Professional Documents
Culture Documents
07 02 شرح كتاب التوحيد الأسبوع الثاني
07 02 شرح كتاب التوحيد الأسبوع الثاني
اج َتنِبوا
َّل َأ ِن ْاعبدوا ال َّل َه َو ْ َو َق ْولهَ ﴿ :و َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ك ِّل أ َّم ٍة َرسو ً
وت﴾ اآل َي َة.
ال َّطاغ َ
َو َق ْوله َت َعا َلى﴿ :ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِ ِه ش ْيئ ًا﴾
إِ َلى َق ْولِ ِهَ ﴿ :و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه﴾ اآل َي َة.
﴿و َق َضى َر ُّب َك َأ ََّّل َت ْعبدوا إِ ََّّل إِ َّياه َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾ اآل َي َة.
َو َق ْولهَ :
اعبدوا ال َّل َه َو ََّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن ﴿و ْ َو َق ْوله َت َعا َلىَ :
إِ ْح َسان ًا﴾ اآل َي َة.
ود َر ِض َي ال َّله َع ْنهَ « :م ْن َأ َرا َد َأنْ َي ْنظ َر إِ َلى َو ِص َّي ِة ُمَ َّم ٍد َص َّلى
َق َال ابن مسع ٍ
ْ َْ
س َّل َم ا َّلتِي َع َل ْيهَ ا َخا َتمه؛ َف ْل َي ْق َر ْأ﴿ :ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم ِ
ال َّله َع َل ْيه َو َ
َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا﴾ إِ َلى َق ْولِ ِهَ ﴿ :و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه َو ََّل
العب ِ
ِ ِ ِ ِ
ادَ ،و َما س َّل َم َع َلى ح َام ٍرَ ،ف َق َالَ :يا م َعاذ! َأ َت ْد ِري َما َح ُّق ال َّله َع َلى َ
َع َل ْيه َو َ
اد َع َلى ال َّل ِه؟
العب ِ
ِ
َح ُّق َ
ق ْلت :ال َّله َو َرسوله َأ ْع َلم.
اد َأنْ َي ْعبدوه َو ََّل ي ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا. العب ِِ ِ
َق َالَ :فإِ َّن َح َّق ال َّله َع َلى َ
اد َع َلى ال َّل ِه َأ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا.
العب ِ
ِ
َو َح َّق َ
َّاس؟ ول ال َّل ِه! َأ َف ََل أ َب ِّشر الن َ َفق ْلتَ :يا َرس َ
يح ْي ِن.ح َ َق َالََّ :ل تب ِّشرهم َفيتكِلوا» َأ ْخر َجاه فِي الص ِ
َّ َ َ ْ ْ َ َّ
الشرح:
الر ِحيمِ) ِ
قال رمحه اهلل تعاىل( :بِ ْس ِم اهلل َّ
الر ْح َم ِن َّ
يضع مقدِّ م ًة ِ
اقتَصر المصنِّف رمحه اهلل عىل البسملة يف َّأول كتابه ومل ْ
والسنَّة؛ حتى مل يكن قد ِ ِ
له؛ ليكون مجيع ما يف هذا الكتاب من الكتاب ُّ
وضع من عنده وال حرف ًا واحد ًا ،فلم يقل :وضعت يف هذا الكِتاب ،أو: َ
خصصت أو استد َل ْلت.
لئَل يقال أ َّن وإنَّما قال( :بِس ِم اهلل ِ الر ْحم ِن الر ِحيم ،كِ َتاب الت ْو ِح ِ
يد)؛ َّ َّ َّ َ َّ ْ
تأسي ًا ِ
بالنبي
ِّ الشيخ قد أتى بشيء من تلقاء ن ْفسه ،فاقتصر عىل البسملة؛ ِّ
شرح كتاب التوحيد 4
فأول ما فيه:
عليه الصَلة والسَلم يف مكاتباته ،واقتدا ًء بالقرآن العظيمَّ ،
يم * ا ْل َح ْمد ل ِ َّل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾ [الفاتحة.]2-1 :
الر ِح ِ ِ
﴿بِ ْس ِم ال َّله َّ
الر ْح َم ِن َّ
والبركة؛ أي :يا رب
َ قال رمحه اهلل( :بِ ْس ِم اهلل ِ) ،الباء هنا لَلستعانة
متبرك ًا به يف أعنِّي ،وأنا َأ َّ
تبرك باسمك يف هذا العمل؛ أي :أستعين باهلل ِّ
تأليف هذا الكِتاب.
البركة به؟
تحل َفإذا قيل :هل إذا ذكر اسم اهلل ُّ
ذكرت
َ نقول :نعم؛ بل قد ال يجوز لك أن تأكل بعض األشياء إال إذا
اسم اهلل عليها ،فمثَلً عند الصيد ،أو الذبيحة ال يجوز أن تأكلها إال إذا
ِ
اسم كرت اسم اهلل عليها ،كما قال سبحانهَ ﴿ :و َال َت ْأكلوا م َّما َل ْم ي ْذك َِر ْ َذ َ
اسم ال َّل ِه َع َل ْي ِه إِ ْن كنْت ْم ِ ِ ِ ِ
ال َّله َع َل ْيه﴾ [األنعام ،]121:وقالَ ﴿ :فكلوا م َّما ذك َر ْ
ِِ ِِ
ين﴾ [األنعام.]118:بِآ َياته م ْؤمن َ
المحرم
َّ البركة؛ بل َتجعل مجرد ذكْر اسم اهلل عىل الشيء ُّ
تحل فيه َ فب َّ
بعيد ًا عنه.
