ى } فما هو الرب‬
‫وما التقوى اللذان أمرنا اهلل سبحانه وتعاىل بالتعاون عليهما وحَّثنا على ذلك {َو َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر‬
‫َو الَّتْقَو ى}؟‬

‫‪3‬‬
‫والرب إذا اجتمع مع التقوى يف موضع واحد ‪-‬كهذه اآلية‪ -‬فإنه يراد بالرب فعل اخلريات ويراد بالتقوى اجتناب‬
‫املنهيات ‪ ،‬فالرب يتناول كل عمل صاحل دعانا اهلل سبحانه وتعاىل إليه ورَّغبنا فيه وحثنا على فعله ‪ ،‬والتقوى‬
‫تعين اجتناب كل أمٍر هنانا اهلل سبحانه وتعاىل عنه ‪.‬‬
‫فإذا قيل ‪ :‬ما أعظم الرب الذي جيب أن نتعاون عليه وأن نتساعد على حتقيقه ومتتينه وتقويته يف نفوسنا وبني‬
‫أهلينا وأقاربنا ويف جمتمعاتنا ؟ وما أعظم أيضًا أمٍر جيب أن نتقيه نتعاون على اتقائه واجتنابه والبعد عنه ؟ ما‬
‫الذي يدخل دخوًال أوليا مقَّدمًا على غريه يف قوله تعاىل {َو َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر } ؟ وما الذي أيضا يدخل‬
‫دخوًال أوليًا مقّد مًا على غريه فيما يتقى وجيتنب مما هو داخل حتت قوله تعاىل{َو َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ى‬
‫} فيما جيب علينا أن نتقيه ؟‬
‫تأمل يف آية الرب يف سورة البقرة وهي مشتهرة عند أهل العلم هبذا االسم «آية الرِب » وهي قول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬‬
‫َلْيَس اْلِبَّر َأْن ُتَو ُّلوا ُو ُجوَهُك ْم ِقَبَل اْلَم ْش ِرِق َو اْلَم ْغ ِر ِب َو َلِكَّن اْلِبَّر َم ْن َآَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اَآْلِخ ِر َو اْلَم اَل ِئَك ِة‬
‫َو اْلِكَتاِب َو الَّنِبِّييَن َو آَتى اْلَم اَل َع َلى ُحِّبِه َذ ِو ي اْلُقْر َبى َو اْلَيَتاَم ى َو اْلَم َس اِكيَن َو اْبَن الَّس ِبيِل َو الَّساِئِليَن َو ِفي‬
‫الِّر َقاِب َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَتى الَّز َك اَة َو اْلُم وُفوَن ِبَع ْهِدِهْم ِإَذ ا َع اَهُد وا َو الَّصاِبِريَن ِفي اْلَبْأَس اِء َو الَّضَّراِء‬
‫َو ِح يَن اْلَبْأِس ُأوَلِئَك اَّلِذ يَن َص َد ُقوا َو ُأوَلِئَك ُهُم اْلُم َّتُقوَن (‪[ ﴾)177‬البقرة‪ ]١٧٧:‬هذه اآلية ُتعرف بـ«آية الرِب »‬
‫وهي أمجع آيٍة لذكر الرب ومعانيه ودالئله ‪.‬‬
‫وعندما تتأمل يف الرب يف ضوء هذه اآلية الكرمية جتد أنه يأيت يف صدر الرب ويف مقدمته أصول اإلميان وقواعد‬
‫الدين ﴿ َو َلِكَّن اْلِبَّر َم ْن َآَم َن ِباِهَّلل َو اْلَيْو ِم اَآْلِخ ِر َو اْلَم اَل ِئَك ِة َو اْلِكَتاِب َو الَّنِبِّييَن ﴾ هذه أصول اإلميان اليت‬
‫عليها ُيبىن ‪ ،‬فإذا مجعت بني آية الرب هذه وبني قوله تعاىل‪َ{ :‬و َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر } ما النتيجة اليت تصل إليها ؟‬
‫تصل إىل أن أعظم أمٍر ينبغي أن نتعاون عليه هو العقيدة والتوحيد فهمًا ألصول ديننا وقواعد ملتنا وأسس‬
‫عقيدتنا ‪ ،‬ألن العقيدة هي األساس الذي ُيبىن عليه دين اهلل تبارك وتعاىل وتقام عليه شريعة اهلل ‪ ،‬وقد قال اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪َ{ :‬و َم ْن َيْكُفْر ِباِإْل يَم اِن َفَقْد َح ِبَط َع َم ُلُه َو ُهَو ِفي اآْل ِخ َرِة ِم َن اْلَخ اِس ِريَن } [املائدة‪ ، ]5:‬فإذا مل‬
‫تكن األعمال قائمة على عقيدة صحيحة وإمياٍن صحيح فإهنا مهما كثرت وتعددت وتنّو عت ال يقبلها اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ .‬فالعقيدة قاعدة الرب اليت عليها يبىن ‪ ،‬وال بر إال بالعقيدة ‪ ،‬وكل عمل بغري العقيدة الصحيحة‬
‫فهو تباب وخيبة وخسران وال ينال عليه صاحبه أجرًا وال ثوابا ‪ ،‬ألن العقيدة هي أساس الرب واألساس اليت‬
‫تقام عليه األعمال وال تكون مقبولة إال به ‪.‬‬
‫وهلذا دومًا وأبدًا ينبغي أن يكون األساس يف باب التعاون تصحيح االعتقاد وتقوية اإلميان ومتتني العقيدة‬
‫وترسيخ أصوهلا يف قلوبنا والعناية الدقيقة بالعقيدة ‪ .‬وال يكتفي اإلنسان من العقيدة بدراسة منت من املتون يف‬
‫حياته أو يف جزء يسري من عمره ‪ ،‬بل العقيدة أمر ينبغي أن تتجدد عنايتك هبا بتجدد الليايل واأليام ‪ ،‬وأن‬
‫تزيد عنايتك هبا بكل امتداٍد يف عمرك ‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم يف احلديث الصحيح ‪ِ (( :‬إَّن اِإْل َمياَن‬

