Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 125

‫لي�ست هويتك ما ُق ّدر عليك‪،‬‬

‫بل ما تبتكره بيديك!‬

‫جورج برنارد�شو‬

‫‪6‬‬
‫شسمو | مالمح الهوية الرقمية‬

‫مقدمة‬

‫ق��در يل �أن �أواكب تخلق مفه��وم الهوية‬


‫ّ‬
‫الرقمية منذ بداياتها يف ت�س��عينيات القرن‬
‫املا�ض��ي‪ ،‬و�أن �أوا�ص��ل عمل��ي يف جم��ال‬
‫من�صات التوا�ص��ل االجتماعي‪ ،‬وقد تغري‬
‫�ش��كل واقعنا منذ ذلك الوقت حتى يومنا‬
‫هذا ب�ش��كل مت�س��ارع مل نعه��ده من قبل‪،‬‬
‫وتداخ��ل الواق��ع “االفرتا�ض��ي” بالواقع‬
‫ال��ذي نحياه‪ ،‬و�أث��ر كل منهما على الآخر‬
‫ب�ش��كل كبري‪ ،‬مم��ا �أدى �إىل ت�ش��كيل واقع‬
‫جديد مل تعرف��ه الب�رشية من قبل‪ ،‬واقع بني‬
‫واقعني‪ ،‬و�إن حتددت مالحمه لكنه مل ي�ستقر‬
‫على كينونة ثابتة �أو ا�سم‪ ،‬وكلما اقرتبنا من‬
‫مالحمه وعاي�ش��نا حتوالته نظل جنهل ا�سمه‬
‫احلقيقي‪ ،‬ويظل ال�س���ؤال “ �ش�س��مو” يلح‬
‫عل��ى كل من يعي���ش بني الواقع�ين الواقع‬
‫العياين‪ ،‬والواقع االفرتا�ض��ي على �شبكات‬
‫التوا�صل االجتماعي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ق��د يحل��و للبع�ض �أن ي�س��ميها �ش��بكات التوا�ص��ل “غري‬
‫االجتماعي��ة”‪ ،‬لأن ه��ذه املن�ص��ات الت��ي غ��دت ممالك‬
‫ودو ًال‪ ،‬ا�س��ت�أثرت ب�أوق��ات النا�س‪ ،‬وحجبته��م فعلي ًا عن‬
‫التفاع��ل االجتماع��ي يف العامل الواقع��ي‪ ،‬ولأنها عززت‬
‫الفردية‪ ،‬و�ض��خمت الأنا‪ ،‬وزادت من الف�ضاء ال�شخ�صي‬
‫حدت‬
‫مبا ال يوائم املجتمع والنظم ال�س��ائدة في��ه‪ ،‬ولأنها ّ‬
‫من امل�شاركة االجتماعية ومن تبادل الأفكار وامل�شاعر يف‬
‫حيز الواقع العياين‪.‬‬
‫وقد �أعرب “�ش��اماث باليهابيتيا”‪ ،‬نائب الرئي�س ال�س��ابق‬
‫ملن�ص��ة في�س��بوك‪ ،‬عن �أ�س��فه لدوره يف بن��اء �أدوات تدمر‬
‫“الن�س��يج االجتماع��ي”‪ ،‬واع�ترف ب�أن “م��ا يقومون به‬
‫ي�ؤدي �إىل ت�آكل الأ�س���س الأ�سا�س��ية لعالق��ات النا�س فيما‬
‫بينهم و�سلوكهم االجتماعي الطبيعي”‪.‬‬
‫لقد مت �إن�ش��اء و�سائل التوا�ص��ل االجتماعي لتكون و�سيلة‬
‫�إيجابية‪ .‬من�ص��ة للنا�س للتعبري عن �أنف�سهم‪ ،‬ولكنها غدت‬
‫من�ص��ة للرتويج للأفكار املدمرة وال�س��لوكيات امل�ش��ينة‪،‬‬
‫و�أ�ص��بحت حرية التعبري فيها مقي��دة �أكرث مما هي يف واقع‬
‫حياتنا مع جملة القوانني الإلكرتونية التي بد�أت تتنا�س��خ‬
‫لدى الدول‪ .‬وقد غدت هذه املن�صات م�صدر قلق للأفراد‬
‫واملجتمعات‪ ،‬وم�صدر �إزعاج وم�ضايقات ال يحدها حد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫شسمو | مالمح الهوية الرقمية‬

‫عرب جتربتي ال�شخ�ص��ية واملهنية املتعمقة وحياتي يف العامل االفرتا�ض��ي‪ ،‬متكنت �أن‬
‫�أ�ش��كل مالحمي “ االفرتا�ض��ية” مبا ير�ض��يني ويحقق غايتي‪ ،‬خ�ضت جتربة فريدة‬
‫�أهلتني لأن �أمتكن من ا�س��تثمار وجودي على املن�صات االجتماعية الرقمية لتعزيز‬
‫هوية �إن�سانية ح�ضارية يف حيز العامل الواقعي‪.‬‬
‫“�ش�س��مو” عنوان ي�أخذنا جميع�� ًا لنقطة االنطالق‪ ،‬لو ذك��رت لكم �أنني “خالد‬
‫�س��ميث”‪� ،‬أو”خال��د عم��ر”‪� ،‬أو “خال��د م��ا”‪� ،‬أو “خالد ترام��ب”‪� ،‬أو “خالد‬
‫�ستكونون عني انطباع ًا قبل �أن تروين‪ ،‬وهذا يقلل من فر�صي لديكم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الأحمد”‪،‬‬
‫ولكني �أ�ض��ع بني يديكم كتابي هذا الذي تت�ش��كل فيه مالحم��ي الرقمية منذ �أول‬
‫ف�ص��ل وحتى �آخر ف�صل‪ ،‬وبعد �أن تنتهوا من مطالعته‪ ،‬لكم �أن تطلقوا عليه اال�سم‬
‫الذي ترونه منا�سب ًا‪ ،‬لتتوقفوا عن الت�سا�ؤل‪�“ ،‬ش�سمو؟”‬

‫‪9‬‬
‫“يف العامل الواقعي يفرض‬
‫علي جمتمعي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ولكن يف العامل الرقمي يل‬
‫حرية االختيار”‬
‫ّ‬

‫خالد األحمد‬
‫الفصل األول‬

‫عامل الواقع‬
‫والعامل االفرتاضي‬

‫‪12‬‬
‫الفصل األول | عامل الواقع والعامل االفرتاضي‬

‫عامل الواقع‬
‫والعامل االفرتاضي‬
‫بد�أت مالم��ح الهوية الرقمي��ة تتبدى منذ‬
‫نهاي��ات القرن املا�ض��ي‪ ،‬وبات��ت مالمح‬
‫�شخ�ص��يتنا ووجودن��ا تكت�س��ب �أبع��اداً‬
‫جدي��دة‪ ،‬وغدونا لأول م��رة منذ وجودنا‬
‫على هذا الكوكب نتغري ب�شكل هائل دون‬
‫اختيارنا‪ ،‬مل تعد التكنولوجيا جمرد و�س��يلة‬
‫ت�سهل حياتنا و�أعمالنا‪ ،‬بل تعدت كل هذا‬
‫لت�شكل حياتنا وت�شكلنا‪.‬‬
‫و�أ�ص��بحت احلياة الرقمية تفر�ض نف�س��ها‬
‫بقوة على واقعنا‪ ،‬وب��د�أت اجلهود احلثيثة‬
‫لتحويل واقعن��ا “ الفيزيائي” لواقع رقمي‬
‫�س��عي ًا لبناء مدننا الذكية‪ ،‬ولو نظرنا حولنا‬
‫لوجدن��ا �أن الأجيال ال�ش��ابة يف كل بقاع‬
‫العامل هم مواطنون رقمي��ون‪“ ،‬مل يتغريوا‬
‫تدريجي�� ًا‪ ،‬كما كان يح��دث معنا‪ ،‬عندما‬
‫يغري جيل �أ�س��لوبه يف احلي��اة‪� ،‬إمنا باغتتهم‬
‫قفزة هائلة يف كل ما حولهم‪.....‬‬

‫‪13‬‬
‫فقد ن�ش���ؤوا يف ظل احلوا�س��يب و�ألعاب وكامريات الفيدي��و والهواتف اخلليوية‪،‬‬
‫ويف ظل كل التحوالت الرقمية”‪ ،‬ح�سب تعبري مارك برين�سكي‪.‬‬
‫لن �أُبالغ يف القول �إن هناك حتو ًال كلي ًا يف مفهوم الإن�سان‪ ،‬كما يزعم بع�ض فال�سفة‬
‫م��ا بعد احلداثة‪ ،‬ولكنني �أقول �إن هناك حتو ًال كلي ًا يف الهوية‪ ،‬ويف اختيار االنتماء‬
‫على كل الأ�صعدة‪ ،‬فمن اليوم الذي �أ�صبحنا فيه رقميي الهوية‪� ،‬أو غدا الواحد فينا‬
‫وكيانات مل تط�أه��ا قدماه يف يوم من الأيام‪ ،‬وهي الأمم الرقمية‬
‫ٍ‬ ‫مي��د جذوره لدولٍ‬
‫‪ ،Digital Natives‬وغدا يعي�ش تبع ًا لظروفها وقوانينها‪.‬‬

‫�أدى التطور الرقمي تقريب ًا �إىل تغيري كل �شيء يف حياتنا‪ ،‬وبد�أنا نواجه مع�ضلة‬
‫جديدة مل يجربها �إن�سان ما قبل الع�رص الرقمي‪� ،‬إذا بات عليه �أن يوازن بني‬
‫هويتني‪ ،‬هويته الواقعية وما متثلها من مكونات‪ ،‬وهويته الرقمية وما متثله من‬
‫مكونات �أخرى‪ ،‬قد تتقاطع �أو تتباعد عن مكونات هويته الأوىل‪.‬‬

‫كما وكيفًا ح�سب العامل الواقعي‬


‫ولكن التحديات التي ت�شكلها هذه املع�ضلة تتباين ً‬
‫ال��ذي يحي��ا فيه الفرد‪ ،‬فما زالت الع��وامل “الفيزيائية” تت�س��يد املوقف‪ ،‬ومازالت‬
‫البالد التي يف حميطنا العربي والإ�سالمي متار�س كل ال�ضوابط والقيود والتنظيمات‬
‫التي متار�سها يف العامل الواقعي‪.‬‬
‫وقد يجد املواطن الأمريكي �أو الأوروبي �شبه ًا كبرياً بينه وبني الكثري من الكيانات‬
‫الت��ي يعج بها العامل الرقمي‪ ،‬لأنها تواك��ب طموحاته يف عامله الواقعي‪ ،‬فالفجوة‬
‫الرقمية ‪ Digital Divide‬تت�ض��اءل حلد كبري يف العامل الغربي على الأ�ص��عدة كافة‬
‫الثقافية وال�سيا�سية واالجتماعية والنف�سية‪ ،‬بني عاملني �أحدهم يلهث خلف الآخر‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول | عامل الواقع والعامل االفرتاضي‬

‫هم��ا العامل الرقمي “ االفرتا�ض��ي” والعامل الواقعي التاريخي الذي ظل الإن�س��ان‬


‫يحي��ى في��ه منذ فجر التاري��خ‪ ،‬وعلى ما يب��دو �أن هذا العامل الأخ�ير يبدل مالحمه‬
‫ب�رسعة هائلة ليتماهى مع العامل الرقمي‪.‬‬

‫قبل �أن �أخو�ض يف احلديث عن انعكا�سات العامل‬


‫الرقمي على الواقع الرقمي‪ ،‬وبيان ذلك يف‬
‫جلي‪ ،‬ال بد‬
‫من�صات التوا�صل االجتماعي ب�شكل ّ‬
‫يل من �أن �أتوقف عند العديد من ق�ضايانا الرقمية‬
‫يف حميطنا الأقرب وربطها مع ما يحدث عاملي ًا‪.‬‬

‫يف بالدنا قفز ال�ش��باب املتعلم‪ ،‬العارف تكنولوجي ًا ل�س��ماء الف�ض��اء ال�س��يبريي‪،‬‬
‫وت�صدر امل�شهد‪ ،‬و�سار خلفه الذين ُيعرفون باملهاجرين الرقميني‪ ،‬كما �أطلق عليهم‬
‫‪ ،digitalimmigrant‬ح�س��ب ت�س��مية “مارك برين�سكي”‪ ،‬وهم الذين عا�شوا قبل‬
‫الع��امل الرقمي‪ ،‬وبعد ذلك نزحوا �أو �أج�بروا على النزوح للعامل الرقمي‪ ،‬يف كثري‬
‫من الأحيان م�سرت�شدين بجيل ال�شباب الذين ميلكون مفاتيح جنان هذا العامل‪.‬‬
‫وقد جنح الف�ض��اء ال�س��يبريي يف تغطية الأغرا�ض والوظائ��ف التي حتتاجها حياتنا‬
‫من العمل‪ ،‬والتوظيف‪ ،‬والدرا�سة‪ ،‬والتوا�صل‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والأعمال‪ ،‬والت�سوق‪،‬‬
‫والرتفيه‪ ،‬والكثري مما ال يحيط به املقام‪.‬‬
‫وكم��ا قلن��ا فق��د ا�س��تلم ال�ش��باب دفة املرك��ب‪ ،‬وبات��ت طموحاته��م حتلق يف‬
‫ع��وامل �أ�ص��بحوا مواطنيه��ا‪ ،‬خارج ح��دود بالده��م ومنظوماته��م االجتماعية‬
‫والأيديولوجي��ة‪ ،‬وغ��دا هناك تاريخ جدي��د تكتبه املفارقة والتحديات‪ ،‬وت�ص��يغ‬
‫مالحمه �سلطة التكنولوجيا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫والو�س��يلة تر�سخ �أثر الواقع اجلديد وتغري مالحمه ب�شكل مت�سارع للغاية‪ ،‬فمع ربط‬
‫�أجهزة املحمول متعدد املالم�س بالف�ض��اء الرقمي �أ�ص��بح الكون يت�ش��كل يف كل‬
‫حلظة‪ ،‬عم ً‬
‫ال مبفهوم الزمن الفعلي‪ ،‬مبالمح جديدة‪ ،‬وت�ش�ير الإح�ص��ائيات �إىل �أن‬
‫هناك �أكرث من مليون م�ستخدم هاتف ذكي جديد كل عام‪.‬‬

‫ويف عام ‪ 2018‬ولأول مرة زادت ن�سبة زيارات مواقع الإنرتنت بوا�سطة املحمول‬
‫الذكي بن�سبة ‪.58%‬‬

‫)‪Desktop vs. Mobile Web Visits (US‬‬


‫‪Based on 0,9 Trillion 2016 visits‬‬
‫‪Based on 1,0 Trillion 2017 visits‬‬
‫‪Based on 0,9 Trillion 2018 visits‬‬ ‫‪Mobil‬‬ ‫‪Desktop‬‬

‫‪57%‬‬ ‫‪58%‬‬
‫‪43%‬‬ ‫‪63%‬‬ ‫‪42%‬‬
‫‪37%‬‬

‫‪2016‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2018‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل األول | عامل الواقع والعامل االفرتاضي‬

‫ودخلت تكنولوجيا املعلومات يف معرتك حياتنا الثقافية واالجتماعية‬


‫واالقت�ص��ادية‪ ،‬والأن�ش��طة الأخرى كافة‪ .‬ورغم تغ�ير مالمح كوننا‬
‫ال�ص��غري يف العامل العربي‪ ،‬رمبا نتيجة حلتمية التاريخ‪ ،‬مازالت تختلط‬
‫علينا �أمور اخل�صو�ص��ية‪ ،‬واملواطنة الرقمية النزيه��ة‪ ،‬ومفاهيم احلرية‬
‫والتحرر‪ ،‬وحرية اخلطاب والتعبري واحرتام الآخر‪ ،‬وكل ذلك يحول‬
‫دون ر�سم مالمح وا�ضحة را�سخة لهويتنا الرقمية‪.‬‬

‫بل �إن الف�ضاء ال�سيبريي‪ ،‬يف عاملنا بات نهب ًا للتطرف والقر�صنة واجلرائم‬
‫الإلكرتونية‪ ،‬كما بات و�سيلة للت�ص��يد واملراقبة واملالحقة‪ ،‬فال يكفي �أن‬
‫تكون متعمق ًا على امل�ستوى التقني‪ ،‬كي تكون مواطن ًا رقمي ًا �صاحل ًا‪ ،‬لأن‬
‫املواطنة الرقمية ت�س��تند �إىل ركيزتني‪ ،‬ركي��زة تقنية فنية وركيزة اجتماعية‬
‫�إن�سانية‪ ،‬فال يكفي �أن يتقن املرء املهارات الرقمية الإلكرتونية‪ ،‬ومهارات‬
‫التوا�ص��ل عرب املن�ص��ات االجتماعية‪ ،‬بل ينبغي �أن يكون على م�س��توى‬
‫املعرف��ة وامل�س���ؤولية املطلوبت�ين‪ ،‬على الأ�ص��عدة االجتماعي��ة والثقافية‬
‫والفكرية التي متثل �أمته‪.‬‬
‫بد�أن��ا الآن نواجه ت�ش��ك ً‬
‫ال جدي��داً للقي��م والأخالق ومعاي�ير القوانني‬
‫والنظ��م و�أطر تنظيم املجتمعات اجلديدة‪ ،‬التي ميكن �أن نطلق عليها نظم‬
‫وت�رشيع��ات املجتمعات الرقمية‪ ،‬وبد�أنا نعاي�ش مواطنة جديدة تت�ش��كل‬
‫مالحمها تبع ًا للكيانات الرقمية التي غدت دو ًال كبرية على الإنرتنت‪ ،‬فقد‬
‫فاق عدد “مواطني” جمهورية الفي�س��بوك ملياري “مواطن”‪� ،‬أي �أكرث‬
‫من ربع �سكان العامل‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وجتعلنا �أرقام مواطني �ش��بكات التوا�ص��ل‪ ،‬الآخذة يف التزايد ب�ش��كل هائل‪ ،‬نغري‬
‫نظرتنا للعامل الرقمي‪ ،‬فالواقع ي�شري �إىل �أن مثل هذه الكيانات ت�شكل دو ًال كبرية‪،‬‬
‫ير�سخ االنتماء لها واقع املواطنة‪.‬‬
‫فال��دول احلديثة التي تق��وم على فكرة العقد االجتماع��ي التاريخية‪ ،‬التي تناولها‬
‫الفال�س��فة الإغري��ق والروم��ان وفال�س��فة �أوروبا يف ع�رص النه�ض��ة و�ص��و ًال �إىل‬
‫الفيل�سوف الفرن�سي ال�شهري جان جاك رو�سو‪ ،‬تتجلى يف �أجلى �صورها يف البالد‬
‫الرقمية‪.‬‬
‫�إذ �إنك لن جتد دولة يف الكون يعلن مواطنوها كافة الوالء لها كما يف الفي�س��بوك‬
‫مث� ً‬
‫لا‪ ،‬ب��ل �إنك جتدهم ي�ش��ذبون من �س��لوكهم وينتظمون �ض��من بروتوكوالت‬
‫و�أخالقيات الفي�سبوك‪ ،‬كي ال يفقدوا مواطنتهم‪.‬‬
‫ففكرة العقد االجتماعي تتلخ�ص يف �أن الإن�س��ان تطور عرب مراحل خمتلفة‪ ،‬و�أراد‬
‫نب��ذ ال�رصاعات واحلروب من خالل العمل على تكوي��ن كيانات اجتماعية تنظم‬
‫العالقة بني الأفراد‪� ،‬إذ يتخلى الأفراد عن �أنانيتهم الفردية لت�شكيل كيان قادر على‬
‫توفري الأمن واحلماية للجميع‪.‬‬
‫يف العامل االفرتا�ضي يبادر النا�س طوع ًا لإبرام عقد اجتماعي ينظم عالقاتهم ويوطد‬
‫كيان دولتهم الرقمية‪ ،‬وير�س��خ قوتها �ضد الغرباء “ الأعداء‪ ،‬القرا�صنة‪� ،‬إلخ”‪ .‬وال‬
‫يحكم املواطنني الرقميني �س��وى رغبتهم يف البقاء مع الآخرين ومعاي�شة �أفراحهم‬
‫و�آالمهم‪ ،‬والتوا�ص��ل معهم والتعبري عن كل ما يج��ول يف النف�س‪ ،‬لذلك ف�إن هذه‬
‫الدالئل الرقمية دول �إن�سانية باملقام الأول‪� ،‬شكلها الب�رش من �أجل �أن ت�شكل �سياج ًا‬
‫لهم ولأفكارهم‪ ،‬وهي عوامل منفتحة على العامل الواقعي‪ ،‬ومتثل مر�آة له‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل األول | عامل الواقع والعامل االفرتاضي‬

‫فاملواطنون الرقميون هم ورثة التاريخ الإن�ساين منذ �أن ت�شكل وحتى القرن احلادي‬
‫والع�رشين‪ ،‬ويعربون عن الأن�ش��طة الإن�س��انية والإعالمية واالقت�صادية وال�سيا�سية‬
‫والأكادميية‪...‬وغريها‪.‬‬
‫العالقة بني املواطنة الرقمي��ة واملواطنة يف العامل الواقعي عالقة تبادلية؛ عالقة ت�أثر‬
‫وت�أث�ير‪ .‬فقد غدا العامل الرقم��ي الذراع اليمنى للخرباء واملخت�ص�ين واملثقفني بل‬
‫للحكومات والكيانات الدولية ال�سيا�سية‪.‬‬
‫فكم��ا �أن هن��اك �إجراءات و�ص��فقات‪ ،‬وقرارات حا�س��مة يتخذه��ا الأفراد على‬
‫�ش��بكات التوا�ص��ل‪ ،‬هن��اك حكومات ودول تعمل بن�ش��اط كبري م��ن �أجل �إجناز‬
‫مهماتها الكربى من خالل �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫وكم��ا �أن مفهوم املواطنة يف عامل الواقع ي�س��تند �إىل معايري حمددة‪ ،‬ف�إن مفهوم‬
‫املواطن��ة يف العامل االفرتا�ض��ي ي�س��تند �إىل معايري رئي�س��ة‪ ،‬وهي بيئة الف�ض��اء‬
‫ال�سيبريي‪ ،‬و�سيا�سة الدولة التي يتبعها هذا الف�ضاء وطبيعة املواطنني‪.‬‬

‫�إنن��ا نحي��ا الآن ع��صراً انتقالي ًا تتحول فيه جمتمعاتنا ل�ص��يغ م�ستن�س��خة من الواقع‬
‫الرقم��ي‪ ،‬يف اللحظة ذاتها التي تكت�س��ب فيها املجتمع��ات الرقمية مالحمها منا‪،‬‬
‫ومن �أنظمتنا وت�رشيعاتنا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ولقد وجدت �أنه من ال�رضوري جداً الوقوف على مالمح هذه املجتمعات الرقمية‪،‬‬
‫والتع��رف على املواطنة الرقمية عن قرب من خالل رحلة كونية يف العامل الرقمي‬
‫الذي نعي�ش فيه‪ ,‬فقد بد�أت مالمح املجتمع االفرتا�ض��ي تت�شكل يف نهايات القرن‬
‫املا�ض��ي‪ ،‬وكان كل املواطنني الذين يدخلون للف�ضاء االفرتا�ضي متعط�شني ملعرفة‬
‫الت�رشيعات والتنظيمات والربوتوكوالت واملرا�سيم التي تنظم حياة مواطنيه‪.‬‬
‫وت�س��هل حركتهم بني كياناته املختلفة‪ ،‬بل وت�س��هم يف ت�شكيل مالمح مواطنتهم‬
‫االفرتا�ض��ية‪ ،‬ومن��ذ ذلك احلني �أخ��ذت الهيئات واجلهات املعني��ة وحتى الأفراد‬
‫ي�ست�صدرون ت�رشيعات وقوانني ومدونات لل�سلوك لتحديد مالمح املواطنة الرقمية‬
‫(‪ )Digital Citizenship‬و ت�أطري وجود مواطني الإنرتنت ‪.netizens‬‬
‫ومنذ �أو�س��اط ت�س��عينيات القرن املا�ض��ي‪ ،‬بد أ� العامل الواقعي ينظر للعامل الرقمي‪،‬‬
‫وب��د�أ منظرو القوانني والت�رشيعات التحدث عن حقوق وواجبات وم�س���ؤوليات‬
‫قانوني��ة مناطة مبواطني العامل الرقمي يف �ش��تى مناحي احلي��اة القانونية‪ ،‬والأمنية‬
‫والتجارية‪ ،‬وال�س��لوكية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬وال�صحية والرتفيهية‪ ،‬وكل ما يتعلق باالت�صال‬
‫الرقمي والو�ص��ول �إىل العامل الرقمي؛ فقد تعددت النظ��م واللوائح والت�رشيعات‬
‫اخلا�صة بالأن�شطة الرقمية‪ ،‬فهناك مدونة �سلوك للتجارة الرقمية‪ ،‬و�أخرى لو�سائل‬
‫الرتفيه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وقد �أجمعت معظم املحاوالت الر�سمية والفردية على جملة من املعايري والقيم ال‬
‫بد �أن يت�سم بها من ي�سعى لأن يكون مواطن ًا رقمي ًا �صاحل ًا‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل األول | عامل الواقع والعامل االفرتاضي‬

‫و�أكرث ما يهمنا يف هذا الكتاب‪ ،‬قواعد ال�سلوك اخلا�صة مبواطني من�صات التوا�صل‬
‫االجتماع��ي‪ ،‬ورمب��ا ت�ش��فع يل خربت��ي اال�ست�ش��ارية الطويلة يف جمال التوا�ص��ل‬
‫االجتماعي‪� ،‬أن �أ�ضع بني �أيديكم جملة من املعايري التي �أراها من �أهم ما يجب �أن‬
‫يتحلى به مواطنو �شبكات التوا�صل االجتماعي‪.‬‬
‫�أعتقد �أن ال�ش��عور بالآخرين واحرتام ظروفهم من �أهم معايري ال�سلوك االجتماعي‬
‫البناء على �ش��بكات التوا�ص��ل‪ .‬فنحن جند الكثريين من مواطني �شبكات التوا�صل‬
‫يتباهون بن�رش �صور حفالتهم وزياراتهم و�ألب�ستهم والأطعمة التي يقومون ب�إعدادها‬
‫�أو يتناولونها مع معرفتهم ب�أن هناك من ّ‬
‫�سيطلع على كل هذه املن�شورات التي تعج‬
‫بالتباه��ي واملظاهر‪ ،‬مم��ن ال يتمتعون بالظروف واملكت�س��بات ذاتها‪ ،‬فهناك من ال‬
‫ميلك ثمن هذه الأ�شياء‪ ،‬وهناك من يتبع حمية غذائية‪ ،‬وهناك من يكون �صائم ًا‪.‬‬
‫وهناك من يت�س��اهل يف ن�رش �ص��ور �أوالده �أو �أطفال حتت �س��ن الر�شد‪ ،‬غري مدرك‬
‫نتائج ما يقوم به‪ .‬فه�ؤالء حتت �س��ن الن�ض��ج ولي�س لديهم قرار نا�ضج عند قبولهم‬
‫بن�رش �ص��ورهم �أو رف�ض��هم لذلك‪ ،‬ونحن عندما نن�رش �ص��ورهم ن�ض��عهم مبا�رشة‬
‫على خريطة الإنرتنت‪ ،‬ويف ع�رصنا هذا‪ ،‬ع�رص الذكاء ال�ص��ناعي‪ ،‬وع�رص التوا�صل‬
‫االجتماعي غري امل�س��بوق‪ ،‬ما ت�ضعه على ال�شبكة ي�ؤدي مبا�رشة لت�صنيفك واحلكم‬
‫عليك‪ ،‬وميكن بكل �س��هولة ا�س��تدراج �أطفالنا وقر�صنة ح�س��اباتنا ومعرفة كل ما‬
‫يدور يف بيوتنا و�إيذاء �أطفالنا و�إيذائنا ب�شكل كبري‪.‬‬
‫يجب �أن ننظر يف دوافعنا و�أ�س��باب وجودنا على �شبكات التوا�صل االجتماعي‪،‬‬
‫فال جنعل من وجودنا جمرد ردة فعل حلدث �أو من�ش��ور �أو خرب‪ ،‬ويجب �أن نتحول‬
‫من عقلية امل�ستهلك �إىل عقلية املنتج‪ ،‬وال يجوز �أبداً �أن نبادر ونبد�أ بالتفاعل و�إبداء‬
‫الر�أي دون التمحي�ص والتحري فيما يتم ن�رشه‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ال ب��د لن��ا �أن نعي �أن وجودنا يف العامل الرقمي ي�ش��كل هويتنا وب�ص��متنا الرقمية‪،‬‬
‫ولي�س للت�س��لية و�إ�ضاعة الوقت‪ .‬ففي �شبكات التوا�صل االجتماعية مواطنون من‬
‫خلفيات خمتلفة‪ ،‬وثقافات متعددة‪ ،‬وكل �أ�ص��دقائنا ومتابعينا ي�شكلون ت�صوراً عنا‬
‫و�صورة للهوية الرقمية من خالل كل ما ي�صدر عنا‪.‬‬
‫ويف �أيامنا هذه‪ ،‬يف حقبة ت�ش��كل الهوية الرقمية‪ ،‬ال بد لنا من �أن نر�س��خ هويتنا‪،‬‬
‫فلم يعد مقبو ًال‪ ،‬مث ً‬
‫ال‪� ،‬أن ن�س��تخدم �أ�س��ما ًء م�ستعارة‪ ،‬مثلما كانت احلالة يف بداية‬
‫حقب��ة املدونات‪ ،‬توفرت فر�ص��ة لإنت��اج املحتوى من قبل امل�س��تخدمني‪ ،‬وكان‬
‫النا���س حذري��ن �أو خجولني من �إبراز هوياته��م احلقيقية‪ ،‬فلج�ؤوا �إىل ا�س��تخدام‬
‫�أ�سماء م�ستعارة!‬
‫وكذلك ال بد لنا من التنبه لئال ن�س��اهم ب�أي حال من الأحوال “ �س��واء من خالل‬
‫الإعجاب �أو التعليق �أو امل�ش��اركة و�إعادة الن�رش” بتحطيم الآخرين‪� ،‬أو �أن نكون‬
‫جزءاً يف حملة تهدف �إىل حتطيم �سمعة �شخ�صية اعتبارية �أو �رشكة‪.‬‬
‫لنتذكر حمالت مطاردة ال�ساحرات يف �أوروبا التي �أدت �إىل �إعدام الآالف ظلم ًا‪.‬‬
‫يجب �أن نت�أكد دائم ًا من م�ص��در املعلومات ومن مروجيها و�أهدافهم املعلنة وغري‬
‫املُعلن��ة‪ ،‬وميكننا دائم ًا احلديث ع��ن جتربتنا مع �رشكة ما �أو هيئة معينة مبو�ض��وعية‬
‫و�إن�صاف وتعقل‪.‬‬
‫تع��د الرقابة الذاتية من �أهم مقومات الهوية الرقمية‪ ،‬لأن الرقابة اخلارجية يف عامل‬
‫التوا�ص��ل االجتماعي ت�أت��ي مت�أخرة‪� ،‬أي بعد الن�رش‪ ،‬ال قبل��ه‪ ،‬مثلما هي احلال يف‬
‫الن�رش التقليدي‪ ،‬فالواحد منا يبادر �إىل ن�رش فكرته‪ ،‬ثم يفاج أ� بردة الفعل اخلارجية‪،‬‬
‫وي�صبح من غري املمكن �أن يرتاجع عما ن�رش‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل األول | عامل الواقع والعامل االفرتاضي‬

