Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 11

‫مراجعة الكتاب‬

‫اسم الكتاب ‪ ( :‬العلمانية الدينية ) ‪( RELIGION SECULARITY‬املقدمة)‬


‫املؤلف‪ :‬ناصر غوباد زاده‬
‫املراجع ‪ :‬ديديك هريانطو‬
‫املدرس ‪ :‬د‪ .‬محمد يونس مسروحين‬
‫الخلفية والهدف‬
‫ه ذا الكت اب ألف ه ناص ر غوبادزاده للحص ول على درجة ال دكتوراه في جامع ة س يدني ع ام‬
‫‪ ،2012‬والسبب في اختي اره ه ذا املوضوع أم ور؛ األول‪ :‬وجود دينامي ‪II I‬ات السياس ‪II I‬ة وال ‪II I‬دين؛‬
‫بحيث شهدت إيران تغيرات كبيرة في العالقة بين الدين والدولة‪ ،‬من العلمنة السلطوية في ظل‬
‫النظام البهلوي إلى األسلمة السلطوية بعد الثورة‪ .‬والث‪II‬اني‪ :‬الخط‪II‬اب السياسي‪-‬ال‪II‬ديني؛ بحيث‬
‫تم التعبير عن هذا الخطاب في إي ران كرد فعل على الدولة اإلسالمية ويحمل أيضا ندوبا من‬
‫ت اريخ إي ران من العلمن ة االستبدادية‪ .‬والث ‪II‬الث‪ :‬اإلص ‪II‬الح ال ‪II‬ديني الش ‪II‬يعي؛ بحيث تس عى ه ذه‬
‫الحركة إلى اتب اع نهج علم اني ديمق راطي متم يز عن الدولة اإلس المية التقليدي ة‪ ،‬مم ا يش ير إلى‬
‫طريق ثالث محتمل بين األصولية والعلمانية االستبدادية‪.‬‬
‫والهدف من كتابة هذا الكت‪I‬اب هو تقديم تح ٍد الهوتي ملفهوم الدولة اإلسالمية‪ .‬وطرح مفهوم‬
‫"العلمانية الدينية"‪ ،‬الذي يعني محاولة للمواءمة بين املبادئ اإلسالمية واملبادئ الديمقراطية‬
‫العلماني ة الش املة‪ .‬والس عي في طمس الح دود بين ال ديني والعلم اني وتح دي ثنائي ة ال ديني‬
‫والعلم اني‪ ،‬من خالل تس ليط الض وء على أهمي ة وإمكاني ة املواءم ة بين املب ادئ اإلس المية‬
‫والديمقراطية العلمانية الشاملة‪ .‬كم‪II‬ا يه‪II‬دف إلى نق‪II‬د الدولة اإلس‪II‬المية؛ بإظهار كيف أعطت‬
‫الدولة اإلسالمية في إي ران األولوية لالعتب ارات السياس ية على حساب التعاليم الديني ة بشكل‬
‫منهجي‪ ،‬مما أدى بشكل غير مباشر إلى خطاب إصالحي يتحدى أسس الدولة اإلسالمية نفسها‪.‬‬
‫ًال‬
‫وتشجيع مراجعة السياسة اإلسالمية؛ بقديم رؤية ملراجعة أكثر شمو وديمقراطية للسياسة‬
‫اإلس المية‪ ،‬وال تي ت دعم إقام ة دولة ديمقراطي ة علماني ة دون إك راه دي ني من املواط نين أو‬
‫مؤسسات الدولة‪.‬‬
‫بناية الكتاب‬
‫كت اب العلماني ة الديني ة‪ :‬تح دي نظ ري للدولة اإلس المية يق ع في س تة فص ول باإلض افة إلى‬
‫املقدم ة والخاتم ة‪ .‬تتفحص الفص ول الس تة من الكت اب الحجج السياس ية الفلس فية‬
‫لإلص الحيين ال دينيين ض د املطالب ات الديني ة للدولة الديني ة اإلس المية‪ ،‬وتص ور مس اعيهم‬
