Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 49

‫حتت إشراف الشيخ‬

‫شرح كتاب التوحيد‪:‬‬


‫مقرر األسبوع الثاين‪:‬‬
‫الر ِحيم) إىل قوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫من قول المصنِّف رمحه اهلل‪( :‬بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬
‫يح ْي ِن)‪.‬‬ ‫( َأ ْخر َجاه فِي الص ِ‬
‫ح َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪2‬‬

‫الر ِحيم‬ ‫ِ‬


‫بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬
‫[‪]1‬‬
‫كِتَاب التَّو ِح ِ‬
‫يد‬ ‫ُ ْ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫اْل ْن َس إِ ََّّل لِ َي ْعبد ِ‬ ‫َو َق ْول ال َّل ِه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬و َما َخ َل ْقت ا ْل ِ‬
‫ج َّن َو ْ ِ‬

‫اج َتنِبوا‬
‫َّل َأ ِن ْاعبدوا ال َّل َه َو ْ‬ ‫َو َق ْوله‪َ ﴿ :‬و َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ك ِّل أ َّم ٍة َرسو ً‬
‫وت﴾ اآل َي َة‪.‬‬
‫ال َّطاغ َ‬
‫َو َق ْوله َت َعا َلى‪﴿ :‬ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِ ِه ش ْيئ ًا﴾‬
‫إِ َلى َق ْولِ ِه‪َ ﴿ :‬و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه﴾ اآل َي َة‪.‬‬
‫﴿و َق َضى َر ُّب َك َأ ََّّل َت ْعبدوا إِ ََّّل إِ َّياه َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾ اآل َي َة‪.‬‬
‫َو َق ْوله‪َ :‬‬
‫اعبدوا ال َّل َه َو ََّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن‬ ‫﴿و ْ‬ ‫َو َق ْوله َت َعا َلى‪َ :‬‬
‫إِ ْح َسان ًا﴾ اآل َي َة‪.‬‬
‫ود َر ِض َي ال َّله َع ْنه‪َ « :‬م ْن َأ َرا َد َأنْ َي ْنظ َر إِ َلى َو ِص َّي ِة ُمَ َّم ٍد َص َّلى‬
‫َق َال ابن مسع ٍ‬
‫ْ َْ‬
‫س َّل َم ا َّلتِي َع َل ْيهَ ا َخا َتمه؛ َف ْل َي ْق َر ْأ‪﴿ :‬ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم‬ ‫ِ‬
‫ال َّله َع َل ْيه َو َ‬
‫َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا﴾ إِ َلى َق ْولِ ِه‪َ ﴿ :‬و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه َو ََّل‬

‫َت َّتبِعوا ُّ‬


‫السب َل﴾ اآل َي َة»‪.‬‬
‫َو َع ْن م َعا ِذ ْب ِن َج َب ٍل َر ِض َي ال َّله َع ْنه َق َال‪« :‬ك ْنت َر ِد َ‬
‫يف النَّبِ ِّي َص َّلى ال َّله‬
‫‪3‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫العب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد‪َ ،‬و َما‬ ‫س َّل َم َع َلى ح َام ٍر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا م َعاذ! َأ َت ْد ِري َما َح ُّق ال َّله َع َلى َ‬
‫َع َل ْيه َو َ‬
‫اد َع َلى ال َّل ِه؟‬
‫العب ِ‬
‫ِ‬
‫َح ُّق َ‬
‫ق ْلت‪ :‬ال َّله َو َرسوله َأ ْع َلم‪.‬‬
‫اد َأنْ َي ْعبدوه َو ََّل ي ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا‪.‬‬ ‫العب ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬فإِ َّن َح َّق ال َّله َع َلى َ‬
‫اد َع َلى ال َّل ِه َأ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا‪.‬‬
‫العب ِ‬
‫ِ‬
‫َو َح َّق َ‬
‫َّاس؟‬ ‫ول ال َّل ِه! َأ َف ََل أ َب ِّشر الن َ‬ ‫َفق ْلت‪َ :‬يا َرس َ‬

‫يح ْي ِن‪.‬‬‫ح َ‬ ‫َق َال‪ََّ :‬ل تب ِّشرهم َفيتكِلوا» َأ ْخر َجاه فِي الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ َ َّ‬
‫الشرح‪:‬‬
‫الر ِحيمِ)‬ ‫ِ‬
‫قال رمحه اهلل تعاىل‪( :‬بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬
‫يضع مقدِّ م ًة‬ ‫ِ‬
‫اقتَصر المصنِّف رمحه اهلل عىل البسملة يف َّأول كتابه ومل ْ‬
‫والسنَّة؛ حتى مل يكن قد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫له؛ ليكون مجيع ما يف هذا الكتاب من الكتاب ُّ‬
‫وضع من عنده وال حرف ًا واحد ًا‪ ،‬فلم يقل‪ :‬وضعت يف هذا الكِتاب‪ ،‬أو‪:‬‬ ‫َ‬
‫خصصت أو استد َل ْلت‪.‬‬
‫لئَل يقال أ َّن‬ ‫وإنَّما قال‪( :‬بِس ِم اهلل ِ الر ْحم ِن الر ِحيم‪ ،‬كِ َتاب الت ْو ِح ِ‬
‫يد)؛ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫تأسي ًا‬ ‫ِ‬
‫بالنبي‬
‫ِّ‬ ‫الشيخ قد أتى بشيء من تلقاء ن ْفسه‪ ،‬فاقتصر عىل البسملة؛ ِّ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪4‬‬

‫فأول ما فيه‪:‬‬
‫عليه الصَلة والسَلم يف مكاتباته‪ ،‬واقتدا ًء بالقرآن العظيم‪َّ ،‬‬
‫يم * ا ْل َح ْمد ل ِ َّل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾ [الفاتحة‪.]2-1 :‬‬
‫الر ِح ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿بِ ْس ِم ال َّله َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬
‫والبركة؛ أي‪ :‬يا رب‬
‫َ‬ ‫قال رمحه اهلل‪( :‬بِ ْس ِم اهلل ِ)‪ ،‬الباء هنا لَلستعانة‬
‫متبرك ًا به يف‬ ‫أعنِّي‪ ،‬وأنا َأ َّ‬
‫تبرك باسمك يف هذا العمل؛ أي‪ :‬أستعين باهلل ِّ‬
‫تأليف هذا الكِتاب‪.‬‬
‫البركة به؟‬
‫تحل َ‬‫فإذا قيل‪ :‬هل إذا ذكر اسم اهلل ُّ‬
‫ذكرت‬
‫َ‬ ‫نقول‪ :‬نعم؛ بل قد ال يجوز لك أن تأكل بعض األشياء إال إذا‬
‫اسم اهلل عليها‪ ،‬فمثَلً عند الصيد‪ ،‬أو الذبيحة ال يجوز أن تأكلها إال إذا‬
‫ِ‬
‫اسم‬ ‫كرت اسم اهلل عليها‪ ،‬كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َال َت ْأكلوا م َّما َل ْم ي ْذك َِر ْ‬ ‫َذ َ‬
‫اسم ال َّل ِه َع َل ْي ِه إِ ْن كنْت ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َّله َع َل ْيه﴾ [األنعام‪ ،]121:‬وقال‪َ ﴿ :‬فكلوا م َّما ذك َر ْ‬
‫ِِ ِِ‬
‫ين﴾ [األنعام‪.]118:‬‬‫بِآ َياته م ْؤمن َ‬
‫المحرم‬
‫َّ‬ ‫البركة؛ بل َتجعل‬ ‫مجرد ذكْر اسم اهلل عىل الشيء ُّ‬
‫تحل فيه َ‬ ‫فب َّ‬
‫بعيد ًا عنه‪.‬‬
‫وكذا عند دخول المنزل تقول‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ»(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬لحديث رواه أبو داوود‪ ،‬كتاب النوم‪ ،‬باب ما يقول الرجل إذا َدخل بيته‪ ،‬رقم (‪،)5096‬‬
‫الرجل َب ْيتَه‪َ ،‬ف ْل َيق ْل‪ :‬ال َّله َّم إِنِّي‬
‫من حديث أبي مالك األشعري رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪« :‬إِ َذا َو َل َج َّ‬
‫‪5‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫وعند الخروج ‪ -‬كما َورد(‪ - )1‬تقول‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ»‪.‬‬


‫وعند دخول المسجد تقول‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ»(‪.)2‬‬
‫وعند الخروج من المسجد تقول‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ»(‪.)3‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫والباء متع ِّلقة بمحذوف وهو ِ‬
‫الفعل‪ ،‬بمعنى‪ :‬ال تقل‪« :‬آكل بِ ْسم‬
‫واجعل األمر بِاسم اهلل‬ ‫ِ‬
‫ال َّله»‪ ،‬وإنَّما احذف كلمة «آكل» أو «أشرب»‪ْ ،‬‬

‫َأ ْس َأل َك َخ ْي َر ا ْل َم ْو َلجِ ‪َ ،‬و َخ ْي َر ا ْل َم ْخ َر ِج‪ ،‬بِ ْس ِم ال َّل ِه َو َل ْجنَا‪َ ،‬وبِ ْس ِم ال َّل ِه َخ َر ْجنَا‪َ ،‬و َع َلى ال َّل ِه َر ِّبنَا‬
‫َت َو َّك ْلنَا‪ ،‬ث َّم لِي َس ِّل ْم َع َلى َأ ْهلِ ِه»‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)26616‬من حديث ّأم سلمة رضي اهلل عنها‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬أ َّن‬
‫كَان إِ َذا َخ َر َج مِ ْن َب ْيتِ ِه‪َ ،‬ق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ‪َ ،‬ت َو َّك ْلت َع َلى اهللِ‪ ،‬الله َّم إِنِّي‬ ‫النَّبِ َّي َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأعوذ بِ َك م ْن َأ ْن ن َِز َّل َأ ْو نَض َّل‪َ ،‬أ ْو َن ْظلِ َم َأ ْو ن ْظ َل َم‪َ ،‬أ ْو ن ْ‬
‫َج َه َل َأ ْو ي ْج َه َل َع َل ْينَا»‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)26417‬من حديث فاطمة رضي اهلل عنها‪ ،‬ولفظه‪« :‬ك َ‬
‫َان‬
‫ول اهللِ‪،‬‬ ‫الس ََلم َع َلى َرس ِ‬ ‫ِ‬
‫جدَ َق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهلل‪َ ،‬و َّ‬‫َرسول اهللِ َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم إِ َذا َد َخ َل ا ْل َم ْس ِ‬

‫اب َر ْح َمتِ َك»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫الله َّم ا ْغف ْر لي ذنوبِي‪َ ،‬وا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬
‫(‪ )3‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)26417‬من حديث فاطمة رضي اهلل عنها‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬وإِ َذا‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬اللهم ْ ِ ِ‬
‫الس ََلم َع َلى َرس ِ‬ ‫ِ‬
‫اغف ْر لي ذنوبِي‪َ ،‬وا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬
‫اب‬ ‫َّ‬ ‫َخ َر َج َق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهلل‪َ ،‬و َّ‬
‫َف ْضلِ َك»‪.‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪6‬‬

‫مباشر ًة فتقول‪( :‬بِ ْس ِم اهللِ)‪ ،‬والف ْعل محذوف‪ ،‬وجعلت الباء لَلستعانة‬
‫والتبرك‪.‬‬
‫السمو ‪ -‬وهو العلو واالرتفاع ‪ ،-‬أو ال َع ََل َمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سمِ) من ُّ‬
‫وقوله‪( :‬ا ْ‬
‫يعني‪ :‬هذا األمر وضعت عليه عَلم ًة بأنِّي طلبت َ‬
‫البركة فيه‪ ،‬وأنا‬
‫مستعين به سبحانه‪ ،‬وما فعلته فيه سمو ورفعة يل‪.‬‬
‫العلو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السمو؛ يعني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ومنْه قول بعض الناس‪ :‬صاحب‬
‫وسما وهو اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫تبرك بمن عَل َ‬‫أي‪ :‬أستعين و َأ َّ‬
‫قوله‪( :‬اهلل ِ)‪ ،‬هذا ع َلم عىل اهلل عز وجل‪ ،‬وال يطلق عىل غيره‪ ،‬وهو‬
‫ع َلم األعَلم‪.‬‬
‫ومعنى اهلل؛ أي‪ :‬المألوه‪ ،‬المعبود؛ يعني‪ :‬بِاسم المعبود‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل تنقسم إىل أربعة أقسام‪:‬‬ ‫وأسماء اهلل َّ‬
‫األول‪ :‬ال يجوز إطَلقه إال عليه سبحانه‪ ،‬مثل‪ :‬اهلل‪ ،‬القدوس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القسم َّ‬
‫القسم الثاين‪ :‬يطلق عىل اهلل وعىل غيره‪ ،‬مثل‪ :‬الحكيم‪ ،‬الكريم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الرب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القسم الثالث‪ :‬عند اإلطَلق ال َينصرف إال هلل عز وجل‪ ،‬وهو ّ‬
‫الرب؛ فَل يطلق إال عىل اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ّ :‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫رب المال؛‬ ‫ِ‬