‫ال بد لنا �أن نهذب �أفكارنا و�أن نهذب ل�ساننا‪ ،‬و�أن ن�ضع‬
‫املتلق��ي يف عني االعتبار‪ ،‬فلو راعينا حاجات وم�ش��اعر‬
‫وثقافات مواطني ال�ش��بكات االجتماعية‪ ،‬لرتاجعنا يف‬
‫بع�ض الأحيان عن ن�رش فكرتنا بالكامل‪ .‬فعلى �ش��بكات‬
‫التوا�ص��ل‪ ،‬كم��ا يف الواقع‪ ،‬ل��كل مقام مق��ال‪ ،‬واملقام‬
‫َ‬
‫املخاطب واملكان والزمان والظروف والثقافة‪،‬‬ ‫يت�ضمن‬
‫�إلخ‪.‬‬
‫يف كث�ير من املن�ص��ات نحت��اج �إىل موهبة االخت�ص��ار‪،‬‬
‫فقارئ �ش��بكات التوا�ص��ل لي�س كقارئ الكتاب‪ ،‬ويف‬
‫امل�ؤمت��رات واالجتماع��ات‪ ،‬عرب ما ي�س��مى التغريدات‬
‫احلي��ة‪� ،Live- Tweeting ،‬إذ يت��م تلخي���ص الوقائع يف‬
‫عب��ارات فائقة االخت�ص��ار‪ ،‬وقد متيز بع�ض الأ�ش��خا�ص‬
‫بقدرات متفردة يف هذه املهارة على من�صة تويرت‪.‬‬
‫حتى ال ن�ص��بح عبيداً للآلة ولواقع الذكاء اال�صطناعي‪،‬‬
‫ال بد لنا من االعتزال االفرتا�ضي‪� ،‬أو ال�صيام الإلكرتوين‪،‬‬
‫و�ص��وال ملرحلة االعت��دال الإلكرتوين‪ .‬ميكنن��ا �أن نبد�أ‬
‫ب�إقفال التنبيهات على الهواتف املتحركة‪.‬‬
‫ويف الف�صول القادمة من الكتاب �س�أ�صحبكم يف رحلة‬
‫ممتعة ن�سافر فيها يف �أرجاء من�صات التوا�صل االجتماعية‬
‫الأك�ثر ت�أثرياً يف حياتن��ا‪ ،‬وما متثله من “بل��دان رقمية”‬
‫ونتعرف على مظاهر و�سمات كل واحدة منها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫“كلما ازدادت‬
‫منشوراتي حماسًا‬
‫حمتوى جدليًا كلما ازداد‬
‫ً‬ ‫وتضمنت‬
‫املتابعون حلسابي”‪.‬‬

‫تاشا ترينر‬
‫الفصل الثاين‬

‫واليات‬
‫فيسبوك املتحدة‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫واليات‬
‫فيسبوك املتحدة‬

‫مل يخطر يل يوم ًا و�أنا �أعي�ش يف الكويت �أن‬


‫لدي‬
‫�أزور الوالي��ات املتحدة‪ ،‬ورمبا مل يكن ّ‬
‫حاف��ز للخ��روج من حميطي‬ ‫ٍ‬ ‫يف ال�ص��غر �أي‬
‫الآمن املطمئن الذي ن�ش�أت فيه‪ ،‬فلو و�صف‬
‫لنا �أحد كوكب ًا بعيداً ميكننا العي�ش فيه‪ ،‬و�أمعن‬
‫يف و�ص��ف التقدم واالزدهار الذي فيه‪ ،‬ملا‬
‫�أوجد ذلك لدى �أحد منا رغبة لل�س��فر �إليه‪،‬‬
‫لأن حميطن��ا ال��ذي نحيا فيه يلب��ي تطلعاتنا‪.‬‬
‫ولن نت�ص��ور مث� ً‬
‫لا �أن هناك تقني��ة �أرفع مما‬
‫لدين��ا‪� ،‬أو طبيعة �أجمل م��ن التي نحيا فيها‪،‬‬
‫فما الذي �سي�أخذنا �إىل هناك‪ .‬ال �أقول ذلك‬
‫ُم ّ‬
‫عظم�� ًا لأمريكا‪ ،‬وال ُمقل ً‬
‫ال من �ش���أن عاملنا‬
‫الذي نحيا فيه‪ ،‬لكنني �أحاول �أن �أ�س��تبق ما‬
‫يج��ول يف خاطري ورمب��ا خواطركم‪ ،‬عن‬
‫مكان��ة �أمريكا على خريط��ة العامل الرقمي‪،‬‬
‫الت��ي رمبا تف��وق مكانتها يف ع��امل الواقع‪،‬‬
‫لي�س ذلك فقط‪ ،‬بل �إن �أمريكا العامل الرقمي‬
‫�أكرث حت�رضاً ودميقراطية و�إن�سانية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫لدي �أي مالمح هوية يف العامل الرقمي‪ ،‬لأن العامل‬
‫قبل الذهاب �إىل �أمريكا مل يكن ّ‬
‫الرقمي الذي نحيا فيه اليوم مل يكن قد ت�ش��كل‪ ،‬وقد ن�ش���أت ك�أي مواطن عربي‬
‫ن�ش���أ يف دول��ة الكويت‪ ،‬حي��ث كان جميع الذين يعي�ش��ون يف الكويت يعاملون‬
‫معاملة متكافئة‪ ،‬ويحظون بتعليم جماين ورعاية �صحية وكل ما متثله احلياة الكرمية‪،‬‬
‫ومتثل يل وطن ًا حقيقي ًا‪ ،‬فقد ولدت فيها ومل �أعرف بلداً غريها قبل �أن �أغادرها طلب ًا‬
‫للدرا�س��ة‪ ،‬ويل فيها �أجمل ذكريات عمري‪ ،‬ومل �أ�ش��عر يوما ب�أنني غريب يف هذا‬
‫البل��د الذي كان وقتها يف موقع الريادة‪ ،‬على م�س��توى اخللي��ج العربي‪ ،‬ورمبا يف‬
‫بع�ض املجاالت‪ ،‬على م�ستوى الوطن العربي كله‪.‬‬
‫تلقيت تعليمي يف مدار�س��ها احلكومية حتى �أنهيت الثانوية العامة يف عام ‪،1986‬‬
‫مثل��ي مث��ل �أي طالب �آخ��ر‪ ،‬ومل �أكن �أكرث متي��زاً من غريي‪ ،‬بل �إنن��ي يف كثري من‬
‫احل��االت كنت على حافة الإخفاق‪ ،‬وقد لعبت تلك احلافة “ املخيفة” دوراً كبرياً‬
‫يف حيات��ي‪ ،‬وقد كان لها بالغ الأثر يف كل م��ا �أجنزته‪ ،‬لذلك ف�إنني �أرى الإخفاق‬
‫دافع ًا كبرياً للمثابرة والنجاح‪.‬‬
‫بع��د التخرج من الثانوية العام��ة‪ ،‬انتظرت فرتة‪� ،‬إذ مل يكن مبقدور �أهلي �إر�س��ايل‬
‫للخ��ارج‪ ،‬ففي الع��امل الواقعي حتكمنا الظ��روف‪ ،‬رمبا �أكرث مم��ا حتكمنا يف العامل‬
‫الرقمي‪.‬‬
‫ث��م توفرت يل منحة لدرا�س��ة طب الأ�س��نان يف اجلزائر‪ ،‬فقد كان هو التخ�ص���ص‬
‫املتاح‪ ،‬ف�س��لكت �أي�رس الطرق وذهبت للجزائر‪ ،‬ومل �أكن �أح�س��ب ح�س��اب ًا ملع�ضلة‬
‫كربى ت�س��مى اللغة الفرن�س��ية‪ ،‬فقد كانت لغة التدري�س يف اجلزائر التي ال �أتقنها‪،‬‬
‫وو�ضعني ذلك يف م�أزق كبري‪ ،‬وقد كان تخ�ص�ص طب الأ�سنان غني ًا ومادته خ�صبة‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫وكلما تقدمت يف الدرا�س��ة‪ ،‬تعمقت م�ش��كلة اللغة‪� ،‬إىل �أن اتخ��ذت قراراً بعدم‬
‫�إكمال الدرا�س��ة‪ ،‬وذلك بعد �أن �أنهيت �سنتني منها‪� ،‬إ�ضافة ل�سنة �سبقتهما لدرا�سة‬
‫الفرن�سية‪ ،‬وعدت �إىل الكويت و�أنا �أ�شعر بالف�شل الذريع‪.‬‬
‫الإحباط يف العامل الواقعي “�أ�شد ِم ْن َوق ِْع ا ُ‬
‫حل َ�س ِام املُ َه َّنـد”ِ ‪ ،‬لأن كل الذين حولك‬
‫يف الع��امل الواقعي يذكرون��ك مبا فعلت‪ ،‬ورمبا ي�ؤنبون��ك وميعنون بتذكريك مبا قد‬
‫تتنا�س��ى‪ ،‬بينما يف العامل الرقمي‪� ،‬أنت تختار من تخرب من النا�س‪ ،‬ومن ترغب يف‬
‫�أن يوا�سيك وحتى من ترغب يف �أن ي�ؤنبك‪.‬‬
‫ع��دت �إىل حي��ث كن��ت �أعي���ش يف عامل��ي الواقعي‪،‬‬
‫و�س��ارعت �إىل العم��ل يف حمل لبيع �أ�رشطة املو�س��يقى‪،‬‬
‫لدي هاج�س ب�أنني فقدت فر�ص��تي يف‬
‫وبد�أ يت�ش��كل ّ‬
‫التح�ص��يل اجلامعي �إىل الأبد‪ ،‬ورمبا الأ�س��و�أ من ذلك‬
‫�أنني فقدت بو�ص��لتي‪ ...‬وبالواق��ع ومل يكن لدي يف‬
‫تل��ك الف�ترة �أي طم��وح لك��ي �أوا�ص��ل‪ ،‬وك�أن حمل‬
‫الأ�رشطة املو�سيقية غدا نهاية رحلتي‪.‬‬
‫ولك��ن يف العامل الواقعي مفاج�آت تفوق �أحيان ًا ما يجنح به العامل الرقمي‪ ،‬فقد يتدخل‬
‫�شخ�ص ما يف حلظة ما‪ ،‬ويكون هذا ال�شخ�ص الدافع يف تغيري كل حياتك؛ وهكذا كان‪.‬‬
‫حدث �أن �س�أل عني وعن عملي �أحد الأقارب‪ ،‬وت�ساءل ملاذا ال �أكمل م�سرية درا�ستي‪،‬‬
‫�أو حتى عملي كي �أكت�سب خربة يف احلياة‪ ،‬وحدث �أهلي عن �إر�سايل لأمريكا‪ ،‬واقرتح‬
‫والية �أالباما بالذات‪ ،‬لأنها والية رخي�ص��ة ن�س��بي ًا من حيث املعي�شة والدرا�سة‪ ،‬حيث‬
‫ميكنني‪ ،‬كما بني ذلك ال�شخ�ص‪� ،‬أن �أعمل هناك و�أدر�س يف �آن واحد‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مل يكن �أحد منا يعرف �شيئ ًا عن تلك الوالية‪ ،‬وعلى الرغم من �أنها قفزة يف الظالم‪،‬‬
‫�إال �أن الأه��ل كانوا متفائلني‪ ،‬ومل يخيم على �أج��واء الوداع الأجواء احلزينة ذاتها‬
‫عندما ذهبت �إىل اجلزائر‪ ،‬ويف دخيلة نف�سي كنت قد عقدت العزم على �أن �أذهب‬
‫و�أبحث عن عمل يف املقام الأول‪.‬‬
‫وقد وجدت ت�شجيع ًا كبرياً من والدتي‪ ،‬التي حثتني على الذهاب والعمل والدرا�سة‬
‫فحجزت تذكرة ذهاب فقط‪ ،‬وقد واجهتني �ص��عوبة يف ا�ستخراج ت�أ�شرية ال�سفر‬
‫وبعد تقدمي جميع وثائقي لأن امل�س���ؤولة يف ال�س��فارة‪ ،‬كان لديها تخوف ب�أن ال‬
‫لدي رغبة يف العودة‪ ،‬فتحدثت معها بكل �ص��دق و�ش��فافية‪ ،‬وذكرت لها‬
‫يكون ّ‬
‫ب�أن كل �شيء حمتمل يف �أمريكا‪ ،‬فيمكن �أن �أتفوق يف الدرا�سة‪ ،‬و�أح�صل على عقد‬
‫عم��ل من �رشكات كربى‪ ،‬وكذلك ميك��ن �أن تتعر�ض حياتي للخطر‪ ،‬هناك الكثري‬
‫لدي نية للعودة بعد الدرا�سة �إىل الكويت‪.‬‬
‫من االحتماالت‪ ،‬ولكنني �أظهرت �أن ّ‬
‫وقد �أعجبت بتوا�صلي معها باللغة الإجنليزية‪ ،‬وكنت متفوق ًا بالإجنليزية يف املدر�سة‬
‫و�أجيد التحدث بها‪ ،‬وقد علمت نف�س��ي بنف�س��ي‪� ،‬إذ �إن تعليم املدار�س احلكومية‬
‫له��ذه امل��ادة مل يكن يكف��ي‪ ،‬وقد زاد من متكن��ي يف اللغة اال�س��تماع �إىل الأغاين‬
‫الإجنليزية‪ ،‬التي كنا ن�سمعها على �أ�رشطة الكا�سيت‪ ،‬قبل �شيوع الأقرا�ص املدجمة‪.‬‬
‫طلبت مني امل�س���ؤولة يف ذلك الوقت طلب ًا معجزاً‪ ،‬عندما بادرتتي بالقول‪“ :‬ح�سن ًا‬
‫�أح��ضر يل تعه��داً خطي�� ًا من �إح��دى ال��شركات يف الكويت ب�أنها �س��توظفك بعد‬
‫تخرج��ك”‪ ،‬وق��د ذهبت فوراً‪ ،‬وقمت بكتابة ٍ‬
‫تعهد كيفما اتفق‪� ،‬إذ مل يكن وقتها‬
‫(‪� )1989‬أي خدم��ة من خدمات الإنرتنت‪ ،‬وال يوجد �أي حمرك بحث ي�س��اعدين‪،‬‬
‫فكتبت كتاب ًا با�س��م ال�رشك��ة التي يعمل بها والدي‪ ،‬وقام وال��دي بطباعة الكتاب‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫وتوقيعه‪ ،‬وختمه من قبل مدير ال�رشكة الذي تف�ض��ل بالتوقيع عليه‪ ،‬وقدم يل خدمة‬
‫جليلةً‪ ،‬لن �أن�ساها ما حييت‪.‬‬
‫وقدم��ت الكتاب يف اليوم التايل �إىل امل�س���ؤولة وقامت بقراءته وهي تبت�س��م‪ ،‬رمبا‬
‫للأخطاء التي احت�ش��دت فيه‪ ،‬ثم بادرت بامل�ص��ادقة على الت�أ�شرية‪ ،‬وقد كان ذلك‬
‫حدث ًا عظيم ًا �شكل انعطاف ًا كبرياً يف حياتي‪.‬‬
‫مل تكن واليات في�سبوك املتحدة‪ ،‬قد ولدت يف العامل الرقمي‪ ،‬ولكنني منذ اللحظة‬
‫الأوىل التي وطئت فيها قدماي واليات العامل الواقعي املتحدة انتقلت لعامل �آخر‪،‬‬
‫رمب��ا كان واقعي ًا بالن�س��بة لأهله‪ ،‬لكنه مل يكن بالن�س��بة يل كذلك‪ ،‬غدوت �أتنف�س‬
‫ل خالياي‪ ،‬وعندما‬
‫فيها ن�سائم مل �أتنف�سها من قبل‪ ،‬وقد �شعرت بن�شاط عجيب مي أ‬
‫التحقت مبعهد اللغة الإجنليزية لغري الناطقني بها للتح�ضري المتحان التوفل‪ ،‬اتبعت‬
‫برناجم ًا �صارم ًا وقمت بالدرا�سة كما يجدر بي‪ ،‬رمبا معترباً من جتربتي يف اجلزائر‪،‬‬
‫وقد ت�شكل لدي وعي ل�رضورة النجاح‪ ،‬لإثبات ذاتي والتخل�ص من عقدة الف�شل‪،‬‬
‫وال�ص��عود يف �س��لم يت�أرجح بني عاملني‪ ،‬عامل الواليات املتحدة الذي مل �أع�شه من‬
‫قبل وعامل الواليات الرقمية التي �ستكون! بالطبع مل يكن �أحد يتنب�أ بعاملنا الرقمي‬
‫اليوم‪ ،‬ولكن اجلو العام يف �أمريكا‪ ،‬يتميز ب�أنه يجعلك ت�س��عى �سعي ًا د�ؤوب ًا لتحقيق‬
‫قفزات هائلة يف عامل امل�ستقبل‪ ،‬وهذا ما مييزها ويجعلها دائم ًا يف موقع ال�صدارة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫تفوق��ت يف امتح��ان التوفل‪ ،‬وج��اء ترتيبي الثال��ث يف دفعة ع��دد �أفرادها ‪250‬‬

‫�شخ�ص�� ًا‪ .‬وكان هذا �أول جناح يف �سل�س��لة جناحات متوا�صلة تلت‪ ،‬ولكنني حتت‬
‫�ضغط احلاجة‪ ،‬قررت �أن �أ�ضع الدرا�سة جانب ًا‪ ،‬حتى �أمتكن من توفري قوت يومي‪،‬‬
‫وتكاليف معي�شتي‪.‬‬
‫يف العام ذاته الذي �س��افرت فيه‪ ،1989 ،‬بد�أت العمل يف بع�ض الأعمال‪ ،‬كغريي‬
‫من �آالف الطلبة يف �أمريكا‪ ،‬وكان حظي �أن �أعمل عم ً‬
‫ال �شاق ًا‪ ،‬يف غ�سل ال�صحون‬
‫يف مطعم �ص��يني‪ ،‬ملدة ‪� 12‬ساعة يومي ًا‪ ،‬على مدار �س��بعة �أيام‪ ،‬لذلك ابتعدت عن‬
‫قدمي يف العمل‪ ،‬وترقيت يف العمل من‬
‫ّ‬ ‫الدرا�س��ة وانهمكت من ر�أ�سي لأخم�ص‬
‫وظيفة غ�سل �صحون �إىل العمل كنادل ثم م�ساعد مدير يف فرتة �أربع �سنوات‪.‬‬
‫�أم�ضيت العقد الثالث من حياتي يف العمل! ولكن ظلت م�س�ألة التح�صيل العلمي‬
‫علي‪� ،‬إذ كان ال بد �أن �أح�ص��ل على �شهادة �أكادميية‪ ،‬ولكن كما تقول العرب‬
‫تلح ّ‬
‫فلي�سعف املال �إن مل ي�سعف احلال‪ ،‬وقد كان لدي �شبه اكتفاء مايل‪ ،‬ولكن مل يكن‬
‫لدي ما ا�ستثمره يف م�رشوع من امل�شاريع‪.‬‬
‫وكما �أقول دائما ب�أن املرء يف �أمريكا يجب �أن يحقق‬
‫�أمري��ن م��ن ثالثة عل��ى الأقل‪ ،‬ف���إن كان لدي��ه املال‬
‫واجلن�سية ت�أتي ال�شهادة اجلامعية كثالثة الأثايف‪ ،‬وعلى‬ ‫بدنا صورة‬

‫املرء �أن يجمع على الأقل بني ال�ش��هادة واجلن�س��ية �أو‬


‫الرثوة‪ ،‬والبد للمغ�ترب �أن يعود فور حتقيقه لأمرين‬
‫من الثالثة‪ ،‬ال �أعرف كيف ت�شكل لدي هذا االعتقاد‪،‬‬
‫ولكنه كان واليزال اعتقاداً را�سخ ًا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫خط��ر يل �أن �أع��ود اىل الكوي��ت‪ ،‬كوين ح�ص��لت على اجلن�س��ية وح�ص��لت على‬
‫ق��در من املال ي�س��مح يل بتحمل نفقات��ي لفرتة جيدة‪ ،‬وقد ارحت��ت لهذا القرار يف‬
‫ذل��ك الوقت‪ ،‬فكان �أن ع��دت ووفقت بعمل مريح يف فرتة قليلة‪ ،‬مدير ت�س��ويق‬
‫يف منتجع �س��ياحي‪ ،‬وقد �أوكلت يل ال�رشكة م�س���ؤولية ابتكار الأفكار للم�ش��اريع‬
‫التجارية‪ ،‬فاقرتحت عليها افتت��اح �إنرتنت كافيه‪ ،‬وقمت ب�إدارتها‪ ،‬وقد كانت هذه‬
‫اخلطوة على ب�س��اطتها‪ ،‬فكرة عمالقة‪ ،‬لأنها ال�س��بب الرئي�س لرت�سيخ وجودي يف‬
‫العامل الرقمي‪.‬‬
‫ومنها بد�أت ترت�س��خ ذاتي الأخرى‪ ،‬ذاتي الرقمي��ة‪ ،‬مع �أن عالقتي بالعامل الرقمي‬
‫تع��ود ملا قبل ذلك بكثري‪ ،‬فقد كان �أحد �أ�ص��دقائي يعمل م��ع �رشكة ال �أي بي �أم‪،‬‬
‫و�أر�سل يل حا�سوب ًا من �أمريكا‪ ،‬عندما كانت لغة الت�شغيل امل�ستخدمة هي لغة ‪DOS‬‬

‫دو�س‪ ،‬وكذلك �أح�رضت �ص��احبة املطعم ال�ص��يني الذي كنت �أعمل به‪ ،‬حا�سوب ًا‬
‫جديداً‪ ،‬واملهم �أنني متكنت من االت�صال بالإنرتنت‪ ،‬فقد كان مع احلا�سوب ٌ‬
‫قر�ص‬
‫مدمج لالت�صال بالإنرتنت عن طريق �رشكة “�أمريكا �أون الين”‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومع هذا االت�صال بد�أت �أتلم�س خطاي يف كون جديد!‬
‫�أذك��ر �أنني عندما قمت برتكيب جهاز املطع��م وتهيئة الإنرتنت‪ ،‬عن طريق تنزيل‬
‫القر���ص اخلا�ص بالإنرتنت‪ ،‬وجدت نف�س��ي يف غرفة الدرد�ش��ة مبا�رشة‪ ،‬وبد�أت‬
‫بالتوا�ص��ل مع �أ�ش��خا�ص مل �أعرفهم من قبل‪ ،‬ومل تربطني بهم �أي �صداقة يف عاملنا‬
‫الواقعي‪ ،‬ورمبا كان بع�ضهم بعيداً جداً جداً‪ ....‬كانت التجربة مده�شة بكل معنى‬
‫الكلم��ة‪ ،‬فها هو العامل الرقمي يقول لكل من يحيا على كوكب الأر�ض �س���أهدم‬
‫حواجزكم و�أهزم حدودكم‪ ،‬و�أتخطى امل�سافات‪ ،‬وتقاليد الب�رش وعاداتها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مل يك��ن وقته��ا قد وج��د يف العامل العربي زخ��م على �ش��بكة الإنرتنت وحلقات‬
‫الدرد�ش��ة‪ ،‬كان هناك وجود خجول لبع�ض طالب الدرا�سات العليا يف اجلامعات‬
‫الأجنبية‪ ،‬لذلك مل يكن م�ألوف ًا �أن “يدرد�ش” الكون بالعربية!‬
‫�أع��ادين هذا التوا�ص��ل يف حلقات الدرد�ش��ة‬
‫احلية م��ع املتواجدين يف غرف الدرد�ش��ة �إىل‬
‫فيلم ‪ Jumping Jack Flash‬الذي �ش��اهدته‬
‫عام ‪ ،1989‬فقد كان هناك م�ش��هد يف الفيلم‬
‫‪ ، )Whoopi‬وه��ي تق��وم‬ ‫(‪Goldberg‬‬ ‫ل��ـ‬
‫بالدرد�شة من خالل الر�سائل‪ ،‬وقد كان ذلك‬
‫مفهوم�� ًا غريب ًا بالن�س��بة يل‪ ،‬فهل ه��و واقع �أو‬
‫جتربة ممكنة‪� ،‬أم خيال �سينمائي؟‬
‫مل �أ�س��تطع التثبت من حقيقته‪� ،‬إذ مل تكن حم��ركات البحث املتطورة متوفرة‪ ،‬مثل‬
‫حم��رك جوجول ال��ذي ينقلك ملا تريد بكب�س��ة زر‪� ،‬أو ي�رشح لك �أي�� ًا من املفاهيم‬
‫بب�س��اطة وي�رس‪ ،‬الفكرة كان��ت تت�أرجح بني عاملني‪ ،‬عامل واقع��ي نعي�ش فيه وعامل‬
‫رقمي نتطلع �إليه‪� ،‬إنها منطقة التحول املثري الذي يعد من �أهم مالمح الواقع الرقمي‪،‬‬
‫حتى هويتنا يف العامل الرقمي خ�ضعت وتخ�ضع جلملة كبرية من التحوالت‪.‬‬
‫وق��د ولدت لدي رغبة �ش��ديدة يف التعم��ق يف هذا الع��امل‪ ،‬و�أردت حتقيق حلم‬
‫كان ي��راودين يف الأعوام ال�س��ابقة‪ ،‬ويف عام (‪ )1993‬ا�ش�تريت جهاز حا�س��وب‬
‫�شخ�صي نوع (‪ ،)386‬وقد كان ثمنه باهظ ًا جداً يف ذلك الوقت‪ ،‬وك�أنك ت�شرتي‬
‫�س��يارة “م�س��تعملة”‪ ،‬وقد كان هذا اجلهاز نافذتي على املجتمع الأمريكي‪ ،‬وقد‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫تقبلني جمتمع (�أالباما) عن طريق غرف الدرد�شة‪� ،‬أكرث بكثري من التوا�صل املكاين‬
‫الواقعي‪ ،‬و�أ�صبحت فرداً فاع ً‬
‫ال يف املجتمع ‪...‬‬
‫يف بداي��ة غربت��ي كنت خجو ًال و�أنا بطبيعتي ل�س��ت اجتماعي ًا فل��م �أجنح بتكوين‬
‫�ص��داقات م��ع املجتمع الأمريكي كم��ا يجب‪ ،‬بل كانت هناك �ص��داقات بعيدة‬
‫مع بع�ض��هم ب�س��بب بيئة العمل‪ ،‬ولكن من خالل غرف الدرد�ش��ة ا�س��تطعت �أن‬
‫�أتخطى هذا احلاجز و�أتوا�ص��ل و�أمزح مع الكثري من املجتمع الأمريكي‪ ،‬لأننا كنا‬
‫نتحدث باهتمامات م�ش�تركة مثل الأفالم واملو�س��يقى وغريه��ا‪ ،‬وبعدها انتقلت‬
‫هذه ال�صداقات اجلديدة من العامل الرقمي �إىل العامل الواقعي‪.‬‬
‫عندما عدت اىل الكويت وافتتحنا �إنرتنت كافيه عام ‪� 1997‬أ�ص��بحت �أبحث عن‬
‫�أ�صدقائي على الإنرتنت‪ ،‬وتوا�صلت معهم يف �أمريكا‪ ،‬وقمت بت�صميم موقع على‬
‫الإنرتن��ت من خالل خدمة (‪ )GeoCities‬وه��ي �رشكة جديدة كانت متنح خدمة‬
‫عمل مواقع �إنرتنت ب�سهولة ودون احلاجة �إىل �أي مهارات برجمة �أو ت�صميم‪.‬‬
‫وبع��د فرتة مت اال�س��تحواذ على هذه ال�رشك��ة من قبل �رشكة الياه��و يف عام ‪2002‬‬

‫ب�صفقة �أ�سهم قيمتها ‪ 3.56‬مليارات دوالر ثم مت �إغالقها يف عام ‪.2009‬‬


‫عمق لدي هذا التوا�صل‬
‫وتوا�صلت مع �صديق يل كان يعمل يف �رشكة كبرية‪ ،‬وقد ّ‬
‫لدي نق�ص ًا ما يجب �أن �أكمله‪.‬‬
‫هاج�س ًا بالرجوع‪� ،‬إذ غدوت �أ�شعر �أن ّ‬

‫‪35‬‬
‫طلب مني ذلك ال�ص��ديق �أن �أح�رض لأمريكا حل�ضور مقابلة عمل يف �رشكة كبرية‪،‬‬
‫مع �أنه مل يكن لدي �أي‬ ‫فذهبت وقدمت للعمل كم�ص��مم لل�ص��ور املتحركة ‪GIF‬‬

‫خربة يف ذلك املجال‪� ،‬إال �أنني بادرت للتقدم نظراً لأنني قمت قبل ذلك بت�صميم‬
‫موقع �إلكرتوين‪ ،‬ومن قبيل الده�ش��ة املح�ض��ة‪� ،‬أن امل�س���ؤولة بادرتني بالقول �أثناء‬
‫حديث��ي يف املقابل��ة‪�“ ،‬أظ��ن ب�أنك ذات ال�ش��خ�ص الذي كان يظه��ر يف الربنامج‬
‫ال�صباحي الإذاعي اليومي (‪!)Rick & Bubba‬‬
‫يف عام ‪ 1993‬كنت متابع ًا ب�شغف لربنامج �صباحي فكاهي على الراديو‪ ،‬فقد كان‬
‫ريك وبابا من �أظرف ال�شخ�ص��يات التي ا�س��تمعت لها على الراديو‪ ،‬و�أح�س�ست‬
‫�أنني �أملك ح�س ًا فكاهي ًا قريب ًا منها‪.‬‬
‫يف ي��وم من الأيام كنت �أحتدث مع �أحد �أ�ص��دقائي الع��رب‪ ،‬و�أخربته عنهم وعن‬
‫بع�ض الق�ص���ص امل�ض��حكة التي كانوا يتحدثون بها قبل ب�ضعة �أيام‪ ،‬و�أخربته �أنني‬
‫�أمتنى لو �أملك ال�ش��جاعة لأت�ص��ل بهم وهم على الهواء املبا�رش‪ ،‬و�أخربهم بق�ص��ة‬
‫م�ض��حكة من ق�ص�ص��ي‪ ،‬ولكنه حذرين من ذلك‪ ،‬وقال يل �إنهم �سوف ي�ستهزئون‬
‫بلهجتك ويجعلون منك �أ�ضحوكة الربنامج‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫ولكنني �أعرفهم‪ ،‬فهم ي�ض��حكون على �أنف�س��هم قبل غريهم‪ .‬ومبا �أنني عنيد فقد‬
‫قررت �أن �أت�ص��ل بهم بعك�س ن�صيحة �ص��ديقي‪ ،‬وكان االت�صال موفق ًا‪ ،‬وقالوا يل‬
‫�ش��كراً على خدمتك لقد ا�س��تمتعنا بوقتنا بفندقك‪ ،‬وهم بذلك يق�صدون �أن كل‬
‫هندي عنده فندق ف�ضحكت‪ ،‬وقلت لهم‪� ..‬أنتم خمطئون ف�أنا من �أ�صول عربية ال‬
‫هندية ونحن ن�شتهر مبحالت بيع البنزين ال الفنادق‪ ،‬فده�شوا لأين مل �أحت�س�س من‬
‫نكتتهم ودعوين لزيارتهم‪.‬‬
‫وزرته��م مرة ومرت�ين‪ ،‬وتعالت النكت و�أطلقوا علي ا�س��م �إيلف�س الفل�س��طيني‪،‬‬
‫و�أ�ص��بحت االت�ص��االت تطلبني باال�س��م‪ ،‬و�أ�ص��بحت جزءاً م��ن الربنامج ملدة ‪4‬‬

‫�سنوات‪ ،‬ولكن كان الكل يعرفني بكنيتي ال با�سمي احلقيقي‪.‬‬


‫وتعجب��ت كث�يراً لأنها عرفتن��ي‪ ،‬رمبا من �ص��وتي‪ ،‬وقد قامت بتوظي��ف (الفي�س‬
‫الفل�سطيني) على الفور‪ ،‬ولي�س خالد الأحمد‪ ،‬ومل تكرتث خلربتي!‬

