Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫المخالفات ووجه الثاني كونهما مجموع شيئين إبرة الذراع ورأس العظمين فلم يتمحضا للذراعين فخفف فيهما‪

.‬ومن ذلك ق ول اإلم ام‬


‫مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه بوجوب مسح جميع الرأس في الوضوء مع قول أبي حنيفة والش افعي بوج وب البعض فق ط م ع‬
‫اختالفهما في قدره‪ ،‬فالشافعي يقول ‪ :‬يجب ما ينطلق عليه اسم المسح وأبو حنيفة يقول البعض هو ربع الرأس ويكون ذل ك بثالث ة من‬
‫أصابعه حتى لو مسح رأسه بأصبعين ال يكفي‪ ،‬وقال الشافعي ‪ :‬ال يتعين المسح باليد فاألّو ل مشّدد والث اني في ه بعض تش ديد والث الث‬
‫فيه تخفيف فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‪ ،‬ووجه األول األخذ باالحتياط فيمسح جميع محل الرياسة ال تي عن د المتوض ىء ليخ رج‬
‫عن الكبر الذي في ضمنها ويمكن من دخول حضرة هللا تعالى في الصالة فإن من كان عن ده مثق ال ذرة من ك بر ال يمكن من دخول ه‬
‫الجنة يوم القيامة كما ورد إذ هي الحضرة الخاصة وكذلك القول في حضرة الصالة‪ ،‬ووجه من يقول بمس ح البعض فق ط إن العب د ال‬
‫يمكنه الخروج عن الرياسة بالكلية ألنه ال بد أن يأمر غيره أو ينهاه وذلك رياس ة‪ ،‬ووج ه من يق ول بوج وب مس ح رب ع ال رأس فق ط‬
‫الرحمة بالعوام فإن غالبهم يغلب عليه الرياسة والكبر لحجابه عن مقام عبوديته فال يكاد ي رى نفس ه تحت حكم غ يره إال قه رًا فل ذلك‬
‫سومح أحدهم ببقاء ثالثة‬
‫‪ .‬أرباع رياسته واكتفى بربع عبوديته‬
‫ومن ذلك قول األئمة الثالثة ‪ :‬إن المسح على العمامة ال يجزىء مع قول أحمد بأن ه يج زىء لكن بش رط أن يك ون تحت الحن ك منه ا‬
‫شيء رواية واحدة وإن كانت مدورة ال ذؤابة لها‪ ،‬يعني اللثام لم يجز المسح عليها‪ ،‬وعنه في مسح المرأة على قناعها المس تدير تحت‬
‫حلقها رواية‪ ،‬وهل يشترط أن يكون لبس العمامة على طهر؟ روايتان فاألول مشدد والثاني مخفف بالشرط الذي ذك ره‪ ،‬ووج ه األول‬
‫أن الرياسة حقيقة في نفس الرأس ال فيما عليها من عمامة أو قلنسوة فوجب مباشرتها بالمسح دفعًا للرياسة والكبر ووجه الثاني النظر‬
‫إلى كون الرياسة حقيقة إنما هي في القلب والرأس بدل عنه الحتمال أن يكون اس مه مش تقًا من الرياس ة وه و مع نى من المع اني فال‬
‫فرق في اإلشارة إليه بالمسح بين أن يكون ذلك بحائل أو بال حائل‪ ،‬ومن هنا خفف األئمة الثالث ة باس تحباب مس حه م رة واح دة فق ط‬
‫وشّدد الشافعي باستحباب مسحه ثالثًا‪ ،‬ووجه األول أنه محمول على حال األكابر الذين لم يظهر عليهم كبر والثاني خاص باألص اغر‬
‫الذين يظهر عليهم الكبر فيمسحون رأسهم ثالث مرات مبالغة في إزالة الكبر الذي عندهم‪ .‬ومن ذل ك ق ول األئم ة الثالث ة‪ :‬إن األذنين‬
‫مع قول الشافعي إنهما عضوان مستقالن يمسحان بماء جديد بعد مسح الرأس وقال الزهري ‪ :‬هما من الوجه فيغسالن ظ اهرًا وباطن ًا‬
‫مع الوجه‪ ،‬وقال الشعبي وجماعة ما أقبل منهما فمن الوجه يغس ل مع ه وم ا أدب ر منهم ا فمن ال رأس يمس ح ‪ .‬ف األول مخف ف وق ول‬
‫الشافعي مشدد وكذا ما ووجه األول كون األذنين ال يتصور فيهما عصيان حقيقة وإنما هما طريقان إلى وص ول الكالم الح رام منهم ا‬
‫إلى القلب‪ ،‬فلذلك خفف فيهما بالمسح لكون الكالم الحرام يمر عليهما ويمسهما مس ًا‪ ،‬ووج ه الث اني كونهم ا كان ا س ببًا لوص ول س وء‬
‫الظن بالناس من كثرة ما يسمعان ذلك ويوصالته إلى القلب‪ ،‬فهما كمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عم ل به ا فل ذلك وجب‬
‫غسلهما إزالة لذلك الوزر في الظاهر وأوجبنا على العبد التوبة من س وء الظن في الب اطن‪ ،‬ومن هن ا يع رف توجي ه ق ول اإلم ام أبي‬
