Professional Documents
Culture Documents
الوحدة الاولى - مقدمة ونظرة عامة على العهد القديم
الوحدة الاولى - مقدمة ونظرة عامة على العهد القديم
1
القسم الثاني :تعريف بالعهد القديم
"العهد القديم" هو القسم األول من "قسمي الكتاب المقدس" (البيبليا) الذي هو المرجع األول ،للكنائس المسيحية
1
أيضا ،لليهود،
التاريخية ،والمرجع األول واألخير لمعظم الكنائس اإلنجيلية ،لكل ما يتعلق بالدين واألخالق .هو ً
"الكتاب المقدس" ومرجعهم األساس بين مجموعة كتبهم الدينية األخرى.2
1الكنائس المسيحية التاريخية هي الكنائس الكاثوليكية والكنائس األرثوذكسية ،وهي تعتبر أن الكتاب المقدس والتقليد هما السلطة المرجعية لكافة المسائل
العقييدية والليتورجية والخلقية.
تكون التلموذ. أهم الكتب اليهودية المرجعية باإلضافة إلى "العهد القديم" هيِ :
المشنا والجما ار والهالخا وكلها ِ 2
2
ويصبح مجموع األسفار ستة وأربعين ( .)46وهذه الكتب جزء مما يدعى "األبوكريفا" 3أو كتب القانونية الثانية.4
لقد نقل هذا الترتيب لألسفار عن "السبعينية" 5عن طريق "الفولغاتا" .6ولما كانت بعض أسفار "األبوكريفا" ملحقة
أيضا إلى الالتينية وألحقت بـ"الفولغاتا" ومنها انتقلت إلى "العهد القديم" فيببعض نسخ السبعينية ،ترجمت ً
الكنائس الكاثوليكية وسميت "أسفار القانونية الثانية".
أما ترتيب األسفار بحسب الـ"الكتاب المقدس" العبري (العهد القديم) ،فهو على الشكل التالي:
.1أسفار التوراة ( ،)5وهي :التكوين ،الخروج ،الالويين ،العدد ،والتثنية.
.2أسفار األنبياء ()8
.3أسفار األنبياء األولون ( ،)4وهي :يشوع ،القضاة ،صموئيل (األول والثاني) ،الملوك (األول والثاني).
.4أسفار األنبياء الالحقين ( ،)4وهي :إشعياء ،إرميا ،حزقيال ،اإلثنا عشر (هوشع ،يوئيل ،عاموس،
عوبديا ،يونان ،ميخا ،ناحوم ،حبقوق ،صفنيا ،حجي ،زكريا ،مالخي).
.5أسفار الكتابات ()11
الشعرية ( ،)3وهي :المزامير ،األمثال ،أيوب.
ّ .6أسفار الكتابات
.7أسفار اللفائف الخمسة ( ،)5نشيد األنشاد ،راعوث ،مراثي إرميا ،الجامعة ،أستير.
التاريخية ( ،)3وهي :دانيال ،عزرا_ نحميا ،وأخبار األيام (األول والثاني).
ّ .8أسفار الكتابات
ومجموع األسفار أربعة وعشرون (.)24
يفيد المؤرخ اليهودي يوسيفوس بأن عدد األسفار هو اثنان وعشرون ( .)22وقد توصل إلى هذا العدد بضم
سفر راعوث إلى القضاة وسفر المراثي إلى إرميا .ويظهر بأن هذين السفرين كانا منفصلين عن مكانيهما
األصلي بسبب استعمالها ،مع مجموعة "اللفائف الخمسة" ،في بعض المناسبات الدينية.7
3
كلمة "أبوكريفا" تعني "مخبأ" أو "سري" .وقد كانت هذه الكتب تق أر من قبل رجال الدين وبعض المتخصصين( .انظر القسم المتعلق بـ"أبوكريفا العهد
القديم" في الفهرس).
4
أطلقت تسمية "كتب القانونية الثانية" على كتب األبوكريفا التي تعترف بها الكنائس الكاثوليكية ،ألنها نالت قانونيتها في مجمع ترانت سنة 1545بعد
أن نالت الكتب األخرى قانونيتها في مجمع هيبو (قرطاجة) سنة 397م.
5
"السبعينية" ترجمة للعهد القديم إلى اليونانية ،وهي في غاية األهمية ،لذلك سيأتي الكالم عنها الحًقا.
6
"الفولغاتا" أي "الشعبية" وهي ترجمة للكتاب المقدس بكامله إلى الالتينية قام بها القديس أيرونيموس (جيروم).
7
W. T. Purkiser (Editor), Exploring the Old Testament. Kansas City: Beacon Hill Press 1955. P. 52.
3
وهذا هو الترتيب الذي كان معموًال به أيام المسيح ،وقد عكسه لنا العهد الجديد ،وهو مقسم إلى ثالثة أقسام
رئيسية" :ناموس موسى" (الشريعة) و"األنبياء" والمزامير (لوقا .44 :24رج آ .)27وكتاب المزامير هو كتاب
رئيس بين مجموعة تدعى "الكتابات".8
وجاء مثل هذا الكالم في سفر حزقيال (حزقيال .)27-26 :37يذكر النبي إرميا هنا "عهدا جديدا" بالمقارنة
مع العهد األول الذي هو "العهد القديم" .ثم عندما كان الرب يسوع المسيح يؤسس للعشاء الرباني قال" :هذه
الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم"( .رج 1كورونثوس 25 :11؛ عبرانيين .)10 :8وبناء على
جديدا .10وما يطلق
ثانيا أو ً
وعهدا ً
ً قديما
عهدا أوًال أو ً هذا الكالم ،يكون هللا قد قطع ،تار ً
يخا ،مع شعبه عهدينً :
الخارج من مصر عند جبل سيناء ،وأصله أو حقيقته في الفداء الذي صنعه بالمسيح على الصليب ،وفريق آخر من الالهوتيين ،وهؤالء يؤمنون بما يسمى
4
عليه "العهد القديم" هي بالتالي األسفار التي تغطي أحداث العهد الموسوي (األول أو القديم) الذي جاء قبل
"العهد الجديد" بالمسيح.
