Professional Documents
Culture Documents
المعنى الحق للحياة
المعنى الحق للحياة
المعنى الحق للحياة
وكأنه يعني بقوله انا خيراً منه أي انا احق بالخالفة منه لألفضلية في اصل الخلقة التي يزعمها بقوله انا خيرا منه خلقتني من نار
وخلقته من طين .وهذا ال يعني ان إبليس جهل هذا العصيان وغوى بل بالعكس فهو عصى بعلم ،فهو علم بالحكمة من خلق آدم كما
علمها المالئكة وكما اخبرهم هللا جميعا ً بقوله (إني جاعل في األرض خليفة) ولهذا لم يسجد آلدم الن هللا اراد له الخالفة وليس
لمجرد انه من طين ،ولعل امر إبليس يقابل حال المالئكة حين قالوا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك) أي اننا نطيعك والنعصي امرك وننزهك من كل عيب و نقص فنحن احق بهذا منه لتحقيق الغاية في األرض والصالح
فإن هذا الخلق قد يفسد فيها كما افسد الخلق األول الذي سبقه في األرض(.قال إني اعلم ماال تعلمون) ،وهنا يالحظ ادب المالئكة مع
هللا تعالى و حيائهم منه فلم يقولوا نحن خيرا منه كما قال إبليس ،بل قالوا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ،وهذا يعني انهم يقولون كما
نحن عبادك الصالحون في السماء فنحن يارب قد نكون عبادك الصالحون في األرض الذين يخلفونك فيها حق خالفتك وهذا األمر
ليس تمرد على هللا ،ال ابداً فهو كعرض انفسهم على هللا سبحانه لإلختيار وترك األمر بعد ذلك هلل الذي يعلم مايخفون وما يعلنون.
ولهذا إستجابوا هلل واطاعوه عندما قال لهم إني اعلم ماال تعلمون ،وهنا ادب آخر مع هللا من قبل المالئكة فلم يجادلوا بعد ذلك ابداً.
وألن االمر كذلك(سجد المالئكة كلهم اجمعون).
توعد من إتبعه معه بسبب رفض سجوده من منطلق ماسبق الحديث عنه بأنه اراد مااراد هللا آلدم وذريته من غاية فعصى لذلك ،ثم
عادى هذا المخلوق و اراد إال ان يحقق غاية انا خيراً منه بإغوائه وتظليله عن الحق حتى يكون له تبعا ً ويتخذه وليا من دون هللا.
وهو هنا يكون حقق غايته تلك بأن كان على اإلنسان بمثابة سلطان مطاع ،وحقق الغاية التي اراد ان يوقع فيها بني آدم فيما وقع هو
فيه برفض السجود ألبيهم وحقق بهذا وعده لربه حين قال (إن اخرتني إلى يوم القيامة ألحتنكن ذريته إالقليال) وقال (ألغوينهم
اجمعين ).وقال (فبما اغويتني ألقعدن لهم صراطك المستقيم) وألن الخلود والحياة الدائمة من صفات المعبود سبحانه إال ان إبليس
طلب ذلك من ربه وقال(ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون) ليس إلى يوم القيامة إنما إلى يوم البعث يوم الحساب بحيث يكون بهذا حيا ً
اليموت ،ولكن ألن هذا صفة اإلله الواحد األحد قال له سبحانه( فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) الشاهد هنا ان طلب
إبليس الخلود من هللا تعالى كان بمثابة او يعتبر إدعاء اإللوهيه لنفسه مع هللا ،هذه األلوهيه التي تتمثل في عبادة إبن آدم له على اساس
اإلستجابة لإلضالل والعصيان القائم على اإلغواء والوسواس من الجنة والناس .ولذا قال هللا تعالى له(إذهب فمن تبعك منهم فإن
جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) وقال (ألمألن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين) وقال ايضا(ف اخرج منها مذءوما مدحورا لمن
تبعك منهم ألمألن جهنم منكم اجمعين) وهنا يصف هللا إبليس انه مدحورا أي مهزوم شر هزيمة الكن هذا اليعني انه لن يغوي احداً
ولن يضلهم اجمعين ال ابداً ،إنما هو مذءوما مدحورا امام رب العالمين وعباده المخلصين لذا قال له منذ الوهلة األولى (ألغوينهم
اجمعين إال عبادك منهم المخلصين) ولهذا قال هللا تعالى في نهاية اآلية تلك(لمن تبعك منهم المألن جهنم منكم اجميعن).
