Professional Documents
Culture Documents
حوكمة الزكاة
حوكمة الزكاة
دولة فلسطٌن
وزارة االولاف والشإون الدٌنٌة
كلٌة العلوم االسالمٌة
لسم التموٌل والمصارف االسالمٌة
إن للزكاة أهمٌة كبٌرة ومماصد عظٌمة فً المجتمع اإلسالمً لصدها الشارع فً
تشرٌعها .وتعد الزكاة من اللبنات األساسٌة للنظام المالً اإلسالمً ،وکذلن هً
المورد الرئٌسً لسد حاجات المحتاجٌن وتحمٌك التكافل االجتماعً وعالج
المشكالت االلتصادٌة الكبٌرة ،ومع أن التطبٌمات المعاصرة للزكاة تختلف هٌاكلها
التنظٌمٌة إال أن أهدافها تبمً مشتركة ،والتً تتمحور حول بلوغ األهداف
االلتصادٌة واالجتماعٌة للزكاة.
و لما ظهر مفهوم حوكمة المإسسات المالٌة منذ عدة عمود ،وتطورت أسالٌب
الرلابة والشفافٌة فً كل ما ٌخص المعامالت المالٌة ،وسارعت الكثٌر من الدول
اإلسالمٌة والشركات المالٌة لوضع إطار الحوكمة الخاص بها ولإلفصاح عن ذلن
إلى أصحاب المصلحة وغٌرهم من الجهات الرلابٌة ،رأٌت أن أنتاول دراسة
حوكمة نظام الزكاة لوضع إطار ٌعزز الشفافٌة؛ للحد من سوء إدارة الزكاة وما
ٌلحمه من تبعات وعوالب تدمر األمة اجتماعٌا والتصادٌا.
لهذا أصبح البحث عن آلٌات وطرق جدٌدة امر ضروري لتفعٌل أدائها ،ولعل إدراج
آلٌات الحوكمة بمإسسات الزكاة من شؤنه أن ٌساهم فً تحمٌك كفاءة اإلدارة وٌعزز
الثمة بٌن هذه المإسسات والمواطنٌن المتعاملٌن معها.
المبحث االول :مفهوم الحوكمة ومعاٌٌرها فً ضوء مماصد الشرٌعة
الحوكمة على وزن فوعلة ،وٌعتبر لفظ مستحدثا فً اللغة العربٌة ،وهو ما ٌطلك
علٌه النحت فً اللغة ،وهو لفظ مستمد من الحكومة ،والحكومة تعنً االنضباط
والسٌطرة والحكم ،فلفظ الحوكمة ٌتضمن عدة معان ،منها:
حوكمة الزكاة :عملٌة ٌتم من خاللها وضع وتنفٌذ مجموعة من النظم أو الهٌاكل
التً تحدد العاللات وأسالٌب اتخاذ المرارات وممارسة السلطات بٌن الوحدات
المعنٌة بجمع أموال الزكاة والمدٌرٌن لها ،وغٌرهم من المزكٌن والمستحمٌن
وأصحاب المصلحة ،وفما لمواعد ولوانٌن ومعاٌٌر واضحة ومحددة و َمعنٌَّة
باألنشطة الخاصة بالزكاة .
والغاٌة الرئٌسٌة من حوكمة حساب وصرف الزكاة :هً أن تكون جمٌع المعلومات
المتعلمة بالزكاة دلٌمة وكافٌة ومتاحة فً الولت المناسب؛ ألجل السماح لمختلف
أصحاب المصلحة بالتخاذ المرارات المناسبة من أجل تحمٌك األهداف المحددة.