يغطي العهد القديم حقبة تاريخية تبدأ بالخلق وتنتهي حوالي سنة 165ق .م( .أحداث سفر دانيال) .واشترك
في كتابته عدد كبير من الكتاب الملهمين .لقد مرت عبر هذه السنين كثير من األحداث التي غيرت ،في بعض
األحيان ،مجرى التاريخ ،وظهرت حضارات متنوعة .ولكثير من هذه األحداث والحضارات آثار في نصوص
العهد القديم .فنحن إ ًذا أمام غنى كبير ونحتاج إلى تقنيات معرفية لكي نكتشف هذا الغنى.
مدرسيا" للتاريخ أو للعلوم .إنه رسالة هللا للبشر خالل حقبة محددة
ً "كتابا
غير أنه ال يفوتنا بأن العهد القديم ليس ً
من التاريخ ،ولكي نفهم هذه الرسالة ،وتتوضح لنا أسرارها ،فنحن تحتاج ،باإلضافة إلى المعارف العقلية ،إلى
11
الروح القدس ،ملهم الكتاب ،لكي يفسر لنا الرسالة اإللهية ويحولها إلى قوة الحياة اإللهية فينا عندما نقرأه.
"الهوت التدابير اإللهية ( ،")Dispensationalistويرون أن هللا رتب مع اإلنسان عدة تدابير على مدى التاريخ البشري ولكل تدبير عهد مميز .فهناك
عهد مع آدم وعهد مع نوح وعهد مع إبراهيم وعهد مع موسى وعهد مع الكنيسة بالمسيح.
11عيسى دياب ،العهد القديم مدخل ومسح شامل ،الجزء األول التوراة (بيروت ،كلية الالهوت المعمدانية العربية.12- 8 ،)2016 ،
5
القسم الثالث :تشكيل "قانون" العهد القديم
ترجمة عن الكلمة اليونانية " "Canonالتي تعني "قصبة مستقيمة"" ،حد مستقيم" و"مسطرة". كلمة "قانون" م َ
وبتطبيق الكلمة على الكتابات الدينية تصبح هذه الكتابات قانونية ،بمعنى أنها القاعدة أو القواعد التي تقاس
عليها المسائل الدينية واألخالقية وتصبح هذه الكتابات ذات سلطة مرجعية ،بموجبها تصدر األحكام على الناس
بشأن األمور الدينية واألخالقية وبعض األمور الفلسفية والتاريخية بالنسبة للبعض.
"ليس عندنا عشرات اآلالف من الكتب المتناقضة والمتضاربة بل فقط اثنان وعشرون ً
[كتابا]
تتضمن تاريخ األزمنة ،كتب أو من بها عن حق ،ومن هذه :خمسة لموسى التي تحتوي على
الشرائع والتقاليد القديمة منذ خليقة الجنس البشري حتى موته [موسى] .ومنذ موت موسى حتى
حكم ارتحششتا ،ملك فارس ،... ،فاألنبياء الذين جاءوا بعد موسى كتبوا تاريخ األحداث التي
كتابا .والوثائق األربع الباقية تحتوي على ترانيم هللا وقواعد
دارت في زمنهم في ثالثة عشر ً
12
عملية للناس"
12
Josephui, contra Apionem. 1. 8 from about 95 A. D.
6
يذكر المؤرخ يوسيفوس هنا عدد أسفار العهد القديم القانوني عند اليهود وأقسامه الثالثة .لكن ما هو ِق َدم هذا
"القانون"؟ وهل نجد شهادة تدعمه أقدم من شهادة يوسيفوس؟ إن أقدم إشارة تاريخية نعرفها عن العهد القديم
القانوني عند اليهود بأقسامه الثالثة وأسفاره االثنين والعشرين توجد في مقدمة كتاب مجموعة من الكتب اليونانية
"سفر الحكمة" ليشوع بن سيراخ ،الذي كتب حوالي 190ق .م 13.باللغة العبرية. التي أشرنا إليها سابًقا وهو ِ
الكتاب الذي تَرجم ِ
السفر بأكمله والمقدمة نفسها كتبت باللغة اليونانية حوالي 130ق .م .بواسطة حفيد كاتب ِ
إلى اللغة اليونانية .نق أر في هذه المقدمة:
يورد كاتب المقدمة -المترجم اليوناني -حفيد يشوع بن سيراخ األقسام الثالثة للكتاب المقدس القانوني عند
اليهود (العهد القديم) وهي الشريعة (التوراة) واألنبياء و"الكتابات المقدسة" وقد دعا هذا القسم األخير بأسماء
مختلفة" :الكتابات المتأخرة" (التاريخية) و"بقية كتابات أسالفنا" و"بقية الكتابات" .واآلن نعود إلى المؤرخ
يوسيفوس وإلى االقتباس منه المشار إليه أعاله ،فهو يتابع:
"منذ أرتحششتا حتى أيامنا كل شيء قد تسجل ،لكن هذه [الكتابات] لم يحكم فيها بأنها بنفس
مستوى الكتب السابقة من حيث القيمة ،إذ إن الخالفة النبوية كانت قد توقفت .واإليمان الذي
تجر أحد على زيادة شيء عليها ،أو حذف شيء
وضعناه بكتبنا ظاهر بمسلكيتنا إذ إنه ال أ
منها ،أو تغيير شيء فيها".15
فيوسيفوس هنا يعكس الفكر اليهودي في نهاية القرن األول للميالد بشأن تحديد أسفار كتابهم المقدس القانوني
ونظرتهم لجهة ثبات مضمونها دون زيادة أو نقصان أو تغيير .وي ِ
صرح بأن كل الكتابات التي كتبت منذ الملك
الفارسي أرتحششتا ( 424-464ق .م ).وحتى أيامه ،لتغطي مسرح األحداث التاريخية ،ال تعتبر قانونية وال
تتمتع بنفس مستوى الكتب القانونية األولى التي كانت قد كتبت قبل هذه الفترة الزمنية من تاريخهم ،من حيث
13يختلف تاريخ كتابة مقدمة "يشوع بن سيراخ" من 170إلى 180أو 190ق .م .باختالف المصادر.
14
الكتاب المقدس ،الطبعة المشتركة مع األسفار اليونانية .جمعية الكتاب المقدس في لبنان ،الطبعة األولى ( 1993يشوع بن سيراخ ،المقدمة 26-1
ص 69 .و.)70
15
Josephus Contra Apionem (1. 8).