‫‪37‬‬
‫عمل��ت معهم بكل جد واجتهاد‪ ،‬ومل يبخل علي مدي��ر تقنية املعلومات لديهم‪،‬‬
‫فعلمني كل �ش��يء يف جمال احلوا�سيب‪ ،‬وكنت �أكرث �شخ�ص حمبوب يف ال�رشكة‪� ،‬إذ‬
‫كن��ت موظف الدعم الفني الوحيد لكل املوظف�ين الذين يبلغ عددهم ‪ 400‬بائع‪،‬‬
‫وبع��د فرتة �أح�رضت ال�رشكة برجميات جديدة‪ ،‬و�أر�س��لتني لدرا�س��ة الربجميات كي‬
‫عمق ذلك من خربتي و�أك�س��بني املزيد من الثقة‬
‫�أقوم بتدريب كل املوظفني‪ ،‬وقد ّ‬
‫بالنف�س‪.‬‬
‫يف يوم من الأيام‪ ،‬خالل اجلولة ال�صباحية‪ ،‬راعني �أن الطابق الذي �أعمل فيه خالٍ‬
‫متام ًا‪ ،‬ف�س��ارعت �أبحث عن املوظفني يف كل ناحية و�ص��وب‪ ،‬فوجدتهم جميع ًا‬
‫جمتمعني يف �ص��االت التلفاز‪ ،‬فبادرتهم مازح ًا كعادتي‪ ،‬بعد حتية ال�ص��باح‪“ ،‬هل‬
‫ان�ش��قت الأر�ض وابتلعتكم”‪ ،‬وعندما تلفت��وا �إيل كانوا كلهم يبكون‪ ،‬فقد كانت‬
‫الطائرة الأوىل ا�صطدمت بربج التجارة العاملي يف ‪.... 2001/9/11‬‬
‫يل قائل��ة‪“ :‬لمِ َ تكرهوننا يا‬
‫وال ي�برح ذاكرت��ي م�ش��هد زميلت��ي عندم��ا التفت��ت �إ ّ‬
‫خال��د؟!”‪ ،‬وللأ�س��ف ومنذ تلك اللحظة �أ�ص��بحت ال�ش��خ�ص املك��روه من قبل‬
‫اجلميع‪ ،‬و�أ�ص��بحت يف نظرهم جميع ًا م�س�ؤو ًال عن احلادث املريع! بل �إن ال�رشكة‬
‫قامت ب�إنهاء خدماتي بعد �أقل من �أ�س��بوعني‪ ،‬نتيجة اخلطيئة الكربى؛ العروبة‪� ،‬أو‬
‫رمبا الإ�سالم‪.‬‬
‫فقمت مبقا�ضاتهم‪ ،‬ومل تن�صفني املدعية العامة‪ ،‬كما كان متوقع ًا فقد كانت الأجواء‬
‫تن�ضح بالعن�رصية‪ ،‬والكل متحفز وال يريد �أن يرى يف �أمريكا عرب ًا �أو م�سلمني‪.‬‬
‫�أ��صررت عل��ى ا�س��تئناف الق�ض��ية‪ ،‬ولكن �أثن��اء اال�س��تئناف جاء م�س��تثمر كبري‬
‫ل��شراء ال�رشكة‪ ،‬وم��ا كان من املمكن �إمتام �ص��فقة البيع وق�ض��يتي مازالت عالقة‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫فجاءين معلم��ي‪ ،‬الذي علمني تقنيات تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬وقال يل �إن الكثري‬
‫من العائالت �ستت�رضر من ق�ضيتك‪ ،‬ورجاين ب�أن �أ�سحب الق�ضية‪ ،‬ف�سحبتها! فهذا‬
‫علي ف�ضل كبري‪ ،‬وقد قدم يل الكثري‪.‬‬
‫ال�شخ�ص له ّ‬
‫بعد �أن �س��حبت الق�ض��ية امتنان ًا وعرفان ًا مني ملدربي‪ ،‬تركت ال�رشكة عام ‪،2001‬‬
‫و�أ�صبحت بال عمل‪ ،‬وبد�أت �أكثف جهدي بالبحث عن عمل لدى اجلالية العربية‬
‫نظراً لال�ستقطاب الذي �أحدثه زلزال احلادي ع�رش من �سبتمرب‪ ،‬وعملت لدى �أحد‬
‫ال�ش��باب العرب يف حمل لبيع الهواتف املحمولة‪ ،‬ونظراً لأنني اكت�س��بت مهارات‬
‫هامة يف عملي ال�س��ابق‪ ،‬بد�أت �أعتني بتطوير العمل يف املحل‪ ،‬يف البداية مل يكن‬
‫يحتاج الأمر �إىل تطبيق كل ما تدربت عليه‪ ،‬لأنني بد�أت بتنظيم العمل من خالل‬
‫نظام ب�سيط ملحا�سبة ال�صادر والوارد‪ ،‬حيث الحظت �أنه ال يوجد �أي تطبيق لأي‬
‫نظام للإدارة �أواحل�سابات‪ ،‬وكنت قد دربت نف�سي جيداً على عمل برنامج �إك�سل‬
‫و�أنا يف الكويت‪ ،‬ف�ص��ممت نظام ًا عملي ًا با�س��تخدام برنامج �إك�سل‪ ،‬ويف املرحلة‬
‫الثاني��ة بد�أت بالبحث ع��ن امل�ؤمترات الكبرية يف جمال االت�ص��ال و�أجهزة الهاتف‬
‫املتحرك على �ش��بكة الإنرتنت ووجدت م�ؤمتراً و�سجلنا به‪� ،‬أنا و�صاحب املحل‪،‬‬
‫وذهبنا �سوي ًا حل�ضور امل�ؤمتر يف ال�س فيجا�س‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫كان للم�ؤمتر الذي ح�رضناه �س��وي ًا بالغ الأثر يف تطوير �أعمالنا‪ ،‬وقد متكنا من �إبرام‬
‫�رشاكات جديدة مع �رشكات كربى من خالله‪ ،‬مما �أدى �إىل ازدهار �أعمال املحل!‬
‫وحدث �أن كان �ص��احب املحل يح�رض ل�شهادة املاج�ستري‪ ،‬وطلب مني �أن �أعاونه‬
‫يف م�رشوع��ه‪ ،‬فقمت ب�إعداد �أحد امل�ش��اريع الدرا�س��ية من الأل��ف �إىل الياء‪ ،‬فقد‬
‫كانت ثقتي بنف�سي عالية‪ ،‬وتكللت جهودي بنجاح كبري‪ ،‬و�أحرز درجة متقدمة‪،‬‬
‫م��ا جعله يحثن��ي على الدرا�س��ة‪ ،‬ملا مل�س��ه لدي من تف��وق يف جم��ال تكنولوجيا‬
‫املعلومات‪ ،‬ويف عام ‪ ،2002‬يف �س��ن اخلام�سة والثالثني‪� ،‬سجلت يف اجلامعة مرة‬
‫�أخرى‪� ،‬إذ توفر لدي الوقت واخلربة‪ ،‬والتحقت بجامعة فولكرن‪ ،‬وحققت جناح ًا‬
‫كبرياً‪ ،‬وح�صلت على معدل مرتفع جدا يف الف�صل الأول (‪ ،)4.0‬مما �شجعني على‬
‫�إكمال درا�س��تي بحما�س‪ ،‬فتخرجت يف ثالث �س��نوات ون�صف‪ ،‬وح�صلت على‬
‫درجة البكالوريو�س مبعدل مرتفع ‪ ،3.2‬ثم التحقت بربنامج املاج�ستري‪ ،‬ووا�صلت‬
‫تفوقي ف�أنهيت الر�سالة يف �سنة واحدة وح�صلت على معدل ( ‪.) 3.4‬‬
‫كان جناحي يف عامل الواقع �س��بب ًا كبرياً يف انطالقي بكل‬
‫ثبات لتحقيق ر�ؤيتي‪ .‬وكنت �أتلم�س مالمح ال�شخ�صية‬
‫الرقمية يف بداية ت�ش��كالتها‪ ،‬فلم يكن لدي هوية رقمية‬
‫باملعن��ى الدقيق‪ ،‬لأن الأدوات التقنية يف ذلك الوقت مل‬
‫تك��ن على ما هي علي��ه يف �أيامنا ه��ذه‪ ،‬ومبعنى �أدق مل‬
‫تكن قد ت�ش��كلت الكيانات الرقمي��ة واملمالك الرقمية‬
‫ب�ش��كلها الرا�س��خ بعد‪ ،‬ومل يكن املواطن��ون الرقميون‬
‫يعون وجودهم و�أدوارهم‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫يف كث�ير من الأحي��ان كان يتولد لدي �إح�س��ا�س وقتها ب�أنني قريب ًا �س���أتخلى عن‬
‫عاملنا الذي نعي�ش فيه و�أقفز ل�سماء الإنرتنت‪� ،‬أهاجر لدولة من دول العامل الرقمي‬
‫و�أعي�ش فيها‪ ،‬كان يراودين �إح�سا�س غام�ض‪ ،‬لكنه مل يتبلور بعد‪.‬‬
‫بعد ح�ص��ويل على �ش��هادتي اجلامعية ق��ررت ترك الواليات املتح��دة الأمريكية‬
‫والعودة �إىل الكويت‪ ،‬فقد �أ�ص��بح لدي اجلن�س��ية وال�شهادة‪ ،‬ولكن يف هذه الفرتة‬
‫احلرجة بالذات‪ ،‬كان هناك �أ�شبه بانف�صام بني عاملني‪ ،‬عامل �أعي كل مالحمه و�أعي�شه‬
‫حلظة بلحظة وعامل �أتطلع �إليه‪ ،‬كما يتطلع �إليه ماليني الب�رش من جميع �أنحاء العامل‪،‬‬
‫ويف فرتة التح�ضري لالنتقال من �أمريكا �إىل العامل العربي‪ ،‬كان هناك �إقبال كبري جداً‬
‫على املدونات‪ ،‬وطبع ًا كان يل باع طويل يف من�ص��ات الدرد�شة واملدونات باللغة‬
‫الإجنليزية واللغة العربية‪ ،‬وقد كانت مواطنتي الأوىل يف عامل الدرد�ش��ة املدونات‬
‫با�سم “�ش�سمو”‪.‬‬
‫بعد عودتي للكويت‪� ،‬ساعدتني‬
‫م�ؤهالت��ي يف احل�ص��ول عل��ى‬
‫وظيف��ة مرموق��ة‪ ،‬ومت تعيين��ي‬
‫مديراً قُطري ًا ل�رشكة كبرية كويتية‬
‫يف الأردن‪ ،‬وق��د �أت��اح يل ذلك‬
‫الكث�ير م��ن الوق��ت للتوا�ص��ل‬
‫االجتماعي يف بدايات املن�صات‬ ‫بدنا صورة‬

‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫بد�أت مبدونتي عام ‪ 2005‬خالل درا�س��تي للماج�س��تري يف �أمريكا متهيداً لتكوين‬
‫عالقات رقمية جديدة م��ع جمهور العامل الرقمي يف الكويت والأردن‪ ،‬و�رصت‬
‫�أبح��ث ع��ن املدونني العرب‪ ،‬ووج��دت �أن الكويت من الدول الن�ش��طة يف هذا‬
‫املج��ال‪ ،‬وقد كان هناك دلي��ل املدونات الكويتية‪ ،‬فبحثت ع��ن دليل للمدونات‬
‫ال فعا ًال‪ ،‬فقد كانت معظمها نخبوية ومغلقة‪ ،‬فما كان مني‬
‫الأردني��ة‪ ،‬ومل �أجد دلي ً‬
‫ال عملي ًا �ش��ام ً‬
‫ال‪ ،JordanBlogs.net ،‬مفتوح ًا لكل النا�س‪،‬‬ ‫�س��وى �أن �أن�ش�أت دلي ً‬
‫أكون جلنة من‬
‫ولتجنب امل�ش��اكل التي ت�ص��درعن املدونات املجهولة‪ ،‬ق��ررت �أن � ّ‬
‫املدونني لتق�صي واقع املدونات املجهولة‪ ،‬والتحقق من �أمرها وقبولها بعد التحقق‬
‫من �أ�صالتها‪.‬‬
‫عندما جئت اىل الأردن‪� ،‬أ�ص��بح املدونون يلتقون يف مقاهٍ‪ ،‬و�أ�صبح لدينا فعاليات‬
‫ن�ست�ض��يف من خاللها حما�رضاً �أو متحدث ًا‪ .‬يف تلك الفرتة بد�أ الفي�سبوك باالنت�شار‬
‫يف الوط��ن العربي وقد �أقبل عليه املدونون ب�ش��كل كبري كونه يتجدد با�س��تمرار‪.‬‬
‫كن��ت من �أكرث املرحب�ين بالفي�س بوك العتبارات عديدة �أهمها بالن�س��بة يل‪� ،‬أنني‬
‫وج��دت في��ه الواليات املتحدة التي ع�ش��ت فيها‪ ،‬ف�أنا �أراه “واليات (في�س��بوك)‬
‫املتحدة”‪� ،‬إذ �إن الواليات املتحدة �أكرب كيان متعدد املنابع والأ�ص��ول يف العامل‪،‬‬
‫وهي بطبيعة اقت�ص��ادها ونظام التعليم فيها تعمل على ا�س��تقطاب الكفاءات كافة‬
‫من جميع �أنحاء العامل‪ ،‬وتوفر للجميع بيئة متحررة لتقدمي مالديهم‪ ،‬وتقوم بفر�ض‬
‫الأنظم��ة والربوتوك��والت التي ت�ض��من �أن يتعاي���ش اجلميع �ض��من بيئة متحررة‬
‫متك��ن اجلميع من لعب دوره ومن امل�س��اهمة يف التنمي��ة والتطوير‪ ،‬و�إذا نظرنا يف‬
‫عامل الفي�س��بوك جن��د �أن هذا ما يحدث فيه متام ًا‪ ،‬ف�أن��ت تنتمي لهذا العامل مبح�ض‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫�إرادت��ك‪ ،‬وتتعاي�ش مع كل �ألوان الب�رش‪� ،‬ض��من نظام من التعددية الثقافية التي يف‬
‫�إطارها يتعاي�ش مواطنو الفي�س��بوك �ض��من ت�رشيعات وبروتوكوالت‪ ،‬من مل يلتزم‬
‫بها‪ ،‬ي�ص��بح خارج دائرتها‪ ،‬ك�أننا نقول �إن �رشط ح�صولك على جن�سية الفي�سبوك‬
‫هو �أن تكون مواطن ًا عاملي ًا بامتياز‪.‬‬
‫وبالرجوع لتاريخ الفي�سبوك‪ ،‬جند �أنه بد�أ يف عام ‪ ،2004‬وكان جمرد من�صة خمت�صة‬
‫يف توا�ص��ل ط�لاب اجلامعات‪ ،‬ال يزي��د عددهم على ب�ض��عة �آالف‪ ،‬لي�ص��ل �إىل‬
‫امللي��ارات من امل�س��تخدمني �أي �أنه من �أكرب دول الع��امل الرقمي‪ ،‬وقد حتول موقع‬
‫في�سبوك من ربط الأ�صدقاء و�أفراد العائلة �إىل مهمات كبرية يف جماالت عدة‪ ،‬مثل‬
‫ردم الهوة بني العالمات التجارية وجمتمعاتها‪.‬‬
‫من��ذ بداياته‪� ،‬أ�ص��بح الفي�س��بوك جزءاً �أ�سا�س��ي ًا لتواجد الأ�ش��خا�ص على �ش��بكة‬
‫الإنرتنت‪ ،‬وللكثري من الأ�ش��خا�ص‪ ،‬يعد موقع “الفي�سبوك” النافذة الوحيدة التي‬
‫ي�ش��ارك من خاللها ويرتك له ب�ص��مة يف العامل الرقمي‪� ،‬إال �أن م�س��تويات التفاعل‬
‫وامل�شاركة تختلف من �شخ�ص اىل �آخر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫فهن��اك من يق��وم بزيارة هذه ال�ش��بكة ب�ش��كل دوري خالل‬
‫الأ�س��بوع‪ ،‬وهناك �أ�ش��خا�ص ين�شطون ب�ش��كل م�ستمر‪ ،‬و ُيعد‬
‫توا�ص��ل الق��وى املح��رك الرئي�س للم�ش��اركة‪ :‬التوا�ص��ل مع‬
‫الزمالء‪ ،‬والأ�صدقاء‪ ،‬و�شبكات اخلريجني‪ ،‬واليوم جند �أن ن�سبة‬
‫عالية من امل�س��تخدمني يتوا�صلون مع �أ�شخا�ص لأهداف مهنية‬
‫بحتة �أو جتارية بحتة‪.‬‬
‫لقد حتولت هذه املن�ص��ة لتكون من �أكرث ال�ش��بكات التي تتمتع‬
‫ب�إعدادات تتما�شى مع حاجة امل�ستخدمني‪ ،‬فيمكن للأ�شخا�ص‬
‫�أن يقللوا من �إمكانية ر�ؤيتهم على هذه ال�ش��بكة اىل درجة عدم‬
‫الظه��ور‪ ،‬وب�إمكانهم اختيار �أي امل�ش��اركات التي يريدون �أن‬
‫تظهر ويحددوا ملن تظهر‪ .‬وباملقابل هناك �أ�ش��خا�ص يختارون‬
‫�أن تظه��ر �ص��فحاتهم للجمي��ع ب��كل مافيهم من م�ش��اركات‬
‫وفيديوه��ات و�ص��ور‪ ،‬وهو ما ن��راه لدى املواط��ن الأمريكي‬
‫النمطي‪ ،‬املنفتح على كل ال�شعوب‪ ،‬والذي يرغب �أن ي�شاركه‬
‫الآخرون حلظاته‪.‬‬
‫وكم��ا يف �أمري��كا‪ ،‬متام ًا‪ ،‬التوا�ص��ل بني النا�س يتخ��ذ الطابع‬
‫ال�شخ�صي االجتماعي‪ ،‬ويتخذ الطابع التجاري الذي يتجاوز‬
‫مي��زات �ص��فحة امل�س��تخدم الفردي��ة �إىل �ص��فحات العالم��ة‬
‫التجاري��ة‪ ،‬و�ص��فحات املنا�س��بات والأن�ش��طة و�ص��فحات‬
‫املجموعات‪� ،‬إ�ضافة �إىل خدمة “املحادثات” �شبه امل�ستقلة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫“املجموعات” الفي�س��بوكية حتاك��ي النقابات والتجمعات وجماعات ال�ض��غط‬


‫واحت��ادات العم��ال‪� ،‬إل��خ ‪ ...‬يف الوالي��ات املتح��دة‪ ،‬ويت��م �إن�ش��ا�ؤها م��ن قبل‬
‫م�س��تخدمني لتتمت��ع مب�س��تويات خمتلفة من اخل�صو�ص��ية والأمان‪ .‬وميكن ان�ش��اء‬
‫املجموعات خلدمة هدف �أو وظيفة �أو مو�ضوع �أو حدث معني‪.‬‬
‫ويف الفي�س��بوك‪ ،‬يتم تنظيم “املنا�س��بات” التي ت�س��مح للم�س��تخدمني باالحتفاء �أو‬
‫االحتفال بحدث �أو ذكرى �أو �إقامة لقاء �أو اجتماع �أو م�ؤمتر يف وقت حمدد‪ ،‬وميكن‬
‫تعديل خا�ص��ية الأمن‪ ،‬لت�س��مح للعامة �أو �أ�ش��خا�ص حمددين بر�ؤية هذه ال�ص��فحة‪،‬‬
‫وميكن ملنظم املنا�سبة �أن ينقل ال�صفحة اخلا�صة بها �إىل �أي �صفحة �أخرى �أو �أي تقومي‬
‫�آخر بب�ساطة‪.‬‬
‫وتعد �صفحات الأعمال من املنتجات الثورية ملوقع في�سبوك وقد اتخذت �أ�شكا ًال‬
‫خمتلف��ة على مر الأعوام‪ ،‬وتعد مزايا هذه ال�ص��فحات متطورة وتخدم احتياجات‬
‫الت�س��ويق ال�رضورية لأي عالمة جتارية‪ .‬وقد �أ�ض��اف موقع في�سبوك مزايا جديدة‬
‫تت�ضمن‪ ،‬التحليل وتقدمي التقارير واحلفاظ على الأمن و�إمكانية الو�صول‪.‬‬
‫ومتكن الفي�سبوك من مزج الربيد الإلكرتوين والر�سائل الفورية ور�سائل الفي�سبوك‬
‫يف خدم��ة “املحادثات”‪ ،‬وهي طريقة جديدة ظه��رت يف الفرتة ‪،2011- 2010‬‬
‫ولقد وجدت �إدارة موقع في�سبوك فر�صة مميزة‪ ،‬وقامت ب�رشاء �أحد �أكرث تطبيقات‬
‫“الر�سائل اجلماعية” املعروفة ب ‪ .Beluga‬ومت �إعادة ت�سمية التطبيق بـ ‪Facebook‬‬

‫‪.Messenger‬‬
‫يف الوق��ت ال��ذي يزي��د فيه اعتم��اد امل�س��تخدمني عل��ى املن�ص��ات االجتماعية‪،‬‬
‫ف���إن هذه ال�ش��بكات االجتماعية تنمو‪ ،‬وت�س��تجيب الحتياجات م�س��تخدميها‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫فالفي�س��بوك يقدم مل�ستخدميه خيارات �أكرث يف كثري من جوانب حياتهم‪ ،‬يف حني‬
‫ميكنهم تفعيل خ�صو�صية املرونة وو�ضوح الر�ؤية‪ .‬ويحر�ص موقع الفي�سبوك على‬
‫اال�س��تمرار يف التجاوب مع التغريات وال�س��لوكيات اجلديدة‪ ،‬ليبقى مرتبع ًا على‬
‫عر�ش �شبكات الإعالم االجتماعي‪.‬‬
‫وم��ع تزايد عدد امل�س��تخدمني والعالمات التجارية على موقع الفي�س��بوك‪ ،‬يزداد‬
‫م�س��توى فو�ضى اال�ستخدام لدى الأفراد‪ ،‬يف حني ي�ستخدم الفي�سبوك خوارزمية‬
‫متعلقة مبا يظهر على اخلط الزمني ليحد من م�ستوى الفو�ضى‪ ،‬من خالل �إظهار ما‬
‫يراه �أكرث مالءمة‪ ،‬ولت�ضمن �أن يتم ر�ؤية املحتوى الذي تن�رشه‪� ،‬ستحتاج �إىل حت�سني‬
‫وظائف الفي�سبوك و�أخذها بعني االعتبار‪.‬‬
‫كل ما تقوم بو�ضعه على الفي�سبوك يعد حمتوى‪ ،‬وكما نعلم ف�إن اخلوارزمية اخلا�صة‬
‫باخلط الزمني‪ ،‬كيفية تفاعل امل�س��تخدمني مع هذا املحتوى‪ ،‬مهمة جدا‪ .‬يجب �أن‬
‫نعترب كل جزء من املحتوى الذي نن�رشه فر�صة لزيادة التفاعل‪ ،‬وال تخ�شى ال�رشكات‬
‫التجارية من �إظهار املرح وروح الدعابة يف �سبيل ا�ستقطاب املتفاعلني (املتابعني)‪،‬‬
‫ونرى ذلك جلي ًا لدى العديد من العالمات التجارية‪ ،‬مثل ‪ Delta‬و ‪GE‬‬

‫بدنا صور‬
‫بدنا صور‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫فكلتا العالمتني ال تخ�شيان �إظهار اجلانب الإن�ساين‪ ،‬وجند �أن ال�صور‬


‫م�ؤثرة جداً‪ ،‬وفعالة ب�شكل ال ي�صدق‪ ،‬فامل�شاركات مع ال�صور حت�صل‬
‫على تفاعل �أكرث بن�سبة ‪.39٪‬‬
‫والتوقيت مهم جداً لن�رش املحتوى وكذلك كيفية الن�رش‪ ،‬ويجب الت�أكد‬
‫من الأوقات اليومية التي يكون فيها املتابعون يف ذروة ن�شاطهم‪ ،‬فاذا‬
‫ركزنا على تلك الأوقات �سن�ض��من احل�ص��ول على م�ستويات تفاعل‬
‫�أكرب ت�ساعدنا على النمو والتو�سع‪.‬‬
‫وملعرفة �أوقات الذروة على �صفحات الفي�سبوك ال بد من درا�سة‪:‬‬
‫ق�س��م التحلي�لات ـ ق�س��م املن�ش��ور ـ �أوق��ات التفاع��ل على‬ ‫‪.1‬‬

‫ال�صفحة‪.‬‬
‫ق�س��م التحلي�لات ـ ق�س��م معجب��ي ال�ص��فحة ـ معرفة �رشيحة‬ ‫‪.2‬‬

‫جمه��ور ال�ص��فحة (هل هم رب��ات بي��وت؟ �أم موظفو قطاع‬


‫خا�ص؟ �أم طالب جامعة‪...‬‬
‫وعن��د حتدي��د ال�رشيحة الكربى ن�س���أل �أنف�س��نا‪ :‬متى ين�ش��غلون‬
‫بالتفاعل على الفي�سبوك؟‬
‫‪ .3‬البعد الزمني‪ ،‬فالتفاعل يزيد ب�آخر ليلتني يف الأ�سبوع والتفاعل‬
‫ينتقل ل�ساعات الليل يف رم�ضان‪.‬‬
‫�أوقات الأحداث املهمة على التلفاز؟ مثل مباريات كرة القدم‬ ‫‪.4‬‬

‫�أو الأحداث ال�سيا�س��ية �أو الربامج امل�ش��هورة‪ ،‬فهذه الأحداث‬


‫تزيد من ن�سب وجود اجلمهور على املن�صات االجتماعية �أي�ض ًا‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫كل هذه املعايري ت�ساعدك على حتديد �أوقات الذروة على الفي�سبوك‪ ،‬وت�ستطيع �أن‬
‫جترب بن�رش حمتواك ب�أوقات بعد منت�صف الليل‪ ،‬لرتى هل �ستالحظ �أي تفاعل من‬
‫م�ستخدمني من دول �أخرى؟‪.‬‬
‫ورغ��م �أن مواطني الفي�س��بوك م��ن خمتلف الفئ��ات املجتمعية‪ ،‬فمنه��م املثقفون‬
‫والأكادمييون وال�صحفيون والأدباء والأطباء‪� ،‬إلخ‪ ،‬ومنهم غري املتعلمني والطالب‬
‫و”�س��تات البي��وت” والطهاة والعمال‪� ،‬إل��خ‪� ،‬إال �أن االهتمام باللغة والأ�س��لوب‬
‫والعناية ببناء اجلملة والأم��ور املتعلقة بالربوتوكول‪ ،‬جتعل املتابعني يولون اهتمام ًا‬
‫مب��ا ين�رشه الفرد على �ص��فحته وي��زداد تفاعلهم معه‪ ،‬متام ًا كم��ا يحدث يف عاملنا‬
‫الواقع��ي‪ ،‬فالنا�س حترتم م��ن يعتني بثقافته‪ .‬وقد �أثبتت الدرا�س��ات ب�أن العديد من‬
‫امل�شاركني يزورون �صفحاتهم يف ا�سرتاحة الغداء‪ ،‬وبعد وجبة الع�شاء‪.‬‬

‫وعلى كل من يقوم بن�رش مادة على �صفحته �أن يعي متام ًا معايري اللباقة �أو اللياقة‬
‫التي ير�ض��اها من ي�شاركوه �ص��فحته مما يتيح ملجتمعه الرقمي معرفة ما يالئمه‬
‫وما ال يالئمه‪ ،‬ولتتجنب املفاج�آت والإح�سا�س بالأمان‪.‬‬

‫ميكننا القول �إن الفي�سبوك هو الواليات املتحدة الرقمية‪ ،‬فقد ولد يف رحمها وهو‬
‫ي�ش��بهها يف الكثري من املالمح‪ ،‬فلنت�ص��ور �أن املوقع هو الوالي��ات املتحدة‪ ،‬وكل‬
‫جمموعة والية‪ ،‬وكل �صفحة قرية �أو بلدة �أومدينة‪ ،‬لكنه يتفوق على �صانعته‪ ،‬لأنه‬
‫ميثل عامل ًا �أكرث حرية‪ ،‬وهو ف�ض��اء رحب مفتوح للجميع ال ي�ش�ترط ال�رشوط ذاتها‬
‫التي ت�ش�ترطها �أمريكا لل�س��ماح لك بالإقامة فيها‪ ،‬وال يتحكم القائمون عليه مبا‬
‫يقول��ه النا�س �أو ين�رشون��ه �إال للدفاع عن مواطنيه وتوفري الأمن واال�س��تقرار لهم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫فاحلاالت التي يتدخل فيها القائمون على الفي�سبوك هي الإعالنات غري امل�سموح‬
‫بها‪ ،‬والتحر�ش واالعتداء وا�س��تخدام اللغة املهينة �أو الهجومية‪ ،‬وامل�شاركات التي‬
‫حتتوي على معلومات ح�سا�سة (�أرقام بطاقات االئتمان والعناوين وغريها)‪ ،‬وهناك‬
‫حاالت ُت َعالج فيها التعليقات بد ًال من �إزالتها وت�ش��تمل على �شكاوى املتعاملني‪،‬‬
‫والتعليق��ات ال�س��لبية‪ ،‬والبيانات احل�سا�س��ة‪ ....‬وقد ال يعجبك م��ا يقوله الأفراد‬
‫دائم ًا‪ ،‬ولكنه عامل الإعالم االجتماعي‪ ،‬وما عليك �سوى الإ�صغاء واال�ستماع‪.‬‬
‫ويف ح��ال ال�رشكات‪ ،‬لأننا نبني كيان ًا جتاري ًا تعتمد جذوره على العالقات‪ ،‬ميكننا‬
‫اال�س��تفادة من خالل االن�ض��مام يف حمادث��ات مع املتعامل�ين‪� ،‬إذ �إنهم يرغبون يف‬
‫التفاع��ل مع عالمتن��ا التجارية‪ ،‬وعلينا �أن نقوم بتكرميه��م‪ ،‬وتعتمد حمادثتنا معهم‬
‫على وترية و�إيقاع ردهم‪ ،‬وعلى املنتجات التي نقدمها ب�ش��كل كبري؛ فعلى �سبيل‬
‫املث��ال‪ ،‬يجب �أن تكون �إجابات �رشكات الطريان على ق�ض��ايا املتعاملني ب�ش��كل‬
‫�أ�رسع ب�س��بب ح�سا�س��ية احتياجاتهم التي تت�أثر بالوقت‪ ،‬ال ب��د �أال نقلل االهتمام‬
‫ب�رسعة اال�ستجابة يف العديد من احلاالت‪.‬‬
‫وال بد لل�رشكات من �أن تركز على جتارب جمهورها على الفي�سبوك‪ ،‬وعالقاتهم‬
‫بد ًال من الرتكيز على عدد مرات الإعجاب وزيارة �ص��فحاتها‪ .‬بذلك �س��يتحول‬
‫اجلمهور �إىل جمتمع يزدهر وينمو ويدعم بع�ضه بع�ض ًا‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫�أمثلة على جناح بع�ض العالمات التجارية‪:‬‬
‫‪Squarespace :‬‬

‫هذه ال�رشكة ال�ص��غرية جنحت يف خلق �ص��فحة ناجحة‬


‫على الفي�س��بوك‪ ،‬من خالل حتديثاتها امل�ستمرة والتنوع‬
‫يف طبيعة املحتوى وتخ�ص��ي�ص فريق �رسيع يف الرد على‬
‫تعليقات امل�ستخدمني‪.‬‬

