فقه الجهاد

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 108

‫‪2‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫‪1‬‬
‫الفهرس‬
‫أحكام الشهيد‬
‫هل يقال تركي الدندني شهيد‬ ‫‪‬‬
‫ُ‬
‫سلطان القحطاني“ ؟‬ ‫س ُل الشهيدُ ”‬
‫هل يُغ َّ‬ ‫‪‬‬
‫هل يصلى على الشهيد أحمد الدخيل؟‬ ‫‪‬‬
‫هل مات الشهيد ”حنظلة المكي“ متعب المحياني ؟‬ ‫‪‬‬
‫الجهاد‬
‫مقاص ُد ِ‬
‫ِ‬
‫صائل‬ ‫دف ُع ال َّ‬ ‫‪‬‬
‫صائل‪ :‬مواجهة جند الدولة‬‫دف ُع ال َّ‬ ‫‪‬‬
‫أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (‪)2/1‬‬ ‫‪‬‬
‫أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (‪)2/2‬‬ ‫‪‬‬
‫دفع الصائل إذا كان السلطان‬ ‫‪‬‬
‫الخروج على الحاكم‬ ‫‪‬‬
‫المقصد الثاني من مقاصد الجهاد‬
‫‪ ‬الدعوة إلى هللا (‪)3/1‬‬
‫‪ ‬الدعوة إلى هللا (‪)3/2‬‬
‫‪ ‬الدعوة إلى هللا (‪)3/3‬‬
‫المقصد الثالث من مقاصد الجهاد‬
‫‪ ‬النيل من الكافرين وارهابهم‬
‫المقصد الرابع من مقاصد الجهاد‬
‫‪ ‬غنيمة المال‬
‫أحكام االستئذان في الجهاد‬
‫‪ ‬استئذان األمير‬
‫‪ ‬استئذان الغريم‬
‫‪ ‬الوالدين والزوج والسيد‬
‫مقاصد الجهاد‬

‫( ‪ ) 1‬هذا الكتاب مجموع مقاالت‪ ،‬كتبها العالمة عبد العزيز بن رشيد العنزي –فك هللا اسره‪ -‬لكن كان يكتب احياناا‬
‫باسم عبد هللا بن ناصر الرشيد ‪ ...‬انظر الكلمة التعريفية بالشاي التاي كتبهاا اخوناا اباو العينااء – جازاه هللا خيارا‪، -‬‬
‫علما ان هذه هي الطبعة الثانية من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫‪ ‬المقصد الثالث‪ :‬النيل من الكافرين وإرهابهم‬


‫‪ ‬المقصد الرابع من مقاصد الجهاد‪:‬غنيمة المال‬
‫‪ ‬المقاصد الخاصة‬
‫حكم القتال في الشهر الحرام‬
‫تعظيم الشهر الحرام ومعنى التحريم فيه‬ ‫‪‬‬
‫حكم القتال في الشهر الحرام‬ ‫‪‬‬
‫الشهر الحرام بالشهر الحرام‬ ‫‪‬‬
‫حكم جهاد الدفع في الشهر الحرام‬ ‫‪‬‬
‫االوقات المستحبة في القتال‬
‫‪ ‬األوقات المستحبة في القتال‬
‫المحرمات في اقتال‬
‫‪ ‬المحرمات في القتال‬
‫‪ ‬المحرمات في القتال‪ :‬الذرية‬
‫‪ ‬من تعقد لهم الذمة (‪)2/1‬‬
‫‪4‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫هل يُقال‪ :‬تركي الدندني شهيدٌ؟‬


‫قُتال الشاهيدُ تركاي الدنادني فاي الجااوأ‪ ،‬علاى أيادي جناود الطواغيا ‪ ،‬رحمااه هللا‬
‫وغفر له وتقبله في الشهداء‪ ،‬وليس هذا الموضاع فاي بياان صا َّحة جهااده و ريا‬
‫الشهادة الذي سلكه‪ ،‬وإنَّما المراد جواز إ الق اسم الشهيد‪.‬‬

‫وماان المسااائل التااي يُثيرهااا كثيا سار ماان المنتساابين إلااى العلاام اليااوم مااا با َّاوب عليااه‬
‫فالن شهيدس“‪.‬‬‫س‬ ‫باب‪ :‬ال يقو ُل‬
‫البخاري رحمه هللا في صحيحه فقال‪ ” :‬س‬
‫وأكثر فتاوى المنتسبين إلى العلم في بالد الحرمين‪ ،‬إن لم تكان كلهاا تحارم تسامية‬
‫ماان قُتاال فااي معااارد المجاهاادين شااهيدنا‪ ،‬وكثيا سار ماانهم لااه فتااوى بتجااويز إ ااالق‪:‬‬
‫كثيرا في ألسنة الناس‪ ،‬ويكثُر فاي خطاباات‬ ‫”المغفور له“‪” ،‬المرحوم“‪ ،‬وهذا يقع ن‬
‫الحكومة وكتاباتها‪” :‬جاللة الملك المغفور له الملك عبد العزيز“‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫والجم ُع بينَ تحريم إ الق لفظة الشهيد‪ ،‬وتجاويز إ االق المغفاور لاه والمرحاوم‪،‬‬
‫مااع اجتماعهااا فااي الغاار المااراد ماان التزكيااة علااى هللا‪ ،‬والقطااع بالجنااة وماااا‬
‫ااقف وأمها عاره‪ ،‬فعلااى ماان جااوزه علااى معنااى‬
‫يسااتلز ُمها‪ ،‬الجما ُع هااذا ماان أبااين التنا ع‬
‫الرجااء ماان هللا والفانل أن يُجا عاوز ذلاك فااي اساام ”الشاهيد“‪ ،‬وماان مناع إ ااالق اسام‬
‫الشهيد حذر التزكية فعليه أن يمنعه في المرحوم والمغفور له‪.‬‬
‫بل َّ‬
‫إن منع لفظ المغفور له‪ ،‬والمرحوم أولى‪ ،‬من جهتين‪:‬‬

‫‪ ‬النص واستعمال أهل العلم‪ ،‬وينتي‪.‬‬


‫إخبار‬
‫س‬ ‫عمله‪ ،‬أ َّما المغفور له والمرحوم ف‬ ‫إخبار عن ع َم ٍل ع‬
‫س‬ ‫‪ ‬المعنى‪َّ ،‬‬
‫ألن الشهيد‬
‫ع علقَا باه‬‫واألول كما يحتمل التزكية‪ ،‬يحتم ُل االسم الذي ُ‬ ‫َّ‬ ‫عن فع عل هللا فيه‪،‬‬
‫يار الحكام‬‫األحكام الدنيويَّة دون الحكم األخاروي‪ ،‬أ َّماا الثااني فماا يحتما ُل غ َ‬
‫األُخرويع‪.‬‬

‫شهي عد فال بدَّ قبلَه من تمهيد‪:‬‬


‫ق اسم ال َّ‬
‫جواز إ ال ع‬
‫ع‬ ‫تقرير‬
‫ُ‬ ‫وأ َّما‬

‫وأحكاام‪ ،‬وهاي األحكاام الوضاعيَّة‬


‫ٍ‬ ‫شاري َعة جااءت لاعياان واألفعاال بنساماءٍ‬ ‫فاإن ال َّ‬
‫َّ‬
‫واألحكام التَّكليفيَّةُ التَّعبديَّة‪.‬‬
‫والماراد باألحكااام الوضااعيَّة والتكليفيَّاة‪ :‬األحكااام الفقهيَّااة ال األُصاوليَّة‪ ،‬فا َّ‬
‫إن الحكا َام‬
‫ومانع وشر ٍ ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬‫الحكم الفقهيع‪ :‬من دلي ٍل‪ ،‬وسب ٍ‬‫ع‬ ‫ب‬‫وج ُ‬
‫ي هو ُم ع‬ ‫األصول َّ‬
‫الصا َّحة والفساااد‪ ،‬والرخصاة والعزيمااة‪ ،‬ولعاادم‬ ‫واألحكاام الوضااعيَّة الفقهيَّاة‪ :‬منهااا ع‬
‫ُ‬
‫التفريااا باااين الحكااام الوضاااعي الفقهاااي والحكااام الوضاااعي ع األصاااوليع‪ ،‬اختلَااا َ‬
‫‪5‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫األصوليين في الرخصة والعزيمة والصحة والفساد هل هي من األحكام الوضعيَّة‬


‫أم ال؟‬

‫ومن األحكام على معنى األحكام الفقهيَّة دون األُصوليَّة‪ :‬األحكام العقديَّةُ المذكورة‬
‫في مسائل األسماء واألحكام‪ ،‬ومنها الكفر واإليمان والفس والبدعة ونحوها‪.‬‬
‫لم ما تقدَّم‪َّ :‬‬
‫فإن األسماء واألحكام على قسمين‪:‬‬ ‫ع َ‬‫إذا ُ‬
‫أسااما سء وأحكااا سم دُنيويَّااة‪ :‬تُبنااى علااى َّ‬
‫الظااواهعر‪ ،‬اعتمااادنا علااى َّ‬
‫أن األصاال مطابقااة‬
‫لفالن من الناس‪ ،‬وقد يكاون فاي باا ن األمار‬‫ٍ‬ ‫اسم اإلسالم‬
‫ت ع‬ ‫الظاهر للبا ن‪ ،‬كإثبا ع‬
‫ناقف من نوا قف اإليمان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كافرا مشتمالن قلبُهُ على‬ ‫ن‬
‫ب ال ُحكم تبعنا لذلكَ بنحكام اإلسالم الدنيويَّة له من‪:‬‬
‫ويترت ُ‬
‫‪ ‬مااواالةٍ ونصاارةٍ وعصاام ٍة للاادم والمااال والعاار ‪ ،‬وكااذا ص ا َّحةُ إمامتعااه فااي‬
‫الزوجيَّة‪ ،‬ونحو ذلاك‬ ‫اسم َّ‬
‫الصالة‪ ،‬ونكاحه بمسلم ٍة وفيه من األسماء إثباتُ ع‬
‫من أحكام الحياة‪.‬‬
‫ان مااع المساالمين ومااا إليهااا عنااد المااوت‪ ،‬وإر ٍ‬
‫اين وصااالةٍ ودفا ٍ‬
‫‪ ‬وغسا ٍل وتكفا ٍ‬
‫وترح ٍم عليه وما يلح ُ بذلك بعد الموت‪.‬‬

‫وأسما سء وأحكا سم أُخرويَّة‪ :‬فن َّما األسما ُء األُخرويَّة‪ ،‬فال تعارأ علاى اليقاين فاي حا ع‬
‫الرجال المعايَّن إالَّ فااي ا خارة‪ ،‬عاادا ماان فياه نا ا‬
‫اص أو إجماااعس كاألنبيااء وماان بُ عشاار‬ ‫َّ‬
‫بيقين موتُهُ على ال ُكفر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بالجنَّة أو بالنَّار‪ ،‬أو ثب َ‬

‫أ َّمااا ثُبااوتُ موتعا عه علااى اإليمااان بيقا ٍ‬


‫اين فمتعااذ سعر الشااترا موافقااة الباا ع عن فااي صا َّحة‬
‫بعف أهل العلم من اجتمع الناس على الثَّناء عليه‬ ‫ُ‬ ‫اإليمان دون الكفر‪ ،‬وقد استثنى‬
‫بالخير لحديث ”وجبَ وجبَ “‪ ،‬وهي مسنلةس مشهورةس‪.‬‬

‫وأ َّمااا األح َكااام األُخرويَّااة‪ ،‬فنحكااا ُم النَّعا ع‬


‫ايم وال َع اذَاب المترتعب اةُ علااى أس اماء اإليمااان‬
‫والكفر فيما فيه خلودس‪ ،‬وعلاى ماا دونهماا مان أساماءٍ وأفعاا ٍل فيماا دون الخلاود فاي‬
‫النار‪.‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬واألسما ُء‬


‫ع‬ ‫فإن اسم ال َّ‬
‫ش عهي عد يُطل ُ اس نما دُنيويًّا‪ ،‬كما يُطل اس ُم‬ ‫إذا تبيَّنَ هذا؛ َّ‬
‫فالن زو َج فالنةَ من المسلمين‪ ،‬وفالنةُ زو َجهُ‪ ،‬ويسا َّمى‬ ‫س‬ ‫المبنيَّةُ عليه دنيويًّا‪ :‬فيكون‬
‫إمام المصلين إما نما‪ ،‬وتُعلَّ ُ به األحكا ُم‪ ،‬كما يُس َّمى الحاكم الَّذي لم يظهر مناه س‬
‫كفار‬
‫وتحاكم بغير ما أنزل هللا‪ ،‬أو تو ٍل ألعداء هللا أو‬
‫ٍ‬ ‫حكم‬
‫بوا سح‪ :‬من عباد عة غير هللا‪ ،‬أو ٍ‬
‫أمر من تح يده من المسلمين‪.‬‬ ‫ي ع‬ ‫نحو ذلك؛ يُس َّمى هذا الحاكم ول َّ‬
‫‪6‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫جميع المذَا عه ع‬
‫ب فاي‬ ‫ع‬ ‫وإ القُهُ اس نما دنيويًّا‪ :‬هو ما تواردَت عليه عبارات الفقهاء من‬
‫نكيار‪ ،‬ورتَّبُاوا علياه أحكاماه الدنيويَّاة‪ :‬مان تارد‬
‫ٍ‬ ‫جميع العصو عر‪ ،‬دون اخاتالأٍ أو‬
‫ع‬
‫التغسي عل باتفاق األربعة‪ ،‬وعدم وجوب الصال عة عند الثالث عة عدا الحنفيَّة‪.‬‬

‫ي فالننا مسل نما‪ ،‬وتُرتب علاى ذلاك أحكاام الادنيا‪ ،‬مان تصاحي‬ ‫وال فرقَ بينَ أن ت ُ ع‬
‫سم َ‬
‫تساميه شاهيدنا‪ ،‬وت ُرتعاب‬
‫ودفن في مقابر المسلمين‪ ،‬وأن ع‬
‫ٍ‬ ‫نكاح وإمامةٍ‪ ،‬وصالةٍ عليه‬
‫ٍ‬
‫عليه أحكام الدنيا من ترد الغسل والصالة عليه‪.‬‬
‫كم في ا َّ‬
‫لظااه ععر‪ ،‬إنَّماا يكاونُ‬ ‫االسم وال ُح ع‬
‫ع‬ ‫ب‪ ،‬أن يُقالَ‪َّ :‬‬
‫إن إثباتَ‬ ‫وتما ُم تحرير هذا البا ع‬
‫المعصوم صلَّى هللا عليه وسلَّم ُ‬
‫نفي‬ ‫ع‬ ‫ونص‬
‫ع‬ ‫عار َ ‪ ،‬فمن ثب َ في عه بالوحي ع‬‫حيث ال ُم ع‬‫ُ‬
‫اب‪ ،‬ونااص‬ ‫الظاااهر م ا ان غالا س‬‫اإن َّ‬‫ااهر نفيناااهُ وأحكا َم اهُ‪ ،‬فا َّ‬ ‫قتِااي عه َّ‬
‫الظا ُ‬ ‫االساام الَّااذي يَ ع‬
‫يقين‪ ،‬وال فرق في هذا بين‪ :‬اسم اإلسالم‪ ،‬واسم الشهادة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫المعصوم س‬

‫شاهيدع‪ :‬السانَّةُ مان تقريار النباي صالى هللا‬ ‫ودلي ُل ما ذَ َكرنا مان جاواز إ االق اسام ال َّ‬
‫عليه وسلَّم وقوله‪ ،‬واإلجماعُ المنخوذُ من تسمي عة الصاحابة والسال والفقهااء علاى‬
‫ت الحكام للشاهيد دون‬‫والحكم مع ص َّح عة األدلَّة في إثبا ع‬
‫ع‬ ‫ُ‬
‫وتالز ُم االسم‬ ‫مر العصور‪،‬‬ ‫ع‬
‫معار ‪.‬‬ ‫ع‬
‫صحابة‪ ،‬فمن بعادهم‪،‬‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلَّم‪ ،‬فال َّ‬ ‫فإن النَّب َّ‬
‫تالز ُم االسم والحكم‪َّ :‬‬
‫فن َّما ُ‬
‫ال أحكااامهم‬
‫شااهيدع‪ ،‬وحكمااوا لهاام بكا ع‬ ‫اارد معاملاةَ ال َّ‬
‫عاااملوا قتلااى المساالمين فااي المعا ع‬
‫ألن الحكم فرعس عليه ُمعلَّ س به‪.‬‬ ‫الدنيويَّ عة‪ ،‬ويلز ُم من هذا إثباتُ االسم الدنيويع‪َّ ،‬‬

‫وأ َّمااا اإلجماااعُ‪ :‬فقااد س ا َّمى المساالمونَ قتلااى المعااارد شااهداء‪ ،‬فقااالوا شااهدا ُء أح ا ٍد‪،‬‬
‫س عامي بعاف‬ ‫بدر‪ ،‬وشهدا ُء اليمامة‪ ،‬وشهداء اليرمود‪ ،‬وشاهدا ُء حطاين‪ ،‬و ُ‬ ‫وشهدا ُء ٍ‬
‫ار الشاهيد صااحب جازء العلال علاى صاحي‬ ‫العلماء بالشهيد كنبي الفِل ابن ع َّم ٍ‬
‫وغيره‪.‬‬
‫ع‬ ‫مسلم‬
‫وهكااذا إلااى اليااوم‪ :‬فيُقااال‪ُ :‬‬
‫شااهدا ُء القلعااة وكاباال وقناادهار وغيرهااا فااي أفغانسااتان‪،‬‬
‫وشهدا ُء الشيشان‪ ،‬وشهدا ُء فلسطين‪ ،‬وشهدا ُء البوسانة‪ ،‬وشاهدا ُء العاراق‪ ،‬وشاهدا ُء‬
‫يع‬
‫عشر من رب ع‬‫َ‬ ‫غزوةع الحادي عشر من سبتمبر بنيويورد‪ ،‬وشهدا ُء غزوة الحادي‬
‫الصوير‪ ،‬وشهدا ُء مزرعاة القصايم‪ ،‬وغيار ذلاك‪،‬‬ ‫ع‬ ‫األول بالريا ‪ ،‬وشهداء مسجد‬ ‫َّ‬
‫تقبَّلهم هللا جمي نعا‪.‬‬
‫ب رضاي هللا‬ ‫َّ‬
‫الخطاا ع‬ ‫عمار بان‬
‫َ‬ ‫وأ َّما السنَّة‪ ،‬فقد روى مسل سم في صحيحه مان حادي ع‬
‫ث‬
‫نفر من صاحاب عة النباي ع صالى هللا علياه وسالم فقاالوا‪:‬‬ ‫خيبر أقب َل س‬‫َ‬ ‫عنه‪" :‬ل َّما كان يو ُم‬
‫فالن شهيدس؛ فقال رسول هللا‬ ‫س‬ ‫وفالن شهيدس‪ ،‬حتَّى مروا على رج ٍل فقالوا‪:‬‬ ‫س‬ ‫س‬
‫فالن شهيدس‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪” :‬كالَّ؛ إنعي رأيتُه في النَّار فاي باردةٍ غلَّهاا أو عبااءةٍ“ ثا َّم قاال‬
‫ااس أنَّاهُ ال‬ ‫َّ‬
‫الخطاااب اذهااب فنااا عد فااي النَّا ع‬ ‫رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالَّم‪” :‬يااا اباان‬
‫‪7‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫يااادخل الجنَّاااةَ إالَّ الم مناااون“ قاااال فخرجااا ُ فناديااا ُ ‪ :‬أال إنَّاااه ال يااادخل الجنَّاااة إالَّ‬
‫ال ُم منونَ ‪.‬‬

‫أقرهم النبي صلَّى هللا عليه وسالم علاى تسامي عة مان سا َّموا شاهدا َء‪ ،‬وحاين أ َ‬
‫نكار‬ ‫فقد َّ‬
‫خالأ مااه ععر‬
‫َ‬ ‫علم النبي صلَّى هللا عليه وسلَّم منه‬
‫أنكر في ح ع ال ُمعي عَّن الَّذي َ‬
‫علي عهم َ‬
‫لغاال‪ ،‬ال‬
‫مخاتص بهاذا ا ع‬
‫ٍ‬ ‫حا عل عه‪ ،‬ولذا علَّ َ وعلَّال صالى هللا علياه وسالَّم إنكاارهُ ٍ‬
‫بانمر‬
‫غيرهُ من المسلمين‪.‬‬ ‫يشم ُل َ‬
‫بعموما عه للنهاي عان تسامية كال قتيا عل معركا ٍة بالشاهيدع‪ ،‬كاان الماراد الجازم‬
‫ع‬ ‫ولو قي َل‬
‫أن النَّبا َّ‬
‫ي صالى هللا علياه‬ ‫َّين‪ ،‬بادلي عل َّ‬ ‫ُ‬
‫باذلك المتِامن إثباات االسام والحكام األخاروي ع‬
‫وسلَّم ل َّما أنكر عليهم ذكر حال َّ‬
‫الرجل في النار‪.‬‬

‫ولعل هذا المعنى هو المقصود من ترجماة البخااري رحماه هللا حاين قاال‪ :‬بااب ال‬
‫فالن شهيد‪ ،‬قال أبو هريرة عن النباي صالى هللا علياه وسالم‪” :‬هللا أعلام بمان‬ ‫س‬ ‫يقول‬
‫يجاهد في سبيله‪ ،‬وهللا أعلم بمن يُكلم في سبيله“‪ ،‬ث َّم أسند حديث سهل بن سع ٍد فاي‬
‫الرجل الذي كان ال يدع للمشركين شاذَّة وال فاذَّة إالَّ اتبعهاا يِاربها بسايفه‪ ،‬فقاال‬
‫س‬
‫فاالن؛ فقاال رساول هللا صالى هللا‬ ‫صحابة‪ :‬ما أجازأ مناا الياوم أحادس كماا أجازأ‬ ‫فيه ال َّ‬
‫عليه وسلَّم‪” :‬أما إنَّه من أهل النار“ الحديث وفيه قتله نفسه‪ ،‬وفي آخره قول النبي‬
‫إن الرجل ليعمال عمال أهال الجناة فيماا يبادو للنااس‪ ،‬وهاو‬ ‫صلى هللا عليه وسلَّم‪َّ ” :‬‬
‫من أهل النار“‪.‬‬

‫فما ذكره البخاري في الترجمة وفاي البااب‪ ،‬لايس فاي شايءٍ مناه النهاي عان إ االق‬
‫اسم الشهيد‪ ،‬وإنَّما النهي عن إ الق أحكام ا خارة‪ ،‬وماا يساتلزمها كماا تارى‪ ،‬وهاذا‬
‫كما يُقال في اسم ال َّ‬
‫شهيد‪ ،‬يُقال في اسم المسلم‪.‬‬

‫أن اسام الشاهيد يجاوز إ القُاهُ اسا نما دنيويًّاا‪ ،‬كماا يُحكام لاه بجمياع أحكاام‬ ‫فتل َّخص‪َّ :‬‬
‫الادنيا‪ ،‬وأ َّمااا إ القُااه اسا نما أخرويًّااا فااإن كااان علااى وجااه الجاازم فهااو المحا َّارم الاذي‬
‫جاءت فيه النصوص‪ ،‬وهو كالشهادة بالجنَّة له‪ ،‬وإن كان على وجه الفنل فااألولى‬
‫احترازا من توهم التزكي عة الممنوع عة‪.‬‬‫ن‬ ‫تقييدهُ بالمشيئ عة‬

‫ي‪،‬‬
‫ي وأصااحابه‪ ،‬والشااهيدَ يوس ا َ العُيي ار َّ‬
‫أساانل هللا أن يتقبَّاال الشااهيد تركيًّااا الدناادن َّ‬
‫وسائر الشهداء في بالد الجزيرة وغيرها من بالد المسلمين‪.‬‬
‫مادبر‪ ،‬وماان أ َّمان علااى هااذه‬
‫ٍ‬ ‫وأسانل هللا أن يرزقنااي الشاهادة فااي سابيله مقاابالن غياار‬
‫ب أخي ا عه‪ :‬عبااد هللا باان ناصاار الرشاايد‪ ،‬غفاار هللا لااه ولوالديااه‬
‫الاادعوة‪ ،‬ودعااا للكات ا ع‬
‫وللمسلمين‪ .‬تم ليلة الخامس من رجب الفرد ‪.1424‬‬
‫‪8‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫س ُل الشهي ُد ”سلطا ُن القحطاني“ ؟‬


‫هل يُغ َّ‬
‫قُتل الشهيد سلطان القحطاني في جازان على أيدي جنود الطواغي ‪ ،‬نسنل‬
‫هللا أن يتقبَّله في الشهداء‪.‬‬

‫تقد ََّم التفصي ُل في أحكام الشهيد الدنيويَّة واألخرويَّة‪ ،‬وبقي التنبيهُ على مسنلةٍ‪:‬‬
‫أن الشهيد الذي يحكم له بنحكام الشهاد عة الدنيويَّة‪ :‬هو شهيدُ المعرك عة ممن‬ ‫وهي َّ‬
‫ماهر حا عل عه عندنا‪ ،‬ومثلُهُ على الصحي القتيل على أيدي‬ ‫ع‬ ‫يُقتل في سبيل هللا في‬
‫جائر‪ ،‬فال يدخل فيه سائر الشهداء‬
‫ٍ‬ ‫سلطان‬
‫ٍ‬ ‫ال ُكفَّار والبُغاةع كمن قال كلمة الح عند‬
‫فساء‪،‬‬
‫ب‪ ،‬أي في الحكم األخروي وحده‪ :‬كالن ع‬ ‫الذين ينالون الشهادة في الثوا ع‬
‫والمبطون‪.‬‬
‫ع‬ ‫والمطعون‬
‫ع‬ ‫والغري ع والحري ع‬
‫وهذا محل إجماعٍ في ال ُجملة‪ ،‬وقد ثب َ عن النبي صلى هللا عليه وسلم الصالة‬
‫على النفساء‪ ،‬وبوب البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه‪ :‬باب الصالة على‬
‫النفساء إذا مات في نُفاسها‪.‬‬
‫ع‬
‫وأولُها غسلُه‪.‬‬
‫األحكام الدنيويَّة للشهيدع‪َّ :‬‬
‫ع‬ ‫لبعف‬
‫ع‬ ‫وسنعر ُ هنا‬
‫ع‬
‫اليوم‪،‬‬
‫ع‬ ‫سنَّةُ النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬فمن بعدهم إلى هذا‬ ‫ُ‬ ‫وقد مِ‬
‫أن الشهيد ال يُغسَّل‪ ،‬وال يكفَّن‪ ،‬وال يُصلَّى علي عه‪.‬‬
‫َّ‬

‫ص‬‫وص َّ عنه صلَّى هللاُ عليه وسلَّم وعن صحابتع عه والسل الصالحين في قص ٍ‬
‫تكفين وال صالةٍ علي عهم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كثيرةٍ‪ ،‬ووقائ َع متعدعدةٍ دفنُ الش ع‬
‫هداء دون غس ٍل وال‬
‫وتواتَر ذلك عن ُهم‪.‬‬

‫شهداء أحد أن النبي صلى هللا‬


‫ع‬ ‫وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبد هللا في‬
‫عليه وسلم‪ :‬أمر بدفنهم بدمائهم ولم يص َّل عليهم ولم يغسلوا‪ ،‬ووالد ج ٍ‬
‫ابر عبد ُ هللا‬
‫شهداء أحدٍ‪.‬‬
‫ع‬ ‫من‬
‫الحسن وابن‬ ‫سلُ‪ ،‬وخال‬ ‫أن ال َّ‬
‫شهيدَ ال يُغ َّ‬ ‫الفقهاء‪َّ :‬‬
‫ع‬ ‫وقد اتف األربعةُ‪ ،‬وجماهير‬
‫المسيب فجعال الغسل للشهيد كالمي في غير شهادةٍ‪.‬‬

‫ب‬
‫بعف الشافعيَّة في غير المشهور من المذهب‪ :‬فنوجبوا تغسي َل الجن ع‬‫ُ‬ ‫صل‬
‫وف َّ‬
‫والحائف‪ ،‬للجناب عة ال للموتع‪.‬‬
‫ع‬
‫عامر الغسي عل رضي هللا عنه‪ ،‬وغسيل المالئك عة لهُ‬ ‫ٍ‬ ‫ث حنظلةَ بن‬ ‫واستدلوا بحدي ع‬
‫لجناب عت عه‪ ،‬وذكر الحافظ في الفت ع جوا نبا على هذا‪ :‬أنَّه لو كان واج نبا لما اكتفى بغسل‬
‫ط حتَّى نفعله‪ ،‬وعلى‬‫ب‪ ،‬فال يسق ُ‬
‫ي على أنَّنا منمورون بالواج ع‬ ‫المالئك عة لهُ‪ ،‬وهذا مبن ا‬
‫‪9‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫مر عليه الماء بال نيَّة‪َّ ،‬‬


‫ألن المالئكة غير‬ ‫أن غسيل المالئك عة ال يُجزئُ‪ ،‬كما لو َّ‬ ‫َّ‬
‫متعبَّدين بشريعتنا‪.‬‬

‫وجوب الغس عل متعل س بالمي ال بآحاد الناس‪ ،‬كما‬ ‫َ‬ ‫مستقيم‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا الجواب غير‬
‫شنن في فرو الكفايات‪ ،‬وغسل المالئكة يكفي وال ريب‪ ،‬لص َّحة الن َّي عة لهم‬ ‫هو ال َّ‬
‫واإلرادةع لهم‪ ،‬ولوال ذلك ما استحقوا الحمد على اعتهم هلل‪ ،‬وال يطعنُ في ص َّحة‬
‫النيَّات والعبادات منهم كونُ ُهم غير ملتزمين شريعةن من شرائع أنبياء البشر‪ ،‬ف َّ‬
‫إن‬
‫العبادة تجب عليهم بنمر هللا‪ ،‬وما كانوا ليغسلوا حنظلة إال بنمر هللا (ال َيس عبقُونَهُ‬
‫بعالقَو عل َوهُم بعنَم عر عه يَع َملُونَ ) ( َو َما نَتَن ََّز ُل عإ َّال بعنَم عر َربعكَ لَهُ َما بَينَ أَيدعينَا َو َما خَلفَنَا‬
‫بنمر من هللا‪ ،‬وأنَّه كان امتثاالن منهم‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫أن غسلهم كان ٍ‬ ‫َو َما َبينَ ذَلعكَ )‪ ،‬فص َّ َّ‬
‫النيَّة موجودة في فعلهم‪.‬‬

‫ب‪ ،‬لبينه النبي صلى هللا‬‫يجب غسل الشهيد الجن ع‬ ‫ُ‬ ‫والجواب أن يُقال‪ :‬إ َّنه لو كان‬
‫ُ‬
‫أمر ك عل شهيدٍ‪،‬‬
‫ولوجب أن يتبين َ‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم في موضعه إذ ذلك موض ُع الحاج عة‪،‬‬
‫وهذا ما لم يفعله صلى هللا عليه وسلم ال قب َل مقتل حنظلةَ وال بعدَه‪ ،‬وال فعله أحد س‬
‫من الصحابة أو التابعين‪.‬‬

‫من على حنظلةَ‪ ،‬سوا سء علمنا‬


‫ومن استُشهد جنبنا رجونا أن ي ُم َّن هللا عليه بمثل ما َّ‬
‫أو لم نعلم‪ ،‬أو يطهره تعالى بما شاء‪.‬‬

‫أوجب تغسي َل الشهي عد مطلقنا‪ :‬بننَّه ال يموتُ مي س إال جنبنا‪ ،‬وغسل‬ ‫َ‬ ‫واستد َّل من‬
‫أن غسل المي ع يكونُ لجناب ٍة تحل بالمو ع‬
‫ت كالجنابة‬ ‫واجب‪ ،‬وهذا بناء على َّ‬ ‫س‬ ‫الجنب‬
‫ت الغُسل األخرى‪ ،‬وال دليل على هذا‪ ،‬ولو سُ علم فالنص مقدَّم‪،‬‬ ‫التي تحل بموجبا ع‬
‫أن الشهيد كان جنبنا حقيقةن لم يكن مشرو نعا‬
‫وقد تقدَّم في الوجه الساب ع أنَّا لو علمنا َّ‬
‫غسله‪.‬‬

‫جابر‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال في‬ ‫ٍ‬ ‫ث‬
‫وقد جاء في مسن عد أحمدَ في حدي ع‬
‫دم يفوح مس نكا يوم القيامة‪ ،‬ولم‬ ‫قتلى أحد ”ال تغسلوهم؛ فإن كل جرح‪ ،‬أو قال‪ :‬كل ع‬
‫ديث بهذا التَّمام‬
‫أن الح َ‬‫الح َكم في ترد تغسيل الشهيدع‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫يصل عليهم“‪ ،‬وهذا من ع‬
‫غير محفومٍ وهللا أعلم‪ ،‬والمحفوم في الباب حديث جابر في الصحيحين‪،‬‬ ‫ُ‬
‫كلم يُكل ُم في سبيل هللا إال جاء يوم القيامة كهيئته يوم ُكلم‪ :‬اللون‬
‫وحديث‪” :‬ما من ٍ‬
‫لون الدم‪ ،‬والري ُ ري ُ المسك“ الذي رواه الشيخان من حديث أبي هريرةَ رضي‬
‫هللا عنه‪.‬‬

‫أن هذه الحكمة على القو عل بها ليس هي العلَّةَ في غسل الشهيد‪ ،‬بل لو فر‬ ‫إالَّ َّ‬
‫بسم ونحوه ولم يُرق منه د سم‪ ،‬لم يكن مشرو نعا تغسيلُهُ‪.‬‬
‫أنَّه قُتل خنقنا‪ ،‬أو ٍ‬
‫ومن الخطن اليو َم؛ تغسي ُل من غُسعل من المجاهدين في جزيرةع العرب‪ ،‬كالشي‬
‫سلَهم ال‬
‫ع في عهم أن ال يُغسَّلوا‪ ،‬وتغسي ُل من غ َّ‬ ‫وغيرهع‪َّ ،‬‬
‫فإن المشرو َ‬ ‫ع‬ ‫يوس َ العييريع‪،‬‬
‫‪10‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أثر له‪ ،‬وصالت ُ ُهم عليه با لةس‪ ،‬ال فرقَ في ذلك بين مقتله في جزيرة العرب بنيدي‬
‫جنود الطواغي ع عبي عد أمريكا‪ ،‬ومقتله لو قتل في باكستان‪ ،‬أو أفغانستان بنيدي‬
‫جنود كرزاي وأصحاب الشمال‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫ناصر الرشيد‬
‫ٍ‬ ‫كتبه ‪ /‬عبد هللا بن‬

‫‪ 19‬شعبان ‪1424‬‬
‫‪11‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫هل يصلى على الشهيد أحمد الدخيل؟‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم علاى أشارأ المرسالين‪ ،‬نبيناا محماد‬
‫وعلى آله وصحابت عه أجمعين‪.‬‬

‫ناصر أحمدُ الدخيل تقبله هللا في الشهداء‪ ،‬ونعم صااحب العلام‬


‫ٍ‬ ‫نعم الرجل كان أبو‬
‫هو‪ ،‬ونعم الخاتمة خاتمته‪ ،‬فيما نحسبه وهللا حسيبه‪ ،‬وال نزكي على هللا أحادنا‪ ،‬وقاد‬
‫قتلته قوات الطوارئ في مزرع ٍة بغِي من قرى القصايم‪ ،‬وقُتال فاي تلاك الوقعاة‬
‫معه عدد من المجاهدين‪ ،‬وأعدادس من قوة الطوارئ‪.‬‬

‫اام لجميااع األحااوال‪ ،‬وماان األحكااام الشاارعية التااي يجااب‬ ‫والشااريعة جاااءت بنحكا ٍ‬
‫التزامهااا ورعايتهااا‪ :‬أحكااام الشااهيد فااي ساابيل هللا‪ ،‬وماان هااذه األحكااام مااا تقادم ماان‬
‫تغسيل الشهيد‪ ،‬ومنها الصالة عليه‪ ،‬وهذا خالأ ما يُفعل الياوم بالشاهداء فاي باالد‬
‫الحرمين‪ ،‬فصلي عليهم وغسلوا‪ ،‬وحكم الشهيد مع وجوبه في كل موضاع‪ ،‬إال أن‬
‫وتذكير النااس بنحكاام الشاهيد‬
‫ع‬ ‫إحياء شعيرةع الجهادع‪،‬‬
‫ع‬ ‫ُ‬
‫حيث يُحتا ُج إلى‬ ‫آكدَ مواض عع عه‬
‫واالستشهادع‪ ،‬وبيان حقيق عة جهادعنا للصليبيين وأذنا عب عهم‪.‬‬

‫ناس‬‫ثأ ع‬ ‫يصل على شهداء أحدٍ‪ ،‬من حادي ع‬ ‫ع‬ ‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم‬ ‫وقد ثب َ َّ‬
‫بان مالااكٍ رضااوان هللاع عليا عه كماا فااي الصااحي ‪ ،‬وذهااب جمهاور العلماااء إلااى عاادم‬
‫الصالة علاى الشاهيد‪ ،‬علاى ماا فعال النباي صالى هللا علياه وسالم بشاهداء أحا ٍد أ َّو َل‬
‫األمر‪.‬‬

‫مسلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى علاى شاهداء أحا ٍد بعاد‬ ‫ٍ‬ ‫وثب َ في صحي‬
‫ثمان سنين كالمودع لهم‪ ،‬وبه احتج من رأى الصالة على الشهيد وهو مذهب أباي‬
‫حنيفةَ‪ ،‬وروايةس عن أحمدَ‪ ،‬وأما من استدل على ذلاك بماا روي أن النباي صالى هللا‬
‫عليه وسلم صلى على شهداء أحدٍ‪ ،‬وصلى على حمزة سبعين مرة‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫الروايااات فهااي واهي اةس ال يلتف ا إليهااا‪ ،‬وال يُعا َّاول عليهااا‪ ،‬قااال الشااافعي ف اي األم‪:‬‬
‫جاءت األخبار كننهاا عياان مان وجاوه متاواترة أن النباي صالى هللا علياه وسالم لام‬
‫يصل على قتلى أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة ال‬
‫يص وقد كان ينبغي لمن عار بذلك هذه األحاديث الصحيحة أن يستحيي على‬
‫نفسه‪ .‬اهـ نقالن عن الفت ‪.‬‬

‫ولم يقل أحدس ممن قال بالصالة على الشهيد أن الصالة علاى الميا مشاروعةس بعاد‬
‫ثمان سنينَ من دفنه على مقتِى هذا الحديثع‪ ،‬بل ُكلهم يمنعون الصالة علياه بعاد‬
‫ع‬
‫هذه المدة‪ ،‬ويجعلون ما فعله النبي صلى هللا عليه وسلم من خصوصياته‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫والقائلون بالصالة على المي يجعلون صالة النبي صلى هللا عليه وسلم بعد ثماان‬
‫سنين ناسخةن لتركه الصالةَ َ‬
‫ياوم أحادٍ‪ ،‬أو يعللاون تارد الصاالة ياوم أحاد بالمشاقة‪،‬‬
‫مستقيم وهللا أعلم من وجوه‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وهذا غير‬

‫األول‪ :‬ورود احتماااال الخصوصاااية فاااي الصاااالة‪ ،‬ماااع ثباااوت الخصوصاااية فاااي‬
‫التوقيا ع‪ ،‬فااال ينسا ُ مااا ثبا َ ماان تاارد النبااي صاالى هللا عليااه وساالم بمااا قا َ‬
‫اوي في ا عه‬
‫احتما ُل الخصوصيَّة‪.‬‬

‫باالتوديع لهام‪ ،‬ومااهرهُ عادم‬


‫ع‬ ‫ثمان سنينَ معلَّلةس في الحاديث‬
‫ع‬ ‫الثاني‪ :‬أن الصالةَ بعد‬
‫فاام الحاديث‪:‬‬
‫مسالم‪ ،‬بادليل أن فاي أل ع‬
‫ٍ‬ ‫لكال‬
‫ع‬ ‫اللزوم‪ ،‬وأنه غير الصال عة التي هاي حا ا‬
‫خاص‪.‬‬
‫ا‬ ‫"كالمودع لاحياء واألموات"‪ ،‬فهو تودي سع‬

‫الثالثثث‪ :‬أن تاارد النبااي صاالى هللا عليااه وساالم الصااالة علااى الشااهداء كااان بمش اهد‬
‫بعاف ال يحصال البياان العاام بهام‪،‬‬
‫س‬ ‫الصحابة جميعنا‪ ،‬وأما صالته عليهم فإنماا رآه‬
‫والنس ُ ال يمكن أن يكون بدلي ٍل خفي ع الوقوع‪ ،‬خفي ع الداللة‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬القول بنن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى عليهم بعد أن فُرض الصاالة‬
‫علل التنخير وخصوصيته بذلك ؛ فإنهم يلز ُم أن يُصلي النبي صلى هللا عليه‬ ‫فيهم و ُ‬
‫الوقاائع ممان كاان قبال النسا ال ُمادعى‪،‬‬
‫ع‬ ‫وسلم على كل شهي ٍد في ٍ‬
‫بادر وغيرهاا مان‬
‫ولم يكن ذلك‪.‬‬

