Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 108

‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..

‬الكتاب (‪)5‬‬

‫لو عند الصحابة كاألىارل *** مكاف ال يدانيو ا‪١‬توارل‬

‫كسر من قداسات بدا رل *** كنور ليس يرنوه إفارل‬

‫كرامة شيخنا الشيخ الغزارل *** لدل ىذا ا‪١‬تبارؾ كالغزارل‬

‫لو بتقرب من ذم ا‪١‬تناؿ *** كرامات الكتابة كا‪١‬تقاؿ‬

‫من ا‪١‬تلكوت يبدك كالآلرل *** كُب ا‪ٞ‬تربكت يدخل كل حاؿ‬

‫كيدرؾ بعد ذا فضل الغزارل *** على األشياخ ُب زمن الغزارل‬

‫بو – سرا كجهرا – ُب النباؿ *** تبدد جيش أعداء الغزارل‬

‫فق ٌد حباؿ كصلهم التوارل *** كأسقاىم ‪ٝ‬توما ال يبارل‬

‫ٔتاذا؟ يا رجاال ُب ا‪١‬تعارل *** بفيض من فيوضات الغزارل‬

‫أال ال يعتلي أبدا ْتاؿ *** على األقراف من قيل كقاؿ‬

‫ييرل متواضعا بُت الرجاؿ *** إلبداء ا‪ٟ‬تقائق ُب ا‪٠‬تصاؿ‬

‫‪5‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪2‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫تقريظ فضيلة الشيخ أحمد التجاني إبراىيم نياس‬ ‫ككتبو الشيخ أ‪ٛ‬تد التجاين إبراىيم نياس‬

‫الخليفة العاـ لشيخ اإلسالـ إبراىيم نياس (حفظو اهلل كرعاه)‪.‬‬ ‫تقريظ فضيلة الشيخ عبد الوىاب زبير الغماوي (أداـ اهلل حياتو)‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تمد هلل كحده‪ ،‬كبعد‪:‬‬ ‫مؤسس زاوية صفوة اإلسالـ‪ ،‬مدير مركزىا‪ ،‬وخطيب مسجدىا‬
‫بكل ما تعنيو كتضمنو كلمة "التقريظ" من معٌت كثناء كمدح كإطراء أسود‬ ‫تبارؾ ربنا رب ا‪ٞ‬تبلؿ *** يقدـ من يشاء على ا‪ٞ‬تًبلؿ‬
‫للعادل ا‪ٞ‬تليل الشيخ الصوُب عبد الواحد مرتضى بعد مطالعيت لتآليفو اآلتية‬
‫أ‪ٝ‬تاؤىا‪ :‬األنبياء كاألكلياء ُب ميزاف الًتبية‪ ،‬لقائي مع الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل‪،‬‬ ‫أليس اهلل ٮتلق من يوارل *** لتمتاز ا‪٠‬تصائص من جباؿ‬
‫ا‪٠‬تبلفة‪ ،‬الًتبية عند الصوفية‪ ،‬مفاىيم الصوفية‪ ،‬فوجدهتا ْتق كّتدارة‬
‫فإين ال أرل نفسي أآرل *** سول من يقتفي أثر العياؿ‬
‫تستحق التنوية كتبا جديرة بالنشر إعبلء لكلمة اهلل كنشرا للعلم كالثقافة‬
‫ٌ‬
‫اإلسبلمية السمحة "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل وال‬ ‫أأرجو أف أكوف رفيق آؿ *** أفاض عليو قل موذل ا‪١‬توارل‬
‫حرج" صدؽ رسوؿ اهلل‪.‬‬
‫فقد حاف التفكر يا رجارل *** ‪١‬تا يبديو ينبوع الغزالي‬
‫النَت ا‪١‬تطابق‬
‫كأسأؿ اهلل سبحانو كتعاذل أف يبارؾ ‪٣‬تهوداتو ا‪ٞ‬تبارة كفكره ٌ‬ ‫كدل ال؟ كىو سحباف ا‪١‬تقاؿ *** مطيتو عدت عدك الغزاؿ‬
‫‪١‬تنهج الكتاب كالسنة كالسلف الصاحل‪ ،‬كما أسألو سبحانو بأيامنا ا‪١‬تباركة‬
‫ىذه أف يضع قبولو كتوفيقو ُب ىذه الكتب كغَتىا‪ ،‬لتعم كفيها النفع‪،‬‬ ‫فألف كاحد يكفي الغزارل *** من اآلالؼ أعبلـ الوصاؿ‬
‫آمُت‪.‬‬
‫كقت النضاؿ‬
‫مقامهم ى‬
‫فحساف بن ثابت ُب رجاؿ *** يقوـ ى‬

‫‪3‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪4‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ٍب أىديو إذل حامل لواء الًتبية الصوفية‪ ،‬القطب ا‪١‬تكتوـ‪ ،‬كالسر ا‪١‬تعلوـ‪،‬‬ ‫تصوؼ البسا ثوب ا‪ٞ‬تماؿ *** لو صرب ‪ٚ‬تيل كالببلؿ‬
‫ٌ‬
‫أيب العباس أ‪ٛ‬تد التجاين (رضي اهلل تعاذل عنو)‪.‬‬
‫ينسق ما تشتٌت للغزارل‬
‫كدل يأؿ جهودا للكماؿ *** ٌ‬
‫تيسر بواسطتو‬
‫ٍب إذل صاحب فيضتو الشيخ ا‪ٟ‬تاج إبراىيم نياس الذم ٌ‬ ‫فحلٌى ما بو يمنً ىح الغزارل *** كتحلية النهار من الليارل‬
‫عمت األكابر‬
‫كبفضلو الًتبية الصوفية كدخوؿ حضرة ا‪١‬تعرفة‪ ،‬حىت ٌ‬
‫كاألصاغر أمثارل ُب السلوؾ التجاين (رضي اهلل عن صاحب الفيضة‬ ‫تف ٌقو قبل ذلك كا‪٢‬تبلؿ *** ‪١‬تعرفة ا‪ٟ‬تراـ من ا‪ٟ‬تبلؿ‬
‫كخلفائو)‬
‫ك‪٧‬تل ا‪١‬ترتضى حسن الفعاؿ *** لعبد كاحد خَت النجاؿ‬
‫كنرجو من كل قارئ ‪٢‬تذا الكتاب أف يقرأ سورة الفاٖتة (‪ ،)2‬كسورة‬
‫أطاؿ بقاءه ذخرا آلرل *** إلو العرش دكما بالنواؿ‬
‫اإلخبلص (‪ ،)22‬كصبلة الفاتح (‪ ،)21‬ىدية كاصلة كر‪ٛ‬تة نازلة إذل‬
‫أركاحهم ‪ٚ‬تيعا‪.‬‬ ‫أقاـ بو مكارـ للغزارل *** إذل األزكاج ٍب بٍت الغزارل‬

‫حب الغزارل *** نبا قلمي كما كسرت نصارل‬


‫فبل تعتب أيا َّ‬
‫فإين ال أزكي بل ‪٣‬تارل *** ىي نفس التبادؿ للنفاؿ‬

‫غماكم قد قضى قدر ا‪١‬توارل *** قضى حقا لفيفا للغزارل‬

‫صبلة ٍب تسليم لتاؿ *** صبلة الفاتح ا‪١‬تقرم األعارل‬

‫‪9‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪6‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫‪ٚ‬تيع األمر من نيلي سؤارل‬


‫على ا‪١‬تختار سيدنا جبل رل *** ى‬
‫كذا األصحاب من يوـ السجاؿ *** إذل يوـ القيامة كالفصاؿ‬

‫مدل األياـ صلوا كالليارل *** على ا‪١‬تختار أعداد الرماؿ‬ ‫اإلىداء‪:‬‬

‫كتبو عبد الوىاب زبَت الغماكم‬ ‫أىدم ىذا الكتاب أكال إذل ركح فضيلة الشيخ آدـ عبد اهلل اإللورم‬
‫الذم فتق العقدة عن لساننا‪ ،‬كأزاؿ عنو العجمة‪ ،‬بأف سعدنا بالتعلٌم‬
‫يوـ الثبلثاء ‪ 23‬من رجب ‪2548‬ق‬
‫العريب منو‪ ،‬حىت اقتدرنا على اإلخبار عما ُب الضمَت من ا‪١‬تعارؼ‬
‫ا‪١‬توافق ‪3127 – 5 – 2:‬ـ‪.‬‬ ‫الربانية بالعربية السمحاء‪.‬‬

‫ٍب أىديو إذل فضيلة الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل الغماكم (الشيخ الكبَت) الذم‬
‫أستمد بواسطتو ىذه ا‪١‬تعارؼ الربانية كلها‪ ،‬كىو الذم منعٍت َّأكىؿ كىلة‬
‫ظ كفَت من العلوـ الشرعية‪،‬‬ ‫من الًتبية الصوفية إال بعد ا‪ٟ‬تصوؿ على ح ٌ‬
‫كذلك حوارل ست كثبلثُت سنة مضت‪ ،‬كأكصاين بالتعلٌم قبل الًتبية‬
‫الصوفية‪ ،‬كلو بقدر ا‪١‬ترحلة اإلعدادية‪ ،‬فامتثلت بأمره كالتحقت با‪١‬تركز‬
‫الرئيس أغيغى بواسطتو‪.‬‬

‫‪7‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪8‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫أجل‪ ،‬كإف من مشيئة اهلل تعاذل أف جعل التصوؼ عرشو الذم استول‬
‫عليو‪ ،‬كجعل الًتبية الركحية الصوفية لؤلكلياء العارفُت عينا يشاىدكف ُّا‬
‫‪ٚ‬تالو‪ ،‬كيبصركف ُّا كمالو تعاذل‪ .‬كىكذا جعل اهلل الًتبية الصوفية‬
‫شجرة ربانية تثمر ا‪ٟ‬تياة األبدية‪ ،‬فمن اقتطف منها ‪ٙ‬ترة فقد ذاؽ ا‪ٟ‬تياة‬
‫َحيَػ ْيػنَاهُ‬
‫األبدية اليت ال موت بعدىا‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬أ ََوَمن َكا َف َم ْيتًا فَأ ْ‬
‫س‬ ‫ِ ُّ ِ‬ ‫ورا يَ ْم ِشي بِ ِو فِي الن ِ‬
‫َّاس َك َمن َّمثَػلُوُ في الظلُ َمات لَْي َ‬ ‫َو َج َعلْنَا لَوُ نُ ً‬ ‫المقدمة‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِج ِّم ْنػ َها ۚ َك ََٰذلِ َ‬
‫بِ َخار ٍ‬
‫ين َما َكانُوا يَػ ْع َملُوف ( األنعاـ‬ ‫ك ُزيِّ َن ل ْل َكاف ِر َ‬
‫‪....)122‬‬ ‫ا‪ٟ‬تمد هلل الذم تيدرؾ كحدانيتو بوحدتو‪ ،‬كالصبلة كالسبلـ على عُت‬
‫توحيده‪ ،‬سيد الوجود كعلم الشهود موالنا ‪٤‬تمد (صلى اهلل عليو‬
‫أك نقوؿ إنو جعل اهلل ىذه الًتبية كأسا عرفانية يشرب منها العارفوف‪،‬‬
‫ا‪١‬توحدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫كسلم)‪ ،‬كعلى آلو احملققُت‪ ،‬كأصحابو ٌ‬
‫كاف مزاجها كافورا‪ ،‬عينا يشرب ُّا عباد اهلل يفجركهنا تفجَتا‪.‬‬
‫فإنٍت عند ما بلغت ُب إعداد ىذا الكتاب باب "الوالدة الثانية" كاف‬
‫يوحد البشرية‪،‬‬
‫ىذا‪ ،‬كإذا كاف جسم اإلنساف (الصورة احملمدية) ىو ما ٌ‬
‫‪٬‬تيش ُب صدرم كيتحقق ُب قليب أف أىدم ثوابو إذل ركح فضيلة‬
‫يوحد صفوؼ ا‪١‬تسلمُت ُب دينهم كعباداهتم‪ ،‬فالًتبية الركحية‬
‫كالقرآف ٌ‬
‫توحد العا‪١‬تُت بعضها ببعض آخر‪ ،‬كىي (الًتبية) إنًتنت‬ ‫الشيخ آدـ عبد اهلل اإللورم الذم فتق العقدة عن لساننا‪ ،‬كأزاؿ عنو‬
‫ىي اليت ٌ‬
‫العارفُت لبلتصاؿ بكل جزء من أجزاء العادل‪ ،‬علويٌا كاف أك سفليٌا‪.‬‬

‫‪13‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪10‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫العجمة‪ ،‬بأف سعدنا بالتعلٌم العريب منو‪ ،‬حىت اقتدرنا على اإلخبار عما‬ ‫العارؼ اإلشارات كالتلميحات لتوضيح ما كرد عليو من ا‪١‬تعارؼ‪ ،‬كليس‬
‫ُب الضمَت من ا‪١‬تعارؼ الربانية بالعربية السمحاء‪.‬‬ ‫للعارؼ ُب عدـ النطق بو أك الكتابة عنو عيب كال نقصاف‪ ،‬لكن ال‬
‫يستفيد منو غَته من األقاصي‪ ،‬ألف القرآف نفسو تلميحات كأمثاؿ‬
‫يق الوالدةي األكذل (العلوـ الشرعية) إذل الوالدة الثانية‬
‫ككثَتا ما ي٘ت ٌهد الطر ى‬ ‫ض ِربُػ َها‬
‫اؿ نَ ْ‬ ‫ربانية ضرُّا الرسوؿ ‪١‬تا كرد عليو‪ ،‬لقولو تعاذل‪َ :‬وتِل َ‬
‫ْك ْاْل َْمثَ ُ‬
‫(الًتبية الصوفية)‪ ،‬كرٔتا تيسر النجاح فيها‪ ،‬فلوال الشيخ آدـ عبد اهلل‬ ‫لِلن ِ‬
‫َّاس لَ َعلَّ ُه ْم يَػتَػ َف َّك ُرو َف (ا‪ٟ‬تشر ‪.)32‬‬
‫اإللورم لدامت ىذه ا‪١‬تعارؼ الربانية مسجونة ُب ألواح الصدكر‪،‬‬
‫ك‪٥‬تبوءة ُب الضمَت‪ ،‬ال تربز إذل حيز الوجود‪ ،‬خصوصا كتب نفحات‬ ‫فإذا كاف ُب كل ذلك لنا فضل‪ ،‬فالفضل كلو يرجع إذل فضيلة الشيخ‬
‫الغزارل‪.‬‬ ‫آدـ عبد اهلل اإللورم‪ ،‬كلذلك أىديت إليو أكال ىذا الكتاب ا‪١‬تتواضع‪.‬‬

‫كٖتققت خبلؿ ذلك أف األكثر من العارفُت فازكا ُّذه ا‪١‬تعارؼ الربانية‬ ‫رحم اهلل فضيلة الشيخ آدـ عبد اهلل اإللورم ر‪ٛ‬تة كاسعة تدًن عليو‬
‫كدل يستطيعوا أف يعربكا عنها بالكتابة ليستفيد منهم غَتىم‪ ،‬ألهنم دل‬ ‫رضواف اهلل تعاذل عنو ُب كل آف كحاؿ‪ ،‬كأداـ اهلل حياة ا‪١‬تدير ا‪ٟ‬تاضر‬
‫يتوافر لديهم ا‪١‬تعلومات العلمية اليت منح اهلل ُّا علينا‪ ،‬بواسطة فضيلة‬ ‫للمركز األـ؛ فضيلة الشيخ حبيب اهلل آدـ عبد اهلل اإللورم‪ ،‬كأيٌده‬
‫الشيخ آدـ عبد اهلل اإللورم‪ ،‬ذلك ألف ا‪١‬تنفعة اليت ‪٬‬تنيها الدىر من‬ ‫بنصره حىت يستمر أماـ فأماـ ُب اإلشراؼ على شؤكف ىحىرًمنا العلمي‬
‫أغزر من أف يٮتبىػىر عنها باللساف فقط‪ ،‬كما قيل‬ ‫(ا‪١‬تركز األـ)‪ٍ ،‬ب كاف اهلل ُب حاجة ا‪١‬تركزيُت ُب ربوع العادل شرقا كغربا‪،‬‬
‫أخلد ك ي‬
‫ت ي‬ ‫العلوـ إذا يكتبى ٍ‬
‫ُب األثر‪ :‬ما يكتب ٌقر كما يحفظ ٌفر‪ ،‬غَت أنو ليس كل ما يرد على‬ ‫٭تِت ا‪١‬تركز‪ ،‬٭تِت مديره‪ ،‬ك٭تِت ا‪١‬تركزيوف‪.‬‬
‫العارؼ من جواىر العلوـ الربانية ينطق بو أك يكتب عنو‪ ،‬كإ‪٪‬تا يستخدـ‬

‫‪11‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪12‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫دكف العلماء‪ ،‬كيرقصوف ألشعارىم رقصة فاحشة ‪ ،‬كيبيحوف فيها‬ ‫كلزيادة اإليضاح على جوىرية الًتبية الصوفية ُب السلوؾ أتى ىذا‬
‫التخالط بُت النساء كالرجاؿ‪ ،‬كيفشوف من أجسامهم ما أمرىم الشارع‬ ‫الكتاب ا‪١‬تتواضع لعل ا‪١‬تريد ا‪١‬تتصوؼ القارئ ‪٬‬تد فيو ما يهيٌج شوقو عن‬
‫ا‪ٟ‬تكيم بغطها‪ ،‬كيثبتوف أشياء ال أساس ‪٢‬تا‪ ،‬مثل استباحة حقوؽ‬ ‫الًتبية ٖتريكا‪ .‬نسأؿ اهلل العظيم أف يوفٌقنا ‪ٞ‬توىر السلوؾ الصوُب الذم‬
‫الرجاؿ للنساء‪ ،‬حىت رأينا اليوـ الذين يبيحوف اللواط بُت جنس كاحد‪.‬‬ ‫كرل التوفيق‪.‬‬
‫ىو الًتبية الصوفية الصحيحة‪ ،‬إنو ٌ‬
‫فهل ‪ٝ‬تعتم يا أكرل األلباب بأكرب من ىذا ا‪٠‬تسراف الذم أصيب بو‬
‫ا‪١‬تركءة؟؟؟‬

‫كقاؿ الشاعر‪:‬‬

‫مررت على المروءة وىي تبكي ‪ #‬فقلت لها وما تبكي الفتاة؟‬

‫فقالت كيف ال أبكي وأىلي ‪ #‬جميعا دوف أىل الناس ماتوا‬

‫ككذلك انبسط بينهم إضاعة األمانات كادعاء ما ليس فيهم‪ ،‬كقد قاؿ‬
‫الرسوؿ الكرًن (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬إذا ضيّعت اْلمانة فانتظر‬
‫تمهيد الكتاب‪:‬‬
‫الساعة‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف إضاعتها يا رسوؿ اهلل؟ قاؿ‪ :‬إذا أسند اْلمر‬
‫إلى غير أىلو‪.‬‬ ‫قاؿ اهلل تعاذل‪ :‬والعصر‪ ،‬إف اإلنساف لفي خسر‪ ،‬إال الذين آمنوا‪،‬‬
‫وعملوا الصالحات‪ ،‬وتواصوا بالحق‪ ،‬وتواصوا بالصبر (العصر)‪.‬‬

‫‪17‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪14‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫يرل القارئ أف اهلل ُب ىذه السورة ذكر أمارات الساعة اليت منها‬ ‫الخسراف من ناحية السياسة والدولة‪:‬‬
‫يعم‬
‫العصر‪ ،‬كىذا العصر ليس كجزء اليوـ الذم ‪٨‬تن فيو‪ ،‬كذكر أنو ٌ‬ ‫أما ناحية السياسة كالدكلة‪ ،‬فكل آؿ قطر يشكوف سوء أعماؿ‬
‫الكوف ا‪٠‬تسراف‪ ،‬حيث يصاب كل شيئ بالتغيَت كبالنقصاف كالزيادة‬
‫رؤسائهم الذين سلٌطهم اهلل عليهم‪ ،‬كيسموهنم جبٌارين لفساد‬
‫على أصلو من ‪ٚ‬تيع نواحي ا‪ٟ‬تياة‪ ،‬من خلق كدين‪ ،‬كإنسانية كقانوف‪،‬‬
‫مساعيهم‪ ،‬حىت أنشد بعضهم‪:‬‬
‫كدكرل كاجتماعي‪ ،‬كقد ابتدأ ظهور ىذه األمارات من بداية القرف‬
‫ٌ‬
‫العشرين حىت اليوـ‪.‬‬ ‫إلى اهلل نشكو أننا بمنازؿ ‪ #‬تح ّكم في آسادىن كالب‬

‫كىذا ا‪٠‬تسراف ا‪١‬تذكور ُب اآلية ىو الفنت كاالضطرابات اليت يصاب ُّا‬


‫األكضاع اآلمنة‪ ،‬كالتدىور السريع الذم يػيٍبتىػلىى بو العلوـ الدينية‬ ‫الخسراف من ناحية العلم وأىلو‪:‬‬
‫كالدنياكية‪ ،‬كالذم يصاب بو اَّتمع اإلنساين من إلغاء احملافظة على‬
‫كمن خسراف العلم كأىلو أف نرل اليوـ التدىور الذم نشاىده ُب‬
‫ا‪١‬تركءة‪ ،‬كإقباؿ العلماء الدعاة على الدنيا كزخارفها إقباال كليٌا‪ ،‬كل ىذا‬
‫عما كاف عليو السلف من القدر‬
‫‪٣‬تتمعات العلم من قصور أىاليو ٌ‬
‫من عُت ا‪٠‬تسراف ا‪١‬تشار إليو ُب السورة‪.‬‬
‫كذال‪.‬‬
‫كعزا‪ ،‬ك‪٨‬تن ُب ا‪ٟ‬تضيض سقوطا ٌ‬
‫العظيم‪ ،‬فهم ُب السماء رفعة ٌ‬
‫ىذا‪ ،‬كٯتكن حصر ىذا ا‪٠‬تسراف ُب نواح ثبلث‪ :‬ناحية الدين‪ ،‬ناحية‬
‫الخسراف من ناحية اْلخالؽ والمروءة‪:‬‬
‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا ُب السياسة كالقانوف كالعلم‪ ،‬كناحية األخبلؽ كا‪١‬تركءة‪.‬‬
‫كمن ناحية األخبلؽ كا‪١‬تركءة‪ ،‬فقد يرفع اليوـ عن اَّتمع اإلنساين ا‪ٟ‬تياء‬
‫أمر‪ ،‬فبدأ الناس يق ٌدركف شؤكف الشعراء‬
‫كالصدؽ كالعدؿ‪ ،‬كذلك أدىى ك ٌ‬

‫‪15‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪16‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ويحفظن فروجهن‪ ،‬وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها‪( ..‬النساء‬ ‫الخسراف من ناحية الدين‪:‬‬
‫‪.)42-41‬‬
‫يهمنا أكثر من غَته ُب ىذا الصدد فهو ناحية الدين‬
‫أما الذم ٌ‬
‫كمنو بعض ا‪١‬تسلمُت الذين كانوا ال ٭تضركف ا‪١‬تساجد إال إذا أقيم ‪٢‬تم‬ ‫عرفناه‬
‫كالتدين‪ .‬كلقد ثبت ثبوت ا‪ٞ‬تبل على األرض أف ا‪٠‬تسراف – كما ٌ‬
‫فيها ‪٣‬تلس ا‪ٟ‬تفبلت كالدعاء لقضاء ا‪ٟ‬توائج‪ ،‬كال يصوموف رمضاف ُب‬ ‫سابقا – أصاب األدياف السماكية‪ ،‬ال سيما اإلسبلـ‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬لكنهم يكفوف عن شهوتى الفم كالفرج إذا كاف طلبا لقضاء‬
‫فمن ا‪٠‬تسراف الذم أصيب بو اإلسبلـ منذ بداية القرف العشرين كجود‬
‫حاجة ما‪ ،‬كال يزكركف ا‪١‬تساجد للصلوات ا‪١‬تكتوبة‪ ،‬لكنهم ال يتأخركف‬
‫يتسموف بأىل السنة‪ ،‬ير‪ٚ‬توف غَتىم بأحجر التبديع حىت‬‫دعاة جدد‪ٌ ،‬‬
‫عن حضور أمكنة الدعاء اليت يسموهنا "الصبلة" كل يوـ األحد ُب‬
‫إذل حد التكفَت‪ٖ ،‬تت ادعاء إحياء السنة كإماتة البدعة‪ ،‬كيسبٌوف‬
‫األسبوع‪ ،‬أك غَته من أياـ األسبوع‪.‬‬
‫األكلياء العارفُت الكراـ حىت كانوا ال يركف كليٌا إال من ٘تسك بعقيدهتم‪،‬‬
‫حرفوا ا‪ٞ‬تواىر الدينية عن مواضعها‪ ،‬مثل الذين‬ ‫كمنها أف بعضهم ٌ‬ ‫عض على عُت ما عضوا عليو من‬ ‫كال يسنيًّا متٌبعا للرسوؿ إال إذا ٌ‬
‫٭تجوف للتفاخر كالرياء كالتجارة‪ ،‬فهذا من أكجو ٖتريف الكلمة عن‬ ‫الغلو‪،‬‬
‫السنن‪ ،‬كال مسلما كامبل إال من كاف على مذىبهم الذم فيو ٌ‬
‫ض ِه ْم ِميثَاقَػ ُه ْم‬ ‫مواضعها اليت أمرنا اهلل باالجتناب عنو بقولو‪ :‬فَبِما نَػ ْق ِ‬
‫َ‬ ‫كقاؿ تعاذل‪ :‬وال تزكوا أنفسكم‪ ،‬ىو أعلم بمن اتقى (النجم‬
‫اض ِع ِو ۚ‬ ‫اسيةً ۚ يح ِّرفُو َف الْ َكلِم َعن مو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ال تَػ ْغلُوا فِي‬ ‫‪ ....)43‬كقاؿ ُب موضع آخر‪ :‬قُ ْل يَا أىل الْكِتَ ِ‬
‫َ ْ ََ‬ ‫َّاى ْم َو َج َعلْنَا قُػلُوبَػ ُه ْم قَ َ ُ َ‬ ‫لَ َعن ُ‬
‫اؿ تَطَّلِ ُع َعلَ َٰى َخائِنَ ٍة ِم ْنػ ُه ْم إَِّال‬
‫سوا َحظًّا ِم َّما ذُِّك ُروا بِ ِو ۚ َوَال تَػ َز ُ‬‫َونَ ُ‬ ‫ضلُّوا ِم ْن قَػ ْب ُل َوأَ َ‬
‫ضلُّوا‬ ‫ِدينِ ُكم غَيػر الْح ِّق وال تػتَّبِعوا أَىو ٍ‬
‫اء قَػ ْوـ قَ ْد َ‬
‫ْ َْ َ َ َ ُ َْ َ‬
‫ضلُّوا َع ْن َس َو ِاء َّ‬
‫السبِيل (ا‪١‬تائدة ‪.)77‬‬ ‫َكثِ ًيرا َو َ‬

‫‪21‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪18‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ككانوا يع ٌدكف كل من ليس على مذىبهم من ا‪١‬تسلمُت ُب حساب‬ ‫كقد قاؿ تعاذل‪ :‬وكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد‪ ،‬وجئنا بك على‬
‫األعداء األشداء على اإلسبلـ كالنصارل كاليهود‪ ،‬كيرل أكلئك الدعاة‬ ‫ىؤالء شهيدا‪ .‬يومئذ يود الذين كفروا وعصووا الرسوؿ لو تسوى‬
‫ا‪ٞ‬تدد أف أصحاب "ال إلو إال اهلل" الصوفيُت الذين يصلوف كما‬ ‫بهم اْلرض وال يكتموف اهلل حديثا (النساء)‬
‫يصلوف‪ ،‬كيصوموف كما يصوموف‪ ،‬ك٭تجوف كذلك‪ ،‬ىم ا‪١‬تشركوف ُب‬
‫أخ يذ بعض ا‪١‬تسلمُت بقشور الدين كرفض لبٌو‪،‬‬
‫كمن ا‪٠‬تسراف ا‪١‬تذكور ٍ‬
‫زعمهم‪ ،‬كيركف أنو ‪٬‬تب طردىم من اإلسبلـ‪ ،‬كقد قاؿ تعاذل‪ :‬وال‬
‫قصر السراكيل كا‪ٞ‬توالف ُب‬
‫فضلوا ى‬‫استخفوا بالعُت‪ ،‬كعظموا الفضوؿ‪ٌ ،‬‬
‫تطرد الذين يدعوف ربهم ‪ .....‬واصبر نفسك مع الذين يدعوف‬
‫البلداف ا‪١‬تختلفة للرجاؿ على توصية اآلؿ األقربُت‪ ،‬مع أف أمر اإلسبلـ‬
‫ربهم بالغداة والعشي يريدوف وجهو‪( ....‬الكهف)‬
‫ْتقيقتو متعلق بالقلب‪ ،‬ال با‪ٞ‬تسم‪ ،‬لقولو (صلى اهلل عليو كسلم) عن‬
‫كأسوأ من كل ذلك أهنم ركزكا ‪ٚ‬تيع دعواهتم على إسقاط كل ما ‪٬‬تعل‬ ‫أيب ىريرة (رضي اهلل عنو)‪ :‬إف اهلل ال ينظر إلى صوركم وأموالكم‪،‬‬
‫ا‪١‬تسلم يرل الرسوؿ ‪٤‬تمدا رجبل عظيما أك خلقا ‪٥‬تتلفا عن ‪ٚ‬تيع‬ ‫ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (ركاه مسلم عن عمرك الناقد‪ ،‬عن‬
‫ا‪٠‬تبلئق اختبلفا عظيما‪ ،‬كآثركا أف يقللوا من قدره (صلى اهلل علييو‬ ‫كثَت بن ىشاـ‪.‬‬
‫كسلم) ُب أعُت الناس‪ ،‬بل يتمسكوف بكل نص يصور الرسوؿ‬
‫لبس ا‪٠‬تمار كا‪ٞ‬تلباب كا‪ٞ‬توارب اليدكية كالرجلية للنساء على‬
‫فضلوا ى‬
‫ك ٌ‬
‫كاإلنساف العادم‪ ،‬كإف ربك ‪٢‬تم لبا‪١‬ترصاد‪ ،‬كإنو ُّم ‪٠‬تبَت‪.‬‬
‫أقره القرآف‪ ،‬كىو عُت سًت العورة‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬قل‬
‫حد سًت العورة الذم ٌ‬
‫للمؤمنين يغضوا من أبصارىم‪ ،‬ويحفظوا فروجهم‪ ،‬ذلك أزكى لهم‪،‬‬
‫إف اهلل خبير بما يصنعوف‪ .‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارىن‪،‬‬

‫‪19‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪20‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫أما ا‪٠‬تسراف األكرب للتصوؼ ُب ىذا األكاف ا‪ٟ‬تاضر ىو استخفاؼ‬ ‫ين‪.‬‬‫ِِ‬ ‫اص َف ْح ۚ إِ َّف اللَّوَ يُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫قَلِ ًيال ِم ْنػ ُه ْم ۚ فَا ْع ُ‬
‫ف َع ْنػ ُه ْم َو ْ‬
‫ا‪١‬تريدين ا‪١‬تعاصرين كا‪١‬تتشيخُت القاصرين بشأف الًتبية الصوفية الركحية‪،‬‬ ‫(ا‪١‬تائدة ‪.)13‬‬
‫حىت زعموىا مرحلة يسَتة ال يعتربكف ‪٢‬تا أكثر اعتبار‪ ،‬فبل ييرل فيهم‬
‫كمنها أف ىناؾ أزكاجا مثبل حيث ترل الزكج يتديٌن باإلسبلـ‪ ،‬كالزكجة‬
‫أثر الًتبية الصوفية الركحية‪ ،‬إذ ليست ىي ُب بضاعتهم قط‪ ،‬كال يوجد‬
‫تتديٌن بالنصرانية‪ ،‬كيوجد ىذا ُب كثَت من األغنياء كالفقراء كالرؤساء‬
‫‪٢‬تم فرؽ بينهم كبُت من ال يتصوفوف‪ ،‬كىم مع ذلك يدعوف االنتظاـ‬
‫ا‪١‬تسلمُت ُب ا‪١‬تناصب العالية ُب الدكلة كالسياسة‪ ،‬كىم ال يركف ُب ذلك‬
‫الكامل ُب التصوؼ‪ ،‬مع أنو ال يعثر على الكماؿ ُب السلوؾ من ال‬
‫من بأس‪ ،‬كينجبوف أكالدا يكوف أمامهم االختيار بُت أدياف كالديهم‪،‬‬
‫تربية لو‪.‬‬
‫فهذا كال ريب من ا‪٠‬تسراف ا‪١‬تشار إليو ُب السورة من ناحية الدين‬
‫كمنو أف بعضهم ‪٬‬تعلوف الًتبية اَّازية اليت أتى ُّا الفبلسفة كعلماء‬ ‫كالتديٌن‪.‬‬
‫الرسوـ ُب منزلة الًتبية الصوفية‪ ،‬كذلك ألهنم قد فاهتم عُت الًتبية‬
‫الصوفية كدل يعلموا أف بُت الًتبية ا‪٠‬تلقية الشرعية كبُت الًتبية الصوفية‬
‫الخسراف من ناحية التصوؼ‪:‬‬
‫بونا شاسعا‪.‬‬
‫كمن أمثاؿ ذلك ا‪٠‬تسراف ما أصيب بو التصوؼ ُب اإلسبلـ‪ ،‬كىو‬
‫ىوة ىذا ا‪٠‬تسراف الذم أدركوا‬ ‫فئلنقاذ آالؼ ا‪١‬تريدين كا‪١‬تتشيخُت من ٌ‬
‫أقساـ‪:‬‬
‫أنفسهم فيها‪ ،‬أخذت برأس قلمي لكتابة ىذا ا‪١‬تزبور‪ ،‬لينتهوا من‬
‫استخفافهم بشأف الًتبية‪ ،‬كليعلموا أف جوىرية الًتبية الصوفية ال تنوب‬ ‫األكؿ‪ :‬أصيب التصوؼ با‪٠‬تسراف من عند ا‪١‬تتصوفُت القاصرين بالنسبة‬
‫لرفعهم بعض األشياء ُب السلوؾ من منزلة االستحباب كالسنة إذل منزلة‬

‫‪25‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪22‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫فرض العُت ‪ ،‬مثل إحياء حفلة ا‪١‬تولد النبوم‪ ،‬كا‪٢‬تدية كا‪٠‬تدمة كالزيارة‪،‬‬ ‫بو‪ ،‬إف علينا جمعو وقرآنو‪ ،‬فإذا قرأناه فاتبع قرآنو‪ ،‬ثم إف علينا‬
‫كىلم جرا‪ ،‬غَت أف ا‪١‬تولد النبوم قد يوجبو الصوفيوف ا‪ٟ‬تقيقيوف على‬‫ٌ‬ ‫بيانو (القيامة ‪ .)27‬كقاؿ ُب موضع‪ :‬وال تعجل بالقرآف من قبل أف‬
‫أنفسهم من شدة ‪٤‬تبتهم هلل كللرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ ،‬أما‬ ‫يقضى إليك وحيو‪ ،‬وقل رب زدني علما (طو)‪.‬‬
‫األكثر من ا‪١‬تتصوفُت ا‪١‬تعاصرين فإهنم ٭تيوف حفلة ا‪١‬تولد النبوم ‪ٞ‬تلب‬
‫عُت التصوؼ ىو طلب األسرار كاألدعية‬‫كمنو أف بعضهم جعلوا ى‬
‫األمواؿ ك‪ٟ‬تطاـ الدنيا‪ ،‬يشاىد ىذا من حضر حفبلت ا‪١‬تولد من‬
‫كالدكائر‪ ،‬فينتقلوف من شيخ إذل شيخ‪ ،‬كمن بلد إذل بلد‪ ،‬طالبُت ما‬
‫العصرية‪.‬‬
‫زعموه عُت التصوؼ‪ ،‬كالتصوؼ ا‪ٟ‬تقيقي بعينو بريئ من كل ذلك براءة‬
‫الثاين‪ :‬أصيب التصوؼ با‪٠‬تسراف بالنسبة الستخفاؼ ا‪١‬تنتسبُت إليو‬ ‫الذئب من دـ ابن يعقوب‪.‬‬
‫بشأف ما يهدؼ إليو التصوؼ بعينو‪ ،‬بل بشأف ما يدكر عليو التصوؼ‬
‫ككذلك جعلوا ا‪٠‬تلوة عُت تصوفهم‪ ،‬حىت كانوا يعلنوف الدخوؿ ُب‬
‫ُب حلو كترحالو‪ ،‬مثل البيعة على يد ا‪١‬ترشد الواصل كاتباعو‪ٍ ،‬ب الًتبية‬
‫ا‪٠‬تلوة كا‪٠‬تركج منها على التلفزيوف كاإلذاعات‪ ،‬كال ييرل فيهم بعد ذلك‬
‫الصوفية اليت ‪٨‬تن بصددىا ُب ىذا الكتاب‪.‬‬
‫أثر الوالية ا‪ٟ‬تقيقية‪ ،‬ألف ا‪٠‬تلوة ال شأف ‪٢‬تا بالتصوؼ ا‪ٟ‬تقيقي‪ ،‬كإ‪٪‬تا ىي‬
‫كإضافة إذل ذلك كجود بعض ا‪١‬تريدين القاصرين بادعائهم الكاذب‬ ‫آلة االعتزاؿ عن الناس لفراغ القلب‪.‬‬
‫يقولوف بعد كصوؿ الًتبية البلصحيحة إف كل شيئ ىو اهلل‪ ،‬بغَت ىدل‬
‫كمنو أف بعض الشيوخ ‪٬‬تيزكف ‪١‬تريديهم الذين دل ينفطموا من رضاع‬
‫كال كتاب منَت‪ ،‬أك كانوا بعد كصوؿ الًتبية الصحيحة ال يتقدموف لبياف‬
‫التصوؼ‪ ،‬كيكتبوف ‪٢‬تم اإلجازات ُب السلوؾ من غَت ما عمل صوُب‬
‫ما رأكا كعلموا ُب تربيتهم‪ ،‬كالقرآف يقوؿ‪ :‬وال تحرؾ بو لسانك لتعجل‬
‫يؤىلهم لذلك ا‪١‬تقاـ‪ ،‬فبل يكاد يرل مريد إال كىو عندىم شيخ كبَت‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪23‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪24‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫آمنُوا ا ْد ُخلُوا فِي ِّ‬


‫السل ِْم َكافَّةً َوَال تَػتَّبِعُوا‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫موضع آخر‪ :‬يا أَيُّػ َها الذ َ‬ ‫عنها تربية سواىا‪ ،‬كال تقوـ مقامها‪ ،‬فعسى أف ‪٬‬تدكا ُب ىذا الكتاب ما‬
‫ات َّ ِ‬ ‫ُخطُو ِ‬ ‫ينَت ‪٢‬تم الليل الدجوجي‪ ،‬كيصرخهم على القياـ ٔتا ‪٬‬تب عليهم‪.‬‬
‫ين (البقرة ‪.)208‬‬ ‫الش ْيطَاف إِنَّوُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬ ‫َ‬
‫أك ٔتنزلة الدخوؿ ُب اإلسبلـ اَّدد الذم دعا إليو الرسوؿ بقولو‪:‬‬
‫جددوا إيمانكم بال إلو إال اهلل‪ ،‬ذلك ألف الصحابة قد كانوا على‬
‫التام ٍُت قبل أف يأمرىم الرسوؿ بتجديد إٯتاهنم‪ ،‬فذلك‬
‫اإلسبلـ كاإلٯتاف َّ‬ ‫تعريف السلوؾ لغة واصطالحا‪:‬‬
‫التجديد ىو الدخوؿ ُب سلك التصوؼ‪ ،‬كأكؿ من ج ٌدد إٯتانو ُب عهد‬ ‫السلوؾ لغة‪ :‬مصدر سلك يقاؿ‪ :‬سلك طريقان‪ ،‬كسلك ا‪١‬تكاف يسلكو‬
‫النيب (صلى‬
‫النيب ىو علي بن أيب طالب (كرـ اهلل كجهو) حُت جاء َّ‬ ‫سلكان كسلوكان‪ ،‬كسلكو غَته‪.1‬‬
‫اهلل عليو كسلم) كقاؿ‪ :‬كيف أذكر؟ فقاؿ رسوؿ اهلل (صلى اهلل عليو‬ ‫والسلوؾ في اصطالح القوـ (االصطبلح الصوُب) ‪ :‬الطَّريق ‪١‬تعرفة اهلل‬
‫وسلم)‪ :‬أغمض عينيك واسمع مني ثالث مرات‪ ،‬ثم قل أنت‪ :‬ال‬ ‫برياضة الركح كا‪ٞ‬تسد‪.‬‬
‫إلو إال اهلل‪ ،‬ثالث مرات‪ ،‬وأنا أسمع‪ ،‬فقاؿ رسوؿ اهلل (صلى اهلل‬ ‫كللسلوؾ إذل اهلل مبادئ كمقاصد‪ ،‬أما مبادئو فلها مرحلتاف‪:‬‬
‫عليو وسلم) ثالث مرات ال إلو إال اهلل‪ ،‬مغمضا عينو رافعا صوتو‪،‬‬
‫وعلي رضي اهلل عنو يسمع‪ ،‬ثم قاؿ علي رضي اهلل عنو ال إلو إال‬
‫اهلل ثالث مرات مغمضا عينو رافعا صوتو‪ ،‬والنبي (صلى اهلل عليو‬
‫‪ -1‬لساف العرب البن منظور‪ ،‬حرؼ الكاؼ فصل السُت‪553 /21 ،‬‬

‫‪29‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪26‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫األكذل‪ :‬ىي االنتباه من نوـ الغفلة كالتيقظ‪ ،‬فهذه ىي اليت ٕتر ا‪١‬تريد إذل‬
‫كامل عصره لَتشده إذل اهلل‪.‬‬

‫كالثانية‪ :‬طلب ا‪١‬ترشد كالبيعة على يديو ٍب التلقُت‪.‬‬

‫كأما مقاصد السلوؾ فهي الًتبية كالًتقية بالدخوؿ إذل حضرة ا‪١‬تعرفة كما‬
‫قاؿ الشيخ إبراىيم ُب "الكربيت األ‪ٛ‬تر" ُب الفصل األكؿ ُب سلوؾ‬
‫الطريقة التجانية‪ :‬وما قبل ىذا النظر ىو في نوـ الغفلة (يعٍت مبادئ‬
‫السلوؾ للمرحلة األكذل)‪ ،‬وما بعد ىذا النظر إال كماؿ اليقظة‪ ،‬وما‬ ‫الدخوؿ في التصوؼ‪:‬‬
‫بعد كماؿ اليقظة إال الفرار من النفس وىواىا والدنيا والشيطاف‪.‬‬
‫إف الدخوؿ ُب التصوؼ قسماف‪:‬‬
‫كالفرار إذل اهلل ىو الفرار إذل كامل العصر كما ُب القرآف ‪ ":‬ففروا إلى‬
‫اهلل إني لكم منو نذير مبين "‪.‬‬ ‫األكؿ‪ :‬الدخوؿ بالسلوؾ ُب التصوؼ‪ ،‬كىو ٔتثابة الباب الرئيسي‬
‫للدخوؿ ُب البلد‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬يا قوـ ادخلوا اْلرض المقدسة التي‬
‫كتب اهلل لكم (ا‪١‬تائدة ‪ .)23 – 20‬كُب الفتح قاؿ تعاذل‪ :‬لََق ْد‬
‫الش َج َرةِ فَػ َعلِ َم َما فِي‬ ‫ين إِ ْذ يُػبَايِعُونَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت َّ‬‫ك تَ ْح َ‬ ‫َرض َي اللَّوُ َع ِن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫الس ِكينَةَ َعلَْي ِه ْم َوأَثَابَػ ُه ْم فَػ ْت ًحا قَ ِريبًا (‪ .)81‬كقاؿ ُب‬
‫قُػلُوبِ ِه ْم فَأَنْػ َز َؿ َّ‬

‫‪27‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪28‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫فالرجل األكؿ ُب اآلية ىو ا‪١‬تتصوؼ العلمي أك ا‪١‬تنكر‪ ،‬كالرجل الثاين‬ ‫وسلم) يسمع‪ٍ ،.......‬ب جدد الرسوؿ ألصحابو إٯتاهنم ‪ٚ‬تاعةن حُت‬
‫ىو ا‪١‬تريد الذم انقاد للعارؼ‪ ،‬كالرجل الثالث ىو ا‪١‬ترشد العارؼ نفسو‪.‬‬ ‫قاؿ‪ :‬ىل فينا غريب؟ قالوا‪ :‬ال‪ .‬فا‪١‬تنتظم ُب التصوؼ إ نذا يدخل ُب‬

‫كاعتقاد ىؤالء ا‪١‬تتصوفُت النظريُت أف علومهم الشرعية ىك ىفٍتػ يه ٍم شيخا‬ ‫اإلسبلـ اَّدد‪ ،‬كىو حقيقية اإلسبلـ‪ ،‬أل مقامة اإلحساف‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬‬

‫كمرشدا‪ ،‬كص ٌح ىذا االعتقاد منهم‪ ،‬لكنو ال يكفي ُب حقيقة السلوؾ‪.‬‬ ‫ك إِنَّ َما يُػبَايِعُو َف اللَّوَ يَ ُد اللَّ ِو فَػ ْو َؽ أَيْ ِدي ِه ْم فَ َم ْن‬
‫ين يُػبَايِعُونَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫إِ َّف الذ َ‬
‫اى َد َعلَْيوُ اللَّوَ‬‫ث َعلَى نَػ ْف ِس ِو َوَم ْن أ َْوفَى بِ َما َع َ‬ ‫ث فَِإنَّ َما يَػ ْن ُك ُ‬‫نَ َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (سورة الفتح ‪.)10‬‬ ‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫سيُػ ْؤتِيو أ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫كىذا الدخوؿ ُب اإلسبلـ اَّدد ىو البيعة كالتلقُت عند الصوفية‪ ،‬يبايع‬
‫مرشده على انضمامو إذل سلك القوـ‪ ،‬كأنو قد كعده‬
‫السالك ى‬
‫ي‬ ‫ا‪١‬تريد‬
‫يد أذكار الطريقة لتعقيد‬
‫ا‪١‬ترشد ا‪١‬تر ى‬
‫حسن ا‪١‬تتابعة لو ُب كل حاؿ‪ ،‬فيلقن ي‬
‫صحة كعد ا‪١‬تتابعة‪ ،‬تلقينا مبلئما للوضع ا‪١‬تعتاد عليو عند القوـ‪ ،‬كلو‬
‫قبل من ا‪١‬تداكمُت على أمثاؿ تلك األذكار‪ ،‬كىي ال إلو‬
‫كاف ا‪١‬تريد من ي‬
‫الدخوؿ الثاني‬ ‫إال اهلل‪ ،‬كالصبلة على النيب‪ ،‬كاالستغفار‪.‬‬

‫‪33‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪30‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كالبيعة ميثاؽ كعهود يأخذىا ا‪١‬ترشد من ا‪١‬تريد على االتباع‪ ،‬كدليلها قولو‬ ‫يص ّعد في السماء‪ ،‬كذلك يجعل اهلل‬
‫صدره ضيّقا حرجا كأنما ّ‬
‫تعاذل على لساف النيب موسى للخضر‪ :‬قاؿ لو موسى ىل أتبعك على‬ ‫الرجس على الذين ال يؤمنوف (األنعاـ ‪.)125‬‬
‫أف تعلمن مما عملت شدا؟ (الكهف ‪.)66‬‬
‫كأما القاصركف كأىل التصوؼ العلمي الذين اعًتفوا بوجود التصوؼ‬
‫كالتلقُت ىذا قد يكوف مشافهة مثل ما تقدـ‪ ،‬كقد يكوف ركحيا مثل ما‬ ‫لكنهم دل ينقادكا لرجل عارؼ‪ ،‬كدل يبايعوا مرشدا‪ ،‬كدل يل ٌقنهم مرشد ُب‬
‫كاف لؤلنبياء كاألكلياء‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬فتل ّقى آدـ من ربو كلمات فتاب‬ ‫سلك التصوؼ‪ ،‬فاغًتكا ٔتجرد االستطاعة على مطالعة الكتب‬
‫عليو‪ ،‬إنو ىو التواب الرحيم (البقرة)‪ ،‬أك مشافهة كما كاف للصحابة‬ ‫الصوفية‪ ،‬كحسبوا أنفسهم من ا‪١‬تتصوفُت التصوؼ العملي‪ ،‬حىت ٕتد‬
‫كاألكلياء الكمل‪ ،‬كيكوف من الرسوؿ أك شيخ الطريقة أك الورل الكامل‪.‬‬ ‫بعضهم يدافع عن التصوؼ بنصيبو منو (النظرم)‪ ،‬فهم ليسوا بالصوفية‬
‫ىاـ ُب التصوؼ ا‪ٟ‬تقيقي‪.‬‬
‫ا‪ٟ‬تقيقيُت ألف البيعة كالتلقُت ركن ٌ‬
‫لعامة‬
‫كالدخوؿ األكؿ ىبة خصوصية من اهلل ‪١‬تن يشاء‪ ،‬ألنو ليس ٌ‬
‫الناس‪ ،‬فبل يسلم كال ينقاد للصوُب من دل يرد اهلل بو خَتا ُب ا‪ٟ‬تياة‬ ‫قاؿ تعاذل‪ :‬ضرب اهلل مثال رجال فيو شركاء متشاكسوف‪ ،‬ورجال‬
‫الدنيا كُب اآلخرة‪ ،‬فمهما أتى العارؼ الصوُب من األدلة على كجوبية‬ ‫سلما لرجل‪ ،‬ىل يستوياف مثال‪ ،‬الحمد هلل بل أكثرىم ال يعلموف‬
‫االنتظاـ ُب السلوؾ الصوُب فبل يفهم ىو كال ينقاد لو‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬فمن‬ ‫(الزمر ‪.)29‬‬
‫يرد اهلل أف يهديو يشرح صدره لإلسالـ‪ ،‬ومن يرد أف يضلّو يجعل‬

‫‪31‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪32‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الطريقة فأخذة ال ٕتاين‪ ،‬عسى اهلل أف ير‪ٛ‬تو‪ ،‬إف يرًز ىؽ ‪٤‬تبة سيدنا‬ ‫كالدخوؿ الثاين ىو الدخوؿ ا‪ٟ‬تقيقي ُب بيت الوالية‪ ،‬كىو الًتبية‬
‫الشيخ أ‪ٛ‬تد التجاين (رضي اهلل تعاذل عنو)‪.‬‬ ‫الصوفية الصحيحة‪ ،‬يبايع ا‪١‬تريد شيخو عليها بيعة جديدة‪ ،‬كيلقنو‬
‫الشيخ أذكارىا ا‪٠‬تاصة ‪٣‬تيزا كآذنا لو ُب الشركع فيها‪ ،‬كإذا كصل ا‪١‬تريد‬
‫اإليماف المجدد‪:‬‬
‫إذل ا‪١‬تراد ُب تربيتو الركحية فقد دخل ُب حضرة الوالية دخوال حقيقيا‪.‬‬
‫قاؿ الرسوؿ‪ :‬جددوا إيمانكم بال إلو إال اهلل‪ .....‬فبل بد من ٕتديد‬
‫ىذا‪ ،‬كللرجاؿ الصوفية كلهم االتفاؽ على كجوبية الًتبية ُب السلوؾ‬
‫اإلٯتاف لكل من لقي سره كاتصل بو اتصاال حقا‪ ،‬كىذا التجديد اثناف‪:‬‬
‫الصوُب‪ ،‬ألف أ‪٫‬تية كل طرؽ صوفية كجوىريتها ُب الًتبية الركحية‪ ،‬كُّا‬
‫األكؿ‪ :‬التجديد الذم ٭تصل للمريد يوـ لقائو ٔترشده‪ ،‬كىو إٯتانو اَّدد‬
‫امتاز مذىب الصوفية عن ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تذاىب األخرل‪ ،‬ككل طريقة صوفية دل‬
‫ا‪١‬تنبعث من التيقظ كاالنتباه كالتدبر عن من ىو اهلل حيث يتجاكز إٯتانو‬
‫يوجد ُب بضاعتها ىذه الًتبية القلبية فليست ىي ٔتتصلة بالرسوؿ‬
‫‪٣‬ترد اإلٯتاف باهلل‪ ،‬إذل إمكانية معرفتو تعاذل كرؤيتو‪.‬‬
‫ى‬ ‫اتصاال حقيقيا‪ ،‬بل ‪٣‬تازيا خلقيا عبوديا‪ ،‬كىي منقطعة أبًت بالنسبة‬
‫الثاين‪ٕ :‬تديد اإلٯتاف الذم ٭تصل للمريد يوـ اتصالو بسره بوصوؿ تربيتو‬ ‫سر كل‬
‫الستمداد ا‪١‬تعارؼ كا‪ٟ‬تقائق‪ ،‬لكوف الًتبية الركحية الصوفية َّ‬
‫الركحية‪ ،‬كذلك ىو اإلٯتاف الكامل الذم يثبت لو ُب قلبو كجوده‬ ‫كجوىرىا‪.‬‬
‫ى‬ ‫طريقة صوفية‬
‫كمعرفتو كرؤيتو تعاذل‪.‬‬
‫كىذا الدخوؿ الثاين الذم ىو كصوؿ الًتبية للدخوؿ ُب حضرة الوالية‪،‬‬
‫انضم إذل‬
‫مثل الدخوؿ األكؿ‪ ،‬ىبةه إ‪٢‬تية خصوصية‪ ،‬ألنو ليس كل من ٌ‬
‫ى‬

‫‪37‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪34‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫سلك القوـ يفوز بو‪ .‬كمن دل يفز ُّذا الدخوؿ فهو سالك غَت‬ ‫كاَّذكب غَت السالك ىو الصوُب ببل علم الشريعة‪ ،‬كىو األبًت‪.‬‬
‫‪٣‬تذكب‪ ،‬كعليو يقوؿ الشيخ إبراىيم نياس الكو‪٠‬تي ُب كتابو الكربيت‬
‫كالسالك اَّذكب ىو الصوُب الواصل الذم ‪ٚ‬تع بُت الشريعة كالًتبية‬
‫األ‪ٛ‬تر‪ :‬اعلم أف أىل الطريقة على أربعة أقساـ؛ سالك غير‬
‫فقط على منهج الصوفية القدماء كىم أصحاب القطبانية ُب التصوؼ‪،‬‬
‫مجذوب غلب سلوكو على جذبو‪ ،‬وىو ظاىري رسمي‪ ،‬ومجذوب‬ ‫كلذلك قاؿ الشيخ أنو ىو الواصل يكوف من العارفُت‪ ،‬إف كجد من‬
‫غير سالك غلب جذبو على سلوكو‪ ،‬فهو أبتر‪ ،‬وسالك مجذوب‬ ‫يأخذ بيده‪ .‬فيبدك من ذلك للقارئ أف الًتبية ليست بعُت ا‪١‬تعرفة‪ ،‬كإ‪٪‬تا‬
‫أدى سلوكو إلى مقاـ الجذب فهو واصل يكوف من العارفين‪ ،‬إف‬ ‫ىي باُّا فحسب‪.‬‬
‫وجد من يأخذ بيده‪ ،‬ومجذوب سالك تقارف جذبو مع سلوكو‪ ،‬وىو‬
‫كاَّذكب السالك ىو الذم كانت الًتبية بداية سلوكو‪ ،‬كىم التجانيوف‬
‫غالب أصحاب الختم التجاني‪ ،‬وىم اْلكابر‪ .‬وبقي صنف خامس‬
‫الذين يبتدئوف ُب التصوؼ بالًتبية الصوفية‪ ،‬كلذلك قاؿ الشيخ إبراىيم‬
‫ال ناقة لهم في الطريقة وال جمل‪ ،‬وىم من ال سلوؾ لهم وال‬
‫ُب موضع آخر‪ :‬نهاية القوـ بدايتنا‪.‬‬
‫جذب‪ ،‬نعوذ باهلل‪....‬‬
‫كالرجل ا‪٠‬تامس ىو الذم دل يعنت بالطريقة‪ ،‬ال ناقة لو ُب الطريقة كال‬
‫قلت‪ :‬فالسالك غَت اَّذكب ىو ا‪١‬تتصوؼ العلمي‪ ،‬ال شيئ لو ُب‬
‫‪ٚ‬تل‪ ،‬كىو من ال سلوؾ لو كال جذب‪ ،‬نعوذ باهلل‪ ،‬فهو كإف أخذ‬
‫السلوؾ كال عبلقة لو بو‪.‬‬

‫‪35‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪36‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ك لَتَػ ْه ِدي إِلَ َٰى‬ ‫شاء ِمن ِعب ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ادنَا ۚ َوإِنَّ َ‬‫ورا نَّػ ْهدي بِو َمن نَّ َ ُ ْ َ‬
‫َج َعلْنَاهُ نُ ً‬ ‫كىذا اإلٯتاف بأقسامو كمراحلو ىو الذم يعرب عنو القرآف حُت قاؿ‪:‬‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍ‬
‫يم (الشورل ‪.)52‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا‪ ،‬إذا ما‬
‫َ‬
‫اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬ثم اتقوا وآمنوا‪ ،‬ثم اتقوا‬
‫كلذلك قاؿ الرسوؿ‪ :‬إف لي مع ربي وقتا ال يسعني فيو ملك مقرب‪،‬‬
‫وأحسنوا‪ ،‬واهلل يحب المحسنين (ا‪١‬تائدة ‪)93‬‬
‫وال نبي مرسل‪ ،‬أبيت عند ربي‪ ،‬يطعمني ويسقيني‪.‬‬
‫فاإلٯتاف األكؿ ُب اآلية إٯتاف عامة ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬كالثاين إٯتاف خاصتهم‪،‬‬
‫كُب شأف الصحابة‪ ،‬فالرسوؿ ‪٤‬تمد (صلى اهلل عليو كسلم) ىو أستاذىم‬
‫َّى يح ِّكم َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كالثالث إٯتاف أخص خاصتهم‪ ،‬كىم احملسنوف العارفوف‪ ،‬كاهلل ٭تب‬
‫يما َش َج َر‬
‫وؾ ف َ‬ ‫ك َال يُػ ْؤمنُو َف َحت َٰ ُ َ ُ‬ ‫الشرعي‪ ،‬لقولو تعاذل‪َ :‬ال َوَربِّ َ‬
‫ِ‬ ‫احملسنُت‪ ،‬أل الذين كانوا ُب ا‪١‬ترتبة الثالثة من مراتب الدين؛ مرتبة‬
‫سلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫يما‬ ‫ت َويُ َ‬ ‫بَػ ْيػنَػ ُه ْم ثُ َّم َال يَ ِج ُدوا فِي أَن ُف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِّم َّما قَ َ‬
‫ض ْي َ‬
‫اإلحساف اليت قاؿ عنها الرسوؿ‪ :‬اإلحساف أف تعبد اهلل كأنك تراه‪،‬‬
‫(النساء ‪.)65‬‬
‫أل حىت تراه‪.‬‬
‫كالكتاب كالسنة ‪٫‬تا شيخهم اَّازم‪ ،‬لقولو ُب األحزاب‪َ :‬وَما َكا َف‬
‫فالنتيجة األخَتة ا‪١‬تستنبطة من كل ما سبق من البياف ىي أف كصوؿ‬
‫ضى اللَّوُ ورسولُوُ أَمرا أَف ي ُكو َف لَهم ال ِ‬
‫ْخيَػ َرةُ‬ ‫ُُ‬ ‫ََ ُ ًْ َ‬ ‫لِ ُم ْؤِم ٍن َوَال ُم ْؤِمنَ ٍة إِذَا قَ َ‬
‫تربية ا‪١‬تريد الركحية الصوفية الصحيحة إذل حضرة سره ىو سر النكاح‬
‫ض َال ًال ُّمبِينًا‬ ‫ص اللَّوَ َوَر ُسولَوُ فَػ َق ْد َ‬
‫ض َّل َ‬ ‫ِم ْن أ َْم ِرِى ْم ۚ َوَمن يَػ ْع ِ‬
‫عند العارفُت احملققُت بوالدتو الثانية ُب عادل األركاح‪.‬‬
‫(األحزاب ‪.)36‬‬

‫‪41‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪38‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كالشيخ ا‪ٟ‬تقيقي ىو ا‪١‬ترشد العارؼ بالًتبية‪ ،‬كيوجد مثاؿ ذلك ُب النيب‬


‫‪٤‬تمد (صلى اهلل عليو كسلم)‪ ،‬فإف جربيل (عليو السبلـ) أستاذه‬
‫ك الَّ ِذي َخلَ َق (العلق ‪ ،)1‬كقولو‪:‬‬ ‫الشرعي‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬اقْرأْ بِ ْ‬
‫اس ِم َربِّ َ‬
‫ب ِز ْدنِي‬ ‫آف ِمن قَػ ْب ِل أَف يُػ ْق َ‬
‫ض َٰى إِلَْي َ‬
‫ك َو ْحيُوُ ۚ َوقُل َّر ِّ‬ ‫وَال تَػ ْعجل بِالْ ُقر ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِعل ًْما (طو ‪.)114‬‬

‫اْلستاذ الشرعي والعارؼ المرشد‪:‬‬ ‫كالقرآف الكرًن ىو شيخو اَّازم‪ ،‬قاؿ تعاذل‪َ :‬واتَّبِ ْع َما يُ َ‬
‫وح َٰى إِلَْي َ‬
‫ك‬
‫ين (يونس ‪ .)109‬كُب‬ ‫َّى ي ْح ُكم اللَّوُ ۚ و ُىو َخ ْيػر ال ِ ِ‬ ‫و ِْ‬
‫إف ا‪١‬تعلٍّمُت ثبلثة‪ :‬األستاذ الشرعي أك الفٍت‪ ،‬كالشيخ اَّازم‪ ،‬كالشيخ‬ ‫ْحاكم َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫اصب ْر َحت َٰ َ َ‬ ‫َ‬
‫ا‪ٟ‬تقيقي‪.‬‬ ‫ك إِ َّف اللَّوَ َكا َف بِ َما‬‫ك ِم ْن َربِّ َ‬ ‫األحزاب قاؿ‪َ :‬واتَّبِ ْع َما يُ َ‬
‫وحى إِلَْي َ‬
‫تَػ ْع َملُو َف َخبِ ًيرا (األحزاب ‪.)2‬‬
‫فاألستاذ الشرعي أك الفٍت ىو ا‪١‬تعلم الذم يعلم الطبلب الشريعة أك‬
‫فنوف العلوـ ُب ا‪١‬تدرسة كا‪ٞ‬تامعة‪ ،‬كالشيخ اَّازم ىو علم الشريعة (أل‬ ‫كاهلل سبحانو كتعاذل شيخو كمرشده ا‪ٟ‬تقيقي‪ ،‬لقولو (صلى اهلل عليو‬
‫الكتاب كالسنة)‪ ،‬باالتباع كالرجوع إليهما ُب كل أمر ذم باؿ‪.‬‬ ‫ك أ َْو َح ْيػنَا‬‫أدبني ربي‪ ،‬وأحسن تأديبي‪ ،‬كلقولو تعاذل‪َ :‬وَك ََٰذلِ َ‬ ‫كسلم)‪ّ :‬‬
‫يما ُف َوَٰلَ ِكن‬ ‫اب َوَال ِْ‬
‫اإل َ‬
‫ِ‬
‫نت تَ ْد ِري َما الْكتَ ُ‬
‫وحا ِّم ْن أ َْم ِرنَا ۚ َما ُك َ‬ ‫إِلَْي َ‬
‫ك ُر ً‬

‫‪39‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪40‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الموت والقيامة عند الصوفية‪:‬‬ ‫كالرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم) أيضا ىو شيخهم ا‪ٟ‬تقيقي بدليل ما‬

‫إف ا‪١‬توت ثبلثة‪ :‬عاـ كخاص كأخص‪.‬‬ ‫علي عند ما ذىب إذل الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‬
‫ركم عن سيدنا ٌ‬
‫بعد ما أشارىم إذل ٕتديد اإلٯتاف‪ ،‬كقاؿ‪ :‬دلني على أقرب الطرؽ إلى‬
‫أما العاـ فهو الذم يذكقو كل خلق من إنس كجن‪ ،‬كحيوانات‬
‫ك‪ٚ‬تادات‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬لكل أمة أجل‪ ،‬فإذا جاء أجلهم ال‬ ‫اهلل عز وجل وأسهلها على العباد‪ ،‬وأفضلها عند اهلل تعالى‪ ،‬فقاؿ‬
‫يستأخروف ساعة وال يستقدموف (األعراؼ ‪.)45‬‬ ‫علي عليك بمداومة ذكر اهلل‬
‫رسوؿ اهلل (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬يا ّ‬
‫فاإلنس كا‪ٞ‬تن كا‪ٟ‬تيوانات يذكقوف ا‪١‬توت بنزع األركاح منهم‪.‬‬ ‫عز وجل‪ ،‬سرا وجهرا‪ ،‬فقاؿ علي رضي اهلل عنو‪ :‬كل الناس ذاكروف‬
‫يا رسوؿ اهلل‪ ،‬وإنما أريد أف تخصني بشيئ‪ ،‬فقاؿ الرسوؿ (صلى اهلل‬
‫كا‪ٞ‬تمادات تذكؽ ا‪١‬توت با‪٢‬تبلؾ‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬إذا السماء انفطرت‪،‬‬
‫علي‪ ،‬أفضل ما قلت أنا والنبيوف من قبلي‪ :‬ال‬
‫عليو كسلم)‪ :‬مو يا ّ‬
‫وإذا الكواكب انتثرت‪ ،‬وإذا البحار سجرت (االنفطار ‪.)4 – 2‬‬
‫كورت‪ ،‬وإذا النجوـ انكدرت‪ ،‬وإذا الجباؿ‬ ‫إلو إال اهلل‪ ،‬ولو أف السموات السبع‪ ،‬واْلرضين السبع‪ ،‬في كفة وال‬
‫كقاؿ‪ :‬إذا الشمس ّ‬
‫سيّرت‪ ،‬وإذا العشار عطّلت‪ ،‬وإذا الوحوش حشرت (التكوير ‪– 2‬‬ ‫إلو إال اهلل في كفة‪ ،‬لرجحت ال إلو إال اهلل‪.....‬‬
‫‪.)6‬‬
‫ىكذا كجب على كل مريد صادؽ ىؤالء ا‪١‬تعلموف الثبلثة‪ ،‬كقد ‪٬‬تمع‬
‫كأما ا‪١‬توت ا‪٠‬تاص فهو ‪٥‬تتص بكل ذم ركح دكف غَته من ا‪٠‬تلق‪ ،‬قاؿ‬ ‫اهلل لبعض ا‪١‬تريدين أستاذه الشرعي كأستاذه ا‪ٟ‬تقيقي ُب رجل كاحد‪.‬‬
‫تعاذل‪ :‬قل إف الموت الذي تفروف منو‪ ،‬فإنو مالقيكم‪ ،‬ثم تردوف إلى‬

‫‪45‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪42‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كىا ‪٨‬تن ننصح ىؤالء ا‪١‬تتصوفُت النظريُت أف يضيفوا القسم العملي إذل‬ ‫كقاؿ تعاذل ُب موضع آخر‪ :‬يسألونك عن اْلىلة‪ ،‬قل ىي مواقيت‬
‫النظرم‪ ،‬كيدخلوا ُب السلوؾ كافة بالبيعة كالتلقُت على يد مرشد‬ ‫للناس والحج‪ ،‬وليس البر بأف تأتوا البيوت من ظهورىا‪ ،‬ولكن البر‬
‫عارؼ‪ ،‬كى ال يكونوا كنصف الطبيب الذم ي ٌدعي ا‪١‬تهارة ُب التطبيب‬ ‫من اتقى‪ ،‬وأتوا البيوت من أبوابها‪ ،‬واتقوا اهلل‪ ،‬لعلكم تفلحوف‬
‫لكنو يتلف األبداف كيهلك األنفس‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬يا أيها الذين آمنوا‬ ‫(البقرة ‪.)189‬‬
‫ادخلوا في السلم كافة‪ ،‬وال تتبعوا خطوات الشيطاف‪( .... ،‬البقرة‬
‫فلو أف ىؤالء ا‪١‬تتصوفُت التصوؼ العلمي صربكا كانقادكا لعارؼ كامل‬
‫‪ .)208‬فقولو ادخلوا في السلم أل الدخوؿ ُب اإلسبلـ اَّدد‬
‫بالبيعة على يديو كى يفوزكا بالًتبية الركحية الصحيحة لفازكا بتلك‬
‫باالنقياد لورل عارؼ يدلٌكم على اهلل‪ ،‬وال تتبعوا خطوات الشيطاف‬
‫الًتبية الركحية اليت ىي األىلٌة كما أشار إليها اآلية السابقة‪ ،‬كا‪١‬تواقيت‬
‫أل التكرب كاألىواء النفسانية كما قاؿ الشيطاف متكربا على آدـ‪ :‬قاؿ‬ ‫ُب اآلية ىي معرفة أزماف ٕتليات اهلل‪ ،‬كا‪ٟ‬تج ىو الزيارة إذل تلك‬
‫أنا خير منو‪ ،‬خلقتني من نار‪ ،‬وخلقتو من طين‪ .....‬كذلك يرل‬ ‫التجليات‪ ،‬ىذه من ناحية‪.‬‬
‫بعض ا‪١‬تتصوفُت النظريُت أهنم أعلم من الورل العارؼ‪ ،‬فيغلب عليهم‬
‫يخفي ‪٢‬تم ٖتت علومهم‬
‫ٍب من ناحية أخرل إهنم لو صربكا لفازكا ٔتا أ ٍ‬
‫ىذا التكرب‪ٍ .‬ب قاؿ الشيطاف ُب موضع آخر‪ :‬قاؿ أنا أكبر منو‪....‬‬
‫الشرعية من ا‪ٟ‬تقائق العرفانية‪ ،‬طبقا لقولو تعاذل‪ :‬فال تعلم نفس ما‬
‫كذلك يرل أىل التصوؼ العلمي أهنم أكرب من العارؼ شهرة ك‪ٚ‬تاعة‪،‬‬
‫قرة أعين‪ ،‬جزاء بما كانوا يعملوف (السجدة ‪.)17‬‬
‫أخفي لهم من ّ‬
‫كماال كجاىا‪ ،‬فييػ ٍع ًمي ًهم ذلك عن االنقياد لو‪.‬‬

‫‪43‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪44‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫عالم الغيب والشهادة‪ ،‬فينبئكم بما كنتم تعملوف (ا‪ٞ‬تمعة)‪ ،‬كقاؿ‪:‬‬


‫كل نفس ذائقة الموت‪ ،‬وإنما توفّوف أجوركم يوـ القيامة‪ ....‬كقاؿ‪:‬‬
‫الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال‪ ،‬وىو العزيز‬
‫ووقاىم عذاب الجحيم‪ :‬ال يلحق ُّم عذاب نار القيامة‬
‫الغفور (ا‪١‬تلك ‪.)3‬‬
‫فضال من ربك‪ :‬ىبة كر‪ٛ‬تة اختصاصية ‪٢‬تم‬
‫كىو أنواع؛ منها ا‪١‬ترض‪ ،‬النوـ الطبيعي ا‪١‬تعتاد عليو‪ ،‬ا‪ٞ‬تهل عن‬
‫وىو الفوز العظيم‪ :‬كىو ا‪ٞ‬تزاء األكرب للمحسنُت‪ ،‬لقولو تعاذل ُب‬ ‫بصحة البدف‪ ،‬كالنوـ اَّازم‬
‫الشريعة‪ .‬أما ا‪١‬ترض فتكوف القيامة منو ٌ‬
‫موضع آخر‪ :‬ىل جزاء اإلحساف إال اإلحساف (الر‪ٛ‬تن)‪.‬‬ ‫ٖتصل القيامة منو بالتيقظ‪ ،‬كا‪ٞ‬تهل قيامتو التعلم‪.‬‬

‫قاؿ شاعر‪:‬‬

‫الجاىلوف فموتى قبل موتهم ‪ #‬والعالموف وإف ماتوا فأحياء‬

‫كأما ا‪١‬توت األخص فهو موت ا‪١‬تريدين السالكُت بالغفلة عن اهلل‪ ،‬لقولو‬
‫تعاذل‪ :‬لقد كنت في غفلة من ىذا‪ ،‬فكشفنا عنك غطاءؾ فبصرؾ‬
‫اليوـ حديد (ؽ ‪ .)33‬كقاؿ الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬الناس‬
‫نياـ‪ ،‬وإذا ماتوا انتبهوا‪.‬‬

‫‪49‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪46‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫إف للعارفُت مفهوما خاصا ُب سلوكهم الصوُب عن ا‪١‬توت كالقيامة‪ ،‬بناء‬ ‫جنات‪ :‬جنات القلوب أك حياة القلوب‬
‫على قولو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬من مات فقد قامت قيامتو‪ ،‬كىذا‬
‫عيوف‪ :‬ا‪ٟ‬تقائق كا‪١‬تعارؼ كاألسرار الربانية‬
‫ا‪١‬توت عندىم ىو ا‪١‬توت ا‪ٟ‬تقيقي الذم يورثهم ا‪ٟ‬تياة األبدية اليت ال‬
‫يذكقوف بعدىا موتا إال ا‪١‬توتة األكذل‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬إف المتقين في مقاـ‬ ‫سندس‪ :‬يرتدكف رداء ا‪ٟ‬تقائق كا‪١‬تعارؼ كاألسرار‬
‫أمين‪ ،‬في جنات وعيوف‪ ،‬يلبسوف من سندس وإستبرؽ متقابلين‪،‬‬ ‫إستبرؽ‪ :‬يتؤلأل كيتظاىر ُب أجسامهم ككجوىهم أنوار ا‪١‬تعارؼ الربانية‪،‬‬
‫كذلك وزوجناىم بحور عين‪ ،‬يدعوف فيها بكل فاكهة آمنين‪ ،‬ال‬ ‫كقاؿ تعاذل‪ :‬سيماىم في وجوىهم من أثر السجود‪( ....‬الفتح)‬
‫يذوقوف فيها الموت إال الموتة اْلولى‪ ،‬ووقاىم عذاب الجحيم‪،‬‬
‫متقابلين‪ :‬جالسُت ُب دائرة األكلياء‬
‫فضال من ربك‪ ،‬ذلك ىو الفوز العظيم (الدخاف ‪)68 – 62‬‬
‫حور عين‪ :‬ا‪١‬تريدكف ألف فيهم األنوار‬
‫ف ػ ػ ػ ػ المتقوف ُب اآلية‪ :‬ىم الصوفيوف الذين أكرثهم اهلل حقيقة التقول ُب‬
‫السلوؾ‪ ،‬حىت كصلوا إذل درجة ا‪١‬تعرفة اإل‪٢‬تية‪ ،‬لقولو ُب موضع آخر‪:‬‬ ‫يدعوف بكل فاكهة آمنين‪ :‬يستمدكف فيها بكل معرفة موقنُت ُّا‬
‫اتقوا اهلل حق تقاتو‪ .....‬واتقوا اهلل ويعلمكم اهلل‪ .....‬كركم ُب ا‪٠‬ترب‬ ‫وال يذوقوف فيها الموت‪ :‬ال يدركهم فيها أم موت‬
‫ا‪١‬تشهور عن النيب (صلى اهلل عليو كسلم) أنو قاؿ‪ :‬إنما سمي المتقوف‬
‫إال الموتة اْلولى‪ :‬سول ا‪١‬توت الذم ذاقوه قبل كصو‪٢‬تم إذل ذلك‬
‫متقين لتركهم ما ال بأس بو حذرا عما بو بأس‪.‬‬
‫ا‪١‬تقاـ‬
‫المقاـ اْلمين ُب اآلية‪ :‬مقاـ ا‪١‬تعرفة‪ ،‬كىو البلد األمُت ُب القرآف‬

‫‪47‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪48‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫يتركوا أف يقولوا آمنا‪ ،‬وىم ال يفتنوف؟ ولقد فتنّا الذين من قبلهم‪،‬‬ ‫الموتة اْلولى للمريدين قبل الوصوؿ‪:‬‬
‫وليعلمن اهلل الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (العنكبوت ‪.)2‬‬
‫ك‪٢‬تذه ا‪١‬توتة درجات عند العارفُت‪ ،‬كىي تقع على حسب أحواؿ‬
‫ك‪١‬تا ماتوا ىذه ا‪١‬توتات كفازكا با‪١‬تعرفة اليت يطلبوف‪ ،‬قاؿ تعاذل ُب شأهنم‪:‬‬ ‫ٯتر على درجات ا‪١‬توت ىذه قبل‬
‫السالك ُب سلوكو‪ ،‬فما من مريد دل ٌ‬
‫أف يناؿ الكماؿ ُب الوالية‪ ،‬كىي أريعة أنواع‪:‬‬
‫َحيَاءٌ ِع ْن َد َربِّ ِه ْم‬ ‫وَال تَحسب َّن الَّ ِذين قُتِلُوا فِي سبِ ِ ِ‬
‫يل اللَّو أ َْم َواتًا بَ ْل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫يُػ ْرَزقُو َف (آؿ عمراف‪ ....)569:‬أل ٯت ٌدىم اهلل با‪١‬تعارؼ من لدنو‬ ‫‪ - 1‬الموت اْلبيض‪ :‬كىو كاجب ُب السلوؾ إذل اهلل‪ ،‬أال كىو ا‪ٞ‬توع‪،‬‬
‫كبا‪١‬تعاين ا‪ٞ‬تديدة ُب كل شيئ‪.‬‬ ‫فبل بد للسالك منو‪ ،‬كلو كاف موسعا عليو ُب الرزؽ‪ .‬كىو أبيض ألنو‬
‫ي ٌنور الباطن كيبيٌض كجو القلب‪ ،‬كإذا دل يشبع ا‪١‬تريد السالك بل ال يزاؿ‬
‫ٍب إنو بعد ٘تاـ ىذه ا‪١‬توتات كمراقبة العهود السابقة تقع الوالية ا‪ٟ‬تق‬
‫جوعاف فقد مات ا‪١‬توت األبيض‪ ،‬كحينئذ ٖتيا فطنتو‪ ،‬ألف البطنة ٘تيت‬
‫اليت ال مطمع لغَتىم فيها‪ ،‬كال يبلغ غَتىم مستواىا‪ ،‬ألهنم ينظركف بنور‬
‫الفطنة‪.‬‬
‫اهلل‪ ،‬كيتكلموف بلساف اهلل‪ ،‬كيبطشوف بيد اهلل‪ ،‬كٯتشوف برجل اهلل‪ ،‬إف‬
‫يسألوا اهلل يعطهم‪ ،‬كإف شغلهم ذكره عن السؤاؿ فلن ينساىم فيما‬ ‫‪ - 3‬الموت اْلخضر‪ :‬ىو شدة الفقر‪ ،‬فبل بد لكل سالك منو قبل‬
‫عنده‪ ،‬كلينصرهنم على من عاداىم‪ ،‬كىم عيوف اهلل ُب األرض‪.‬‬ ‫الوصوؿ كلو كاف غنيا‪ .‬كىو أيضا لبس ا‪١‬ترقع ا‪٠‬تلق ا‪١‬تلقاة اليت ال قيمة‬
‫‪٢‬تا‪ ،‬كإذا اقتنع من لبس ا‪ٞ‬تميل كاقتصر على ما يسًت عورتو قدر ما‬
‫كىكذا يسَت ا‪١‬تريد السالك سَته حىت يبلغ درجة القطب‪ ،‬ك‪٬‬تعلو اهلل‬
‫يقيم ُّا الصبلة الشرعية‪ ،‬بل أصبح خامبل ‪ٜ‬توال ربانيا عن زخارؼ‬
‫ك يَ ْخلُ ُق َما‬
‫إف شاء من األبداؿ أك األكتاد‪ ،‬أك ‪٬‬تعلو فردا جامعا‪َ ،‬وَربُّ َ‬
‫ا‪ٟ‬تياة الدنيا كمبلىيها كرفاىياهتا‪ ،‬فقد مات ا‪١‬توت األخضر الخضرار‬

‫‪53‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪50‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫عيشو بالقناعة كنضرة كجهو بنصرة ا‪ٞ‬تماؿ الذاٌب‪ .‬كىذا ا‪١‬توت أيضا‬ ‫كىذا ىو ا‪١‬توت األكرب للمريدين السالكُت‪ ،‬ا‪ٞ‬تامع ‪ٞ‬تميع ا‪١‬توتات‬
‫الزـ ضركرم للسالك الصوُب‪.‬‬ ‫ا‪١‬تذكورة‪.‬‬

‫‪ -4‬الموت اْلسود‪ :‬كىو شدة الببلء كاإلذاية عند الناس‪ .‬كىو‬ ‫كُّذه ا‪١‬توتات يدخل السالك إذل حضرة الوالية دخوال تاما‪ ،‬ك‪٢‬تذه‬
‫احتماؿ األذل من ا‪٠‬تلق‪ ،‬ألنو إذا دل ‪٬‬تد حرجا ُب نفسو من أذاىم‪،‬‬ ‫ا‪١‬توتات آيات جامعة‪.‬‬
‫كال تتأدل نفسو‪ ،‬بل تلت ٌذ بو لكونو يراه من ‪٤‬تبوبو‪ ،‬فقد مات ا‪١‬توت‬ ‫ص ِم َن ْاْل َْم َو ِاؿ َو ْاْلَنْػ ُف ِ‬
‫وع َونَػ ْق ٍ‬ ‫شي ٍء ِمن ال َ ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ْج ِ‬
‫ْخ ْوؼ َوال ُ‬ ‫َولَنَْبػلَُونَّ ُك ْم ب َ ْ َ‬
‫األسود‪ ،‬كىو فناء ُب اهلل لشهوده األذل معو برؤية األفعاؿ ُب فعل‬ ‫ش ِر َّ ِ‬ ‫والثَّمر ِ‬
‫ين (‪)555‬‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫ات َوبَ ِّ‬ ‫َ ََ‬
‫‪٤‬تبوبو‪ ،‬بل برؤية نفسو كنفسهم فانُت ُب ‪٤‬تبوب‪ ،‬كحينئذ ٭تيا بوجود‬
‫صيبةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّ ِو وإِنَّا إِلَْي ِو ر ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ا‪ٟ‬تق من إمداد حضرة الود ا‪١‬تطلق‪ .‬كقاؿ تعاذل‪ :‬وجعلنا بعضكم لبعض‬ ‫اجعُو َف (‪)556‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين إِ َذا أ َ‬
‫َصابَػ ْتػ ُه ْم ُم َ‬ ‫الذ َ‬
‫فتنة أتصبروف‪ ،‬وكاف ربك بصيرا (الفرقاف)‪.‬‬ ‫ات ِم ْن َربِّ ِه ْم َوَر ْح َمةٌ َوأُولَئِ َ‬
‫ك ُى ُم ال ُْم ْهتَ ُدو َف‬ ‫ك َعلَْي ِه ْم َ‬
‫صلَ َو ٌ‬ ‫أُولَئِ َ‬
‫(البقرة‪)557:‬‬
‫‪ -5‬الموت اْلحمر‪ :‬ىو ‪٥‬تالفة ا‪١‬تريد للنفس ُب ىواىا كجهلها عن اهلل‬
‫كعن األشياء‪ ،‬لقولو (صلى اهلل عليو كسلم) رجعنا من الجهاد‬ ‫كبياف ىذه اآليات ىو أف ىؤالء السالكُت يفتنهم اهلل بكل ما ذكر ُب‬
‫اْلصغر وعليكم بالجهاد اْلكبر‪ ،‬قالوا يا رسوؿ اهلل‪ ،‬وما الجهاد‬ ‫القرآف من جوع كنقص ُب األمواؿ كاألنفس كالثمرات‪ ،‬ال ألهنم كانوا‬
‫اْلكبر؟ قاؿ مخالفة النفس وجهادىا‪.‬‬ ‫فقراء أك كانوا مسيئُت حىت أصاُّم تلك ا‪١‬توتات‪ ،‬لكن ألهنم يسلكوف‬
‫سبيل اهلل ‪١‬تعرفتو‪ ،‬كرضوا بكل كاحدة من تلك ا‪١‬توتات إذ ىي ‪٢‬تم‬
‫امتحانات ربانية‪ ،‬كتتمرينات إ‪٢‬تية‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬أأحسب الناس أف‬

‫‪51‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪52‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الثاين‪ :‬الذين رأكا جواز معرفتو كرؤيتو‪ ،‬لكن معرفتو تكوف ُب الدينا‬ ‫ْخيَػ َرةُ ُس ْب َحا َف اللَّ ِو َوتَػ َعالَى َع َّما يُ ْش ِرُكو َف‬
‫شاء وي ْختَار ما َكا َف لَهم ال ِ‬
‫ُُ‬ ‫يَ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫بالعقل‪ ،‬كرؤيتو تعاذل تكوف ُب اآلخرة‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬وجوه يومئذ ناضرة‬ ‫(القصص‪)68:‬‬
‫إلى ربها ناظرة (القيامة ‪ ،)23 – 22‬أال‪ ،‬كىم الفبلسفة ا‪١‬تسلموف‬ ‫يصل ا‪١‬تريد بعد ىذه ا‪١‬توتات إذل حضرة ا‪١‬تعرفة‪ ،‬كىذه ا‪١‬تعارؼ ىي‬
‫كعلماء التوحيد‪.‬‬ ‫الصلوات كالر‪ٛ‬تة من اهلل على العارفُت‪ ،‬طبقا ‪١‬تا قاؿ ُب آخر اآلية‬
‫ات ِم ْن َربِّ ِه ْم َوَر ْح َمةٌ َوأُولَئِ َ‬
‫ك ُى ُم‬ ‫السابقة‪ :‬أُولَئِ َ‬
‫ك َعلَْي ِه ْم َ‬
‫صلَ َو ٌ‬
‫كا‪١‬تعرفة عندىم ىي أف ىذه األشباح كا‪١‬توجودات داللة عقلية على‬
‫ال ُْم ْهتَ ُدو َف (البقرة‪.)557:‬‬
‫وج ود أكجده‪ ،‬كال‬
‫موجود ببل م ً‬
‫ي‬
‫و‬ ‫كجود‬
‫ٯتكن ي‬‫كجوده تعاذل‪ ،‬حيث ال ي‬
‫يكوف األثر إال كلو مؤثر‪ ،‬كذلك أيضا يعٍت شيئا من االستسبلـ‬
‫التربية والقيامة عند الصوفية‪:‬‬
‫كاإلٯتاف‪ .‬كىم يعملوف باآليات القرآنية اليت تدعو إذل النظر ُب آيات‬
‫الكوف‪ ،‬مثل قولو تعاذل‪ :‬أفال ينظروف إلى اإلبل كيف خلقت‪ ،‬وإلى‬ ‫إف م ٌدة كوف ا‪١‬تريد ُب كل كاحد من تلك ا‪١‬توتات ىي كونو ُب القرب‪،‬‬
‫كال يستطيع أف ٮترج نفسو من القرب إال بأمر اهلل‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬يوـ ال‬
‫الجباؿ كيف نصبت‪ ،‬وإلى السماء كيف رفعت‪ ،‬وإلى اْلرض كيف‬
‫تملك نفس لنفس شيئا‪ ،‬واْلمر يومئذ هلل‪ ....‬كقاؿ الرسوؿ (صلى‬
‫سطحت‪( .....‬الغاشية ‪ )20 – 17‬كما أشبو ذلك‪.‬‬
‫اهلل عليو كسلم)‪ :‬ما منكم من أحد إال سيكلمو ربو‪ ،‬ليس بينو وبينو‬
‫الثالث‪ :‬الذين اعتقدكا كأيقنوا أنو ٯتكن معرفتو كرؤيتو معا ُب الدنيا‬ ‫ترجماف‪ ،‬فينظر اْليمن منو فال يرى إال ما ق ّدـ‪ ،‬وينظر اْلشأـ فال‬
‫كاآلخرة‪ ،‬كىم الصوفيوف‪ ،‬كا‪١‬تعرفة عندىم ٗتتلف ٘تاما عن ا‪١‬تعرفة‬

‫‪57‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪54‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫يرى إال ما ق ّدـ‪ ،‬وينظر بين يديو فال يرى إال النار تلقاء وجهو‪،‬‬ ‫قبورىم‪ ،‬ككصوؿ الًتبية الصحيحة ىو البعث ا‪ٟ‬تقيقي بعد ا‪١‬توت‪ ،‬كما‬
‫فاتقوا النار ولو بشق تمرة‪.‬‬ ‫قاؿ الرسوؿ ُب ا‪ٟ‬تديث السابق الذكر‪ :‬من مات فقد قامت قيامتو‪.‬‬

‫ٍب تكوف قيامتو كبعثتو بوصولو إذل اهلل ُب تربيتو الركحية الصحيحة لقولو‬ ‫رؤية اهلل ومعرفتو‪:‬‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬من مات فقد قامت قيامتو‪ .‬كىذا موافق ‪١‬تا‬
‫اختلف علماء األمة ُب جواز القوؿ أف رؤية اهلل ‪٦‬تكنة‪ ،‬ألف كلمىت‬
‫ُب اعتقاد علماء الشريعة أنو بعد البعثة يقف اإلنساف أماـ اهلل‪ ،‬ذلك‬
‫الرؤية كا‪١‬تعرفة معلومتاف ُب اإلسبلـ‪ ،‬أما ٖتقيقهما فمجهوؿ‪ ،‬كفيو‬
‫ألف ا‪١‬تريد إذا كصل فإنو يقوـ أماـ اهلل كيعرفو معرفة حقيقية‪.‬‬
‫االختبلؼ‪ ،‬كعلى ذلك انقسم العلماء إذل ثبلثة أصناؼ‪:‬‬
‫ٍب إف ا‪١‬تريد السالك إذا صار عارفا ٯتوت موتة أخرل‪ ،‬كىي أكرب‬
‫التاـ‪،‬‬
‫ا‪١‬توتات للعارفُت‪ ،‬كىي عدـ االلتفات عن اهلل‪ ،‬كسلب اإلرادة ٌ‬ ‫األكؿ‪ :‬الذين اعتقدكا أف اهلل ال ٯتكن معرفتو كال رؤيتو البتة‪ ،‬كإ‪٪‬تا البلزـ‬
‫كنفي ا‪١‬تشيئة كا‪١‬تطالب‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬ما زاغ البصر وما طغى‪.‬‬ ‫علينا ‪ُ -‬ب اعتقادىم ‪ -‬االستسبلـ لو كاإلٯتاف بوجوده تعاذل‪ .‬كبنوا‬
‫كقاؿ أىل الفقو‪ :‬إف التائب العائد إذل ذنبو كالكلب العائد إذل قيئو‪.‬‬ ‫عقيدهتم ىذه على قولو تعاذل ُب القرآف‪ :‬ال تدركو اْلبصار‪ ،‬وىو‬
‫قلت‪ :‬كىكذا ا‪١‬تريد الواصل إذا التفت إذل ‪٤‬تبة الدنيا أك الغَت بعد‬ ‫يدرؾ اْلبصار‪ ،‬وىو اللطيف الخبير (األنعاـ ‪ .)103‬كعلى قولو‬
‫كصوؿ تربيتو‪ ،‬فهو كالكلب العائد إذل قيئو‪.‬‬ ‫تعاذل‪ :‬ليس كمثلو شيئ في اْلرض وال في السماء‪ ،‬وىو السميع‬
‫يظهر للقارئ جليا من كل ما سبق أف الًتبية الصوفية الصحيحة ىي‬ ‫العليم (الشورل ‪.)11‬‬
‫ا‪١‬توت ا‪ٟ‬تقيقي عند العارفُت‪ ،‬كا‪١‬تدة ا‪١‬تستغرقة قبل كصوؿ الًتبية ىي‬