وكذا عند دخول المنزل تقول« :بِ ْس ِم اهللِ»(.)1
( )1لحديث رواه أبو داوود ،كتاب النوم ،باب ما يقول الرجل إذا َدخل بيته ،رقم (،)5096
الرجل َب ْيتَهَ ،ف ْل َيق ْل :ال َّله َّم إِنِّي
من حديث أبي مالك األشعري رضي اهلل عنه ،ولفظه« :إِ َذا َو َل َج َّ
5 مقرر األسبوع الثاين
َأ ْس َأل َك َخ ْي َر ا ْل َم ْو َلجِ َ ،و َخ ْي َر ا ْل َم ْخ َر ِج ،بِ ْس ِم ال َّل ِه َو َل ْجنَاَ ،وبِ ْس ِم ال َّل ِه َخ َر ْجنَاَ ،و َع َلى ال َّل ِه َر ِّبنَا
َت َو َّك ْلنَا ،ث َّم لِي َس ِّل ْم َع َلى َأ ْهلِ ِه».
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)26616من حديث ّأم سلمة رضي اهلل عنها ،ولفظهَ « :أ َّن
كَان إِ َذا َخ َر َج مِ ْن َب ْيتِ ِهَ ،ق َال« :بِ ْس ِم اهللَِ ،ت َو َّك ْلت َع َلى اهللِ ،الله َّم إِنِّي النَّبِ َّي َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َ
ِ ِ
َأعوذ بِ َك م ْن َأ ْن ن َِز َّل َأ ْو نَض َّلَ ،أ ْو َن ْظلِ َم َأ ْو ن ْظ َل َمَ ،أ ْو ن ْ
َج َه َل َأ ْو ي ْج َه َل َع َل ْينَا».
( )2رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)26417من حديث فاطمة رضي اهلل عنها ،ولفظه« :ك َ
َان
ول اهللِ، الس ََلم َع َلى َرس ِ ِ
جدَ َق َال« :بِ ْس ِم اهللَ ،و ََّرسول اهللِ َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم إِ َذا َد َخ َل ا ْل َم ْس ِ
مباشر ًة فتقول( :بِ ْس ِم اهللِ) ،والف ْعل محذوف ،وجعلت الباء لَلستعانة
والتبرك.
السمو -وهو العلو واالرتفاع ،-أو ال َع ََل َمة. ِ
سمِ) من ُّ
وقوله( :ا ْ
يعني :هذا األمر وضعت عليه عَلم ًة بأنِّي طلبت َ
البركة فيه ،وأنا
مستعين به سبحانه ،وما فعلته فيه سمو ورفعة يل.
العلو.
ّ السمو؛ يعني:
ّ ومنْه قول بعض الناس :صاحب
وسما وهو اهلل سبحانه وتعاىل.
تبرك بمن عَل َأي :أستعين و َأ َّ
قوله( :اهلل ِ) ،هذا ع َلم عىل اهلل عز وجل ،وال يطلق عىل غيره ،وهو
ع َلم األعَلم.
ومعنى اهلل؛ أي :المألوه ،المعبود؛ يعني :بِاسم المعبود.
عز َّ
وجل تنقسم إىل أربعة أقسام: وأسماء اهلل َّ
األول :ال يجوز إطَلقه إال عليه سبحانه ،مثل :اهلل ،القدوس. ِ
القسم َّ
القسم الثاين :يطلق عىل اهلل وعىل غيره ،مثل :الحكيم ،الكريم. ِ
الرب. ِ
القسم الثالث :عند اإلطَلق ال َينصرف إال هلل عز وجل ،وهو ّ
الرب؛ فَل يطلق إال عىل اهلل سبحانه وتعاىل.
فإذا قيلّ :
7 مقرر األسبوع الثاين
مطرف
( )1رواه أبو داوود ،كتاب األدب ،باب يف كراهية التمادح ،رقم ( ،)4806من حديث ّ
الس ِّيد ال َّله َت َب َار َك َو َت َعا َلى».
رضي اهلل عنه ،ولفظهَّ « :
( )2رواه أبو داوود ،كتاب األَدب ،باب يف تغيير االسم القبيح ،رقم ( ،)4955من حديث
ول ال َّل ِه َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم شريح بن هانئ بن أبيه رضي اهلل عنهما ،ولفظهَ « :ل َّما َو َفدَ إِ َلى َرس ِ
َم َع َق ْومِ ِه َس ِم َعه ْم َي ْكنونَه بِ َأبِي ا ْل َح َك ِمَ ،فدَ َعاه َرسول ال َّل ِه َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ ،ف َق َال« :إِ َّن ال َّل َه
اخ َت َلفوا فِي َش ْيء َأ َت ْونِي، ه َو ا ْل َح َكمَ ،وإِ َل ْي ِه ا ْلح ْكمَ ،فلِ َم ت ْكنَى َأ َبا ا ْل َح َك ِم؟»َ ،ف َق َال :إِ َّن َق ْومِي إِ َذا ْ
َف َح َك ْمت َب ْينَه ْم َف َر ِض َي كِ ََل ا ْل َف ِري َق ْي ِنَ ،ف َق َال َرسول ال َّل ِه َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ « :ما َأ ْح َس َن َه َذا،
َف َما َل َك مِ َن ا ْل َو َل ِد؟»َ ،ق َال :لِي ش َر ْيحَ ،وم ْسلِمَ ،و َع ْبد ال َّل ِهَ ،ق َالَ « :ف َم ْن َأ ْك َبره ْم؟» ،ق ْلت :ش َر ْيح،
ْت َأبو ش َر ْيح». َق َالَ « :ف َأن َ
شرح كتاب التوحيد 8
الر ِحيم):
الر ْح َم ِن َّ
وقال ابن عباس( )1رضي اهلل عنهما يف قوله ( َّ
«اسمان رقيقان -يعني واسعان -أحدمها ّ
أرق -يعني أوسع -من
اآلخر» (.)2
ألن الرحيم خاص بالمؤمنين ،والرمحن فالرمحن أوسع من الرحيم؛ َّ
َان بِا ْلم ْؤمِنِي َن َر ِحيم ًا﴾
عام بجميع الناس؛ قال سبحانهَ ﴿ :وك َ
[األحزاب.]43:
الفرق بين الرمحن والرحيم؟
فإذا قيل :ما ْ
األول :الرمحن ال يجوز إطَلقه إال عىل اهلل ،أ َّما الرحيم فيجوز
الفرق َّ
ْ
إطَلقه عىل اهلل وعىل غ ْير اهلل ،فتقول :أنت رجل رحيم ،وال يجوز أن
تقول :أنت رمحن أو أنت الرمحن.
