Professional Documents
Culture Documents
أشياء مألوفة Hwang Sok Yong full chapter download PDF
أشياء مألوفة Hwang Sok Yong full chapter download PDF
أشياء مألوفة Hwang Sok Yong full chapter download PDF
https://ebookstep.com/download/ebook-36677966/
https://ebookstep.com/download/ebook-38373982/
https://ebookstep.com/product/un-monde-immense-comment-les-
animaux-percoivent-le-monde-1st-edition-ed-yong/
https://ebookstep.com/product/advances-in-sustainable-energy-
policy-materials-and-devices-1st-edition-yong-jun-gao/
Bioquímica de Laguna y Piña 8a ed 8th Edition Federico
Martínez Montes Juan Pablo Pardo Vázquez Héctor Riveros
Rosas
https://ebookstep.com/product/bioquimica-de-laguna-y-
pina-8a-ed-8th-edition-federico-martinez-montes-juan-pablo-pardo-
vazquez-hector-riveros-rosas/
https://ebookstep.com/download/ebook-54898122/
https://ebookstep.com/product/die-staatskonkurs-aufgaben-im-
jahre-die-aufgaben-in-den-jahren-1885-bis-88-fur-die-
rechstpraktikanten-in-der-pfalz/
https://ebookstep.com/product/grammaire-essentielle-du-
francais-a1-ebook-1st-edition-didier/
https://ebookstep.com/download/ebook-47242060/
أشياء مألوفة
FAMILIAR THINGS
أشياء مألوفة
FAMILIAR THINGS
رواية
NATIKEUN SESANG
HAWANG SOK-YONG
.ل.م. ش،بمقتضى االتفاق الخطي الموّقع بينه وبين الدار العربية للعلوم ناشرون
ردمك9786140235823 :
يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو الكترونية أو
ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة أو بأية وسيلة
نشر أخرى بما فيها حفظ المعلومات ،واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر.
إن اآلراء الواردة في هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن رأي الدار العربية للعلوم ناشرون
ش.م.ل
تصميم الغالف :علي القهوجي
في الوقت الذي غاصت فيه الشمس خلف الحقول على الجانب اآلخر من النهر ،اختفى
قرصها تمامًا وبطرفة عين خلف األفق .حينها عبرت الشاحنة الطريق السريع المحاذي للنهر،
متجاوزة أطراف المدينة .لكن حالما ظهر الجسر ،بدأت حركة السير باالزدحام ،وتباطأت سرعة
الشاحنة.
وقف الفتى في الجزء الخلفي من الشاحنة ونظر إلى األمام ،وكلتا يديه تمسكان باإلطار
المعدني المثبت خلف كرسي السائق مباشرًة ،وهذا ما أتاح له رؤية بانورامية لضفة النهر والطريق
أمامه .لقد صعد إلى شاحنة القمامة مع أمه عند الطرف الشرقي للمدينة الكبيرة .توقفت الشاحنات في
خط طويل ،قبل أن تسير ببطء شديد ،وتتوقف من جديد قبل أن تغادر الطريق السريع ،وتسلك
الطريق غير المعبد الذي يوصل إلى إحدى جزر النهر .يمّر الطريق غير الُم عّبد بجوار إحدى
السواقي المتفرعة من النهر ،والتي ال تلبث أن تنضم إليه مرة أخرى في الجهة األخرى من
الجزيرة .وحده األفق الغربي ال يزال متوهجًا .ثمة قرية صغيرة تقع على التالل الشمالية المقابلة
للطرف اآلخر من النبع ،وهناك أضواء تتألأل من كل نافذة .لقد أفرط الفتى بالثقة عندما ظن أن أحد
هذه المنازل سيكون له وألمه.
جعلهم العشب الفضي ،الُم تمايل على ضفتي الساقية في الضوء الخافت ،يشعرون وكأنهم
وصلوا فجأًة إلى أرض غريبة وبعيدة جدًا .عندما بدأت الشاحنات بإضاءة مصابيحها األمامية ،بدا
وكأن هناك سحابة ناعمة من الغبار تغطي المركبات .التوى الطريق مبتعدًا عن القرية ذات األضواء
الدافئة ،وبدأت الشاحنات بتسّلق أعلى التلة ،فأصاب وجوههم في الظالم شيء مثل ُح بيبات القمح أو
األرز .كانوا ثالثة رجال وامرأتين ،باإلضافة إلى الفتى وأمه ،التي اعتلْت قمة كومة القمامة في
مؤخرة الشاحنة .كان هناك ما يكفي من الخردة البالستيكية كي يجلس عليها الجميع أو يلّفوا أرجلهم
عليها وهم واقفون وُم تشّبثون بجدران صندوق الشاحنة .كانوا محاطين بالقمامة منذ بداية الرحلة،
ولذا لم ينتبهوا لتلك الروائح الغريبة والجديدة التي تنبعث .لكن حالما وصلت الشاحنة إلى أعلى التلة
وتوقفت في مرأب فسيح ،بالكاد تمكنوا من التنّفس بسبب الرائحة العفنة .كانت الرائحة كريهة إلى
حد ال ُيحتمل ،مزيجًا كريهًا من كل رائحة قذرة في العالم؛ روث ،ومياه مجاري ،وطعام فاسد،
وصلصة الصويا ،وعجينة فول الصويا المتخّم رة .وثمة أسراب من الذباب تلتصق بوجوههم
وسواعدهم ومالبسهم في الظالم ،وتحّط بجرأة حول زوايا أفواههم وعيونهم ،وتجّسهم بألسنتها
الالصقة والباردة.
أدرك الفتى أنه ال يجدر به إعالم اآلخرين باسمه الحقيقي ،السيما اسم عائلته .يحب األوالد
الذين يذهبون إلى المدرسة أن ينادوا بعضهم بعضًا بأسمائهم الكاملة ،لكّن هذا بالنسبة إليه ،يخّص
أطفال المدرسة االبتدائية حصرًا .لقد بلغ الثالثة عشرة من العمر في تلك السنة ،لكنه كلما كان يجول
في األزقة ،يضيف سنتين ويقول إنه في الخامسة عشرة من العمر .ذات مرة ،تجّم ع حوله الفتية
األكبر منه في حّيه ،وحاولوا سحب سرواله لألسفل من أجل أن يتحققوا من شعر عانته دليًال على
عمره ،فنطح أحدهم على وجهه وكسر له سنه األمامية .وهم بدورهم لم يتركوه إال وهو ينزف من
منخريه ،وال بّد أنهم كسروا أحد أضالعه أيضًا ،ألن صدره ظل يؤلمه لشهر الحق مع كل شهيق أو
زفير .لكّن المهم أنه حافظ على كرامته.
كل فتى من فتيان األزقة ناداه بلقب مختلف :النطاط ،والمكبس ،وصاحب العينين الجاحظتين
(بغ آي) .كلمة نطاط هي اختصار للجندب ،ألّن أستاذه في الصف الرابع قال إّن لديه ساعدين
طويلتين وساقين طويلتين تركضان بسرعة معًا ،والمكبس ،تشبيه بمالك الحزين أو اللقلق األكثر
وقارًا ،واللذين لديهما أيضًا ساقان طويلتان وعنق طويل ونحيل .لم تهمه تلك األلقاب ،لكنه اعتقد أّن
لقب بغ آي لم يكن بذلك القدر من السوء .لقد أطلق عليه ذلك اللقب ،أحد ضباط الشرطة حيث كان
يعيش سابقًا .ففي أحد األيام ،وبينما كان ،وفتية آخرون ،يتسلون بتحطيم نوافذ مركز الشرطةُ .قبض
عليهم وهم يحاولون الفرار ،وُأجِبروا على الركوع أمام ضابط الشرطة بانتظار عقوبتهم .صفع
الشرطي بغ آي على رأسه مرارًا وتكرارًا بمحاضر شرطة ملفوفة على شكل عصا ،وأطلق عليه
اللقب قائًال .إياك أن تجرؤ على رفع عينيك باتجاهي ،أيها الوغد الصغير ذو العينين الجاحظتين!
سوف أنزعهما من محجريهما كليًا! دع والدك يأتي إلى هنا ،يا صاحب العينين الجاحظتين! بعد
ذلك ،كلما حاول أحد أصحابه مناداته بلقب آخر ،كان يضربه ضربًا مبّر حًا ،لكن عندما ينادونه باسم
بغ آي ،لم يكن يغضب ،حتى أنه أحيانًا يأنف من الّر د ،وسرعان ما اعتاد على تقديم نفسه بذلك االسم
كلما التقى أوالدًا آخرين من عمره .لقد قِبل اللقب كي ُيمّيز نفسه عن األوالد المتحدرين من عائالت
محترمة والذين يسكنون في شقق فاخرة ،لكنه اكتسبه أيضًا ،بالطريقة نفسها التي يكتسب بها الكبار
إحدى الشارات ،بعد كل فترة جديدة يقضونها في السجن.
ترك بغ آي المدرسة في منتصف الصف الخامس .كانت أمه بائعة متجولة ،بالكاد تجني ما
يكفي لتوفير ثالث وجبات في اليوم على مائدة الطعام ،ولدفع إيجار غرفتهما الضيقة في الحي الفقير
على سفح التلة .لقد اعتاد التسكع في أرجاء األزقة مع فتية آخرين بعمره ،لكن في مرحلة ما بدأ
يذهب مع أمه إلى السوق كي يتمكن من القيام ببعض العمل في أحد أكشاك المالبس .كانت األكشاك
داخل مبنى جميل يقع بمحاذاة الطريق الرئيسي مباشرًة ،لكن في األزقة الخلفية وبعيدًا عن األنظار،
تتجّم ع معامل صغيرة تستغل العمال ،ويقوم المالكون بتأجير كل مكان من أماكن العمل الضيقة هذه،
حيث يستخدمون بضعة عمال للعمل على بضع آالت خياطة.
كان عمل بغ آي الركض جيئًة وذهابًا لتأمين النسيج والخيوط واألزرار والمواد األخرى إلى
العمال ،وتسليم السلع الجاهزة إلى أكشاك المالبس في واجهة المبنى .ذات يوم ،وفي وقت الغسق،
توّج ه إلى المكان الذي اعتادت أمه أن تضع فيه بضائعها .كانت النساء يحزمن أمتعتهن في نهاية
ذلك النهار ،لكنه لم يجد أمه ،فسأل« :أين ذهبت أمي؟» .صرخت إحدى النساء وقالت« :البّد وأنها
تواعد شخصًا آخر في الخفاء» .أوضحت المرأة التي بجانبها قائلًة« :أظّن أّن والدك قد عاد».
«والدي؟» .أشارت النساء إلى اتجاه الزقاق الذي يتم فيه تقديم الطعام.
بحث بغ آي في الزقاق الذي تفوح فيه روائح السمك المشوي وحساء النقانق المسلوقة.