‫‪55‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪56‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫يػيىرل‪ ،‬كينصحو أف يؤمن ثانيا بإمكانية رؤيتو تعاذل‪ ،‬ألف اإلٯتاف‬ ‫اإلشارية اليت اعتقدىا أصحاب الصنف الثاين‪ ،‬فإهنم عرفوه حقيقة كرأكه‬
‫بإمكانيتها مق ٌدـ على الرؤية‪ ،‬كإال فالتوىم يكوف دائما حجابا يسده‬ ‫رؤية صادقة بقلوُّم‪ ،‬ال تشبيهية كال ٘تثيلية‪.‬‬
‫عنها حىت قياـ الساعة‪.‬‬
‫كلتسليط األضواء على تلك األقساـ الثبلثة أماـ القراء نقوؿ‪ :‬إف بعض‬
‫إثبات رؤية اهلل عند الصوفية‪:‬‬ ‫حرموا القوؿ ُب معرفة اهلل‪ ،‬فضبل عن رؤيتو تعاذل‪ ،‬ككل من قاؿ‬
‫العلماء ٌ‬
‫ٔتعرفتو كرؤيتو عندىم فقد رجم الغيب‪ ،‬ألف اهلل تعاذل – ُب ظنوهنم –‬
‫يؤخذ من كل ما سبق من البياف أنو ٯتكن كل إمكاف رؤيتو تعاذل‬
‫ُب ا‪ٟ‬تجاب‪ ،‬كأنو حجبو عن الناس حاجب يس ٌد عن معرفتو كرؤيتو‬
‫بالًتبية الركحية الصوفية الصحيحة‪ ،‬فينبغي للمريد إذا شرع ُب الًتبية‬
‫تعاذل‪ ،‬كأف ىتك ذلك ا‪ٟ‬تاجب عنو حراـ ُب الدين‪ ،‬كاألمر ٓتبلؼ ما‬
‫الركحية أف ‪٬‬تتنب من مطالعة كتب العقيدة ‪١‬تا فيها من عبارات تناقض‬
‫زعموا‪.‬‬
‫إٯتانو بإمكانية رؤيتو تعاذل‪ ،‬مثل قو‪٢‬تم‪ :‬ال فوؽ‪ ،‬كال ٖتت‪ ،‬كال ٯتُت كال‬
‫مشاؿ‪ ،‬كال يقاؿ لو كيف‪ ،‬كال كم‪ ،‬كال أين‪ ......‬كما أشبو ذلك من‬ ‫فا‪ٟ‬تقيقة أنو ليس ىناؾ حجاب ٭تجب اهلل عن الرؤية كا‪١‬تعرفة‪ ،‬لكن‬
‫كتب العقائد التوحيدية‪ ،‬ألف ذلك يبعده عن رؤيتو تعاذل با‪ٟ‬تقيقة‪.‬‬ ‫اإلنساف ىو الذم يتوىم ُب نفسو كجود حجاب يسده عنو تعاذل‪،‬‬
‫كذلك لعدـ القدرة على رؤيتو تعاذل من يوـ كالدتو‪ ،‬فأصبح يظن أف‬
‫ككذلك ينبغي لو عند تربيتو الركحية أف ‪٬‬تانب التفكر كالتدبر ُب معاين‬
‫ىذه ا‪١‬توجودات ىي اليت ٖتجب اهلل‪ ،‬كأف اهلل ُب كراء ىذه ا‪١‬توجودات‪،‬‬
‫كثَت من آيات القرآف كاألحاديث النبوية على كجو ظاىر معنا‪٫‬تا‪ ،‬مثل‬
‫كظن اإلنساف أنو ال يقدر على اإلحاطة با‪١‬توجودات‪ ،‬بل ال يقدر على‬
‫ٌ‬

‫‪61‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪58‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫رؤية هنايتها‪ ،‬فأىن ٯتكن لو رؤية ما بعدىا‪ ،‬كىو اهلل‪ .‬فكأف اهلل عندىم‬ ‫قلت‪ :‬كمثل اإلنساف ُب ذلك كاألعمى الذم ال يرل ىذه األشباح‬
‫موجود ُب منتهى السموات‪ ،‬أك ُب منتهى األرضُت‪ ،‬أك ُب منتهى ا‪١‬تياه‪،‬‬ ‫ا‪١‬توجودة‪ ،‬فإف عدـ رؤيتو لؤلشباح ال ينفي كجودىا كثبوهتا ‪١‬تن يرل‪،‬‬
‫بل ُب خفايا شيئ ما‪ ،‬أك ُب غيب يشبو ببلط ا‪١‬تلك الذم ال ٮترج‬ ‫فهذه األشباح ظاىرة جدا‪ .‬ىكذا كاف األمر ُب من ال يرل ظهوره‬
‫منو‪ ،‬فصارت ىؤالء األشباح ُب نظرىم ىيئة كثيفة حجبت اهلل تعاذل‬ ‫تعاذل بالقلب‪ ،‬فذلك األعمى كال ريب‪ .‬قاؿ تعاذل‪ :‬فإنها ال تعمى‬
‫عن الرؤية‪.‬‬ ‫اْلبصار‪ ،‬ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (ا‪ٟ‬تج ‪.)46‬‬

‫توى وم‪ ،‬فاهلل أظهر من كل ظاىر‪ ،‬ال‬


‫كاألمر ليس كما ٮتيلو اإلنساف من ٌ‬ ‫قاؿ الشيخ ا‪ٟ‬تاج إبراىيم نياس الكو‪٠‬تي ُب كتابو السر األكرب‪ :‬الحق‬
‫٭تجبو سول كى ًم اإلنساف كٗتيلو‪ ،‬فرؤيتو تعاذل ليست ٔتستحيل الوقوع‪،‬‬ ‫جل وعال ما حجبو عن المريد وجود موجود معو تعالى‪ ،‬بل ما‬
‫غَت أف اإلنساف عينو ىو الذم يبعدىا عن نفسو لظنونو أف ىناؾ‬ ‫حجبو إال توىم وجود موجود معو‪ ،‬فإذا أراد اهلل اصطفاء عبده‬
‫حجابا ٭تجب الوجود األلوىي عن الرؤية‪ ،‬كالدليل على ظهوره تعاذل‬ ‫جعلو من المصطفين اْلخيار بمنو وكرمو رفع عنو ذلك الوىم‪،‬‬
‫قولو‪ :‬ولقد خلقنا اإلنساف‪ ،‬ونعلم ما توسوس بو نفسو‪ ،‬ونحن أقرب‬
‫قلت‪ :‬٭تسب اإلنساف أنو ال بد من إىبلؾ شيئ كإتبلفو قبل أف يرل‬
‫إليو من حبل الوريد (ا‪ٟ‬تديد)‪ ،‬كقولو‪ :‬ىو اهلل الذي ال إلو إال ىو‬
‫ك لرؤيتو‪ ،‬كإ‪٪‬تا يػيٍرفىع عن ا‪١‬ترء‬
‫اهلل سبحانو كتعاذل‪ ،‬فليس ىناؾ ما يػي ٍهلى ي‬
‫اْلوؿ اآلخر الظاىر الباطن‪( ....‬ا‪ٟ‬تديد ‪.)3‬‬
‫م‬
‫تو‪٫‬تو عن اهلل تعاذل‪ ،‬ألف التوىم ىو ا‪ٟ‬تجاب الوحيد ُب رؤيتو‪ .‬كلذلك‬
‫كتو‪٫‬تو أف اهلل تعاذل ال‬
‫يوصي الشيخ العارؼ مريده أف يرفع أكال ظنو ٌ‬

‫‪59‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪60‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ٖتل للمريد األىلية لبيت الوالية‪ ،‬كلذلك قاؿ تعاذل للنيب ‪٤‬تمد‬
‫كبالًتبية ٌ‬ ‫قولو تعاذل‪ :‬ال تدركو اْلبصار‪ ،‬وىو يدرؾ اْلبصار‪ ....‬كقولو‪ :‬ما من‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم) بعد كصولو‪ :‬ال أقسم بهذا البلد‪ ،‬وأنت حلٌّ‬ ‫نجوى ثالثة إال ىو رابعهم‪ ،‬وال خمسة إال ىو سادسهم (اَّادلة‬
‫بهذا البلد ‪( ....‬سورة البلد) كالبلد ُب اآلية بلد معرفة ا‪ٟ‬تقائق الربانية‪،‬‬ ‫‪.....)7‬كما على شاكلتها من اآليات‪ ،‬حىت ال ٭تسب اإلنساف أف اهلل‬
‫تامة ُّا للمرء من دكف‬
‫كبالًتبية يدرم ا‪١‬تريد حقيقة األشياء‪ ،‬فبل معرفة ٌ‬ ‫ىيئة‪ ،‬كأف ىذه األشياح كلها ىيئة أخرل‪.‬‬
‫الًتبية الركحية اليت يدعو إليها التصوؼ‪،‬‬
‫أما اآليات القرآنية اليت تثبت رؤيتو تعاذل فمنها قولو‪ :‬لقد كنت في‬
‫كمثل كل من ليس لو الًتبية الصوفية‪،‬كمثل الطفل الذم لو األعضاء‬ ‫غفلة من ىذا‪ ،‬فكشفنا عنك غطاءؾ فبصرؾ اليوـ حديد‪( .....‬ؽ‬
‫التاـ ُّا إال بالبلوغ‪ ،‬ككذلك كل عادل‬
‫كاملة‪ ،‬لكنو ليس لو اإلدراؾ ٌ‬ ‫‪ .)22‬فالغطاء ُب اآلية ىو ا‪ٟ‬تجاب أك الوىم ا‪١‬تذكور‪ ،‬كلذلك أضافو‬
‫شرعي بعلومو‪ ،‬ككل عابد ّتميع عباداتو‪ ،‬ككل ر واء ُب مرئياتو‪ ،‬ككل‬ ‫يتوىم‬
‫تعاذل إذل نفس ا‪١‬تخاطب ُب اآلية‪ ،‬ألف اإلنساف نفسو ىو الذم ٌ‬
‫متصوؼ ُب تصوفو‪ ،‬ككل فيلسوؼ ُب مباحثو‪ ،‬ككل داع ُب مواعظو‪،‬‬ ‫كجود حجاب معو تعاذل‪ ،‬كليس عنده تعاذل ما ٭تجبو عن ا‪٠‬تلق قط‪،‬‬
‫ليس لو ىذه الًتبية‪ ،‬ال يدرؾ كل كاحد منهم حقائق نصيبو إال بالًتبية‬ ‫علوا كبَتا‪.‬‬
‫تعاذل عن ذلك ٌ‬
‫الصوفية الصحيحة‪.‬‬
‫كمن ‪ٚ‬تلة تلك اآليات أيضا قولو تعاذل‪ :‬أومن كاف ميتا فأحييناه‪،‬‬
‫وجعلنا لو نورا يمشي بو في الناس‪ .... ،‬فا‪١‬تيت ىو من أماتت قلبىو‬

‫‪65‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪62‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ا‪٢‬تموـ الدنيوية بالغفلة عن اهلل‪ ،‬كجعلتو ال يتحرؾ قط إذل التدبر ُب‬


‫ي‬ ‫بصَتة يدرؾ ُّا ما خفي ُب ا‪١‬توجودات من األسرار الربانية‪ ،‬كىذه الرؤية‬
‫آيات اهلل ُب مرئيٌاتو‪ ،‬كال يشعر ُّا‪ ،‬كاإلحياء ُب اآلية ىو رفع تلك‬ ‫(رؤية البصَتة) ىي ا‪١‬تشار إليها ُب قولو تعاذل‪ :‬سنريهم آياتنا في‬
‫ا‪٢‬تموـ الدنيوية كالغشاكة اليت استولت على قلب اإلنساف‪ ،‬فصار بصره‬ ‫اآلفاؽ وفي أنفسهم‪ ،‬حتى يتبين لهم أنو الحق‪ ،‬أولم يكف بربك‬
‫بعد ذلك حديدا‪.‬‬ ‫أنو على كل شيئ شهيد (فصلت)‪ .‬كقاؿ ُب موضع‪ :‬وفي أنفسكم‬

‫ىذا‪ ،‬كلكل من رأل ربو تعاذل تأثَت تلك الرؤية‪ ،‬فهل تلك الرؤية كرؤية‬ ‫أفال تبصروف (الصافات)‪.‬‬

‫األشياء ا‪١‬تادية ىذه؟ فليست رؤيتو تعاذل عند الصوفية كرؤية ىذه‬ ‫يبدك من كل ما سبق من البياف أف الًتبية الركحية الصوفية أمر تطبيقي‬
‫األشياء بالعُت‪ ،‬كإ‪٪‬تا ىي رؤية معنوية تقع ُب القلب‪ ،‬كىي أقول من‬ ‫ركحي‪.‬‬
‫رأم العُت‪ ،‬كأسرع منو ُب إحضار األشياء كاحدة كاحدة أك دفعة‬
‫التربية وأىميّتها‪:‬‬
‫كاحدة‪ ،‬ألف رأم العُت قصَت حيث ال يرل ا‪١‬ترء شيئا إذا غمض عينيو‪،‬‬
‫لكن رؤية القلب لشيئ ما ال تنقطع كلو غمض العارؼ عينيو‪ ،‬فرؤية‬ ‫درؾ معناىا إال بالًتبية الركحية‪،‬‬
‫إف مصطلحات التصوؼ ا‪ٟ‬تقيقي ال يي ى‬
‫اهلل تعاذل رؤية بصَتةو ال رؤية بص ور‪ ،‬فبل ينفي ذك بصر رؤيتو تعاذل عن‬ ‫إدراكا يتجاكز ظاىر معناىا‪ ،‬مثل ا‪ٞ‬تمع كالتفريق‪ ،‬كالتقييد كاإلطبلؽ‪،‬‬

‫ذم بصَتة لعدـ رؤيتو إياه ببصره‪ ،‬كلذلك قاؿ تعاذل‪ :‬ثم جعلنا لو نورا‬ ‫كا‪ٟ‬تلوؿ كاالٖتاد‪ ،‬كاألزؿ كاألبد‪ ،‬كا‪١‬توت كا‪ٟ‬تياة‪ ،‬كالتجريد‪.‬‬

‫يمشي بو في الناس‪ ...‬فالناس ُب اآلية ىي ا‪١‬توجودات‪ ،‬أل ‪٧‬تعل لو‬

‫‪63‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪64‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كٯتكن القوؿ إ نذا أف األنبياء بدأكا بالًتبية أكال‪ٍ ،‬ب باالستمداد من تلك‬ ‫فإذا كانت العبادات كالعلوـ الشرعية كا‪ٞ‬تسد الذم لو األعضاء‪،‬‬
‫الًتبية‪ ،‬كاالستمداد ىو النبوة كالرسالة‪ ،‬كىذا داللة على أف الًتبية ىي‬ ‫التاـ‪ ،‬ألف الًتبية ركح لذلك‬
‫فبالًتبية ٭تصل لتلك األعضاء اإلدراؾ ٌ‬
‫ا‪١‬تركز ‪١‬تعرفة حقائق ا‪١‬تراتب كا‪١‬تقامات كلًتي مق ًن الكينونة فيها‪.‬‬ ‫ا‪ٞ‬تسم‪،‬‬

‫أنواع التربية‪:‬‬ ‫كإذا كانت الوالية بلدا فالًتبية الركحية كسيارة ربانية أسرع تبلغ ا‪١‬تريد‬

‫إف الًتبية ثبلثة أقساـ‪ :‬العامة كا‪٠‬تاصة كخاصة ا‪٠‬تاصة‪.‬‬ ‫إذل ذلك البلد‪ ،‬كالسائق للسيارة ىو تفكَت ا‪١‬تريد‪ ،‬كالنفط فيها ىو‬
‫األذكار‪ ،‬كجهازىا قلب ا‪١‬تريد‪ ،‬ك‪٣‬تريها احملبة كالتشوؽ إذل اهلل‪ ،‬كمقصد‬
‫أما الًتبية العامة فهي الًتبية ا‪ٞ‬تسمانية‪ ،‬من تغذية ا‪١‬ترء ككسائو‪،‬‬
‫كتنظيف جسمو كتنميتو‪ ،‬كتثقيف عقلو كتنشيطو‪ ،‬كتعليمو ما يقيم بو‬ ‫السفر ىو ا‪ٟ‬تضرتاف األلوىية كالربوبية‪ ،‬كيسرع سَت ا‪١‬تريد الركحي كلما‬
‫معيشتو من كسب‪ ،‬كما يكوف بو إنسانا مثقفا من بعض علوـ دنيوية‬ ‫ازداد ُب التفكَت كاحملبة كالتشوؽ ُب مقصده ا‪١‬تذكور‪ ،‬ككلما ٭تسن‬
‫جرا‪ .‬ككذلك آداب الفطرة ‪،‬كل ىذا كذاؾ تربية عامة‪ ،‬من حيث‬ ‫كىلم ٌ‬ ‫جهاز سيارتو (أل القلب) بأف يص ٌد غَت اهلل من الدخوؿ فيو‪ ،‬كبأف ال‬
‫أف أجناس اإلنساف كا‪ٟ‬تيوانات متشاركوف فيها‪.‬‬ ‫يلتفت إذل غَته تعاذل من ا‪٢‬تموـ الدنيوية يزداد نورا كمعرفة‪ ،‬لقوؿ النيب‬
‫كأما ا‪٠‬تاصة فهي الًتبية العقلية‪ ،‬علمية أك دينية‪ ،‬أك خلقية‪ ،‬بالتخلي‬ ‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬وإف في الجسد مضغة‪ ،‬إذا صلحت صلح‬
‫عن الرذائل من األخبلؽ‪ ،‬كالتحلي بالفضائل منها‪ ،‬أل تطهَت اإلنساف‬ ‫الجسد كلو‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كلو‪ ،‬وإذا فسدت فسد‬
‫من األمراض القلبية اليت تفسد أعماؿ ا‪٠‬تَتات‪ ،‬كما قاؿ الرسوؿ‬ ‫الجسد كلو‪ ،‬أال وىي القلب‪.‬‬

‫‪69‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪66‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كلذلك كلو اتفق الصوفية العارفوف على أف الًتبية الركحية ُب التصوؼ‬ ‫كقاؿ الشيخ التجاين‪ :‬من يعرفني يعرفني وحدي‪ ،‬أل من يعرفو تعاذل‬
‫كاجبة ضركرية‪ ،‬كجعلوىا بابا أكال أساسيا ال بد منو للدخوؿ ا‪ٟ‬تقيقي ُب‬ ‫يعرفو كحده حيث ال يرل معو إال ىو‪ ،‬كالعُت للمعرفة ىي الًتبية‬
‫التصوؼ‪.‬‬ ‫الركحية الصوفية‪.‬‬

‫كمنشأ ىذه الًتبية ىو من عند اهلل تعاذل لتكوف الًتبية ٔتثابة العُت‬ ‫التربية والنبوة‪:‬‬
‫ا‪١‬تعنوية للعارؼ لَتل اهللى تعاذل ُّا‪ ،‬كقاؿ تعاذل‪ :‬أومن كاف ميتا‬
‫النبوة كمقامتها من يوـ كالدهتم‪ ،‬لكنهم دل‬
‫فاألنبياء كلهم نالوا مرتبة ٌ‬
‫فأحييناه‪ ،‬وجعلنا لو نورا يمشي بو في الناس‪ ،‬كمن مثلو في‬
‫يتيقنوا ُّا إال بعد ما حصلوا على نور الًتبية بعد أربعُت عاما تارة أك‬
‫الظلمات ليس بخارج منها‪ .....،‬كقاؿ ُب موضع‪ :‬لقد كنت في‬
‫دكف ذلك‪ ،‬فلم ي ٌدعوا النبوة قبل ذلك األكاف لعدـ تي ٌقنهم ُّا‪ ،‬فالبعثة‬
‫غفلة من ىذا‪ ،‬فكشفنا عنك غطاءؾ‪ ،‬فبصرؾ اليوـ حديد‪ .‬كقاؿ ُب‬ ‫رافقت كصوؿ الًتبية الركحية‪ ،‬كلو كانت ترببية بعضهم الركحية جليٌة‬
‫ا‪ٟ‬تديث القدسي‪ :‬كنت كنزا مخفيّا فأحببت أف أعرؼ فخلقت‬ ‫مذكورة ُب القرآف‪ ،‬كتربية بعضهم غَت جليٌة كال مذكورة‪.‬‬
‫خلقا‪ ،‬فبي عرفوني‪ .‬فقولو فبي عرفوني أل أنا ا‪١‬تعركؼ من الًتبية‪،‬‬
‫كالبعثة ىي اإلخبار عما تيقن النيب ُب كصوؿ تربيتو الركحية‪ ،‬ككل بياف‬
‫كأنا العُت للمعرفة‪.‬‬
‫األنبياء (أل النبوة كالرسالة) من البعثة ىو ترقياهتم من استمداد تربيتهم‬
‫الركحية‪ ،‬ألنو ال يستم ٌد نيب كال رسوؿ من اهلل إال بعد معرفتو تعاذل‪،‬‬

‫‪67‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪68‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كأما تربية خاصة ا‪٠‬تاصة فهي معرفة النفس‪ ،‬ككشف ا‪ٟ‬تجاب كالغطاء‬ ‫الخل‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد ّ‬
‫عن عُت القلب‪ ،‬إذ النفس ىي منبع ا‪ٞ‬تهاالت كالرعونات‪ ،‬كإذا عرؼ‬ ‫العسل‪ ،‬كقاؿ ُب موضع‪ :‬والمهاجر من ىجر السوء والمجاىد من‬
‫العبد نفسو فقد صادؼ نور العرفاف‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬وفي أنفسكم أفال‬ ‫جاىد ىواه‪ ....‬المسلم أخو المسلم اليظلمو وال يكذبو ‪.......‬‬
‫تبصروف‪ ،‬كيعرؼ حقائق األشياء كلها‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬أومن كاف ميتا‬ ‫فطهر‪ ،‬والرجز فاىجر‪ ،‬فال تمنن تستكثر‬
‫كقاؿ القرآف‪ :‬وثيابك ّ‬
‫فأحييناه‪ ،‬وجعلنا لو نورا يمشي بو في الناس‪ ....‬كىذا النوع من‬ ‫(ا‪١‬تدثٌر)‪.‬‬
‫ت فِي غَ ْفلَ ٍة‬ ‫الًتبية ىو حقيقة الًتبية عند الصوفية‪ .‬قاؿ تعاذل‪ ":‬لََق ْد ُك ْن َ‬ ‫كىي أيضا تدريب النفس على العبادات ا‪١‬تفركضة‪ ،‬كالنوافل ا‪٠‬تَتية‪،‬‬
‫ص ُر َؾ الْيَػ ْوَـ َح ِدي ٌد (ؽ‪َ )33:‬وا ْعبُ ْد‬ ‫ش ْفنا ع ْن َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َؾ فَػبَ َ‬
‫ك غطَ َ‬ ‫م ْن َى َذا فَ َك َ َ َ‬ ‫النيب‬
‫ك حتَّى يأْتِي َ ِ‬ ‫كالتبلكة‪ ،‬كصياـ التطوع‪ ،‬كتبلكة األذكار كاألكراد‪ ،‬كالصبلة على ٌ‬
‫ح اللَّوُ َ‬
‫ص ْد َرهُ‬ ‫ين (الحجر‪ )99:‬أَفَ َم ْن َش َر َ‬ ‫ك الْيَق ُ‬ ‫َربَّ َ َ َ َ‬ ‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ ،‬كما أشبو ذلك‪ ،‬من طلب العلوـ الشرعية‪،‬‬
‫اسيَ ِة قُػلُوبُػ ُه ْم ِم ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِو‬
‫لِ ِْإلس َالِـ فَػهو َعلَى نُوٍر ِمن ربِِّو فَػويل لِ ْل َق ِ‬
‫ْ َ َْ ٌ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫كا‪ٞ‬تهاد ُب سبيل اهلل بالنفس كا‪١‬تاؿ‪ ،‬قاؿ الرسوؿ (صلى اهلل عليو‬
‫ض َال ٍؿ ُمبِي ٍن (الزمر‪.)22:‬‬ ‫ك فِي َ‬ ‫أُولَئِ َ‬ ‫ْلتمم مكارـ اْلخالؽ‪.‬‬
‫كسلم)‪ :‬بعثت ّ‬
‫التربية عند اإلماـ الغزالي‪:‬‬ ‫كمثاؿ ذلك عند النيب ‪٤‬تمد (صلى اهلل عليو كسلم) ىو ما كرد ُب‬
‫قاؿ اإلماـ الغزارل ُب كتابو ا‪١‬تنقذ من الضبلؿ‪ :‬إف التربية تقديم‬ ‫ت‬
‫ت لَ ُه ْم‪َ ،‬ولَ ْو ُك ْن َ‬ ‫توصية اهلل لو ُب قولو تعاذل‪ :‬فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِم َن اللَّ ِو لِْن َ‬
‫المجاىدة‪ ،‬ومحو الصفات المذمومة‪ ،‬وقطع العالئق كلها‪،‬‬ ‫استَػ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم‬
‫ف َع ْنػ ُه ْم َو ْ‬‫ك فَا ْع ُ‬ ‫ْب َالنْػ َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫فَظًّا غَلِي َ‬
‫ظ الْ َقل ِ‬
‫واإلقباؿ على اهلل بكنو الهمة‪ ،‬ومهما حصل ذلك كاف اهلل المتولي‬

‫‪73‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪70‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ت فَػتَػ َوَّك ْل َعلَى اللَّ ِو إِ َّف اللَّوَ يُ ِح ُّ‬


‫ب‬ ‫َو َشا ِوْرُى ْم فِي ْاْل َْم ِر فَِإذَا َع َزْم َ‬ ‫ووصينا اإلنساف بوالديو‪ ،‬حملتو أمو وىنا على وىن‪ ،‬وفصالو في‬
‫ِ‬
‫ين (آؿ عمراف‪)559:‬‬ ‫ال ُْمتَػ َوِّكل َ‬ ‫إلي المصير‪ .‬وإف جاىداؾ على‬
‫عامين‪ ،‬أف اشكر لي ولوالديك‪ّ ،‬‬
‫أف تشرؾ بي ما ليس لك بو علم فال تطعهما‪ ،‬وصاحبهما في الدنيا‬
‫ٍب قاؿ اهلل توصيةن ألمتو على لساف نبيو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬قل‬
‫إلي مرجعكم‪ ،‬فأنبئكم بما‬
‫إلي‪ ،‬ثم ّ‬
‫معروفا‪ ،‬واتبع سبيل من أناب ّ‬
‫حرـ ربكم عليكم‪ ،‬أال تشركوا بو شيئا‪ ،‬وبالوالدين‬
‫تعالوا أتل ما ّ‬
‫كنتم تعملوف‪ .‬يا بني‪ ،‬إنها إف تك مثقاؿ حبة من خردؿ‪ ،‬فتكوف‬
‫إحسانا‪ ،‬وال تقتلوا أوالدكم من إمالؽ‪ ،‬نحن نرزقكم وإياىم‪ ،‬وال‬
‫في صخرة‪ ،‬أو في السموات أو في اْلرض‪ ،‬يأت بها اهلل‪ ،‬إف اهلل‬
‫حرـ‬
‫تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وال تقتلوا النفس التي ّ‬
‫بني‪ ،‬أقم الصالة‪ ،‬وأْمر بالمعروؼ‪ ،‬وانو عن‬
‫لطيف خبير‪ .‬يا ّ‬
‫وصاكم بو‪ ،‬لعلكم تعقلوف‪ .‬وال تقربوا ماؿ‬
‫اهلل إال بالحق‪ ،‬ذلكم ّ‬
‫المنكر‪ ،‬واصبر على ما أصابك‪ ،‬إف ذلك من عزـ اْلمور‪ .‬وال‬
‫اليتيم إال بالتي ىي أحسن‪ ،‬حتى يبلغ أشده‪ ،‬وأوفوا الكيل والميزاف‬
‫تصعر خ ّدؾ للناس‪ ،‬وال تمش في اْلرض مرحا‪ ،‬إف اهلل ال يحب‬
‫ّ‬
‫بالقسط‪ ،‬ال نكلّف نفسا إال وسعها‪ ،‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كاف ذا‬
‫كل مختاؿ فخور‪ .‬واقصد في مشيك‪ ،‬واغضض من صوتك‪ ،‬إف‬
‫قربى‪ ،‬وبعهد اهلل أوفوا‪ ،‬ذلكم وصاكم بو‪ ،‬لعلكم تذ ّكروف‪ .‬واف ىذا‬
‫أنكر اْلصوات لصوت الحمير‪( .‬لقماف ‪.)19 - 13‬‬
‫صراطي مستقيما فاتبعوه‪ ،‬وال تتبعوا السبل فتفرؽ بكم عن سبيلو‪،‬‬
‫ذلكم وصاكم بو‪ ،‬لعلكم تتقوف (األنعاـ ‪.)153 – 151‬‬ ‫كل ما ركينا من نصوص قرآنية كسنية دل يؤد كدل يكاؼ الًتبية ا‪ٟ‬تقيقية‬ ‫ك م‬
‫الصوفية معٌت‪ ،‬كدل يساكىا‪ ،‬كدل ٮترج منها‪.‬‬
‫كقاؿ تعاذل على لساف نبيو لقماف (عليو السبلـ)‪ :‬وإذ قاؿ لقماف‬
‫البنو وىو يعظو‪ ،‬يا بني ال تشرؾ باهلل‪ ،‬إف الشرؾ لظلم عظيم‪.‬‬

‫‪71‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪72‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ك َحتَّى‬
‫‪ -21‬كتؤلألت فيو حقائق األمور اإل‪٢‬تية قاؿ تعاذل‪َ :‬وا ْعبُ ْد َربَّ َ‬ ‫لقلب عبده‪ ،‬والمتكفل لو بتنويره بأنوار العلم‪ ،‬وإذا تولى اهلل أمر‬
‫ين (الحجر‪)99 :‬‬ ‫يأْتِي َ ِ‬ ‫القلب فاضت عليو الرحمة‪ ،‬وأشرؽ النور في القلب‪ ،‬وانشرح‬
‫ك الْيَق ُ‬‫ََ‬
‫الصدر‪ ،‬وانكشف لو سر ملكوت السموات‪ ،‬وانقشع عن حجاب‬
‫كبا‪ٞ‬تملة‪ ،‬فالًتبية ا‪ٟ‬تقيقية ا‪١‬توصوفة ىي الوالدة الثانية اليت إذا فاتت‬
‫الغرة بلطف الرحمة‪ ،‬وتألْلت حقائق اْلمور اإللهية‪.‬‬
‫عبدا فلن يدخل ُب ملكوت السموات‪ ،‬طبقا ‪١‬تا حكي عن النيب عيسى‬
‫عليو السبلـ أنو قاؿ‪ :‬لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين‪.‬‬

‫كىذه الًتبية الثالثة ا‪١‬تذكورة ىي حقيقة الًتبية الصحيحة اليت ىي مدخل‬ ‫تحليل ما قالو اإلماـ أبو حامد الغزالي بنصوص قرآنية وسنية‬
‫الوالية ا‪ٟ‬تق طبقا لقولو تعاذل‪ :‬ىنالك الوالية هلل الحق ىو خير ثوابا‬ ‫‪ -2‬تقدًن اَّاىدة‪ :‬يعٍت ‪٣‬تاىدة نفس ا‪٢‬تول بقتل رعوناهتا‪ ،‬كتركيضها‬
‫وخير عقبا (الكهف)‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين آ ََمنُوا‬‫على األكراد كاألذكار ا‪١‬تعلومة بدليل قولو تعاذل‪ :‬يَا أَيُّػ َها الذ َ‬
‫ارةُ َعلَْيػ َها َم َالئِ َكةٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كيفية التربية عند القدماء‪:‬‬ ‫َّاس َوالْح َج َ‬ ‫ود َىا الن ُ‬ ‫ارا َوقُ ُ‬ ‫س ُك ْم َوأَ ْىلي ُك ْم نَ ً‬ ‫قُوا أَنْػ ُف َ‬
‫صو َف اللَّوَ َما أ ََم َرُى ْم َويَػ ْف َعلُو َف َما يُػ ْؤَم ُرو َف‬ ‫ِغ َال ٌ ِ‬
‫ظ ش َدا ٌد َال يَػ ْع ُ‬
‫كأما كيفية الًتبية الركحية عند الرجاؿ الصوفية ففيها االختبلؼ بينهم‪،‬‬ ‫(التحريم‪ )6:‬والذين جاىدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإف اهلل لمع‬
‫ا‪١‬توضوع ٍُت ‪٢‬تا‪ ،‬كمع ىذه االختبلفات‬
‫ى‬ ‫خصوصا ُب األسلوب كالزمن‬ ‫ارةٍ تُػ ْن ِجي ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫َدل ُك ْم َعلَى ت َج َ‬
‫المحسنين‪ ....‬يا أيها الذين آمنوا َىل أ ُ ُّ‬
‫ْ‬
‫فيما بينهم فإف ىدفهم ُب الًتبية كاحد؛ كىو معرفة اهلل تعاذل‪.‬‬ ‫اى ُدو َف فِي َسبِ ِ‬
‫يل‬ ‫يم (‪ )51‬تُػ ْؤِمنُو َف بِاللَّ ِو ورسولِ ِو وتُج ِ‬ ‫ِم ْن َع َذ ٍ‬
‫اب أَلِ ٍ‬
‫ََ ُ َ َ‬
‫اللَّ ِو بِأ َْم َوالِ ُك ْم َوأَنْػ ُف ِس ُك ْم َذلِ ُك ْم َخ ْيػ ٌر لَ ُك ْم إِ ْف ُك ْنتُ ْم تَػ ْعلَ ُمو َف‬

‫‪77‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪74‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫(الصف‪ )55:‬كقاؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬رجعنا من الجهاد‬ ‫‪ - 6‬كإذا توذل اهلل أمر القلب فاضت عليو الر‪ٛ‬تة‪ :‬فَػ َو َج َدا َع ْب ًدا‬
‫اْلصغر وعليكم بالجهاد اْلكبر‪ ،‬قالوا كما ىو؟ قاؿ‪ :‬جهاد النفس‪،‬‬ ‫ادنَا َآتَػ ْيػنَاهُ َر ْح َمةً ِم ْن ِع ْن ِدنَا َو َعلَّ ْمنَاهُ ِم ْن لَ ُدنَّا ِعل ًْما‬
‫ِمن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬
‫فاَّاىد من جاىد ىول نفسو‪ ،‬كىي أعدل أعدائو‪.‬‬ ‫(الكهف‪.)65:‬‬

‫‪٤ -3‬تو الصفات ا‪١‬تذمومة‪ :‬قاؿ تعاذل‪ :‬والرجز فاىجر‪ ،‬كقاؿ الرسوؿ‬ ‫ص ْد َر َؾ‬
‫ك َ‬ ‫‪-8‬كأشرؽ النور ُب القلب كانشرح الصدر‪ :‬أَلَ ْم نَ ْش َر ْح لَ َ‬
‫كا‪١‬تهاجر من ىجر ما حرـ اهلل‪.‬‬ ‫ص ْد َرهُ لِ ِْإل ْس َالِـ فَػ ُه َو َعلَى نُوٍر ِم ْن َربِِّو‬ ‫ح اللَّوُ َ‬ ‫(الشرح‪ )5:‬أَفَ َم ْن َش َر َ‬
‫ين آ ََمنُوا َال تُػ ْل ِه ُك ْم أ َْم َوالُ ُك ْم َوَال‬ ‫َّ ِ‬ ‫ك فِي َ‬
‫ض َال ٍؿ ُمبِي ٍن‬ ‫اسيَ ِة قُػلُوبُػ ُه ْم ِم ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِو أُولَئِ َ‬
‫فَػويل لِ ْل َق ِ‬
‫َْ ٌ‬
‫‪ -4‬قطع العبلئق كلها‪ :‬يا أَيُّػ َها الذ َ‬
‫(الزمر‪ ،)22:‬كقولو‪ :‬ما كنت تدري ما الكتاب وال اإليماف‪ ،‬ولكن‬
‫ْخ ِ‬
‫اس ُرو َف‬ ‫ك ُى ُم ال َ‬ ‫ك فَأُولَئِ َ‬‫أ َْوَال ُد ُك ْم َع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِو‪َ ،‬وَم ْن يَػ ْف َع ْل َذلِ َ‬
‫(المنافقوف‪)9‬‬ ‫جعلناه نورا نهدي بو من نشاء من عبادنا‪ ،‬وإنك لتهدي إلى صراط‬
‫مستقيم‪( .....‬الشورل ‪.)63‬‬
‫‪ - 4‬كاإلقباؿ بكنو ا‪٢‬تمة على اهلل تعاذل‪ :‬واذكر اسم ربك وتبتل‬
‫ِ ِ‬ ‫‪ -9‬كانكشف لو سر ا‪١‬تلكوت‪ :‬قاؿ تعاذل‪َ ":‬وَك َذلِ َ‬
‫إليو تبتيال‪ ......‬كقولو تعاذل‪ :‬واصبر نفسك مع الذين‬ ‫ك نُ ِري إبْػ َراى َ‬
‫يم‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ات و ْاْلَر ِ ِ‬
‫وت َّ ِ‬
‫يدعوف ربهم بالغداة والعشي يريدوف وجهو‪( ....‬الكهف)‬ ‫ين (األنعاـ‪)86‬‬ ‫ض َوليَ ُكو َف م َن الْ ُموقن َ‬‫الس َم َاو َ ْ‬ ‫َملَ ُك َ‬

‫‪ - 5‬مهما ٭تصل ذلك كاف اهلل ىو ا‪١‬تتورل لقلب عبده كا‪١‬تتكفل‬ ‫‪ -:‬كانقشع عن كجو القلب حجاب الغرة بلطف الر‪ٛ‬تة‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬‬
‫ش ْفنا ع ْن َ ِ‬ ‫ِ‬
‫لو بتنويره بأنوار العلم‪ ، :‬كقولو‪ :‬اتقوا اهلل ويعلمكم اهلل‪.....‬‬ ‫ص ُر َؾ الْيَػ ْوَـ‬
‫اء َؾ فَػبَ َ‬
‫ك غطَ َ‬ ‫ت فِي غَ ْفلَ ٍة م ْن َى َذا فَ َك َ َ َ‬
‫لََق ْد ُك ْن َ‬
‫َح ِدي ٌد ( ؽ‪.)22:‬‬

‫‪75‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪76‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫يعرؼ ذلك منك إال أقرب الناس إليك في خدمتك‪ ،‬ممن يجهل‬ ‫ٍب إهنم اتفقوا ُب أشياء لوصوؿ الًتبية الصحيحة؛ كىي التفكَت كمبلزمة‬
‫ما أنت عليو‪ ،‬وال يعرؼ ما تقصده‪.‬‬ ‫الذكر ا‪١‬تعتاد عليو تلك الطريقة‪ ،‬كالعبادة الشرعية‪ ،‬كاالعتزاؿ عن الناس‬
‫كأمور الدنيا جسدا كقلبا‪.‬‬
‫وإنما يمنع من ذلك لتشوؽ نفسو إلى النفوس المتشوقة لخروجو‪:‬‬
‫بماذا يخرج؟ وىي علة كبيرة‪ ،‬ونحن نحب تقريب الفتح على‬ ‫أما زمن الًتبية‪ ،‬فمنهم من رأل كجوبيتها ُب مق ٌدـ سَت ا‪١‬تريد الركحي‪،‬‬
‫الشخص‪ ،‬وىذا يبعده‪ ،‬فإنو ال سبيل إلى الفتح وفي النفس أثر‪.‬‬ ‫كمنهم من آثر أف تكوف الًتبية ُب مؤخر سَته‪ .‬أما األكثر من الصوفية‬
‫فهذه صورة الخلوة المطلقة‪.‬‬ ‫القدماء؛ (الصوفيُت قبل ‪٣‬تيئ ا‪٠‬تتم التجاين بطريقتو التجانية)‪ ،‬فهم‬
‫الذين رأكا أف الًتبية آخر ا‪١‬تطاؼ كهنايتو لكل سالك ُب التصوؼ‪ ،‬كرأكا‬
‫وجرى فيها أشياء نبّهنا عليها مما يحتاج إليها في الخلوات كلها‪:‬‬
‫أف الًتبية مرحلة هنائية كغاية عليا ليس بعدىا مرحلة كال غاية‪ .‬ككانوا‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬فال تحتاج إلى تكراره في خلوة مقيدة‪.‬‬
‫التاـ إذل اهلل‬
‫يصلوف إذل ا‪ٟ‬تضرة بكثرة العبادات كالنوافل ا‪٠‬تَتية‪ ،‬كالتبتل ٌ‬
‫أنواع الخلوة عند ابن عربي‪:‬‬ ‫كخلو القلوب باإلعراض عن الدنيا‪ ،‬كبالبيعة على يد‬
‫كعلو ا‪٢‬تمة إليو‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬
‫خلوة الهدىد‪ :‬تدخل الخلوة‪ ،‬كما أرسم لك‪ ،‬وتستعمل في غذائك‬ ‫مرشد كامل‪ ،‬كبالرياضات ا‪١‬تأذكف ‪٢‬تم ُّا من شيوخهم‪ ،‬كليس ‪٢‬تم هتيٌأ‬

‫قلوب الهدىد تسحقها وتسفها س ّفا‪ ،‬فإنك ترى عجائب‪ ،‬ويكوف‬ ‫كال استعداد للًتبية سول شوقهم إذل االتصاؿ با‪ٟ‬تضرة كالوصوؿ إذل‬

‫ذكرؾ‪ :‬ال إلو إال ىو رب العرش العظيم (النمل ‪)26‬‬ ‫اهلل‪ ،‬فكانوا يستمركف على أعما‪٢‬تم السلوكية‪ ،‬من تبلكة الذكر ك‪٣‬تاىدة‬

‫‪81‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪78‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫النفس كإعماؿ ا‪٠‬تاطر بالتفكَت‪ ،‬حىت يأٌب اهلل بفتح أك أمر من عنده‪،‬‬ ‫وأما صورتك فيها ابتداء‪ ،‬فهو أف تغتسل وتنظّف ثيابك‪ ،‬وال بد من‬
‫كىو الوصوؿ إذل حضرة األ‪ٝ‬تاء كالصفات‪.‬‬ ‫النية بالتقرب إلى المتوجو إليو‪" :‬ال إلو إال ىو العزيز الحكيم"‪.‬‬

‫وال سبيل لكثرة الحركة فيها‪ ،‬وال تزد على الفرائض والركعتين‬

‫كيفية التربية عند ابن عربي (وىو من القدماء)‪:‬‬ ‫والرواتب‪ ،‬والقعود على طهارة‪ ،‬واستقباؿ القبلة دائما‪ ،‬وإذا أردت‬
‫الحاجة فليكن موضع خالئك بعيدا‪ :‬قريبا من خلوتك‪ ،‬وتحفظ‬
‫قاؿ ابن عريب ُب كتاب تنبيهات على علو ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية ص ‪:39‬‬
‫عند خروجك من الهواء الغريب‪ ،‬فإنو يؤثر فيك تفريقا زمانا طويال‪.‬‬
‫فأما صفة البيت المخصوص بهذه الخلوة‪ ،‬فينبغي أف يكوف بكل‬
‫خلوة إف أمكن‪ ،‬فهو‪ :‬أف يكوف ارتفاعو قدر قامتك‪ ،‬وطولو قدر‬ ‫وليكن ماؤؾ ال يتغير عليك‪ ،‬وإذا خرجت لحاجة س ّد عينيك‬

‫سجودؾ‪ ،‬وعرضو قدر جلستك‪ ،‬وال يكن فيو ثقب وال قوة أصال‪،‬‬ ‫وأذنيك‪ ،‬وليكن غذاؤؾ معك في بيتك مع ّدا‪ ،‬وخلف باب بيتك‬

‫وال يدخل عليك ضوء رأسا‪ ،‬ويكوف بعيدا من أصوات الناس‪،‬‬ ‫محفوظا‪.‬‬

‫ويكوف بابو قصيرا‪ ،‬وثيقا في غلقو‪ ،‬وليكن في داره معمورة فيها‬ ‫ومن شروط ىذه الخلوة – بل كل خلوة – إف قدرت – أف ال‬
‫ناس‪ ،‬وإف تمكن أف يبيت أحد بقرب باب الخلوة‪ ،‬فهو أحسن‪.‬‬ ‫يعرؼ أحد أنك في خلوة أصال‪ ،‬وإف كاف ال بد أف يعرؼ‪ ،‬فال‬

‫‪79‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪80‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫حي يا قيوـ" عامة الفائدة‬


‫وكذلك خلوة "يا ّ‬ ‫الخلوة الصمدانية‪ :‬أيامها ثالثوف يوما‪ ،‬ال نوـ فيها البتة‪ ،‬ومهما ناـ‬
‫في ىذه الخلوة بليل أو فطر بنهار‪ ،‬فليستأنف الخلوة من أولها‪،‬‬
‫وكذلك "يا علي يا عظيم‪ ،‬يا عليم يا حكيم"‬
‫يناـ فيها بالنهار‪ ،‬ويفطر بالليل من غير شبع‪ ،‬وال يفطر بالنهار‪ .‬وإف‬
‫تخصو‪.‬‬
‫وما من ذكر إال ولو نتيجة ّ‬ ‫اتفق أف يكوف في رمضاف فهو أولى‪ ،‬وإال ففي المحرـ‪ ،‬وذكرىا‪:‬‬
‫فإذا فهمت كيفية حاالت الخلوة وصورتها‪ ،‬فادخلها بأي ذكر‬ ‫سورة اإلخالص‪.‬‬
‫شئت‪ ،‬فإنو يعطيك ما في قوتو وال بد‪ .‬ويكفي ىذا القدر من‬
‫خلوة القرين‪ :‬ذكرىا لي جماعة من إخواني‪ ،‬وأما أنا فما عملت‬
‫التنبيو‪ ،‬والحمد هلل وحده‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا محمد‪ ،‬وآلو‬
‫عليها‪ ،‬من أجل اْلسماء التي فيها‪ .‬قاؿ القوـ الذين أخبروني بها‪:‬‬
‫وصحبو وسلم‪.‬‬
‫يلبس لها كل يوـ ثوبا جديدا‪ ،‬أربعين يوما‪ .‬ويكفي الغداء‪ :‬مرة خبزا‬
‫قلت‪ :‬فهذه ىي صفات ا‪٠‬تلوة عند القدماء من الصوفية‪ ،‬كا‪٠‬تلوة‬ ‫بزيت‪ ،‬ومرة خبزا بزبيب‪ ،‬وال يزاؿ يذكر ىذه اْلسماء عقيب‬
‫عندىم ىي أعماؿ الًتبية للفتح‪ .‬كمن ذلك يبدك للقارئ جليا‪:‬‬ ‫الصلوات الخمس‪ ،‬وأكثر الحاالت‪ ،‬وىي‪ :‬بهلطف‪ ،‬سليطيع‪،‬‬