‫حسب ما أضيف إليه‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬هذا ّ‬ ‫وإذا أضيف؛ فعىل‬
‫رب الدار؛ يعني‪ :‬هذا صاحب الدار‪.‬‬
‫يعني‪ :‬صاحب المال‪ ،‬أو‪ :‬هذا ّ‬
‫ِ‬
‫القسم الرابع‪ :‬يجوز إطَلقه عىل اهلل عز وجل‪ ،‬وعىل غيره‪ ،‬لكن‬
‫األَوىل عدم إطَلقه َّإال عىل اهلل‪ ،‬مثل‪ :‬الس ّيد؛ لذلك لما قِيل للنبي عليه‬
‫الس ِّيد»(‪.)1‬‬ ‫الصَلة والسَلم‪ :‬أنت سيدنا وابن س ِّيدنا فقال‪َّ « :‬‬
‫إن اهلل ه َو َّ‬
‫النبي عليه الصَلة والسَلم كنية رجل‬
‫لما غ َّير ُّ‬
‫ويف الكنى‪ :‬فمن ذلك َّ‬
‫من أبي الحكم إىل أبي شريح(‪.)2‬‬
‫هذه األقسام األربعة يف اإلطَلقات عىل اهلل عز وجل‪.‬‬

‫مطرف‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داوود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب يف كراهية التمادح‪ ،‬رقم (‪ ،)4806‬من حديث ّ‬
‫الس ِّيد ال َّله َت َب َار َك َو َت َعا َلى»‪.‬‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪َّ « :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داوود‪ ،‬كتاب األَدب‪ ،‬باب يف تغيير االسم القبيح‪ ،‬رقم (‪ ،)4955‬من حديث‬
‫ول ال َّل ِه َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‬ ‫شريح بن هانئ بن أبيه رضي اهلل عنهما‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬ل َّما َو َفدَ إِ َلى َرس ِ‬

‫َم َع َق ْومِ ِه َس ِم َعه ْم َي ْكنونَه بِ َأبِي ا ْل َح َك ِم‪َ ،‬فدَ َعاه َرسول ال َّل ِه َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ َّن ال َّل َه‬
‫اخ َت َلفوا فِي َش ْيء َأ َت ْونِي‪،‬‬ ‫ه َو ا ْل َح َكم‪َ ،‬وإِ َل ْي ِه ا ْلح ْكم‪َ ،‬فلِ َم ت ْكنَى َأ َبا ا ْل َح َك ِم؟»‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن َق ْومِي إِ َذا ْ‬
‫َف َح َك ْمت َب ْينَه ْم َف َر ِض َي كِ ََل ا ْل َف ِري َق ْي ِن‪َ ،‬ف َق َال َرسول ال َّل ِه َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ « :‬ما َأ ْح َس َن َه َذا‪،‬‬
‫َف َما َل َك مِ َن ا ْل َو َل ِد؟»‪َ ،‬ق َال‪ :‬لِي ش َر ْيح‪َ ،‬وم ْسلِم‪َ ،‬و َع ْبد ال َّل ِه‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َم ْن َأ ْك َبره ْم؟»‪ ،‬ق ْلت‪ :‬ش َر ْيح‪،‬‬
‫ْت َأبو ش َر ْيح»‪.‬‬ ‫َق َال‪َ « :‬ف َأن َ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪8‬‬

‫الر ْح َم ِن) هذا اسم من أسماء اهلل‪.‬‬


‫قوله‪َّ ( :‬‬
‫الر ِحيم) أيض ًا اسم من أسماء اهلل‪.‬‬
‫( َّ‬
‫وكَل االسمين يعودان إىل ِصفة الرمحة‪ ،‬والرمحن‪ :‬الصفة المتع ِّلقة‬
‫بذاته‪ ،‬والرحيم‪ :‬الصفة الواصلة اىل خ ْلقه‪.‬‬
‫والرمحة تنقسم إىل قِسمين‪:‬‬
‫وس َّلم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬ ‫األول‪ :‬رمحة مخلوقة؛ كما قال ُّ‬ ‫القسم َّ‬
‫احدَ ًة بين َخ ْل ِق ِه‪ ،‬و َخب َأ ِعنْدَ ه مِ َئ ًة إِ َّال و ِ‬
‫احدَ ًة‬ ‫« َخ َل َق ال َّله مِ َئ َة رحمة‪َ ،‬فو َضع و ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ‬
‫»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫القسم الثاين‪ :‬رمحة غير مخلوقة؛ وإنَّما هي صفة من صفات اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب الرجاء مع الخوف‪ ،‬رقم (‪ ،)6469‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬


‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫التوبة‪ ،‬باب يف سعة رمحة اهلل تعاىل وأهنا َسبقت غضبه‪ ،‬رقم(‪ ،)2752‬من حديث أبي‬
‫هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫الر ِحيم)‪:‬‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬
‫وقال ابن عباس(‪ )1‬رضي اهلل عنهما يف قوله ( َّ‬
‫«اسمان رقيقان ‪ -‬يعني واسعان ‪ -‬أحدمها ّ‬
‫أرق ‪ -‬يعني أوسع ‪ -‬من‬
‫اآلخر» (‪.)2‬‬
‫ألن الرحيم خاص بالمؤمنين‪ ،‬والرمحن‬ ‫فالرمحن أوسع من الرحيم؛ َّ‬
‫َان بِا ْلم ْؤمِنِي َن َر ِحيم ًا﴾‬
‫عام بجميع الناس؛ قال سبحانه‪َ ﴿ :‬وك َ‬
‫[األحزاب‪.]43:‬‬
‫الفرق بين الرمحن والرحيم؟‬
‫فإذا قيل‪ :‬ما ْ‬
‫األول‪ :‬الرمحن ال يجوز إطَلقه إال عىل اهلل‪ ،‬أ َّما الرحيم فيجوز‬
‫الفرق َّ‬
‫ْ‬
‫إطَلقه عىل اهلل وعىل غ ْير اهلل‪ ،‬فتقول‪ :‬أنت رجل رحيم‪ ،‬وال يجوز أن‬
‫تقول‪ :‬أنت رمحن أو أنت الرمحن‪.‬‬
‫رب»‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا‬
‫لكن لو أضيفت كلمة رمحن باإلضافة يجوز كـ « ّ‬
‫رمحن هذه البلدة‪ ،‬ويقال‪ :‬هذا رمحن اليمامة وهكذا‪.‬‬

‫(‪ )1‬هو‪َ :‬أبو العباس َعبد اهلل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‪ ،‬الق ِ‬
‫رش ّي‬

‫عم رسول اهلل َصىل اهلل َع َليه َ‬


‫وسلم‪ ،‬ولد قبل الهجرة بثَلث سنوات‪ ،‬وتويف سنة‬ ‫الهاشمي‪ ،‬ابن ّ‬
‫(‪68‬هـ)‪ .‬اإلصابة يف تمييز الصحابة البن حجر (‪.)228/6‬‬
‫(‪ )2‬تفسير البغوي (‪ ،)51/1‬تفسير ابن كثير (‪.)125/1‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪10‬‬

‫الفرق الثاين‪َّ :‬‬


‫أن الرمحن دال عىل الصفة المتعلقة باهلل‪ ،‬والرحيم دال‬ ‫ْ‬
‫عىل تع ِّلقها بالخ ْلق‪.‬‬
‫فمثَلً‪ :‬لو أن شخص ًا َأوشك عىل الهَلك ثم عويف؛ فتقول‪ :‬هذا‬
‫َ‬
‫رجل تداركتْه رمحة اهلل‪.‬‬
‫فالرمحن دال عىل اهلل‪ ،‬والرحيم َأثر هذه الرمحة عىل المخلوق‪.‬‬
‫أن اسم الرمحن أوسع‪ ،‬مِثلما قال ابن عباس رضي اهلل‬ ‫الفرق الثالث‪َّ :‬‬
‫ْ‬
‫عنهما عن الرمحن‪ ،‬فهو شامل للكفار وللمؤمنين‪ ،‬وأ َّما الرحيم فهو خاص‬
‫ين َر ِحيم ًا﴾ [األحزاب‪.]43:‬‬‫ِِ‬
‫َان بِا ْلم ْؤمن َ‬
‫بالمؤمنين؛ كما قال سبحانه‪َ ﴿ :‬وك َ‬
‫فاسم الرمحن عام للجميع يف الدنيا‪ ،‬وأ َّما الرحيم خاص باآلخرة‬
‫فقط‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الرمحن اسم تع ُّلقه بالصفة بالدنيا واآلخرة‪ ،‬أ َّما‬
‫شئت َ‬
‫لذلك إن َ‬
‫الرحيم فقط اسم تع ُّلقه يكون مع الدنيا لآلخرة أيض ًا‪ ،‬فالرحيم خاص‬
‫فقط بالمؤمنين يف اآلخرة‪.‬‬
‫قال‪( :‬كِ َتاب الت ْو ِح ِ‬
‫يد)‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪11‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫الج ْمع(‪ُّ ،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فكل من َجمع‬ ‫(ك َتاب) الكتاب مأخوذ من ال َكتْب وهو َ‬
‫شيئ ًا يقال له كتَبه‪.‬‬
‫فمن َجمع مثَلً تمر ًا‪ ،‬يقال‪ :‬هذا مكتوب من التمر‪ ،‬وكذا من َجمع‬
‫الحروف وصنَّف يقال‪ :‬هذا كِتاب‪.‬‬
‫وجرت عادة المصنِّفين من العلماء أن يضعوا األكبر‪ :‬الكِتاب ثم‬ ‫َ‬
‫فجعل‬ ‫ِ‬
‫الباب ثم المسألة‪ ،‬وهذا ما َصنعه المصنِّف رمحه اهلل يف كتابه هذا؛ َ‬
‫ووضع مسائل يف هناية ِّ‬ ‫ِ‬
‫كل باب‪.‬‬ ‫كتاب ًا هو أ ّم األبواب فيما بعده‪َ ،‬‬
‫يد) يعني‪ :‬هذا كتاب َأذكر فيه ما هو الواجب يف‬ ‫ثم قال‪( :‬الت ْو ِح ِ‬
‫َّ‬
‫توحيد اهلل عز وجل‪.‬‬
‫يوحد توحيد ًا(‪.)2‬‬
‫وحد ِّ‬
‫والتوحيد لغة‪ :‬مصدر َّ‬
‫وجل بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته(‪.)3‬‬ ‫وشرع ًا‪ :‬إفراد اهلل َّ‬
‫عز َّ‬

‫(‪ )1‬الصحاح للجوهري (‪.)208/1‬‬


‫(‪ )2‬تاج العروس للزبيدي (‪.)266/9‬‬
‫(‪ )3‬أصول الدين اإلسَلمي للشيخ محمد بن عبد الوهاب (‪.)5/1‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪12‬‬

‫وهو ينقسم إىل ثَلثة أقسام‪ ،‬وتقسيمه استقر َأه السلف رمحهم اهلل يف‬
‫يصح أن نَجعل قِسم ًا يف التوحيد؛‬
‫ّ‬ ‫ظهر مخالف‬ ‫ظهور المخالفين‪ ،‬فإذا َ‬
‫للر ّد عليه‪.‬‬
‫األول‪ :‬وهو أصل األقسام كلها‪ ،‬وهو توحيد الربوبية‪ :‬وهو‬ ‫ِ‬
‫القسم َّ‬
‫المدبر‬
‫ِّ‬ ‫إفراد اهلل بأفعاله سبحانه وتعالى؛ أي‪ :‬إثبات َّ‬
‫أن اهلل الخالق الرازق‬
‫المحيي المميت وهكذا(‪ ،)1‬فَل نقول‪ :‬الذي يحيي هو غير اهلل‪ ،‬وال‬
‫نقول‪ :‬الذي يميت هو غير اهلل‪.‬‬
‫فمن قال مثَلً‪َّ :‬‬
‫أن اهلل هو الذي ينزل المطر‪.‬‬ ‫َ‬
‫نسبت هذا‬
‫َ‬ ‫فردت اهلل بفعله؛ فالفعل إنزال المطر‪ ،‬وأنت‬
‫َ‬ ‫نقول‪ :‬أنت َأ‬
‫اإلنزال هلل؛ فهذا توحيد الربوبية‪.‬‬
‫وتوحيد الربوبية مل ي ِ‬
‫نازع به أحد‪ ،‬فأبو جهل و َمن معه من كفار‬
‫قرون هبذا التوحيد؛ ألنّه ال يمكن‬ ‫قريش و َمن َقبلهم‪ ،‬و َمن بعدهم؛ ي ُّ‬
‫إنكاره؛ لهذا قال سبحانه‪﴿ :‬و َلئِن س َأ ْلتَهم من َخ َل َق السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر َض‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫الش ْم َس َوا ْل َق َم َر َل َيقول َّن ال َّله َف َأنَّى ي ْؤ َفك ْو َن﴾ [العنكبوت‪ ،]61:‬وقال‪:‬‬
‫َو َس َّخ َر َّ‬