‫للتعبير عن نموذج جديد للعلمانية‪.‬‬
‫يتناول الفصل األول "مسألة السيادة اإللهية مقابل السيادة الشعبية‪ ،‬ويطرح تحديات لفكرة‬
‫أن سلطة الدولة في العالم املعاصر قد تكون مستمدة من املوارد اإللهية‪.‬‬
‫ويتناول الفصل الثاني عملية نشوء الدولة الفقهية التي يشير إليها غوبادزاده بشكل متناقض‬
‫على أنه ا زرع العلماني ة‪ .‬وهو ي درس إدخ ال الخمي ني ملف اهيم "والي ة الفقي ه املطلق ة" و"الفق ه‬
‫املنفعي" في الس نوات األولى للدولة اإلس المية من أج ل ت برير وشرعنة الق رارات السياس ية ال تي‬
‫يتخ ذها رجال ال دين الح اكمون وال تي لن تكون ديني ة‪ .‬إن اخ تراع الخمي ني له ذه املف اهيم‬
‫كطريق ة للحكم في الدولة اإلس المية للتغلب على التن اقض بين التعاليم الدينية وواق ع الحكم‬
‫أدى إلى تشكيل الدولة الفقهية‪.‬‬
‫ويناقش الفصل الثالث كيف أدت النتائج العملية لتشكيل الدولة الفقهية إلى ظهور خطاب‬
‫العلماني ة الديني ة في إي ران‪ .‬كم ا يستكش ف ه ذا الفص ل ال دوافع الديني ة للعلم اء في تح دي‬
‫الدولة اإلسالمية وبحث هؤالء العلماء عن "بديل للفقه النفعي الذي من شأنه أن يعفي الدين‬
‫من مسؤولية الحكومة"‪.‬‬
‫ويستكشف الفصل الرابع البناء السياسي لرجال الدين‪.‬‬
‫وفي الفصل الخامس مناقشة املعارضة الدينية ضد رجال الدين في الدولة اإلسالمية في إي ران‬
‫وتصوير كيفية مساهمة الحجج املناهضة لرجال الدين داخل صفوف رجال الدين في خطاب‬
‫العلمانية الدينية‪.‬‬
‫وفي الفص ل األخ ير اكتش اف تناقض ات ومفارقات الهيمن ة الديني ة ال تي تظهرها حجج علم اء‬
‫الدين الذين ساهموا في خطاب العلمانية الدينية‪.‬‬
‫منهج املؤلف‬
‫س ار املؤلف في مقدم ة ه ذا الكت اب على منهج املقاربة التاريخي ة والسياس ية‪ ،‬حيث ربط‬
‫القضية بالتاريخ والسياسة‪ ،‬كما سار على املنهج التحليلية‪.‬‬
‫النتيجة‬
‫ش هد غوبادزاده ب أن من ذ النص ف الث اني من الق رن العش رين‪ ،‬كان الس عي إلى إقام ة دولة‬
‫ًا‬
‫إس المية بمثاب ة طم وح مش ترك بين أغلب اإلس الميين‪ ،‬وفك روا جميع في إنش اء دول إس المية‬
‫باعتبارها سمة مميزة لهوياتهم‪ .‬وال سيما بعد أن تم تأسيس الجمهورية اإلسالمية اإليرانية عام‬
‫؛ ‪ ،1979‬ولكن بع د خيب ة أملهم بسبب إخفاق ات الدولة اإلس المية‪ ،‬لم ت دم ه ذه الحماس ة‬
‫ًال‬
‫طوي ‪ .‬ولم تعد تعتبر نظاما سياسيا مرغوبا فيه‪ .‬فضال عن تصويرها بالشيطنة في الغرب‪ ،‬بل‬
‫أصبح خيارا غير مرغوب فيه ومحظورا في العالم اإلسالم‪ ،‬بدليل قلة السعي إلى إقامتها‪ .‬وعلى‬
‫ال رغم من ذل ك‪ ،‬ف إن اإلس الميين املتط رفين م ا زال وا يتطلع ون إلى بنائه ا‪ .‬وعلى ال رغم من‬