‫حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنهما أنهما يمسحان مرة واحدة‪ ،‬وقول اإلمام الشافعي إنهما يمسحان ثالثًا‪ ،‬وه و الرواي ة‬
‫‪.‬األخرى عن أحمد‬
‫ومن ذلك قول مالك والشافعي ‪ :‬إن مسح صفحة العنق بالماء ليس س نة م ع ق ول أبي حنيف ة وأحم د وبعض الش افعية بأن ه مس تحب‪،‬‬
‫فاألول مخفف ومقابله مشدد‪ ،‬ووجه األول عدم ثبوت حديث فيه فكان بدعة‪ ،‬ووج ه الث اني م ا رواه ال ديلمي ‪َ :‬م ْس ُح الُعن ِق َأَم اٌن ِمَن‬
‫الُغ ْل» مع ما جرب من زوال الغم والهم إذا مسح العنق فال ب د ل ذلك من حكم ة وإذا ض عف النق ل عملن ا بالتجرب ة‪ .‬ومن ذل ك اتف اق‬
‫األئمة على أن غسل القدمين في الطهارة مع القدرة فرض إذا لم يكن البسًا للخف م ع م ا حكي عن أحم د واألوزاعي والث وري وابن‬
‫جرير من جواز مسح جميع القدمين وأن اإلنسان عندهم مخير بين الغسل وبين المسح‪ ،‬فاألول مشدد ومعه ثبوت الفعل من رسول هللا‬
‫ﷺ والثاني مخفف‪ ،‬ومعه ظاهر القرآن في قراءة الجر فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‪ ،‬ووجه األول مؤاخذة العبد بالمشي بهما في‬
‫غير طاعة هللا عز وجل وكونهما حاملين للجسم كله وممدين له بالقوة على المش ي‪ ،‬ف إذا ض عفا بالمخالف ة أو الغفل ة س رى ذل ك فيم ا‬
‫حماله كما يسري منهما القوة إلى ما فوقهما إذا غسال فإنهما كعروق الش جرة ال تي تش رب الم اء وتم د األغص ان ب األوراق والثم ار‬
‫‪ .‬فتعين فيهما الغسل دون المسح ‪ ،‬ووجه الثاني كونهما ال يكثر‬
‫منهما العصيان بخالف ما حماله من األعضاء‪ ،‬فاكتفى صاحب هذا القول بمسحهما مع قوله بأن الغس ل أفض ل وال ب د وق د ك ان ابن‬
‫عباس يقول ‪ :‬فرض الرجلين المسح ال الغسل فاعلم ذلك‬
‫ومن ذلك قول بعضهم بكراهة النقص عن الثالث في غسالت الوضوء ومسحاته مع قول بعضهم بعدم الكراهة لثبوت االقتص ار على‬
‫مرة وعلى مرتين من رسول هللا ﷺ فاألول مشدد والثاني مخفف فرج ع األم ر إلى مرتب تي الم يزان‪ .‬ويص ح حم ل األول على ح ال‬
‫العوام الذين يقعون في المعاصي والغفالت وحمل الثاني على أكابر العلماء الذين ال يقعون في معصية فإن هؤالء لحياة أبدانهم يكفيهم‬
‫الغسل أو المسح مرة واحدة أو مرتين‪ ،‬ويصح أن يكون األمر بالعكس فيكفي العامي المرة الواحدة أو االثنتان ألنه هو ال ذي يلي ق ب ه‬
‫الرخصة بخالف األكابر وإلى ذلك أشار بقوله بعد أن توضأ ثالثًا ثالثًا ‪َ :‬ه َذ ا ُو ُض ْو ِئي َو ُو ُض ْو ُء اَألْن ِبَي اِء ِمْن َق ْبِلي انتهى وذل ك ألنهم‬
‫أكابر الحضرة اإللهية فيطالبون بمزيد نظافة وحياة كل عضو بخالف العامة فاعلم ذلك‪ .‬ومن ذلك ق ول اإلم ام أبي حنيف ة ومال ك في‬
‫إحدى روايتيه بعدم وجوب الترتيب في الوضوء مع قول الشافعي وأحمد بوجوبه ‪ ،‬ف األّو ل مخف ف والث اني مش دد‪ ،‬ووج ه األول فهم‬
‫أبي حنيفة ومالك رحمهما هللا تعالى من القرآن أن المقصود غسل هذه األعضاء ومسح بعضها وكمال طهارته ا قب ل فع ل م ا يتوق ف‬
‫على الطهارة سواء تقدم بعضها على بعض كالرجلين على غسل الوجه أو تأخر عنه كالوضوء منكوسًا‪ ،‬وقد كان اإلم ام علي بن أبي‬
‫طالب يقول ‪ :‬ال أبالي بأي أعضاء الوضوء بدأت وبتقدير عدم وجوبه فاصله س نة باإلجم اع ونهض ب ه إلى الوج وب اجته اد األئم ة‬
‫القائلين به‪ ،‬ووجه الثاني أن الوضوء الخالي عن الترتيب لم يرد لن ا في ه ش يء عن رس ول هللا ﷺ فيخ اف أن يك ون داخًال في عم وم‬
‫قوله ‪« :‬كل َعَم ٍل َلْي َس َع َلْيِه َأْم ُر َن ا َف َفُهَو َر ْد أي غير مقبول لكن لما استند إلى االجتهاد ك ان مقب وًال من حيث إن الش ارع ق رر حكم‬
‫المجتهد وإنما لم يرد لنا حديث في تقديم أحد الخدين أو األذنين على اآلخر ألن حكمة تقديم اليمني من اليدين والرجلين إنما هو لك ون‬