‫(‪ )1‬تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد اهلل (‪.)17/1‬‬


‫‪13‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫ض ق ِل ال َّله َوإِنَّا َأ ْو إِ َّياك ْم َل َع َلى‬ ‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫﴿ق ْل من يرزقكم مِن السماو ِ‬
‫ْ َ َّ َ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫هدً ى َأ ْو فِي َض ََلل مبِين﴾ [سبأ‪ ،]24:‬وقال‪َ ﴿ :‬و َلئِ ْن َس َأ ْلتَه ْم َم ْن َخ َل َق‬
‫ات َو ْاألَ ْر َض َل َيقول َّن ال َّله ق ِل ا ْل َح ْمد ل ِ َّل ِه َب ْل َأ ْك َثره ْم َال َي ْع َلم ْو َن﴾‬
‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫[لقمان‪ ،]25:‬فهم ال ينكرون توحيد الربوبية‪.‬‬
‫ويسمى‪« :‬توحيد المعرفة واإلثبات»؛ يعني‪ :‬توحيد معرفة اهلل‪،‬‬
‫َّ‬
‫وتوحيد إثبات َّ‬
‫بأن الرب موجود سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫الجنَّة والنجاة من النَّار؛ بل ال‬
‫وتوحيد الربوبية ال َيكفي يف دخول َ‬
‫بدّ من اإلتيان بنوعي التوحيد معه ‪ -‬توحيد األلوهية وتوحيد األسماء‬
‫والصفات ‪.-‬‬
‫يسمى‪« :‬التوحيد َ‬
‫الخ َبري»؛ يعني‪ :‬تخبر عن اهلل‬ ‫وتوحيد الربوبية َّ‬
‫بأن الذي َأنزل المطر هو اهلل‪.‬‬
‫َّ‬
‫بأن اهلل هو الذي َأنزل‬
‫عرفت َّ‬
‫َ‬ ‫ويسمى‪« :‬توحيد المعرفة» فأنت‬
‫َّ‬
‫المطر‪.‬‬
‫فيسمى‪ :‬توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد المعرفة‪ ،‬وتوحيد اإلثبات‪.‬‬
‫َّ‬
‫والدليل عىل َّ‬
‫أن توحيد الربوبية هو األصل يف التوحيد؛ قوله‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ق ْل َأعوذ بِ َر ِّب ال َف َل ِق﴾ [الفلق‪﴿ ،]1:‬ق ْل َأعوذ بِ َر ِّب الن ِ‬
‫َّاس﴾‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪14‬‬

‫[الناس‪ ،]1:‬هذه يف توحيد الربوبية‪﴿ ،‬إِ َل ِه الن ِ‬


‫َّاس﴾ [الناس‪ ]3:‬هذه يف توحيد‬
‫األلوهية‪.‬‬
‫ومجيع أقسام التوحيد ‪ -‬من توحيد الذات‪ ،‬أو توحيد الطاعة ‪-‬؛‬
‫ك ُّلها َترجع إىل توحيد الربوبية؛ فتوحيد الربوبية هو األ ُّم يف التوحيد‪.‬‬
‫ِ‬
‫القسم الثاين‪ :‬توحيد األلوهية‪ :‬وهو إفراد اهلل بأفعال العباد(‪)1‬؛ أي‪:‬‬
‫كل طاعة تفردها هلل خالص ًة له‪.‬‬
‫أن ن ّيتك يف ِّ‬
‫َّ‬
‫فرد عملك كالصَلة – مثَلً ‪ -‬تجعلها خالصة هلل ال تجعلها‬ ‫يعني‪ :‬ت ِ‬
‫الثنين ‪ -‬اهلل وغير اهلل ‪-‬؛ لذلك قال سبحانه‪﴿ :‬و َق َال ال َّله َال َتت ِ‬
‫َّخذوا إِ َل َه ْي ِن‬ ‫َ‬
‫ا ْثنَ ْي ِن﴾ [النحل‪ ،]51:‬وإنَّما ي َ‬
‫فرد‪ ،‬فتص ِّلي هلل‪ ،‬و َتقرأ القرآن هلل‪.‬‬
‫أفردت فِعلك هلل‪ ،‬فهذا توحيد األلوهية‪ :‬إفراد اهلل بأفعال العباد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فهنا‬
‫العلم من أجل اهلل؛ هذا إفراد اهلل ِبفعل العبد وهو طلب‬
‫وكذا َتطلب ِ‬

‫وأفردت اهلل بالقصد بقلبك فهذا هو توحيد األلوهية‪.‬‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫العلم‪،‬‬
‫ويسمى توحيد األلوهية‪« :‬التوحيد ال َّط َلبِي»؛ يعني‪ :‬تطلب بعبادتك‬
‫وجه اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبدالوهاب (‪.)19/1‬‬


‫‪15‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫ويسمى‪« :‬التوحيد اإلرادي»؛ يعني‪ :‬ال تريد إال اهلل‪.‬‬

‫ويسمى‪« :‬توحيد القصد»؛ يعني‪َ :‬تقصد هبذه الطاعة ْ‬


‫وجه اهلل‪.‬‬
‫وجل الرسل وإال‬ ‫عز َّ‬ ‫أجله ب َعث اهلل َّ‬ ‫ِ‬
‫وتوحيد األلوهية هو الذي من ْ‬
‫فكانت األرض عىل التوحيد؛ لذلك قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َال ت ْف ِسدوا فِي‬
‫ض َب ْعدَ إِ ْص ََل ِح َها﴾ [األعراف‪]56:‬؛ يعني‪ :‬ال تفسدوا يف األرض‬‫ْاألَ ْر ِ‬

‫بالشرك بعد أن كانت صالح ًة بالتوحيد‪.‬‬


‫عز َّ‬
‫وجل الرسل من نوح إىل محمد‬ ‫ولما َوقع الشرك فيها َبعث اهلل َّ‬
‫َّ‬
‫عليهم الصَلة والسَلم؛ لبيان هذا التوحيد؛ لذلك قال سبحانه‪:‬‬
‫الر ْح َم ِن آل ِ َه ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َأ ْل َم ْن َأ ْر َس ْلنَا م ْن َق ْبل َك م ْن رسلنَا َأ َج َع ْلنَا م ْن دون َّ‬ ‫﴿ َو ْ‬
‫ون﴾ [الزخرف‪ ،]45:‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َما َأ ْر َس ْلنَا مِ ْن َق ْبلِ َك مِ ْن َرسول‬ ‫ي ْع َبد َ‬
‫ون﴾ [األنبياء‪ ،]25:‬وقال سبحانه‪:‬‬ ‫اعبد ِ‬
‫وحي إِ َل ْي ِه َأنَّه َال إِ َل َه إِ َّال َأنَا َف ْ‬
‫إِ َّال ن ِ‬

‫اجتَنِبوا ال َّطاغ ْو َت﴾‬ ‫﴿و َل َقدْ بع ْثنَا فِي ك ِّل أمة رسو ً ِ‬
‫ال َأن ا ْعبدوا ال َّل َه َو ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫وجل عن نوح‪َ ﴿ :‬و َل َقدْ َأ ْر َس ْلنَا نوح ًا إِ َلى َق ْومِ ِه‬ ‫عز َّ‬ ‫[النحل‪ ،]36:‬وقال اهلل َّ‬
‫اعبدوا ال َّل َه َما َلك ْم مِ ْن إِ َله َغ ْيره َأ َف ََل َتتَّق ْو َن﴾ [المؤمنون‪.]23:‬‬
‫َف َق َال َيا َق ْو ِم ْ‬
‫ُّ‬
‫فكل اآليات السابقة ما فيها توحيد ربوبية‪ ،‬وإنَّما يدعوهنم إىل‬
‫قرون بتوحيد الربوبية‪.‬‬
‫توحيد األلوهية؛ ألهنم ي ُّ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪16‬‬

‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وإِ َلى َعاد َأ َخاه ْم هود ًا َق َال َيا َق ْو ِم ا ْعبدوا ال َّل َه َما‬
‫ِ‬
‫َلك ْم م ْن إِ َله َغيْره َأ َف ََل َتتَّق َ‬
‫ون﴾ [األعراف‪.]65:‬‬

‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وإِ َلى َثمو َد َأ َخاه ْم َصالِح ًا َق َال َيا َق ْو ِم ْ‬


‫اعبدوا ال َّل َه‬
‫َما َلك ْم مِ ْن إِ َله َغ ْيره﴾ [األعراف‪.]73:‬‬
‫أجل توحيد األلوهية‪ ،‬وهو الذي وقعت‬ ‫ِ‬
‫فجميع دعوة الرسل من ْ‬
‫فيه الخصومة بين الرسل وأقوامهم‪ ،‬وهو أكثر ِش ْرك العالمين؛ وهو دعاء‬
‫والج ِّن وغير ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مع اهلل غيره كاألموات‬
‫ِ‬
‫القسم الثالث‪ :‬توحيد األسماء والصفات‪.‬‬
‫رب ًا فتثبت أنه‬ ‫وهو يف أصله عائد إىل توحيد الربوبية؛ أي‪ :‬إذا َأ َّ‬
‫ثبت ّ‬
‫سميع بصير عليم حكيم وهكذا‪.‬‬
‫س َّلم‬ ‫ِ‬ ‫وهو إثبات ما َأثبته اهلل ْ‬
‫لنفسه‪ ،‬وما أثبته رسوله َص َّلى اهلل َعليه و َ‬
‫متثيل‪ ،‬ون ْفي ما نفاه اهلل‬ ‫ٍ‬
‫تكييف‪ ،‬وَّل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تعطيل‪ ،‬ومن غير‬ ‫ٍ‬
‫حتريف‪ ،‬وَّل‬ ‫من غير‬
‫نفسه وما نفاه عنه رسوله عليه الصَلة والسَلم(‪.)1‬‬
‫وجل عن ْ‬
‫َّ‬ ‫عزَّ‬

‫(‪ )1‬تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد اهلل (‪.)19/1‬‬


‫‪17‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫حرف المعنى فأقول اليد‪ :‬النعمة؛ وإنما أثبت‬ ‫ٍ‬


‫من غير حتريف‪ :‬ما أ ِّ‬
‫اليد هلل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫تعطيل‪ :‬فَل أقول‪ :‬إن اهلل ال َيسمع مثَلً‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك‪.‬‬ ‫وَّل‬
‫ٍ‬
‫تكييف‪ :‬ال أثبت صف ًة هلل عىل تكييفي‪ ،‬فَل أقول مثَلً‪ :‬يد‬ ‫ومن غير‬
‫اهلل مِثل يد فَلن تعاىل اهلل عن ذلك‪ ،‬أو يد اهلل مِثل كذا؛ هذا التكييف‪ ،‬أو‬
‫أقول‪ :‬يد اهلل ِ‬
‫كيف َّيتها كذا وكذا فأ َك ِّيفها من غير تمثيل بمخلوق‪.‬‬
‫وَّل ٍ‬
‫متثيل‪ :‬ال أم ِّثل هذه الصفة بشيء من المخلوقات فأقول مثَلً‪:‬‬
‫سمع فَلن‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك وهكذا‪.‬‬
‫سمع اهلل مثل ْ‬
‫ْ‬
‫وهذا التوحيد مقر به إبليس؛ قال سبحانه عنه‪َ ﴿ :‬ق َال َفبِ ِع َّزتِ َك﴾‪،‬‬
‫أج َم ِع ْي َن﴾ [ص‪.]82:‬‬ ‫﴿أل ْغ ِو َينَّه ْم ْ‬
‫َأث َبت صفة من صفات اهلل وهي العزة‪َ ،‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪18‬‬

‫و َك َفر هبذا التوحيد الجهم ّية(‪ ،)1‬وما تفرع منهم كالمعتزلة(‪،)2‬‬


‫واألشاعرة(‪ ،)3‬والمات ِر ِ‬
‫يد ّية(‪ ،)4‬وغيرهم‪.‬‬
‫موحد ًا إال إذا أتى بجميع هذه األنواع الثَلثة‪.‬‬
‫وال يكون العبد ِّ‬
‫مقر ًا بتوحيد الربوبية بأن اهلل هو الخالق الرازق‬
‫فَل َيكفي أن يكون ّ‬
‫المدبر‪ ،‬وي ُّ‬
‫خل بتوحيد األلوهية فيطوف عىل القبر مثَلً‪.‬‬
‫المدبر‬
‫ِّ‬ ‫موحد ًا‪ ،‬فيقر بأن اهلل هو الخالق الرازق‬
‫وال يكون الشخص ِّ‬
‫ويص ِّلي هلل و َيعبد اهلل‪ ،‬ولكن يقول ليس هلل أسماء وال صفات ‪ -‬تعاىل اهلل‬
‫عن ذلك ‪.-‬‬