7
طا أحمر" بين ما هو قانوني وبين ما هو تاريخي ديني وهو ال ينكر القيمة الدينية والمرجعية .ثم إنه يضع "خ ً
ِلما لهذا النوع األخير من الكتب من قيمة دينية وتاريخية ،إذ إنه يشير إليها مرًا
ار عديدة في كتاباته ،لكنها ال
تصل إلى حد القانونية.
إذا كان يشوع بن سيراخ (حوالي سنة 160ق .م ).والمؤرخ يوسيفوس (حوالي سنة 95م ).يعكسان في كتاباتهم
اعتراف التقليد اليهودي بكتابهم المقدس القانوني وبمضمونه ،ماذا يقول هذا التقليد بشأن تشكيل هذا القانون؟
تميز في النظرية التقليدية [لتشكيل القانون] هي أنها ترجع القانون كله إلى عز ار .16وأقدم
"إن األمر األكثر ًا
شهادة لهذه النظرية تأتي في رواية معاصرة ليوسيفوس تقر ًيبا ،وتقع في نهاية كتاب عز ار الرابع (-18 :14
.17)48بناء لهذا الكتاب يرى عز ار رؤى في السنة الثالثة عشر بعد سقوط أورشليم ( 557ق .م ).بعد أن
تملكه الحزن والحيرة ألن الشريعة قد أحرقت وال أحد يعرف فيما بعد أعمال هللا وخطته للمستقبل ،وها هو يقبل
مهمة إعداد كتابات ورقوق فيعد لنفسه مساعدين وبقوة عجائبية يمنحها هللا له يستطيع أن يملي مساعديه أربعة
أما السبعون البقية
يوما فقط .ويتابع الكاتب بأن عز ار نشر أول أربعة وعشرين منهاَّ ،
كتابا بمدة أربعين ً
وتسعين ً
فر التي نشرها تتطابق مع االثنين التي أرادها فقط للحكماء فقد أخفاها وهذه هي الرؤى األربعة والعشرون ِس ًا
فر التي تشكل الكتاب المقدس القانوني عند اليهود (العهد القديم) المشار إليه سابًقا 18.بناء لهذه وعشرين ِس ًا
السبي البابلي وإحراق الهيكل ( 586ق. موجودا قبل َ
ً الشهادة من التقليد اليهودي يكون "قانون" العهد القديم كان
طبعا باستثناء الكتب التي كتبها عز ار نفسه (عز ار ونحميا وكتابا أخبار األيام) ،ويكون عز ار هو الذي أعاد
مً ،).
السبي .برأينا إن الرواية المذكورة أعاله بالرغم أنها ال تخلو من الصبغة األسطورية هي ال تخلو
تشكيله وهو في َ
أيضا من بعض الحقائق .يؤكد العلماء أكثر وأكثر أن الكتابات والتقاليد المقدسة التي كانت موجودة ومستعملةً
السبي ،كما
سخت خالل َمعت ورو ِجعت ون َ السبي كلها قد ج َ السبي ،واألسفار التي ك َتبت خالل َ
في إسرائيل قبل َ
السبي بل وخاصة هذا الحدث األخير وعلى وحررت األسفار التاريخية على ضوء األحداث التاريخية بما فيها َ
ضوء الدروس الروحية التي استخلصها قادة الشعب الدينيون من دراستهم لتاريخ شعبهم .فماذا لو كانت رواية
كتاب عز ار الرابع المشار إليها أعاله تتكلم عن هذا العمل أو اإلنجاز بأسلوب فيه الصبغة األسطورية؟ ألم تلون
16
Eissfeldt, Otto, The Old Testament, an Introduction. Oxford: Basil Blackwell, 1974, P 553.
كتاب عز ار الرابع من الكتب المنحولة pseudopegraphaوهذه مجموعة كتب مؤلفوها الحقيقيون مجهولون ،وقد نشرت بأسماء أبطال دينيين 17
مشهورين؛ من أجل سهولة انتشارها وإعطائها قيمة ومصداقية .أما مضمون هذا النوع من الكتابات فليس بذات قيمة دينية تذكر لكنها مفيدة لتعطي القارئ
فكرة عن بعض المفاهيم التي كانت سائدة وقت كتابتها ،وتحتوي ً
أيضا على بعض المعلومات التاريخية التي قد يأخذ بها الباحث بعد الدرس الدقيق.
،Eissfeldt 18نفس المرجع (ص 563و.)564
8
شائعا ليضفي على
ً أيضا؟ 19الظاهر أن هذا األسلوب كانرواية إنجاز الترجمة السبعينية بصبغة أسطورية ً
الحدث التاريخي صفة القداسة .ثم إن رواية كتاب عز ار الرابع هذه تضيف إلى شهادة يوسيفوس شهادة أخرى
وهي :أنه كان لليهود في أواخر القرن األول للميالد كتاب مقدس قانوني مقبول ومعترف به .وإذا أردنا أن
نذهب إلى أبعد من ذلك في ِ
القدم فأفضل تاريخ مقبول بين العلماء للشروع في إعداد الترجمة اليونانية للكتاب
المقدس اليهودي (السبعينية) هو سنة 250ق .م ،20).هذا يعني أن الكتاب المقدس اليهودي القانوني كان
موجودا آنذاك .وتؤكد مخطوطات البحر الميت التي اكتشفت سنة 1947وتعود إلى منتصف القرن الثاني ق. ً
أيضا ،وسنعود
موجودا ومتداوًال آنذاك ً
ً م .أن قانون العهد القديم بأسفاره االثنين والعشرين وبأقسامه الثالثة كان
إلى هذه المخطوطات الحًقا .وقبل أن نختم هذه الفقرة ،نرى من المفيد أن نقتبس شهادة من فيلو الجبيلي تعود
بحسب أفضل التواريخ إلى أوائل النصف الثاني من القرن األول للميالد .تكلم فيلو عن المتدينين من اليهود،
الذين كانوا يمارسون طقوس الشفاء اإللهي ،أنهم كانوا يأخذون معهم إلى صوامعهم فقط "شرائع وكلمات تنبأ
بما األنبياء ومزامير وكتابات أخرى التي بواسطتها كانت تزيد المعرفة والتقوى" .21إن هذه األقسام الثالثة للكتاب
تماما لتلك التي أتت في العهد الجديد( ،إنجيل لوقا ،)42:44على لسان المقدس اليهودي القانوني مطابقة ً
السيد المسيح :موسى (كتب موسى الخمسة أو الشريعة أو التوراة) واألنبياء والمزامير ،باستثناء أن فيلو يضيف
عبارة "كتابات أخرى" بعد المزامير ولهذا تفسير منطقي؛ فالقسم الثالث من القانون كان يتضمن ِسفر المزامير
أهم ما في هذا القسم ،باإلضافة إلى أسفار أخرى ،وقد سمى السيد المسيح الجزء ليشير إلى الكل.