‫اليمنى أقوى من اليسار عادة وأسرع إلى المعصية من‬
‫اليسار‪ ،‬فلذلك ندب الشارع إلى تقديمها مسارعة لطهارتها كما كانت أسرع لفعل المخالفات وال هكذا الخّدان واألذنان فإن ه ال يتص ّو ر‬
‫فيهما ما ذكرته في اليدين فلذلك كانا يطهران دفعة واحدة وهللا أعلم‬
‫ومن ذلك قول اإلمام أبي حنيفة بأن المواالة سنة وهو أصح القولين عند الشافعية مع قول مالك وأحمد في أشهر الروايتين إنها واجب ة‬
‫فاألول مخفف والثاني مشده فرجع األمر إلى مرتبتي الم يزان‪ ،‬ووج ه األول أن األص ل في أب دان المتطه رين ع دم عص يانها لربه ا‬
‫وعدم طول غفلتها عنه‪ ،‬ومن كان كذلك فأعضاؤه حية ال يؤثر فيها جفاف كل عضو قبل غسل ما بعده سواء أقلنا بوجوب الترتيب أم‬
‫ال ‪ ،‬ووجه من قال بوجوب المواالة كون الغالب على المتطهرين ض عف أب دانهم من ك ثرة المعاص ي أو الغفالت أو أك ل الش هوات‪،‬‬
‫وإذا لم يكن مواالة جفت األعضاء كلها قبل القيام إلى الصالة مثًال‪ ،‬وإذا جفت فكأنها لم تغسل ولم تكتسب بالماء انتعاشًا وال حياة تقف‬
‫بها بين يدي ربها فخاطبت ربها بال كمال حضور وال إقبال على مناجاته‪ ،‬هذا حكم غالب األبدان‪ .‬أما أبدان العلماء العاملين وغ يرهم‬
‫من الصالحين فال يحتاجون إلى تشديد في أمر المواالة لحياة أبدانهم بالماء ولو طال الفصل بين غسل أعضائهم‪ ،‬فيحمل ق ول من ق ال‬
‫بوجوب المواالة على طهارة عوام الناس‪ ،‬ويحمل قول من قال باالس تحباب على طه ارة علم ائهم وص الحيهم‪ .‬وس معت س يدي علي ًا‬
‫الخواص رحمه هللا يقول ‪ :‬نعم قول من قال بوجوب المواالة في هذا الزمان فإن من لم يوجبه ا ي ؤدي قول ه إلى ج واز ط ول الفص ل‬
‫جدًا وزيادة البطء في زمن الطهارة وقوات أول الوقت كأن يغسل وجهه في الوضوء للظه ر بع د ص الة الص بح ثم يغس ل يدي ه رب ع‬
‫النهار ثم يمسح رأسه بعد زوال الشمس ثم يغسل رجليه قبيل العصر مع وقوع ذلك المتوض ىء مثًال في الغيب ة والنميم ة واالس تهزاء‬
‫والسخرية والضحك والغفلة وغير ذلك من المعاصي والمكروهات أو خالف األولى إن كان ممن يؤاخذ به كما يؤاخذ بأكل الشهوات‪،‬‬
‫فمثل هذا الوضوء وإن كان صحيحًا‪ ،‬في ظاهر الشرع من حيث إنه يصدق عليه أنه وضوء كامل فهو قليل النفع لع دم حص ول حي اة‬
‫األعضاء به بعد موتها أو ضعفها أو فتورها ففات ب ذلك حكم ة األم ر ب المواالة في الوض وء وجوب ًا أو اس تحبابًا وهي إنع اش الب دن‬
‫وحياته قبل الوقوف بين يدي هللا تعالى للمناجاة‪ ،‬ثم لو قدر عدم وقوع ذلك المتوضىء ال ذي لم ي وال في معص ية أو غفل ة في ال زمن‬
‫المتخلل بين غسل األعضاء فالبدن ناشف كاألعضاء التي عمتها الغفلة والسهو والملل والسامة فلم يصر لها داعي ة إلى كم ال اإلقب ال‬
‫على هللا تعالى حال مناجاته‪ .‬وبالجملة فالمواالة من أصلها سنة ونهض بها إلى الوج وب االجته اد فهي مطلوب ة بك ل ح ال وهللا أعلم‪.‬‬
‫ومن ذلك اتفاق األئمة األربعة على أن من توضأ فله أن يصلي بوضوئه ما شاء من الفرائض ما لم ينتقض وضوؤه م ع ق ول النخعي‬
‫إنه ال يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات‪ ،‬ومع قول عبيد بن عمير ‪ :‬يجب الوضوء لكل صالة واحتج باآلية فاألول مخفف‬
‫والثاني مشدد فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‪ ،‬ووجه األول اإلجماع من أهل الشريعة والحقيقة على ذلك ووجه قول النخعي ما ثبت‬
‫«َأَّن ُه َج َمَع َب ْي َن َخ ْم ٍس َص َلَو اٍت َي ْو َم اَألْح َز اِب فال يزاد على ذلك‪ ،‬ووجه قول‬
‫عبيد بن عمير العمل بظاهر القرآن وهو خاص بمن يقع في الذنوب كثيرًا واألول خاص بمن ال‬
‫يقع في ذنب والثاني متوسط بين األول والثالث وهللا تعالى أعلم‬