حرصت العدٌد من المإسسات على دراسة مفهوم الحوكمة وتحلٌله ووضع معاٌٌر
محددة لتطبٌمه ،من هذه المإسسات :منظمة التعاون االلتصادي والتنمٌة ،وبنن
التسوٌات الدولٌة ومإسسة التموٌل الدولٌة التابعة للبنن الدولً .وبعد النظر فً هذه
المعاٌٌر هنان أهم المعاٌٌر التً اتفموا علٌها والتً ٌمكن توظٌفها فً حوكمة
الزكاة ،فالحوكمة تعتمد على مدى لوة تطبٌك المإسسات المختصة بالزكاة مفاهٌم
الحوكمة المائمة على :
لم ٌضع اإلسالم نظاما محددا لشكل الحوكمة وال لتنظٌم سلطانها وال اختٌار أهل
الحل والعمد فٌها ،وإنما اكتفى بالنص على الدعائم الثابتة التً ٌنبغً أن تعتمد علٌها
نظم كل حكومة عادلة وال تختلف فٌها أمة عن أمة؛ كل العدل والشورى والمساواة
واألمانة وغٌرهان أما عدا هذه األسس من النظم التفصٌلٌة فمد سكت عنها لٌتسع
ألولً األمر أن ٌضعوا نظمهم وٌ َكونوا مجالسهم وٌشكلوا حكومتهم بما ٌالئم حالهم
وٌتفك مع مصالحهم غٌر متجاوزٌن هذه الحدود ،وتجد أصول الحوكمة ومرجعٌتها
فً كثٌر من نصوص المرآن والسنة وأفعال الصحابة.
ٔ_ أصول الحكومة فً المرآن الكرٌم :اشتمل المرآن الكرٌم على كثٌر من اآلٌات
َّللا ٌَؤ ْ ُم ُر ُك ْم أَن
التً تخض على المٌام باألمانة والمحافظة علٌها ،لال هللا تعالى ِ ﴿ :إ َّن َّ َ
ت إِلَ ٰى أ َ ْه ِل َها… ﴾ ،وكذلک ورد فً المرآن من اآلٌات التً تحض على
ت ُ َإدُّوا ْاأل َ َمانَا ِ
األمر بالمعروف والنهً عن المنكر كموله تعالىَ ﴿ :و ْلتَ ُكن ِ ّمن ُك ْم أ ُ َّمةٌ ٌَ ْدعُونَ ِإلَى
لال ابن تٌمٌة“ :فؤما استخراجها وحفظها فال بد فٌه من لوة وأمانة فٌولی علٌها شاد
لوی ٌستخرجها بموته وکاتب أمٌن ٌحفظها بخبرته وأمانته ،أٌضا من أعظم ما
اتسمت به وإدارة الزكاة فً العهد النبوي وثائك الزكاة التً كات على عهد النبً
ملسو هيلع هللا ىلص ،فمد كان النبً ٌبعث بالكتب إلى عماله وفٌها لرائض الصدلة وشروطها؛ حتى
ال تجحد الحموق أو تضٌع ،وكانت هذه الوثائك تعد مرجعا لمن بعده من المسإولٌن
عن الزكاة وأهل العلم
كما اشتمل المرآن والسنة الراشدة على كثٌر من المواعد واألحكام الدالة على أن
األداء الوظٌفً على الوجه األكمل مرتبط بؤداء األمانات الشرعٌة على الوجه
المؤمور به شرعا ،وأن أي إخالل من أي مسإول ٌجب المحاسبة علٌه ،وٌعد إخالال
بواجب األمانة ٌوجب المإاخذة به فً الدنٌا واآلخرة ،فٌجب عند تطبٌك نظام
الحوكمة فً الزكاة وتفعٌل إطارها أن نتمثل بهذه المواعد ،ونجعلها لوانٌن ربانٌة
تهدي األمم إلى ما فٌه الخٌر والصالح .
ٖ _ أصول الحوكمة فً أفعال الصحابة :امتألت الكتب بكثٌر من الشواهد الدالة
على التربٌة اإلٌمانٌة فً أفعال الصحابة التً تعد مظهرا من مظاهر الحوكمة
ولٌست تربٌة إٌمانٌة فمط بل كانت سلوكا علمٌا ووالعا تربوٌا ،ترلبهم عٌن هللا
وعٌن األمة من حولهم فلم ٌسعفوا بالرعٌة ولم ٌمهروها ،بل اسهروا لٌلهم وألاموا
نهارهم فً خدمتهم نصرة لدٌنهم الذي تعبدهم هللا به ،وإلامة الخالفة التً وكلهم هللا
بها فً ارلى صورها فجعلوا منظومة الحكم الراشد جزءا من هذه العبادة .