توجد نظريات أخرى لتشكيل قانون الكتاب المقدس اليهودي ويستطيع القارئ أن يطلع عليها في المراجع
المتخصصة ،وهي كثيرة .لكننا نرى أن ما تقدم هو األقرب إلى الحقيقة ًا
نظر إلى الشهادات التاريخية الداعمة
كامال عن كيفية تشكيل قانون الكتاب المقدس في اليهودية
التي أوردناها أعاله .ليس هدفنا هنا أن نعطي بحثًا ً
شخصيا ال أبني تقويمي للعهد
ً موجودا إبان دخول المسيحية ،وأنا
ً بل فقط أن نبرهن للقارئ بأن هذا القانون كان
19
الترجمة السبعينية هي ترجمة أسفار العهد القديم القانونية األولى والقانونية الثانية من العبرانية إلى اليونانية؛ لوضعها بمتناول يهود اإلسكندرية الذين
كانوا قد نسوا لغتهم األم ،وأفضل تاريخ لها بحسب الدراسات الحديثة هو ما بين سنة 200و 150ق .م .وسميت بالسبعينية ألن أسطورة إنجازها تقول
تماما.
يوما إلنجاز الترجمة وبمقابلة النسخ بعضها مع بعض وحدت متطابقة ً
عالما اعتزلوا في سبعين مغارة (كل واحد في مغارة) لمدة سبعين ً
بأن سبعين ً
،Eissfeldt 20نفس المرجع (ص.)565 .
21
Philo Byblos, De vita contemplative. Quoted from Eissfeldt id. P 567.
9
القديم على شهادات مقتبسة من التاريخ اليهودي أو غيره من المرجعيات التاريخية ،لكني أبنيه بالدرجة األولى
23
مقياسا لكل الشهادات األخرى.
ً على تقويم المسيح ورسله له كما جاءت في كتابات العهد الجديد 22وهذا أتخذه
22أفترض أن القارئ يؤمن بصالحية شهادة العهد الجديد إذ إن معظم الذين قرأت لهم وهم يرفضون العهد القديم ،إما كانوا يحبذون العهد الجديد ويطالبون
مناسبا في هذا الكتاب للكالم عن صالحية نصوص
ً بكفايته َككتاب مقدس للمسيحيين ،أو لم يكونوا يتعرضون له بشيء .وفي كل األحوال ال أرى ً
مكانا
العهد الجديد ،وربما نقوم بهذا العمل في كتاب آخر.
23عيسى دياب ،العهد القديم مدخل ومسح شامل ،الجزء األول التوراة (بيروت ،كلية الالهوت المعمدانية العربية.31 -26 ،)2016 ،
10
القسم الرابع :تشكيل نصوص العهد القديم ونسخها وتناقلها
أصال بالحروف الصامتة دون تشكيل ،ودون فصل بين الكلمات ،وكان توزيع
ً كتبت نصوص العهد القديم
كثير على القارئ .ثم ما بين سنة 150ق .م .و150م،.
الحروف على كلمات و"تحريك" حروفها الصامتة يعتمد ًا
قسمت الحروف في النصوص إلى كلمات وتركت مسافة بين كلمة وأخرى .ونذكر في هذا السياق مساعي
جاهدا لتثبيت نص العهد
ً الرابي عقبة ،وكان ثقة في النصوص المقدسة( ،توفي حوالي سنة )135الذي عمل
موجودا حتى أيامنا.
ً نصا فيه الكثير من المالحظات والتفاصيل وما زال
القديم .ترك لنا عقبة ًّ
اعتبار من القرن السادس م .بادر فريق من العلماء اليهود التقليديين المدعوين "الماسوراه"
ًا بقي الحال هكذا حتى
هو الشكل العربي للكلمة -فشرعوا يضعون الحركات على الحروف ،ولهذا يسمى نص 24
-و"الماسوراتيون"
العهد القديم العبري "النص الماسوراتي" .من المهم ً
جدا التكلم ولو باختصار عن النص الماسوراتي للعهد القديم
إذ إن ترجماتنا الحالية وإلى مختلف اللغات الحديثة تستند على هذا النص بالدرجة األولى.
عملت فئة من العلماء في فلسطين على ضبط اللغة العبرانية في النصوص الدينية ،وخاصة الكتاب المقدس
اليهودي (العهد القديم) أطلق عليهم اسم الماسوراه .وتوجد اجتهادات عديدة لتفسير هذه التسمية ،فبموجب أحدها
كلمة "ماسوراه" مشتقة من الجذر الثالثي العبري اآلرامي "م س ر" أي نقل واستلم وتناقل ،واالسم المشتق من
الجذر الثالثي هو "ماسوراه" أي الناقل وهي قريبة من الكلمة العربية "ماسورة" أي األنبوب الذي ينقل السائل،
قياسيا فأصبح المعنى االستعمالي للكلمة "مقياس" وتشبهها الكلمة العربيةً عمال
وألن عمل "الماسوراه" أصبح ً
الدارجة "مازورا" وتودي نفس المعنى ،نقل العلماء الماسوراة التقليد الشفوي المتعلق بالتصويت والتحريك والتنقيط
الصحيح للكلمات العبرية الساكنة عن جماعة الكتبة التي تدعى "سوفريم" وحافظوا عليه وطبقوه على قراءتهم
للنصوص الساكنة ،إذ كانت اللغة العبرية تكتب بأحرف ساكنة فقط وعلى القارئ أن يكون م ًّ
لما بقواعد القراءة
شفويا من جيل إلى جيل حتى ظهور العلماء الماسوراة ،الذين وضعوا هذه القواعد كتابة عندما
التي كانت تتناقل ً
طبقوها على النصوص الدينية.