‫(‪ )1‬الجهمية‪ :‬هم أتباع جهم بن صفوان‪ .‬الفرق بين الفرق للبغدادي (ص‪ ،)199‬الملل‬
‫والنحل للشهرستاين (‪.)86/1‬‬
‫(‪ )2‬المعتزلة ‪ :‬هم أصحاب واصل بن عطاء الغزايل‪ ،‬اعتزل عن مجلس الحسن البصري‪.‬‬
‫التعريفات للجرجاين (ص ‪ ،)222‬الملل والنحل للشهرستاين (‪.)43/1‬‬
‫(‪ )3‬األشعرية‪ :‬هم أصحاب أبي الحسن عيل بن إسماعيل األشعري‪ .‬الملل والنحل‬
‫والشهرستاين (‪.)94/1‬‬
‫مرت بعدة مراحل‪،‬‬
‫(‪ )4‬الماتريدية‪ :‬هم فرقة كَلمية تنسب إىل أبي منصور الماتريدي‪ ،‬وقد َّ‬
‫مؤسسها‪ .‬الموسوعة الميسرة يف األديان والمذاهب‬
‫ومل تعرف هبذا االسم إال بعد وفاة ِّ‬
‫واألحزاب المعاصرة (‪.)95/1‬‬
‫‪19‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫لذلك قال سبحانه‪َ ﴿ :‬ول ِ َّل ِه ْاألَ ْس َماء ا ْلح ْسنَى َفا ْدعوه بِ َها َو َذروا‬
‫ون﴾ [األعراف‪،]180:‬‬ ‫ون فِي َأ ْس َمائِ ِه َسي ْج َز ْو َن َما كَانوا َي ْع َمل َ‬
‫ين ي ْل ِحد َ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫لحدين حتى ولو أتوا بتوحيد الربوبية أو بتوحيد األلوهية‪.‬‬ ‫فسماهم م ِ‬
‫َّ‬
‫وتوحيد الربوبية َيلزم منه توحيد األلوهية؛ ومعنى هذا الكَلم‪ :‬أ َّن‬
‫يقر َّ‬
‫أن اهلل هو الذي َيرزقه ويميته ويحييه؛ ف َيلزم من ذلك‬ ‫الشخص إذا كان ُّ‬
‫أن يعبده‪.‬‬
‫متضمن لتوحيد الربوبية؛ يعني‪َّ :‬‬
‫أن الشخص إذا‬ ‫ِّ‬ ‫وتوحيد األلوهية‬
‫أثبت وجود اهلل‪.‬‬
‫قال‪« :‬يا اهلل» فمعناه َ‬
‫خلت الغرفة فمعنى ذلك أنَّك دخلت البيت؛ َّ‬
‫ألن الغرفة‬ ‫مثل‪ :‬لو َد َ‬
‫داخل البيت‪.‬‬
‫أثبت أن اهلل‬ ‫ِ‬
‫مستلزم لتوحيد األلوهية؛ يعني‪ :‬إذا َّ‬ ‫وتوحيد الربوبية‬
‫ينزل المطر؛ َيلزم منك َّأال َتعبد إال اهلل سبحانه وتعاىل؛ قال ابن الق ِّيم رمحه‬
‫متضمنة للتوحيد‪ ،‬شاهدة به‪ ،‬داعية إليه»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫اهلل‪ُّ « :‬‬
‫كل آية يف القرآن فهي‬
‫الجنَّة؛ ألمهية التوحيد‪.‬‬ ‫أهل ِ‬
‫العلم عىل َّ‬ ‫و َأمجع ْ‬
‫الموحد مآله َ‬
‫ِّ‬ ‫أن‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكين (‪.)417/3‬‬


‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪20‬‬

‫وتعريف الشرك‪ :‬دعوة غيرِ اهلل معه‪.‬‬


‫فمثَلً‪ :‬لو قال شخص‪ :‬يا فَلن ‪ -‬صاحب القبر – ارزقني؛ فهو دعاء‬
‫مع اهلل غيره‪.‬‬
‫أو قال‪ :‬يا صاحب القبر اغفر يل ‪ -‬والعياذ باهلل ‪-‬؛ فهذا دعاء مع اهلل‬
‫غيره‪ ،‬وهذا شرك‪.‬‬
‫وهذا التعريف ‪ -‬وهو‪ :‬دعوة غير اهلل معه ‪-‬؛ ْ‬
‫أخصر تعريف للشرك‪،‬‬
‫و َذكره الشيخ رمحه اهلل يف األصول الثَلثة(‪.)1‬‬
‫وتعريف آخر ومعناه مِثله‪ ،‬وهو‪ :‬مساواة غير اهلل باهلل فيام هو من‬
‫خصائص اهلل(‪.)2‬‬

‫صرف إال هلل‪ ،‬وأنا َأصرفها‬


‫«مساواة غير اهلل باهلل»؛ يعني‪ :‬عبادة ال ت َ‬
‫لغيره‪ ،‬وهذه العبادة ال تصرف إال هلل‪ ،‬فمن َصرف لغير اهلل؛ فقد َوقع يف‬
‫الشرك األكبر‪.‬‬

‫األول‪ ،‬األصول الثَلثة (ص‪.)47‬‬


‫(‪ )1‬متون طالب العلم‪ ،‬المستوى َّ‬
‫(‪ )2‬حاشية كتاب التوحيد لعبد الرمحن بن قاسم )‪.)15/1‬‬
‫‪21‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫كل باب نصوص ًا‪ ،‬ورتبها ترتيب ًا بديع ًا؛‬


‫والشيخ رمحه اهلل َوضع يف ِّ‬
‫أن ترتيبه لآليات ليس َجمع ًا فقط؛ وإنما‬ ‫نص حكم ًا؛ أي‪َّ :‬‬ ‫َيقصد مِن ِّ‬
‫كل ِّ‬
‫ور َّتبها كما سيأيت يف مقاصد الشيخ رمحه اهلل‪.‬‬
‫َجمعها َ‬
‫ويف َّأول هذا الكِتاب – كِتاب التوحيد ‪ -‬ساق المصنِّف رمحه اهلل‬
‫مخس آيات وأ َثر ًا وحديث ًا‪.‬‬
‫ِ‬
‫قوله‪َ ( :‬و َق ْول ال َّله َت َعا َلى) ( َق ْول) َي ُّ‬
‫صح بالرفع عىل أنَّه خبر لمبتدأ‬
‫محذوف ‪ -‬وهذا قول اهلل ‪ ،-‬أو‪ :‬قول اهلل كذا‪.‬‬
‫صح بالجر عىل أنَّه معطوف عىل التوحيد‪.‬‬ ‫و َي ُّ‬
‫ون﴾)‪ ،‬استَفتح المصنِّف‬‫اْل ْن َس إِ ََّّل لِ َي ْعبد ِ‬
‫ج َّن َو ْ ِ‬
‫قوله‪َ ﴿( :‬و َما َخ َل ْقت ا ْل ِ‬

‫الحكمة مِن خ ْلق اإلنس والج ِّن‪َّ ،‬‬


‫وأن اهلل‬ ‫رمحه اهلل كتابه هبذه اآلية؛ لبيان ِ‬

‫عز َّ‬
‫وجل من أجله وهو‬ ‫ما َخلقك إال للتوحيد‪ ،‬تعرف ما الذي خلقك اهلل َّ‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫ل َي ْعبدون﴾) [الذاريات‪]56:‬؛‬
‫اْل ْن َس إِ ََّّل ِ‬
‫ج َّن َو ْ ِ‬
‫(﴿و َما َخ َل ْقت ا ْل ِ‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫ليوحدوين‪.‬‬‫يعني‪ :‬وما خلقتهم إال آلمرهم أو أهناهم؛ ِّ‬
‫األول‪ ،‬وط َلب من الخ ْلق فِعل الثاين‪.‬‬ ‫عز َّ‬
‫وجل ف َعل َّ‬ ‫فاهلل َّ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪22‬‬

‫ويقال‪ِ :‬‬
‫الحكمة من خ ْلق الخ ْلق العبادة‪ ،‬وال يقال‪ :‬المصلحة من‬
‫خ ْلق الخ ْلق العبادة‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‬ ‫فكأن اهلل َينتفع بعبادة الخ ْلق؛ واهلل َّ‬
‫َّ‬ ‫فإذا قيل‪ :‬المصلحة؛‬
‫غني عن عباده‪ ،‬فهو خ َلقهم ال ليستكثر هبم من ق َّلة‪ ،‬وال َّ‬
‫ليتقوى هبم من‬
‫َضعف؛ وإنما خلقهم ِ‬
‫لحكمة‪ ،‬هي‪ :‬أن يعبدوه‪ ،‬وهم إن َق َّصروا يف عبادته‬ ‫ْ‬
‫تضررون من ذلك‪.‬‬
‫سبحانه فهم الذين َي َّ‬
‫أن َّ‬
‫كل واحد محتاج هلل سبحانه وال يستغني عنه طرفة‬ ‫فدل عىل َّ‬
‫َّ‬
‫الجنَّة‪ ،‬و َمن َأشرك به غيره َّ‬
‫عذبه‬ ‫لكرمه عىل عبده َأدخله َ‬
‫َعين‪ ،‬واهلل َ‬
‫سبحانه وتعاىل بعدْ له‪.‬‬
‫اْل ْن َس إِ ََّّل لِ َي ْعبدون﴾)‪ ،‬قال ابن عباس‬
‫ج َّن َو ْ ِ‬
‫(﴿و َما َخ َل ْقت ا ْل ِ‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫رضي اهلل عنهما‪ُّ « :‬‬
‫كل آية َوردت يف كتاب اهلل يعبدون؛ يعني‪:‬‬
‫يوحدون»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫أجل التوحيد؛ يجب أن َتعلم ما هو‬
‫فإذا كان اهلل َخلقك من ْ‬
‫التوحيد‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)385/1‬‬


‫‪23‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫قوله‪( :‬إِ ََّّل لي ْعبد ْو ِن﴾)؛ قال ابن عباس‪ :‬إال ليوح ِ‬
‫دون(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫أجل أن نستعين هبا‬ ‫عز َّ‬
‫وجل أعطانا الهواء والماء والرزق؛ من ْ‬ ‫فاهلل َّ‬
‫عىل توحيد اهلل‪.‬‬
‫﴿و َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ك ِّل أ َّم ٍة َرسو ً‬
‫َّل َأ ِن ْاعبدوا ال َّل َه‬ ‫ثم قال رمحه اهلل‪َ ( :‬و َق ْوله‪َ :‬‬
‫اج َتنِبوا ال َّطاغ ْو َت﴾ اآل َي َة)‪ ،‬ساقها رمحه اهلل؛ لبيان َّ‬
‫أن مجيع الرسل َب َّينوا‬ ‫َو ْ‬
‫ألقوامهم التوحيد‪ ،‬و َأمروهم به‪ ،‬و َنهوهم عن الشرك؛ َّ‬
‫فدل عىل أمهية‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل الجن‬ ‫أن دعوة الرسل مجيع ًا ِ‬
‫للحكمة التي خلق اهلل َّ‬ ‫وب َّين َّ‬
‫واإلنس لها‪ ،‬وهي العبادة‪.‬‬
‫ِ‬
‫أجل‬‫فهنا يقول لك المصنِّف‪ :‬اهلل َخلقك للعبادة‪ ،‬والرسل بعثوا من ْ‬
‫َّل) [النحل‪.]36:‬‬ ‫﴿و َل َق ْد َب َع ْث َنا فِي ك ِّل أ َّم ٍة َرسو ً‬
‫بيان هذه العبادة؛ لذلك قال‪َ ( :‬‬
‫وجل أنَّه مل َيدَ ْع أ َّم ًة إال و َأرسل إليها رسو ً‬
‫ال‬ ‫عز َّ‬
‫فضل اهلل َّ‬‫وهذا مِن ْ‬
‫من ِجنسها؛ بل من لساهنم؛ لذلك قال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َما َأ ْر َس ْلنَا مِ ْن َرسول‬
‫ان َق ْومِ ِه لِي َب ِّي َن َله ْم﴾ [إبراهيم‪.]4:‬‬
‫إِ َّال بِلِس ِ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)554/21‬‬


‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪24‬‬

‫وجعلهم من ِجنْسه فلم يبعث لإلنس رسو ً‬


‫ال من الج ِّن؛ وإنَّما َبعث‬ ‫َ‬
‫ال من أنفسهم؛ يك ِّلمهم ويكلمونه‪ ،‬ويجالسهم ويجالسونه‪،‬‬
‫لهم رسو ً‬
‫ويؤاكلهم ويؤاكلونه‪ ،‬ويسألهم ويسألونه‪ ،‬و َيتَّبعونه‪ ،‬و َيقتفون أثره‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫ال؛ وهذا من‬ ‫ولو كان هناك بلدة ك ُّلهم صالحون ل َبعث إليهم رسو ً‬
‫ض َم ََلئِ َكة‬
‫َان فِي ْاألَ ْر ِ‬
‫رمحة اهلل وكرمِه؛ لذلك قال سبحانه‪﴿ :‬ق ْل َل ْو ك َ‬
‫ون م ْطمئِنِّين َلن ََّز ْلنَا َع َلي ِهم مِن السم ِ‬
‫اء َم َلك ًا َرسو ً‬
‫ال﴾ [اإلسراء‪.]95:‬‬ ‫ْ ْ َ َّ َ‬ ‫َي ْمش َ َ َ‬
‫فكل مجتمع يحتاج إىل داعية حتى‬ ‫وهذا من رمحة اهلل ولطفه بعباده؛ ُّ‬

‫ال َأ ِن ْ‬
‫اعبدوا ال َّل َه‬ ‫﴿و َل َقدْ َب َع ْثنَا فِي ك ِّل أ َّمة َرسو ً‬
‫ولو كانوا صالحين‪َ ،‬‬
‫وت﴾ [النحل‪.]36:‬‬ ‫اجتَنِبوا ال َّطاغ َ‬
‫َو ْ‬
‫وكل داعية ‪ -‬فضَلً عن غيره ‪ -‬يحتاج إىل صحبة صالحة‪ ،‬حتى‬
‫احبِ ِه‬
‫أن لهم صحب ًة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬إِ ْذ يقول لِص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وجل َّ‬ ‫الرسل َأخبر اهلل َّ‬
‫عز َّ‬
‫َال َت ْح َز ْن إِ َّن ال َّل َه َم َعنَا﴾ [التوبة‪.]40:‬‬
‫فالتوحيد ال يكون إال بنفي وإثبات‪ ،‬ومها ركنا التوحيد؛ لو َّ‬
‫اختل‬
‫موحد ًا‪.‬‬
‫أحدمها مل يكن الشخص ِّ‬
‫‪25‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫لذلك قال‪َ :‬‬