‫‪4‬‬
‫َلَيْخ َلُق يِف َجْو ِف َأَح ِدُك ْم َك َم ا ْخَيَلُق الَّثْو ُب اَخْلِلُق ‪َ ،‬فاْس َأُلوا الَّلَه َأْن َجُيِّد َد اِإْل َمياَن يِف ُقُلوِبُك ْم )) ‪ ،‬وكان الصحابة‬
‫رضي اهلل عنهم جيلسون يتذاكروا اإلميان ومتتينه وتقوية مساحته يف النفوس والقلوب ‪.‬‬
‫فاحلاجة يف باب التعاون إىل أمر االعتقاد والتوحيد ودراسته والعناية به حاجة ماسة جدًا ‪ ،‬ومن نَعم اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل أن يّس ر لنا كتبًا كتبها أهل العلم الراسخني والدعاة واألئمة املصلحني مُج عت فيها آيات‬
‫االعتقاد وأحاديث التوحيد وأحاديث العقيدة وُر تبت وُبِّو بت ونِّس قت ‪ ،‬فيكون للمسلم حظ من هذه الكتب‬
‫وتعاونًا على نشرها حىت تقوى العقيدة يف اجملتمعات وتنتشر اإلميانيات صحيحة بني الناس فتكون بركًة عليهم‬
‫وعلى أعمارهم وعلى حياهتم وعلى طاعاهتم كما قال اهلل سبحانه وتعاىل‪َ ﴿ :‬م ْن َع ِمَل َص اِلًح ا ِم ْن َذ َك ٍر َأْو‬
‫ُأْنَثى َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُنْح ِيَيَّنُه َحَياًة َطِّيَبًة ﴾ [النحل‪ ، ]٩٧:‬انظر احلياة الطيبة الكرمية املنبنية على صحة االعتقاد‬
‫وسالمة اإلميان ﴿ َم ْن َع ِمَل َص اِلًح ا ِم ْن َذ َك ٍر َأْو ُأْنَثى َو ُهَو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُنْح ِيَيَّنُه َحَياًة َطِّيَبًة َو َلَنْج ِزَيَّنُهْم َأْج َر ُهْم‬
‫ِبَأْح َس ِن َم ا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن ﴾ فيجتمع ملن كان كذلك خري الدنيا واآلخرة ؛ يف الدنيا احلية الطيبة ‪ ،‬ويف اآلخرة‬
‫الثواب العظيم واألجر الكبري واملوعود الكرمي الذي يفوز به يوم يلقى اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫يأيت بعد االعتقاد يف باب التعاون فرائض اإلسالم وواجبات الدين ؛ وهذا الرتتيب واملراعاة لألولويات يف باب‬
‫التعاون هو أهم ما يكون ‪ ،‬ألن من الناس من يتعاون مع اآلخرين لكنه يفرط يف األصول ويفرط يف قواعد‬
‫الدين يفرط يف فرائض اإلسالم ‪ ،‬يعين جتد اآلن من اخللل حقيقة القائم يف باب التعاون من يتعاون مع آخر يف‬
‫نفٍل ويضِّيع هو واآلخر يف مقابله فرضًا ‪ ،‬بل وجد من هو أسوء من ذلك ؛ من يتعامل مع غريه يف بدعة من‬
‫البدع ويضِّيع يف مقابلها فريضة من الفرائض ‪ ،‬وكما قال أهل العلم قدميًا ‪ « :‬من شغله الفرض عن النفل فهو‬
‫معذور‪ ،‬ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور » ‪ ،‬هذا نوع من الغرور أن يشتغل بنافلة من النوافل‬
‫ويضِّيع يف مقابلها فريضة من الفرائض ‪.‬‬
‫أرأيتم لو أن شخصًا ضبط ليله بقراءة القرآن وقيام الليل لكنه يف مقابل ذلك ضَّيع صالة الفجر ؛ فهذا نوع‬
‫من الغرور ألن النوافل إذا كان ِفْع لها تضييعًا للفرائض ‪-‬فرائض اإلسالم‪ -‬فهذا غرور وحرمان ‪ ،‬فكيف إذا‬
‫كان اإلنسان يسهر الليل يف مباح ومبقابل ذلك يضيع فريضة الفجر ؟ فكيف إذا كان يسهر الليل يف حرام وإمث‬
‫ويف مقابل ذلك يضِّيع صالة الفجر ‪ ،‬وعادًة سهر الليل مبين على التعاون ‪-‬أيًا كان نوعه ‪ -‬يتعاون مع غريه يف‬
‫أمر يسهر هو وإياه عليه ‪ .‬فانظر هذه األنواع وهذه األحوال وانظر أيضا هذه املآالت اليت تصل بالناس يف هذا‬
‫الباب إىل هنايات أسيفة يرتتب عليها ضياع فرائض وواجبات ‪.‬‬
‫فإذًا مراعاة األولويات يف هذا الباب باب التعاون هو من فقه التعاون املطلوب من املسلم يف هذا الباب ‪.‬‬
‫فأول أمر هو االعتقاد ‪ ،‬مث يلي ذلك فرائض اإلسالم وواجبات الدين ‪ ،‬وأعظم فرائض اإلسالم بعد التوحيد‬
‫ٍء‬
‫هي الصالة املكتوبة ‪ ،‬قد قال اهلل سبحانه وتعاىل يف احلديث القدسي ‪َ(( :‬م ا َتَقَّر َب ِإَّيَل َعْبِدي ِبَش ْي َأَح َّب ِإَّيَل‬