طا لكتابهم
قانونيا مضبو ً
ً نصا
عمل العلماء الماسوراة ما بين سنة 500وسنة 950ب .م .حتى أخرجوا ً
(غالبا أحرقوها) كل النسخ السابقة لهذا النص المضبوط التي طالتها أيديهم ،وبالطبع ،لم
ً المقدس 25وأهلكوا
24الماسوراتين فئة من علماء الفقه واللغة -ماسوراه كلمة عبرية تعني كما في العبرية :مقياس -عملوا ما بين سنة 500و950م .هم الذين أضافوا التنقيط
والتصويت على اللغة ووضعوا نص العهد القديم في شكله العبري المعروف لدينا ً
حاليا.
25اقتبست هذه الفترة بتصرف من )ARCHER, Gleason. Id (pp. 63-65
11
يستطيعوا أن يهلِكوا النسخ التي كانت مخبأة آنذاك ،وكانت بين هذه مخطوطات البحر الميت التي اكتشفها علم
اآلثار ما بين سنة 1947و1951م .26في بداية عملهم لم ي ِعد العلماء الماسوراة كتابة النص طبًقا لقواعد
منسوخا باألحرف الساكنة وأدخلوا على كلماته الحركات
ً الضبط التي انتقلت إليهم بالتقليد الشفوي ،بل أخذوا ً
نصا
أو األحرف الصوتية وعالمات اللفظ والضبط المناسبة ،وإذا ارتأوا أن يغيروا شكل بعض الكلمات أو تصريف
بعض األفعال فكانوا يكتبون الشكل الجديد للكلمة في الهامش ،والنسخ الماسوراتية القديمة الموجودة ً
حاليا في
كثير من المتاحف أو المراكز األكاديمية تشهد عن الطريقة الماسوراتية هذه في عملية ضبط النص.
وترجمات العهد القديم القديمة المترجمة من النص العبري ترجمت كلها عن النص الساكن السابق للنص
الماسوراتي ،ومقابلتها معه هي تقر ًيبا مقابلة بين النص الساكن والنص الماسوراتي ،ونتيجة المقابلة بين النصين
ترينا إلى أي مدى كان العلماء الماسوراة أمناء للنص األصلي في عملية ضبطهم للغته.
أما عن دقة عمل جماعة السوفريم في نسخهم للكتب المقدسة ،فقد كتب التلمود:
"النسخة الصحيحة يجب أن تكون ِطبق األصل عن النسخة التي ينسخ عنها الكاتب ،وال
يجب أن يحيد عنها قيد أنملة .ال كلمة وال حرف وال حتى يود (أصغر الحروف) كان يجب
الدرج الموضوع أمامه ...كتاب موسىأن تكتب من الذاكرة دون أن يتطلع الناسخ إلى َ
الخامس ،يجب أن ينتهي بسطر ،وأما الباقي فال يحتاج إلى ذلك .باإلضافة إلى ذلك يجب
أن يكون الناسخ بكامل حلته اليهودية ،وكان قد غسل كامل بدنه ،وال يكتب اسم الجاللة
بقلم غ ِطس للتو في الحبر ،وحتى لو كان ملك يوجه إليه الكالم خالل كتابته هذا االسم،
27
ما كان يجب أن يعيره أي اهتمام".
ولم ِتق َّل دقة الماسوراتيين عن السوفريم ،فكانوا يضعون مالحظاتهم في هوامش المخطوطة لتساعد الن َّساخ
الالحقين حتى يحافظوا على نقاوة النص .وكانوا يضعون عدد الكلمات واألحرف لكل درج ،ويكتبون في رأس
العمود الكلمة التي انتهى بها العمود السابق ،وكانوا يضعون عالمة للكلمة والحرف الواقعين في منتصف
النص ،وكل ذلك من أجل تفادي أي نواقص أو زيادات .والنسخة التي لم تكن مطابقة بجميع هذه التفاصيل
للنسخة األصلية التي ينسخون عنها كان يجب أن تهلك حرًقا.
وبالرغم من كل الحرص والدقة الذين أظهرهما الن َّساخ ،فالعمل البشري َمشوب بالنقص ألن الكمال هلل وحده،
صدت للن َّساخ قبل السوفريم والماسوراتيين أخطاء متفاوتة بين الترداد لبعض الحروف والكلمات
لذلك فقد ر َ
12
والجمل ،أو السهو عن بعضها ،وما عمل "تحقيق النصوص" إال مقاربة هذه األخطاء ،ومقارنة الن َسخ ببعضها
البعض في سبيل الوصول إلى النص األقرب من األصل.
قسم الفرنسي
وآيات (فقرات) سنة 1226مَّ ،.
28
ق ِسمت أسفار الكتاب المقدس بعهديه إلى فصول (إصحاحات)
قما لكل جملة إتيان النغتون الكتاب المقدس إلى فصول ،وسنة 1551م ،.وضع الفرنسي ً
أيضا روبير إستيان ر ً
29
استنسابيا.
ً من هذه الفصول ،وقد قسمت الفصول واآليات
13
30
القسم الخامس :لماذا ًل يق أر العربي العهد القديم؟
ّ
في محاضرته القيمة «مواقف األرثوذكس والپروتستانت المشرقيين من القضيَّة الفلسطينيَّة» ،التي ألقيت في
المؤتمر العلمي «األرثوذكس اإلنجيليون في المشرق العربي :قراءة تاريخيَّة وآفاق مستقبليَّة» ،أشار األب الدكتور
جورج مسوح ،رئيس مركز الدراسات المسيحيَّة اإلسالميَّة في جامعة البلمند ،إلى أن المسيحي الشرقي يشعر
31
أحيانا عند قراءة العهد القديم.
ً بالحرج
كتابا أو
لو قمت بزيارة أي مكتبة جيدة في عمان أو بيروت أو دمشق أو القاهرة ...فال شك أنك سوف تجد ً
أكثر يتناول العهد القديم )32( .لماذا االهتمام بالعهد القديم في العالم العربي؟ ولماذا تكثر الكتب التي تتناوله
()33
ولماذا يشعر المسيحي بالحرج لدى قراءته بالنقد والتجريح والتشهير؟ ولماذا ال يق أر العربي العهد القديم؟
للعهد القديم؟ وما هي إشكاليات العهد القديم التي يواجهها القارئ في العالم العربي؟ نستطيع أن نحدد أربع
إشكاليات أساسيَّة تواجه القارئ العربي للعهد القديم:
30
في الكثير من األوساط األكاديمية يستخدم تعبير «الكتاب المقدس العبري» ( )Hebrew Bibleلإلشارة إلى الكتب الموجودة في العهد القديم ،إال أنني
ضمنا
ً في هذا الكتاب أفضل استخدام تعبير «العهد القديم» ألنني كمسيحي عربي أتناول العهد القديم من وجهة نظر الهوتية مسيحية ،واستخدامه يعني
أن ثمة «العهد الجديد».
