Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 17

‫٘‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫ض َها‬‫احلمد هلل القائل‪َ  :‬و َسا ِرعُوا إِ ََل َمغْ ِف َرٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم َو َجن ٍة َع ْر ُ‬
‫ي‪[ ‬آؿ عمراف‪ ...]ٖٖٔ :‬والصبلة‬ ‫ت لِل ِ‬ ‫ات و ْاْلَر ِ‬
‫ْمتق َ‬‫ض أُعد ْ ُ‬ ‫الس َم َاو ُ َ ْ ُ‬
‫والسبلـ على القائل‪« :‬إن هللا حيب معايل اْلمور ويكره سفاسفها»‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬أخيت طالبة الكلية‪ ...‬يا حبيبة فؤادي‪ ..‬فإف ٍّ‬
‫لكل منَّا‬
‫لكل منا غاية‪ ..‬فما ىي غايتك‪..‬‬ ‫دائما لتحقيقة‪ ..‬و ٍّ‬ ‫ىدؼ نسعى ً‬
‫مجيعا يف ىذه احلياة العمل مبا‬ ‫شك أف ىدفنا ً‬ ‫وما ىو مطلبك؟ ال َّ‬
‫أوجب هللا‪ ،‬وترؾ ما هنى عنو‪ ،‬وما ذاؾ إال للفوز باجلنة والنجاة من‬
‫فكثًنا ما طلالط يف أعمالنا ودراستنا ورلتمعنا بأكملوُ أفر ًادا‬ ‫النار‪ً ...‬‬
‫ُكثر‪ ..‬يُرى فيهم من احلِرص على اخلًن والرغبة يف الصبلة ما يُثلِج‬
‫الصدور‪ ،‬ويُفرح القلب‪ ..‬ولكن يبقى السؤاؿ‪ :‬كيف نقوم بإيصال‬
‫اخلري هلؤالء؟‪ ...‬وكيف نساىم يف زيادة إمياهنم؟‪ ..‬كيف نبدأ‪..‬‬
‫ومباذا نبدأ؟‬
‫أختاه‪ ..‬إف الذين يستحقوف التقدير واالحرتاـ ىم أولئك الذين‬
‫ىم ىذا‬ ‫ِ‬
‫جتاوزوا عقبات أنفسهم إىل محل علوـ اآلخرين‪ ..‬ومحل ّ‬
‫الدين‪ ..‬فاذلِ َّمة العالية ىي احلل الوحيد وادلفتاح األكيد لئلجابة على‬
‫تساؤلنا يف كيفية إيصاؿ اخلًن إىل مجيع طبقات اجملتمع‪ .‬نعم‪ ،‬اذلمة‬
‫العالية غاية كل مسلم ومسلمة يُريد سلوؾ الصراط ادلستقيم بعزؽلة‬
‫ورشد‪.‬‬‫ُ‬
‫فالطالبة املثالية واليت تستحق ىذا اللقب بكل جدارة ىي اليت‬
‫دائما إىل طلب معايل األمور واليت تػَُرِّّب نفسها على‬ ‫تسمو روحها ً‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫‪ٙ‬‬

‫الرقي يف طلب النهايات‪ ..‬والرتفع عن ما دوف النهاية‪..‬‬ ‫الكماؿ و ُ‬


‫ولكن يف أي شيء يكوف الكماؿ؟ إنوُ يف العمل لآلخرة والتقرب إىل‬
‫هللا باألعماؿ الصاحلة‪ ..‬فها ىو مرّب اإلنسانية وقائد البشرية وخًن‬
‫علو اذلِمة فيقوؿ‪:‬‬ ‫الَبيَّة بأّب ىو وأمي‪ ،‬يوـ يُرّب أصحابو و َّأمتوُ على ِّ‬ ‫َ‬
‫«إذا سألتم هللا فاسألوه الفردوس فإنوُ سر اجلنة»‪ ،‬مل يقصر علمهم‬
‫على اجلنة فحسب‪ ..‬بل الفردوس األعلى؛ ألف ادلؤمن عايل اذلِ َّمة ال‬
‫يرضى بالدوف‪ .‬أو ما دوف النهاية‪ ..‬ال سيما من أمور الطاعات‬
‫والقربات إىل هللا‪.‬‬
‫فهذا وىيب بن الورد يقول يف الرتبية اإلميانية‪« :‬إذا استطعت‬
‫السنَّة أمحد بن حنبل‬ ‫أف ال يسبقك إىل هللا أحد فافعل»‪ ..‬أما إماـ ُّ‬
‫رمحو هللا عندما ُسئِل م ى الراحة يا أبا عبد هللا؟ فقاؿ‪« :‬عند أوؿ قدـ‬
‫نضعها يف اجلنة»‪ .‬رمحهم هللا تعاىل‪.‬‬
‫وإليك يا أخية بعض من صور علو اذلمة اليت جتعل الطالبة مثالية‬
‫يف صفاهتا‪ ..‬مثالية يف أخبلقها‪ ..‬مثالية يف تعاملها‪ ..‬مثالية يف كل‬
‫رلاؿ‪..‬‬
‫أخييت‪ ..‬اعلمي أف ادلرء ال يولد عادلا‪ ..‬إظلا ىي تربية النفس على‬
‫ً‬
‫اذلِ َّمة وطلب معايل األمور‪ ..‬فهناؾ مرحلة الشباب من أفضل مراحل‬
‫العُمر على اإلطبلؽ وىي مرحلة النتاج والعمل‪.‬‬
‫عوض يف العُمر‪ ..‬فهي مرحلة القوة بٌن الضعفٌن‪،‬‬ ‫فرصة ال تُ َّ‬
‫ضعف الطفولة وضعف الشيوخة‪ ،‬قاؿ تعاىل‪ :‬اَّللُ ال ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن‬
‫ف قُو ًة ُُث َج َع َل ِم ْن بَ ْع ِد قُوٍة َ‬