‫هامشيتها‪ ،‬إال أن هذه الجماعات تظل صاخبة في مطالبها وفي أساليبها النضالية‪ ،‬تحافظ على‬
‫حماس تها إلقامته ا‪ .‬وتتجلى تهميش ه ذه املجموعات بأن ه في الحقيق ة ال توجد دولة في الع الم‬
‫ًف‬
‫اإلسالمي ‪-‬وال أي من الحركات اإلسالمية الرئيسية‪ -‬تقدم لهم دعًم ا ملموًس ا أو اعترا ا رسمًي ا‪.‬‬
‫وإن الواقع املعاش للدولة اإلسالمية في إ ي ران له أهمية رمزية وعملية‪ ،‬ويرجع ذلك أساًس ا إلى‬
‫حقيقة أن اإلسالميين الشيعة اإليرانيين كانوا األوائل في العصر الح ديث الذين استولوا على‬
‫السلطة السياسية وأقاموا دولة إسالمية‪ .‬وعلى الرغم من السياسة الرسمية للدولة اإلسالمية‬
‫املتمثل ة في تص دير الث ورات اإلس المية‪ ،‬ف إن نظ ام الحكم السياسي وال ديني الخ اص به ا ظ ل‬
‫ًا‬
‫محص ور في الح دود اإليراني ة‪ .‬واألهم من ذل ك‪ ،‬أن الش رعية التأسيس ية للدولة اإلس المية ال‬
‫ت زال مح ل ن زاع‪ ،‬والحقيق ة هي أن الجمهوري ة اإلس المية مليئ ة بالتناقض ات االجتماعي ة‬
‫والسياس ية واالقتص ادية والعقائدي ة ومن ه ذه الص عوبة ظه ر خط اب سياسي دي ني متن افس‬
‫يدحض األسس الدينية للدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫فهذا الكتاب يبحث في هذا الخطاب املضاد من خالل تطوير مصطلح "العلمانية الدينية" الذي‬
‫يب دو متناقًض ا لتس ليط الض وء على التناقض ات املتأص لة في نم وذج الدولة اإلس المية‪ .‬ويع ني‬
‫بهذا املصطلح رؤية تحرير الدين من الدولة‪.‬‬
‫وبع د م رور أك ثر من ثالث ة عق ود على قي ام الدولة اإلس المية في إي ران‪ ،‬ف إن فك رة الدولة‬
‫اإلسالمية تظل محل ن زاع‪ .‬وقد تجلت هذه املنافسة بشكل صارخ في األزمة السياسية التي‬
‫ان دلعت في ع ام ‪ .2009‬تح ولت االحتجاج ات واس عة النط اق ال تي تتح دى نت ائج االنتخاب ات‬
‫الرئاسية بشكل كبير إلى حركة احتجاجية تتحدى شرعية الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫وتتجلى الش رعية الهش ة للدولة اإلس المية أ يًض ا في الس ياق املجتمعي‪ .‬يطمح رجال ال دين‬
‫الحاكمون إلى أسلمة كافة جوانب الحياة اإليرانية؛ لكن هذا ال ينبع من تطلعات وأنماط حياة‬
‫جي ل الشباب وبالنظر إلى أن الجي ل األص غر س نا تلقى تعليم ه من خالل نظ ام تعليم إسالمي‪،‬‬
‫فإن هذا أمر مثير للد هشة إلى حد ما‪ .‬كما أن األجيال السابقة‪ ،‬التي ثارت ضد دولة الشاه‬
‫العلمانية االستبدادية‪ ،‬تحافظ على التزام مشكوك فيه باإلسالم السياسي‪.‬‬
‫وفي إي ران‪ ،‬كانت فك رة الدولة اإلس المية موضع معارضة منهجي ة من قب ل علم اء ال دين‬