رب» ،فيقول :هذا
لكن لو أضيفت كلمة رمحن باإلضافة يجوز كـ « ّ
رمحن هذه البلدة ،ويقال :هذا رمحن اليمامة وهكذا.
( )1هوَ :أبو العباس َعبد اهلل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ،الق ِ
رش ّي
وهو ينقسم إىل ثَلثة أقسام ،وتقسيمه استقر َأه السلف رمحهم اهلل يف
يصح أن نَجعل قِسم ًا يف التوحيد؛
ّ ظهر مخالف ظهور المخالفين ،فإذا َ
للر ّد عليه.
األول :وهو أصل األقسام كلها ،وهو توحيد الربوبية :وهو ِ
القسم َّ
المدبر
ِّ إفراد اهلل بأفعاله سبحانه وتعالى؛ أي :إثبات َّ
أن اهلل الخالق الرازق
المحيي المميت وهكذا( ،)1فَل نقول :الذي يحيي هو غير اهلل ،وال
نقول :الذي يميت هو غير اهلل.
فمن قال مثَلًَّ :
أن اهلل هو الذي ينزل المطر. َ
نسبت هذا
َ فردت اهلل بفعله؛ فالفعل إنزال المطر ،وأنت
َ نقول :أنت َأ
اإلنزال هلل؛ فهذا توحيد الربوبية.
وتوحيد الربوبية مل ي ِ
نازع به أحد ،فأبو جهل و َمن معه من كفار
قرون هبذا التوحيد؛ ألنّه ال يمكن قريش و َمن َقبلهم ،و َمن بعدهم؛ ي ُّ
إنكاره؛ لهذا قال سبحانه﴿ :و َلئِن س َأ ْلتَهم من َخ َل َق السماو ِ
ات َو ْاألَ ْر َض َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ
الش ْم َس َوا ْل َق َم َر َل َيقول َّن ال َّله َف َأنَّى ي ْؤ َفك ْو َن﴾ [العنكبوت ،]61:وقال:
َو َس َّخ َر َّ
ض ق ِل ال َّله َوإِنَّا َأ ْو إِ َّياك ْم َل َع َلى ات َو ْاألَ ْر ِ ﴿ق ْل من يرزقكم مِن السماو ِ
ْ َ َّ َ َ َ ْ َْ
هدً ى َأ ْو فِي َض ََلل مبِين﴾ [سبأ ،]24:وقالَ ﴿ :و َلئِ ْن َس َأ ْلتَه ْم َم ْن َخ َل َق
ات َو ْاألَ ْر َض َل َيقول َّن ال َّله ق ِل ا ْل َح ْمد ل ِ َّل ِه َب ْل َأ ْك َثره ْم َال َي ْع َلم ْو َن﴾
السماو ِ
َّ َ َ
[لقمان ،]25:فهم ال ينكرون توحيد الربوبية.
ويسمى« :توحيد المعرفة واإلثبات»؛ يعني :توحيد معرفة اهلل،
َّ
وتوحيد إثبات َّ
بأن الرب موجود سبحانه وتعاىل.
الجنَّة والنجاة من النَّار؛ بل ال
وتوحيد الربوبية ال َيكفي يف دخول َ
بدّ من اإلتيان بنوعي التوحيد معه -توحيد األلوهية وتوحيد األسماء
والصفات .-
يسمى« :التوحيد َ
الخ َبري»؛ يعني :تخبر عن اهلل وتوحيد الربوبية َّ
بأن الذي َأنزل المطر هو اهلل.
َّ
بأن اهلل هو الذي َأنزل
عرفت َّ
َ ويسمى« :توحيد المعرفة» فأنت
َّ
المطر.
فيسمى :توحيد الربوبية ،وتوحيد المعرفة ،وتوحيد اإلثبات.
َّ
والدليل عىل َّ
أن توحيد الربوبية هو األصل يف التوحيد؛ قوله
سبحانه﴿ :ق ْل َأعوذ بِ َر ِّب ال َف َل ِق﴾ [الفلق﴿ ،]1:ق ْل َأعوذ بِ َر ِّب الن ِ
َّاس﴾
شرح كتاب التوحيد 14
اجتَنِبوا ال َّطاغ ْو َت﴾ ﴿و َل َقدْ بع ْثنَا فِي ك ِّل أمة رسو ً ِ
ال َأن ا ْعبدوا ال َّل َه َو ْ َّ َ ََ َ
وجل عن نوحَ ﴿ :و َل َقدْ َأ ْر َس ْلنَا نوح ًا إِ َلى َق ْومِ ِه عز َّ [النحل ،]36:وقال اهلل َّ
اعبدوا ال َّل َه َما َلك ْم مِ ْن إِ َله َغ ْيره َأ َف ََل َتتَّق ْو َن﴾ [المؤمنون.]23:
َف َق َال َيا َق ْو ِم ْ
ُّ
فكل اآليات السابقة ما فيها توحيد ربوبية ،وإنَّما يدعوهنم إىل
قرون بتوحيد الربوبية.