‫الخثثام ‪ :‬تعلياال ماان علاال بالمشااقة فااي تاارد الصااالة لكثاارة العاادد ال يسااتقيم‪ ،‬ألن‬
‫الصالة على الجماعة الكثيرة إنما هي صالة س واحادةس‪ ،‬وجما ُع الشاهداء غيار متعاذر‬
‫بدليل أنهم جمعوا للدفن‪ ،‬فلو وجب الصالة لجمعوا لها كما جمعوا ليُدفنوا ودُفنوا‪.‬‬

‫جيب بأن المراد بالصالة فاي الحاديث الادعاء‪ ،‬وكاان مان عاادة النباي صالى هللا‬ ‫وأ ُ َ‬
‫المقابر ويدعو للشهداء من الصحاب عة‪ ،‬والصالة في اللغة تاردُ‬ ‫َ‬ ‫يزور‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم أن‬
‫كثيار مان أئماة اللغاة‪ ،‬وقاد وردَ‬
‫ٍ‬ ‫كثيرا بمعنى الدعاء‪ ،‬وهو أص ُل المعنى على قاو عل‬ ‫ن‬
‫وصال‬
‫ع‬ ‫طهارهم وتازكيهم بهاا‬‫به القرآنُ فقال عاز وجال‪( :‬خاذ مان أماوالهم صادقةن ت ُ ع‬
‫ب ماا جااء فاي بعاف ألفاا عم‬ ‫ساكن لهام)‪ ،‬ويارد علاى هاذا الجاوا ع‬‫س‬ ‫علايهم إن صاالتَكَ‬
‫ث "صاالى علاايهم صاالتَهُ علااى الميعا " وفياه قااوةس‪ ،‬وصاارفهُ بانن الماارادَ بماا‬ ‫الحادي ع‬
‫يدعو به على المي خالأ الظاهر‪.‬‬

‫واختلف من لم يوجبوا الصالة على الميت على قولين‪:‬‬


‫فذهب الشافعية في روايةٍ‪ ،‬والحنابلةُ إلاى أنهاا ال تجاب‪ ،‬وال تمناع ؛ ومقتِاى هاذا‬
‫االساتحباب المتنااع وجاود عبااادةٍ يساتوي رفاهاا‪ ،‬فيكااون فعلهاا كتركهاا‪ ،‬وذهثثب‬
‫الشافعية في األص ع من ماذهبهم‪ ،‬والمالكياةُ إلاى أن الصاالة علاى الشاهيد ممنوعاةس‬
‫غير مشروعةٍ‪ ،‬ال تجوز وال تص ‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫واألرج ُح وهللا أعل ُم من ُع الصالةع على الشهيدع‪ ،‬فإنها إن كان في حكم الصالة على‬
‫ت تارد النباي صالى‬ ‫المي ‪ ،‬كان واجبةن غير مستحبةٍ‪ ،‬وال يمكنُ إيجابُهاا ماع ثباو ع‬
‫هللا علياه وسالم لهاا‪ ،‬وضاع احتماال النسا ‪ ،‬وإن لام تكان فاي حكام الصاالة علااى‬
‫المي ا ع فااال دلياال علااى مشااروعيتها‪ ،‬مااع قيااام دلياال التاارد لهااا‪ ،‬والعبااادات مبناهااا‬
‫ب‪ ،‬وأما اإلباحة فممتنعاةس فاي‬ ‫التوقي ُ ‪ ،‬وال دليل على الوجوب وال على االستحبا ع‬
‫ب‬
‫أمر‪ ،‬واألمر ال ينزل عن االستحبا ع‬ ‫العبادات كما سب ؛ ألن العبادة ال بد لها من ٍ‬
‫أمار هاو أمار الصاالة علاى الميا فهاو للوجاوب‪ ،‬وإن كاان‬ ‫في األص عل‪ ،‬فاإن كاان س‬
‫ب ولاام ياارد أماار‪ ،‬وإن لاام يكاان أما سار فالصااالة ُ با ل اةس‬
‫غيااره فااال يقاال عاان االسااتحبا ع‬
‫الشترا التوقي في العبادات‪.‬‬
‫ي‪ ،‬والصااالة ُ‬‫وقثثد قيثثل فثثي الحكمثثة مثثن تاارد الصااالة علااى الشااهي عد إن ذلااك ألنَّاهُ ح ا ا‬
‫مساتغن‬
‫ٍ‬ ‫عللا باه‪ ،‬وقيا َل ألن الصاالة شافاعةس للميا والشاهيدُ‬ ‫للمي ‪ ،‬وهذا أقوى ماا ُ‬
‫نظر ماهر‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫عنها ألنه يشفع لغيره‪ ،‬وفي هذا س‬
‫شهر شعبان‬
‫صر الرشيد ليلة األح عد الثالثينَ من ع‬
‫كتبه‪ :‬عبد هللا بن نا ٍ‬
‫‪14‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫هل مات الشهيد ”حنظلة المكي“ متعب المحياني‬


‫؟‬

‫ت الشاهيد متعبناا المحيااني تقبلاه هللا فاي مطااردةٍ إثار مداهما ٍة‬
‫قتل جنود الطاغو ع‬
‫بمكة‪ ،‬فما زادوا على أن صاروا ساببنا فاي حصاوله علاى ماا يتمنااه‪ ،‬وشاهادته فاي‬
‫سبيل هللا‪ ،‬نسنل هللا أن يتقبله ويغفر له ويرحمه‪.‬‬

‫تقدم الحديث عن عد ٍد من أحكاام الشاهيد‪ ،‬وبياان أنهاا منو اةس بحياتاه وموتعاه‪ ،‬وأناه‬
‫ي وليس ميتنا‪.‬‬
‫اختل عن المي في أحكام ألنه ح ا‬
‫وقااد جاااء فااي كتاااب هللا النهااي عاان تساامية الشااهيد بالميا ‪ ،‬فقااال عااز وجاال‪َ ( :‬والَ‬
‫سابي عل هع أَم َاواتس بَال أَحيَااء َولَ عكان الَّ تَشاعُ ُرونَ )‪َ ( ،‬والَ تَح َ‬
‫سابَ َّن‬ ‫تَقُولُوا عل َمن يُقتَ ُل فعي َ‬
‫ه أَم َواتنا َبل أَح َياء ععندَ َر عب عهم يُرزَ قُونَ )‪.‬‬ ‫الَّذعينَ قُتعلُوا فعي َ‬
‫س عبي عل ع‬
‫فنهااى هللا عاان تساامية الشااهيد بالميا ‪ ،‬وعقااب بااننهم أحياااء ولكننااا ال نشااعر بااذلك‪،‬‬
‫ونهى فاي ا ياة األخارى عان تاوهم أن الشاهيد ميا وأكاد جال وعاز أنهام أحيااء‪،‬‬
‫واساتمراره‪ ،‬وباين أن هاذه‬
‫ع‬ ‫وذكر الحياة بنمار ٍة معروف ٍة لها‪ ،‬وهاي جرياان الارزق‬
‫ربهم‪.‬‬
‫الحياة الشريفة عنده جل وعال فهم عند ع‬
‫وقد وقف ُ علاى قصايدة عباد العزياز بان مشارأ البكاري فاي رثااء الشاي الشاهيد‬
‫يوس َ العييري تقبله هللا واستوقفني منها قوله‪:‬‬

‫ُكلُو ُمهُ‬
‫‪i‬‬ ‫دما نء‬ ‫وروتها‬
‫َّ‬ ‫جهادنا‬ ‫وما ماتَ حتَّى أنهكَ األر َ ضربُهُ‬

‫والشي ُ قُتل ولم ي ُم ‪ ،‬وقد فرق هللا بينهما‪( :‬أَفَإعن َّماتَ أَو قُتع َل انقَلَبتُم َعلَى أَعقَا عب ُكم)‬
‫‪َ ( ،‬ولَئعن متم أَو قُتعلتُم عإللَى هللا تُحش َُرونَ ) وغير ذلك من النصوص‪.‬‬

‫مع علمنا أن الشهيد ليس حيًّا الحياةَ المعروفاة‪ ،‬فروحاه قاد فارقا بدناه‪ ،‬واختلا‬
‫العلماء في توجيه حياة الشهيد ومعناها‪.‬‬
‫فمنهم من ذهب إلى أن الشهيد يموتُ بقتله ثم يُحيا في قبره الحياة البرزخية‪ ،‬وهاو‬
‫ذكار أن هللا أحياا أبااه‪،‬‬
‫ما يادل علياه حاديث جاابر فاي الترماذي وابان ماجاه‪ ،‬وفياه َ‬
‫وروي من وجه آخار عان عائشاة عناد البيهقاي وهاو غلا س‬
‫ط‪،‬‬ ‫ولكن الحديث ضعي س ُ‬
‫ومنهم من ذهب إلى تنويل معنى الحياة بالذكر الحسن ونحوه‪ ،‬ومنهم مان رأى أن‬
‫‪15‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫اختصااص‪،‬‬
‫س‬ ‫خص بالذكر لشرفه وبيان علو منزلته دون أن يكون لاه باذلك‬ ‫َّ‬ ‫الشهيد‬
‫ي حياةن برزخيةن كسائر األماواتع‪ ،‬محتجاين بماا فاي المساند مان حاديث‬
‫وإنما هو ح ا‬
‫كعب بن مالك‪” :‬نسمة الم من ائر يعل فاي شاجر الجناة“‪ ،‬والحاديث منقطا سع ال‬
‫يص ‪.‬‬

‫واألكثر على الظاهر وهو اختصاص الشهيد بالحياةع بعد مقتله‪ ،‬وهو ما دل عليه‬
‫ا يات وأكدته‪ ،‬وجاءت األحادياث ببيانعاه وبياان هيئاة الحيااة التاي يعيشاها الشاهيد‪،‬‬
‫بنحكام له مبني ٍة على الحيااة يخاتص بهاا عان الميا ‪ ،‬مان تارد تغسايله‬
‫ٍ‬ ‫كما جاءت‬
‫وتكفينه والصالة عليه‪.‬‬

‫ت) فاإن النهاي فاي الشاهيد عان‬ ‫وهذا ال يُنافي قوله عز وجل‪ُ  :‬كل نَف ٍس ذَآئعقَةُ ال َماو ع‬
‫تسميته ميتنا ال عن القول بننه ماتَ ‪ ،‬والموتُ مفارقة الروح البدن‪ ،‬وقد وقع للشهي عد‬
‫آخار أرفا ُع مان حيااة البارز ‪ ،‬فارو ُح الشاهيد‬ ‫ي حيااةن مان ناوعٍ َ‬ ‫بال ريب‪ ،‬ولكناه حا ا‬
‫ث الاذي رواه‬ ‫ببدن آخر‪ ،‬وهو أجاواأ الطيار الخِار كماا جااء فاي الحادي ع‬ ‫متصلةس ٍ‬
‫خِر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ير‬
‫أجواأ ٍ‬
‫ع‬ ‫مسلم من حديث ابن مسعو ٍد وغيره أن أرواح الشهداء في‬

‫وهذا المعنى هو المتعين‪ ،‬بل هو ما فسر به النبي صلى هللا عليه وسلم ا ية ؛ فقاد‬
‫روى مسلم في صحيحه أن مسروقنا سنل ابن مساعو ٍد عان هاذه ا ياة ( َوالَ تَح َ‬
‫سا َب َّن‬
‫سا عبي عل هع أَم َواتناا بَال أَحيَااء ععنادَ َر عب عهام يُرزَ قُاونَ ) قاال أماا إناا سانلنا‬
‫الَّذعينَ قُتعلُاوا فعاي َ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن ذلك فقال‪” :‬أرواحهام فاي جاوأ يار خِار‬
‫لهااا قنادياال معلقااة بااالعرن تساارح ماان الجنااة حيااث شاااءت ثاام تاانوي إلااى تلااك‬
‫القناديل‪ “..‬الحديث‪.‬‬

‫ففسر الحياة بالهيئة التي تكون عليهاا أرواحهام‪ ،‬ومعلاو سم أن الحيااة اتصاال الاروح‬
‫بالباادن‪ ،‬والمااوت انفصااالها عنااه‪ ،‬فاااجتمع فااي حااال الشااهيد هااذا وهااذا‪ ،‬فروحااه‬
‫انفصل عن بدنه بمقتله ومات بذلك‪ ،‬ولكنه ليس ميتنا بعاد أن جعال هللا روحاه فاي‬
‫جاوأ يا ٍار‪ ،‬فكانا روحااه متصاالة بالباادن وهاذه حياااة‪ ،‬وهاام بااذلك يساارحون فااي‬
‫الجنة‪.‬‬
‫نسنل هللا أن يتقبل شهداءنا‪ ،‬ويرزقنا الشهادة في سبيله‪ ،‬وصلى هللا وسلم على محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫صائل)‬
‫الجهاد‪( :‬دف ُع ال َّ‬
‫مقاص ُد ِ‬
‫ِ‬
‫اايس غاياااةس‪ ،‬فاااإنَّهم ‪ -‬وإن كاااانوا‬
‫الج َهاااادَ وسااايلةس ولا َ‬ ‫ضاااونَ با َّ‬
‫اانن ع‬ ‫حاااينَ يتشاااد ُق ال ُمغر ُ‬
‫مقاصادَ عديادةٍ للجهاا عد قاد‬‫ع‬ ‫وزورا ‪ -‬يلفتُاون النَّظار إلاى‬
‫ن‬ ‫منكارا مان القاو عل‬ ‫ن‬ ‫يقصدونَ‬
‫أن األعماا َل كلَّهاا وساائ ُل‬ ‫تُنسى ويَغفَ ُل عنها من يغفَل‪ ،‬فالجهاادُ وسايلةس شاريفةس كماا َّ‬
‫اختص مزيدنا على ذلكَ بننَّه وسيلةس يُوص ُل بهاا إلاى جملا ٍة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ولكن الجهادَ‬ ‫لرضا هللا‪،‬‬
‫دوان‪ ،‬ووسيلةُ الدَّعوةع إلاى‬ ‫دفع العُ ع‬‫األمور المطلوب ٍة شر نعا‪ ،‬فهو وسيلةُ ع‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم ٍة من‬
‫الخالف عة في األر وتحكيم شرعع هللا فاي أر ع هللا‪ ،‬وهاو أحادُ‬ ‫هللا‪ ،‬ووسيلةُ إقام عة ع‬
‫ت مان‬ ‫اإلسالم‪ ،‬إلى ما في عه نف عس عه من الفِائ عل العظيما عة والعباادا ع‬
‫ع‬ ‫موارد الما عل لدولَ عة‬
‫ع‬
‫شااهاد عة التااي تمناهااا رسااول هللا صاالى هللا عليااه وسالم‪ ،‬والجراحااة فااي س ابيل هللا‪،‬‬ ‫ال َّ‬
‫ساااها تحقيااا ُ‬‫ورأس الفِاااائل وأسا ُ‬
‫ُ‬ ‫ااورهعم‪،‬‬
‫وحراسااا عة المسااالمين والرباااا علاااى ثغا ع‬
‫وكفارا‬
‫ن‬ ‫التَّوحي عد هللع وتجريدُ القص عد له‪ ،‬إيماننا با عه وتسالي نما للانفس والماال والادم إليا عه‪،‬‬
‫بما سواهُ وتجاردنا مان عشار عد الهاوى‪ ،‬وش ََار عد الشايطان‪ ،‬كماا قاال أباو عباد هللا ابان‬
‫القيم رحمه هللا في ميميته‪:‬‬

‫ولامر سلَّ ُموا‬


‫ع‬ ‫و نعا‬ ‫لجادُوا بها‬ ‫نحر نفو عس عهم‬
‫فلو كان يُرضي هللاَ ُ‬

‫ألعدائ عه حتى جرى من ُه ُم الد ُم‬


‫‪ii‬‬ ‫ُورهُم‬
‫صد َ‬‫قاء ُ‬ ‫كما بَذَلُوا عندَ ع‬
‫الل ع‬ ‫‪ii‬‬

‫المقاصاد‪ ،‬وهاذا غيا ُار‬ ‫ع‬ ‫وكال عما ٍل وعباادةٍ شارع لمقاصاد؛ فإنَّهاا وسايلةس إلاى هاذه‬
‫لغيار عه‪ ،‬والقتاا ُل فاي سابي عل هللا‬ ‫خر للوسيل عة الَّذي يُرادُ به ماا لام يُشارع إالَّ ع‬ ‫المعنَى ا ع‬
‫س ُهم‬ ‫ه اشتَ َرى عمنَ ال ُم عمنعينَ أَنفُ َ‬ ‫عز وج َّل (إع َّن َّ َ‬ ‫كل عهم فقال َّ‬‫للبشر ع‬ ‫ع‬ ‫مما ذكرهُ هللا غايةن‬
‫ه فَ َيقتُلُونَ َويُقتَلُاونَ َوعادان َعلَيا عه َحقاا ن فعاي‬ ‫َوأَم َوالَ ُهم عبن َ َّن لَ ُه ُم ال َجنَّةَ يُقَاتعلُونَ فعي َ‬
‫س عبي عل َّ ع‬
‫فس والماال‬ ‫ه)‪ .‬ف َجعَل ال ععو َ النَّ َ‬ ‫آن َو َمن أَوفَى بععَه عد عه عمنَ َّ ع‬ ‫األن عجي عل َوالقُر ع‬ ‫التَّو َراةع َو ع‬
‫والقتل والقتال‪ ،‬والثمن الجنَّة‪.‬‬

‫دفع تقسي سم ُمجم سل صحي س بال عمريَا ٍة لكان فاي‬ ‫ب وجها عد ٍ‬‫الجها عد إلى جها عد ل ٍ‬
‫وتقسي ُم ع‬
‫الجهااا عد الوصااو ُل إلااى ح ا ٍ هللع أو علعبَ اادعه‪ ،‬أو‬
‫مقاص ا عد ع‬
‫ع‬ ‫وجماااعُ‬ ‫س‬
‫تفاصااي عل عه ُمسااا َمحة‪ ،‬ع‬
‫اصاي ُل َ‬
‫لايس‬ ‫ط وتَفَ ع‬ ‫م ٍلم وقَ َع علي عهم‪ ،‬و َهذَا على اإلجما عل‪ ،‬ولاذلك ضاوابع ُ‬
‫ص من ُ‬ ‫التخل ع‬
‫َّ‬
‫َهذَا محلها‪.‬‬

‫الكافر ودف عع عه وإرها عب عه ورد عع عه‪ ،‬وهو أص ُل عجها عد الدَّف عع‪،‬‬


‫ع‬ ‫العدو‬
‫ع‬ ‫الجها ُد‪ :‬لرد‬
‫ع ِ‬ ‫ويُشر ُ‬
‫صائ عل بينَ أن يكونَ من بل عد من صا َل علاي عهم‪ ،‬وأن يكاونَ مان‬ ‫الكافر ال َّ‬
‫ع‬ ‫وال فرقَ في‬
‫ور‪:‬‬ ‫أن الكاف َر يزيدُ بثالث عة أُم ع‬
‫صائ عل مشروعس وإن كان ُمس عل نما إال َّ‬ ‫بل ٍد أُخرى‪ ،‬ودف ُع ال َّ‬
‫‪17‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ب‬ ‫ِار َ‬ ‫القرآن‪َ ( :‬فإعذَا َل عقيات ُ ُم َّالاذعينَ َكفَ ُاروا فَ َ‬


‫ع‬ ‫بنص‬
‫ع‬ ‫طلب في عقتا عل عه اإلثخانُ‬ ‫األو ُل‪ :‬أ َّنهُ يُ ُ‬
‫َّ‬
‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ب َحتااى عإذَا أثخَنت ُ ُمااوهُم فَ ُ‬
‫شاادوا ال َوثاااقَ فَإع َّمااا َمن اا بَع ادُ َو عإ َّمااا فع ادَا نء َحتااى تَ َ‬
‫ِ ا َع‬ ‫الرقَااا ع‬‫ع‬
‫األشاد‬
‫ع‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ارهَا)‪ ،‬أ َّما الصائل ال ُمسل ُم فيدفعُهُ بنخ َّ ما يندفع ُع ب عه وينتقل إلاى‬ ‫زَ‬
‫ب أو َ‬‫َ‬ ‫ال َحر ُ‬
‫اإلجهاز على الجري ع واتباعع ال ُمد عب عر‪.‬‬ ‫ع‬ ‫إن لم يندفع باألخ ‪ ،‬ويختل ُ تب نعا لذلكَ حك ُم‬
‫الم آخاار‪ ،‬ومن اهُ الوالي اةُ‬ ‫أن صاايال ال ُمساال ُم يكااونُ باعتدائع ا عه علااى ح ا ٍ لمسا ٍ‬ ‫والثاااني‪َّ :‬‬
‫ب صحي ٍ في حا عل البُغاةع‪ ،‬أ َّماا الكاافع ُر فحك ُماهُ لل ُمسا علمينَ صايا سل‬ ‫صحي َحةُ بال موج ٍ‬ ‫ال َّ‬
‫منهُ علي عهم‪ ،‬وإن كانَ بال عقتا ٍل كنن استخلَفَهُ من ال يعلَ ُم حالَاهُ‪ ،‬أو ارتادَّ بعادَ أن كاانَ‬
‫الزنادي ع المتسالط علاى‬ ‫ُمسل نما‪ ،‬أو غير ذلاك‪ ،‬وعليا عه يكاونُ قعتاا ُل الحاا عك عم ال ُمرتاد أو ع‬
‫ق مان‬ ‫الطلاب‪ ،‬وهاذا محال اتفاا ٍ‬ ‫شيءٍ مان باال عد ال ُمسالمينَ مان جهاا عد الادَّفع ال عجهاا عد َّ‬
‫ع‬
‫اروج علاى الحاا عك عم ال ُمرتا عد ومعااملتع عهم إيَّاا ُه‬
‫ع‬ ‫كالم عهم فاي ال ُخ‬
‫ع‬ ‫الفُقهاء يُعل ُم من تفاصي عل‬
‫َّفع لاواز ُم كثيارة س با لاةس ال‬ ‫ُمعاملَةَ من يُقاتَ ُل دفعنا‪ ،‬ويلازَ ُم مان أخر َجاهُ مان معناى الاد ع‬
‫تحتملُها هذ عه النبذَةُ‪.‬‬
‫ع‬
‫صائ عل الكافع عر جهادنا‪ ،‬واختالفُ ُهم في تسمي عة‬
‫دفع ال َّ‬ ‫فاق الفُ ع‬
‫قهاء على تسمي عة ع‬ ‫ث‪ :‬ات ُ‬ ‫والثَّا ِل ُ‬
‫ويتفرعُ على هذه التسمي عة أحكا سم‪.‬‬‫َّ‬ ‫صائل المسلم بذلك‪،‬‬
‫قتا عل ال َّ‬
‫ختالأ ماا يُادف ُع عناه‪،‬‬
‫ع‬ ‫ب‪ ،‬فيختل ُ باا‬
‫ت في التعي عن والوجو ع‬ ‫َّفع على درجا ٍ‬
‫وجهادُ الد ع‬
‫فالادفاع عان مكاة والمديناة وبيا المقادس آكادُ مان غياره فاي الابالد‪ ،‬والادفاعُ عاان‬
‫العلمااء والمجاهاادين والصالحاء آكادُ مان غيا عاره فاي العباااد‪ ،‬والادفاع عاان أعاارا‬
‫ت الصالحات‪ ،‬آكدُ من غيره في األعرا ‪ ،‬وكل‬ ‫الم منات الطاهرات‪ ،‬والهاشميا ع‬
‫ذلك وكيدس متحت سم‪.‬‬

‫بااختالأ الِارر الناشاّ عمان يُادفع فمان يُفساد الادين‬


‫ع‬ ‫كما أن جهاد الدفع يختلا ُ‬
‫والدنيا أشد ممن يقتصر ضرره على الدنيا وحدها‪ ،‬وهكذا ولذلك كان دف ُع الرجال‬
‫للصائل على ما عل عه –دون مال عامة المسالمين‪ -‬مشارو نعا غيار متحاتم علياه لجاواز‬
‫أن يبااذل مالااه ابتاادا نء‪ ،‬بخااالأ الصااائل علااى العاار ألنااه ممااا ال يُبااذل بحااال‪،‬‬
‫أكار َه‬
‫باإليماان إذا َ‬
‫ع‬ ‫والصائل على الدين يسوغُ رخصةن موافقتُاهُ ماع ا مئناان القلاب‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫العدو الصائل‪ ،‬فدف ُع العادو حاين يادخل‬‫ع‬ ‫باختالأ صول عة‬


‫ع‬ ‫ِا‬
‫ويختل ُ جهادُ الدفع أي ن‬
‫الاابالد التااي يسااكنها المساالمون آكادُ ماان دفعااه حااين يصا ُل إلااى البااوادي وال ياادخل‬
‫البالد‪ ،‬ودفعُهُ على من دخل داره أشد وجوبنا مان غياره حتاى ال يُعاذر فاي األخيار‬
‫األعر ُج ومن يستطيع شيئنا من الادفاع‪ ،‬وال يقاول قائا سل بنناه يجاوز للمعاذور حينئا ٍذ‬
‫أن يُسلم عرضه وال يُقاتل دونه‪.‬‬
‫‪18‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الجها ُد ألج ِلها‪:‬‬


‫ع ِ‬ ‫المقاص ِد الَّتي شُر َ‬
‫ِ‬ ‫ومن‬
‫ق‪ ،‬و ُكلهاا ثابا س‬
‫الارز ع‬
‫لاب ع‬‫ت اإلساالم‪ ،‬و ُ‬ ‫الدعوة ُ إلى ع‬
‫هللا‪ ،‬والثنر لل ُمسلمينَ و ُحرماا ع‬
‫صحي َح عة وسيُعر ُ في أعدا ٍد ُمقبلَ ٍة إن شاء هللاُ تعالى‪.‬‬ ‫باألدلَّ عة ال َّ‬
‫وهللا أعلم وصلَّى هللاُ على نبينا محم ٍد وعلى آله وصحابَتع عه أج َم ععينَ ‪.‬‬
‫ابع والعشرينَ بعادَ‬
‫العام الر ع‬
‫ع‬ ‫ِانَ‬
‫َامعس والعشرينَ من رم َ‬ ‫الرشي ُد صبي َحةَ الخ ع‬
‫َميس الخ ع‬ ‫وكتبهُ عب ُد هللاِ ب ُن ِ‬
‫ناص ٍر َّ‬
‫األربععمائعة واألل ع ‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الجهاد‬
‫مقاص ُد ِ‬
‫ِ‬
‫صائل‪ :‬مواجهة جند الدولة)‬
‫(دف ُع ال َّ‬
‫يسايرا إلاى مسانل عة دفاع‬
‫ن‬ ‫الكاافر‪ ،‬وتطرقناا‬
‫ع‬ ‫كان المقال الساب لهذا عن دفاع الصاائل‬
‫الصائل ولو كان مسل نما‪ ،‬وأعرض ُ عن مسنلة ”تسليم النفس للمباحث“ اكتفا نء بما‬
‫أن تراجااع الخِااير والفهااد‬ ‫سااب َ ماان الحااديث عنهااا فااي ”المنيَّااة وال الدنيَّااة“‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫شبه ٍة مشهورةٍ رأي ُ أن ال يُ َّخر الحديث عنها مع تعلقها بمسنل عة ع‬
‫دفع‬ ‫تِ َّمن إيرادَ ُ‬
‫الصاائل؛ فقااد اسااتد َّل كا ال ماان الخِااير والفهااد علااى منااع دفااع الصااائل ماان رجااال‬
‫كاالمجمعين علااى اساتثناء‬
‫ع‬ ‫المباحاثع‪ ،‬بمااا ذكاره اباان المناذر حااين قااال‪ :‬وأهال العلاام‬
‫السلطان مما جاء في دفع الصائل‪.‬‬
‫وأو ُل ما يُقال في هذه الشبهة‪َّ :‬‬
‫أن محل كالم ابن المنذر السلطان المسلم ال الكافر‪،‬‬
‫والكافر يجوز ابتداؤه بالقتا عل فِالن عن دف عع عه إذا صالَ‪ ،‬و واغي الجزيرة كفارة س‬
‫مرتدون بندل ٍة ال يستطيع المخال دفعها أو الجواب عنها‪.‬‬

‫وأ عناه‬‫المناذر متسااهل فاي حكاياة اإلجمااعع‪ ،‬وذلاك معار س‬


‫ع‬ ‫ويُقال بعد ذلكَ ‪َّ :‬‬
‫إن ابن‬
‫فال يكاد يسل ُم نص ُ ما يحكيه من إجماعات‪ ،‬ومن اإلجماعات التي يحكيها ما فياه‬
‫المنذر على عموم الحديث حين‬ ‫ع‬ ‫مشهور‪ ،‬وال يُمكن تقديم إجماعٍ يحكيه ابن‬
‫س‬ ‫خالأ‬
‫س‬
‫جاء رج سل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬أرأي إن جاءني رجا سل يرياد أخاذ‬
‫مالي؟ قال‪ :‬فال تعطه‪ ،‬قال‪ :‬فإن قاتلني؟ قال‪ :‬فقاتله‪ ،‬والحديث دا ال على العموم من‬
‫وجوهٍ‪ ،‬منها تارد االستفصاا عل فاي مقاام االحتماال‪ ،‬وهاذا مناز سل منزلاة العماوم فاي‬
‫ِاا نكارة س فاي ساياق‬
‫أن قولاه رجا سل نكارة س فاي ساياق شار ٍ ‪ ،‬وهاو أي ن‬
‫المقال‪ ،‬ومنهاا َّ‬
‫استفهام‪ ،‬وكال هذين مفيدس للعموم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فالعموم الظاهر َّالذي هو بهذه المنزل عة‪ ،‬ال يُعتر عليه بإجماع ابن المنذر‪ ،‬وابن‬
‫معروأ بتساهله في حكاية اإلجماع‪ ،‬هذا لو كان حكاى اإلجمااع صاري نحا‪،‬‬ ‫س‬ ‫المنذر‬
‫فكي وهو يقول كال ُمجمعين‪ ،‬ولم يجعله إجما نعا؟ ول َّما أرادَ عنبسة بن أباي سافيان‬
‫وكان والينا لمعاوية رضي هللا عنه أن يجري عين ماءٍ في أر عبد هللا ليوصلها‬
‫إلى أر عنبسة‪ ،‬أبى عبد هللا‪ ،‬وركب هو وغلمانه وقال وهللا ال تخرقون حائطنا‬
‫حتى ال يبقى منَّا أحد‪ ،‬ول َّما كلَّمه خالد بن سعيد بن العاص في ذلك احت َّج علياه بماا‬
‫سمعه من النبي صلى هللا عليه وسالم‪” :‬مان قُتال دون مالاه فهاو شاهيدس“‪ ،‬فهاذا فهام‬
‫خصص له ولم يُنقل خالفُه‬ ‫صحابي ٍ وعمله بالحديث وهو مواف س لعمومه الَّذي ال ُم ع‬
‫غيره من الصحابة‪.‬‬ ‫عن ع‬
‫أن االستثناء الَّاذي ذكاره ابان المناذر صاحي س ‪،‬‬
‫ولو تُنزل مع الخصم وفُر جدالن َّ‬
‫وأن إجماعاتاه مقبولاةس يُساتدل بهاا‬
‫وأن قوله كاإلجماع كحكايته اإلجماع الصاري ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫‪20‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫بكل هذا‬
‫س علم ع‬ ‫على تخصيص الحديثع‪َّ ،‬‬
‫وأن اسم السلطان يشمل المسلم والكافعر‪ ،‬لو ُ‬
‫وأعرضنا عن‬

‫عموم الحديث‪ ،‬وعن عمل عبد هللا بن عمر ٍو رضي هللا عناه الَّاذي لام يُخالفاه أحادس‬
‫من الصحابة‪.‬‬

‫رياب مان أراد السالطان العادوان علاى ما علا عه‪ ،‬وال‬ ‫َ‬ ‫كل هذا؛ فمحلاه وال‬ ‫نزل في ع‬ ‫لو ت ُ ع‬
‫عرض عه‪ ،‬وأهل العلم حين فرقاوا باين العار والماال فاي‬ ‫ع‬ ‫يقول أحدس بمثل ذلك في‬
‫ب علاى األصا ‪ ،‬علَّلاوا ذلاك‬ ‫األول وجوازه في الثاني دون وجو ٍ‬ ‫وجوب الدفع في َّ‬
‫انن المااال يجااوز بذلُاهُ ابتاادا نء بخااالأ العاار ‪ ،‬وهااذه العلَّااة بعينهااا موجااودة س فااي‬‫با َّ‬
‫انفس‪ ،‬فااإن جااازَ لااه الاادف ُع عاان ال ععاار ع الَّااذي ال يجااوز بذلااه ولااو كااان الصااائل‬
‫الا ع‬
‫جاائز ألنَّهاا كاالعر ال يجاو ُز باذلُها ابتادا نء‪ ،‬ولاوال‬
‫س‬ ‫الانفس‬
‫ع‬ ‫فإن الدفع عن‬ ‫سلطاننا‪َّ ،‬‬
‫النفس كما يُادفع عان العار ‪ ،‬ول َّ‬
‫كان‬ ‫ع‬ ‫ب الدفع عن‬
‫النصوص في الباب لقي َل بوجو ع‬
‫فرق بينهما في حكم الوجوب لعلَّ ٍة أ ال الفقهاء الكالم فيها‪.‬‬ ‫النصوص َّ‬
‫هذا والصواب كما تقدَّم َّ‬
‫أن كالم ابن المنذر في السلطان المسلم دون الكافر‪ ،‬وهاو‬
‫غير مسلَّ ٍم حتَّى في السلطان المسلم بل عمل الصحابي وعماوم الحاديث دا ال علاى‬
‫ُ‬
‫مشروعيَّة دفع الصائل ولو كان سلطاننا‪.‬‬

‫اافر علااى رعيَّتااه‪ ،‬أ َّمااا الحااال فااي بااالد‬


‫الطان كا ٍ‬
‫وهااذا كلااه مفاارو س فااي صاايا عل سا ٍ‬
‫الحااارمين ماااع المجاهااادين‪ ،‬فهاااو صااايا سل مااان الصاااليبيين وعمالئهااام علاااى شاااوك عة‬
‫دؤوب علاى استئصاال المجاهادينَ بارمتع عهم‪،‬‬ ‫س‬ ‫س‬
‫حثيث‬ ‫سالم‪ ،‬وعمل‬ ‫المسلمين وقوة اإل ع‬
‫أمن الصليبيين فاي باالد الحارمين‪ ،‬كماا‬ ‫ن‬
‫وأقل أحوا عله اعتقالهم سنين ويلة لرعاي عة ع‬
‫كافر على الجها عد في سابي عل هللاع‬ ‫أنَّه في ح ع المجاهدين العاملين خاصة‪ ،‬صيا سل من ٍ‬
‫نفسعه وجز سء من مدافع عة من خارج المجاهادون لجهاا عد عه أصاالن‪ ،‬وجمعاوا ماا جمعاوا‬
‫الفرق بين الصائل عليه ليحول بيناه وباين الصاليبيين إذا‬ ‫ُ‬ ‫إلقامة أحكام هللا فيه‪ ،‬فما‬
‫اسااتقب َل مجمعاااتعهم‪ ،‬والصااائ عل عليا عه وهااو يعااد العادَّةَ لااذلك؟ أو للااذهاب للجهاااد فااي‬
‫وغيرها من ثغور اإلسالم؟‬ ‫ع‬ ‫ق‬
‫سبيل هللا في العرا ع‬
‫نساانل هللا أن ينص ار المجاهاادين‪ ،‬ويمكاانهم ماان رقاااب ماان صااا َل علااي عهم‪ ،‬ويااوفقهم‬
‫لإلثخان في أعداء الدين من الصليبيين وعمالئهم المرتدعين‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا‬
‫على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم‪.‬‬

‫ناصر الرشيد صبيحةَ الثامن من شوال عام أربع ٍة وعشرينَ وأربععمائ ٍة وأل ٍ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وكتبه عبد هللا بن‬
‫‪21‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الجهاد‪:‬‬
‫مقاص ُد ِ‬
‫ِ‬
‫أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (‪)2/1‬‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫األول ماان مقاصااد الجهاااد وهااو دفااع الصااائل‪،‬‬‫الحااديث عاان المقصااد َّ‬‫ُ‬ ‫فقااد سااب َ‬
‫لطان‬
‫دفع الصائ عل‪ ،‬وهو دفع الصائل من جنا عد السا ع‬ ‫والحديث عن صورةٍ من صو عر ع‬
‫ب من موجبات الجهاد‪ ،‬ومقصاد مان مقاصاده‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والحديث اليوم عن موج ٍ‬ ‫إذا صال‪،‬‬
‫اار علااى المساالمين‪ ،‬وهااو دخااول الكفَّااار جزياارةَ‬‫اور عاادوان الكفَّا ع‬
‫وصااورةٍ ماان صا ع‬
‫حرمهااا هللا علاايهم‪ ،‬وإقااامتهم القواعااد العسااكريَّة‪ ،‬وحشاادهم الحشااود‬ ‫العاارب التااي َّ‬
‫البرية والبحرية والجوية‪ ،‬في كل جه ٍة من جهات جزيرة العرب‪ :‬شرقها وغربهاا‬
‫وشمالها وجنوبها‪.‬‬

‫وقااد كاااان مااان آخااار وصاااية النباااي صاالى هللا علياااه وسااالم قبااال موتاااه‪” :‬أخر ُجثثثوا‬
‫أماار منااه صاالى هللا عليااه وساالم يقتِااي‬ ‫المشثثركين فثثي جزيثثرة العثثرب“ وهااذا س‬
‫الوجوب‪.‬‬

‫جزأين‪ :‬جزيرة‪ ،‬والعرب‪ ،‬فن َّما الجزيارة ُ فهاي‬ ‫ع‬ ‫ي من‬ ‫ب إضاف ا‬ ‫وجزيرة ُ العرب مرك س‬
‫ط بها الما ُء من كل جهةٍ‪ ،‬ومنه جزيرة العراق‪ ،‬وهي ما بين دجلة‬ ‫اس سم ألر ٍ يُحي ُ‬
‫والفرات‪ ،‬وجزيرة العرب الماذكورة فاي الحاديث‪ ،‬وهاي‪ :‬ماا أحاا باه بحار الهناد‬
‫وبحر الشام‪ ،‬ثم دجلة والفرات‪ ،‬كما هي عبارة القاموس‪ ،‬وبحر الشام هو المسمى‬
‫اليوم بالبحر األحمر‪ ،‬وبحر الهند هو المحيط الهندي وكننَّاه ألحا باه بحار فاارس‬
‫الَّذي يس َّمى اليوم الخليج العربي‪ ،‬ولم يذكر اللغويون غير هذا القاول وإن تفاوتا‬
‫عباراتهم في بيانه‪ ،‬وتسميتهم جزيرة العرب باسم الجزيرة إما أنَّاه تجاوز إلحا اة‬
‫الماء بها من أغلب جهاتها‪ ،‬على عادة العرب في التوسع في مثل هذا الباب‪ ،‬وإ َّما‬
‫بحارا كماا جااء بهاذه التسامية قولاه تعاالى‪َ ( :‬وه َُاو الَّاذعي‬ ‫ن‬ ‫أنَّهم عادوا دجلاة والفارات‬
‫أن العاذب الفارات هاو‬ ‫ب فُ َاراتس َوهَاذَا عملا س أ ُ َجاا سج) ومعلاوم َّ‬
‫َم َر َج ال َبح َري عن َهذَا َعاذ س‬
‫النهر‪.‬‬

‫وال يص تسمية جازءٍ مان األر ع باالجزيرة ماع كاون المااء ال يُحايط باه‪ ،‬ولايس‬
‫ب‪ ،‬وإنَّمااا‬ ‫بقربااه بحا سار إالَّ ماان جه ا ٍة واحاادةٍ ماان جهاتااه‪ ،‬لاايس هااذا فااي لسا ع‬
‫اان العاار ع‬
‫بعاف‬
‫ُ‬ ‫يُتصور أن تشاتهر جزيارة س باسام جزيارة العارب ثا َّم يُطلا االسام ويُاراد باه‬
‫ناادر فاي االساتعمال ال يُصاار‬ ‫س‬ ‫س‬
‫مجااز‬ ‫أجزائعها لخصوصيَّ ٍة فيه‪ ،‬وإذا كاان هاذا فهاو‬
‫ساار جزياارة‬ ‫رجحااه علااى الحقيقااة قريناةس‪ ،‬ولعاال هااذا هااو مسااتند ماان ف َّ‬‫إليااه إالَّ أن ت ُ ع‬
‫بعف‬‫ع‬ ‫العرب بنر الحجاز وهو قو سل با سل عقالن ونقالن ولغةن وشر نعا على جالل عة‬
‫من قال به‪.‬‬
‫‪22‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ث وردَ علااى أر ٍ هااي جزياارة س ال يعاارأ أكثاار‬