‫‪5‬‬
‫َّمِما اْفَتَر ْض ُت َعَلْيِه )) ليس هناك شيئًا تتقرب إىل اهلل سبحانه وتعاىل أعظم من الفرائض اليت افرتضها اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل عليك ‪ .‬فالذي يعنينا هنا يف باب التعاون أن هتتم بعد اهتمامك بالتوحيد بالفرائض وتعتين هبا ‪ ،‬وأن‬
‫يكون عنايتك بصالح الناس واستقامتهم وعنايتهم بفرائض اإلسالم مقدمًا على اجلوانب األخرى اليت هي‬
‫مهمة لكنها دون هذه الفرائض يف األمهية ودوهنا يف املكانة ‪ ،‬فيعتين هبذه الفرائض يف نفسه ويعتين هبا مع‬
‫اآلخرين ‪.‬‬
‫انظر واقع بعض الناس مع هذه الفريضة يف هذا الشهر ‪-‬شهر الصيام‪ -‬مما يؤكد املعىن الذي أدور حوله أال‬
‫وهو عنايتنا مجيعًا يف باب التعاون بالفرائض وإصالحها يف أنفسنا وإصالحها أيضًا فيمن حولنا من أهٍل أو‬
‫أوالٍد أو قرابة أو جرياٍن أو حنو ذلك ‪ .‬مشكلة التخلف عن صالة الفجر مع اجلماعة انتقلت يف رمضان يف‬
‫كثري من البيوتات إىل صالة الظهر ‪ ،‬ألن كثري من الناس يسهر ليله ويتسَّح ر ويصلي صالة الفجر وينام‬
‫ويستغرق يف النوم حىت تفوته صالة الظهر ؛ هذا حاصل يف كثري من البيوت ‪ ،‬فاملشكلة اليت يف غري رمضان‬
‫التخلف عن صالة الفجر انتقلت إىل صالة الظهر ‪ ،‬وأصبح ينام عن صالة الظهر وهو يؤدي فريضة الصيام !‬
‫فأين األولويات وأين فقه دين اهلل تبارك وتعاىل وهو ينام عن فريضة ؟! وهذه الفريضة اليت نام عنها هي أهم‬
‫من فريضة الصيام ‪ ،‬الصيام فريضة لكن الصالة فريضة أهم من فريضة الصيام ‪ ،‬وُفرضت الصالة قبل اهلجرة‬
‫بثالث سنوات والصيام فرض بعد اهلجرة بسنتني ‪ ،‬بني فرضية الصالة والصيام قرابة اخلمس سنوات ‪ .‬فهذا‬
‫جانب يف غاية األمهية يف باب التعاون أن نعتين بالفرائض بعد عنايتنا بتوحيد اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬والصالة من‬
‫الرب ومرت معنا يف آية الرب ﴿ َو َأَقاَم الَّص اَل َة َو آَتى الَّز َك اَة ﴾ فالصالة هي من الرب ‪ ،‬بل إهنا اآلية الكرمية‬
‫جاءت فيما يتعلق بالصالة ﴿ َلْيَس اْلِبَّر َأْن ُتَو ُّلوا ُو ُجوَهُك ْم ِقَبَل اْلَم ْش ِرِق َو اْلَم ْغ ِرِب ﴾ ‪.‬‬
‫فهذا جانب ننتقل بعده من بعد الفرائض إىل نوافل اإلسالم ورغائب الدين ومستحباته ‪ ،‬وهذه باب واسع‬
‫وباب مبارك يف جمال التعاون على الرب ‪.‬‬
‫{َو َتَع اَو ُنوا َع َلى اْلِبِّر َو الَّتْقَو ى } ؛ والتعاون على التقوى‪ :‬أن نتعاون على ما جيب علينا اتقاؤه مما هنانا اهلل‬
‫عنه وحذرنا منه ‪ ،‬ويأيت يف مقدمة ذلك الشرك باهلل الذي هو أخطر األمور وأشدها على اإلطالق ‪ ،‬ومجلًة ما‬
‫جيب أن ُيتقى ونتعاون على اتقائه ثالثة أمور ‪ :‬الشرك والبدعة واملعاصي بأنواعها ‪ ،‬ويسميها أهل العلم العوائق‬
‫« عوائق النجاة » ؛ الشرك والبدعة واملعاصي بأنواعها ‪ .‬أما عائق الشرك فُيتجاوز وُيتخلص منه بإخالص‬
‫التوحيد هلل وإفراده سبحانه وتعاىل بالعبادة ‪ ،‬وأما عائق البدعة فُيتخلص منه مبالزمة السنة واالستمساك هبدي‬
‫النيب الكرمي صلوات اهلل وسالمه عليه ‪ ،‬وأما عائق املعاصي فبالتوبة منها وجماهدة النفس على عدم الوقوع فيها‬
‫‪ .‬فما أحوجنا إىل هذا التعاون حىت نتخلص من هذه العوائق ونْس َلم من تلك العقبات ؛ عقبة الشرك ‪ ،‬عقبة‬

‫‪6‬‬
‫البدعة ‪ ،‬عقبة املعاصي بأنواعها ‪ ،‬السيما أننا يف زمن كثرت فيه الفنت وتعّد دت فيه أنواع الشبهات اليت ُتدخل‬
‫على الناس دواخل الشر والفساد ‪.‬‬
‫يف مقابل هذا التعاون على الرب والتقوى هنٌي عن التعاون على اإلمث والعدوان { َو اَل َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم‬
‫َو اْلُع ْد َو اِن } فما هو اإلمث ؟ وما هو العدوان اللذان هنانا ربنا سبحانه وتعاىل عن التعاون عليه ؟‬
‫وقد قال أهل العلم إن اإلمث يتناول كل ذنٍب ومعصيٍة وخطيئٍة يرتكبها اإلنسان ويقع فيها ؛ فهي من اإلمث وهي‬
‫مما هنى اهلل سبحانه وتعاىل عنه ‪ .‬فاإلمث يتناول جنس الذنوب واحملرمات اليت هنى اهلل سبحانه وتعاىل عنه ‪.‬‬
‫والعدوان ‪ :‬جتاوز احلد والزيادة عليه بأن يتعدى املرء حدود اهلل ويتجاوز ما أباحه اهلل سبحانه وتعاىل له ‪.‬‬
‫وهلذا اإلمث يتعلق باإلنسان يف الذنوب اليت يرتكبها ‪ ،‬والعدوان يتعلق بالتجاوز يف حق اآلخرين إما يف أمواهلم‬
‫أو يف دمائهم أو يف أعراضهم { َو اَل َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن } ‪.‬‬
‫عندما نتأمل أيها اإلخوة الكرام فيما ُأمرنا به من تعاون على الرب والتقوى وفيما هُن ينا عنه من تعاون على اإلمث‬
‫والعدوان لنتفكر يف هذا الزمان الذي نعيشه اآلن وسهولة التواصل واالتصال وانتقال املعلومات وانتشارها‬
‫السريع ؛ هذا مما خيِّو ف حقيقة يف باب التعاون والداللة على اخلري أو الداللة على الشر ‪ ،‬قد قال عليه الصالة‬
‫والسالم كما يف حديث أنس يف سنن ابن ماجة ‪ِ(( :‬إَّن ِم ْن الَّناِس َم َف اِتيَح ِلْلَخ ِرْي َم َغاِليَق ِللَّش ِّر ‪َ ،‬و ِإَّن ِم ْن الَّناِس‬
‫َم َف اِتيَح ِللَّش ِّر َم َغاِليَق ِلْلَخ ِرْي ؛ َفُطوىَب ِلَمْن َجَعَل الَّلُه َم َف اِتيَح اَخْلِرْي َعَلى َيَد ْيِه ‪َ ،‬و َو ْيٌل ِلَمْن َجَعَل الَّلُه َم َف اِتيَح الَّش ِّر‬
‫َعَلى َيَد ْيِه )) فالوضع يف زماننا هذا خطري جدًا أخطر مما كان يف زمن سابق ‪ ،‬وإذا كان النيب عليه الصالة‬
‫والسالم قال ‪ِ(( :‬إَّن الَّر ُج َل َلَيَتَك َّلُم ِبالَك ِلَم ِة اَل َيَر ى َهِبا َبْأًس ا َيْه ِو ي َهِبا َس ْبِعَني َخ ِر يًف ا يِف الَّناِر )) ما هو مدى‬
‫انتشار الكلمة يف الزمن السابق مقارنة مع انتشارها يف زماننا هذا ؟ يا إخوان ننتبه !! ما هو مقدار انتشار‬
‫الكلمة يف زماننا هذا مقارنًة مع انتشارها يف الزمن السابق ؟ اآلن يف حلظة واحدة تكتب كلمتني وتضغط زر‬
‫رمبا يف نفس اللحظة اليت تضغط فيها الزر تصل إىل ماليني من الناس واآلالف من البشر ؛ فانظر هذه الكلمة‬
‫اليت ذهبت منك يف حلظة كم وصلت إليه من اخللق صوتًا أو كتابة ‪ ،‬فهل وأنت تتعامل مع هذه األجهزة‬
‫وحترك أناملك هبا وتكتب فيها الكلمات مث تضغط على هذه الكلمة هل وزنت نفسك مبيزان هذه اآلية ؟ هل‬
‫اتقيت اهلل سبحانه وتعاىل فيما تكتب ؟‬
‫قد يقول القائل وهو يكتب ما يكتب " ال أحد يراين" ‪ ،‬ومن يكتبون حتت األمساء اجملهولة مما ال ُيعلم هبم وال‬
‫ُيعلم بأشخاصهم وال بأحواهلم كُثر جدًا لكن { َأَلْم َيْع َلْم ِبَأَّن َهَّللا َيَر ى } [العلق‪ ]14:‬أمل يعلم أن أعماله هذه‬
‫وكتاباته حمصاٌة عليه؟ { َأْح َص اُه ُهَّللا َو َنُسوُه } [اجملادلة‪ . ]6:‬إذا كان البشر حيصون إحصائيات أصبحت تفاجئنا ‪،‬‬
‫عندما تقوم باتصاالت عديدة ورسائل متنوعة مث جتد أهنا مسجلة عليك بأرقامها بتوارخيها مبدهتا الزمنية بدقة‬
‫متناهية وأهنا قد كلفتك املبلغ الفالين بالفاتورة اليت تصلك يف هناية الشهر ؛ هذا إحصاء بشري عليك ‪ ،‬كيف‬