استرق النظر داخل كل مطعم على كال الجانبين إلى أن وجد أمه تجلس إلى طاولة مقابل أحد
الرجال .كان الرجل يدير ظهره ما جعل التعّر ف إلى وجهه مستحيًال ،كان يرتدي سترة جيش
ميدانية وقّبعة كرة قاعدة زرقاء اللون .تسّلل بغ آي على أطراف أصابع قدميه إلى الداخل .رأته أمه
ولّو حت له بيدها ،فمشى بغ آي باتجاه الطاولة ،وبينما هو على وشك التحّقق إن كان حقًا والده التفت
الرجل وحاول التربيت على رأس بغ آي ،فأبعد رأسه إلى الخلف قليًال .لم يكن والده .سحب الرجل
يده بإرباك وقال« :انظر كم أصبحت كبيرًا .يبدو وكأنك البارحة كنت تتعّلم المشي .»...قالت والدته:
«ألِق التحية ،هذا أحد أصدقاء والدك» .أومأ بغ آي برأسه بطريقة فظة ،وجلس إلى جانب والدته
وأخذ ينظر إليه ببرود .كان لديه عينان كبيرتان بّر اقتان وأنف كبير ،جعله يبدو ودودًا بعض الشيء،
لكّن وحمًة زرقاء ضخمة غّطت كل الجانب األيسر من وجهه تقريبًا ،بدءًا من تحت عينه إلى كامل
خّده .أين رأى بغ آي ذلك من قبل؟ بالطبع! الوجه الذي نصفه أبيض ونصفه أزرق ،الذقن الُم دببة
والطويلة ،والرداء الذي نصفه أحمر ونصفه أزرق .لم يكن سوى بارون أشورا من سلسلة قصص
مازينغر زد .إنه الشرير واليد الُيمنى للدكتور هيل ،الذي لطالما أعّد خططًا شريرة رغم أّن مازينغر
زد ،الروبوت الذي يدافع عن الخير ،كان يحبطها دائمًا .شّد بغ آي قبضتيه بإحكام ،وتأّج جت في
داخله الرغبة في القتال ،ثم أخذ يحملق إلى الرجل ذي الوجه األزرق .تابع الرجل كالمه من حيث
توقف عندما وصل بغ آي فقال« :إنه مجّر د كوخ ،ولكنه مجاني .وسوف تكسبين ثالثة أضعاف ما
تكسبينه اآلن .أين يمكنك أن تجدي صفقة مثل هذه؟» .أومأت والدته برأسها ثم أمالت جذعها إلى
األمام وعالمات اللهفة على وجهها .قالت بترّدد« :لست أدري متى سيخرج والده ،إذا ما تمّكنت من
تسجيلنا فسأفعل كل ما يلزم» .نظر الرجل إلى بغ آي الذي بقي يحملق إليه وقبضتاه مشدودتان فوق
الطاولة ثم قال« :كم عمرك؟» .لم يستطع بغ آي أن يخبره بأنه في الخامسة عشرة أمام والدته
الجالسة هناك ،لذا اعتصم بحبل الصمت.
فغر الرجل فاه بدهشة مبالغ فيها وقال« :ماذا؟ تبدو كبيرًا جدًا لتكون في الثالثة عشرة ،أليس
كذلك؟ في حال سألك أي كان عن عمرك ،قل خمسة عشرة» .أخفى بغ آي فرحته الُم فاِج ئة وتمتم
بخجل« :جميع أصدقائي في الخامسة عشرة من العمر.»...
«يا إلهي ،أحسنت .سنقول إنك أنهيت المدرسة المتوسطة» .التفت إلى والدة بغ آي وقال:
«سأسّج لك في المدينة ،وهكذا تتمكنين من العمل في الصف األول .وإذا عمل الفتى بالفرز في
الصف الثاني ،سوف تجنيان معًا ضعف ما يجنيه اآلخرون» .تمّكن بغ آي في تلك الليلة أن يخبر
أمه أنه متحمس جدًا لكي ينام فقال« :كنت في غاية القلق منذ أن أخبرنا مالك المنزل أنه يجب علينا
الرحيل ،لكن هذا جيد .فلدينا عمل اآلن ومكان لنقيم فيه .كم هذا مريح» .لقد تربى والد بغ آي ووالدة
في ميتم .وفي مرحلة ما ،هرب والده لوحده وتسّكع في أرجاء المدينة لفترة من الوقت قبل أن ينتهي
األمر به ضمن أحد طواقم العمل التي تشّكلت في كل منطقة داخل المدينة .ورغم أنه لم يكن قادرًا
على توفير ما يكفي ليصبح تاجر خردوات يعمل لحسابه الخاص ،إال أنه كان مسؤوًال عن جمع
المواد القابلة إلعادة التدوير في إحدى المناطق الصغيرة .في تلك الفترة ،عاد والد بغ آي باحثًا عن
والدته .كانت قد كبرت في ذلك الوقت ،والتزال تعيش في الميتم وتهتم باألطفال الذين بالكاد استغنوا
عن حفاضاتهم.
إّن مشكلة جمع المواد المرمّية هي أّن كثيرًا منها في حالة جيدة جدًا ،حتى أنه ُيطلب في
بعض األحيان من جامعي النفايات االحتفاظ ببضائع مسروقة إلى أن ُيصبح من الممكن بيعها ،ولذا
غالبًا ما يجدون أنفسهم متهمين بالسرقة .وكلما ازدادت التقارير عن وجود سرقاتُ ،يستدعى جامعو
النفايات إلى مركز الشرطة طوال ساعات النهار ،وتقوم الشرطة بإصدار أمر للمسؤول عن إحدى
المناطق ،كائنًا من يكون ،لكي يختار أحد العمال من أجل أن يتحّم ل المسؤولية .جامعو النفايات
أولئك الذين ُسجنوا مرة أو مرتين يتطوعون للعودة إلى السجن ،وما أن ُينهوا ُم ّدتهم ،ال تعود سرقة
البوابات الحديدية للمنازل أو أخذ النحاس الغالي الثمن أو األلومنيوم من مواقع البناء أمورًا ذات
أهمية كبرى .ناهيك عن ذكر أنه عندما يقومون بتجميع المواد المرمية في المناطق السكنية،
بإمكانهم اكتشاف المنازل الخالية من السكان بغية اقتحامها الحقًا.
اختفى والد بغ آي في السنة التي ترك الفتى فيها المدرسة .في الواقع ،لقد ُأجبر بغ آي على
ترك المدرسة بصورة أو بأخرى :بذهاب والده ،شّح ت النقود في المنزل .لم تكن المرة األولى التي
يختفي فيها والد بغ آي ،ولذا انتظر الفتى وأمه أسبوعين معتقدين أنه ُقبض عليه في حملة اعتقاالت
أخرى للشرطة .افترضا أّن شخصًا من مركز الشرطة أو مخفر المنطقة سيتصل بهما كالعادة،
ويخبرهما أّنه ُألقي القبض عليه وهو محتجز في مكان ما .لكن هذه المرة ،ولدهشتهما ،لم يردهما أي
أخبار ،لكن بدًال من ذلكّ ،سرب أحد الشباب الذين عملوا مع والده معلومات لوالدته .أخبرها أّن والد
الفتى قد اقتيد بعيدًا إلى معسكر إلعادة التعليم .منذ أن استولى الجنرال الجديد على السلطة ،وأعلن
أنه سيقوم بتنظيف المجتمع ،سرت شائعات أّن رجال العصابات وأصحاب السوابق والمجرمين
العاديين ،سيجمعون وسيرسلون لقضاء فترة إعادة تعليم من أجل تحويلهم إلى أناس جدد .اختفى
كثير من الناس ،وقيل إنهم يخضعون إلعادة التأهيل في معسكرات إعادة التعليم التي ُأقيمت في
القواعد العسكرية المنتشرة في أرجاء البالد.
لم يسبق لعائلة بغ آي أن عاشت في حالة ترف ،لكن على األقل لم يشعروا بالجوع .واآلن
توّج ب على بغ آي ووالدته أن يجدا طوال النهار من أجل أن يحصال على وجباتهما الثالث وحسب.
حتى عندما كان في المدرسة ،كان فتية المبنى يزعجونه بتسميته المتشرد الذي يأكل النفايات .وفي
كل مرة قالوا ذلك ،كان لهم بالمرصاد وأبرحهم ضربًا بيديه وركًال برجليه.
أنزل السائق زجاج نافذته ،وحّث الجميع على النزول من الشاحنة قائًال« :هيا ،فليس لدينا
النهار بأكمله» .مّر ر الناس أمتعتهم لبعضهم بعض ونزلوا عن كومة القمامة.
جّر بغ آي ووالدته حزمة من مستلزمات النوم ،وكيسًا بالستيكيًا كبيرًا ،وحوضًا يحوي
قدورًا ومقالي وما شابهها من تلك التي انتقوها وجلبوها من منزلهم القديم .زاد السائق من سرعة
دوران المحرك قاذفًا بدخان العادم ذي الرائحة الكريهة من أجل حّثهم على التحّر ك بسرعة .عندما
نزلوا من الشاحنة ،ظهر رواد فضاء من بين العتمة .كانوا ينتعلون أحذية طويلة وخوذ وقبعات
بمصابيح مربوطة على جباههم مثل عمال المناجم ،وكفوف مطاطية سميكة ،وأقنعة كبيرة .تقّدم أحد
رواد الفضاء منهم ونزع قناعه ،لكن لم يتمكن أي منهم من التعّر ف إليه في البداية.
«مرحبًا ،هذا أنا ،دعونا نذهب» .عندما سمعت والدته صوته ،أمسكت بيد بغ آي ،كان
بارون أشورا .حمل مستلزمات نومهما على كتفه وكأنها عديمة الوزن ،وتقدم المسير ،حامًال الكيس
البالستيكي بيده األخرى ،بينما حمل بغ آي ووالدته الحوض الحاوي على سقط متاعهما من طرفيه
ولحقا به .كانت األضواء تومض ببطء في قاعدة جبل النفايات حيث شّق صف من الشاحنات طريقه
وسط هدير المحركات وعاصفة من الغبار.
بينما كانوا يقتربون أكثر ،اكتشف بغ آي أّن األضواء الوامضة تأتي من أكواخ صفيح
بمختلف األشكال واألحجام .كان هناك خيم قماشية ،وهياكل بناء مصنوعة من األلواح الخشبية
المرصوفة بشكل عشوائي مع بعضها والملفوفة بالبالستيك ،وجدران مصنوعة من الفتات متاجر
عشوائية وصناديق الكرتون .امتدت األكواخ داخل الظالم بشكل ال نهائي ،حتى أنه بالكاد يوجد
مكان لكي يدخل شخص فيما بينها .فصلت بين صفوف األكواخ ممرات ليست أوسع من مسار يكفي
لمرور سيارة واحدة .ومن خالل الضوء المنبعث من كل نافذة بالستيكية في األكواخ قليلة االرتفاع،
تبين أن هناك أناسًا يعيشون فيها .ثمة رجال يتجمعون حول المواقد في المساحات الصغيرة التي
ُتركْت فارغة هنا وهناك بين األكواخ ،يسلقون أو يشوون الطعام فوق النار ويشربون السوجو
والماكولي .قّدم البارون بغ آي ووالدته إلى الرجال الموجودين في إحدى المساحات الخالية قائًال:
«هذه المرأة هي بمثابة أخت لي .وهي ُم سّج لة في المدينة اآلن ،عاملوها كفرد من العائلة» .تذمر
رجل عابس الوجه وقال« :أوه عظيم ،هذا ما نحتاج إليه تمامًا ،مزيد من المنافسين» .كان قد وضع
للتو علبة معدنية على النار ،وجثم كي ينفخ على الجمر .تجاهل الرجال بغ آي الواقف خلف والدته
والبارون .وكأي رئيس طاقم جيد ،رّدد البارون حقيقة أّن لديها كامل الحق بأن تكون موجودة هناك،
وأوضحت نبرة صوته بشكل جلي أّن األمر غير قابل للنقاش فقال« :لدينا خمسة وأربعون شخصًا
مسجلون في قطاعنا مسبقًا».