‫واسام الجزياارة الااوارد فااي الحاادي ع‬
‫غيرهاا‪ ،‬وهاي جزيارة العارب‪ ،‬وهاذه الجزيارة ُ هاي‬ ‫المخا بين أو بعِهم جزيرةن ُ‬
‫ب‪:‬‬
‫أر ُ العر ع‬
‫وقاريو وهاوازن وغطفاان ومان جااورهم مان العارب‬
‫س‬ ‫قحطانيهم في الايمن منهاا‪،‬‬
‫وعامتهم من مِر في الحجاز‪ ،‬وربيعةُ وتمي سم في نج ٍد وهجر والبحرين وأ راأ‬
‫العراق‪ ،‬وليس في الجزيرة غيرهم‪.‬‬

‫وليس من العرب أحد خارج هذه الجزيرة إالَّ شايئنا مان ربيعاة ومِار ممان دخال‬
‫ديارا لهم‪ ،‬وبعاف العارب ممان دخال الشاام كالغساسانة مان‬‫فارس‪ ،‬ولم تكن ن‬ ‫ٍ‬ ‫بالد‬
‫الروم‪.‬‬
‫ع‬ ‫أكناأ‬
‫ع‬ ‫األز عد وهم قلي سل في‬

‫فصا فاي هااذه الجزيارة‪ :‬أنَّااه ال يساكنها غيا ُار العارب‪ ،‬وال يسااكن العارب َ‬
‫غيرهااا؛‬
‫أن اسام الجزيارة مطااب س لهاا فاي‬
‫لحس والمشااهدةع‪ ،‬وصا َّ َّ‬‫ب باا ع‬ ‫فهاي جزيارة ُ العار ع‬
‫البلدان‪.‬‬
‫ع‬ ‫وأن اسمها عند العرب جزيرة العرب في‬ ‫اللسان‪َّ ،‬‬

‫إن جزيرة العرب هي الحجاز‪ ،‬فقد استند إلى إبقاء عمر بن الخطاب‬ ‫وأ َّما من قال َّ‬
‫رضي هللا عنه بعف المشركين في غيار الحجااز كنصاارى نجاران‪ ،‬وبقاياا يهاود‬
‫الحجاز وحدَها‪.‬‬
‫ع‬ ‫صارأ يصرأ اسم الجزيرةع إلى أر ع‬
‫س‬ ‫اليمن‪ ،‬فرأى َّ‬
‫أن ذلك‬
‫وال يص هذا االستدالل‪ ،‬فإن كان قد أُبقاي بعاف المشاركين خاارج الحجااز‪ ،‬فقاد‬
‫أُبقي بعف المشركين في الحجااز مادةَ خالفا عة أباي ٍ‬
‫بكار‪ ،‬والجاواب عان هاذا يانتي‬
‫وعمومه‪.‬‬
‫ع‬ ‫بإذن هللا‪ ،‬والحديث على ماهره‬

‫أمر من النبي صلى هللا عليه وسلم لم يقيده‬ ‫وإخراج المشركين من جزيرة العرب‪ ،‬س‬
‫بوسيل ٍة من الوسائل‪ ،‬بل هو مطل س والمقصود خرو ُج ُهم من الجزيارة‪ ،‬ومعلاو سم َّ‬
‫أن‬
‫الكافر الواحد الذي ال شوكة له وال منعاةَ ُمبااح الادم فاي األصال‪ ،‬يجاوز قتلُاه ألي‬
‫بدم عه تقربنا مجردنا عان المنفعاة الدنيويَّاة فاي قت علاه‪ ،‬فاإن‬
‫غر ٍ ولو للتقرب إلى هللا ع‬
‫أمر بإخراجه من جزيرة العرب كان قتله من امتثال ذلك األمر‪ ،‬وإذا كاان لاه‬ ‫كان س‬
‫شوكة ومنعة في بالد المسلمين كاان معتادينا عليهاا يجاب قتالاه وجوبناا ولايس علاى‬
‫فحسب‪ ،‬فثب َ أن إخراج المشركين بالقتال وسيلة مباحاةس أو واجباةس‪ ،‬وهاي‬ ‫ُ‬ ‫اإلباح عة‬
‫من أنفع الوسائل لما يحصل بها مان الاردع للمشاركين والتخويا لهام مان دخاول‬
‫جزيااارة العااارب‪ ،‬وهاااذا ماااا رأينااااه بعاااد تفجيااارات الرياااا ‪ ،‬حتاااى صاااار بعاااف‬
‫ِا بالخروج و لب مس ولوهم ممن ليس لوجوده ضرورة أن‬ ‫الصليبيين ينمر بع ن‬
‫يخرج‪.‬‬

‫دفاع‪ ،‬فن َّماا‬


‫ب وجهادَ ٍ‬
‫وإخراج المشركين من جزيرة العرب بالجهاد يكون جهادَ ل ٍ‬
‫مقرين بالشرع أو متاروكين‬ ‫جهاد الطلب فإذا ورد األمر على مشركين موجودين ع‬
‫على ما كانوا عليه في جاهليتهم قبل ذلك‪ ،‬وأماا جهااد الادفع فاإذا دخال المشاركون‬
‫‪23‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الجزيرة بعد ورود األمر وكان دخولُ ُهم فيها مخالفةن لصاري النهاي‪ ،‬ال داخاالن فاي‬
‫ضاا‬‫المسكوت عنه قبال ورود الانص‪ ،‬وذلاك مثال قتاالهم فاي أرضاهم إن كانا أر ن‬
‫تح أيديهم قبل اإلسالم‪ ،‬كان قتاالهم عنهاا وجهاادهم فيهاا مان جهااد الطلاب‪ ،‬وإن‬
‫ضاا دخلوهاا بعاد أن كانا بنيادي المسالمين كاان جهاادهم فيهاا مان جهااد‬ ‫كان أر ن‬
‫الدفع‪ ،‬وأحكام االستدامة والبقاء تختل عن أحكام اإلنشاء واالبتاداء‪ ،‬ويثبا تبعناا‬
‫واستمرارا‪ ،‬ما ال يثب ُ أصالن واستقالالن‪.‬‬
‫ن‬
‫وإذا استبن َ هذا التفري َ بين حالي إخراج المشركين من جزيرة العرب‪ ،‬ما يكون‬
‫ب كماا كاان زمان عمار بان الخطااب‬ ‫دفع كما هو اليوم‪ ،‬وما يكون جهااد لا ٍ‬ ‫جهاد ٍ‬
‫بكار إخارا َجهم مان‬
‫رضي هللا عنه‪ ،‬مهر لك بإذن هللا السبب في تنخير عمر وأبي ٍ‬
‫اائزا‪ ،‬ألن جهاااد الطلااب يجااوز‬‫الجزياارة العربيااة‪ ،‬وكااون ذلااك مشاارو نعا لهمااا جا ن‬
‫تنخيره للمصلحة والحاجة مع التزامه والعزم عليه‪ ،‬وعدم جوازه لمن وجدهم وقد‬
‫دخلااوا ابتاادا نء لدخولااه فااي جهاااد الاادفع‪ ،‬وجهاااد الاادفع ال يجااوز تاانخيره بحااا ٍل ماان‬
‫األحوال‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫وإخااراج الصااليبيين ماان جزياارة العاارب اليااوم‪ ،‬اجتمعا فيااه عاادة ُموجبااات‪ ،‬فمااع‬
‫خصوصية الجزيرة بوجوب إخراج المشاركين منهاا‪ ،‬اجتمعا الموجباات العاماة‬
‫لجهاااد الاادفع‪ ،‬فاادخول المشااركين بقااوة لهاام وشااوكة موجااب للجهاااد فااي كاال بلااد‪،‬‬
‫وأفارادهم إذا دخلاوا ولاو بااال قاوة وشاوكة باال إذن ماان المسالمين فاي أي بلا ٍد غياار‬
‫الجزيرة مباحةس دمااؤهم‪ ،‬أماا الجزيارة فيجاب قتاالهم فيهاا حتاى يخرجاوا ولاو كاان‬
‫مسلم فِالن عن الكاافر العميال‪ ،‬وتخلياة أجازاء مان أر‬ ‫ٍ‬ ‫دخولهم بإذن من حاكم‬
‫المساالمين لهاام يُقيمااون فيهااا شااعائر كفاارهم موجااب لقتااالهم وإخااراجهم‪ ،‬وقتااالهم‬
‫للمسلمين من هذه األر واتخااذهم لهاا قواعاد عساكرية موجاب لجهاادهم‪ ،‬وكال‬
‫من هذه يغلظ ويشتد إذا كان في جزيرة العرب‪.‬‬

‫هذا ما يسر هللا تدوينه في بيان هاذا الحكام‪ ،‬وسانعر فاي المقاال القاادم باإذن هللا‬
‫ت يُوردها المخالفون على هذا الحكم المحكام مان إخاراج المشاركين مان‬ ‫إلى شبها ٍ‬
‫جزيرة العرب بالجهاد في سبيل هللا‪.‬‬

‫وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا على عبده ورسوله محمد وسلَّم‪ ،‬وعلى آله وصحابته‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ .‬ليلة التاسع والعشرين من شوال عام أربعة‬
‫وعشرين وأربعمائة وأل ‪.‬‬
‫‪24‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الجهاد‬
‫مقاص ُد ِ‬
‫ِ‬
‫أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (‪)2/2‬‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫الحاديث عان معناى حاديث "أخرجثوا المشثركين مثن‬ ‫ُ‬ ‫فقد سب في العدد الماضاي‬
‫جزيرة العرب"‪ ،‬وفي هذا العدد سنعر للجواب عن بعف الش َب عه ال ُمورد عة علاى‬
‫االستدال عل بالحديثع‪ ،‬والرد على من خال في داللته‪.‬‬

‫الحجثا ُ ‪ ،‬وقاد‬
‫إن جزيرة العَرب هثي ِ‬ ‫فأول الشبه وأشهرها وأقدمها‪ ،‬قول من قال َّ‬
‫أن جزيارة العارب أوسا ُع مان ذلاك‪ ،‬وإنَّماا جان مان‬ ‫سب في العَدد الماضي إثباتُ َّ‬
‫أن مان المشاركين مان بقاي خاارج‬ ‫جن إلى تنويال الحاديث بهاذا المعناى ل َّماا رأى َّ‬
‫الحجاز ولم يُخرج‪ ،‬وقد يُستننس له بما ُروي بسند ضاعي ٍ عان أباي عبيادة عاامر‬ ‫ع‬
‫أن النباي صالى هللا علياه وسالم قاال‪ :‬أخرجاوا يهاود أهال الحجااز مان‬ ‫بان الجاراح َّ‬
‫جزيرة العرب‪ ،‬ولكن الحديث ضعي اإلسناد واألحادياث الصاحاح علاى خالفاه‪،‬‬
‫ولو سلم بصحته فذكر بعف أفراد العام بحكم يواف العام ال يستلزم التخصيص‪،‬‬
‫الحديث أصل في الداللاة علاى نقايف‬‫َ‬ ‫بل يحتم ُل إفراده ألهميته وشرفه‪ ،‬على َّ‬
‫أن‬
‫ما استدل به المستدل‪ ،‬فقاد فارق باين الحجااز وجزيارة العارب‪ ،‬ولام يقال أخرجاوا‬
‫يهود أهال الحجااز مان الحجااز‪ ،‬بال قاال مان جزيارة العارب‪ ،‬ثام إناه قاد جااء فاي‬
‫الحااديث باإلسااناد نفسااه‪ :‬أخرجااوا يهااود أهاال الحجاااز وأهاال نجااران ماان جزياارة‬
‫العرب‪ ،‬وأهل نجران خارج الحجاز‪.‬‬

‫وأما مان بقاي فاي الجزيارة فاي غيار الحجااز‪ ،‬فاالقول فايهم كاالقول فايمن بقاي فاي‬
‫الحجاز‪:‬‬
‫ع‬
‫إذا كاااان وجاااودهم قبااال األمااار باااإخراجهم‪ ،‬وكاااان الشاااارع قاااد أقااارهم مااان قبااال؛‬
‫فإخراجهم من جنس جهاد الطلب‪.‬‬

‫وإذا كان وجودهم بعد األمر بإخراجهم‪ ،‬ودخلوا مخالفين أمر هللا ووصاية رساوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم؛ فإخراجهم من جنس جهاد الدفع‪.‬‬
‫وال يُشغَّب على هاذا بانن فعال الصاحابة كاان إخارا َجهم بغيار الجهااد؛ فاإن الماراد‬
‫إيِاح التفري بين أحكام االبتداء وأحكام االستدامة‪ ،‬ث َّم َّ‬
‫إن العلة الموجباة للجهااد‬
‫موجودة وق الصحابة وهي إخراج عدو يجب إخراجاه مان باالد المسالمين‪ ،‬ولام‬
‫يُقاتلوا َّ‬
‫ألن الجهاد لبنا ودفعنا قد يسقط ويكفي هللا الما منين القتاال إذا رجاع العادو‬
‫عما قُوتل ألجله‪ ،‬فيسقط تعين جهاد الدفع إذا رجع الصاائل عان صاياله‪ ،‬ويساقط‬
‫‪25‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وجوب الطلب إذا أسلم الكافر أو بذل الجزية على تفاصايل فاي الفاروع لايس هاذا‬
‫محلَّها‪.‬‬

‫أن إبقاء الصحابة لمن أُبقي من المشركين كان من جنس جهاد الطلب‪،‬‬ ‫فإذا تقرر َّ‬
‫فإن جهاد الطلب ال يجب على الفور كما يجب جهاد الدفع‪ ،‬بل يجوز تنخيره‬ ‫َّ‬
‫خوأ مفسدةٍ يُرجى أن تزول قريبنا‪ ،‬كما يجوز تنخيره النشغال‬ ‫ع‬ ‫لمصلحة أو‬
‫بنمر نزل به‪ ،‬أو نازل ٍة حلَّ‬‫بفتوح‪ ،‬أو النشغال إمام المسلمين ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عسكر المسلمين‬
‫لعدو‬
‫بالمسلمين دون تعطي ٍل له‪ ،‬ويجوز تنخيره لمصلح ٍة للمسلمين في بقاء ذلك ا ع‬
‫بغيرها مع التزام قتاله وعدم استدام عة الهدن عة‪.‬‬
‫سواء كان بهدن ٍة أو ع‬
‫بكر الصدي رضي هللا عنه كان فترةَ خالفتع عه مشغوالن بقتال المرتدعين‬ ‫وأبو ٍ‬
‫والروم‪ ،‬ولم يلبث بعد استقرار األمر حتى قبِه هللا‪ ،‬أما عمر فلما جاءه الثب‬
‫عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪ :‬أخرجوا المشركين من جزيرة‬
‫خيبر في القصة المعروفة‪.‬‬
‫َ‬ ‫العرب أجلى اليهود من‬

‫فال يحتج أحد بترد الصدي لليهود في خيبر‪ ،‬وال بترد الفاروق لهم أو لغيرهم‬
‫حيث كان الحال واحدة بنن كانوا مستو ني األر يسكنون‬ ‫ُ‬ ‫في غيرها‪ ،‬إال‬
‫الديار من أول األمر‪ ،‬بخالأ من َو َرد عليها بعد النهي‪ ،‬وكان دخولُهُ انتها نكا‬
‫ألر الجزيرة واعتدا نء عليها‪.‬‬

‫وإذا استبان هذا األصل من التفري بين الموجودين قبل النهي‪ ،‬ومن دخلوا بعد‬
‫النهي؛ زال الشبهة في احتجاج من احتج ببقاء بعف المشركين في الجزيرة بعد‬
‫وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫وأما من احتج بمن دخل الجزيرة من بعد كنبي ل ل ة المجوسي الَّذي ثب‬
‫باألسانيد الصحيح عة أنَّه كان مشر نكا؛ فنبو ل ل ة كان رقيقنا‪ ،‬والرقي من جملة‬
‫كثير من أهل العلم و ن‬ ‫أموال المسلمين وليسوا كاألحرار في األحكام‪ ،‬ولذا أجاز س‬
‫األمة غير الكتابية ولم يُ عجز أحد س نكا َحها‪ ،‬وجوزوا االستعانة بالرقي المشرد‬
‫واختلفوا في االستعانة بالمشرد الحر‪ ،‬ودية الرقي المشرد والم من واحدة س ال‬
‫تزيد دية المسلم منهما على الكافر وهي قيمتُهُ‪ ،‬وغير ذلك من األحكام التي يُعامل‬
‫َّ‬
‫أن‬ ‫فيها الرقي من جهة كونه ماالن من جملة األموال وال يُنظر لدينه‪ ،‬ولو فُر‬
‫واحدنا من ه الء أُعت َ بعد أن دخل المدينة كان حاله كحال اليهود الذين كانوا‬
‫استمرار واستدامةس لما كان‬
‫س‬ ‫باح‪ ،‬فبقاؤه بعده‬
‫ب ُم ٍ‬
‫في خيبر وغيرهم‪ ،‬ممن دخل بسب ٍ‬
‫أصله مشرو نعا‪ ،‬وليس إنشا نء وابتدا نء لإلقامة كما ال يخفى‪.‬‬

‫وماان أباار عد الش ابَ عه التااي أُوردت علااى هااذا الحااديث المحكاام الباايعن مااا أورده موقااع‬
‫أن الحديث ال يقتِي قتالهم بل أمار بااإلخراج‪ ،‬وزعماوا‬ ‫اإلسالم اليوم حين زعم َّ‬
‫أن الحاديث ال يادل علاى القتاال ال باالمنطوق وال المفهاوم ماع َّ‬
‫أن األماار‬ ‫بعاد ذلاك َّ‬
‫بإخراجهم مطل س لم يُقيَّد بوسيل ٍة ال باإلنذار وال بالقتا عل‪ ،‬ومن كتب هذا االعتارا‬
‫‪26‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫بنصا عه‪،‬‬
‫ط بين المنطوق والمفهاوم‪ ،‬والانص والظااهر؛ فهاو ال يادل علاى القتاال ع‬ ‫َخلَ َ‬
‫ولكنَّه دا ال عليه بمنطوقع عه الَّذي هو مطل س فاي اإلخاراج‪ ،‬فكال ماا كاان إخرا نجاا لهام‬
‫أن المخالفين لهم فاي معناى‬ ‫ق‪ ،‬سواء اإلنذار أو القتال‪ ،‬على َّ‬ ‫كان من دالل عة المنطو ع‬
‫أن خاروجهم باإلناذار كااأٍ ‪ ،‬ولكانهم يارون أن القتاال‬ ‫هذا الحديث ال يخالفون فاي َّ‬
‫أن منااا قتااال المشااركين فااي‬ ‫لماان لاام يكاان لااه اإلنااذار كاف نيااا‪ ،‬وهااذا علااى فاار ع َّ‬
‫الجزياارة اليااوم هااو مجاار د دخااولهم جزياارة العاارب بقطااع النظاار عاان بقيااة العلاال‬
‫األُخرى‪.‬‬

‫ومن الشبه الواهي عة التي أُوردَت على االستدالل بهاذا الحاديث‪ ،‬واعتُار َ بهاا مان‬
‫ث‬ ‫نهف المتثال أمر محمد صلى هللا عليه وسلم والقيام بوصيته‪َّ :‬‬
‫أن المراد بالحدي ع‬
‫أخرجوا المشركين المحاربين للمسلمين من جزيرة العرب‪.‬‬

‫مكان وكل أر ٍ ‪ ،‬ويُ مر بإخراجهم‬ ‫ٍ‬ ‫والمشركون المحاربون يُ مر بقتا علهم في كل‬
‫من كل بل ٍد للمسلمينَ ‪ ،‬فني خصوصيَّ ٍة لجزيرة العرب فاي هاذا الحكام؟ ماع اتفااق‬
‫العلماااء وغياارهم ماان الموافا والمخااال علااى َّ‬
‫أن الحااديث دا ال علااى خصوص ا َّي ٍة‬
‫مخصاص لهاا‪،‬‬ ‫ع‬ ‫دياث الصاحيحةُ عا َّماة ال‬
‫ب دون سائر الابالد‪ ،‬واألحا ُ‬ ‫لجزيرة العر ع‬
‫وما يُدَّعى تخصيصها به من بقاء بعف المشركين تقدَّم الجواب عنه‪.‬‬

‫هذا وما عدا هذا من شب ٍه مما ا َّ لع ُ علي عه قد أَ َجب ُ عن عه في (انتقا االعتارا‬


‫ب أرجو أن يكون فيه كفايةس وأسنل هللا أن يكتاب باه‬ ‫على تفجيرات الريا ) بجوا ٍ‬
‫ت لم أ ُ ال الكاالم فيهاا فاي‬
‫الموضع الجواب عن شبها ٍ‬
‫ع‬ ‫النفع‪ ،‬وإنما قصدتُ في هذا‬
‫االنتقا ‪.‬‬

‫اللهم أخرج المشركين مان جزيارة العارب أشاالء ممازقين‪ ،‬بنيادينا وأيادي عباا عدد‬
‫ال ُما منين‪ ،‬وارزقنااا الهدايااة والسااداد والثبااات علااى الحا والعلاام والعماال والجهااا عد‬
‫حتى نلقاد‪ ،‬شهداء في سبيلك مقبلين غير مدبرين‪ ،‬برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬

‫ان‬
‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسا ٍ‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫دفع الصائل إذا كان السلطان‬


‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫أوراق نُشاارت فااي اإلنترنا ‪ ،‬يعتاار بهااا كاتبُهااا علااى مقاا ٍل‬
‫س‬ ‫ي‬
‫ضا علا َّ‬ ‫عر َ‬
‫فقااد ُ‬
‫كتبته عن دفع الصائل في مجلة صوت الجهااد‪ ،‬وعلاى رساالة (المنياة وال الدنياة)‬
‫التي نُشرت قبلُ‪.‬‬

‫أن المسانلة التاي شابَّهَ‬ ‫وقرأتُ ورقاتعه فلم أر ائالن‪ ،‬ولم أجد ما يستح الرد‪ ،‬غيار َّ‬
‫ت مسانلةس مهماةس‪ ،‬وال ينبغاي أن يبقاى لادى المجاهادين فيهاا أدناى‬ ‫فيها كاتاب الورقاا ع‬
‫أدنااى شاابهةٍ‪ ،‬وقااد ساالك ُ فااي المقاااالت والرسااائل التااي أكتبهااا مساالك االختصااار‬
‫ث اساتدعى‬ ‫واإليجاز‪ ،‬مع الحرص على الكفاي عة في المسنل عة قدر المستطاعع‪ ،‬إالَّ حي ُ‬
‫ي مان‬ ‫الفهام مان هاا هناا دخال‪ ،‬أو دُخال علا َّ‬
‫ع‬ ‫المقام التطوي َل والتفصايل‪ ،‬فلعا َّل ساوء‬
‫قصور العبارة وسوء البيان‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬

‫ومجمل الشبهات التي أوردها كاتب تلك الورقات‪:‬‬

‫التشكيك في حديث عبد هللا بن عمرو وأنه لام يكان فاي مواجهاة سالطان‪ ،‬والطعان‬
‫في القصة واللفظ الذي أوردتُه‪.‬‬

‫االسااتدالل بحااديث‪ :‬تساامع وتطيااع وإن أخااذ مالااك وضاارب مهاارد‪ ،‬وعاااب أنعااي‬
‫فسرتُ الحديث بغير المعناى الَّاذي فهماه‪ ،‬وزعام أن حاديث ”وإن أخاذ مالاك“ ماع‬
‫تبويب أهل العلم على حديث عبد هللا بن عمرو يشهد بصاحة ماا قالاه ابان المناذر‪،‬‬
‫يعني اإلجماع المخروم‪.‬‬

‫ع ادَّ بعااف ماان ُ‬


‫سااجن ماان األئمااة وأهاال العلاام ولاام يُنقاال عاان أح ا ٍد ماانهم مقاومااة‬
‫السال ين ونوابهم‪ ،‬ثم الب بالتحاكم إلى الكتاب والسنة بفهم سل األ ُ َّماة‪ ،‬وسانل‬
‫ع َّمن يقول بهذا القول من العلماء‪.‬‬

‫ونص مرفوعس‪ ،‬وقد ثب من القصة في مسلم وغيره قول‬ ‫ا‬ ‫صةس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الحديث‪ ،‬ففيه ق َّ‬ ‫فن َّما‬
‫الاراوي‪ :‬لماا كااان باين عباد هللا باان عمارو وعنبساة باان أباي سافيان مااا كاان تيسارا‬
‫لل عقتال‪ ،‬فذكر الحديث واستدالل عبد هللا بن عمرو به فاي هاذا الموضاع‪ ،‬وقولاه ماا‬
‫ت غيار‬ ‫ث للقص عة‪ ،‬وقد جاء مفصالن في رواياا ٍ‬ ‫بعف رواةع الحدي ع‬ ‫ع‬ ‫كان‪ :‬اختصار من‬
‫هذه الرواية تنتي بإذن هللا‪.‬‬

‫أن عنبسة أراد العدوان على شيءٍ مان‬ ‫ومن اللفظ الثاب في صحي مسلم‪ :‬يظهر َّ‬
‫ماال عبااد هللا بان عماارو‪ ،‬فاانراد عباد هللا أن يُقاتاال دوناه‪ ،‬وحااين حااوجج اسااتد َّل‬
‫‪28‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫والي معاوي َة على الطائ وم َّكة‪ ،‬قال الحافظ ابان حجار‬


‫َ‬ ‫بالحديث‪ ،‬وعنبسة كان‬
‫في فت الباري قبل الموضع الذي ذكر فيه كالم ابن المنذر بنسطر يسيرة‪:‬‬

‫”وأشار بقوله‪( :‬ما كان) إلى ما بينه حيوة في روايتاه المشاار إليهاا؛ فاإن أولهاا أن‬
‫ضا‪ ،‬فدنا من حائط ل عمرو بن‬ ‫عامالن لمعاوية أجرى عيننا من ماء ليسقي بها أر ن‬
‫العاص فنراد أن يخرقه ليـ ُجري العين منه إلى األر ؛ فنقبل عباد هللا بان عمارو‬
‫ومواليااه بالسااالح وقااالوا‪ :‬وهللا ال تخرقااون حائطنااا حتااى ال يبقااى منااا أحااد‪ ،‬فااذكر‬
‫الحديث‪ ،‬وا لعامل المذكور هو عنبسة بن أباي سافيان كماا مهار مان رواياة مسالم‪،‬‬
‫وكااان عااامالن ألخيااه علااى مكااة والطااائ ‪ ،‬واألر المااذكورة كاناا بالطااائ ‪،‬‬
‫وامتناع عبد هللا بن عمرو من ذلك لما يدخل عليه من الِرر“‪.‬‬
‫ورواية حيوة –وهو ابن شري المصري‪ -‬المشاار إليهاا هاي روايتاه الحاديث عان‬
‫أبي األس ود عن عكرمة عن عبد هللا بن عمرو بن العااص التاي أخرجهاا الطباري‬
‫فيما ذكر الحافظ في الفت ‪ ،‬وإسنادها على شر الصحي إن ص َّ إلى حيوةَ‪.‬‬

‫سعير بن الخمس عن عبد هللا بن الحسن بن‬ ‫المزي الحديث بإسناده إلى ُ‬
‫وقد أخرج ع‬
‫الحسن بن علي بن أبي الب عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد هللا بن عمر ٍو‬
‫ساعير فاي إساناد هاذا‬
‫س‬ ‫به‪ ،‬وذكر في القصاة‪َّ :‬‬
‫أن معاوياة (بادل عنبساة)‪ ،‬وقاد أخطان‬
‫الحديث‪ ،‬وصوابه ما رواه الثوري وغيره عن عبد هللا بن الحسن عن عمه –أخي‬
‫أبيه ألمه‪ -‬إبراهيم بن عبد هللا بن لحة عن عبد هللا بن عمرو بن العاص‪.‬‬

‫أن معاوية رضي هللا عنه أراد أن ينخاذ األر ‪ ،‬وأمار‬ ‫وماهر من هذه الروايات َّ‬
‫س‬
‫أخاه عنبسة وهو واليه على مكة بنخذها‪ ،‬فكان من عباد هللا بان عمارو بان العااص‬
‫رضي هللا عنه ما كان‪ ،‬وهاو ماا جااء صاري نحا فيماا رواه عباد الارزاق عان معمار‬
‫عن أيوب عن أباي قالباة قاال‪ :‬أرسال معاوياة بان أباي سافيان رضاي هللا عناه إلاى‬
‫عامل له لينخذ الوهط فبلغ ذلك عبد هللا بن عمارو فلابس ساالحه‪ ..‬فاذكر الحاديث‪،‬‬
‫وهذا مرسل جيد اإلسناد‪.‬‬
‫صة‪َّ ،‬‬
‫فإن من‬ ‫َ‬
‫الحديث بغير الق َّ‬ ‫وال يُورد على ثبوت القصة مفصلَّةن روايةُ من روى‬
‫ص اةن االختصااار‪،‬‬ ‫عااادة كثيا ٍار ماان رواة الحااديث‪ ،‬وماان ص انَّ فااي المسااندات خا َّ‬
‫واالقتصار على المتن المرفوع مان الحاديث فاي الغالاب‪ ،‬وقاد اشاتُهر بهاذا بعاف‬
‫الحفام كشعبة بن الحجاج‪ ،‬فكانوا ال يروون من الحاديث إالَّ المرفاوع‪ ،‬ومثال هاذا‬
‫مشار إليها في المتن‪ ،‬مشاتهرة س‬‫س‬ ‫صا والقصة‬‫ال يُ ععل به الحذَّاق في الصناع عة‪ ،‬خصو ن‬
‫وال بااد فااي ذلااك الوقاا ‪ ،‬وقااد ُروياا ماان غياار وجااهٍ‪ ،‬ورواياتهااا متوافقااةس غياار‬
‫متعارضةٍ‪.‬‬

‫قا ال اباان حاازم فااي المحلااى‪ :‬فهااذا عباد هللا باان عماارو باان العاااص‪ ،‬بقيااة الصااحابة‪،‬‬
‫وبحِاارة سااائرهم يريااد قتااال عنبسااة باان أبااي ساافيان عاماال أخيااه معاويااة أمياار‬
‫الم ا منين إذ أمااره بقاابف الااوهط‪ ،‬ورأى عبااد هللا باان عماارو أن أخااذه منااه غياار‬
‫‪29‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫واجب‪ ،‬وما كان معاوية رضي هللا عنه لينخذه مل نما صرا نحا‪ ،‬لكن أراد ذلك بوج ٍه‬
‫شك‪ ،‬ورأى عبد هللا بن عمرو أن ذلك ليس بح ٍ ‪ ،‬ولابس الساالح للقتاا عل‪،‬‬
‫تنوله بال ٍ‬
‫َّ‬
‫وال مخال له في ذلك من الصحابة رضي هللا عنهم‪.‬‬

‫ثان مثثن الم ث منين اقتتلثثوا‬ ‫ثاام اسااتد َّل اباان حا ٍ‬


‫ازم للمساانلة بقولااه تعااالى‪﴿ :‬وإن طائفتث ِ‬
‫فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على األُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى‬

‫ومحكاوم‪ ،‬ماع ناص الفقهااء علاى أن مان‬


‫ٍ‬ ‫حااكم‬
‫ٍ‬ ‫يفارق باين‬
‫تفيء إلى أمر هللا﴾ ولم َّ‬
‫خرج على السلطان يُسنل فإن ذكر مظلمة كشف ‪ ،‬أو شبهةن أُزيل ‪.‬‬

‫أن الصاورة‬ ‫ي‪ ،‬من جهة عموم الحكام وال مخصاص‪ ،‬ومان جهاة َّ‬ ‫وهو استدال سل قو ا‬
‫التي ورد فيها العموم يكثر أن تكون مع سب والية ألمير فئ ٍة على الفئتين جميعناا؛‬
‫فال يُمكن أن تُخرج هذه الصاورة مان لفاظ العماوم ماع كثارة وقوعهاا‪ ،‬ومان أقاوى‬
‫الوجوه في هذا فعل عائشة و لحاة والزبيار –مخطئاين‪ -‬فاي قتاالهم لعلاي بان أباي‬
‫الب رضوان هللا عليهم جمي نعا‪ ،‬وقد أخط وا في منهم أن عليًّاا فاي الفئاة الباغياة‬
‫ال فااي كااونهم رأوا قتااال الفئااة الباغيااة‪ ،‬وقااد قاااتلوا الساالطان فااي خااروجهم ذلااك‪،‬‬
‫وكذلك فعل معاوية في قتاله لعلي ومان كاان ماع معاوياة مان الصاحابة رضاي هللا‬
‫عان الجميااع‪ ،‬فها الء الصااحابة رأوا قتاال ولااي األمار لمااا مناوه هااو البااغي‪ ،‬ولاام‬
‫الأ في حكم قتال ولي األمر الباغي‪ ،‬وإنَّماا كاان الخاالأ فاي الحا ماع‬ ‫يُذكر اخت س‬
‫من هو؟‪ ،‬ولو كان مقاتلة ولي األمر ال تجوز ولو كان باغ نيا النتهى الخالأ باين‬
‫ي مصايبنا فيلازمهم النازول لحكماه‪ ،‬وإ َّماا أن يكاون‬ ‫الصحابة بهذا‪ :‬إ َّما أن يكون علا ا‬
‫مخطئنا فال يجوز لهم مقاتلته‪ ،‬ولكنهم ما فهموا هذا مان ديان هللا‪ ،‬وال نسابوه –فيماا‬
‫نعلم‪ -‬إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫س‬
‫فحاديث صاحي س ‪،‬‬ ‫وأ َّما حاديث‪” :‬تسامع وتطياع وإن أخاذ مالاك وضارب مهارد“‪،‬‬
‫وليس فيه إالَّ أن السمع والطاعة لإلمام ال تسقط بجوره وملمه‪ ،‬وإن بلغ ذلك أخاذ‬
‫أن المراد السمع والطاعة في أخاذه‬ ‫المال وضرب الظهر‪ ،‬فإن كان المخال يفهم َّ‬
‫للما عل وضربه للظهر‪ ،‬فنول ما يلزم على هذا أنَّه يجب عليه إن لب منه السلطان‬
‫أن علياه االمتثاال وجوبناا‪ ،‬وأن يساعى بنفساه إلاى‬ ‫وجاورا َّ‬
‫ن‬ ‫ما لب من المال مل نماا‬
‫السلطان ويناوله ماله‪ ،‬ألمر النبي صلى هللا عليه وسلم بالسمع والطاعة لإلمام في‬
‫هااذا األماار خاصااة‪ ،‬وكااذا إن لبااه ليِااربه‪ ،‬فلاايس لااه االمتناااع عنااه بشاايءٍ ‪ ،‬وال‬
‫الفرار منه أو التهرب عن اعته والخروج عن أمره باني ع ريا ٍ ‪ ،‬ويكاون واجبناا‬
‫عليه إعانة السلطان علاى ملماه لاه‪ ،‬ويحارم علياه أن يفار وال يمكان السالطان مان‬
‫ماله أو مهره‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وقد ثب في صحي البخاري من حديث أنس بن مالكٍ في كتاب أبي بكر الصدي‬
‫رضي هللا عنه إلى عماله في الصدقات‪:‬‬

‫” بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬هذه فريِة الصدقة‪ ،‬التي فر رساول هللا صالى هللا‬
‫سثئلها مثن المسثلمين‬‫عليه وسلم على المسلمين‪ ،‬والتي أمر هللا بها رساوله‪ ،‬فمثن ُ‬
‫على وجهها فليُعطها‪ ،‬ومن سئل فوقها فال يعط“‪.‬‬

‫أن المااراد فااي الحااديث الساامع والطاعااة فااي أن ينخااذ‬ ‫فااإن كااان المخااال ال ياارى َّ‬
‫السلطان ماله بغير وجه ح ‪ ،‬وأن يجلاد مهاره لغيار موجاب شارعي‪ ،‬ولكان رأى‬
‫االأ لمااا أُماار بااه ماان اعتااه‪ ،‬بخااالأ الفاارار منااه‬‫أن مجا َّارد مدافعااة الساالطان خا س‬ ‫َّ‬
‫أن السلطان ال يُدافَع عن شيءٍ من ال ُحرمات البتة‪ ،‬ولو‬ ‫وتغييب المال عنه؛ فيلزمه َّ‬
‫أراد عر الرجل لم يكن له أن يدفعاه وال بياده‪ ،‬بال ولاو أرادت المارأة الشاريفة‬
‫العفيفة أن تمتنع منه لم يكان لهاا ذلاك إال باالفرار‪ ،‬ولايس لهاا أن تدفعاه بيادها ألنَّاه‬
‫ولاي أمار المسالمين‪ ،‬وإذا التاازم هاذا فاي السالطان‪ ،‬فلايُعلم أنَّاه لايس مخت ًّ‬
‫صاا بإمااام‬
‫ب‬
‫المسالمين‪ ،‬والسالطان الاذي لايس فوقاه ساالطان لبشار‪ ،‬بال هاو يشامل كال صاااح ع‬
‫اار ماان األُمااور‪ ،‬باعتبااار نياااابتهم‬
‫ألمياار فااي أما ٍ‬
‫ٍ‬ ‫والياا ٍة علااى واليتااه‪ ،‬وكااال وكياا ٍل‬
‫للسلطان‪ ،‬وكون مقاتلة الواحد منهم كمقاتلاة السالطان الَّاذي أناباه‪ ،‬فيحارم أن يادفع‬
‫الموما مااديرهُ‪ ،‬والمارؤوس رئيسااه عاان عرضاه‪ ،‬وال يجااوز لااه أن يزيااد عاان‬
‫نهيه بالكالم‪ ،‬أو الفرار منه إن استطاع‪ ،‬فإن لم يستطع الفرار‪ ،‬لم يجز له أن يدفع‬
‫عن عرضه بيده‪ ،‬وكذلك المومفة عند رئيسعها‪ ،‬متى كان الرئيس والمارؤوس فاي‬
‫كل ذلك مومفنا حكوميًّا‪ ،‬وإنَّما استطردتُ في هاذا الاالزم لبياان شاناعة هاذا القاول‬
‫الذي اجتمع أدلة الشرع والعقل والفطرة السوية في دفعه‪.‬‬
‫والقول الَّذي قُلناه هو ما د َّل عليه الكتاب فيما يُفهام مان آياة البغااةع‪ ،‬وفاي عموماا ٍ‬
‫ت‬
‫كثيارةٍ‪ ،‬وماا دلا عليااه السانة فاي الحاديث المتفا علياه‪” :‬وإن جلاد مهارد وأخاذ‬
‫الحديث عبد هللا بن عمرو بن العاص‪ ،‬وهو راوي الحديثع‪ ،‬وهاو‬ ‫َ‬ ‫مالك“‪ ،‬وبه فهم‬
‫المازي فاي ترجمتاه‬
‫ي‪ ،‬بل من علماء الصحابة وكاان غزيار العلام كماا قاال ع‬ ‫صحاب ا‬
‫من تهذيب الكمال‪ ،‬واشتهرت الواقعة ولم يُنكرها أحد مان الصاحابة وال التاابعين‪،‬‬
‫وفقهاء الصحابة يومئ ٍذ متوافرون‪.‬‬
‫فمن سنل عن سل ٍ في فهم الحاديث‪ ،‬فحسابك بعباد هللا بان عمارو ومان وافقاه مان‬
‫عالم فحسبه عبد هللا بن عمرو‬
‫الصحابة والتابعين في ذلك العصر‪ ،‬ومن سنل عن ٍ‬
‫ومن وافقه من العلماء في وقته‪.‬‬

‫وأ َّما من لم يُقاتل من األئ َّمة حين سيقوا إلى السجون‪ ،‬فنحن ال نقول إ َّن االستئساار‬
‫للكااافر محاار سم فااي األص ا عل‪ ،‬فِ االن عاان الحاااكم الجااائر وقتااذاد‪ ،‬وإنَّمااا نقااول َّ‬
‫إن‬
‫س‬
‫جائز‪.‬‬ ‫ب‪ ،‬وقتاله مشروعس‬ ‫االستسالم له غير واج ٍ‬
‫‪31‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وهااذا فااي الساالطان المساالم‪ ،‬أ َّمااا الطواغي ا ُ فبااابهم غياار هااذا‪ ،‬وأماارهم مختل ا س ‪،‬‬
‫وقتالهم يدل عليه كال دليا ٍل‪ ،‬وتشاهد باه كال بيناةٍ‪ ،‬وماا ذكرنااه هناا لبياان حكام دفاع‬
‫الصااائل حااين يكااون ساالطاننا مساال نما‪ ،‬يوحااد هللا ويحكاام شااريعته‪ ،‬فكي ا بالصااائل‬
‫الكافر المرتد ردَّةن غليظة؟‬