‫أ ‪ -‬أف الًتبية الصوفية عند القدماء عمل ٌّ‬


‫شاؽ عظيم ليس لو كجو‬ ‫أسماطوف‪ ،‬أطوف‪ ،‬بهكش‪ ،‬تهكش‪ ،‬بوب‪.‬‬

‫مبٍت على صياغة األسرار كاألذكار‬


‫كاحد أك أسلوب خاص‪ ،‬ألنو ٌّ‬

‫‪85‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪82‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫واعلم أف صورة الخلوة ما ذكرتو لك‪ ،‬ثم أنو تختلف الحاالت فيها‬ ‫ووقفت على أسماء‪ ،‬وأنا بالمسجد اْلقصى‪ ،‬فعرفتها خوطبت بها‪،‬‬
‫على اإلنساف بحسب أذكاره‪ ،‬فإف الذكر مع االستعداد‪ ،‬ىو‬ ‫وىي في الخلوة عجيبة‪ ،‬وىي ىذه‪:‬‬
‫الداعي إلى الفتح‪ ،‬ولكن بما يناسب الذكر الذي يكوف عليو‬
‫عنت وجود الروحانيات العلى‪ ،‬للسبحات العظمى‪ ،‬التي فتق بها‬
‫صاحب الخلوة‪.‬‬
‫الرتق‪ ،‬يا علي يا قيوـ‪ ،‬يا من أوجد اآلباء العلويات متحركة‪،‬‬
‫وقد أدخلت مريدا لنا بذكر سهل بن عبد اهلل‪ ،‬الذي أعطاه خالو‪،‬‬ ‫واْلمهات السفليات ساكنة‪ ،‬بالصفة التي ىي عين الموصوؼ‪ .‬يا‬
‫علي" ففتح لو بو في‬
‫إلي‪ ،‬اهلل شاىد ّ‬
‫وىو‪" :‬اهلل معي‪ ،‬اهلل ناظر ّ‬ ‫من أدار القمرين حوؿ مراكز تداويرىما‪ ،‬وأدار الدورة الكبرى‬
‫أربعة أياـ‪ .‬وأما أنا ففتح لي بو في ربع ليلة‪ .‬وأدخلت شخصا بيتو‬ ‫للسكوف والفضل المبتغى‪ ،‬المنطوؽ بو على ألسنة الروحانيات‬
‫على "سبحاف اهلل العظيم وبحمده" فرفع من ليلة‪.‬‬ ‫عز‪ ،‬يا مقدوس يا‬
‫العلى‪ ،‬يا من نظر إلى من نظر إليو‪ ،‬يا معز اْل ّ‬
‫أحد‪ ،‬لك العز اْلفخر‪ ،‬والملك اْلكرـ‪ ،‬والملكوت اْلفخم‪ ،‬أثر‬
‫ودخل بعض الشيوخ بذكر‪" :‬ال إلو إال اهلل وحده ال شريك لو‪ ،‬لو‬
‫جاللك‪ :‬الهيبة في القلوب‪ ،‬وأنت المحساف‪ ،‬تنقل اْلطوار‬
‫حي ال يموت‪ ،‬بيده الخير‪،‬‬
‫الملك ولو الحمد‪ ،‬يحيي ويميت‪ ،‬وىو ّ‬
‫واْلدوار‪ ،‬وتعلم ما سكن في الليل والنهار‪ ،‬يا عظيم ال أعظم‪ ،‬يا‬
‫وىو على كل شيئ قدير"‪ .‬ولزمو مدة‪ ،‬ففتح لو في التوحيد‬
‫كبير ال أكبر‪ ،‬أنت المقصود بكل ىمة‪ ،‬والمسؤوؿ بكل لساف"‬
‫والتوكل‪ ،‬فكاف واحد عصره فيهما‪.‬‬

‫‪83‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪84‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫العلم ا‪ٟ‬تقيقي اللدين ُب السلوؾ التصوُب‪ ،‬ألنو دل يدر ل ٌذة الذكر‪،‬‬ ‫كاستعما‪٢‬تا‪ ،‬كىذا عُت العبلقة بُت ا‪١‬تتصوفُت القدماء كعلماء األكفاؽ‬
‫ككذلك ا‪ٟ‬تضرات كا‪١‬تقامات كا‪١‬تراتب ا‪١‬توجودة ُب السلوؾ‪ ،‬فبل يعرؼ‬ ‫كاألسرار‪.‬‬
‫كال يفهم األدىن منها بدقة‪ ،‬ال سيما أقصاىا‪ ،‬كال يتيقن بكينونتو ُب‬
‫ب ‪ -‬أنو ال يتفرغ للًتبية من القدماء إال أىل النهايات‪ ،‬كلذلك كانوا‬
‫مقامة أك مرتبة‪ ،‬إال بالًتبية الركحية‪.‬‬
‫ال يعطوهنا إال ‪١‬تن بلغ األربعُت أك دكهنا من العمر أك من السلوؾ‪،‬‬
‫التربية السلبية وأنواعها‪:‬‬ ‫ألهنم رأكىا هناية السَت كآخرة ا‪١‬تطاؼ ُب التصوؼ‪.‬‬

‫كحرفوىا عن كجهها‬
‫إف بعض التجانيُت استخ ٌفوا بالًتبية الصوفية ٌ‬ ‫لعل ىذه ا‪١‬تشقة العظيمة اليت يعانيها ا‪١‬تريد ُب الًتبية على‬
‫ج – أنو ٌ‬
‫صحتها بتعجيل الفتح كالوصوؿ كسرعة االنتقاؿ من‬
‫ا‪ٞ‬توىرم‪ ،‬كضيعوا ٌ‬ ‫األسلوب القدًن‪ ،‬كشرط بلوغ األربعُت من العمر أك من السلوؾ‪ ،‬كألف‬
‫مرتبة ا‪١‬تريد إذل مرتبة ا‪١‬تقدـ‪ ،‬ككثَت من ا‪١‬تريدين اليوـ دل ينتهوا منها‬ ‫القدماء رأكا الًتبية هناية السَت الصوُب‪ ،‬ىذا كلو ىو الذم جعل الًتبية‬
‫بالوصوؿ التاـ حىت يستكملوىا من تلقاء أنفسهم‪ ،‬كبعضهم‬ ‫تضمحل ُب بعض الطرؽ الصوفية ضائعةن من بضاعتهم‪ ،‬غَت‬
‫ٌ‬ ‫الصوفية‬
‫باستماعهم إذل أقواؿ العارفُت كبياهنم ُب ‪٣‬تالسهم أك ُب زكاياىم أك‬ ‫التجانية حىت اليوـ‪.‬‬
‫حفبلت ا‪١‬تولد‪ ،‬فيعتمد قاصرك التصوؼ على مثل ىذه األقواؿ من‬
‫ا‪ٟ‬تقائق‪ ،‬كيستكملوف ُّا تربيتهم‪ ،‬كيدعوف مرتبة الًتبية الصوفية ا‪ٟ‬تقيقية‬
‫كيفية التربية عند التجانيين‪:‬‬
‫العرفانية‪ ،‬كالبعض منهم دل يًتبوا قط على يد مرشد عارؼ‪ ،‬كبعض‬

‫‪89‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪86‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الًتبية أك الفتح عند القدماء ٗتتلف ٘تاما عن أسلوب الطريقة التجانية‪،‬‬ ‫مبادئ اْلمر على سنن الطرؽ القديمة في السلوؾ والتربية‪ ،‬يحتاج‬
‫ألهنا تكوف عندىم ُب ا‪ٞ‬تلوة ال ُب ا‪٠‬تلوة‪ ،‬كتكوف بأذكار ‪٥‬تصوصة كال‬ ‫تاما‪ ،‬وكاف سيدنا رضي اهلل عنو سالكا في‬
‫فيها إلى الخلوة احتياجا ّ‬
‫بأم ذكر شاء ا‪١‬تريد‪ ،‬كتكوف لكل من لو البلوغ الشرعي ال ‪١‬تن بلغ‬ ‫ذلك على منهج القدماء حتى أذف لو النبي (صلى اهلل عليو كسلم)‬
‫األربعُت فقط‪ ،‬كتكوف للذكر كاألنثى كالكبَت كالصغَت على السواء‪ ،‬قاؿ‬ ‫في التربية المطلقة بالهمة النافذة والسر الباىر الذي ال يحتاج معو‬
‫الشيخ إبراىيم عبد اهلل الكو‪٠‬تي (رضي اهلل عنو)‪:‬‬ ‫تحمل مشقة‪ ،‬كرامةً من اهلل لو‪ ،‬ولخصوصية طريقو المحمدية‪،‬‬
‫إلى ّ‬
‫سري عاقرا *** فأصغر أتباعي أنيل فناء‬ ‫فصار بعد ذلك يربي كل من أتاه لألخذ عنو بنظرة واحدة‪ ،‬ولقد‬
‫وأشكر ربي ليس ّ‬
‫أجاد صاحب الالمية في قولو‪:‬‬
‫كُب موضع قاؿ‪:‬‬
‫بال خلوة ربّى وربوا بخلوة ‪ #‬فشتاف ما بين اليزيدين منهال‬
‫وأشكر ربا ألهم العبد رشده *** فأصغر أتباعي بريئ من الشرؾ‬
‫قلت‪ :‬أما الًتبية ُب الطريقة التجانية‪ ،‬فهي بداية األعماؿ السلوكية‪،‬‬
‫ىذا‪ ،‬ككانت ىذه الطريقة التجانية الغراء على أسلوب القدماء ُب‬
‫ألهنا مركز ا‪ٟ‬تركات كاحملاكالت الصوفية على ا‪ٟ‬تصوؿ على ا‪ٞ‬توىر ُب‬
‫ا‪١‬تبدإ‪ ،‬كلذلك قاؿ الشيخ أ‪ٛ‬تد سكَتج ُب كتابو "كشف ا‪ٟ‬تجاب‬
‫التصوؼ ا‪ٟ‬تقيقي‪ ،‬كحو‪٢‬تا تدكر ‪٤‬تاكالت ا‪١‬تريد العرفانية من الًتقيات‬
‫عمن تبلقى مع الشيخ التجاين من األصحاب ص ‪:388 – 387‬‬
‫كالتزكيات كالتفكَتات‪ ،‬كإذا فاتت ا‪١‬تريد ىذه الًتبية فليس لو ‪٣‬تاؿ إذل‬
‫واعلم أف ىذه الطريقة التجانية ذات المواىب العرفانية كانت في‬

‫‪87‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪88‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الرؤيا ا‪١‬تنامية كرأل نفسو كسط ا‪ٞ‬تماعات الكثَتة‪ ،‬أك رأل عا‪١‬تا من‬ ‫الشيوخ يعجلوف الًتبية ‪١‬تريديهم من غَت مداكمة اللوازـ الضركرية ُب‬
‫العلماء أك نورا المعا‪ ،‬أك رأل نفسو ُب األفق بدكف فائدة ما‪ ،‬يقوؿ لو‬ ‫الطريقة بل ال يكاد مريد ‪٬‬تيد قراءة جوىرة الكماؿ حىت يلقنو شيخو‬
‫ىا ىا ىا قد يلغت مقاما عاليا حىت يشيٌخو الشيخ بسبب ىذه الرؤيا‪،‬‬ ‫أذكار الًتبية بعد شهر أك بضع أياـ من تلقُت الدخوؿ ُب الطريقة‪،‬‬
‫أفبل ترل أيها القارئ العزيز جهالة الشيخ كغباكة ا‪١‬تريد؟ ألف الرؤيا ال‬ ‫كبعض الشيوخ إذا لقن مريده أذكار الًتبية يأمره أف يراجعو كيقوؿ لو ما‬
‫عربة ُّا كثَتا عند القوـ ُب الًتبية الصوفية‪ ،‬ألف ا‪١‬تدار عندىم أمر‬ ‫خطر ببالو‪ ،‬فإذا جاءه ا‪١‬تريد طفق يسألو عن أفراد األشياء بأف يشَت‬
‫كجداين ركحاين‪.‬‬ ‫مثبل‪ :‬إذل زجاجة سائبل ما ىذه؟ فإف أجابو ا‪١‬تريد أهنا زجاجة‪ ،‬فإنو‬
‫يقوؿ ‪١‬تريده دل تبصر قط‪ ،‬أك دل تعرؼ ا‪ٟ‬تقيقة كيأمره بالذىاب‪ ،‬كإذا‬
‫فاعلم أيها ا‪١‬تريد الصادؽ أف الًتبية الصوفية ا‪ٟ‬تقيقية اليت ‪٨‬توـ حو‪٢‬تا‬
‫كاف الغد أك بعض األياـ كزاره ا‪١‬تريد‪ ،‬يبدأ الشيخ ُب سؤاؿ ا‪١‬تريد على‬
‫أصعب كأشق من كل ما سبق‪ ،‬كىي أيضا أيسر كأسهل من كل ما‬
‫األسلوب ا‪١‬تتقدـ مشَتا إذل شيئ آخر حىت يضطر ا‪١‬تريد إذل أف ‪٬‬تيب ب ػ‬
‫فاألىم من كبل األمرين التفويض إذل اهلل‪ ،‬فما على الشيخ‬
‫ٌ‬ ‫ذكرنا‪،‬‬
‫"اهلل" فيجيبو بو‪ ،‬أك يشَت الشيخ إذل شيئ آخر ما ىذا؟ فيجيبو ب ػ‬
‫ا‪١‬ترشد سول التلقُت‪ ،‬كعلى ا‪١‬تريد ما عدا نية معرفة اهلل كمرافقة األذكار‬
‫"اهلل"‪ ،‬فعند ذلك يقوؿ الشيخ صواب ما قلت اآلف‪ ،‬كقد كصلت‪.‬‬
‫مع التفكَت ‪ ،‬كلكن الوصوؿ مفوض أمره إذل اهلل‪ ،‬كعليو يقوؿ القرآف‪:‬‬
‫يوـ ال تملك نفس لنفس شيئا‪ ،‬واْلمر يومئذ هلل‪.‬‬ ‫كبعض شيوخ يعطي مريده أذكار الًتبية ك٭تدد لو األياـ ُب عملها‪ ،‬فإذا‬
‫كملت األياـ‪ ،‬كزاره ا‪١‬تريد أف قد كملت األياـ احملدكدة يقوؿ لو قد‬

‫‪93‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪90‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫أ٘تمت تربيتك كبقي عليك اآلف أعماؿ الًتقية‪ ،‬فيعطيو ذلك أيضا‬ ‫فما ظنك يا صاح العزيز ٔتثل ىذا ا‪١‬تريد أفبل ترل أنو ‪٬‬تيب شيخو أف‬
‫بتعديد أياـ ‪٥‬تصوصة‪ ،‬فإذا جاءه ا‪١‬تريد يقوؿ لو الشيخ قد انتهيت من‬ ‫اهلل ىو كل شيئ‪ ،‬ككل شيئ ىو اهلل‪ ،‬فإف أصاب ا‪١‬تريد ُب أحد األياـ‬
‫أعماؿ الًتقية‪ ،‬ىكذا يلقنو أنواع األذكار للصعود إذل ا‪١‬تقامات ُب‬ ‫الثبلثة يصافحو كيقوؿ لو قد كصلت‪ٍ ،‬ب يقوؿ مفتخرا‪ :‬إف الًتبية‬
‫التصوؼ مثل ا‪٠‬تليفة كالشيخ‪.‬‬ ‫الصوفية عندنا ميسرة ببل تعب كال مشقة‪ ،‬ألهنا ال تتجاكز ثبلثة أياـ‪،‬‬
‫كىذا إفك ٌبُت كضبلؿ مبُت‪.‬‬
‫كالبعض منهم يسلٌم إذل ا‪١‬تريد من أكؿ يوـ لقائهما نسخةن فيها أذكار‬
‫الًتبية كأسرار الفاٖتة كصبلة الفاتح كجوىرة الكماؿ كسر الزيارة كأ‪ٝ‬تاء‬ ‫كأضراب ما سبق من أساليب الًتبية السلبية عند التجانيُت ا‪ٟ‬تقيقيُت‪،‬‬
‫ا‪ٟ‬تواضر ا‪٠‬تمس‪ٍ ،‬ب يأمره بقراءة ا‪ٞ‬تميع‪ ،‬كبقراءتو للجميع لقد بلغ‬ ‫كبعضهم أيضا بعد ما لقن ا‪١‬تريد تلقُت الدخوؿ بٌت أعماؿ سلوؾ ذلك‬
‫ا‪١‬تقامات كلها‪.‬‬ ‫ا‪١‬تريد على إعطائو أنواع األذكار كاألدعية كٔتداكمة ىذا ا‪١‬تريد على ما‬
‫يعطيو شيخو من أذكار كأدعية كدكائر من الدكائر‪ ،‬كل ذلك عنده تربية‬
‫كبعض الشيوخ يعطوف ا‪١‬تريد الًتبية بأف يدعوه ُب الغرفة منفردا كيكلمو‬
‫كترقية كتزكية‪ .‬كبعد انتهاء ذكر أك دعاء أك دائرة يقوؿ الشيخ ‪١‬تريده قد‬
‫بأمور الًتبية كمفاىيمها ٍب يأمر ا‪١‬تريد باإلصغاء إليو با‪٢‬تمة كأنو يلقى‬
‫بلغت مقاـ كذا‪ ،‬أك قد كنت ُب مرتبة كذا ككذا‪.‬‬
‫إليو احملاضرة حوؿ معرفة اهلل‪ ،‬كبعد ىذا الكبلـ ُب اليوـ األكؿ يسأؿ‬
‫يد فانظر ماذا ترل فيما كلمتك بو عمن ىو اهلل؟ ىكذا يفعل ُب‬
‫ا‪١‬تر ى‬ ‫كبعضهم أيضا بعد ما بايعو ا‪١‬تريد كأعطاه التلقُت ُب دخوؿ الطريقة‬
‫اليوـ الثاين كالثالث إف دل ‪٬‬تد ا‪ٞ‬تواب‬ ‫كيتمادل ا‪١‬تريد ُب أعماؿ سلوكو‪ ،‬فإذا كاف مثل ىذا ا‪١‬تريد موىوب‬

‫‪91‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪92‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫إلى ربك منتهاىا‪ :‬عند اهلل تعاذل العلم عن كقت الوصوؿ‬ ‫كاعلم أيها األخ الكرًن القارئ ثبوت ىذه القوؿ ا‪ٞ‬تد أف كصوؿ الًتبية‬

‫إنما أنت منذر من يخشاىا‪ :‬إ‪٪‬تا عليك يا شيخ أف تلقن ا‪١‬تريد أذكار‬ ‫عم النيب ‪٤‬تمد (صلى اهلل عليو كسلم) عند‬
‫يكوف ٔتشيئة اهلل‪ ،‬فانظر إذل ٌ‬
‫كتبُت لو اآلداب ا‪١‬تتعلقة بالًتبية كبالسلوؾ‬
‫الًتبية ٌ‬ ‫ما كاف ُب غمرات ا‪١‬توت‪ ،‬كأراد (صلى اهلل عليو كسلم) أف يقوؿ عمو‬
‫كلمة اإلخبلص ا‪١‬تشرفة‪ ،‬فلم يستطع أف يقو‪٢‬تا على رغم خفتها على‬
‫كأنهم يوـ يرونها لم يلبثوا إال عشية أو ضحاىا‪ :‬كأف ا‪١‬تريدين إذا‬
‫كصلوا ُب تربيتهم يكوف األمر ‪٢‬تم كأهنم دل ٯتكثوا عليها أمدا طويبل‪ .‬أك‬ ‫اللساف كمع عظمة النيب كجبللتو ككرامتو لدل اهلل‪ ،‬ذلك ألف اهلل‬
‫إهنم يوـ كصوؿ الًتبية ال يركف ُب األشياء إال كاحدا‪ ،‬العشية باطنها أك‬ ‫سبحانو كتعاذل دل يعط عمو (صلى اهلل عليو كسلم) االستطاعة أك‬
‫ضحاىا ظاىرىا‪ ،‬كذلك معٌت ال إلو إال اهلل ‪٤‬تمد رسوؿ اهلل‪.‬‬ ‫النصيب على أف يقو‪٢‬تا للحصوؿ على مرتبة اإلسبلـ‪ ،‬فما ظنك ٔترتبة‬
‫أجل‪ ،‬كلقد أكضح الشيخ ا‪ٟ‬تاج إبراىيم كيفية الًتبية ُب الطريقة التجانية‬ ‫اإلحساف أل مرتبة معرفة اهلل با‪ٟ‬تقيقة‪ ،‬كلذلك يقاؿ ُب ا‪١‬تثل‪ :‬كل‬
‫كٖتديد زمنها ُب كتابو جواىر الرسائل ص ‪ُ ،24‬ب رسالة كتبها إذل‬ ‫ميسر بتيسَت اهلل‪ ،‬بل كل ميسر ‪١‬تا خلق لو‪.‬‬
‫ىب حُت قاؿ‪ :‬أما ما ذكرت من وصوؿ المريدين فالحمد‬
‫مريده ىم َّن أ َّ‬
‫مقرا‪ :‬إف مثل ىذه الًتبية السلبية اليت مررت‬
‫كأخَتا ُب ىذا الباب أقوؿ ٌ‬
‫هلل بازدياد اإليماف في اْلمة‪ ،‬وأما حاؿ اآلخرين وما سألت عنو من‬
‫عليها أيها القارئ ال تعطي صاحبها ذكقا كال كشفا حىت يستطيع أف‬
‫كيفية التربية‪ ،‬اعلم أرشدنا اهلل وإياكم أف التربية في طريقتنا – بهمة‬
‫الشيخ الختم التجاني رضي اهلل عنو الذي يقوؿ من يعرفني يعرفني‬ ‫يفهم حقيقة التصوؼ كجوىريتو‪.‬‬
‫وحدي – فليس على المقدـ المأذوف لو بالتلقين سوى مجرد‬

‫‪97‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪94‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ىل يمكن تحديد مدة وصوؿ التربية أـ ال؟‪:‬‬ ‫وآخر لكشف الحقائق‪ ،‬وآخر ما يتعدى بو الخياؿ‪ ،‬والمثاؿ‪ ،‬وكل‬
‫لو مقاـ معلوـ‪ ،‬وحد مرسوـ‪ ،‬تقتضيو جبلّتو‪.‬‬
‫دل يكن ىناؾ طريقة صوفية صحيحة ٖت ٌدد للمريد مدة الوصوؿ‪ ،‬إما‬
‫يوما أك يومُت‪ ،‬أسبوعا أك أشهرا‪ ،‬أك سنُت‪ .‬كإ‪٪‬تا كاف القدماء من‬ ‫قلت‪ :‬كليس ُب الطريقة التجانية التحديد لوصوؿ ا‪١‬تريد ُب تربيتو‪ ،‬كليس‬
‫الطرؽ الصوفية يعتزلوف الناس با‪٠‬تلوة‪ ،‬كيهجركف الدنيا كزخارفها‪،‬‬ ‫للمرشد سول أف يل ٌقن ا‪١‬تريد أذكار الًتبية‪ٍ ،‬ب يفوض أمره إذل اهلل‬
‫كيستمركف على أذكارىم‪ ،‬منتظرين كصوؿ تربيتهم‪.‬‬ ‫تعاذل‪ ،‬منتظرا لو الفتح‪ ،‬ألف الًتبية الركحية تقابل القيامة‪ ،‬كال ٖتديد‬

‫قاؿ ابن عريب (كىو من القدماء) ُب كتابو تنبيهات على علوٌ ا‪ٟ‬تقيقة‬ ‫لوقت ‪٣‬تيئ القيامة‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬ويسألونك عن الساعة أياف مرساىا‪،‬‬

‫احملمدية ص ‪ :33‬وما ح ّد من ح ّد الخلوات بالزماف إال على‬ ‫فيم أنت من ذكراىا‪ ،‬إلى ربك منتهاىا‪ ،‬إنما أنت منذر من‬

‫حسب ما وجد‪ ،‬فأخباره عن وجد صحيح‪ ،‬وىو مخطئ في طرد‬ ‫يخشاىا‪ ،‬كأنهم يوـ يرونها لم يلبثوا إال عشية أو ضحاىا (النازعات‬
‫‪.)46 – 42‬‬
‫الح ّد الزماني‪ ،‬فإف اْلمزجة تختلف‪ ،‬وفراغ قلوب العباد من الكوف‬
‫ليس على مرتبة واحدة‪ ،‬وإنما ىو على قدر الباعث والطبع‬ ‫فقولو‪ :‬ويسألونك عن الساعة‪ :‬أل يسألك ا‪١‬تريدكف يا شيخ عن الًتبية‬
‫المساعد‪.‬‬
‫أياف مرساىا‪ :‬أل مىت الوصوؿ فيها‬
‫فقد يفتح لواحد في يومين ما يفتح آلخر في شهرين‪ ،‬وآلخر في‬
‫فيم أنت من ذكراىا‪ :‬فيم أنت تي ٌقننا بالوصوؿ فيها ٌ‬
‫كتؤمننا عليها‪ ،‬أك‬
‫سنتين‪ ،‬وال يفتح آلخر أبدا‪ .‬وقد يؤىل واحد لإللقاء والتنزيل‪،‬‬
‫ليس لك العلم عن زمن الوصوؿ فيها‬

‫‪95‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪96‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ففي فنائي فنا فنػائي ‪ ....‬وفي فنائي وجدت أنت‬ ‫التلقين وتبليغ ما أُمر بتبليغو من الشروط واآلداب‪ .‬والمريد ليس‬
‫عليو إال حفظ الواجبات الدينية المعلومة ضرورة ومالزمة للورد‪،‬‬
‫في محو اسمي ورسم جسمي ‪ #‬سألت عني فقلت أنت‬
‫واعتقاد أف الورد الالزـ أعظم اْلسرار التجانية‪ ،‬والنفر فيو‪ ،‬ويلزـ‬
‫أنت حياتي وسر قلبي ‪ ....‬فحيثما كنت كنت‬ ‫بعد ذلك ما أمكنو من اْلوراد غير الالزمة‪ ،‬بحسب ما أذف لو‪ ،‬وال‬
‫أنت‬ ‫يريد بهذا إال وجو اهلل الكريم‪ ،‬ال دنيا وال آخرة‪ ،‬وال مقاما من‬
‫فمن بالع ػفو يا إلهي ‪ .........‬فلست أرجو سواؾ أنت‬
‫َّ‬ ‫ويفوض‪ .‬وإذا داـ على‬
‫الظن ّ‬
‫المقامات‪ ،‬ويشهد المنّة‪ ،‬ويحسن ّ‬
‫ىذا من غير غرض فليحمد اهلل دائما‪.‬‬
‫كىذا القلب عند ما انقشع عنو الغفلة كالغشاكة‪ ،‬كصار فارغا كفؤاد أـ‬
‫موسى‪ ،‬يصَت ‪ٝ‬تعا حقيقيا يسمع بو صاحبو من ا‪١‬تلكوت‪ ،‬كبصرا‬ ‫وقبيح في المريد وقادح في العبودية وعار كبير ورذيلة من رذائل‬
‫حقيقيا يبصر بو ملكوت السموات كاألرض‪ ،‬كلسانا حقيقيا يتكلم بو‬ ‫النفس كونو يعبد اهلل ويذكره وينتظر بسبب ذلك الفتح اليوـ أو‬
‫كبلما نورانيا‪ ،‬ال لغو فيو كال تأثيم‪ ،‬إال قيبل سبلما سبلما‪ ،‬كلذلك قاؿ‬ ‫غدا‪ ،‬أو في اْلسبوع أو في الشهر‪ ،‬أو في العاـ‪ ،‬فإف اهلل ال‬
‫بعضهم‪:‬‬ ‫يستحق عليو أحد شيئا‪ ،‬وىو يستحق العبادة بذاتو‪ ،‬فمن استبطأ‬
‫الفتح فليتب إلى اهلل‪ ،‬وليعلم أنو إف داـ على عملو مدة عمر الدنيا‬
‫حقيقا شاىد ما خفى حقيقا شاىد ما خفى‬
‫وفتح عليو لحظة واحدة أدرؾ فيها ما يعلّمو أف الحضرة تساوي‬
‫وإف القلب إذا صفى حقيقا شاىد ما خفى‬

‫‪101‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪98‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫َّ ِ‬
‫ذلك وفوؽ‪ ،‬وإف لم يفتح عليو أصال‪ ،‬كفاه االشتغاؿ باهلل حتى‬ ‫ين آ ََمنُوا‬‫لو اإلدراؾ الكامل ُب رؤية اهلل كمعرفتو‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬يَا أَيُّػ َها الذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ ِ‬
‫يموت‪ ،‬فليس على المريدين إال حمد اهلل على كل حاؿ (انتهى)‪.‬‬ ‫اتَّػ ُقوا اللَّوَ َوآَمنُوا ب َر ُسولو يُػ ْؤت ُك ْم ك ْفلَْي ِن م ْن َر ْح َمتو َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم نُ ً‬
‫ورا‬
‫يم (الحديد‪ .....)28:‬أَفَ َم ْن‬ ‫شو َف بِ ِو ويػ ْغ ِفر لَ ُكم واللَّو غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ٌ‬ ‫تَ ْم ُ‬
‫َشرح اللَّوُ ص ْدرهُ لِ ِْإلس َالِـ فَػهو َعلَى نُوٍر ِمن ربِِّو فَػويل لِ ْل َق ِ‬
‫اسيَ ِة‬ ‫ْ َ َْ ٌ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ض َال ٍؿ ُمبِي ٍن (الزمر‪ )22:‬أَفَ َال‬ ‫ك فِي َ‬ ‫قُػلُوبُػ ُه ْم ِم ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِو أُولَئِ َ‬
‫وب أَقْػ َفالُ َها (محمد‪.)24:‬‬ ‫يَػتَ َدبَّػرو َف الْ ُق ْرَآ َف أ َْـ َعلَى قُػلُ ٍ‬
‫ُ‬
‫محل التربية الصوفية الصحيحة في المريد‪:‬‬ ‫علي كرـ اهلل كجهو‪( ،‬كقيل ا‪ٟ‬تبلج)‪:‬‬
‫كلذلك قاؿ اإلماـ سيدنا ٌ‬
‫ك‪٤‬تلها كما قلنا سابقا ىو القلب بدليل قولو تعاذل‪ :‬واعلموا أف اهلل‬ ‫أنت‬ ‫رأيت ربّي بعين قلبي ‪ ....‬فقلت ال شك أنت‬
‫يحوؿ بين المرء وقلبو وأنو إليو تحشروف‪ .‬كإليو أشار النيب (صلى اهلل‬
‫أنت‬ ‫فليس لألين منك أين ‪ .....‬وليس أين بحيث‬
‫عليو كسلم) عند ما سئل أين اهلل ُب األرض؟ فقاؿ‪ :‬اهلل في قلب‬
‫العبد المؤمن‪ ،‬كُب ا‪ٟ‬تديث القدسي‪ :‬ما وسعني أرضي‪ ،‬وال سمائي‪،‬‬ ‫أنت‬ ‫أنت الذي حزت كل أين ‪ .....‬بنحو ال أين ثم‬
‫ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن‪.‬‬
‫وليس للوىم فيك وىم ‪ .......‬فيعلم الوىم كيف أنت‬
‫كىذا القلب ىو العُت اليت ترل اهللى‪ ،‬كىو الذم يرل اهللى بو األكلياءي رؤية‬
‫أحطت علما بكل شيئ ‪ .....‬فكل شيئ أراه أنت‬
‫ال يراه أحد بغَته‪ ،‬ال بالعقل كال با‪ٟ‬تواس ا‪٠‬تمس الظاىرة‪ .‬كالقلب ىذا‬

‫‪99‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪100‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫علي‪ :‬أدخلت لساني في فمي فانفتح في قلبي ألف‬


‫أيضا قاؿ اإلماـ ٌ‬ ‫كىو ما يقاؿ عند الصوفية بفتح العُت كفتح األذف كفتح اللساف‪.‬‬
‫باب من العلم مع كل باب ألف باب‪ .‬كقاؿ ُب موضع‪ :‬لو وضعت‬ ‫كىذا القلب أيضا ىو شاطئ البحر األلوىي كالربويب الذم يقف فيو‬
‫لي وسادة وجلست عليها لحكمت ْلىل التوراة بتوراتهم وْلىل‬ ‫ا‪١‬تريد لرؤية ربو‪ ،‬كىو ا‪١‬تيقات ا‪ٟ‬تقيقي ‪ٞ‬تميع العارفُت‪ ،‬كىو منزؿ الرب‬
‫اإلنجيل بإنجيلهم وْلىل القرآف بقرآنهم‪ .‬كقاؿ اإلماـ علي كرـ اهلل‬ ‫كبيتو الذم ينزؿ فيو بدليل قولو تعاذل ُب ا‪ٟ‬تديث القدسي‪ :‬فإذا أحببتو‬
‫كجهو‪:‬‬ ‫كنت سمعو الذي يسمع بو‪ ،‬وبصره الذي يبصر بو‪ ،‬ويده التي‬
‫إني ْلكتم من علمي جواىره ‪ #‬كى ال يرى الحق ذو جهل‬ ‫يبطش بها‪ ،‬ورجلو التي يمشى بها‪.‬‬
‫فيفتتنا‬ ‫قلت‪ :‬كليس معٌت ا‪ٟ‬تديث كما يتو‪٫‬تو جهبلء الناس أنو ينزؿ على ‪ٝ‬تعو‬
‫لقيػل لي أنت ممن يعبد الوثنا‬ ‫ب جوىر علمي لو أبػوح بو‬
‫يا ُر َّ‬ ‫‪ ......‬فبنزكلو تعاذل ُب قلب العبد يصَت ‪ٝ‬تعو كبصره كيده كرجلو ُب‬
‫آف كاحد‪ ،‬أل يصَته ىو بالكلية‪ ،‬يعٍت إذا نزؿ اهلل ُب قلب العبد يصَت‬
‫كالقلب ىذا ىو العرش ا‪ٟ‬تقيقي الذم فيو الكرسي ا‪ٟ‬تقيقي الذم‬
‫كبصره ك‪١‬تسو كمشيو ربانيًّا‪ ،‬لقولو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬فإذا‬
‫‪ٝ‬تعيو ي‬
‫يستوم عليو ا‪ٟ‬تق كالرب‪ ،‬كلذلك ترل أىل الظواىر يكفوف عن تفسَت‬
‫أحببتو كنتو‪.‬‬
‫العرش كاالستواء عليو‪ ،‬كُب ىذا يقوؿ اإلماـ مالك‪ :‬العرش معلوـ‬
‫كاالستواء ‪٣‬تهوؿ كاإلٯتاف بو كاجب كالسؤاؿ عنو بدعة‪.‬‬ ‫كىو آلة التفكَت للصوفيُت‪ ،‬يصلوف ُّا إذل الذكؽ العرفاين‪ ،‬كيأتوف‬
‫ٔتعاف جديدة من كتاب اهلل كسنة رسولو دكف ألفاظ جديدة‪ ،‬كما‬
‫كىو ْتر العارفُت الذم يسبحوف فيو كيشربوف األنوار كا‪ٟ‬تقائق‪ ،‬كىم‬
‫على مقعد صدؽ عند رُّم ا‪١‬تليك ا‪١‬تقتدر‪.‬‬

‫‪105‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪102‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كاف العقل آلة التفكَت لعلماء الظواىر‪ ،‬كلذلك قاؿ تعاذل ُب شأف‬ ‫كىو ‪٣‬تمع األكلياء أك بيتهم الذم ‪٬‬تتمعوف فيو‪ ،‬كيتصل فيو بعضهم‬
‫القرآف أَفَ َال يَػتَ َدبَّػرو َف الْ ُق ْرَآ َف أ َْـ َعلَى قُػلُ ٍ‬
‫وب أَقْػ َفالُ َها (محمد‪.)24:‬‬ ‫م ُب األرض أك ُب السماء‬ ‫سر ٌ‬
‫ُ‬ ‫مادم أك ٌ‬
‫ببعض‪ ،‬كليس ىناؾ بيت ٌ‬
‫‪٬‬تتمعوف فيو‪ ،‬كما كاف ألكلياء الشيطاف أىل الظلمة السرية كالوثنيُت‬
‫كىذا القلب ىو ‪٤‬تل عقد النكاح الرباين كالسرياف النوراين بُت ا‪١‬ترشد‬
‫‪٦‬تا يتو‪٫‬تو قصارل الناس‪.‬‬
‫كا‪١‬تريد‪ ،‬كفيو يكوف ا‪ٞ‬تماع النوراين كا‪ٟ‬تمل النوراين للنسل النوراين لوالدة‬
‫أكالد األنوار كاألركاح اليت تسمى بالوالدة الثانية‪ ،‬اليت من دل يكن لو‬ ‫كىو البيت كالبلد األمُت‪ ،‬كاألكلياء العارفوف أحبلَّؤه لقولو تعاذل‪َ :‬ال‬
‫منها نصيب فلن يلج ملكوت السموات‪ ،‬كلن يكوف لو أدىن ذكؽ‬ ‫ت ِحلٌّ بِ َه َذا الْبَػلَ ِد (‪َ )2‬وَوالِ ٍد َوَما َولَ َد‬
‫ْس ُم بِ َه َذا الْبَػلَ ِد (‪َ )5‬وأَنْ َ‬
‫أُق ِ‬
‫عرفاف منها‪ ،‬مهما بلغ من العلوـ الظواىر كالعبادات ا‪١‬تتوفرة ا‪١‬تتواترة‪.‬‬ ‫(البلد‪)3:‬‬
‫كىو أيضا مدرسة الصوفيُت كمكتبتهم الشاملة اليت يتعلموف فيها‪ ،‬كىو‬ ‫كىو ‪٥‬تزف األسرار كاألنوار كا‪١‬تعارؼ للصوفيُت كمكتبتهم الشاملة ‪ٞ‬تميع‬
‫لوحهم الذم يكتبوف عليو‪ ،‬ككتاُّم الذم يقرؤكف منو‪ ،‬كىو مسجدىم‬ ‫احتياجاهتم اليت إذا كانوا فيها ال ٭تتاجوف إذل كتاب ألىل الظواىر ُب‬
‫الذم فيو يصلوف صبلهتم الدائمة‪ ،‬كيذكركف فيو ذكرىم الدائم‪ ،‬كىو‬ ‫‪ٚ‬تيع الفنوف‪ ،‬كال إذل مذىب أحد من أىل ا‪١‬تذاىب االجتهادية قبل أف‬
‫٭تجوف إليو كيدخلونو آمنُت‪ .‬وىذا‬ ‫م ٌكتهم أل بلدىم األمُت الذم ٌ‬ ‫يتكلموا ٔتا أرادكا‪ ،‬أك ٭تكموا على ما شاءكا‪ ،‬كال إذل تفسَت مفسر‪ ،‬كال‬
‫ين آ ََمنُوا َوتَط َْمئِ ُّن‬ ‫َّ ِ‬
‫البلد اْلمين‪ ....‬ومن دخلو كاف آمنا ‪ ....‬الذ َ‬ ‫إذل حكاية أىل ا‪ٟ‬تكايات‪ ،‬كال إذل ركاية أىل الركايات‪ ،‬ألهنم يرككف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب (الرعد‪)28:‬‬ ‫قُػلُوبُػ ُه ْم بِذ ْك ِر اللَّو أ ََال بِذ ْك ِر اللَّو تَط َْمئ ُّن الْ ُقلُ ُ‬ ‫منو (صلى اهلل عليو كسلم) با‪١‬تكا‪١‬تة معو ُب ىذا اَّمع‪ ،‬كلوصو‪٢‬تم إذل‬
‫ىذه ا‪١‬ترتبة يقاؿ‪ :‬العارؼ ال يقيّد بمذىب‪ ،‬كبوصو‪٢‬تم إذل ىذه ا‪١‬ترتبة‬

‫‪103‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪104‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫سنوات‪ ،‬كالثانية كذلك‪ ،‬كالثالثة كذلك‪ ،‬كالدليل قولو تعاذل على لساف‬ ‫كللقلب عندىم ألقاب كصفات‪ :‬ىو الربزخ ا‪ٟ‬تقيقي بُت أىل الظواىر‬
‫النيب شعيب ‪١‬توسى (عليهما السبلـ)‪ :‬إني أريد أف أنكحك إحدى‬ ‫كالبواطن‪ ،‬ىو الدرة البيضاء‪ ،‬كىو الباب إذل العوادل الغيبية ‪ ،‬كىو‬
‫السماء ا‪ٟ‬تقيقي عندىم‪ ،‬كىو البلد األمُت كما سبق ذلك‪ ،‬ك‪ٝ‬تاؤىم‬
‫ابنتي ىتين على أف تأجرني ثماني حجج‪ ،‬فإف أتممت عشرا فمن‬
‫ا‪ٟ‬تقيقية اليت مشسها قلب ‪٤‬تمد‪ ،‬كأقمارىا قلوب العارفُت‪ ،‬كأ‪٧‬تمها‬
‫عندؾ‪ ،‬إني ال أريد أف أش ّق عليك‪ ،‬قاؿ ستجدني إف شاء اهلل من‬
‫قلوب ا‪١‬تريدين‪ ،‬كىو جربيل عندىم ُب استمداد ا‪١‬تعارؼ الربانية‪.‬‬
‫الصابرين‪( .....‬األنبياء)‪ .‬كىذه ا‪١‬تدة (عشر سنوات) للدرجة األكذل‬
‫كىو نصيب كل إنساف إال من غفل عنو‪ ،‬كىو بيت اهلل الذم ال‬
‫اليت ىي الًتبية فقط بالنسبة للنيب موسى عند شعيب‪.‬‬
‫يدخلو أم مريد إال بواسطة مرشد كامل يطلق لو سراحو كزمامو لقولو‬
‫كقد يقطع ا‪١‬تريد ىذا السَت حىت الكماؿ فيما بُت ثبلث سنوات‪،‬‬ ‫ضرب اللَّوُ مثَ ًال رج ًال فِ ِيو ُشرَكاء متَ َ ِ‬
‫سو َف َوَر ُج ًال َسلَ ًما‬ ‫شاك ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َُ‬ ‫تعاذل‪َ َ َ :‬‬
‫كيكوف لكل كاحدة من الدرجات الثبلث سنة سنة‪ .‬كقد يقطعو ا‪١‬تريد‬ ‫ْح ْم ُد لِلَّ ِو بَ ْل أَ ْكثَػ ُرُى ْم َال يَػ ْعلَ ُمو َف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َر ُج ٍل َى ْل يَ ْستَ ِويَاف َمثَ ًال ال َ‬
‫فيما بُت ثبلثُت شهرا كما ُب اآلية‪ ،‬كقد يقطعو فيما بُت أربعُت ليلة أك‬ ‫(الزمر‪)29:‬‬
‫ثبلثُت يوما‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬وواعدنا موسى ثالثين ليلة‪ ،‬وأتممناىا‬ ‫يفر إذل من يدخلو ذلك البيت‬
‫فإذا كاف للمريد التيقظ من نوـ غفلتو ٌ‬
‫فتم ميقات ربو أربعين ليلة‪ ،‬وقاؿ موسى ْلخيو ىاروف‬
‫بعشر‪ّ ،‬‬ ‫الذم ىو كامل العصر‪ ،‬كمدخلو الًتبية الصوفية الصحيحة اليت تكوف‬
‫اخلفني في قومي وأصلح‪ ،‬وال تتبع سبيل المفسدين (األعراؼ‬ ‫باإلذف الصحيح من صاحبو‪ ،‬كليس كما يظن أصحاب التصوؼ‬
‫العلمي الذين يزعموف أهنم ٔتجرد اطبلعهم على كتب التصوؼ قد‬