«لم نعد نجد سوى القليل مما يستحق البيع .إنها مشكلة حقيقية».
قال البارون مؤكدًا« :سيكون هناك أيام مشمسة وأيام ماطرة .اآلن ،من سيقوم بتقديم
المساعدة؟ الذي يساعد ،كائنًا من يكون ،سيكون شراب السوجو خاصته على حسابي».
«كان هذا منذ ثالثة أو أربعة أيام .عندما ألقيُت نظرًة عليه من قبل ،كانت كل األشياء المفيدة
قد ُأِخ ذت» .لحق بغ آي ووالدته بالرجال الثالثة إلى الكوخ الفارغ :كل شيء قد انُتِز ع من مكانه
وُأخِذ ،ما عدا األساسات .حتى أّن أحدهم نزع ألواح الفينيل الُم ستخدمة لتغطية األرضية ،لكّن أجزاًء
من كرتون الصناديق الممزقة التي ُنشرت تحت الفينيل بقيت هناك ،وأصبحت رطبة جراء اتصالها
باألرض العارية .رفع أحد الرجال الكرتون وقال« :انظروا هنا ،لقد نسوا أن يأخذوا الستيريوفوم».
قال البارون« :دعونا ُنبعد هذه الخردة إلى هناك ونبني كوخًا بجانب كوخي تمامًا» .همس الرجالن
وهما يضحكان« :ينبغي على العازب العجوز أن ُيبقي أخته قريبة منه ،صحيح؟» .تظاهر البارون
أنه لم يسمعهما فقال« :سيفي هذا بالغرض .نحن بحاجة إلى أن نمد فقط قطع كرتون جديدة ونغطيها
بمشّم ع .لن يستغرق ذلك أكثر من ساعة».
لحق بغ آي ووالدته ببارون أشورا إلى األسفل ،نحو نهاية صف أكواخ الصفيح .بدت بقعة
جيدة المنظر ،على مسافة قصيرة من القطاع المجاور وبعيدة بما يكفي عن الطريق حيث تشق
الشاحنات طريقها إلى أعلى وأسفل تلة القمامة .بينما كان الرجال الثالثة بعيدين ،يجمعون المواد
الالزمة لمنزلهما الجديد ،وضع بغ آي ووالدته أشياءهما على األرض وجثما بجانب كوخ البارون.
اشتكى بغ آي قائًال« :اعتقدُت أننا سننتقل إلى الريف» .فتنّه دْت أمه ثم قالت« :الناس يعيشون
هنا ،مثل أي مكان آخر تمامًا».
أجابت أمه باستهزاء« :ربما هي قمامة اآلن ،لكنهم يقولون إنها تتحول إلى ذهب».
في البدء لم يَر بغ آي سوى أكوام مبهمة في الظالم ،لكنه لم يستطع أن يعرف ما هي .لقد
تسّبب الرجال الثالثة بجلبة وهم يتناوبون على جّر عربة مليئة بالخردوات إلى الكوخ .خرج كل
شيء من مكب القمامة :عوارض خشبية مختلفة الطول ،وصناديق وخردوات بالستيكية من سوق
السمك ،وأغطية بالستيكية سميكة من مختلف األشكال واأللوان آتية من عربات األطعمة في
الشوارع ،وأقمشة لّبادية سوداء ُتستخدم في البيوت البالستيكية ،ومشّم عات لألرضيات بكل األشكال
الممكنة .فجأة تحّو لت المنطقة المحيطة بالكوخ إلى موقع بناء ،واندفع الناس من األكواخ المجاورة
لمد يد العون.
وتنفيذًا ألوامر البارونُ ،قّطعت العوارض الخشبية أو ُثّبتْت معًا لتشّكل أعمدة ُغرست بشكل
عمودي ،أما القطع األخرى فوضعت بجانب األعمدة لتشّكل دعائم لها .كما ُم ّز قت صناديق السمك
وُثّبتْت األلواح بالمسامير لتشّكل جدرانًا .أما الجدران من الداخل فقد ُغّطيت بالبالستيك ثم
بالستيريوفوم ،وبعد ذلك بطبقة قوية ومستوية من الكرتون .من أجل تسوية األرضية ،مّدوا بدايًة
طبقة من البالستيك على األرض العارية ثم طبقة من الستيريوفوم ،ثم كرتون من الصناديق
الممزقة ،ثم المشّم ع البالستيكي .أما السقف فغطوه بألواح الستيريوفوم وصفائح الكرتون ،وفوقهما
وضعت المادة اللّبادية السوداء والمشّم ع ،وتبعها عوارض خشبية مقطعها بقياس 2ضرب 4بوصة
ُثّبتْت بمسامير من أجل ضمان عدم اقتالع الريح للسقف .وكلمسة أخيرة ،فرشوا خيمة عربة الطعام
فوق السقف من أجل إكمال الكوخ البالغة مساحته ثالثة عشر مترًا مربعًا .وبما أنه بجانب كوخ
البارون مباشرًة ،بدا أكبر بكثير من األكواخ األخرى التي في المقّدمة .ثبت بارون أشورا شمعًة على
أحد الحجارة المسّطحة من أجل إضاءة الغرفة.
أخرجْت والدة بغ آي قميصًا قديمًا من أمتعتهما وأخذت تدعك الُم شّم ع .بدا النقش الوردي
الذي برز تدريجيًا على ضوء الشمعة الوامض زاهيًا ونابضًا بالحياة .أخذت والدة بغ آي تحّدق إلى
أرجاء الغرفة مذهولة قائلًة« :يا إلهي ،إنه كالسحر .كل ما نحتاج إليه موقد تخييم وسيصبح لدينا
مطبخ أيضًا» .هّز البارون رأسه ،بينما كان ضوء الشمعة ُيبرز وحمته الزرقاء أكثر ،وقال« :ال
تقلقي بشأن ذلك ،لدينا كل هذه األشياء .حان اآلن وقت االحتفال» .عندما عادوا إلى مكان موقد
النار ،أعطى البارون عدة أوراق نقدية إلى أحد الرجال الذين قّدموا المساعدة وقال« :اذهب وأحضر
الرامن وعدة زجاجات من شراب السوجو» .كان هناك شيء يغلي وتنبعث منه رائحة شهية ،فوق
أحد األفران القديمة المصنوعة من أحد براميل الزيت القديمة المقسومة إلى قسمين.
سأل البارون رجًال كان يرتدي خوذة واقية (هارد هات) على رأسه« :ماذا تطبخ؟».
«وماذا أيضا؟».
«هذا ما نحتاج إليه بالضبط» .بعد وقت قصير ،عاد الشاب الذي هرع إلى المتجر بكيس
بالستيكي .مّز ق البارون غطاء طبق الرامن ورش عبوة مسحوق الحساء على الِقْدر .كان على وشك
إضافة المعكرونة الجافة عندما أوقفه هارد هات قائًال« :يا أخي ،المعكرونة ُتؤكل أخيرًا .يجب
تناول األشياء اللذيذة أوًال».
قال أحد الرجال« :يبدو هذا مثل لحم خنزير حقيقي من قطاع التعاونيات ،من المؤكد
والمجدي أن نساعد بعضنا بعضًا».
قال هارد هات« :يجب أن تستقيل أنت أيضًا .وتبدأ بعملياتك الخاصة ،هل لديك أي فكرة عن
مدى ارتفاع التكلفة لرسوم الرخصة في قطاع عربات الشاحنات الخاصة؟».
أضاف البارون عابسًا« :ليس لدينا العالقات المناسبة على أية حال .ال يوجد في مكبات
المنطقة أي شيء جيد .القطاعات الخاصة تحصل على أفضل األشياء» .أخرج هارد هات ملعقة
مطوية من جيب قميصه ،ومسحها عدة مرات بكّم ه ،ثم تذّو ق الحساء وقال« :اللعنة ،هذا جيد».
سكب البارون بعضًا من لحم الخنزير والنقانق في أحد األطباق المحروقة والمبعوجة ،ثم أعطاه إلى
بغ آي ووالدته وقال« :أفراد عائلتنا الجدد هم ضيوف الشرف اليوم ،تناوال الطعام» .بتردد ارتشفت
والدة بغ آي رشفة من الحساء ،وهمست في إذن بغ آي« :طعمه مثل طعم حساء القاعدة العسكرية».
وضع بغ آي قطعة نقانق في فمه ،وشرع بتناول الحساء بسرعة .نزع الرجال سدادات زجاجات
اللبن التي حصلوا عليها من بين النفايات ،وأخرجوا التراب والقاذورات الموجودة في داخلها ،ثم
استخدموها كأقداح لشراب السوجو.
ما إن انتشرْت رائحة الطعام ،حتى حط الذباب على الطعام في اللحظة التي ُأخِر ج فيها من
المرق ،وعندما حاولت األفواه إبعاد الذبابات ،اكتفت برفرفة أجنحتها .وتعلقت بعض الذبابات
بالطعام وهو يدخل إلى األفواه ،ولم تطر إال عندما أحست بأطراف األلسن.
«في العادة تكون األعداد أقل في الليل ،لكني أظن أّن النار جذبت الذباب».
«كنُت أعتقد أنها ستختفي أيضًا مع انتهاء الصيف .لكن بهذا المعّدل ستبقى معنا حتى عطلة
تشسيوك (عطلة السنة القمرية الجديدة في كوريا)».
«حسنًا ،ستجعل الشعر ينمو في صدرك .البّد وأننا أكلنا نصف ليتر كامل من الذباب هذا
الصيف».
أخذ بغ آي يهّش الذباب وهو يأكل ،لكن مع ذلك ،كاد يختنق بذبابة غرقت في الحساء .أعطى
البارون لبغ آي ولوالدته بعض معكرونة الرامن التي سلقها الرجال في المرق الُم تبّقي .وقال لوالدة
بغ آي« :إذا أردِت أن تكوني عاملة حقيقية ،عليِك أوًال أن تتعّلمي كيف تتدّبرين أمورك».
بينما كان الكبار يسكبون شراب السوجو في األقداح ،قدحًا تلو اآلخر ،تسلل بعيدًا عن موقد
النار وعاد إلى كوخهما الجديد .بقيت والدته مع بارون أشورا كي تتعلم أكثر عن كيفية سير األمور.
ما إن أشعل بغ آي عود ثقاب ،وأضاء شمعة ،ثم اضطجع على المشّم ع األملس ،بدا المكان أكثر
رحابًة وراحًة من المكان الذي اعتادا العيش فيه .عندها فقط ،اعتقد أنه رأى أحدهم أطّل برأسه،
واسترق نظرًة إليه من الباب ،لكن عندما نظر إلى األعلى ،اختفى الرأس .اعتدل بغ آي في جلسته
وعيناه مثبتتان على الباب .وقبل انقضاء وقت طويل ،أطّل الرأس النافد الصبر مجددًا.