فؤبوبكر الصدٌك عند تولٌه مسإولٌة الخالفة خطب فً الناس فمال ” :أٌها الناس
فإنً لد ولٌت علٌكم ولست بخٌركم ،فإن احسنت فؤعٌنونً وإن أسؤت فمومونً
الصدق أمانة ،والكذب خٌانة ،والضعٌف فٌكم لوي عندي حتى أرٌح علٌه حمه إن
شاء هللا ،والموي فٌكم ضعٌف حتى آخذ الحك منه إن شاء هللا ،ال ٌدع لوم الجهاد فً
سبٌل هللا إال ضربهم هللا بالذل ،وال تشٌع الفاحشة فً لوم لط إال عمهم هللا بالبالء
أطٌعونً ما أطعت هللا ورسوله ،فإذا عصٌت هللا ورسوله فال طاعة لً علٌكم” .
وكان ٌباشر الرلابة المالٌة واإلدارٌة بنفسه ،ومن ذلن ما لاله لمعاذ بن جبل لما كان
والٌا على الٌمن ” :رفع حسابن” فمال معاذ ”:أحسابان؛ حساب من هللا وحساب
منكم؟ وهللا ال آلً لكم عمال أبدا” ،كما أرسى أبوبكر فً خالفته أسلوب الردع
وإنفاذ أوامر الشرع فً الزكاة ومحاربة مانعً الزكاة ؛ لٌمتدي به من بعده فً أنه
البد من وجود لوة تحمً الحك وتردع الباطل على مستند راسخ من المرآن والسنة.
المبحث الثانً :توظٌف أسالٌب الحوكمة وضوابطها فً تحمٌك مماصد الشرعٌة .
المطلب االول :كٌفٌة توظٌف أسالٌب الحوكمة فً تحمٌك مماصد الزكاة الشرعٌة .
وهكذا كان الحال فً عهد أبً بكر ،والذي ظهرت فً عهده نواة بٌت المال مع
توسع الدولة اإلسالمٌة وزٌادة مواردها ،وفً عهد عمر بن الخطاب تطورت
الزكاة تطورا ملحوظا مما استوجب وجود نظام لحصراإلٌرادات وضبط
المصروفات ،فتم استخدام أسالٌب إدارٌة جدٌدة كالفصل بٌن السلطة المضائٌة
والتنفٌذٌة ،وإنشاء دٌوان العطاء والجند وغٌرها ،واستمرت عملٌة جمع وتوزٌع
الزكاة عبر الزمان مع وجود اختالف فً درجة التطبٌك العملً لها ،ثم ضعف
تطبٌمها فً العصور المتؤخرة حتى كادت تصبح فً بعض البلدان اإلسالمٌة
الفرٌضة الغائبة .
المطلب الثانً :ضوابط أسالٌب الحوكمة لتحمٌك مماصد الزكاة .
ٔ _ انضباط أعضاء الجهاز اإلداري المائم على تحصٌل وتوزٌع الزكاة :بحٌث
ٌكون كل المائمٌن على إدارة مإسسات الزكاة متبعٌن السلون األخاللً والمناسب
فً كافة أعمالهم ،وأن ٌكونوا على علم كبٌر بمستحمً الزكاة ،وعلٌهم التؤكد من
استحمالهم وتحدٌد ممدار كفاٌتهم وترتٌبهم حسب حاجة كل منهم ووضع لواعد لذلن
ثم المٌام بتوزٌع الزكاة بطرٌمة تحفظ فٌها كرامة الفمراء والمحتاجٌن ،ولذا شرط
العلماء فً العامل على الزكاة :اإلسالم ،البلوغ ،العمل ،األمانة والكفاٌة للعمل .
ٕ _ سٌادة أحكام الشرٌعة على أطراف الزكاة (السعادة وأرباب األموال وأهلها) :
فال ٌؤخذ السعادة أكثر مما وجب على أرباب األموال ،وال ٌمنع رب المال ما وجب
علٌه ،وال تمتد ٌد أحد من غٌر أصنافها علٌها إلٌها ،فمد لال النبً ملسو هيلع هللا ىلص ” :فمن سؤلها
من المسلمٌن على وجهها فلٌعطها ومن سؤل فولها ال ٌعطها” .