‫(أ ِن ْ‬
‫اعبدوا ال َّل َه)‪ ،‬يعني‪َ :‬أفردوا العبادة هلل‪ ،‬وهذا ال َيكفي‬
‫وت﴾)؛ يعني‪ :‬البدَّ أن يكفر بالطاغوت‬ ‫اج َتنِبوا ال َّطاغ َ‬‫(و ْ‬
‫يف التوحيد؛ بل َ‬
‫‪ -‬وهو ما عبد من دون اهلل ‪.-‬‬
‫والشرع ليس من مقاصده إقامة العبادة فقط؛ وإنَّما أن تخ َلص‬
‫وجل َّ‬
‫بأن الكفار َيتع ّبدون اهلل‪ ،‬لكنهم مل‬ ‫العبادة هلل؛ ولهذا َأخبر اهلل َّ‬
‫عز َّ‬
‫ال صالح ًة؛ قال‬ ‫يخلصوا العبادة له؛ فذ ّموا حتى ولو كانوا َيعملون أعما ً‬
‫ين َك َفروا ين ِْفق َ‬
‫ون َأ ْم َوا َله ْم﴾ [األنفال‪ ،]36:‬فهذه عبادة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سبحانه‪﴿ :‬إِ َّن ا َّلذ َ‬
‫ون ي َقاتِلونَك ْم﴾‬‫ومن العبادات‪ :‬القتال‪ ،‬واهلل يقول‪َ ﴿ :‬و َال َي َزال َ‬
‫حمد العبادة لوحدها‪.‬‬
‫[البقرة‪ ،]217:‬فَل ت َ‬
‫وكذلك َذكر عن المنافقين‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬و َما َمنَ َعه ْم َأ ْن ت ْق َب َل مِنْه ْم‬
‫َن َف َقاته ْم إِ َّال َأنَّه ْم َك َفروا بِال َّل ِه َوبِ َرسول ِ ِه﴾ [التوبة‪ ،]54:‬فهم ي ِنفقون ومع ذلك‬
‫مل تقبل منهم النفقة؛ َّ‬
‫ألن المقصود من العبادة هو إفراد اهلل بالعبادة‪ ،‬لكنَّه‬
‫التبرؤ من عبادة غير اهلل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫اختل عندهم فذموا؛ فَل بدَّ من ُّ‬
‫فلو قال شخص‪َّ :‬‬
‫إن اهلل واحد‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ما يكفي؛ بل يجب أن َت ِزيد َّ‬
‫أن َّ‬
‫كل معبود غير اهلل فعبادته‬
‫باطله‪.‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪26‬‬

‫وقال‪َ ( :‬و َق ْوله َت َعا َلى‪﴿ :‬ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا‬
‫﴿و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه﴾ اآل َي َة)‪.‬‬ ‫بِ ِه َش ْيئ ًا﴾ إِ َلى َق ْولِ ِه‪َ :‬‬
‫محرم نَهى عنه الرسل هو الشرك؛‬ ‫ساقها رمحه اهلل؛ لبيان َّ‬
‫أن َّأول َّ‬
‫وأول ما َيدعون إليه التوحيد؛ ألمهيته‪.‬‬
‫لخطورته‪َّ ،‬‬
‫﴿و َق َضى َر ُّب َك َأ ََّّل َت ْعبدوا إ ِ ََّّل إِ َّياه َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾‬
‫قال‪َ ( :‬و َق ْوله‪َ :‬‬
‫وأول واجب يجب أن يفعله‬ ‫اآل َي َة) ساقها رمحه اهلل؛ لبيان َّ‬
‫أن َّأول حق هلل‪َّ ،‬‬
‫العبد؛ هو عبادة اهلل‪ ،‬أي‪ :‬توحيد اهلل‪َّ ،‬‬
‫فدل عىل أمهية التوحيد‪.‬‬

‫﴿و َق َضى) يعني‪ :‬أ َمر َّ‬


‫ووصى‪.‬‬ ‫( َ‬
‫والمراد بالقضاء هنا القضاء الشرعي الديني؛ يعني‪ :‬أنَّه واجب عىل‬
‫مجيع الخ ْلق أن يؤ ُّدوا هذا األمر‪ ،‬فمن مل يؤ ِّده؛ أثِم لذلك؛ قال‪َ :‬‬
‫(﴿و َق َضى)‬
‫شرع ًا ودين ًا‪.‬‬
‫(أ ََّّل َت ْعبدوا إِ ََّّل إِ َّياه َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾)؛ يعني‪ :‬يجب عليكم ( َأ ََّّل‬
‫َ‬

‫عز َّ‬
‫وجل‬ ‫َت ْعبدوا إِ ََّّل إِ َّياه)‪َّ ،‬‬
‫فأول األوامر التي َصدرت هي وحدانية اهلل َّ‬
‫وحده‪.‬‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫فدل عىل أن أعظم األوامر هو التوحيد‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫فلو أتى شخص إىل قوم يعبدون ضريح ًا وهم ال يص ُّلون؛ نقول‪ :‬ال‬
‫ال‪ ،‬وإنما َّأو ً‬
‫ال يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن‬ ‫ِ‬
‫يأت ويأمرهم بالصَلة َّأو ً‬
‫الشرك‪ ،‬ثم بعد ذلك بق َّية األوامر؛ ألن أوجب الواجبات التوحيد‪.‬‬
‫وأول ما َتدخل هذا المكان يقال لك‪:‬‬
‫كنت يف مكان‪َّ ،‬‬
‫فمثَلً‪ :‬لو َ‬
‫اجلِس يف ذاك المكان‪ ،‬وابتَعد عن ذاك المكان‪َّ ،‬‬
‫فإن ذاك المكان فيه‬
‫فأول أوامر اهلل يف‬
‫أي أمر آخر‪َّ ،‬‬ ‫حيوانات مثَلً ِ‬
‫مفترسة‪ ،‬فما يقال لك ُّ‬
‫العبادات مجيع ًا هو التوحيد والتحذير من ضدِّ ه؛ َّ‬
‫فدل عىل أمهيته‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك بقية الشرائع؛ وبالوالدين إحسان ًا وبذي القربى‬


‫ألن الصدقات ال تقبل إذا مل يكن أصل الدين موجود ًا‬
‫والمساكين؛ َّ‬
‫وصحيح ًا وسليم ًا‪.‬‬
‫وكذا الجار وثوابه ال يثاب عىل اإلحسان إليه‪ ،‬وأصل الدين فاسد‪.‬‬
‫أصلِح األساس‪ ،‬ثم ينبني بعد ذلك ما بعده من‬
‫فالمراد األساس‪ْ ،‬‬
‫الفروع‪.‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪28‬‬

‫وقال هنا‪َ ( :‬وبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾) أعظم حق من حقوق الخ ْلق هو‬
‫ُّبر الوالدين‪ ،‬ومل يب ِّين ما هو اإلحسان إليهم؛ وهذا راجع للعرف؛ ُّ‬
‫فكل‬
‫كل بلد وزمن يفعل مع الوالدين‪.‬‬ ‫إحسان حسب عرف ِّ‬
‫اعبدوا ال َّل َه َو ََّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا‬ ‫َق َال َر ِح َمه اهلل‪َ ( :‬و َق ْوله َت َعا َلى‪َ :‬‬
‫﴿و ْ‬
‫أن‬‫َوبِا ْل َوالِ َد ْي ِن إِ ْح َسان ًا﴾ اآل َي َة)‪َ ،‬ذكر المصنِّف رمحه اهلل هذه اآلية؛ لبيان َّ‬
‫وأولها وأمهَّها وأفرضها هو توحيد اهلل سبحانه‪.‬‬
‫أوجب الواجبات َّ‬
‫اعبدوا ال َّله﴾)‪ ،‬العبادة‪ :‬اسم َ‬
‫لما يح ُّبه اهلل ويرضاه من األقوال‬ ‫﴿) َو ْ‬
‫واألفعال الظاهرة والباطنة(‪.)1‬‬
‫ال ‪-‬‬ ‫عز َّ‬
‫وجل فهو عبادة؛ سوا ًء كان قو ً‬ ‫أمر به اهلل َّ‬ ‫أي‪ :‬أن َّ‬
‫كل أمر َ‬
‫كذكر اهلل ‪ ،-‬أو فعَلً ‪ -‬كالصَلة ‪.-‬‬
‫والعبادات تنقسم إىل قِسمين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الظاهرة‪ ،‬مِثل‪ :‬الحج‪.‬‬
‫القسم َّ‬
‫والقسم الثاين‪ :‬الباطنة‪ ،‬مِثل‪ :‬الخوف‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والخشية وغير‬
‫ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬مجموع فتاوى شيخ اإلسَلم (‪.)149/10‬‬


‫‪29‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫اعبدوا ال َّل َه)‪َّ ،‬‬


‫فإن‬ ‫(﴿و ْ‬ ‫) َو ََّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا﴾) ‪ُّ ،‬‬
‫يدل عليه قوله‪َ :‬‬
‫وحده من مستلزماهتا أن يكفر بالطاغوت‪ ،‬لكن ( َو ََّل ت ْشرِكوا بِ ِه‬ ‫عبادة اهلل ْ‬
‫َش ْيئ ًا﴾) من باب التأكيد‪.‬‬
‫كذلك أعظم أمر هو التوحيد‪.‬‬
‫فقرر المصنِّف َّ‬
‫أن أوجب الواجبات هو التوحيد بثَلث آيات؛ لئَل‬ ‫َّ‬
‫ينازع فيها أحد‪ ،‬بأن يقول لماذا َتقرؤون التوحيد‪ ،‬أو لماذا تكثرون من‬
‫التوحيد؟ فساق لك آيات َّ‬
‫أن أعظم األوامر التوحيد‪.‬‬
‫موحد‪ ،‬فلماذا َأقرأ التوحيد؟‬
‫فإذا قال شخص‪ :‬أنا ِّ‬
‫نقول‪ :‬ألن القلب قد َيدخله شيء مِن قوادح الشرك ‪ -‬من الرياء‪،‬‬
‫أو كثرة المعاصي التي قد تؤدي إىل القدح يف التوحيد ‪.-‬‬
‫بل إن النِّعم قد تؤثر يف توحيد الشخص؛ كما قال عليه الصَلة‬
‫ادي م ْؤمِن بِي َوكَافِر‪َ ،‬ف َأ َّما َم ْن َق َال‪:‬‬ ‫والسَلم ِرواي ًة َعن رب ِه‪َ « :‬أصبح مِن ِعب ِ‬
‫ْ ََ ْ َ‬ ‫َ َ ْ ِّ‬
‫َب‪َ ،‬و َأ َّما َم ْن َق َال‪:‬‬‫مطِ ْرنَا بِ َف ْض ِل اهللِ َو َر ْح َمتِ ِه َف َذل ِ َك م ْؤمِن بِي كَافِر بِا ْل َك ْوك ِ‬
‫مطِ ْرنَا بِن َْو ِء ك ََذا َوك ََذا َف َذل ِ َك كَافِر بِي م ْؤمِن بِا ْل َك ْوك ِ‬
‫َب»(‪.)1‬‬

‫ون ِر ْز َقك ْم َأنَّك ْم‬


‫﴿و َت ْج َعل َ‬
‫البخاري‪ ،‬أبواب االستسقاء‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )1‬رواه‬
‫ون﴾ [الواقعة‪َ ،]82 :‬ق َال ْابن َع َّباس‪« :‬ش ْك َرك ْم»‪ ،‬رقم (‪ ،)1038‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫ت َك ِّذب َ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪30‬‬

‫فدل عىل ّ‬
‫أن الشخص قد‬ ‫محمد بن عبد الوهاب‪َّ « :‬‬
‫ّ‬ ‫قال الشيخ‬
‫مؤمن ًا ويصبح كافر ًا»(‪.)1‬‬
‫يمسي ْ‬
‫الرجل م ْؤمِن ًا َوي ْم ِسي كَافِر ًا‪َ ،‬أ ْو ي ْم ِسي‬ ‫ِ‬
‫ويف صحيح مسلم‪« :‬ي ْصبِح َّ‬
‫م ْؤمِن ًا َوي ْصبِح كَافِر ًا‪َ ،‬يبِيع ِدينَه بِ َع َرض مِ َن الدُّ ْن َيا»(‪.)2‬‬
‫النووي رمحه اهلل(‪« :)3‬فهذا ُّ‬
‫يدل عىل تق ِّلب الحق يف قلب‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫يقوى إيمانه يف َّأول النهار و َيضعف يف آخره‪ ،‬وقد َيدخل‬
‫الشخص؛ فقد َ‬
‫يف الشرك وهو ال َيعلم‪ ،‬وقد ال يقوى توحيده»(‪.)4‬‬
‫النبي‬
‫وجل وبسنَّة ِّ‬‫عز َّ‬‫فإذا كان الشخص دائم ًا متع ِّلق ًا بكِتاب اهلل َّ‬
‫وس َّلم ومكثِر ًا من قراءة العقيدة؛ يكون أقوى يف الثبات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َص َّلى اهلل َعليه َ‬