‫اإلص الحيين‪ .‬ي دعو أب و الفض ل املس لمين إلى إع ادة تق ييم فهمهم لل دين في ض وء التح ديات‬
‫الجديدة والظروف املتغيرة ويشارك علماء الدين اإليرانيون في مثل هذا الجهد‪ .‬وذلك بعد أن‬
‫خاب أملهم من التجاوزات االستبدادية للدولة اإلسالمية‪ ،‬قام هؤالء العلماء‪ ،‬الذين ساهموا‬
‫في البداي ة في إض فاء الط ابع املؤسسي على الدولة اإلس المية في الثمانيني ات‪ ،‬بإع ادة ص ياغة‬
‫ًال‬
‫مفه وم اإلس الم السياسي‪ .‬بحج ة أن الدولة اإلس المية تض ر بال دين‪ ،‬يق ترحون تص وًر ا ب دي‬
‫للعالق ات بين الدولة وال دين من منظ ور إس المي‪ .‬يش مل علم اء ال دين اإلص الحيون املثقفين‬
‫الدينيين ورجال الدين اإلصالحيين الذين يؤمنون باهلل والتشيع ويظهرون احتراًم ا ال جدال فيه‬
‫للمب ادئ الديني ة‪ .‬ومن دون استثناء‪ ،‬يشكل ال دين جوهر أعم الهم العلمي ة‪ .‬إن اله دف النه ائي‬
‫لعلم اء اإلص الح ال ديني ه و اق تراح فهم لل دين يتواف ق م ع األع راف املعاص رة‪ .‬وفي املج ال‬
‫السياسي‪ ،‬يجادلون بأن األفكار السياسية الحديثة مثل الديمقراطية وحقوق اإلنسان والحرية‬
‫والعلمانية متوافقة مع اإلسالم‪.‬‬
‫ومن خالل تس ليط الض وء على الطبق ات الباطني ة من املعتق د ال ديني‪ ،‬ي رى علم اء اإلص الح‬
‫الديني أن تدخل الدولة في الدين يعطل ويلوث اإليمان باهلل وتقاليد الشيعة‪ .‬الدين باعتباره‬
‫مجموعة من املبادئ امليتافيزيقية املطلقة التي و هبها هلل‪ ،‬ال ينبغي أن يخضع لالستجواب من‬
‫قبل البشر‪ .‬ومن ثم فإن تدخل الدولة يعد مهزلة‪.‬‬
‫أثارت العلمانية االستبدادية للنظام البهلوي ثورة في عام ‪ 1979‬أدت إلى إنشاء دولة إسالمية‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬تواجه الدولة اإلسالمية تحدًي ا يتمثل في خطاب يسعى إلى تحرير التجر بة الدينية من‬
‫تدخل الدولة‪ .‬ومن أجل توصيف هذا الخطاب‪ ،‬قام املؤلف بوضع تصور ملصطلح "العلمانية‬
‫الدينية"‪ ،‬ويعني به السعي اإلسالمي لتحرير الدين من الدولة‪.‬‬
‫صعود العلمانية الدينية‬
‫العلماني ة الديني ة ج زء من مش روع أوسع لإلص الح ال ديني في إي ران‪ ،‬تتح دى ش رعية الدولة‬
‫اإلس المية وتلفت االنتب اه إلى الت أثير الض ار على كل من ال دين والدولة في توحي دهما‪ .‬يع ترض‬
‫خط اب العلماني ة الديني ة على تس ييس اإلس الم والعلماني ة االستبدادية‪ ،‬و ه و النم وذج‬
‫السياسي الذي ميز تاريخ إيران والعالم اإلسالمي ما بعد االستعمار‪ .‬في حين أن التوجه الرئيسي‬
‫للعلماني ة ه و تحرير الدولة واالقتص اد من ال دين‪ ،‬ف إن العلماني ة الديني ة متج ذرة في‬