‫‪109‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪106‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫صاركا من الصوفيُت العارفُت حىت ترل بعض إخواننا الذين ٗترجوا من‬ ‫والدي‪ ،‬وأف أعمل صالحا ترضاه‪ ،‬وأصلح لي في‬
‫ّ‬ ‫علي‪ ،‬وعلى‬
‫ّ‬
‫ا‪١‬تدارس العربية على ا‪١‬تستول الثانوم أك ا‪ٞ‬تامعي‪ ،‬كٗتصصوا ُب علم‬ ‫ذريّتي‪ ،‬إني تبت إليك وإني من المسلمين (األحقاؼ ‪.)26‬‬
‫التصوؼ أك دل يتخصصوا‪ ،‬يدعوف أنفسهم صوفيُت من غَت تربية‬
‫فقولو الوالدين‪ :‬ا‪٠‬تالق كالوالد‪ ،‬أك الوالد الركحي كالوالد النسلي‬
‫صحيحة صوفية‪.‬‬
‫حملتو أمو كرىا‪ :‬أل مقامة اإلسبلـ‬
‫كلقد قاؿ الغزارل ُب مثل ىؤالء ا‪١‬تدعُت ما ليس فيهم حيث قاؿ‪ :‬إف‬ ‫ووضعتو كرىا‪ :‬أل مقامة اإلٯتاف التارل ‪١‬تقامة اإلسبلـ‬
‫تصوؼ لفظي مادي كشجرة بال ثمر‪ ،‬ككل مريد‬
‫ٌ‬ ‫التصوؼ بال تربية‬
‫وحملو وفصالو‪ :‬مقامة اإلحساف‪ ،‬كىو السلوؾ الصوُب أل اإلسبلـ‬
‫دل يزد على أخذ اإلذف كالتلقُت شيئا فهم ُب منزلة الوالية ا‪٠‬تاصة‪.‬‬
‫اَّدَّد‬
‫وصوؿ التربية تارة‪:‬‬
‫ثالثوف شهرا‪ :‬الدرجات الثبلث‪ :‬الًتبية كالًتقية كا‪١‬تعرفة‪،‬‬
‫كقد يكوف كصوؿ الًتبية ‪٤‬تدكد ا‪١‬ت ٌدة بإشارات قرآنية كأحاديث نبوية‪،‬‬
‫حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة‪ :‬أل صار كامبل ُب الوالية‬
‫طبقا لقولو تعاذل‪ :‬ووصينا اإلنساف بوالديو إحسانا‪ ،‬حملتو أمو كرىا‪،‬‬
‫كا‪١‬تعرفة‪.‬‬
‫ووضعتو كرىا‪ ،‬وحملو وفصالو ثالثوف شهرا‪ ،‬حتى إذا بلغ أشده‬
‫يدرم القارئ ‪٦‬تا سبق أف اهلل تعاذل يشَت بقولو ثالثوف شهرا إذل م ٌدة‬
‫وبلغ أربعين سنة‪ ،‬قاؿ رب أوزعني أف أشكر نعمتك التي أنعمت‬
‫كصوؿ ا‪١‬تريد إذل بلوغو الكامل‪ ،‬فقد يقطع ا‪١‬تريد سَته الركحي إذل‬
‫الكماؿ فيما بُت ثبلثُت سنة‪ ،‬تستغرؽ الدرجة األكذل (الًتبية) عشر‬

‫‪107‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪108‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫آخر‪ :‬يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية‪،‬‬ ‫‪ ،)253‬كقاؿ الرسوؿ‪ :‬من أخلص هلل قلبو أربعين يوما‪ ،‬ينزؿ في‬
‫فادخلي في عبادي‪ ،‬وادخلي جنتي‪( ....‬سورة الفجر)‬ ‫قلبو النور (أك كما قاؿ)‬
‫كمنهم من يلبث على سَته الركحي ثبلث ٕتليات مثل نيب اهلل يونس‪،‬‬ ‫كُب شأف ما بُت الليارل قاؿ تعاذل‪ :‬والفجر‪ ،‬ولياؿ عشر‪ ،‬والشفع‬
‫‪........‬في ظلمات ثالث (الزمر ‪.)7‬‬ ‫والوتر‪.....‬‬
‫فقولو‪ :‬والفجر أل كماؿ البلوغ ُب الوالية‪ ،‬أك الوصوؿ التاـ الصادؽ‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫ولياؿ عشر‪ :‬من يوـ البيعة كالتلقُت إذل كصوؿ الًتبية‬
‫التصوؼ من القاصرين ا‪ٟ‬تد البالغ ُب تعجيل الًتبية‬
‫ي‬ ‫أما اليوـ فلقد شهد‬
‫والشفع‪ :‬ليارل ترقياتو‬
‫من ا‪١‬تريدين الذين يتعجلوف ُب كصوؿ الًتبية الصوفية‪ ،‬كيستبطئوف‬
‫الفتح على اهلل‪ ،‬كباتوا ال يفوضوف أمر الوصوؿ ُب تربيتهم إذل اهلل‪.‬‬ ‫والوتر‪ :‬ليل كمالو ُب ا‪١‬تعرفة‪ ،‬كىو حضرة الوتر ألف فيها يصَت ا‪١‬تريد‬
‫كا‪١‬تراد كاحدا‪ ،‬كلذلك يقوؿ الصوفية أهنا حضرة كحدة الوجود كاالٖتاد‬
‫كأما اليوـ فقد كاف بعض الشيوخ أنفسهم ىم الذين يقولوف ‪١‬تريديهم‪:‬‬
‫لقد استحق أف يأتيك الفتح ُب تربيتك‪ ،‬يا غبلـ‪ ،‬كيقولوف إف كصوؿ‬ ‫بُت الرب كالعبد‪ ،‬كمن ٖتقق ًكتٍ ًريػَّتىو تعاذل فقد ٖتقق معيَّتو بربو‪ .‬كقاؿ‬
‫الًتبية عندنا ٭تصل للمريد فيما بُت يومُت أك ثبلثة أياـ‪ ،‬كمنهم من‬ ‫وتر ويحب الوتر‪.‬‬
‫الرسوؿ‪ :‬إف اهلل ٌ‬
‫يقولوف‪ :‬إنك يا فىت إذا أ٘تمت عدد كذا ككذا من األذكار يأتك الفتح‪،‬‬ ‫أك بُت ثبلثة أسابيع‪ ،‬أك بُت بضع لياؿ‪ ،‬أك ثبلثة أياـ‪ ،‬أك بُت ثبلث‬
‫‪ٟ‬تظات‪ ،‬إف أمرنا إال كلمح للبصر أو ىو أقرب‪ ،‬كىذا شاذٌ الوقوع‪.‬‬

‫‪113‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪110‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ككل ىذه ا‪١‬تدات ليس بيد ا‪١‬تريد اختيارىا‪ ،‬كال بيد ا‪١‬ترشد‪ ،‬كإ‪٪‬تا ىي‬ ‫قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أف نبدؿ أمثالكم‬
‫ٔتشيئة اهلل تعاذل‪ ،‬فإف منهم من فاؽ كل ما ذكرناه‪ ،‬كال أدىن من ثبلث‬ ‫وننشئكم فيما ال تعلموف (الواقعة)‪.‬‬
‫‪ٟ‬تظات‪.‬‬ ‫كىكذا إذا أحسن إسبلمو حىت الوفاة‪ ،‬يتجلى ُب مرتبة اإلٯتاف الكامل‪،‬‬
‫أما عند ا‪١‬تعتقدين بتجليات األركاح للكماؿ فإهنم قاال إف اإلنساف‬ ‫كيأٌب الدنيا ُب عصره الثالث مؤمنا كامبل‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬قالت اْلعراب‬
‫يلبث ثبلثة عصور قبل أف يلقى نور التصوؼ كا‪١‬تعرفة‪ ،‬يعمر العصر‬ ‫ولما يدخل اإليماف في‬
‫آمنّا‪ ،‬قل لم تؤمنوا‪ ،‬ولكن قولوا أسلمنا‪ّ ،‬‬
‫األكؿ ُب الكفر‪ ،‬كالثاين ُب اإلسبلـ‪ ،‬كالثالث ُب اإلٯتاف قبل أف يبلقي‬ ‫قلوبكم‪ ،‬وإف تطيعوا اهلل ورسولو‪ ،‬ال يلتكم من أعمالكم شيئا‪ ،‬إف‬
‫بنور ا‪١‬تعرفة ُب التصوؼ‪.‬‬ ‫اهلل غفور رحيم (ا‪ٟ‬تجرات ‪)25‬‬
‫فكل كافر اتصف ْتسن ا‪١‬تعاملة بالناس مع كونو كافرا‪ ،‬فإنو إف مات‬ ‫ٍب إنو إف استقاـ إٯتانو باهلل يأٌب ُب العصر الرابع ‪٤‬تسنا‪ ،‬ك٭تصل بينو‬
‫يتجلى ُب مرتبة اإلسبلـ‪ ،‬كيأٌب ُب عصره الثاين مسلما حقيقيا‪ ،‬جزاء‬ ‫كبُت التصوؼ اللقاء‪ ،‬فينتظم فيو‪ ،‬كيكوف من الصوفيُت ا‪١‬تفلحُت‪ ،‬لقولو‬
‫إحسانو عند اَّيئ األكؿ‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬فمن يرد اهلل أف يهديو يشرح‬ ‫تعاذل‪ :‬بلى من أسلم وجهو هلل وىو محسن‪ ،‬فلو أجره عند ربو‪ ،‬وال‬
‫صدره لإلسالـ (األنعاـ ‪ ،)236‬كقاؿ ُب موضع آخر‪ :‬أفمن شرح‬ ‫خوؼ عليهم وال ىم يحزنوف (البقرة ‪ٍ ،)223‬ب يرجع من التصوؼ‬
‫اهلل صدره لإلسالـ‪ ،‬فهو على نور من ربو‪ ،‬فويل للقاسية قلةبهم من‬ ‫إذل ربو رجوعا حقيقيا‪ ،‬قاؿ القرآف‪ :‬وكيف تكفروف باهلل وكنتم أمواتا‬
‫ذكر اهلل‪ ،‬أولئك في ضالؿ مبين (الزمر ‪ ،)33‬كلقولو تعاذل‪ :‬نحن‬ ‫فأحياكم‪ ،‬ثم يميتكم‪ ،‬ثم يحييكم‪ ،‬ثم إليو ترجعوف‪ .‬كقاؿ ُب موضع‬

‫‪111‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪112‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ثم يخرجكم طفال‪ :‬كاصبل إذل معرفة األ‪ٝ‬تاء كالصفات أل ا‪١‬توجودات‬ ‫السر ا‪١‬تطلوب ُب الًتبية للمريد‪،‬‬
‫كال شك‪ .‬كذلك ما جعلهم يفشوف ٌ‬
‫دفعة كاحدة‪ ،‬كىذا ما يسمى بالنزلة األكذل كنزكؿ القرآف للنيب (صلى‬ ‫فيحسب ا‪١‬تريد أنو قد كصل كصوال حقيقيا‪.‬‬
‫اهلل عليو كسلم) ‪ٚ‬تلة كاحدة‪.‬‬ ‫كىذا عُت ما سبٌب االستخفاؼ بشأف الًتبية من أمثاؿ أكلئك‬
‫لتبلغوا أشدكم ‪ :‬لتًتقوا بتفكَتكم ُب ا‪١‬توجودات طبقة بعد طبقة حىت‬ ‫ا‪١‬تريدين‪ ،‬ألهنم بنياف‪ ،‬ليس لو أساس مستقيم‪ ،‬شيٌد على رماد يعصف‬
‫تدخلوا حضرة ا‪١‬تعارؼ‪ ،‬كينزؿ على قلوبكم الفيوضات كاألنوار من غَت‬ ‫بو الريح‪.‬‬

‫انقطاع‪ ،‬كىذا مبلغ الرجاؿ الكمل العارفُت‪.‬‬ ‫مراتب العلوـ الذوقية للسالكين ثالث‪:‬‬
‫ومنكم من يتوفى‪ :‬منكم من نوفقو لوصوؿ الًتبية اليت ىي بلوغ‬ ‫فا‪١‬ترتبة األكذل تبدأ من يوـ بيعة ا‪١‬تريد للشيخ كتلقينو‪ ،‬ألف ‪ٚ‬تيع ما يفعلو‬
‫السلوؾ أل أكؿ البلوغ‬ ‫ا‪١‬تريد من اللوازـ الصباحية كا‪١‬تسائية‪ ،‬كالوظيفة اليومية‪ ،‬كا‪٢‬تيللة األسبوعية‬
‫ومنكم من يرد إلى أرذؿ العمر‪ٔ :‬تعٌت منكم من يرتد إذل دبره من بعد‬ ‫ا‪ٞ‬تمعية‪ ،‬كأذكاره ا‪٠‬تصوصية‪ ،‬كخدمتو كزيارتو كىديتو‪ ،‬كل ىذا كذاؾ‬
‫الدخوؿ ُب السلوؾ‪ ،‬كلو قد ترىب‪ ،‬كيكوف مثل الذم أخلد إذل األرض‬ ‫مرتبة الدخوؿ ُب السلوؾ‪ ،‬كىو كا‪١‬تقدمة أك التمهيد ُب الكتاب‪ ،‬أك‬
‫علم الفصاحة ُب الببلغة‪ ،‬أك الطهارة ُب الصبلة‪ ،‬أك كاالستعاذة‬
‫منسلخا عن آياتنا فيصَت كمن ال معرفة لو البتة‪.‬‬
‫كالبسملة عند التبلكة‪.‬‬
‫لكيال يعلم بعد علم شيئا ‪ٔ :‬تعٌت ٯتحى عنو سر التلقُت‪ ،‬فيصَت كمن‬
‫كالثانية تبدأ من بيعة جديدة بتلقُت أذكار الًتبية إذل الوصوؿ فيها‪.‬‬
‫ال تلقُت لو‪ ،‬أعاذنا اهلل من ذلك‪.‬‬

‫‪117‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪114‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كالثالثة ىي مرتبة ا‪١‬تعرفة كىي استمداد ا‪١‬تعارؼ من نور الًتبية‪.‬‬ ‫حد البلوغ عند الصوفيُت ىو كصوؿ الًتبية الصحيحة‪ ،‬ألف ذلك كماؿ‬

‫كلكل مرتبة من ا‪١‬تراتب الصوفية علوـ لدنية كمعارؼ ربانية‪ ،‬يستم ٌد‬ ‫دخولو ُب ا‪ٟ‬تضرة‪ ،‬كبلوغو ُب السَت‪ ،‬كبلوغو مرتبة النكاح الصوُب‪ ،‬كبلغ‬
‫أصحاُّا من مشرب مرتبة حضرهتم‪ ،‬كفيها التفاكت بينهم ُب الدرجة‬ ‫مرتبة اإلمامة ُب الزاكية كاإلمامة ُب الصبلة عند أىل الشريعة‪.‬‬
‫ْتسب علو درجة ا‪١‬ترتبة لكل كاحد منهم‪ ،‬كال ينكر على أصحاب‬ ‫أك نقوؿ بعبارة أخرل إف كصوؿ الًتبية ىذه اليت ىي باب ا‪١‬تعرفة أك‬
‫ىذه ا‪١‬تراتب ُب علومهم كمعارفهم أحد من علماء الظواىر‪ ،‬مهما بلغ‬ ‫مدخل حضرة ا‪١‬تعارؼ‪ٔ ،‬تنزلة كجود ا‪١‬تٍت للبالغ الذم بلغ مرحلة النكاح‬
‫كرسخت قدمو ُب العلوـ كالفنوف‪ ،‬كال يستطيع على أف ينافسهم‪ ،‬بل‬
‫لكل من يريد إ‪٧‬تاب األكالد‪ ،‬أك نقوؿ إف بلوغ ا‪١‬تريد الواصل بالًتبية‬
‫يسلم ‪٢‬تم ا‪ٞ‬تدؿ‪ ،‬ألهنا علوـ ذكقية‪ ،‬فبل ٭تدث ُّا إال من ذاقها‪ ،‬كال‬
‫الصحيحة كبلوغ الطفل الذم بلغ الكبلـ بفصاحة اللساف‪ ،‬أك بلغ‬
‫يفهمها إال أىل مذىبهم‪ ،‬كال لغَتىم فيها إدراؾ ا‪١‬تقصود إال باإلشارة‪،‬‬
‫ألف لذهتا كلذة اَّامعة اليت ال يستقيم كصفها لغَت البالغ‪ ،‬كما قاؿ‬ ‫النظر ْتدة بصره‪ ،‬أك السمع برىف أذنو‪ ،‬أك البطش بيده أك ا‪١‬تشي‬

‫نصو‪ :‬فيها ما فيها وال تسأؿ عن‬ ‫برجلو‪.‬‬


‫اإلماـ الغزارل عنها ُب أحد كتبو ما ٌ‬
‫الخبر‪.‬‬ ‫كىذا أكؿ البلوغ ُب السلوؾ‪ ،‬كيًتقى حىت يبلغ أشده آخر البلوغ‪ ،‬كىو‬

‫حد البلوغ عند الصوفيين‪:‬‬ ‫مربتة كركد ا‪١‬تعارؼ كا‪٢‬تاتف‪ ،‬طبقا لقولو تعاذل ‪ ":‬ثم يخرجكم طفال‬
‫لتبلغوا أشدكم‪ ،‬ومنكم من يتوفى‪ ،‬ومنكم من يرد إلى أرذؿ العمر‪،‬‬
‫كيال يعلم من بعد علم شيئا " (غافر ‪.)78‬‬

‫‪115‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪116‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫متعلقة القلب حيث قاؿ القرآف الكرًن‪ :‬يوـ ال ينفع ماؿ وال بنوف‪ ،‬إال‬ ‫كُب آية أخرل قاؿ تعاذل‪ :‬ثم لتكونوا شيوخا‪......‬‬
‫من أتى اهلل بقلب سليم (الشعراء ‪.)88‬‬ ‫الذنب الحقيقي عند الصوفية‪:‬‬
‫كىذه الًتبية الصوفية ىي التوبة النصوح اليت هتدـ الذنوب ا‪ٟ‬تقيقية‬
‫كمطهر لغَته‪ ،‬فبل‬
‫كصاحب ىذه الطهارة ا‪ٟ‬تقيقية طاىر ُب نفسو‪ٌ ،‬‬
‫ا‪١‬تولودة مع كل إنساف‪ ،‬كتذيبها عن ا‪١‬تريد‪ ،‬كما ىي الذنوب ا‪ٟ‬تقيقية‪.‬؟‬
‫يفعل كال يقوؿ كال يتناكؿ إال طيبا‪ ،‬لقولو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬إف‬
‫الذنوب ا‪ٟ‬تقيقية ىي ا‪١‬تفهومة من قولو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬وجودؾ‬
‫اهلل تعالى طيب‪ ،‬وال يقبل إال طيبا‪.‬‬
‫في الدنيا ذنب ال يقاسيو ذنب أم عدـ معرفتك باهلل كا‪ٞ‬تهل باهلل‬
‫فليس ىناؾ ‪٧‬تس ٯتنع الصوُب العارؼ باهلل من كصوؿ ذكره إذل اهلل‪ ،‬أك‬
‫ىذا عُت اإلشراؾ باهلل تعاذل‪ ،‬كقاؿ القرآف ‪ ":‬إف اهلل ال يغفر أف يشرؾ‬
‫ٯتنع صبلتو من كصو‪٢‬تا إذل الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ ،‬لدليل قولو‬
‫بو ويغفر ما دوف ذلك لمن يشاء ‪.......‬إخل‪.‬‬
‫تعاذل‪ :‬إليو يصعد الكلم الطيب‪ ،‬والعمل الصالح يرفعو (فاطر ‪.)10‬‬
‫كما دكف اإلشراؾ باهلل عند الصوفية ٔتنزلة اللمم اليت ىي ا‪١‬تغفورة عند‬
‫ككذلك قولو تعاذل ُب ا‪ٟ‬تديث القدسي‪ :‬من ذكرني في نفسو أذكره‬
‫بشر الرسوؿ (صلى اهلل‬
‫اهلل كما ُب ىذه اآلية‪ ،‬كىذه اللمم ىي اليت ٌ‬
‫في نفسي‪ ،‬ومن ذكرني في مإل أذكره في مإل خير من مإله‪.....‬‬
‫عليو كسلم) صحابتو بغفراهنا‪ ،‬حيث قاؿ ‪٢‬تم بعد ما ل ٌقنهم ذكر ال إلو‬
‫فإذا نظرنا إذل ىذا ا‪ٟ‬تديث القدسي ‪٧‬تد أنو سبحانو كتعاذل دل ٯتيز كدل‬ ‫إال اهلل ‪ٚ‬تاعة‪ ،‬فقالوه‪ٍ ،‬ب قاؿ‪ :‬قوموا فأنتم مغفوروف أل خارجوف من‬
‫ٮتصص ُب ا‪ٟ‬تديث مكانا دكف مكاف آخر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪١‬تمكم قبل ىذا اليوـ‪ ،‬كالكبَتة الواحدة عند الصوفية ىي ا‪ٞ‬تهل عن‬

‫‪121‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪118‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫معرفة اهلل‪ ،‬كيكوف رفعها بالًتبية الصوفية الصحيحة‪ ،‬قاؿ عنها القرآف‪:‬‬ ‫من ا‪ٞ‬تسد‪ ،‬فما زاؿ صاحب ىذه الطهارة متنجسا باالعتبار إذل بقاء‬
‫"الذين يجتنبوف كبائر االثم والفواحش إال اللمم (النجم)"‪ .‬فكل من‬ ‫بعض تلك النجاسات ُب جسده‪ ،‬كىذه ٔتنزلة الطهارة ا‪ٞ‬تسمية‪ ،‬أك‬
‫ترىب الًتبية الصوفية الصحيحة‪ ،‬كاهندمت عنده تلك الكبَتة‪ ،‬فبل تضره‬ ‫يطهر غَته‪ ،‬كا‪ٟ‬تقيقية كا‪١‬تاء‬
‫ٔتنزلة ا‪١‬تاء الطاىر عند الفقهاء الذم ال ٍّ‬
‫اللمم‪.‬‬ ‫ا‪١‬تطهر لغَته‪.‬‬
‫الطهور ٍّ‬

‫الطهارة الصوفية‪:‬‬ ‫أما الطهارة ا‪ٟ‬تقيقية فهي الطهارة الصوفية‪ ،‬كىي التطهَت بأ‪ٝ‬تاء اهلل‬
‫تعاذل‪ٍ ،‬ب بتزكية النفس‪ٍ ،‬ب ٔتعرفة اهلل بالًتبية الصوفية الصحيحة‪ ،‬أل‬
‫إف الطهارة قسمتاف؛ ‪٣‬تازية كحقيقية‬
‫التوبة النصوح‪ .‬كىذه الطهارة ٔتنزلة الطهور الذم قاؿ عنو الرسوؿ‬
‫فاَّازية ىي ألىل الرسوـ كالظواىر من العلماء‪ ،‬كا‪ٟ‬تقيقية للصوفيُت‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬الطهور شطر اإليماف‪ .‬يعٍت بذلك (صلى اهلل‬
‫أىل البواطن‪.‬‬
‫يطهر اإلٯتاف كيكملو‪ ،‬ألف اإلٯتاف اَّرد‬
‫عليو كسلم) أف ىذا الطهور ٌ‬
‫كأما اَّازية فهي طهارة ‪٤‬تدكدة غَت قالعة للنجاسة من مصدرىا‪،‬‬ ‫بدكف معرفة اهلل ال يسلم صاحبو من ا‪١‬تشاكل الدينية‪ ،‬ىذه من كجو‪.‬‬
‫فالغائط كالبوؿ كا‪ٞ‬تنابة مثبل بعد ما استنجى ا‪١‬تسلم من البوؿ كالغائط‪،‬‬
‫كمن كجو آخر‪ ،‬فإف الطهارة األكذل اَّازية ا‪ٞ‬تسمية لىظاىرة حيث‬
‫أك اغتسل من ا‪ٞ‬تنابة با‪١‬تاء‪ ،‬فكل كاحد من ىذه النجاسات باقية ُب‬
‫تعلٌقت بأعضاء ا‪ٞ‬تسد‪ ،‬كلكن الطهارة الثانية ا‪ٟ‬تقيقية لىباطنة لكوهنا‬
‫مصبٍّها ك‪٥‬ترجها‪ ،‬كلذا كانت ىذه الطهارة ‪٣‬تازية لعدـ قلعها للنجاسة‬

‫‪119‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪120‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كاعتقادىم ىذا اختلف ٘تاما عن اعتقاد الصوفيُت ُب تأثَت النجاسة‪،‬‬ ‫صرح لنا الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم) أنو ال ٯتنع شيئ‬
‫ككذلك ٌ‬
‫كلكن الصوفية دل يعارضوا أىل الرسوـ ُب اعتقاداهتم تلك‪ ،‬بل ىم‬ ‫كصوؿ صبلتنا عليو إال إليو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ ،‬كال ٯتنعو (صلى‬
‫مقلدكف بأىل الظواىر ُب عبادات الشريعة كأمورىا ُب حا‪٢‬تم الظاىرة‪،‬‬ ‫اهلل عليو كسلم) من حضوره ُب أم مكاف ذكر كصلي عليو فيو‪ ،‬بقولو‬
‫كيأمركف أتباعهم ا‪١‬تبتدئُت ُب طريقتهم ٔتتابعة الشريعة‪ ،‬كلكثَت منهم‬ ‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬ما من مجلس ذكرت فيو إال كنت حاضرا‬
‫مؤلفات جيدة ُب بياف أمور الشريعة اليت بيٌنوا فيها ىذه الطهارة على‬ ‫علي‪ ....‬كقولو أيضا‬
‫ذلك المجلس‪ ،‬فزيّنوا مجالسكم بكثرة الصالة ّ‬
‫منهج أىل الظواىر الشرعية‪.‬‬ ‫عن أكس بن أكس (رضي اهلل عنو) قاؿ‪ :‬قاؿ رسوؿ اهلل (صلى اهلل عليو‬

‫أما اعتقادىم فهو بعيد شاسع عن اعتقاد غَتىم من أىل الرسوـ ُب‬ ‫كسلم)‪ :‬إف من أفضل أيامكم يوـ الجمعة‪ ،‬فأكثروا علي فيو من‬

‫تأثَت النجاسة‪ ،‬فإهنم يركف أف كل شيئ ُب األصل حسن كحبلؿ‪ ،‬ككل‬ ‫علي‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسوؿ اهلل وكيف‬
‫الصالة‪ ،‬فإف صالتكم معروضة ّ‬
‫ذرة من ا‪١‬توجودات سر األلوىية‪ ،‬آلية قرآنية قالت‪ :‬الذين يذكروف اهلل‬ ‫تعرض عليك صالتنا وقد أرمت؟ (قاؿ يقوؿ بليت) قاؿ‪ :‬إف اهلل‬

‫قياما وقعودا‪ ،‬وعلى جنوبهم‪ ،‬ويتفكروف في خلق السموات‬ ‫تعالى حرـ على اْلرض أجساد اْلنبياء‪ .‬ركاه أبو داكد بإسناد‬

‫واْلرض‪ ،‬ربنا ما خلقت ىذا باطال‪ ،‬سبحانك فقنا عذاب النار (آؿ‬ ‫صحيح‪.‬‬

‫عمراف ‪.)191‬‬ ‫االختالؼ بين أىل الرسوـ والصوفية في تأثير النجاسة‪:‬‬

‫‪125‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪122‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫إف ىناؾ اختبلفا بُت عقيدة أىل الرسوـ كالصوفية ُب تأثَت النجاسة‪.‬‬ ‫كاعتقدكا أنو ال ‪٬‬توز دخوؿ بيت ا‪٠‬تبلء أك مكاف النجاسة بشيئ من‬
‫فأىل الرسوـ اعتقدكا تأثَت النجاسة ُب بدف العبد ا‪١‬تصلي كثوبو كمكانو‬ ‫آالت العبادة كالسبحة‪ ،‬أك بشيئ فيو اسم اهلل تعاذل‪ ،‬اعتقادا أف ذلك‬
‫للصبلة مثبل‪ ،‬كُّذه قد بطلت صبلتو أك ٘تنعها من كصو‪٢‬تا إذل اهلل‪.‬‬ ‫يصَت تلك اآلالت ‪٧‬تسة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كثبت ُب اعتقادىم أيضا أف ا‪١‬تسلم الصائم إذا أكل أك شرب حراما‪،‬‬ ‫أم شيئ ‪٧‬تس إذا اتٌصل ّتسم ا‪١‬تسلم فقد‬
‫كمن اعتقاداهتم أيضا أف ٌ‬
‫أك فعل حراما كقت صومو‪ ،‬فقد بطل صومو‪ ،‬ألف ذلك ا‪ٟ‬تراـ ‪٧‬تس‪.‬‬ ‫أثٌرت تلك النجاسة ُب جسده‪ ،‬أك أكلو أك استعملو لنفسو فقد صار‬
‫ككذلك ُب الزكاة‪ ،‬فمن ‪ٚ‬تع األمواؿ أك األرزاؽ من أكجو ا‪ٟ‬تراـ‪ ،‬أك‬ ‫جسمو ‪٧‬تسا‪ ،‬كا‪١‬تيت كا‪٠‬تنزير كالكلب مثبل‪ ،‬أك ا‪٠‬تمر‪ ،‬ككل ما عمل‬
‫ظىلى ىم الناس ٍب أخرج الزكاة‪ ،‬فلن تكوف زكاتو مقبولة لدنس مصدرىا‪.‬‬ ‫ُب تلك ا‪ٟ‬تالة من أعماؿ العبادة قد صار باطبل ‪١‬تبلمستو بالشيئ‬
‫النجس‪.‬‬
‫ككذلك ا‪ٟ‬تج‪ ،‬فمن حج عندىم ٔتاؿ حراـ‪ ،‬فليس حجو مربكرا‪ ،‬كال‬
‫سعيو مشكورا‪ ،‬حىت قاؿ بعضهم ُب ىذا الصدد‪:‬‬ ‫ككل من دخل ُب أمكنة النجاسة كالكنيسة كمبيع ا‪٠‬تمور أك معبد غَت‬
‫ا‪١‬تسلمُت‪ ،‬فقد أثٌرت ‪٧‬تاسة تلك األمكنة ُب ذاتو‪ ،‬كىو ‪٤‬تتاج إذل‬
‫حجت العير‬
‫ومن يحج بماؿ أصلو دنس ‪ #‬فلم يحج ولكن ّ‬
‫التطهَت‪ .‬كاعتقدكا أيضا أف األقواؿ الفاحشة من العبد ا‪١‬تسلم كاف‬
‫يتضرر منو اهلل تعاذل‪ ،‬ألهنا تسبب النقصاف ُب ألوىيتو‪.‬‬

‫‪123‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪124‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫المالئكة‪ :‬األنوار الربانية كا‪١‬تعارؼ اإل‪٢‬تية‬ ‫فانظر أيها القارئ إذل قولو تعاذل ما خلقت ىذا باطال‪ ،‬يعٍت ليس‬
‫ىناؾ عنده تعاذل ‪٧‬تس كال باطل كال شر‪ ،‬بل كل شيئ عنده حق‪ ،‬إذنا‪،‬‬
‫البيت‪ :‬القلب‬
‫فكيف يتضرر ٔتا خلق؟ أك ينالو ضر ‪٦‬تا ذرأ كبرأ‪ ،‬ال كألف كبل‪ .‬كىذا‬
‫الكلب‪ :‬الدنيا ك‪٫‬تومها‬
‫موافق لقوؿ األصوليُت ُب الفقو كالتشريع الذين قالوا بأف األشياء كلها‬
‫كالتماثيل قسماف‪ :‬ا‪١‬تعنوية كا‪١‬تادية‬ ‫ُب األصل حبلؿ كحسن‪ ،‬كإ‪٪‬تا دخل عليها ا‪ٟ‬تراـ‪.‬‬

‫أما صورة التماثيل المعنوية فهي ا‪١‬تطالب الدنيوية اليت غلبت على‬ ‫ك‪١‬تاذا كاف ىذا القوؿ موافقا العتقاد الصوفية؟ ذلك ألف مذىبهم‬
‫قلب اإلنساف كأغفلو عن ربو‪،‬‬ ‫الصوُب يذىب ُّم إذل أصل كل شيئ‪ ،‬ككل من كصل إذل أصل أك‬
‫أدرؾ األشياء من أصو‪٢‬تا‪ ،‬فبل يرل باطبل كال حراما‪ ،‬إال حقا حبلليا‪،‬‬
‫وأما التماثيل المادية فصور مصوغة من حديد أك حجر أك شجر‬
‫حق‬
‫ب‪ ،‬فبل ٮترج منو تعاذل إال ٌّ‬
‫حق كطيٍّ ه‬
‫ألف اهلل سبحانو كتعاذل ٌّ‬
‫تضر قلب العابد أك ا‪١‬تصلي كما‬
‫ا‪١‬تاديٌة ال ٌ‬
‫لعبادهتا‪ ،‬ذلك ألف التماثيل ٌ‬
‫ب‪ ،‬لقوؿ الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬إف اهلل تعالى طيب‪،‬‬
‫كطيٍّ ه‬
‫سبق‪ ،‬فضبل من أف تضر عباداتو‪ ،‬اللهم إال الذين اٗتذكا التماثيل‬
‫وال يقبل إال طيبا‪ .‬يعٍت بذلك (صلى اهلل عليو كسلم) كل ما فيو سر‬
‫ا‪١‬تاديٌة فا‪١‬تعٌت‬
‫أصناما يعبدكهنا‪ ،‬فإف كاف ا‪١‬تراد من ا‪ٟ‬تديث ىو التماثيل ٌ‬
‫اهلل فهو طيب‪ ،‬ككل من أدرؾ سر اهلل ُب شيئ ما فذلك الشيئ عنده‬
‫‪٥‬تتصة للوثنيُت‪ ،‬ألف البعض‬
‫ئي مقصور على عبدة األصناـ‪ ،‬إذ ىي ٌ‬
‫جز ٌ‬
‫طاىر‪ ،‬ككل ذرة من ذرات ا‪١‬توجودات فيها سر اهلل‪ ،‬كما قاؿ الشاعر‪:‬‬

‫‪129‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪126‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫وفي كل شيئ لو آية ‪ #‬تدؿ على أنو واحد‬ ‫كتربيتهم ىذه عندىم ىي حقيقة الوضوء الذم قاؿ عنو الرسوؿ (صلى‬
‫اهلل عليو كسلم) بقولو‪ :‬الوضوء على الوضوء نور على نور‪ .‬كقاؿ‬
‫ككثَتا ما ‪٧‬تد الصوفيُت العارفُت أهنم ال يركف ُب أم شيئ باطبل كال‬
‫تعاذل‪ :‬ىو الذي أنزؿ السكينة في قلوب المؤمنين‪( ....‬الفتح ‪)4‬‬
‫فسادا ‪١‬تعرفتهم حقائق األشياء كأصو‪٢‬تا‪ ،‬اللهم إال إذا ىم ُب حالة‬
‫أل الوضوء األكؿ الذم ىو الطهارة اَّازية نور‪ ،‬كالوضوء الثاين ا‪١‬تسمى‬
‫الشريعة ُب كقت ما‪ ،‬فالسبيل الوحيد الذم يعربكف عليو للحصوؿ على‬
‫بالًتبية الصوفية اليت ىي الطهارة ا‪ٟ‬تقيقية نور كذلك‪ ،‬كمدار ىذا البياف‬
‫الطهارة ا‪ٟ‬تقيقية ىو تربيتهم الصوفية‪ ،‬فإهنم ع ٌدكا ‪ٚ‬تيع الطهارات‬
‫ىو أف من اجتمع فيو الطهارتاف؛ الشرعية كالصوفية فهو كامل مكمل‬
‫كالعبادات الشرعية طهارة ‪٣‬تردة جوفاء‪ ،‬كتي ٌقنوا أف تربيتهم ا‪١‬تذكورة‬
‫كمطهر من النجاسة‪ .‬كبعبارة أخرل نقوؿ‪ :‬إف‬
‫ُب الطهارة‪ ،‬كطاىر ٌ‬
‫طهور حقيقي ال يؤثر فيو أم ‪٧‬تس كال يضر‪ ،‬بل كال ٮتالطو أم باطل‬
‫العبادات كلها نور‪ ،‬كالًتبية الركحية الصوفية نور‪ ،‬أك نقوؿ إف اإلٯتاف‬
‫أك فساد‪.‬‬
‫نور كالًتبية نور‪ ،‬كسيعثر القارئ إف شاء اهلل على البياف الواسع حوؿ‬
‫إ نذا‪ ،‬فبًتبيتهم ينقلب كل شيئ طهورا‪ ،‬كيركف أنفسهم طاىرين مطهرين‪،‬‬
‫ىذه الطهارة الصوفية ُب كتابنا صبلة العارفُت‪ ،‬كىو ٖتت الطبع‪.‬‬
‫كْتسب ترقيتهم على تربيتهم ا‪١‬تتقدمة الذكر يزدادكف طهورا فوؽ طهور‪،‬‬
‫ص َور التماثيل‪:‬‬
‫ُ‬
‫كنورا على نور‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬أومن كاف ميتا فأحييناه‪ ،‬وجعلنا لو نورا‬
‫يمشي بو في الناس‪.....‬‬ ‫قاؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬ال يدخل المالئكة بيتا فيو كلب أو‬
‫صورة تماثيل‪ ،‬فإف ا‪١‬تفهوـ الصوُب من ا‪ٟ‬تديث ىو كما يلي ‪:‬‬

‫‪127‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪128‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫األكؿ‪ :‬النكاح العاـ كىو النكاح الشرعي الذم ينعقد بُت الذكر‬ ‫‪٬‬تملوف ُّا بيوهتم‬
‫من الناس ال ينوكف بالتماثيل عبادهتا‪ ،‬رٔتا ٌ‬
‫كاألنثى ٓتطبة العلماء على مشهد من الناس‪ ،‬بعد إيفاء شركطو‬ ‫كمبلبسهم‪ ،‬كيستعملوهنا للتزيُت فقط‪.‬‬
‫احملل‪ ،‬ككجود‬
‫الشرعية اليت ىي الصيغة (لفظ القبوؿ كاإل‪٬‬تاب) من ٌ‬ ‫كلعل قصور فهم بعض علماء الرسوـ ُب ىذا ا‪ٟ‬تديث ىو الذم جعلهم‬
‫الورل‪ ،‬كالصداؽ‪ ،‬كشاىدا العدؿ ‪ .‬كىو عاـ بُت البشر‪.‬‬
‫ٯتنعوف عن التصوير الفوتوغراُب البتة‪ ،‬كبعضهم يقولوف إنو ال ٕتوز رؤية‬
‫الثاين‪ :‬النكاح ا‪٠‬تاص كىو النكاح ُب السلوؾ ا‪١‬تنعقد بُت ا‪١‬تريد كمرشده‬ ‫الصورة للمصلي ُب صبلتو‪ ،‬كُب ‪ٚ‬تيع ا‪١‬تعابد كا‪١‬تساجد‪ ،‬حىت قالوا إنو‬
‫من يوـ انتظامو ُب السلوؾ بالبيعة كالتلقُت‪ .‬كىذا النكاح ىو ا‪١‬تشار إليو‬ ‫أبيح للمصلي أف يقلٌب كجو تلك الصورة على ا‪ٞ‬تدار‪ ،‬كى ال ينظر‬
‫ُب قولو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬من تزوج فقد أحرز نصف دينو‪،‬‬ ‫يضر صبلة ا‪١‬تصلٌي‪ ،‬كال يفسد‬
‫إليها ُب صبلتو‪ ،‬مع أف ىذا كلو ال ٌ‬
‫فعليو بالنصف الثاني‪ .....‬كمعٌت ىذا أف ا‪١‬تريد إذا حظي ُّذا النكاح‪،‬‬ ‫حجو كصيامو‪ ،‬ما داـ ىو دل يعتقد للصورة العبادةى‪ .‬فإف كاف ما قالوا‬
‫ٌ‬
‫كدل ينقطع عن مرشده مع استيفاء شركطو من حسن متابعتو لو ك‪٤‬تبتو‪،‬‬ ‫ىو ا‪ٟ‬تق فلم أر حىت اليوـ بلدا سبق السعودية ُب التصوير‪ ،‬كىو مهبط‬
‫فقد أحرز نصف ما يوصلو إذل مرامو من دخوؿ ا‪ٟ‬تضرة العرفانية‪ ،‬كلو‬ ‫الوحي‪.‬‬
‫دل يضف إذل ذلك شيئا من األعماؿ السلوكية‪ ،‬لكنو يلزمو التقدـ ُب‬ ‫أما صورة التماثيل ا‪ٟ‬تقيقية ا‪١‬تعنوية كما بيٌػنٌاىا فإهنا تضر ‪ٚ‬تيع عبادات‬
‫سَته‪ ،‬كلذلك قاؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬فعليو بالنصف الثاني‪،‬‬ ‫كل من كاف ُب قلبو ىذه التماثيل‪ ،‬حيث ال يصلي إال كىو عاشق إذل‬
‫كذلك بالًتبية كالًتقية‪.‬‬ ‫الدنيا كزخارفها‪ ،‬كال يصوـ إال ُّا‪ ،‬كىلم جرا‪ ،‬ككجود ىذه التماثيل‬

‫‪133‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪130‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ا‪ٟ‬تقيقية ُب القلب ٯتنع صاحبها من تناكؿ األنوار الربانية اليت يرجى‬ ‫قاؿ الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬النكاح سنتي‪ ،‬ومن رغب عن‬
‫نزك‪٢‬تا على العابد ُب عباداتو‪.‬‬ ‫سنتي‪ ،‬فليس مني‪ .‬كىا ‪٨‬تن نتساءؿ أم نكاح ىذا؟ أىو النكاح‬

‫األخبلؽ كاألكصاؼ ا‪١‬تذمومة مثل الكذب‪ ،‬كالغيبة‪،‬‬ ‫كمن صور التماثيل‬ ‫الشرعي ا‪١‬تعركؼ لدل الناس؟ أـ غَته؟ فلو كاف ا‪١‬تراد ُب ىذا ا‪ٟ‬تديث‬
‫ي‬
‫كالفجور‪ ،‬كغَت ذلك‪ ،‬فإف كلها ٘تيت نور اإلٯتاف ُب القلب‪ ،‬كتنفي عن‬ ‫ىو النكاح ا‪١‬تعركؼ ‪١‬تا ع ٌده الفقهاء ُب باب اإلباحة‪ ،‬كأنو ال كاجب‬

‫صاحبها اإلٯتاف كالتقول‪ ،‬حىت ال يكوف لو حبلكة ‪ٚ‬تيع عباداتو‪.‬‬ ‫ألم غرض كما كاف ُب بعض ا‪١‬تذاىب‬
‫ضركرم‪ ،‬ك‪١‬تا أجازكا تركو ٌ‬
‫الفقهية‪ ،‬بل ‪ٞ‬تعلوه كاجبا ضركريا على كل مسلم‪ .‬كإف صدقوا فيما قالوا‬
‫ٍب إف كل مسلم أك عادل شرعي ليس لو ُب ىذه األشباح الظاىرة معرفة‬
‫فذلك منهم خطأ ُب اجتهادىم‪ ،‬ألف ذلك يعارض ذلك ا‪ٟ‬تديث‬
‫دقيقة غَت ما يرل‪ ،‬بل ال يرل األسرار اإل‪٢‬تية ُب كل ما يرل‪ ،‬كليس لو‬
‫النبوم ا‪١‬تذكور‪.‬‬
‫اعتقاد ُب األشياء إال كما ىي‪ ،‬فإنو ىو ا‪١‬تشار إليو ُب ا‪ٟ‬تديث أف ُب‬
‫قلبو صورة ٘تاثيل‪ ،‬كإنو ال يذكؽ من معرفة اهلل طعما كال ذكقا‪ ،‬ألف‬ ‫فالنكاح ا‪ٟ‬تقيقي ا‪١‬تراد ُب ا‪ٟ‬تديث ىو كاجب ضركرم على كل من‬

‫االعتقاد أف رؤية ىذه األشياء كما ىي من دكف معرفة ما ىي حقيقتو‪،‬‬ ‫يكوف من الرسوؿ‪ ،‬إذ ىو كاجب من كاجبات كمالية الدين‪ ،‬كمن تركها‬

‫اعتقادا جازما‪ ،‬فهو اإلٯتاف اَّرد كعُت اإلشراؾ باهلل عند الصوفية‪.‬‬ ‫ىامة من كاجباتو الدينية‪.‬‬
‫فقد ترؾ كاجبة ٌ‬

‫باب النكاح الصوفي‪:‬‬ ‫والنكاح على ثالثة أقساـ‪:‬‬

‫‪131‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪132‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كالصدقات الصوفية الواجبة ُب النكاح اليت يؤتيها ا‪١‬تريد شيخو ىي‬ ‫كىذا النكاح خاص ألنو ‪٥‬تتص باإلنساف فقط دكف ا‪١‬توجودات الباقية‪،‬‬
‫االنقياد كاحملبة كالسمع كالطاعة كا‪٠‬تدمة كا‪٢‬تدية‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬وآتوا‬ ‫من جن كشجر‪ ،‬كمشس كقمر‪ ،‬كْتر كهنر‪ .‬كمن رغب عنو من بٍت البشر‬
‫النساء صدقاتهن نحلة‪ ،‬فإف طبن لكم عن شيئ منو نفسا فكلوه‬ ‫فهو من ا‪١‬تشار إليهم ُب ا‪ٟ‬تديث أنو ليس من الرسوؿ‪.‬‬
‫ىنيئا مريئا (النساء ‪.)4‬‬ ‫الثالث‪ :‬النكاح ا‪٠‬تاص من ا‪٠‬تاص‪ ،‬كىو ا‪١‬تنعقد بُت ا‪١‬تريد كسره يوـ‬
‫كأما قولو فإف طبن لكم عن شيئ منو نفسا‪ ،‬فذلك يعٍت أف الشيخ‬ ‫كصوؿ الًتبية‪ ،‬كما تقدـ بيانو ُب موضعو‪ .‬كىذا النكاح يكوف عقده‬
‫أحيانا يبيح للمريد رفض بعض حركات أراد ا‪١‬تريد بو خدمتو‪ ،‬أك يبيح‬ ‫بوصوؿ الًتبية‪ ،‬أل باتصاؿ ا‪١‬تريد بسره ُب عادل األركاح‪ ،‬فيصَتاف‬
‫للمريد االشًتاؾ معو ُب حضرتو ا‪ٟ‬تسية ُب شيئ ما‪ ،‬مثل أف يساعد‬ ‫عركسُت ‪٤‬تبوبُت‪ .‬ككصوؿ الًتبية ُب ىذا الصدد نصف دينو الثاين‬
‫الشيخ ا‪١‬تريد أك آلو ُب اإلنفاؽ لصفر يد ا‪١‬تريد‪ ،‬فذلك ال يعد للمريد‬ ‫ا‪١‬تشار إليو ُب ا‪ٟ‬تديث السابق الذكر‪ ،‬كذلك بالنسبة ‪١‬تا بقي أمامو من‬
‫ذنبا لقولو تعاذل‪ :‬فكلوه ىنيئا مريئا‪.‬‬ ‫الًتقيات اليت ٯتر عليها قبل أف يبلغ الرجولية الكاملة ُب ا‪ٟ‬تضرة‪.‬‬

‫النساء عند الصوفية‪:‬‬

‫ٍب إف ا‪١‬تريد بعد كصوؿ تربيتو الركحية يتجلى لو نساء معنوية أربع‪ ،‬كىي‬
‫حضرة شيخو‪ ،‬كحضرة الفرد ا‪ٞ‬تامع‪ ،‬كحضرة ا‪٠‬تتم التجاين‪ ،‬كحضرة‬
‫المعاملة الزوجية بين المريد والمرشد‪:‬‬