‫‪7‬‬
‫عندما يفاجئ اإلنسان يوم القيامة بكلماته وكتاباته وأقواله وقد ُأحصيت عليه ووجدها حاضرة يوم القيامة‬
‫حياسبه اهلل تبارك وتعاىل عليها !! وإذا كان « الَّداّلُ َعَلى اَخلِرْي َك َف اِعِلِه» كما صح بذلك احلديث عن نبينا عليه‬
‫الصالة والسالم فإن الدال على الشر كصانعه ‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪ِ { :‬لَيْح ِم ُلوا َأْو َز اَر ُهْم َك اِم َلًة َيْو َم اْلِقَياَم ِة‬
‫ْل َأ‬ ‫ُّل‬ ‫َّل‬ ‫َأ‬
‫َو ِم ْن ْو َز اِر ا ِذ يَن ُيِض وَنُهْم ِبَغْيِر ِع ٍم اَل َس اَء َم ا َيِزُروَن } [النحل‪ ، ]25:‬وقال عليه الصالة والسالم ‪َ(( :‬مْن‬
‫ا ِإىَل اَل َلٍة‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫َدَعا ِإىَل ُه ًد ى َك اَن َلُه َن اَأْلْج ِر ْثُل ُأُج وِر َمْن َتِبَعُه اَل َيْنُقُص َذ َك ْن ُأُج وِر ْم َش ْيًئا‪َ ،‬و َمْن َدَع َض‬
‫َك اَن َعَلْيِه ِم َن اِإْلِمْث ِم ْثُل آَثاِم َمْن َتِبَعُه اَل َيْنُقُص َذِلَك ِم ْن آَثاِم ِه ْم َش ْيًئا)) ‪.‬‬
‫فإذًا هذا باب جد خطري ‪ ،‬انظر على سبيل املثال وحنن نتحدث عن التعاون ‪ ،‬انظر عندما يصاب عقل اإلنسان‬
‫بشيء من األفكار اهلدامة واملذاهب املنحرفة وكيف أنه إذا دخلت عليه بعض الشبهات ‪ ،‬اآلن بعض الشباب‬
‫ال يبايل ؛ يأخذ هذا اجلهاز وينظر من خالله إىل مجيع املواقع أيًا كانت سواء كانت مواقع شبهات أو كانت‬
‫مواقع شهوات يدخل وينظر وهو يف نفسه قليل اإلميان قليل العلم ‪ ،‬وإذا دخل اإلنسان على أماكن الشبهات‬
‫وأماكن الشهوات مع قلة العلم وقلة الديانة ما الذي سيحدث ؟ هذه الشبهات وتلك الشهوات ستلقى قلبًا‬
‫خاويًا فتتمكن منه ‪ ،‬مث إذا متكنت منه شهوة أو متكنت منه شبهة وتفاعلت مع نفسه وأصبح من أهلها انتقل‬
‫إىل داعيٍة هلا ؛ وهذا هو الذي حيصل يف الواقع العملي لكثٍري من الناس ‪ ،‬صاحب الشهوة اليت ابُتلي هبا ال يريد‬
‫أن يكون وحده فيها « وَّدت الزانية لو زىن النساء مجيعا »كما قال ذلكم عثمان ابن عفان رضي اهلل عنه ‪،‬‬
‫وصاحب الشبهة الذي جتلجل يف صدره الشبهة ال يريد أن تبقى يف صدره وحده بل حيب أن ينقلها إىل‬
‫صدور اآلخرين ‪ ،‬وهبذا تنتقل هذه األمور اهلدامة املضرة بالناس بسبب اعتالجها يف صدور أناٍس دخلت إىل‬
‫صدورهم فنقلوها إىل اآلخرين ‪.‬‬
‫انظر إىل أصحاب األفكار العدوانية وهي توجد يف بعض اجملتمعات ؛ يصاب اإلنسان بفكر عدواين وهذا‬
‫الفكر العدواين يصاحبه ظٌن مزعوم عند صاحبه أن ميارس نوعًا من التدين أو نوعًا من التقرب إىل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل وأعين حتديدًا بذلك فكر اخلوارج ؛ ذلك الفكر القائم على العدوان ‪ ،‬القائم على الشراسة ‪ ،‬القائم على‬
‫االنتهاك والتعدي وعدم املباالة يف الدماء وحنو ذلك ‪ ،‬انظر كيف عندما يدخل مثل هذا الفكر إىل إنسان‬
‫كيف أنه يعمل عمًال يتناقل فكرًا من شخٍص إىل آخر يف جمتمعه مما ُيذكي روح الشر وروح العدوانية‬
‫والتعدي حىت آل يف بعض اجملتمعات إىل أَّن هذه العدوانية مارسها بعضهم حىت مع أبيه وأمه وأخيه وقرابته يف‬
‫أموٍر خطرية ومؤسفة للغاية ‪.‬‬
‫فهذا كله مما يؤكد هذا اجلانب الذي نتحدث عنه وهو جانب أن نتقي اهلل سبحانه وتعاىل يف باب التعاون ‪،‬‬
‫ليس كل شخص ُيظهر تدينا أو ُيظهر نصحًا يكون ساملًا يف مقاصده وغاياته وفيما يدعو إليه ‪ ،‬بل البد من‬
‫ضبط ذلك ضبطًا صحيحا مبوازين الشرع ومبقاييس الكتاب والسنة ‪ ،‬وإذا كان اإلنسان صغريًا ِغًّر ا حَد ثًا ال‬