‫ض ْع ًفا‬ ‫ف ُُث َج َع َل ِم ْن بَ ْع ِد َ‬
‫ض ْع ٍ‬ ‫ض ْع ٍ‬
‫َ‬
‫مخسا قبل‬ ‫َو َش ْيبَةً‪[ ‬الروـ‪ .]٘ٗ :‬وقاؿ ادلصطفى ‪« :‬اغتنم ً‬
‫‪ٚ‬‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫مخس»‪ .‬وذَ َكَر منها‪« :‬وشبابك قبل ىرمك»‪ ..‬وما ىذا إال ألف‬
‫الشباب ىو وقت القدرة على الطاعة‪ ..‬وىو ضيف سريع الرحيل‪..‬‬
‫وإف مل يغتنموُ العاقل اللبيب فإنوُ يبقى يف نفسو حسرة وندامة؛ ألف‬
‫العُمر ال ؽلكن أف يرجع إىل الوراء‪ ..‬فاعملي اآلف آلخرتك قبل‬
‫فواتكم األواف‪ ..‬فاستدركي ما بقي من عمرؾ واجعلي أماؾ قاعدة‬
‫وغدا حساب»‪.‬‬
‫«اليوـ عمل‪ً ..‬‬
‫كوين ذات مهة عالية‪ ..‬فللو َّدر تلك الطالبة اليت علتها تناطح‬
‫السحاب‪ ،‬ح ى يف دراستها فهي احلكيمة اليت علمت أف ختصصها‬
‫ؼلدـ دينها ودنياىا‪ ..‬ال كما ترى بعض اجلاىبلت – ىداىن هللا –‬
‫بأف التخصصات غًن الشرعية مثبلً [اللغة االصلليزية – الرياضيات –‬
‫وغًنىا‪ ]...‬ال ختدمها يف دينها وال دنياىا‪ ..‬وقد ُسئل الشيخ زلمد‬
‫بن صاحل العثيمٌن رمحو هللا عن مثل ىذا الكبلـ‪ ..‬فقاؿ‪« :‬بل يؤجر‬
‫ادلتعلم إذا نوى هبذا العلم خدمة اإلسبلـ وأىلو واالستغناء من غًن‬
‫ادلسلمٌن يف بلد اإلسبلـ»‪ .‬فأخلصي هلل وأنوي هبذا التخصص خدمة‬
‫بنات ادلسلمٌن‪ ..‬واجعليو رلاالً خصبًا دلمارسة الدعوة إىل هللا‪ ،‬فإذا مل‬
‫تكن اذلمة العالية يف الدعوة إىل هللا وتبليغ ما جاء بو الرسوؿ ‪‬‬
‫والسبق إيل جنة عرضها السموات واألرض‪ ..‬فأين تكوف اذلمة‬
‫العالية؟‪ ..‬فاعلمي أف الدعوة إىل هللا ىي وظيفة األنبياء وادلرسلٌن‪:‬‬
‫‪‬ي َق ْوم ا ْعبُ ُدوا اَّللَ َما لَ ُك ْم ِم ْن إِلَ ٍو غَْي ُرهُ‪[ ‬األعراؼ‪ ..]ٜ٘ :‬وىي‬
‫أشرؼ األعماؿ وأحسنها‪ ..‬ومن أَحسن قَ وًال ِِمن دعا إِ ََل ِ‬
‫اَّلل َو َع ِم َل‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ْ ْ َ َ‬
‫ي‪‬‬ ‫ِ‬
‫ال ُْم ْسل ِم َ‬ ‫ِم َن‬ ‫إِن ِِن‬ ‫ال‬
‫َوقَ َ‬ ‫صِ‬
‫اِلًا‬ ‫َ‬
‫[فصلت‪.]ٖٖ :‬‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫‪ٛ‬‬

‫قومو يدعوىم إىل هللا ألف‬ ‫ث يف ِ‬ ‫فهذا نيب هللا نوح ‪َ ‬م َك َ‬
‫عاما ومل يؤمن معو إال (مائة رجل وامرأة) يف أصح‬ ‫سنة إال مخسٌن ً‬
‫أقواؿ العلماء‪ ،‬وىذا يعين أنوُ يف كل مائة عاـ يؤمن لوُ شخص‬
‫واحد‪ ..‬ومع ىذا مل يستعجل‪ ..‬ومل يفرت عن دعوهتم إىل دين هللا‪.‬‬
‫وىذا خري اخللق حممد ‪ ،‬أفىن عمره كلو يف الدعوة إىل هللا‪..‬‬
‫ومل يفرت‪.‬‬
‫يضرؾ قلة ادلتجاوبٌن‪ ..‬وال تلتفيت إىل ىذا األمر‪،‬‬ ‫فيا أخية‪ ..‬ال َّ‬
‫وال تستعجلي النتائج‪ ..‬فالنصر آت بإذف هللا سواءً لك أو دلن يسلك‬
‫سلكك ‪‬فَِإن ِحزب ِ‬
‫اَّلل ُى ُم الْغَالِبُو َن‪[ ‬ادلائدة‪.]٘ٙ :‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ َ‬
‫فاسلكي سبيل الدعوة إىل هللا‪ ..‬فأنت مكلَّفة بأمر تبليغ ىذا‬
‫وزل ِزف أف يكوف‬ ‫الدين «بلِّغوا عِن ولو آية»‪ .‬فوهللا إنوُ دلؤ ِسف ُ‬
‫الدعاة يف أ َُّمة ادلليار مسلم شلَّن َعلَت أعمارىم اخلمسٌن!‬ ‫ُ‬
‫وىنا سؤاؿ‪ ...‬ماذا قدمنا ذلذا الدين؟ وخاصة ضلن معشر‬ ‫ُ‬
‫الفتيات‪ ..‬وأظنك ال جتهلٌن مكانة البنت قبل اإلسبلـ‪ ..‬إهنا تدفن‬
‫حية‪ ..‬مبعىن ُكنا يف عداد األموات‪ ..‬فلما جاءت الشريعة السمحة‬
‫حرمت ىذا‪ ..‬وأعطت ادلرأة كامل حقوقها‪ ..‬وأعادت ذلا ِعَّزهتا‬ ‫َّ‬
‫وكرامتها ادلهدرة‪ ..‬وأخرجتها من تلك اجلاىلية العمياء‪ ..‬فياهلل ما‬