‫باب الغسل‬

‫أجمع األئمة على أنه يحرم على الجنب حم ل المص حف ومس ه وعلى وج وب تعميم الب دن بالغس ل‪ ،‬وأن ه ال يكفي في الجناب ة مس ح‬
‫الرأس بالماء قياسًا على الخف‪ ،‬أي فكما أنه يجب نزعه في الجنابة وغسل الرجلين وال يكتفى فيه بالمس ح فك ذلك ال رأس في الجناب ة‬
‫بجامع كون كل منهما ممسوحًا‪ .‬ولم أجد لذلك دليًال صريحًا‪ .‬هذا ما وجدته من مسائل اإلجماع ‪ .‬وأما ما اختلف وا في ه فمن ذل ك اتف اق‬
‫األئمة األربعة على وجوب الغسل من التقاء الختانين وإن لم يحصل إنزال مع قول داود وجماعة من الصحابة بأن الغسل ال يجب إال‬
‫باإلنزال إن لم يثبت نسخ ذلك‪ ،‬وال فرق بين فرج اآلدمي والبهيمة عند مالك والشافعي وأحمد‪ ،‬وق ال أب و حنيف ة ‪ :‬ال يجب الغس ل في‬
‫وطء البهيمة إال باإلنزال‪ ،‬فاألول مشدد والثاني مخفف في مسألتي جماع اآلدمي والبهيمة فرج ع األم ر إلى مرتب تي الم يزان‪ ،‬ووج ه‬
‫األول في المسألتين حصول اللذة التي يغيب معها العبد عن مشاهدة حضرة ربه عادة مع ثبوت الدليل في ه‪ ،‬ووج ه الث اني فيهم ا ع دم‬
‫كمال اللذة إذ ال تكمل إال باإلنزال‪ ،‬فاألول خاص باألكابر الذين يبالغون في التنزه والث اني خ اص باألص اغر ال ذين ال يق درون على‬
‫المشي على ما علي ه األك ابر‪ ،‬ويص ح أن يك ون األم ر ب العكس من جه ة غلب ة الش هوة وض عفها‪ ،‬فال يجب الغس ل على األك ابر إال‬
‫باإلنزال ألن الجماع من غير إنزال ال يؤثر فيهم غيبة عن ربهم لما هم عليه من القوة كما يؤيده قول عائشة وأيكم يملك إربه كما كان‬
‫‪ .‬هللا يملك إربه في قصة تقبيل نسائه وهو صائم أو وهو متوضىء ثم يقوم إلى الصالة فاعلم ذلك‬
‫ومن ذلك قول اإلمام الشافعي ‪ :‬إن الغسل يجب بخروج المني وإن لم يقارن اللذة مع قول أبي حنيفة ومالك إنه ال يجب الغسل إال م ع‬
‫مقارنة اللذة لخروج المني بشرطه‪ ،‬فاألول مشدد والثاني مخفف والقول فيه ك القول في الجم اع م ع اإلن زال أو بال إن زال فال نعي ده‪.‬‬
‫ومن ذلك قول اإلمام أبي حنيفة وأحمد لو خرج منه مني بعد الغسل من الجنابة فإن كان بعد البول وكمال طهارتها قبل فعل ما يتوقف‬
‫على الطهارة سواء تقدم بعضها على بعض كالرجلين على غسل الوجه أو تأخر عنه كالوضوء منكوسًا‪ ،‬وقد كان اإلم ام علي بن أبي‬
‫طالب يقول ‪ :‬ال أبالي بأي أعضاء الوضوء بدأت وبتقدير عدم وجوبه فاصله س نة باإلجم اع ونهض ب ه إلى الوج وب اجته اد األئم ة‬
‫القائلين به‪ ،‬ووجه الثاني أن الوضوء الخالي عن الترتيب لم يرد لن ا في ه ش يء عن رس ول هللا ﷺ فيخ اف أن يك ون داخًال في عم وم‬
‫قوله ‪ُ :‬ك ُّل َعَم ٍل َلْي َس َع َلْيِه َأْم ُر َن ا َفُهَو َر ٌد » أي غ ير مقب ول لكن لم ا اس تند إلى االجته اد ك ان مقب وًال من حيث إن الش ارع ق رر حكم‬
‫المجتهد وإنما لم يرد لنا حديث في تقديم أحد الخدين أو األذنين على اآلخر ألن حكمة تقديم اليمني‬
‫من اليدين والرجلين إنما هو لكون اليمني أقوى من اليسار عادة وأس رع إلى المعص ية من اليس ار‪ ،‬فل ذلك ن دب الش ارع إلى تق ديمها‬
‫مسارعة لطهارتها كما كانت أسرع لفعل المخالفات‬
‫وال هكذا الخّدان واألذنان فإنه ال يتصّو ر فيهما ما ذكرته في اليدين فلذلك كانا يطهران دفعة‬
‫‪.‬واحدة وهللا أعلم‬
‫ومن ذلك قول اإلمام أبي حنيفة بأن المواالة سنة وهو أصح القولين عند الشافعية مع قول‬

‫مالك وأحمد في أشهر الروايتين إنها واجبة فاألول مخفف والثاني مشده فرجع األمر إلى مرتبتي‬

‫الميزان‪ ،‬ووجه األول أن األصل في أبدان المتطهرين عدم عصيانها لربها وعدم طول غفلتها‬