الشاهد من هذا أن العداء لم يكن آلدم عليه السالم شخصيا فلوا انه كان كذلك ،لكان إغواءه آلدم كافيا ً ومغنيا عن ذريته ،ولكان آدم
بهذا من الخاسرين من عدة جوانب :
الجانب األول ان آدم كان قد عصى ربه فغوى ونال بهذا ماناله إبليس وإنتهت القصة تماما ً
او إنتهت قصة آدم وإبليس إلى هنا وسلمت ذريته من ذلك العداء كون األمر لشخص آدم فقط .ولكن األمر ليس كذلك
لقد أراد ان يحتنكن ذريته إال قليال واراد ان يغويهم اجمعين ،ألن العداء ليس ألصل الخلقة وإنما لعظمة الغاية وقدر اإلنسان ،وهذا
يؤكد ماذكرته عن أمر إبليس من لعنه هللا.
ومن هنا اقول أن كل إنسان خليفة ،وليس الخالفة آلدم وإنما كالً منا آدم وكل واحداً منا معني بقوله تعالى (إني جاعل في األرض
خليفة) وهذا هو سر المفرد في اآلية(خليفة) ..هذا اول األمر وأجله.
ثانيا ً ان خالفة هللا في ارضه تتمثل في عبادته سبحانه قال تعالى (وماخلقت الجن واإلنس إال ليعبدون) وعبادته تتمثل في طاعته
وطاعته تتمثل في كل ماامرنا ونهانى به سبحانه.
ومنه فإنما الحياة إنسان ودين وان الدنيا بكل مافيها لتدين بهذه
الحقيقة المطلقة وهذا الحق المبين ،فما خلق هللا األرض والسماوات ومابينهما من أحياء واموات من جما ٍد ونبات وحيوان ،وإنس وال
جان لغاية الفناء بعد الهناء وال للهالك بعد عمر إنقضى بين ذكر وإنثى ،فإن هذا لشيء إدّا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق
األرض وتخر الجبال هدا ،فما خلقنا هللا عبثا وهو الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى
اعطى كل شيء خلقه نظام الخلق ومقومات الحياة فجعله في احسن تقويم وجعل لكل شيء خلقه قدرا فقدّره تقديرا ،وجعل قدر كل
إنسان ال يقوم إال على اساس الدين ،وجعل الدين ال يقوم إال على هذا القدر ليتحقق به غاية الوجود ومعنى الخلق.
و هذا تفسير قوله تعالى آلدم وذريته عندما عصى ربه فغوى (إهبطا منها جميعا ً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداى فال يضل وال
يشقى)
يخبر هللا آدم وحوى وذريتهما أن اهبطا إلى األرض وإتبعوا هدى واقيموا عليه حياتكم كلها لتحققا هذه الغاية وذلك المعنى ،وإتباعكم
هذا ضمان لكم من الضالل والشقاء ،فال يضل وال يشقى.اي ال يضل منكم احدا وال يشقى ،وسر المفرد الذي تحمله اآلية (فال يضل
واليشقى)،هو معنى المفرد في قوله خليفة في اآلية( إني جاعل في األرض خليفة) بحيث كل واحد من بني آدم خليفة.
( ومعنى الخالفة من كل إنسان إنما هو قائم على ذلك القدر الذي خلق به وان هذا القدر ال يكون قدرا إال بهدى هللا ،معطي الخلق
ومقدّر القدر ،هللا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ،والحكمة من ذلك ان يتم من خالله ومن خالله فقط تحقيق معنى الخلق وغاية
الوجود ).وإال فالعكس تماما ً سيكون.
حتى ان الجمع في قوله إهبطا منها جميعا المقصود به آدم وحوى وذريتهما جميعا وهذا يؤكد مااقوله بان كال منا خليفة وان كال منا
معني بقوله (إني جاعل في األرض خليفة) وقوله(إهبطا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هدى فال يضل وال يشقى)
والضالل يعني الضياع او فقدان الطريق ،كمن يقول أضل فالن طريقه او ضل فالن طريقه،وفقدان الطريق يعني جهل الوجه بحيث
ال يعرف اإلنسان طريقه وال منطقة الوصول لغايته ،فيضلهما جميعا.وهذا الضالل غالبا ً يكون في الظالم عند فقدان النور فيضل
اإلنسان طريقه ويجهل غايته ويضل يتخبط كاألعمى ،اعمى البصر والبصيرة.