اهتز الرأس الذي نصفه مخفي ضاحكًا لكن لم يرد .عندما اقترب بغ آي من الباب ،انفجر
مصدر الضحكات من وراء الباب .كان فتًى يبدو أصغر بكثير من بغ آي .يعتمر قبعة كرة قاعدة
مائلة إلى الجنب ،ويرتدي قميصًا داخليًا من دون كمين ،وبنطال جينز فضفاضًا.
قال الفتى وهو يضحك بصوت عاٍل « :من أنت بحق الجحيم؟».
منزعجًا انتزع بغ آي قّبعة الفتى عن رأسه .كانت ُم طّر زة بحروف صغيرة ُتبّين كلمات ،كرة
قاعدة المدرسة المتوسطة ،وقد ُثنيْت وخيطت من الخلف حتى تناسب رأسه.
«أعْدها لي! هيا ،أعطني إياها!» .خّبأ بغ آي القّبعة خلفه بإحدى يديه ،ومّد األخرى ليداعب
رأس الفتى ببراجمه ،عندئٍذ وجد أّن النصف األيسر من رأسه كان عديم الشعر بشكل كامل ،وبدت
الجمجمة ُم جّعدة .اندفع الفتى إلى داخل الغرفة وهو ينتعل نعليه ،لذا رمى بغ آي القّبعة خارج الباب
وخرج .ركض الفتى ليلتقط القبعة ،فوضعها على رأسه ثم بصق على األرض.
قال بغ آي« :مهًال ،أنا آسف .أين تعيش؟» .مّد الفتى شفته السفلى واستخدمها لإلشارة إلى
الكشك المجاور ثم قال« :هناك».
«أنت أحد أقرباء البارون؟ أقصد ،قائد الطاقم؟» .أومأ الفتى برأسه ،ثم أدلى بجواب بعد آخر
ردًا على أسئلة لم يطرحها بغ آي.
«إنه أبي ،وأنا ليس لدي أم ،نحن االثنان فقط ،وأبي ال يتكلم معي».
«لَم ال؟» .ثّبت الفتى رأسه وقال« :يقول إني غبي جدًا» .بدا الفتى بطيء االستيعاب بعض
الشيء ،لكّن بغ آي اعتقد أنه إذا كان ابن بارون أشورا ،فمن األفضل له استمالته إلى جانبه .رفع بغ
آي يده إلى األعلى ،وأشار إلى الفتى أن ينتظر .أخذ ُيفّتش بصندوقه المعدني الذي يستخدمه لتخزين
أغلى مقتنياته فيه ،ثم أخرج منه ُم جّسمًا لمازينغر زد.
قال« :تفّضل ،بإمكانك االحتفاظ به .إنه أقوى روبوت في العالم» .كانت اللعبة بالنسبة إلى بغ
آي مجّر د شيء احتفظ به من األيام الخوالي ،فلو أظهرها ألصدقائه في منزله القديم كان ليفقد ماء
وجهه ،لقد كانت المفاصل البالستيكية للمجسم مرتخية قليًال ،لكّن الزنبرك المعدني الذي ُيطلق
صواريخ الساق والساعد اليزال قويًا .كانت واحدة من األلعاب العديدة المرمّية في أكوام الخردة التي
جلبها والده ذات يوم .يومها وجد والده الروبوت ،وسيارة سباق ،وبعض القطع الخشبية من أجل بناء
منازل على شكل ألعاب ،في ذلك اليوم ،تلّقى بغ آي كل تلك الهدايا ،ومعها موزة أيضًا.
«انظر ،إذا ضغطت هنا .»...ضغط بغ آي أحد األزرار على الذراع ،فبرزت القبضة .رفس
الفتى األرض بقدميه وضحك مسرورًا .التقط بغ آي القبضة البالستيكية ،ثم رّكبها في مكانها،
وأعطاها للفتى.
«ما اسمك؟».
«بولد سبوت؟ أي نوع من األسماء هذا؟» .بالرغم من اسمه الغريب إال أّن بغ آي أحّب الفتى
بسرعة .شعر باالطمئنان لعلمه أّن الناس هنا ُتسّم ى بألقابها مثلما هو الحال عليه في األحياء الفقيرة
على سفح التل في المدينة.
«كم تبلغ من العمر؟» .فَر د الفتى أصابعه العشرة كلها أمام وجه بغ آيُ .دهش بغ آي .كيف
يمكن أن يكون الفرق بينهما ثالث سنوات فقط؟ وخز بولد سبوت ،بغ آي على صدره وسأله« :ما
اسمك؟».
«بغ آي».
قال وهو يضحك بصوت عاٍل « :بغ آي! بغي-بغي-بغي!» .انحنى الفتى ضاحكًا إلى أن لمس
رأسه األرض .بعد ذلك أشار إلى بغ آي بأن يتبعه ،وبدأ يركض.
قال بغ آي« :مهًال ،إلى أين أنت ذاهب؟» .التفت بولد سبوت ووضع أحد أصابعه على
شفتيه.
همس قائًال« :األمر بالغ السرية .في حال اكتشف والدي أو الكبار اآلخرون ،سوف نقع في
ورطة».
«اتبعني وحسب».
تبع بغ آي بولد سبوت في الطريق الذي تحّده األكواخ من كل األشكال واأللوان .لقد سمع أّن
هناك ألفي عائلة تعيش معًا في الجزيرة ،لكنه بقي مذهوًال لكيفية وجود صفوف من األكواخ التي لم
تمأل المناطق المنبسطة وحسب بل امتدْت إلى كل الطريق حتى أعلى التلة .كانت أضواء الشموع
تتسّر ب بشكل خافت من كل نافذة بالستيكية صغيرة.
صادفا بعض المساحات الخالية حيث يتبادل الكبار المشروب بينما يركض األطفال إلى
داخل وخارج صفوف األكواخ وكأنهم يلعبون لعبة الغميضة.
أغّذ االثنان الخطى على التل الذي يحّد طرف مدينة الصفيح .شعرا بالعشب الطري باردًا
على كاحليهما .عرف بغ آي اسم هذه الجزيرة ،فقد سمع اسمها حيث كان يعيش مع والدته في موقع
تجميع النفايات ضمن المدينة .عندما سمع اسم (جزيرة األزهار) للمرة األولى ،اعتقد أنهما ذاهبان
إلى إحدى الجنائن التي ُتطّل على المحيط.
شّق بغ آي وبولد سبوت طريقهما نحو تلة القمامة خارج مدينة الصفيح ،وهناك وصال إلى
األطراف الغربية للجزيرة المثلثة الشكل .حالما اقتحما التل ،نظرا إلى األسفل نحو النهر .لقد ابتلع
الظالم النهر نفسه ،لكّن أضواء السيارات العابرة التي تتسابق على الطريق العام تراقصت على
سطح الماء وجعلته يتألأل.
«ما الذي تفعله؟ أسرع» .وكز بولد سبوت بغ آي ليبعده عن المكان الذي وقف فيه مذهوًال
أمام النهر .بدا أنهما يمشيان عبر أحد حقول الخضروات .وقف بولد سبوت فجأًة على تلٍة رملية
حيث تتمايل أشجار الصفصاف الطويلة واألعشاب الفضية والنباتات مع الريح .نظر بغ آي حوله،
كان هناك جسر شديد اإلضاءة في مكان بعيد إلى جهة الشرق .فتذّكر أّن الشاحنة التي أتوا فيها
أخذْت منعطفًا لجهة اليسار باتجاه جزيرة األزهار بعد عبور الجسر مباشرًة.
في مكان شاهق يطل على النهر فوق منطقة مرتفعة وسط الجزيرة المثلثة الشكل ،وأعلى
وأطول من التلة التي وقفوا عليها ،هناك جبل قمامة .كانت فترات العمل قد انتهت ،لذا لم يريا
شاحنات على مدى نظريهما .جثم بولد سبوت وأخذ يتلّم س الرمال :ظهر حبل ،فسحبه وقال« :هناك
حبل آخر إلى جانبك أيضًا».
مّد بغ آي يده إلى األسفل فوجد حبًال مشابهًا مربوطًا بوتد يخرج من بين الرمال .عندما شّدا
حبليهما في الوقت نفسه ،ارتفع عمودان مستقيمان وطويالن بينما انسحب السقف القماشي بشكل
مشدود في مكانه .أخرج بولد سبوت كيسًا بالستيكيًا كان مخّبًأ تحت السقف ،ثم أخرج علبة ثقاب
وأشعل شمعة.
ثمة قطع ثخينة من الكرتون مغطاة بشرائح كبيرة من الخردة ذات لونين أبيض وأزرق
تشّكل أرضية المكان وهناك جدران قليلة االرتفاع على الجانبين مصنوعة من كتل إسمنتية .كان
مخبًأ صغيرًا وأنيقًا محفورًا في جانب التلة الرملية ومفتوحًا على النهر ،يبدو تمامًا وكأّن أحدهم
قضم قضمة من شطيرة.
قال بولد سبوت بفخر« :هذا مقّر نا» .وضع روبوت المازينغز زد في علبة داخل المخبأ.
ظّل بغ آي يرّبت على الكتل اإلسمنتية وهو مذهول ثم قال« :إنها شبيهة بالمنزل تمامًا».
قال بغ آي وهو غير قادر على إخفاء ذهوله وحسده« :حسنًا ،هذا مقّر كم».
تمتم بولد سبوت قائًال« :سأقع في مشكل إن علم القائد بأنك تعرف» .أخرج كدسة كبيرة من
المجالت من درج إحدى الطاوالت القليلة االرتفاع في الزاوية البعيدة .بدا الفتى الصغير فخورًا أكثر
مما هو خائف وهو ُيري بغ آي المجالت .كان بغ آي على اطالع عليها من قبل ،ألن الفتية األكبر
سنًا قد أروه األنواع نفسها في األحياء الفقيرة من سفح التلة .إنها مجالت للكبار من إحدى البلدان
األجنبية ،مليئة من أولها إلى آخرها بصور أناس....
«من هو قائدكم؟».
«ال أعلم ولكنه أكبر منك .وهو عامل جيد» .جلس بغ آي وبولد سبوت وذقناهما فوق
ركبتيهما ونظرا إلى الخارج باتجاه النهر لفترة طويلة من الوقت.
أَح ّب بغ آي حقيقة أّن بولد سبوت ال يتكلم كثيرًا ما لم تطرح عليه سؤاًال أو كنت البادئ
بالحديث .وبالرغم من أنه يبدو غبيًا إال أنه سريع التعلم ،وربما كان أعمق مما يبدو عليه .إّن
التعرض للمضايقة والسخرية من ِقبل األوالد اآلخرين تجعل الشخص أكثر عمقًا .قبل أن يتعلم بغ
آي ،الدفاع عن نفسه ،كان ولدًا هادئًا ومنطويًا على نفسه أيضًا.
تمتم بولد سبوت قائًال« :ال ُيفترض باألوالد أن يعملوا هنا .أظن أنك ومول الوحيدان اللذان
يعمالن فقط».