‫نسااانل هللا أن ينصااارنا علاااى القاااوم الكاااافرين‪ ،‬وأن يمكنناااا مااان رقااااب المرتااادين‪،‬‬
‫ويجعلنا ممن يرفع راية الدين‪ ،‬وأن يختم لنا بالشاهادة فاي سابيله ابتغااء مرضااته‪،‬‬
‫مقبلين غير مدبرين‪.‬‬

‫وهللا أعلاام وصاالى هللا وساالم علااى عبااده ورسااوله محمااد‪ ،‬وعلااى آلااه وصااحابته‬
‫أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫كتبه عبد هللا بن ناصر الرشيد صبيحة االثنين العشرين من ذي القعدة عام أربعة وعشرين وأربعمائة وأل ٍ ‪.‬‬
‫‪32‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الخروج على الحاكم‬


‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محمااد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذه آخر مسنلة نذكرها من مسائل جهاد الدفع‪ ،‬وهاو المقصاد األول مان مقاصاد‬
‫الجهاد التي وعدنا بالحديث عنها‪ ،‬والمسنلة مسنلة قتال الحاكم الكافر‪.‬‬

‫فقااد ص ا عاان رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم قولااه‪” :‬إال أن تااروا كفا نارا بوا نحااا‬
‫عندكم من هللا فيه برهان“‪.‬‬

‫واتفق األمة على وجوب قتال الحاكم الكافر‪ ،‬وشر النبي صالى هللا علياه وسالم‬
‫لقتالااه كمااا فااي الحااديث‪” :‬أن تااروا كفا نارا بوا نحااا عناادكم ماان هللا فيااه برهااان“ وهااذا‬
‫الشاار يتِاا َّمن جاازأين‪ :‬أن يكااون الكفاار بوا نحااا‪ ،‬وأن يكااون عناادنا ماان هللا فيااه‬
‫كفرا‪.‬‬
‫برهان‪ ،‬والشر األول في فاعل المكفر‪ ،‬والثاني في دليل كون الفعل ن‬
‫وقوله بوا نحا‪ :‬يخرج الكفر الملتابس المشاكود فياه‪ ،‬مثال ماا كاان مان جانس ”لحان‬
‫القول“ الذي كان النبي صلى هللا عليه وسلم يعرأ باه المناافقين‪ ،‬إالَّ أ َّن االحتماال‬
‫البيناة علاى‬
‫يرد في المقال عة فتحتمل ما هو كفر وما لايس بكفار‪ ،‬وال يمكان أن تقاوم ع‬
‫االحتمالين‪.‬‬
‫ع‬ ‫أحد‬
‫وقوله عندكم من هللا فياه برهاان‪ ،‬أي دليا سل واضا س علاى َّ‬
‫أن هاذا الفعال مك عفار‪ ،‬فاال‬
‫يُ خذ من دلي ٍل مشتبه الداللة‪ ،‬أو ضعي ٍ كحديث‪” :‬إذا تبايعتم بالعينة“‪.‬‬

‫وعبر في بعف األحاديث بالصالة عن الادين فقاال‪ :‬ماا أقااموا فايكم الصاالة‪ ،‬كماا‬
‫يُعبَّر بالركوع عن الصالة‪ ،‬وكما عبر بالصالة عن أصل الدين في قوله صلى هللا‬
‫ت قتله وقتل أصاحابه مان بعاده‬ ‫المصلين“ مع ثبو ع‬
‫ع‬ ‫عليه وسلم‪“ :‬إنعي نُهي ُ عن قت عل‬
‫ب آخر ارتدوا به‪.‬‬ ‫لجمع من المرتدعين الَّذين لم يتركوا الصالة لسب ٍ‬
‫ٍ‬
‫أن المااراد الصااالة حقيقااةن‪ ،‬فااالعموم فااي تحااريم قتااال الحاااكم المقاايم‬
‫َّ‬ ‫ولااو فُاار‬
‫كفرا بوا نحا ولو لم يترد الصالة‬ ‫للصالة‪ ،‬مخصوص بالكفر البواح فيُقاتل إذا كفر ن‬
‫لما مِى وما ينتي من أدلةٍ‪.‬‬

‫والح َّكام المرتدون الحاكمون لابالد المسالمين الياوم مشاروعس قتاالهم لمنا اا ٍ‬
‫ت عادةٍ‬
‫مجتمع ٍة فيهم ك ال منها كاأٍ في وجوب القتال‪:‬‬
‫موجاب للقتاال‪ ،‬لقولاه َّ‬
‫عاز وجا َّل‪َ ( :‬ياا‬ ‫س‬ ‫فالمناط األول‪ :‬كفرهم‪ ،‬والكفر من حيث هو‬
‫ظ اةن)‪ ،‬وقولااه‪:‬‬ ‫اار َوليَ عج ادُوا فعااي ُكم عغل َ‬ ‫أَي َهااا الَّ اذعينَ آ َمنُااوا قَاااتعلُوا الَّ اذعينَ يَلُااونَ ُكم عماانَ ال ُكفَّا ع‬
‫ل)‪ ،‬وقولااه‪( :‬قَاااتعلُوا الَّااذعينَ ال‬ ‫( َوقَاااتعلُوهُم َحتَّااى ال تَ ُكااونَ فعتنَااةس َويَ ُكااونَ ع‬
‫الاادينُ ُكلااهُ ع َّ ع‬
‫‪33‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ساولُهُ َوال َيادعينُونَ دعيانَ‬ ‫يُ عمنُونَ عب َّ ع‬


‫ال َوال عبال َيو عم ا عخ عر َوال يُ َح عر ُمونَ َماا َح َّار َم َّ‬
‫هُ َو َر ُ‬
‫صاا عغ ُرونَ ) وقاال‬ ‫طاوا ال عجزيَاةَ َعان يَا ٍد َوهُام َ‬ ‫ااب َحتَّاى يُع ُ‬‫ال َح ع عمنَ الَّذعينَ أُوتُوا ال عكتَ َ‬
‫صاالى هللا عليااه وساالم كمااا فااي الصااحيحين ماان حااديث جماعااة ماان الصااحابة‪:‬‬
‫”أمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إلاه إال هللا وأناي رساول هللا“ الحاديث‪،‬‬
‫وفي المسند وسنن أبي داود بسن ٍد حسن وجوده شي اإلسالم ابن تيمية وابن رج ٍ‬
‫ب‬
‫وغيرهما‪” :‬بُعثا بالساي باين يادي السااعة حتاى يعباد هللا وحاده ال شاريك لاه“‪،‬‬
‫وفي صحي مسلم من حاديث ساليمان بان بريادة عان أبياه‪” :‬امِاوا فاي سابيل هللا‬
‫قاتلوا من كفر باهلل“‪.‬‬

‫وهذا المنا يقتِي القتا عل‪ ،‬ولكنَّه ال يقتِي كون قتال الح َّكام ال ع‬
‫مرتدين‬
‫المحاربين للمسلمين اليوم من جهاد الدفع‪ ،‬وإنَّما االعتماد في ذلك على المنا ات‬
‫التالية‪.‬‬

‫المناط الثاني‪ :‬الردَّة‪ ،‬فيجب في الشريعة قتال من ارتد بعد أن ثب َ له حكم‬


‫اإلسالم الظاهر وإن كان منافقنا ث َّم أعلن بعف نفا عقه‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫”من بدَّل دينه فاقتلوه“ وثب عن النبي صلى هللا عليه وسلم وعن أصحابه قت ُل‬
‫ت من المرتدعين في حياة النبي صلى هللا عليه وسلم وبعد وفاته‪.‬‬‫جماعا ٍ‬

‫وأما إذا كان المرتدون ائفةن لها منعةس فالحكم فيهم القتال كما فعل الصدي رضي‬
‫هللا عنه والصحابة معه‪ ،‬وكما دلَّ عليه إشارة النبي صلى هللا عليه وسلم في‬
‫ب في يديه فنفخهما‬ ‫ي حين رأى سوارين من ذه ٍ‬ ‫الرؤيا التي أُريها ورؤياه وح س‬
‫َّين اللَّذين ارتدَّا في حياته‪ :‬أبي األسود العنسي ومسيلمة‬
‫فنولهما بالمرتد ع‬
‫فطارا‪َّ ،‬‬
‫الكذاب‪ ،‬فكان السواران هما المرتدان‪ ،‬وكان نفخه لهما صلى هللا عليه وسلم قتال‬
‫الصدي لهما وإزالتهما به بعد أن مات النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫وقتل المرتد وقتال الطائفة المرتدَّة حفظس إلحدى الِروريَّات الخمس‪ ،‬بل‬
‫وأهمها‪ :‬الدين‪ ،‬والدفاع عن العقل والعر من جهاد الدفع الواجب‪ ،‬أما‬
‫ع‬ ‫ألعظمها‬
‫ب من‬ ‫الدفاع عن النفس والمال فمشروعس ال يجب متى كان يدفع عن نفسه‪ ،‬وواج س‬
‫أعظم الواجبات إن كان عدوان العدو يعم أموال المسلمين ونفوسهم‪.‬‬

‫ولهذا قدم الصدي قتال المرتدين لكونه من جهاد الدفع‪ ،‬قال شي اإلسالم ابن‬
‫تيمية رحمه هللا‪" :‬والصدي رضي هللا عنه وسائر الصحابة بدؤوا بجهاد‬
‫المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب‪ ،‬فإن جهاد ه الء حفظ لما فُت من بالد‬
‫المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه‪ ،‬وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين‬
‫وأهل الكتاب من زيادة إمهار الدين‪ ،‬وحفظ رأس المال مقدم على الرب "‪.‬‬

‫حاكم‪ ،‬من جهاد الدفع المفرو ع‬


‫ٍ‬ ‫حاكم أو غير‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مرتد‬ ‫أن قتال المرتدع‪ :‬أي ع‬‫فعُلم بهذا َّ‬
‫دفع من حيث‬
‫أن جهاد الطواغي المرتدين جهاد ٍ‬ ‫على األ َّمة‪ ،‬وبهذا المنا تعلم َّ‬
‫ارا أصليعين‪.‬‬‫كونهم مرتدعين ال كفَّ ن‬
‫‪34‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المناط الثالث‪ :‬كونهم ح َّكا نما على بالد المسلمين‪ ،‬والكافر [أصليًّا كان أو مرتدًّا]‬
‫شبر من بالد المسلمين‪ ،‬بل هو محت ال له معت ٍد علي عه‬‫ال يجوز إقراره على حكم ٍ‬
‫بنصلين متف ٍ عليهما ال حاجة إلى اإل ال عة في تقريرهما‪:‬‬
‫ع‬ ‫معروأ‬
‫س‬ ‫وهذا‬

‫يوجب جهاد الدفع‪ ،‬كحكم‬


‫ُ‬ ‫س‬
‫عدوان‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫أن حكم الكافر لبالد المسلمين‬ ‫األصل َّ‬
‫اليهود اليوم للمسجد األقصى‪ ،‬وكما لو حكم رئيس أمريكا بالد المسلمين علننا‬
‫اليوم‪ ،‬وهذا مما ال يختل فيه اثنان من المسلمين‪.‬‬

‫واألصال الثااني‪ :‬أن حكام الكااافر ال يختلا بااختالأ جنساه وبلااده‪ ،‬فاال فارق باين‬
‫الكااافر المحلااي والكااافر األجنبااي‪ ،‬أو بااين العربااي واألعجمااي‪ ،‬فااإذا حكاام الك اافر‬
‫الرومي بالد المسلمين واتف على أنه احتالل يجب القياام علياه‪َّ ،‬‬
‫فاإن حكام الكاافر‬
‫العربي مثله سوا نء‪ ،‬وليس حكم األجنبي احتالالن لادى المسالمين َّ‬
‫ألن معقاد الماواالة‬
‫والمعاااداة والتفاضاال لاايس األجناااس واألعااراق‪ ،‬باال المعقااد هااو الاادين واإلسااالم‪،‬‬
‫فاألجنبي أروماةن إذا كاان مسال نما كالمسالم غيار األجنبايع‪ ،‬والعرباي أروماةن إذا كاان‬
‫كافرا كالكافر األجنبيع‪.‬‬
‫ن‬
‫وإذا علم هذا َّ‬
‫فإن قتال الكافر الحاكم لبلد المسلمين من جهاد الدفع في حاال الكاافر‬
‫المحلي‪ ،‬كما هو في حال الكافر األجنبيع‪.‬‬
‫ع‬
‫المناط الرابع‪ :‬عمالتهم للصليبيين واليهود والكفار األصليين‪ ،‬فلو قُطع النظر عان‬
‫المتسلطين على بالد المسلمين اليوم‪ ،‬فإنَّهم عمالء للصاليبيين واليهاود‬ ‫ع‬ ‫كفر الحكام‬
‫ونحوهم مان الكفاار األصاليين‪ ،‬وهام يحكماون الابالد لهام بالوكالاة‪ ،‬وحكام الوكيال‬
‫حكم األصيل‪ ،‬كما أنَّه ال يُختل في قتال جنود الجايو الصاليبي إذا غازا بلادنا مان‬
‫بالد المسلمين ولو كان من المنتسبين إلى اإلسالم في األصل‪ ،‬وال يُختل في قتال‬
‫قادة الجيو الصليبي الَّذين يِعهم الصليبيون المحتلاون مان أبنااء المسالمين‪ ،‬وال‬
‫يُختل ا فااي قتااال ع َّمااال الصااليبيين الَّااذين يِااعونهم علااى الاابالد التااي يحتلونهااا‬
‫أن الخالأ ال يقع في جميع هذه الصور فإنَّه ال ينبغي أن يُختل في‬ ‫لحفظها‪ ،‬كما َّ‬
‫العمالء الكبار الَّذين يستخلفهم الصاليبيون ليحكماوا باالد المسالمين‪ ،‬فاالفرق بيانهم‬
‫وبين من سب ذكره إنَّما هو حجم الوالية المسندة إلي عهم‪ ،‬ومقادار العمالاة المتح عققاة‬
‫فيهم‪.‬‬

‫وعمالااة الح َّكااام الموجااودين اليااوم متفرقااة‪ ،‬وأكثاارهم عمااالء ألمريكااا‪ :‬كحك اام مااا‬
‫يسمى بدول الخليج ومنهم حكام بالد الحرمين‪ ،‬وكحكام اليمن ومصر وأفغانساتان‬
‫ومجلس الحكم االنتقالي في العراق وغيرهم‪.‬‬

‫وإذا خفاي كاونهم حااكمين للابالد نياباةن عان أمريكاا‪ ،‬فلايس يخفاى أنَّهام تاابعون فاي‬
‫كلها للشرعية الدولية التاي هاي ديانُ األمام المتحادة الَّاذي تجتماع‬‫حكمهم وأحوالهم ع‬
‫أحكام يستحلون قتال من خرج عنها‪ ،‬ويحرمون ماا‬ ‫ٍ‬ ‫عليه وتلتزم به‪ ،‬وما يتبعه من‬
‫‪35‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ال تاانذن بااه ولااو كااان أوجااب الواجبااات‪ ،‬وال يحرمااون حرا نمااا بعااد أن تاانذن األماام‬
‫الملحدة فيه‪.‬‬

‫وال يخفى حالهم مع األمام الملحادة إال علاى مان ماس هللا بصايرته وأعماى قلباه‪،‬‬
‫فهم يعلنون بنلسنتهم وأفعالهم تبعيتهم والتزامهم الكامل بها وبما توجبه أو تحرمه‪،‬‬
‫قاارارا وال رأينااا وال اجتهااادنا‪ ،‬باال حااالهم معهااا حااال الماا من‬
‫ن‬ ‫وال يقاادمون عليهااا‬
‫الصال مع كتاب هللا جل هللا وعال‪.‬‬

‫وال يخفااى حااال األماام الملحاادة وقوانينهااا وحكمهااا النافااذ فااي عبادهااا إالَّ علااى ماان‬
‫أغمف عينيه وسد بالكرس سمعيه ث َّم وثب على األحكام يُفتي ويجادل فيما ليس‬
‫له به عل سم‪ ،‬ومن شبَّهها بالمعاهدات المشروعة فقد ضا َّل ضاالالن بعيادنا‪ ،‬وهال يظان‬
‫وأن الحكام بغيار ماا‬ ‫أن المعاهدات تحل الحرام وتحارم الحاالل فيكاون ذلاك دينناا؟ َّ‬ ‫َّ‬
‫كفر مخارج مان الملَّاة يُبااح فاي العهاود‬ ‫أنزل هللا والتحاكم إلى الطاغوت الَّذي هو س‬
‫والعقود التي ينمر هللا َّ‬
‫عز وج َّل بالوفاء بها؟‬

‫غاية ما في العهود الشرعية‪ ،‬أن يلتزم المسلمون ترد بعف ما أُذن لهام فاي فعلاه‬
‫وتركااه‪ ،‬ويتركاااوا قتاااال المشاااركين مااادة محااادَّدة يكاااون تااارد القتاااال فيهاااا أصااال‬
‫جائز بمعاهدةٍ وبغير معاهدةٍ‪.‬‬ ‫س‬ ‫للمسلمين شر نعا بنظر ولي أمرهم المسلم وهذا‬

‫وهااذه المنا ااات األربعااة هااي منا ااات قتااال الحكااام المرتاادين المباادعلين للاادين‪،‬‬
‫والمنا ات الثالثة‪ :‬الردة عن الدين ولو لم يكوناوا حكا نماا‪ ،‬والتسالط –ماع كفارهم‪-‬‬
‫على بالد المسلمين ولو لم يكونوا مرتدين‪ ،‬والعمالة للكفرة والصاليبيين ولاو قطاع‬
‫النظر عن كفرهم في أنفسهم‪ ،‬كلها منا اتس موجبةس للجها عد جهاادَ ٍ‬
‫دفاع‪ ،‬ومان تاو َّهم‬
‫أن قتال الحكام المرتدعين من جهاد الطلب فقد أبعد فاي الخطان‪ ،‬ولام أجاد لمان ذكار‬ ‫َّ‬
‫هذا القول من االستدالل‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسلم على عبده ورساوله محماد بان عباد هللا وعلاى آلاه‬
‫وصحابته أجمعين‪.‬‬

‫ناصر الرشيد صبيحة األربعاء ثالث أيام التشري عام أربع ٍة‬
‫ٍ‬ ‫وكتبه عبد هللا بن‬
‫وعشرينَ وأربعمائ ٍة وأل ٍ ‪.‬‬
‫‪36‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المقصد الثاني من مقاصد الجهاد‪:‬‬


‫الدعوة إلى هللا (‪)3/1‬‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإن من مقاصد الجهااد فاي سابيل هللا الادعوة ُ إلاى هللا‪ ،‬وإدخاال النااس فاي ديان هللا‬
‫َّ‬
‫سبحانه‪ ،‬وبذل الم منين نفوسهم في سبيل أن يدخل الناس اإلسالم‪.‬‬
‫وهذا الحكم المحكم الواض ‪ ،‬من وجاوب ابتاداء المشاركين بالقتاال ودعاوتهم إلاى‬
‫اإلسااالم‪ ،‬ممااا أجمع ا عليااه األمااة دون مخااال ٍ يُعاارأ فااي القااديم‪ ،‬وص ا َّح بااه‬
‫النصوص العامة كالنصاوص التاي قادمناها‪ ،‬أماا النصاوص الخاصاة فاي القِاايا‬
‫الجزئية من غزوات النبي صلى هللا عليه وسلم وسراياه وبعوثه إلاى الابالد فانكثر‬
‫من أن تحصر‪ ،‬وكذا ما بعده من جهااد الصاحابة والتاابعين وأماراء المسالمين فاي‬
‫القرون المفِلة ثم من بعدهم في األعصار المختلفاة‪ ،‬دون أن يختلا فياه اثناان‪،‬‬
‫ومااا فتح ا المشااارق والمغااارب‪ ،‬وال دخل ا العااراق ومصاار والشااام والمغاارب‬
‫وأكثر ما يسامى الياوم بقاارة أفريقياا واألنادلس وتركياا وباالد المشارق األدناى فاي‬
‫اإلسالم إال بالقتال والجهاد في سبيل هللا‪.‬‬

‫ولما انتشارت الهزيماة العقدياة فاي األعصاار المتانخرة‪ ،‬نبتا نوابا أحادث فاي‬
‫الدين أقواالن كثيرة‪ ،‬وأدخل فيه ما استطاع من دين النصارى وعقائادهم‪ ،‬ومان‬
‫نظريات الغربيين الكفارة وأفكاارهم‪ ،‬وكاان مماا أنكاروه مان الادين وتنصالوا مناه‪:‬‬
‫جهاد الطلب الذي يتِمن ابتداء الكفَّاار بالقتاال‪ ،‬وأن تُشاهر سايوأ التوحياد علاى‬
‫أهاال التنديااد تاادعوهم إلااى الاادخول فااي دياان هللا عااز وجاال‪ ،‬وتقااودهم إلااى الجنَّ اة‬
‫بالسالسل‪.‬‬

‫واألدلَّة من الكتاب والسنة على نقف ما زعموه أكثر من أن تحصر‪ ،‬فقد قال عز‬
‫ل فَاإع عن انتَ َهاوا فَاإع َّن َّ َ‬
‫ه عب َماا‬ ‫وجل‪َ ( :‬وقَاتعلُوهُم َحتَّاى ال تَ ُكاونَ فعتنَاةس َويَ ُكاونَ ع‬
‫الادينُ ُكلاهُ ع َّ ع‬
‫ل فَاإع عن انتَ َهاوا‬ ‫ير)‪ ،‬وقال‪َ ( :‬وقَاتعلُوهُم َحتَّى ال تَ ُكاونَ فعتنَاةس َويَ ُكاونَ ع‬
‫الادينُ ع َّ ع‬ ‫ص س‬ ‫يَع َملُونَ بَ ع‬
‫الظالعمعينَ ) والفتنة الشرد‪ ،‬فنمر هللا عز وجل بقتال المشاركين‬ ‫عد َوانَ عإ َّال َعلَى َّ‬‫فَال ُ‬
‫حتى يزول الشردُ وقوله " فتنة " نكرة في سياق نفاي فهاي عا َّماة‪ ،‬وقولاه ويكاون‬
‫الدين هلل عا ام في الدين كله في التعبد والحكم‪ ،‬وقد أكده في قوله‪ :‬ويكون الدين كلاه‬
‫هلل‪ ،‬قال شي اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬فإذا كاان بعاف الادين هلل وبعِاه لغيار‬
‫هللا وجب القتال حتى يكون الدين كله هلل‪ ،‬وقوله فإن انتهوا‪ ،‬بين الغاية التي يستمر‬
‫القتال إليها‪ ،‬وقوله‪ :‬فال عدوان إال على الظالمين‪ ،‬دال بمنطوق الحصر على قتال‬
‫أن رفاع القتاال ال يكاون إالَّ بارتفااع الظلام‪،‬‬ ‫الكفار ألنهم مالمون‪ ،‬وبمفهومه علاى َّ‬
‫ق ال المفهوم علاى الصاحي ‪ ،‬وإنَّماا يسامى‬ ‫وداللة مفهوم الحصر من داللة المنطو ع‬
‫‪37‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫مفهو نما ألنَّه مفهوم اإلثبات في جملة الحصر‪ ،‬وإن كان منطوقنا للنفي في الجملاة‬
‫المجرد الجتماع الداللتين فيه ومن هذا الوجه كان‬
‫َّ‬ ‫ق‬
‫نفسعها‪ ،‬فهو أقوى من المنطو ع‬
‫الحصر من أساليب التوكيد‪.‬‬
‫سالَ َ األَشا ُه ُر ال ُح ُار ُم فَااقتُلُوا ال ُمش عاركعينَ َحي ُ‬
‫اث َو َجاادت ُ ُموهُم‬ ‫وقاال عاز وجال‪( :‬فَاإعذَا ان َ‬
‫صا ٍد فَاإعن تَاابُوا َوأَقَااا ُموا ال َّ‬
‫صاالةَ َوآتَا ُاوا‬ ‫ص ُاروهُم َواقعُادُوا لَ ُهام ُكا َّل َمر َ‬ ‫َو ُخاذُوهُم َواح ُ‬
‫اور َر عحااي سم) فاانمر بقتااال المشااركين حيااث وجاادوا‪،‬‬ ‫ه َغفُا س‬ ‫س ابعيلَ ُهم إع َّن َّ َ‬ ‫َّ‬
‫الز َكاااةَ فَخَلااوا َ‬
‫وأخاااذهم وحصااارهم والقعاااود لهااام بكااال مرصاااد‪ ،‬فهاااو عاااام فاااي جمياااع األحاااوال‬
‫واألوقات واألماكن‪ ،‬ثم قال‪ :‬فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سابيلهم‪،‬‬
‫فنمر بترد القتال عندئ ٍذ‪.‬‬

‫ال َوال بعاليَو عم ا عخ عار َوال يُ َح عر ُماونَ‬‫وقال سبحانه وتعالى‪( :‬قَاتعلُوا الَّذعينَ ال يُ عمنُونَ بع َّ ع‬
‫طاوا‬ ‫ااب َحتَّاى يُع ُ‬‫ساولُهُ َوال َيادعينُونَ دعيانَ ال َحا ع معانَ الَّاذعينَ أُوتُاوا ال عكتَ َ‬ ‫َما َح َّر َم َّ‬
‫هُ َو َر ُ‬
‫صا عغ ُرونَ ) واالسم الموصول في قولاه‪ :‬الاذين ال ي مناون مان‬ ‫ال عجزيَةَ َعن يَ ٍد َوهُم َ‬
‫صيغ العموم‪ ،‬وذكره ألهال الكتااب يادخل فياه مان بااب األولاى كال كاافر‪ ،‬وجعال‬
‫الغاية في هذه ا ية إعطاء الجزي عة وفي السابقة االنتهااء‪ ،‬فصا َّ رفاع القتاال عانهم‬
‫باني ٍ ماان الغااايتين ألن الغايااة مطلقااة ال تعاام‪ ،‬وهااذا هااو الحكاام فااي كاال حكا ٍم يُغيَّ اى‬
‫أن الغاياة فاي ا يتاين الساابقتين لهاذه ا ياة‬ ‫بغايتين كعدة الحامل ونحاو ذلاك‪ ،‬علاى َّ‬
‫ألن انتهاااءهم عاان كفاارهم يُوجااب رفااع حكاام القتااال بارتفاااع‬ ‫داخلاةس فااي هااذه ا يااة َّ‬
‫غيَّي الحكم بذلك‪.‬‬ ‫عل به القتال هنا فهو كما لو ُ‬ ‫الوص الذي ع‬
‫ار َوال ُم َنافعقعينَ )‪ ،‬وقال‪( :‬يَا أَي َها الَّذعينَ آ َمنُاوا‬‫وقال عز وجل‪( :‬يَا أَي َها النَّبعي َجا عه عد ال ُكفَّ َ‬
‫ظةن َواعلَ ُموا أَ َّن َّ َ‬
‫ه َم َع ال ُمتَّقعينَ ) فعا َّم‬ ‫قَاتعلُوا الَّذعينَ َيلُونَ ُكم عمنَ ال ُكفَّ ع‬
‫ار َول َي عجدُوا فعي ُكم عغل َ‬
‫باااألمر كاال ماان يلينااا ماان الكفَّااار‪ ،‬وعلا الحكاام بكفاارهم فيُقاااتَلون مااا دام الوصا‬
‫قوم يلونهم من الكفَّار إالَّ كان يليهم قو سم آخرون من‬ ‫قائ نما‪ ،‬وال يفرغ المسلمون من ٍ‬
‫الكفَّار فيُقاتَلون‪.‬‬

‫ستُد َعونَ عإلَى قَو ٍم أُو علاي بَان ٍس شَادعي ٍد تُقَااتعلُونَ ُهم أَو‬ ‫وقال‪( :‬قُل علل ُمخَلَّفعينَ عمنَ األَع َرا ع‬
‫ب َ‬
‫يُسا عل ُمونَ ) فلاام يجعاال باادالن لقتااال ها الء القااوم أولااي الباانس الشااديد إالَّ أن يُس الموا‪،‬‬
‫شره‪.‬‬‫بخالأ المعتدي فبد ُل قتاله أن يك َّ هللا بنسه وينمن المسلمون َّ‬

‫وأ َوتَن َهاونَ َع ع‬


‫ان‬ ‫وقال عز وجل‪ُ ( :‬كنتُم خَي َر أ ُ َّما ٍة أُخ عر َجا علل َّن ع‬
‫ااس تَان ُم ُرونَ عباال َمع ُر ع‬
‫ال ُمن َك عر) قال أبو هريرة في هذه ا ية‪ :‬خيار النااس للنااس تانتون بهام فاي السالسال‬
‫في أعناقهم حتى يدخلوا في اإلسالم‪ ،‬أخرجه البخاري‪.‬‬

‫ومن السنة قول النباي صالى هللا علياه وسالم فيماا أخارج الشايخان مان حاديث ابان‬
‫عمر وغيره من الصحابة‪” :‬أُمرتُ أن أُقاتال النااس حتاى يشاهدوا أن ال إلاه إال هللا‬
‫فاإذا قاالوا ذلاك فقاد عصاموا مناي دمااءهم وأماوالهم“ الحاديث وفياه األمار بمقاتلاة‬
‫الناس عامة دون تخصيص وجعل غاية ذلك أن يدخلوا اإلساالم‪ ،‬ومفهاوم الشار‬
‫‪38‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫في قوله‪ :‬فاإذا قاالوا ذلاك فقاد عصاموا مناي دمااءهم وأماوالهم‪َّ ،‬‬
‫أن مان لام يقلهاا لام‬
‫يُعصم دَ ُمه ومالُه‪ ،‬وقوله كما في حاديث بريادة عناد مسالم‪” :‬امِاوا فاي سابيل هللا‬
‫عدود من المشاركين فاادعهم‬ ‫َّ‬ ‫قاتلوا من كفر باهلل“ الحديث وفيه قوله‪” :‬وإذا لقي‬
‫إلى ثال خصا ٍل فنيتهن ما أجابود فاقبل مانهم وكا عانهم‪ ،‬ادعهام إلاى اإلساالم‬
‫فإن أجابود فاقبل منهم وك عنهم“‪ ،‬وقوله كماا فاي المساند وسانن أباي داود مان‬
‫حديث ابن عمر بسن ٍد جيدٍ‪” :‬بُعث بالسي بين يدي الساعة حتى يُعبد هللا وحده ال‬
‫شريك له“‪ ،‬وفي صحي البخاري من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪” :‬عجب‬
‫قوم يدخلون الجنَّة في السالسل“‪ ،‬وغير ذلك من األحاديث‪.‬‬ ‫هللا من ٍ‬
‫وهذه المسنلة محل إجماعٍ متيق ٍن من أهل العلم‪ ،‬حكاه بعِهم صري نحا‪ ،‬ود َّل علياه‬
‫التااواتر العملااي الااذي ثبت ا بمثلااه شااعائر الاادين المعلومااة منااه بالِاارورة‪ ،‬ماان‬
‫غزوات النباي صالى هللا علياه وسالم وبعوثاه وساراياه‪ ،‬وجهااد أصاحابه مان بعاده‬
‫نكير بل ودون س ا ٍل أو وجو عد مخال ٍ في ذلك‪.‬‬ ‫فمن بعدهم من أهل اإلسالم دون ٍ‬
‫وقااد كتااب فااي هااذه المساانلة بعااف أهاال العلاام بعااد أن حااد هااذا القااول البدع اةُ‪،‬‬
‫ومهرت رسالةس منحولةس لشي اإلسالم ابن تيمية مكذوبة عليه‪ ،‬فانتدب جماعةس مان‬
‫أهل للعلم للرد عليها‪ ،‬منهم سليمان بن سحمان في رسالة‪ ،‬وسليمان بن حمدان في‬
‫رسالة سماها ”داللة النصوص واإلجماع على فرض الجهاد للكفر والدفاع“ وقد‬
‫ُبع قادي نما بمكاة‪ ،‬ورساالةس لصاال بان أحماد المصاوعي‪ ،‬ورساالة ألباي األعلاى‬
‫المودودي‪ ،‬ورد على هذا القول غيرهم من أهل العلم ردودنا متفرقة‪.‬‬

‫وسنُجمل في المقال القادم بإذن هللا الجواب عن أصول الشبهات التي أُوردت على‬
‫جهاد الطلب وخاصة ما استند إلى فهم غلطٍ لادلَّ عة الشرعية‪ ،‬وهللا أعلم‪ ،‬وصلى‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫هللا على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫‪39‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المقصد الثاني من مقاصد الجهاد‪:‬‬


‫الدعوة إلى هللا (‪)3/2‬‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فقد اتفق األ َّمة كما تقدَّم على جهاد الطلب لدعوة الكفَّاار إلاى ديان اإلساالم‪ ،‬وفهام‬
‫بعِهم من اختالأ الفقهاء في علة الجهاد هل هو الكفار أم المحارباة َّ‬
‫أن المسانلة‬
‫ط شني سع‪.‬‬‫خالفية‪ ،‬وهذا غل س‬

‫والكفار باالتفاق إما محاربون يجوز قتالهم‪ ،‬وإما معاهادون ال يجاوز قتاالهم‪ ،‬فمان‬
‫إن علة القتال الكفر احترز من أن يشمل القتال المعاهدَ بنن جعل العهد مان نعا‪،‬‬ ‫قال َّ‬
‫ي عان‬ ‫ومن قال َّ‬
‫إن علاة القتاال المحارباة قصاد الوصا الاذي يمياز الكاافر الحربا َّ‬
‫الكافر المعاهد‪ ،‬ال نفس فعل المحاربة‪.‬‬

‫منمور بقتاله‪ ،‬إالَّ من كان لاه عهادس‬‫س‬ ‫ومعلو سم َّ‬


‫أن ك َّل ٍ‬
‫كافر يستطيع القتال مهدور الدم‬
‫جريار فاي تفساير قولاه تعاالى‪َ ( :‬وال عآماينَ البَيا َ‬
‫ٍ‬ ‫س‬
‫أمان‪ ،‬وهاذا إجمااعس حكااه ابان‬ ‫أو‬
‫ام) وغيره‪.‬‬ ‫ال َح َر َ‬
‫والجواب عن جميع الشبهات التي أُوردت مما يستندون فيه إلاى القارآن ال يخارج‬
‫عن هذه األصول‪:‬‬

‫أخص مان قتاال الطلاب‪ ،‬ال ينفاي‬


‫َّ‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫أن مفهوم ا يات التي تنمر بقتا ٍل‬ ‫األصل َّ‬
‫قتال الطلب لوروده بمنطوق نصوص أخرى‪.‬‬

‫ه َوال ُمستَِ ا َعفعينَ عماانَ‬


‫سا عبي عل َّ ع‬ ‫فماان يسااتدل بقولااه تعااالى‪َ ( :‬و َمااا َل ُكاام ال ت ُ َقاااتعلُونَ فعااي َ‬
‫ه الَّاذعينَ يُقَااتعلُونَ ُكم)‪ ،‬وقولاه‪:‬‬ ‫ان) وقوله‪َ ( :‬وقَاتعلُوا فعي َ‬
‫سابعي عل َّ ع‬ ‫اء َوال عولدَ ع‬ ‫س ع‬ ‫الر َجا عل َوالنع َ‬ ‫ع‬
‫م عل ُموا)‪ ،‬يص له االساتدالل بهاا علاى القتاال لادفع العادو‬ ‫(أُذعنَ عللَّذعينَ يُقَاتَلُونَ عبنَنَّ ُهم ُ‬
‫الصائل‪ ،‬والدفاع عن الم منين المستِعفين‪ ،‬ولكن ليس له االساتدالل باذلك علاى‬
‫نفي ماا عادا قتاال الادفع بداللاة مفهاوم المخالفاة‪ ،‬للمنطاوق الصاري فاي نصاوص‬
‫أخرى ‪ -‬كالتي تقدم في المقال الساب ‪ -‬والمفهوم مطلا س ال يعام‪ ،‬العتمااد داللتاه‬
‫ب‪،‬‬‫على االفتقار إلى سبب تخصايص المنطاوق باالحكم‪ ،‬واالفتقاار يازول باني ساب ٍ‬
‫المنطاوق الخااص كاان قا نعاا مبينناا لاه‪ ،‬والخااص‬ ‫ُ‬ ‫وإذا كان مطلقنا فمتاى عارضاه‬
‫يقِي عليه ولو كان عا ًّما فكي وهو مطل س ؟‬
‫فكل ما كان من هذا الجنس مان النصاوص‪ ،‬فاال فارق فياه باين أن يتقادَّم أو يتان َّخر‬
‫عن فر جهاد الطلب‪ ،‬من جهة أنَّه ال تنافي بينهما‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أن نصوص القتال على مراحل ثال ٍ‪ :‬مرحل ٍة أُمر فيها بالك ع عن‬ ‫األصل الثاني‪َّ :‬‬
‫قتال الكفَّار مطلقنا‪ ،‬ومرحل ٍة أُمر فيها بقتال من قاتلنا مان الكفَّاار‪ ،‬والمرحلاة الثالثاة‬
‫أُمر فيها بقتال الكفَّار كافَّة حتى يُسلموا‪ ،‬ونساخ آياة الساي وماا فاي معناهاا مان‬
‫جرير رحماه‬ ‫ٍ‬ ‫النصوص كل آي ٍة تنمر بالك ع قبلها‪ ،‬وهذا مجم سع عليه كما حكى ابن‬
‫هللا تعالى في تفسيره عند قوله تعالى‪( :‬قُل عللَّذعينَ آ َمنُوا يَغ عف ُروا عللَّذعينَ ال يَر ُجونَ أَي َ‬
‫َّام‬
‫ه) والمرحليَّة في نصوص الجهاد ثابتةس بقوله تعالى‪( :‬أَلَم تَ َار عإلَاى الَّاذعينَ قعيا َل لَ ُهام‬ ‫َّ ع‬
‫ب َعلَاي عه ُم ال عقتَاا ُل إعذَا فَ عريا س عمان ُهم‬
‫الز َكااةَ فَلَ َّماا ُكتعا َ‬
‫صاالةَ َوآتُاوا َّ‬ ‫ُكفوا أَيا عديَ ُكم َوأَقعي ُماوا ال َّ‬
‫شدَّ خَش َيةن َوقَالُوا َربَّنَا عل َم َكتَب َ َعلَينَا ال عقتَا َل) فكال آيا ٍة‬ ‫ه أَو أَ َ‬ ‫اس َكخَش َي عة َّ ع‬ ‫َيخشَونَ النَّ َ‬
‫نص فيه أمر صري بالك ع عن الكفَّار كقولاه تعاالى‪( :‬قُال عللَّا عذينَ آ َمنُاوا يَغ عف ُاروا‬ ‫أو ٍ‬
‫س الَ َ‬
‫ه) منسااو س بآيااة السااي وهااي قول اه تعااالى‪( :‬فَ اإعذَا ان َ‬ ‫عللَّ اذعينَ ال يَر ُجااونَ أَيَّا َ‬
‫اام َّ ع‬
‫ص ُاروهُم َواقعُادُوا‬ ‫ث َو َجادت ُ ُموهُم َو ُخاذُوهُم َواح ُ‬ ‫األَش ُه ُر ال ُح ُر ُم فَاقتُلُوا ال ُمش عركعينَ َحي ُ‬
‫اور‬ ‫ه َغفُ س‬ ‫سابعيلَ ُهم إع َّن َّ َ‬ ‫صالةَ َوآتَ ُوا َّ‬
‫الز َكااةَ فَخَلاوا َ‬ ‫ص ٍد فَإعن تَابُوا َوأَقَا ُموا ال َّ‬ ‫لَ ُهم ُك َّل َمر َ‬
‫َر عحي سم)‪ ،‬وما في معناها من النصوص ا مرة بقتال الكفَّار حتَّى يُسلموا‪.‬‬

‫جريار رحماه هللا تعاالى‪ ،‬وباإلجمااع العملاي‬


‫ٍ‬ ‫والنس ثاب س باإلجماع كما حكاه ابان‬
‫المتواتر المعلوم من حال النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه رضوان هللا علايهم‬
‫بالِاارورة لماان ا َّ لااع علااى الساانة وسايَ عرهم‪ ،‬وهااو داللااة النصااوص متااى ُجمعا‬
‫ونظر في جملتها ال يشك في ذلك النَّامر‪ ،‬وال تجتمع النصوص إال عليه‪.‬‬