هذا ألنه فقد مصباحه ونوره الذي يضيء له طريقه بل حياته كلها ويهديه سواء السبيل ،ولهذا عبر هللا عنه بالهدى ،اي يهدي صاحبه
فال يضل ابدا.
واإلعراض عن هذا الهدى والذكر سببا ً في فقدان اإلنسان لنفسه وجهله للمعنى من حياته والغاية من خلقه ،فيضل يتسكع باحثا ً عنها
في الظلمات طول حياته ،ولذلك يعيش حياة ضنكا
ً
معيشة ضنكا) وهنا مالحظة لقوله(معيشة) اي انها ليست حياة ألنه اليوجد ولهذا يقول هللا تعالى (ومن اعرض عن ذكري فإن له
هناك للحياة معنى بال هدى منه ونور سبحانه .الشاهد انه يقول في اآلية التي تليها (ونحشره يوم القيامة اعمى ،قال ربي لما
حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)
حشره هللا اعمى وقد كان بصيرا ألنه فقد بصيرته في الحياة فمااغنى عنه بصره لمعرفة الصراط المستقيم.هذا ألن عمى العينين ال
يعمى البصيرة وإنما عمى البصيره يُعمي العينين البصيرة .وهذا العمى ألنه نسى او اعرض عن آيات ربه وهداه ف ضل وشقى.
مااعنيه هنا هو ان الضالل في اآلية يعني العمى في الدنيا بذلك المعنى السابق وألنه كذلك ترتب عليه العمى في اآلخرة كونه جهل
وجهته والمنطقة المطلوب الوصول إليها .وهذا العمى في اآلخرة هو الشقاء الحقيقي والمذكور في اآلية (فال يضل وال يشقى)
وهذا تفسير قوله تعالى (ومن كان في هذه اعمى فهو في اآلخرة اعمى واضل سبيال)
وفي المقابل فان هدى هللا تعالى المطلوب إتباعه هو ضياء اإلنسان في حياته ونوره في اآلخرة حين يلقاء ربه (يوم ترى المؤمنين
والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها األنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم،يوم
يقول المنافقين والمنافقات إنظرونا نقتبس من نوركم قيل إرجعوا ورائكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور باطنه فيه الرحمة
وضاهره من قبله العذاب ،ينادونهم الم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم حتى غرتكم األماني وغركم باهلل
الغرور)
المعنى مما سبق انما الحياة إنسان ودين وان ال قيام للحياة إال بهما معاً ،بل ماخلق اإلنسان وماخلقت السماوات واإلرض ومابينهما
إال لهذه الغاية العظيمة ومنه ترتب على هذا الهدى والضالل الفوز والخسران في الدنيا واآلخرة .وألنها كذلك كان إعراض اإلنسان
عن هدى ربه يعني الضالل عن حكمة الخلق وغاية الوجود فهو بفعله هذا يكذب بالدين وكل ماجاء به األنبياء جميعا ً
والمرسلين،ويتهم هللا بأنه خلقه عبثا بل وخلق السماوات واألرض ومابينهما عبثا ،وهذا إتهام هللا بالباطل ،بهتانا ً عليه وزورا.
( حتى إذا جاء احدهم الموت قال ربي أرجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كال إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم
يبعثون ،فإذا نفخ في الصور فال انساب بينهم يومئذ وال يتساءلون ،فمن ثقلة موازينه فؤالئك هم المفلحون ومن خفة موازينه فؤالئك
الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون) ياهلل خالدون
تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون
يسألهم ربهم (الم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ،قالوا ربنا غلبة علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين) اي انهم ليسوا كافرين بل
ضالين عن الحق المبين وما حملهم على ذلك هو جهلهم بحقيقة الدين وفهمهم القاصر والبسيط والباطل للمعنى من خلقهم ،فظنوا ان
امرهم قد احصي وان كالً منهم قد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قبل ان يخلقوا فضلوا بإتباع ضالل المضلين ولم يعملوا
وقالوا يومها ربنا غلبتنا علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ،ربنا اخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون
قال إخسوا فيها وال تكلمون ،إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين ،فإتخذتموهم سخريا
حتى انسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا انهم هم الفائزون)
افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم إلينا الترجعون ،فتعالى هللا الملك الحق الإله إال هو رب العرش الكريم
ومن يدع مع هللا إلها آخر البرهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه اليفلح الكافرون ،وقل ربي إغفر وارحم وانت خير الراحمين ).