‫ُ‬
‫وفخرا أف ننتسب‬ ‫ا‬‫ً‬‫ف‬
‫شر‬ ‫ورّب‬ ‫ويكفينا‬ ‫‪..‬‬ ‫و‬‫َّ‬
‫ل‬ ‫أج‬ ‫وما‬ ‫‪..‬‬‫دين‬ ‫أعظموُ من‬
‫ً‬
‫إىل ىذا الدين‪..‬‬
‫وك دت بأ ص أط أ الثُري ا‬ ‫ًرا‬ ‫وِم ا زادين ش رفًا وف‬
‫وأن ص ريت أمح د يل نبي ا‬ ‫قول ي ي ا عب ادي‬ ‫دخ ويل ق‬
‫‪ٜ‬‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫وجلَده وما‬ ‫وإننا لنعجب ويعجب كمل مسلم من صَب الكافر َ‬
‫نسمعو عن تفاين أىل الباطل يف باطلهم‪ ..‬وكيف أهنم يبذلوف‬
‫أعمارىم وأوقاهتم وأمواذلم رخيصة يف سبيل نشر باطلهم‪ ..‬وىاؾ‬
‫شاىد على ىذا‪ ..‬قصة يرويها أحد الدعاة إىل هللا عندما ذىب‬
‫ألدغاؿ أفريقيا‪ ..‬غابة صغًنة مليئة باذلواـ‪ ..‬والوحوش‪ ..‬وعدد‬
‫السكاف قليل وقد أملَّ هبم اجلوع والفقر واألمراض واألوبئة‪ ..‬يف ىذه‬
‫الغابة قصر صغًن بو عجوز قد ضعف بصرىا‪ ..‬تعيش مبفردىا‪ ..‬فلما‬
‫عاما‪ ..‬لنشر‬ ‫سئل عنها‪ .‬قالوا‪ :‬ىذه العجوز مكثت ُىنا قُرابة (ٖ٘) ً‬
‫الدعوة إىل النصرانية‪ ..‬فلِ َم كل ىذا؟! وما ىذا الصَب؟! صَبت على‬
‫اجلوع واألمراض والفقر لتعيش يف تلك الغابة ادلخيفة من أجل نشر‬
‫ُ‬
‫الباطل‪ .‬ويبقى السؤاؿ‪ ..‬الذي نقف حيارى أمامو‪ :‬أليس ىذا الدين‬
‫أوىل بالنشر والتمكٌن‪ ..‬السيما أنو احلق ادلبٌن‪..‬‬
‫فيا أخية‪ ..‬جددي عزمك‪ ..‬وخوضي ِغمار الدعوة إىل هللا‪..‬‬
‫البد للطريق من زاد‪ ..‬فما ىو زادؾ يف طريق الدعوة إىل هللا؟‬ ‫لكن َّ‬
‫إنو العلم‪ ..‬فلن تستطيعي الدعوة إىل هللا إال بطلب العلم‪..‬‬
‫الذي يتحقق من خبللو صبلح الدنيا واآلخرة‪ .‬فَا ْعلَ ْم أَنوُ َال إِلَوَ إِال‬
‫الدعاة إىل هللا‬ ‫ي‪[ ‬زلمد‪]ٜٔ :‬؛ لذلك غلب على ُ‬ ‫استَ غْ ِف ْر لِ َذنْبِ َ‬
‫اَّللُ َو ْ‬
‫أف يتعلَّموا العلم الشرعي الصحيح قبل أف يدعو الناس‪ ..‬فالعلم‬
‫الشرعي ىو مفتاح الدعوة إىل هللا‪ ..‬وأسرع طريق للوصوؿ إىل عقوؿ‬
‫سبب للوقوع يف اخلطأ‪ ..‬وىو داءٌ عُضاؿ‪ ،‬إذا‬ ‫الناس وقلوهبم‪ ،‬واجلهل ٌ‬
‫سرى فشا يف األمة‪ ..‬فكم من حبلؿ ُحِّرـ‪ ...‬وكم حراـ ُحلل‪ .‬وما‬
‫ومن علَت علتها‬ ‫ذاؾ إال بسبب اجلهل‪ ..‬وهبذا يتحتم على الداعية َ‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫ٓٔ‬
‫للسبق يف الطاعات أف تطلب العلم الشرعي حبقو‪ ،‬بل ىي يف أمس‬
‫احلاجة إىل الزود من العلم الشرعي الصحيح‪.‬‬
‫فمن ادلؤسف أف نرى بعض الفتيات ظاىرىن الصبلح والتقوى‬
‫ولكن عندما صلالسهن وضلادثهن نسمع اجلهل ادلطبق ألبسط أحكاـ‬
‫الشريعة‪ .‬فيا زلمية ىذا الدين‪ ..‬يا ُد َّرًة مصونة‪.‬‬
‫أال ترين ‪-‬يا حفيدة عائشة‪ -‬ىذه اجلموع الغفًنة من نساء‬
‫ادلسلمٌن‪ ..‬أال ترين حاذلم وجهلهم بأمور دينهم‪َ ..‬من ذلم بعد هللا‬
‫إال أنت وأمثاذلم ادلخلصات بإذف هللا‪ ..‬أيعقل أف نرتكهم يف جهلهم‬
‫وغفلتهم يتخبطوف؟! ال أظنك وأمثالك ترضٌن ىذا‪ ..‬فظين بك أنك‬
‫رمز بارز بإذف هللا من رموز الصحوة اإلسبلمية اليت ِّ‬
‫تبشر باخلًن‬
‫العظيم‪..‬‬
‫القدوة اِلسنة‬
‫كوين قدوًة لغًنؾ‪ ..‬نعم‪ ..‬قدوة للزميبلت قدوة للمعلمات‪..‬‬
‫قدوة للكبار والصغار‪ ..‬والنساء‪ ..‬فكم من امرأة فاقت أقراهنا‪ ..‬فبأي‬
‫شيء؟ باألفعاؿ قبل األقواؿ‪ ..‬فبل ؼلالف فعلك قولك‪:‬‬
‫يم‬
‫ع ُ‬ ‫ار علي ي إذا فعل‬
‫ع ٌ‬ ‫ال ت ْن و ع ن خل ٍق وت أ مثل وُ‬
‫كوين قدوة يف ملبسك‪ ..‬فبل تلبسٌن ما ُؼلدش احلياء ُِ‬
‫وؼل َّل‬
‫بادلروءة ويُسقطك ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬من أعٌن الناس‪ ،‬وإال فلن يُقبل‬