‫‪Burberry :‬‬

‫عادة ما يتفاعل امل�ستخدمون �أكرث مع العالمات التجارية‬


‫التي تتمتع مبحتوى غني و�ص��ور وروابط ومواد فيديو‪،‬‬
‫وغريه��ا وه��ذا م��ا جنحت في��ه �رشك��ة ‪، Burberry‬‬
‫فمجرد دخول �ص��فحتهم‪ ،‬ت�ش��عر ب�أنك انغم�ست يف‬
‫عامله��م‪ ،‬فال�ص��ور الأخاذة‪ ،‬الت��ي ت�س��تمر يف الظهور‬
‫تدفعك اىل اال�س��تمرار يف متابعة ال�ص��فحة‪� ،‬إ�ضافة اىل‬
‫التطبيق اخلا�ص الذي ي�ضيف قيمة نوعية‪.‬‬
‫وال ب��د يل هنا من ذكر جتربة �رشكة املراعي ال�س��عودية‪،‬‬
‫وهي �رشكة كربى متخ�ص�ص��ة يف العديد من املنتجات؛‬
‫فقد ا�س��تثمرت هذه ال�رشكة ب�ش��كل كبري يف احلمالت‬
‫عل��ى من�ص��ات التوا�ص��ل االجتماع��ي باالعتماد على‬
‫�أف�ض��ل ال�رشكات يف دبي‪ ،‬بع��د �أن تعلمت ال�رشكة من‬
‫احلملة �ضدها خ�صو�ص ًا على تويرت بعد رفعها �أ�سعارها‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثاين | واليات فيسبوك املتحدة‬

‫وق��د متكنت من ا�س��تثمار الإعالم االجتماعي ب�ش��كل‬


‫�صحيح‪.‬‬
‫وخلطوط امللكي��ة الأردني��ة جتربة ناجحة يف ا�س��تثمار‬
‫من�صات التوا�صل االجتماعي �أي�ض ًا‪.‬‬
‫فقد ا�س��تقدمت خطوط امللكية الأردنية مديراً للت�سويق‬
‫م��ن تركي��ا‪ ،‬وقد وجد نف�س��ه يف و�ض��ع ال ي�س��مح له‬
‫با�س��تثمار �أم��وال �ض��خمة يف الإعالن��ات لكافة دول‬
‫العامل‪ ،‬فاعتمد على ما يعرف باملحتوى الرمادي‪ ،‬وعلى‬
‫املن�شورات اجلدلية التي ت�شد املتابعني‪ .‬و�أذكر �أن الإعالم‬
‫االجتماعي لدى ال�رشكة عار�ض يف الإعالنات قرارات‬
‫الرئي�س الأمريكي ترمب بطريقة ذكية وم�ضحكة بد�أت‬
‫ت�ش��د النا�س‪ ،‬ورغم �أن حجم املغامرة يف هذا النوع من‬
‫الت�سويق كبري للغاية‪� ،‬إال �أن ال�رشكة جنحت يف االنت�شار‬
‫وبد�أت ال�صحف العاملية بالكتابة عن من�شوراتهم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫“سرعة انتشار التغريدة‬
‫أسرع من سرعة انتشار‬
‫الزلزال بـ ‪ 20‬ثانية”‬

‫إيريك فيتشر‬
‫الفصل الثالث‬

‫مملكة “تويرت”‬
‫املتحدة العظمى‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫مملكة “تويرت”‬
‫املتحدة العظمى‬

‫ذكرت يف الف�ص��ل ال�س��ابق �أن كل من�صة‬


‫م��ن املن�ص��ات االجتماعية �ش��كلت دولة‬
‫يف الواقع الرقمي‪ ،‬له��ا مالحمها وقوانينها‬
‫ومناخه��ا االجتماع��ي اخلا���ص‪ ،‬ومثلما‬
‫يح��دث يف الواق��ع العي��اين‪ ،‬تتداخ��ل‬
‫مالم��ح دول الف�ض��اء الرقم��ي‪ ،‬وقوانينها‬
‫و��شروط االنتم��اء �إليه��ا‪ ،‬لكنه��ا ال تلبث‬
‫�أن تتماي��ز‪ ،‬ويبق��ى ل��كل دولة �ص��فاتها‬
‫املتف��ردة‪ ،‬وقد ب��رزت من بني املن�ص��ات‬
‫من�ص��ة تويرت‪ ،‬ومواطنوها م��ن قادة الفكر‬
‫و�ص��ناع القرار‪ ،‬فهي متث��ل النخبة‪ ،‬وكبار‬
‫ال�شخ�صيات‪ ،‬ويروق يل �أن �أ�سميها مملكة‬
‫“التوي�تر” املتحدة العظم��ى‪ ،‬فهي �أقرب‬
‫يف ف�ض��اء الواقع العياين لربيطانيا العظمى‪،‬‬
‫وجند �أن �أكرث قادة العامل وال�سا�سة والعلماء‬
‫واملفكرين واملنظرين‪ ،‬ورواد الأعمال من‬
‫مواطني مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫عندما جئت �إىل الأردن عام ‪ ،2008‬كان املدونون يلتقون يف مقاهٍ‪ ،‬وكنت منهم‪،‬‬
‫و�أ�ص��بحنا ننظم فعاليات ن�ست�ض��يف م��ن خاللها حما�رضاً �أو متحدث�� ًا‪ ،‬يتناول يف‬
‫الأغلب املوا�ض��يع التي تخ�ص الف�ضاء الرقمي ومن�صات التوا�صل االجتماعية‪� ،‬أو‬
‫غريها من املوا�ضيع العامة‪ ،‬وقد كان الفي�سبوك قد حقق انت�شاراً يف الوطن العربي‪،‬‬
‫�إذ �إنه بد�أ �أ�ص� ً‬
‫لا عام ‪ 2004‬لطالب اجلامعات‪ ،‬وغدا يف ‪ 2006‬لعامة النا�س‪ ،‬وقد‬
‫�أقبل عليه املدونون‪ ،‬وجذبتهم خا�ص��ية التجدد با�ستمرار (مفهوم الزمن الفعلي)‪،‬‬
‫وقد كنا بد�أنا يف ت�ش��كيل هويتنا الرقمية �ض��من من�صة الفي�سبوك‪ ،‬ثم ظهر تويرت‪،‬‬
‫عام ‪ ،2006‬وقد �س��ارع الأ�ص��دقاء لدعوتي لال�ش�تراك يف تويرت‪ ،‬وقد �شعرت �أن‬
‫هناك �ش��يئ ًا م��ن عدم الرتوي يف اخلط��وة‪ ،‬ومل �أكن �أرى ما يدع��وين لالنتقال �إىل‬
‫تويرت‪ ،‬فلماذا مث ً‬
‫ال �أقوم ب�إعادة ما �أن�رشه على الفي�سبوك مرة �أخرى على تويرت؟‬
‫ولكن واحلق يقال‪� ،‬إنني وكثريين غريي‪ ،‬جذبتنا لتويرت ال�شخ�ص��يات النخبوية يف‬
‫الأردن‪ ،‬فمث ً‬
‫ال كانت جاللة امللكة رانيا‪ ،‬ملكة الأردن‪ ،‬من �أول املن�ض��مني لتويرت‪،‬‬
‫وكذلك �أذكر �أن معايل جمد ال�ش��ويكة‪ ،‬الوزيرة التي تقلدت �أكرث من من�ص��ب‪ ،‬يف‬
‫�أكرث من وزارة وحكومة‪ ،‬كانت �أي�ض ًا من �أوائل املن�ضمني لهذه املن�صة‪.‬‬
‫لأن التوي�تر مبثاب��ة حمفل للنخ��ب يف كل املجاالت‪،‬‬
‫ف�إن الذين ي�صبحون مواطنني فيه‪ ،‬ال بد لهم من تغيري‬
‫�رشوط مواطنتهم التي اعتادوا عليها يف الفي�س��بوك‪،‬‬
‫ويك��ون حمظوظ ًا من ح�ص��ل على املواطن��ة دون �أن‬
‫يكون له انتماء للفي�سبوك! فال ميكنك �أبداً �أن تت�رصف‬
‫هنا كما تت�رصف يف دولتك الرقمية التي �أتيت منها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫وقد ا�ستغرقت وقت ًا طوي ً‬


‫ال (‪� 9‬أ�شهر) حتى غدوت من مواطني دولة مملكة “تويرت”‬
‫املتحدة العظمى‪.‬‬
‫لكل من�ص��ة لغتها ولبناء م�صداقية حل�س��ابك على التويرت عليك �أن تتحدث لغة املن�صة‬
‫وتفهم تفا�ص��يل وقواعد املن�صة‪ ،‬فمث ً‬
‫ال مت ا�ستخدام الها�شتاق (‪ )#‬على التويرت يف عام‬
‫‪ 2007‬بينما بد�أ الفي�سبوك بتبنيها يف عام ‪ ،2013‬وكذلك الإ�شارة بذكر ا�سم امل�ستخدم‬
‫(@) بد�أت على الفي�سبوك بعام ‪ 2009‬بينما كانت متاحة على التويرت بـ ‪2006‬‬

‫بل �إنني اكت�ش��فت �أن العلم احلقيقي موجود على من�ص��ة تويرت‪ ،‬ولي�س على حمرك‬
‫البحث ال�ش��هري “غوغل”‪ ،‬لأن النتائج يف غوغل لي�ست حيادية �أو مو�ضوعية بل‬
‫تعتمد على خوارزمية خا�صة بامل�س��تخدم ذاته‪ .‬واملحتوى الإجنليزي املتوفر على‬
‫تويرت غني جداً باملعلومات ويزداد غ ًنى يف كل حلظة‪ ،‬وقد �أ�صبح املحتوى العربي‬
‫باللغ��ة العربية متوفراً بعد امل�ش��اركة ال�س��عودية الكبرية‪� ،‬إذ �إن ‪ 40%‬من ال�ش��عب‬
‫ال�س��عودي ي�ش��اركون يف املحتوى العربي على “تويرت”‪ ،‬وحلت العربية يف وقتنا‬
‫احل��ايل باملرتبة الثالثة على هذه املن�ص��ة‪ ،‬بعد الإجنليزي��ة واليابانية‪ ،‬بينما حتتل اللغة‬
‫العربية على الإنرتنت‪ ،‬مع �ض��عف املحتوى‪ ،‬من حي��ث املتحدثني‪� ،‬أو من حيث‬
‫املواقع الناطقة بها املرتبة ‪.17‬‬
‫‪English‬‬
‫‪Russian‬‬
‫‪German‬‬
‫‪Japanese‬‬
‫‪Spanish‬‬
‫‪French‬‬
‫‪Chinese‬‬
‫‪Portuguese‬‬
‫‪Italian‬‬
‫‪Polish‬‬
‫‪Turkish‬‬
‫‪Dutch‬‬
‫‪Others‬‬

‫‪0%‬‬ ‫‪5% 10%‬‬ ‫‪20%‬‬ ‫‪30%‬‬ ‫‪40%‬‬ ‫‪50%‬‬

‫‪57‬‬
‫وقد �أ�صبح من ال�سهل العثور على �أي �شخ�ص تريد �أن جتده‪ ،‬والبحث عن‬
‫�أ�ش��خا�ص يف �أي جمال‪ ،‬وقد تعرفت على جمموعة جيدة من الأ�ش��خا�ص‬
‫املخت�صني يف تدريب الإعالم االجتماعي والرتويج للذات على من�صات‬
‫التوا�صل عاملي ًا‪ ،‬ومكنني �إملامي اجليد باللغة الإجنليزية من متابعة الأن�شطة‬
‫الت��ي تعتم��د على املحتوى الذي �أف�ض��له وهي خا�ص��ية ميت��از بها تويرت‪،‬‬
‫وتعرف بـ (معاجلة املحتوى ‪ ،)Content curation‬ومتكننا هذه اخلا�صية‬
‫من البحث عن موا�ضيع جديدة ومهمة‪ ،‬والتمحي�ص فيها‪ ،‬و�إعادة ن�رشها‬
‫للجمهور‪.‬‬
‫يف عام ‪� 2007‬أ�ص��بحت �أتابع الأ�ش��خا�ص ح�س��ب تخ�ص�صهم‪� ،‬ضمن‬
‫القوائم املخ�ص�ص��ة‪ ،‬وهذه القوائم ميزة فريدة‪ ،‬م��ن امليزات التي يوفرها‬
‫تويرت‪ ،‬و�أ�صبحت موجوداً على تويرت ب�شكل حيوي‪ ،‬وكنت �أن�رش حوايل‬
‫‪ 50‬تغريدة يف اليوم‪ ،‬وهذا العدد من التغريدات يعترب هائ ً‬
‫ال بكل املقايي�س‪.‬‬
‫يوف��ر تويرت مي��زات فريدة عديدة‪ ،‬فيتف��رد يف توفري “القوائم” وتنق�س��م‬
‫القوائ��م لنوع�ين (عامة وخا�ص��ة)‪ ،‬والفرق بينهما هو �أن �أي م�س��تخدم‬
‫يتم �إ�ض��افته لقائمة عامة �سي�ص��له �إ�شعار �أنه متت �إ�ض��افته للقائمة‪ ،‬والكل‬
‫ي�ستطيع م�شاهدته بل واال�شرتاك بالقوائم العامة‪.‬‬
‫�أما القائمة اخلا�صة فهي غري مرئية لأي �شخ�ص غريك‪ ،‬ولن يتم �إ�شعار �أي‬
‫م�ستخدم قمت ب�إ�ضافته لها‪ ،‬وهذه ميزة مهمة بحيث ال ي�شرتط عليك �أن‬
‫تتابع هذا ال�ش��خ�ص �أو ال�رشكة‪ ،‬ولكنك يف الوقت نف�سه ت�ستطيع �ضمهم‬
‫لقائمة خا�صة‪ ،‬ور�صد حمتواهم‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫وهي خا�صية مبنية على‬ ‫‪Hashtag‬‬ ‫وقد امتازت من�ص��ة تويرت بخا�ص��ية الها�شتاق‬
‫اقرتاح �أحد م�ستخدمي من�صة التويرت ‪ Chris Messina‬كري�س ما�سينا‪.‬‬

‫والتويرت �أول من�ص��ة اجتماعية تتبنى ا�س��تخدامها‪ ،‬ويقدم الها�ش��تاق فر�ص��ة لن�رش‬
‫التغري��دات خ��ارج نطاق املتابعني‪ ،‬مما يحق��ق رواج ًا عاملي ًا للمن�ش��ورات‪ ،‬فمث ً‬
‫ال‬
‫تغريدة‪�( :‬ص��باح اخلري يا عمان) ي�شاهده ن�سبة متابعني حمددة‪ ،‬بينما (�صباح اخلري‬
‫يا ‪#‬عمان) ي�شاهده ن�سبة �أخرى من �أ�شخا�ص خارج نطاق املتابعني‪.‬‬
‫كما �أنه يجمع كل التغريدات ذات املو�ض��وع الواح��د يف مكان واحد‪ ،‬وبذلك‬
‫ن�ستطيع متابعة جمريات �أي حدث عن طريق الها�شتاق اخلا�ص به‪.‬‬
‫ومع انت�ش��ار الها�ش��تاق ظهرت معه ميزة الها�ش��تاقات الأكرث رواج ًا �أو املوا�ضيع‬
‫الأكرث �ش��عبية‪ ،‬وه��ي ما يعرف بـ ‪Trending Hashtag‬؟ وهو الها�ش��تاق الأ�رسع‬
‫رواج�� ًا ب�أق�رص وقت ممكن (ي�ص��ل عدد متداوليه من �ص��فر �إىل ثالثة �آالف خالل‬
‫�ساعة‪ ،‬مث ً‬
‫ال)‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وهناك ميزة (‪#‬تويرت_ ت�شات ‪ ،)TwitterChat#‬وهي عبارة عن مقابلة �أ�سبوعية يف‬
‫جمال معني‪ ،‬فيمكنني مث ً‬
‫ال كل �أ�س��بوع‪ ،‬ال�ساعة ‪ 7‬م�سا ًء �أن �أتكلم عن الرتويج من‬
‫خالل املحتوى‪ ،‬و�أن �أ�ست�ض��يف �ضيف ًا يجيب عن �أ�سئلة النا�س‪� ،‬أو �أقوم �أنا بنف�سي‬
‫بالإجابة عن �أ�س��ئلة النا�س‪ ،‬لكننا جند هذه امليزة‪ ،‬للأ�س��ف‪ ،‬ب�ش��كل ن�ش��ط باللغة‬
‫الإجنليزية‪ ،‬وهي غري م�ستثمرة باللغة العربية ب�شكل جيد‪*.‬‬
‫ويوفر تويرت ت�ش��ات “‪ ”Tweeter chat‬فر�ص��ة لل�شباب العرب ببدء‬
‫برنامج مبوا�ضيع خمتلفة فعالة للنقا�ش ب�شكل �أ�سبوعي‪.‬‬
‫وتوفر من�ص��ة تويرت �إمكانية التغريد احلي “‪ ،”live-tweet‬متكن ال�ش��خ�ص من �أن‬
‫يق��وم بالتغري��د يف الزمن الفعلي للح��دث‪ ،‬لأنّ لكل حدث عاملي ها�ش��تاق ًا “‪”#‬‬
‫فريداً من نوعه‪ ،‬ويقوم الذين ير�ص��دون هذا احلدث بنقل جميع وقائعه‪ ،‬وينقلون‬
‫�أخب��اره ويتحدثون عما يدور‪ ،‬ولقد مكن تويرت النا�س من احل�ض��ور والتفاعل مع‬
‫�أي حدث دون احلاجة لل�س��فر �إليه‪ ،‬فمجرد �أن �أ�ض��ع ‪ #‬احلدث �أو امل�ؤمتر‪� ،‬أغدو‬
‫عن�رصاً فعا ًال م�ش��ارك ًا فيه‪ ،‬وقد كنت �أتابع العديد م��ن الأحداث العاملية‪ ،‬و�أنا يف‬
‫�رسيري والنا�س ت�س�ألني �أين �أنت!‬
‫بد�أنا بفاعليات “‪ ”Tweet Ups‬يف عمان‪ ،‬وهي عبارة عن لقاءات للمغردين يف‬
‫الأغلب يف مقهى‪ ،‬وقد �أ�ص��بح التعارف( ‪ ) Networking‬ن�شيط ًا جداً‪ ،‬وانبثقت‬
‫منه مبادرات هامة‪ ،‬مثل ثالثاء عمان التقني‪ ،‬ومبادرات �أخرى ‪.‬‬
‫تفرغت لتويرت ب�ش��كل تام‪ ،‬وتقريب ًا اعتزل��ت كل الأعمال الأخرى‪� ،‬إىل احلد الذي‬
‫جعلني �أقدم ا�ستقالتي من عملي يف ال�رشكة الكويتية‪ ،‬رغم �إغراء الراتب‪ ،‬ورغم �أنني‬
‫كنت �أعمل من البيت! وقد ا�س��تغربت ال�رشكة‪ ،‬وكل من يعرفني قراري‪ ،‬واعتربوه‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫�رضب ًا من اجلنون‪� ،‬إذ كيف ملدير �إقليمي‪ ،‬يتمتع مبزايا ممتازة وبعمل مريح‪� ،‬أن يتخلى‬
‫عن مركزه هكذا ب�سهولة‪ .‬لكن كان �شغفي بالتدريب يف جمال التوا�صل االجتماعي‬
‫قد بلغ �أق�صى مداه‪ ،‬ومل يكن لدي وقت يكفي لكي �أجمع معه �أعباء وظيفتي‪.‬‬

‫ومل يك��ن هناك وقته��ا من يدرب يف جمال التوا�ص��ل‬


‫االجتماع��ي‪ ،‬وقد كان هذا الأمر �س�لاح ًا ذا حدين‪،‬‬
‫�إذ �إن الفراغ يف هذا املجال ي�س��اعدك على الت�أ�سي�س‬
‫ل�ص��ناعة متميزة راقية‪ ،‬ومينح��ك الكثري من الفر�ص‪،‬‬
‫ولكنن��ي يف املقاب��ل واجه��ت حتديات كب�يرة‪ ،‬لأن‬
‫املعتقد ال�سائد لدى امل�شاركني يف �شبكات التوا�صل‪،‬‬
‫�أن التواج��د فيها ال يحت��اج اىل تدريب‪ ،‬والكثري من‬
‫النا�س يعتربونها حتى وقتنا هذا من�صات ترفيهية‪.‬‬

‫ورمبا يكون ف�ش��ل الكثريين يف حتقيق النجاح على من�ص��ة توي�تر‪� ،‬أكرب دليل على‬
‫خط�أ من يعتقد �أن التواجد على من�ص��ات التوا�صل ال يحتاج �إىل تدريب‪ ،‬فالتويرت‬
‫ي�ستع�صي على الكثريين‪ ،‬والكثريون يحاولون �أكرث من حماولة لالنطالق من خالل‬
‫تويرت‪ ،‬ثم ين�سحبون‪ ،‬معلنني ا�ست�سالمهم‪.‬‬
‫ورمب��ا جت��د البع�ض ثائراً عل��ى تويرت متهم ًا �إي��اه بالنخبوية والطبقي��ة‪ ،‬ولذلك ف�أنا‬
‫دائم ًا �أرى �أن دولة تويرت �أقرب لربيطانيا النبالء‪ ،‬ولكن الطبقية هنا ال ت�س��تمد من‬
‫الإقط��اع‪ ،‬والرثوة �أو املكان��ة االجتماعية‪ ،‬بل من املعرف��ة واالحرتاف‪ ،‬والقدرة‬
‫على مواكبة الأحدث وتقدمي �آخر املعلومات وامل�ستجدات‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫بد�أت بتدريب الأ�صدقاء‪ ،‬ثم ما لبثت �أن اكت�شفت �أن لدي رهبة‬
‫من اجلمهور‪ ،‬فكنت �أ�ش��عر بالقل��ق‪ ،‬والتوتر؛ فرغم �أنني كنت‬
‫واثق ًا من نقاط قوتي على و�س��ائل التوا�صل االجتماعي‪ ،‬كنت‬
‫عندما �أقف متحدث ًا يف وجه �أي �شخ�ص‪ ،‬اكت�شف نقاط �ضعفي‪،‬‬
‫ويجتاحن��ي رهاب التحدث �أمام اجلماهري‪ ،‬وقد قر�أت عن هذا‬
‫النوع من الرهاب‪ ،‬وقمت بتطبيق الن�صائح‪ ،‬والإر�شادات التي‬
‫تو�صي بها كتب املخت�صني‪ ،‬ومل يكتب يل النجاح‪ ،‬حتى قابلت‬
‫مدربة يف �ش���ؤون احلياة “‪ ،”Life Coach‬و�صدف �أنها حتتاج‬
‫م�ساعدة للرتويج ل�صفحتها على الفي�سبوك‪ ،‬وقررنا �أن نتقاي�ض‬
‫اخلدمات‪ ،‬هي ت�س��اعدين يف التخل�ص من الرهاب الذي �أعاين‬
‫من��ه عند التح��دث �إىل اجلمه��ور و�أن��ا �أ�س��اعدها يف الرتويج‬
‫ل�صفحتها على الفي�سبوك‪ ،‬وبا�رش كل منا مهامه‪.‬‬
‫علي �أ�س��ئلة خمتلفة للتو�ص��ل لت�شخي�ص‬
‫هي من جانبها طرحت َّ‬
‫حالتي ومعاجلتها‪ ،‬و�أتذكر �أنها �س���ألتني عما يعرتيني من م�شاعر‬
‫عندما �أواجه اجلمهور‪ ،‬وطلبت مني �أن �أ�ص��ف تلك امل�ش��اعر‬
‫قدر الإمكان‪ ،‬ومل �أ�س��تطع فعل ذل��ك‪ ...‬ولكن نظراً لأنني يف‬
‫تلك الف�ترة كنت �أفكر ليل نهار يف الأم��ر‪ ،‬و�أبحث يف طبيعة‬
‫م�ش��اعري كلم��ا واجه��ت اجلمه��ور ك��ي �أمتكن من و�ص��فه‬
‫بدق��ة‪ ،‬ولأنن��ي ا�س��تغرق يف التفك�ير يف الأم��ر‪ ،‬ح��دث �أنني‬
‫ا�س��تيقظت يف �أحد الأيام ( بع��د ثالثة �أيام من �س���ؤال املدربة)‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫متيقن ًا من �أن الأمر يكمن يف اخلوف من اال�س��تهزاء بي‪ ،‬وقد �أولت املدربة ذلك‬
‫اهتمام ًا كبرياً‪ ،‬وبد�أت تتبع م�صدر امل�شاعر التي تنتابني‪ ،‬وطلبت مني �أن �أ�ساعدها‬
‫يف تتبع ذلك امل�ص��در‪� ،‬إذ �إنه ال بد �أن واقعة معينة حدثت يل يف الطفولة بعمر(‪-9‬‬

‫‪� )12‬سنة من عمري‪ ،‬كما حددت‪.‬‬


‫يف البداية ا�س��تغربت من �إ�رصارها ب�أنه من امل�ؤكد �أنني تعر�ض��ت ملوقف يف الفرتة‬
‫املعنية‪ ،‬ومن طلبها مني ب�أن �أتذكر ما حدث‪ ،‬ورمبا �ش��كل �إ�رصارها �صدمة يل‪....‬‬
‫ولكن بعد ب�ضعة �أيام تذكرت ما حدث يل مرة يف الكويت!‬

‫كنت يف العا�رشة من عمري‪ ،‬عندما �صدر قرار وزاري بالكويت ب�ش�أن مادة‬
‫الرتبية البدنية‪ ،‬وكان القرار ين�ص على �رضورة عدم احت�س��اب عالمة الرتبية‬
‫البدنية (الريا�ض��ة) يف ال�ش��هادة‪ ،‬وقامت وقتها �إدارة املدر�س��ة بدمج ثالثة‬
‫ف�ص��ول يف �ص��الة الريا�ضة‪ ،‬و�أمرنا الأ�س��تاذ امل�رشف على ال�صفوف الثالثة‬
‫ب�أن نلتزم ال�ص��مت التام‪ ،‬ولكنني مل �أكرتث‪ ،‬ومل �ألتزم مبا طلبه منا‪ ،‬و�أتذكر‬
‫حينها �أن زميلي نبهني �أن الأ�س��تاذ ينظر �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬ووا�ص��لت عدم اكرتاثي‪ ،‬وقد‬
‫بدا ب�أن الأ�س��تاذ �أراد �أن يلقنني در�س�� ًا ال �أن�ساه؛ فناداين‪ ،‬وبادرين بالأ�سئلة‪،‬‬
‫ما ا�سمك؟ ويف �أي �صف �أنت؟ وهل متار�س الريا�ضة؟‬
‫ث��م طلب مني �أن �أقوم ب�أداء مترين ال�ض��غط لـ ‪ 10‬م��رات‪ ،‬وقد كنت وقتها‬
‫نحي ً‬
‫ال جداً‪� ،‬ض��عيف البني��ة‪ ،‬وعندما بد�أت ب�أداء التمرين‪ ،‬وبعد ال�ض��غطة‬
‫الثانية‪ ،‬بد�أت �أت�ص��بب عرق ًا وبد�أ ج�س��مي يرجتف‪ ،‬فبد�أ الأ�س��تاذ ي�ستهزئ‬
‫بي‪ ،‬وبد أ� جميع الطالب ي�ضحكون‪ ...‬لقد كان موقف ًا حمرج ًا للغاية‪ ،‬بغ�ض‬
‫النظر �إن كنت ا�ستحق ذلك عقاب ًا لت�رصيف �أم ال‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫�أخربت املدربة بالق�صة‪ ،‬و�أدركت �أن تلك احلادثة م�س�ؤولة عن القلق الذي ينتابني‬
‫علي ثالث خطوات كي �أتخل�ص من الرهاب‬
‫كلما واجهت اجلمهور‪ ،‬واقرتحت ّ‬
‫الذي لدي‪.‬‬

‫قبل الدخول للمحا�رضة ال بد يل �أن �أتذكر �شخ�ص�� ًا ين�س��يني‬


‫م�شاعر القلق واخلوف‪ ،‬وكانت ابنتي ليلى هي م�صدر الراحة‬
‫النف�س��ية يل يف تلك املرحلة من حياتي‪ ,‬وال بد �أن �أركز على‬
‫متاري��ن التنف���س العميق قبل البدء بالتح��دث‪ ,‬وكذلك ال بد‬
‫يل م��ن حفظ �أول دقيقة م��ن احلديث غيب ًا‪ ,‬وب��د�أت بتطبيق‬
‫الن�صائح‪ ،‬ولكن للأ�سف مل �أ�شعر ب�أي حت�سن‪.‬‬

‫لكنني مل �أ�ست�سلم‪ ،‬و�ساعدين تب�رصي بالرهاب الذي لدي ومعرفة م�صدره على �أن‬
‫�أوا�ص��ل املحاوالت التالية‪ ،‬وبعد املحاولة الـثالثة ع�رشة‪ ،‬تبدى لدي ب�صي�ص �أمل‪،‬‬
‫ثم �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪� ،‬أ�صبحت قادراً‪ ،‬على التحدث �أمام الألوف‪ ,‬وب�صفتي (تويرتجي)‬
‫�شهري كان يل دور كبري يف من�صات التوا�صل الداخلية لل�رشكة‪ ،‬وقد الحظ مديري‬
‫�ش��غفي الكبري يف التوا�ص��ل االجتماعي‪ ،‬فخريين بني البقاء يف ق�س��مه التجاري‪،‬‬
‫�أواالنتقال اىل ق�سم الت�سويق‪ ،‬واخرتت االنتقال لق�سم الت�سويق‪.‬‬
‫حتد يتمثل يف عدم تقبل العاملني لطبيعة عملي‪،‬‬
‫لكنني يف ق�سم الت�سويق واجهني ّ‬
‫وعدم �إميانهم يف ذلك الوقت بقدراتي‪ ،‬و�أنا ال �ألومهم لأنهم كانوا يتبعون ر�ؤيتهم‬
‫اخلا�صة‪ ,‬يف الفرتة نف�سها‪ 2010 ،‬ت�شكلت حكومة جديدة برئا�سة �سمري الرفاعي‪،‬‬
‫الذي كان لديه ر�ؤية م�ستقبلية فذة‪ ،‬و�أراد بناء دائرة ات�صال على م�ستوى عال وبد�أ‬

‫‪64‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫يجهزها وميهد لها‪ ،‬وبد�أ بتعيني �أ�ص��حاب امله��ارات العالية من القطاع اخلا�ص‪،‬‬
‫وبع��د اكتمال معظم ال�ش��واغر‪ ،‬بقي من�ص��ب الرئي�س التنفي��ذي للإعالم الرقمي‬
‫لرئا�سة الوزارة‪.‬‬
‫ومل يكن هذا املن�صب الوظيفي متوفراً يف‬
‫ذلك الوقت �س��وى يف ثالثة بلدان على‬
‫م�س��توى العامل هي �أمريكا‪ ،‬و�أ�سرتاليا‪،‬‬
‫وبريطاني��ا‪ ،‬وكانوا يبحث��ون عن كفاءة‬
‫�أردنية لت��ويل املن�ص��ب‪ ،‬وعندما بحثوا‬
‫يف كاف��ة الدوائر كان اجلمي��ع يجيبهم‬
‫ب�أن الكفاءة غري متوفرة يف البلد‪ ،‬ولكن‬
‫هناك �ش��خ�ص ن�شط على تويرت‪ ،‬ويظهر‬
‫با�سم م�ستخدم “�ش�سمو”‪ ،‬ورمبا يكون‬
‫هو ال�شخ�ص املطلوب‪.‬‬

‫مت التوا�صل معي من قبل رئا�سة الوزراء‪ ،‬و�أعتقدت يف البدء �أن �أحد �أ�صدقائي دبر‬
‫يل مقلب�� ًا‪ ،‬على �س��بيل املزاح‪ ،‬ولكن الأمر كان مبنتهى اجلدية‪ ،‬وخ�ض��عت لثالث‬
‫مقابالت‪ ،‬مع م�ست�ش��ارين‪ ،‬وم�س�ؤولني خمتلفني‪ ،‬كان من بينهم م�ست�شار بريطاين‪،‬‬
‫وتبني يل �أن معلوماتي التقنية على من�ص��ات التوا�ص��ل االجتماعية تتفوق على ما‬
‫لديهم من معرفة يف ذلك الوقت!‬