‫‪137‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪134‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية‪ ،‬كُب ذلك يقوؿ تعاذل للمريدين الواصلُت‪ :‬وإف خفتم‬ ‫يبدك للقارئ من كل ما سبق من البياف بطبلف الذين ي ٌدعوف االتصاؿ‬
‫أال تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء‪ ،‬مثنى‬ ‫التاـ ا‪١‬تباشر إذل حضرة ا‪٠‬تتم التجاين‪ ،‬أك حضرة ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية أك‬
‫وثالث ورباع‪ ،‬فإف خفتم أال تعدلوا فواحدة‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم‪،‬‬ ‫ا‪ٟ‬تضرة األلوىية بدكف الًتبية الصوفية الصحيحة‪ ،‬أك ي ٌدعوف مقامة‬
‫ذلك أدنى أال تعولوا (النساء ‪.)3‬‬ ‫القطبية أك الفردية‪ ،‬فذلك ادعاء كاذب ال عربة لنا ُّا‪ ،‬كإف كاف ‪٢‬تم‬
‫أم اتصاؿ بإحدل تلك ا‪ٟ‬تضرات فذلك اتصاؿ ‪٣‬تازم‪ ،‬ال غَت‪.‬‬
‫كمعٌت اآلية ىو أنو ييباح للمريد الواصل أف يزيد على ما ينكح من بُت‬
‫النساء ا‪١‬تعنوية ا‪١‬تذكورة‪ ،‬فإف شاء فليكتف ْتضرة مرشده العارؼ باهلل‬
‫كحضرة الفرد ا‪ٞ‬تامع‪ ،‬كلذلك بدأت اآلية ٔتثٌت‪ ،‬كإف شاء فليزد معهما‬
‫حضرة ا‪٠‬تتم التجاين‪ ،‬كإف شاء فليزد معهم حضرة ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية‪.‬‬

‫ىذا‪ ،‬كرٔتا ال يستطيع ا‪١‬تريد الواصل أف يؤدم حقوؽ كل حضرة من‬


‫تلك ا‪ٟ‬تضرات ‪ٚ‬تيعا‪ ،‬كلذلك قاؿ تعاذل‪ :‬وإف خفتم أال تعدلوا‬
‫فواحدة‪ ،‬أل كإف خفتم إعطاء كل حضرة ح ٌقها فلتكتفوا بواحدة‬ ‫الصدقات للنكاح الصوفي‪:‬‬
‫منها‪ ،‬كىي حضرة شيخكم األقرب إليكم‪ ،‬فبواسطتها تستمدكف‬
‫ا‪١‬تعارؼ من ا‪ٟ‬تضرات الباقية‪.‬‬

‫‪135‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪136‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫من الصوفيُت يفوز بالنكاح الثالث الذم ىو الغاية القصول‪ ،‬ككل من‬ ‫ضل‬
‫كقاؿ القرآف ُب موضع آخر‪ :‬الرجاؿ قواموف على النساء بما ف ّ‬
‫فاز بالنكاح الثالث ا‪١‬تذكور فهو الصوُب ا‪ٟ‬تقيقي الذم يأٌب با‪ٞ‬تديد من‬ ‫اهلل بعضهم على بعض‪ ،‬وبما أنفقوا من أموالهم‪ ،‬فالصالحات‬
‫عادل األركاح التصالو بو‪ .‬كاإلتياف با‪ٞ‬تديد ىو ا‪١‬تعرفة اليت تزداد ما‬ ‫قانتات حافظات للغيب بما حفظ اهلل‪ ،‬والتي تخافوف نشوزىن‬
‫سنح ا‪١‬تريد لسره اَّاؿ لذلك‪ ،‬أل إذا دل يضيٌق على سره بعدـ التفكَت‪.‬‬ ‫فعظوىن واىجروىن في المضاجع واضربوىن‪ ،‬فإف أطعنكم فال‬

‫باب أنواع النكاح والطالؽ في السلوؾ‪:‬‬ ‫تبغوا عليهن سبيال‪ ،‬إف اهلل كاف عليّا كبيرا (النساء ‪.)34‬‬

‫الودية ا‪١‬تنعقدة بُت الزكجُت؛ الرجل كا‪١‬ترأة‪ .‬كىو‬


‫الطبلؽ نقض العهود ٌ‬ ‫يؤخذ من اآلية أف ا‪١‬ترشدين ىم الرجاؿ الذين ىم قواموف على‬
‫ُب السلوؾ نقض عهد بيعة ا‪١‬تتابعة بُت ا‪١‬تريد كا‪١‬ترشد‪ ،‬كأف يكوف‬ ‫مريديهم‪ ،‬فينبغي للمريد أف يعامل مرشده بكل ما أمر الشارع بو نساء‬
‫بينهما سوء التفاىم‪ ،‬أك العداكة‪ ،‬أك التنافر كا‪١‬تخاصمة‪ ،‬حىت أكلت نار‬ ‫العادل ٕتاه أزكاجهن من خدمتو‪ ،‬كإيثاره على غَته‪ ،‬كحفظ فرجهن‪،‬‬
‫ىذه الفتنة بينهما ا‪١‬تسا‪١‬تة كاللقاء‪ ،‬كالعبلقة كاَّالسة‪ ،‬كىذا عُت الطبلؽ‬
‫كعدـ خيانتو‪ ،‬كالتواضع لو‪ ،‬لقولو (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬لو كنت‬
‫ُب عُت النكاح الصوُب‪.‬‬
‫آمرا أحدا أف يسجد ْلحد ْلمرت المرأة أف تسجد لزوجها‪.....‬‬
‫كالطبلؽ – كما قاؿ الرسوؿ – أبغض ا‪ٟ‬تبلؿ لسلبية نتيجة الطبلؽ‬
‫ألحد‪٫‬تا‪ ،‬لكن األعراض البشرية أحيانا ٖتدث بُت ا‪١‬تريد كالشيخ سوء‬ ‫كأما ما يلزـ الزكج ُب حقو فهو إحضار ما تفتقر إليو زكجتو من‬
‫التفاىم‪ ،‬فيحصل بينهما االنفكاؾ‪ ،‬كينقض عهد ا‪١‬تتابعة كعهد‬ ‫النفقات‪ ،‬ككل ذلك بالنسبة للنكاح الثاين ا‪٠‬تاص ىو استحضار‬

‫‪141‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪138‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ا‪١‬تعارؼ من حضرتو بالتعاليم الصوفية‪ ،‬كنور الشيخ ىو منيٌو النوراين‬ ‫كالثاين من جانب ا‪١‬تريدين ىو حفظ قلوُّم من دخوؿ حب شيخ آخر‬
‫الذم بو يتم اإل‪٧‬تاب ُب عادل األركاح‪.‬‬ ‫فيها‪ ،‬كأما من جانب العارفُت فهو منع ا‪١‬تريدين غَت ا‪١‬تستحقُت‬
‫ْتضرهتم النورانية من الدخوؿ فيها‪ ،‬من مريدم مشايخ آخرين‪ ،‬كلذلك‬
‫كالبعل ُب النكاح الثالث خاص ا‪٠‬تاص ىو سر ا‪١‬تريد الذم يتبعو‬
‫ترل بعض العارفُت يسألوف ا‪١‬تريد ا‪ٞ‬تديد الذم أتاىم أف من ىو‬
‫الواصل بقلبو كتفكَتاتو حىت ال يفتح باب قلبو لغَت السر‪ ،‬كىو ا‪١‬تراد‬
‫شيخك‪ ،‬يا فبلف؟ كتارة يأمركنو بأخذ اإلذف على ذلك من مرشده قبل‬
‫عندىم بعدـ خطور ما سول اهلل ُب القلب‪ ،‬لقولو تعاذل ُب آخر‬
‫ينضم ُب سلك مريديهم‪ ،‬كسيأٌب البياف ُب ىذا الكتاب إف شاء اهلل‬
‫أف ٌ‬
‫األحزاب‪ ....... :‬والحافظين فروجهم والحافظات‪ ،‬كما يلزـ ا‪١‬ترأة‬
‫كينضم إذل شيخ آخر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫على كيف ينتقل ا‪١‬تريد من شيخو‬
‫اَّازية توقَت ك‪٤‬تبة زكجها بأف ال ٕتعل كد غَته ٮتطر ُب قلبها عند‬
‫حضوره كغيابو‪.‬‬ ‫ىذا‪ ،‬كلكل كاحد من ىذه األقساـ الثبلثة نتيجتو من إ‪٧‬تاب األكالد‪،‬‬
‫فنتيجة النكاح العاـ منها ىي الولد ا‪ٟ‬تسي ا‪١‬تعركؼ‪ ،‬كا‪٠‬تاص نتيجتو‬
‫فا‪ٟ‬تافظوف ُب اآلية ا‪١‬تذكورة ىم ا‪١‬ترشدكف‪ ،‬كا‪١‬تريدكف ىم ا‪ٟ‬تافظات‪.‬‬
‫العبادة الكاملة كاإلٯتاف الكامل بإمكانية معرفة اهلل كرؤيتو‪ ،‬ك‪٤‬تبة اهلل‬
‫كحفظ الفرج ىو حفظ القلب من خطور ما سول اهلل كرسولو فيو‪،‬‬
‫كرسولو‪ .‬كأما النكاح الثالث األخص فنتيجتو ا‪١‬تعرفة باهلل‪ .‬كلذلك ٯتكن‬
‫كذلك أكال‪.‬‬
‫القوؿ أنو ليس كل صوُب بعارؼ‪ ،‬كلكن كل عارؼ صوُب‪ ،‬بناء على‬
‫البياف السابق من أقساـ النكاح‪ ،‬ألنو ليس كل من فاز بالنكاح الثاين‬

‫‪139‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪140‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫‪ – 3‬إذا كاف العقد بالبيعة ُب احمليض‪ ،‬كذلك بأف يبايع ا‪١‬تريد مرشدا‬ ‫اإلرشاد‪ .‬فإذا ما دل يكن للمريد حسن ا‪١‬تتابعة للشيخ‪ ،‬كدل يكن بينهما‬
‫حالةى إبدائو الكرامات‪ ،‬كىذا نكاح مكركه ُب السلوؾ‪ ،‬ألف ا‪١‬تريد إذا دل‬ ‫احملبة‪ ،‬فقد انقطع العهد بينهما‪.‬‬
‫يود أف يبايع‪ ،‬أك تعجل ُب أخذ الورد ‪٦‬تن يبدم‬
‫يسرح الطرؼ ُب من ٌ‬ ‫ىذا‪ ،‬كقد ينقطع ا‪١‬تريد أحيانا عن الشيخ بطبلقو‪ ،‬كدل يكن منقطعا عن‬
‫الكرامات‪ ،‬بالشهرة أك كثرة ا‪ٞ‬تماعة كاألمواؿ‪ ،‬فذلك ٭تدث الطبلؽ‬
‫الطريقة‪ ،‬لقوؿ الشيخ أ‪ٛ‬تد التجاين (رضي اهلل عنو)‪ :‬يقطع المري َد عن‬
‫بينهما إذا تب ٌُت لو فيما بعد أف الشيخ غَت كاؼ لئلرشاد ُب السلوؾ‪،‬‬
‫ثالث‪ :‬أخذ الورد على ورده التجاني‪ ،‬ترؾ الورد‬
‫الطريقة التجانية ٌ‬
‫أك أنو بريئ من السلوؾ‪ ،‬أل دل يعلم عن السلوؾ شيئا‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬‬
‫تعمدا وتهاونا‪ ،‬وزيارة اْلولياء‪ .‬فإذا دل يفعل ا‪١‬تريد أحد ىذه‬
‫التجاني ّ‬
‫ويسألونك عن المحيض‪ ،‬قل ىو أذى‪ ،‬فاعتزلوا النساء في‬
‫األشياء فهو غَت منقطع عن التجانية‪ ،‬كما زاؿ مريدا للشيخ أ‪ٛ‬تد‬
‫المحيض حتى يطهرف‪ .....‬البقرة)‬
‫التجاين‪ ،‬إذ ىو شيخ ا‪١‬تريدين ا‪ٟ‬تقيقي‪ ،‬كالشيوخ ا‪١‬ترشدكف كلهم ٌنواب‬
‫‪ – 4‬إذا كاف العقد ُب نكاح ا‪١‬تتعة كالع ٌدة‪ ،‬كىو أف يبايع ا‪١‬تريد شيخا‬ ‫عنو (رضي اهلل عنو)‪.‬‬
‫مد نة ٍب يغادره إذل شيخ آخر كينتظم ُب مريديو‪ ،‬كتكوف معاشرتو بو إذل‬
‫كأما ا‪١‬تريد الذم حصل بينو كبُت مرشده الطبلؽ‪ ،‬فعليو أف يطلب‬
‫أجل مسمى‪ ،‬أك أف يقبل شيخ مريدا غَت مريده ‪١‬تدة‪ ،‬إما ‪٠‬تصاـ كاف‬
‫شيخا آخر‪ ،‬يستنَت بضوء حضرتو حىت كماؿ سَته الصوُب‪ .‬كٯتكن‬
‫الصحة‪،‬‬
‫بُت ذلك ا‪١‬تريد كشيخو ا‪ٟ‬تقيقي‪ ،‬فليس ُب مثل ذلك السلوؾ ٌ‬ ‫الطبلؽ ا‪١‬تباشر بُت الشيخ كا‪١‬تريد إذا دل يًتب ذلك ا‪١‬تريد على يد ذلك‬
‫ك٭تصل فيو الطبلؽ بينهما‪ ،‬إذا انتبو أحد‪٫‬تا أك كبل‪٫‬تا‪.‬‬
‫الشيخ‪ ،‬ألف الًتبية ىي السر ُب عقد النكاح الصوُب‪ ،‬كما تق ٌدـ بياف‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪145‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪142‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الطالؽ السني‪:‬‬ ‫ٍب باف للمريد حالة ىذا ا‪١‬ترشد‪ ،‬فإنو ٭تصل بينهما الطبلؽ‪،‬‬
‫كعلى ا‪١‬تريد أف يطلب شيخا يرشده لليت ىي أقوـ‪ ،‬قاؿ تعاذل‪:‬‬
‫أما طبلؽ السنة فهو مباح‪ ،‬كىو أف يطلق ا‪١‬تريد أك الشيخ اآلخر بعد‬
‫ىل يستوي الذين يعلموف‪ ،‬والذين ال يعلموف‪ ،‬إنما يتذكر‬
‫ثبلثة قركء‪ ،‬أل بعد ثبلث إصبلحات‪.‬‬
‫أولو اْللباب‪( ....‬الزمر ‪.)9‬‬
‫الطالؽ البدعي‪:‬‬
‫النكاح على غرر في الصداؽ‪:‬‬
‫كال ‪٬‬توز للمريد أك الشيخ أف يطلق أحد‪٫‬تا اآلخر طبلؽ الثبلث ُب‬
‫‪ – 2‬إذا كاف العقد بينهما على غرر ُب صداؽ بأف يبايع ا‪١‬تريد بيعة‬
‫٭تل لو أف يطلق فور ما كقع بينهما ا‪١‬تخاصمة‪،‬‬
‫كلمة كاحدة‪ ،‬بل ال ٌ‬
‫صوفية‪ ،‬كدل يرد أف ينقاد لشيخو كيتواضع لو ٓتدمتو كحسن متابعتو‬
‫كإ‪٪‬تا ينبغي لو أف ٭تاكؿ على اإلصبلح فيما بينهما أكال‪ ،‬كقاؿ القرآف‪:‬‬
‫ك‪٤‬تبتو‪ ،‬فإف الشيخ ُب ىذه ا‪ٟ‬تالة يطلٌقو‪ ،‬ألف ا‪١‬تريد إذا امتنع عن ىذه‬
‫فابعثوا حكما من أىلو وحكما من أىلها‪.‬‬
‫األشياء ينقص ُب قلب شيخو قدر بيعتو لو‪ٍ ،‬ب يطلٌقو الشيخ ُب قلبو‪.‬‬
‫كاألسباب اليت يتولد منها الطبلؽ بُت ا‪١‬تريد كا‪١‬ترشد ىي كما تلي‪:‬‬ ‫قاؿ تعاذل‪ :‬قل إف كنتم تحبوف اهلل فاتبعوني‪ ،‬يحببكم اهلل‪ ،‬ويغفر‬
‫النكاح على غرر في العقد‪:‬‬ ‫لكم ذنوبكم‪ ،‬واهلل غفور رحيم‪ .‬كقاؿ الرسوؿ‪ :‬ال يؤمن أحدكم حتى‬
‫أكوف أحب الناس إليو من مالو‪ .....‬أو حتى يكوف ىواه تبعا لما‬
‫‪ – 1‬إذا كاف العقد بينهما على غرر ُب العقد بأف ال يكوف‬
‫أحب إليو من والده وولده‬
‫جئت بو‪ ....‬كُب ركاية‪ :‬حتى أكوف ّ‬
‫ا‪١‬ترشد من أىل اإلذف للتلقُت‪ ،‬أك دل يًتب تربية صوفية‪ ،‬أك‬
‫والناس أجمعين‪.‬‬
‫ليس من الصوفيُت البتة‪ ،‬كإ‪٪‬تا ي ٌدعي التصوؼ كيتشيخ للمريد‪،‬‬

‫‪143‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪144‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫إف كماؿ اإلنسانية ال يكوف إال بأف يولد مرتُت‪ ،‬فالوالدة األكذل ىي‬ ‫‪ – 5‬إذا كاف العقد ٔتقابلة البضع بالبضع‪ ،‬كىو نكاح الشغار ُب‬
‫الوالدة الظاىرة اليت ُّا أتى اإلنساف إذل عادل الشهادة ىذا‪ ،‬من األبوين‬ ‫الفقو‪ ،‬كىو ُب السلوؾ ثبلثة أقساـ‪:‬‬
‫النسليُت‪ ،‬لقولو تعاذل‪ :‬فلينظر اإلنساف مم خلق‪ ،‬خلق من ماء دافق‪،‬‬ ‫الشيخ ينبغي للشيخ أف يكرمو‬
‫ى‬ ‫األكؿ‪ :‬أف يرل ا‪١‬تريد أنو كلما يكرـ‬
‫يخرج من بين الصلب والترائب (الطارؽ ‪.) 7- 5‬‬ ‫كذلك‪ ،‬أك كلما ٮتدمو ‪٬‬تب أف ٮتدمو الشيخ مثل ذلك‪ ،‬حىت يتظاىر‬
‫لكليهما طلب حق ذلك‪ ،‬فهذا ٭تدث الطبلؽ‪ ،‬ال ‪٤‬تالة‪.‬‬
‫كإف ىذا ا‪١‬تولود الوالدة األكذل مع ‪ٚ‬تيع ما فاز بو من ا‪ٟ‬تظوظ الدنيوية‪،‬‬
‫الشيخ ُب إرشاده لو‬
‫ى‬ ‫الثاين‪ :‬أف يرل ا‪١‬تريد أنو أعلم من الشيخ‪ ،‬كيعارض‬
‫من رزؽ كماؿ‪ ،‬كعلم كصيت‪ ،‬فإنو رجل ناقص بُت منزلتُت اثنتُت؛‬
‫تارة‪ ،‬كُب بياف السلوؾ من حقيقة كترقية‪ ،‬حىت ال يعتقد ا‪١‬تريد حق‬
‫الشقاكة كالسعادة‪ ،‬ألف الوالدة األكذل كحدىا إذا خلت لصاحبها من‬
‫ا‪١‬تشيخة ‪١‬ترشده‪ ،‬كال يراه الشيخ مستقيما عنده كأحد مريديو‪ ،‬ألف حق‬
‫التدين كالعبادة كمعرفة اهلل‪ ،‬فإف ذلك شقاكة‪ ،‬ال ريب‪.‬‬ ‫الشيخ عند ا‪١‬تريد مثل حق التابع للمتبوع‪ .‬فهذا يوجب الطبلؽ مباشرة‪.‬‬
‫كأما إذا اقًتنت كالدة اإلنساف األكذل باإلسبلـ كاإلٯتاف كاألخبلؽ‬ ‫الثالث‪ :‬أف يكوف للمريد مواىب إ‪٢‬تية بواسطة شيخو ُب السلوؾ‪ ،‬حىت‬
‫الكرٯتة من دكف ا‪١‬تعرفة‪ ،‬فبل تزاؿ سعادتو ناقصة إذ غلبت على نفسو‬ ‫رأل الشيخ كتي ٌقن بتمكن فهمو ُب السلوؾ‪ ،‬كال ٭تتاج إذل كثرة ا‪١‬تراقبة‬
‫الغفلة كا‪٢‬تموـ الدنياكية‪.‬‬ ‫إذ قد صار كامبل إلرشاد غَته من ا‪١‬تريدين‪ ،‬رٔتا يعيٌنو الشيخ إلجابة‬
‫األسئلة عن السلوؾ‪ ،‬أك ‪١‬تراقبة غَته ُب السلوؾ‪ ،‬فإف ذلك ٭تدث‬
‫بينهما الطبلؽ‪ ،‬كالطبلؽ ىنا ىو أف يعطيو الشيخ إجازة اإلطبلؽ‪.‬‬

‫‪149‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪146‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كينبغي ‪١‬تثل ىذا ا‪١‬تريد أف ٭تًتـ حق شيخو عليو حيثما كاف‪ ،‬ألنو ال‬
‫٭تتاج إذل الزيارة الدائمة إذل الشيخ‪.‬‬
‫‪ – 7‬ك‪٬‬توز للشيخ أف يشَت مريده إذل مق ٌدـ ٖتتو إف شاء‪ ،‬ألخذ‬
‫من ىذا يرل القارئ اغًتار بعض القاصرين من ا‪١‬تريدين الذين دل‬ ‫الورد منو أك ‪١‬تراقبة تربيتو‪ ،‬إذ لؤلب إنكاح ابنتو البكر بغَت إذهنا‬
‫يتجاكز سَتىم الصوُب أكثر من تربية كقليل ترقية‪ ،‬في ٌدعوف اإلطبلؽ‬ ‫كإف بلغت‪ ،‬كإف شاء شاكرىا‪ ،‬كما جعلٍت – أنا الكاتب ‪-‬‬
‫بأهنم قد بلغوا الكماؿ ُب السلوؾ الصوُب‪.‬‬ ‫الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل ككيبل لبعض ا‪١‬تريدين للتلقُت كبعضهم‬
‫للمراقبة على تربيتهم‪.‬‬
‫كىكذا يرل القارئ قصور بعض الشيوخ القاصرين الذين يعطوف‬
‫ا‪١‬تريدين إجازة اإلطبلؽ‪ ،‬كا‪١‬تريدكف مفتقركف إذل مراقبات كثَتة من تلقاء‬ ‫‪ - 8‬كإذا ارت ٌد أحد‪٫‬تا عن الطريقة كالسلوؾ تنفسخ البيعة بينهما‬
‫حضرة الشيخ‪ .‬قاؿ تعاذل‪ :‬في قلوبهم مرض فزادىم اهلل مرضا‪ ،‬ولهم‬ ‫بالطبلؽ‪ ،‬كقد ال يقع بينهما الطبلؽ النتظار التوبة من ا‪١‬ترت ٌد‪.‬‬
‫عذاب أليم بما كانوا يكسبوف (البقرة)‪.‬‬
‫‪ – 9‬كيكره ُب السلوؾ أف ٮتطف شيخ مريدا سبق لو البيعة ا‪ٟ‬تقيقية‬
‫‪ –6‬نكاح ما قد نكح اآلباء‪ ،‬كىو أف ٮتتطف مق ٌد هـ مريد‬ ‫عند شيخ آخر‪ ،‬فيعطيو اإلجازات الصوفية من غَت ما علم عن سلوكو‬
‫شيخو الذم قد ًبٌ لو البيعة ا‪ٟ‬تقيقية لدل الشيخ‪ ،‬أك أف‬ ‫ُب التصوؼ‪ ،‬فهذا ٔتثابة خطبة أحد على خطبة أخيو‪.‬‬
‫يصرؼ ا‪١‬تق ٌدـ كجو ا‪١‬تريد عن الشيخ إذل نفسو‪ ، ،‬كىذا مكركه‬
‫ٌ‬ ‫باب الوالدة الثانية‪:‬‬
‫ُب السلوؾ‪ ،‬كى ال ٭تدث ذلك االضطراب لذلك ا‪١‬تريد‪ ،‬كلكى‬
‫ال يسبب للمقدـ سوء العاقبة‪.‬‬

‫‪147‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪148‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫فتلقى آدـ من ربو كلمات فتاب عليو‪ ،‬إنو ىو التواب الرحيم‬ ‫كىذه الوالدة الثانية أزلية من اهلل تعاذل‪ ،‬ألنو لؤللوىية إشارة إليها كما‬
‫(البقرة) كذلك كالدتو الثانية‪.‬‬ ‫قاؿ ُب ا‪ٟ‬تديث القدسي‪ :‬كنت كنزا مخفيا لم أعرؼ‪ ،‬فأحببت أف‬
‫أعرؼ فخلقت خلقا‪ ،‬فبي عرفوني‪.‬‬
‫كُب شأف النيب نوح (عليو السبلـ)‪ ،‬فإف كالدتو الثانية حصلت لو بينما‬
‫كاف ىو ُب الفلك على ماء الطوفاف حُت قاؿ‪ :‬بسم اهلل مجراىا‬ ‫كيوجد مثل ذلك للحضرة الربوبية احملمدية كاألنبياء كالرسل ٍب األكلياء‬
‫ومرساىا‪ ،‬إف ربي لغفور رحيم (ىود ‪)41‬‬ ‫فكل منهم ناؿ ىذه الوالدة الثانية‪.‬‬
‫العارفُت‪ ،‬م‬

‫ب‬
‫يم َر ِّ‬ ‫كُب نيب اهلل إبراىيم (عليو السبلـ) حُت قاؿ‪ :‬وإِ ْذ قَ َ ِ ِ‬ ‫فوجوده تعاذل األزرل القدًن حُت ال خلق يعرفو‪ ،‬كال شيئ معو غَته‪ ،‬بل‬
‫اؿ إبْػ َراى ُ‬ ‫َ‬
‫اؿ بَػلَ َٰى َوَٰلَ ِكن‬
‫اؿ أ ََولَ ْم تُػ ْؤِمن ۚ قَ َ‬ ‫أَ ِرنِي َكيْ َ‬
‫ف تُ ْحيِي ال َْم ْوتَ َٰى ۚ قَ َ‬ ‫ىو كحده الذم عرؼ نفسو ُب مقابلة الوالدة األكذل‪ .‬ك‪١‬تا أراد لنفسو‬
‫اج َع ْل‬
‫ك ثُ َّم ْ‬ ‫ص ْرُى َّن إِلَْي َ‬ ‫لِّيَط َْمئِ َّن قَػ ْلبِي ۚ قَ َ‬
‫اؿ فَ ُخ ْذ أ َْربَػ َعةً ِّم َن الطَّْي ِر فَ ُ‬ ‫التجلي ُب الظهور‪ ،‬قاؿ‪ :‬فأحببت أف أعرؼ‪ ،‬فخلقت خلقا‪ ،‬فبي‬

‫َف اللَّوَ‬
‫ك َس ْعيًا ۚ َوا ْعلَ ْم أ َّ‬ ‫َعلَ َٰى ُك ِّل َجبَ ٍل ِّم ْنػ ُه َّن ُج ْزًءا ثُ َّم ا ْدعُ ُه َّن يَأْتِينَ َ‬ ‫عرفوني‪ .‬كذلك ُب مقابلة الوالدة الثانية‪.‬‬
‫ِ‬
‫يم (البقرة ‪ٍ ،)260‬ب قاؿ تعاذل بعد كصولو إذل الوالدة الثانية‪:‬‬ ‫َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫أما الوالدة األكذل ‪ٟ‬تضرة الربوبية فتلك يوـ أخرجو اهلل قطعةن نورانية من‬
‫ض َولِيَ ُكو َف ِم َن‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر ِ‬ ‫وت َّ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ك نُ ِري إبْػ َراى َ‬
‫يم َملَ ُك َ‬ ‫َوَك ََٰذلِ َ‬ ‫ذاتو تعاذل‪ ،‬فأصبحت ىذه القطعة النورانية تعبد رُّا سنُت ال ٭تصى ‪٢‬تا‬
‫ين (األنعاـ ‪.)75‬‬ ‫ِِ‬
‫ال ُْموقن َ‬ ‫عدد‪ ،‬كال يع ٌد ‪٢‬تا مدد‪ٍ ،‬ب أرادت أف تناؿ الوالدة الثانية لتكوف كاملة‬

‫‪153‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪150‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ُب التجلي‪ ،‬فأخرجت ا‪١‬توجودات من ذاتيتها (أل ا‪ٟ‬تضرة الربوبية)‪،‬‬ ‫ومن الثالث باقي المالئكة‪ ،‬ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء‪:‬‬
‫كىذا اإلخراج النوراين ىو الوالدة الثانية للحضرة الربوبية (أل ا‪ٟ‬تقيقة‬ ‫فخلق من اْلوؿ السماوات‪ ،‬ومن الثاني اْلرضين‪ ،‬ومن الثالث‬
‫احملمدية)‪ .‬ككيفية ىذه الوالدة الثانية للحضرة الربوبية كبياهنا موجوداف‬ ‫الجنة والنار‪ ،‬ثم قسم الرابع أربعة أجزاء‪ ،‬فخلق من اْلوؿ نور‬
‫ُب ا‪ٟ‬تديث ا‪١‬تركم عن جابر عن أكؿ ا‪٠‬تلق‪.‬‬ ‫أبصار المؤمنين‪ ،‬ومن الثاني نور قلوبهم وىى المعرفة باهلل‪ ،‬ومن‬

‫ركاه عبد الرزاؽ بسنده عن جابر بن عبد اهلل بلفظ قاؿ قلت يا رسوؿ‬ ‫الثالث نور إنسهم وىو التوحيد ال إلو إال اهلل محمد رسوؿ اهلل‬

‫اهلل‪ :‬بأيب أنت كأمي أخربين عن أكؿ شيئ خلقو اهلل‪ ،‬قاؿ رسوؿ اهلل‪ :‬يا‬ ‫‪(.‬ا‪ٟ‬تديث‪ ،‬كما ُب ا‪١‬تواىب)‪.‬‬

‫جابر‪ :‬إف اهلل تعالى خلق قبل اْلشياء نور نبيك من نوره‪ ،‬فجعل‬ ‫ٍب إف كل نيب من األنبياء‪ ،‬أك كل رسوؿ من الرسل‪ ،‬ناؿ ىذه الوالدة‬
‫ذلك النور يدور بال ُقدرة حيث شاء اهلل‪ ،‬ولم يكن في ذلك الوقت‬ ‫الثانية بعد ما ثبتت كالدتو األكذل اليت ُّا أتى من أبويو إذل عادل‬
‫لوح وال قلم وال جنة وال نار وال ملك وال سماء وال أرض وال‬ ‫الشهادة‪ .‬كتبدأ الوالدة الثانية لؤلنبياء كالرسل بنور ا‪٢‬تداية كاإلٯتاف حىت‬
‫ِّي وال إنسي‪ ،‬فلما أراد اهلل أف يخلق الخلق‬ ‫ِ‬
‫شمس وال قمر وال جن ٌ‬ ‫يرد عليو الوحي داللة على كصوؿ تربيتو إذل الوالدة الثانية‪.‬‬
‫قسم ذلك النور أربعة أجزاء‪ :‬فخلق من الجزء اْلوؿ القلم‪ ،‬ومن‬
‫كمثاؿ ذلك ُب شأف النيب آدـ (عليو السبلـ)‪ ،‬فإنو بعد ما عصا اهلل‬
‫الثاني اللوح‪ ،‬ومن الثالث العرش‪ ،‬ثم قسم الجزء الرابع أربعة‬ ‫بأكل الشجرة استغفر ربو طالبا بو رؤيتو تعاذل‪ ،‬ألف اهلل دل يغب عنو‬
‫أجزاء‪ ،‬فخلق من الجزء اْلوؿ َح َملَة العرش‪ ،‬ومن الثاني الكرسي‪،‬‬ ‫قبل أكل الشجرة‪ ،‬كذلك طلبو لوالدتو الثانية‪ ،‬كقاؿ تعاذل بعد حُت‪:‬‬

‫‪151‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪152‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الثالثة‪ :‬الذين يعمركف الدنيا كاملُت‪ ،‬كىم العارفوف الذين فازكا بالوالدة‬ ‫كُب النيب موسى (عليو السبلـ) عند ما ذىب إذل النيب شعيب كرجوعو‬
‫اىا نُ ِ‬
‫الثانية ا‪ٟ‬تقيقية قبل أف يدركهم ا‪١‬توت ُب ا‪ٟ‬تياة الدنيا‪ ،‬كبالوالدة الثانية‬ ‫ودي يَا‬ ‫إذل بلده حىت جاءه الندء الرباين‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬فَػلَ َّما أَتَ َ‬
‫يصَت اإلنساف كامبل لدل اهلل‪ ،‬كالكاملوف ىم أىل اهلل‪.‬‬ ‫س طًُوى‪َ .‬وأَنَا‬ ‫ك بِال َْو ِاد ال ُْم َق َّد ِ‬‫ك إِنَّ َ‬ ‫وسى‪ .‬إِنِّي أَنَا َربُّ َ‬
‫ك فَا ْخلَ ْع نَػ ْعلَْي َ‬ ‫ُم َ‬
‫وحى ‪ .‬إِنَّنِي أَنَا اللَّوُ َال إِلَوَ إَِّال أَنَا فَا ْعبُ ْدنِي‬ ‫ك فَ ِ ِ‬
‫قاؿ الشيخ إبراىيم الكو‪٠‬تي (رضي اهلل عنو) ‪١‬تصداؽ ىذه ا‪ٟ‬تقيقة‪:‬‬ ‫استَم ْع ل َما يُ َ‬ ‫ا ْختَػ ْرتُ َ ْ‬
‫والناس في ذلك على ثالثة أقساـ‪:‬‬ ‫الص َالةَ لِ ِذ ْك ِري (طو ‪.)14 – 11‬‬ ‫َوأَقِ ِم َّ‬

‫‪ - 8‬اْلعمى وىو المحجوب الذي ال يرى الحق الظاىر الذي‬ ‫كللنيب ‪٤‬تمد مثاؿ ذلك ُب ذىابو إذل الغار متفكرا ُب خلق السموات‬
‫كاألرض‪ ،‬إذل أف جاءه الوحي‪.‬‬
‫ليس عليو حجاب‬

‫‪ – 2‬ضعيف البصيرة الذي ال يرى إال ذاتا ليس لها صفة وال اسم‬ ‫كلنا بياف كاؼ ُب كالدات األنبياء الثانية ُب كتابنا األنبياء كاألكلياء ُب‬

‫وال فعل‬ ‫ميزاف الًتبية (ٖتت الطبع)‪.‬‬

‫ٍب إف الكمل من األكلياء العارفُت أقركا ثبوت ىذه الوالدة الثانية بدليل‬
‫‪ – 3‬قوي البصيرة الذي يرى الحق والخلق‪ ،‬يشاىد وجودا في‬
‫ما سبق ُب شأف األنبياء كالرسل‪ ،‬كأقركا أنو ال بد من الوالدة الثانية‬
‫عدـ في آف‪ ،‬فنقيضاف ال يفترقاف‪ ،‬وحقيقة ىذا الوجود تمثاؿ‬
‫لكل من يتمٌت الكماؿ اإل‪٢‬تي‪.‬‬

‫‪157‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪154‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كىذه الوالدة الثانية قسماف؛ ‪٣‬تازية كحقيقية‪ ،‬أما الوالدة الثانية اَّازية‬ ‫ىذا‪ ،‬كإف الناس ُب الدنيا من ناحية الوالدة الثانية ا‪ٟ‬تقيقية ثبلثة‬
‫فإهنا تكوف ألىل الدنيا من األغنياء كالشرفاء كعلماء الرسوـ ُب الدنيا‪،‬‬ ‫أصناؼ‪:‬‬
‫كىي كل ما تعلٌم اإلنساف من الدنيا‪ ،‬أك اكتسبها منها‪ ،‬أك فاز ُّا‬
‫األكؿ‪ :‬الذين يكونوف ُب الدنيا ببل شيئ‪ ،‬ليس ‪٢‬تم دين يرضى اهلل بو‬
‫نتيجة اجتهاده ُب ٖتصيلها‪ ،‬حىت صار مشهورا كمعركفا بذلك الشيئ‪،‬‬
‫من األدياف السماكية‪ ،‬بلو االىتماـ بأ‪٫‬تية الوالدة الثانية ا‪ٟ‬تقيقية‪ ،‬كىم‬
‫فذلك كالدتو الثانية اَّازية الدنياكية‬
‫الكفار كا‪١‬تشركوف (أىل الدنيا)‪ .‬فهم مهما ‪ٚ‬تعوا من الدنيا كما فيها‬
‫كُب شأف العلماء كالقاصرين من الصوفية‪ ،‬يوجد منهم من يعتقد أف‬ ‫رجاؿ ال يعبأ اهلل ُّم سبحانو كتعاذل‪ ،‬ألهنم دل يهتدكا سبيبل‪ ،‬كىم‬
‫جوىر التصوؼ‪،‬‬
‫الكرامات‪ ،‬كاستجابة الدعاء‪ ،‬كإقباؿ الناس إليو‪ ،‬ى‬ ‫عي ٍم هي‪ ،‬قاؿ القرآف‪ :‬ومن يبتغ غير اإلسالـ دينا فلن يقبل منو‪ ،‬وىو‬
‫ك٭تسب أف ذلك ىو عُت الوالدة الثانية كالسعادة الكاملة ‪ٞ‬تهلو عن‬ ‫في اآلخرة من الخاسرين (الشورل)‪.‬‬
‫معرفة الوالدة الثانية ا‪ٟ‬تقيقية‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬الذين يعيشوف ُب الدنيا ناقصُت‪ ،‬كىم الذين آمنوا باهلل كيتدينوف‬
‫أما الوالدة الثانية ا‪ٟ‬تقيقية فإهنا تبدأ من كماؿ العبادة كاإلٯتاف الٌ ىذيٍن‬ ‫بأحد األدياف السماكية فقط‪ ،‬مسلمُت كانوا أك نصارل أك غَتىم‪،‬‬
‫يد غفلتو عن اهلل كإزالتو‪ ،‬ك‪٬‬تعبلنو يشعر بوجود اهلل كإمكانية‬ ‫ييرياف ا‪١‬تر ى‬ ‫علماءىم الشرعيُت كأساقفتهم الرىبانيُت‪ ،‬كدل يفوزكا بالوالدة الثانية‬
‫معرفتو‪ ،‬فيكوف لو االنتباه كالتي ٌقظ بالسؤاؿ عمن ىو اهلل با‪ٟ‬تقيقة‪،‬‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقية ُب عادل األركاح اليت ىي الغاية من التديٌن‪.‬‬
‫فيشرع ُب طلب من يرشده إذل معرفتو تعاذل‪.‬‬

‫‪155‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪156‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ا‪ٟ‬تامل الطبيب على حا‪٢‬تا للفحص كالعيادة‪ ،‬كعلى ىذه ا‪ٟ‬تالة يكوف‬ ‫فقط‪ ،‬لكن إف القوة هلل جميعا‪ .‬فثبت بتماثيلو آثار احتجب بها‬
‫ا‪١‬تريد ما شاء اهلل حىت الوصوؿ‪.‬‬ ‫سبحانو‪.‬‬

‫كأما إذا كصل ا‪١‬تريد فقد أيٍ‪٧‬تب ُب عادل األركاح‪ ،‬كدخل ُب حضرة كحدة‬ ‫كيفية الوالدة الثانية الحقيقية عند العارفين‪:‬‬
‫الوجود (حضرة األ‪ٝ‬تاء كالصفات)‪ .‬فيوـ الوصوؿ ىو يوـ الوالدة الثانية‬
‫تبدأ مراحل الوالدة الثانية عند العارفُت بُت ا‪١‬ترشد كا‪١‬تريد من يوـ اتصاؿ‬
‫للمريد‪ ،‬يكلد ىناؾ طفبل نورا نيا‪ ،‬كمعٌت ذلك أف ا‪١‬تريد يرل رؤية صادقة‬
‫ا‪١‬تريد بشيخو الواصل بالبيعة كالتلقُت على يديو‪ ،‬فا‪١‬تريد ٔتثابة ا‪١‬ترأة‬
‫تاما بسره الذم ال يزاؿ ُب عادل األركاح منذ فراقهما‪،‬‬
‫كيتصل اتصاال ٌ‬ ‫ا‪ٟ‬تسيُت‪ ،‬غَت‬
‫اآلنسة كالشيخ ٔتنزلة الرجل يوـ اللقاء األكؿ بُت الزكجُت ٌ‬
‫فاالتصاؿ بالسر ىو ا‪١‬تسمى عند الصوفية بالوصوؿ‪ .‬قاؿ النيب عيسى‬
‫أف ىذا اللقاء لقاء الركحُت ال يبارل ّتسديهما‪.‬‬
‫بن مرًن (عليو كعلى نبينا الصبلة كالسبلـ)‪ :‬من لم يولد مرتين فلن‬
‫أما البيعة كالتلقُت صيغة القبوؿ كاإل‪٬‬تاب بُت ا‪١‬تريد كالشيخ‪ ،‬كىو بداية‬
‫يلج ملكوت السموات‪ٔ .‬تعٌت لن يلقى سره ُب عادل األركاح‪.‬‬
‫ك إِنَّ َما يُػبَايِعُو َف اللَّوَ يَ ُد‬‫ين يُػبَايِعُونَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫النكاح بينهما‪ .‬قاؿ تعاذل‪ :‬إِ َّف الذ َ‬
‫ىذا‪ ،‬كإذا القى ا‪١‬تريد بسره فإنو يعيش ُب عادل الشهادة‪ ،‬كُب عادل‬
‫ث َعلَ َٰى نَػ ْف ِس ِو ۚ َوَم ْن‬ ‫ث فَِإنَّ َما يَن ُك ُ‬‫اللَّ ِو فَػ ْو َؽ أَيْ ِدي ِه ْم ۚ فَ َمن نَّ َك َ‬
‫بعد موتةن‪ ،‬كيعيش مع سره حياة‬
‫األركاح الغييب ُب آف كاحد‪ ،‬كال يذكؽ ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (الفتح ‪ .)10‬كقاؿ‪:‬‬ ‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫سيُػ ْؤتِيو أ ْ‬ ‫َّ‬ ‫أ َْوفَ َٰى بِ َما َع َ‬
‫اى َد َعلَْيوُ اللوَ فَ َ‬
‫حقيقية أبدية‪ ،‬كلو كاف جسمو يلحق بو الفناء كالبًبل ُب عادل الشهادة‪،‬‬
‫لقولو تعاذل‪ :‬ضرب اهلل مثال كلمة طيبة كشجرة طيبة‪ ،‬أصلها ثابت‪،‬‬

‫‪161‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪158‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫سو َف َوَر ُجال َسلَ ًما لَِر ُج ٍل َى ْل‬ ‫ضرب اللَّوُ مثَال رجال فِ ِيو ُشرَكاء متَ َ ِ‬
‫شاك ُ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ٍب إف ا‪١‬تريد بعد حُت يبايع الشيخ بيعة جديدة ألنو قد كجد من‬
‫ْح ْم ُد لِلَّ ِو بَ ْل أَ ْكثَػ ُرُى ْم ال يَػ ْعلَ ُمو َف (الزمر ‪.)29‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْستَ ِويَاف َمثَال ال َ‬ ‫بواسطتو يكوف مولودا ُب عادل األركاح‪ ،‬كعند تلك البيعة يأذف لو‬
‫الشيخ ُب أذكار الًتبية‪ ،‬كيل ٌقنو إياىا‪ ،‬كذلك يكوف ُب مقابلة ا‪ٞ‬تماع‬
‫ٍب يأذف الشيخ للمريد ُب الشركع ُب أذكار الطريقة‪ ،‬فاإلذف ىو ٔتثابة‬
‫بينهما الذم ينتج ا‪ٟ‬تمل‪ٍ ،‬ب يراقب الشيخ حالو ُب ‪ٛ‬تلو الصوُب‬
‫عقد النكاح بينهما‪ ،‬كأما معاملتو بالشيخ فتكوف على حسب ما أمر بو‬
‫النوراين حينا بعد حُت‪.‬‬
‫النساء ُب الشريعة ‪٨‬تو بعولتهن‪ ،‬من تواضع كاستئذاف‪ ،‬ك‪٤‬تبة كتودد‪،‬‬
‫كخدمة كىلم جرا‪.‬‬ ‫كالًتبية ىذه هتيٌئ ا‪١‬تريد للوصوؿ ُب ا‪ٟ‬تضرة بوالدتو الثانية فيها‪ ،‬كما‬
‫ىيٌأه ا‪ٟ‬تمل ا‪ٟ‬تسي للدخوؿ ُب ىذا العادل عند كالدتو األكذل بشرا‬
‫ليس ىناؾ تصوؼ حقيقي يستهُت بشأف طلب ا‪١‬ترشد الواصل الذم‬
‫سويا‪.‬‬
‫يقوـ مقاـ الزكج البلزـ البتداء التنسل الركحي‪ ،‬فوجوب طلب ا‪١‬ترشد‬
‫ُب التصوؼ للوالدة الثانية كوجوب كجود الزكجُت ا‪ٟ‬تسيُت إل‪٧‬تاب‬ ‫ككما كانت ا‪١‬ترأة ُب الدنيا أهنا ىي اليت تشرؼ أكال على ا‪ٟ‬تمل‪ ،‬كذلك‬
‫فأم تصوؼ خبل عن كجود مرشد كاصل فذلك تصوؼ‬
‫الولد ا‪ٟ‬تسي‪ٌ .‬‬ ‫ا‪١‬تريد ىو الذم يشرؼ على ‪ٛ‬تلو ا‪١‬تعنوم بتبلكة أذكاره على الوجو‬
‫علمي ال يرجى عقبو الوالدة الثانية‪ ،‬ال سيما أكالدا ركحانيُت‪ ،‬قاؿ النيب‬ ‫الشيخ‪ ،‬كبتفكَته حوؿ األشياء‪ .‬فباألذكار كالتفكَت‬
‫ي‬ ‫الذم كصفها لو‬
‫ٌ‬
‫مكاثر بكم اْلمم‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬تناكحوا وتناسلوا‪ ،‬فإني ٌ‬ ‫يتحرؾ ‪ٛ‬تلو النوراين شيئا فشيئا من شعوره بنور ربو كشوقو‪ ،‬كما يتحرؾ‬
‫يوـ القيامة‪.‬‬ ‫الشيخ على حالو كما تطلع ا‪١‬ترأة‬
‫ى‬ ‫يد‬
‫ا‪ٞ‬تنُت ُب بطن ا‪١‬ترأة‪ ،‬كييطلع ا‪١‬تر ي‬