‫االهتمام ات الديني ة ‪-‬على وجه الخص وص‪ ،‬تحرير ال دين من الدولة‪ .‬والي وم في إي ران‪ ،‬أص بح‬
‫علم اء ال دين‪ ،‬وليس السياس يين أو املنظ رين السياس يين‪ ،‬هم املؤيدون الرئيس يون للعلماني ة‬
‫الدينية‪.‬‬
‫إن هذا الخطاب يقوم على عنصرين متقابلين‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬التنبي ‪II‬ه إلى مس ‪II‬اوئ الدولة اإلس ‪II‬المية في ال ‪II‬دين‪ .‬وفي حين أُع لن أن تط بيق الش ريعة ه و‬
‫الهدف األساسي للدولة اإلسالمية‪ ،‬فقد أثبتت تجربة إي ران أن الدولة اإلسالمية تحول الدين‬
‫إلى أداة سياس ية لت برير سياس ة الدولة‪ .‬و ه ذا م ا تم تص وره بوضوح في مفه وم الخمي ني لفق ه‬
‫ًا‬
‫املص لحة (الفق ه الن افع)‪ .‬ووفق له ذا املفه وم الفقهي‪ ،‬يج وز للدولة اإلس المية التغاضي عن‬
‫املبادئ اإلسالمية‪ ،‬العبادية وغير العبادية‪ ،‬إذا قضت بذلك‪ .‬تدعو العلمانية الدينية الدولة إلى‬
‫التخلي عن ادعاءاته ا الديني ة الراسخة من أج ل تنمي ة الت دين الحقيقي‪ ،‬حيث يكون اإليم ان‬
‫واملمارسات الدينية متحررين من اإلك راه من قبل املواطنين أو مؤسسات الدولة‪ .‬لقد تم بناء‬
‫الدولة اإلس المية على اف تراض أن ال دين ق ادر على تق ديم حل ول ملعض الت الحكم في العص ر‬
‫الح ديث‪ .‬ومن خالل إظهار التن اقض بين املطالب ات الديني ة للدولة واملب ادئ اإلس المية‪ ،‬ته دف‬
‫العلماني ة الديني ة إلى حماي ة ال دين‪ .‬وتع ارض العلماني ة الديني ة ه ذا الفهم الش امل لإلس الم‪،‬‬
‫وال ذي أدى إلى ظه ور توقع ات غ ير واقعي ة لل دين‪ .‬وال يمكن ب أي ح ال من األح وال أن يكون‬
‫ًا‬
‫الحكم خالي من األخط اء البش رية والفش ل؛ ولذلك ف إن إس ناد سياس ات الدولة إلى ال دين‬
‫ي ؤدي ببس اطة إلى تحويل املس ؤولية عن فش ل الحكم من الحكومة إلى ال دين‪ .‬إن أنص ار‬
‫العلماني ة الديني ة‪ ،‬ال ذين يزعم ون أن اإلس الم يفتق ر إلى مب ادئ توجيهي ة مح ددة للحكم في‬
‫العص ر الح ديث‪ ،‬يم يزون هللا واآلخ رة باعتبارهم ا الرسالتين األساسيتين لل دين‪ .‬العلماني ة‬
‫الديني ة تح رر ال دين من املس ؤولية االجتماعي ة والسياس ية ح تى يتمكن من اس تعادة‬
‫مص داقيته‪ .‬وفي الواق ع‪ ،‬ف إن العلماني ة الديني ة تح دد ح دود ال دين في الحي اة االجتماعي ة‬
‫والسياس ية وحدود نف وذ الدولة في املج ال ال ديني‪ .‬ليس ال دين غ ير ق ادر على تق ديم مخط ط‬
‫للممارسات االجتماعية والسياسية فحسب‪ ،‬بل إن الدولة أيًض ا ليست مؤهلة لتكون مسؤولة‬
‫عن الدين‪.‬‬
‫ًا‬