‫‪65‬‬
‫اخرتت �أن �أعمل مع رئا�سة الوزراء‪ ،‬يف من�صب الرئي�س التنفيذي للإعالم الرقمي‬
‫الرفي��ع‪ ,‬ومن خالل عملي لدى الوزارة �س��اهمت بت�أ�س��ي�س ح�س��ابات رئا�س��ة‬
‫الوزراء الإلكرتونية‪ ،‬وكنت �أتوا�ص��ل خالل عملي مع مديرين عامليني للمن�صات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وحققت منجزات‪ ،‬يف جمال عملي وكنت �سعيداً مبا �أقدم‪.‬‬
‫ولك��ن ما لبثت �أن هاجمتنا الأحداث ال�سيا�س��ية‪ ،‬وبد أ� ما ع��رف بالربيع العربي‬
‫يتب��دى يف الأف��ق‪ ،‬فتم تغيري احلكوم��ة و�رصف النظر عن ق�س��م الإعالم الرقمي‪،‬‬
‫وتُرك يل خيار البقاء والعمل يف جمال الإعالم العام �أو ترك املن�صب!‬
‫كان��ت مرحلة عملي يف رئا�س��ة الوزراء خطوة هامة جداً يف م�س��اري الوظيفي‪،‬‬
‫ولكن��ي اخرتت �أن �أت��رك الوظيفة‪ ،‬وب��د�أت العمل يف اال�ست�ش��ارات والتدريب‬
‫ب�شكل مكثف‪.‬‬
‫بد�أت بتقدمي اال�ست�شارات‪،‬‬
‫والتدري��ب للقطاعات كافة‪،‬‬
‫و�أ�ص��بحت معتم��داً ل��دى‬
‫امل�ؤ�س�س��ات غ�ير احلكومي��ة‬
‫(غ�ير الربحية)‪ ،‬واحلكومية‪،‬‬
‫واخلا�ص��ة‪ ،‬وكن��ت �أح��د‬
‫م�ؤ�س�س��ي الثالث��اء التقن��ي‪،‬‬
‫الفعالي��ة التي تقام كل �أول ثالثاء يف ال�ش��هر‪ ،‬وتُعن��ى ب�أمورالتقنية والريادة‪ ،‬وقد‬
‫كانت فعالية جمانية بالكامل‪ ،‬فال نتقا�ض��ى �أي ر�س��وم على احل�ض��ور‪ ،‬وكذلك ال‬
‫ندفع للمتحدثني‪ ،‬وقد �سمحت يل هذه الفعالية لقاء �شخ�صيات يف جماالت خمتلفة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫ويف يوم من الأيام بعام ‪ 2011‬يف �إحدى الأم�سيات قررت �أن �أر�سل بريداً �إلكرتوني ًا‬
‫للرئي�س التنفيذي ل�رشكة االت�ص��االت زين الأردن‪ ،‬وكنت قد ح�صلت على بريده‬
‫من �أحد الأ�ص��دقاء‪ ،‬وكان حمتوى الر�س��الة �أنني عرفته بنف�س��ي‪ ،‬وذكرت له ب�أنني‬
‫فخور ب���أن �رشكة زين هي �أول �رشكة تتوا�ص��ل مع اجلمهور من خالل التوا�ص��ل‬
‫االجتماعي‪ ،‬وذكرت له ب�أنني م�ؤ�س���س دليل املدونات الأردين‪ ،‬و�أحد م�ؤ�س�س��ي‬
‫من�صة الثالثاء التقني‪.‬‬
‫ثم حتدثت عن م�ؤهالتي‪ ،‬و�أنني حا�ص��ل على ماج�ستري �إدارة �أعمال من الواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬و�رشحت له تطور ا�ستخدام ال�رشكات ملن�صات التوا�صل االجتماعي من‬
‫اال�ستعانة بوكاالت خارجية اىل اال�ستثمار يف ق�سم داخلي للتوا�صل االجتماعي‪،‬‬
‫م��ع �أنني كنت فخوراً بالوكالة التي تتعاون معه��ا زين يف ذلك الوقت‪ ،‬وقلت له‬
‫�إذا تكرمتم مبنحي ربع �ساعة من وقتكم الثمني‪� ،‬سوف �أ�رشح لكم كيف ميكن �أن‬
‫نبني ق�سم ًا داخلي ًا خمت�ص ًا بالتوا�صل االجتماعي‪.‬‬
‫م�ساء‪ ،‬وب�رصاحة مل �أخطط م�س��بق ًا لهذه الر�سالة‪ ،‬لكنها‬
‫ً‬ ‫كانت ال�س��اعة التا�س��عة‬
‫�أتت عفو اخلاطر‪ ،‬ومل �أتوقع ب�أنه �سوف يجيبني عنها‪ ،‬ح�سبتها رمية يف الظالم‪،‬‬
‫مل �أتبني م�ص�يرها‪ ،‬ولكن مل مي�ض من الوقت �س��اعتني‪ ،‬وقبل احلادية ع�رشة لي ً‬
‫ال‪،‬‬
‫تلقي��ت من��ه رداً على الر�س��الة‪ ،‬وحدد يل موع��داً للقاء يف �ص��باح اليوم التايل‪،‬‬
‫ال�س��اعة العا�رشة �صباحاً‪� ،‬إنه ع�رص التوا�ص��ل االجتماعي‪ ،‬خارج �أ�سوار الروتني‬
‫والر�سميات القاتلة‪ ،‬و�إنها نتائج “الزمن الفعلي” الذي جلبته معها “بلدان االعامل‬
‫الرقمي”‪ ،‬فقد كان املرء يحتاج ل�ش��هور ملخاطبة م�س�ؤول �أو مدير م�ؤ�س�سة �أو‬
‫�رشكة �أو دائرة والظفر بلقائه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ذهبت �إىل املقابلة‪ ،‬وال �أعرف ملاذا كانت تنتابني م�شاعر اخلوف والقلق‪ ،‬ولكن ما‬
‫�أن بد�أ اللقاء حتى �شعرت باالرتياح‪ ،‬وبد�أ ي�س�ألني عن �أحوال التوا�صل االجتماعي‬
‫يف الأردن‪ ،‬يف �إطار حديث عام‪ ،‬ثم انتقلنا من احلديث العام اىل حيثيات التقنيات‬
‫يف ع��امل التوا�ص��ل االجتماع��ي وكان احلديث غني ًا و�ش��ام ً‬
‫ال‪ ،‬وتف�ض��ل الرئي�س‬
‫التنفيذي بتقدمي��ي للمديرين التنفيذيني لل�رشكة من الأق�س��ام كافة‪ ،‬وقمت الحق ًا‬
‫ب�إج��راء �أربع مقابالت عمل م��ع �أربعة مديرين‪ ،‬مل يكن �أي منهم يعرفني يف العامل‬
‫الرقمي‪ ،‬ورمبا مل يكونوا من مواطني العامل الرقمي �أي�ض ًا‪ ،‬ويف �آخر مقابلة تعرفت‬
‫على موظفي الت�س��ويق‪ ،‬وانتهت الزيارة احلافلة‪ ،‬و�أنا متل�ؤين الده�ش��ة من ال�رسعة‬
‫الت��ي متت فيها الأمور يف ع��امل غري رقمي ومت ترتيب الإج��راءات كافة لتوظيفي‬
‫لديهم‪.‬‬
‫ولكن بعد فرتة وجيزة‪ ،‬ات�صلت بي مديرة التوظيف‪ ،‬لتخربين ب�أن الرئي�س التنفيذي‬
‫ت��رك ال�رشكة‪ ،‬و�أنه ترتب على ذلك تعليق توظيفي لأجل غري م�س��مى‪ ،‬فاجبتها‪،‬‬
‫“لعله خري”‪ .‬وقد كان لزيارتي ل�رشكة زين �أثر �إيجابي‪ ،‬وتوا�ص��لت مع العاملني‬
‫يف املجموعة على �ش��بكات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬و�أ�صبحوا كلهم �أ�صدقائي يف‬
‫العامل الرقمي‪.‬‬
‫عدت �إىل عملي يف جمال اال�ست�شارات والتدريب‪ ،‬ولكنني مل �ألبث طوي ً‬
‫ال‪� ،‬إذ تغري‬
‫الرئي�س التنفيذي ل�رشكة زين‪ ،‬يف �شهر ‪ ،2012/06‬وات�صلت بي مديرة التوظيف‪،‬‬
‫و�أخربتن��ي ب�أنهم يبحث��ون عن مدير لق�س��م الإعالم االجتماع��ي‪ ،‬ومتت دعوتي‬
‫ل�سل�س��لة من املقابالت م��ن جديد‪� ،‬أجنزتها جميعها‪ ،‬وقابل��ت معظم املديرين �إال‬
‫الرئي�س التنفيذي‪ ،‬وقام من قابلتهم يف املقابلة الأخرية‪ ،‬بتقدمي عر�ض للعمل‪ ،‬وقد‬

‫‪68‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫وجدت��ه �أقل بكثري مما توقعت‪ ،‬ف�أح�س�س��ت ب�أنهم مل يقدروا مكانتي‬


‫كما ينبغي‪ ،‬و�أنا ال �ألومهم‪ ،‬لأن �أحداً مل يكن يدرك متام ًا دور الإعالم‬
‫االجتماعي بالن�س��بة لل�رشكات؛ فاعتذرت للمدير‪ ،‬و�شعرت ب�أن �أي‬
‫مفاو�ضات ما هي �إال م�ضيعة للوقت‪.‬‬
‫ويف م�ساء ذلك اليوم‪ ،‬كانت الأفكار التي تدور بخلدي تدفعني لأن‬
‫�أ�س��تقل بنف�سي و�أم�ض��ي يف التدريب واال�ست�ش��ارات‪� ،‬إال �أن مكاملة‬
‫فاج�أتن��ي‪ ،‬جاءت م��ن رقم لي�س م�س��ج ً‬
‫ال لدي‪ ،‬وبادرين ال�ص��وت‬
‫مرحب ًا‪“ ،‬خالد‪ ،‬معك �أحمد ‪ -‬دون �أن يذكر �أي لقب �أو �أي م�سمى‬
‫وظيف��ي ‪ -‬كيف حالك؟‪� ،‬أن��ا عرفت �أنك كنت موج��وداً لدينا يف‬
‫ال�رشك��ة‪ ”.....‬وبعد دقائق قليلة اكت�ش��فت �أن��ه الرئي�س التنفيذي‪،‬‬
‫ال�سيد �أحمد الهنانده (�أبو كرمي)‪.‬‬
‫مل يتح��دث طوي� ً‬
‫لا ودع��اين �إىل زيارته يف مكتبه يوم ال�س��بت (يوم‬
‫�إجازت��ه)‪ ،‬فذهبت و�ش��عرت باالرتياح الكبري يف لقائه‪ ،‬وتوا�ص��ل‬
‫احلديث بيننا لأكرث من �س��اعة ون�ص��ف؛ وحدثني عن بع�ض حمطات‬
‫حياته‪ ،‬وعن تفا�ص��يل �شخ�ص��ية‪ ،‬بكل �أريحية وتوا�ض��ع‪ ،‬ف�أعجبت‬
‫كثرياً ب�شخ�صيته؛ ويف �آخر احلديث‪ ،‬ذكر يل �أنهم بحاجة يل وخلربتي‪،‬‬
‫وخ�يرين بني �أن �أح�ص��ل على الراتب الذي �أريد‪ ،‬و�أعمل م�ست�ش��اراً‬
‫لهم بعقد �س��نوي‪ ،‬دون �أي حوافز‪� ،‬أو �أن �أقبل بالعر�ض الذي قدموه‬
‫�سابق ًا و�أ�ص��بح موظف ًا بدوام كامل مع احلوافز واملزايا كافة‪ ،‬فقررت‬
‫�أن �أتريث يف الإجابة‪ ،‬ووعدته �أن �أجيبه �آخر اليوم‪.....‬‬

‫‪69‬‬
‫قب��ل �أن �أوا�ص��ل احلديث عما ح��دث يل يف �رشكة زين‪ ،‬وم��اذا �أجنزت من خالل‬
‫عمل��ي لديها‪ ،‬ال بد �أن �أ�س��تدرك احلديث‪ ،‬و�أوا�ص��ل حديثي ع��ن مملكة “تويرت”‬
‫املتحدة العظمى‪ ،‬فقد ا�س��ت�أثر تويرت بجزء كبري من خدماتي اال�ست�ش��ارية‪ ،‬وعملي‬
‫يف جمال الإعالم االجتماعي يف كل املواقع التي عملت فيها‪.‬‬

‫رمب��ا مل �أذكر �آنف ًا �أن من�ص��ة تويرت” ‪ ،”Twitter‬التي تعرف �أي�ض�� ًا مبن�ص��ة التدوين‬
‫امل�ص��غر‪ ،‬مهم�ش��ة �إىل حد بعيد يف بالد ال�شام‪ ،‬رغم �أنها من املن�صات االجتماعية‬
‫املهمة جداً وت�س��اعد على التوا�ص��ل ب�شكل كبري مع �ص��ناع القرار‪ ،‬وقادة الفكر‬
‫وال�سيا�س��يني‪ ،‬والإعالميني‪ ،‬وامل�ش��اهري‪ ،‬بل �إن ال�ص��حافة وحمطات التلفزة تنتظر‬
‫حلظة بلحظة ما ين�رشه قادة العامل واملفكرون وال�ص��حفيون وامل�ش��اهري على من�صة‬
‫تويرت‪ ،‬لتتلقف من�شوراتهم وت�صنع �أخباراً تتناف�س يف حقوق ال�سبق‪.‬‬

‫بد�أ تويرت كتطبيق ر�س��ائل ن�ص��ية‪ ،‬ثم حت��ول �إىل برنامج توا�ص��ل �إلكرتوين‪ ،‬لذلك‬
‫حافظ على عدد خانات الر�سالة الن�صية‪ ،‬فخ�ص�ص ‪ 20‬خانة لال�سم‪ ،‬و‪ 140‬خانة‬
‫(ح��رف) لكتابة التغريدات‪ ،‬وم�ش��اركتها‪ .‬ويف عام ‪ 2018‬قام بال�س��ماح بتكبري‬
‫عدد خانات التغريدة من ‪ 140‬اىل ‪ 280‬خانة‪.‬‬
‫ورمب��ا مل ت�س��تطع مملكة توي�تر املتحدة �أن‬
‫ت�س��تقطب عدداً كبرياً من املواطنني‪ ،‬كما‬
‫هي احلال يف واليات الفي�س��بوك املتحدة‪،‬‬
‫لأن ��شروط املواطنة فيه �أ�ص��بحت حتتاج‬
‫مل�ؤهالت فكرية نخبوية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫من�صة التويرت تعترب املن�صة الأوىل يف دول اخلليج العربي‪ ،‬ورمبا مرد ذلك �أن معظم‬
‫�ش��باب اخلليج العربي اعتادوا على التوا�ص��ل من خالل تبادل الر�سائل الن�صية يف‬
‫�إطار نظام بالك بريي‪ ،‬الذي �سبق تويرت ب�سنوات طويلة‪ ،‬ومل يعد موجوداً يف �أيامنا‬
‫ال فعا ًال لذلك النظام‪ ،‬دون �أن تتغري �سمة الكتابة‪.‬‬
‫هذه‪ ،‬فتويرت وفر لهم بدي ً‬
‫يعتمد موقع تويرت الع�ص��فور �ش��عاراً له‪ ،‬ويطلق على هذا الع�صفور ا�سم “الري”‪،‬‬
‫وقد �س��اعدت �س��هولة واجهته على م�ش��اركة الأخبار العاجلة‪ ،‬و�أخبار الريا�ضة‬
‫واملعلومات املهمة وال�سيا�س��ات العاملية‪ ،‬يف وقت �أ�ص��بحنا فيه م�شبعني بالإعالم‬
‫وبالت�ضخيم الإعالمي والإعالم املوجه الذي ي�صل فيه التوجيه حد الت�ضليل‪.‬‬
‫ومن ال�س��مات التي جتع��ل تويرت يتفوق على غريه من املن�ص��ات‪� ،‬أن��ه لي�س هناك‬
‫ح�سابات خم�ص�صة للأفراد و�أخرى خم�ص�ص��ة لل�رشكات‪ ،‬ف�أنت ت�ستطيع بوجودك‬
‫ال�صحيح على املن�صة �إظهار اهتماماتك‪ ،‬وعر�ض مهاراتك‪� ،‬أو الت�سويق ملنتجاتك‪،‬‬
‫ولعالمتك التجارية‪.‬‬
‫ويف ح�ين �أن “والي��ات الفي�س��بوك املتحدة” تواج��ه هجرة �ش��بابية جماعية‪� ،‬إذ‬
‫يغادرها ال�ش��باب ملن�ص��ات �أكرث حيوية وتفاع ً‬
‫ال‪ ،‬مثل “�س��ناب �شات”‪ ،‬حتتفظ “‬
‫مملكة التويرت املتحدة” بن�س��بة مرتفعة من ال�ش��باب‪� ،‬إذ �إن ‪ 72%‬من امل�س��تخدمني‬
‫الن�ش��طاء ترتاوح �أعمارهم بني ‪ ،49-18‬وين��شر مواطنو تويرت �أكرث من ‪ 500‬مليون‬
‫تغريدة يف اليوم ‪.‬‬
‫�أ�ص��بح موقع تويرت من�صة لكل �ش��يء تقريب ًا‪ ،‬توفر �أدوات فعالة يف �أكرث من جمال‪،‬‬
‫ب��د ًءا من ت�س��هيل الإطاح��ة باحلكومات �إىل التفاخ��ر باملولود اجلديد‪ .‬وب�س��بب‬
‫طبيع��ة املوقع “العامة”‪� ،‬أ�ص��بح تويرت �أداة قوية لربط الأفراد مع بع�ض��هم البع�ض‪،‬‬

‫‪71‬‬
‫ب�سبب االهتمامات امل�شرتكة وتبادل وجهات النظر حولها‪ ،‬واالنخراط مبحادثات‬
‫تتنوع يف طبيعتها وغر�ض��ها‪ ،‬فمواطنو تويرت يتبادلون الآراء حول الق�ضايا العادية‬
‫والق�ضايا التي يف غاية الأهمية‪ ،‬ورمبا اخلطورة‪.‬‬
‫وي�س���ألني الكثريون‪ :‬كيف ميكنني زيادة عدد املتابعني ملن�صتي يف تويرت؟ وعادة ما‬
‫�أقدم لهم جملة من الن�صائح‪ ،‬لن �أبخل بها عليكم‪.‬‬
‫ف�أو ًال‪ :‬يجب �أن يكون ملفكم ال�شخ�ص��ي كامل املعلومات‪ ،‬بتوفري‬
‫جميع املتطلبات واختيار ال�صور ب�شكل جيد‪ ،‬وتعبئة جميع �إعدادات‬
‫املن�صة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪� :‬إ�ض��افة متابعني ممن لدين��ا عناوين بريدهم الإلكرتوين‪ ،‬كما يف‬
‫املن�ص��ات الأخرى‪ ،‬و�أف�ض��ل طريق��ة �أن نبحث ع��ن املتابعني الذين‬
‫لديهم االهتمامات ذاتها‪ ،‬ويجب �أن نتنبه �إىل �أن يكون عدد املتابعني‬
‫“‪ ،”Followers‬يقارب عدد الذين نتابعهم “ ‪� ،”Following‬أو �أكرث‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬تخ�ص��ي�ص ‪ 80%‬من تغريداتنا الهتماماتنا �أو اخت�صا�ص��نا �أو‬
‫عالماتنا التجارية‪( ،‬يف حال ال�رشكات التجارية)‪ ،‬و ‪ 20%‬للتغريدات‬
‫االجتماعي��ة‪ ،‬و�أن نحر�ص �أن تك��ون تغريداتنا دائما مهمة ومفيدة‪،‬‬
‫وال بد �أن نتفاعل مع من يتفاعل معنا‪.‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬متابعة ح�سابات مل�شرتكني ن�شطني ومهمني‪ ،‬ين�رشون تغريدات‬
‫مفيدة ومقاالت قيمة‪ ،‬و�أن نقوم ب�إعادة تغريدها حتى يكون ح�سابنا‬
‫ممتع ًا ومفيداً لكل متابعيه‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫و�أخريا ‪ :‬حتى يكتب لنا النجاح على من�صة تويرت‪ ،‬ال بد من موا�صلة‬
‫التغري��دات‪� ،‬إذ ينبغي �أن نن�رشخم�س تغريدات يف اليوم‪ ،‬على الأقل‪،‬‬
‫وقد ثبت �أن الوجود املرئي ال�س��معي (ال�ص��ور والفيديوهات) يزيد‬
‫املتابعني‪ ،‬لذلك يجدر بنا زيادة الن�رش املرئي‪.‬‬
‫تختفي التغريدات التي تنت�رش يف التويرت من ال�صفحة الرئي�سة بعد فرتة معينة‪( ،‬من‬
‫‪ 20‬اىل ‪ 30‬دقيق��ة) ولكن يف بع�ض الأحيان‪ ،‬تكون هذه التغريدات مهمة ونتطلع‬
‫لالحتف��اظ بها‪ ،‬ورمب��ا ترتبط هذه التغري��دات بحدث �سيا�س��ي �أو اجتماعي‪� ،‬أو‬
‫وقائع م�ؤمتر عاملي‪� ،‬أو حتى كارثة طبيعية‪� ،‬إلخ؛ لذلك وفرت لنا من�صة تويرت فر�صة‬
‫لأر�ش��فة التغريدات �أو االحتفاظ مبا نريد منها‪ ،‬من خالل خا�صية “ اللحظات”‪،‬‬
‫“‪ ،”Moments‬فنح��ن ن�س��تطيع �إن�ش��اء “حلظة” وجنمع جمي��ع التغريدات التي‬
‫تتحدث عن هذا احلدث من كل مكان يف مكان واحد‪ ،‬ونوثقها حتى نعود �إليها‬
‫عند احلاجة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫يعتمد جناحك على تويرت على الأهداف املحددة اخلا�ص��ة بك‪ ،‬ولكن هناك بع�ض‬
‫اال�س�تراتيجيات املطبقة عاملي ًا التي ميكن �أن ت�ساعدك على اتخاذ الطريق ال�صحيح‬
‫وت�رسيع وترية التقدم نحو حتقيق �أهدافك‪ ،‬منها‪:‬‬
‫توفري م�ش��اركات ممتع��ة‪ ،‬فلي�س هناك ما هو �أ�س��و�أ م��ن التغريدات‬
‫اململة‪ ،‬وقد �أ�صبحت تغريدات الرتويج ال�شخ�صية والتجارية �أمراً من‬
‫املا�ض��ي‪ ،‬فكيف تتوقع �أن يقبل عليك وعل��ى تغريداتك الآخرون‪،‬‬
‫و�أنت تقوم بن�رش الر�سائل الرتويجية فقط‪.‬‬
‫�أن تكون حا�رضاً با�ستمرار و�أن يكون ما تقوله ذا قيمة‪ ،‬فكل تغريدة‬
‫تكتبها يجب �أن ت�ضيف قيمة بطريقة �أو ب�أخرى‪.‬‬
‫�أن تتجاوب مع جمتمعك ب�رسعة‪ ،‬ففي حال ال�رشكات‪ ،‬ت�سهل من�صة‬
‫توي�تر للأفراد العثور على عالمة ال�رشكة التجارية‪ ،‬و�س��وف ت�ص��لها‬
‫الكث�ير من طلبات خدمة الزبائن التي تتطل��ب �رسعة يف الرد عليها‪،‬‬
‫ورمب��ا تقدمي حل��ول الحتياجاتهم‪ ،‬وامل�ش��كلة �إذا �أهملت ال�رشكات‬
‫تغريدة ما لفرتة طويلة‪ ،‬ف�إن الإحباط الناجم عن هذا الإهمال �رسعان‬
‫ما يت�رسب �إىل الكثري من املتابعني على تويرت‪.‬‬
‫وعلى ال�رشكات �أن حتر�ص على ا�س��تدامة التوا�صل مع متابعيها والتجاوب معهم‪،‬‬
‫لي���س فقط يف حاالت الط��وارئ والأزمات‪ .‬فمن اجلمي��ل �أن تبادر بتحيتهم كل‬
‫�ص��باح و�أن حتر���ص على الرد على كل من يبادلها االهتم��ام والتحية‪ ،‬ومع مرور‬
‫الوقت تتو�ص��ل ال�رشكة �أو �أي م�ش�ترك �إىل توازن يف التغريدات‪ ،‬حيث �إن املبالغة‬
‫يف التغريدات‪� ،‬أي�ض ًا ت�سبب الإزعاج‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫يف الف�ص��ل الأول م��ن هذا الكتاب‪ ،‬اقرتحت معايري لل�س��لوك املن�ش��ود يف العامل‬
‫الرقم��ي‪ ،‬ولأن تويرت هو مملك��ة النخب‪ ،‬فال بد لكل من فيه �س��واء من الأفراد �أو‬
‫ال�رشكات �أن يراعي “ الإتيكيت” اخلا�ص به‪ ،‬وال بد يل قبل ختام هذا الف�صل �أن‬
‫�أتناول بع�ض الآداب وال�سلوكيات التي يرت�ضيها “تويرت” لكم‪.‬‬
‫من �أهم الأمور عدم ا�س��تخدام الر�س��ائل غري املرغوبة فيها ‪،Spam‬‬
‫ويج��ب �أن تك��ون ه��ذه القاع��دة الأ�سا�س��ية م��ن �أه��م مرتكزات‬
‫الت�س��ويق لدى ال�رشكات‪ ،‬وعلى ال�رشكات �أن حتاول جتنب ا�ستخدام‬
‫الها�شتاقات غري املتعلقة بعالمتها التجارية لت�سويق منتجاتها‪.‬‬
‫جتنب ا�س��تخدام الر�س��ائل املبا�رشة يف احلاالت غ�ير ال�رضورية‪ ،‬لأن‬
‫الر�س��ائل املبا��شرة ت�س��تخدم يف حاالت خا�ص��ة‪ ،‬عن��د احلاجة �إىل‬
‫معلومات مثل عنوان ال�شحن‪ ،‬ويتم �إر�سال الر�سائل املبا�رشة للمتابعني‬
‫ح�رصي ًا‪ ،‬ال تقم ب�إر�س��ال ر�س��ائل مبا�رشة �آلية لأنها تعد من الر�س��ائل‬
‫املزعجة‪.‬‬
‫عندما ت�ستخدم “الها�شتاق” ف�إنك تقدم نف�سك جلمهور �أكرب‪ ،‬فكثري‬
‫من الأفراد يتبعون حمادثات با�س��تخدام �أكرث من ها�ش��تاق‪ ،‬حتى و�إن‬
‫مل يكونوا يتبعوك �أو يتبعون عالمتك التجارية‪ ،‬فبا�ستخدام الها�شتاق‬
‫املنا�س��ب يتعرف عليك الكثري من الأ�ش��خا�ص‪ .‬الها�ش��تاق هو عادة‬
‫اخت�ص��ار ملا تعنيه التغريدة‪ ،‬و ُيظهر الها�ش��تاق �أنك ت�شارك يف حمادثة‬
‫ما‪� ،‬أو حدث ما‪ .‬و�إذا �أردت ا�س��تخدام الها�شتاق‪ ،‬ت�أكد �أنك ت�ضيف‬
‫قيمة للمحادثة التي ت�شارك فيها‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫تعد �إعادة التغريدات من �أف�ض��ل الطرائق لتعزيز املحتوى بني �أع�ضاء‬
‫جمتمع تويرت‪.‬‬
‫هناك عدد من الأدوات التي ت�ساعد الأفراد على جدولة تغريداتهم‪.‬‬
‫وتعد جدولة حتديثات ال�ص��ديق الأف�ض��ل حي��ث �إنك ال توجد على‬
‫�ش��بكة الإنرتت ط��وال الوقت‪ ،‬فيمكن��ك كتابة التغري��دة‪ ،‬وحتديد‬
‫الوق��ت‪ ،‬والزمن الذي تريده واختيار احل�س��اب الذي تريد �أن تظهر‬
‫فيه التغريدة‪ .‬ت�س��اعدك اجلدولة على ن�رش املحتوى يف الأوقات التي‬
‫ين�شط فها �أع�ضاء جمتمعك‪.‬‬
‫عندم��ا تقوم بو�ض��ع قوائ��م للم�س��تخدمني‪ ،‬ف�إنك توج��ه جهودك‬
‫للو�صول للم�ؤثرين يف جمال ما‪� ،‬أو االنخراط يف حمادثات ذات �صلة‬
‫بتخ�ص�صك واهتماماتك‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الفصل الثالث | مملكة “تويرت” املتحدة العظمى‬

‫‪77‬‬
78
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫“ تعرفنا على بعض‬


‫األشخاص‪ ،‬وعرفنا عنهم‬
‫من خالل وسائل التواصل‬
‫االجتماعي أكرث مما تعرفه‬
‫عنهم أسرهم التي تعيش‬
‫معهم‪”.‬‬

‫موكوكوما موخونوانا‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫مواطنة العوامل‬
‫الرقمية األخرى‬

‫‪80‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫مواطنة العوامل‬
‫الرقمية األخرى‬

‫�إن كان لديك خياران فيجب �أن ت�صنع‬


‫خياراً ثالث ًا‪ ....‬وافقت على اخليار الثاين‬
‫الذي قدمه يل املدير التنفيذي ل�رشكة‬
‫زين‪ ،‬والذي يت�ضمن االلتزام بالدوام‬
‫الكلي للح�صول على املزايا كافة‪ ،‬لأنني‬
‫�أعرف �أن حوافز زين حوافز ممتازة‪ ،‬ولكن‬
‫على �أن ي�ضمن يل �أن �أ�ستمر يف تقدمي‬
‫اال�ست�شارات‪ ،‬والتدريب ب�شكل خا�ص‬
‫خارج نطاق زين!‬
‫قابلته مرة �أخرى واقرتحت عليه الفكرة‪،‬‬
‫وبعد �أن فكر يف الأمر ملي ًا‪ ،‬وافق على‬
‫طلبي ب�رشط �أن �أمتكن من حتقيق الأهداف‬
‫التي يتطلبها من�صبي‪ ,‬وهكذا بد�أت العمل‬
‫مع �رشكة زين يف �شهر يونيو من عام ‪،2012‬‬
‫ومنذ �أول يوم �أردت �أن �أقدم لل�رشكة‪ ،‬و�أن‬
‫�أجعل لوجودي لديهم معنى وقيمة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫وبد�أت العمل باجتهاد منقطع النظري‪ ،‬ورفعت �شعار �رضورة التجاوب مع‬
‫حاجات امل�شرتكني‪ ،‬واال�ستجابة لرغباتهم‪ ،‬وبادرت منذ البداية بالتعامل مبا�رشة‬
‫مع اجلمهور على من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬كلما حانت الفر�صة �أو لدى‬
‫معرفتي �أي م�شكلة من م�شاكلهم‪ ،‬وقد �شجعت هذه االلتفاتة الرئي�س التنفيذي‬
‫على التدخل بنف�سه للتعرف على حاجات امل�شرتكني وحلها بنف�سه‪.‬‬
‫وقمت با�ستق�صاء‪ ،‬ور�صد ح�سابات �رشكة زين على من�صات التوا�صل‬
‫االجتماعي‪ ،‬وعمل درا�سة لقيا�س م�شاعر اجلمهور جتاه عالمة زين التجارية على‬
‫من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬وقد اكت�شفت �أن ن�سبة امل�شاعر ال�سلبية تفوق‬
‫امل�شاعرالإيجابية واملحايدة‪ ،‬ومع �أن هذه الن�سبة تعد ن�سبة طبيعية �إذا ما قارنا‬
‫زين ب�رشكات االت�صال العاملية‪ ،‬لأن املتعامل دائم ًا ي�شعر ب�أنه ال يح�صل على قيمة‬
‫مكافئة‪ ،‬ملا يدفع‪� ،‬إال �أن الأمر عنى يل كثرياً‪ ،‬وقررت �أن �أعمل على تقدمي حل له‬
‫من خالل اجتاهني‪.‬‬
‫االجتاه الأول‪ :‬تر�سيخ ثقافة خدمة املتعاملني مب�ستوى عالٍ جداً‪ ،‬فبد�أت �أتبنى‬
‫الفكرة (فكرة تعزيز ثقافة خدمة متعاملني مب�ستوى عالٍ )‪ ،‬و�رشحت‬
‫لكل �أع�ضاء فريق �إدارة من�صات التوا�صل االجتماعي‪� ،‬أنه ال بد‬
‫�أن يتفهموا �أن املتعاملني يدفعون نقوداً للح�صول على اخلدمات‪،‬‬
‫و�أن �أي تق�صري ي�رض بهم‪ ،‬وي�ؤملهم وال بد �أن يتعاملوا مع املتعاملني‬
‫ب�أ�سلوب ح�ضاري ي�ضع م�صلحتهم يف املقدمة‪ ،‬هذا ما تعلمته من‬
‫خالل معي�شتي يف �أمريكا‪ ،‬على كل �صعيد‪ ،‬و�أول من ر�سخ هذه‬
‫الفكرة لدي كان مديري ال�صيني‪ ،‬عندما كنت �أعمل يف املطاعم يف‬