إدعاء العبث من الخلق ك إدعاء الولد هلل من قبل اهل الكتاب وكمن يقول إن هللا ثاني إثنين او ثالث ثالثة .ولعل هذا سر نفي الشريك
معه سبحانه في العديد من اآليات التي تتحدث عن إنساب الولد له من قبل اهل الكتاب بحيث يوضح انهم اوالً اتخذو الشيطان شريكا
ثم إدعوا الولد له سبحانه من بعد ذلك ،كل هذا ليخبرنا ان ال إله غيره وال شريك معه في ملكه
قال تعالى (قل الحمد هلل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له َولي من الذل وكبره تكبيرا) وان السر من الشرك
باهلل من قبل بني إسرائل ثم إدعاء الولد له سبحانه لم يكن سوى من قبل حب الدنيا وزينتها التي زينها لهم الشيطان وافشلهم بهذا في
اإلمتحان الذي خلقوا له والذي اقتضته حكمت هللا سبحانه
ولذا يتحدث هللا عن هذا األمر تماما بقوله تعالى:
وينذر الذين قالوا إتخذ هللا ولدا ،مالهم به من علم وال آبائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم إن يقولون إال كذبا ،فلعلك باخع نفسك
على آثارهم إن لم يؤمنون بهذا الحديث اسفا،
(إنا جعلنا ماعلى األرض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عمال)
بل إن ما وصف هللا به إبليس عند طرده من رحمته و إحقاق العذاب له بقوله (إخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم ألمألن
جهنم منكم اجمعين) وصف به كذلك الذين ارادوا الحياة الدنيا من اآلخرة في قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء
لم نريد ثم جعلنا له جهنم يصالها مذموما مدحورا) والتشابه الدقيق هنا إنما يؤكد انه لشرك حق باهلل سبحانه بحيث ال يدع مجاالَ لشك
وهذا معنى قوله تعالى (لمن تبعك منهم المألن جهنم منكم اجمعين) وإنما كان إدعاء الولد ك إتخاذ أصنام تعبد من دونه ،وألنه يئس
من ان تعبد اصنام الحجارة في جزيرة العرب كما قال الرسول صلى هللا عليه وسلم كان الشرك به بهذه الصورة كافيا ً ونائبا عن
إدعاء ولداً او صنما وكان هذا هو الشرك الذي حذرنا منه بعد ذلك بقوله تعالى (التجعل معى هللا إله آخر فتقعد مذموما مخذوال)
وهو ذاته الذي نفاه هللا في كثير من اآليات التي يذكر فيها إدعاء الولد له سبحانه من قبل اهل الكتاب ،وكما قلت انما إدعاء الولد و
عبادة األصنام اتت بعد عبادة الشيطان باإلستجابة له وإتباع إغواءه وإنما كان ماعملوه سوى ترجمان لما حملوه من إتباع وإستجابة
حتى إتخذوه وليا ووقع منهم ذلك اإلدعاء .وألن الشرك ب هللا جزاءه الخلود من النار وان غيره قد اليخلد صاحبه فيها ألن هللا ال
يغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء قال هللا تعالى (حتى إذا جاء احدهم الموت قال ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما
تركت كال إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون ،فإذا نفخ في الصور فال انساب بينهم يومئذ وال يتساءلون ،فمن
ثقلة موازينه فؤالئك هم المفلحون ومن خفة موازينه فؤالئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون) ياهلل خالدون
تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون
يسألهم ربهم (الم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ،قالوا ربنا غلبة علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين) ها هو الضالل يتجلى هنا
ايضا ً لينذر من كان حيا ً بانهم في اآلخرة لخاسرين.