توحيد األلوهية؛ ألهنم ي ُّ
شرح كتاب التوحيد 16
وقال سبحانهَ ﴿ :وإِ َلى َعاد َأ َخاه ْم هود ًا َق َال َيا َق ْو ِم ا ْعبدوا ال َّل َه َما
ِ
َلك ْم م ْن إِ َله َغيْره َأ َف ََل َتتَّق َ
ون﴾ [األعراف.]65:
( )1الجهمية :هم أتباع جهم بن صفوان .الفرق بين الفرق للبغدادي (ص ،)199الملل
والنحل للشهرستاين (.)86/1
( )2المعتزلة :هم أصحاب واصل بن عطاء الغزايل ،اعتزل عن مجلس الحسن البصري.
التعريفات للجرجاين (ص ،)222الملل والنحل للشهرستاين (.)43/1
( )3األشعرية :هم أصحاب أبي الحسن عيل بن إسماعيل األشعري .الملل والنحل
والشهرستاين (.)94/1
مرت بعدة مراحل،
( )4الماتريدية :هم فرقة كَلمية تنسب إىل أبي منصور الماتريدي ،وقد َّ
مؤسسها .الموسوعة الميسرة يف األديان والمذاهب
ومل تعرف هبذا االسم إال بعد وفاة ِّ
واألحزاب المعاصرة (.)95/1
19 مقرر األسبوع الثاين
لذلك قال سبحانهَ ﴿ :ول ِ َّل ِه ْاألَ ْس َماء ا ْلح ْسنَى َفا ْدعوه بِ َها َو َذروا
ون﴾ [األعراف،]180: ون فِي َأ ْس َمائِ ِه َسي ْج َز ْو َن َما كَانوا َي ْع َمل َ
ين ي ْل ِحد َ ِ
ا َّلذ َ
لحدين حتى ولو أتوا بتوحيد الربوبية أو بتوحيد األلوهية. فسماهم م ِ
َّ
وتوحيد الربوبية َيلزم منه توحيد األلوهية؛ ومعنى هذا الكَلم :أ َّن
يقر َّ
أن اهلل هو الذي َيرزقه ويميته ويحييه؛ ف َيلزم من ذلك الشخص إذا كان ُّ
أن يعبده.
متضمن لتوحيد الربوبية؛ يعنيَّ :
أن الشخص إذا ِّ وتوحيد األلوهية
أثبت وجود اهلل.
قال« :يا اهلل» فمعناه َ
خلت الغرفة فمعنى ذلك أنَّك دخلت البيت؛ َّ
ألن الغرفة مثل :لو َد َ
داخل البيت.
أثبت أن اهلل ِ
مستلزم لتوحيد األلوهية؛ يعني :إذا َّ وتوحيد الربوبية
ينزل المطر؛ َيلزم منك َّأال َتعبد إال اهلل سبحانه وتعاىل؛ قال ابن الق ِّيم رمحه
متضمنة للتوحيد ،شاهدة به ،داعية إليه»(.)1
ِّ اهللُّ « :
كل آية يف القرآن فهي
الجنَّة؛ ألمهية التوحيد. أهل ِ
العلم عىل َّ و َأمجع ْ
الموحد مآله َ
ِّ أن
عز َّ
وجل من أجله وهو ما َخلقك إال للتوحيد ،تعرف ما الذي خلقك اهلل َّ
التوحيد.
ل َي ْعبدون﴾) [الذاريات]56:؛
اْل ْن َس إِ ََّّل ِ
ج َّن َو ْ ِ
(﴿و َما َخ َل ْقت ا ْل ِ
فقالَ :
ليوحدوين.يعني :وما خلقتهم إال آلمرهم أو أهناهم؛ ِّ
األول ،وط َلب من الخ ْلق فِعل الثاين. عز َّ
وجل ف َعل َّ فاهلل َّ
شرح كتاب التوحيد 22
ويقالِ :
الحكمة من خ ْلق الخ ْلق العبادة ،وال يقال :المصلحة من
خ ْلق الخ ْلق العبادة.
عز َّ
وجل فكأن اهلل َينتفع بعبادة الخ ْلق؛ واهلل َّ
َّ فإذا قيل :المصلحة؛
غني عن عباده ،فهو خ َلقهم ال ليستكثر هبم من ق َّلة ،وال َّ
ليتقوى هبم من
َضعف؛ وإنما خلقهم ِ
لحكمة ،هي :أن يعبدوه ،وهم إن َق َّصروا يف عبادته ْ
تضررون من ذلك.
سبحانه فهم الذين َي َّ
أن َّ
كل واحد محتاج هلل سبحانه وال يستغني عنه طرفة فدل عىل َّ
َّ
الجنَّة ،و َمن َأشرك به غيره َّ
عذبه لكرمه عىل عبده َأدخله َ
َعين ،واهلل َ
سبحانه وتعاىل بعدْ له.
اْل ْن َس إِ ََّّل لِ َي ْعبدون﴾) ،قال ابن عباس
ج َّن َو ْ ِ
(﴿و َما َخ َل ْقت ا ْل ِ
فقالَ :
رضي اهلل عنهماُّ « :
كل آية َوردت يف كتاب اهلل يعبدون؛ يعني:
يوحدون»(.)1
ِّ
أجل التوحيد؛ يجب أن َتعلم ما هو
فإذا كان اهلل َخلقك من ْ
التوحيد.