‫‪82‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫�أمريكا‪ ،‬و�أردت �أن يكون م�ستوى اال�ستجابة للتعليقات وال�شكاوى‬


‫�رسيع ًا‪ ،‬حيث �إن مدة اال�ستجابة عاملي ًا‪ ،‬ال تزيد على ‪ 30‬دقيقة بينما‬
‫يف �رشكة زين وقتها كانت ت�أخذ �ساعتني �أو �أكرث‪ ،‬فقمت بالعمل على‬
‫تقليلها لت�صل �إىل امل�ستوى العاملي‪ ،‬بل جنحت يف تقلي�صها لأكرث من‬
‫امل�ستوى العاملي‪.‬‬
‫االجتاه الثاين‪ ،‬فقد بد�أت بتنظيم فعاليات متميزة تقدمها زين للجماهري من �رشائح‬
‫خمتلفة‪ ،‬وكانت �أول فعالية عبارة عن فعالية ‪ ،Tweet ups‬وهو لقاء‬
‫لن�شطاء من�صة التويرت على �أر�ض الواقع‪ .‬يف ذلك الوقت مل يكن‬
‫هناك �أي جهات تقوم بتنظيم مثل هذه الفعاليات‪ ،‬وقمت بدعوة‬
‫�أ�شهر امل�ؤثرين على موقع تويرت يف الأردن بحكم معرفتي ال�شخ�صية‬
‫بهم‪ ،‬وكان احل�ضور من النخبة‪ ...‬وقد اعتنينا ب�أدق التفا�صيل وقمنا‬
‫بتجهيز قم�صان “تي �شريتات” وطبعنا عليها ا�سم امل�ستخدم يف‬
‫تويرت لكل �شخ�ص‪ ،‬وكنا قد �س�ألنا كل �شخ�ص عن قهوته املف�ضلة‪،‬‬
‫و�إعدادها له‪ ،‬وكتبنا ا�سمه على فنجان القهوة ‪. Mug‬‬
‫ودعوناهم للتعرف على الق�سم وعلى املدير التنفيذي‪ ،‬وقد خ�ص�صنا لكل مدير‬
‫خم�س دقائق للحديث‪ ،‬وكان املدعوون ين�رشون ما يقوله املديرون على تويرت‬
‫ب�شكل مبا�رش‪ ،‬وكان كل مدير يوجه يف النهاية �س�ؤا ًال للحا�رضين واملتابعني على‬
‫تويرتـ وكنا نقوم بن�رش ال�س�ؤال‪ ،‬ونطلب منهم الإجابة �أي�ض ًا على تويرت‪ ،‬و�أجرينا‬
‫م�سابقة‪ ،‬وقمنا مبكاف�أة الفائزين بجوائز جمزية وهي عبارة عن هاتف �أيفون من‬
‫الطراز احلديث (وكانت هذه املكاف�أة مبثابة �سابقة جديدة بفعاليات ال�رشكات يف‬
‫الأردن وقتها)‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫كانت �أهمية هذا احلدث كبرية‪ ،‬وقد تعرف احلا�رضون على �رشكة زين وعلى‬
‫معلومات مل يعرفوها من قبل‪ ،‬مثل معدل املكاملات التي ت�صل لكل موظف يف‬
‫مركز االت�صال ‪ ،call centre‬يومي ًا‪ ،‬والتي ترتاوح بني ‪ 200‬و‪ 250‬ات�صا ًال يومي ًا‪،‬‬
‫وهو عدد هائل جداً‪ ،‬ف�أ�صبح هناك نوع من التعاطف مع املوظفني‪ ،‬وقد كنا‬
‫�أثناء احلدث نتلقى ات�صاالت من اجلمهور حتى يتعرفوا على طبيعة عمل املوظفني‬
‫والتحديات التي تواجههم‪.‬‬
‫ومن الإجنازات الأخرى عندما متكن ق�سم‬
‫التوا�صل االجتماعي من ا�ستقطاب عدد‬
‫من املعجبني و�صل �إىل املليون‪ ،‬قمنا بتكرمي‬
‫املعجب رقم مليون بطريقة غري معهودة‪،‬‬
‫�إذ قمنا بتجهيز يوم حافل باملفاج�آت‬
‫ال�سارة؛ بد�أ باالت�صال به و�إخباره �أننا نريد‬
‫ت�سليمه جائزة �صغرية وتو�صيلها له �إىل‬
‫اجلامعة‪ ،‬وذهبنا ب�سيارة ليموزين فارهة‪،‬‬
‫مع فرقة �شعبية للرتحيب به‪ ،‬وق�ضى معنا‬
‫يوم ًا لن ين�ساه �أبداً‪.‬‬
‫وقد متكنت �أثناء عملي من تعزيز قيمة عالمة زين على �شبكات التوا�صل‪ ،‬وكنا‬
‫�أقرب �رشكات االت�صال للجمهور‪ ،‬لأننا فتحنا قنوات االت�صال‪ ،‬ووفرنا ات�صا ًال‬
‫مبا�رشاً مع �رشائح اجلمهور كافة‪ ،‬وقد كان الرئي�س التنفيذي يتفاعل مبا�رشة مع‬
‫معظم حاالت ال�شكاوى‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫ان�صب تركيزنا يف الف�صل ال�سابق على “مملكة التويرت املتحدة” وقد مرت معنا‬
‫�أي�ضا يف هذا الف�صل �آنف ًا‪ ،‬و�س�أترك احلديث عنها مع �أنه مازال يف نف�سي �شيء‬
‫منها‪ ،‬ولكن ال بد ملن يحمل مواطنة الفي�سبوك وتويرت �أن يتعرف على ممالك �أو‬
‫دول العامل الرقمي الأخرى‪ ،‬و�إن مل يكن يرغب يف احل�صول على مواطنتها‪ ،‬فلعله‬
‫يرغب يف زيارتها �أو الإقامة فيها‪.‬‬
‫جرب العي�ش يف �أملانيا �سري�شده حد�سه �إىل‬
‫من ّ‬
‫طلب اجلن�سية من دولة متثل املعادل الرقمي لها‪،‬‬
‫�إنها جمهورية “اللينكد �إن” املتحدة‪،LinkedIn ،‬‬
‫فمن�صة “لينكد �إن” تعزز التعليم والعمل‪ ،‬و�أكرث‬
‫مواطنيها هم زمالء الدرا�سة يف املدر�سة واجلامعة‬
‫والعمل‪ ،‬وهذا ما ينعك�س على التوا�صل‬
‫والتفاعل فيها‪� ،‬إذ تتخذ الأن�شطة كافة طابع ًا‬
‫مهني ًا جاداً �إىل حد ما‪ ،‬وجند �أن ما ين�رش فيها من‬
‫مقاالت ومو�ضوعات ينحى منحى االحرتاف‬
‫والأكادميية‪ ،‬ويخدم الأهداف املدنية‪ ،‬مبا يتجاوز‬
‫الطابع االجتماعي يف غريها من املن�صات‪.‬‬
‫وبالنظر لواقع �أملانيا‪ ،‬جند �أن �أكرث ما مييزها تعزيز قيمة و�أخالقيات العمل اجلاد‪،‬‬
‫فهي دولة �صناعية بامتياز‪ ،‬وم�ستوى التعليم فيها رفيع يف كل املراحل العلمية‪،‬‬
‫ومواطنوها جمتهدون وي�سعون دائم ًا بكل ن�شاط لرفد التنمية يف املجاالت كافة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫وكما �أن �أملانيا ا�ست�أثرت بالأن�شطة االقت�صادية وال�صناعية والعلمية‪،‬‬
‫ا�ست�أثرت جمهورية “لينكد �إن” املتحدة بكل هذه اجلوانب يف العامل‬
‫الرقمي‪.‬‬
‫وزادت على ذلك ا�ستئثارها بح�صة كبرية من �سوق التوظيف‪ ،‬فبد ًال من‬
‫�أن تبحث كل �رشكة توظيف عن موظفني‪ ،‬تبحث على “لينكد �إن” وجتد‬
‫معلومات �شاملة ودقيقة عن كل من يبحث عن عمل‪ ،‬وهناك �أدوات يف‬
‫املن�صة خم�ص�صة لأق�سام التوظيف �أو ل�رشكات التوظيف‪.‬‬
‫واملن�صة من �أهم من�صات الرتويج الذاتي‪ ،‬وجند فيها م�س�ؤويل ال�رشكات‪،‬‬
‫ون�ستطيع التوا�صل مع م�س�ؤويل التوظيف بدون و�سيط‪ ،‬وهي �أقرب‬
‫املن�صات لنتائج بحث غوغل‪ ،‬وهذا يعني �أنك لو قمت بتجهيز ح�سابك‬
‫ب�شكل جيد و�شامل‪� ،‬سيظهر ح�سابك على اللينكد �إن �أول النتائج‪ ،‬عند‬
‫‪Gary‬‬ ‫البحث عن ا�سمك يف حمركات البحث‪ .‬و�رصح غاري فايرنت�شوك‬
‫رائد الأعمال واخلبري الرقمي‪ ،‬ب�أن خوارزمية اللينكد �إن‬ ‫‪Vaynerchuk‬‬

‫يف الوقت احلايل هي من �أف�ضل و�أ�سهل اخلوارزميات‪ ،‬وجتعل �أي من�شور‬


‫(جماين) يحظى باالنت�شار ب�شكل �أو�سع و�أف�ضل من �أي من�صة �أخرى‪.‬‬
‫وبناء على ماذكرناه‪ ،‬يجب �أن يكون ملفنا ال�شخ�صي الذي نوفره للمن�صة‬
‫كام ً‬
‫ال‪ ،‬حتى ن�ستفيد مما توفره املن�صة‪ .‬فرغم �أن خوارزميات املن�صة تدعم‬
‫�أع�ضاءها �إال �أنها تقوم ب�إخفاء �أي ملف �شخ�صي غري مكتمل عند البحث‬
‫داخلها‪ ،‬فال ت�صل ال�رشكات �أو الأ�شخا�ص �إىل ملفات الأع�ضاء حتى لو‬
‫كانت تتوفر فيهم الكفاءات ولديهم اخلربات املطلوبة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫ولكي ن�ضمن �أن يظهر ملفنا ال�شخ�صي على من�صة اللينكد �إن‪ ،‬من الأهمية مبكان‬
‫�أن نحدد البلد الذي نتواجد فيه (يف خانة املوقع ‪ ،)Location‬حيث �إن الكثري من‬
‫ال�رشكات تبحث عن �أ�شخا�ص منا�سبني للعمل يف مكان حمدد دون غريه‪ ،‬ويجب‬
‫�أن نذكر بدقة مكان العمل احلايل وامل�سمى الوظيفي واملهام التي نقوم بها من‬
‫‪ ،)Current‬وكذلك من‬ ‫(‪Position and Details‬‬ ‫خالل موقعنا والإجنازات‪،‬‬
‫املهم ذكر الوظائف واملنا�صب ال�سابقة‪� ،‬أو على الأقل �آخر وظيفتني �سابقتني قبل‬
‫مكان عملنا احلايل‪.‬‬
‫وكذلك يجب ت�سجيل املعلومات ال�رضورية عن م�ؤهالتنا الأكادميية؛ الدرجة‬
‫العلمية التي نحملها‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬والبلد‪ ،‬والأن�شطة التطوعية وهناك خانة خم�ص�صة‬
‫للمهارات والإر�شادات ‪ ،Skills and Endorsements‬وهي مهمة جداً‪ ،‬ويجب‬
‫�أن نذكر فيها ثالث مهارات من املهارات التي جنيدها‪ ،‬على الأقل‪.‬‬

‫حتى متنحنا “جمهورية اللينكد �إن املتحدة” مواطنتها تطلب منا بب�ساطة‬
‫تزويدها ب�سرية ذاتية كاملة‪� ،‬إ�ضافة �إىل �صورة �شخ�صية حديثة (للوجه‬
‫ولي�ست كاملة) يجب �أن تكون ر�سمية احرتافية‪ ،‬وال بد من �أن نبتعد عن‬
‫ال�صور العائلية و�صور الأ�صدقاء �أو ال�صور التي حتتوي على فالتر‪ ،‬وعن‬
‫ال�صور التي لي�ست ل�صاحب احل�ساب‪� ،‬صورة قطة �أو وردة �أو �شعار ما‪،‬‬
‫‪�...‬إلخ‪ ،‬حيث وجد �أن ن�سبة م�شاهدة امللفات ال�شخ�صية تزيد ب�شكل‬
‫ملحوظ ملن حتتوي ملفاتهم على �صور �شخ�صية ر�سمية �صحيحة‪.‬‬

‫ول�ضمان ظهور امللف يف خوارزميات البحث‪ ،‬يجب �أن يتوفر لدى كل مواطن‬
‫يف ملفه ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫ما ال يقل عن ‪ 500‬جهة ات�صال ‪Connection‬‬

‫‪87‬‬
‫وكما ترون ف�إن جمهورية اللينكد �إن تعتني بخلق جمتمع يتمتع مب�ؤهالت وخربات‪،‬‬
‫من ال�شخ�صيات الريادية وامل�س�ؤولني‪ ،‬ورواد الأعمال‪ ،‬والكفاءات الباحثة عن‬
‫عمل‪.‬‬

‫وقد ي�س�أل �سائل‪“ :‬ما الفائدة من التواجد على من�صة لينكد �إن‪ ،‬وما الفرق‬
‫بينها وبني �أي موقع توظيف؟”‬

‫وهنا ال بد من تو�ضيح دور لينكد �إن‪� ،‬إذ �إنها من�صة ر�سمية للأعمال‪ ،‬تتيح‬
‫ملن ي�شرتكون فيها من التخ�ص�صات ذاتها‪� ،‬أو الذين ي�شرتكون يف �أعمال‬
‫حمددة تبادل اخلربات‪ ،‬عالوة على �أن ما ين�رش فيها من مقاالت‪ ،‬يرثي معرفة‬
‫امل�شرتكني‪ ،‬وميكن من خاللها احل�صول على معلومات تخ�ص التعليم والأن�شطة‬
‫التجارية‪ ،‬و�آخر الدرا�سات‪ ،‬و�أف�ضل املمار�سات والتجارب يف العمل‪.‬‬
‫كما �أن اللينكد �إن مفيدة للغاية لطالب اجلامعات‪ ،‬رغم تواجدهم اخلجول فيها‪،‬‬
‫�إذ �إنهم ي�ستطيعون تبادل �أي معلومات تخ�ص التعليم‪� ،‬أو الن�شاطات اجلامعية �أو‬
‫الأعمال التطوعية ب�شكل ر�سمي منظم‪.‬‬
‫ويف جمهورية لينكد �إن املتحدة يعرف النا�س ب�أ�سمائهم احلقيقية‪ ،‬التي ت�شتمل‬
‫على اال�سم الأول وا�سم العائلة‪ ،‬ومن املهم �إ�ضافة ملخ�ص عن �صاحب امللف‬
‫(‪� ،)LinkedIn Summary‬إذ �إن من يدخل للملف ال�شخ�صي يقر�أ امللخ�ص يف‬
‫البداية ليتعرف على �صاحب امللف‪ ،‬وي�شتمل هذا امللخ�ص على نقاط تتعلق‬
‫بوظيفة �صاحب امللف‪ ،‬ورمبا بع�ض العالمات التجارية التي عمل معها‪ ،‬والربامج‬
‫والأدوات التي لديه خربة يف العمل عليها‪ ،‬مثل‪،)Adobe, Photoshop..etc( :‬‬

‫‪88‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫وذكر �أف�ضل طريقة للتوا�صل ( بريد �إلكرتوين‪ ،‬رقم هاتف‪�...،‬إلخ)‪ ،‬ومن املهم‬
‫ا�ستخدام �صيغة املتكلم يف امللخ�ص‪ ،‬ويجب �أن يكون امللخ�ص �سه ً‬
‫ال و�سل�س ًا‪.‬‬
‫يظهر عدد “املت�صلني” يف امللف‪� ،‬إىل �أن ي�صل �إىل ‪ 500‬مت�صل‪ ،‬ثم ال يظهر العدد‪،‬‬
‫بل يظهر عددهم على هذا النحو‪ ,)500+ ( :‬عند �إ�ضافة �أي �شخ�ص جديد يف�ضل‬
‫�إر�سال ر�سالة �شخ�صية له‪ ،‬وعدم االكتفاء بالر�سائل اجلاهزة املوجودة يف اللينكد‬
‫�إن‪ ،‬حتى ال يظن ذلك ال�شخ�ص �أن الطلب من الر�سائل غري املرغوب فيها‪. spam‬‬
‫يوجد �صفحات تابعة لل�رشكات داخل “اللينكد �إن” ون�ستطيع متابعة هذه‬
‫ال�رشكات لر�ؤية كل ما هو جديد لديها‪ ،‬كما ميكننا عمل جمموعات داخل‬
‫“اللينكد �إن” جتمع الأ�شخا�ص الذين ي�شرتكون يف فكر �أو باخت�صا�ص �أو غاية‪.‬‬
‫يتيح “اللينكد �إن” خا�صية معرفة الأ�شخا�ص الذين يزورون ح�سابنا‪ ،‬وتتفرد هذه‬
‫املن�صة بهذه امليزة‪.‬‬
‫ال ميكننا احلديث عن من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬دون التطرق �إىل من�صة‬
‫�إن�ستغرام “‪ ،”Instagram‬و�إن كانت اللينكد �إن ت�شبه حلد بعيد جمهورية �أملانيا‬
‫املتحدة‪ ،‬ف�إنني �أرى �أن من�صة “الإن�ستغرام” ا�ست�أثرت بفرن�سا دون غريها من‬
‫الدول‪ ،‬وهي املعادل الرقمي لها على �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ففرن�سا ت�شتهر بالأزياء واملو�ضة و�صناعات التجميل‬
‫على اختالفها‪ ،‬وفنون الطهي‪ ،‬والأطعمة اللذيذة‪ ،‬كل‬
‫االجتاهات اجلديدة يف �أ�ساليب احلياة‪ ،‬ونحن نرى معظم‬
‫مواطني “�إن�ستغرام” ممن يعملون يف جماالت �أ�ساليب‬
‫احلياة التي تت�ضمن الأزياء‪ ،‬والتجميل‪ ،‬وال�صحة‪،‬‬
‫والريا�ضة‪ ،‬والأطعمة وامل�رشوبات‪ ،‬لذلك جند ال�صور‬
‫ذات اجلودة العالية‪ ،‬ويكرث يف املن�صة ا�ستخدام الفالتر‪.‬‬

‫ف�إذا كانت باري�س عا�صمة املو�ضة يف عاملنا‪ ،‬ف�إن “�إن�ستغرام”‬


‫عا�صمة املو�ضة يف كل اجتاهات احلياة على �شبكة الإنرتنت!‬

‫جمهورية الإن�ستغرام‪ ،‬التي متلكها واليات الفي�سبوك املتحدة‪ ،‬يقطنها‬


‫املراهقون والن�ساء ب�شكل ملفت‪ ،‬وذلك نظراً لطبيعة اهتماماتهم‪.‬‬
‫ويعترب الإن�ستغرام من املن�صات الرئي�سة‪ ،‬وي�ستخدم ب�شكل كبري يف دول اخلليج مبا‬
‫يتجاوز ا�ستخدام الفي�سبوك‪.‬‬
‫يعتمد الإن�ستغرام ب�شكل رئي�س على ن�شاط مواطنيه‪ ،‬ومتابعتهم‪ ،‬ف�إذا �أردت �أن‬
‫تعزز وجودك على الإن�ستغرام عليك �أن تن�شط يف متابعة الآخرين‪ ،‬حتى ين�شطوا‬
‫يف متابعتهم لك‪ .‬ففي الإن�ستغرام من ال�سهل على �أي م�شرتك متابعة العديد من‬
‫امل�شرتكني‪ ،‬لكن ال�صعوبة تكمن يف جعل امل�شرتكني يتابعونك باملقابل‪ ،‬ومن�صة‬
‫الإن�ستغرام ال تتبع الرتتيب الزمني‪ ،‬بل تعر�ض املن�شورات التي تتعلق باهتماماتنا‬
‫وباملعلومات التي نقوم بالبحث عنها يف املقدمة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫ال‪ ،‬كام ً‬
‫ال و�أن‬ ‫ولزيادة عدد املتابعني يجب �أن يكون ح�سابك على �أمت جاهزية‪� ،‬شام ً‬
‫تت�أكد من �أن الإعدادات �صحيحة‪ ،‬ومن توفر �صورة منا�سبة‪� ،‬إما �صورة للعالمة‬
‫التجارية‪� ،‬أو �صورة �شخ�صية‪ ،‬ويف�ضل عدم ا�ستخدام �صور عامة �أو �صور كاملة‬
‫للج�سم‪ ،‬ال تظهر املالمح‪ ،‬يف الإن�ستغرام من املهم �أن يتعرف عليك متابعوك‬
‫جيداً‪ ،‬و�أف�ضل حجم لل�صورة ال�شخ�صية هو ‪ 500×500‬بك�سل‪.‬‬
‫وعالوة على دقة و�ضوح ال�صورة‪ ،‬يجب �أن نكتب العبارات ب�شكل �أنيق وجميل‬
‫ومنظم‪ ،‬ويجدر بنا �أال نتحدث يف الكثري من املوا�ضيع كي ال نت�سبب بت�شتيت‬
‫املتابعني‪� ،‬إذ �إن ا�ستخدام الإن�ستغرام يقوم على قاعدة ‪ ،20/80‬حيث نركزعلى‬
‫من‬ ‫�أن تكون ‪ 80%‬من من�شوراتنا عن املو�ضوع الرئي�س حل�سابنا‪ ،‬ويكون ‪20%‬‬

‫حمتوى اجتماعي ًا م�سلي ًا جاذب ًا للتفاعل‪.‬‬


‫ً‬ ‫املن�شورات‬
‫ويجدر بنا �أن نكتب نبذة لطيفة‪ ،‬وجذابة‪ ،‬ومن�سقة يف ح�سابنا‪ ،‬حتى يتعرف‬
‫علينا املتابعون �أكرث‪ ،‬وال �رضر من ا�ستخدام الرموز التعبريية‪ ،‬لكن يجب‬
‫علينا �أن ن�أخذ باحل�سبان ب�أن النبذة يف الإن�ستغرام تتكون من ‪ 150‬خانة فقط‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫لذلك يف�ضل �أن نقوم بتق�سيم النبذة لق�سم �شخ�صي (مثل‪� :‬أب لثالث �أطفال)‪،‬‬
‫وق�سم عملي (مثل‪ :‬مدرب �إعالم اجتماعي)‪ ،‬ق�سم عن اهتماماتنا (مثل‪ :‬حماربة‬
‫ال�رسطان)‪ ،‬و�أن نذكر �أي�ض ًا مكان الإقامة (مثل‪ :‬عمان – الأردن)‪ ،‬و�أن ن�ضع‬
‫رابط ًا لـموقعنا الإلكرتوين �أو �صفحتنا على الفي�سبوك �أو اللينكد �إن‪� ،‬أو رابط‬
‫(‪.)About.me‬‬
‫ويظل اجتذاب املتابعني الهم الأكرب بالن�سبة ملواطني الإن�ستغرام‪ ،‬و�إنه ملن املهم �أن‬
‫ن�شعرهم باهتمامنا بهم و�أن نتفاعل معهم‪ ،‬فكل م�صممي الأزياء والطهاة والفنانني‬
‫يهتمون بر�أي النا�س فيما يقدمون! وعندما نقوم مبتابعة �أحد الأ�شخا�ص‪ ،‬وجتذبنا‬
‫�إليه االهتمامات امل�شرتكة‪ ،‬يجدر بنا متابعته والدخول �إىل ح�سابه و�إبداء �إعجابنا‬
‫ب�آخر من�شوراته‪ ،‬والتعليق على ما ين�رش لنثري ف�ضوله للدخول �إىل ح�سابنا‪ ،‬والتعرف‬
‫على اهتماماتنا ومتابعتنا‪ ،‬كما �أن هناك طريقة �أخرى جيدة لزيادة عدد املتابعني‬
‫الذين يت�شاركون معنا يف االهتمامات‪ ،‬ب�أن ن�س�أل �أنف�سنا من هو ال�شخ�ص‪ ،‬من‬
‫�أ�صحاب االهتمامات امل�شرتكة‪ ،‬الذي نتمنى �أن يكون ح�سابنا بقوة ح�سابه‪ ،‬و�أن‬
‫يكون لدينا عدد متابعني مثل عدد متابعيه‪ ،‬وبعد �أن نحدد هذا ال�شخ�ص ندخل‬
‫بع�ض من متابعيه‬
‫�إىل ح�سابه وننظر �إىل الذين يتابعونه ويتابعهم‪ ،‬ونقوم باختيار ٍ‬
‫الذين ي�شاركوننا اهتماماتنا ونقوم مبتابعتهم والتفاعل معهم‪.‬‬
‫و�إذا �أردنا �أن يكون ح�سابنا فعا ًال على الإن�ستغرام ووا�سع االنت�شار علينا �أن نقوم‬
‫بالن�رش ب�شكل م�ستمر‪ ،‬على الأقل مرة يف اليوم‪ ،‬و�أال تتجاوز من�شوراتنا الثالثة‬
‫من�شورات يف اليوم‪ ،‬وعلينا �أن نت�أكد من اختيار الها�شتاق ال�صحيح على ال�صور‬
‫والفيديو‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫�إذ �إن الها�شتاق يلعب دوراً هام ًا على من�صة االن�ستغرام‪ ،‬ومينح من�شورك انت�شاراً‬
‫وا�سع ًا خارج نطاق حلقة متابعيك‪ .‬ون�ستطيع ا�ستخدام �أكرث من نوع للها�شتاق‬
‫مثل‪ :‬الها�شتاق اخلا�ص باملكان‪ ،‬واملو�ضوع‪� ،‬أكرث الها�شتاقات رواج ًا يف العامل‪،‬‬
‫وي�سمح للم�ستخدم با�ستخدام ‪ 30‬ها�شتاق لكل من�شور‪ ،‬فقط‪ .‬ولكن التقارير‬
‫ت�شري �إال �أنه من الأف�ضل �أال تتجاوز ‪ 11‬ها�شتاق‪.‬‬
‫‪www.Saafee.com‬‬ ‫وقد عملت مع �صديقي مهند ناجي على �إطالق موقع‪:‬‬
‫مل�ساعدة امل�ستخدمني لإيجاد الها�شتاق املنا�سب جلمهورهم‪.‬‬
‫ومن املفيد جداً �أن نطلب‪� ،‬ضمن من�شوراتنا‪ ،‬من املتابعني �أن يبادروا �إىل القيام‬
‫‪ ،call‬مث ً‬
‫ال عند ن�رش امل�سابقات نطلب من‬ ‫‪of action‬‬ ‫بعمل �أو �إجراء معني‪،‬‬
‫امل�شرتكني عمل �إ�شارة ‪ Tag‬لـخم�سة من الأ�صدقاء للفوز‪� ،‬أو الطلب من املتابعني‬
‫التقاط �صور مع منتج �أو مع �شعار �رشكة‪ ،‬ون�رشها على ح�ساباتهم ال�شخ�صية‪،‬‬
‫وعمل �إ�شارة ‪ Tag‬حل�سابنا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ت�ضفي “الفالتر” والرموز التعبريية على من�شورات الإن�ستغرام‬
‫جاذبية‪ ،‬وت�ضيف رونق ًا وجما ًال جلمهورية �إن�ستغرام ب�شكل عام مما‬
‫مييزها عن غريها من املن�صات‪.‬‬
‫ومن املفيد �أن ن�شارك من�شورات الإن�ستغرام على من�صات الآخرين‪،‬‬
‫وكذلك �إ�ضافة �أ�صدقائنا على الفي�سبوك حل�سابنا على الإن�ستغرام‪،‬‬
‫والبحث عن كل من ي�شاركنا اهتماماتنا يف قائمة الإر�سال عن‬
‫طريق الربيد الإلكرتوين‪ ،‬و�إ�ضافتهم حل�سابنا على الإن�ستغرام‪.‬‬
‫وال بد لل�رشكات من �أن تتنبه �إىل ت�صوير منتجاتها �أثناء اال�ستخدام‪،‬‬
‫و�أال تكون ال�صورة فقط للمنتج وحده‪ ،‬فمن الأف�ضل �أن ال يكون‬
‫الت�صوير فقط للفعالية التي ن�رشف عليها �أو ن�شارك بها‪ ،‬ومن اجلميل‬
‫ن�رش �صور خلف الكوالي�س‪ ،‬مثل اال�ستعداد للفعالية‪ ،‬جتهيز املكان‪،‬‬
‫ترتيب املن�شورات ‪�...‬إلخ‪ ،‬ويجب �أال تكون ال�صور جميعها‬
‫جامدة‪ ،‬يف�ضل �إ�ضافة �صور عفوية‪ ...‬و�أثناء احلركة‪ ،‬مبا يظهر‬
‫العواطف وامل�شاعر‪ ،‬ومن اجلميل �إ�ضافة �صور “ال�سلفي”‪ ،‬لكن‬
‫يف�ضل عدم الإكثار منها‪ ،‬وكذلك ميكن �إعادة ن�رش �صور قدمية بني‬
‫احلني والآخر مع ا�ستخدام الها�شتاق‪ThrowBackThursday# :‬‬

‫وقبل �أن نرتك جمهورية الإن�ستغرام‪ ،‬ال بد يل من �أن �أذكر ب�أنها‬


‫موطن اجلمال والإبداع اخللاّ ق واحل�ضارة‪ ،‬وب�أن �ساكنيها هم‬
‫من ي�ؤثرون يف االجتاهات التي حتدد �أ�ساليب احلياة واملو�ضة‬
‫واالبتكارات اجلديدة يف عامل الت�صميم والفنون والثقافة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫ولكن �أي الدول الرقمية‪� ،‬أو بعبارة �أدق �أي املدن العاملية الرقمية‪ُ ،‬يقبل‬
‫عليها ال�شباب ويتناف�سون يف احل�صول على جن�سيتها؟ �إنهم بال �شك‬
‫يت�سابقون ملواطنة “�سناب �شات” التي حتاكي مدينة دبي التي حتت�ضن‬
‫املبدعني من ال�شباب‪ ،‬والتي متثل قيم املعا�رصة والتجديد والتنوع‪ ،‬والتي‬
‫تعد مدينة كوزموبوليتانية بامتياز‪.‬‬