31عُقد المؤتمر في جامعة البلمند وكلية الالهوت للشرق األدنى ،في لبنان 22-20 ،أيار (مايو) .2004وفي إطار التعاون بين األرثوذكس واإلنجيليين
في هذا المجال ،تمنّى األب الدكتور مسوح أن يساهم اإلنجيليون المشرقيّون في مساعدة األرثوذكس على فهم دور العهد القديم وإعطاؤه مكانه المناسب.
32
من هذه الكتب ،على سبيل المثال ال الحصر ،الدكتور جورجي كنعان ،أمجاد إسرائيل في أرض فلسطين (بيروت :دار الطليعة ،)1978 ،الدكتور
جورجي كنعان ،وثيقة الصهيونية في العهد القديم (بيروت :دار النهار للنشر ،) 1982 ،الدكتور جورجي كنعان ،العنصرية اليهودية (بيروت :دار النهار
للنشر ،) 1983 ،الدكتور جورجي کنعان ،تاريخ يهوه (بيروت :مؤسسة النهضة ،)1994 ،غريس هالسل ،الفكر التوراتي والحرب النووية :المبشرون
اإلنجيليون على طريق القيامة الذرية (ترجمة عبد الهادي عبلة ،حمص :دار الكندي ،)1988فراس السواح ،الحدث التوراتي والشرق األدنى القديم :نظرية
كمال الصليبي في ميزان الحقائق التاريخية واآلثارية (دمشق :دار المنارة ،)1989 ،فراس السواح ،مغامرة العقل الكبرى (دمشق :دار المنارة،)1989 ،
سهيل دياب ،التوراة بين الوثنية والتوحيد (بيروت :دار النفائس ،)1981 ،شفيق مقار ،السحر في التوراة والعهد القديم (لندن :الريس ،)1990 ،شفيق مقار،
المسيحية والتوراة :بحث في الجذور الدينية لصراع الشرق األوسط (لندن /قبرص :الريس ،)1992 ،زينون كاسيدوفسكي ،الواقع واألسطورة في التورات
(ترجمة د .حسان ميخائيل اسحق ،دمشق دار األبجدية ،) 1990 ،أبكار السقاف ،إسرائيل واألرض الموعودة (القاهرة :مدبولي ،)1997 ،الدكتور كمال
الصليبي ،خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل (لندن :دار الساقي.)1991 ،1988 ،
33
هناك مشكلة أساسية مؤسفة للغاية في شرقنا وهي أننا لسنا بالفطرة ،وال بالتربية ،وال بالثقافة شعب قارئ .فالعربي قليل القراءة سواء للعهد القديم أو
للكتاب بشكل عام .في أحد معارض الكتب في بيروت عرضت لوحة حجرية ،كتلك التي تستعمل كشاخصة في المقابر ،قربها باقة من الورد ،وكتب على
اللوحة «القارئ العربي»!
(B. Whitaker, “Reading between the lines.” http://guardian.co.uk/elsewhere/journalist/story/0,,1303600,00.html,
)retrieved on June 11, 2006
14
بدعوة من اتحاد الكتَّاب العرب واتحاد الكتَّاب اللبنانيين والجمعيَّة الدوليَّة للدراسات النفسيَّة والفلسفيَّة والمجلس
البلدي والمجلس الثقافي في بلدة المنصورة ،البقاع الغربي ،لبنان وتحت رعاية رئيس اتحاد الكتَّاب العرب
الدكتور علي عقلة عرسان ،حضرت في األول من آب (أغسطس) 2003حفل توقيع كتاب «القراءات الملعونة:
الماسية لمؤلفه األستاذ جود أبو صوان .يقول األستاذ أبو صوان في كتابه:
َّ كتاب ليس للجميع» 34في نسخته
«أين القداسة في كل ما جاء في التوراة؟ أين المثل؟ أين المفاهيم؟ أيوجد في التوراة المتداولة
بجميع طبعاتها غير قصص العهر والزنى والفجور والبغض والحقد والكراهية؟ ...أيوجد فيها
غير السرقة والغزو واالحتيال والقتل وقهر الشعوب وطردها وتشريدها؟ ...أيوجد في التوراة
غير ذلك اإلله الغضوب ،الندوم ،السادي ،العنصري؟» (ص.)324 .
ويتحد ث األستاذ أبو صوان عن العديد من القصص الواردة في العهد القديم ومنها :لوط وابنتاه (ص،)122 .
الخديعة واالنتقام (ص ،)136 .رأوبين يضاجع زوجة أبيه (ص ،)148 .الرب التوراتي :السادي الكبير (ص.
،)179المجزرة (ص ... )230أعتقد أن هذه اإلشكاليَّة األخالقيَّة هي أحد أهم اإلشكاليات التي تواجه الذين
يحاولون قراءة العهد القديم.
«نحن ندعى «مسيحيون ألجل إسرائيل» ،نحن نقف إلى جانب الشعب اليهودي في دعم دولة
إسرائيل كموطن قومي للشعب اليهودي بناء على (عهود العهد القديم) .نحن صهيونيون
مسيحيون ،رسالتنا هي اإلعالن لليهود والمسيحيين مقاصد هللا في استرداد اليهود ،وأن نحفز
35
دعم دولة إسرائيل بواسطة الصالة ،والعمل حسب كلمة هللا ومشيئته» (ص.)11 .