‫عنه‪ ،‬ومن كان كذلك فأعضاؤه حية ال يؤثر فيها جفاف كل عضو قبل غسل ما بعده سواء أقلنا بوجوب الترتيب أم ال ‪ ،‬ووجه من قال‬
‫بوجوب المواالة كون الغالب على المتطهرين ض عف أب دانهم من ك ثرة المعاص ي أو الغفالت أو أك ل الش هوات‪ ،‬وإذا لم يكن م واالة‬
‫جفت األعضاء كلها قبل القيام إلى الصالة مثًال‪ ،‬وإذا جفت فكأنها لم تغسل ولم تكتسب بالماء انتعاشًا وال حياة تقف بها بين يدي ربه ا‬
‫فخاطبت ربها بال كمال حضور وال إقبال على مناجاته‪ ،‬هذا حكم غالب األبدان‪ .‬أما أبدان العلماء العاملين وغيرهم من الص الحين فال‬
‫يحتاجون إلى تشديد في أمر المواالة لحياة أبدانهم بالماء ولو طال الفصل بين غسل أعضائهم‪ ،‬فيحمل ق ول من ق ال بوج وب الم واالة‬
‫على طهارة عوام الناس‪ ،‬ويحمل قول من قال باالستحباب على طهارة علمائهم وصالحيهم‪ .‬وسمعت سيدي علي ًا الخ واص رحم ه هللا‬
‫يقول ‪ :‬نعم قول من قال بوجوب المواالة في هذا الزمان فإن من لم يوجبها يؤذي قوله إلى جواز طول الفص ل ج دًا وزي ادة البطء في‬
‫زمن الطهارة وقوات أول الوقت كأن يغسل وجهه في الوضوء للظهر بعد صالة الصبح ثم يغسل يديه ربع النهار ثم يمسح رأسه بع د‬
‫زوال الشمس ثم يغسل رجليه قبيل العصر مع وقوع ذلك المتوضىء مثًال في الغيبة والنميمة واالستهزاء والسخرية والضحك والغفلة‬
‫وغير ذلك من المعاصي والمكروهات أو خالف األولى إن كان ممن يؤاخذ به كما يؤاخذ بأكل الشهوات فمثل هذا الوض وء وإن ك ان‬
‫صحيحًا‪ ،‬في ظاهر الشرع من حيث إنه يصدق عليه أنه وضوء كامل فهو قليل النفع لعدم حص ول حي اة األعض اء ب ه بع د موته ا أو‬
‫ضعفها أو فتورها ففات بذلك حكمة األمر بالمواالة في الوضوء وجوبًا أو استحبابًا وهي إنعاش البدن وحيات ه قب ل الوق وف بين ي دي‬
‫هللا تعالى للمناجاة‪ ،‬ثم لو قدر عدم وقوع ذلك المتوضىء الذي لم يوال في معص ية أو غفل ة في ال زمن المتخل ل بين غس ل األعض اء‬
‫فالبدن ناشف كاألعضاء التي عمتها الغفلة والسهو والملل والسامة فلم يصر لها داعية إلى كمال اإلقبال على هللا تعالى ح ال مناجات ه‪.‬‬
‫وبالجملة فالمواالة من أصلها سنة ونهض بها إلى الوجوب االجتهاد فهي مطلوبة بكل حال وهللا أعلم‪ .‬ومن ذلك اتفاق األئم ة األربع ة‬
‫على أن من توضأ فله أن يصلي بوضوئه ما شاء من الفرائض ما لم ينتقض وضوؤه م ع ق ول النخعي إن ه ال يص لي بوض وء واح د‬
‫أكثر من خمس صلوات‪ ،‬ومع قول عبيد بن عمير ‪ :‬يجب الوضوء لكل صالة واحتج باآلية فاألول مخفف والثاني مشدد فرج ع األم ر‬
‫إلى مرتبتي الميزان‪ ،‬ووجه األول اإلجماع من أهل الشريعة والحقيقة على ذلك ووجه قول النخعي‬
‫ما ثبت «َأَّنُه َو َج َمَع َب ْي َن َخ ْم ٍس َص َلَو اٍت َي ْو َم اَألْح َز اِب فال يزاد على ذلك‪ ،‬ووجه قول‬
‫عبيد بن عمير العمل بظاهر القرآن وهو خاص بمن يقع في الذنوب كثيرًا واألول خاص بمن ال‬
‫‪.‬يقع في ذنب والثاني متوسط بين األول والثالث وهللا تعالى أعلم‬
‫باب الغسل‬