قوله( :إِ ََّّل لي ْعبد ْو ِن﴾)؛ قال ابن عباس :إال ليوح ِ
دون(.)1 ِّ َ
أجل أن نستعين هبا عز َّ
وجل أعطانا الهواء والماء والرزق؛ من ْ فاهلل َّ
عىل توحيد اهلل.
﴿و َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ك ِّل أ َّم ٍة َرسو ً
َّل َأ ِن ْاعبدوا ال َّل َه ثم قال رمحه اهللَ ( :و َق ْولهَ :
اج َتنِبوا ال َّطاغ ْو َت﴾ اآل َي َة) ،ساقها رمحه اهلل؛ لبيان َّ
أن مجيع الرسل َب َّينوا َو ْ
ألقوامهم التوحيد ،و َأمروهم به ،و َنهوهم عن الشرك؛ َّ
فدل عىل أمهية
التوحيد.
عز َّ
وجل الجن أن دعوة الرسل مجيع ًا ِ
للحكمة التي خلق اهلل َّ وب َّين َّ
واإلنس لها ،وهي العبادة.
ِ
أجلفهنا يقول لك المصنِّف :اهلل َخلقك للعبادة ،والرسل بعثوا من ْ
َّل) [النحل.]36: ﴿و َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ك ِّل أ َّم ٍة َرسو ً
بيان هذه العبادة؛ لذلك قالَ ( :
وجل أنَّه مل َيدَ ْع أ َّم ًة إال و َأرسل إليها رسو ً
ال عز َّ
فضل اهلل َّوهذا مِن ْ
من ِجنسها؛ بل من لساهنم؛ لذلك قال سبحانهَ ﴿ :و َما َأ ْر َس ْلنَا مِ ْن َرسول
ان َق ْومِ ِه لِي َب ِّي َن َله ْم﴾ [إبراهيم.]4:
إِ َّال بِلِس ِ
َ
ال َأ ِن ْ
اعبدوا ال َّل َه ﴿و َل َقدْ َب َع ْثنَا فِي ك ِّل أ َّمة َرسو ً
ولو كانوا صالحينَ ،
وت﴾ [النحل.]36: اجتَنِبوا ال َّطاغ َ
َو ْ
وكل داعية -فضَلً عن غيره -يحتاج إىل صحبة صالحة ،حتى
احبِ ِه
أن لهم صحب ًة؛ قال تعاىل﴿ :إِ ْذ يقول لِص ِ
َ َ وجل َّ الرسل َأخبر اهلل َّ
عز َّ
َال َت ْح َز ْن إِ َّن ال َّل َه َم َعنَا﴾ [التوبة.]40:
فالتوحيد ال يكون إال بنفي وإثبات ،ومها ركنا التوحيد؛ لو َّ
اختل
موحد ًا.
أحدمها مل يكن الشخص ِّ
25 مقرر األسبوع الثاين
وقالَ ( :و َق ْوله َت َعا َلى﴿ :ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا
﴿و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه﴾ اآل َي َة). بِ ِه َش ْيئ ًا﴾ إِ َلى َق ْولِ ِهَ :
محرم نَهى عنه الرسل هو الشرك؛ ساقها رمحه اهلل؛ لبيان َّ
أن َّأول َّ
وأول ما َيدعون إليه التوحيد؛ ألمهيته.
لخطورتهَّ ،
﴿و َق َضى َر ُّب َك َأ ََّّل َت ْعبدوا إ ِ ََّّل إِ َّياه َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾
قالَ ( :و َق ْولهَ :
وأول واجب يجب أن يفعله اآل َي َة) ساقها رمحه اهلل؛ لبيان َّ
أن َّأول حق هللَّ ،
العبد؛ هو عبادة اهلل ،أي :توحيد اهللَّ ،
فدل عىل أمهية التوحيد.
عز َّ
وجل َت ْعبدوا إِ ََّّل إِ َّياه)َّ ،
فأول األوامر التي َصدرت هي وحدانية اهلل َّ
وحده.
ْ
َّ
فدل عىل أن أعظم األوامر هو التوحيد.
27 مقرر األسبوع الثاين
فلو أتى شخص إىل قوم يعبدون ضريح ًا وهم ال يص ُّلون؛ نقول :ال
ال ،وإنما َّأو ً
ال يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن ِ
يأت ويأمرهم بالصَلة َّأو ً
الشرك ،ثم بعد ذلك بق َّية األوامر؛ ألن أوجب الواجبات التوحيد.
وأول ما َتدخل هذا المكان يقال لك:
كنت يف مكانَّ ،
فمثَلً :لو َ
اجلِس يف ذاك المكان ،وابتَعد عن ذاك المكانَّ ،
فإن ذاك المكان فيه
فأول أوامر اهلل يف
أي أمر آخرَّ ، حيوانات مثَلً ِ
مفترسة ،فما يقال لك ُّ
العبادات مجيع ًا هو التوحيد والتحذير من ضدِّ ه؛ َّ
فدل عىل أمهيته.
وقال هناَ ( :وبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾) أعظم حق من حقوق الخ ْلق هو
ُّبر الوالدين ،ومل يب ِّين ما هو اإلحسان إليهم؛ وهذا راجع للعرف؛ ُّ
فكل
كل بلد وزمن يفعل مع الوالدين. إحسان حسب عرف ِّ
اعبدوا ال َّل َه َو ََّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا َق َال َر ِح َمه اهللَ ( :و َق ْوله َت َعا َلىَ :
﴿و ْ
أنَوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾ اآل َي َة)َ ،ذكر المصنِّف رمحه اهلل هذه اآلية؛ لبيان َّ
وأولها وأمهَّها وأفرضها هو توحيد اهلل سبحانه.