ومن ضمن سٌادة أحكام الشرٌعة على أطراف الزكاة ،وجوب فهم أحكام الزكاة
ولوانٌنها من لبل العاملٌن علٌها ،فمانون الشرٌعة فً الزكاة ثابت وواضح ال
ٌتغٌر كما ٌجب على من ٌولٌهم إعطاإهم دورات دٌنٌة وتثمٌفٌة لتموي اإلٌمان فٌهم
فٌطبموا أحكام الزكاة على الجمٌع دون استثناء وال محاباة ،فمد حرض النبً صلى
هللا علٌه وسلم على غرس رلابة هللا فً نفوس كافة األطراف المعنٌٌن بالزكاة ،بدءا ً
بعماله والمتصدلٌن والمزكٌن ،فمال ملسو هيلع هللا ىلص ” :العامل على الصدلة بالحك كالغازي فً
سبٌل هللا” .
ٔ _ الشفافٌة :مفهوم الشفافٌة فً األصل ٌعنً وضوح التشرٌعات وسهولة فهمها
واستمرارها وانسجامها مع بعضها ،وموضوعٌتها ووضوح لغتها ومرونتها
وتطورها وفما للتغٌرات االلتصادٌة واالجتماعٌة واإلدارٌة وبما ٌتناسب مع العصر
وتبسٌط اإلجراءات ونشر المعلومات واإلفصاح عنها وسهولة الوصول إلٌها بحٌث
تكون متاحة للجمٌع ،وهً من منظور الشرع تعدل الوضوح والصفاء والنماء .
ٕ _ إن لكل شرٌعة مبادئها الكبرى ومماصدها العلٌا التً أرادت تحمٌمها من خالل
انتهاج شرعها ،وكانت هذه المماصد فً الموجه لألحكام ككل ،واألحكام الجزئٌة
الموصلة إلى تحمٌك هذه الكلٌات .
٘ _ أهمٌة حوكمة الزكاة ،فٌجب وضع إطار أو هٌكل ٌحكم منظومة الزكاة ،وفما
لمواعد ولوانٌن ومعاٌٌر واضحة ومحددة ومعنٌة باألنشطة الخاصة بالزكاة.
المصادر والمراجع :
ٔ _ اإلجماع .دمحم بن إبراهٌم بن المنذر النٌسابوري .ت :د .فإاد عبد المنعم أحمد.
دار المسلم للنشر والتوزٌع .الطبعة األولى ٕ٘ٗٔ هـ ٕٓٓٗ .م.
ٕ _ اإلدارة فً اإلسالم .أحمد إبراهٌم أبوسن .مكتبة وهبة .الماهرة .الطبعة األولى
ٗٔ89م.
ٖ _ إدراج ألٌات الحوكمة ضمن استراتٌجٌة تفعٌل أداء مإسسات الزكاة .عبد هللا
بن منصور .مجلة الحكمة للدراسات االلتصادٌة .عٕٕٔٓٔ9 .م.
ٗ _ أهمٌة تطبٌك مبادئ الحوكمة فً التنظٌمات المإسساتٌة للزكاة .المإتمر
العالمً التاسع لاللتصاد والتموٌل اإلسالمً بإسطنبول تركٌا .منصور عبد هللا.
ٕٕٔٓم.
٘ _ تارٌخ األمم والملون .عبد السالم التنوجً .جمعٌة الدعوة اإلسالمٌة العالمٌة.
طرابلسٔ88ٗ .م.
_ ٙتهذٌب اللغة .دمحم بن أحمد بن األزهري الهروي أبو منصور (المتوفى:
ٖٓ7هـ) .ت :دمحم عوض مرعب .دار إحٌاء التراث العربً .بٌروت .الطبعة األولى
ٕٔٓٓم.
_ 7جباٌة الزكاة بٌن مماصد الشرٌعة والحوكمة الرشٌدة ،بناء وتوظٌف .سلٌمان
دمحم نجران .مجلة التجدٌد /م ٕٕ ،ع ٖٕٗٓٔ9 .م.
_ 9سنن أبً داود.سلٌمان بن األشعث بن إسحاق بن بشٌر بن شداد بن عمرو
س ِجسْتانً (المتوفىٕ7٘ :هـ) .ت :دمحم محًٌ الدٌن عبد الحمٌد .المكتبة
األزدي ال ِ ّ
العصرٌة ،صٌدا .بٌروت.