‫‪159‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪160‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الذي يبصر بو‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجلو التي يمشي‬ ‫وفرعها في السماء (إبراىيم)‪ .‬كلذلك يقاؿ إف الرجاؿ الكمل يعيشوف‬
‫بها‪........،‬اخل‬ ‫ُب عالػ ىػمُت اثنُت؛ عادل الدنيا كعادل اآلخرة‪ .‬كيقاؿ ‪٢‬تم‪ :‬نصفهم بشر‬
‫كنصفهم ملك‪ ،‬كقاؿ تعاذل‪ :‬ما ىذا بشرا‪ ،‬إف ىذا إال ملك كريم‬
‫كقاؿ الشيخ إبراىيم عبد اهلل الكو‪٠‬تي (رضي اهلل عنو)‪ :‬فحينئذ يأتيو‬
‫(يوسف)‪ .‬كقاؿ البوصَتم‪:‬‬
‫صريح الحق فال يرى وجودا إال اهلل‪ ،‬وال يرى نفسو وال سواه‪ ،‬وال‬
‫يرى فناءه بل ال يرى إال ىو اهلل احد‪ ،‬ويرى أف ال كوف وال أثر وال‬ ‫ال تنكر الوحي من رؤياه إف لو ‪ #‬قلبا إذا نامت العيناف لم ينم‬
‫فعل وال اسم وال صفة‪ ،‬فهو اكمل حجاب عن وجود موجود سوى‬ ‫كقاؿ غَته‪:‬‬
‫وجود الحق‪ ،‬وفي ىذا المقاـ يقوؿ أنا اهلل ال إلو إال أنا وحدي‪ ،‬بل‬
‫قلوب اْلولياء لها عيوف ‪ #‬يرى ما ال يراه المبصرونا‬
‫ال إلو إال اهلل‪ ،‬وىذا من غير حلوؿ وال اتحاد‪ ،‬وال شيئ من صفات‬
‫الحوادث‪ .‬فهذا المقاـ أدنى مراتب الفتح في طريقتنا اْلحمدية‬ ‫وأرواح تطير بغير ريش ‪ #‬إلى ملكوت رب العالمينا‬
‫التجانية المحمدية اإلبراىمية الحنفية‪ ،‬وليس ىو المعرفة لكنو باب‬ ‫فالغاية من الًتبية الصوفية إ نذا ىي اتصاؿ ا‪١‬تريد بسره األزرل‪ ،‬كىو‬
‫المعرفة‪ ،‬ال باب للمعرفة إال الفتح‪ ،‬وال باب للقاء اهلل إال ىو‪.‬‬ ‫الوالدة الثانية‪ ،‬كاالتصاؿ بالسر ىذا ىو الذم يسأؿ عنو العارؼ‬
‫(الكربيت األ‪ٛ‬تر‪ ،‬الفصل الثاين ُب جذب ىذه الطريقة‪ ،‬ص ‪.)426‬‬ ‫يد بقولو‪ :‬ىل عرفت نفسك؟ ىل تربٌيت؟ أل ىل اتصلت‬
‫الصوُب ا‪١‬تر ى‬
‫بسرؾ؟‬
‫ٌ‬

‫‪165‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪162‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ىذا‪ ،‬كلكل شيئ سر ُب عادل الغيب‪ ،‬كاألسرار ‪٣‬تموعة ُب دائرة كاحدة‬ ‫من عرؼ نفسو فقد عرؼ ربو‪ ....‬أل من عرؼ نفسو فقد عرؼ‬
‫بأجساـ خفيفة نورانية‪ ،‬ال ٗتتلف‪ ،‬كلكن القرآف يطلب من كل إنساف‬ ‫األشياء بواسطة أسرارىا‪.‬‬
‫أف يتصل بسره ‪٣‬تاىدا ىواه ُب ٖتقيق ذلك‪ ،‬قاؿ القرآف‪ :‬كال لما‬
‫كيف يدرؾ العارؼ اْلشياء‪:‬‬
‫يقض ما أمره‪( .....‬عبس ‪ ،)23‬يا أيها اإلنساف إنك كادح إلى‬
‫اعلم أيها القارئ العزيز – ىدانا اهلل كإياؾ – أف العارؼ يدرم كل‬
‫ربك كدحا فمالقيو (االنشقاؽ ‪ .....)6‬ويقطعوف ما أمر اهلل بو أف‬
‫شيئ‪ ،‬بالنسبة ألسرار ا‪١‬توجودات كحقائقها‪ ،‬ال بالنسبة ألجسامها‪ ،‬فما‬
‫يوصل (البقرة)‪.‬‬
‫سرىا‬
‫من عارؼ تكوف معرفتو ‪٣‬ترد رؤيتو ‪٢‬تذه الظواىر إال بإدراؾ ٌ‬
‫كالسر توأـ ا‪١‬تريد‪ ،‬يدركو عند كالدتو الثانية أنو ثانيو‪ ،‬كىو ربو كسيده‪،‬‬ ‫كحقيقتها ‪١‬تعرفتو سر نفسو‪ ،‬ألف أسرار الكائنات كحقائقها كاحدة ُب‬
‫بل ىو جزءه النوراين‪ ،‬خرج منو إذل عادل الشهادة‪ ،‬كىو ا‪١‬تدرسة احملمدية‬ ‫أصليتها كأزليتها‪ ،‬أل األسرار ُب عادل األركاح صورة كاحدة‪ ،‬لقولو‬
‫اليت منها يتعلٌم‪ ،‬كىو الوارد الرباين كاألستاذ األكرب الذم ٭تضر لو‬
‫تعاذل‪ :‬ونفس وما سواىا (سورة الشمس)‪.‬‬
‫جديدا من حقائق العلوـ كا‪١‬تعارؼ كأسرار الكوف‪ ،‬بل يأتيو ٔتا ال عُت‬
‫كيدرؾ علوـ األكلُت كاآلخرين بسره حيث ال يرل بعد اتصالو بالسر إال‬
‫ط‪ ،‬حىت يتيقن ا‪١‬تريد‬
‫رأت‪ ،‬كال أذف ‪ٝ‬تعت‪ ،‬كال خطر على قلب بشر ق ٌ‬
‫بو‪ ،‬كال يسمع إال بو‪ ،‬كال يتكلم إال بو‪ ،‬كال يبطش إال بو‪ ،‬قاؿ تعاذل ُب‬
‫حقائق األشياء كلها‪ ،‬فقد ذيكر ُب عوالي اللئالي البن أيب ‪ٚ‬تهور‬
‫ا‪ٟ‬تديث القدسي‪ :‬وإذا أحببتو كنت سمعو الذي يسمع بو‪ ،‬وبصره‬
‫األحسائي ر‪ٛ‬تو اهلل‪ 102/4 :‬أنو قاؿ الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪:‬‬

‫‪163‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪164‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫آياتنا في اآلفاؽ وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنو الحق‪ ،‬أولم يكف‬ ‫كعلى مثل ىذا ا‪ٟ‬تاؿ حاؿ الواصل قاؿ ابن عريب ُب كتابو تنبيهات‬
‫بربك أنو على كل شيئ شهيد (فصلت)‪ .‬كركم ُب عوالي اللئالي‬ ‫على علوٌ ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية ص ‪ :29‬فإنك سألت أيها الولي العارؼ‬
‫البن أيب ‪ٚ‬تهور األحسائي ر‪ٛ‬تو اهلل‪ 102/4 :‬أنو قاؿ الرسوؿ (صلى‬ ‫– عرفك اهلل تعالى ما ال نهاية لو من المعارؼ – أف أقيّد لك‬
‫اهلل عليو كسلم)‪ :‬من عرؼ نفسو فقد عرؼ ربو‪ ....‬أل من عرؼ‬ ‫صورة االستعداد الجامع الكلي الذي ال يتقيد باسم معيّن‪ ،‬وال‬
‫نفسو فقد عرؼ األشياء بواسطة أسرارىا‪.‬‬ ‫بحضرة مخصوصة‪ ،‬وال بتجل مخصوص يوقف عنده‪ ،‬وال يتعدى‬

‫كاالتصاؿ الدائم بالسر بعد الوالدة الثانية لبلستمداد يكوف بالتفكَت‬ ‫لتلقي ما يناسب ىذا االستعداد الكلي من اْلسماء المؤثرة وغير‬

‫الدائم ا‪٠‬تالص عن ‪٫‬توـ الدنيا‪ ،‬كيبتعد عن ا‪١‬تريد سره كلما ازداد ىو ُب‬ ‫المؤثرة‪ ،‬والحضرات المقيدة وغير المقيدة‪ ،‬والتجليات العامة‬

‫ا‪٢‬تموـ الدنيوية‪ ،‬كىكذا يكوف االتصاؿ بعد الوالدة ا‪ٞ‬تديدة الثانية أيضا‬ ‫والخاصة‪ ،‬والتنزالت اإللهية‪ ،‬واالستنزاالت الروحانية‪ ،‬واالطالع‬

‫بإفراغ القلب عن أمور الدنيا‪ ،‬ألف قلب ا‪١‬تريد ىو لسانو الذم يتكلم بو‬ ‫على الكائنات الغيبية‪ ،‬في الحركات الدورية‪ ،‬وتوالج العوالم‪،‬‬

‫مع سره‪ ،‬ك‪ٝ‬تعو الذم يسمع بو من السر‪ ،‬كىذا الكبلـ من السر إذل‬ ‫ومشاىدة كل عالم في مقامو المعلوـ‪ ،‬وشخصيات تجلي ىذه‬

‫ا‪١‬تريد الواصل يسمى معرفة‪ .‬إ نذا‪ ،‬فبل سبيل إذل ا‪١‬تعرفة الصوفية ا‪ٟ‬تقيقية‬ ‫العلوـ في مراتبهم‪ ،‬وصور المعارج والمدارج‪ ،‬وبالنسب الرابط بين‬
‫إال بالًتبية الصحيحة‪.‬‬ ‫العوالم‪ ،‬والتأثيرات السفلية من الحركات العلوية والبرزخية‪،‬‬
‫والػتأثيرات العلوية من الحركات السفلية‪ ،‬وخلق المالئكة‬

‫‪169‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪166‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫والروحانيات العلى‪ ،‬من اْلنفاس اآلدمية‪ ،‬والحركات البشرية‪ ،‬وتولد‬ ‫والمحاؿ عدـ محض‪ ،‬فلم يبق إال الوجوب‪ ،‬ومطالعة السرياف‬
‫ُ‬
‫اْلرواح من اْلجساد‪ ،‬واْلجساد من اْلرواح‪ ،‬ومشاىدة العالم‬ ‫اإللهي الذي ينفي حكم القدر‪ ،‬وىو توحيد الوجود‪ ،‬ونفي االختراع‬
‫المهيم والمسخر والمدبر‪ ،‬والتحوؿ والتبدؿ في الصور على‬ ‫والخلق والتدبير‪ ،‬وجحود اْلسماء المؤثرة‪ ،‬إلى أمثاؿ ىذا الكشف‬
‫اختالفاتها‪ ،‬واالستكشاؼ على توسع الذات اإللهية‪ ،‬لتنوع ىذه‬ ‫التاـ‪ ،‬واْلمر الذي كاف بو النظاـ‪ ،‬مما يرى وال يقاؿ‪.‬‬
‫الصور العرفانية الموقوفة على الجحد واإلقرار‪ ،‬وتنوع المشارب‪،‬‬
‫قلت‪ :‬أجل‪ ،‬كٯتكن للعارؼ – إذا شاء – أف يتكلم عن كل شيئ‪ ،‬أك‬
‫ونسبة الحق من العالم‪ ،‬والعالم من الحق‪ ،‬ومن أين يتعلق العلم‬ ‫أف يستنطق كيستم ٌد ا‪١‬تعاين من كل شيئ‪ ،‬التصالو بعُت سره‪ ،‬كذلك‬
‫القديم اإللهي بالعالم‪ ،‬والعالم معدوـ‪.‬‬ ‫السر ىو الذم ٮتاطبو عن أسرار ا‪١‬توجودات الباقية‪ٍ ،‬ب يعرب عنها‬
‫واسترساؿ العالم الواحد على ما ال يتناىى من العلوـ من غير‬ ‫العارؼ بلغة قومو تعبَتا ربانيا‪ ،‬كىو ا‪١‬تعرفة أك ا‪ٟ‬تقيقة‪.‬‬
‫تصور‪ ،‬العلم التصويري‪ ،‬والمعلومات المقصورة‪ ،‬والمعلومات التي‬
‫ّ‬ ‫كلذلك يستطيع العارؼ أف يعرب بدقة عن األشياء مثل األرض كما‬
‫ال تتصور‪ ،‬والوقوؼ على مقاـ إحالة شهود العقل‪ ،‬ومشاىدة‬ ‫عليها‪ ،‬كالسماء كما فيها‪ ،‬ليس لو صعود حسي من ‪٣‬تلسو‪ ،‬كال‬
‫المرتبة التي تفني اإلمكاف‪.‬‬ ‫يستخدـ أداة حسيٌة‪ ،‬بل ٔتجرد اتصالو بأسرار ىذه األشياء‪ ،‬كاألسرار‬
‫أكرب جوىرا من ىذه ا‪٢‬تيئات ا‪١‬ترئية‪ .‬ككذلك ٯتكن للعارؼ أف يعرب عن‬
‫اهلل كرسولو ألنو ىو السر الكلي ُب ا‪١‬توجودات‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬سنريهم‬

‫‪167‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪168‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ْخ ُذهُ ِسنَةٌ َوالَ نَػ ْوٌـ لَّوُ َما فِي‬ ‫اللّوُ الَ إِلَػوَ إِالَّ ُى َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫وـ الَ تَأ ُ‬ ‫ك‪٣‬تمع ىذه األسرار ىو ا‪١‬تسمى عند الصوفيُت العارفُت بدائرة األكلياء‪،‬‬
‫ض َمن ذَا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِع ْن َدهُ إِالَّ بِِإ ْذنِِو يَػ ْعلَ ُم‬ ‫ات َوَما فِي اْل َْر ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫ككل من كصل بالًتبية الركحية فقد دخل ُب دائرهتم دخوؿ الطفل ُب‬
‫ش ْي ٍء ِّم ْن ِعل ِْم ِو إِالَّ بِ َما َشاء‬ ‫َما بَػ ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم َوَما َخ ْل َف ُه ْم َوالَ يُ ِحيطُو َف بِ َ‬ ‫عادل األشباح‪.‬‬
‫ودهُ ِح ْفظُ ُه َما َو ُى َو ال َْعلِ ُّي‬ ‫ض َوالَ يَػ ُؤ ُ‬‫ات َواْل َْر َ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫َوس َع ُك ْرسيُّوُ َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫ٯتر عليها حىت يدركو البلوغ‬
‫كبالًتقيات ينشأ ا‪١‬تريد ُب عادل األركاح‪ٌ ،‬‬
‫يم (البقرة ‪)255‬‬ ‫ِ‬
‫ال َْعظ ُ‬ ‫التامة‪ .‬قاؿ الشيخ‬
‫التاـ كا‪١‬تعرفة ٌ‬
‫الكامل ُب ا‪ٟ‬تضرة با‪ٟ‬تصوؿ على النور ٌ‬
‫ْخبِ ُير‬ ‫ار ۚ َو ُى َو اللَّ ِط ُ‬
‫يف ال َ‬ ‫صَ‬ ‫ار َو ُى َو يُ ْد ِر ُؾ ْاْلَبْ َ‬
‫صُ‬ ‫َّال تُ ْد ِرُكوُ ْاْلَبْ َ‬ ‫إبراىيم عبد اهلل الكو‪٠‬تي (رضي اهلل تعاذل عنو)‪ :‬فبهذا يسير العارؼ‪،‬‬
‫(اْلنعاـ ‪)823‬‬ ‫والسير ىو الترقي في معارؼ المعارؼ‪ ،‬ال يزاؿ العارؼ باهلل في‬
‫كل نفس يزداد علما وذوقا وحاال ومحبّة‪ ،‬وفناء وتعطشا‪ ،‬واحتراقا‬
‫اؿ‬
‫ك قَ َ‬ ‫ب أَ ِرنِي أَنظُْر إِلَْي َ‬
‫اؿ َر ِّ‬ ‫وسى لِ ِمي َقاتِنَا َوَكلَّ َموُ َربُّوُ قَ َ‬
‫اء ُم َ‬ ‫َولَ َّما َج َ‬
‫وشوقا إلى اهلل تعالى‪ ،‬إلى أبد اآلباد‪ .‬يترقى بذلك في الكشف عن‬
‫ِ ِ‬
‫ؼ تَػ َرانِي‬‫س ْو َ‬ ‫ْجبَ ِل فَِإ ِف ْ‬
‫استَػ َق َّر َم َكانَوُ فَ َ‬ ‫لَ ْن تَػ َراني َولَك ِن انظُْر إِلَى ال َ‬
‫ِ‬ ‫أسماء اهلل تعالى وصفاتو وفهم كالمو تعالى وكالـ نبيّو (صلى اهلل‬
‫ص ِع ًقا فَػلَ َّما أَفَا َؽ قَ َ‬
‫اؿ‬ ‫وسى َ‬ ‫ْجبَ ِل َج َعلَوُ َد ًّكا َو َخ َّر ُم َ‬ ‫فَػلَ َّما تَ َجلَّى َربُّوُ لل َ‬
‫فهم حاؿ وذوؽ كلما ردد الفكرة يتجدد لو ذلك حتى‬
‫عليو وسلم) َ‬
‫ِِ‬ ‫ت إِلَْي َ‬
‫ين (اْلعراؼ ‪)843‬‬ ‫ك َوأَنَا أ ََّو ُؿ ال ُْم ْؤمن َ‬ ‫ك تُػ ْب ُ‬‫ُس ْب َحانَ َ‬
‫تتجلى لو عظمة اهلل وكبرياؤه‪ ،‬وىما آخر ما يوجد من حجب‬
‫الصفات‪ ،‬فليس وراءىما إال الذات العلية المقدسة العالية عن‬

‫‪173‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪170‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الكيف والعين (الكربيت األ‪ٛ‬تر‪ ،‬ا‪ٞ‬تزء الثالث ُب السلوؾ ُب جذب‬ ‫ُك ُّل َش ْي ٍء َىالِ ٌ‬
‫ك إِال َو ْج َهوُ (القصص ‪)11‬‬
‫ُب الطريقة ص ‪.)448‬‬ ‫صيبةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّ ِو وإِنَّا إِلَْي ِو ر ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اجعُو َف (البقرة‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين إِذَا أ َ‬
‫َصابَػ ْتػ ُه ْم ُم َ‬ ‫الذ َ‬
‫أدلة الوالدة الثانية كتابا وسنة‪:‬‬ ‫‪)856‬‬
‫اطل ۚ إِ َّف الْب ِ‬
‫ِ‬ ‫ض أ ََال إِلَى اللَّ ِو‬
‫ات َوَما فِي ْاْل َْر ِ‬
‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬
‫اط َل َكا َف َزُىوقًا (اإلسراء‬‫َ‬ ‫ْح ُّق َوَزَى َق الْبَ ُ‬
‫اء ال َ‬
‫َوقُ ْل َج َ‬ ‫ص َراط اللَّو الذي لَوُ َما في َّ َ َ‬
‫‪)18‬‬ ‫ور (الشورى ‪)53‬‬ ‫ِ‬
‫تَص ُير ْاْل ُُم ُ‬
‫اط ِل فَػيَ ْد َمغُوُ فَِإ َذا ُى َو َز ِاى ٌق ۚ َولَ ُك ُم ال َْويْ ُل‬
‫ؼ بِالْح ِّق َعلَى الْب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بَ ْل نَػ ْقذ ُ َ‬ ‫ْح ُّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َسنُ ِري ِه ْم آيَاتنَا في اآلفَاؽ َوفي أَنْػ ُفس ِه ْم َحتَّى يَػتَبَػيَّ َن لَ ُه ْم أَنَّوُ ال َ‬
‫ض ۚ َوَم ْن ِعن َدهُ َال‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫م َّما تَص ُفو َف (‪َ )81‬ولَوُ َمن في َّ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ك أَنَّوُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهي ٌد (فصلت ‪)53‬‬ ‫أَولَم ي ْك ِ‬
‫ف بَِربِّ َ‬ ‫َ َْ‬
‫سبِّ ُحو َف اللَّْي َل‬ ‫ِ‬ ‫يستَ ْكبِرو َف َعن ِعب َ ِِ‬
‫ادتو َوَال يَ ْستَ ْحس ُرو َف (‪ )81‬يُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُى َو ْاْل ََّو ُؿ َو ْاآلخ ُر َوالظَّاى ُر َوالْبَاط ُن ۚ َو ُى َو ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم‬
‫ض ُىم ي ِ‬ ‫ِ‬
‫نش ُرو َف‬ ‫ار َال يَػ ْفتُػ ُرو َف (‪ )22‬أَِـ اتَّ َخ ُذوا آل َهةً ِّم َن ْاْل َْر ِ ْ ُ‬‫َّه َ‬
‫َوالنػ َ‬ ‫(الحديد ‪)3‬‬
‫(اْلنبياء ‪)28 – 81‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫فَأَيْػنَ َما تُػ َولوا فَػثَ َّم َو ْجوُ اللَّو إِ َّف اللَّوَ َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم (البقرة ‪)885‬‬
‫َف ما ي ْدعُو َف ِمن ُدونِِو ىو الْب ِ‬ ‫ََٰذلِ َ‬
‫ك بِأ َّ‬
‫َف اللَّوَ‬
‫اط ُل َوأ َّ‬‫َُ َ‬ ‫َف اللَّوَ ُى َو ال َ‬
‫ْح ُّق َوأ َّ َ َ‬
‫ُى َو ال َْعلِ ُّي الْ َكبِ ُير (الحج ‪)62‬‬

‫‪171‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪172‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ْح َر ِاـ إِلَى ال َْم ْس ِج ِد‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬


‫َس َرى بِ َع ْبده لَْي ًال م َن الْ َم ْسجد ال َ‬
‫ُس ْب َحا َف الَّذي أ ْ‬ ‫أوجو المقابلة بين الولد الروحاني والولد الجسماني‪:‬‬
‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ُير‬ ‫ارْكنَا َح ْولَوُ لنُ ِريَوُ م ْن آَيَاتنَا إِنَّوُ ُى َو َّ ُ َ‬‫ْصى الذي بَ َ‬ ‫ْاْلَق َ‬ ‫الولد ا‪ٟ‬تسي ىو ٔتثابة الولد الركحي كمرشده أبوه‪ٛ ،‬تلو ىو كونو ُب‬
‫(اإلسراء ‪.)2‬‬ ‫الًتبية‪ ،‬كالدتو كصولو‪ ،‬غسلو بعد الوالدة تصديق الشيخ لو بعد الوصوؿ‬
‫فصل في معنى يوـ االثنين ويوـ الجمعة عند القوـ‪:‬‬ ‫بقولو لو أنت عارؼ‪ ،‬كمشيمتو اليت ىي ثانيتو ُب الوالدة معاين األشياء‬
‫ُب قلبو ُب العادل ا‪ٟ‬تسي اليت قد ا‪٩‬تلع عنها‪ ،‬كرؤيتها بصفاهتا ا‪ٟ‬تسية‬
‫‪٢‬تذين اليومُت فضل كبَت عند الصوفية‪ ،‬كيهتموف ُّما كثَتا‪ .‬كُب يوـ‬
‫كاعتقاداتو ُب العبادة الظاىرة كالعلوـ الظاىرة كأحكاـ أىل الشريعة‬
‫لص َالةِ ِم ْن يَػ ْوِـ‬
‫ي لِ َّ‬ ‫ِ‬
‫ين آ ََمنُوا إِ َذا نُود َ‬
‫َّ ِ‬
‫ا‪ٞ‬تمعة قاؿ تعاذل‪ :‬يَا أَيُّػ َها الذ َ‬ ‫كلها‪ ،‬يكوف كلها يتبلشى ُب اضمحبلؿ‪ .‬تغذيتو با‪١‬تاء كاللنب كىي أف‬
‫اس َع ْوا إِلَى ِذ ْك ِر اللَّ ِو َو َذ ُروا الْبَػ ْي َع ذَلِ ُك ْم َخ ْيػ ٌر لَ ُك ْم إِ ْف ُك ْنتُ ْم‬ ‫ال ِ‬
‫ْج ُم َعة فَ ْ‬
‫ُ‬ ‫يؤمر بالشكر كا‪ٟ‬تمد هلل كإعطاؤه األذكار كاألسرار ا‪٠‬تصوصية‪.‬‬
‫تَػ ْعلَ ُمو َف (الجمعة‪ )9:‬فإف اهلل فضلها أكال بصبلة ا‪ٞ‬تمعة شرعية‪ ،‬كثانيا‬
‫أمر بالذكر الكثَت ُب الوقت األخَت من يوـ ا‪ٞ‬تمعة‪٢ ،‬تذا كاف ليومها‬ ‫كتزيينو تأديبو ْتضرة الًتبية أف ال ٭تدث أحدا ٔتا رأل‪ ،‬كنومو على‬
‫عند علماء الظواىر كا‪١‬تسلمُت ‪ٚ‬تيعا فضل كبَت كمكانة مرموقة بصبلة‬ ‫ظهره ببل ٖترؾ ىو بقاؤه على ىذا ا‪ٟ‬تاؿ ببل زيادة‪ٖ .‬تركو كالتفاتو ىو‬
‫ا‪ٞ‬تمعة‪ ،‬ككذلك لو فضل أ‪ٝ‬تى كمكانة عليا عند القوـ بذكر ا‪٢‬تيللة‬ ‫إرادتو السؤاؿ عما بقي من الشيخ‪ .‬كإجبلسو زيادة الشيخ لو ُب أذكاره‬
‫الكربل ُب يومها‪ ،‬امتثاال ألمر اهلل سبحانو كتعاذل بالذكر الكثَت‪.‬‬ ‫أك حالو‪ ،‬كالعمل بو جلوسو بنفسو‪.‬‬

‫ككذلك ليوـ االثنُت عندىم فضل عظيم ‪٤‬تبة لرسوؿ اهلل كاقتداء بو‬ ‫رعرعتو ىي تصدره كتفاخره بأنو قد ترىب‪ .‬صوتو ىو إخباره بًتبيتو‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم) لتعظيمو ىذا اليوـ لصيامو فيو شكرا هلل سبحانو‬ ‫ْح ُّق َوَال‬ ‫بالتعجيل‪ ،‬كلقد قاؿ تعاذل ُب ذلك فَػتَػ َعالَى اللَّوُ ال َْملِ ُ‬
‫ك ال َ‬

‫‪177‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪174‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ب ِز ْدنِي ِعل ًْما‬ ‫َف ِم ْن قَػ ْب ِل أَ ْف يُػ ْق َ‬


‫ضى إِلَْي َ‬
‫ك َو ْحيُوُ َوقُ ْل َر ِّ‬ ‫تَػ ْعجل بِالْ ُقرآ ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫ىكذا كاف حياة الطفل الركحي النوراين ُب عادل األنوار‪ .‬كبقي األمر‬
‫(طو ‪ .)225‬قيامو على قدميو الثابتتُت إكمالو لؤلسرار األربعة‬ ‫على قربو بلوغ الرجولية الذم فيو يكوف لو اإلدراؾ التاـ ُب السمع‬
‫ا‪٠‬تصوصية‪.‬‬ ‫كالبصر كالنطق‪ ،‬بأف يسمع ا‪٢‬تاتف النوراين‪ ،‬كيرل ما دل يره احملجوب‪،‬‬
‫كيتكلم بالكبلـ النوراىن أل ّتواىر العلوـ‪ ،‬كلو الصعود الكامل إذل عادل‬
‫موتو صغَتا ىو تركو للورد أك الردة ُب السلوؾ بعد الًتبية من دكف‬
‫األركاح كىو مشيو‪.‬‬
‫الزيادة‪ ،‬كحيضتو أف ٮترب غَته بوصوؿ أنوار تربيتها كمعارفها‪ .‬مرضو أف‬
‫يتغافل كٯتل ُب السلوؾ كشكو ُب الطريقة‪ .‬صحتو زيادة شوقو ك‪٤‬تبتو‬ ‫ك‪٢‬تذا اإلدراؾ كيفية خاصة نشَت إذل اآليات الدالة عليها‪ ،‬كىي‪:‬‬
‫ُب الطريقة‪ .‬نشأتو تقدمو من حاؿ إذل حاؿ‪ .‬التفاكت كالتفاكؽ بُت‬
‫َال يَ ْس َمعُو َف فِ َيها لَ ْغ ًوا َوَال كِ َّذابًا (سورة النبإ ‪)46‬‬
‫األكالد ا‪ٟ‬ت ٌسيٌُت ُب ا‪١‬تواىب الدنيوية ىو زيادة البعض على البعض ُب‬
‫نور الوصوؿ ُب الًتبية كالًتقية‪ .‬ثدم أمو حضرة شيخو‪ ،‬كلبنها معارفها‬ ‫ص ُر َوَما طَغَى (النجم ‪)28‬‬
‫غ الْبَ َ‬
‫َما َزا َ‬
‫كأنوارىا‪ .‬الولد العاؽ ىو ا‪١‬تريد ا‪ٟ‬تاسد شيخو كمعاديو‪ ،‬الولد البار مريد‬ ‫ِ‬
‫َوَما يَػ ْنط ُق َع ِن ال َْه َوى (‪ )3‬إِ ْف ُى َو إَِّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫وحى (النجم ‪)5‬‬
‫صادؽ لشيخو‪ .‬أقراف السوء ىم شركاؤه ا‪ٟ‬تاسدكف لشيخهم‪ .‬أقراف‬
‫ك إِنَّ َما يُػبَايِعُو َف اللَّوَ يَ ُد اللَّ ِو فَػ ْو َؽ أَيْ ِدي ِه ْم فَ َم ْن‬
‫ين يُػبَايِعُونَ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫إِ َّف الذ َ‬
‫تنوع تغذيتو لذة أنواع ا‪١‬تعارؼ ُب‬
‫ا‪٠‬تَت شركاؤه الصادقوف لشيخهم‪ٌ .‬‬
‫ترقياتو‪ .‬فتنتو ألمو ‪٤‬تاكلتو السؤاؿ عن أنواع ا‪١‬تسائل الصوفية‪.‬‬ ‫اى َد َعلَْيوُ اللَّوَ‬‫ث َعلَى نَػ ْف ِس ِو َوَم ْن أ َْوفَى بِ َما َع َ‬ ‫ث فَِإنَّ َما يَػ ْن ُك ُ‬‫نَ َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (الفتح ‪)21‬‬ ‫َج ًرا َعظ ً‬ ‫سيُػ ْؤتِيو أ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ص ًّفا (الفجر ‪)33‬‬
‫ص ًّفا َ‬
‫ك َ‬
‫ك َوال َْملَ ُ‬
‫اء َربُّ َ‬
‫َو َج َ‬

‫‪175‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪176‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫وؿ بَػ ْي َن ال َْم ْرِء َوقَػ ْلبِ ِو َوأَنَّوُ إِلَْي ِو‬


‫َف اللَّوَ يَ ُح ُ‬
‫كقلبو‪ ،‬قاؿ القرآف‪َ :‬وا ْعلَ ُموا أ َّ‬ ‫كتعاذل لوالدتو فيو‪ ،‬كأمر الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم) بإكثار الصبلة‬
‫ش ُرو َف (اْلنفاؿ‪.)24:‬‬
‫تُ ْح َ‬ ‫عليو ُب ىذين اليومُت‪ ،‬ك‪٢‬تذا خصص القوـ ىذين اليومُت للمريدين ُب‬
‫كىي ليلة مباركة للمريد قاؿ القرآف‪ :‬حم (‪ )5‬وال ِ‬ ‫زيارة ا‪١‬ترشدين‪ ،‬ألف من زار قطبا من الكمل ُب ىذين اليومُت كأنو زار‬
‫اب ال ُْمبِي ِن (‪)2‬‬ ‫ْكتَ ِ‬ ‫َ‬
‫ا‪٠‬تا٘تي كج ٌده رسوؿ اهلل (صلى اهلل عليو كسلم)‪ ،‬كمن أكثر الصبلة‬
‫ين (‪ )3‬فِ َيها يُػ ْف َر ُؽ ُك ُّل أ َْم ٍر‬ ‫ِ‬ ‫إِنَّا أَنْػزلْنَاهُ فِي لَيػلَ ٍة مب ٍ‬
‫ارَكة إِنَّا ُكنَّا ُم ْنذ ِر َ‬
‫ْ َُ َ‬ ‫َ‬
‫على الرسوؿ ُب ىذين اليومُت كمن زاره أيضا‪.‬‬
‫ك إِنَّوُ‬ ‫ين (‪َ )5‬ر ْح َمةً ِم ْن َربِّ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم (‪ )4‬أ َْم ًرا م ْن ع ْندنَا إِنَّا ُكنَّا ُم ْرسل َ‬‫َح ِك ٍ‬
‫يم (الدخاف‪.)6:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُىو َّ ِ‬ ‫كألف القوـ رأكا يوـ ا‪ٞ‬تمعة يوـ االلتقاء مع اهلل‪ ،‬كاشًتطوا ‪ٞ‬تميع ا‪١‬تريدين‬
‫يع ال َْعل ُ‬‫السم ُ‬ ‫َ‬
‫كا‪١‬تريدات ا‪ٞ‬تماعة ُب ذكر ا‪٢‬تيللة الكربل اللتقاءىم مع اهلل أك مع‬
‫كقولو فيها يفرؽ كل أمر حكيم يعٍت ُب ليلة مباركة للعارؼ يفرؽ بينو‬
‫شيخهم‪ ،‬ككذلك يوـ االثنُت فإنو يوـ االلتقاء العا‪١‬تُت مع النيب ‪٤‬تمد‬
‫كبُت مقادير السوء كاألحواؿ السلبية كالسيطرة الشيطانية كاألىواء‬
‫(صلى اهلل عليو كسلم) بوالدتو بشرا جسمانيا‪ ،‬ألهنم التقوا مع ر‪ٛ‬تتهم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬كيدخل مرتبة الذين قاؿ ُب شأهنم القرآف بقولو تعاذل‪ :‬لِيَػ ْغ ِف َر‬ ‫ِ ِ‬
‫اؾ إَِّال َر ْح َمةً لل َْعالَم َ‬
‫ين‬ ‫دنيا كأخرل طبقا لقولو تعاذل‪َ :‬وَما أ َْر َسلْنَ َ‬
‫ك‬ ‫ك َويَػ ْه ِديَ َ‬
‫َّر َويُتِ َّم نِ ْع َمتَوُ َعلَْي َ‬
‫ك َوَما تَأَخ َ‬‫ك اللَّوُ َما تَػ َق َّد َـ ِم ْن ذَنْبِ َ‬
‫لَ َ‬ ‫(اْلنبياء ‪.):517‬‬
‫يما (الفتح‪.)2:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َراطًا ُم ْستَق ً‬
‫كالسر ُب ىذين اليومُت أف ا‪١‬تريد يلتقي مع ربو ُب يوـ ا‪ٞ‬تمعة‪ ،‬كىو يوـ‬
‫كُب الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم) مثاؿ ما قلنا‪ ،‬ففي بداية رسالتو رأل‬
‫االثنُت أيضا لكونو ثانيا لربو‪ ،‬فيكوف الفرؽ بينهما ُب اللفظ فقط‪ ،‬كُب‬
‫جربيل ا‪١‬ترة األكذل أل ظهرت شدة أنوار ربو ّتميع نصيبو ُب حضرة‬
‫ا‪١‬تعٌت ا‪ٟ‬تقيقي يوـ كاحد‪.‬‬
‫ا‪١‬تعارؼ اليت ىي ٔتنزلة معرفة األ‪ٝ‬تاء كالصفات للواصل بنور الًتبية‪،‬‬

‫‪181‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪178‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كمن ىنا تدرؾ أيها القارئ أف يوـ التقائك مع ربك يوـ ‪ٚ‬تعتك كيوـ‬ ‫كأما ليلة القدر فهي يوـ دخولو إذل حضرة ا‪١‬تعرفة أل يوـ تتنزؿ عليو‬
‫اثنينك‪ ،‬كلو كافق يوـ األربعاء ُب الًتتيب الوضعي‪ ،‬أك كافق أم يوـ من‬ ‫ا‪١‬تعارؼ‪ ،‬كتكوف ىذه الليلة القدرية بعد يومى ا‪ٞ‬تمعة كاالثنُت‪ ،‬ألنو‬
‫األياـ الباقية ُب األسبوع‪ ،‬كلنا ما شاء اهلل كتاب " أصل األياـ‬ ‫ليس يوـ كصوؿ الًتبية بيوـ الدخوؿ إذل حضرة ا‪١‬تعارؼ‪ ،‬لذلك يقاؿ‬
‫كالشهور" ُب بياف حقائق األياـ كالشهور‪ ،‬كالكتاب ٖتت الطبع‪.‬‬ ‫إف كصوؿ الًتبية ليس با‪١‬تعرفة كلكنو باب ا‪١‬تعرفة‪.‬‬

‫كانطبلقا من ىذه البينات‪ ،‬يكوف يوـ ا‪ٞ‬تمعة كاالثنُت للمريد يوـ كصولو‬ ‫كُب شأف ليلة القدر اليت ذكرنا قاؿ القوـ‪ :‬ما من والية إال وعقدت‬
‫َّاس لِيَػ ْوٍـ‬ ‫ك َج ِام ُع الن ِ‬ ‫ُب الًتبية الصحيحة الصوفية‪ .‬قاؿ القرآف‪َ :‬ربَّػنَا إِنَّ َ‬ ‫في الليل‪ ،‬إذا فاليوـ الذم عقدت فيو كالية ا‪١‬تريد فهو لو ليلة القدر‬
‫اد (آؿ عمراف‪ )9:‬كقاؿ ُب آخر‬ ‫ف ال ِْم َيع َ‬ ‫ب فِ ِيو إِ َّف اللَّوَ َال يُ ْخلِ ُ‬‫َال َريْ َ‬ ‫ُب أم يوـ أك ساعة من ساعات النهار أك الليل حصل ذلك‪.‬‬
‫وح َٰىۚ إِلَ َّى أَنَّ َمآ إِ َٰلَ ُه ُك ْم إِ َٰلَوٌ‬ ‫الكهف‪ :‬قُ ْل إِنَّ َمآ أَنَاۚ بَ َ‬
‫ش ٌر ِّمثْػلُ ُك ْم يُ َ‬ ‫ك‪١‬تا قلنا أف تلك الليلة قد تكوف ُب أم يوـ أك أية ساعة كما تقدـ‪،‬‬
‫صلِ ًحا َوَال يُ ْش ِر ْؾ‬ ‫َٰح ٌد ۚ فَمن َكا َف يػرجواْ لَِق ِ‬ ‫وِ‬
‫آء َربِّوۦ فَػ ْليَػ ْع َم ْل َع َم ًال ََٰ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فالليل ىنا ليس با‪١‬تعٌت ا‪١‬تتعارؼ لدل الناس‪ ،‬إذا فما معٌت الليل أك‬
‫َح ًدۚا‪ .‬فالعمل الصاحل ُب اآلية ىو الًتبية الصوفية‬ ‫بِ ِعب َ ِ ِ‬
‫ادة َربِّوۦ أ َ‬ ‫َ‬ ‫الليلة؟ فهي شدة ظهور أنوار اهلل كقرب ا‪١‬تريد لتلك األنوار يكوف‬
‫الصحيحة‪ ،‬كمعٌت قولو وال يشرؾ بعبادة ربو أحدا ىو أف ال يرل ما‬ ‫كالليل ‪١‬تا قيل‪ :‬وفي شدة الظهور الخفاء أل الليل‪ ،‬كىذه األنوار‬
‫سول اهلل‪.‬‬ ‫تظهر لو على قدر نصيبو منها ‪ٚ‬تلة كاحدة كإنزاؿ القرآف ‪ٚ‬تلة كاحدة‬
‫إذل بيت العزة ُب السماء الدنيا‪ ،‬أل بيت العزة حضرة ربو كالسماء‬
‫الدنيا قلبو‪ٔ ،‬تعٌت تلك األنوار دل تكن نازلة ُب قلبو بل كانت بُت عقلو‬
‫ليلة القدر عند القوـ‪:‬‬

‫‪179‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪180‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كىكذا يكوف تفكَته دائما ُب كل حاؿ من كل شيئ حىت تراه يقظانا‬ ‫كىي اليت صَتتو كاَّنوف من خوفو كفراره‪ ،‬كقولو ‪٠‬تد‪٬‬تة‪ :‬دثريٍت‬
‫ُب ا‪ٟ‬تضرة الربانية يتفكر ُب كل شيئ حىت ُب ‪٣‬تامعة زكجتو كُب العثور‬ ‫زمليٍت‪ ،‬كىذا إنزاؿ القرآف ‪ٚ‬تلة كاحدة ُب بيت عزة ‪ٝ‬تائو الدنيا‪ٍ ،‬ب نزؿ‬
‫إذا ٯتشي‪ ،‬كُب ا‪ٟ‬تيوانات‪ ،‬دؽ ذلك الشيئ أك جل‪ ،‬كيدرؾ حقيقة كل‬ ‫عليو جربيل مرة ثانية بنزكؿ القرآف منجما ُب ثبلث كعشرين سنة‪ ،‬كىذا‬
‫شيئ كسرىا‪ ،‬كقاؿ القرآف ُب حالتهم كمرتبتهم حيث يتكلموف بلساف‬ ‫َّج ِم إِ َذا َى َوى (‪)5‬‬
‫مثاؿ لنزكؿ أنوار ا‪١‬تعارؼ ُب قلبو‪ ،‬قاؿ القرآف‪َ :‬والن ْ‬
‫عرفاهنم‪ :‬إِ َّف اللَّوَ َال يَ ْستَ ْحيِي أَ ْف يَ ْ‬ ‫ض َّل ص ِ‬
‫احبُ ُك ْم َوَما غَ َوى (‪َ )2‬وَما يَػ ْن ِط ُق َع ِن ال َْه َوى (‪ )3‬إِ ْف ُى َو‬
‫وضةً فَ َما فَػ ْوقَػ َها‬ ‫ب َمثَ ًال َما بَػعُ َ‬ ‫ض ِر َ‬ ‫َما َ َ‬
‫ْح ُّق ِم ْن َربِّ ِه ْم أل كل ما رأكا ىو‬ ‫ين آ ََمنُوا فَػيَػ ْعلَ ُمو َف أَنَّوُ ال َ‬
‫َّ ِ‬
‫فَأ ََّما الذ َ‬ ‫وحى (النجم‪ ،)4:‬كىذا ٔتنزلة النزلة الثانية للعارؼ بنور‬ ‫إَِّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫اد اللَّوُ بِ َه َذا َمثَ ًال‬
‫ين َك َف ُروا فَػيَػ ُقولُو َف َماذَا أ ََر َ‬ ‫َّ ِ‬
‫حقيقة رُّم‪َ ،‬وأ ََّما الذ َ‬ ‫الًتقية‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ين (‬ ‫يُض ُّل بو َكث ًيرا َويَػ ْهدي بو َكث ًيرا َوَما يُض ُّل بو إَِّال الْ َفاسق َ‬ ‫أحواؿ النزلة اْلولى والثانية للواصلين‪:‬‬
‫البقرة‪ .)26:‬كالقرآف يصفهم أك ٮترب عنهم أك يصدقهم ُب ىذه ا‪ٟ‬تالة‬
‫كذلك للعارؼ النزلة األكذل بظهور شدة أنوار ربو بقدر نصيبو منها ُب‬
‫ودا َو َعلَى ُجنُوبِ ِه ْم‬ ‫ين يَ ْذ ُك ُرو َف اللَّوَ قِيَ ًاما َوقُػعُ ً‬ ‫َّ ِ‬
‫بقولو تعاذل‪ :‬الذ َ‬
‫ت ى َذا ب ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫حضرة ا‪١‬تعرفة ٍب تليها النزلة الثانية‪ ،‬كٗتتلف أحواؿ العارفُت ُب ا‪١‬تسافة‬
‫اط ًال‬ ‫ض َربَّػنَا َما َخلَ ْق َ َ َ‬ ‫ات َو ْاْل َْر ِ‬ ‫َويَػتَػ َف َّك ُرو َف في َخل ِْق َّ َ َ‬
‫سبحانَ َ ِ‬ ‫بُت النزلتُت‪ ،‬منهم من تكوف نزلتو األخرل ُب اليوـ التارل‪ ،‬كمنهم من‬
‫اب النَّا ِر (آؿ عمراف‪ .)595:‬كىذا إدامة تفكَتىم‬ ‫ك فَقنَا َع َذ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫تكوف بعد أسبوع أك شهر أك سنة أك سنوات‪،‬‬
‫ُب كل شيئ كمراقبتهم ُب كل حاؿ‪ ،‬كىم يقولوف بلساف عرفاهنم إثر‬
‫كل نتيجة تفكَتىم‪ :‬ما خلقت ىذا باطال سبحانك فقنا عذاب‬ ‫أحواؿ النزلة اْلولى ثالث‪:‬‬
‫النار أل ال باطل ُب خلق كل شيئ‪ ،‬وما خلقنا ذلك إال بالحق‪ ،‬كال‬