والسبب فيما حملهم على الشرك والبقاء فيه و إصراراهم عليه هو انهم لم يستجيبوا لدعوة المؤمنين لهم في الدنيا وكانوا منهم
يضحكون ومن دعوتهم يسخرون ولذا قال هللا لهم حين قالوا ربنا اخرجنا منها فإن عدنا فإنا ضالمون
(قال إخسوا فيها وال تكلمون ،إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين ،فإتخذتموهم
سخريا حتى انسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا انهم هم الفائزون) وانما حملهم لهذه السخرية وهذا
الضحك والهراء الذي ترتب عليه ذلك الخسران والخلود هو انهم حسبوا انما خلقناهم عبثا وانهم الينا ال يرجعون فتعالى هللا مما قالوا
علوا كبيرا.
ولذا يقول هللا تعالى في فاتحة الكتاب (اهدنا الصراط المستقيم ،صراط الذين انعمت عليهم ،غير المغضوب عليهم ،وال الضالين)آمين
يارب وال الضالين،هذا العطف في اآلية دليل على ان الضالين اي المنحرفين عن صراط هللا لهم صراط آخر غير المستقيم ذلك هو
صراط الذين غضب هللا عليهم من اهل الكتاب صراط إبليس الرجيم،
الذي ضل اهل الكتاب عن الحق اضلنا كذلك لذات الغاية المتمثله في قوله تعالى
(كالذين من قبلكم كانوا اشد منكم قوة واكثر امواال واوالدا ،فستمتعوا بخالقهم فستمتعتم بخالقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخالقهم
وخضتم كالذى خاضوا اؤلئك حبطت اعمالهم في الدنيا واآلخرة واؤالئك هم الخاسرون)
وبالتالي نكون سلكنا صراطا ً واحدا نحن وهم جميعا صراط إبليس العين(،صراط الجحيم) وهذا هو سر العطف في اآلية(.غير
المغضوب عليهم وال الضالين)
ويوم القيامة يقول هللا لمالئكته
إحشروا الذين ضلموا وازواجهم وماكانو يعبدون ،من دون هللا فهدوهم إلى صراط الجحيم ،وقفوهم إنهم مسئولون ،مالكم
التناصرون ،بل هم اليوم مستسلمون ،واقبل بعضهم على بعض يتسائلون ،قالو إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين(اي انكم اضللتونا من
منطلق الدين) ،قالوا بل لم تكونوا مؤمنين (يارب ياهلل ،هذا الحوار بين مؤمنين ضالين وغيرهم من شياطين اإلنس والجن المغوين ال
بين الكافرين بعضهم بعض من اإلنس والجن) وماكان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوم طاغين ،فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون(اي
حق علينا وعد ربنا بالعذاب حين قال (المألن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين) ،فأغويناكم إنا كنا غاوين ،فإنهم يومئذ في
العذاب مشتركون ،إنا كذلك نفعل بالمجرمين،
والسبب من هذا كله انهم لم يستجيبوا لإليمان باهلل وحده وكانوا يستكبرون من الداعين لهم بترك ماكانوا يعبدون من دون هللا قال
تعالى
(إنهم كانوا إذا قيل لهم الإله إال هللا يستكبرون) والمعنين بهذا الحديث من حق عليهم قول ربنا إنهم لذائقون.إبليس ومن تبعه من
الغاوين اجمعين.
كل ماسبق مما ذكرت االدله الكثيرة عنه ،تاكيدا لما ندعوا إليه المؤمنين وما نحب لهم اإليمان به و إتباعه لعلنا وهم به ننجوا من
العذاب اإلليم.
وعندما اوجب هللا قراءة الفاتحة لنا في كل ركعة من كل صالة فرض كانت او نافلة ،إنما لنحقق بها معنى العبادة وصدق العمل
بمقتضاها ،المتمثله في قوله ،إ(ياك نعبد وإياك نستعين) اي نستعين على امور الدنيا والدين بعبادتك وحدك في كالهما ولمقام
الفاتحة بهذا المعنى كان منزلتها تقوم مقام القرآن الكريم كله بمعنى انها اساس األمر وقاعدته إذا آمنا برب العالمين الرحمن الرحيم
مالك يوم الدين وعبدناه واستعنا به فهذا يعني آمن بالقرآن العظيم وعبدناه بكل ماجاء فيه من اوامر ونواهي واتبعنا كل مايدعوا إليه
صغيراً األمر كان او كبيرا ،ومن ثم تحقيق بهذا معنى الخالفة الحقيقي في األرض المتمثل في قوله (وماخلقت الجن واإلنس إال
ليعبدون) والنها كذلك نرجوه بها و ندعوه ان يهدينا الصراط المستقيم صراط الجنة الذي انعم به على األنبياء والصالحين ،ال
صراط المغضوب عليهم من الكافرين وال الضالين عن صراطهم من المسلمين.