‫اإليمان‪ ،‬باب بيان كفر من قال‪ :‬مطرنا بالنوء‪ ،‬رقم (‪ ،)71‬من حديث زيد بن خالد الجهني‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )1‬كتاب التوحيد (ص ‪.)314‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب الحث عىل المبادرة باألعمال قبل تظاهر الفتن‪ ،‬رقم‬
‫(‪ ،)186‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو‪ :‬أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن النووي‪ ،‬ولد سنة (‪631‬هـ)‪ ،‬وتويف سنة‬
‫(‪676‬هـ)‪ .‬طبقات الشافعية الكبرى للسبكي(‪.)396/8‬‬
‫للنووي (‪.)150/1‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ )4‬المنهاج شرح صحيح مسلم‬
‫‪31‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫وس َّلم‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها‬ ‫ِ‬


‫وجل للنبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬
‫عز َّ‬
‫والدليل‪ :‬قول اهلل َّ‬
‫تمسك بالتقوى ِ‬
‫وز ْد منها‪ ،‬وقال عز‬ ‫النَّبِ ُّي ا َّت ِق ال َّل َه﴾ [األحزاب‪]1:‬؛ يعني‪َّ :‬‬
‫ين آ َمنوا آمِ ْنوا﴾ [النساء‪]136:‬؛ يعني‪ :‬زيدوا يف إيمانكم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وجل‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها ا َّلذ َ‬
‫فهذا الخطاب لهم‪ ،‬وحتى للنبي عليه الصَلة والسَلم‪.‬‬
‫الموحد؛‬
‫ِّ‬ ‫الموحد‪ ،‬ويحتاجه غير‬
‫ِّ‬ ‫أن التوحيد يحتاجه‬ ‫فدل عىل َّ‬ ‫َّ‬
‫الحن ِ ِيف َّية وهي التوحيد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ل َيخرج من َلو َثة الشرك إىل َ‬
‫ِ‬
‫األرض هو الشرك باهلل‪ ،‬كما يف حديث ابن‬ ‫وأعظم ذنب يفعل يف‬
‫ْب َأ ْع َظم ِعنْدَ ال َّل ِه ؟ َق َال ‪َ :‬أ ْن‬ ‫مسعود رضي اهلل عنه(‪ )1‬قال‪َ « :‬أ ُّي َّ‬
‫الذن ِ‬

‫َت ْج َع َل ل ِ َّل ِه نِدّ ًا َوه َو َخ َل َق َك»(‪ )2‬لذلك ال َيغفره اهلل عز وجل‪.‬‬


‫؛‬

‫(‪ )1‬هو‪ :‬عبد اهلل بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرمحن الهذيل‪َ .‬أسلم يف َّأول بزوغ‬
‫فجر اإلسَلم‪ ،‬وتويف (‪32‬هـ أو ‪33‬هـ)‪.‬أسد الغابة البن األثير (‪.)381/3‬‬
‫البخاري‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب َق ْول ِ ِه َت َعا َلى‪َ ﴿ :‬فَلَ َت ْج َعلوا ل ِ َّل ِه َأنْدَ اد ًا َو َأنْت ْم‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )2‬رواه‬
‫َت ْع َلم َ‬
‫ون﴾ [البقرة‪ ،]22 :‬رقم (‪ ،)4477‬ومسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب كون الشرك أقبح‬
‫الذنوب‪ ،‬وبيان أعظمها بعده‪ ،‬رقم (‪.)86‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪32‬‬

‫فإذا َّ‬
‫حل داعية بأرض ورأى فيها الشرك ورأى فيها الخمور‬

‫والمنكرات المتعددة – مثَلً ‪-‬؛ َّ‬


‫فأول شيء َيبدَ أ به هو أن يدعوهم إىل‬
‫توحيد اهلل وينهاهم عن الشرك‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫ود َر ِض َي ال َّله َع ْنه‪َ « :‬م ْن َأ َرا َد َأنْ َي ْنظ َر‬


‫ثم بعد ذلك قال‪َ ( :‬ق َال ابن مسع ٍ‬
‫ْ َْ‬ ‫َّ‬
‫س َّل َم ا َّلتِي َع َل ْيهَ ا َخا َتمه‪.)..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫إِ َلى َوص َّية ُمَ َّمد َص َّلى ال َّله َع َل ْيه َو َ‬
‫وهذا األثر يف تفسير هذه اآلية‪﴿( :‬ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم‬
‫َع َل ْيك ْم﴾) [األنعام‪.]151:‬‬

‫وس َّلم‬ ‫ِ‬


‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬ ‫و َذكره المصنِّف رمحه اهلل؛ لبيان َّ‬
‫أن وصية ِّ‬
‫هي البعد عن الشرك وتوحيد اهلل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال‪َ «( :‬م ْن َأ َرا َد َأنْ َي ْنظ َر إِ َلى َوص َّية ُمَ َّمد َص َّلى ال َّله َع َل ْيه َو َ‬
‫س َّل َم)؛‬
‫وصى بشيء؟‬
‫النبي عليه الصَلة والسَلم َّ‬
‫يعني‪ :‬من أراد أن َينظر هل ُّ‬
‫فلينظر ما يف كتاب اهلل يف الوصايا العشر يف آخر سورة األنعام؛‬
‫يعني‪ :‬لو كان النبي عليه الصَلة والسَلم يريد أن يوصي بوصية‪ ،‬ويضع‬
‫يوص إال بخواتيم سورة األنعام‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عليها ختْمه مل‬
‫وس َّلم بشيء مل َيظهر إال بعد وفاته؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬
‫يوص ُّ‬ ‫فلم‬
‫كل ما ب َّلغ به َظهر يف حياته‪.‬‬
‫بل ُّ‬
‫(ا َّلتِي َع َل ْيهَ ا َخا َتمه) خاتِمه أو خا َتمه؛ يعني‪ :‬سوا ًء َختم عليه أو‬
‫كأن وصية النبي ص َّلى اهلل َع ِ‬
‫ليه‬ ‫وضعت الوصية وختم عليها بالختم؛ أي‪َّ :‬‬
‫ِّ َ‬
‫وس َّلم التي ختمها بختمه؛ هي المذكورة يف قوله‪﴿( :‬ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما‬ ‫َ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪34‬‬

‫المحرمات ال َعشر المذكورة يف ثَلث‬


‫َّ‬ ‫َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم﴾)‪ ،‬وهي آيات‬
‫وأول ما ح ِّرم هو الشرك‪.‬‬ ‫آيات يف أواخر سورة األنعام‪َّ ،‬‬
‫س َّل َم ا َّلتِي َع َل ْيهَ ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫قال‪َ ( :‬م ْن َأ َرا َد َأنْ َي ْنظ َر إِ َلى َوص َّية ُمَ َّمد َص َّلى اهلل َعل ْيه َو َ‬
‫َخا َتمه)‪.‬‬
‫ِ‬
‫يوص إال‬ ‫النبي عليه الصَلة والسَلم لو أراد أن يوصي مل‬
‫يعني‪ُّ :‬‬
‫وصى بالتوحيد‪ ،‬فقال‪َ « :‬م ْن‬ ‫النبي عليه الصَلة والسَلم َّ‬ ‫بالتوحيد‪ ،‬مع أن َّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ك َ ِ‬
‫الجنَّة»(‪.)1‬‬ ‫َان آخر كََلمه م َن الدُّ ْن َيا َال إِ َل َه إِ َّال اهلل َد َخ َل َ‬
‫( َف ْل َي ْق َر ْأ‪﴿ :‬ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا﴾‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إِ َلى َق ْولِ ِه‪َ :‬‬
‫﴿و َأ َّن َه َذا ص َراطي م ْس َتقيامً َفا َّتبِعوه َو ََّل َت َّتبِعوا ُّ‬
‫السب َل﴾ اآل َي َة»)‪.‬‬
‫يعني كأن المصنَّف يقول‪ :‬هذه اآليات ب َّين َْت أن أوجب الواجبات‬
‫والسنَّة أيض ًا ْ‬
‫أتت بأن أوجب الواجبات التوحيد‪.‬‬ ‫التوحيد‪ُّ ،‬‬
‫هذه الوصايا العشر مجيع ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب من مات ال يشرك باهلل شيئ ًا َدخل الجنة‪ ،‬ومن مات‬
‫مشرك ًا َدخل النار‪ ،‬رقم (‪ ،)154‬من حديث أبي ذر رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪َ « :‬ما مِ ْن َع ْبد َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬

‫ات َع َلى َذل ِ َك إِ َّال َد َخ َل ا ْل َجن ََّة»‪.‬‬


‫َال إِ َل َه إِ َّال اهلل‪ ،‬ث َّم َم َ‬
‫‪35‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫فإذا مل ت ْ‬
‫شرك‪ ،‬وبالوالدين إحسان ًا‪ ،‬ومل تقتل أوالدك من إمَلق‪ ،‬ومل‬
‫حرم اهلل إال‬
‫تقرب الفواحش ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ومل تقتل النفس التي َّ‬
‫وأو َف ْيت الك ْيل‬
‫بالحق‪ ،‬ومل تقرب مال اليتيم إال بالتي هي أحسن‪ْ ،‬‬
‫والميزان بالقسط‪ ،‬وإذا ق ْلت عد ْل َت – ولو كان ذا قربى ‪ ،-‬وأوفيت بعهد‬
‫النبي‬
‫عملت بوصية ِّ‬
‫َ‬ ‫اهلل‪ ،‬وا َّتبعت صراط اهلل المستقيم ومل تتبِع ُّ‬
‫السبل؛ فقد‬
‫عليه الصَلة والسَلم‪.‬‬
‫تفرع منه‪.‬‬
‫فلما ب َّين األساس وهو التوحيد؛ ب َّين ما َي َّ‬
‫َّ‬
‫(﴿ق ْل َت َعا َل ْوا َأ ْتل َما َح َّر َم َر ُّبك ْم َع َل ْيك ْم)؛ يعني‪َ :‬أقبِلوا أيها الناس‬
‫ربكم عليكم‪.‬‬
‫حرم ُّ‬‫وهلموا؛ ألب ِّين لكم وأتلو عليكم ما َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫محرم هو الشرك باهلل‬
‫محرم وأعظم َّ‬
‫فأول َّ‬ ‫( َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِه َش ْيئ ًا﴾)‪َّ ،‬‬
‫النبي عليه الصَلة والسَلم كما يف‬ ‫عز وجل؛ لذلك يف الصحيح(‪ )1‬سئل ُّ‬
‫ْب َأ ْع َظم ِعنْدَ ال َّل ِه ؟‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ ْن َت ْج َع َل ل ِ َّل ِه نِدّ ًا‬ ‫حديث ابن مسعود « َأ ُّي َّ‬
‫الذن ِ‬

‫َوه َو َخ َل َق َك»‪.‬‬

‫ِ‬
‫األرض هو الشرك باهلل)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سبق تخريجه (ص‪ ،)31‬عند قوله (وأعظم ذنب يفعل يف‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪36‬‬

‫وأولها؛ َّ‬
‫دل عىل أن التوحيد هو‬ ‫فإذا كان الشرك أعظم النواهي َّ‬
‫أوجب الواجبات وهو أفضل األوامر؛ َّ‬
‫ألن فيه تعظيم هلل‪ ،‬وفيه إفراد اهلل‬
‫وجل بالعبادة‪ ،‬وفيه انصراف القلب بالك ِّل َّية هلل‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫َّ‬
‫هضم للربوبية‪ ،‬وقدْ ح يف ألوهية اهلل عز وجل‪ ،‬وتن ُّقص‬
‫ويف الشرك ْ‬
‫له‪.‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل‬ ‫عز َّ‬
‫وجل التي َوصف اهلل َّ‬ ‫وفيه عدم تحقيق صفات اهلل َّ‬
‫ن ْفسه هبا من الوحدانية والقوة والعظمة والكبرياء‪.‬‬
‫فمن أشرك فإنه ال يح ِّقق هذه الصفات‪ ،‬فيتوجه إىل صاحب القبر‬
‫َ‬
‫ويف ق ْلبه أن اهلل ضعيف ال يستطيع أن يقضي حاجاته ‪ -‬والعياذ باهلل ‪-‬؛‬

‫الموحد هو المع ِّظم هلل ْ‬


‫وحده‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫لذلك‬
‫( َأ ََّّل ت ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا﴾) إىل آخر اآليات‪ ،‬وهي الوصايا العشر‪ ،‬وما‬
‫ووصى أ َّمته هبا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من نبي بعث إال َّ‬
‫وأول ما يوصي األنبياء أقوامهم‪ :‬بالبعد عن الشرك والدعوة إىل‬
‫َّ‬
‫التوحيد‪.‬‬
‫﴿و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً َفا َّتبِعوه﴾) وهو التوحيد‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬‬
‫‪37‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫الحق له أكثر من طريق‪ ،‬فمثَلً لو قال شخص‪ :‬أهل‬