أوجب الواجبات َّ
اعبدوا ال َّله﴾) ،العبادة :اسم َ
لما يح ُّبه اهلل ويرضاه من األقوال ﴿) َو ْ
واألفعال الظاهرة والباطنة(.)1
ال - عز َّ
وجل فهو عبادة؛ سوا ًء كان قو ً أمر به اهلل َّ أي :أن َّ
كل أمر َ
كذكر اهلل ،-أو فعَلً -كالصَلة .-
والعبادات تنقسم إىل قِسمين:
األول :الظاهرة ،مِثل :الحج.
القسم َّ
والقسم الثاين :الباطنة ،مِثل :الخوف ،والتوكل ،والخشية وغير
ذلك.
فدل عىل ّ
أن الشخص قد محمد بن عبد الوهابَّ « :
ّ قال الشيخ
مؤمن ًا ويصبح كافر ًا»(.)1
يمسي ْ
الرجل م ْؤمِن ًا َوي ْم ِسي كَافِر ًاَ ،أ ْو ي ْم ِسي ِ
ويف صحيح مسلم« :ي ْصبِح َّ
م ْؤمِن ًا َوي ْصبِح كَافِر ًاَ ،يبِيع ِدينَه بِ َع َرض مِ َن الدُّ ْن َيا»(.)2
النووي رمحه اهلل(« :)3فهذا ُّ
يدل عىل تق ِّلب الحق يف قلب ُّ قال
يقوى إيمانه يف َّأول النهار و َيضعف يف آخره ،وقد َيدخل
الشخص؛ فقد َ
يف الشرك وهو ال َيعلم ،وقد ال يقوى توحيده»(.)4
النبي
وجل وبسنَّة ِّعز َّفإذا كان الشخص دائم ًا متع ِّلق ًا بكِتاب اهلل َّ
وس َّلم ومكثِر ًا من قراءة العقيدة؛ يكون أقوى يف الثبات. ِ
َص َّلى اهلل َعليه َ
اإليمان ،باب بيان كفر من قال :مطرنا بالنوء ،رقم ( ،)71من حديث زيد بن خالد الجهني
رضي اهلل عنه.
( )1كتاب التوحيد (ص .)314
( )2رواه مسلم ،كتاب اإليمان ،باب الحث عىل المبادرة باألعمال قبل تظاهر الفتن ،رقم
( ،)186من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه.
( )3هو :أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن النووي ،ولد سنة (631هـ) ،وتويف سنة
(676هـ) .طبقات الشافعية الكبرى للسبكي(.)396/8
للنووي (.)150/1
ّ ( )4المنهاج شرح صحيح مسلم
31 مقرر األسبوع الثاين
( )1هو :عبد اهلل بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرمحن الهذيلَ .أسلم يف َّأول بزوغ
فجر اإلسَلم ،وتويف (32هـ أو 33هـ).أسد الغابة البن األثير (.)381/3
البخاري ،كتاب تفسير القرآن ،باب َق ْول ِ ِه َت َعا َلىَ ﴿ :فَلَ َت ْج َعلوا ل ِ َّل ِه َأنْدَ اد ًا َو َأنْت ْم
ُّ ( )2رواه
َت ْع َلم َ
ون﴾ [البقرة ،]22 :رقم ( ،)4477ومسلم ،كتاب اإليمان ،باب كون الشرك أقبح
الذنوب ،وبيان أعظمها بعده ،رقم (.)86
شرح كتاب التوحيد 32
فإذا َّ
حل داعية بأرض ورأى فيها الشرك ورأى فيها الخمور
( )1رواه مسلم ،كتاب اإليمان ،باب من مات ال يشرك باهلل شيئ ًا َدخل الجنة ،ومن مات
مشرك ًا َدخل النار ،رقم ( ،)154من حديث أبي ذر رضي اهلل عنه ،ولفظهَ « :ما مِ ْن َع ْبد َق َال: ِ
فإذا مل ت ْ
شرك ،وبالوالدين إحسان ًا ،ومل تقتل أوالدك من إمَلق ،ومل
حرم اهلل إال
تقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ،ومل تقتل النفس التي َّ
وأو َف ْيت الك ْيل
بالحق ،ومل تقرب مال اليتيم إال بالتي هي أحسنْ ،
والميزان بالقسط ،وإذا ق ْلت عد ْل َت – ولو كان ذا قربى ،-وأوفيت بعهد
النبي
عملت بوصية ِّ
َ اهلل ،وا َّتبعت صراط اهلل المستقيم ومل تتبِع ُّ
السبل؛ فقد
عليه الصَلة والسَلم.
تفرع منه.
فلما ب َّين األساس وهو التوحيد؛ ب َّين ما َي َّ
َّ
(﴿ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم)؛ يعنيَ :أقبِلوا أيها الناس
ربكم عليكم.
حرم ُّوهلموا؛ ألب ِّين لكم وأتلو عليكم ما َّ ُّ
ِ
محرم هو الشرك باهلل
محرم وأعظم َّ
فأول َّ ( َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِه َش ْيئ ًا﴾)َّ ،
النبي عليه الصَلة والسَلم كما يف عز وجل؛ لذلك يف الصحيح( )1سئل ُّ
ْب َأ ْع َظم ِعنْدَ ال َّل ِه ؟َ ،ق َالَ « :أ ْن َت ْج َع َل ل ِ َّل ِه نِدّ ًا حديث ابن مسعود « َأ ُّي َّ
الذن ِ
َوه َو َخ َل َق َك».
ِ
األرض هو الشرك باهلل). ( )1سبق تخريجه (ص ،)31عند قوله (وأعظم ذنب يفعل يف
شرح كتاب التوحيد 36
وأولها؛ َّ
دل عىل أن التوحيد هو فإذا كان الشرك أعظم النواهي َّ
أوجب الواجبات وهو أفضل األوامر؛ َّ
ألن فيه تعظيم هلل ،وفيه إفراد اهلل
وجل بالعبادة ،وفيه انصراف القلب بالك ِّل َّية هلل.