لقد أصاب سيادة المطران جورج خضر في التعبير عن هذه اإلشكاليَّة عندما كتب:
34
ال دار نشر ،توزيع مؤسسة نوفل ،الطبعة الماسية.2003 ،
35
مترجمة من موقع االنترنت 24 http://www.christiansforisrael.org/حزيران (يونيو) .2004
15
طا بالصهيونية .ويبتغي
«يشن العالم العربي حملة شعواء على العهد القديم لكونه يحسبه مرتب ً
في معرض حديثه عن المسيحيَّة والعهد القديم في الشرق العربي اليوم يكتب الالهوتي اإلنجيلي الدكتور
جورج صبرا ،العميد األكاديمي وأستاذ مادة الالهوت النظامي (العقيدي) في كليَّة الالهوت للشرق األدنى،
بيروت:
«إن والدة الدولة اليهوديَّة حملت معها ،فيما حملت ،بذور ما أسميه إعادة إحياء الستقالليَّة
العهد القديم وانت ازع العهد القديم من أيدي المسيحيين العرب .لعل المسيحيين الفلسطينيين كانوا
أول من اختبر خطف العهد القديم من بين أيديهم .فقد جاء من يقول لهم في أرضهم وأمام
كنائسهم أن تاريخ العهد القديم وقصصه ،التي كان يعتبرها المسيحيون الفلسطينيون ،كباقي
قصصا لهم وضمن تاريخهم الروحي ،إنما هي ملكيَّة يهود اليوم وحدهم ،فهم ورثة
ً المسيحيين،
شعب هللا في التوراة واألنبياء .أما الفلسطينيون فهم ،بحسب يهود في إسرائيل اليوم ،أعداء
37
شعب هللا وساللة العدو».
من ناحية أخرى ،يبين الدكتور نبيه عباسي ،الرئيس السابق للمجمع المعمداني اإلنجيلي في األردن ،في دارسته
للعالقة بين الكنائس المسيحيَّة التاريخيَّة والكنائس اإلنجيليَّة بشأن المشكلة التي تواجهها الكنائس اإلنجيليَّة في
38
األردن من ناحية اعتقاد الكثيرين في الكنائس المسيحيَّة التاريخيَّة عن دعم الكنائس اإلنجيليَّة للصهيونيَّة.
36
المطران جورج خضر" ،العهد القديم والصهيونية ".بيروت :النهار 11 ،نيسان (أبريل) .1992
الدكتور جورج صبرا ،في سبيل الحوار المسكوني :مقاًلت ًلهوتية إنجيلية (بيروت :دار منشورات النفير بالتعاون مع رابطة الكنائس اإلنجيلية في
37
16
أحيانا تلحق المزامير معه؟
أوليس هذا ما يوحي به تصرف بعض دور النشر التي تطبع العهد الجديد وحده ،و ً
أوليس هذا ما يوحي به تصرف بعض الكنائس (سواء عن قصد أو بدون قصد) التي نرى في مقاعدها العهد
كامال؟
الجديد فقط ،وليس الكتاب المقدس ً
ورد على التوراة يعتقد المفكر ندرة اليازجي بضرورة فصل
المسيحية ّ
َّ اليهودية -
َّ اليهودية و
َّ رد على
في كتابيه ّ
«البشارة الجديدة ،الخليقة الجديدة بالمسيح عن القديم الذي ال يمت إلى الجديد بصلة» 39.وفي معرض معالجته
لمفهوم إكمال المسيح لناموس موسى يكتب اليازجي:
«وإذا درسنا ما قاله موسى وما أوصى به وما قاله المسيح ،وما أوصى به في األناجيل كلها،
نقيضا لموسى ...لقد كشف متَّى بمهارة
ً فإن التعارض التام يقوم بينهما ،ونرى في المسيح
عقليَّة ومنطقيَّة ال تبارى ،عن التناقض القائم بين المسيحيَّة واليهوديَّة .وقد عمل على نقض
40
اليهوديَّة لتثبيت المسيحيَّة ،كما عمل على الفصل بينهما من خالل معتقدات اليهود أنفسهم».
«إن أهميَّة العهد القديم بالنسبة لنا ،نحن المسيحيين ،فائقة ،ال بل أساسيَّة .فنحن نقول إننا
َنخلص بالمسيح ،ونرجو ملكوت هللا أبيه عز وجل .غير أن المسيح ال يفيدنا إال إذا التصقنا
به ،وال يتحقق هذا االلتصاق إال إذا عرفناه حق المعرفة في اإلنجيل المحمول في طيات العهد
الجديد .لكن هذا األخير منسوج بكلمات العهد القديم وعباراته ومفاهيمه ورؤاه ورجائه .ويسوع
نفسه ،فحوى اإلنجيل الرسولي ،من نسيج أنبياء هللا العظام الذين حملوا كلمته التي تدين وتحيي
أيضا المسيح والكاهن والحمل المذبوح والمخلِص والرب وكلمة هللا.في آن واحد ...يسوع هو ً
41
هذا يعني أنه محدد بعبارات ال يفهمها إال من كان مجبوًال من طينة العهد القديم».
39
رد على التوراة (دمشق :دار الغربال ،)1974 ،ص.9 .
ندرة اليازجيّ ،
40
رد على التوراة ،ص.92-91 .
اليازجيّ ،
41
األب بولس نديم طرزي ،مدخل إلى العهد القديم .الجزء األول ،التقاليد التاريخية .تعريب نقوال أبو مراد .دراسات كتابية ( 6بيروت :منشورات النور،
.)1998
17
من ناحية أخرى ،ال َّبد من االعتراف بأن العهد القديم هو كتاب صعب الفهم .فهو ليس بالكتاب السهل القراءة،
فهو ليس مجرد كتاب نستطيع قراءته خالل ِع َّدة أمسيات ،بل هو عبارة عن مكتبة تضم العديد من الكتب .قد
يسر القارئ بقراءة بعض القصص الممتعة من هذه المكتبة ،ولكن عندما يقترب ً
مثال ،من كتاب العدد أو كتاب
الالويين حيث القوائم الطويلة من األسماء واألعداد والشرائع التفصيليَّة فال بد أن يصيبه الملل ويتوقف عن
القراءة .إضافة إلى ذلك فإن العهد القديم كتب في عصور معيَّنة قديمة من قبل كتَّاب كثيرين .إن أحدث نص
زمنيا حوالي
من نصوص العهد القديم يعود على األرجح إلى العام 400ق .م ،.وهذا يعني أنه يبتعد عنا ً
2400سنة! وللبعد الزمني انعكاساته العديدة على فهم العهد القديم .يختلف أسلوب الكتابة في تلك األزمنة
عن األساليب المتبعة في أيامنا فاللغة في تطور مستمر من ناحية التعبير والصياغة ،فهناك العديد من
المصطلحات التي كانت مألوفة ومتداولة في أزمنة كتابة العهد القديم لم تعد مألوفة ومستعملة في أيامنا .وليست
المشكلة مشكلة مصطلحات أو تطور للغة فحسب ،بل هي أبعد ذلك بكثير .يضم العهد القديم بين دفتيه العديد
من األساليب أو األشكال األدبيَّة ( )literary formsالمتنوعة التي يخطئ القارئ ً
جدا عندما يحاول قراءتها
حدا .هذه األساليب أو األشكال األدبيَّة ينبغي تفسيرها بعناية بغرض الوصول إلى
أدبيا وا ً
أسلوبا ً
ً وكأنها تتبع
فهم صحيح لها يتناسب مع ِ
السمات األدبيَّة لكل أسلوب.