‫ثاني ‪ ، I‬يرتك‪II‬ز خط‪II‬اب العلماني‪II‬ة الديني‪II‬ة على الحج‪II‬ة القائل‪II‬ة ب‪II‬أن اإلس‪II‬الم متواف‪II‬ق م‪II‬ع الدولة‬
‫الديمقراطي ‪II‬ة العلماني ‪II‬ة‪ .‬وألن توفير الت برير ال ديني لنظ ام سياسي علم اني ه و اله دف األساسي‬
‫له ذا الخط اب‪ ،‬فإن ه يعتم د بش كل كب ير على اآلي ات القرآني ة والت اريخ اإلس المي‪ ،‬حيث تكون‬
‫قض ية العلماني ة ض منية‪ .‬عالوة على ذل ك‪ ،‬ف إن مب دأ الس يادة الش عبية يح رم الدولة من أي‬
‫ادع اء بالحص ول على أس اس مق دس وشرعية من خالل الرمزية الديني ة‪ .‬ومن خالل إش كالية‬
‫الس يادة اإللهي ة‪ ،‬ال تي هي مح ور الدولة اإلس المية‪ ،‬تج ادل العلماني ة الديني ة بض رورة تب ني‬
‫الس يادة الش عبية من أج ل التق اط ال روح الحقيقي ة لل دين‪ :‬العدال ة‪ .‬وأن اله دف النه ائي‬
‫للعلمانية الدينية هو تعزيز الدولة العلمانية الديمقراطية كبديل للدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫العلماني ة الديني ة تطمس الح دود بين "ال ديني" و"العلم اني"‪ ،‬وتدمج املص طلحين في مص طلح‬
‫واحد‪ .‬في األدبيات السائدة املتعلقة بالعلمانية‪ ،‬والتي يتم مناقشتها عموًم ا من وجهات النظر‬
‫ًة‬ ‫ّف‬
‫اليهودي ة املس يحية الغربي ة‪ُ ،‬ي ع ر العلم اني ع اد على أن ه يتن اقض م ع كونك مت ديًن ا‪ ،‬وفي‬
‫تن اقض حاد م ع ه ذا‪ ،‬كم ا يظه ر الت اريخ اإلس المي‪ ،‬ف إن الح دود بين ال ديني والعلم اني ليست‬
‫ًا‬
‫واضحة وال مفهومة بش كل صحيح من خالل املص طلحات الثنائي ة‪ .‬وقد يق دم ه ذا تفس ير‬
‫لص عوبة ترجم ة مص طلح "علم اني" إلى اللغ ات األص لية في الع الم اإلس المي‪ .‬وتمش يا م ع ه ذا‬
‫التقلي د‪ ،‬يع ترف خط اب العلماني ة الديني ة ب التمييز بين ال دين واملعرفة الديني ة‪ .‬تش ير كلم ة‬
‫"الديني" في هذا الخطاب إلى املعرفة‪ ،‬وليس بالضرورة إلى الدين نفسه‪.‬‬
‫ف إن الح ديث عن العلماني ة الديني ة يع ني اإلش ارة إلى العملي ة ال تي من خالله ا يط ور البش ر‬
‫املعرفة الدينية في سياق أرضي‪ .‬العلمانية الدينية ال تعني عيش األبدية بشكل نقي على األرض‪:‬‬
‫إنه ا عملي ة تفس ير‪ ،‬وتص الح م ع ظ اهرة معق دة‪ .‬ومع ذل ك‪ ،‬ف إن تج ارب الجه ود العلماني ة في‬
‫الس ياق اإلس المي اختلفت عن تل ك املوجودة في العدي د من البل دان الغربي ة‪ .‬و بش كل ع ام‪،‬‬
‫كانت العالقة بين العلم والدين والرغبة في الدنيوية في الغرب جزًء ا رئيس ًي ا من العلمنة‪ .‬ولكن‬
‫بم ا أن ه ذه األبع اد للعلماني ة متأص لة بالفع ل في التع اليم اإلس المية‪ ،‬فليس ت هن اك حاج ة‬