عز َّ
َّ
هضم للربوبية ،وقدْ ح يف ألوهية اهلل عز وجل ،وتن ُّقص
ويف الشرك ْ
له.
عز َّ
وجل عز َّ
وجل التي َوصف اهلل َّ وفيه عدم تحقيق صفات اهلل َّ
ن ْفسه هبا من الوحدانية والقوة والعظمة والكبرياء.
فمن أشرك فإنه ال يح ِّقق هذه الصفات ،فيتوجه إىل صاحب القبر
َ
ويف ق ْلبه أن اهلل ضعيف ال يستطيع أن يقضي حاجاته -والعياذ باهلل -؛
يح ْي ِن).
ح ََق َالََّ :ل تب ِّشرهم َفيتكِلوا» َأ ْخر َجاه فِي الص ِ
َّ َ َ ْ ْ َ َّ
شرح كتاب التوحيد 38
( )1رواه أمحد يف المسند ،رقم ( ،)22119من حديث معاذ بن جبل رضي اهلل عنه.
شرح كتاب التوحيد 40
عز
تكرم اهلل َّ
الحق الذي َّ
ُّ اد َع َلى اهللِ؟)؛ أي :ما هو
(وما َح ُّق ا ْل ِعب ِ
َ َ َ
فضل عىل عباده؟ وجل ِبه و َت ّ
َّ
قال( :ق ْلت :اهلل َو َرسوله َأ ْع َلم).
هذه المسألة العظيمة َخفيت عىل معاذ وهو من أكابر الصحابة ومن
علمائهم؛ لذلك قال عليه الصَلة والسَلم« :معاذ بن جبل َأمام ا ْلع َلم ِ
اء َ َ ْ ََ َ َ
بِ َر ْت َوة»( )1يعني :بخطوة ،فهو من ْ
أعلم الصحابة ،ومع ذلك قال( :اهلل
َو َرسوله َأ ْع َلم).
ِ
العقيدة أن المسؤول إذا كان ال َيعلم ولو شيئ ًا من مسائ ِل
ويدل عىل َّ
ُّ
يقول :اهلل أعلم.
وس َّلم يجوز أن يقال: ِ
النبي َص َّلى اهلل َعليه َ ُّ
ويدل عىل أنَّه يف حياة ِّ
(اهلل َو َرسوله َأ ْع َلم)؛ لنزول الوحي عليه ،أ َّما بعد انقطاع الوحي بوفاة
وس َّلم؛ فَل يجوز أن يقال( :اهلل َو َرسوله َأ ْع َلم)؛ وإنَّما ِ
النبي َص َّلى اهلل َعليه َ
ِّ
النبي عليه الصَلة والسَلم قد مات. «اهلل أعلم»؛ َّ
ألن َّ
الجنَّة؛ كما قال سبحانه﴿ :إِ َّن ا َّل ِذي َن عز َّ
وجل َ و َمن أطاعه َأدخله اهلل َّ
ال﴾س نز ً َت َله ْم َجنَّات ا ْل ِف ْر َد ْو ِ
ات كَان ْ آمنوا و َع ِملوا الصالِح ِ
َّ َ َ َ
[الكهف.]107:
فمما يجب عليك وحدانية اهلل عز وجل؛ ألنَّه هو الذي َخلقك
َّ
ورزقك وأغدق عليك بالنِّعم ،وهو المستحق للعبادة ،فَل أحد سواه
َ
يستحق أن يركع له ،وأن يسجد له ،وأن تفرد أنواع العبادة إليه؛ إال اهلل
وحده؛ ألنه هو الكبير العظيم.
فإذا انصرفت النية لغير اهلل؛ انصرف معها العمل -والعياذ باهلل .-
توجه القلب لغير اهلل؛ فقد َيذبح لغير اهلل؛ لذلك قال سبحانه: فإذا َّ
ِ ِ ِ ِ
ين حنَ َفا َء َويقيموا َّ
الص ََل َة ﴿و َما أمروا إِ َّال ل َي ْعبدوا ال َّل َه م ْخلِص َ
ين َله الدِّ َ َ
الزكَا َة َو َذل ِ َك ِدين ا ْل َقيِّ َمة﴾ [البينة.]5:
َوي ْؤتوا َّ
فيجب عىل العباد أن يصلحوا نياهتم يف إخَلصها هلل يف ِّ
كل طاعة،
وهذا هو التوحيد.
فإذا قيل :لماذا تأيت النصوص بعبادة ال َّله وحده والنهي عن الشرك،
والناس اليوم قد َتقدَّ موا ،فلم َيعبدوا صنم ًا ومل َيعبدوا وثن ًا ،ونحن اآلن
يف عصر الحضارة ونحو ذلك؟
وجل َذكر عن إبراهيم قولهَ ﴿ :ر ِّب إِنَّه َّن َأ ْض َل ْل َن كَثِير ًا
عز َّ
نقول :اهلل َّ
َّاس﴾ [إبراهيم ،]36:فالغالب عىل الناس يف األرض عدم اإلسَلم مِ َن الن ِ
وهو الشرك؛ لآلية السابقة ،ولقوله سبحانهَ ﴿ :و َلكِ َّن َأ ْك َث َر الن ِ
َّاس َال
ي ْؤمِن َ
ون﴾ [غافر.]59:
وأقل ِ
الق َّلة هم أهل اإلسَلم وكثير من أهل األرض ال َيعبد اهللُّ ،
شرق األرض كثير منهم َمن يعبد األصنام الخالص من َّ
الش ْوب ،فمثَلًْ :
من البوذية ونحو ذلك ،وهم مِن أكثر سكان أهل األرض؛ فقرابة ربع
شرح كتاب التوحيد 44
الجنَّة.