42
التاريخية ،العهد القديم كتاب مَل ّفق حضاريا وعلميا وتاريخيا
َّ اإلشكالية
َّ رابعا:
يعتقد البعض أن العهد القديم هو مجموعة من القصص المماثلة لقصص سانتا كلوز أو بابا نويل .يتكون العهد
القديم من ِع َّدة أنواع من اآلداب ،وكل نوع ينبغي فهمه بطريقة مختلفة ،بعض الكتب مثل األمثال والمزامير ال
َّتدعي أنها تحتوي حقائق تاريخية .إن الفصول األولى من كتاب التكوين تأخذنا إلى بداية التاريخ ولكن ً
بدءا
من الفصل 12ومن خالل قصة إبراهيم نشعر أننا دخلنا التاريخ الفعلي .لقد أظهرت االكتشافات األثريَّة أن
أسماء إبراهيم وعائلته والتقاليد التي اتبعها وعادات الشراء والبيع (تكوين )23تعود إلى حوالي سنة 1800
قدم هذه االكتشافات ق.م .بالطبع ذلك ال يثبت أن قصة إبراهيم حدثت تماما كما يخبرنا كتاب التكوين بها ،ولكن ت ِ
ً
اعا متأخ ًرا.
سببا معقوًال لعدم اعتبار قصة إبراهيم اختر ً
ً
ِ
عندما نق أر في الكتب التاريخية فإننا نجد ع َّدة براهين عن توافق ما جاء في العهد القديم مع االكتشافات األثريَّة
في الشرق األوسط .فعلى سبيل المثال ،كان سنحاريب إمبر ًا
اطور آشورًيا للفترة الواقعة بين 705إلى 681ق.م.
وقد اكتشف علماء اآلثار سجالت رسميَّة في عاصمته نينوى تسجل وقائع حصار أورشليم عام 701ق.م .في
42
انظر على سبيل المثال :شفيق مقار ،قراءة سياسية للتوراة (لندن :رياض الريس للكتب والنشر ،)1987 ،موسى مطلق إبراهيم ،وعد التوراة :من
أبرام إلى هرتزل (بيروت :مكتبة بيسان.)1994 ،
18
أيام الملك حزقيا .هذه السجالت تتوافق مع ما جاء في كتاب الملوك الثاني .19-18والجدير بالذكر أن
سجالت نينوى ال تذكر إخفاق سنحاريب في احتالل أورشليم بينما الفصل ۱۹من كتاب الملوك الثاني يذكر
ذلك .وهل لنا أن نتوقع من اإلمبراطور العظيم أن يذكر فشله؟!
هنالك العديد من االكتشافات األثريَّة التي توافق ما جاء في العهد القديم من أحداث ،ولكن في الوقت نفسه
هناك بعض األمور في العهد القديم التي ال نجد ما يماثلها في الكتابات القديمة أو في المكتشفات األثريَّة.
أخير علينا أن نتذكر أن كتبة العهد القديم لم يهدفوا إلى تقديم سجالت تاريخية محضة ،بل قاموا بتفسير و ًا
إيمانية .ومهما يكن من حال ،فإنه ال يوجد سبب ًمقنع للقول أن كل
َّ األحداث التاريخيَّة من وجهة نظر الهوتيَّة
هذه األحداث كانت وليدة تخيالتهم.
43
برز في العقد األخير في مجال دراسات العهد القديم مجموعة من الباحثين أطلق عليهم اسم «المقللين».
شهدت ساحة النشر العربيَّة حركة سريعة في تعريب بعض هذه الدراسات ،أذكر الكتابين التاليين على سبيل
المثال:
إسرإيل القديمة :إسكات التاريخ الفلسطيني .ترجمة د .سحر الهنيدي مراجعة د.
-1كيث وايتالم ،اختالق َ
فؤاد زكريا .سلسلة عالم المعرفة رقم .249الكويت :مطابع الوطن .1999 ،وفي العام التالي صدرت ترجمة
أخرى من الكتاب نفسه في دمشق :كيث وايتالم ،تلفيق إسرءيل التور َّ
اتية :طمس التاريخ الفلسطيني .ترجمة
44
ممدوح عدوان ،مراجعة زياد منى .دمشق :دار َق ْدمس.2000 ،
هذه ترجمة حرفية للكلمة اإلنكليزية minimalistsالتي تشير إلى بعض الباحثين الذين يعتقدون أن قصص العهد القديم ليست تاريخية بل أسطورية،
43
19
اإلسرإيلي .ترجمة صالح علي سوداح .بيروت :بيسان للنشر
َ -2توماس ل .طومسون ،التاريخ القديم للشعب
45
والتوزيع.1995 ،
46
عن التناقضات الموجودة في نصوص العهد القديم يتحدث األستاذ الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي
فيقول:
« ...وال يعقل أن تكون التوراة وحي هللا تعالى ،ثم تتضارب وتختلف نصوصه وأخباره ،وبهذه
الكثرة الكاثرة .فاهلل تعالى حق ،وال يصدر عنه إال الحق ...فالتناقضات في نصوص التوراة
47
صارخة ،ويستحيل الجمع بين المتضارب من رواياته »...
45
العنوان األصلي للكتاب: Thomas L. Thomson, Early History of the Israelite People from the Written and
Archaeological Sources (Leiden: Brill, 1992).
46
التوراة :بين فقدان األصل وتناقض الّنص (لندن :دار الحكمة.)2001 ،
47
التوراة ،ص .ب-ج.
48
األستاذ محمد قاسم محمد هو أستاذ في جامعة قطر ،وقد صدر كتابه الذي يقع في 608صفحة بالقاهرة عام .1992
49
ال تاريخ نشر ،ال ناشر ،ال مكان النشر.
50رياض قسيس ،لماذا ًل نق أر الكتاب الذي قرأه المسيح؟ (مصر P.T.W. :للترجمة والنشر.23- 13 ،)2010 ،
20