‫‪185‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪182‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫األكذل مبدأ ا‪١‬تعرفة‪ ،‬يكوف كشفهم تارة مصيبا ك‪٥‬تطئا تارة أخرل‪ ،‬أل‬ ‫كىذا ما حصل للنيب (صلى اهلل عليو كسلم) حُت يقوؿ ُب فراره إذل‬
‫جليا أك شبهيا‪ ،‬ر‪ٛ‬تانيا أك شيطانيا ‪،‬ألنو ُب تلك ا‪ٟ‬تالة دل يسلم من‬ ‫خد‪٬‬تة دثريٍت كزمليٍت حىت يقوؿ القرآف ُب حقو‪ :‬ما ضل صاحبكم‬
‫ك ِمنْ ر ُس ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫وؿ‬ ‫تدخل الشيطاف فيو بإ‪٢‬تاماتو‪ .‬كقاؿ‪َ :‬وَما أ َْر َسلْنَا منْ قَػ ْبل َ َ‬ ‫وما غوى (النجم)‬
‫س ُخ اللَّوُ َما يُػل ِْقي‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َوَال نَبِ ٍّي إَِّال إِ َذا تَ َمنَّى أَلْ َقى َّ‬
‫الش ْيطَا ُف في أ ُْمنيَّتو فَػيَػ ْن َ‬ ‫كلذلك يطلب من ا‪١‬تريد ُب ىذه ا‪ٟ‬تالة لزكـ شيخو ككونو معو‪ ،‬إما قلبا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪( .‬ا‪ٟ‬تج ‪.)63‬‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫الش ْيطَا ُف ثُ َّم يُ ْحك ُم اللَّوُ آَيَاتو َواللَّوُ َعل ٌ‬
‫َّ‬
‫كجسما‪ ،‬كإما قلبا فقط إذا كانا متباعدل ا‪١‬تبيت حىت تسكن ىذه‬
‫كحالتهم الثانية تراىم يريدكف دائما التكلم ٔتا رأكا ألهنم يستغربوف‬ ‫ا‪ٟ‬تاؿ‪ ،‬كما فعلت خد‪٬‬تة لزكجها (صلى اهلل عليو كسلم)‪.‬‬
‫كيتعجبوف ‪٦‬تا كوشف ‪٢‬تم كٯتنعهم الشيخ أف ال ينطقوا ٔتا رأكا ُب‬
‫حالة النزلة الثانية‪:‬‬
‫تربيتهم ألحد كيصابرىم ألهنم ُب حالة ا‪ٟ‬تقيقة‪ ،‬ال تكتبوا كال تنطقوا‪:‬‬
‫كبل‪٫‬تا حراـ عليهم لسوء عاقبتهما‪ ،‬ألف اللساف إذا تكلم ُب أكؿ كىلة‬ ‫كىي تبدأ من حُت سكوف حالة ا‪١‬تريد ‪٦‬تا رأل ُب النزلة األكذل (الًتبية)‬
‫النزكؿ يكوف قلب الواصل مغلقا‪ ،‬فلسانو قد يتكلم ٔتا رأل بصره ال ٔتا‬ ‫بإرشاد مرشده‪ ،‬كتنزؿ ُب قلبو أنوار ا‪١‬تعارؼ منجمة‪ ،‬كما كاف ينزؿ‬
‫نزؿ ُب قلبو ك‪١‬تا ينزؿ أنوار ا‪١‬تعرفة أل تكوف ُب برزخ‪ ،‬فيكوف التكلم‬ ‫القرآف على النيب (صلى اهلل عليو كسلم) بالتدريج‪.‬‬
‫حجابا للنزكؿ ُب قلبو ألف ا‪١‬تعرفة كانت بُت ا‪١‬ترء كقلبو‪.‬‬ ‫ىكذا تنزؿ أنوار ا‪١‬تعارؼ على العارؼ بالتدريج يوما بعد يوـ أك أسبوع‬
‫كحالتهم الثالثة أنو إذا ٕتلت عليو تلك األنوار يكوف كاَّنوف ألنو يرل‬ ‫أك شهر كقد تنزؿ يسَتا كل يوـ على قدر إدامة التفكَت‪ ،‬كقد تنقطع‬
‫تلك األنوار ُب الكوف ُب ‪ٚ‬تيع التفاتو فبل يكوف لو استقرار كال سكوف‪.‬‬ ‫أياما أك سنوات على حسب الغفلة للعارؼ‪.‬‬

‫‪183‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪184‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫مقامي اإلسبلـ كاإلٯتاف‪ ،‬لذلك قاؿ لصحابتو‪ :‬سلوا اهلل لي الوسيلة‬ ‫باطل ُب صاحب ا‪ٟ‬تاؿ من كل شيئ ألهنم فنوا عن حراـ كل شيئ‬
‫يعٍت تيسَت الوصوؿ إذل حضرة الوالية كا‪١‬تعرفة‪.‬‬ ‫ك‪٧‬تاستو كبشريتو‪ ،‬كحكموا ‪٢‬تا حكم الصلح كالطيب‪ ،‬سبحانك ربنا‬
‫ماديٌة ‪٣‬تردة‬
‫فقنا عذاب النار أل فقنا عن رؤية ىذه األشباح موجود نة ٌ‬
‫كرأل الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم) أنو ال بد من أف يكوف ‪٢‬تذه‬
‫من دكنك‪.‬‬
‫الرسالة قواعد كرسل كخلفاء‪ ،‬كما ُب كتابنا (األنبياء ك األكلياء ُب‬
‫ميزاف الًتبة)‪ .‬كأهنا ال تتم إال بعد قركف كالرسالة اإلسبلمية كاإلٯتانية‬ ‫ىكذا يسَت العارؼ ُب سلوكو حىت تكوف لو قدـ راسخة ُب ا‪١‬تعارؼ‬
‫كصفتو احملمدية البشرية ال توسعها‪ ،‬لذلك يسأؿ الوسيلة أل ٕتلٌيا‬ ‫كيبلغ مبلغ ا‪١‬تعراج‪.‬‬
‫جديدا ُب جسم جديد ٭تمل لواء تلك الرسالة كيبلغها‪ ،‬كما ىي‬
‫توقُّف ورود المعرفة عن العارؼ‪:‬‬
‫الوسيلة؟ أال كىي ا‪ٟ‬تضرة ا‪٠‬تا٘تية كحقيقة العطاء ا‪١‬تذكور‪ ،‬كصاحبها‬
‫أ‪ٛ‬تد التجاين الذم لقبو القطب ا‪١‬تكتوـ‪ ،‬كلكونو مكتوما كاف مفعوال‬ ‫قد توقٌف أك تأخر ا‪١‬تعرفة عن العارؼ أياما أك حينا ما لسبب ما كقع‬
‫مقدرا ُب اآلية‪ ،‬فبل يعلم شأف ا‪٠‬تا٘تي سول الرسوؿ كربو‪.‬‬ ‫شبيو ذلك للرسوؿ حُت انقطع عنو الوحي أياما‪ ،‬كلو دل يكن تطرإ‬
‫لعلو مقامو بل كإ‪٪‬تا ىو لتعليم‬
‫الغفلة عليو (صلى اهلل عليو كسلم) ٌ‬
‫كىذا البياف بريئ من عصبية الطريقة‪ ،‬ألف مقاـ ا‪ٟ‬تضرة ا‪٠‬تا٘تية مقاـ‬
‫األكلياء كلوضع شركط التصوؼ كقواعدىا‪.‬‬
‫ينتظر ُب العادل ‪٣‬تيئو كما ينتظر خاًب األنبياء كا‪١‬ترسلُت‪ ،‬ككقت ‪٣‬تيئو‬
‫ىو الذل أشار إليو الرسوؿ ألصحابو حيث قاؿ‪ :‬ستفنى الدنيا بعد‬ ‫فخاؼ الرسوؿ على نفسو سوء العاقبة كظنو عذابا من اهلل كشقاكة فنزؿ‬
‫ألف سنة من وفاتي‪ ،‬فسأؿ أبو بكر زيادة قرف‪ ،‬قاؿ نعم‪ ،‬ثم سأؿ‬ ‫ُّحى (‪َ )5‬واللَّْي ِل إِذَا َس َجى‬ ‫القرآف يصدؽ خبلؼ ذلك بقولو‪َ :‬والض َ‬
‫ك ِم َن ْاْلُولَى‬ ‫ك وما قَػلَى (‪ )3‬ولَ ْْل ِ‬
‫َخ َرةُ َخ ْيػ ٌر لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ك َربُّ َ َ َ‬
‫َّع َ‬
‫(‪َ )2‬ما َود َ‬

‫‪189‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪186‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ضى ‪ .‬أل أقسمت برؤيتك أنوار ربك‬


‫ك فَػتَػ ْر َ‬ ‫ؼ يُػ ْع ِط َ‬
‫يك َربُّ َ‬ ‫س ْو َ‬
‫(‪َ )4‬ولَ َ‬
‫ٔتعٌت‪ :‬قى ىس ىماف ْتالة النزلة األكذل كحالة النزلة الثانية‪ ،‬ك‪٫‬تا شدة ظهور‬ ‫الوسيلة المحمدية وحامل لواء التربية‪:‬‬
‫األنوار كٕتلياهتا للواصل‪.‬‬
‫قاؿ الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬سلوا اهلل لي الوسيلة‪ ،‬فوعده ربو‬
‫ال ىقسم بالليل‪ :‬شدة ظهور األنوار اإل‪٢‬تية ‪ٚ‬تلة‪ .‬كالقسم بالضحى‬ ‫تعاذل استجابة دعائو بقولو تعاذل‪ :‬ولسوؼ يعطيك ربك فترضى‪ :‬قبل‬
‫ٕتليات األنوار للواصل بالتدريج‬ ‫البياف الصوُب نتقدـ إذل ا‪ٟ‬تكم النحوم‪ ،‬ألف فعل يعطي ٭تتاج إذل‬
‫ما ودعك ربك أل ما انقطع عنك ربك مرشدؾ الركحي‪ ،‬طبقا ‪١‬تا قاؿ‬ ‫مفعولُت اثنُت‪ ،‬ذكر القرآف منهما كاحدا كىو ضمَت ا‪١‬تخاطب ُب‬
‫الرسوؿ (صلى اهلل عليو كسلم)‪ :‬أدبٍت ريب فأحسن تأدييب‪.‬‬ ‫يعطيك‪ ،‬كجعل الثاين مقدرا تقديره عطاء يرضيك‪ ،‬كما حقيقة ىذا‬
‫العطاء؟‬
‫وما قلى أل ما انقطعت ا‪١‬تعرفة‪.‬‬
‫فا‪ٞ‬تواب ىو أنو ‪١‬تا بدأ للنيب نزكؿ ا‪١‬تعارؼ كرأل ثقلها ُب القلب‪ ،‬طبقا‬
‫ولْلخرة خير لك من اْلولى‪ :‬تصديق بعدـ انقطاع ركح ا‪١‬ترشد عنك‬
‫لقولو تعاذل‪ :‬إنا سنلقي عليك قوال ثقيال (ا‪١‬تزمل)‪ ،‬كيسأؿ نفسو ىل‬
‫كعدـ انقطاع ا‪١‬تعرفة‪ ،‬فآخرتك ُب تلك األنوار كا‪١‬تعارؼ تكوف خَتا من‬
‫يتيسر تطبيق كل‬
‫يتيسر ‪ٚ‬تع ىذه ا‪ٟ‬تالة مع اإلسبلـ كاإلٯتاف‪ ،‬كىل ٌ‬‫ٌ‬
‫النزلة األكذل‪.‬‬
‫منها على أمتو‪ ،‬كيرل أنو لن يطيق أمتو احتماؿ ا‪ٞ‬تميع ُب حالة كاحدة‬
‫كىكذا يكوف للعارفُت فمهما يبلغ العارؼ ُب ا‪١‬تعرفة تكوف معارفو أقول‬ ‫ر‪ٛ‬تة كشفقة كحنانة منو (صلى اهلل عليو كسلم) على أمتو‪ ،‬فبدأ يسأؿ‬
‫كأعلى من النزلة األكذل‪.‬‬ ‫ربو ببعثة من يكوف حامبل للواء الًتبية لنيل ا‪١‬تعارؼ اليت ىي أثقل من‬

‫‪187‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪188‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ذلك إال بواسطة حضرة شيخو‪ ،‬ككاف ىو بنفسو ٖتت حضرة الشيخ‬ ‫عمر زيادة قرف‪ ،‬فقاؿ نعم‪ ،‬ثم سأؿ عثماف زيادة قرف فقاؿ نعم‪،‬‬
‫من حُت سكوف حالتو بإرشاد مرشده ‪٦‬تا رأل من النزلة األكذل (الًتبية)‪.‬‬ ‫ثم سأؿ علي زيادة قرف فلم يجب الرسوؿ‪.‬‬
‫كلذلك ترل بعض العارفُت يتوسلوف بشيوخهم كلو كانوا أعلى كأكرب‬ ‫كأف الرسوؿ يقوؿ تفٌت الدنيا بعد ألف كثبل‪ٙ‬تائة سنة من كفاٌب‪،‬‬
‫من أكلئك الشيوخ‪ ،‬كصاحب الفيضة مثبل‪ ،‬فإنو مع علو مقامو كمرتبتو‬ ‫كْتساب "مولد ا‪٠‬تتم" ينتج ألفا كمائة ك‪ٜ‬تسُت الذم يوافق زمن فناء‬
‫اليت ال مطمع ألحد ُب نيلها ‪٦‬تن تقدمو سول ا‪٠‬تا٘تي‪ ،‬كاف ٯتدح‬ ‫الدنيا اليت قاؿ عنها الرسوؿ أهنا تكوف بعد ألف سنة مع زيادة أيب بكر‬
‫الشيخ سكَتج كالشيخ أ‪ٛ‬تد العببلكم كالشيخ علي التماسيٍت كأباه‬ ‫كنصف من زيادة عمر‪ ،‬كبقي نصف زيادة عمر كزيادة مائة عثماف‪.‬‬
‫الشيخ عبد اهلل‪ ،‬كيتوسل ُّم‪.‬‬

‫كىذا حاؿ ا‪١‬تريد الصادؽ كالعارؼ الواصل‪ ،‬كلنا ُب ىذا بياف أطوؿ‬
‫مولد الختم مشير ‪ #‬لكماالت التجاني‬
‫كأكَب‪ ،‬كلكن سكتنا دفعا للتطويل كخوفا لعداكة الذين كقعوا ُب ىذه‬
‫ا‪ٟ‬تالة كيظنوف أين فتحت باب ا‪١‬تنافسة‪ ،‬كإف أردنا إال اإلصبلح ما‬ ‫ضمو معنى بليغ ‪ #‬قالو أىل المعاني‬
‫استطعنا‪ ،‬بل ما أردنا إال بياف حقيقة السلوؾ‪ ،‬كاهلل على ما نقوؿ شهيد‬ ‫ك‪١‬تا جاء ا‪٠‬تا٘تي أكصي أتباعو بقولو ‪٢‬تم أنو سيأٌب صاحب الفيضة أل‬
‫ككفى بو شهيدا‪.‬‬ ‫عم الًتبية الركحية الصوفية على‬
‫خليفة رسالة الًتبية كا‪١‬تعارؼ الذم ت ٌ‬
‫يديو ‪ٚ‬تيع اآلفاؽ‪ .‬ككاف بُت ا‪٠‬تا٘تي كظهور خليفتو الذم يقوؿ عنو ىو‬
‫مائة ك‪ٜ‬تسوف عاما‪ .‬كقد بينا ىذا ُب الكتاب (فناء الدنيا ٔتجيئ الشيخ‬
‫مشارب المريد‪:‬‬

‫‪193‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪190‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫التجاين) خاصة حوؿ فناء الدنيا اليت يشَت إليها النيب (صلى اهلل عليو‬ ‫كلذلك قاؿ تعاذل‪ :‬ليغفر لك اهلل ما تقدـ من ذنبك وما تأخر (سورة‬
‫كسلم) ألصحابو مع زيادات صحابتو‪.‬‬ ‫الفتح)‪.‬‬
‫كُّذه البينات تدرؾ أيها القارئ أف ا‪١‬تفعوؿ الثاين ا‪١‬تقدر ُب سورة‬
‫الضحى ىو ا‪٠‬تا٘تي كدؿ عليو زمن ‪٣‬تيئو حساب مولد ا‪٠‬تتم كحديث‬
‫الرسوؿ عن فناء الدنيا كمعٌت فناء الدنيا ىنا يعٍت تفٌت صفات‬
‫ا‪١‬توجودات كلها كيبقى صاحبها بقولو تعاذل‪ :‬كل من عليها فاف‬ ‫أسباب توقّف ورود المعرفة‪:‬‬
‫ويبقى وجو ربك ذو الجالؿ واإلكراـ (الر‪ٛ‬تن)‪ ....‬كل شيئ ىالك‬ ‫‪ –2‬االلتفات إذل األمور الدنياكية‬
‫إال وجهو‪ .....‬سنريهم آياتنا في اآلفاؽ وفي أنفسهم حتى يتبين‬
‫‪ – 3‬ترؾ التفكَت ُب ا‪١‬تراقبة‬
‫لهم أنو الحق أولم يكف بربك أنو على كل شيئ شهيد (فصلت)‪.‬‬
‫كغَتىا كثَت من اآليات القرآنية‪.‬‬ ‫‪ – 4‬ترؾ الذكر‬

‫كُب سورة الضحى ىذه ضماف عظيم لكل كرل بلغ ىذه ا‪١‬ترتبة من اهلل‬ ‫قسمة اهلل في المعارؼ بين الواصلين‪:‬‬
‫سبحانو كتعاذل أنو ال ينقطع عنو كال يقبله لبلوغو مرتبة كماؿ السعادة‬ ‫كقد ٭تصل للمريد من عادل األنوار كا‪١‬تعارؼ مرة كاحدة أكثر ‪٦‬تا نزؿ‬
‫األبدية اليت ال شقاكة بعدىا‪ ،‬كىذا الضماف ألىل الوالية خاصة ا‪٠‬تاصة‬ ‫ُب قلب شيخو سنة كبالعكس‪ ،‬كمع ذلك فإنو دل يصل إليو شيئ من‬

‫‪191‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪192‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫للمريد الواصل مشاربو الصوفية ‪١‬تياه العرفاف‪ ،‬كمصادره اليت منها يأتيو‬
‫خاتمة الكتاب‪:‬‬ ‫كل ما ينالو ُب الدين كالدنيا ‪٦‬تا يتمناه ىو‪ .‬كىي ثبلثة‪:‬‬

‫لقد تناكؿ ىذا الكتاب – كا‪ٟ‬تمد هلل – البياف الكاُب حوؿ ماىية‬ ‫األكؿ‪ :‬ا‪١‬تشرب العاـ كىو الكتاب كالسنة إذا أراد أف ٮتاطب عامة‬
‫الًتبية الركحية الصوفية كجوىريتها عند أرباُّا الصوفيُت العارفُت‪،‬‬ ‫الناس‪.‬‬
‫ككشف الكتاب عن كجهها الربقع القاين حيث افتتح الكتاب ُب متنو‬
‫تأخر ا‪١‬تنتسبُت ا‪ٞ‬تدد إذل التصوؼ؛ تأ مخهر‬ ‫الثاين‪ :‬ا‪١‬تشرب ا‪٠‬تاص‪ ،‬كىو حضرة شيخو الكفيلة لكل ما يأملو ُب‬
‫بالتمهيد الذم أكضح للقارئ ٌ‬
‫ناتج من استهانتهم بشأف الًتبية الصوفية اليت ىي عُت السلوؾ‬ ‫حياتو‪ ،‬كاآللة كالستمداد ا‪١‬تعارؼ منو ىي ‪٤‬تبة الشيخ ا‪٠‬تالصة الراسخة‬
‫الصوُب‪.‬‬ ‫ُب قلبو رسوخ األنامل ُب اليد‪.‬‬
‫كبُت الكتاب كيفية الدخوؿ كاالنتظاـ ُب التصوؼ كمراحلو مع األمثلة‬
‫ٌ‬ ‫الثالث‪ :‬ا‪١‬تشرب األخص ا‪ٟ‬تضرة ا‪٠‬تا٘تية كالربوبية‬
‫ا‪١‬تقنعة اليت ال غموض ُب مطابقيتها با‪١‬توضوع‪ ،‬بعد ما أكضح معٌت‬
‫السلوؾ لغة كاصطبلحا‪ ،‬كذكر أف الًتبية الصوفية ىي عُت ٘تاـ الدخوؿ‬ ‫كالفرؽ بُت ا‪١‬تشرب الثاين كا‪١‬تشرب الثالث ىو أف ا‪١‬تريد يشرب من‬
‫كضح كيفية‬
‫ُب عُت التصوؼ اليت ىي حضرة ا‪١‬تعرفة كالوالية‪ ،‬كما ٌ‬ ‫حضرة شيخو ُب مبدإ سَته الصوُب بأف يأتيو ألمور دينو كدنياه بسؤالو‬
‫الًتبية الصوفية عند الرجاؿ العارفُت توضيحا كافيا مقنعا‪ ،‬توضيحا‬ ‫ما أشكل عليو‪ ،‬كيستأذنو ُب بعض شئونو‪ ،‬قاؿ تعاذل‪ :‬إنما المؤمنوف‬
‫حاكؿ على بياف ما اختلف فيها الصوفية من أمورىا‪ ،‬مثل زمن الشركع‬ ‫الذين آمنوا باهلل ورسولو‪ ،‬وإذا كانوا معو على أمر جامع لم يذىبوا‬

‫‪197‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪194‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫حتى يستأذنوه‪ ،‬إف الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنوف باهلل‬ ‫بإرساؿ نيب‪.‬إذل أف ختم الرسالة بإرساؿ خاًب األنبياء كإماـ ا‪١‬ترسلُت‬
‫ورسولو‪ ،‬فإذا استأذنوؾ لبعض شأنهم فاذف لمن شئت منهم‪،‬‬ ‫سيدنا (‪٤‬تمد) صلى اهلل عليو كسلم فصار يبعث بالًتبية العارفُت أكذل‬
‫واستغفر لهم اهلل‪ ،‬إف اهلل غفور رحيم (النور ‪.)62‬‬ ‫كرل كامل مرشد‪،‬فالفًتة‬
‫اإلذف ا‪٠‬تاص‪ ،‬فكلما كقعت فًتة رفعها يبعث ٌ‬
‫مرب‪،‬‬
‫نيب‪ ،‬كفًتة إسبلـ ببعث شيخ ٌ‬‫فًتتاف‪ :‬فًتة كفر ترفع بإرساؿ ٌ‬
‫كإليو يشَت حديث‪[ :‬علماء ّأمتي كأنبياء بني إسرائيل]كحديث‪[ :‬إٌ ٌف‬
‫قاؿ خاتمة المحققين في القرف الرابع بعد اْللف والجامع لما‬
‫لما توفى‬
‫كل ٌأمة ‪٣‬ت ٌددا]إخل ا‪ٟ‬تديث كيركل [أ ّف اْلرض ّ‬
‫اهلل يبعث ُب ٌ‬
‫افترؽ من علوـ القوـ بأسرىا من ّأوؿ ىذه اْلمة إلى آخرىا الشيخ‬
‫رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم بكت فقالت‪ :‬إلهي وسيدي بقيت‬
‫إبراىيم انياس (رضي اهلل تعالى عنو)‪:‬‬
‫نبي إلى يوـ القيامة‪ ،‬فأوحى اهلل تعالى‬
‫ال يمشي على ظهري ّ‬
‫كإذا عرفت ما تقدـ عرفت يقينا كجوب طلب شيخ الًتبية كما يلزمك‬ ‫إليها‪:‬سأجعل على ظهرؾ من ىذه اْلمة من قلوبهم على قلوب‬
‫من اآلداب معو بعضو تق ٌدـ بنقل كبلـ ا‪١‬تشائخ األجبلء كال تقل ذىب‬ ‫اْلنبياء عليهم الصالة والسالـ ال أخليك منهم إلى يوـ القيامة ]‬
‫الرجاؿ الكمل‪،‬فقد تق ٌدـ أ ٌف انقطاع مدد النيب ال يقولو مؤمن كاألكلياء‬ ‫إخل ا‪ٟ‬تديث‪ .‬جعلنا اهلل من أكابرىم كأجلٌهم مقاما ٕتاه صفوة خلقو‬
‫كرثة األنبياء‪ ،‬فالًتبية من اهلل إذل خلقو ال تنقطع أبد اآلباد فكاف ُب‬ ‫صلى اهلل عليو كسلم‪( .‬كاشف اْللباس عن فيضة الختم أبي‬
‫الصدر األكؿ يرسل األنبياء بالًتبية كاإلرشاد‪،‬كلٌما كقعت فًتة رفعها‬ ‫العبّاس)‪.‬‬

‫‪195‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪196‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫فيها كا‪١‬تدة اليت يستغرؽ فيها ا‪١‬تريد ا‪١‬تًتىب‪ ،‬بل توضيح اَّرب ا‪١‬تتي ٌقن‬
‫الذم ٘تكن ُب ا‪١‬توضوع‪ .‬كبعد ذلك ذكر الكتاب مرتبة الدخوؿ ُب عُت‬
‫التصوؼ‪ ،‬كل ىذه مقًتف مؤيٌد باالستشهادات من اآليات القرآنية‬
‫كاألحاديث النبوية‪.‬‬
‫قصيدة‪:‬‬ ‫ٍب ذكر الكتاب أنواع الًتبية الثبلثة‪ ،‬كذكر كذلك أف كصوؿ الًتبية‬
‫الشيخ أحمد التجاني حامل لواء التربية الصوفية‪:‬‬ ‫الصوفية الصحيحة ىو ح ٌد البلوغ الركحي عند الرجاؿ الصوفية‪ ،‬كأف‬
‫‪٤‬تل ىذه الًتبية الصوفية ُب ا‪١‬تريد ىو القلب‪ ،‬مؤيٌدا كل ىذا باآليات‬
‫ىنالك قوـ ليس يشقى جليسهم ‪ #‬منابرىم نور ففي اهلل ما قسا‬
‫القرآنية كاألحاديث الشريفة البلٌب تنص على ذلك‪ ،‬بل مؤيدا باألمثلة‬
‫أكلئك صوفيوف فاسلك سبيلهم ‪ #‬إذل اهلل موالىم فبل تتقاعسا‬ ‫ا‪١‬توافقة لكل كاحد من ىذه ا‪١‬توضوعات اليت تناك‪٢‬تا بالتوضيح‪.‬‬
‫تصوفنا ىذا صفاء مشاىدة ‪ #‬ى‪ٟ‬ت ٌّي خلود كل من فيو قد رسا‬ ‫كذكر الكتاب أيضا أنواع الطهارة ُب الدين‪ ،‬كع ٌقب القوؿ ُب ذلك أف‬
‫كخَت شيوخ الدىر صدقا كمطلقا ‪ #‬فذاؾ التجاين ‪٨‬تو مواله فارسا‬ ‫يتطهر ُّا ا‪١‬تريد‬
‫ىذه الًتبية الصوفية الصحيحة ىي عُت الطهارة اليت ٌ‬
‫من كل ‪١‬تم حىت أكرب دنس‪ ،‬أال كىو اإلشراؾ باهلل‪ ،‬كأيٌد بيانو ُب ذلك‬
‫بو ختم ا‪١‬توذل الوالية من أزؿ ‪ #‬كلو كاف مكتوما بسر قد اكتسا‬
‫بتحليل ا‪ٟ‬تديث النبوم الذم أساء الدعاة ا‪ٞ‬تدد فهمو‪ ،‬خصوصا ُب‬
‫جوامع نور الذات بل سره كذا ‪ #‬ك‪٣‬تلي ألركاح ُّا متقدسا‬ ‫صورة التماثيل‪.‬‬

‫‪201‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪198‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫ٍب أثبت الكتاب القوؿ أف كماؿ اإلنسانية ال يكوف إال بالوالدة مرتُت‬ ‫كجعل الكتاب آخر مطافو معٌت ا‪١‬توت كأنواعو الثبلث‪ ،‬كمراحل ا‪١‬توت‬
‫بفتح باب الوالدة الثانية‪ ،‬كذكر أف أصلها من اهلل كرسولو‪ ،‬كأتبع ذلك‬ ‫ا‪ٟ‬تقيقي عند العارفُت‪ ،‬كل ىذا كذاؾ باالستشهادات من القرآف‬
‫بكيفية الوالدة الثانية كمقدماهتا‪ ،‬كقارف بُت الولد ا‪ٟ‬تسي كالولد الركحي‪.‬‬ ‫كاألحاديث كأقواؿ األكلياء العارفُت‪.‬‬

‫كبعد ذلك‪ ،‬فتح الكتاب باب النكاح الصوُب‪ ،‬كبيٌنو بأقسامو الثبلث‪،‬‬ ‫نسأؿ اهلل أف ينفع ُّذا الكتاب كبأخواتو من سلسبلت نفحات الغزارل‬
‫كأثبت أف كصوؿ الًتبية الصوفية الصحيحة ىو ٘تاـ عقد النكاح الصوُب‬ ‫ا‪١‬تريدين الصوفيُت ك‪ٚ‬تيع ا‪١‬تسلمُت ُب ربوع العادل على حد سواء‪ ،‬إنو‬
‫بُت ا‪١‬تريد كمرشده‪ ،‬كما ذكر ما يلزـ كل طرؼ منهما‪ ،‬كأنو ال ٘تاـ ألم‬ ‫كرل ذلك كالقادر عليو‪.‬‬
‫نكاح صوُب إال ُّا‪ ،‬كختم قولو ُب ذلك بباب أنواع الطبلؽ كأسبابو ُب‬
‫كصلى اهلل على ا‪ٟ‬تبيب ا‪١‬تصطفى ‪٤‬تمد كعلى آلو كصحابتو أ‪ٚ‬تعُت‪.‬‬
‫السلوؾ ببياف موافق كاؼ مؤيد باألدلٌة القرآنية كالنبوية‪.‬‬
‫كالسبلـ‪.‬‬
‫ٍب تناكؿ الكتاب بياف ا‪١‬تفهوـ الصوُب ا‪٠‬تاص حوؿ يوـ االثنُت كيوـ‬
‫كبُت للمريد السالك‬
‫ا‪ٞ‬تمعة كليلة القدر اليت ىي خَت من ألف شهر‪ٌ ،‬‬
‫مشاربو اليت كضعت لو‪ ،‬كأكضح رؤية اهلل كمعرفتو بإيراد آراء أصناؼ‬
‫العلماء ُب إمكانية رؤية اهلل كمعرفتو‪ ،‬كأثبت أخَتا أف رؤيتو تعاذل‬
‫كمعرفتو بالقلب ‪٦‬تكنتاف ليستا ببعيد عن ا‪١‬تعقوؿ‪.‬‬

‫‪199‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪200‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫كخريج جامعة إلورف‪ ،‬كالية كوارا‪.‬‬ ‫كبرزخنا ا‪١‬تختوـ قطبا مكتٌما ‪ #‬ألرحاـ ىذا الكوف كاف مهندسا‬

‫نهايتهم بدايتنا نحن التجانيين‪:‬‬ ‫كثاين اثنُت بغار كحضرة ‪ #‬كصاحب صرؼ ا‪ٟ‬تق لن يتناعسا‬

‫هناية قوـ ُب ا‪١‬تعارؼ فا‪ٝ‬تعوا ‪ #‬بدايتنا ال فخر‪ ،‬للقوؿ موقع‬ ‫كخَت طريق القوـ حقا طريقو ‪ #‬بدكف نزاع عند من يتنافسا‬

‫حقيقتنا ُب اهلل ال ُب ‪ٚ‬تاعة ‪ #‬كال ُب نقود صاح ترجو كتطمع‬ ‫كغايتنا ُب ذم الطريقة أ‪ٛ‬تد ‪٤ #‬تمد طو سيد كاف ملمسا‬

‫نقاية نفس ا‪١‬ترء من قسوة‪ ،‬أال ‪ #‬لغايتنا العليا‪ُّ ،‬ا القلب ييرفع‬ ‫للخليفة اإلماـ عبد الرشيد عبد القادر‬

‫أنيستنا ا‪١‬توذل صباحا عشية ‪ #‬كليس بنا يشقى جليس كمولع‬ ‫(كالقصيدة قطعة من سينية ا‪ٟ‬تقائق األربع ُب كتاب الغزاليات)‬

‫ليائلنا سهر كذكر هنارنا ‪ #‬لنيل ا‪١‬تٌت كالكوف ُب الليل يهجع‬ ‫القطب التجاني ‪ .....‬السر اْلكبر‪:‬‬

‫ترانا أخي ىونا على األرض ماشيا ‪ #‬كُب يدنا سيف الفنا كىو يسطع‬ ‫أال إ‪٪‬تا القطب التجاين ‪١‬تسجد ‪ #‬كمشرب كل العارفُت كمقصد‬

‫جنُت لنا رجل شجاع إذا اعًتت ‪ #‬من ا‪٠‬تصم حرب بل لو العضب يقطع‬ ‫حول كل شيئ باحملبة ال افًتا ‪ #‬كـ ىٍبَّ يبدك أنو ىو سيد‬
‫إشارتنا للناس فعبل كقولة ‪١ #‬ترشدة بل للسعادة منبع‬ ‫طرا مرب كمرشد‬
‫‪٤‬تى الشيخ بالعرفاف كل عيوبنا ‪ #‬فأتباعو ٌ‬
‫نكشف عن كل النفوس غطاءىا ‪ #‬كتشهد آيات من اهلل ٗتضع‬ ‫فج كييعبد‬
‫درل حسنو كل ا‪٠‬تبلئق كافة ‪ #‬كيأتوف من كل ٌ‬

‫‪205‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪202‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫أتى الكوف بالعرفاف من بعد ديننا ‪ #‬كساعده موذل الورل ذاؾ أ‪ٛ‬تد‬ ‫سقى كل قلب رشده بعد قسوة ‪ #‬ككانوا رجاال ذكرىم يتمجد‬

‫لئن كاف للر‪ٛ‬تن إبن أمعشرم ‪ #‬لكاف التجاين كىو ُب النور أبعد‬ ‫رأل يقظة ىادم الورل كإ‪٢‬تنا ‪ #‬مقامتو بُت ا‪١‬تناصب تيفرد‬

‫تراه مشاال ٍب غربا كمشرقا ‪ #‬جنوبا‪ ،‬أال فالشيخ – قومي – ‪١‬تنجد‬ ‫رمى رشده ‪٨‬تو الربية كافة ‪ #‬يركح كيغدك فيهمو ذا ليهتدكا‬

‫بعد ٭تمد‬
‫سر أـ الكتب من ي‬
‫مكمل ‪ #‬طول ٌ‬
‫تصوفو لفظا كمعٌت ٌ‬ ‫عم العوادل – قومنا ‪ #‬كال يزدرم رجل مصاب مفقد‬
‫أال فيضو َّ‬
‫جفاه لئاـ البيض كالسود ال مرا ‪ #‬كال يرحوف الفيض ىم يتمرد‬ ‫لربزخنا األعلى كلست أرل لو ‪ #‬مقارنة علما كعزا يقلٌد‬

‫أال ذا أبو العباس عُت كالية ‪ #‬فمنو الورل ييعطى مناىم كييسعد‬ ‫إذا كنت ترجو قائدا ٍب منقذا ‪٘ #‬تسك بو فالشيخ سر كمرشد‬

‫الغم – معشرم ‪ #‬كذكر التجاين ُب فؤادم يقعد‬


‫نفى كل ما فينا من ٌ‬ ‫كفانا التجاين مشربا ٍب موردا ‪ #‬كمركز فهم إنو ىو أ‪ٛ‬تد‬

‫يوحد‬
‫يٯت ٌد ‪ٚ‬تيع ا‪٠‬تلق إنسا كجنة ‪ٔ #‬تعرفة الر‪ٛ‬تن دكما ٌ‬ ‫بو أكمل الر‪ٛ‬تن دين ‪٤‬تمد ‪ #‬كمن سره ندرم الذم ‪٨‬تن نعبد‬

‫أبرزخ كل ا‪٠‬تلق من بعد أ‪ٛ‬تد ‪ #‬فكنت الذم يهول الورل أنت موعد‬ ‫رضى اهلل عن خَت الربية أ‪ٛ‬تد ‪ #‬أال إ‪٪‬تا القطب التجاين ‪١‬تسجد‬

‫لقد قاؿ‪ :‬من يهول مسَتة كردنا ‪ #‬عليو بػ ػ ػ ػ " قاؿ اهلل ‪ ....‬قاؿ ‪٤‬تمد"‬ ‫بقلم عبد ا‪ٟ‬تميد جامع اإللورم؛‬

‫سرل سره ُب كل شيئ كال أرل ‪ #‬نظَت التجاين ُب التصوؼ عسجد‬ ‫خريج مركز ا‪ٟ‬تق‪ ،‬شومولو الغوس‪،‬‬

‫‪203‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪204‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫‪ – 4‬لقائي مع الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل‬ ‫يعاليل فيض ا‪ٟ‬تق من نور أ‪ٛ‬تد ‪ #‬لنا خاصة نشفي الصدا فيو نشرع‬

‫‪ – 5‬مفاىيم الصوفية ُب التوحيد الربويب‬ ‫ينبئ عنا الدىر كالدىر خالد ‪ #‬مواقفنا كالفضل ُب األفق يلمع‬

‫‪ – 6‬ا‪٠‬تبلفة‬ ‫يقينا على ا‪ٞ‬ترداء عرفاف ربنا ‪ #‬كلسنا ‪٩‬تاؼ الغَت فاهلل ‪٩‬تشع‬

‫‪ – 7‬الًتبية عند الصوفية‬ ‫‪٧‬تلي لنفس ا‪١‬ترء عرفاف رُّا ‪ #‬كيبدك ‪٢‬تا األسرار كا‪ٟ‬تق يصدع‬

‫‪ - 8‬إبداع الطريقة كا‪ٞ‬تمع بُت الطريقتُت‬ ‫أراؾ أخي ٘تسي كتصبح حائرا ‪ #‬على الشك كالكفراف أىن تيشفَّع‬

‫‪ – 9‬أسباب التخبط ُب التصوؼ‬ ‫‪١‬تعرفة ا‪١‬تختار أكرب شغلنا ‪ #‬ففقنا ُّا األغيار كالغَت يتبع‬

‫‪ – :‬مفاىيم الصوفية ُب توحيد األ‪ٝ‬تاء كالصفات‬ ‫غزالينا قطب كُب النور عسجد ‪ #‬كُب الزىد فرد للمعارؼ ‪٣‬تمع‬

‫‪ - 21‬صبلة العارفُت (ٖتت الطبع)‬ ‫زيارتنا هلل دكما نقيمها ‪ #‬إذل الكعبة البيضاء كالقلب مقطع‬

‫‪ - 3‬البلد األمُت (ٖتت الطبع)‬ ‫إذا شئت أف تلقى إ‪٢‬تك يقظة ‪ #‬أخي فأتنا كاهنض تراه كتسمع‬

‫‪ – 4‬رسالة البلغَتية (ٖتت الطبع)‬ ‫لنا ُب الوغى فهد يصيد عداتنا ‪ #‬بو ال نبارل أٯتا كاف يطلع‬

‫‪ – 5‬بُت ا‪٠‬تا٘تُت (ٖتت الطبع)‬ ‫يقدمو األخيار عند عركجهم ‪ #‬إذل ملكوت اهلل باإلذف يهرع‬

‫‪209‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪206‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫مدل عبد الوحيد مسرمدا ‪ #‬بعافية يا من لو ا‪٠‬تلق يبخع‬


‫يدكـ ن‬ ‫‪ – 4‬كشف ا‪ٟ‬تجاب عمن تبلقى مع الشيخ التجاين من األصحاب‬
‫للشيخ أ‪ٛ‬تد سكَتج‬
‫يكفر عن غوثي الغزارل ذنوبو ‪ #‬فذا سرنا األعلى الذم ‪٨‬تن نتبع‬
‫‪ – 5‬تنبيهات على علو ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية البن عريب‬
‫هنايتنا ‪ٛ‬تد كبالشكر بدؤنا ‪ #‬صبلة على ا‪١‬تختار ما العبد يركع‬
‫‪ – 6‬جواىر الرسائل للشيخ إبراىيم انياس‬
‫بقلم ميكائيل بن سلماف اإللورم؛‬
‫‪ – 7‬أْتاث ُب التصوؼ (شرح ا‪١‬تنقذ من الضبلؿ) للدكتور عبد ا‪ٟ‬تليم‬
‫خريج مركز ا‪ٟ‬تق‪ ،‬شومولو الغوس‪،‬‬
‫(شيخ األزىر السابق)‬
‫كطالب ّتامعة إلورف‪ ،‬كالية كوارا‪.‬‬
‫‪ - 8‬الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل من عظمة الرسوؿ للمؤلف‬

‫‪ – 9‬مفاىيم الصوفية ُب التوحيد الربويب للمؤلف أيضا‬

‫مؤلفات الكاتب‪:‬‬
‫ا‪١‬تراجع‪:‬‬
‫‪ - 2‬سَتة حياة الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل‬
‫‪ – 2‬الكتاب كالسنة‬
‫‪ – 3‬الشيخ أ‪ٛ‬تد الغزارل من عظمة الرسوؿ‬
‫‪ – 3‬الكربيت األ‪ٛ‬تر للشيخ إبراىيم‬

‫‪207‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪208‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫مراتب العلوـ الذكقية للسالكُت ثبلث‬ ‫‪ –24‬ا‪ٟ‬تقيقة احملمدية ُب أسرار صبلة الفاتح (ٖتت الطبع)‬

‫حد البلوغ عند الصوفيُت‬ ‫‪ – 25‬األنبياء كاألكلياء ُب ميزاف الًتبية (ٖتت الطبع)‬

‫الذنب ا‪ٟ‬تقيقي عند الصوفية‬ ‫‪ – 26‬مفاىيم الصوفية ُب مسألة الوحدة كا‪ٟ‬تلوؿ كاالٖتاد (ٖتت‬
‫الطبع)‪.‬‬
‫الطهارة الصوفية‬

‫االختبلؼ بُت أىل الرسوـ كالصوفية ُب تأثَت النجاسة‬


‫‪٤‬تتويات الكتاب‬
‫ص ىور التماثيل‬
‫ي‬
‫تقريظ فضيلة الشيخ أ‪ٛ‬تد التجاين إبراىيم نياس‬
‫باب النكاح الصوُب‬
‫تقريظ فضيلة الشيخ عبد الوىاب زبَت الغماكم‬
‫النساء عند الصوفية‬
‫اإلىداء‬
‫الصدقات للنكاح الصوُب‬
‫ا‪١‬تقدمة‬
‫ا‪١‬تعاملة الزكجية بُت ا‪١‬تريد كا‪١‬ترشد‬
‫٘تهيد الكتاب‬

‫‪213‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪210‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫تعريف السلوؾ لغة كاصطبلحا‬ ‫أنواع الًتبية‬

‫الدخوؿ ُب التصوؼ؛ األكؿ كالثاين‬ ‫الًتبية عند اإلماـ الغزارل‬

‫اإلٯتاف اَّدد‬ ‫كيفية الًتبية عند القدماء‬

‫كيفية الًتبية عند ابن عريب (كىو من القدماء)‬


‫األستاذ الشرعي كالعارؼ ا‪١‬ترشد‬
‫أنواع ا‪٠‬تلوة عند ابن عريب‬
‫ا‪١‬توت كالقيامة عند الصوفية‬
‫كيفية الًتبية عند التجانيُت‬
‫ا‪١‬توتة األكذل للمريدين قبل الوصوؿ‬
‫الًتبية السلبية كأنواعها‬
‫الًتبية كالقيامة عند الصوفية‬
‫‪٤‬تل الًتبية الصوفية الصحيحة ُب ا‪١‬تريد‬
‫رؤية اهلل كمعرفتو‬
‫ىل ٯتكن ٖتديد مدة كصوؿ الًتبية أـ ال؟‬
‫إثبات رؤية اهلل عند الصوفية‬
‫كصوؿ الًتبية تارة‬
‫الًتبية كأ‪٫‬تيٌتها‬
‫مبلحظة‬
‫الًتبية كالنبوة‬

‫‪211‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪212‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫باب أنواع النكاح كالطبلؽ ُب السلوؾ‬

‫باب الوالدة الثانية‬

‫كيفية الوالدة الثانية ا‪ٟ‬تقيقية عند العارفُت‬

‫كيف يدرؾ العارؼ األشياء‬

‫أدلة الوالدة الثانية كتابا كسنة‬

‫أكجو ا‪١‬تقابلة بُت الولد الركحاين كالولد ا‪ٞ‬تسماين‬

‫فصل ُب معٌت يوـ االثنُت كيوـ ا‪ٞ‬تمعة عند القوـ‬

‫ليلة القدر عند القوـ‬

‫أحواؿ النزلة األكذل كالثانية للواصلُت‬

‫حالة النزلة الثانية‬

‫توقمف كركد ا‪١‬تعرفة عن العارؼ‬

‫‪214‬التربية عند الصوفية‬


‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬ ‫سلسلة نفحات الغزالي ‪..‬الكتاب (‪)5‬‬

‫الوسيلة احملمدية كحامل لواء الًتبية‬ ‫مؤلفات الكاتب‬

‫أسباب توقٌف كركد ا‪١‬تعرفة‬

‫قسمة اهلل ُب ا‪١‬تعارؼ بُت الواصلُت‬

‫مشارب ا‪١‬تريد‬

‫قاؿ خا٘تة احملققُت‬

‫خا٘تة الكتاب‬

‫قصيدة‬

‫الشيخ أ‪ٛ‬تد التجاين حامل لواء الًتبية الصوفية‬

‫القطب التجاين ‪ .....‬السر األكرب‬

‫هنايتهم بدايتنا ‪٨‬تن التجانيُت‬

‫ا‪١‬تراجع‬

‫‪215‬التربية عند الصوفية‬ ‫‪216‬التربية عند الصوفية‬

You might also like