‫َّ‬ ‫فإذا قيل‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫اإلسَلم عىل حق والنصارى عىل حق واليهود عىل حق‪.‬‬
‫﴿و َأ َّن َه َذا ِص َراطِي م ْس َت ِقيامً) صراط واحد‬
‫نقول‪ :‬ال؛ اهلل يقول‪َ ( :‬‬
‫فقط‪ ،‬ليس أكثر من طريق‪ ،‬ومن س َلك هذا الصراط نجا‪.‬‬
‫هوى واحد ًا وال رأي ًا واحد ًا؛ بل متش ِّعبة‬
‫أ َّما األهواء واآلراء فليست ً‬
‫وال تنتهي؛ لذلك قال‪َ ( :‬فا َّتبِعوه َو ََّل َت َّتبِعوا ُّ‬
‫السب َل﴾)‪.‬‬
‫فلما كانت األهواء كثير ًة والمعتقدات المخالفة كثيرةً؛ مل تذكر‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ولما كان الحق واحد ًا؛ ذكِر‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ثم بعد ذلك قال‪َ ( :‬و َع ْن م َعا ِذ ْب ِن َج َب ٍل َر ِض َي ال َّله َع ْنه َق َال‪« :‬ك ْنت‬
‫س َّلم َع َلى ِح َام ٍر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا م َعاذ! َأ َت ْد ِري َما َح ُّق‬ ‫ِ‬ ‫َر ِد َ‬
‫يف النَّبِ ِّي َص َّلى ال َّله َع َل ْيه و َ‬
‫اد َع َلى ال َّل ِه؟‬
‫العب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َّله َع َلى الع َباد‪َ ،‬و َما َح ُّق َ‬
‫ق ْلت‪ :‬ال َّله َو َرسوله َأ ْع َلم‪.‬‬
‫اد َأنْ َي ْعبدوه َو ََّل ي ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا‪.‬‬ ‫العب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬فإِ َّن َح َّق ال َّله َع َلى َ‬
‫اد َع َلى ال َّل ِه َأ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا‪.‬‬
‫العب ِ‬
‫ِ‬
‫َو َح ُّق َ‬
‫ول ال َّل ِه! َأ َف ََل أ َب ِّشر الن َ‬
‫َّاس؟‬ ‫َفق ْلت‪َ :‬يا َرس َ‬

‫يح ْي ِن)‪.‬‬
‫ح َ‬‫َق َال‪ََّ :‬ل تب ِّشرهم َفيتكِلوا» َأ ْخر َجاه فِي الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ َ َّ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪38‬‬

‫ذكر المصنِّف هذا الحديث؛ لبيان أن التوحيد حق من حقوق اهلل‪،‬‬


‫المستحق لذلك دون ما سواه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فيجب أن يصرف له‪ ،‬فهو‬
‫فأول واجب يجب عىل العباد أن َيفعلوه هو التوحيد؛ كما قال‬ ‫َّ‬
‫اد َأنْ َي ْعبدوه َو ََّل ي ْشرِكوا بِ ِه‬
‫العب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(ح َّق ال َّله َع َلى َ‬
‫ص َّلى اهلل عليه وس َّلم‪َ :‬‬
‫َش ْيئ ًا)‪.‬‬
‫س َّل َم َع َلى ِح َام ٍر) ُّ‬
‫يدل عىل‬ ‫ِ‬ ‫قال‪( :‬ك ْنت َر ِد َ‬
‫يف النَّبِ ِّي َص َّلى ال َّله َع َل ْيه َو َ‬
‫وس َّلم إذ كان َيركب الحمار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬‫تواضع ِّ‬
‫ويدل أيض ًا عىل جواز ِ‬
‫اإل ْر َداف‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫خش الفتنة ‪-‬‬‫ويدل أيض ًا عىل جواز ركوب أكثر من اثنين ‪ -‬إذا مل ت َ‬
‫ُّ‬
‫دابة واحدة‪ ،‬وكذا ما يف حكم الدابة إذا كانت تطِيق ذلك‪ ،‬وهذا‬ ‫عىل َّ‬
‫النبي عليه‬ ‫ِ‬
‫قوة الدابة وض ْعفها‪ ،‬فهذا الحمار الذي َركبه ُّ‬
‫يختلف باختَلف َّ‬
‫يشق عليه ركوب اثنين‪.‬‬ ‫الصَلة والسَلم ومعاذ مل ّ‬
‫وس َّلم ومحبته لصحابته‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬
‫ويدل أيض ًا عىل تواضع ِّ‬
‫ُّ‬
‫إذ كان يردفهم معه عىل دابته‪ ،‬فكان يقرهبم منه قلب ًا ِ‬
‫وح ّس ًا ويجعلهم‬
‫بجانبه عليه الصَلة والسَلم‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫قال‪َ ( :‬ف َق َال‪َ :‬يا م َعاذ!) ُّ‬


‫يدل عىل أنَّه يجوز أن ينا َدى الشخص باسمه؛‬
‫فهنا قال‪َ ( :‬يا م َعاذ) من غير لقب‪.‬‬
‫ويدل عىل التل ُّطف يف التعليم‪ ،‬فقال له‪( :‬يا م َعاذ)؛ لي ِ‬
‫صغي معاذ إىل‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫وس َّلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬
‫ما سيقوله ُّ‬
‫يحب معاذ ًا‪ ،‬كما يف الحديث‬ ‫ُّ‬ ‫النبي عليه الصَلة والسَلم‬ ‫وكان ُّ‬
‫اآلخر‪َ « :‬يا م َعاذ َوال َّل ِه إِنِّي َأل ِح ُّب َك‪َ ،‬ال َتدَ َع َّن فِي دب ِر ك ِّل َص ََلة َأ ْن َتق َ‬
‫ول‪:‬‬
‫الله َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذك ِْر َك َوش ْك ِر َك َوح ْس ِن ِع َبا َدتِ َك»(‪.)1‬‬
‫النبي عليه الصَلة والسَلم ذلك بصيغة السؤال؛‬ ‫( َأ َت ْد ِري) َذكر ُّ‬
‫ِ‬
‫المستمع إليه‪.‬‬ ‫ل َيجلب انتباه‬
‫وهذا من أساليب حسن التعليم‪:‬‬
‫أحيان ًا باإللقاء‪.‬‬
‫وأحيان ًا بالسؤال‪.‬‬
‫وأحيان ًا بالتعليم‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪ ،)22119‬من حديث معاذ بن جبل رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪40‬‬

‫وأحيان ًا بالعمل‪ ،‬كصَلة ِّ‬


‫النبي عليه الصَلة والسَلم وصعوده عىل‬
‫المنبر ثم رجوعه‪.‬‬
‫وأحيان ًا بأخَلقه عليه الصَلة والسَلم‪.‬‬
‫وأحيان ًا بتقريراته‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وس َّلم يع ِّلمه‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬ ‫ُّ‬
‫ويدل عىل أمهية التوحيد؛ إذ كان ُّ‬
‫صحابته حتى وهم عىل الحمار‪.‬‬
‫يدل عىل َّ‬
‫أن هذه‬ ‫قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رمحه اهلل‪« :‬هذا ُّ‬
‫ألن معاذ ًا قال‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫المسألة قد َخفيت عىل بعض الصحابة؛ َّ‬
‫أعلم»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫ويدل أيض ًا عىل حرص ِّ‬
‫النبي عليه الصَلة والسَلم عىل ترسيخ‬ ‫ُّ‬
‫التوحيد والعقيدة يف قلوهبم‪.‬‬
‫(ما َح ُّق اهلل ِ َع َلى ا ْل ِعب ِ‬
‫اد)؛ يعني‪ :‬ما هو الواجب عىل العباد أن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َيفعلوه؟‬

‫(‪ )1‬كتاب التوحيد ( ص‪.)180‬‬


‫‪41‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫عز‬
‫تكرم اهلل َّ‬
‫الحق الذي َّ‬
‫ُّ‬ ‫اد َع َلى اهللِ؟)؛ أي‪ :‬ما هو‬
‫(وما َح ُّق ا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫فضل عىل عباده؟‬ ‫وجل ِبه و َت ّ‬
‫َّ‬
‫قال‪( :‬ق ْلت‪ :‬اهلل َو َرسوله َأ ْع َلم)‪.‬‬
‫هذه المسألة العظيمة َخفيت عىل معاذ وهو من أكابر الصحابة ومن‬
‫علمائهم؛ لذلك قال عليه الصَلة والسَلم‪« :‬معاذ بن جبل َأمام ا ْلع َلم ِ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َ َ‬
‫بِ َر ْت َوة»(‪ )1‬يعني‪ :‬بخطوة‪ ،‬فهو من ْ‬
‫أعلم الصحابة‪ ،‬ومع ذلك قال‪( :‬اهلل‬
‫َو َرسوله َأ ْع َلم)‪.‬‬
‫ِ‬
‫العقيدة‬ ‫أن المسؤول إذا كان ال َيعلم ولو شيئ ًا من مسائ ِل‬
‫ويدل عىل َّ‬
‫ُّ‬
‫يقول‪ :‬اهلل أعلم‪.‬‬
‫وس َّلم يجوز أن يقال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬ ‫ُّ‬
‫ويدل عىل أنَّه يف حياة ِّ‬
‫(اهلل َو َرسوله َأ ْع َلم)؛ لنزول الوحي عليه‪ ،‬أ َّما بعد انقطاع الوحي بوفاة‬
‫وس َّلم؛ فَل يجوز أن يقال‪( :‬اهلل َو َرسوله َأ ْع َلم)؛ وإنَّما‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬
‫ِّ‬
‫النبي عليه الصَلة والسَلم قد مات‪.‬‬ ‫«اهلل أعلم»؛ َّ‬
‫ألن َّ‬

‫(‪ )1‬رواه الطبراين يف المعجم‪ ،‬رقم (‪.)41‬‬


‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪42‬‬

‫( َق َال‪َ :‬فإِن َح ُّق اهلل ِ َع َلى ا ْل ِعب ِ‬


‫اد)؛ يعني‪ :‬الذي يجب عىل العباد أن‬ ‫َ‬
‫َيفعلوه وإن مل يفعلوا ذلك؛ عذهبم اهلل بالنَّار؛ قال تعاىل‪﴿ :‬إِنَّه َم ْن ي ْش ِر ْك‬
‫الجنَّة َو َم ْأ َواه النَّار َو َما لِل َّظال ِ ِمي َن مِ ْن َأن َْصار﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِال َّله َف َقدْ َح َّر َم ال َّله َع َل ْيه َ‬
‫[المائدة‪.]72:‬‬

‫الجنَّة؛ كما قال سبحانه‪﴿ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن‬ ‫عز َّ‬
‫وجل َ‬ ‫و َمن أطاعه َأدخله اهلل َّ‬
‫ال﴾‬‫س نز ً‬ ‫َت َله ْم َجنَّات ا ْل ِف ْر َد ْو ِ‬
‫ات كَان ْ‬ ‫آمنوا و َع ِملوا الصالِح ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[الكهف‪.]107:‬‬
‫فمما يجب عليك وحدانية اهلل عز وجل؛ ألنَّه هو الذي َخلقك‬
‫َّ‬
‫ورزقك وأغدق عليك بالنِّعم‪ ،‬وهو المستحق للعبادة‪ ،‬فَل أحد سواه‬
‫َ‬
‫يستحق أن يركع له‪ ،‬وأن يسجد له‪ ،‬وأن تفرد أنواع العبادة إليه؛ إال اهلل‬
‫وحده؛ ألنه هو الكبير العظيم‪.‬‬

‫والشخص أعظم ما يقدِّ مه أن يع ِّفر ْ‬


‫وجهه للرب الواحد الكبير‬
‫المتعال‪ ،‬وال َيخنع بالقلب أو بالجسد لغير اهلل عند قبر أو عند شجر أو‬
‫عند حجر ونحو ذلك‪.‬‬
‫(أنْ َي ْعبدوه)؛ يعني‪ :‬أن يفردوه بالعبادة‪.‬‬ ‫َ‬

‫(وَّل ي ْشرِكوا بِ ِه َش ْيئ ًا)؛ َّ‬


‫ألن المحذور أن تصرف النية لغير اهلل‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪43‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫فإذا انصرفت النية لغير اهلل؛ انصرف معها العمل ‪ -‬والعياذ باهلل ‪.-‬‬
‫توجه القلب لغير اهلل؛ فقد َيذبح لغير اهلل؛ لذلك قال سبحانه‪:‬‬ ‫فإذا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين حنَ َفا َء َويقيموا َّ‬
‫الص ََل َة‬ ‫﴿و َما أمروا إِ َّال ل َي ْعبدوا ال َّل َه م ْخلِص َ‬
‫ين َله الدِّ َ‬ ‫َ‬
‫الزكَا َة َو َذل ِ َك ِدين ا ْل َقيِّ َمة﴾ [البينة‪.]5:‬‬
‫َوي ْؤتوا َّ‬
‫فيجب عىل العباد أن يصلحوا نياهتم يف إخَلصها هلل يف ِّ‬
‫كل طاعة‪،‬‬
‫وهذا هو التوحيد‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬لماذا تأيت النصوص بعبادة ال َّله وحده والنهي عن الشرك‪،‬‬
‫والناس اليوم قد َتقدَّ موا‪ ،‬فلم َيعبدوا صنم ًا ومل َيعبدوا وثن ًا‪ ،‬ونحن اآلن‬
‫يف عصر الحضارة ونحو ذلك؟‬
‫وجل َذكر عن إبراهيم قوله‪َ ﴿ :‬ر ِّب إِنَّه َّن َأ ْض َل ْل َن كَثِير ًا‬
‫عز َّ‬
‫نقول‪ :‬اهلل َّ‬
‫َّاس﴾ [إبراهيم‪ ،]36:‬فالغالب عىل الناس يف األرض عدم اإلسَلم‬ ‫مِ َن الن ِ‬
‫وهو الشرك؛ لآلية السابقة‪ ،‬ولقوله سبحانه‪َ ﴿ :‬و َلكِ َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َّاس َال‬
‫ي ْؤمِن َ‬
‫ون﴾ [غافر‪.]59:‬‬
‫وأقل ِ‬
‫الق َّلة هم أهل اإلسَلم‬ ‫وكثير من أهل األرض ال َيعبد اهلل‪ُّ ،‬‬
‫شرق األرض كثير منهم َمن يعبد األصنام‬ ‫الخالص من َّ‬
‫الش ْوب‪ ،‬فمثَلً‪ْ :‬‬
‫من البوذية ونحو ذلك‪ ،‬وهم مِن أكثر سكان أهل األرض؛ فقرابة ربع‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪44‬‬