‫ملعارضتها‪ .‬وعلى نح و مماث ل‪ ،‬تتح دى العلماني ة الديني ة االنقس ام بين ال ديني والعلم اني؛ في‬
‫الس ياق اإلس المي‪ ،‬أن تكون مت ديًن ا يع ني أن تكون علمانًي ا‪ ،‬وأن تكون علمانًي ا يع ني أن تكون‬
‫متديًن ا‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬ال يتضمن خطاب العلمانية الدينية أي جدل حول لغز العلم والدين‪ .‬و‬
‫ب دال من أن تكون العلماني ة الديني ة مش روعا فلس فيا ش امال‪ ،‬فهي خط اب سياسي دي ني يركز‬
‫على حرمان ما يسمى بالدولة اإلسالمية من أي ادعاءات متعالية‪.‬‬
‫عدم شعبية الدولة اإلسالمية‬
‫إن اإلسالموية الجديدة التي يتبناها حزب العدالة والتنمية تشكل استجابة للعلمانية الكمالية‬
‫الحازمة‪ .‬وبينما تعمل حكومة حزب العدالة والتنمية ضمن هيكل سياسي علماني‪ ،‬فإنها تسعى‬
‫إلى التوفي ق بين الت دين والسياس ة العلماني ة‪ .‬وعلى ال رغم من أن تجاربه ا كانت مختلف ة‪ ،‬ف إن‬
‫البل دان ذات األغلبي ة املس لمة في جن وب ش رق آس يا‪ ،‬مث ل إندونيس يا وماليزيا‪ ،‬اخت ارت أيًض ا‬
‫لصالح العلمانية‪ .‬نموذج “الدولة شبه العلمانية”‪.‬‬
‫أن فك رة الدولة اإلس المية لم تط رح أب ًد ا من قب ل األح زاب اإلس المية الرئيس ية كخي ار‪ .‬على‬
‫سبيل املث ال‪ ،‬رغم االنقس امات العدي دة بين جماع ة اإلخ وان املس لمين والق وى العلماني ة في‬
‫مصر‪ ،‬فإن هذه االنقسامات ال تشمل املساومة السياسية حول فكرة الدولة اإلسالمية‪ .‬وعلى‬
‫وجه الخص وص‪ ،‬أص بح خط اب العلماني ة الديني ة موضوًع ا ذا أهمي ة متزاي دة في أعق اب‬
‫االنتفاضات العربي ة‪ ،‬ألنه ال يشكك في العلمانية ال تي تهيمن عليه ا الدولة فحسب‪ ،‬بل أ يًض ا‬
‫األس لمة ال تي تهيمن عليه ا الدولة‪ .‬إن الوضع السياسي املتقلب في الش رق األوسط وشمال‬
‫أفريقيا الذي نشأ في أعقاب االنتفاضات العربية يعزز االفتراض بأن الخطاب العلماني الديني‬
‫ال يقتصر على إ يران الشيعية‪.‬‬
‫وأظهر استطالع لل رأي أجرته مؤسسة غالوب عقب سقوط الرئيس املصري حسني مبارك من‬
‫الس لطة أن أق ل من واح د في املائ ة من املص ريين يفض لون دولة ديني ة إس المية على النم ط‬
‫اإليراني‪ .‬كما أعلن راشد الغنوشي‪ ،‬زعيم حزب النهضة‪ ،‬في أول مقابلة له بعد عودته من املنفى‬
‫إلى تونس‪ ،‬بأته لم تكن الدولة اإلسالمية خيارا لبالده‪.‬‬
‫إيران‪ :‬سلسلة من ردود الفعل العنيفة‬
‫في بداي ة تأس يس الدولة اإليراني ة‪ ،‬كان م دعوما من قب ل العلم اء والسياس يين‪ ،‬وتأس س على‬
‫القومي ة‪ ،‬لكن م ا فعل ه رضا بهل وي كان على العكس من ذل ك أن ه في الواق ع أدار حكومة ذات‬