‫أن مشاارع الشااريعة هااو مقا عادر القَادَر ساابحانه وتعااالى‪ ،‬فاال يُحااتج‬
‫األصاال الثالااث‪َّ :‬‬
‫بالقدر على الشرعع‪ ،‬والرحمةُ التي بعث هللا بهاا نبيَّاه محمادنا صالى هللا علياه وسالم‬
‫تشمل القتال وقتل الكافرين‪ ،‬كما تشمل الدعوة إلاى اإلساالم والتلطا فياه‪ ،‬ولايس‬
‫عز وج َّل قال لنبيه صلى هللا علياه وسالم‪َ ( :‬و َماا أَر َ‬
‫سالنَادَ‬ ‫هذا بمعار ٍ لهذا‪ ،‬وهللا َّ‬
‫إع َّال َرح َمةن عللعَالَمعينَ )‪ ،‬ونبياه صالى هللا علياه وسالم قاال أل َّمتاه‪” :‬بُعثا بالساي باين‬
‫يدي الساعة حتَّى يُعبد هللا وحده ال شريك لاه“‪ ،‬والرحماةُ حا ا والساي حا ا ‪ ،‬فاال‬
‫يص االعتارا علاى هاذا الحكام الشارعي ع بماا يعتار باه بعاف مان يتسامون‬
‫أن مان المشاركين مان‬ ‫بالدعاة اليوم على القتال إلدخال الناس في اإلساالم‪ ،‬بحجاة َّ‬
‫يُقتل على الكفر فيكون القتل تعجيالن به إلى نار جهنَّم‪.‬‬

‫إن الذي أمر بقاتلهم هاو الاذي خلقهام وعلام ماآلهم وحاالهم‪ ،‬وهاو الَّاذي‬ ‫فيُقال أوالن‪َّ :‬‬
‫شرع الدين وأمر بالدعوة إلياه‪ ،‬وماا يُقتال مان يُقتال مانهم إالَّ بعلماه وإذناه‪ ،‬فيتعاين‬
‫التسليم له سبحانه‪ ،‬وقد خل النار وخل لها أهالن‪ ،‬وخل الجنَّة وخل لها أهالن‪.‬‬

‫فاوس‬
‫إن قتل ه الء من أعظم رحمة هللا بخلقه‪ ،‬فقتلهم يعجال بإساالم ن ٍ‬ ‫ويُقال ثانينا‪َّ :‬‬
‫أن قاتلهم رحماةس‬ ‫الناار‪ ،‬كماا َّ‬
‫ع‬ ‫كثيرةٍ إذا فُتح البالد‪ ،‬ويعجل بإنقاذ تلك النفاوس مان‬
‫عز وج َّل الذي خلقهم وهاو أعلام بهام‪،‬‬ ‫لهم لئالَّ يزدادوا إث نما فهو رحمةس لهم من هللا َّ‬
‫عز وج َّل فيماا شارعه مان قتال الكفَّاار ماا علمناا‬
‫بله الحكم العظيمة التي قدَّرها هللا َّ‬
‫منها وما لم نعلم‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫عز وج َّل والقت ُل بغير إذناه‪،‬‬ ‫أن العدوان هو الخروج عن شرع هللا َّ‬ ‫األصل الرابع‪َّ :‬‬
‫فعاد موساى علياه الساالم قتلااه الانفس القبطياة إث نماا حا ا ألنَّااه لام يكان منذونناا لاه أن‬
‫يقتلها‪ ،‬وكذا الحكم في صدر اإلسالم حين نهى هللا عز وجال عبااده الما منين عان‬
‫س‬
‫عدوان‪.‬‬ ‫خروج عن أمر هللا وحكمه‬ ‫ٍ‬ ‫قتال الكفَّار‪ ،‬فكل‬

‫اجهم بقول هللا عز وجال‪َ ( :‬ودَخَا َل ال َم عدينَاةَ َعلَاى عح ع‬


‫اين‬ ‫وبهذا يُعلم الجواب عن احتج ع‬
‫الن َهذَا عمن عشايعَتع عه َوهَاذَا عمان َعاد عُو عه فَاساتَغَاثَهُ‬‫غَفلَ ٍة عمن أَه عل َها فَ َو َجدَ فعي َها َر ُجلَي عن يَقتَتع ع‬
‫ِى َعلَي عه قَا َل َهذَا عمان َع َما عل‬ ‫سى فَقَ َ‬ ‫الَّذعي عمن عشي َعتع عه َعلَى الَّذعي عمن َعد عُو عه فَ َوكَزَ هُ ُمو َ‬
‫ملَم ُ نَفسعي فَاغ عفر علي فَغَفَ َار لَاهُ عإنَّاهُ‬ ‫ب عإنعي َ‬ ‫ين * قَا َل َر ع‬ ‫ِ ال ُمبع س‬‫ان عإنَّهُ َعد اُو ُم ع‬
‫ط ع‬ ‫شي َ‬‫ال َّ‬
‫الر عحي ُم) وقول موسى ل َّما أورد عليه فرعون قتله للقبطي‪( :‬قَاا َل فَ َعلت ُ َهاا‬ ‫ور َّ‬ ‫ه َُو الغَفُ ُ‬
‫عإذان َوأَنَا عمنَ الَِّالعينَ )‪.‬‬

‫ه الَّذعينَ يُقَاتعلُونَ ُكم َوال تَعتَدُوا)‪ ،‬فهو أمر‬ ‫ويُفهم بهذا قوله تعالى‪َ ( :‬و َقاتعلُوا فعي َ‬
‫س عبي عل َّ ع‬
‫من هللا عز وجل بقتال من أذن بقتالهم وهم المعتدون‪ ،‬ونهي عن العادوان بعموماه‬
‫وهو قتل من حرم هللا قتله‪ ،‬وقتال غيار المعتادين مان العادوان حاين نهاى هللا عناه‪،‬‬
‫ومن إقامة شرع هللا حين أمر هللا به‪ ،‬وفي ا ية قول آخر رجحه ابان جريار وهاو‬
‫قول ابن عباس وعمر بان عباد العزياز‪ ،‬أن الماراد بقتاال الاذين يُقاتلونناا مان شاننه‬
‫القتال ال من يُقاتل بالفعل‪ ،‬فالفعل المِارع فاي ا ياة الماراد باه الوصا ال نفاس‬
‫الفعل‪ ،‬كما تقول عن المسالمين‪ :‬هام الاذين يصالون الصالوات الخماس‪ ،‬وال تقصاد‬
‫أنَّهم يصلون وق الكالم وإنَّما تقصد وصفهم بذلك‪ ،‬فيكون المراد على هذا القول‪:‬‬
‫المقاتلة وهم الرجال البالغون القادرون على القتال‪ ،‬والنهي عن العدوان نهي عان‬
‫قتل غير المقاتلة من النساء واأل فال ونحوهم‪.‬‬

‫ه ذا وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسالم علاى عباده ورساوله محماد وعلاى آلاه وصاحابته‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫وكتبه عبد هللا بن ناصر الرشيد يوم السادس والعشرين من شهر هللا المحرم عام‬
‫خمسة وعشرين وأربعمائة وأل ‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المقصد الثاني من مقاصد الجهاد‪:‬‬


‫الدعوة إلى هللا (‪)3/3‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرأ المرسلين نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فااإن أحكاااام الكاااافر تنقسااام قسااامين باعتباااار قياااام حجاااة هللا علياااه وبلاااوغ الرساااالة‬
‫المحمدية إليه‪:‬‬

‫القسثثم األول‪ :‬مااا يثباا للكااافر بمجاارد كفااره كتحااريم نكاحااه المساالمة‪ ،‬وتحااريم‬
‫الصالة والترحم عليه ودفنه في مقابر المسلمين‪.‬‬

‫دمااه ومالااه‬
‫القسثثم الثثثاني‪ :‬مااا يتوقا ثبوتااه علااى بلااوغ الاادعوة إليااه‪ ،‬وهااو إباحااة ع‬
‫وابتدائه بالقتال وغيرها من أحكام الدنيا‪ ،‬والشهادة عليه بالخلود في النار وتعذيباه‬
‫من أحكام ا خرة على أحد القولين في المسنلة‪.‬‬

‫ومن أحكام القسم الثاني جهاد الطلب الذي يُبتدأ فيه الكافر بالقتال سواء لدعوته أو‬
‫لغيره من المقاصد التي سيُذكر بعِها في المقال القادم بإذن هللا‪.‬‬

‫والكفَّاااار فاااي الشاااريعة معاهااادون أو حربياااون؛ فالمعاهاااد معصاااوم الااادم والماااال‪،‬‬


‫والحربااي ‪ -‬وهااو ماان لاام يسااب لااه ماان المساالمين أمااان وال عهادس وال ذ َّمااة‪ -‬يشاامل‬
‫الرجال والذرية‪ ،‬ومن بلغتهم الدعوة ومن لام تابلغهم‪ ،‬إالَّ أنَّهام علاى مراتاب ثاال ٍ‬
‫في األحكام‪:‬‬

‫أوالها‪ :‬من لم تبلغه الدعوة من الرجال والنسااء والذرياة‪ ،‬فها الء يحارم ابتاداؤهم‬
‫بالعدوان على دمائهم وأموالهم وأنفُسعهم‪ ،‬وال يجوز شيء من ذلك إالَّ بعد الدعوة‪،‬‬
‫قال ابن رشدٍ‪” :‬وذلك شيء مجمع عليه بين المسلمين“‪.‬‬

‫وإذا دُعوا فلم يستجيبوا كانوا من القسمين التاليين‪ ،‬إالَّ أ َّنه ال يجوز التعر إليهم‬
‫إالَّ بنن يكونوا في منمنهم كنهال الحصاون والقاالع‪ ،‬أو ياردوا إلاى مانمنهم‪ ،‬كشانن‬
‫المستنمن ليسمع كالم هللا‪ ،‬ألنَّاه كاان محر نماا دماه آمنناا بالشارع قبال أن يُادعى فاإذا‬
‫دُعي ولم يستجب لم يزل عنه األمان والتحريم الشرعي إالَّ بنن يصل إلى منمنه‪.‬‬

‫وثانيتها‪ :‬من بلغته الدعوة من ال ُمقاتلة ‪ -‬وهم ُكل من يُقاتعل مثلُه ‪ -‬فه الء يُقاتلون‪،‬‬
‫ويجوز فيهم القتل واالسترقاق‪ ،‬وأموالهم غنيمة للمسلمين‪.‬‬

‫وثالثتُها‪ :‬من بلغته الدعوة من الذرية‪ ،‬فه الء يحرم إفرادهم بالقت عل‪ ،‬ويجاوز فايهم‬
‫االسترقاق‪ ،‬وأموالهم غنيمةس للمسلمين‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫والكاافر الاذي لام يُحكام َّ‬


‫بانن الاادعوة بلغتاه ال يُطلا القاول بعصامة دماه ومالااه وال‬
‫ألن العصمة تشمل تحاريم قتلاه واساترقاقه وأخاذ مالاه‪ ،‬ووجاوب الِامان‬ ‫بهدره‪َّ ،‬‬
‫ألن قاتله ليس علياه إالَّ‬
‫والذمي دونَه َّ‬
‫ع‬ ‫على من قتله‪ ،‬وهذا يص في الكافر المعاهد‬
‫التوبة‪ ،‬وماله إن أُخذ أعيد إليه إن ُوجد صاحبه‪ ،‬ورجع إلى بي المال إن لم يُوجد‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫وجميع من قدَّمنا ذكرهم ممن لام تبلغاه الادعوة أو كاان مان الذرياة يجاوز قتالاه إذا‬
‫كاافر؟ وإنَّماا يجااري‬
‫س‬ ‫قاتال‪ ،‬ويادفع إذا صاال‪ ،‬بال لاو كاان مساال نما دُفاع‪ ،‬فكيا وهاو‬
‫التفصيل في ابتدائهم بالقتال ال في دفعهم‪.‬‬

‫والقاعاادة الشاارعية المحكمااة المطااردة فااي معاملااة الطوائ ا أنَّهااا تعاماال معاملااة‬
‫الرجل الواحد فيما يثب له ويجب فيه‪ ،‬كما ذكر شاي اإلساالم ابان تيمياة وغياره‪،‬‬
‫وأدلة المسنلة مبسو ة في غير هذا الموضع‪.‬‬
‫ومن فروع هذه القاعدة دعوة الكفَّار قبال القتاال‪ ،‬فقاد تاو َّهم قاو سم َّ‬
‫أن الماراد بهاا أن‬
‫وأن المراد بها أن يصلهم الدين ودعاته وأن‬ ‫كل فر ٍد من الكفَّار‪َّ ،‬‬
‫تصل الدعوة إلى ع‬
‫يسمعوا حججه ويفهموا أدلَّته‪ ،‬وهذا ما لم يقل به أحدس من أهل العلم وال ذهاب إلياه‬
‫من المسلمين األُول أحد‪ ،‬وال فعله النبي صالى هللا علياه وسالم وال صاحابته وأحاد‬
‫من التابعين ومن تبعهم في كل العصور التي كان فيها جهاد الطلب‪.‬‬

‫قال أحمد كان النبي يدعو إلى اإلسالم قبل أن يحارب حتى أمهر هللا الادين وعاال‬
‫اإلساالم ‪ ,‬وال أعارأ اليااوم أحادنا يُادعى‪ ،‬قاد بلغا الاادعوة كال أحاد‪ ،‬والاروم قاد‬
‫بلغتهم الدعوة ‪ ,‬وعلموا ما يراد منهم‪.‬‬

‫فالمقصود من الدعوة أن يسامعوا باإلساالم والنباي صالى هللا علياه وسالم كماا قاال‬
‫صلوات هللا وسالمه عليه‪” :‬والَّذي نفسي بيده ال يسمع بي يهثودي وال نصثراني‬
‫ثم ال يُ من بي إالَّ دخل النار“‪.‬‬

‫وأما وصية النبي صلى هللا عليه وسلم أمراءه الذين يرسلهم في البعاو والسارايا‬
‫باادعوة الكفَّااار قباال قتااالهم‪ ،‬فقااد عارضااها إغارتااه صاالى هللا عليااه وساالم علااى بنااي‬
‫المصطل وهم غارون وما في معناه مما جاء في اإلغارة‪ ،‬وجماع كثيار مان أهال‬
‫العلم بننَّها كان في َّأول األمر قبل انتشار أمر اإلساالم‪ ،‬وفاي هاذا المحمال نظار‪،‬‬
‫واألوجه حمل األمر فيها على الندب فهي من الدعوة المستحبة ال الواجبة‪.‬‬

‫والدعوة المستحبَّة ال حدَّ لها فكل ما زاد عن الواجبة داخل في الادعوة المساتحبة‪،‬‬
‫أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة وابن مسعود عن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪” :‬إنَّه ال أحد أحب إليه العذر من هللا من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسال‬
‫الرسل" وفي لفظٍ ‪" :‬من أجل ذلك بعث هللا المرسالين مبشارين ومناذرين“ فكال ماا‬
‫‪44‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫كاااان زياااادةن فاااي اإلعاااذار فهاااو مشاااروع دون أن يترتاااب علياااه تااارد لشااايء مااان‬
‫الواجبات‪ ،‬إذ ال يُقدَّم المستحب على الواجب‪.‬‬

‫وإذا كان هذا في الدعوة التي تجب قبل القتال‪ ،‬فإنَّه كذلك في االستجابة التي يُرفع‬
‫إن القتال يسقط اليوم بوجاود أفارا ٍد يادعون أفارادنا فاي ب ٍ‬
‫حاور‬ ‫بها السي ‪ ،‬فال يُقال َّ‬
‫من أمم الشارد والكفار كماا يقاول مان ال يفقاه ديان هللا َّ‬
‫عاز وجا َّل‪ ،‬وماا كاان النباي‬
‫صلى هللا عليه وسلم وأصحابه يستمهلون بالادعوة بال كانا سانة النباي صالى هللا‬
‫العدو ثالثنا لينظروا في أمرهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫عليه وسلم أن يمهل‬

‫وارتفاع السي عن الكفَّار في جهاد الطلب يكون م قتناا بالهدناة‪ ،‬ودائ نماا باإلساالم‬
‫أن الم قا يكاون بإبقااء الكفاار ودولاتهم وحكمهام‪ ،‬أ َّماا‬ ‫أو الجزي عة‪ ،‬والفرق بينهما َّ‬
‫الدائم فال يكون إالَّ بإزالة األحكام الكافرة والحكومات الكفريَّة‪ ،‬لذا اشتر الفقهااء‬
‫فيه‪” :‬باذل الجزياة والتازام أحكاام الملاة“‪ ،‬واإلتااوة التاي ت ُ خاذ مان الكفَّاار صال نحا‬
‫س عامي بااذلك فعلااى‬‫يتِا َّمن إبقاااء حكمهام الكفااري م قتنااا ليسا هااي الجزيااة‪ ،‬وإن ُ‬
‫التجوز دون أن تكون مثلها في األحكام‪ ،‬ومن هنا تعلم خطن بعف الفِاالء حاين‬
‫أن تحرير موسكو من جهاد الدفع ألنَّها كان تدفع الجزية للمسلمين‪ ،‬فإنَّها لم‬ ‫ذكر َّ‬
‫تحكم باإلسالم قط وإنَّما صول أهلها على بقاء حكمهم والعدول عنهم مدة يدفعون‬
‫فيها تلك اإلتاوة‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أحكام االستئذان في الجهاد (‪)3/1‬‬


‫استئذان األمير‬
‫الحماد هلل رب العاالمين‪ ،‬والصاالة والساالم علاى أشارأ األنبيااء والمرسالين نبيناا‬
‫محمد وعلى آله وصحابته‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فماان المسااائل المتعلقااة بالجهاااد التااي تاارد فااي أحوالااه ومقاصااده المختلفااة‪ ،‬مسااائل‬
‫االسااتئذان‪ ،‬وجملااة ماان يُشاارع اسااتئذانهم فااي الجهاااد‪ :‬الوالاادان‪ ،‬والاازوج للم ارأة‪،‬‬
‫والدائن للمدين‪ ،‬واألمير لرعيته‪ ،‬وسنبدأ الحديث عن مسنلة استئذان األمير‪.‬‬

‫ويفرق في هذه المسنلة وفي جميع مسائل االستئذان بين مسنلتي‪ :‬وجوب اساتئذان‬
‫األمياار‪ ،‬ووجااوب االمتناااع بمنعااه‪ ،‬فاااألولى وجوديااة تجعاال إذن األمياار شاار نا‪،‬‬
‫والثانية عدميَّة ال تجعله كذلك وإنَّما تجعل منعه مان نعا‪ ،‬إالَّ أنَّا سنتجوز في التفريا‬
‫بينهما ونعدهما صورة واحدة‪.‬‬

‫بانمير لهام‬
‫ٍ‬ ‫مكاان ال يُنكار‪ ،‬وال يصال أمار المسالمين إالَّ‬
‫س‬ ‫ولولي األمر في الشريع عة‬
‫منهم‪ ،‬و اعته واجبةس فاي حادو عد واليتاه ماا لام يانمر بمعصايةٍ‪ ،‬والجهااد مان أماور‬
‫ويجاب ااعتهم‬
‫ُ‬ ‫النظار فيهاا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األ َّمة العا َّم عة التي يسوسها والة ُ األُمور ويرجع إلايهم‬
‫في شئونها ما لم ين ُمروا بمعصيةٍ‪.‬‬

‫فاإن اعاة األميار فاي شاننه واجباةس‪ ،‬ويساقط اساتئذان‬ ‫ُ‬


‫وحيث لم يكن الجهاد واجبناا َّ‬
‫األمياار عاان الفاارد فااي فاار الكفاياا عة إذا تعااين علياا عه بعاادم حصااول الكفاياا عة‪ ،‬أو‬
‫اوم الجهاااد إذا َّ‬
‫عطلااه ولااي‬ ‫بخصوصااه‪ ،‬ويسااقط عاان األما عة فااي عما ع‬‫ع‬ ‫ااج إليااه‬
‫باالحتيا ع‬
‫بعاف المسالمين أو‬‫َ‬ ‫األمر سواء كان فر عاين أو فار كفاياةٍ‪ ،‬وإذا نهاى عناه‬
‫عين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كلَّهم وكان فر‬

‫فاإن تعطيلاه معصايةس مناه‪ ،‬ونهياه عناه أو منعاه مناه‬


‫فأ َّما إذا ع َّطل األميثر الجهثاد؛ َّ‬
‫فرعس على معصيته فال يجوز اعته فيه‪ ،‬بل ال يجاوز إقاراره علاى تارد الجهااد‪،‬‬
‫ويجااب األخااذ علااى يااده واإلنكااار عليااه‪ ،‬وتحريِااه وتحااريف الماا منين علااى‬
‫نص على هذه الصورة عددس من أهل العلم‪.‬‬ ‫الجهاد‪ ،‬وقد َّ‬
‫وأ َّما إذا تعيَّن فرض الجهاد‪ ،‬فقد قاال النباي صالى هللا علياه وسالم‪" :‬ال اعاة فاي‬
‫ب المتعايعن‪،‬‬‫معصية هللا‪ ،‬إنَّما الطاعةُ في المعروأ"‪ ،‬ومن معصية هللا تردُ الواجا ع‬
‫وماان قااال باسااتئذان األمياار فااي فاار العااين فقااد جعاال الجهااادَ موقوفنااا علااى إذنااه‬
‫فيُترد إن من َع ويُسلك إن أذعن‪ ،‬وقاد ناص علاى هاذا الحكام جماعاة مان أهال العلام‪،‬‬
‫منهم ابن رش ٍد الحفيد فقال‪ " :‬اعة اإلمام الزمة وإن كان غير عدل ما لم ينمر‬
‫بمعصية‪ ،‬ومن المعصية النهي عن الجهاد المتعين"‪.‬‬
‫‪46‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫واجاب إن كانا الفريِاةُ مماا‬ ‫س‬ ‫أن االستئذان في فرو األعياان‬ ‫ومنهم من زعم َّ‬
‫تفعاال جماع اةن‪ ،‬بخااالأ مااا يفعلااه المساالم وحااده‪ ،‬وهااذا با ا سل باالتفاااق‪ ،‬فا َّ‬
‫اإن ماان‬
‫األعيان التي تفعل جماعة‪ :‬الصلوات الخمس‪ ،‬وفي األدلَّة ا تي ذكرهاا‬ ‫فرو‬
‫ما ينقف هذا القول‪.‬‬

‫أ‪،‬‬
‫والصااورتان السااابقتان ممااا يتعااين فيااه الجهاااد ال ينبغااي أن يكااون فيهمااا خااال س‬
‫وليس لهما اختصاص بالجهاد فهما في كل من له والية‪ :‬ال يُطاع إذا أمر بمعصية‬
‫هللا‪ ،‬وال يُطاع في تعطيل فرائف هللا‪ ،‬وال يُنزل إلى اجتهاده فيما هو متَّه سم فيه‪.‬‬

‫واجب في الخاروج إلاى الجهااد‪،‬‬‫س‬ ‫فإن استئذان األمير‬ ‫وفيما عدا هاتين الصورتين‪َّ ،‬‬
‫وفي مفارقته بعد الخروج‪ ،‬فإذا منعه األمير من الجهاد الذي لم يتعيَّن عليه‪ ،‬وجب‬
‫عليه االمتناع‪ ،‬وإذا خرج ماع األميار فاي جهااد وأراد أن ياذهب أو يخارج لحاجاة‬
‫ولاو يسايرةٍ كاالحتطااب ونحااوه لام يجاز لاه أن يااذهب حتاى يساتنذنه لقولاه تعااالى‪:‬‬
‫( َو عإذَا َكانُوا َم َعهُ َعلَى أَم ٍر َج ع‬
‫ام ٍع لَم يَذ َهبُوا َحتَّى يَستَن عذنُوهُ) وكذلك االساتئذان لتارد‬
‫فر الكفاية‪.‬‬

‫أمااا االسااتئذان لتاارد فاار العااين فهااو ماان أمااارات النفاااق‪ ،‬وهااو علااى األرج ا‬
‫اال َوال َيااو عم ا عخا عار أَن يُ َجا عه ادُوا‬
‫المااراد بقولااه تعااالى‪( :‬ال َيس اتَن عذنُكَ الَّ اذعينَ يُ عمنُااونَ عبا َّ ع‬
‫هُ َع علي سم بعال ُمتَّقعينَ * إعنَّ َما يَساتَن عذنُكَ الَّاذعينَ ال يُ عمنُاونَ بع َّ ع‬
‫اال َواليَاو عم‬ ‫بعنَم َوا عل عهم َوأَنفُ عس عهم َو َّ‬
‫ا عخ عر َوارتَا َب قُلُوبُ ُهم فَ ُهم عفي َري عب عهم َيتَ َردَّدُونَ ) فاال يكاون منساو نخا‪ ،‬وال تعاار‬
‫بينه وبين ا ية األخرى‪ ،‬قاال القر باي‪﴿” :‬ال يَساتَن عذنُكَ الَّاذعينَ يُ عمنُاونَ عب َّ ع‬
‫اال َواليَاو عم‬
‫ا عخ عر﴾ أي في القعود وال في الخروج‪ ،‬بل إذا أمرت بشيءٍ ابتدروه“‪ ،‬وص عان‬
‫ابن عباس أن الماراد بهاذه ا ياة مان يساتنذن باال عاذر‪ ،‬ومعلاوم أن االساتئذان باال‬
‫ضاا‬ ‫ضا‪ ،‬وفار الكفاياة ال يكاون فر ن‬ ‫عذر ال يكون ذنبنا إالَّ عندما يكون الجهاد فر ن‬
‫على آحاد الناس فال يكون االستئذان بال عذر منهم ذن نبا‪ ،‬وفار العاين فاي سابب‬
‫النزول كان باستنفار اإلمام في غزوة تباود ماع أنهاا كانا مان جهااد الطلاب كماا‬
‫ذكر شي اإلسالم ابن تيمية فقاال‪” :‬فهاذا دفاع عان الادين والحرماة واألنفاس وهاو‬
‫قتاال اضااطرار‪ ،‬وذلاك قتااال اختيااار للزياادة فااي الاادين وإعالئاه‪ ،‬وإلرهاااب العادو‬
‫اذرا‬
‫كغاازاة تبااود ونحوهااا“‪ ،‬ولإلمااام إذا اسااتنفر العمااوم أن يعااذر م ان ياارى لااه عا ن‬
‫فيستثنيه من استنفاره وإن لم يكن من أصحاب األعذار الذين عذرهم هللا عز وجل‬
‫باالقرآن‪ ،‬وذلااك أن عاذره لااه إنَّماا هااو اساتثناء ماان عماوم اسااتنفاره للمسالمين‪ ،‬فااال‬
‫يكون داخالن في نداء النفير الذي تعيَّن به الجهاد‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وعلى هاذا التفساير لةياة فهاي دليا سل علاى عادم وجاوب االساتئذان للجهااد إذا كاان‬
‫عين‪ ،‬على التقديرين في المحذوأ قبل أن‪ ،‬فإن قُدعر المحذوأ‪ :‬ال يستنذنك‬ ‫ٍ‬ ‫فر‬
‫الذين ي منون باهلل واليوم ا خر في أن يجاهدوا كان المعناى اساتئذان مان يساتنذن‬
‫ليُجاهد لما في هذا من التثاقل عن الجهاد ولما فيه من نيته ترد الجهاد إن ُمنع منه‬
‫صااة ألن النبااي صاالى هللا عليااه‬
‫وإن كاان هااذا ال يقااع فااي صااورة ساابب الناازول خا َّ‬
‫‪47‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫اعتاه بخاالأ األماراء‪ ،‬فيكاون الاذم ألجال ماا فياه مان‬ ‫وسلم إن منع مناه وجبا‬
‫التثاقال فااي زماان النبااي صاالى هللا عليااه وساالم‪ ،‬ولاماارين معنااا فااي حا ع ماان بعااده‪،‬‬
‫ويكاون مان يساتنذن ليتاارد الجهااد أولاى بالاذم واإلثاام ألن المساتنذن ليفعال أفِاال‬
‫ممن يستنذن ليتارد‪ ،‬وإن قُادعر المحاذوأ‪ :‬كراهاة أن يجاهادوا‪ ،‬أو بتقادير ال نافيا ٍة‬
‫سا َل‬‫ِلوا) وقولاه‪( :‬أَن تُب َ‬ ‫هُ لَ ُكم أَن تَ ع‬‫بعد أن‪ ،‬فيجري على مثل قوله تعالى‪( :‬يُبَيعنُ َّ‬
‫س َب ) وقوله‪( :‬أَن تَقُولُوا َيو َم ال عق َيا َم عة عإنَّا ُكنَّا َعن َهذَا غَافعلعينَ ) وقوله‪( :‬أَن‬
‫س عب َما َك َ‬‫نَف س‬
‫ه) وهاو وجاه معاروأ كثيار فاي‬ ‫ب َّ ع‬ ‫س يَا َحس َرتَى َعلَى َما فَ َّر ُ فعي َجن ع‬ ‫تَقُو َل نَف س‬
‫نص في المستنذن ليتارد الجهاادَ‪ ،‬والتقادير‬ ‫القرآن وفي كالم العرب؛ فا ية حينئ ٍذ ا‬
‫الثااني أرجا وأمهار وهللا أعلام‪ ،‬وهاو الظااهر مان ا ثاار فاي تفساير ا ياة‪ ،‬ومان‬
‫سبب النزول حيث نزل في المنافقين وهم يستنذنون كراهة أن يُجاهدوا‪.‬‬

‫والمراد على التقادير الثااني‪ :‬اساتئذان مان يساتنذن ليتارد الجهااد بعاد أن أ ُمار باه‪،‬‬
‫وعلى التقدير األول‪ :‬استئذان من يستنذن ليذهب إلى الجهااد‪ ،‬ويكاون عا ًّماا مارادنا‬
‫خصوص الجهاد المتعيعن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫به‬

‫متعين‪،‬‬
‫وكال التقديرين يتِ َّمن إبطال قول من يوجب استئذان اإلمام في الجهاد ال ع‬
‫ألن االستئذان في حقيقته يعني لب اإلذن‪ ،‬وهذا يتِ َّمن تعلي الفعل على‬ ‫َّ‬
‫مجرد االستئذان معصية بقطع النظر‬
‫َّ‬ ‫اإلذن‪ ،‬فإن أذن اإلمام ذهب وإالَّ فال‪ ،‬فيكون‬
‫عن مراد ال ُمستنذعن بعد أن علمنا أنَّه سيمتنع إن منعه األمير‪ ،‬ويطيعه في معصية‬
‫هللا وترد ما أوجب هللا‪.‬‬

‫أن من أعظم مقاصد اإلمامة‬ ‫المتعين َّ‬


‫ع‬ ‫ومن األدلَّة على سقو إذن اإلمام في الجهاد‬
‫وأوالها الجهاد في سبيل هللا؛ فال يمكن مع هذا أن يسوغ لإلمام إسقا الجهاد‬
‫المتعين الذي ما كان إما نما إال إلقامته وإقامة بقية الشرائع والحدود‪ ،‬ولهذا قال‬
‫إياس بن معاوية المزني‪” :‬ال بد للناس من ثالثة أشياء‪ :‬ال بد لهم أن تنمن سبلهم‪،‬‬
‫ويختار لحكمهم حتى يعتدل الحكم فيهم‪ ،‬وأن يقام لهم بنمر الثغور التي بينهم وبين‬
‫عدوهم‪ ،‬فإن هذه األشياء إذا قام بها السلطان احتمل الناس ما كان سوى ذلك من‬
‫أثرة السلطان وكل ما يكرهون“‪.‬‬
‫ومن هذا ما أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث عقبة بن مالك الليثي‬
‫رضي هللا عنه قال‪ :‬بعث النبي صلى هللا عليه وسلم سرية‪ ،‬فسلح رجالن منهم‬
‫سيفنا فلما رجع قال‪ :‬لو رأي ما المنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؛ قال‪:‬‬
‫”أعجزتم إذ بعثت رجالً منكم فلم يمض ألمري أن تجعلوا مكانه من يمضي‬
‫ألمري؟“‪ ،‬فالمهم على اعتهم لامير الذي لم يمف ألمره صلى هللا عليه وسلم‬
‫ف‬‫الخاص‪ ،‬وعاتبهم أن لم يكونوا ن َّحوه وجعلوا مكانه غيره‪ ،‬ومثله من لم يم ع‬
‫للواجب الشرعي الظاهر الذي ال لبس فيه من دفع العدو الصائل‪.‬‬
‫وهذا الحديث ماهر في المسنلة‪ ،‬وإسناده جيد فقد رواه حميد بن هالل عن بشر‬
‫بن عاصم الليثي عن عقبة بن مالك الليثي‪ ،‬وقد صرح بشر بن عاصم الليثي‬
‫‪48‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫بسماعه من عقبة بن مالك في حديث آخر‪ ،‬وقال البخاري في ترجمة بشر بن‬
‫عاصم‪ :‬سمع عقبة بن مالك الليثي سمع منه حميد بن هالل‪ ،‬وقد وث النسائي‬
‫عاصم هذا‪ ،‬وأما قول الحافظ في التهذيب‪ :‬لم ينسبه النسائي إذ‬ ‫ٍ‬ ‫وابن حبان بشر بن‬
‫وثقه وزعم القطان أن مراده بذلك الثقفي وأن الليثي مجهول الحال‪ ،‬فال تص‬
‫دعوى القطان والقطان كثير التجهيل للرواة المعروفين‪ ،‬وأما أن النسائي لم ينسبه‬
‫فقد نسبه النسائي بقوله‪ :‬وهو أخو نصر بن عاصم ونصر بن عاصم المشهور هو‬
‫الليثي الذي قيل إنه أول من وضع علم العربية‪ ،‬وعن بشر بن عاصم ونصر بن‬
‫عاصم روى ُحميد بن هالل العدوي‪ ،‬فظاهر أن قوله أخو نصر بن عاصم يُراد‬
‫به نصر بن عاصم هذا‪ ،‬فثب أن الذي وثقه النسائي هو الليثي‪ ،‬وهو المراد بقوله‬
‫أخو نصر بن عاصم‪ ،‬أما الثقفي فقد نسبه البخاري فقال‪ :‬أخو عمرو‪ ،‬وتوثي‬
‫المقل‬
‫ع‬ ‫جار على عادتهما من توثي التابعي‬ ‫النسائي وابن حبان لبشر بن عاصم ٍ‬
‫الذي يروي عنه ثقة وال ينتي بما يُنكر‪ ،‬وهو مذهب صحي س ‪ ،‬وقد روى الشيخان‬
‫عن جماع ٍة ممن هذه صفت ُ ُهم‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫ومما وقع التنازع في معناه من كالم أهل العلم كلمة عبد الرحمن بن حسن‬
‫بن محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا تعالى إذ قال‪” :‬وال يكون‬
‫اإلمام إماما ن إال بالجهاد‪ ،‬ال أنَّه ال يكون جهاد إال بإمام‪ ،‬والح عكس ما‬
‫أن اإلمامة ال بدَّ فيها من الجهاد ال العكس‪ ،‬وماهر كالمه َّ‬
‫أن‬ ‫قلته يا رجل“ فبيَّن َّ‬
‫اإلمام ال تص إمامته بال جهاد‪ ،‬فكي يُستنذن في الجهاد من لوال الجهاد ما كان‬
‫مفتقر إلى الجهاد ال العكس‪ ،‬وأقل ما تحتمله عبارته سقو‬
‫س‬ ‫له والية؟ فاإلمام‬
‫استئذانه في بعف صور الجهاد‪ ،‬والش الثاني من العبارة في قوله‪ :‬ال أنَّه ال‬
‫يكون جهاد إال بإمام يرد به على من يشتر وجود اإلمام للجهاد‪ ،‬وإذا لم يُشتر‬
‫وجوده لم يُشتر إذنه‪ ،‬وهذا يجري على قول الفقهاء في كثير من المسائل ”لم‬
‫يُشتر وجوده فال يُشتر إذنه“‪ ،‬وفي هذا نظر من وجهين‪:‬‬

‫الوجه األول‪ :‬أنه ال مانع من أن يكون اإلذن مشتر نا عند وجود اإلمام غير‬
‫مشتر عند عدمه لما في العمل بال إذنه وق وجوده من االفتئات‪ ،‬ولهذا ال‬
‫يشتر إذن اإلمام في شيء من صور الجهاد إذا لم يوجد أو لم يمكن استئذانه‪،‬‬
‫ويُشتر إذنه إن وجد في بعف الصور‪.‬‬

‫أن هذا مبني على اشترا إذن اإلمام‪ ،‬فال يدخل فيه ما إذا منع‬ ‫والوجه الثاني‪َّ :‬‬
‫اإلمام‪ ،‬وهما مسنلتان ُمتغايرتان كما قدَّمنا‪.‬‬

‫واستد َّل بعف من لم يحق المسنلة بمثل عبارة الموف في المغني على القول‬
‫المنُ َك عر بوجوب استئذان اإلمام في الجهاد المتعيعن‪ ،‬ونص عبارة ابن قدامة‪:‬‬
‫”وألنهم إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فر عين فوجب على الجميع فلم‬
‫يجز ألحد التخل عنه ‪ ,‬فإذا ثب هذا فإنهم ال يخرجون إال بإذن األمير ألن أمر‬
‫‪49‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الحرب موكول إليه وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم ‪ ,‬ومكامن العدو وكيدهم فينبغي‬
‫أن يرجع إلى رأيه ألنه أحو للمسلمين“‪.‬‬

‫فاحو‪،‬‬
‫س‬ ‫ولعدد من الفقهاء مثل هذه العبارة‪ ،‬واالستناد عليها في هذه المسنلة غل س‬
‫ط‬
‫وفرق بين مسنلة‬ ‫س‬ ‫المتعين ال في أصله‪،‬‬
‫ع‬ ‫فهي في استئذانه في تفاصيل الجهاد‬
‫العدو‪ ،‬فليس في عبارة الموف وال‬ ‫ع‬ ‫الخروج إلى العدو وتوقي ذلك‪ ،‬وأصل قتال‬
‫أن اإلمام إن من َع من أصل دفع العدو وتركه يدخل بالد‬ ‫غيره من أهل العلم َّ‬
‫أن اعته في ترد هذا الفر واجبةس‪ ،‬وأ َّن مقاتلة‬ ‫المسلمين يعيث فيها فسادنا َّ‬
‫العدو دفعنا له عن حرمات المسلمين محرمة‪.‬‬

‫المتعين ال يعني بقوله أ َّن اإلمام ال‬


‫ع‬ ‫إن اإلمام ال يُستنذن في الجهاد‬ ‫والذي يقول َّ‬
‫إمارة له في جهاد الدفع بل إمارته باقية و اعته فيها واجبة ما دام ملتز نما دفع‬
‫العدو عن المسلمين‪ ،‬ومما تجب اعته فيه جهاد الدفع فيما يدخله االجتهاد‬
‫ويرجع إلى أمر الحرب وسياستها‪ ،‬فله أن ينمر بالخروج إلى العدو‪ ،‬وأن ينمر‬
‫بالبقاء في البلد ومقاتلته كما أراد النبي صلى هللا عليه وسلم أول األمر أن يُقاتل‬
‫شا في المدينة‪ ،‬ويمهلهم حتَّى يدخلوها فيُقاتلهم المسلمون فيها‪ ،‬فالخروج للعدو‬ ‫قري ن‬
‫شنن من شئون القتال يدخل اجتهاد اإلمام في توقيته‬ ‫س‬ ‫ليس مطابقنا لقتاله‪ ،‬بل هو‬
‫العدو‬
‫َّ‬ ‫وصفته‪ ،‬ولإلمام أن يمنع منه وينمر بالقتال في البلد‪ ،‬ولإلمام أن يُصال‬
‫العدو حتَّى يصطل معه وذلك حين يكون‬ ‫ع‬ ‫ويسعى في ذلك فيمنع الناس من مقاتلة‬
‫العدو بظاهر البلد أو قري نبا منه ونحو ذلك‪.‬‬

‫ولذا قال الشهيد عبد هللا عزام رحمه هللا في كتاب الادفاع عان أراضاي المسالمين‪:‬‬
‫"وإنما يُستنذن أمير الحرب وقائاد المعركاة فاي الغازو والهجاوم مان أجال التنظايم‬
‫والتنسي وحتى ال يُفسد المرء الذي يهجم على العدو خطة المسلمين"‪.‬‬

‫فال يكون في كالم ابن قدامة وال كالم غياره مان الفقهااء مخالفاة للقاعادة الشارعية‬
‫المتف عليها من أنه ال اعة لمخلوق في معصية هللا عز وجال‪ ،‬وأنَّاه ال اساتئذان‬
‫ب منه‪،‬‬‫المعطل للجهاد أو التارد للواج ع‬
‫ع‬ ‫في فرو األعيان‪ ،‬وليس فيها َّ‬
‫أن األمير‬
‫بلهَ المانع من ذلك يُطاع وتجري معصيته على جميع الرعيَّة واجبنا مان الواجباات‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫ويوض هذا المعنى كالم ابن قدامة نفسه في مسنلة إذن الوالدين حيث قال‪:‬‬
‫ع‬
‫”وإذا خو ب بالجهاد فال إذن لهما ‪ ,‬وكذلك ُكل الفرائف ال اعة لهما في تركها‬
‫يعني إذا وجب عليه الجهاد لام يعتبار إذن والدياه؛ ألنَّثه صثار فثرض عثين وتركثه‬
‫معصثثية‪ ،‬وال طاعثثة ألحثثد فثثي معصثثية هللا‪ ،‬وكااذلك كاال مااا وجااب مثاال الحااج ‪,‬‬
‫والصاالة فاي الجماعاة والجماع والسافر للعلام الواجاب‪ ،‬قاال األوزاعاي‪ :‬ال اعاة‬
‫للوالدين في ترد الفرائف والجمع والحج والقتال‪ .‬ألنها عبادة تعينت عليه ؛ فلم‬
‫يعتبر إذن األبوين فيها كالصالة“‬
‫‪50‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المتعاين َّ‬
‫بانن تركاه معصاية وال اعاة‬ ‫ع‬ ‫فتن َّمل تعليله إسقا إذن الوالدين في الجهاد‬
‫ألحد في معصية هللا‪ ،‬وهذا يكون في اإلمام كما يكون فاي الوالادين‪ ،‬والمعصاية ال‬
‫يُطاع فيها اإلمام كما ال يُطاع فيها الوالدان‪.‬‬