‫أجمع األئمة على أنه يحرم على الجنب حم ل المص حف ومس ه وعلى وج وب تعميم الب دن بالغس ل‪ ،‬وأن ه ال يكفي في الجناب ة مس ح‬
‫الرأس بالماء قياسًا على الخف‪ ،‬أي فكما أنه يجب نزعه في الجنابة وغسل الرجلين وال يكتفى فيه بالمس ح فك ذلك ال رأس في الجناب ة‬
‫بجامع كون كل منهما ممسوحًا‪ .‬ولم أجد لذلك دليًال صريحًا‪ .‬هذا ما وجدته من مسائل اإلجماع ‪ .‬وأما ما اختلف وا في ه فمن ذل ك اتف اق‬
‫األئمة األربعة على وجوب الغسل من التقاء الختانين وإن لم يحصل إنزال مع قول داود وجماعة من الصحابة بأن الغسل ال يجب إال‬
‫باإلنزال إن لم يثبت نسخ ذلك‪ ،‬وال فرق بين فرج اآلدمي والبهيمة عند مالك والشافعي وأحمد‪ ،‬وق ال أب و حنيف ة ‪ :‬ال يجب الغس ل في‬
‫وطء البهيمة إال باإلنزال‪ ،‬فاألول مشدد والثاني مخفف في مسألتي جماع اآلدمي والبهيمة فرج ع األم ر إلى مرتب تي الم يزان‪ ،‬ووج ه‬
‫األول في المسألتين حصول اللذة التي يغيب معها العبد عن مشاهدة حضرة ربه عادة مع ثبوت الدليل في ه‪ ،‬ووج ه الث اني فيهم ا ع دم‬
‫كمال اللذة إذ ال تكمل إال باإلنزال‪ ،‬فاألول خاص باألكابر الذين يبالغون في التنزه والث اني خ اص باألص اغر ال ذين ال يق درون على‬
‫المشي على ما علي ه األك ابر‪ ،‬ويص ح أن يك ون األم ر ب العكس من جه ة غلب ة الش هوة وض عفها‪ ،‬فال يجب الغس ل على األك ابر إال‬
‫باإلنزال ألن الجماع من غير إنزال ال يؤثر فيهم غيبة عن ربهم لما هم عليه من القوة كما يؤيده قول عائشة وأيكم يملك إربه كما كان‬
‫‪ .‬يملك إربه في قصة تقبيل نسائه وهو صائم أو وهو متوضىء ثم يقوم إلى الصالة فاعلم ذلك‬
‫ومن ذلك قول اإلمام الشافعي ‪ :‬إن الغسل يجب بخروج المني وإن لم يقارن اللذة مع قول أبي حنيفة ومالك إنه ال يجب الغسل إال م ع‬
‫مقارنة اللذة لخروج المني بشرطه‪ ،‬فاألول مشدد والثاني مخفف والقول فيه ك القول في الجم اع م ع اإلن زال أو بال إن زال فال نعي ده‪.‬‬
‫ومن ذلك قول اإلمام أبي حنيفة وأحمد لو خرج منه مني بعد الغسل من الجنابة فإن ك ان بع د الب ول فال غس ل وإال وجب الغس ل م ع‬
‫قول الشافعي بوجوب الغسل مطلقًا ومع قول مالك ال يجب الغسل مطلق ًا‪ ،‬ف األول في ه تش ديد والث اني مش دد بالكلي ة والث الث مخف ف‬
‫بالكلية فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان فأحد الش قين في األول‪ ،‬وق ول الش افعي خ اص باألك ابر والش ق اآلخ ر وق ول مال ك خ اص‬
‫باألصاغر كالعوام فما خرج أحد من األئمة عن مرتبتي الميزان‪ ،‬ومن ذلك قول الش افعي‪ :‬يجب الغس ل بخ روج الم ني وإن لم يت دفق‬
‫مع قول األئمة الثالثة بعدم وجوب الغسل إذا لم يتدفق فاألول مشدد و مقابله مخفف فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‪ ،‬ومن ذل ك ق ول‬
‫األئمة الثالثة أنه ال يجب الغسل إال بانفصال المني من رأس الذكر مثًال مع قول اإلمام أحمد يوج وب الغس ل إذا أحس بانتق ال الم ني‬