‫‪8‬‬
‫حُي سن وزن األمور فيجب عليه يف هذا الباب أن يرجع إىل أهل العلم األكابر ويستنري بآرائهم ويسرتشد‬
‫بعلومهم ‪ ،‬وال يزال الناس خبري ما زالوا مع األكابر ‪ ،‬أما أن ُيسَم ع لكل أحد وُيَّتبع كل ناعق فهذا أمر غاية‬
‫اخلطورة والسيما يف األمور الكبار اليت متس أمن الدول ومصاحل الناس عامة ‪ ،‬وقد قال اهلل تبارك وتعاىل يف‬
‫القرآن الكرمي‪َ { :‬و ِإَذ ا َج اَء ُهْم َأْم ٌر ِم َن اَأْلْم ِن َأِو اْلَخ ْو ِف َأَذ اُع وا ِبِه َو َلْو َر ُّد وُه ِإَلى الَّرُسوِل َو ِإَلى ُأوِلي‬
‫اَأْلْم ِر ِم ْنُهْم َلَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْس َتْنِبُطوَنُه ِم ْنُهْم َو َلْو اَل َفْض ُل ِهَّللا َع َلْيُك ْم َو َر ْح َم ُتُه اَل َّتَبْع ُتُم الَّش ْيَطاَن ِإاَّل َقِلياًل }‬
‫[النساء‪. ]83:‬‬
‫هذا شيء باختصار فيما يتعلق باألفكار ‪ ،‬إذا نظرت أيضًا إىل واقعنا وخاصة ما ميارس عرب هذه األجهزة وما‬
‫يتداول من خالهلا كيف اآلن أصبحت بدع كثرية تنتشر يف الناس ! وأصبحت كثري من البدع واألحاديث‬
‫املوضوعة واألعمال اليت ال تصح أو األدعية اليت فيها تعٍّد وجتاوز { اْدُع وا َر َّبُك ْم َتَض ُّر ًعا َو ُخ ْفَيًة ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب‬
‫اْلُم ْعَتِد يَن } [األعراف‪ ، ]55:‬االعتداء يف الدعاء منهي عنه وهو سبب من أسباب رد الدعاء وعدم قبوله ‪ ،‬كم يأيت‬
‫من خالل هذه األجهزة دعوات إما مبنية على أحاديث موضوعة أو مبنية على جتارب شخصية أو مبنية على‬
‫أذواق ووجد أو حنو ذلك مث ُيكتب حتتها « انشر ُتؤجر » أو يكتب حتتها عبارات مثل هذه العبارات‬
‫التسويقية الرتوجيية ملثل هذه الدعوات ‪ ،‬وكثري من الناس يف تعامله مع هذه األشياء أنه جمرد أن يقرأ ال يفحص‬
‫وال يتأمل وال يسأل ؛ مباشرة إذا وجد قد ُك تب له « انشر ُتؤجر » ضغطها وأرسلها أيضًا إىل اآلخرين ‪،‬‬
‫فكم تنتشر اآلن من أعمال ومن خرافات ومن دعوات وأشياء من هذا القبيل ال أصل هلا يف دين اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل !! فأين التمحيص ؟ وأين احلرص على إصابة السنة ؟ وأين احلرص على جمانبة البدع واألهواء واألمور‬
‫اليت ما أنزل اهلل تبارك وتعاىل هبا من سلطان ؟‬
‫قل مثل ذلك وهو أيضا جانب خطري جدًا فيما يتعلق بالتعاون ؛ نشر وترويج أبواب الشهوات ‪ ،‬وكم ُأعطبت‬
‫نفوس كثري من الشباب والشابات بنشر ما يهِّيج الفاحشة ويزِّين الرذيلة ويدعو إىل احلرام ‪ ،‬وأصبحت بسبب‬
‫هذه األجهزة وبسبب ما ُيتناقل من خالهلا يدخل على كثري من الشباب وعلى كثري من األحداث والصغار‬
‫والشباب والشابات أمور هتِّيج يف النفوس احلرام حىت وصل األمر إىل صغار يف السن جدًا من أصحاب اخلمس‬
‫سنوات والست سنوات والسبع سنوات أصبحوا يقفون على أمور من خالل هذه األجهزة تعمل عملها يف‬
‫نفوسهم من وقت مبكر ‪.‬‬
‫ويا سبحان اهلل إذا كان اهلل جل وعال قال يف القرآن‪َ { :‬يا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِلَيْسَتْأِذ ْنُك ُم اَّلِذ يَن َم َلَك ْت َأْيَم اُنُك ْم‬
‫َو اَّلِذ يَن َلْم َيْبُلُغ وا اْلُح ُلَم ِم ْنُك ْم َثاَل َث َم َّراٍت } [النور‪ ]58:‬يعين هؤالء الذين يف هذا السن استئذاهنم قبل الفجر ‪،‬‬
‫وحني توضع الثياب من الظهرية ‪ ،‬ومن بعد صالة العشاء ؛ حىت ال يقفوا على أشياء حترك يف نفوسهم شيئًا أو‬