‫ممن ال َيعتنق اإلسَلم ‪ -‬مِن‬


‫األرض يف تلك الجهة من غير المسلمين‪َّ ،‬‬
‫صرف العبادة للصنم والركوع له ‪.-‬‬
‫ْ‬
‫لما دعا‪َ ﴿ :‬ر ِّب إِنَّه َّن َأ ْض َل ْل َن كَثِير ًا مِ َن الن ِ‬
‫َّاس﴾‬ ‫وصدَ ق إبراهيم َّ‬
‫[إبراهيم‪ ،]36:‬والواقع َيشهد بذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عز َّ‬
‫وجل به‬ ‫(و َح ُّق ا ْلع َباد َع َلى اهلل)؛ يعني‪ :‬الذي َت َّ‬
‫كرم اهلل َّ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫وجعله سبحانه وتعاىل فضَلً منه‪ ،‬ح ّق ًا عليه لعباده إن َّ‬
‫وحدوا‪.‬‬ ‫َ‬
‫وهذا الحق ال يوجبه الخ ْلق عىل اهلل؛ يعني‪ :‬ما يقول الخ ْلق‪ :‬ألز ْمنا‬
‫حق اهلل َتفضل به‬
‫وحدناك؛ وإنما هذا ُّ‬
‫الجنَّة ألننا َّ‬
‫عليك يا ربنا أن تدخلنا َ‬
‫وتكرم ًا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫عليك إنعام ًا منه وإحسان ًا‬
‫(أ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا) َّ‬
‫دل عىل َّ‬
‫أن مآل الموحد هو‬ ‫قال‪َ :‬‬

‫الجنَّة‪.‬‬
‫َ‬
‫ويدل عىل أن الم َو ِّحد ال يخ َّلد يف النَّار‪ ،‬فقوله‪َ ( :‬أ ََّّل ي َع ِّذ َب)؛ أي‪:‬‬
‫ُّ‬
‫عذاب ًا مخ َّلد ًا‪.‬‬
‫الموحد إذا كان َيعمل الكبائر أو الصغائر ومل يغفرها‬ ‫ِّ‬ ‫وقد ي ِّ‬
‫عذب اهلل‬
‫اهلل؛ قال سبحانه‪﴿ :‬إِ ْن َت ْجتَنِبوا َك َبائِ َر َما تن َْه ْو َن َعنْه ن َك ِّف ْر َعنْك ْم َس ِّي َئاتِك ْم﴾‬
‫‪45‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫﴿و َم ْن َي ْقت ْل م ْؤمِن ًا م َت َع ِّمد ًا َف َج َزاؤه َج َهنَّم َخالِد ًا‬


‫[النساء‪ ،]31:‬وقال سبحانه‪َ :‬‬
‫يها﴾ [النساء‪.]93:‬‬
‫ِ‬
‫ف َ‬
‫الموحد؛‬
‫ِّ‬ ‫الموحد يف النَّار فَل‪ ،‬فإن اهلل وعد َّأال ي َع ِّذب‬ ‫ِّ‬ ‫أ َّما خلود‬
‫وحدتني‬‫كأن اهلل يقول‪ :‬إذا َّ‬‫(أ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا) يعني‪َّ :‬‬
‫لقوله‪َ :‬‬

‫وفضله‪.‬‬
‫بالجنَّة؛ وهذا من إنعام اهلل ْ‬
‫أنا أعدك َ‬
‫كرم اهلل أن َجعل التوحيد موافق ًا للفطرة‪ ،‬فالخلق مفطورون‬ ‫ومن َ‬
‫وغل يف الشرك إذا َح َّلت به الشدائد َيرجع لفطرته‬ ‫أن الم ِ‬
‫عىل التوحيد؛ بل َّ‬
‫وهو التوحيد؛ قال سبحانه‪َ ﴿ :‬فإِ َذا ركِبوا فِي ا ْلف ْل ِ‬
‫ك َد َعوا ال َّل َه م ْخلِ ِصي َن‬ ‫َ‬
‫يوحدون‪.‬‬ ‫َله الدِّ ي َن﴾ [العنكبوت‪ِّ ]65:‬‬
‫اد َع َلى ال َّل ِه َأ ََّّل ي َع ِّذ َب َم ْن ََّل ي ْشرِك بِ ِه َش ْيئ ًا)‬
‫العب ِ‬‫ِ‬
‫لذلك قال‪َ ( :‬و َح ُّق َ‬
‫فمن َأفرد اهلل وحده سبحانه بالعبادة؛‬ ‫ِ‬
‫هذا يدل عىل عظم فضيلة التوحيد‪َ ،‬‬
‫وعد من اهلل َّأال يعذبه بالخلود يف النَّار؛ لذلك َأمجع أهل السنة عىل َّ‬
‫أن مآل‬
‫الجنَّة‪.‬‬
‫الموحد هو َ‬
‫لكن بعض الموحدين قد َيعمل المعاصي‪ ،‬وهذه المعاصي إ َّما أن‬
‫َّ‬
‫وجل يعذبه يف النَّار بتلك‬ ‫عز‬ ‫بفضله‪ ،‬أو َّ‬
‫أن اهلل َّ‬ ‫َّ‬
‫وجل ْ‬ ‫عز‬
‫َيغفرها اهلل َّ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪46‬‬

‫الجنَّة سواء َغفر اهلل له ‪ -‬بما هو دون الشرك ‪ ،-‬أو‬


‫المعاصي‪ ،‬لكن مآله َ‬
‫عز َّ‬
‫وجل له‪.‬‬ ‫مل َيغفر اهلل َّ‬
‫الجنَّة لماذا ال َيعمل السيئات؟‬
‫الموحد مآله إىل َ‬
‫ِّ‬ ‫فإذا قيل‪ :‬ما دام َّ‬
‫أن‬
‫فنقول‪:‬‬
‫َّل‪ :‬السيئات قد تظلِم القلب وت ِ‬
‫ورثه وقوع ًا يف الشرك أو النفاق‪.‬‬ ‫َّأو ً‬
‫ثاني ًا‪ :‬لو قال لك شخص‪ :‬أنا أعطيك قصر ًا مشيد ًا لكن أغمسك يف‬
‫أخذت مني عشرة آالف ريال ‪ -‬مثَلً ‪ -‬بغير‬
‫َ‬ ‫النَّار نصف ساعة؛ ألنك‬
‫حق‪ ،‬وشخص آخر قال‪ :‬ألنك مل تأخذ مني شيئ ًا؛ فسوف أعطيك القصر‬
‫المشيد بدون أن َأغمسك يف النَّار وال ساعة‪.‬‬
‫هل ستقول‪ :‬أسرق العشرة آالف‪ ،‬و َأنغمس يف النَّار ساع ًة ثم آخذ‬
‫القصر المشيد‪ ،‬أو تقول‪ :‬لن َأسرق؛ أريد القصر المشيد بدون شيء‪.‬‬
‫ال َّ‬
‫شك أنك ستسلك السبيل اآلخر فتبتعد عن السرقة ‪ -‬مثَلً ‪-‬‬
‫حتى تنال القصر المشيد وهكذا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ول اهلل َأ َف ََل أ َب ِّشر الن َ‬
‫َّاس؟ َق َال‪ََّ « :‬ل ت َب ِّش ْره ْم‬ ‫قال‪( :‬ق ْلت‪َ :‬يا َرس َ‬

‫يح ْي ِن)‪.‬‬
‫ح َ‬‫َفيتكِلوا» َأ ْخر َجاه فِي الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫‪47‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫السنَّة تبشير الناس باألمر‬ ‫يدل عىل َّ‬


‫أن ُّ‬ ‫َّاس؟) ُّ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫(أ َف ََل أ َب ِّشر الن َ‬
‫فرح؛ عىل المسلِم أن يخبر به‪ ،‬وأن ينشره ويب َّثه فيما هو‬ ‫فكل خبر ي ِ‬
‫السار‪ُّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫مصلحة دينيه لك مثَلً أو لغيرك‪ ،‬واهلل قال‪َ ﴿ :‬و َب ِّش ِر ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‬
‫الجنَّة؛ وهذه أعظم‬ ‫وحدوا َّ‬
‫بأن لهم َ‬ ‫[البقرة‪]223:‬؛ أي‪ِّ :‬‬
‫وبشر المؤمنين إذا َّ‬
‫بشارة‪.‬‬
‫الجنَّة‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫(أ َف ََل‬ ‫الموحد مآله َ‬
‫ِّ‬ ‫وهنا َف ِرح معاذ رضي اهلل عنه َّ‬
‫بأن‬
‫الجنَّة‪.‬‬
‫بأن مآل الموحد َ‬ ‫أ َب ِّشر الن َ‬
‫َّاس؟)‪ ،‬وأخبرهم هبذا الخبر العظيم َّ‬
‫ُّ‬
‫ويدل عىل مح ّبة الصحابة رضي اهلل عنهم للمسلمين؛ إذ نفوسهم‬

‫َت َّ‬
‫تشوق لبشارة المسلمين بأمر عظيم‪.‬‬
‫الموحد‪ ،‬ود َّلت نصوص أخرى عىل أنه‬ ‫ِّ‬ ‫عذب‬ ‫أن اهلل ال ي ِّ‬
‫ويدل عىل َّ‬ ‫ُّ‬
‫تحت المشيئة إن َعمل ذنوب ًا غير الشرك؛ كما قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ال َّل َه َال َي ْغ ِفر‬
‫ون َذل ِ َك ل ِ َم ْن َي َشاء﴾ [النساء‪.]48:‬‬
‫َأ ْن ي ْش َر َك بِ ِه َو َي ْغ ِفر َما د َ‬
‫يدل عىل أنه يخشى عىل الصالحين‬ ‫(َّل ت َب ِّش ْره ْم َف َي َّتكِلوا) هذا ُّ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫من اال ِّتكال عىل ما عندهم من التوحيد‪ ،‬وأنَّهم قد َيعملون المعاصي؛‬
‫َّاس؟ َق َال‪ََّ « :‬ل ت َب ِّش ْره ْم َف َي َّتكِلوا»)‪.‬‬ ‫لذلك قال‪َ :‬‬
‫(أ َف ََل أ َب ِّشر الن َ‬
‫وس َّلم ذلك؟‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬ ‫فإذا قيل‪ :‬لماذا قال ُّ‬
‫شرح كتاب التوحيد‬ ‫‪48‬‬

‫فلما َرسخ الدين يف نفوسهم؛ َأخبر‬ ‫نقول‪ :‬هذا يف َّأول مطلع الدعوة‪َّ ،‬‬
‫وس َّلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النبي َص َّلى اهلل َعليه َ‬
‫وب َّشرهم هبا بعد وفاة ِّ‬
‫معاذ الناس َ‬
‫أن المخا َطب إذا كان يخشى منه‬
‫ويدل أيض ًا هذا الحديث عىل َّ‬
‫ُّ‬
‫قصور يف العمل الصالح؛ ال يخ َبر‪.‬‬
‫العلم أحد ًا دون اآلخر‪ ،‬مِثل أن‬
‫ويدل أيض ًا عىل جواز تخصيص ِ‬
‫ُّ‬
‫يع ّلم أشخاص ًا الفرائض وال يع ّلم آخرين؛ ألهنم قد ال يستطيعون تع ُّلم‬
‫الفرائض وهكذا‪.‬‬
‫(َّل ت َب ِّش ْره ْم َف َي َّتكِلوا)؛ أي‪ :‬قد ال َيفهمون هذا الحديث؛ ف َيعملون‬
‫َ‬
‫المعاصي والسيئات‪ ،‬فقد يظن المستمع أن الزاين والسارق ال ي َّ‬
‫عذب؛‬
‫وهو تحت المشيئة إن شاء اهلل َّ‬
‫عذبه وإن شاء َغفر اهلل له‪.‬‬
‫العلم للمصلحة‪ ،‬مثل‪ :‬لو َدخل شخص عىل‬ ‫فيدل عىل جواز كتمان ِ‬
‫ُّ‬
‫عصاة‪ ،‬وهم َيشربون الخمور‪ ،‬وق ْبل أن يشربوا الخمور لو أخبرهم هبذا‬
‫الحديث قد يشربوهنا‪ ،‬ويقولون‪ :‬نحن ال نشرك باهلل‪ ،‬فيظنون َّ‬
‫أن اهلل ال‬
‫يعذب عىل شرب الخمر؛ وأنَّه تحت المشيئة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫يح ْي ِن)‪ ،‬هنا انتهى المصنِّف رمحه اهلل من‬
‫ح َ‬‫قال‪َ ( :‬أ ْخر َجاه فِي الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫األول‪.‬‬
‫الباب َّ‬
‫‪49‬‬ ‫مقرر األسبوع الثاين‬

‫***‬

You might also like