‫دائما حتت اجملهر‪ ..‬كذلك ال‬ ‫منك كلمة وال موعظة‪ ،‬فأخطاؤؾ ً‬
‫الرث من الثياب فيعتقد البعض من الناس أف الدين يدعو إىل‬ ‫تلبسٌن َّ‬
‫التبذؿ والتقشف فيكرىوف االستقامة‪ ..‬وال تلبسٌن الباىظ الثمٌن‪..‬‬
‫بل كوين متوسطة ‪َ ‬وَك َذلِ َ‬
‫ي َج َعلْنَا ُك ْم أُمةً َو َسطًا‪[ ‬البقرة‪.]ٖٔٗ :‬‬
‫ٔٔ‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫أخييت‪ ..‬احذري أف تكوف سببًا يف التناقض بٌن الدعوة والسلوؾ‬
‫والقوؿ والعمل‪ ..‬وأبذيل قصارى جهدؾ يف سبيل حتقيق مبدأ القدوة‬
‫يف ادللبس وادلأكل وادلشرب والتعامل مع اآلخرين‪ ..‬وليكن عليك وقار‬
‫وسكينة‪ ..‬وذلك إجبلالً دلا حتصلينو من علم‪ .‬وال تكثري من ادلباح‬
‫زلرمة لكن اإلكثار منها يؤدي‬ ‫كالضحك واللعب والنوـ‪ ،‬فهي ليست َّ‬
‫إىل أمر خطًن‪ ،‬أال وىو الغرؽ يف الشهوات‪ ،‬والدعوة إىل الرتاخي‬
‫والكسل عن الطاعات‪ ،‬والركوف إىل الدنيا الفانية‪..‬‬
‫كذلك كوين قدوة بأف يكوف وقتك كلو عبادة‪ ..‬فاجعلي لسانك‬
‫رطبًا بذكر هللا‪ ..‬وكوين قدوة لزميبلتك فاهلل تعاىل امتدح عباده ادلؤمنٌن‬
‫ي‬‫اجنَا َوذُ ِّرياتِنَا قُرةَ أَ ْع ُ ٍ‬‫بقولو‪ :‬وال ِذين ي ُقولُو َن رب نَا َىب لَنَا ِمن أَ ْزو ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫فتأملي ىذه اآلية‪ ..‬مل‬ ‫ي إِ َم ًاما‪[ ‬الفرقاف‪َّ ..]ٚٗ :‬‬ ‫واجعلْنَا لِل ِ‬
‫ْمتق َ‬
‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫يسألوا هللا اإلؽلاف والذرية الصاحلة فحسب‪ ،‬بل سألوا هللا بأف يكونوا‬
‫أئمة يُقتدى هبم يف الطاعات واخلًنات‪.‬‬
‫أختاه‪ ..‬ال بأس بأف تظهري بعض أعمالك الباطنة على أف‬
‫تكوف النية ىو االقتداء بك ال الثناء عليك‪ ..‬فالشيخ زلمد بن‬
‫عثيمٌن رمحو هللا عندما ُسئِل عن حكم إظهار بعض العبادات‬
‫والنوافل أماـ األىل من أجل االقتداء وفعل الطاعات‪ ..‬ال للثناء من‬
‫الناس؟ فأجاب رمحو هللا‪ :‬ال بأس إذا اقتضت ادلصلحة ذلك‪ ..‬وعُلِم‬
‫أف ىذا األمر سيتأثروف بو ويقوموف بتلك الطاعات‪.‬‬
‫فيا أختاه‪َ ..‬كَِّبى عند الصعود للطابق العلوي‪ ..‬وسبِّحي عند‬
‫رحم رّب‪..‬‬ ‫السنَّة ادلنسيَّة إال ما ِ‬ ‫النزوؿ‪ ..‬واذ ّكِري صديقاتك هبذه ُّ‬
‫أكثري من االستغفار‪ ،‬والثناء واحلمد هلل‪ .‬فهذا ص ِّديق ىذه األ َُّمة َّ‬
‫مر‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫ٕٔ‬

‫يوما على محَّاؿ حطب‪ ..‬فإذا ىو يستغفر هللا وػلمده‪ ،‬فقاؿ لو‪ :‬يا‬ ‫ً‬
‫فبلف‪ ،‬ملَ االستغفار واحلمد؟ فقاؿ‪ :‬أنا بٌن ذنب فأستغفر هللا منو‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلماؿ أفضل من أّب‬ ‫وبٌن نعمة فأمحد هللا عليها‪ ..‬فقاؿ أبو بكر‪َّ :‬‬
‫احلماؿ أفضل من أّب بكر‪..‬‬ ‫بكر‪َّ ..‬‬
‫فكلنا ‪-‬يا أخية‪ -‬نتقلب وهللا يف نِعم هللا صباح مساء‪ ..‬فهل‬
‫َّأدينا حقها من الشكر‪ ..‬ىل شكرنا هللا ولو على نعمة اإلؽلاف ‪‬بَ ِل‬
‫ِ ِ‬
‫اَّللُ َميُ ُّن َعلَْي ُك ْم أَ ْن َى َدا ُك ْم ل ِْْلميَان‪[ ‬احلجرات‪َ ..]ٔٚ :‬‬
‫ومن منَّا ال‬
‫ومن منَّا ال يُ ِذنب‪ ،‬فهبل استغفرنا هللا من ذنوبنا العِظاـ اليت‬ ‫ُؼلطئ‪َ ..‬‬
‫ختر ذلا اجلباؿ الرواسي‪ ..‬وىل شكرنا نِعم هللا اليت ال تُعد وال ُحتصى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وىا‪[ ‬النحل‪ ..]ٔٛ :‬فالشكر دأب‬ ‫ص َ‬‫‪َ ‬وإِ ْن تَ ُع ُّدوا ن ْع َمةَ اَّلل َال ُقْ ُ‬