‫من الظهر إلى اإلحليل وإن لم يخرج‪ ،‬فاألول مخفف خاص بعوام المسلمين والثاني مشدد خاص باألكابر ومن ذلك قول مال ك وأحم د‬
‫بوجوب الغسل على الكافر إذا أسلم مع قول أبي حنيفة والشافعي باستحباب ذلك ف األول مش ده والث اني مخف ف‪ ،‬ووج ه الث اني أن هللا‬
‫تعالى أطلق الحياة على من أسلم بقوله‪( :‬أو من كان ميتًا فأحييناة (األنعام‪ )١٢٢( :‬ومن ص ار جس مه حي ًا بع د م وت فال يجب علي ه‬
‫غسل إنما ذلك عل‬
‫وجه االستحباب وزيادة التنزه ويؤيد ذلك قوله تعالى‪ :‬قل للذيَن َكَفُروا ِإن َي َت ُهوا َي ْغ َف ُر َلُهْم َم ا قد سلف األعمال ( ‪ )٣٠‬ووجه األول كمال‬
‫المبالغة في الحياة فاإلسالم أحيا الباطن والماء يحيي‬
‫الظاهر فرجع األمر في ذلك إلى مرتبتي الميزان‬
‫ومن ذلك قول مالك بوجوب إمرار اليد على البدن في غسل الجنابة مع قول األئمة الثالث ة ب أن ذل ك مس تحب ف األول مش دد والث اني‬
‫مخفف‪ ،‬ووجه األول المبالغة في إنعاش البدن من الضعف الحاصل له من سريان لذة خروج المني والجم اع‪ ،‬ووج ه الث اني االكتف اء‬
‫بمرور الماء على سطح البدن فإنه يحيي بالطبع كل ما مر عليه من البدن‪ ،‬فالالئق بقليل االلتفاة‬
‫بالجماع أو بخروج المني االستحباب والالئق بمن غاب باللذة عن إحساسه الوجوب وهللا‬
‫أعلم‬
‫ومن ذلك قول األئمة الثالثة ‪ :‬إنه ال بأس بالوضوء والغسل من فضل ماء الجنب والح ائض م ع ق ول أحم د إن ه ال يج وز للرج ل أن‬
‫يتوضأ من فضل وضوء المرأة إذا لم يكن يشاهدها ووافق محمد بن الحسن على أنه يجوز للمرأة الوضوء من فضل الرج ل والم رأة‬
‫فاألول مخفف والثاني فيه تشديد فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‪ .‬ووج ه األول ثب وت األدل ة في ه ووج ه الث اني م ا في م اء طه ارة‬
‫المرأة من شدة القذارة عادة ولذلك قيد أحمد ذلك بما إذا لم يكن يشاهدها فيحملها على أنها لم تكن نظيفة حال تطهرها ليس على ب دنها‬
‫قذر بخالف ما إذا كان يشاهدها حال غسلها فإنه يعم ل بعلم ه من طه ارة أو امتن اع فعلم أن الالئ ق باألك ابر الث اني والالئ ق ب العوام‬
‫األول‪ ،‬ونظير ذلك ‪ :‬اتفاق األئمة على أن المرأة إذا أجنبت ثم حاضت كفاها غسل‬
‫واحد مع قول أهل الظاهر إنه يجب عليها غسالن ‪ .‬ومن ذلك اختالف أصحاب الشافعي في‬
‫وجوب الغسل من الوالدة بال بلل مع قول بعضهم بع دم وجوب ه ف األول مش دد والث اني مخف ف‪ ،‬ووج ه األول المبالغ ة في الت نزه من‬
‫خروج المني ولو صار ولدًا ووجه الثاني أن الغسل المذكور م ا ش رع إال للق ذر الحاص ل ب الوالدة ع ادة‪ ،‬ف إذا لم يكن ق ذر فال يجب‬
‫الغسل مع ما فيها أيضًا من شدة الوجع حال الطلق فإن ذلك يفني اللذة المضعفة للبدن بالكلية لع دم حص ول غفل ة عن هللا تع الى ح ال‬
‫الطلق بل تصير كل شعرة منها متوجهة إلى هللا حاضرة معه وذلك ربما يقوم‬