‫وانظاار قياسااه فااي قولااه‪ :‬ألنَّهااا عبااادة تعين ا عليااه فلاام يُعتباار إذن األبااوين فيهااا‬
‫أن سقو إذن الوالادين فاي الجهااد كساقو ه فاي الصاالة ألنَّهاا‬ ‫كالصالة‪ ،‬فنوض َّ‬
‫بجاامع‬
‫ع‬ ‫عبادة س متعينةس‪ ،‬وكذلك اإلمام كما يساقط إذناه فاي الصاالة يساقط فاي الجهااد‬
‫عين‪ ،‬وهذا من أمهر األحكام‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل منهما فر‬‫كون ٍ‬
‫ع‬
‫وما يُقال في إذن اإلمام يُقال فاي جمياع مان قيال باساتئذانهم مان أصاحاب الحقاوق‬
‫المعتبرة شر نعا‪ ،‬على تفاصيل تنتي في موضعها من المقال ا تي بإذن هللا تعالى‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا على محمد وسلم‪ ،‬وعلى آله وصحابته ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪51‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أحكام االستئذان في الجهاد (‪)3/2‬‬


‫استئذان الغريم‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي عبد الرحمن ال ُحبُلاي عان عباد هللا بان‬
‫عمرو بن العاص رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا علياه وسالم قاال‪” :‬يُغفثر‬
‫ب إال الدين“‪ ،‬وأخرجه مان حاديث أباي قتاادة وهاو مماا انتُقاد علياه؛‬ ‫للشهيد كل ذن ٍ‬
‫اختل فيه علاى عباد هللا بان أباي قتاادة فارواه المقباري عناه عان أبياه وهاو غلاط‪،‬‬
‫ورواه بكير بن عبد هللا بن األشج عنه عن رجل من أهال نجاران عان عباد هللا بان‬
‫عماارو وهااو الصااواب‪ ،‬ورواه اباان عجااالن عاان المقبااري عاان أبااي هرياارة وعاان‬
‫محمد بن قيس عن عبد هللا بن أبي قتادة عن أبيه وقد غلط ابن عجالن في كليهما‪،‬‬
‫أما رواية المقبري فالصواب فيها ماا تقادَّم‪ ،‬وأماا رواياة محماد بان قايس فصاوابها‬
‫عن ابن أبي قتادة مرسالن‪ ،‬وروي من حديث عيا بن عبد هللا بن أبي سرح عان‬
‫أباي هريارة فااي المساند وفياه نظاار‪ ،‬وفاي الباااب حاديث أباي أمامااة وهاو ضااعي س ‪،‬‬
‫وحديث سهل بن حني فاي معجام الطبراناي الكبيار وهاو ضاعي ‪ ،‬وحاديث أناس‬
‫وهو غلط كما حكى الترمذي عن البخاري‪ ،‬وحديث محمد بن جحو عند النسائي‬
‫وغيره وفيه بعف النظار‪ ،‬وال يصا فاي البااب إال حاديث عباد هللا بان عمارو بان‬
‫العاص من رواية أبي عبد الرحمن ال ُحبُلي الذي قدَّمناه وهللا أعلم‪.‬‬
‫والحديث لم يتناول بمنطوقه حكم الخروج إلى الجهااد لمان علياه ديان‪ ،‬ولهاذا قاال‬
‫الشوكاني في نيل األو ار‪” :‬وذلك ال يستلزم عدم جاواز الخاروج إلاى الجهااد إال‬
‫بإذن مان لاه الادين‪ ،‬بال إن أحاب المجاهاد أن يكاون جهااده ساببنا لمغفارة كال ذناب‬
‫استنذن صاحب الادين فاي الخاروج‪ ،‬وإن رضاي بانن يبقاى علياه ذناب واحاد منهاا‬
‫جاز له الخروج بدون استئذان“‪.‬‬

‫ومااا ذهااب إليااه الشااوكاني ضااعي ‪ ،‬والصااواب مااا ذهااب إليااه جماااهير الفقهاااء‬
‫استنبا نا من هذا الحديث‪ ،‬وبقاء ذنب الدَّين دون الذنوب العظيمة إنَّما كان لما فياه‬
‫من ح ع ا دميع‪ ،‬وح ا دمي ع الواجب ال يُقدَّم عليه ما ليس بفر ٍ من الجهاد وال‬
‫الدين من اإلثم الاذي ال يُغفار بالشاهادة علاى أثار الجهااد مان‬
‫ع‬ ‫من غيره‪ ،‬وتقديم أثر‬
‫مغفرة سائر الذنوب دليا سل علاى تقاديم هاذا الواجاب علاى هاذا الواجاب‪ ،‬وإذا ُحمال‬
‫مهورا إذ ال يُمكان تقاديم‬
‫ن‬ ‫الحديث على الجهاد الذي لم يتعيَّن كما ينتي ازداد الحكم‬
‫ما ليس بواجب على الواجب القطعيع‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ذنب واحدس يقدم علاى هللا باه‪ ،‬بال‬


‫وليس في الشريعة أن يحبَّ الرجل أن يبقى عليه س‬
‫إنَّما يُتجااوز عان الاذنوب الماضاية بالتوباة واالساتغفار أ َّماا اإلصارار علاى الاذنب‬
‫وتفوي ُ ح المسلم وكون ذلك في سبيل قرب ٍة إلى هللا‪ ،‬فهذا ال يكون في دين هللا‪.‬‬

‫ووجه قول الجماهير بوجوب استئذان صاحب الدين القاعدة المتف عليها‪ :‬ما تولَّد‬
‫مِمون‪ ،‬فاألصل ماا فاي الحاديث مان بقااء اإلثام علاى المادين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫عن المنذون غير‬
‫ألن الحا َّ لاه‪ ،‬فاإذا ناتج عان جهااده استشاهاده بعاد‬
‫ويُستثنى منه ما إذا أذن الغاريم َّ‬
‫اإلذن لام يكان علياه شاي سء مان جهااة خروجاه للجهااد ماع وجاود الادين‪ ،‬وإن كانا‬
‫المطالبة بالدين باقيةن دون اإلثم لترتاب اإلثام علاى التفاريط‪ ،‬والتفاريط منتا ٍ باإذن‬
‫الغريم‪.‬‬
‫اب فيااه االسااتئذان إنَّمااا هااو الاادين الحااال علااى الغنااي ع القااادر علااى‬‫والادَّينُ الاذي يجا ُ‬
‫األداء‪ :‬أ َّما الدين الم َّجل الاذي لام يحا َّل أجلاه فاال تتو َّجاه المطالباةُ باه قبال األجال‪،‬‬
‫واإلذن إنَّما هو فرعس على المطالبة‪ ،‬وهذا هو الصحي من قاولي أهال العلام‪ ،‬وأ َّماا‬
‫س َرةٍ)‬ ‫ال ُمعسر فإنَّما حقه اإلنظار كما قال تعالى‪َ ( :‬و عإن َكانَ ذُو ُ‬
‫عس َرةٍ فَنَ عظ َرة س عإلَى َمي َ‬
‫فهو كالدين الم َّجل الذي لم يح َّل أجله‪ ،‬وبهذا أفتى النووي وابن تيمية‪.‬‬

‫وكذلك من ترد وفا نء لدينه وأقام به كفيالن أو علم وجود من يقوم به من بعده‪ ،‬فإنَّاه‬
‫حرام والد جابر بن عباد‬ ‫ٍ‬ ‫ال يدخل في المسنلة باالتفاق لقصة عبد هللا بن عمرو بن‬
‫كثيار‪ ،‬ولام يُاذكر فياه ماا يمناع‬
‫س‬ ‫هللا رضي هللا عنه‪ ،‬فقد استشهد في أحد وعليه س‬
‫ديان‬
‫مغفرة ذنب الدين‪ ،‬بل ذكر النبي صلى هللا عليه وسلم أن هللا كلماه كفا نحاا وقاال لاه‬
‫تمن يا عبدي‪ ،‬فتمنَّى أن يعود إلاى الادنيا فيُقتال فاي هللا ثانياةن‪ ،‬ولام ياذكر الادينَ وال‬
‫َّ‬
‫أثره من الذنب‪.‬‬
‫فإن من الحقوق ما يُقدَّم على الدَّين‬ ‫عين سقط إذن الغريم‪َّ ،‬‬ ‫وإذا كان الجهاد فرض ٍ‬
‫كالنفقات سواء منها الِ روري وما زاد عان حاد الِارورة مان المعتااد فاي نفقاة‬
‫مثله‪ ،‬والجهاد مقدَّم على النفقة الزائدة عن الِرورة بال رياب فثبا َ تقديماه علاى‬
‫الاادين بثبااوت تقديمااه علااى مااا هااو أولااى ماان الاادين‪ ،‬وهااذا ماانخوذ ماان فتااوى شااي‬
‫سئل ُ عمن عليه دين وله ما يوفيه وقاد تعاين الجهااد‬ ‫اإلسالم ابن تيمية في قوله‪ُ ” :‬‬
‫؟ فقل ‪ :‬مان الواجباات ماا يقادم علاى وفااء الادين‪ :‬كنفقاة الانفس والزوجاة والولاد‪،‬‬
‫ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه‪ :‬كالعبادات من الحج والكفاارات‪ ،‬ومنهاا ماا ال يُقادَّم‬
‫عليه إذا خو ب به كصدقة الفطر؛ فإن كان الجهاد المتعين لادفع الِارر كماا إذا‬
‫حِره العدو أو حِر هو الص قدم على وفاء الدين كالنفقة وأولى“‪.‬‬
‫وقد اعتذر المنافقون وغير المنافقين مان النباي صالى هللا علياه وسالم فاي غزواتاه‬
‫ولاام يُنقاال عاان أحااد ماانهم بإساانا ٍد صااحي ٍ وال ضااعي ٍ أنَّااه اعتااذر بال اد ع‬
‫َّين‪ ،‬ولااوال‬
‫المتعين وغير‬
‫ع‬ ‫صراحةُ حديث عبد هللا بن عمرو لقيل بسقو االستئذان في الجهاد‬
‫المتعين‪.‬‬
‫ع‬
‫‪53‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المتعين على أحد قولَي أهل‬‫ع‬ ‫خرج سقو إذن صاحب الدين في الجهاد‬ ‫ويمكن أن يُ َّ‬
‫العلاام فااي تاازاحم الحقااوق فااي التركااة اسااتدالالن بقااول النبااي صاالى هللا عليااه وساالم‪:‬‬
‫”اقِوا هللا فاهلل أح بالوفاء“‪.‬‬

‫المتعاين‪ ،‬وقاد اساتثنى شاي‬


‫ع‬ ‫علم هذا َّ‬
‫فاإن األصال ساقو االساتئذان فاي الجهااد‬ ‫إذا ُ‬
‫اإلسالم ابن تيمية صورتين من ذلك‪:‬‬

‫الصثثورة األولثثى‪ :‬أن يكااون الغااري ُم يريااد الجهاااد بالمااال الااذي يطلبااه ماان الم ادين‪،‬‬
‫عين لتحصيل مصلحتين‪ :‬مصلحة أداء الدين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فيجب األداء ولو كان الجهاد فر‬
‫ومصلحة الجهاد‪ ،‬قل ُ ‪ :‬ينبغي تقييد ذلك بما إذا كاان الغاريم ال يساتطيع الجهااد إالَّ‬
‫بالمال الذي يطالب به‪ ،‬ويدل على ما ذهب إليه شاي اإلساالم أنَّاه ماا سل اساتويا فاي‬
‫الحاجة إليه ألجل الجهااد‪ ،‬والغاريم أحا باه‪ ،‬وال يصا أن يُقادَّم المادين لمصالحة‬
‫الجهاد مع اشتراكهما فيه‪ ،‬إالَّ إن كان بالمسلمين حاجةس إلى المدين بخصوصه فهو‬
‫مقدَّم لحاجة المسلمين ومصلحة اإلسالم‪.‬‬

‫والصورة الثانية‪ :‬أن يكون الجهاد باستنفار اإلمام‪ ،‬فذهب شي اإلسالم إلاى تقاديم‬
‫ألن األصل بقاء الدين ووجوب األداء‪ ،‬وحا الغاريم مقادَّم علاى حا ع‬ ‫ح ع الغريم‪َّ ،‬‬
‫اإلمام في االستنفار‪ ،‬قل ‪ :‬ح الغريم ح مالك‪ ،‬وح ولي األمار حا َم علاك‪ ،‬وال‬
‫بنن األمر في النفيار حا ا لإلماام‪ ،‬وإنَّماا‬
‫ولكن هذا على التسليم َّ‬
‫َّ‬ ‫األول مقدَّم‬ ‫شك َّ‬
‫أن َّ‬ ‫َّ‬
‫هو ح ا هلل عز وج َّل كما في دفاع الصاائل‪ ،‬ولايس لإلماام إال النظار فاي المصالحة‬
‫وتقدير الحاجة‪ ،‬والشارع علَّ تعين الجهاد بنمره حين يرى حاجاة المسالمين إلاى‬
‫ذلك‪ ،‬فمن هنا كان االستنفار كدفع الصائل في التقديم على الدين من جهة أنَّه تقديم‬
‫بالعادو وحاجاة‬
‫ع‬ ‫لح هللا الواجب فاي حا ع المعاين علاى حا الغاريم‪ ،‬واإلماام أعلام‬
‫المسلمين وما قد يفج هم أو يقطع ريقهم دون العدو الذي يقصدون إليه‪ ،‬فوجاب‬
‫ِاا فقاد خارج المسالمون ماع النباي صالى هللا علياه‬ ‫تسليم النظر في ذلاك إلياه‪ ،‬وأي ن‬
‫وسلم في غزوة العسرة وقد تعيَّن باستنفاره صلى هللا علياه وسالم ولام يُعاذر أحاد‬
‫ولم يعتذر أحد بالدين‪.‬‬

‫ق‪ ،‬بل هي ملحقة بفار‬ ‫والصور المستثناة من فر العين ليس مستثناة بإ ال ٍ‬


‫الكفايااة فااي أحكامااه‪ ،‬فمااا سااقط فيااه االسااتثناء فااي فاار الكفايااة‪ ،‬لحق ا بااه هااذه‬
‫الصور في ذلك‪.‬‬
‫وإذا كان الجهاد فرض كفاية؛ فاألصل وجوب اساتئذان الغاريم علاى ماا قادَّمنا إالَّ‬
‫في صور‪:‬‬

‫الصورة األولى‪ :‬أن يكون العدو قريبنا بحيث ال يحتاج إلى نفقا ٍة فاي الوصاول إلياه‬
‫ألن الغريم إنَّما وجب استئذانه في الجهااد‬
‫وقتا عله‪ ،‬كحال أهل الثغور المقيمين بها‪َّ ،‬‬
‫لتقديم حقه في المال على نفقة الجهاد‪ ،‬فحيث لم ت ُكن نفقة فال استئذان‪.‬‬
‫‪54‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الصورة الثانية‪ :‬أن يحتاج المسلمون إلى أحا ٍد بعيناه‪ ،‬فهاذا يكاون الجهااد فاي حقاه‬
‫عين وإن كان الجهاد لعموم الناس فر كفايةٍ‪ ،‬فهو ملح س بفر الكفاية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فر‬
‫فهاذه الصاورة ليسا مساتثناة ماان اساتئذان الغاريم‪ ،‬وإنمااا هاي مسااتثناة مان أحكاام‬
‫فر الكفاية عمو نما للحوقها بفر العين‪.‬‬

‫كاافرا‪ ،‬لقاول‬
‫ن‬ ‫الصورة الثالثة‪ :‬استثناها بعف أهل العلم‪ ،‬وهاي ماا إذا كاان الغاريم‬
‫سااابعيالن)‪ ،‬وكاااننهم ألحقوهاااا‬
‫هُ علل َكاااافع عرينَ َعلَاااى ال ُمااا عمنعينَ َ‬
‫هللا تعاااالى‪َ ( :‬ولَااان يَجعَااا َل َّ‬
‫ين‪ ،‬وال يص هاذا وهللا أعلام‪ ،‬واساتئذان الغاريم لايس مان‬ ‫باستئذان الوالدين الكافع َر ع‬
‫بابة استئذان الوالادين والازوج واألميار ونحاوهم‪ ،‬إذ اساتئذان ها الء متفارع علاى‬
‫واليتهم أو وجوب اعتهم‪ ،‬أما الغريم فاستئذانه ألجل حقاه الواجاب تقديماه‪ ،‬فهاو‬
‫ُ‬
‫وحياث‬ ‫حقه‪ ،‬وثبوت هذا االستئذان فرعس على ثبوت الح المالي‪،‬‬ ‫ع‬ ‫استئذان إلسقا‬
‫قلنا بحفظ ح الغريم الكافر‪ ،‬فاالستئذان بعف الح ع الذي ُحكم بحفظه‪ ،‬وليس في‬
‫هااذا واليااة وال تحك ا سم منااه فااي مساالم‪ ،‬باال هااو احتيااا مشااروع لااه فااي حفااظ حقااه‬
‫والمطالبة به‪ ،‬وإنما يكون هذا في الكافر الذمي أو المعاهد أو المستنمن ممن يُحكم‬
‫بحفظ ماله‪.‬‬

‫فتل َّخص مما سب في حكم استئذان الغريم‪:‬‬

‫‪ -1‬أن استئذان الغريم يسقط وال يجب أن يُستأذَن في هذه الصور‪:‬‬


‫كفاياة أو فار‬ ‫‪ ‬إذا كان الدين م جالن لم يح َّل أجله‪ ،‬سواء كان الجهاد فر‬
‫عين‪.‬‬
‫معسرا‪َّ ،‬‬
‫ألن ديناه يتنجال إلاى ميسارةٍ‪ ،‬فيُلحا بالادين الاذي لام‬ ‫ن‬ ‫‪ ‬إذا كان المدين‬
‫يحل‪.‬‬
‫عين‪ ،‬فيما عدا الصور المستثناة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬إذا كان الجهاد فر‬
‫‪ ‬إذا تعيَّن الجهاد باستنفار اإلمام على األص في المسنلة‪ ،‬فيكاون حكماه حكام‬
‫سائر صور تعين الجهاد‪.‬‬
‫‪ ‬إذا لم يحتج الجهاد إلى نفقةٍ‪ ،‬وذلك في فر العين وفر الكفاية‪.‬‬
‫حقه وإن كان فر كفاي ٍة في ح ع‬ ‫‪ ‬إذا احتاج إليه المسلمون بعينه‪ ،‬لتعينه في ع‬
‫العُموم‪.‬‬

‫واجب ال يجو الخروج إال بعد إذنه في هذه الصور‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫‪ -2‬أن استئذان الغريم‬
‫‪ ‬إذا لم يتعين الجهاد‪ ،‬فيما عدا الصور المستثناة‪.‬‬
‫‪ ‬إذا أراد صاحب الدين أن يجاهد بعين المال الذي يطلبه من المدين‪ ،‬ولم يكن‬
‫الدائن يستطيع الجهاد بدون هذا المال‪ ،‬إال إن احتاج المسلمون إلى المادين‬
‫بخصوصه فيقدَّم‪.‬‬
‫‪ ‬وال فااارق باااين الغاااريم الكاااافر محتااارم الماااال والمسااالم فاااي االساااتئذان‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫االستئذان من حفظ حقه‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫مستوجب لإلثم‬
‫س‬ ‫عاص‬
‫ٍ‬ ‫ومن خالف في الصور التي يجب فيها استئذان الغريم فهو‬
‫بخروجه من هذا الوجه‪ ،‬وجهاده صحي س ‪ ،‬بل وذنوبه الكباائر والصاغائر مغفاورة‪،‬‬
‫الشاهداء‪ ،‬والجهاة منفكاةس باين هاذا وهاذا‪ ،‬لاذا أثبا النباي صالى هللا‬
‫ع‬ ‫ومنزلته منزلة‬
‫عليه وسلم مغفرة الذنوب للشهيد إال الدين‪ ،‬وثباوتُ أثار الشاهادة مان المغفارة فيماا‬
‫عدا الدَّين دلي سل على ص َّحة الشهادة‪ ،‬وقد أشار إلاى هاذه الفائادةع الشاوكاني فاي نيال‬
‫األو ار بقوله‪ :‬وال يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد ال يمنع من الشهادة‪ ،‬بل‬
‫هو شهيد مغفور له كل ذنب إال الدين‪.‬‬

‫وأ َّما من خرج في الصور التي يسقط فيها إذن الغريم وال يجب اسثتئذانه‪ ،‬وفعال‬
‫ما أمره هللا عز وجل به‪ ،‬ثم قُتل فليس علياه مان اإلثام شاي سء‪ ،‬ألنَّاه لام يفعال إال ماا‬
‫أمره هللا به‪ ،‬ويساتحيل أن يفعال ماا أُمار باه ويانثم علاى ذلاك‪ ،‬وال يُمكان أن يُ ع‬
‫خياره‬
‫الشارع بين إثمين ال بد له من أحدهما‪ :‬إثم القعود الذي ال يُباح بالدين‪ ،‬وإثام الادين‬
‫الذي ال يُغفر بالشهادة‪ ،‬بل ال ريب أنَّه إن امتثل ما أُمر به دون مخالفاة‪ ،‬لام يلحقاه‬
‫الذم وال من اإلثم شيء‪ ،‬مع بقاء اساتحقاق الغاريم للماال‪ ،‬واساتحقاقه المطالباة‬ ‫من ع‬
‫بالاادين‪ ،‬والشااهيد الماادين إ َّمااا أن يُاا دعي هللا عنااه فااي الاادنيا‪ ،‬وإ َّمااا أن يُرضااي هللا‬
‫خصمه في ا خرة‪ ،‬وهذا يُعرأ باالضطرار مان ديان هللا‪ ،‬وعدلاه وساعة رحمتاه‬
‫وحكمته‪ ،‬وإخباره بكفالته وضمانه لمن خرج في سبيله‪.‬‬

‫هاذا وهللا أعلام وصاالى هللا وسالم علااى عباده ورسااوله محماد وعلااى آلاه وصااحابته‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أحكام االستئذان في الجهاد (‪)3/3‬‬


‫الوالدين والزوج والسيد‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫الوالادان‪ ،‬والازوج‪ ،‬والسايعد‪،‬‬


‫ع‬ ‫فممن يجب استئذانهم غير من تقادَّم فاي أمار الجهااد‪:‬‬
‫فاال يجاوز الجهااد للولااد بغيار إذن أبوياه‪ ،‬وال للماارأة بغيار إذن زوجهاا‪ ،‬وال للعبااد‬
‫سيده‪ ،‬وهذا في الجهاد الَّذي هو فر كفايةٍ‪ ،‬وفيماا يلاي بياان ماا يتعلَّا‬ ‫بغير إذن ع‬
‫بكل منهم من األحكام‪:‬‬
‫ٍ‬
‫استئذان الوالدين‪:‬‬
‫أخرج البخاري ومسالم مان حاديث عباد هللا بان عمار ٍو رضاي هللا تعاالى عناه عان‬
‫أن رجاالن جاااء إلااى النبااي صاالى هللا عليااه وساالم‬
‫رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم َّ‬
‫أحي والداك؟“ قال نعم‪ ،‬قال‪” :‬ففيهما فجاهد“‪.‬‬ ‫يستنذنه في الجهاد فقال‪ٌّ ” :‬‬
‫بر الوالدين على الجهاد‪ ،‬ومقتِى هذا اساتئذانُهما علاى‬ ‫ماهر في تقديم ع‬‫س‬ ‫ُ‬
‫والحديث‬
‫األصل الَّذي تقدَّم فاي اساتئذان الغاريم‪ ،‬وقاد جااء األمار باساتئذانهما صاري نحا فيماا‬
‫أخرجه أحمد في المسند وأبو داود في السنن من حديث دراج أبي السم عن أبي‬
‫الهيثم عن أبي سعيدٍ‪ ،‬وهو إسنادس ضعي س ‪.‬‬

‫العين مان الجهااد‪ ،‬فيجاب اساتئذانُ ُهما فاي فار الكفاياة‬


‫ع‬ ‫ومحل ذلك ما عدا فر َ‬
‫العدو أو باستنفار‬
‫ع‬ ‫العين‪ ،‬سوا سء كانَ بحِور‬
‫ع‬ ‫من الجهاد‪ ،‬ويسق ُ‬
‫ط إذنُ ُهما في فر ع‬
‫خرج على قول شي اإلساالم بتقاديم إذن الغاريم علاى اساتنفار اإلماام‬ ‫اإلمام‪ ،‬وقد يُ َّ‬
‫أن ح َّ الوالدين من جنس ح ع اإلمام‪ ،‬بخالأ ح ع الغريم‪.‬‬ ‫قو سل هنا‪ ،‬على َّ‬

‫ااهير أهاال العلاام إلااى سااقو ع إذن الوالاادين‪،‬‬


‫وأ َّمااا فااي فاار العااين فقااد ذهااب جما ُ‬
‫واستد َّل جماعةس لاذلك بماا أخارج ابان حباان فاي صاحيحه عان عمار بان محماد بان‬
‫بجير قال حدثنا أبو الطاهر بن السرح حدثنا ابن وهاب أخبرناي حياي بان عباد هللا‬
‫عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد هللا بن عمرو أن رجالن جااء إلاى رساول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فسنله عن أفِل األعمال‪ ،‬فذكر الحاديث حتاى ذكار الجهااد‪،‬‬
‫فإن لي والدين‪ .‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪” :‬آمرك بوالديك‬ ‫فقال الرجل‪َّ :‬‬
‫خيث ًثرا“ فقااال‪ :‬والااذي بعثااك نبيااا ألجاهاادن وألتركنهمااا‪ ،‬فقااال رسااول هللا صاالى هللا‬
‫عليه وسلم‪” :‬فأنت أعلم“‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وهذا اإلسناد ضعي س ‪ ،‬تفرد به حيي بن عباد هللا المعاافري ال ُحبُلاي‬


‫قاال عباد هللا بان أحماد بان حنبال عان أبياه‪ :‬أحاديثاه منااكير‪ ،‬وقاال‬
‫نظار إال فاي شاديد الِاع ‪،‬‬
‫س‬ ‫البخاري‪ :‬فيه نظر‪ ،‬والبخاري ال يقول فياه‬
‫قوى أمره بعف المحدثين‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن تفرده بمثل هذا المنكر ال يُحتمل‪.‬‬ ‫وقد َّ‬
‫اإن االسااتدالل قااائ سم علااى َّ‬
‫أن‬ ‫سا عالم بصا َّحته فهااو ال يُفيااد مااا اسااتدلوا بااه عليااه‪ ،‬فا َّ‬
‫ولااو ُ‬
‫ط فاي تلاك الصاورة لتعاين‬ ‫وأن إذن الوالادين ساق َ‬ ‫عاين‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫الجهاد في الحاديث فار‬
‫الجهاد‪ ،‬وهذا ال يستقيم ألمور‪:‬‬

‫أن الرجل في الحديث يسنل عن أفِل األعما عل‪ ،‬والس ال عان األفِال ال‬ ‫األول‪َّ :‬‬
‫المتعين ألنَّه ال خيرة فيه‪.‬‬
‫ع‬ ‫يُناسب األمر‬

‫خيرا أول األمر‪ ،‬وال يُمكان أن‬


‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمره بوالديه ن‬‫الثاني‪َّ :‬‬
‫المتعين‪ ،‬ولو كان الحديث علاى ماا ذهباوا إلياه مان ساقو إذن‬
‫ع‬ ‫ينمره بترد الجهاد‬
‫الوالدين عند تعين الجهاد لكان النبي صلى هللا عليه وسلم أحرى بنن ينمره باذلك‪،‬‬
‫المتعين‪.‬‬
‫ع‬ ‫ببر والديه وترد الجهاد‬
‫من أن ينمره ع‬
‫الثالثثث‪ :‬أن الرجاال لمااا أمااره النبااي صاالى هللا عليااه وساالم بوالديااه خيا نارا‪ ،‬أقساام أن‬
‫مارا‪ ،‬وإنَّماا‬
‫يتركهما‪ ،‬وهذا دلي سل على أنَّه لم يفهم كالم النبي صلى هللا علياه وسالم أ ن‬
‫فهمه رأينا رآه له‪ ،‬وهذا إنَّما يكون فيما يُخيار فاي أخاذه وتركاه‪ ،‬وهاو شانن الجهااد‬
‫الذي لم يتعيَّن‪.‬‬

‫أعلام مان‬
‫َ‬ ‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال له أن َ أعلم‪ ،‬وإذا كان الرجل‬ ‫الرابع‪َّ :‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم فال ريب أنَّه أعلم بحاال والدياه ال بحاال الجهااد وكوناه‬
‫عاين وفار كفاياةٍ‪ ،‬أو بحكام اساتئذان الوالادين فاي هاذين الحاالَين‪ ،‬وذلاك‬
‫ٍ‬ ‫فر‬
‫للعلم بنن النبي صلى هللا عليه وسلم أعلم بالحكم وبالحال فيما يعم األ ُ َّمة‪.‬‬

‫والحديث أصل ُ لالستدالل به على عدم وجوب استئذان الوالدين في الجهاد سواء‬
‫تعين أم ال؟ فالرجل لم ينمره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم باستئذان والدياه أما َر‬
‫مفسا سار لاحاديااث‬
‫أن الحااديث ع‬‫اب إلااى َّ‬
‫اب ذاها س‬
‫عزيماةٍ‪ ،‬باال خيَّااره فااي ذلااك‪ ،‬فلااو ذها َ‬
‫األُخاارى‪ ،‬ودا ال علااى َّ‬
‫أن األماار ببا عار الوالاادين وتاارد الجهاااد مسااتحبا ف اي فاار‬
‫القوةع لوال ضع ُ الحديث‪.‬‬ ‫الكفاي عة‪ ،‬لكان في غاي عة َّ‬
‫وال أعلام ماان أيان أخااذ مان اسااتد َّل بالحاديث علااى ساقو إذن الوالاادين فاي فاار‬
‫العين استدالله‪ ،‬وال أدري كي تتااب َع علياه جماعاةس مان أهال العلام‪ ،‬ولعلهام فهماوا‬
‫صل إليه‪ ،‬أو استعجلوا في األخذ منه دون تنمل‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬ ‫منه ما لم أتو َّ‬
‫‪58‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫والثاب بالحديث الصحي وجاوب اساتئذان الوالادين‪ ،‬والثابا بالقواعاد الشارعية‬


‫العااين ماان ذلااك‪ ،‬ألنَّااه ال اع اةَ لمخلااو ٍ‬
‫ق فااي معصااية هللا‪ ،‬وماان‬ ‫ع‬ ‫اسااتثناء فاار‬
‫المتعين‪.‬‬
‫ع‬ ‫معصية هللا ترد الجهاد‬

‫استئذان الزوج‪:‬‬
‫ااء)‪ ،‬وقاال رساول‬ ‫س ع‬‫الر َجا ُل قَ َّوا ُمونَ َعلَى النع َ‬ ‫قال هللا َّ‬
‫عز وج َّل في محكم التنزيل‪ ( :‬ع‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪” :‬ال تمنعوا إما َء هللا مساجدَ هللا“ ففُهم منه وجوب الطاع عة‬
‫ازوج فيمااا عاادا ذلااك‪ ،‬وقااد انعقااد اإلجماااع علااى وجااوب اعااة الزوجا عة زو َجهااا‬ ‫ع‬ ‫للا‬
‫صاا‪ ،‬ومان ذلاك‬ ‫ب استئذانها إيَّاه فاي الخاروج مان بيتهاا خصو ن‬ ‫عمو نما‪ ،‬وعلى وجو ع‬
‫الخروج إلى الجهاد في سبيل هللا‪.‬‬

‫وال ُحكم في المرأةع كال ُحكم في جميع ماا تقادَّم‪ ،‬مان وجاوب اساتئذانها زو َجهاا ماا لام‬
‫يتعيَّن الجهادُ عليها‪ ،‬لادلَّة الدالَّاة علاى ذلاك‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن المارأة ال يتعايَّن عليهاا الجهااد‬
‫ب عنهاا‪،‬‬ ‫األعاذار فااي ساقو ع الواجا ع‬
‫ع‬ ‫الاذي يتعايَّن علاى الجهاااد‪ ،‬بال هااي كنصااحاب‬
‫وكفاي عة غيرها لها‪.‬‬

‫عرضااها ونفساها مان جهاة دفااع‬‫ع‬ ‫وإ َّنماا يتعايَّن الجهااد علااى المارأة إذا خشاي علاى‬
‫فيجب عليها أن تدفع عن نفسها وال يجوز لها االستئسار في هذه الحاال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الصائل‪،‬‬
‫إن هاذا هاو‬ ‫س‬
‫نص عليه جماعة من أهل العلم‪ ،‬فهناا يُقاال‪َّ :‬‬
‫بل يجب عليها القتا ُل كما َّ‬
‫فر العين الذي ال اعة لزوجها فيه‪.‬‬

‫وقد سنل عائشة رسول هللا صلى هللا علياه وسالم‪ :‬هال علاى النسااء جهااد؟ فقاال‪:‬‬
‫يجاب علاى‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عليهن من الجهاد ما‬ ‫يجب‬
‫ُ‬ ‫جهادكن الح ُّج والعمرة“‪ ،‬فد َّل على أنَّه ال‬
‫َّ‬ ‫”‬
‫َّ‬
‫بيعاتهن مان الِاع ع‬ ‫األعرج ونحوه بالعذر‪ ،‬لماا فاي‬
‫ع‬ ‫الرجال‪ ،‬والنسا ُء أولى من‬
‫ع‬
‫والجبن‪ ،‬وهذا حك سم مجم سع عليه‪.‬‬
‫ع‬
‫المتانخرين‪ ،‬بال‬
‫ع‬ ‫بعاف‬
‫ُ‬ ‫ذهاب إليا عه‬
‫َ‬ ‫وليس معنى هذا تحريم الجها عد علاى المارأةع كماا‬
‫وحاديث عائشاةَ إنَّماا سانل فياه عان الوجاوب ال‬
‫ُ‬ ‫محار ٍم علي َهاا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫غيار‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫جائز لها‬ ‫هو‬
‫الجواز‪ ،‬فلم تقل هل للنساء أن يُجاهدن؟ وإنَّما قال ‪ :‬هل على النساء جهاد؟‬

‫أن أم حرام ابنة ملحان قال للنباي صالى هللا علياه وسالم ادعُ هللا‬ ‫وفي الصحيحين َّ‬
‫أن يجعلني مانهم‪ ،‬فاي حاديث القاوم الاذين يركباون البحار فاي سابيل هللا‪ ،‬فادعا لهاا‬
‫بذلك‪ ،‬وكان جماعةس من النساء يخرجن مع النبي صلى هللا عليه وسلم في غزواتاه‬
‫يساااقين وياااداوين الجرحاااى‪ ،‬ما َّ‬
‫اانهن عائشاااة الصاااديقة بنااا ُ الصااادي ‪ ،‬وأم ُ‬
‫ساااليطٍ‬
‫األنصارية‪ ،‬وأم سليم األنصاريَّة‪ ،‬والربيع بن ُ َّ‬
‫معوذ‪ ،‬وأم عطيَّة األنصاريَّة‪.‬‬

‫خروجهن مع رسول هللا صلى هللا عليه وسالم فاي خدماة المجاهادين‬‫َّ‬ ‫وهذا كله فيه‬
‫َّ‬
‫عانهن‬ ‫لهن عن ذلك‪ ،‬وسقو ه القتال‬‫ي َّ‬ ‫َّ‬
‫دخولهن القتا َل وال نه س‬ ‫وإعانتهم‪ ،‬وليس فيه‬
‫‪59‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫كاألعمى واألعرج‬ ‫َّ‬


‫عليهن؛ فيُقاتلن مع الِع‬ ‫حرمه‬ ‫َّ‬
‫لِعفهن‪ ،‬وهذا ال ي ع‬ ‫رخصةس‬
‫والمريف‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫استئذان السيد‪:‬‬
‫ت حتَّاى تُباي‬
‫كثير مان الوالياا ع‬
‫المملود‪ ،‬وهي أعلى من ٍ‬
‫ع‬ ‫جعل هللا للسيد واليةن على‬
‫للسيد إقامة الحد وتُقدعم أمره على صالة الجماعة‪ ،‬وهو مملودس له كسائر ما يملك‪،‬‬
‫ثير من األحكام بينه وبين سائر األموال‪.‬‬
‫وال فرق في ك ٍ‬
‫ي‪ ،‬فلام تجاب علياه الجمعاة وال‬ ‫ناسب عجزه الحكم َّ‬
‫ُ‬ ‫عومل العبد في الشريعة بما يُ‬‫و ُ‬
‫ق أنَّاه‬ ‫الجماعةُ وال الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬على خالأٍ فاي بعاف ذلاك‪ ،‬وحقيقاةُ ع‬
‫الار ع‬
‫منافع عبدعه‪ ،‬والرقي من كان منافعُاه مملوكاةن ع‬
‫لغياره‪ ،‬وهاو مان‬ ‫ع‬ ‫ملك السيد لجميع‬
‫هذا الوجه من جمل عة المال‪ ،‬ومن جه عة عدم ملك أص عله هو من جملة الناس‪ ،‬وأحكا ُم‬
‫العب عد متفرقةس بين هذا وهذا بحس ع‬
‫ب تعلقها بمنافعه أو بنصله‪.‬‬

‫وإذا خرج العبدُ إلى الجها عد بغير إذن سيعده كان تفويتنا لمنافعه على السيعد‪ ،‬والمنافع‬
‫للسيد فلم ي ُجز استيفاؤها من غياره بغيار إذناه‪ ،‬وال يلاز ُم السايدَ باذ ُل عبا عد عه فاي‬‫ع‬ ‫ملكس‬
‫يجاب علياه‬‫ُ‬ ‫الجها عد ولو تعيَّن‪ ،‬بل له اإلبقاء علياه واساتعمالُه فاي مصاالحه‪ ،‬كماا ال‬
‫التبرع من سائر ما عل عه بما زادَ عن الزكاةع‪.‬‬
‫وإن اضطر المسالمون إلاى عبادعه واحتااجوا إلاى منفعتاه فاي القتاال ولام يقام غيا ُره‬
‫وجب علي عه بذلُهُ‪ ،‬وله أُجرة ُ المثل في بي المال‪ ،‬وثمنُ ع‬
‫المثال إن قُتال‪ ،‬كماا‬ ‫َ‬ ‫مقامه‪،‬‬
‫ديان لاه علاى بيا الماال فيماا زاد عان‬ ‫فيجب عليه بذلُهُ وهاو س‬
‫ُ‬ ‫لو احتاجوا إلى ماله‬
‫المسنلتين‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫ع‬ ‫الزكاة المفروضة‪ ،‬وهذا هو الصحي في‬

‫ضاا‬‫حقاه‪ ،‬بال يكاون فر ن‬ ‫وإذا أذن السيد لعبده في الجهاد المتعيعن لام يكان مبا نحاا فاي ع‬
‫أن الَّااذي منا َع ماان وجااوب الجهاااد عليااه أ َّن منافعااه‬‫ااألحرار‪ ،‬وذلااك َّ‬
‫ع‬ ‫متعيننااا عليااه كا‬
‫األحكام‬
‫ع‬ ‫إسالم عه ووجوب‬‫ع‬ ‫مملوكةس لغيره‪ ،‬فإذا زال ذلك المان ُع رجع إلى األصل من‬
‫جاب الجهاادُ‬ ‫عليه‪ ،‬وليس العبدُ في ذلك كالمرأة إن أذن لهاا زو ُجهاا أل َّن المارأة ال ي ُ‬
‫راجع إلى ذاتها من الِع والخاور‪ ،‬وال كالمادين والرجا عل لاه أباوان‬ ‫ٍ‬ ‫عليها ألمر‬
‫العاين باال إذن أحاد‪ ،‬أ َّماا العبادُ فااال‬
‫ع‬ ‫ألن ها الء يجاب علايهم فار ُ‬ ‫ومان لاه أميار‪َّ ،‬‬
‫غيرهُ إالَّ بإذن سيده‪.‬‬
‫العين وال ُ‬
‫ع‬ ‫يجب عليه فر ُ‬ ‫ُ‬
‫وبهذا ت َّم ما يسَّره هللا من أحكام االستئذان في الجهادع‪ ،‬وهللا أعلام وصالى هللا وسالم‬
‫على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المقصد الثالث‪ :‬النيل من الكافرين وإرهابهم‬


‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد افتر هللا على عباده الم منين‪ ،‬البراءة من أعدائه الكافرين‪ ،‬وأوجب علايهم‬
‫بغِهم وعداوتهم‪ ،‬وأمرهم بالنيل منهم وإغامتهم‪ ،‬فقال سبحانه وتعالى‪َ ( :‬وأَ ععدوا‬
‫طعتُم عمن قُ َّوةٍ َو عمن عربَا ع الخَيا عل تُر عهبُاونَ بعا عه َعاد َُّو َّ ع‬
‫ه َو َعاد َُّو ُكم َوآخَا عرينَ‬ ‫لَ ُهم َما استَ َ‬
‫عماان دُونع عهاام) ا يااة‪ ،‬فجعاال هللا اإلرهاااب مقصااودنا لإلعااداد‪ ،‬والمقصااود م ان األماار‬
‫منمور به‪ ،‬فعُلم منه األمر بإرهاب الكافرين سواء كان ذلك باإلعداد أو بالجهاد أو‬
‫بالقياس الجلي ع على الحكم المعلَّل ب ع‬
‫النص‪.‬‬ ‫ع‬ ‫بغير ذلك‪ ،‬وهذا داخ سل في ا ية‬

‫أن الكفَّار يُقااتَلون‬


‫ه َو َعد َُّو ُكم) إشارة س إلى َّ‬
‫وفي قول هللا عز وجل في ا ية‪َ ( :‬عد َُّو َّ ع‬
‫ويُرهَبااون لعااداوتهم هلل عااز وجاال‪ ،‬كمااا يُقاااتلون لعااداوتهم الما منين‪ ،‬فلاايس األماار‬
‫عدو هلل‪ ،‬وكال‬
‫كافر ا‬ ‫مقصورا على من يُناصب المسلمين العداوة‪ ،‬بل كل ٍ‬ ‫ن‬ ‫بإرهابهم‬
‫منمور بإرهابهم واإلعداد لذلك بمنطوق ا ية‪.‬‬ ‫س‬ ‫عدو لنا‪ ،‬وكل أولئك‬
‫عدو هلل ا‬
‫ٍ‬
‫مطلوب أصالن لكفارهم‪ ،‬ولعاداوتهم األصالية للما منين‪،‬‬ ‫س‬ ‫فالسعي في إرهاب الكفَّار‬
‫التي هي مقتِى إيمان الم منين وكفر الكافرين‪( ،‬الَّاذعينَ آ َمنُاوا يُقَااتعلُونَ فعاي َ‬
‫سا عبي عل‬
‫ان إع َّن َكي ادَ‬
‫ط ع‬ ‫ت فَقَاااتعلُوا أَو عليَااا َء ال َّ‬
‫شااي َ‬ ‫س ابعي عل َّ‬
‫الطااا ُ‬
‫غو ع‬ ‫ه َوالَّ اذعينَ َكفَا ُاروا يُقَاااتعلُونَ فعااي َ‬ ‫َّ ع‬
‫ض ا ععيفا ن)‪ ،‬فلكااون الم ا منين يُقاااتلون فااي ساابيل هللا وكااون الكااافرين‬ ‫ان َكااانَ َ‬ ‫ط ع‬ ‫شااي َ‬ ‫ال َّ‬
‫يُقاتلون في سبيل الطاغوت‪ ،‬أُمر أولياء الرحمن بقتال أولياء الشيطان‪.‬‬

‫والبراءة من الكفَّار وعداوتهم كما هي مطلوباةس باللساان والقلاب‪ ،‬مطلوباةس بالعمال‪،‬‬


‫وذروة سنام العمل الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬وأشد ما تكون الباراءة والمعااداة أن تسال‬
‫السيوأ وتلتقي الصفوأ‪.‬‬

‫أن إرهاب الكافرين يُطلب لدفعهم وك ع بنسهم‪ ،‬ومن الغزوات التاي أ ُرياد بهاا‬
‫كما َّ‬
‫وشرهم غزوة العسرة‪.‬‬
‫ع‬ ‫إرهاب األعداء وتخويفهم لك ع بنسهم‬
‫وكااذلك خااروج النبااي صاالى هللا عليااه وساالم إلااى حمااراء األسااد بعااد أحادٍ‪ ،‬أراد باه‬
‫صلى هللا عليه وسلم أن يك َّ بنس الكافرين ويكسار حادَّهم وشاوكتهم وه َّماتهم فاي‬
‫ساو عل عمان َبعا عد‬ ‫قتال المسلمين‪ ،‬وفي ذلك نزل قوله تعالى‪( :‬الَّاذعينَ اساتَ َجابُوا ع َّ ع‬
‫ل َوال َّر ُ‬
‫سنُوا عمن ُهم َواتَّقَاوا أَج سار َع عظاي سم) ا ياة‪ ،‬قالا عائشاة كماا‬ ‫صابَ ُه ُم القَر ُح عللَّذعينَ أَح َ‬
‫َما أَ َ‬
‫في صحي البخاري‪ :‬لما أصااب رساو َل هللا صالى هللا علياه وسالم ماا أصااب ياوم‬
‫أحد‪ ،‬وانصرأ عنه المشركون‪ ،‬خاأ أن يرجعوا‪ ،‬قال‪” :‬من ياذهب فاي إثارهم“‬
‫فانتدب منهم سبعون رجالن‪ ،‬فذكرت الحديث‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وكماا أُمرناا بإرهااب الكفَّاار وتخاويفهم وكاان ذلاك مان مقاصاد الجهااد‪ ،‬فقاد أمرنااا‬
‫بالنيل من الكفَّار بالفعل‪ ،‬نيالن ع‬
‫حسيًّا بقتلهم وقتالهم وسبي نساائهم وغنيماة أماوالهم‪،‬‬
‫ونيالن معنويًّا بإغامتهم وإرهابهم‪ ،‬وإهانتهم وإذاللهم‪.‬‬

‫ب أَن‬ ‫فقال هللا في محكم التنزيال‪َ ( :‬ماا َكاانَ عألَها عل ال َمدعينَا عة َو َمان َحاولَ ُهم معانَ األ َع َارا ع‬
‫م َمان س‬
‫صايبُ ُهم َ‬ ‫ه َوال يَر َغبُوا عبنَنفُسعا عهم َعان نَفسعا عه ذَلعاكَ عبانَنَّ ُهم ال يُ ع‬ ‫سو عل َّ ع‬ ‫يَتَخَلَّفُوا َعن َر ُ‬
‫ار َوال يَنَاالُونَ‬ ‫طانُونَ َمو ع ئاا ن يُ عغاي ُ‬
‫ظ ال ُكفَّا َ‬ ‫ه َوال يَ َ‬ ‫صةس فعاي َ‬
‫سابعي عل َّ ع‬ ‫ب َوال َمخ َم َ‬ ‫َوال نَ َ‬
‫ص س‬
‫َ‬
‫ِي ُع أج َر ال ُمح عسنعينَ )‪.‬‬ ‫صا عل س عإ َّن َّ َ‬
‫ه ال يُ ع‬ ‫ب لَ ُهم عب عه َع َم سل َ‬ ‫عمن َعد ٍُو نَيالن عإ َّال ُكتع َ‬
‫وأن كال ماو ٍّ‬‫العدو يُكتاب باه عما سل صاال س ‪َّ ،‬‬
‫ع‬ ‫فبين َّ‬
‫أن ك َّل ني ٍل يناله الم منون من‬
‫يغيظ الكفَّار –وهذا من النيل المعناوي‪ -‬يُكتاب باه عما سل صاال س ‪ ،‬وجعال ذلاك دافعناا‬
‫ضا للخروج مع النبي صلى هللا عليه وسالم فاي غازواتهم وجهااده‪ ،‬فكال ماا‬ ‫ومحر ن‬
‫ع‬
‫منمور به‪.‬‬
‫س‬ ‫س‬
‫كان فيه ني سل من الكافرين أو إغامة فهو‬

‫ومن النيل من الكافرين إنفاذُ ما حكم هللا به عليهم علاى لساان نبياه صالى هللا علياه‬
‫وساالم‪” :‬و ُجعاال الذلَّااة والصااغار علااى ماان خااال أمااري“‪ ،‬وقولااه تعااالى‪( :‬يَااا أَي َهااا‬
‫ار َوال ُمنَا عفقعينَ َواغلُظ َعلَي عهم)‪ ،‬فانمر بجهاادهم وبالغلظاة علايهم ولاو‬ ‫النَّ عبي َجا عه عد ال ُكفَّ َ‬
‫باال جهااد كماا هااو مااهر العطا ‪ ،‬أو بالغلظااة علايهم فاي الجهاااد كماا قاال تعااالى‪:‬‬
‫ظةن)‪.‬‬ ‫(قَاتعلُوا الَّذعينَ يَلُونَ ُكم عمنَ ال ُكفَّ ع‬
‫ار َوليَ عجدُوا فعي ُكم عغل َ‬

‫وفي البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على‬
‫قاريو واألحاابيو لاه‬
‫ٍ‬ ‫صاحبه أن رساول هللا صالى هللا علياه وسالم لماا بلغاه جماع‬
‫حاين خاارج قاصادنا العماارة قااال‪” :‬أشاايروا أيهااا الناااس علااي‪ ،‬أتاارون أن أمياال إلاى‬
‫عيالهم وذراري ه الء الذين يريدون أن يصادونا عان البيا ‪ ،‬فاإن ينتوناا كاان هللا‬
‫عااز وجاال قااد قطااع عيننااا ماان المشااركين وإال تركناااهم محااروبين“‪ ،‬فجعاال رفااي‬
‫األمر مقصودنا له ومطلوبنا‪ :‬أن يقطع منهم عيننا وينال منهم فإن أتوه أتوه وقاد ناال‬
‫ي صاحي س‬ ‫منهم ما نال‪ ،‬وأن يتركهم محروبينَ إن لم ينتوه‪ ،‬وكالهماا مقصادس شارع ا‬
‫قصده رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫ومن صاور النيال مان الكاافرين‪ ،‬إذاللهام وإهاانتهم‪ ،‬كماا فار هللا علايهم الجزيا َة‬
‫صغار بذاتها‪ ،‬وفر معها أن يعطوها عن ي ٍد وهم صاغرون‪ ،‬تنكيدنا لاذلك‬ ‫س‬ ‫وهي‬
‫الصغار وزيادةن فيه‪ ،‬ولم يجعل لقتالهم غايةن ينتهي إليها دون الجزية‪ ،‬فما لم يعطوا‬
‫واجب‪.‬‬
‫س‬ ‫الجزية أو يسلموا فقتالهم‬

‫ومنها قول النبي صلى هللا عليه وسلم في أهل الذماة مان الكاافرين فِاالن عمان ال‬
‫ذمة له‪” ،‬ال تبدءوا أهل الكتاب بالسالم‪ ،‬وإذا لقيتموهم في ري فاضطروهم إلى‬
‫أضيقه“‪ ،‬ونحو ذلك من أحكام إهانتهم وإذاللهم في الدنيا‪.‬‬
‫‪62‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ومن صور النيل منهم‪ :‬قت ُل المقاتلة منهم‪ ،‬وهم كل من حمل الساالح‪ ،‬وهاذا يكاون‬
‫في قتالهم ابتدا نء وفي عقوبة ناقِي العهد مانهم ولاو وقاع ذلاك باال قتاا ٍل كماا فعال‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في بني قريظة‪ ،‬واإلثخان فيهم بالقتل في المعاارد كماا‬
‫ب َحتَّاى عإذَا أَثخَنت ُ ُماوهُم‬‫الرقَاا ع‬
‫ب ع‬ ‫ِار َ‬‫أمر هللا عاز وجال‪( :‬فَاإعذَا لَ عقيات ُ ُم الَّاذعينَ َكفَ ُاروا فَ َ‬
‫ارهَا)‪.‬‬‫ب أَوزَ َ‬ ‫شدوا ال َوثَاقَ فَإع َّما َمنا ن بَعدُ َوإع َّما فعدَا نء َحتَّى تَ َ‬
‫ِ َع ال َحر ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ِااا‪ :‬ساابي النساااء والااذراري‪ ،‬فيكونااون رقيقنااا مساالوبةن‬
‫وماان صااور النياال ماانهم أي ن‬
‫رضى‪ ،‬ولذا أجمع األمة علاى‬ ‫ن‬ ‫حريت ُ ُهم‪ ،‬وتُستباح أعرا نسائهم بغير ٍ‬
‫مهر وال‬
‫ب رضي هللا عنه حين امتنع من سبي نساء أهل القبلة من‬ ‫ما فعله علي بن أبي ال ٍ‬
‫البغاة‪.‬‬
‫ومن صور النيل منهم‪ :‬غنيمة أموا علهم واستباحتها وقسمتها بين المسلمين‪ ،‬وكاذلك‬
‫كل ما يدخل في هذا الباب من إتالأ زروعهم وأموالهم‪ ،‬ومن محاصرتهم وقطع‬
‫الطري على قوافلهم‪ ،‬وغير ذلك مما يُفردُ في المقال القادم بإذن هللا‪.‬‬

‫وهذا الحكم من فر الجهاد للنيل من الكافرين وإرهابهم وإذاللهم ال يُشكل على‬


‫من يعرأ حقيقة العداوة الواجبة بين الم منين والكفَّار‪ ،‬فهي أعظم العداوات على‬
‫اإل الق‪ ،‬والعداوة إذا اشتدَّت لام تقا دون القتاال‪ ،‬فاال يُمكان أن يعلام أحادس َّ‬
‫أن هللا‬
‫فر معاداة الكافرين وقطع المواالة بينهم قطعناا تا ًّماا‪ ،‬ثا َّم يُشاكل علياه أن يُقااتلهم‬
‫إن من وجد في قلبه حقيقة بغف الكافرين لم يملك نفسه عان قتاالهم‪،‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬بل َّ‬
‫ولم يمنع مان سع أو يصدَّه صادا عن منازلتهم ومحاربتهم‪.‬‬
‫وسينتي في المقاصد الخاصة بإذن هللا بيانُ َّ‬
‫أن مما يجوز القتال والقتل ألجله‪ :‬قتل‬
‫الكافر والتقرب إلى هللا بدمه‪ ،‬وأدلَّةُ ذلك إن شاء هللا تعالى‪ ،‬هذا وهللا أعلم وصلى‬
‫هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المقصد الرابع‪:‬غنيمة المال‬


‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ب مفرو ‪،‬‬ ‫فقد شرع هللا مقاتلة الكفَّار‪ ،‬للوصو عل إلى ح ٍ مشروع‪ ،‬أو إقامة واج ٍ‬
‫أو لدفع العدوان والصيال‪ ،‬أو إللحاق األذى والنكاية بالكفَّار‪ ،‬فالمقصادان َّ‬
‫األوالن‬
‫والمقصااد الرابااع داخل اةس فااي جهاااد الطلااب‪ ،‬والمقصااد الثالااث جهاااد الاادفع‪ ،‬وماان‬
‫الحقوق المشروعة للمسلمين‪ ،‬الوصول إلى المال الَّذي بنيدي الكافرين‪ ،‬ألنَّاه مماا‬
‫أحلاه هللا للمساالمين وأباحااه لهاام فقااال عاز وجال‪( :‬فَ ُكلُااوا عم َّمااا َغنعماتُم َحاالَالن َ عيبناا)‪،‬‬
‫والقتاااال لغنيماااة الماااال‪ ،‬يكاااون الغتناماااه قبااال أن يملكاااه المسااالمون‪ ،‬والساااتنقاذه‬
‫واستعادته من أيدي الكافرين؛‬

‫األول‪ :‬القتال الغتنام المال الذي لم يملكه المسلمون‪:‬‬


‫فالقسم َّ‬
‫وقد د َّل الكتاب والسنة على مشروعية القتال لغنيمة المال بندلَّة كثيرة‪ ،‬ومن وجوه‬
‫متعددة‪:‬‬

‫فمنها ما أثب هللا فيه عن الم منين أنَّهم يريدون الغنيمة كقول هللا عز وجال‪َ ( :‬و عإذ‬
‫شااو َك عة تَ ُكااونُ لَ ُكاام)‪،‬‬‫ت ال َّ‬ ‫الطااائعفَتعي عن أَنَّ َهااا لَ ُكاام َوتَا َاودونَ أَ َّن غَيا َار ذَا ع‬
‫يَ ععادُ ُك ُم هُ إعح ادَى َّ‬
‫ت الشوكة التاي ودَّ الصاحابة أن تكاون لهام هاي الغنيماةُ ماع العيار‪ ،‬وقاال‬ ‫وغير ذا ع‬
‫ُ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ايَقو ُل ال ُمخَلفااونَ عإذا انطلق اتم عإلااى َمغَااانع َم علتَن ُخ اذوهَا ذ ُرونَااا نَت ابععكم) فعل ال‬‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫تعااالى‪َ ( :‬‬
‫س االَ َم لَس ا َ ُم عمننااا‬ ‫االنطااالق بنخااذ المغااانم‪ ،‬وقااال‪َ ( :‬والَ تَقُولُااوا عل َماان أَلقَااى عإلَااي ُك ُم ال َّ‬
‫يارة س)؛ فاننكر علايهم قاتلهم مان ألقاى‬ ‫تَبتَغُونَ َع َار َ ال َحيَااةع الادنيَا فَ ععنادَ هع َمغَاانع ُم َكثع َ‬
‫السااالم ألجاال الغنيمااة‪ ،‬ال أنَّهاام أرادوا الغنيمااة‪ ،‬ولااذا أخباارهم بالباادل وهااو المغااانم‬
‫الكثيرة عنده‪ ،‬وجاء عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مان وجاو ٍه عادَّة أنَّاه حاين‬
‫ت بني األصفر‪.‬‬ ‫ر َّغب المسلمين في غزوة تبود قال‪ :‬اغزوا تغنموا بنا ع‬
‫ومنها ما أثب فيه الصحابي عن النبي صلى هللا عليه وسلم الخروج للغنيماة‪ ،‬قاال‬
‫صة تخلفه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في غزوة‬ ‫كعب بن مالكٍ في سياق ق َّ‬
‫َّ‬ ‫العسرة‪" :‬غير أنعي تخلَّف ُ عن غزوةع ٍ‬
‫بدر‪ ،‬ولم يُعاتَب أحدس تخل عنها‪ ،‬إنَّما خرج‬
‫قريو"‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫عير‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يُريدُ َ‬
‫الرغباة‪،‬‬ ‫ومنها ما ر َّغب هللا ورسولُه الم منين فيه بالغنيمة‪ ،‬والترغياب هاو إيجاادُ َّ‬
‫رغاب‬ ‫والمقصود من الترغيب في الفعل حصولُهُ‪ ،‬فالرغبة التي يقصاد إليهاا مان يُ ع‬
‫يرةن‬ ‫هي الرغبة في الغنيمة التي تدفعه إلى ال عقتال‪ ،‬فقال تعالى‪َ ( :‬و َعدَ ُك ُم َّ‬
‫هُ َمغَانع َم َكثع َ‬
‫اب فيهااا‪ ،‬وقااال عا َّاز وجا َّل‪َ ( :‬وإعذ‬ ‫تَن ُخاذُونَ َها فَعَ َّجا َل لَ ُكاام َها عذ عه) والوعادُ بالمغااانم ترغيا س‬
‫شو َك عة تَ ُكونُ لَ ُكم) فاذكر‬ ‫الطائعفَتعي عن أَنَّ َها لَ ُكم َوتَ َودونَ أَ َّن غَي َر ذَا ع‬
‫ت ال َّ‬ ‫َي ععدُ ُك ُم هُ عإحدَى َّ‬
‫هُ‬‫أنَّااه وعاادهم إحاادى الطااائفتين وإحااداهما العيا ُار وفيهااا الغنااائم‪ ،‬وقااال‪َ ( :‬و َع ادَ ُك ُم َّ‬
‫‪64‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫َمغَانع َم َكثع َ‬
‫يرةن تَن ُخذُونَ َها فَ َع َّج َل لَ ُكم َه عذ عه)‪ ،‬وقال‪َ ( :‬والَ تَقُولُوا عل َمن أَلقَاى عإلَاي ُك ُم السَّاالَ َم‬
‫يرة س)‪ .‬والقصد المشثروع‬ ‫لَس َ ُم عمننا تَبتَغُونَ َع َر َ ال َحيَاةع الدنيَا فَ ععندَ هع َمغَانع ُم َكثع َ‬
‫لمن يُقاتل لغنيمة المال يدور بين أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬قصااد اكتسااااب الماااال للمسااالمين‪ ،‬وإماااداد بيااا ماااال المسااالمين بماااا يكفاااي‬
‫لمنافعهم‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬قصد أن يتَّخذ لنفسه ما أباحه هللا من الدنيا ومنافعها‪ ،‬مماا أبااح هللا لاه أكلاه‬
‫جاائز مشاروعس‪ ،‬ولايس فياه إالَّ‬ ‫س‬ ‫واتخاذه بقوله‪( :‬فَ ُكلُوا عم َّما َغنعمتُم َحالَالن َيعبنا)‪ ،‬فهذا‬
‫وخاص باه‬
‫َّ‬ ‫الوصول إلى ح ٍ شرعي ٍ أذن هللا له فيه‪ ،‬ور َّغباه فاي الحصاول علياه‪،‬‬
‫هذه األ َّمة ونبيَّها صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأشرأ المكاسب ماا اختااره هللا لنبياه كماا‬
‫قال القر بي وابن القيم‪ ،‬واستدالَّ بقوله صلى هللا عليه وسلم في حديث ابان عمار‪:‬‬
‫ثثل رمحثثثي“ أخرجااه أباااو داود بإسااانا ٍد حساان‪ ،‬وهاااو مااان‬ ‫”و ُجعثثل ر قثثثي تحثثت حث ِ‬
‫خصاائص هااذه األمااة كمااا عنااد الشاايخين ماان حااديث جااابر باان عبااد هللا‪” :‬أُعطيثثتُ‬
‫نبي قبلي“ الحديث إلى أن قال‪” :‬وأُحلَّت لي الغنائم“‪.‬‬ ‫عطهن ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫سا لم يُ‬
‫خم ً‬
‫كسافر مان‬
‫ع‬ ‫فهو يُقاتل في سبيل هللا‪ ،‬ويُريد بذلك وجه هللا‪ ،‬ويطلب ما أباحاه لاه هللا‪،‬‬
‫رباه بالتجاارة ونحوهاا‪ ،‬وقاال‬ ‫يُريد الح َّج وينوي به وجه هللا‪ ،‬ماع لباه فِاالن مان ع‬
‫أمار لتحصايل العاون‬ ‫صلي إذا حزباه س‬ ‫صالَةع)؛ فمن يُ ع‬ ‫تعالى‪َ ( :‬واستَ ععينُوا بعال َّ‬
‫صب عر َوال َّ‬
‫صا من اإلخالص شيئنا‪ ،‬ومن يدعو ويطلب شيئنا من‬ ‫الَّذي أرشده هللا إليه ليس منتق ن‬
‫أمر الدنيا مطي سع عابدس هلل غير داخ ٍل عليه في نيته شي سء‪ ،‬وليس هذا مان ا علريااء فاي‬
‫شاايءٍ ‪ ،‬ب ال ال ُمرائااي يقصااد غياار وجااه هللا‪ ،‬أو ياانقص ماان قصااده لوجااه هللا قص ادس‬
‫مزاح سم لهذا القصدع‪ ،‬ال قصدس مستق ال عنه غير معار ٍ له‪.‬‬
‫وفااوق هااذا مرتب اةس أعلااى‪ ،‬وهااي أن يُعاار عاان هااذا القصااد وشااهوده وإن كااان‬
‫حاصالن بالتبع ضمن ما يحصل من الجهاد‪ ،‬وهذه المرتباة هاي مرتباة جهااد النباي‬
‫ب في كتابه (الحكم الجديرة باإلذاعاة مان‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قال الزين ابن رج ٍ‬
‫قول النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬بُعث بالسي بين يدي الساعة)‪” :‬أنه كاان صالى‬
‫هللا علياه وسالم إنماا كاان يجاهاد لتكاون كلماة هللا هاي العلياا وديناه هاو الظااهر‪ ،‬ال‬
‫ألجل الغنيمة‪ ،‬فيحصل له الرزق تب نعا لعبادته وجهاده في هللا‪ ،‬فال يكون فرغ وقتناا‬
‫ِااا‪ ،‬وإنمااا عبااد هللا فااي جميااع أوقاتااه وحااده فيهااا‬
‫ماان أوقاتااه لطلااب الاارزق مح ن‬
‫ميسارا فاي ضاامن ذلاك مان غيار أن يقصااده وال‬ ‫ن‬ ‫وأخلاص لاه‪ ،‬فجعال هللا لااه رزقاه‬
‫يسعى إليه“‪.‬‬

‫والفرق بين هذه المرتبة والمرتبة السابقة كالفرق بين من يسير في األر يطلب‬
‫الرزق المباح‪ ،‬ومن ال يشهد فاي لباه الارزق إال التقارب إلاى هللا وحاده والساعي‬
‫في مراضيه‪ ،‬وكالفرق بين دعوة من يسنل هللا أمور دنيااه‪ ،‬ومان يسانل هللا القُرباة‬
‫إليه والزلفى لديه‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫والقسم الثاني‪ :‬القتال الستعادة المال الذي استولى عليه الكافرون‪:‬‬

‫لمسلم في حديث سلمة بن األكوع الطويل‪ :‬ثم قدمنا‬


‫ٍ‬ ‫فنخرج البخاري ومسلم واللفظ‬
‫المدينة فبعث رسول هللا صالى هللا علياه وسالم بظهاره ماع ربااح غاالم رساول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم وأنا معه‪ ،‬وخرج معه بفرس لحاة أندياه ماع َّ‬
‫الظهار‬
‫فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغثار علثى حهثر رسثول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه‪ ،‬قال فقلا ‪ :‬ياا ربااح خاذ‬
‫هذا الفرس فنبلغه لحة بن عبياد هللا‪ ،‬وأخبار رساول هللا صالى هللا علياه وسالم أن‬
‫المشااركين قااد أغاااروا علااى ساارحه‪ ،‬قااال‪ :‬ثاام قم ا علااى أكمااة فاسااتقبل المدينااة‬
‫فنادي ثالثا يا صباحاه‪ ،‬ثم خرج في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول‪ :‬أنا‬
‫ابن األكوع‪ ،‬واليوم يوم الرضع‪ ،‬فنلح رجال منهم فنصاك ساه نما فاي رحلاه حتاى‬
‫خلااص نصاال السااهم إلااى كتفااه‪ ،‬قااال قل ا ‪ :‬خااذها وأنااا اباان األكااوع‪ ،‬واليااوم يااوم‬
‫الرضع‪ ،‬قال فوهللا ما زل أرميهم وأعقر بهم‪ ،‬فإذا رجع إلي فاارس أتيا شاجرة‬
‫فجلس في أصلها ثم رميته فعقرت به‪ ،‬حتى إذا تِاي الجبل فدخلوا في تِايقه‬
‫علوت الجبل فجعل أرديهم بالحجارة‪ ،‬قال‪ :‬فما لت كذلك أتبعهم حتثى مثا خلث‬
‫هللا مثثن بعيثثر مثثن حهثثر رسثثول هللا صاالى هللا عليااه وساالم إال خلفتثثه وراء حهثثري‬
‫وخلوا بيني وبينه‪ ،‬ثام اتبعاتهم أرمايهم حتاى ألقاوا أكثار مان ثالثاين باردة وثالثاين‬
‫رم نحاا يساتخفون‪ ،‬وال يطرحاون شايئنا إال جعلا علياه آراماا مان الحجاارة يعرفهاا‬
‫َ‬
‫الحديث بطوله‪.‬‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأصحابه‪ .‬ث َّم ذكر‬

‫صاة‪ ،‬مان خاروج سالمة بان األكاوع رضاي هللا عناه ومقاتلتاه حتَّاى‬‫فما في هاذه الق َّ‬
‫استعاد إبل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وغنم من المشركين ماا غانم‪ ،‬وخاروج‬
‫النبي صلى هللا عليه وسالم وأصاحابه لماا سامعوا ناداء سالمة بان األكاوع وجااءهم‬
‫الصري ‪ ،‬كان أصله كله استعادة اإلبل التي انتهبها المشركون‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪66‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المقاصد الخاصة‬
‫ساالين‪ ،‬نبيعنااا محمااد‬
‫سااـالم علااى أشاارأ المر َ‬
‫صااالة وال َّ‬‫رب العااالمين‪ ،‬وال َّ‬
‫الحمااد هلل ع‬
‫صحابته أجمعين‪ ،‬أ َّما بعد‪:‬‬ ‫وعلى آله و َ‬
‫فقد تقدَّم في األعداد السابقة الحديث عن المقاصد التي يُشرع الجهاد ألجلها‪ ،‬وذلك‬
‫في األعداد من الخامس إلى التاسع عشر من هذه المجلَّة المباركة بإذن هللا‪ ،‬تخلَّلها‬
‫ثالثة مقاالت عن أحكام االستئذان في الجهاد‪ ،‬والمقاصد التاي تقادَّم الحاديث عنهاا‬
‫هي المقاصد العامة للجهاد‪ ،‬أي التي تُستنفر الجيون وتخرج السرايا ألجلها‪.‬‬
‫أما المقاصد الخاصة فهي التاي يخارج ألجلهاا العباد وحاده‪ ،‬ويلتحا بالمجاهادين‪،‬‬
‫فالفرق بينها وبين السابقة أن تلك تقاوم الحاروب ألجلهاا‪ ،‬أماا هاذه فيخارج الرجال‬
‫إلى الجهاد للحصول عليها دون أن تستقل بكونها سببنا في قيام المعارد‪.‬‬

‫ضااا علااى الجهاااد المتعاايعن‪ ،‬ويخاارج‬


‫ومحر ن‬
‫ع‬ ‫والمقاصااد الخاصااة التااي تكااون دافعنااا‬
‫الرجل ألجلها وينطل في لبها حين ال يتعيَّن‪ ،‬كثيرة س ال تحصر‪ ،‬لما جعل هللا فاي‬
‫والحكم والمصال الدنيويَّة والدينيَّة‪ ،‬فهو ذروة سنام الدين‪ ،‬وباه‬ ‫الجهاد من الفوائد ع‬
‫يُدفع كيد الكائدين‪ ،‬وفيه من الكرامات العظيمة وا ياات التاي تزياد اإليماان وتادفع‬
‫العزة وتمحو آثار الذلَّة‪ ،‬ما ال يحصل بغيره أبدنا‪.‬‬ ‫الكفر والنفاق‪ ،‬وتزرع َّ‬

‫فمان أراد رفقااة الصاالحين ومصاااحبة األخيااار‪ ،‬فمان خيا سار مان باااذلي نفوسااهم هلل‪،‬‬
‫الااذين يُخااافون فااي هللا حااين ال يُخاااأ أحااد‪ ،‬ويُا ذَون فااي هللا حااين ال يُا ذى أحااد‪،‬‬
‫المشاق والمكاره التي ما اضطروا إليها إالَّ امتثال أمر هللا وتقر نبا‬
‫ع‬ ‫ويصبرون على‬
‫خيارا مانهم‪ ،‬وإذا كانا الرفقاة الصاالحة‬ ‫ن‬ ‫إليه‪ ،‬فماا يجاد مان يرياد الرفيا الصاال‬
‫تُعين على الخير وتنمر بالمعروأ وتنهى عن المنكر‪ ،‬فني رفي خيار ممان يُعاين‬
‫على الجهاد‪ ،‬لقلَّة المعاين علياه والمسااعد‪ ،‬ماع مكانتاه العظيماة‪ ،‬ووجوباه المتحاتم‬
‫في هذا الزمان‪.‬‬

‫ياوم بالمسالمين مان النكباات‬


‫ومن أراد شفاء الصادر وذهااب الغايظ مماا يارى كال ٍ‬
‫و المصائب والحرب عليهم في دينهم ودنياهم‪ ،‬وآلماه انتهااد أعارا المسالمات‪،‬‬
‫واسااتباحة الااديار واألمااوال‪ ،‬وإراقااة الاادماء‪ ،‬فلاايس لااه شاافاء دون قولااه تعااالى‪:‬‬
‫ُور قَاو ٍم ما عمنعينَ‬
‫صد َ‬ ‫(قَاتعلُوهُم يُعَذعب ُه ُم هُ بعنَيدعي ُكم َويُخ عزهعم َويَن ُ‬
‫صر ُكم َعلَي عهم َويَش ع ُ‬
‫وب هُ َعلَى َمن َيشَاء) ا ية‪ ،‬وهذا إنَّما يكون فايمن فاي‬ ‫ظ قُلُو عب عهم َو َيت ُ ُ‬
‫* َويُذهعب غَي َ‬
‫قلبه حياة س وموض سع ينلم للمسلمين ويهتم ألمرهم‪.‬‬

‫ِ مِاجع العاشقين‪ ،‬وأتعبا ركائاب المجاهادين‪،‬‬ ‫ومن أعظم المقاصد التي أق َّ‬
‫وفارق الحليم عندها عحل ُمه‪ ،‬وأعان العليم على الصبر في لبها عل ُمه‪ ،‬الشهادة في‬
‫ساابيل هللا‪ ،‬التااي يتمنَّاهااا ماان غلااب توكلااه مخاوفَااه‪ ،‬وأدحااف يقينُاهُ أحابياال‬
‫‪67‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫شاايطانع عه‪ ،‬وهااي وال ريااب أعظاام درجااات الشااوق إلااى هللا ومحبَّااة‬
‫أحب هللا لقاءه‪ ،‬ومن كره لقاء هللا كره هللا لقاءه"‬
‫َّ‬ ‫أحب لقاء هللا‬
‫لقائه‪ ،‬و"من َّ‬
‫كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي هللا عنها‪.‬‬
‫وقد د َّل على هذا المقصد كتاب هللا وسنَّة رسوله صلى هللا عليه وسالم‪ ،‬أماا ا ثاار‬
‫بكثير‪ ،‬وسنذكر جملةن‬
‫ٍ‬ ‫عن الصحابة والسل الصالحين في ذلك فهي فوق الحصر‬
‫من األدلَّة الدالَّة على هذا المقصد العظيم‪.‬‬

‫سا عبي عل هع الَّاذعينَ يَش ُارونَ ال َحيَااةَ‬


‫فقال هللا عز وجل في محكم التنزيال‪( :‬فَليُقَاتعال فعاي َ‬
‫أ نُ تعي عه أَج نرا َع عظي نماا)‪،‬‬ ‫سو َ‬‫سبعي عل هع فَيُقتَل أَو يَغ علب فَ َ‬
‫الدنيَا بعا عخ َرةع َو َمن يُقَاتعل فعي َ‬
‫من‬
‫فاانمر ماان يبيااع دنياااه بآخرتااه بالقتااال‪ ،‬والمفاارو الواجااب أن يكااون كاال م ا ٍ‬
‫كااذلك‪ ،‬وبيااع الاادنيا بااا خرة أعظاام مااا يكااون بالقتاال فااي ساابيل هللا‪ ،‬ومااا جاااء ماان‬
‫النصوص في جنس هذا المعنى كله دا ال على هذا المقصد‪.‬‬

‫س ُهم َوأَم َوالَ ُهم بعن َ َّن لَ ُه ُم ال َجنَّةَ يُقَاتعلُونَ‬


‫وقال سبحانه‪( :‬إع َّن هَ اشتَ َرى عمنَ ال ُم عمنعينَ أَنفُ َ‬
‫وناص‬
‫َّ‬ ‫ه فَ َيقتُلُونَ َويُقتَلُونَ ) ا ية‪ ،‬فجعل القتل في سابيل هللا غاياةن للبياع‪،‬‬ ‫س عبي عل ع‬
‫فعي َ‬
‫عليه في العقد‪ ،‬وذلك بعد أن ذكر المعنى الساب من بيع النفس هلل عز وجل‪ ،‬وهو‬
‫بيع الدنيا با خرة‪.‬‬
‫وقال أشارأ الخلا صالى هللا علياه وسالم كماا فاي صاحي مسالم مان حاديث أباي‬
‫هريارة‪” :‬مثن خيثثر معثان النثاس لهثثم‪ :‬رجثل ممسثكٌ عنثثان فر ِ‬
‫سثه فثي سثثبيل هللا‬
‫يطيثثر علثثى متنثثه‪ ،‬كلمثثا سثثمع هيعثثة أو فزعثثة طثثار عليثثه‪ ،‬يبتغثثي القتثثل والمثثوت‬
‫مظانَّه“ الحديث‪ ،‬وهذا الحديث من أصرح النصوص الصحيحة في هاذا المقصاد‬
‫علاو مكاناة مان يناوي هاذه‬
‫واعتباره واألمر به شر نعا‪ ،‬بال هاو دليال صاري علاى ع‬
‫النية ويطلب هذا المطلب‪.‬‬
‫وقريب منه في الداللة حديث عبد هللا بن عمرو فاي مساند اإلماام أحماد‪ ،‬أن رجاالن‬ ‫س‬
‫ساانل النبااي صاالى هللا عليااه وساالم‪ :‬أي الجهاااد أفِاال؟ قااال‪” :‬مثثن عُقثثر جثثوا ُدهُ‬
‫وأُهري َ د ُمه“‪ ،‬ومان لاب أن يُهاراق د ُماهُ لام يازد علاى أن لاب أفِال مراتاب‬
‫الجهاد‪ ،‬و لب أف ِل مراتب الجهاد الذي هو ذروة سنام الدين ال يمكان أن يكاون‬
‫محر نما ال يجوز‪ ،‬بل ال يكون إالَّ قربةن من أعظم القربات إلى هللا‪.‬‬

‫ومن األدلَّة الظاهرة على ذلك‪ ،‬ما أخرج الشايخان مان حاديث أباي هريارة رضاي‬
‫هللا عنه وأرضاه‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قاال‪” :‬لثوددت أن أغثزو فثي‬
‫سبيل هللا فأُقتل‪ ،‬ثم أغزو فأُقتل‪ ،‬ث َّم أغزو فأقتل“ وذَ َكر القتل في بعف الرواياات‬
‫ثالثنا وفي بعِها أربعنا‪ ،‬فقد تمنَّى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم القتل فاي سابيل‬
‫هللا‪ ،‬وما كان ليتمنَّاه وهاو مفسادة س وخساارة س ومناقِاةس للمقصاود مان خلا اإلنساان‬
‫وعمارته األر ‪.‬‬
‫‪68‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫و قد أخرج البخاري هذا الحديث في باب تمني الشهادة من صحيحه‪ ،‬وأخارج فياه‬
‫ِا حديث أنس بن مالك في ذكار النباي صالى هللا علياه وسالم قصاة أهال م تاة‪،‬‬ ‫أي ن‬
‫وفيااه قااال‪” :‬مثثا يسثثرنا أنهثثم عنثثدنا“‪ ،‬أو قااال‪” :‬مثثا يسثثرهم أنهثثم عنثثدنا“‪ ،‬ووجااه‬
‫الداللاة مناه علااى اللفاظ األول ماااهر‪ ،‬فاالنبي صالى هللا عليااه وسالم فاارح بماا‬
‫أن بقاءهم عنده ال يساره ماع أن فايهم‬ ‫أصابهم وهو الشهادة‪ ،‬وذكر َّ‬
‫زيد بن حارثة حب رسول هللا صالى هللا علياه وسالم وفايهم جعفار‬
‫باان أبااي الااب الااذي قااال فيااه صاالى هللا عليااه وساالم‪” :‬وهللا مثثا أدري‬
‫بأيهمثثا أُسثثر بفثثتح خيبثثر أم بقثثدوم جعفثثر“‪ ،‬وعبااد هللا باان رواحااة وهااو ماان خيااار‬
‫أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فما سره استشهادهم إالَّ لما للشاهادة مان‬
‫فِ ٍل يعدل هذه األمور العظيمة‪ ،‬وهذا دليل على تمني الشهادة و لبها‪ ،‬وهو على‬
‫ِا كما في الحديث ا تي‪.‬‬ ‫المعنى الثاني ماهر أي ن‬
‫ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالاكٍ رضاي هللا عناه أن رساول هللا صالى هللا‬
‫عليه وسلم قال‪” :‬ما مثن نفث تمثوت لهثا عنثد هللا خيثر‪ ،‬يسثرها أنهثا ترجثع إلثى‬
‫الثثدنيا وال أن لهثثا الثثدنيا ومثثا فيهثثا‪ ،‬إال الشثثهيد؛ فإنثثه يتمنثثى أن يرجثثع فيقتثثل فثثي‬
‫الدنيا‪ ،‬لما يرى من فضثل الشثهادة“‪ ،‬وتمناي الشاهيد بعاد استشاهاده أن يعاود إلاى‬
‫الاادنيا ليُقتاال فااي ساابيل هللا‪ ،‬فيااه أنَّهاام يتمنَّااون القتاال لفِاال القتاال وح اده ال لمجاارد‬
‫الوصول إلى النعيم عند هللا‪ ،‬ألنهام موجاودون فاي النعايم حقيقاةن وقا تمنايهم‪ ،‬بال‬
‫زاد على هذا أنَّهم في المكان الذي ال يُراد النزوح منه واالنتقال مناه رفاة عاي ٍن‪،‬‬
‫لعظيم النعيم فيه‪ ،‬ومع ذلك يغلب عليهم فِل الشاهادة حتاى يتمناون الادنيا ألجلاه‪،‬‬
‫وليس أحد من أهل الجنة يتمنى الرجوع غيرهم كما في الحديث‪.‬‬