‫ادلؤمنٌن فهذا الفاروؽ عمر بن اخلطاب ‪ ‬مسع رجبلً يقوؿ‪« :‬اللهم‬
‫اجعلِن من اْلقلي»‪ .‬فقاؿ‪ :‬يا عبد هللا‪ ،‬وما األقلوف؟ قاؿ‪ :‬يقوؿ هللا‬
‫ي‬ ‫تعاىل‪ :‬وما آمن معوُ إِال قَلِيل‪[ ‬ىود‪ ،]ٗٓ :‬وقَلِ ِ ِ ِ‬
‫يل م ْن عبَاد َ‬
‫َ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ََ َ َ ََ‬
‫ور‪[ ‬سبأ‪.]ٖٔ :‬‬ ‫الش ُك ُ‬
‫ٖٔ‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫بذل النصيحة‬
‫ال يدفعك ُحب الصديقات إىل ترؾ نُصحهن‪ ،‬فهناؾ الكثًن‬
‫منهن ينتظرف منك النُصح والتوجيو بطريقة مباشرة أو غًن مباشرة‪،‬‬
‫ومن تلبس عباءة الكتف‪ ،‬ورمبا لبستها رلاراة‬ ‫فهناؾ ذات النقاب‪َ ،‬‬
‫وتقليدا للصديقات‪ ،‬وجتهل احلكم الشرعي ذلا‪ ..‬ومنهن َمن‬ ‫ً‬ ‫للموضة‬
‫تفنت الشباب أثناء اخلروج‪ ..‬ومنهن َمن ترتؾ الصبلة يف الكلية حبجة‬
‫أهنا ال تستطيع الصبلة يف مكاف ِبو إزعاج أو أهنا ال ختشع يف صبلهتا‬
‫إال يف منزذلا‪ ..‬ورمبا ال تكوف يف منزذلا إال بعد خروج وقت الصبلة‪..‬‬
‫وإف دخلت ادلنزؿ يف وقت الصبلة رمبا نقرهتا نقر الغراب ألهنا متعبة‪.‬‬
‫فيا أخية‪ ..‬أال ترين ىؤالء من ذلن بعد هللا؟ َمن يرشدىن‪َ ..‬من‬
‫ب كلمة منك‬ ‫يوجههن‪ِ ..‬ملَ نرتؾ ىؤالء‪ ..‬فبل تغفلي عن النصيحة ُفر َّ‬
‫فغًنت من شأهنا ما‬ ‫خرجت بإخبلص وقعت يف قلب من نصحتيها َّ‬
‫دائما باللٌن واحلكمة‪ ،‬فاهلل تعاىل‬ ‫ِ‬
‫هللا بو عليم‪ ..‬واجعلي نصحك ً‬
‫ف‪[ ‬آؿ‬ ‫ي فَا ْع ُ‬‫ْب َالنْ َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫يقوؿ‪َ  :‬ولَ ْو ُك ْن َ فَ ا غَلِي َ‬
‫ظ الْ َقل ِ‬
‫عمراف‪ ،]ٜٔ٘ :‬وجتنَّيب النُصح أماـ اآلخرين؛ ألنوُ غالبًا غًن مقبوؿ‬
‫فهو نوع من التشهًن وفضيحة ادلنصوح‪ ،‬ويوِرث الشحناء والبغضاء يف‬
‫يصد دعوتك‪.‬‬ ‫الظاىر والباطن‪ ..‬وبذلك ُ‬
‫وجنِّب ِن النص يحة يف اجلماع ة‬ ‫تعم دين بنص حي يف انف رادي‬
‫م ن الت وبيض ال أرض اس تماعو‬ ‫ب ي الن اس ن و‬ ‫ف إن النص‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫ٗٔ‬

‫اْلمر باملعروف والنه عن املنكر‬


‫إف من مطلبها جنة عرضها السموات واألرض‪ ..‬ال ختاؼ يف هللا‬
‫لومة الئم‪ ..‬فهي تأمر بادلعروؼ وتنهى عن ادلنكر‪ ..‬ىي تلك الفتاة‬
‫اليت اختذت العلم والصَب والرفق منهج يف أمرىا بادلعروؼ وهنيها عن‬
‫ادلنكر‪ ،‬فبل تأمر وتنهى إال بالعلم الشرعي الصحيح‪ ،‬والدليل القاطع‬
‫السنَّة‪ ..‬كذلك الرفق واللٌن‪ ..‬فالنفوس ُجبِلَت على زلبة‬ ‫من الكتاب و ُّ‬
‫وػلسن إليها بالكبلـ‪ ،‬يقوؿ ادلصطفى ‪« :‬ما كان‬ ‫من يرفق هبا‪ُِ ..‬‬
‫َ‬
‫الرفق يف ش ء إال زانو‪ ،‬وما نُز َ من ش ء إال شانو»‪.‬‬
‫كذلك الصَب واجملاىدة‪ ..‬فبلبد من الصَب على األذى بعد القياـ‬
‫هبذه الشعًنة ادلباركة‪ ..‬وما من دعوة إال أذي صاحبها‪ ..‬فكيف ال‬
‫يؤذى‪ ،‬واآلمر بادلعروؼ والناىي عن ادلنكر قد حاؿ بٌن الشخص‬
‫الذي ُرئي على ادلنكر وبٌن شهواتو ورغباتو‪ ..‬فيا أخية ثقي باهلل‬
‫واعلمي أف هللا معك‪ ،‬والنصر للمؤمنٌن بإذف هللا تعاىل ‪َ ‬واَّللُ َم َع‬
‫ِ‬
‫ين‪[ ‬البقرة‪.]ٕٜٗ :‬‬ ‫الصاب ِر َ‬
‫أخي‪ ..‬رعاؾ هللا‪ ..‬إف صاحبة اذلمة العالية ىي تلك الداعية يف‬
‫كل زماف ومكاف‪ ..‬ليس ذلا وقت زلدد وال زماف مقيَّد‪ ..‬ال تتغًن‬
‫مهما تغًنت األزمنة واألمكنة‪ ..‬نعم‪ ..‬فهي صاحبة اذلمة العالية بنتًا‬
‫وزوجة و ٍّأما وطالبة ومعلمة علها األوؿ واألخًن ‪ِ‬يف َجن ٍة َعالِيَ ٍة (‪)22‬‬
‫قُطُوفُ َها َدانِيَةٌ‪[ ‬احلاقة‪.]ٕٖ ،ٕٕ :‬‬