ضحك فجأة ثم قال بفظاظة« :ربما ينام أبي مع أمك!» .لكم بغ آي بولد سبوت على قمة قبعة
كرة القاعدة تمامًا .فسقط بولد سبوت على جنبه وصرخ وكأنه ُيحتضر.
فرك بولد سبوت رأسه بكلتا يديه ،ثم ابتعد جارًا مؤخرته على الرمال.
«أنا من دون أم أو أب ،عاشت معنا امرأة منذ فترة ،لكنها غادرت».
«لدّي أب أيها األحمق .ال يعيش الناس مع أناس آخرين بهذه البساطة وحسب».
عّدل بولد سبوت قّبعته فوق رأسه وقال« :هنا يعيشون .لقد سكبْت أمي ماًء ساخنًا فوق
رأسي عندما كنُت صغيرًا ،ولهذا السبب أنا لسُت ذكيًا ،لذا ال تضربني على رأسي!».
«حسنًا ،حسنًا ،لن أضربك على رأسك .دعنا نعد إلى هنا غدًا».
أطفآ الشمعة ،ومددا المظلة لكي يخفيا المخبأ ،ثو سلكا الدرب الذي أتيا عبره .وعندما أصبحا
في وسط الطريق داخل الحقل ،جثم بولد سبوت على األرض ،وأخرج حفنًة من األشياء ،وقّدمها إلى
بغ آي.
أزال بغ آي التراب عنها ،وقّلبها بين يديه إلى أن أدرك أنها كانت فول سوداني .كانا يقفان
وسط حقل فول سوداني .فتح إحداها ،وتحسس طعمها وقوامها بلسانه.
قال بولد سبوت وهو يضحك ضحكته الغريبة« :سنضع نفسينا في موقف ال ُنحسد عليه إن
أمسكوا بنا».
تجاوزا الحقل ،وكانا يتسلقان التلة عند طرف مدينة الصفيح عندما رّبت بولد سبوت فجأًة
على ساعد بغ آي وسقط على األرض .حذا بغ آي المفزوع حذوه ،وتمّدد على بطنه ،لم يَر أي
شيء ،ولم يسمع أي أصوات .بتردد عاود بغ آي الوقوف مرة أخرى.
قال بولد سبوت وهو يسحبه إلى األسفل من مؤخرة عنقه« :اسكت ،ابَق ساكنًا للحظة» .لم
يعرف بغ آي ما الذي كان يحدث ،لكنه استلقى على األعشاب الرطبة وهو ينتظر .وبعد فترة طويلة،
وقف بولد سبوت ،فوقف بغ آي أيضًا وأخذ ينظر حوله.
كل ما استطاع سماعه كان مجموعة من الكبار يصرخون ويغنون ويتجادلون بصوت عاٍل
في البعيد .حّدق بولد سبوت مليًا إلى بقعة محددة في الظالم ثم قال« :لقد ذهبوا اآلن».
قال بتذّم ر« :اللعنة ،أنت تحاول إقناعي أنك رأيت شبحًا أو شيئًا ما؟».
أجابه بولد سبوت وهو يذهب باتجاه التلة« :يبدون مثل أضواء زرقاء ،وأنا الوحيد الذي
يراهم» .فجأًة ،شعر بغ آي بالخوف ،فركض نحو التلة ،وسبق بولد سبوت .عندما وصل إلى القمة،
وجد نفسه أمام أضواء مدينة الصفيح وأكوام القمامة الُم بهمة.
أثناء نومه ،سمع بغ آي حديثًا غير واضح حوله ،لكنه قرر البقاء متكورًا في السرير
وتجاهله .قالت أمه وهي تنزع البطانية عنه« :استيقظ يا حبيبي ،حان وقت الذهاب إلى العمل».
هّز ت بغ آي ،الذي تمّكن من النهوض ،لكنه عينيه بقيتا مغمضتين ،وبعد ذلك جعلْته يقف بعد أن
سحبته من ذراعيه« .ألست كبيرًا بما فيه الكفاية لترتدي مالبسك بنفسك اآلن؟» .بينما كان بغ آي
يتعثر وهو ُيدخل ساقيه في بنطاله ويرتدي قميصًا طويل الكمين ،كانت أمه مشغولة بتحويل نفسها
إلى كائن فضائي :كان نصف وجهها ُم غطى بقناع قماشي ،كما اعتمرت قّبعة مرنة ذات حواف
عريضة فوقه .وتحت القبعة التي كانت من النوع الذي تعتمره نساء المزارع وهّن يجززن األعشاب
الضارة ،لّفْت منديًال حول رأسها .أدخلت يدها في قفاز من قماش خاص بالعمل مكون من طبقتين
وفوقه قفاز مطاطي متين .حملْت مذراة بطول ساعدها ،وانتعلت حذاًء طويل الساق يصل حتى
ركبتيها ،لقد جعلها هذا الزي تبدو وكأنها في طريقها لتستخرج المحار .أخرجْت من العدم ،قبعة
عسكرية ممزقة وقفاز عمل قماشيًا وقفازًا مطاطيًا لبغ آي ،باإلضافة إلى حذاء قاٍس طويل الساق
مهترئ تحول إلى اللون األبيض من األمام لشّدة اهترائه.
قالت وقد كتم القناع صوتها« :لقد جلب قائد طاقمنا كل هذا لك .أسرع اآلن!» .كانت القبعة
كبيرة جدًا إلى درجة أنها انزلقت إلى األسفل حتى المست حافتها أنفه ،والحذاء الطويل الصلب كان
واسعًا جدًا إلى درجة أّن لديه فراغًا كبيرًا عند األصابع والعقبين ،لكن تفكيره أنه سُيصبح اليوم
عامًال ،وعلى قدم المساواة مع الكبار ،جعله يشعر بالفخر .أدخل يديه في القفاز ،شأنه شأن والدته،
وحمل مذراة أخرى .كان هناك سلتان طويلتان تحمالن على الكتف بانتظارهما في الخارج .في
البدء ،حملت والدته إحداهما ،ثم حذا بغ آي حذوها :شعر وهو يحمل السلة على ظهره أنه قد أصبح
أكثر طوًال بعدة بوصات فجأًة .كان الطريق عبر مدينة الصفيح مزدحمًا سلفًا بأناس آخرين يرتدون
مالبس شبيهة بمالبسهما تمامًا .اندفع الحشد نحو مكب النفايات حيث كانت الشاحنات تدور حوله،
قبل أن يتفرق بسرعة .بدا أّن الجميع يعرفون بالضبط أين ُيفترض بهم أن يكونوا.
شّق بارون أشورا طريقه نحوهما ،ووضع يده على كتف والدة بغ آي ثم قال« :لقد
استغرقتما كثيرًا من الوقت!».
«كال ،كال ،الكومتان الكبيرتان فقط .قطاع المنطقة على جهة اليمين ،والقطاع الخاص على
جهة اليسار .نحن نذهب إلى جهة اليمين» .ما عدا نظرة سريعة إلى األعلى واألسفل ،فإّن البارون
تصّر ف وكأّن بغ آي ليس موجودًا .ربما كان يحدث نفسه« :شكرًا هلل ،فعلى األقل لم تكن السلة ُتجّر
على الطريق» .كانت األكوام الشاهقة مليئة بشتى أنواع األشياء المرمية .بعد أن ذهب جامعو
القمامة إلى الكومة وأخذوا منها كل ما استطاعوا ،أتى بلدوزر لكّي يسّو ي ما تبقى منها باألرض .في
أثناء عملهم ،كانت أرجل جامعي القمامة تغوص عميقًا وتعلق أقدامهم في أشياء ،وأحيانًا تعلق بعض
األغراض بأحذيتهم الطويلة وال تتحرك إال بعد دفعة أو دفعتين .عندما وصلوا إلى قمة الكومة،
تمكنوا من رؤية الطريق السريع على جانب النهر وعليه صف من الشاحنات بمصابيحها األمامية
الُم ضاءة .استدعى قائد كل قطاع منطقة فريق عمله.
«حسنًا! في مجموعتين! تحركوا!» .وّضح البارون أّن الوقت األكثر ازدحامًا هو من الساعة
الخامسة وحتى التاسعة صباحًا ،وهو الوقت المناسب إليجاد أفضل المواد .فالدفعة التالية تأتي عند
الظهر ،والدفعة األخيرة عند المساء ،وهذا يعني أنهما سيكونان هناك ألكثر من اثنتي عشرة ساعة
كل يوم .وقف العمال حسب مناطقهم ،وانتظروا اقتراب شاحنة القمامة التي عليها رقم منطقتهم.
الشاحنات التي في المقدمة هي تلك التي دفعت رسوم الرخصة ،وهم مسّج لون رسميًا لكي يعملوا في
الصف األول .بعد أن أخرجوا أفضل الموادُ ،سمح لعمال الصف الثاني أن يأخذوا كل ما تبقى .قّدم
البارون لوالدة بغ آي معلومة بعد أخرى فقال« :من يحصل على شيء أوًال فهو له .هل تفهمين؟
الحاويات البالستيكية وأي شيء مصنوع من بالستيك رقيق يأتي الحقًا .األكثر أهمية هو مشّم ع
األرضيات واألغطية السميكة ،وأي شيء مصنوع من البالستيك السميك .إذا كانت المادة معدنية،
فخذيها .عبوات زجاجية ،خذيها .أما بالنسبة إلى المالبس أو الخرق أو األقمشة األخرى ،فإن لم تكن
حالتها جيدة فاتركيها .األوراق في المقام األول» .قّدم البارون نصائح إلى بغ آي أيضًا.
«ُيفترض بك أن تكون في الصف الثاني ،لكن ابَق خلف والدتك مباشرًة ،وخذ كل ما تغفل
عنه .إذا امتألت سلتها ،اذهب وأفرغها ثم اجلبها» .بدأت الشاحنات تقترب .القمامة التي وصلت في
الصباح هي من وسط المدينة والمناطق التجارية على األغلب ،ولذا احتوت على أفضل المواد.
وصلت قمامة المناطق السكنية ومجّم عات الشقق قرابة الظهر ،أما فضالت مواقع البناء والمصانع
القريبة فوصلت الحقًا .زحفت الشاحنات بمصابيحها األمامية الُم ضاءة بصف واحد نحو التلة،
وأنارت أكوام الذباب السوداء التي تحوم في غيوم الغبار .صرخ قائد طاقم الوحدة األخرى الذي كان
يتحقق من أرقام المناطق المطبوعة تحت النوافذ من جهة السائقين ،فركض أحد جامعي القمامة
بسرعة إلى األمام وأرشد الشاحنة مثل شرطي سير إلى البقعة التي ستعمل بها وحدته هذا اليوم.
استدار السائق ثم رجع إلى المكان بينما صرخ الرجل« :أبعد قليًال ،أبعد قليًال!» وقفت الشاحنة ،وبدأ
صندوقها يرتفع .انهمرت القمامة وتسابق جامعو القمامة من تلك الوحدة نحو الكومة .أتْت شاحنات
كثيرة إلى مكب النفايات.