‫انطلقت “�سناب �شات” عام ‪ ،2011‬من خالل تطبيق عرب الهاتف املحمول‪،‬‬
‫يتم حتميله جمان ًا‪ ،‬و ُيتيح مل�ستخدميه م�شاركة “اللقطات” من �صور‪ ،‬ومقاطع‬
‫فيديو ملدة معينة (‪� 1‬إىل ‪ 10‬ثواين) قبل �أن تختفي للأبد‪ ،‬حيث حتذف من‬
‫�أجهزة اخلوادم لدى “�سناب �شات”‪ ،‬مع �إمكانية االحتفاظ مبا مت �إر�ساله‬
‫�أو م�شاركته لوقت معني على جهاز امل�ستخدم‪� ،‬إ�ضافة �إىل ميزات متعددة‬
‫مثل الكتابة و�إ�ضافة الر�سومات على اللقطات وتنوع الفالتر‪ ،‬وم�شاهدة‬
‫لقطات الأ�صدقاء عرب ال�ضغط على ال�صور والفيديوهات �ضمن وقت حمدد‬
‫قبل �أن تختفي‪ .‬وم�شاركة املنا�سبات وتغطية الأحداث ب�شكل مبا�رش‪.‬‬
‫�سناب �شات موطن املراهقني والنا�شئة‪ ،‬حيث ت�شري التقارير �إىل �أن غالبية‬
‫م�ستخدمي �سناب �شات هم حتت عمر ‪� 34‬سنة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫وتظهر الإح�صائيات �أن �أكرث مواطني �سناب �شات العرب من اململكة العربية‬
‫ال�سعودية‪ ،‬ثم من دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬و�أن �أعمار املواطنني امل�شرتكني‬
‫الفعليني يف �سناب �شات‪ ،‬من العرب‪ ،‬ترتاوح مابني ‪� 20 16-‬سنة‪� .‬إن الذين حملوا‬
‫التطبيق يف العامل العربي ترتاوح �أعمارهم بني ‪� 50 16-‬سنة‪.‬‬
‫ويالحظ �أن ن�سبة امل�ستخدمني العرب ل�سناب �شات يف تزايد ملحوظ‪ ،‬و�أن‬
‫التفاعل مع من�صة �سناب �شات يف العامل العربي تفاعل كبري وم�ؤثر مقارنة بباقي‬
‫مناطق العامل‪ ،‬حيث يبلغ عدد امل�ستخدمني يف ال�رشق الأو�سط الذين ي�ستخدمون‬
‫�سناب �شات يومي ًا‪ ،‬ويتفاعلون مع ما ين�رش عليه‪� ،‬إما مب�شاركة املحتوى من �صور‬
‫وفيديو ولقطات‪� ،‬أو مب�شاهدة وت�صفح من�شورات الآخرين‪ ،‬ما يقارب �سبعة‬
‫ماليني م�ستخدم‪.‬‬

‫يعترب “�سناب �شات” التطبيق الوحيد الذي ير�صد‬


‫الأحداث‪ ،‬ويعر�ضها ب�شكل مبا�رش‪ ،‬ويتماهى مع �رشط‬
‫الزمن الفعلي للعامل الرقمي‪ ،‬وقد �أتاح �أخرياً فر�صة‬
‫عر�ض اللقطات ال�سابقة التي مت حفظها يف اال�ستوديو‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫ازدادت �شعبية “�سناب �شات” حلد كبري وجتاوز عدد م�ستخدميه املائة‬
‫والثمانية وال�سبعني مليون م�ستخدم يومي‪ ،‬و�أكرث من ثالثمائة وواحد‬
‫مليارات من�شور‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫مليون م�ستخدم �شهري‪ ،‬وينتجون �أكرث من‬
‫وي�شاهد الفيديوهات التي يتم حتميلها على �سناب �شات‪� ،‬أكرث من ‪10‬‬

‫مليارات م�شاهد يومي ًا‪.‬‬


‫ويقال �إن امل�شرتك الواحد يحتاج �إىل �أكرث من ع�رش �سنوات مل�شاهدة‬
‫ما ين�رش يف �ساعة واحدة من الفيديوهات على من�صة �سناب �شات‪.‬‬
‫وقد �سعت كربى �رشكات التوا�صل االجتماعي لال�ستحواذ عليه‪،‬‬
‫مثل في�سبوك التي قدمت عر�ض ًا ل�رشائه بثالثة مليارات دوالر‪ ،‬ثم‬
‫�رشكة غوغل التي قدمت عر�ض ًا ل�رشائه ب�أربعة مليارات دوالر‪ ،‬ولكن‬
‫م�ؤ�س�س �سناب �شات رف�ض كال العر�ضني‪� ،‬إميان ًا منه ب�أن قيمة “�سناب‬
‫�شات” �ستزداد تباع ًا باالعتماد على النمو املتوا�صل الذي حتققه‪.‬‬
‫وميكن �إ�ضافة الأ�صدقاء �أو متابعة ح�سابات امل�شاهري من خالل البحث‬
‫با�ستخدام ا�سم احل�ساب‪� ،‬أو من خالل قائمة الأ�صدقاء على الهاتف �أو‬
‫الربيد الإلكرتوين �أو بالبحث عن احل�سابات جغرافي ًا عرب ال�سناب كود‬
‫“‪ ،”SnapCode‬الذي يقوم ب�إجراء فح�ص رقمي للو�صول للح�ساب‪،‬‬
‫وهي طريقة م�سلية جداً‪.‬‬
‫ويوفر “�سناب �شات” خا�صية البحث عن احل�سابات ح�سب املوا�ضيع‬
‫يف خانة البحث التي تظهر �أعلى الق�ص�ص املتداولة‪ ،‬كما �أن هناك‬
‫ت�صنيفات متعددة للح�سابات مثل ح�سابات ال�سفر‪ ،‬واملو�سيقى‪،‬‬
‫والريا�ضة‪ ،‬والأزياء‪ ،‬وغريها‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫وميكن ن�رش ح�سابنا عرب من�صات التوا�صل االجتماعي‬
‫بن�رش �سناب كود “‪ ”SnapCode‬اخلا�ص بنا‪،‬‬
‫للح�صول على املتابعني والأ�صدقاء‪.‬‬
‫وقد كانت �سناب �شات �سباقة يف تقدمي الق�ص�ص‬
‫احلية التي تت�ضمن لقطات عدة ثم ق َلدتها باقي‬
‫املن�صات االجتماعية‪ ،‬وميكن �إر�سال الق�ص�ص احلية‬
‫�إىل �شخ�ص معني �أو �إىل جميع الأ�صدقاء �أو املتابعني‪.‬‬
‫�إن �سناب �شات ت�ضعنا على حافة امل�ستقبل بالعديد‬
‫من الأدوات التي ت�ستخدمها‪ ،‬وبا�ستئثارها بال�شباب‬
‫والنا�شئة‪ ،‬الذين �سي�شكلون العامل يف العقود املقبلة‬
‫مبا ين�رشونه من �أفكار وما يج�سدونه من واقع‪.‬‬
‫ولكن يبقى ال�س�ؤال الأهم‪� :‬إىل �أين ت�سري بنا جغرافيا‬
‫العامل الرقمي؟‬

‫ومع العدد الهائل من ممالك ودول العامل الرقمي‬


‫كيف �ستكون كينونتنا الرقمية‪ ،‬وكيف �ستتغري‬
‫هويتنا يف ال�سنوات املقبلة؟‬

‫لنا وقفة مع هذه الأ�سئلة يف الف�صل اخلام�س من هذا‬


‫الكتاب‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫الفصل الرابع | مواطنة العوامل الرقمية األخرى‬

‫‪99‬‬
‫“لقد مت القضاء على‬
‫اخلصوصية يف عاملنا‬
‫ببندقية منصات التواصل‬
‫االجتماعي”‬

‫بيت كاشمور‬
‫مؤسس موقع ماشابل‬
‫الفصل اخلامس‬

‫ممالك العامل‬
‫الرقمي ومستقبلنا‬

‫‪102‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫ممالك العامل‬
‫الرقمي ومستقبلنا‬

‫�أوا�صل العمل مع �رشكة زين بكل حما�س‬


‫واندفاع‪ ،‬وقد �أك�سبني عملي لديها خربة‬
‫نوعية ور�ؤية �شمولية لكل ما ي�ستجد يف‬
‫“دول وممالك العامل الرقمي”‪ ،‬وذلك‬
‫عرب العديد من الأن�شطة والفعاليات‬
‫التي ننظمها‪ ،‬وكنت ومازلت �أ�ؤكد �أن‬
‫علينا دائم ًا اال�ستهداء باملراجع القيمة‬
‫واال�سرت�شاد ب�أف�ضل املمار�سات‪ ،‬فقد‬
‫تغريت فكرة االبتكار يف العامل الرقمي‪،‬‬
‫فلي�س املبتكر اخلالق من يعيد ابتكار‬
‫العجلة‪� ،‬إمنا من يوجه ما هو متوفر من‬
‫ابتكارات خلدمة ر�ؤية خالقة‪.‬‬
‫ف�أنا دائم ًا �أ�ستلهم جتارب الآخرين الذين‬
‫خطوا خطوات كبرية كي �أوا�صل معهم‬
‫امل�سرية نحو �أفق جديد‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫وعاملي اليوم‪ ،‬العامل الواقعي‪ ،‬والعامل الرقمي‪ ،‬مثل كف مفتوحة لنا كي نرتاد‬
‫الدروب ونعيد اكت�شاف ذواتنا وحميطنا‪.‬‬
‫قمنا بالعديد من املبادرات من خالل �رشكة زين‪ ،‬وقد كان لها �صدى طيب‪ ،‬وقد‬
‫�ألهمتني املادة الدعائية لل�سوبر بول لأرنولد �شوارزجنر فكرة االحتفال باملعجب‬
‫املليون ب�صفحة زين على الفي�سبوك‪.‬‬

‫وكذلك بادرت �إىل تقدمي فكرة ‪ #‬دربك_ زين‪ ،‬وهي مبادرة لزيارة املدن‬
‫واملواقع الأردنية ب�صحبة ن�شطاء من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬وقد فوجئنا‬
‫ب�أن �أحد التفا�صيل ال�صغرية‪ ،‬املتمثل بتقدمي جم�سم ب�شكل ها�شتاق املدينة‪،‬‬
‫جعل كل ال�رصوح مالذاً لكل من يريد �أن يت�صور �سلفي‪.‬‬

‫وكذلك تطورت م�شاريعي التجارية والتطوعية‪ ،‬فقد قمت ب�سل�سلة من‬


‫الزيارات للمدار�س كي �أحتدث عن موا�ضيع هامة بالن�سبة للطالب‪ ،‬مثل “التنمر‬
‫الإلكرتوين”‪ ،‬والرتبية الرقمية‪ ،‬وقدمت العديد من الدورات التدريبية للجمهور‬
‫ومل�ؤ�س�سات القطاع اخلا�ص‪ ،‬وال�سفارات‪ ،‬ومنها ال�سفارة الربيطانية والكندية‪،‬‬
‫وقد دربت ال�سفري الربيطاين‪ ،‬الذي ال يزال يتحدث عن �أول دورة تدريب له معي‬
‫على تويرت‪ ،‬وكذلك دربت ال�سفرية ال�سوي�رسية ال�سابقة‪.‬‬
‫و�أوا�صل امل�شاركة يف امل�ؤمترات املحلية والإقليمية‪ ،‬و�أقدم �أوراق البحث املرتبطة‬
‫ارتباط ًا وثيق ًا مبن�صات التوا�صل والعامل الرقمي‪ ،‬ولكن بد�أت تت�شكل لدي‬
‫اجتاهات جديدة‪ ،‬ورمبا حتفظات تتعلق مب�ستقبلي وم�ستقبل من�صات �أو ممالك‬
‫التوا�صل االجتماعي (كما يحلو يل �أن �أ�سميها)‪ ،‬وم�ستقبلنا جميع ًا‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫قالت يل ابنتي يوم ًا وهي يف عمر الأربع �سنوات (�أبي �أنا �أهم من الهاتف)‪ ،‬وقد‬
‫يف كثرياً‪ ،‬و�أ�صبحت �أ�سعى دائم ًا �أن �أ�ضع الهاتف يف جيبي بد ًال من �أن‬
‫�أثر ذلك ّ‬
‫�أ�ضعه �أمامي و�أحاول عدم االن�شغال به‪ ،‬لأوفر لها وقت ًا‪ .‬فقد �أحدثت التكنولوجيا‬
‫ب�شكل عام والإنرتنت‪ ،‬قبل الإعالم االجتماعي‪� ،‬رشخ ًا كبرياً يف املعتقدات من‬
‫خالل �إف�ساح جمال للتوا�صل ب�شكل �أتاح �سقف ًا من احلريات ال ي�ستمتع الأفراد به‬
‫يف احلياة الواقعية‪ .‬ال�شبكات الإعالمية عبارة عن جمهر ُيظهر العيوب واحل�سنات‪،‬‬
‫وال بد لنا من االلتفات �إىل �سلوكياتنا‪ ،‬فلو وجهنا اللوم �إىل �أدوات التوا�صل‬
‫االجتماعي‪� ،‬سنغدو كمن يلوم ال�سيارة‪ ،‬عندما يرتكب ال�سائقون الأخطاء‪ .‬هناك‬
‫دائم ًا مراحل متنامية‪ ،‬وهناك خربة يكت�سبها النا�س من خالل تعاملهم مع و�سائل‬
‫التوا�صل‪ ،‬فلو انت�رشت عادة لفرتة زمنية‪ ،‬مثل االكتفاء بالتهاين والتعزية على‬
‫�صفحات التوا�صل ومن خالل التطبيقات يف جمتمعاتنا‪ ،‬يتم ت�صحيحها بالعودة‬
‫لعادات النا�س واالتفاق على ممار�سات اجتماعية معينة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫يف املا�ضي كان النا�س عبارة عن جمهور مطلق‪ ،‬و�أ�صبحوا منتجني للمحتوى‪،‬‬
‫وم�شاركني يف ر�سم التوجهات وتغيري الر�أي العام وال�سيا�سات‪ ،‬وهنا يقع على‬
‫عاتقنا م�س�ؤولية كبرية‪� ،‬إذ ينبغي �أن نتحرى م�صداقية و�صحة الأخبار قبل ن�رشها‪.‬‬
‫�أ�صبحت املن�صات تغري �سيا�ستها لتحد من انت�شار الأخبار الكاذبة‪ ،‬حيث‬
‫تتيح للم�شرتكني التبليغ عن مثل هذه الأخبار‪ ،‬ويتم حذفها فوراً‪ ،‬وهناك بع�ض‬
‫احل�سابات التي تتحرى �صحة ما ين�رش مثل (�صحح خربك)‪.‬‬
‫وما زلنا متخبطني غري م�ستقرين على ر�أي فيما يخ�ص �سلوكنا على من�صات‬
‫التوا�صل‪.‬‬
‫فنحن ن�شارك بر�أينا‪ ،‬ونعلن عن‬
‫�أفكارنا للجماهري ونناق�ش ق�ضاياهم‪،‬‬
‫ونت�أمل كثرياً لأن كل ما نن�رشه‬
‫ت�ستغله جهات عدة لتحقيق م�آرب‬
‫جتارية و�سيا�سية‪ ،‬ورمبا �إجرامية‪...‬‬
‫وتواجهنا الآن م�س�ألة �أمننا و�أمن‬
‫�أبنائنا‪ ،‬فنحن ن�سعى جاهدين حلماية‬
‫�أطفالنا من الغرباء‪ ،‬ولكن باملقابل‬
‫�أ�صبحنا ن�شرتي لهم الكمبيوتر‬
‫ب�أعلى الأثمان‪،‬‬ ‫‪Tablet‬‬ ‫اللوحي‬
‫ليتعاملوا بالنتيجة مع الغرباء ب�شكل‬
‫�أخطر و�أكرب بكثري مما نتوقع!‬

‫‪106‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫من ال�سذاجة �أن نت�صور ب�أن العامل الرقمي �سي�أخذ واقع ًا م�ستقراً ال يتغري؛ �إذ �إن من‬
‫�أكرب املع�ضالت التي تواجهنا مع�ضلة توالد املن�صات االجتماعية ب�شكل مت�سارع‪،‬‬
‫والتغريات التي تطر�أ على املن�صات احلالية‪ ،‬وعلى واقع العامل االفرتا�ضي الذي‬
‫ي�ؤثر يف عاملنا الواقعي ويت�أثر به كثرياً‪.‬‬
‫وهناك الكثري من من�صات التوا�صل املعروفة ورمبا غري املعروفة لدى البع�ض‪،‬‬
‫ومن املن�صات اجلديدة من�صة ‪ ،amazon spark‬املخ�ص�صة للذين لديهم ح�سابات‬
‫على موقع الأمازون‪ ،‬ومن�صة ‪ Author‬التي تتيح للك ّتاب ت�سجيل وتبادل مقاطع‬
‫ومقتب�سات من كتاباتهم‪ ،‬ومن�صة ‪ ،Google My Business‬وهذه املن�صة قائمة‬
‫على تطبيق جديد �أطلقته �رشكة غوغل ي�سمح لأ�صحاب‬
‫الأعمال وال�رشكات بالتوا�صل ب�شكل مبا�رش مع املتعاملني‪،‬‬
‫ومن�صة ‪ Vero‬التي ت�سعى لزيادة التفاعل االجتماعي بعيداً عن‬
‫الت�سويق والإعالنات‪ ،‬على الرغم من �أن هذه املن�صة مت �إطالقها‬
‫�إال �أنها بد�أت ت�ستحوذ على االهتمام �أخرياً‪ ،‬وقد‬ ‫‪2015‬‬ ‫يف‬
‫ارتقى تطبيقها �إىل مقدمة التطبيقات املجانية على متجر �أبل‪،‬‬
‫وهناك �أي�ض ًا من�صة ‪ ،Facecast‬التي متكن امل�ستخدم من البحث‬
‫ع�شوائي ًا عن الأ�شخا�ص يف الأماكن املحيطة به‪ ،‬والتوا�صل‬
‫معهم عرب حمادثات فيديو والت�شارك معهم باالهتمامات‪ ،‬ومن�صة‬
‫‪ ،Mastodon.‬وهي �شبكة اجتماعية مفتوحة امل�صدر‬ ‫‪Social‬‬

‫قُدمت بدي ً‬
‫ال عن �شبكة التوا�صل االجتماعي ال�شهرية تويرت‬
‫‪ ،Twitter‬يتم فيها م�شاركة من�شورات ال تتعدى ‪ 500‬حرف‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫املخ�ص�صة لعر�ض وتقدمي و�سائل‬ ‫‪Caffeine‬‬ ‫ومن �أكرث املن�صات جذب ًا‪ ،‬من�صة‬
‫الرتفيه والت�سلية‪ ،‬الألعاب‪ ،‬والفنون الإبداعية املبتكرة‪.‬‬
‫‪ ، Date My Pet‬و ‪ZiiTrend‬‬ ‫و‬ ‫وهناك ‪ Intellectconnect‬و ‪Match a Dream‬‬

‫وما ذكرناه �إال غي�ض من في�ض‪ ،‬فمن�صات التوا�صل االجتماعي تتكاثر ب�رسعة‬
‫هائلة‪ ،‬والأ�شهر منها تتغري ب�رسعة هائلة للحفاظ على مكانتها‪.‬‬

‫ويف خ�ضم كل هذا‪ ،‬قد يت�ساءل املرء ما هي امليزات التي حتافظ على مكانة‬
‫“ممالك العامل االفرتا�ضي”‪ ،‬ورمبا ت�سمح لغريها بالظهور وتر�سيخ مكانته يف‬
‫الأيام املقبلة‪.‬‬

‫�إننا ال ننكر �أن من�صات التوا�صل االجتماعي منحت �أ�شخا�ص ًا عاديني م�ساحة‬
‫عاملية لن�رش حمتواهم‪ ،‬وقد جعل ذلك بع�ض ه�ؤالء الأ�شخا�ص م�شاهري ب�سبب‬
‫حمتواهم املتميز‪ ،‬ولكن تظل م�س�ألة خ�صو�صية مواطني هذه املمالك (م�ستخدمي‬
‫املن�صات) ت�شكل احلجر الأ�سا�س يف ك�سب ثقتهم ووالئهم‪ .‬فبعد الف�ضائح‬
‫املتتالية لأكرب املن�صات‪ ،‬املتعلقة بك�شف بيانات امل�ستخدمني اخلا�صة �أو بيعها‪،‬‬
‫وبعد الكثري من احلوادث وحاالت الطالق ورمبا اجلرائم‪ ،‬وا�ستغالل الأطفال‪،‬‬
‫باتت م�س�ألة اخل�صو�صية يف املقام الأول‪ ،‬وغدت ال�رشط الأول لطلب املواطنة‪.‬‬
‫فهذا العامل الذي ال يدخر و�سيلة لتوفري �أف�ضل و�أ�رسع و�أرخ�ص و�سائل التوا�صل‬
‫واالت�صال‪ ،‬بات مرعب ًا‪ ،‬ال يتمتع فيه الفرد ب�أقل درجات الأمان‪ ،‬وبات املرء فيه‬
‫منتهك ًا �إىل �أق�صى احلدود‪� ،‬أكرث بكثري من العامل الواقعي مهما تع�سفت �أنظمته‪،‬‬
‫وانتهكت خ�صو�صية الأفراد‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫يف الكون الرقمي ل�ست بحاجة �إىل �أن تبني مباين عمالقة‪،‬‬
‫وتوظف عدداً هائ ً‬
‫ال من املخربين لكي تتعقب النا�س وحت�صي‬
‫عليها �أنفا�سها‪ ،‬كما كانت �أملانيا ال�رشقية تفعل من خالل‬
‫وزارة �أمن الدولة‪�“ ،‬شتازي”‪� ،‬أو “بيت الألف عني” كما‬
‫كان يطلق عليه الأملان‪ .‬لقد كان رجاله متغلغلني يف كل‬
‫مكان‪ ،‬يف املدار�س وامل�صانع واملكاتب واملقاهي واجلامعات‪،‬‬
‫وحتى داخل العائلة الواحدة‪ ،‬وقد احتاج هذا اجلهاز �إىل �أن‬
‫يوظف �أكرث من ‪� 400‬ألف موظف ومنت�سب وعميل‪ ،‬وقد‬
‫خ�ص�ص اجلهاز مبنى �ضخم ًا فيه خزانات حتتوي على �آثار‬
‫لكل مواطن ‪ ”-‬قطع مالب�س‪ ،‬حوائج‪� ،‬شعر‪� ،‬إلخ)‪ -‬تتدرب‬
‫الكالب على �شمها‪ ،‬لكي ي�سهل جلب �أي مواطن يريدونه‪.‬‬
‫اليوم ال يحتاج الأمر ل�شيء مما كانت �أجهزة الأمن تعتني به‬
‫وتدفع له الأموال الطائلة‪.‬‬
‫لدى من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬التي ينتمي لها �أجيال‬
‫يحتفظ ب�أدق‬ ‫‪Server‬‬ ‫من كل دول العامل‪ ،‬جهاز خادم‪،‬‬
‫املعلومات عن كل مواطني العامل االفرتا�ضي والواقعي‪ ،‬دون‬
‫�أدنى عناء �أو ريب‪� ،‬إذ يبادر كل الأ�شخا�ص ب�إرادتهم احلرة‬
‫بتدوين كل �شيء عنهم وتثبيت �صورهم‪ ،‬والأخبار عن �أماكن‬
‫وجودهم وتنقلهم‪ ،‬ويظهرون انتماءاتهم و�أيديولوجياتهم‬
‫ومن ينا�رصون ومن يعار�ضون‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫وما �أ�سهل �أن ي�سجل املرء كل املعلومات التي كان احل�صول عليها يتطلب جهوداً‬
‫م�ضنية من التق�صي ورمبا التج�س�س وال�سفر عرب القارات والدول‪.‬‬

‫وقد بد�أ الكثريون يتخلون عن مواطنتهم يف ممالك العامل الرقمي‪ ،‬وين�سحبون‬


‫من الف�ضاء ال�سيبريي بعد ما �أ�صابهم ما �أ�صابهم‪ ،‬ومل تعد تغريهم مقولة‬
‫“توا�صلوا مع �أي �شخ�ص �أو جهة �ضمن الزمن الفعلي يف �أي مكان �أو زمان”‪،‬‬
‫فقد تبني �أن “وراء الأكمة ما وراءها”‪ ،‬و�أن ثمن هذا التوا�صل باهظ للغاية‪.‬‬

‫ٍّ‬
‫وتخل عن اجلن�سية دون �أدنى‬ ‫رحيل‬
‫ٍ‬ ‫وبد�أت تلك املمالك العمالقة تواجه �أزمة‬
‫اكرتاث‪ .‬فلو اعتربنا الفي�سبوك بلداً فقد غدا �أكرب من ال�صني والهند‪ ،‬حيث جتاوز‬
‫عدد م�ستخدميه حاجز الـ ‪ 2‬مليار م�ستخدم حول العامل‪ ،‬ولنا �أن نتخيل كيف ميكن‬
‫لهذه الإمرباطورية العمالقة �أن تفقد �أكرث من ن�صف مواطنيها بني ليلة و�ضحاها‬
‫نتيجة ف�ضيحة اخرتاق اخل�صو�صية‪ ،‬ولي�س نتيجة حلرب عاملية �أو كارثة بيئية‪.‬‬
‫هناك من�صات للتوا�صل االجتماعي بد�أت تويل هذا اجلانب اهتمام ًا كبرياً‪،‬‬
‫وبد�أت ت�ؤ�س�س ملن�صة تتحلى ب�شفافية وال حتتفظ ببيانات امل�شرتكني �أو ت�شاركها‬
‫مع �أي جهات �أخرى‪ ،‬بل يكت�سب املنتمي لهذه اململكة نقاط ًا ميكن حتويلها لنقود‬
‫نقد‪ ،‬من خالل نظام املكاف�آت‬
‫�أو لعملة مايندز الرقمية مما يتيح حتويل املحتوى �إىل ٍ‬
‫القائم على احلوافز‪ ،‬ويبقى تنامي هذه ال�شبكة مقرتن ًا بثقة مواطنيها‪ ،‬فكل دول‬
‫العامل الرقمي لديها د�ساتريها‪ ،‬ولكن معظمها ال يحرتم تلك الد�ساتري‪ ،‬ولن يلدغ‬
‫مواطنو املمالك الرقمية من زل ٍة مرتني‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫هنا �س�أ�ستعري مقولة متداولة عاملي ًا حول �أهداف من�صات التوا�صل االجتماعي‬
‫املجانية‪�“ :‬إذا مل تدفع مقابل اخلدمة فاعلم ب�أنه قد مت ا�ستغاللك لغايات ترويجية”‪،‬‬
‫ففي من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬يتم ا�ستخدام معلومات كل م�ستخدم ب�شكل‬
‫منطي‪ ،‬ومنحها للمعلنني على املن�صة‪ ،‬وهذا هو الفرق بني الرتويج التقليدي‬
‫والرتويج اجلديد‪ ،‬ولكن لنفكر باملو�ضوع �أكرث‪ ،‬هل معلوماتنا الدميوغرافية كل‬
‫ما يحتاجه الفي�سبوك؟ للأ�سف ف�أنا �أ�شبه �رشكة الفي�سبوك باحلوت الأزرق‪ ،‬دائما‬
‫تطلب املزيد وال ت�شبع �أبداً!‬
‫فمث ً‬
‫ال هناك الكثري من التقارير تقول ب�أن تطبيق الرتا�سل اخلا�ص للفي�سبوك ي�ستخدم‬
‫املايكروفون على املوبايل لال�ستماع (التن�صت) علينا طوال الوقت‪ ،‬لري�صد‬
‫كلمات معينة ت�ساعده يف حتديد الإعالنات املنا�سبة التي �سيتم ا�ستهدافنا بها‪.‬‬
‫والكثري منا الحظ �أنه بعد نقا�شه ملو�ضوع معني مع �أفراد �أ�رسته �أو �أ�صدقائه �أو زمالئه‬
‫تظهر له �إعالنات ومعلومات عن املو�ضوع ذاته على �صفحات “الفي�سبوك” �أو‬
‫غوغل‪ ،‬وذلك لأن هاتني ال�رشكتني تتن�صتان علينا وتر�صدان كلمات معينة‪،‬‬
‫ت�ستخدمانها يف ا�ستهداف ال�رشائح التي تتوجه �إليها �إعالناتهم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫وقد بد�أ الفي�سيوك بقراءة �أفكار النا�س من خالل ا�ستحواذه على �رشكة نا�شئة‬
‫أدوات للتحليل التنبئي ‪ ،Predictive Analysis‬ومن خالل هذه‬
‫جديدة تقدم � ٍ‬
‫الأدوات يقوم الفي�سبوك بر�صد املعلومات والبيانات اخلا�صة بك وحتليلها‪،‬‬
‫وي�ستنتج ت�رصفاتك و�أفكارك امل�ستقبلية ويقوم ب�إعادة ت�شكيل خطك الزمني‬
‫واملحتوى الذي يظهر لديك‪ ،‬حتى ير�سخ لديك �أفكاراً معينة بهدف بيعك‬
‫منتجات �أو خدمات �أو حتى �أفكار معينة‪.‬‬
‫يذكرين هذا بفيلم ال تفقد الرتكيز ‪ Focus‬للممثل ويل �سميث؛ اخلط الأ�سا�سي‬
‫ب�سيط‪ .‬ن�صاب و�سيم‪ ،‬مرح يقابل ن�صابة فاتنة‪ ،‬مبتدئة‪ ،‬و ُيعلمها �أن اللعبة دائم ًا‬
‫هي جذب انتباه و “تركيز” ال�ضحية لنقطة ما بكل ما منلك من �أدوات‪ ،‬ثم‬
‫خداعها‪ .‬يقابل بطل الفيلم مقامر �صيني كبري يريد �أن يراهن على مباراة كرة‬
‫القدم الأمريكية‪ ،‬فراهنه بطل الفيلم على �أن يفكر يف �أي رقم دون �أن يخربه عنه‪،‬‬
‫و�سوف تعرف �صديقته الرقم‪ ،‬وقد تفاج�أت �صديقته وقالت له‪“ ،‬كيف يل �أن‬
‫�أعرف الرقم”‪ ،‬فقال لها ال تقلقي‪ ،‬فقط �شاهدي املباراة و�سوف تعرفني الرقم‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫بد�أت �صديقته مب�شاهدة الفيلم والحظت �أن �أحد الالعبني‪� ،‬صديقهم‪ ،‬كان يرتدي‬
‫“تي �شريت” رقمه ‪ ،55‬ومل يكن قد �أخربها ويل ب�أن �صديقهم �سيلعب مع الفريق‪،‬‬
‫ففهمت‪ ،‬و�أخربت املقامر ال�صيني بالرقم ‪ 55‬فجن جنونه لأنه الرقم الذي �ضمره‬
‫�أو فكر فيه‪ ،‬وبعدما غادرا‪� ...‬س�ألت ويل “ كيف مت هذا؟” وات�ضح �أن العاملني‬
‫مع ويل يراقبون ال�شخ�ص ال�صيني منذ فرتة‪ ،‬وقد عملوا جاهدين �أن يظهر له الرقم‬
‫‪ 55‬يف كل �شيء يف حميطه‪ ،‬فعندما نزل يف الفندق‪ ،‬حجزوا له الغرفة ‪ ،55‬ويف‬
‫ال�شارع عرب احل�شود كان يرفعون الفتة عليها الرقم ‪ ،55‬وا�ستقبله عمال الفندق‬
‫وعلى ياقات �سرتاتهم الرقم ‪� ،55‬إلخ‪ .‬وهكذا متكنوا من زرع الرقم ‪ 55‬يف ذاكرته‬
‫بطريقة من خالل الالوعي‪ ،‬فعندما فكر باختيار رقم‪ ،‬اختار الرقم ‪.55‬‬