‫نراىا يف الكلية أو اجلامعة داعية بالقوؿ والعمل والنصيحة ونشر‬
‫العلم بإقامة الدروس ادلصغرة واحللقات العلمية النافعة‪.‬‬
‫* خترج للنزىة الَبية‪ ،‬فتشتغل بالتفكر والتأمل والتدبر يف صنع‬
‫٘ٔ‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫اخلالق اجلليل‪ ..‬ال تضيع دقيقة واحدة من وقتها‪ ..‬علمت أف الدنيا‬
‫فحولتها طاعة‪ .‬تأخذ الكتيب للقراءة‪ ،‬تأخذ ادلصحف‬ ‫ساعة‪َّ ،‬‬
‫عددا من ادلطويات ادلختلفة اليت تناسب‬
‫للمراجعة‪ ،‬حتمل يف حقيبتها ً‬
‫ادلكاف‪ ،‬فتلك عن استغبلؿ الوقت‪ ،‬وأخرى عن غض البصر‪ ،‬وثالثة‬
‫عن احلجاب وحكم عباءة الكتف‪ ..‬وىي تعلم قاعدة «قليل دائم‬
‫خًن من كثًن منقطع»‪.‬‬
‫* عندما خترج حلفل زفاؼ‪ ..‬حتمل األشرطة وادلطويات وتصوير‬
‫بعض الفتاوى عن بعض أحكاـ الزفاؼ‪ ،‬فهناؾ يف احلفبلت‪ ،‬الغناء‬
‫ادلاجن ‪-‬إال ما رحم رّب‪ -‬واللباس الفاضح الذي تلبسو َمن جتردت‬
‫من احلياء‪ ،‬والسخرية‪ ،‬واالستهزاء‪ .‬لذلك نراىا َّ‬
‫تعد لؤلمر عُدَّتو‪،‬‬
‫وسللي دلسؤوليتها أماـ هللا كداعية محلت‬
‫مفيدا‪ُ ،‬‬
‫نافعا ً‬
‫تأخذ ما تراه ً‬
‫أمانة التبليغ عن ادلصطفى «بلِّغوا عِن ولو آية»‪ .‬فللو درىا من فتاة‬
‫نسأؿ هللا أف يكثر من أمثاذلا يف بنات ادلسلمٌن‪.‬‬
‫جماىدة النفس‬
‫صاحبة اذلمة العالية ىي تلك اليت حتفظ كل دقيقة من عمرىا‪،‬‬
‫وحترص على أف ال ؽلر عليها ساعة إال وتغتنمها فيما يعود عليها‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ..‬فهي حتفظ حديث ادلصطفى ‪:‬‬ ‫بالنفع والفائدة يف ُ‬
‫«ليس يتحسر أىل اجلنة عل ش ء إَل عل ساعة مرت هبم مل‬
‫يذكروا هللا عز وجل فيها»‪.‬‬
‫ىي تلك اجملاىدة اليت جتاىد نفسها واذلوى‪ ...‬رغم كوهنا لديها‬
‫دواـ رمسي يف الكلية أو اجلامعة إال أهنا ُجتاىد وتقضي بقية يومها يف‬
‫طاعة هللا‪ ،‬فإما أف تكوف طالبة للعلم تقرأ يف أمهات الكتب‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫‪ٔٙ‬‬
‫وشروحات أىل العلم‪ ..‬أو تلتحق بإحدى حلقات القرآف الكرمي‬
‫إلدتاـ حفظها أو ادلراجعة‪ ..‬تكتب الكلمة والنصيحة‪ ،‬تلقي احملاضرة‬
‫وادلوعظة وكأهنا متفرغة ألمر دينها فقط‪ .‬وما أف تبدأ اإلجازة إال‬
‫وتعلو الطموحات‪ ،‬وجتدد اذلمم‪ ..‬تبدأ بطلب العلم الشرعي‪ ،‬تلتحق‬
‫بالدورات الشرعية يف منطقتها‪ ..‬تشارؾ يف مسابقات حفظ القرآف أو‬
‫األحاديث لديها دروس أسبوعية‪ ،‬أو شهرية‪ ..‬تشارؾ يف ادلخيمات‬
‫الدعوية‪..‬‬
‫وما أف تنتهي اإلجازة إال ولديها حصيلة من العلم الشرعي‪ ،‬وقد‬
‫أدتت حفظ كتاب هللا‪ ..‬هلل درىا َّ‬
‫ذكرتنا بابنة اإلماـ مالك رمحو هللا‪..‬‬
‫عندما حفظت ادلوطَّأ‪ ..‬وإذا أخطأ أحد تبلمذة اإلماـ ومل ينتبو طرقت‬
‫الباب‪ ..‬فينتبو أباىا‪ ،‬ويأمر القارئ أف يُصحح اخلطأ‪ ..‬فكم وهللا‬
‫ضلتاج دلثل ىذه الفتاة يف زمن زىدت النساء يف تعلم أبسط األحكاـ‬
‫جل علهن السعي وراء حطاـ الدنيا‬ ‫الشرعية‪ ..‬ضعفت اذلِمم‪ ،‬وأصبح َّ‬
‫الفانية‪ .‬وهللا ادلستعاف‪.‬‬
‫الزىد يف الدنيا‬
‫إف من علت علتها ومست روحها إىل الرقي يف درجات الكماؿ‬
‫الدنيا وزخرفها‪ :..‬بل تدرؾ حقارهتا وزوالتها‪،‬‬ ‫ال تلتفت إىل مباىج ُ‬
‫الدنيا ال تساوي عند هللا جناح بعوضة‪ ..‬فجناح‬ ‫فهي تعلم أف ُ‬
‫لما للوصوؿ‬ ‫الدنيا إال َمن اختذىا ُس ً‬
‫البعوضة أكرـ عند هللا من ىذه ُ‬
‫إىل الدار اآلخرة‪...‬‬
‫واعلمي يا أخية أف أكَب ُمعٌن لك على الزىد يف ىذه الدنيا ىو‬