نادى البارون على وحدته« :ها قد أتْت شاحنتنا» .ركض هارد هات إلى األمام لكي ُيرشد
الشاحنة ،واندفع بقية جامعي القمامة وراءها وهي تمّر بجانبهم .استدارت الشاحنة وأفرغت النفايات
بينما اندفعت الشاحنات األخرى من المنطقة نفسها إلى المكان .غاص جامعو القمامة على الفور في
الكومة ما جعل إحدى الشاحنات التي كانت ترجع إلى الخلف تضغط على مكابحها ويصرخ السائق
من النافذة« :هل تحاولون االنتحار؟ من المسؤول هنا؟» .عندما تقدّم بارون أشورا نحو المصابيح
األمامية ولّو ح بذراعيه ،تعّر ف السائق إليه على الفور.
«سأهتم باألمر!».
التقط البارون قطعة خشب بناء ولّو ح بها مبعدًا جامعي القمامة الذي تسلقوا الكومة مسبقًا.
على الفور ،تراجع جامعو القمامة إلى ما وراء خط االنتظار .حاول بارون أشورا التقاط أنفاسه وهو
يصرخ« :من قال إّن بإمكانكم البدء دون إشارة مني؟ إذا حصلت مشكلة هنا ،سوف ُنطرد جميعًا!
هل تودون تضييع رسوم رخصتكم بهذا الشكل؟» .بعد أن أفرغت كل الشاحنات في منطقته قمامتها
وغادرت ،رفع البارون إحدى ذراعيه مثل جنرال يقود جيشه وصرخ قائًال« :اآلن!» .ركض نحو
أربعين من جامعي القمامة نحو الكومة التي ارتفعت أمامهم .رغم أنها المرة األولى لها ،إّال أّن والدة
بغ آي لحقت بالجميع إلى أعلى الكومة ،مهرولًة بأطرافها األربعة ،وبغ آي وراءها مباشرًة.
لحق البارون بهما ورمى عبوة بالستيكية ُم جّعدة في سلتها .بينما كانت أمه تلتقط أفضل
المواد في المقدمة ،لحق بغ آي بها من الخلف وجمع مواد الصف الثاني التي طلب منه البارون
البحث عنها :عبوات اللبن ،وعلب المواد التجميلية الفارغة ،والمغارف واألوعية البالستيكية
المكسورة ،والعلب ،والعبوات الزجاجية.
كان معظم جامعي القمامة اآلخرين يضعون مصابيح مثبتة على الرأس مثل التي يضعها
عمال المناجم ،وبإمكانهم إيجاد األشياء القابلة للتدوير ذات السعر األعلى على الفور ،لكن هذا أول
يوم لوالدته في العمل ،وهي لم تكن غير معتادة على العمل فحسب ،بل كان المكان معتمًا أيضًا.
وحتى بعد أن ترفع شيئًا ما في مذراتها ،كان يتوجب عليها أن تقّر ب وجهها منه قبل أن تتمكن من
رؤيته .هذا إذا كان بإمكانها اإلمساك به أساسًا .لم يكن اآلخرون القريبون منها يترددون في اختطاف
المواد قبل أن تتمكن من الحصول عليها .بقي بغ آي قريبًا من والدته ،وانتزع كل ما أمكنه.
بدأ العمل من قمة الكومة نزوًال إلى األسفل :التقط جامعو القمامة المواد بشكل عشوائي وهم
يجرفون باتجاه الخلف ،ويقّلبون القمامة بمذاريهم ،وبحلول الوقت الذي وصلوا به إلى األسفل،
أصبحت كومة القمامة مسطحة وأكثر انتشارًا مما كانت عليه عندما بدأوا .عندئذ عادوا إلى األعلى
وحفروا بمذاريهم عميقًا وبحثوا بشكل أوسع من أجل التقاط مواد أكثر ،ومن ثم شقوا طريقهم إلى
األسفل من الجهة األخرى وكرروا العملية بأكملها مرة أخرى في طريقهم إلى األعلى .العمل على
حمولة كل شاحنة يستغرق منهم من عشر إلى خمس عشرة دقيقة ،وعندما ينتهي عمل الصف
األول ،يأتي الصف الثاني اللتقاط الُم خّلفات.
مع انبالج الفجر ،تحّو لت السماء إلى اللون األحمر الداكن .كانت القمامة قذرة وبشعة ،لكنها
أيضًا سوداء وبيضاء وحمراء وزرقاء وصفراء ،وقزحية األلوان وبّر اقة وناعمة ،ومرّبعة ومثلثة
وُم دّو رة وطويلة وطرية وصلبة ،وقد تدحرجت عبر الُم نحدر ،وبدت رائحتها الذعة وكريهة ،تجعل
نفَسك ينقبض وأنفك يسيل حتى تكاد تتقيأ ،لكن فوق هذا كله ،ال يبدو أي منها مألوفًا .عندما تنظر إلى
القمامة قطعًة بعد أخرىُ ،تصيبك المواد بالفزع بطريقة ما ،كما أن ترى إحدى األرجل قد سقطْت
من لعبة أطفال ،رغم أنك تعرف هذه األشياء كلها منذ وقت طويل .غرس بغ آي مذراته بحماقة
داخل شيء جعل أمه تجفل وترتعش :تسّر ب سائل من نوع ما ،وكّل ما علق بأطراف مذراته الحادة.
بدا الرأس وكأنه إلحدى القطط.
لم تكن العينان شيئًا سوى ثقبين ،وبدا المحجران غائرين ،وعرف أنها قطة من األذنين
المدّببتين ،لكن من تحت األنياب البارزة ،تجّو ف البطن الصغير ،كال ،لم يكن مجوفًا؛ كان محتشدًا
بالديدان التي تتلوى .تسّر بت الديدان إلى حذاء بغ آي الطويل .فارتجف ورماها وراءه .لقد علم الحقًا
أنها أيضًا ،كانت واحدة من األشياء التي رمْتها المدينة ،وهي ال تختلف عن علبة صودا ُم حّطمة أو
زجاجة شراب سوجو فارغة تحوي عقب سيجارة التزال آثار األسنان عليها .كل غرض ،يحمل معه
مسحة حزن أو ندم ،وربما تلك األجواء تركت بغ آي يشعر بالخوف الشديد والغربة .عندما أشرقت
الشمس ،تجّم ع الذباب وغّطى أجساد جامعي القمامة وأكوام النفايات.
لم تتوقف الشاحنات عن القدوم من كل ركن من أركان المدينة .امتد مكب النفايات على طول
النهر ،من الطرف الجنوبي الشرقي إلى الجنوب الغربي للجزيرة .كان قطاع المنطقة بطول سبعين
ملعب كرة قاعدة ،بينما طول القطاع الخاص مائة ملعب وواحد.
تقوم إحدى وعشرون منطقة برمي نفاياتها هناك ،لكن بما أّن الناس الوحيدين الذين ُيسمح
لهم بالتفتيش في النفايات هم الذين دفعوا رسوم الرخصة من خالل أحد قادة الطواقم ،كان كل طاقم
عمل مسؤوًال أساسًا عن ثالث إلى أربع مناطق مختلفة .عندما ُينهي الصف األول إحدى األكوام،
ينتقل إلى الكومة التالية ،ويأخذ الصف الثاني مكان األول في الكومة السابقة .الحقًا ،تأتي الشاحنات
الُم حّم لة بالتراب وتغطي القمامة ،معلنًة نهاية العمل الصباحي.
2
مضى شهر منذ أن انتقل بغ آي ووالدته إلى جزيرة األزهار .حاولت مواساة بغ آي بقولها إّن
الناس يعيشون هنا كما يعيشون في أي مكان آخر ،لكنه يعرف أنه مكّب نفايات مليء بأشياء
ُم ستخدمة ومرمّية ،أشياء مّل الناس من استخدامها ،وأشياء لم يعد لها أي استخدام على اإلطالق،
وأّن الناس الذين عاشوا هناك هم كذلك ُم خّلفات وفضالت نبذْتهم المدينة.
من وقت إلى آخر يشعر بغ آي بالحنين إلى الشوارع المتهالكة في حّيه الفقير على سفح التلة.
كم كان رائعًا أن يتجول أعلى التلة وأسفلها ،ويتوه في تلك المنحدرات ،واألزقة المزدحمة التي
تتفّر ع في جميع االتجاهات متجاوزًة الجدران الحجرية المرّقعة بأشياء قديمة ال قيمة لها ،ليجد
طريقه وقد سّدْته كالب شعثاء قذرة تقفز وسط الزقاق ،أو جّدات يجلسن في حلقات بصدورهن
المتغّضنة والمتهّدلة ،المتدلية من أسفل قمصانهن الداخلية الُم مّز قة بعد أن يثملن من شرب الماكولي
في الشارع .ثم يشّق طريقه عبر رماد قوالب الفحم المبعثرة ،وأغلفة المعكرونة سريعة التحضير
التي تطير مع الريح ،ويسمع فتاًة صغيرة تغني خلف إحدى النوافذ الصغيرة المفتوحة في المنزل
الذي أقفل أهلها أبوابه قبل مغادرتهم للعمل .ويرى أزهار الصيف ترقص في الريح تحت المالبس
الداخلية المتطايرة والمنشورة كي تجف تحت جرار صلصة الصويا وعجينة الفاصولياء ،والنوافذ
الُم ضاءة بالمصابيح تتألأل مثل النجوم تحت السماء المظلمة بعد هبوط الليل ،والسوق ..السوق
العظيمة! وفتيات المصانع في محل الخياطة ،حيث قام بغ آي بأعمال غريبة ،اعتدن أن يرفعن
صوت المذياع ويغنين أو يحشين فطائر ماندو المقلية في فم بغ آي ويضحكن بصوت عاٍل .لقد كانت
المالبس التي يخطنها جميلة بقدر جمال األزهار .وعلى الحصيرة حيث فرشْت والدته بضائعها للبيع
في السوق ،كانت الخضروات الطازجة ندّية دائمًا ،واألسماك في أحواض الماء أو على ألواح الجليد
ناعمة وملساء.
كل شيء هناك كان مفعمًا بالحياة .لكّن هذا لم يعِن أّن بغ آي يكره جزيرة األزهار .إنه مجّر د
عالم مختلف.
بالرغم من أّن بغ آي أمضى معظم أوقاته جيئًة وذهابًا بين المنزل والسوق ضمن أزقة الحي
الفقير في سفح التلة ،إال أنه كان جزءًا من المدينة العظيمة ،وبإمكانه الدخول إلى الباصات وقطارات
األنفاق والمباني التي على الطرف اآلخر من الجسر مباشرًة ،وإلى المدارس والبنوك ومراكز
الشرطة ومسارح السينما ،وما إلى ذلك .ذات مرة ،سقط بغ آي ووالدته ،بهذه البساطة وحسب ،في
إحدى الحفر أو داخل بئر أو ربما عبر باب قديم ،مثلما يحدث في األحالم ،ووجدا نفسيهما وقد ُنقال
إلى مملكة دوكايبي الغامضة والغريبة هذه .لم يستطع بغ آي التخلص من ذهوله بشأن كيفية ُص ْنع
الكثير من األشياء واألنواع المختلفة وشراء جميع أنواع الناس لها ،فقراء وأغنياء ،ثم ُأِك لْت أو بليْت
أو اسُتخِدمت وُر ِم يْت ،مرًة بعد أخرى بعد أخرى ،وانتهى بها األمر جميعًا في المكان نفسه.