‫نموذج علماني استبدادي‪ ،‬حتى وفقا ألرمسترونغ تجاوز علمانية أتاتورك‪ .‬منذ ذلك الحين بدأ‬
‫رجال ال دين في االشتباك م ع الحكومة ‪ ،‬ح تى في س بعينيات الق رن العش رين كانت هن اك ث ورة‬
‫بدأها آية هللا الخميني أسفرت عن دولة إيران اإلسالمية‪ .‬ومع ذلك ‪ ،‬مع مرور الوقت ‪ ،‬تحولت‬
‫الدولة اإلس المية ‪ ،‬ال تي كان من املتوقع أن تغ ير القي ادة االستبدادية لنظ ام بهل وي ‪ ،‬إلى نظ ام‬
‫إس المي استبدادي ألنه ا اس تخدمت الدولة ك أداة لألس لمة ‪ ،‬تمام ا كم ا اس تخدم نظ ام بهلوي‬
‫وأطفال ه الدولة ك أداة للعلمن ة‪ .‬وبع د ثالث ة عق ود من ط رح ب رامج األس لمة‪ ،‬ال ت زال ش رعية‬
‫توحي د ال دين والدولة هش ة‪ .‬لق د ق امت مجموعة من علم اء ال دين بتح دي األس اس ال ديني‬
‫ًال‬
‫للدولة اإلسالمية بشكل فعال‪ ،‬لكنها لم تتبنى موقفا عدائيا تجاه اإلسالم السياسي‪ .‬و بد من‬
‫ذلك‪ ،‬فإنهم يدافعون عن نهج علماني ديمقراطي تجاه العالقات بين الدولة والدين على أساس‬
‫التع اليم اإلس المية‪ ،‬و ه و الخط اب ال ذي ي وفر لهم موقف وسطي بين العلمن ة من أعلى إلى‬
‫أس فل واألس لمة من أعلى إلى أس فل‪ .‬وهذا على نظرية الث الوث الهيغي ل‪ ،‬ف إن األول ه و‬
‫األطروحة والثاني النقيض والثالث التركيب أو التوليف‪.‬‬
‫سقوط النظرية‬
‫في جزء كبير من القرن العشرين‪ ،‬كان من املفترض أن تكون العلمنة هي املصير الحتمي للعالم‬
‫الح ديث‪ .‬وقد زعم علم اء االجتم اع الب ارزون‪ ،‬بم ا في ذل ك هربرت سبنس ر‪ ،‬وكارل م اركس‪،‬‬
‫وماكس فيبر‪ ،‬وإميل دوركهايم‪ ،‬أن الدين سيختفي في النهاية من الحياة العامة‪ .‬ولكن بحلول‬
‫ستينيات وسبعينيات الق رن العش رين‪ ،‬لم يتم التحق ق من صحة ه ذا االف تراض من خالل‬
‫الدراس ات التجريبي ة‪ .‬ب ل اع ترف بي تر ب يرجر علًن ا ب أن علم االجتم اع كان مخطًئ ا‪ ،‬ويق ول‪ :‬من‬
‫املؤكد أن معظم العالم اليوم ليس علمانًي ا‪ ،‬إنه متدين للغاية‪ .‬وبسبب النتائج الجديدة‪ ،‬ذهب‬
‫بعض العلم اء إلى ح د الض غط من أج ل مح و مص طلح “العلمن ة” من املعجم السوسيولوجي‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬لم يستجب الباحثون بشكل إيجابي لهذا االقتراح‪ ،‬وحتى أنصار التخلي استمروا في‬
‫استخدام املصطلح‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫املؤلف في هذه املقدمة أراد أن يعطي تمهيدا ألطروحته حول العلمانية الدينية‪ ،‬وذلك ببرهنة‬
‫أهمية هذه القضية معتمدا على تاريخ قيام الدولة اإلسالمية في إيران وما وقع فيها‪.‬‬

You might also like