‫التضرع إىل هللا بأف يصرفها عنك‪ ..‬واإلكثار من ِذ ْكر ادلوت ويوـ‬
‫‪ٔٚ‬‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫العرض على هللا بأىوالو ومواقفو فهذا عمر بن عبد العزيز رمحو هللا‬
‫يقوؿ‪ :‬لو فارؽ ِذ ْكر ادلوت قليب ساعة لفسد‪..‬‬
‫ورسوؿ هللا ‪ ‬وصحابتو والسلف الصاحل ضربوا لنا أروع األمثلة يف‬
‫الس ًَن شاىدة على ىذا‪ ..‬فإف َمن يقرأىا ويتمعن فيها‬ ‫ِ‬
‫الزىد‪ ،‬وُكتب ّ‬
‫يرى عجبًا عُجابًا ألُناس طلَّقوا الدنيا ثبلثُا ببل رجعة‪ ،‬ذلك الرعيل‬
‫الدنيا ومآذلم إىل‬ ‫األوؿ الذي فقو ما أمرىم هللا بو وتدبروا حقيقة ُ‬
‫اآلخرة‪ ..‬فأكرموا أنفسهم عن ىذه الفانية وآثروا الباقية ‪َ ‬و ْاْل ِخ َرةُ َخ ْي ٌر‬
‫احدا فقط من عدة‬ ‫ظلوذجا و ً‬‫ً‬ ‫َوأَبْ َق ‪[ ‬األعلى‪ ..]ٔٚ :‬وأذكر لك‬
‫الدنيا وتػَُّر ِغب يف اآلخرة‪ ..‬حضر «ػلٍن بن زكريا»‬ ‫ظلاذج اليت تزىد يف ُ‬
‫إىل اإلماـ مالك وىو صغًن‪ ،‬وكاف اإلماـ مالك يعجبوُ مستوُ وعقلو‪،‬‬
‫يوما عند مالك يف مجلة أصحابو‪ ،‬فقاؿ قائل‪« :‬قد حضر‬ ‫وكاف ً‬
‫الفيل» فخرج أصحاب مالك لينظروا إليو «إال ػلٍن» فقاؿ لوُ مالك‪:‬‬
‫« ِملَ َملْ خترج فرتى الفيل؛ ألنوُ ال يكوف يف األندلس»‪ ..‬فقاؿ ػلٍن‪:‬‬
‫«إظلا جئت من بلدي ألنظر إليك وأتعلم من ىديك وعلمك‪ ،‬ومل‬
‫أجئ ألنظر إىل الفيل»‪ ،‬فأُعجب بو مالك‪ ..‬ومسَّاه «عاقل أىل‬
‫األندلس»‪ .‬هللا أكَب ما أشرفها من نفس وما أكرمها على صاحبها‪..‬‬
‫يف مرادى ا اْلجس ام‬ ‫تعب‬ ‫النف وس كب ًارا‬ ‫إذا كان‬
‫فيا أخية‪ ..‬ىذه علة طالب يف حلقة اإلماـ مالك‪ ..‬فكيف‬
‫بادلعلم فتتبَّعي سًنىم واقتدي هبم‪.‬‬
‫ح‬
‫ُ‬ ‫إن التش بو ب الكرام ف‬ ‫فتش بهوا إن مل تكون وا م ثلهم‬
‫بالدنيا وزخارفها وغرورىا فتنسي اآلخرة‪ ،‬وختسري‬ ‫وال تغرتي ُ‬
‫اك اَّلل الدار ْاْل ِخرةَ وَال تَ ْنس نَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬
‫صيبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫يما آتَ َ ُ َ‬ ‫الدنيا واآلخرة‪َ  ،‬وابْ تَ ِغ ف َ‬
‫ُ‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫‪ٔٛ‬‬

‫الدنْ يَا‪[ ‬القصص‪.]ٚٚ :‬‬ ‫ِم َن ُّ‬


‫وفَّقنا هللا وإياؾ دلعرفة احلق‪ ،‬واالقتداء بنبيو وصحبو الكراـ‪..‬‬
‫بعضا من صور علو اذلمة‪ ..‬ويبقى السؤاؿ‪..‬‬ ‫وبعد‪ ..‬فقد ذكرنا ً‬
‫أال وىو ما ىي األسباب ادلؤدية إىل علو اذلمة‪ ..‬نقوؿ وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫(‪ )1‬العلم والبصرية‪ :‬فالعلم يصعد باذلمة‪ ،‬ويُنقي النية‪ ،‬ويورث‬
‫الفقو مبراتب األعماؿ‪ ،‬ويبعد عن ادلباحات اليت تشغلو عن التعبد‬
‫والتقرب إىل هللا‪ ،‬كاألكل والنوـ والضحك وفضوؿ الكبلـ‪ ،‬فهو يتبع‬
‫قوؿ ادلصطفى ‪« :‬أعط كل ذي حق حقو»‪ ،‬بالعلم ػلصل الفقو‪،‬‬
‫وضلصل على ما مل نكن نعلم من قبل‪ ،‬والعلم يػَُر ِّغب يف القياـ‬
‫بأعماؿ جديدة‪ ،‬وىذا ىو ُسلَّم الصعود للهمة العالية‪.‬‬
‫(‪ )2‬طلب اْلخرة‪ :‬وأف يكوف اذلم األوؿ واألخًن ىو طلب‬
‫اآلخرة والسعي ذلا‪ ،‬فما ىذه الدنيا إال دار شلر للوصوؿ لآلخرة ‪َ ‬وَم ْن‬
‫َهلَا َس ْعيَ َها َو ُى َو ُم ْؤِم ٌن فَأُولَئِ َ‬
‫ي َكا َن َس ْعيُ ُه ْم‬ ‫اد ْاْل ِخ َرَة َو َس َع‬
‫أ ََر َ‬
‫ورا‪[ ‬اإلسراء‪ ..]ٜٔ :‬ويكفينا حديث ادلصطفى ‪َ « :‬من‬ ‫َم ْش ُك ً‬
‫كان اْلخرة مهو‪ ،‬مجع هللا لو مشلو‪ ،‬وجعل غناه يف قلبو‪ ،‬وأتتو‬
‫ومن كان ال ُدنيا مهو‪ ،‬فرق هللا عليو أمره‪ ،‬وجعل‬ ‫ال ُدنيا راغمة‪َ ،‬‬