‫‪ .‬مقام الماء في حياة البدن فاعلم ذلك فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‬

‫ومن ذلك قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين بتحريم قراءة القرآن على الجنب‬

‫والحائض ولو آية أو آيتين مع قول اإلمام أبي حنيفة بجواز قراءة بعض آية‪ ،‬ومع قول مالك‬

‫بجواز قراءة آية أو آيتين‪ ،‬ومع قول داود يجوز للجنب قراءة القرآن كله كيف شاء فاألول مشدد‬

‫والثاني فيه بعض تشديد والثالث مخفف بالكلية فرجع األمر إلى مرتبتي الميزان‪ .‬ووجه األول‬

‫قول رسول هللا ﷺ ‪« :‬ال َي ْق َر ُأ الُج ُنُب َو ال اْلَح اِئُض َش ْيئًا ِمَن اْلُقْر آِن فنكر شيئًا فشمل بعض اآلية‬

‫كحرف مع تأييد ذلك بما قاله أهل الحقيقة من أن القرآن كالم هللا تعالى وهو أي الكالم من‬
‫صفات الحق تعالى الطاهر المقدس فال يناسبه أن يبرز من محل موصوف بالقذارة معنى أو حسًا‬
‫سواء قليله وكثيره‪ ،‬وأيضًا فإن القرآن مشتق من القرء وهو الجمع لكونه يجمع القلب على‬
‫هللا تعالى فطلب الشارع من المؤمن أن ال يقرأ شيئًا يدعوه بالخاصية إلى الحضور مع هللا إال‬
‫على أكمل حال في الطهارة بخالف الجنب والحائض‪ ،‬فعلم أن للجنب وغيره أن يقرأ الفرقان‬
‫من األحكام واألذكار ألنه ال يجمع القلب على هللا تعالى‪ ،‬وعليه يحمل قول داود من حيث إن‬
‫الفرقان قرآن وعكسه عند األكابر بخالف المحجوبين فافهم‪ ،‬وأما من جهة ألفاظ القرآن‬
‫فالتحقيق أن وجه قول داود إن القرآن له وجهان وجه إلى حضرة صفات هللا تعالى وهو القائم‬
‫بالذات ووجه إلى الخلق وهو المكتوب في المصحف والمنطوق به في اللسان والمحفوظ في‬
‫القلوب‪ ،‬فكالم داود يتمشى على أحد الوجهين وال يخفى الورع وطلب شدة التعظيم من كل‬
‫مكلف وإن لم يكن القرآن حاًال في اللسان واللفظ حقيقة وأكثر من ذلك ال يقال‪ ،‬وهللا سبحان‬
‫‪ .‬وتعالى أعلم‬

You might also like