‫‪9‬‬
‫حنوه ‪ ،‬فكيف اآلن هبذه الوسائل اليت دخلت اآلن على الصغار وعلى الناشئة وعلى الشباب ‪ ،‬وال عاصم من‬
‫ذلك إال اهلل ‪ ،‬وال حافظ إال رب العاملني ‪.‬‬
‫والبد حقيقة من فزع وجلوء صادق إىل اهلل سبحانه وتعاىل بأن حيفظنا يف أنفسنا وأهلينا وذرياتنا وأن جيِّنبنا‬
‫الفنت ما ظهر منها وما بطن وأن يعيذنا من الشرور وأبواهبا وسُبلها مع عمٍل جاد وجماهدٍة مستمرة للنفس يف‬
‫طاعة اهلل تبارك وتعاىل وما يقرب إليه ‪ ،‬واهلل جل وعال يقول‪َ{ :‬و اَّلِذ يَن َج اَهُد وا ِفيَنا َلَنْهِدَيَّنُهْم ُس ُبَلَنا َو ِإَّن َهَّللا‬
‫َلَم َع اْلُم ْح ِسِنيَن } [العنكبوت‪. ]69:‬‬
‫َأ ُّب ِإىَل اِهلل‬ ‫ِم‬
‫ومما جيمع ما سبق قول نبينا عليه الصالة والسالم يف احلديث الصحيح ‪(( :‬اْلُم ْؤ ُن اْلَق ِو ُّي َخ ْيٌر َو َح‬
‫ِم َن اْلُم ْؤ ِم ِن الَّضِعيِف َو يِف ُك ٍّل َخ ْيٌر ‪ ،‬اْح ِر ْص َعَلى َم ا َيْنَف ُعَك َو اْس َتِعْن ِباِهلل َو اَل َتْع َج ْز )) ؛ فجمع عليه الصالة‬
‫والسالم بني أصلني مهمني عظيمني للغاية ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن حترص على ما ينفعك ببذل أسباب النافعة املقربة إىل اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وجتنب األسباب الضارة‬
‫املبِعدة عن اهلل سبحانه وتعاىل وعن ثوابه ‪.‬‬
‫واألمر الثاين ‪ :‬أن تكون يف ذلك كله مستعينًا باهلل طالبًا مَّده وعونه وتسديده وتوفيقه ‪ ،‬ومن يتوكل على اهلل‬
‫تبارك وتعاىل فهو حسبه ‪.‬‬
‫هذه أيها اإلخوة كلماٌت حول هدايات هذه اآلية الكرمية ‪ ،‬وباب هداياهتا باٌب واسع ‪ ،‬لكن هذه تأمالت‬
‫وإشارات ‪ ،‬وأدعو اإلخوة الكرام إىل مزيد التأمل ومزيد النظر والتفكر يف معاين هذه اآلية الكرمية ويف هدايات‬
‫كتاب اهلل سبحانه وتعاىل والسيما وحنن يف شهر القرآن ويف هذا املوسم العظيم املبارك موسم اخلريات والعطايا‬
‫واهلبات والعتق من النريان ‪ .‬أسأل اهلل الكرمي رب العرش العظيم بأمسائه احلسىن وصفاته العليا أن يصلح لنا‬
‫أمجعني شأننا كله وأن ال يكلنا إىل أنفسنا طرفة عني ‪ ،‬وأن جيعلنا من املتعاونني على الرب والتقوى ‪ ،‬وأن يعيذنا‬
‫من التعاون على اإلمث والعدوان ‪ ،‬وأن يوفقنا ملا حيبه ويرضاه من سديد األقوال وصاحل األعمال ؛ إنه تبارك‬
‫وتعاىل مسيع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫واهلل أعلم ‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على عبده ورسوله نبينا حممد وآله وصحبه ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫األسئلة‬
‫نطلب منكم توجيه كلمة لإلخوان الذين نحسبهم على خير وعندهم تدين وتمسك وهلل الحمد في‬
‫استخدام ما يسمى بالفيس بوك ‪ ،‬فتجدهم يتناقلون األخبار من صفحات الفيس بوك ويدخلون في‬
‫مناقشة أمور عديدة تحتاج الرجوع ألهل العلم ؟‬
‫يف هذا األمر أذِّك ر مبا قَّدمت يف هذه الكلمة أن تتذكر أيها املوفق أيها األخ الكرمي أن هذا الذي يكون من‬
‫خالل هذه األجهزة سواًء عن طريق رسائل اجلوال أو الفيس بوك أو غريها كلها داخلة يف عملك الذي‬
‫يسألك اهلل تبارك وتعاىل عنه وحياسبك يوم القيامة ‪ ،‬وهي داخلة حتت قوله‪َ{ :‬فَم ْن َيْع َم ْل ِم ْثَقاَل َذ َّر ٍة َخ ْيًرا‬
‫َيَرُه (‪َ )7‬و َم ْن َيْع َم ْل ِم ْثَقاَل َذ َّر ٍة َش ًّر ا َيَرُه } [الزلزلة‪ . ]8-7:‬إن كنت بعثَت برأٍي أو بعثت مبقولٍة أو بعثت‬
‫بتوجيٍه أو بعثت بنصيحٍة أو بعثت مبشورٍة أو غري ذلك كل ما تبعثه من خالل هذه األجهزة داخل يف عملك‬
‫ِه‬ ‫ِك‬
‫وقد قال النيب عليه الصالة والسالم ملعاذ ‪َ(( :‬ث َلْتَك ُأُّم َك َيا ُمَعاُذ‪َ ،‬و َه ْل َيُك ُّب الَّناَس يِف الَّناِر َعَلى ُوُج و ِه ْم َأْو‬
‫َعَلى َم َناِخ ِر ِه ْم ِإاَّل َحَص اِئُد َأْلِس َنِتِه ْم )) ‪ ،‬الكلمة خطرية جدًا ‪ ،‬والكلمة خطرية سواًء قلتها بلسانك أو كتبتها‬
‫ببنانك أو أرسلتها من جوالك أو خالل هذه الوسائل احلديثة أو حىت أعدت اإلرسال فقط ‪ ،‬يعين جاءتك‬
‫رسالة وأعدت إرساهلا دون أن متحص هذا كله داخل يف عملك وأصبحت حماسبًا عليه ‪ .‬فالنصيحة هنا ما قاله‬
‫عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه وأرضاه ‪َ« :‬ح اِس ُبوا َأْنُفَس ُك ْم َقْبَل َأْن َحُتاَسُبوا َو ِز ُنوا َأْنُفَس ُك ْم َقْبَل َأْن ُتوَز ُنوا‬
‫» ‪َ « ،‬فِإَّن الَيْو َم َعَمٌل َو َال ِح َس اَب ‪َ ،‬و َغًد ا ِح َس اٌب َو َال َعَمٌل» ‪ ،‬وهلذا اهلل جل وعال يف السياق الذي مر معنا‬
‫ملا هنى عن التعاون عن اإلمث والعدوان ختم اآلية بقوله‪َ { :‬و اَل َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن َو اَّتُقوا َهَّللا }‬
‫[املائدة‪ ، ]2:‬فليكن رائدك يف هذا الباب تقوى اهلل سبحانه وتعاىل وخمافته وخمافة الوقوف بني يديه سبحانه وتعاىل‬
‫‪ ،‬وإذا أرت أن تبعث أو ترسل شيئًا تذكر أن هذا الذي ترسله جزء من عمل حياسبك اهلل سبحانه وتعاىل عليه‬
‫يوم تلقاه‪.‬‬