وكان دعاءه بأن ال يهدينا صراط من غضب عليهم وال الضالين مفسراً لمصداق قوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى
حتى تتبع ملتهم قل ان هدى هللا هو الهدى ولئن إتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من هللا من ولي وال نصير) .والمالحظ
هنا من قوله تعالى (إن هدى هللا هو الهدى) يؤكد على ان الهدى الذي الترضى اليهود والنصارى إال بتركه هو ذاته الهدى الذي
قصدنا بإلتزامه تجنبا إلضالل و إغواء إبليس بقوله (فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هدى فال يضل وال يشقى)
و كل هذا يندرج تحت غاية الشيطان تلك الذي عبر عنها بقوله(ألغوينهم اجمعين) ولقد إتبعه المكذبين باالنبياء والمرسلين والمكذبين
بالرسول صلى هللا عليه وسلم من اهل الكتاب واتخذوه وليا وصاروا عباده الصالحون وجنده المؤمنون العاملون حتى اوقعنا في
مااراد
والحكمة من إنساب هللا األلوهية له سبحانه وتنزيه ذاته من ذلك اإلدعاء بعد ان قال (فتعالى هللا الملك الحق)اراد ان يُعْ لِمْنا ان العبثية
ليست غاية خلقه وإنما هي غاية الشيطان وحده ولعل هذا سر قوله تعالى في اآلية التي تلي تلك
( ومن يدع مع هللا إله اخر ال برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه اليفلح الكافرون)
وهذا اإلدعاء يكمن ويتمثل في إتباع الشيطان وجنوده الذين يقولون إنما هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومايهلكنا إلى الدهر
وهو السر وراء قوله ياخذون عرض هذا االدناء ويقولون سيغفر لنا وقوله عن اهل التوراة انهم حملوا التوراة ثم لم يحملوها اي
علموا ولم يعملوا بما علموا
(ونداءه لقلوب للمؤمنين بان اليكونوا كؤالئك المكذبين بقوله ( الم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر هللا ومانزل من الحق
واليكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم األمد فقست قلوبهم وكثي ٌر منهم فاسقون) )
وقوله(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسوارى بئس مثال القوم الذي كذبوا بئايات هللا وهللا اليهدي القوم
الظالمين)
هذا كله من اخذ األدنا وعدم العمل ب العلم وطول األمد وووإلخ ،كان دليالً على إتباعهم لشيطان الذي تمثل في عبادتهم له ألجل
الدنيا قبل دعوة الرسول لهم وبعد مدة زمنية من وفاة نبيهم او رسولهم حتى حملتهم هذه العبادة على تكذيب الرسول صلى هللا عليه
وسلم ومعاداته وعداوته والحقد عليه وعلى دعوته والغاية التي دعى العالمين إليها.وألنهم يعلمون انه نبي ال كذب وانه الرسول
الخاتم الذي يعرفونه كما يعرفون ابناءهم كونه مذكورا عندهم في التوراة واألنجيل لم ّ
يكذبوه بما وعدهم به من عذاب هللا وعقابه.