فعل بغ آي ما طلبه منه بارون أشورا ،وانضم إلى والدته في الصف األول لجامعي القمامة،
دون معرفته لما هو األفضل في البداية ،لكن حصل جدال بين الكبار .اشتكى الناس في الخط الثاني
للبارون أنه يميز أحدهم عن اآلخرين ،حتى أّن إحدى النساء وقفت أمام والدة بغ آي وشتمْتها .بعد
ذلكُ ،ح ّو ل بغ آي إلى الخط الثاني ،حيث دفعه الكبار إلى الخلف واضُطر اللتقاط ما تبقى ،وجْم ع
المواد التي جلبتها والدته من الكومة ومن ثم تصنيفها.
كل عشرة أو خمسة عشر يومًا يأتي تجار الخردوات مرًة بأعداد كبيرة لشراء المواد التي
جمعها جامعو القمامة ويأخذونها كلها إلى مصانع إعادة التدوير .ورغم أّن غنائم بارون أشورا لم
تكن تضم أكثر المواد ربحيًة ،إال أّن فيها أشياء مفيدة .كانت غنائم البارون تأتي من المناطق الشرقية
والجنوبية الشرقية المجاورة للسوق الكبيرة في وسط المدينة ،باإلضافة إلى مناطق تضم المصانع
وشقق الناس األغنياء .تسيطر القطاعات الخاصة على المناطق التجارية في قلب المدينة ،مثل قاعدة
الجيش األميركي ،والمجمعات الصناعية في الركن الجنوبي الغربي من المدينة ،ومجمعات شقق
الطبقة الوسطى العليا المترامية األطراف جنوبي النهر.
لهذه القطاعات-التي لديها شاحنات ذات ملكية خاصة تحمل أسماء مثل التعاونية البيئية
وإعادة التدوير المركزي -عقود حصرية في كل مكب للنفايات .لقد استأجروا عمالهم الخاصين من
أجل جمع األشياء القابلة إلعادة التدوير ،حتى أنهم قد يشترون مواد من جامعي قمامة آخرين
ويعيدون بيعها لمصانع إعادة التدوير .يأتي ُم ّالك ساحات الخردة الخاصة ويذهبون كما يشاؤون من
أجل تحميل األشياء القابلة للتدوير خلف دراجاتهم النارية ،ويظهر الباعة المتجولون بشاحنات ذات
حمولة طن واحد لشراء المواد من جامعي القمامة ،بينما يأتي مّالك شركات الشاحنات الخاصة
بوتيرة منتظمة بشاحنات عمالقة من أجل نقل كل شيء دفعة واحدة .وفي يوم الشراء ،يقوم جامعو
القمامة إما ببيع ببضائعهم مباشرًة إلى مصانع إعادة التدوير أو ُيسّلمونها لشركات الشاحنات الخاصة
في حال عرضوا سعرًا جيدًا.
قالت والدة بغ آي في أول يوم شراء لها ،إنها جنْت ثالثة أضعاف ما كانت تجنيه في السوق،
فذهبت إلى أسفل التلة لشراء صندوق من شراب الماكولي من المتجر الصغير هناك كهدية لجامعي
القمامة اآلخرين .يحصل يوم الشراء أيضًا عندما يتمكن الكبار الذين ال يعملون في مناوبة الليل من
الذهاب إلى أحد الحمامات العامة في القرية المقابلة للنبع فيغتسلون ويتجهزون ثم يقضون ليلة في
المدينة.
رغم أّن الخطأ كان جزئيًا بسبب الوحمة الزرقاء ،إال أّن بارون أشورا احتك ببغ آي بطريقة
خاطئة منذ البداية واكتسب لقبه الفظيع ،وكما هو متوّقع ،بدا من الُم قّدر لهما أن يكونا عدّو ين .في
الحقيقة ،كان ذلك خطأ أمه .بما أّن البارون ساعد بغ آي ووالدته لكي يستقرا ويجدا عمًال في جزيرة
األزهار دون أن يجعلهما يدفعان قرشًا من نقودهما لرسوم الرخصة ،كان بغ آي يفعل ما ُيطلب منه،
ورغم أنه لم يتمكن من حمل نفسه على أن يدعو البارون (أبي) ،إال أنه ربما كان مستعدًا ألن يدعوه
(عمي) .لكن ذات ليلة ،استيقظ بغ آي قبل الفجر ليكتشف شيئًا مريبًا .يمكنه أن يقول إّن الكائن الذي
بجانبه لم يكن والدته .كان الكائن الذي يضغط على ظهره بحجم طفل صغير .وكزه بغ آي قليًال
بكوعه .فتمتم شيئًا في نومه وانقلب إلى الجهة األخرى .ما الذي كان بولد سبوت يفعله هناك؟ منذ
يومهما األول في جزيرة األزهار ،عندما قال بولد سبوت ذلك الهراء حول أّن البارون سينام مع
والدته ،صمم بغ آي على حمايتها .وجد نفسه تقريبًا يفكر بالنيابة عن والده ويصرخ« :أيها الوغد
اللعين سأقتلهما معًا» .لكن بدل أن يقضي وقته في التفكير نهض من الفراش وأخذ يتلمس طريقه في
الظالم بحثًا عن سكين المطبخ التي تحتفظ والدته بها في صندوق بجوار المدخل .دفع الباب المفضي
إلى كوخ البارون (يدعونه باب ،لكنه في الحقيقة ،مجرد إطار خشبي ملفوف بالبالستيك) ،لكنه كان
مغلقًا من الداخل .كان الظالم أشّد حلكًة مما هو عليه في الخارج .فندم ألنه لم يضع على رأسه أحد
المصابيح التي يستخدمونها في العمل .عندئٍذ ،سمع صوت خشخشة ،وأومض شيء أمام عينيه.
همس صوٌت غاضٌب فيه مسحة من التهديد قائًال« :من هناك؟ لماذا ،أيها اللعين
الصغير .»...تراجع بغ آي إلى الخلف ،وهو يرفع ذراعه ليغطي عينيه من ضوء بارون الكّشاف.
اندفع البارون ،العاري سوى من مالبسه الداخلية ،لُيمسك ببغ آي ،لكّن بغ آي تمكن من القفز عبر
الباب .لحق البارون به إلى الخارج ووّج ه شعاع ضوء الكشاف على بغ آي ثم قال« :حسنًا ،انظروا
إلى ذلك .الوغد الصغير يحمل سكينًا!».
«من هو؟» .عندما سمع بغ آي صوت والدته قادمًا من غرفة بارون أشورا ،أسقط السكين
وفّر هاربًا .ركض في الطريق إلى أعلى التلة حتى وصل إلى طرف مدينة الصفيح ،وهناك جلس،
يحّدق إلى النهر ،إلى أن أشرقت الشمس.
لم يكن بغ آي قد رأى ما يكفي ليعرف بالتأكيد ما الذي كان يفعله البارون ووالدته بالضبط –
ربما كان كل منهما يحتضن اآلخر فقط من دون مالبس –لكّن ما عرفه بشكل مؤكد هو أنهما
سينامان تحت البطانية نفسها من اآلن فصاعدًا.
استغرق إخماد سورة غضبه نصف ساعة من التحديق إلى الفضاء ،حتى أنه توقف عن
الشعور باألسى نحو والدته .وبما أنه كُبر معتمدًا على فطنته ،فقد استوعب بشكل أو بآخر كيف
يعيش الكبار في مكان مثل هذا .يهزأ األوالد هنا ويضحكون من أنفسهم ومن أهاليهم وكأنهم
يتحدثون عن أناس غرباء .في أي مكان آخر ،قد يقود مثل هذا النوع من الحديث إلى مشاجرات
وأنوف دامية ،لكّن أطفال جزيرة األزهار يسخرون ويتفوهون ببعض األلفاظ النابية وحسب .لقد أتى
كثير من جامعي القمامة إلى هناك لوحدهم بحثًا عن العمل ،وكان هناك كثير من اآلباء واألمهات
يعتنون بأطفالهم بأنفسهم .كان هناك عائالت متماسكة بالطبع ،لكّن على األغلب يعيش أولئك الناس
في القرية المقابلة للساقية ،ويأتون إلى جزيرة األزهار عند الفجر ويغادرون عند الغسق .اكتظت
جزيرة األزهار بستة آالف شخص يعيشون ضمن ألفي أسرة .وكان الكبار بشكل طبيعي ،على
Another random document with
no related content on Scribd:
younger brother, and he was the no ia, a oia no ke ’lii o ka aina, a
king and ruler of the land. He nana ua koko nei o Makalii (no
had a net named after himself, ka inoa), ilaila ka ai, ka ai, na
Makalii, in which were kept the mea a pau loa. A he ike no ko
food and fish as well as other Makalii i ke kilokilo e like me
things. Makalii, who was also Moikeha, a me Kila; no kona ike
educated in all of the arts of the e hiki aku ana nei kupu (Kila) i
day, could tell of coming future ka aina, nolaila, lawe keia i na
events, as well as Moikeha or mea ai a pau a paa i ke koko,
Kila. Because of this power as a kau i luna, oia kela olelo kahiko
fortune-teller he was able to o Hawaii nei: “Hului koko a
foresee the arrival of Kila to his Makalii kau iluna.” E pii ae ana o
kingdom. So he took up all the Kanepohihi ma kona kino iole, a
food and placed it in a net and aki i ke koko a Makalii, haule ka
hung it out of reach, which was ai a me ka ia i lalo nei, loaa ka ai
the origin of the old Hawaiian a Kila a me na ohua.
saying: “Makalii drew in his net
(koko) and hung it up.”
Kanepohihi, on being requested
for food, changed herself into the
form of a rat and climbed up,
nibbled at the net of Makalii,
cutting it and causing the food
and fish to fall out, thus
supplying Kila and his
companions with food.
Shortly after this Kila sailed for Holo aku la o Kila a hiki i ka
the main island, the canoe going aina, holo aku la ka waa o Kila a
toward the kapued harbor, where ke awa kapu e ku ana ka pahu
the kapu stick was standing. This kapu, no Moikeha ia wahi; aohe
place was Moikeha’s; no canoe waa pae malaila, aohe kanaka
was allowed to land here; no hele, hele no make, he kapu mai
person was allowed to pass by it ko Moikeha noho ana a hele, oia
upon pain of death. The place mau no ke kapu a me ke kiai ia.
had been kapued before Kahea mai la o uka: “He waa e!
Moikeha left, and ever since his he waa hoi kela!! Makau ole kela
departure its sacredness had waa i ke kapu o ke ’lii; a nui ko
been maintained. When the ikaika i na la, ola oe.” Ia lakou
canoe was nearing the landing nei i pae ai ma ia wahi, aole nae
place the people on shore were i kau na waa o lakou nei i uka, i
heard calling: “There is a canoe! ke kai no kahi i hekau ai. O Kila
There is a canoe!! That canoe hoi, ua opeope ia a paa kau
does not seem to have any fear iluna o ka pola o na waa. He
for the kapu of the king. Your kanaka maikai loa o Kila, aohe
superior strength, if any you puu, aohe kee, a he nani ke
have, will be the only salvation nana aku, a ua hele kona maikai
for you this day.” mawaho o ke kapa a me kona
opeope e wahi ana.