‫في باب فقه األولويات فيما تفضلت به ؛ ما هي األمور التي يفعلها المسلم للوصول إلى تقوى اهلل جل‬
‫وعال وخشيته في السر والعالنية في باب العبادات ؟‬
‫تقوى اهلل عز وجل عمٌل بطاعة اهلل على نوٍر من اهلل رجاء ثواب اهلل ‪ ،‬وترٌك ملعصية اهلل على نوٍر من اهلل خيفة‬
‫عذاب اهلل ‪ ،‬فاحتجنا يف هذا املقام مقام التقوى وحتقيقها أوًال إىل العلم بالتقوى ومعرفة حقيقتها ‪ ،‬وقد قيل‬
‫قدميًا (كيف يتقي من ال يدري ما يتقي ) فالبد أوال من العلم ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫والتقوى عندما تذكر مفردًة فإهنا تتناول فعل املأمور وترك احملذور ‪ ،‬وإذا ُقرنت بالرب أصبحت التقوى يف‬
‫جانب ترك احملذور ‪ ،‬والرب يف جانب فعل املأمور ‪ ،‬لكن إذا ذكرت التقوى وحدها تناولت األمرين معًا ‪ .‬إذًا‬
‫اجلانب األول يف التقوى ‪ :‬أن نعرف ما الذي نتقيه وكيف حنقق تقوى اهلل سبحانه وتعاىل وما هي األمور اليت‬
‫هبا حنقق تقوى اهلل جل وعال ‪.‬‬
‫واجلانب الثاين يف هذا الباب ‪ :‬أن نستصحب الرجاء واخلوف فنكون يف أعمالنا راجني رمحة اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل خائفني من عذابه ‪ ،‬وهذان للمؤمن مبثابة اجلناحني للطائر ال يستتم طريانه إال هبما وكذلك ال يستقيم‬
‫عمل املؤمن إال هبما ؛ رجاء رمحة اهلل سبحانه وتعاىل واخلوف من عقابه ‪.‬‬
‫وحنن هذه األيام يف موسم لتحقيق التقوى عظيم جدًا ‪ ،‬قال اهلل تعاىل { َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُك ِتَب َع َلْيُك ُم‬
‫الِّص َياُم َك َم ا ُك ِتَب َع َلى اَّلِذ يَن ِم ْن َقْبِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّتُقوَن } [البقرة‪ ، ]183:‬لكن هل كل صيام تتحقق به التقوى ؟‬
‫وقد قال نبينا عليه الصالة والسالم ((ُر َّب َص اِئٍم َلْيَس َلُه ِم ْن ِص َياِمِه ِإاَّل اُجْلوُع َو اْلَعَطُش )) فهل كل صيام‬
‫تتحقق به التقوى؟ اجلواب ‪ :‬ال ليس كل صيام تتحقق به التقوى ‪ .‬فيأيت سؤال يف هذا الباب ‪ :‬ما هو الصيام‬
‫الذي يتحقق به التقوى؟ أو كيف يكون صيامنا حمققا لتقوى اهلل سبحانه وتعاىل ؟ جواب هذا السؤال بشيء‬
‫من البيان والتوضيح ألقيته يف خطبة مجعة يف هذا الشهر وهي موجودة يف املوقع ‪ ،‬فلعلنا أيضًا من باب التعاون‬
‫ننظر فيها وننقلها أيضا لآلخرين ‪ ،‬وأيضا يف املوقع خطبة بنفس العنوان (التعاون على الرب والتقوى) فيها‬
‫خالصة حول هذا املوضوع ؛ موضوع التعاون على الرب والتقوى ‪.‬‬

‫كيف نرد على العامي الذي يرسل أحاديث ضعيفة أو أدعية لم ترد عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أو‬
‫فيها تعدي إذا كان هذا ينفر العامي من أهل االستقامة من الدعوة ؟ وهل إذا لم يرد يأثم على ذلك ؟‬
‫العامي أو غريه ينطبق عليهم ما جاء يف احلديث قال عليه الصالة والسالم ‪(( :‬الِّديُن الَّنِص يَح ُة قلنا‪ِ« :‬لَمْن َيا‬
‫َرُس وَل الَّلِه؟» َقاَل ‪ِ(( :‬لَّلِه ‪َ ،‬و ِلِكَتاِبِه ‪َ ،‬و ِلَر ُس وِلِه‪َ ،‬و َأِلِئَّم ِة اْلُمْس ِلِم َني ‪َ ،‬و َعاَّم ِتِه ْم )) ‪ ،‬فالدين النصيحة ‪ ،‬والنصيحة‬
‫أيضا البد أن تكون برفق ولطف وتقدير ملقامه من حيث مثًال كرب سنه أو مكانته أو منزلته كأن يكون أبًا أو‬
‫عمًا أو خاًال أو حنو ذلك ‪ ،‬البد أن يراعى معه األدب مع توجيه النصيحة له ‪ ،‬لكن ال ُيرتك دون نصيحة ألن‬
‫املقام ليس باملقام اهلني ‪.‬‬

‫سائل يريد شرح لقول النبي صلى اهلل عليه وسلم ألحد أصحابه في دعاء ((اللهم إني أسألك الهدى‬
‫والسداد)) ؟‬