‫فقره بي عينيو‪ ،‬ومل ِ‬
‫يأتو من ال ُدنيا إال ما كتب هللا لوُ»‪ .‬اىػ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الدعاء واللجوء إَل هللا‪ :‬فالدعاء مفتاح كل خًن وسبلح‬
‫ال ربُّ ُكم ا ْدعُ ِوين أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْم‪‬‬
‫َستَج ْ‬
‫ْ‬ ‫عجيب وسر عظيم‪َ  ،‬وقَ َ َ ُ‬
‫[غافر‪ ،]ٙٓ :‬وقاؿ الرسوؿ ‪« :‬إذا متىن أحدكم فليكثر‪ ،‬فإمنا‬
‫يسأل ربو»‪ ،‬وعليك بالصَب مع الدعاء فبل تستعجلي وتقولٌن‬
‫دعوت‪ ..‬دعوت‪ ..‬فلم يُستجب يل‪.‬‬
‫‪ٜٔ‬‬ ‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬
‫فرج ا‬
‫إذا استعن بص أن ت رف ً‬ ‫ال تيأس ن وإن طال ب ُمطالب ةٌ‬
‫(‪ )4‬كثرة ذكر املوت‪ :‬فهو دافع لرتؾ الدنيا والعمل لآلخرة‪،‬‬
‫وكثرة زلاسبة النفس على النقًن والقطمًن‪ ،‬فإف كثرة ِذكر ادلوت تبعث‬
‫على النفس ادلبادرة باألعماؿ الصاحلة والقناعة بالقليل من الدنيا‪.‬‬
‫قاؿ الدقاؽ‪َ « :‬من أكثر ِذ ْكر ادلوت أُ ْك ِرـ بثبلثة‪ :‬تعجيل التوبة‪،‬‬
‫وقناعة القلب‪ ،‬ونشاط العبادة»‪.‬‬
‫(‪ )5‬القراءة يف كتب السري‪ :‬وصحبة أصحاب اهلمم العالية‪،‬‬
‫فإف كثرة االطبلع على سًن األنبياء والصاحلٌن سبب يف ارتقاء اذلمة‪،‬‬
‫ودافع للعمل مبا كانوا عليو‪.‬‬
‫وصحبة أويل اذلمم العالية وأىل الفضل واجملاىد فهم خًن معٌن‬
‫بعد هللا‪ .‬فهذا أحد السلف يقوؿ‪ُ « :‬كنت إذا اعرتتين فرتة يف العبادة‬
‫نظرت إىل أحواؿ زلمد بن واسع وإىل اجتهاده‪ .‬فعملت على ذلك‬
‫أسبوعا»‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )6‬املبادرة باْلعمال الصاِلة واملداومة عليها وإن قل ‪..‬‬
‫عملت عبادة أو عمل‬ ‫ِ‬ ‫فقليل دائم خًن من كثًن منقطع‪ ..‬فكلما‬
‫صاحل داومي عليو‪ ..‬واجعليو يف برنارلك اليومي‪ ..‬واستغلي كل دقيقة‬
‫من يومك يف طاعة هللا ومرضاتو‪ ..‬فهذا شيخنا ابن باز رمحو هللا‪..‬‬
‫َع ْلم أف كل دقيقة من عُمره تقربو إىل هللا‪ ..‬فعندما يسألو السائل يُكثر‬
‫من االستغفار والتسبيح ح ى ينتهي من السؤاؿ‪ ،‬مث يبدأ باإلجابة‪،‬‬
‫وىو كذلك يف سائر أعمالو وأوقاتو‪ ،‬فلم يُرى رمحو هللا إال ُم َسبِّ ًحا أو‬
‫ومن يقرأ سًنتو‪ ..‬يرى عجبًا يف حياتو رمحوُ هللا‬ ‫ِ‬
‫ذاكرا هلل‪َ ..‬‬
‫ُم ْستَػ ْغفًرا ً‬
‫الطالبة املثالية واهلمة العالية‬ ‫ٕٓ‬

‫رمحة واسعة‪.‬‬
‫أخًنا‪ ..‬أخية ىذه األسباب وتلك الصور لعلو اذلِ َّمة‪..‬‬ ‫* و ً‬
‫فالباب مفتوح‪ ،‬وادلنادي ينادي للسباؽ للمعايل والتنافس على جنة‬
‫عرضها السموات واألرض‪ ..‬إال إف سلعة هللا غالية‪ ..‬أال إف سلعة هللا‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫فيا أختاه‪ ..‬أمة اإلسبلـ تنتظرؾ وأمثالك فارفعي من شأف ىذا‬
‫فأنت يف زمن ادلهلة وادلوت‬ ‫هبمتك العلياء‪ ،‬وبادري باألعماؿ ِ‬ ‫الدين َّ‬
‫س َذائَِقةُ ال َْم ْو ِت‪[ ‬آؿ عمراف‪.]ٔٛ٘ :‬‬ ‫آت ال زلالة‪ُ  ..‬ك ُّل نَ ْف ٍ‬‫ٍ‬
‫هبم ِ‬
‫تك للثػَُريَّا‪ ،‬وال تَػ ْغتَػِّري‬ ‫الع ْزـ‪ ،‬واصعدي َّ‬ ‫فأخلِصي النيَّة‪ِ ِ ،‬‬
‫وج ّددي َ‬ ‫َ‬
‫منك أ َْـ مل تػُ ْقبَل‪،‬‬‫بكثرة األعماؿ الصاحلة‪ ،‬فإنك ال تعلمٌن أَقُبلَت ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فاهلل تعاىل يقوؿ‪َ  :‬وقَد ْمنَا إِ ََل َما َعملُوا م ْن َع َم ٍل فَ َج َعلْنَاهُ َىبَ ً‬
‫اء‬
‫ورا‪[ ‬الفرقاف‪.]ٕٖ :‬‬ ‫َم ْنثُ ً‬
‫أختاه‪ ..‬دعي الفراغ َوَوّد ِعيو وابدئي العمل‪.‬‬

You might also like