وألن الذي حملهم على التكذيب ليس انه نبي وإنما ألنه نبي عربي وألنهم كانوا ينتظرون بعثته منهم هم ال من العرب ألنهم يرون
العرب ادنى منهم منزلة و قدرا وانهم خيراً منهم ،والنهم قصدو ببعثته منهم العظمة والقوة والسيادة والغلبة على العرب ،تماما ً ك
قول إبليس عن آدم انا خيرا منه وكما هو الغرض من وراء هذا القول تماما َ من تعالى و تجبر ال عبادة و خالفة .وألنهم وقعوا بهذا
في الكفر باهلل وعصيانه بعدم تنفيد اوامره ب إتباع الرسول مع علمهم به وألن هذا ترتب عليه العقاب األليم في اآلخرة الذي علموه
وصدقوه على لسان الرسول الصادق كما ذكرت اعاله وكما هو مذكور في القرآن المبين والن هذا ماوقع فيه ابوهم إبليس تماما ً ال
فرق .فإن كل هذا يؤكد ان إبليس من اغواهم اوالً لتحقيق غايته حتى اوقعهم فيما وقع فيه من الشرك والكفر باهلل وحتى عبدوه حق
عبادته وقدروه حق قدره ،وكل هذا التشابه إنما هو دليل على ذلك ،ثم حملهم ثانيا بعد ذلك لتحقيق غايته كما يحب في ارضهم ومن
ثم في ارض غيرهم من المسلمين ليكمل مهمته ويحقق ألوهيته التي ارادها من قوله (ربي انظرني إلى يوم يبعثون) فسخر لهذا
جهوده وجهود جنوده الكافرين ،ليوقعنا فيما وقعوا فيه جميعاً ،ومنه تكون له ولجنوده الغلبة والمنعة والقوة في األرض ولعل هذا
مايعدهم ويمنيهم به ويكون لنا نحن التبعية والضعف والذل لعصياننا هلل الذي به فقدنا عزتنا وسيادتنا و خالفتنا ألرضه والتي وعدنا
إيها في الدنيا ويوم القيامة يكفرون بشرككم والينبئك مثل خبير ،وتسود وجهونا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ويقال لنا اكفرتم بعد
إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون.
(يوم تسود وجوه وتبيض وجوه فاما الذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)
ورغم انا كذلك الزلنا نظن في حياتنا هذه اننا محسنون وعباد صالحون ،ولكن لعلنا المعنيين بقوله (قل هل ننبئكم باألخسرين
اعماال ،الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا)
وهذا االمر كله إنما هو تفسير معنى اآلية الكريمة (وال ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم إلخ) ولعل تنبيه هللا لنا بقوله
(وإن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من هللا من لي وال نصير) ك تنبيه لنا بقوله (إن الشيطان لكم عدوا فتخذوه عدوا)
،وقوله (التتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوا مبين) وهذا يؤكد ماندعوا إليه بما اليدع مجاالً لشكٍ او ريب لدى اصحاب العقول
السليمة اولي األلباب.
ولهذا يقول هللا تعالى مستنكرا او مستفهما ً مافعلناه ومبينا لضاللنا عن الحق وسببه والنتيجة المؤدي إليها بقوله
(كيف تكفرون وانتم تتلى عليكم آيات هللا وفيكم رسوله ،ومن يعتصم باهلل ورسوله فقد هدي إلى صراط مستقيم) واإلعتصام باهلل
ورسوله يتثمل في التمسك بالقرآن والسنة ،بهدى هللا ونوره الذي انزله على خاتم رسله وأنبياءه صلى هللا عليه وسلم.
وهذا مايؤكد قول هللا تعالى آلدم اول الخلق واول إنسان نزل إلى األرض (إهبطوا منها جميعا ً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هدى
فال يضل وال يشقى) اي اليضل في الدنيا وال يشقى في اآلخرة .وان مانحن عليه هو نتيجة اننا لم نعتصم باهلل ورسوله ولم نتبع
الهدى وصرنا غثاء ال خلفاء ،وضللنا الصراط المستقيم وقلنا ماقال األولين واآلخرين من الكافرين المشركين المكذبين إنما الحياة
إنسان وطين وان الرب شيطان رجيم.
قال تعالى
(وإذا قلنا للمآلئكة إسجدوا آلدم فسجدوا إال إبليس كان من الجن ففسق عن امر ربه افتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدوا
بئس الضالمين بدال ،ماأشهدتهم خلق السماوات واألرض وال خلق انفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدا ،ويوم يقول نادوا شركاء
الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا)
(وقال الشيطان لما قضي األمر إن هللا وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وماكان لي عليكم من سلطان إال ان دعوتكم فاستجبتم لي
اشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب اليم)
ِ فال تلوموني ولوموا انفسكم ماانا بمصرخكم وماانتم بمصرخي إني كفرت بما
يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر هللا ومانزل من الحق وال يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم األمد فقست
( الم ِ
قلوبهم وكثي ٌر منهم فاسقون)
بقلم/شعيب العدلي