‫‪12‬‬
‫هذا جاء يف صحيح مسلم من حديث علي رضي اهلل عنه قال ‪« :‬قلت يا رسول اهلل عِّلمين دعاء أدعو اهلل به»‬
‫فقال ‪ُ (( :‬قِل اللُه َّم ِإيِّن َأْس َأُلَك اُهْلَد ى َو الَّسَد اَد ‪-‬ويف رواية قال ‪ُ :‬قْل الَّلُه َّم اْه ِديِن َو َس ِّد ْد يِن ‪َ -‬و اْذُك ْر ِباُهْلَد ى‬
‫ِه َد اَيَتَك الَّطِر يَق ‪َ ،‬و الَّسَد اِد َس َد اَد الَّس ْه ِم )) ‪ .‬وهذا الدعاء من أمجع األدعية وأنفعها وأكربها عائدة وهو مع‬
‫وجازة ألفاظه مجع اخلري كله ‪ ،‬وينبغي احلرص عليه وعلى نظائره من الدعوات املأثورة عن نبينا الكرمي صلوات‬
‫اهلل وسالمه عليه ‪.‬‬
‫وقوله ((اللُه َّم ِإيِّن َأْس َأُلَك اُهْلَد ى )) فيه سؤال اهلل تبارك وتعاىل العلم النافع والبصرية يف دين اهلل تبارك وتعاىل‬
‫واملعرفة بشرعه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وأن يكون سري اإلنسان يف أعماله وأقواله وعباداته وطاعاته على بصرية ونور‬
‫ِه‬
‫من ربه تبارك وتعاىل ‪ ،‬وهذا هو شأن الشخص الذي يهتدي يف الطريق ‪ ،‬قال ( َو اْذُك ْر ِباُهْلَد ى َد اَيَتَك‬
‫الَّطِر يَق )) ومن املعلوم أن الشخص الذي يهتدي يف الطريق هو الذي يعرف الطريق ويعرف املداخل واملخارج‬
‫ومن أين يوصل إىل املكان الفالين ؟ وما هي احملاذير واملخاطر اليت يف الطريق الفالين؟ إىل غري ذلك ((َو اْذُك ْر‬
‫ِباُهْلَد ى ِه َد اَيَتَك الَّطِر يَق )) أن يكون اإلنسان على بصرية وعلى علم ودراية بشرع اهلل سبحانه وتعاىل حبيث‬
‫عندما يريد أن يقدم على عمل أو على طاعة عنده من اهلل نور يف ذلك وعنده بصرية ودراية بشرع اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪.‬‬
‫والسداد املراد به ‪:‬إصابة احلق وموافقة السنة فيما يقوم به العبد من أعمال وطاعات يتقرب هبا إىل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ‪ ،‬ويف احلديث اآلخر قال صلى اهلل عليه وسلم ‪َ(( :‬و َلْن ُيَش اَّد الِّديَن َأَح ٌد ِإاَّل َغَلَبُه‪َ ،‬فَس ِّد ُدوا َو َقاِر ُبوا‪،‬‬
‫َو َأْبِش ُر وا)) ‪ ،‬وقال له اذكر بالسداد سداد القوس أو سداد النبل ومعلوم أن الشخص إذا مسك نبًال ورماه إىل‬
‫هدف معني جتده حيرص على أن تكون الرمية يف املوضع واهلدف املعني الذي رماه ‪ ،‬فاذكر يف السداد سداد‬
‫النبل يعين عندما يصِّو ب اإلنسان النبل إىل الرمية أو الشيء الذي يريد أن يرميه ؛ فهذا فيه أمهية سؤال اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل موافقة السنة حبيث تكون أن أعمالك وطاعاتك وعباداتك موافقة هلدي النيب الكرمي صلوات‬
‫اهلل وسالمه عليه ‪ .‬فانظر كيف مجع لك هذا الدعاء يف ألفاظه املوجزة اخلري كله والرب أمجعه ((اللُه َّم ِإيِّن َأْس َأُلَك‬
‫اُهْلَد ى َو الَّسَد اَد )) ‪.‬‬

‫ما هي ضوابط التعاون مع غير المسلمين؟‬


‫اهلل جل وعال يقول ‪ { :‬اَل َيْنَهاُك ُم ُهَّللا َع ِن اَّلِذ يَن َلْم ُيَقاِتُلوُك ْم ِفي الِّديِن َو َلْم ُيْخ ِرُجوُك ْم ِم ْن ِدَياِر ُك ْم َأْن‬
‫َتَبُّر وُهْم َو ُتْقِس ُطوا ِإَلْيِهْم ِإَّن َهَّللا ُيِح ُّب اْلُم ْقِس ِط يَن } [املمتحنة‪ ، ]8:‬وهذا الرب واإلقساط والتعامل الرفيق مع هؤالء‬
‫له هدف ومقصد شرعي أال وهو ‪ :‬أن حيَّبب إليهم هذا الدين وأن يقَّر بوا إىل اإلسالم مبا يتمتع به أهل اإلسالم‬
‫من األخالق الفاضلة واآلداب الرفيعة والتعامالت الطيبة اليت ُتثمر مثرات عظيمة منها هداية غري املسلم إىل‬

‫‪13‬‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وهلذا جتد يف كتب األدب واألخالق اإلسالمية مثل كتاب األدب املفرد للبخاري وغريه جتد‬
‫تبويبات يف مثل اهلدية للمشرك وحنو ذلك ‪ ،‬كل ذلكم من باب تأليف القلوب ‪.‬‬
‫فإذًا التعامل مع هؤالء يكون باملعاملة الطيبة املعاملة احلسنة اليت ُيقصد منها تقريبه لإلسالم وحتبيبه هلذا الدين‬
‫ولعل اهلل سبحانه وتعاىل يكتب على يدي من عامله هذه املعاملة هدايًة لذلك الشخص ‪ .‬وأيضا حيذر يف هذا‬
‫املقام من أن يكون هناك تعامل معه أو تأييد له أو معاونة له فيما حرم اهلل سبحانه وتعاىل على العبد وهناه‬
‫سبحانه وتعاىل عنه ‪ ،‬وهلذا اآلية املتقدمة { َو اَل َتَع اَو ُنوا َع َلى اِإْل ْثِم َو اْلُع ْد َو اِن } [املائدة‪ ]2:‬نٌص صريح يف النهي‬
‫عن التعاون فيما حرم اهلل من إمث أو عدوان أيًا كان املتعاون معه ؛ فال يتعاون مع شخص يف ربا ‪ ،‬وال يتعاون‬
‫مع شخص يف زنا ‪ ،‬وال يتعاون مع شخص يف مخر ‪ ،‬وال يتعاون مع شخص يف أعياٍد حمرمة وطقوٍس باطلة ‪،‬‬
‫كل األمور اليت هنى اهلل سبحانه وتعاىل عنها فإنه ال جيوز التعاون مع أحد فيها أيًا كان ‪.‬‬

‫‪14‬‬

You might also like