َ
ويدل عىل أن الم َو ِّحد ال يخ َّلد يف النَّار ،فقولهَ ( :أ ََّّل ي َع ِّذ َب)؛ أي:
ُّ
عذاب ًا مخ َّلد ًا.
الموحد إذا كان َيعمل الكبائر أو الصغائر ومل يغفرها ِّ وقد ي ِّ
عذب اهلل
اهلل؛ قال سبحانه﴿ :إِ ْن َت ْجتَنِبوا َك َبائِ َر َما تن َْه ْو َن َعنْه ن َك ِّف ْر َعنْك ْم َس ِّي َئاتِك ْم﴾
45 مقرر األسبوع الثاين
وفضله.
بالجنَّة؛ وهذا من إنعام اهلل ْ
أنا أعدك َ
كرم اهلل أن َجعل التوحيد موافق ًا للفطرة ،فالخلق مفطورون ومن َ
وغل يف الشرك إذا َح َّلت به الشدائد َيرجع لفطرته أن الم ِ
عىل التوحيد؛ بل َّ
وهو التوحيد؛ قال سبحانهَ ﴿ :فإِ َذا ركِبوا فِي ا ْلف ْل ِ
ك َد َعوا ال َّل َه م ْخلِ ِصي َن َ
يوحدون. َله الدِّ ي َن﴾ [العنكبوتِّ ]65:
اد َع َلى ال َّل ِه َأ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا)
العب ِِ
لذلك قالَ ( :و َح ُّق َ
فمن َأفرد اهلل وحده سبحانه بالعبادة؛ ِ
هذا يدل عىل عظم فضيلة التوحيدَ ،
وعد من اهلل َّأال يعذبه بالخلود يف النَّار؛ لذلك َأمجع أهل السنة عىل َّ
أن مآل
الجنَّة.
الموحد هو َ
لكن بعض الموحدين قد َيعمل المعاصي ،وهذه المعاصي إ َّما أن
َّ
وجل يعذبه يف النَّار بتلك عز بفضله ،أو َّ
أن اهلل َّ َّ
وجل ْ عز
َيغفرها اهلل َّ
شرح كتاب التوحيد 46
يح ْي ِن).
ح ََفيتكِلوا» َأ ْخر َجاه فِي الص ِ
َّ َ َ َّ
47 مقرر األسبوع الثاين
َت َّ
تشوق لبشارة المسلمين بأمر عظيم.
الموحد ،ود َّلت نصوص أخرى عىل أنه ِّ عذب أن اهلل ال ي ِّ
ويدل عىل َّ ُّ
تحت المشيئة إن َعمل ذنوب ًا غير الشرك؛ كما قال تعاىل﴿ :إِ َّن ال َّل َه َال َي ْغ ِفر
ون َذل ِ َك ل ِ َم ْن َي َشاء﴾ [النساء.]48:
َأ ْن ي ْش َر َك بِ ِه َو َي ْغ ِفر َما د َ
يدل عىل أنه يخشى عىل الصالحين (َّل ت َب ِّش ْره ْم َف َي َّتكِلوا) هذا ُّ قالَ :
من اال ِّتكال عىل ما عندهم من التوحيد ،وأنَّهم قد َيعملون المعاصي؛
َّاس؟ َق َالََّ « :ل ت َب ِّش ْره ْم َف َي َّتكِلوا»). لذلك قالَ :
(أ َف ََل أ َب ِّشر الن َ
وس َّلم ذلك؟ ِ
النبي َص َّلى اهلل َعليه َ فإذا قيل :لماذا قال ُّ
شرح كتاب التوحيد 48
فلما َرسخ الدين يف نفوسهم؛ َأخبر نقول :هذا يف َّأول مطلع الدعوةَّ ،
وس َّلم. ِ
النبي َص َّلى اهلل َعليه َ
وب َّشرهم هبا بعد وفاة ِّ
معاذ الناس َ
أن المخا َطب إذا كان يخشى منه
ويدل أيض ًا هذا الحديث عىل َّ
ُّ
قصور يف العمل الصالح؛ ال يخ َبر.
العلم أحد ًا دون اآلخر ،مِثل أن
ويدل أيض ًا عىل جواز تخصيص ِ
ُّ
يع ّلم أشخاص ًا الفرائض وال يع ّلم آخرين؛ ألهنم قد ال يستطيعون تع ُّلم
الفرائض وهكذا.
(َّل ت َب ِّش ْره ْم َف َي َّتكِلوا)؛ أي :قد ال َيفهمون هذا الحديث؛ ف َيعملون
َ
المعاصي والسيئات ،فقد يظن المستمع أن الزاين والسارق ال ي َّ
عذب؛
وهو تحت المشيئة إن شاء اهلل َّ
عذبه وإن شاء َغفر اهلل له.
العلم للمصلحة ،مثل :لو َدخل شخص عىل فيدل عىل جواز كتمان ِ
ُّ
عصاة ،وهم َيشربون الخمور ،وق ْبل أن يشربوا الخمور لو أخبرهم هبذا
الحديث قد يشربوهنا ،ويقولون :نحن ال نشرك باهلل ،فيظنون َّ
أن اهلل ال
يعذب عىل شرب الخمر؛ وأنَّه تحت المشيئة. ِّ
يح ْي ِن) ،هنا انتهى المصنِّف رمحه اهلل من
ح َقالَ ( :أ ْخر َجاه فِي الص ِ
َّ َ
األول.
الباب َّ
49 مقرر األسبوع الثاين
***