‫وتركيز الفي�سبوك على �إحاطتنا مبعلومات حمددة و�إظهارها ب�شتى الأ�ساليب‪،‬‬


‫يهدف �إىل جعلها ت�ستقر يف عقولنا من خالل الالوعي‪ ،‬وبالتايل توجيهنا ملا‬
‫يريد‪� .‬أي من�صة تعرف الكثري عنا‪ ،‬حتكمنا وت�سيطر علينا‪.‬‬

‫ال تكتفي املن�صات با�ستخدام املعلومات التي حت�صل عليها‪� ،‬أو بيعها لطرف‬
‫خارجي على ما هي عليه كي ي�ستفيد منها‪ ،‬بل ت�ستثمر كل الأدوات والعلوم التي‬
‫متكنها من حتليلها ودرا�ستها حتى تتعرف علينا �أكرث مما نعرف �أنف�سنا! ومن �أبرز‬
‫هذه العلوم‪ ،‬علم نف�س ال�شخ�صية �أو “ال�سايكوغرافيك” الذي يدر�س التوجهات‬
‫النف�سية االجتماعية لدى كل واحد منا‪ ،‬با�ستثمار درا�سة لأ�ستاذين جامعيني؛‬
‫ت�سمى ا�سرتاتيجية ‪ ،Ocean‬وتعتمد هذه اال�سرتاتيجية على �أن اال�ستهداف‬
‫الإعالمي �أو ال�سيا�سي �أو االجتماعي يعتمد على الطبائع �أو ال�سمات ال�شخ�صية‬
‫الرئي�سة اخلم�س‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪113‬‬
‫طبيعة االنفتاح ‪ ،openness‬التي متثل ال�شخ�ص املنفتح على حميطه ورغبته‬
‫يف اال�ستك�شاف‪ ،‬وتقبله للتجارب اجلديدة وتقديره للفن والإبداع‪.‬‬
‫طبيعة الوعي املتيقظ �أو ال�ضمري احلي ‪ ،conscientiousness‬والتي متثل ال�شخ�ص‬
‫املتعلق بالأنظمة والعقائد وال ّتعليمات وفكرة العرف والواجب وتهمه الو�سيلة‬
‫التي تو�صله للغاية‪ ،‬وهو دائما على درجة من احلذر و�ضبط النف�س‪.‬‬
‫طبيعة انب�ساط النف�س والرغبة يف التعارف واملخالطة ‪ ،Extraversion‬والتي‬
‫متثل ال�شخ�ص الذي ي�سعى لالندماج مبحيطه‪ ،‬وبرت�سيخ دوره االجتماعي‬
‫بفاعلية‪ ،‬وجند هذه الطبيعة لدى الأ�شخا�ص الذين يتمتعون بالثقة بالنف�س‬
‫وتتملكهم امل�شاعر الإيجابية‪.‬‬
‫الطبيعة التوافقية ‪ ،Agreeableness‬ومتثل الأ�شخا�ص الذين يثقون مبن‬
‫حولهم‪ ،‬مييلون �إىل م�ساعدة الآخرين ويغلب على �سجيتهم اللطف وح�سن‬
‫املعاملة‪.‬‬
‫�أما الطبيعة الأخرية‪ ،‬فهي الطبيعة الع�صابية القلقة ‪ ، Neuroticism‬والتي‬
‫ميثلها الأ�شخا�ص الذين يغلب عليهم القلق واالرتياب يف الآخرين ويف‬
‫نواياهم‪ ،‬وتهاجمهم امل�شاعر ال�سلبية‪ ،‬ويفقدون التوازن النف�سي‪.‬‬

‫وتدر�س املن�صات مفتاح كل �شخ�صية‪ ،‬ودور ذلك املفتاح يف مترير الإعالنات‬


‫وزيادة املبيعات‪ ،‬وحتقيق القبول خلدمة �أو �سلعة �أو فكرة‪ ،‬والنقطة املهمة‬
‫هنا هو �آلية ربط كل م�ستخدم على املن�صات “الفي�سبوك‪ ،‬مث ً‬
‫ال” ب�إحدى‬
‫ال�شخ�صيات اخلم�س‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫وقد قدم الأ�ستاذان مث ً‬


‫ال على ا�سرتاتيجيتهما يتعلق بحق‬
‫امتالك ال�سالح يف املجتمع الأمريكي‪ ،‬وقد مت ت�صميم‬
‫الر�سالة الإعالمية اخلا�صة مبو�ضوع حرية امتالك ال�سالح‬
‫بفكرتني‪ ،‬ال�صورة الأوىل تت�ضمن ترهيب ًا من خالل �صورة‬
‫ل�شخ�ص يخرتق زجاج البيت ويهدد �ساكنيه‪ ،‬وع ّلقا على‬
‫ال�صورة بالعبارة‪“ ،‬لمِ َ ترتكه يهددك ويهدد �أ�رستك؟ لك كامل‬
‫احلق بالدفاع عن نف�سك؟”‪ ،‬بينما الفكرة الثانية ت�ضمنت‬
‫�صورة ل�شخ�ص يجل�س هو وحفيده يف رحلة �صيد‪ ،‬وقد‬
‫ا�صطادا بطة‪ ،‬وقاما بالتعليق على ال�صورة‪ ،‬بالعبارة‪�“ ،‬أتذكر‬
‫كيف كان يعلمك جدك ال�صيد؟ ال جتعل �أحداً ي�رسق منك‬
‫الذكريات‪ ،‬لك مطلق احلق يف امتالك ال�سالح”‪.‬‬
‫‪Cambridge‬‬ ‫وقد ا�ستخدمت �رشكة كامربيدج �أناليتيكا‬
‫‪ -‬التي اتهمت با�ستخدام معلومات �شخ�صية‬ ‫‪Analytica‬‬

‫للغاية ح�صلت عليها من موقع التوا�صل االجتماعي في�سبوك‬


‫دون �إذن من اجلهات املعنية بالأمر‪ -‬ا�سرتاتيجية م�شابهة‬
‫جلمع �أكرب قدر من املعلومات عنا‪ ،‬وكلنا يتذكر كيف كان‬
‫يظهر لنا �ألعاب وا�ستبيانات خمتلفة لكي نعرف من ن�شبه من‬
‫املمثلني‪ ،‬وماذا كنا �سنفعل لو مت تعيني �أحدنا رئي�س ًا ليوم‬
‫واحد‪ ،‬وما هي �أكرث لوحة نحبها‪� ،‬أو من هو �أعظم مو�سيقار‬
‫بر�أينا‪� ،‬إلخ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫كل هذه الألعاب لي�س �إال �أداة ملعرفة املزيد عنا والت�أثري على �سلوكنا وتوجهاتنا‪.‬‬

‫وقد قامت من�صة الفي�سبوك يف �أملانيا بتجربة ملعرفة مدى ت�أثري الفي�سبوك على‬
‫االجتاهات النف�سية لدى امل�شاركني والزوار؛ �إذ قامت من�صة الفي�سبوك بو�ضع‬
‫حمتوى معني بهدف رفع ن�سبة الك�آبة لديهم‪ ،‬وقد جنحت التجربة وجعل هذا‬
‫املحتوى امل�شرتكني والزائرين كئيبني‪.‬‬

‫يف املا�ضي القريب كان ال بد لنا من الإجابة عن بع�ض الأ�سئلة �أو اال�ستبيانات‬
‫حتى تتمكن املواقع واملدونات واملن�صات من حتديد اهتماماتنا‪ ،‬ولكن مل يعد‬
‫لذلك حجة‪ ،‬فقد �أ�صبح من ال�سهل ت�صنيف كل �شخ�ص منا من خالل قراءة‬
‫�سلوكياته على من�صات التوا�صل‪ ،‬ومتابعة تعليقاته وا�ستخدامه للرموز التعبريية‬
‫‪ Emojis‬وال�صفحات التي يزورها �أو ي�سجل �إعجابه بها‪.‬‬
‫ويجب �أن نتذكر دائم ًا �أن دول العامل الرقمي بعد كل ما قدمت‪ ،‬مازالت ت�سريها‬
‫دول العامل الواقعي‪ ،‬و�أن كل ملك متوج يف دولة رقمية‪ ،‬ما هو �سوى مواطن‬
‫لدولة يف العامل الواقعي‪ ،‬وهي التي حتدد �سلوكه و�سلوك دولته االفرتا�ضية وكل‬
‫مواطنيها!‬

‫‪116‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫فالفي�سبوك وتويرت‪ ،‬مثال من�صتان تواجهان �ضغوط ًا كبرية من احلكومات‬


‫وال�رشكات الإعالمية الكربى‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل االعتداء على حقوق امل�ستخدمني‬
‫وحتى انتهاك خ�صو�صيتهم‪ ،‬بل �إن هناك الكثري من ال�ضغوط التي متار�سها الدول‬
‫لإغالق ح�سابات و�صفحات نا�شطني يف العديد من املجاالت‪.‬‬
‫وال ميكن للعامل الرقمي �أن يحقق �سقف ًا �أو�سع من احلريات مادام تابع ًا تبعية كاملة‬
‫لعاملنا الواقعي‪ ،‬لذلك ف�إن الكثري من الأحالم والآمال التي بدت وردية براقة يف‬
‫بدايات انطالق من�صات التوا�صل تبددت‪ ،‬وبد�أ مواطنو الدول الرقمية يهجرونها‬
‫ويتخلون عن مواطنتهم‪.‬‬
‫ولو عدنا لب�ضع �سنني للوراء لوجدنا �أن من�صة مثل “الفي�سبوك” بد�أت من�صة‬
‫اجتماعية للأهل والأ�صدقاء‪ ،‬ليتوا�صلوا مع بع�ضهم بحرية‪ ،‬دون احلواجز والقيود‬
‫املفرو�ضة يف العامل الواقعي الذي يحيون فيه‪ ،‬ولكن هذه املن�صة غدت �إمرباطورية‬
‫عظيمة‪ ،‬و�أ�صبحت تعج بالكثري من ال�سلوكيات واملظاهر ال�سلبية التي يدفع ثمنها‬
‫مواطنوها‪ ،‬الذين يعانون من التعليقات ال�سلبية‪ ،‬والت�شهري‪ ،‬والتنمر الإلكرتوين‪،‬‬
‫وهناك درا�سة حديثة ت�ضع من�صة الإن�ستغرام (التي مت اال�ستحواذ عليها من قبل‬
‫�رشكة الفي�سبوك) ك�أ�سو أ� املن�صات االجتماعية‪ ،‬كونها تر�سخ املظاهر وتفقد النا�س‬
‫ثقتهم ب�أنف�سهم‪.‬‬
‫�إن االنفتاح الكبري على مواطني الدول الرقمية‪ ،‬وعلى ما يعنينا وال يعنينا من‬
‫�أخبارهم و�سلوكياتهم‪� ،‬أدى �إىل نتائج �سلبية كبرية‪ ،‬لذلك بد�أت بع�ض املن�صات‬
‫مثل من�صة ‪ Capsure‬حت�رص م�شاركة املحتوى على نطاق جمموعات خا�صة من‬
‫الأ�صدقاء �أو الأقارب بد ًال من م�شاركته مع العامل كله‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ويجب �أن ال نن�سى ب�أن التوا�صل على �شبكات التوا�صل االجتماعي‬
‫يعد �إرث ًا‪ ،‬فمن املهم جداً �أن يكون مدرو�س ًا وخمطط ًا له‪ ،‬ولي�س‬
‫عفوي ًا �أو ناجت ًا عن ردة فعل‪ ،‬فمث ً‬
‫ال قام فريق بر�شلونة بن�رش �صورة‬
‫تو�ضح عقداً جديداً مع العب جديد “ينج”‪ ،‬وعرب الفريق عن فخره‬
‫بان�ضمام هذا الالعب اجلديد لهم‪ ،‬فن�رش �أحد املعلقني لقطة لل�شا�شة‬
‫‪ screenshot‬لتغريدة قدمية عمرها ‪� 3‬سنوات لالعب ذاته ي�شتم فيها‬
‫فريق بر�شلونة‪ ،‬مت �إثر ذلك �إنهاء عقده يف اليوم التايل‪ ،‬وبد�أ طوفان‬
‫التعليق من املتابعني؛ هل كان قرار الفريق من�صف ًا؟ �أ�شاد البع�ض‬
‫بالقرار والبع�ض اعرت�ض!‬
‫ويف ق�صة �أخرى‪ ،‬كانت مغردة تعمل ب�أكرب �رشكات العالقات العامة‬
‫متابع ًا‬ ‫‪170‬‬ ‫بربيطانيا‪ ،‬ولديها ح�ساب على التويرت‪ ،‬وما يقارب الـ‬
‫فقط‪ ،‬وخالل انتظارها للطائرة يف املطار لل�سفر من مدينة لندن �إىل‬
‫جنوب �أفريقيا‪ ،‬ن�رشت تغريدة على ح�سابها‪ ،‬وقالت‪�“ :‬أنا م�سافرة �إىل‬
‫�أفريقيا‪� ،‬أرجو �أال �أ�صاب مبر�ض الإيدز‪� ،‬أمازحكم‪ ...‬لأنني بي�ضاء”‪.‬‬
‫�ساعة‪ ،‬مت خاللها‬ ‫‪11‬‬ ‫و�صعدت �إىل الطائرة يف رحلة ا�ستغرقت‬
‫�إعادة ن�رش التغريدة ‪ 2000‬مرة‪ ،‬و�ضجت الإنرتنت مب�شاعر الغ�ضب‬
‫واال�ستياء من تغريدتها “العن�رصية”‪ ،‬والتقطتها بع�ض املواقع الن�شطة‬
‫‪ ،‬ورغم �أنها‬ ‫‪HasJustineLandedYet#‬‬ ‫وظهر الها�شتاق العاملي‬
‫اعتذرت عن خطئها ال�شنيع‪� ،‬إال �أنها مت رف�ضها من وظيفتها‪ ،‬وال‬
‫�أعتقد �أنها �ستعمل يف جمال العالقات العامة‪ ،‬بعد تلك احلادثة‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫وقد و�ضحت بع�ض املقاالت التي‬


‫حتدثت عن التغريدة‪� ،‬أن املغردة مل‬
‫تق�صد الإهانة العن�رصية‪ ،‬بل كانت تعرب‬
‫عن اال�ستهزاء مبقولة “�أن مر�ض الإيدز‬
‫ي�صيب الأفارقة فقط”‪ ،‬ولكن يف‬
‫العامل الرقمي من ال�صعب تو�ضيح ما‬
‫تعنيه‪ ،‬و�رسعان ما ت�ؤخذ الأمور على‬
‫ظاهرها‪.‬‬

‫هكذا يتم ت�ضخيم الأحداث على �شبكات التوا�صل ب�شكل كبري‪ ،‬وذلك لأن‬
‫املتدخلني باحلدث ميثلون �رشيحة وا�سعة جداً من اجلمهور‪.‬‬
‫تدر�س ال�رشكات املعلنة الكثري من امل�ستجدات والتطورات التي �أحدثها العامل‬
‫الرقمي‪ ،‬وت�صيغ ر�سائلها مبا يتنا�سب مع احلقائق على �أر�ض الواقع‪ ،‬ولأن معدل‬
‫الرتكيز لدى الفرد بد�أ يتناق�ص ب�شكل كبري‪ ،‬فقد بد�أت �رشكات الإعالن تغيري‬
‫ا�سرتاتيجياتها وت�صميم �إعالناتها حتى تتمكن من �إي�صال ر�سائلها يف ثوانٍ‬
‫معدودة‪ ،‬خا�صة و�أن الكثري منا (يف اليوتيوب‪ ،‬مث ً‬
‫ال) يقوم بالتخل�ص من الإعالن‬
‫يف �أول خم�س ثوانٍ ‪ ،‬قبل بداية امل�شاهدة‪ .‬وقد تراجع معدل الرتكيز من ‪ 13‬ثانية‬
‫يف عام ‪� 2000‬إىل ‪ 8‬ثوانٍ عام ‪ ،2015‬و�أ�صبحت يف �أيامنا هذه ‪ 4‬ثوانٍ فقط‪،‬‬
‫ويعود ذلك لت�شتت انتباهنا بني العديد من ال�شا�شات التي نحملها �أو نتعامل‬
‫معها‪ ،‬معظمنا يتابع اخلط الزمني ‪ Timeline‬على من�صات التوا�صل‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫يف �ضوء كل ما نحياه من حتديات ب�سبب توزعنا بالدرجة الأوىل على عاملني‪،‬‬
‫كل منهما ي�ؤثر يف الآخر‪ ،‬وب�سبب ما ت�سببت به تكنولوجيا االت�صال من تعرية‬
‫ملفهوم اخل�صو�صية ومن �سوء ا�ستغالل للمعلومات ال�شخ�صية‪ ،‬البد لنا من العمل‬
‫على تغيري �سلوكيات التعامل مع العامل الرقمي ومع بروتوكوالته‪ ،‬لكي نتمكن من‬
‫�إعادة ا�سرتداد �شخ�صياتنا امل�ستلبة‪.‬‬
‫‪ Fear‬التي تُخت�رص بـ‬ ‫‪of missing out‬‬ ‫وتعد ظاهرة اخلوف من فوات ال�شيء‬
‫‪ ،FOMO‬من �أكرب التحديات التي يواجهها جيل من�صات التوا�صل‪ ،‬وهي حالة‬
‫جتعل الأ�شخا�ص مدمنني على االت�صال يف حيز الزمن الفعلي‪ ،‬وب�شكل دائم خ�شية‬
‫حدث ما ي�شارك فيه الآخرون‪ ،‬وهم ال ي�شاركون‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تفويت احتفال �أو منا�سبة �أو‬
‫وقد ات�سعت دائرة املعاناة من هذه احلالة لدى �أكرث الذين لديهم ح�سابات و�سائل‬
‫توا�صل اجتماعي!‬

‫‪120‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫وكي ال ن�صل �إىل هذا امل�ستوى من القلق القهري‪� ،‬أو لنتخل�ص منه حال وجوده‪،‬‬
‫ال بد من �أن نبادر ونتخذ قرارات �شجاعة؛ وقد �رشعت �أنا بالعديد من املبادرات‪،‬‬
‫رمبا ورد بع�ض منها �آنف ًا‪ ،‬و�أ�شعر �أن لدينا الكثري مما ميكن �أن نقوم به حتى ال‬
‫نعاين من الف�صام الرقمي ‪/‬الواقعي‪ .‬و�أول ما ميكن �أن نقوم به هو مترين النف�س‬
‫على ال�صيام الرقمي ‪ ،Digital Detox‬ويبد�أ ذلك برت�سيخ وعينا بوجودنا على‬
‫من�صات التوا�صل االجتماعي‪ ،‬لكي نتحكم مبا نريده من هذا الوجود‪ ،‬ك�أن نحدد‬
‫الوقت الذي �سنمنحه لهذه املن�صات‪ ،‬يعني ما هو الوقت الأن�سب ال�ستخدام هذه‬
‫املن�صات‪ ،‬وكذلك ما هي الفرتة التي �سنمنحها لها‪ ،‬كذلك ميكنني التخل�ص من‬
‫عبودية التنبيهات التي ت�ؤرق ليلنا ونهارنا‪ ،‬وت�شتت �أفكارنا حتى خالل �ساعات‬
‫العمل‪ ،‬وذلك ب�إجراءات ب�سيطة تتمثل ب�إلغائها‪ ،‬ونخ�ص�ص وقت ًا حمدداً لقراءة‬
‫الر�سائل والتنبيهات التي ت�صلنا على من�صات التوا�صل‪.‬‬

‫وميكننا كذلك اعتبار يوم نهاية الأ�سبوع‪( ،‬يوم اجلمعة‪ ،‬مث ً‬


‫ال) يوم ًا عائلي ًا‬
‫بامتياز‪ ،‬فنقوم ب�إغالق الهاتف املتحرك‪ ،‬ونغلق التنبيهات‪ ،‬ونق�ضي اليوم‬
‫كام ً‬
‫ال مع العائلة‪ .‬ومن املفيد �أن يظل الهاتف يف جيبنا على و�ضع ال�صامت‪،‬‬
‫وال ين�صح �أن ن�ضعه على الطاولة �أمامنا‪.‬‬

‫وقد �أ�صبح الفي�سبوك يزودنا مبعلومات دقيقة عن الوقت الذي من�ضيه على‬
‫‪ ،your‬ميكن من خاللها معرفة‬ ‫‪time‬‬ ‫الفي�سبوك‪ ،‬فهناك خدمة ت�سمى وقتك‬
‫الوقت الذي من�ضيه على الفي�سبوك‪ ،‬وميكننا �أن نقلل من وقت ا�ستخدامنا على‬
‫الفي�سبوك‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫بالطبع هناك جتارب متميزة ملجموعة من الأ�شخا�ص الذين‬
‫متكنوا من الو�صول ملرحلة متقدمة من ال�صيام الرقمي ‪Digital‬‬

‫‪� ،Detox‬إذ قاموا بحذف جميع التطبيقات االجتماعية من‬


‫هواتفهم‪ ،‬لأنهم يرون �أن الهدف من الهاتف االت�صال ال�صوتي‬
‫�أو �إر�سال ر�سائل خا�صة‪ ،‬ولي�س ن�رش حمتوى عن املو�ضة والطهو‬
‫و�آخر الأخبار‪� ،‬إلخ‪ .‬ويقومون بالت�صفح االجتماعي‪ ،‬فقط من‬
‫خالل احلا�سوب‪ ،‬يف الوقت املخ�ص�ص له‪ ،‬وغالب ًا ما يكون‬
‫هذا الوقت بعد االنتهاء من الدوام والعودة للبيت‪ .‬والبد لنا‬
‫�أن نتذكر �أن الهاتف مل يتطور من حيث الوظيفة‪ ،‬لأن من‬
‫يت�صل بك‪ ،‬يت�صل ح�سب وقته هو‪ ،‬ويف اللحظة التي تنا�سبه‪،‬‬
‫وهي لي�ست بال�رضورة اللحظة التي تنا�سبك‪ ،‬ورمبا ا�ستقبالك‬
‫ملكاملته يف حلظة ما يت�سبب بت�شتيت فكرك �أو �إعاقة ما تقوم به‬
‫من �أعمال‪ .‬الأف�ضل �أن يتوا�صل النا�س عن طريق الر�سائل على‬
‫الوات�ساب �أو غريه‪ ،‬وهذا يتيح للذي يتلقى الر�سالة �أن يجيب‬
‫عنها يف اللحظة املنا�سبة‪.‬‬
‫نحن من طرفنا نتخذ الإجراءات التي ت�ضمن توازن �إن�سانيتنا‪،‬‬
‫وت�ضمن وجودنا يف عاملني مبا يتنا�سب مع حاجاتنا وتطلعاتنا‪،‬‬
‫وكذلك جند من�صات التوا�صل االجتماعي تتناف�س لتحقيق‬
‫هذا التوازن املن�شود‪ ،‬فالعديد منها يطور ا�سرتاتيجياته و�أدواته‬
‫ب�شكل دوري بنا ًء على املردود الذي يوفره امل�ستخدمون‪،‬‬

‫‪122‬‬
‫الفصل اخلامس | ممالك العامل الرقمي ومستقبلنا‬

‫و�أ�شعر �أن الفي�سبوك الأكرث حظ ًا يف اال�ستمرار واالزدهار‪ ،‬لأنه يقوم بالتطوير‬


‫ب�شكل يومي على كل الأ�صعدة‪ ،‬فمثال ابتكر تقنية ‪ ، block chain‬وهي عبارة‬
‫عن تقنية جديدة خا�صة بالأعمال تقوم على الالمركزية؛ فعندما يقوم املوظف‬
‫ب�أي معاملة من خالل هذه التقنية‪ ،‬يتم تداولها لتوثيقها لدى كل الأطراف املعنية‬
‫دون الرجوع اىل مرجعية مركزية‪ ،‬و�ضمن حماية تامة و�رسية عالية‪ ،‬وال ي�ستطيع‬
‫�أي طرف خارجي الو�صول �إىل بيانات تلك املعاملة‪ ،‬لأن التقنية تتمتع بت�شفري‬
‫عايل امل�ستوى‪ ،‬وقد بد�أت بع�ض احلكومات‪ ،‬مثل حكومة دبي‪ ،‬باعتماد هذه‬
‫التقنية‪ ،‬ومن املخطط �أن يتم تعميمها يف دبي قبل ‪.2020‬‬
‫وكما ذكرنا ف�إن �أ�صحاب املن�صات يلج�ؤون �إىل املناف�سة ب�أي �شكل من الأ�شكال‬
‫لزيادة عدد امل�شاركني‪ ،‬وذلك على ح�ساب �رسية �أو خ�صائ�ص املن�صة‪ ،‬وجند‬
‫‪David‬‬ ‫الفي�سبوك ي�سعى للمواكبة‪ ،‬وقد وظف �أخرياً �أحد كبار املوظفني‪،‬‬
‫‪ ،Marcus‬لال�ستفادة من خربته‪ ،‬ومناف�سة املن�صات الأخرى‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫“ال تركض وراء انطباعات‬
‫الناس عنك‪.‬ابحث عن السالم‬
‫املكنون‪ ،‬وكن أنت الصاحب‬
‫لنفسك وعش كما تريد‪ ،‬ال‬
‫كما يريد لك اآلخرون”‬
‫اخلامتة‬
‫منذ �أن ُخلق الإن�سان وهو ي�سعى للتعارف والتوا�صل‪ ،‬ومنذ القدم والإن�سان‬
‫ي�ؤ�س�س للتوا�صل االجتماعي‪ ،‬و�أ�سهمت احل�ضارات املختلفة يف التقريب بني‬
‫الب�رش‪ ،‬فاخرتع الرومان الطرق‪ ،‬والفراعنة الكتابة على اجلدران‪ ،‬وتوا�صل العرب‬
‫وذاعت �أخبارهم من خالل ال�شعر‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫اخلامتة‬

‫وظلت و�سائل التوا�صل تتطور وتتغري‪ ،‬ويتغري معها الإن�سان ونظرته لنف�سه وللكون‬
‫من حوله‪ ،‬حتى غدا الكون كله قرية �صغرية‪ ،‬وغدت الأمم تت�شابه وتقرتب من‬
‫بع�ضها يف ال�سمات والتطلعات‪ ،‬وبد�أ يرت�سخ مفهوم املواطن العاملي‪.‬‬

‫قدر اهلل يل معاي�شة ت�شكل العامل الرقمي منذ بداياته‪ ،‬ومعاي�شة التحول العظيم‬
‫الذي �شهده مفهوم الهوية‪ ،‬وت�شكل النظم والكيانات الرقمية‪ ،‬ومتازج العاملني‬
‫الرقمي والواقعي‪.‬‬

‫ومع بروز من�صات التوا�صل االجتماعية بد أ� املواطن العاملي يت�أثر بكل ما يحدث‬
‫على �صفحات العامل االفرتا�ضي‪ ،‬وبد�أت احلاجة للبحث عن الذات تربز من‬
‫جديد‪� ،‬إذ �أ�صبح معظمنا �أ�سرياً النطباعات النا�س واجلهات الأخرى مثل �رشكات‬
‫الت�سويق والإعالن‪ ،‬واجلهات الأمنية والتوعوية‪.‬‬
‫وازدادت حاجة الب�رشية ملواجهة حتديات ذوبان الهوية وال�سمات احل�ضارية‪،‬‬
‫خا�صة و�أننا على عتبة مرحلة جديدة‪ ،‬ي�ستحوذ فيها العامل الرقمي على عاملنا‬
‫الواقعي فتمتزج هويتنا الرقمية مع هويتنا الواقعية‪.‬‬
‫وكما يتم الآن التعديل على اجلينات حتى تبزغ �أجيال تتمتع ب�صحة وذكاء خارق‬
‫يفوق ما نحن عليه الآن‪ ،‬بد�أنا نتجه نحو الإن�سان الواقعي ‪ -‬االفرتا�ضي‪.‬‬
‫ويرى العلماء �أن ال�سايبورغ‪� ”Cyborg“ ،‬أو “الإن�سان – الآلة”‪ ،‬الكائن الذي‬
‫يتكون من مزيج من مكونات ع�ضوية (بيو‪-‬ميكاترونية)‪ ،‬والذي يفكر ب�أ�رسع‬
‫ع�رشات �آالف املرات من الب�رش‪� ،‬سيحكم العامل يف هذا القرن‪ ،‬العامل الذي ي�سيطر‬
‫عليه الذكاء ال�صناعي‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫وح�سب “روكووبينربيدج” ميكن للعلم �أن ينجح قريب ًا يف ت�صميم برنامج �رسيع‬
‫لفهم بنية عقل الإن�سان ووظائفه بف�ضل احتاد تكنولوجيا النانو‪ ،‬وتكنولوجيات‬
‫البيولوجيا‪ ،‬وتكنولوجيا املعلوماتية‪ ،‬والعلوم املعرفية‪.‬‬
‫ومازال العامل االفرتا�ضي يقدم موجة من االبتكارات‪ ،‬والتطبيقات التي تعيد‬
‫تخليق حياتنا وخ�صو�صيتنا وكل ما يت�صل ب�شخ�صيتنا االجتماعية وهويتنا‪ .‬وكما‬
‫ت�شكلت لدينا هويتنا االفرتا�ضية‪� ،‬سيكتمل تخلق هويتنا الواقعية – االفرتا�ضية‪،‬‬
‫حيث تذوب امل�سافة بني عاملني‪.‬‬
‫ولأن هويتنا �أ�صبحت مكونة من واقعني‪ ،‬ولأن واقعنا بني الأمم الأخرى لي�س‬
‫يف �أف�ضل �أحواله‪ ،‬ال بد لنا �أن ن�سارع لتبو�ؤ مكان ٍة ملواطن ٍة عاملي ٍة ريادية‪ .‬ففي‬
‫عامل من�صات التوا�صل‪ ،‬هناك امل�ستخدم‪ ،‬واملنتج‪ ،‬وامل�شغل‪ .‬فنحن نعد من �أكرث‬
‫ال�شعوب ا�ستخدام ًا لهذه املن�صات‪� ،‬أما البلدان الكربى فهي التي ا�ستثمرت يف‬
‫بناء هذه املن�صات‪ ،‬وهي التي تدير دفة �سفنها!‬

‫‪128‬‬
‫اخلامتة‬

‫يف العامل الرقمي مازلنا فري�سة عاجزة‪ ،‬تتحكم بنا �أهواء امل�ستثمرين والدول التي‬
‫ينتمون �إليها‪ ،‬والأمل الوحيد الذي ميكننا �أن نت�شبث به‪ ،‬هو �أن نتجر�أ على جتاوز‬
‫الوقائع وحدود الزمان واملكان‪ ،‬و�أن نبادر �إىل التغيري الهائل‪.‬‬
‫ملاذا ال نثب وثبة نوعية “‪ ،”Leapfrog‬مثل �أفريقيا التي مل يكن لديها بنية حتتية‬
‫تكنولوجية‪ ،‬لكنها تخطتها مبا�رشة حلوكمة “املوبايل” (مث ً‬
‫ال‪ ،‬مل يكن لديهم‬
‫بنية امل�صارف الأ�سا�سية‪ ،‬للدفع عن طريق البنوك‪ ،‬وتخطوا هذه املرحلة لينتقلوا‬
‫مبا�رشة للدفع عن طريق املوبايل با�ستخدام الر�سائل الق�صرية)‪.‬‬

‫فهل ميكننا نحن كم�ستخدمني عرب ًا �أن نقفز ملرحلة البيانات ال�ضخمة والذكاء‬
‫االجتماعي؟‬
‫وهل ميكننا �أن نتحول من م�ستخدمني ملنتجني؟‬

‫‪129‬‬
‫متت بحمداهلل‬

‫‪130‬‬

You might also like