Before Kila and his people
reached the landing place and Olelo aku o Kila i na kanaka o
hauled their canoe up on the luna o ka waa: “Ina nana oukou
sand, he was bundled up and a i hele mai kekahi kanaka nui, i
placed on the platform. Kila, as na waa nei, o Mua ia, he kanaka
we have said, was a very puni wahine ia, oia ka mea nana
handsome man and was good to i kumakaia o Moikeha i hele ai. A
look upon, so much so that it owau hoi, mai hai oukou ia’u ke
could not be hidden by the ninau mai.” A hiki o Mua i na
covering in which he was waa, nana i na kanaka, kukulu
wrapped. After he had been iluna, kukulu ae la i ke kanaka
placed on the platform he mamua, nana i ke alo aohe puu,
addressed his followers, saying: nana i ke kua, loaa he okakulai,
“When you see a large man he puu. Olelo aku o Mua: “Aole e
come to the canoe, it is Mua. He loaa ia oe o Luukia.” Pela no ka
is a great admirer of women. He nana ana a pau na kanaka o na
is the man that was the betrayer waa, a koe o Kila. O ko Mua
of Moikeha, and the one that manao ma keia nana ana, i loaa
caused Moikeha to leave his ke kanaka maikai e lilo ai o
own country. Don’t tell him about Luukia, alaila, nonoi aku nana e
me, in case he should ask you.” moe e mamua o Luukia, no ka
mea, aole i loaa o Luukia ia ia
As soon as Mua reached the mamua a hiki ia la.
canoe, he looked over the men
and stood them up. Examining
the first one and finding a
protuberance on his body, he
remarked: “You will never be
able to get Luukia.” He then
examined the next man, and so
on to the last, with the exception
of Kila. The reason why Mua
examined the men was because
he wished to find one who could
command the admiration of
Luukia, and by him get a chance
to approach Luukia, as he had
never been able to please
Luukia even up to this time.
At this time the place was A pau ka olelo ana a Kila, lele
packed with the chiefs and aku la o Ukulii me kana laau, lele
people who were eager to see aku la a ku me Niniukalani, ua
the conflict. They never had any palua kona nui imua o Ukulii, a
idea that the small man had any he mea ole o Ukulii i kona
chance with the big man at all. manao ana, heaha la ia imua
Niniukalani, upon seeing Ukulii, ona? He opala. Ia wa, ua piha ke
began to twirl his war club, one i na ’lii a me na kanaka he
Kahikinaakala, and, when Ukulii nui loa, e nana ana i ke kaua,
was within striking distance, let it aole nae o lakou manao e ola
come down; but Ukulii jumped to ana kahi kanaka uuku i ke
the right and toward his kanaka nui. O Niniukalani, ke
opponent. The club missed its hookaa nei i ka laau palau ana,
object and hit the sand, causing ia Kahikinaakala hoomoe iluna o
it to fly in all directions, and left a Ukulii, komo ae ana o Ukulii i ka
deep valley, hiding the two akau, hala ka laau, loaa ke one,
contestants from view for a time. puehu liilii, moe ke awawa, nalo
Everybody believed that Ukulii laua nei i loko o ke one. Manao
was killed. After [168]the cloud of na mea a pau ua make o Ukulii;
sand had settled, the people saw a mahope, ku hou laua nei,
that both of the contestants were hookaa o Ukulii i ka laau ma ka
still there. Ukulii then twirled his hema a [169]hoana, aole nae i
club and made a feint as though uhau, alo e o Niniukalani, e
to strike. Niniukalani dodged, but waiho ae ana keia ma ka akau,
before he could recover himself, loaa no o Niniukalani, make loa,
Ukulii struck to the right which kaawale o luna me lalo.
caught Niniukalani squarely,
cutting him in two and killing him
instantly. At this the crowd cried
out: “One for the stranger and
none for the son of the soil.
Nobly done! No wonder this
canoe dared to land on kapued
ground, for it carries a noble
warrior.”
After the fight Kila returned to his Hoi aku la no o Kila a luna o na
canoe, while Makalii laid on the waa noho, o Makalii hoi, waiho
ground for a period of time iho la, a moa ka umu, ala ae la
sufficiently long to cook an oven me ke kunewanewa a hoi i ka
(umu) of food; whereupon he hale. Ma keia hoi ana, he mihi
arose and staggered to the nui ko Makalii i kona pakele mai
house. While on his way to the make, o kona ike ana no ia i ka
house he congratulated himself aina, hoi i luna a make.
on his miraculous escape. This
was the last time he was seen
on earth, for he returned up
above 8 and died there.
The end of this contest saw Kila Puni ae la ka aina ia Kila, pae
master of all the lands. The aku la na waa, hele aku la o Kila,
canoe was then beached and he uwe ka pipipi, a ninau mai:
went ashore. At this the shells 9 “Heaha ka huakai a kuu haku o
cried and asked: “What is the ka hiki ana mai?” I aku o Kila:
object of this voyage that has “He huakai imi alii.” Hoole mai ka
brought my lord here?” Kila pipipi: “Aohe alii, ua make, o
replied: “It is a voyage in search makou wale no koe, haalele ia
of a chief.” The shells said: iho makou e ko makuakane, i
“There are no more chiefs; all keia wahi, aohe ai, aohe ia, ua
are dead. We were deserted by lawe aku ko makuakane a pau
your father in this place, without loa, o ke opu wale iho no ka
food and without fish, your father makou.” Pela no o Kila i hele ai,
taking everything with him, and me ka uwe mai o na
we have managed to just exist.” makaainana ia ia nei, a hiki keia
i ka hale o Moikeha ia
Kila then continued on his way, Moaulanuiakea. He hale maikai
meeting the former inhabitants of loa, a he hale kiekie loa no hoi,
the land who wailed and cried to he hulu manu o luna i ako ia ai,
him, until he arrived at the he iwi manu ka aho, he kauwila
palace of Moikeha, ka laau. (Ua oleloia i loko o ko
Moaulanuiakea. This was a very Moikeha kaao, oia kona kumu i
beautiful house, being very lofty noho ai ia Kauai me
and was thatched over with the Hooipoikamalanai, alaila,
feathers of birds. The battens nalowale ke kaupoku o kona
were made from the bones of hale o Moaulanuiakea.)
birds and the timbers were of
kauila wood. It is said in the
legend of Moikeha that the
reason why Moikeha journeyed
to Kauai and lived with
Hooipoikamalanai was on
account of his oath, never to
return after the ridge-pole of his
house, Moaulanuiakea, had sunk
out of sight.
While Kila was asleep Luukia Ia Kila e moe ana, hele mai la o
came outside of the house, Luukia a mawaho o ka hale
spying, watching this glow hoomakakiu, e nana ana i keia
inside, its redness; and when mea wena i loko, a me ka ula, a
she saw this red glow, tears fell ike o Luukia i keia mea ula, uwe
from her eyes. She choked, and iho la ia me ka helelei o ka
her heart quickened when she waimaka.
thought it was Moikeha. The
night was far spent when the I kona manao o Moikeha, pela
guards fell asleep. Luukia ka hakui o kona puuwai, pela ke
walked softly and carefully to kaoo ana o kona manao. A pau
where Kila was sleeping and na kiai i ka moe, a aneane e huli
looked at him; he resembled ke kau o ka po, nihi aku la o
Moikeha, but was handsomer. Luukia a hiki io Kila ala, nana iho
She leaped on him crying, and la, ua like me Moikeha a oi ae,
embraced and kissed him. Kila lele iho la maluna, uwe; apo iho
awoke startled and looked at her. la me ka honi, puoho ae la o
Kila, a nana ae la. I loko o ia wa
Then they contended together laua i aumeume ai i ke kihi o ka
until the break of day, when malama, i aku ai o Luukia: “Aohe
Luukia said: “I have no private; it mai, ua paa i ke kamaaha ia e
was corded up by Olopana, and Olopana, mai ka la a ko
it has been sealed up from the makuakane i hele aku ai a hiki i
time your father went away to keia la.” Olelo aku la o Kila: “Ina
this day.” Kila then said: “If you he ae oe, he hemo wale no ia, a
will consent it can be he paa hou no ke hana.” Ae mai
unfastened, and it can be closed o Luukia, wehe iho la o Kila a
again.” Luukia consented, and hemo. Ia wa laua i mali iho ai i
Kila unfastened [the cords]. Then na kaula makalii a ka manao, e
they gathered up the fine strands nonoke ana i na hakina pau ole
of thought, indulging in love’s a ke aloha, e wili ana i na koai
desire, and braided the lehua lehua a ka moe. A pau ae la, hoi
wreaths in dreamland, after aku la o Luukia, a mahope lilo
which Luukia went her way. loa ia Kila.
Later she became wholly Kila’s.
And that is the end of this Oia ka pau ana o keia kaao.
legend.
[161]
1 The two tides, rising and ebbing, are
here ingeniously likened to two
powerful demi-gods of the ocean. ↑
2 Anahulu is a measure of time only,
indicating a period of ten days and
nights. The term did not apply to any
other counting, neither of years nor of
articles. The length of time might be
one, two or forty anahulus and so many
days, as fractions of an anahulu. ↑
3 Kalukalu, a delicate, gauze-like
kapa, to which the morning mist is
likened as it is dissolved by the rays of
the rising sun. ↑
4 In the story of Moikeha this netting of
cords which was designated “the
pau of Luukia” was her own doing,
according to other versions, not
Olopana’s. ↑
5 Opala, rendered here as “chaff”, falls
far short of the contemptuous
expression of nothingness, rubbish, or
anything worthless which may be blown
away by the wind, conveyed in the
original. ↑
6 The naming of war clubs appears to
have been a very general custom,
as they are frequently referred to in
tradition as being famous. It is likely
that their names may have been
applied to commemorate an event, as it
is noted that these named clubs are the
dependable weapons of celebrated
warriors. ↑
7 A fairy story recognition by the
elements of a royal descendant, at
whose approach the spirits of former
subjects appear as if to do homage. ↑
8 This doubtless refers to returning to
a mountain abode, from which the
lowland plains are designated “the
earth”. ↑
9 Even the shells of the shore are
made to recognize a royal scion. ↑
[Contents]
FORNANDER COLLECTION
OF
HAWAIIAN ANTIQUITIES
AND FOLK-LORE
THE HAWAIIAN ACCOUNT OF THE
FORMATION OF THEIR ISLANDS AND
ORIGIN OF THEIR RACE WITH THE
TRADITIONS OF THEIR MIGRATIONS,
ETC., AS GATHERED FROM ORIGINAL
SOURCES
BY
ABRAHAM FORNANDER
Author of “An Account of the
Polynesian Race”
With Translations Revised and
Illustrated with Notes by
THOMAS G. THRUM
Honolulu, H. I.
Bishop Museum Press
1917
[Contents]
CONTENTS
Story of Umi.
CHAPTER PAGE
Kihapiilani.
Story of Lonoikamakahiki.
CHAPTER PAGE