‫مرارا‪ ،‬كما يتمناه الشاهداء عنادما‬


‫ن‬ ‫وتمني النبي صلى هللا عليه وسلم ذلك في حياته‬
‫يرون الفِل بنعينهم‪ ،‬هو من تمام يقينه صلى هللا عليه وسلم وتصديقه بخبر هللا‪،‬‬
‫ومن سعة علمه الذي علمه هللا‪ ،‬كما في قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬لو تعلمون ما‬
‫كثيثرا" أخرجااه فاي الصاحيحين مان حاديث عاد ٍد مان‬
‫ً‬ ‫أعلم لضحكتم قليالً ولبكيتم‬
‫الصحابة‪.‬‬

‫نسنل هللا أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصال ‪ ،‬والجهاد في سبيله والصبر على‬
‫ذلك والثبات في ريقه‪ ،‬وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين‪،‬‬
‫وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫حكم الجهاد في رجب(‪)1‬‬


‫تعظيم الشهر الحرام ومعنى التحريم فيه‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيد األولين وا خرين‪ ،‬وعلاى آلاه‬
‫وصحابته والتابعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فمااا مِااى زمااان فااي هااذا العصاار ا خاار‪ ،‬اشااتعل فيااه جااذوة الجهاااد‪ ،‬وتااواترت‬
‫العملياات‪ ،‬ومهارت شااوكة المسالمين وقاوة اإلسااالم وعازة الادين للعيااان‪ ،‬مثال ماا‬
‫مهر ا ن‪ ،‬فالجهاد في أفغانستان يُذي األمريكان والمرتدين ألاوان العاذاب‪ ،‬وفاي‬
‫الشيشان فتوحاتس عظيمة وعمليات مستمرة‪ ،‬وفي العراق ما ال يُحيط به الوصا‬
‫مان الجهاااد المبااارد بفِال هللا ومنتااه علااى حداثااة الجبهاة وقاارب تنسيسااها‪ ،‬وفااي‬
‫جزياارة العاارب والجزائاار وغيرهمااا جبهاااتس ملتهباةس علااى الكااافرين‪ ،‬والعااالم كلااه‬
‫ينتظر الِربات على الصليبيين وأوليائهم في المشارق والمغاارب ال يادري أحادس‬
‫أين الِربة ا تية لجند هللا المجاهدين في سبيله‪.‬‬

‫وكثياار ماان العمليااات التااي يقااوم بهااا المجاهاادون تصااادأ الشااهر الحاارام‪ ،‬وشااهر‬
‫اب‪ ،‬تنتهااي فيااه مهلااة الطاااغوت عبااد هللا للمجاهاادين فااي الجزياارة‪،‬‬ ‫اب آ ٍ‬
‫ت قريا س‬ ‫رجا َ‬
‫وينتي بعد انتهاء مهلاة أباي عباد هللا أساامة بان الدن للادول األوروبياة‪ ،‬ويانتي فاي‬
‫الااذي يااتمكن فيااه المجاهاادون فااي أفغانسااتان والشيشااان ماان اإلعااداد‬ ‫أشا عاد الصااي‬
‫والعماال والجهاااد‪ ،‬فوجااب بيااان حكاام الجهاااد فااي هااذا الشااهر‪ ،‬وحكاام مااا يفعلااه‬
‫المجاهدون‪ ،‬وأوجازت الكاالم علاى هاذه المسانلة فاي أرباع مقااال ٍ‬
‫ت تانتي باإذن هللا‬
‫على فروع هذه المسنلة وتُبين بهدايته سبحانه الح َّ من األقوال فيها‪.‬‬

‫أن عمليات المجاهدين اليوم مشروعةس ال يجري فيها شايء مان‬


‫والذي ال يُشك فيه َّ‬
‫الخالأ ا تي ذكره‪ ،‬فهي من جهاد الدفع الذي هو قتال اضطرار ال يتعل بشاهر‬
‫حرام وال غيره‪ ،‬وهي في مقاتلة عدو ال يحترم للشهر الحرام حرمةن‪ ،‬وهاذان مماا‬
‫يُبي القتال في الشهر الحرام باالتفاق كما ينتي تفصيالن بإذن هللا‪.‬‬
‫‪70‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وخص منها ما شااء بماا شااء مان‬


‫َّ‬ ‫وهللا َّ‬
‫عز وج َّل خل َ األشياء واألزمنة واألمكنة‪،‬‬
‫الخصائص واألحكام‪َ ( ،‬و َربكَ يَخلُ ُ َما يَشَا ُء َويَختَ ُ‬
‫اار َماا َكاانَ لَ ُها ُم ال عخيَ َارة ُ)‪ ،‬وكاان‬
‫خاص بعِاها باألنبيااء‪ ،‬وبعِاها بشايءٍ مان‬
‫َّ‬ ‫عصورا‪،‬‬
‫ن‬ ‫مما اختار هللا من األزمنة‬
‫فخاص‬
‫َّ‬ ‫الياوم‪،‬‬
‫ع‬ ‫والسماء‪ ،‬وكان مما اختاره جال وعاال‪ ،‬أوقااتس مان‬ ‫بركات األر‬
‫الثلث األخير من الليل بنزوله جال وعاال‪ ،‬وأمار بالاذكر قبال لاوع الشامس وقبال‬
‫الغروب‪ ،‬وأوقاتس مان بعاف الشاهور‪ ،‬كنيَّاام عشار ذي الحجاة‪ ،‬ولياالي رمِاان‪،‬‬
‫وشهور مان العاام‬
‫س‬ ‫شهر‪،‬‬ ‫خير من أل‬
‫والعشر األواخر منه‪ ،‬وليلة القدر التي هي س‬
‫منها رمِان الذي أُنزل فيه القرآن‪ ،‬واألشهر األربعةُ الحر ُم‪.‬‬

‫وقااد أُجمااع علااى تعظاايم هااذه األشااهر وتغلاايظ المحرمااات فيهااا‪ ،‬وكااان القتااال فيهااا‬
‫إلاى َّ‬
‫أن تحريماه منساو س ‪،‬‬ ‫والخلا‬ ‫محر نما‪ ،‬ثا َّم ذهاب جمااهير العلمااء مان السال‬
‫أن محلَّه باإلجماع جهادُ الطلب ال جهاد الدفع‪ ،‬والشريعة‬
‫والراج بقاء الحكم‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫شااه ُر ال َحا َارا ُم‬ ‫انص قولااه تعااالى‪( :‬ال َّ‬ ‫جا َّاوزت مقاتلااة ماان قاتلنااا فااي الشااهر الحاارام با ع‬
‫ان اعتَادَى َع َلااي ُكم َفاعتَادُوا َع َلي ا عه عب عمث ا عل َمااا‬
‫ااص َف َما ع‬
‫صا س‬ ‫عبال َّ‬
‫شااه عر ال َحا َار عام َوال ُح ُر َماااتُ قع َ‬
‫اعتَدَى َعلَي ُكم)‪ ،‬والكفَّار اليوم يُقاتلون المسلمين فاي كال وقا ٍ وحاا ٍل‪ ،‬ال يُحرماون‬
‫شهرا حرا نما‪ ،‬وال يرعون إالًّ وال ذما نما‪.‬‬
‫ن‬ ‫فيهم‬

‫متنكدس من وجوه منها‪:‬‬


‫ع‬ ‫وتعظيم األشهر ال ُح ُرم في ال َّ‬
‫شريعة‪ ،‬ثاب س‬

‫‪ ،‬فقااال تعااالى‪( :‬إع َّن عع ادَّةَ‬ ‫األول‪َّ :‬‬


‫أن تعظيمهااا ثاب ا س يااوم خل ا السااموات واألر‬ ‫َّ‬
‫ت َواألَر َ عمن َهاا‬
‫ه يَاو َم َخلَا َ السَّا َم َاوا ع‬ ‫ه اثنَا َعش ََر شَهران فعي عكتَا ع‬
‫ب َّ ع‬ ‫ور ععندَ َّ ع‬ ‫الش ُه ع‬
‫أَربَ َعةس ُح ُر سم)‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫وماهر ا ية َّ‬


‫أن تحريم األربعة الحرم في وق خل السموات واألر‬
‫‪71‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫الثاني‪ :‬أنَّها كان مما تعظمه العرب في الجاهليَّة على تفرقهاا واخاتالأ ديارهاا‪،‬‬
‫حتااى سااموا الحااروب التااي كانا فيهااا بحااروب الفجااار‪ ،‬فااد َّل أنَّهااا ماان بقاي اا دياان‬
‫السالم‪.‬‬
‫ع‬ ‫إبراهيم عليه‬

‫القتال فيها بننَّه كبير‪ ،‬فقال‪( :‬يَسنَلونَكَ َع عن ال َّ‬


‫شاه عر‬ ‫أن هللا َّ‬
‫عز وج َّل وص‬ ‫الثالث‪َّ :‬‬
‫ال َح َر عام قعتَا ٍل فعي عه قُل قعتَا سل فعي عه َك عب س‬
‫ير)‪.‬‬

‫عز وج َّل نهى عن إحالله فقال‪َ ( :‬يا أَي َها الَّذعينَ آ َمنُوا ال ت ُ عحلوا َ‬
‫ش َعا عئ َر‬ ‫أن هللا َّ‬
‫الرابع‪َّ :‬‬

‫ي َوال القَالئعدَ َوال عآمينَ البَي َ ال َح َر َ‬


‫ام)‪.‬‬ ‫ام َوال ال َهد َ‬ ‫ه َوال ال َّ‬
‫شه َر ال َح َر َ‬ ‫َّ ع‬

‫الخامس‪َّ :‬‬
‫أن هللا سابحانه قرنهاا فاي ا ياة الساابقة بمحرماات عظيماة‪ ،‬مان شاعائر‬
‫ضاع‬ ‫ص عد عن البي الذي َّ‬
‫عظم هللا به فعلاة الكاافرين فاي غيار مو ٍ‬ ‫هللا‪ ،‬والهدي‪ ،‬وال َّ‬
‫من القرآن‪.‬‬

‫السادس‪َّ :‬‬
‫أن هللا جعل التالعب بتحليلها وتحريمهاا مان زياادة كفار المشاركين فاي‬
‫ِال بعا عه الَّاذعينَ َكفَا ُروا يُ عحلونَاهُ َعاماا ن‬
‫الجاهلية‪ ،‬فقال‪( :‬إعنَّ َما النَّسعي ُء عزيَادَة س فعي ال ُكف عر يُ َ‬
‫َويُ َح عر ُمونَهُ َعاما ن)‪.‬‬

‫ص مكاة فاي‬
‫صها من بين الشهور بحكم التحريم واسمه‪ ،‬كماا خا َّ‬ ‫سابع‪َّ :‬‬
‫أن هللا خ َّ‬ ‫ال َّ‬
‫القرآن‪ ،‬والمدينة في سنة نبياه صالى هللا علياه وسالم باالتحريم‪ ،‬فهاي فاي األزمناة‪،‬‬
‫كمكة والمدينة في األمكنة‪.‬‬

‫ضارب باه المثال فاي الحرماة فقاال‪َّ ” :‬‬


‫إن‬ ‫َ‬ ‫ي صالى هللا علياه وسالَّم‪،‬‬ ‫الثامن‪َّ :‬‬
‫أن النبا َّ‬
‫يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا“‪.‬‬
‫دماءكم وأموالكم عليكم حرا سم‪ ،‬كحرم عة ع‬

‫التاسع‪ :‬أنَّها قيا سم للنااس وصاال سح ألمارهم ومعاشاهم‪ ،‬كماا قاال سابحانه‪َ ( :‬جعَا َل َّ‬
‫هُ‬
‫ويساعى‬ ‫ام) ا ية‪ ،‬فبها ينمن الخائ‬
‫شه َر ال َح َر َ‬ ‫ام قعيَاما ن عللنَّ ع‬
‫اس َوال َّ‬ ‫ال َكعبَ َة البَي َ ال َح َر َ‬
‫الناااس فااي المعااايو‪ ،‬ولااوال مشااروعيتُها ضاااق بالناااس الساابل وانقطع ا الحياال‬
‫وانسدت أسباب التجارة‪.‬‬
‫‪72‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫العاشر‪ :‬معنى التحريم في الشهر الحرام‪.‬‬

‫أصل التحريم في اللغة المنع‪ ،‬والمنع عن شيءٍ يكون ألحد سببين‪:‬‬

‫المحرم مما ينقص مان قادره‬


‫َّ‬ ‫األول‪ :‬شرأ من ُمن َع والمحافظة عليه‪ ،‬وكون‬
‫‪َّ ‬‬
‫أو يِره‪ ،‬ومن هذا تحريم الخبائث والخمر‪ ،‬والفواحو ونحوها‪.‬‬

‫‪ ‬الثااااني‪ :‬شااارأ ماااا ُمنااا َع‪ ،‬وكاااون التعااادعي علياااه انتها نكاااا لاااه‪ ،‬ومناااه تحاااريم‬
‫المحرمات َّ‬
‫الزمانيَّة والمكانيَّة‪ ،‬كالحرمين‪ ،‬واألشهر الحرم‪.‬‬

‫والتحريم في األشهر الحرم‪ ،‬يتعل ُ بنمرين‪:‬‬

‫صة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فيهن خا َّ‬ ‫األول‪ :‬تحريم القتال‬
‫‪َّ ‬‬

‫المحرمات‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬الثَّاني‪ :‬تغليظ سائر‬

‫عز وج َّل‪( :‬يَسنَلونَكَ َع عن ال َّ‬


‫شه عر ال َح َر عام قعتَا ٍل فعي عه قُل قعتَاا سل‬ ‫األول‪ ،‬ففيه قول هللا َّ‬
‫فن َّما َّ‬
‫فعي عه َك عب س‬
‫ير)‪ ،‬وغيره‪.‬‬

‫ه اثنَا َعش ََر شَاهران فعاي عكتَاا ع‬


‫ب َّ‬
‫هع‬ ‫وأ َّما الثَّاني؛ فقال سبحانه‪ ( :‬عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع‬
‫ور ععندَ َّ ع‬
‫ت َواألَر َ عمن َها أَربَ َعةس ُح ُار سم ذَلعاكَ الا عدينُ القَا عي ُم فَاال تَظ عل ُماوا فعاي عه َّن‬ ‫يَو َم َخلَ َ ال َّ‬
‫س َم َاوا ع‬
‫س ُكم)‪.‬‬‫أَنفُ َ‬

‫ويُلحااا ُ بتغلااايظ المحرماااات فاااي ال َّ‬


‫شاااهر الحااارام‪ ،‬تغلااايظ الااادعيات‪ ،‬فحكااام جمهاااور‬
‫وروي عان النباي‬
‫كي إجما َعهم ‪ -‬بتغلايظ الدياة فاي الشاهر الحارام‪ُ ،‬‬
‫الصحابة ‪ -‬و ُح َ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ولم يص عنه‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة والشافعية؛ علاى خاالأ‬
‫في كيفيَّة التغليظ‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا على محمد وسلم‪ ،‬وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫حكم الجهاد في رجب(‪)2‬‬


‫حكم القتال في الشهر الحرام‬
‫تحااريم األشااهر الحاارم فااي أول األماار محاال اتفاااق‪ ،‬وقااد دلَّ ا عليااه النصااوص‬
‫وا ياات‪ ،‬فمنهااا قولاه تعااالى‪ ( :‬عمن َهاا أَربَ َعاةس ُح ُارم)‪ ،‬وقولااه‪( :‬يَاا أَي َهااا الَّاذعينَ آ َمنُااوا الَ‬
‫ي) ا يااة‪ ،‬والنهاي عان تحليلهاا حكا سم‬ ‫ال ال َهاد َ‬ ‫ام َو َ‬
‫شاه َر ال َحا َار َ‬ ‫شا َعآئع َر هع َو َ‬
‫ال ال َّ‬ ‫ت ُ عحلاوا َ‬
‫ِاال بعا عه الَّاذعينَ َكفَا ُاروا‬
‫صااري س بحرمتهااا‪ ،‬وقولااه‪ ( :‬عإنَّ َمااا النَّ عسااي ُء عزيَااادَة س فعااي ال ُكفا عار يُ َ‬
‫يُ عح علونَهُ َعا نما َويُ َح عر ُمونَهُ َعا نما عليُ َوا ع ُوا ععدَّةَ َما َح َّر َم هُ فَيُ عحلوا َما َح َّر َم هُ) فنخبر‬
‫هللا أنه حرم األشهر‪ ،‬وذكر أن الكفار استحلوها على جهاة اإلنكاار علايهم‪ ،‬وجعال‬
‫كفرا منهم‪.‬‬
‫ذلك ن‬

‫كمااا دلاا عليااه األحاديااث‪ ،‬ومنهااا قولااه صاالى هللا عليااه وساالم‪” :‬أال َّ‬
‫إن دماااءكم‬
‫وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام‪ ،‬كحرم عة يومكم هاذا فاي شاهركم هاذا فاي بلادكم‬
‫إلاى‬ ‫والخلا‬ ‫هذا“ ‪ ،‬وذهب أحمد والشافعي ومالك وأباو حنيفاة‪ ،‬وجمااهير السال‬
‫أن تحريم القتال في األشهر الحرم منسو س ‪ ،‬واختلفُوا في النَّاس ‪:‬‬
‫َّ‬

‫إن النَّاس َ قولُهُ تعاالى‪َ ( :‬وقَااتعلُوهُم َحتَّاى الَ تَ ُكاونَ فعتنَاةس)‪ ،‬وهاو قاول‬
‫فمنهم من قال‪َّ :‬‬
‫أن هللا ع َّم األزمان فقاال‪َ ( :‬حتَّاى الَ تَ ُكاونَ فعتنَاةس)‪ ،‬فاد َّل علاى أ َّن ماا‬
‫الشافعيع‪ ،‬وجهه َّ‬
‫منمور فيه بالقتال‪.‬‬
‫س‬ ‫قبل هذه الغاية‬

‫إن ال َّناس ا َ قولُ اهُ تعااالى‪( :‬فَاااقتُلُوا ال ُمشا عار عكينَ َحي ا ُ‬
‫ث َو َجاادت ُموهُم)‪،‬‬ ‫وماانهم ماان قااال‪َّ :‬‬
‫واألول أقوى داللةن على‬ ‫َّ‬ ‫ث َو َجدت ُموهُم)‪،‬‬ ‫ووجهه أنَّه عموم م كد بقوله تعالى‪َ ( :‬حي ُ‬
‫نص علاى األزمناة‪ ،‬واألشاهر الحارم‬
‫واألول َّ‬
‫َّ‬ ‫نص على األمكنة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ألن الثاني َّ‬ ‫النس‬
‫من األزمنة‪.‬‬

‫والقتااال‪ ،‬يُحتماال أن تكااون ناسااخةن لتحااريم األشااهر الحاارم‪،‬‬ ‫وجميااع آيااات السااي‬
‫ولكنها مجملة في النس غير مبيَّنة‪ ،‬فال يُكتفى بها في ذلك بل ال بدَّ من دليال مبايع ٍن‬
‫أن السانَّة جاااءت ُمبيعناةن لهااا‪،‬‬
‫ااص‪ ،‬إالَّ َّ‬ ‫للنسا ‪ ،‬لمااا تقا َّارر ماان َّ‬
‫أن العااام ال ينسا الخا َّ‬
‫‪74‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫فقاتل النبي صلى هللا عليه وسلَّم بعد آيات براءة أه َل الطائ ‪ ،‬وأرسال ساريَّةن إلاى‬
‫اس‪ ،‬في األشهر الحرم‪.‬‬
‫أو ٍ‬

‫وأمثل ما ذكروا أنَّه الناس ‪ ،‬قوله تعالى‪ ( :‬عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع‬
‫ور ععندَ هع اثنَا َعش ََر شَه نرا‬
‫س َم َاوات َواألَر َ عمن َهاا أَربَ َعاةس ُح ُار سم ذَ علاكَ ع‬
‫الادينُ القَ عاي ُم فَاالَ‬ ‫ب هع يَو َم َخلَ َ ال َّ‬ ‫فعي عكتَا ع‬
‫تَظ عل ُمااوا فعااي عه َّن أَنفُ َ‬
‫س ا ُكم َوقَاااتعلُوا ال ُمشا عاركعينَ َكآفَّ اةن َك َمااا يُقَاااتعلُونَ ُكم َكآفَّ اةن)‪ ،‬وهااو قااول‬
‫الزهري وغيره‪.‬‬

‫وجهه أن ا ية جمع بين تحاريم األشاهر الحارم وقتاال المشاركين‪ ،‬وقولاه قااتلوا‬
‫اذوأ تقااديره ”فا َّ‬
‫ايهن“‪ ،‬كمااا تقااول‪ :‬فااال تنكاال من اه وال‬ ‫المشااركين‪ ،‬متعل ا س بااه محا س‬
‫ن ا فااي‬ ‫تشاارب‪ ،‬تعنااي‪ :‬وال تشاارب منااه‪ ،‬وعلااى هااذا التَّوجيا عه يكااون ن ًّ‬
‫صااا خاااص‬
‫القتال في األشهر الحرم‪.‬‬

‫ناص فاي إباحاة األشاهر الحارم‪ ،‬فقاد‬


‫ا‬ ‫وإن نُوزع في التقدير الذي يقتِاي َّ‬
‫أن ا ياة‬
‫إن ا ية عامةس في القتال‪ ،‬ووردت في ساياق األشاهر الحارم فهاي داخلاةس فيهاا‬
‫يُقال َّ‬
‫بداللة السياق‪.‬‬

‫فتكااون ا ياةُ قا َّاررت أحااد حكمااي األشااهر الحاارم‪ ،‬وهااو تغلاايظ المعاصااي عمو نمااا‪،‬‬
‫َّ‬
‫فيهن‪.‬‬ ‫ونسخ ا خر‪ ،‬وهو تحريم القتال‬

‫وذهب عطاء‪ ،‬ونصره شي اإلسالم ابنُ تيميةَ وابانُ ع‬


‫القايم‪ :‬إلاى بقااء حكام األشاهر‬ ‫َ‬
‫ي صلى هللا علياه وسالَّم‪” :‬كاان ال يغازو فاي‬
‫أن النَّب َّ‬
‫جابر َّ‬
‫ٍ‬ ‫الحرم‪ ،‬واستدلوا بحديث‬
‫الشهر الحرام إالَّ أن يُغزى‪ ،‬فإذا حِاره أقاام حتاى ينسال َ “‪ ،‬وال يخفاى أ َّن داللتاه‬
‫ضعيفةس‪ ،‬ألمرين‪:‬‬

‫أن التَّرد ال يلزم منه التحريم‪ ،‬فقد يكون مجانبةن لما يشنع عليه العرب باه‪،‬‬
‫األول‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫كما ترد قتل بعف المنافقين الذين لم تقام علايهم بيناة بكفار صاري ‪ ،‬لائال يُقاال إ َّن‬
‫محمدنا يقتل أصحابه‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫جابر يحتمل أنه حكايةس منه لحال النبي ع صلى هللا عليه وسلم قبل‬‫ٍ‬ ‫الثاني‪َّ :‬‬
‫أن كالم‬
‫النَّس ‪ ،‬والنزاع ليس في تحريم األشهر الحرم َّأول األمر‪ ،‬وإ َّنما النزاع في ص َّحة‬
‫النس ‪.‬‬

‫واستدلوا بعمومات النصوص المحرمة لاشهر الحرم‪ ،‬وأجاب شي اإلسالم ثم‬


‫بننَّه تبعنا لقتا ٍل هم بدؤوه‬ ‫من تبعه عن غزو النبي ع صلى هللا عليه وسلَّم للطائ‬
‫فاحتمى بحصن ثقي‬ ‫فيه‪ ،‬فهو تب سع لقتال هوازن‪ ،‬لما انهزم ملكهم إلى الطائ‬
‫فيها‪ ،‬وعن سرية أو اس بننَّها من تمام الغزوة التي بدأ النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫الكفَّ َ‬
‫ار فيها بالقتال‪.‬‬

‫صواب ما رجحه أبو العباس ابن تيمية‪ ،‬لعموم‬


‫أن ال َّ‬ ‫َّ‬
‫والظاهر وهللا أعلم‪َّ ،‬‬
‫النصوص المحرمة لاشهر الحرم وتوكيدها‪ ،‬فهي محرمة ( َيو َم َخلَ َ ال َّ‬
‫س َم َاوات‬
‫َواألَر َ )‪ ،‬ووص هللا القتال في الشهر الحرام بن َّنه كبير كما في قوله‪:‬‬
‫ير) فيبعُدُ أن يكون حالالن بعد‬ ‫( َيسنَلُونَكَ َع عن ال َّ‬
‫شه عر ال َح َر عام قعتَا ٍل فعي عه قُل قعتَا سل فعي عه َك عب س‬
‫تغليظ تحريمه‪.‬‬

‫ونهى هللا عن تحليل الشهر الحرام كما في قوله‪( :‬يَا أَي َها الَّ عذينَ آ َمنُوا الَ ت ُ عحلوا‬
‫ام)‪ ،‬وذلك في سورة المائدة وهي من آخر القرآن‬ ‫ش َعآئع َر هع َوالَ ال َّ‬
‫شه َر ال َح َر َ‬ ‫َ‬
‫وأمهر ما َّ‬
‫يتنزل عليه التحليل المنهي عنه هو القتالُ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫نزوالن‪،‬‬

‫وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي هللا عنه َّ‬
‫أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خطب يوم النحر عام حجة الوداع‪ ،‬فذكر في‬
‫الصحابة حتَّى منوا أنه سيسميه بغير‬ ‫خطبته أنَّه قال‪” :‬أي شهر هذا؟“‪ ،‬فسك‬
‫اسمه‪ ،‬قال‪” :‬أليس بذي الحجة؟“‪ ،‬ثم قال في آخر الحديث‪َّ ” :‬‬
‫فإن دماءكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم عليكم حرا سم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا“‪.‬‬

‫متنخر منه صلى هللا عليه وسلم في حجة الوداع‪ ،‬بعد سرية‬
‫ع‬ ‫وهذا الحديث‬
‫أو اس‪ ،‬وبعد حصار الطائ ‪ ،‬فال يُمكن أن تكون تلك الغزوات دليالن على النس‬
‫مع ثبوت الحكم بعدها‪ ،‬وهذا من أقوى الوجوه‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أن النبي صلى هللا عليه وسلم جعل الشهر الحرام دليالن على ثبوت‬
‫ِا‪َّ :‬‬
‫وفيه أي ن‬
‫منها‪،‬‬ ‫الحرمة وتغليظها‪ ،‬وال يُمكن أن ت َّكد حرمة الشهر الحرام بما هو أضع‬
‫بل بما صار بعد موت النبي صلى هللا عليه وسلم حالالن مبا نحا ال شيء فيه‪ ،‬وأقل‬
‫بحرمة الشهر الحرام‪ ،‬استواء‬ ‫ما في تشبيه حرمة الدماء واألموال واألعرا‬
‫والقوة‪ ،‬وماهر الحديث َّ‬
‫أن حرمة‬ ‫َّ‬ ‫الحرمتين في الثبوت والديمومة‪ ،‬وفي التغليظ‬
‫مع حرمة البلد الحرام‪ ،‬وحرمة يوم النحر‪ ،‬أغلظ من‬ ‫الشهر الحرام إذا اجتمع‬
‫أن هذا الظاهر غير مراد‪ ،‬وإنَّما أ َّكد الحكم المجهول‬
‫حرمة الدم والمال‪ ،‬والظاهر َّ‬
‫لدى أكثرهم بالحكم الذي يعرفونه ويقرون به‪ ،‬مع العلم َّ‬
‫بنن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ما كان لي عكد الحكم الغليظ ويبين استمراره‪ ،‬بحكم م قَّ ٍ يعلمون نسخة بعد‬
‫هذا الكالم بمدة يسيرةٍ‪.‬‬

‫ام‬ ‫اس َوال َّ‬


‫شه َر ال َح َر َ‬ ‫وقال جل وعال‪َ ( :‬ج َع َل هُ ال َكع َب َة ال َبي َ ال َح َر َ‬
‫ام قع َيا نما عللنَّ ع‬
‫ي َوالقَالَئعد) فبين أ َّنه جعلها قيا نما للناس يقوم بها أمرهم وينمنون ويسعون في‬ ‫َوال َهد َ‬
‫غنى عنه للناس في أي زمان‪ ،‬وقد قرن هللا سبحانه بين‬
‫ن‬ ‫معايشهم‪ ،‬ومثل هذا ال‬
‫الكعبة والشهر الحرام في هذا المقصد وهذا األمر‪ ،‬والكعبة حرام ال تحل إلى يوم‬
‫الدين‪ ،‬فداللة االقتران تقتِي َّ‬
‫أن الشهر الحرام كذلك‪.‬‬

‫ودعوى النس ال تستقيم في شيء من النصوص التي استدلوا بها‪:‬‬

‫صة‪ ،‬فما جاء عا ًّما بعدها حمل على ما‬ ‫َّ‬


‫فان نصوص التحريم خا َّ‬ ‫فن َّما العمومات؛‬
‫عدا األشهر الحرم‪ ،‬والعام ال ينس الخاص‪ ،‬وما ذكروا من السنَّة ال ينتهف على‬
‫تبعنا ال‬ ‫الداللة على النس ‪ ،‬لما ذكر أبو العباس ابن تيمية رحمه هللا‪ ،‬من أنَّها كان‬
‫ابتدا نء‪ ،‬ولما ذكره ابن العربي من أنَّها نصوص ضعيفةس‪ ،‬وهذا يحتاج إلى تحرير‪،‬‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬

‫ه َيو َم َخلَ َ‬ ‫وأ َّما قوله تعالى‪ ( :‬عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع‬
‫ور ععندَ هع اثنَا َعش ََر شَه نرا عفي عكتَا ع‬
‫ب ع‬
‫الدينُ القَ عي ُم فَالَ تَظ عل ُموا عفي عه َّن أَنفُ َ‬
‫س ُكم‬ ‫س َم َاوات َواألَر َ عمن َها أَر َب َعةس ُح ُر سم ذَلعكَ ع‬
‫ال َّ‬
‫‪77‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫َوقَاتعلُوا ال ُمش عركعينَ َكآفَّةن َك َما يُقَاتعلُونَ ُكم َكآفَّةن) ؛ فهو وإن كان أمهر من غيره في‬
‫النس إالَّ أنَّه ال ينتهف به‪ ،‬فقوله ( َك َما يُ َقاتعلُونَ ُكم َكآفَّةن) يُحمل على قتالهم معامل نة‬
‫بالمثل ال ابتدا نء‪ ،‬فيكون موافقنا لقوله تعالى‪( :‬ال َّ‬
‫شه ُر ال َح َرا ُم عبال َّ‬
‫شه عر ال َح َر عام‬
‫اص)‪ ،‬وتكون الكاأ فيه للتعليل‪.‬‬
‫ص س‬‫َوال ُح ُر َماتُ قع َ‬

‫ِا‪ :‬إن كان قوله‪( :‬قَاتعلُوا ال ُمش عركعينَ َكآفَّةن)‪ ،‬داخالن فيه األشهر الحرم‪،‬‬
‫وقد يُقال أي ن‬
‫فإن قوله‪َ ( :‬ك َما يُقَاتعلُونَ ُكم َكآفَّة) كذلك ال محالة‪ ،‬فد َّل على َّ‬
‫أن المراد قو سم من‬ ‫َّ‬
‫المشركين يُقاتلوننا كافَّةن في الشهر الحرام وغيره‪ ،‬وه الء ال خالأ في ُمقاتلتهم‬
‫في الشهر الحرام كما ينتي بإذن هللا‪.‬‬

‫وقد يُقال‪َّ :‬‬


‫إن لفظ ( ُح ُر سم) في ا ية تِمن تحريم ال عقتال‪ ،‬فيكون العموم في قوله‬
‫تقديرهُ "بعدها" أو نحوه‪ ،‬فيكون كقولك‪ :‬هذا الشهر حرا سم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫( َكآفَّ نة) متعلقنا بمحذوأٍ‬
‫المحرم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫كل وق ٍ‪ ،‬فيُفهم منه‪ :‬ما عدا الشهر‬
‫وافعل ما بدا لك في ع‬
‫وتبقى النصوص المحكمة الظاهرة الصريحة‪ ،‬الم كدة ُ بننواع الم عكدات‪ ،‬سالمةن‬
‫معار ٍ ‪ ،‬وتجتم ُع النصوص عليه بال إشكال‪.‬‬
‫ع‬ ‫على ماهرها‪ ،‬من غير‬

‫وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫حكم الجهاد في رجب (‪)3‬‬


‫الشهر الحرام بالشهر الحرام‬
‫المتقررة في معاملة الكفَّار عا َّمة‪ ،‬وفي جهادهم خا َّ‬
‫صة‪ ،‬قاعادة‬ ‫ع‬ ‫من قواعد الشريعة‬
‫كثير من مسائل الجهاد‪ ،‬فجوزت الشريعَةُ‬
‫ال ُمعاملة بالمثل‪ ،‬وهي قاعدة س مطردة في ٍ‬
‫ال ُمثلة بالكافرين على المعاقبة بمثل ما عاقبوا به‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫عااو عقبتُم‬
‫واألصال فاي المعاملاة بالمثال‪ ،‬قولاه تعاالى‪َ ( :‬و عإن َعااقَبتُم فَ َعاا عقبُوا عب عمثا عل َماا ُ‬
‫عب عه)‪ ،‬وقوله‪( :‬فَ َم عن اعتَدَى َعلَي ُكم فَاعتَدُوا َعلَي عه عب عمث عل َما اعتَدَى َعلَي ُكم)‪.‬‬

‫شااه ُر‬‫عاز وجا َّل‪( :‬ال َّ‬ ‫وأ َّماا األشااهر الحارم‪ ،‬فقااد ورد فيهااا الانَّص الخاااص‪ ،‬فقااال هللا َّ‬
‫اص فَ َم عن اعتَدَى َع َلاي ُكم فَاعتَادُوا َع َليا عه عب عمثا عل‬
‫ص س‬ ‫ال َح َرا ُم عبال َّ‬
‫شه عر ال َح َر عام َوال ُح ُر َماتُ قع َ‬
‫َما اعتَدَى َعلَي ُكم)‪.‬‬

‫ففي قوله الشهر الحرام بالشهر الحرام‪ ،‬إثباتُ هذا الحكم في األشهر الحرم‪ ،‬وفاي‬
‫اص)‪ ،‬تعلي سل وتوكيدس له وتعمي سم للحكم في الحرمات المنتهكاة‬ ‫ص س‬ ‫قوله ( َوال ُح ُر َماتُ قع َ‬
‫س‬
‫وإذن‬ ‫ان اعتَادَى َعلَاي ُكم‪ )..‬تحاري س‬
‫ف علاى هاذا‪،‬‬ ‫عدا ما ُح عارم لذاتاه‪ ،‬وفاي قولاه‪َ ( :‬ف َم ع‬
‫عدوان من الكفَّار بمثله‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫للمسلمين في مقابل عة ُك عل‬

‫بااألخص‪ ،‬وهاو مقابلاة العادوان فاي‬


‫ع‬ ‫فجاءت ا ية بالحكم على ثالثة مراتاب بادأت‬
‫الشاهر الحارام بالعادوان فاي الشااهر الحارام‪ ،‬ثا َّم انتقلا إلااى أعا َّم مناه وهاو مقابلااة‬
‫العاادوان علااى الحرمااات بالعاادوان علااى الحرم اات‪ ،‬وتشاامل الحرمااات الزمانيااة‬
‫ان مث عله‪ ،‬وهذه‬
‫عدوان بعدو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫األعم وهو مقابلة ع‬
‫ع‬ ‫والمكانية وغيرها‪ ،‬ثم انتقل إلى‬
‫المراتب الثال كلها موجودة س في الشهر الحرام‪ ،‬فيكون ذكر ٍ‬
‫كل منها تنكيدنا للحكم‬
‫فيه‪.‬‬

‫ه اثنَا َعش ََر شَاهران‬ ‫ومثل هذا ما تقدَّم في تفسير قوله تعالى‪ ( :‬عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع‬
‫ور ععندَ َّ ع‬
‫ت َواألَر َ عمن َهاا أَر َب َعاةس ُح ُار سم ذَلعاكَ ع‬
‫الادينُ القَ عاي ُم فَاال‬ ‫ه َيو َم َخلَ َ ال َّ‬
‫س َم َاوا ع‬ ‫ب َّ ع‬ ‫فعي عكتَا ع‬
‫بانن الماراد مقااتلتهم‬ ‫س ُكم َوقَاتعلُوا ال ُمش عركعينَ َكافَّاةن)‪ ،‬علاى تفسايرها َّ‬ ‫تَظ عل ُموا فعي عه َّن أَنفُ َ‬
‫‪79‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫في األشهر الحرم وغيرها‪ ،‬فإنَّهاا تكاون معلَّلاةن َّ‬


‫بانن المشاركين يُقااتلون فاي الشاهر‬
‫الحرام‪ ،‬فد َّل على َّ‬
‫أن من قاتلنا في الشهر الحرام كان لنا أن نقاتله فيه‪.‬‬

‫ومن ذلك ما ينتي في المقال القادم بإذن هللا‪ ،‬من قصة الحديبية‪.‬‬

‫وهذا الحكم ينطب ُ على نوعين من العد عو‪:‬‬

‫األول‪ :‬من يلتزم األشهر ال ُح ُرم‪ ،‬ث َّم ينتهكها‪ ،‬كما تُنقف العهود والمواثيا ؛ فجااز‬
‫َّ‬
‫صا‪ ،‬وهو ماهر في ا ية‪.‬‬
‫في مثل هذا أن يُقاتل في الشهر الحرام قصا ن‬

‫الثاني‪ :‬من ال يلتزم تحريم األشهر الحرم وال يراها‪ ،‬من كفَّار العجم وعا َّم عة ُكفَّاار‬
‫َّ‬
‫والظاهر َّ‬
‫أن البغاة من المسلمين كذلك؛ فلاو‬ ‫اليوم‪ ،‬إذا قاتلونا في الشهر الحرام‪،‬‬
‫بغى علينا ائفةس من المسالمين وكاانوا يارون نسا تحاريم األشاهر الحارم فقاتلوناا‬
‫قصااص كماا ساماه هللا‬
‫س‬ ‫فيها‪ ،‬جاز لنا أن نقاتلهم في الشهر الحرام كما قاتلونا‪ ،‬ألنَّه‬
‫َّ‬
‫ولكن استيفاء القصاص في قتال البُغاة ال يكون على جهة القصاص‬ ‫فلنا استيفاؤه‪،‬‬
‫وحدها‪ ،‬وإنَّما يكون لدفع البغي ومعنى القصااص يوجاد فاي إباحاة دفاع بغايهم فاي‬
‫الشهر الحرام فقط‪ ،‬ال قتالهم انتقا نما‪.‬‬

‫وال فرق بين من ال يلتزم األشهر الحرم أصالن ومن كان ملتز نما لها ث َّم نكاث فيهاا‪،‬‬
‫وقد أخذ أخذ عمر بان الخطااب العشاور مان تجاار الاروم ل ًّماا كاانوا ينخاذونها مان‬
‫المسلمين‪ ،‬ولم يستفصل هل هم ملتزمون تحريم المكس أم ليس عندهم محر نما‪.‬‬

‫قاريو ل َّماا مثلاوا بالمسالمين‪ ،‬ماع َّ‬


‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫كما َّ‬
‫أن هللا أذن للم منين بالمثلاة فاي مشاركي‬
‫المشركين ليس لهم س‬
‫دين يمن ُع المثلة ويحرمها عليهم‪ ،‬فجااز أن نعااملهم بالمثال فاي‬
‫انتهاد حرم ٍة ال يلتزمون هم تحريمها‪.‬‬

‫والعلَّة التي ألجلها أُذن بال ُمثلة‪ ،‬ال تفري فيها بين الكافر الملتزم للحكم إذا نقِاه‪،‬‬
‫فإن العلَّة هي شفاء الصدور باالقتصاص‪ ،‬ومكافنة السيئة‬
‫والكافر الذي لم يلتزمه‪َّ ،‬‬
‫بمثلها‪ ،‬والنكاية في أعداء هللا بقادر ماا يفعلاون فاي المسالمين‪ ،‬وكال هاذه ال تفريا‬
‫فيها بين ملتزم الحكم الناكث له‪ ،‬ومن لم يلتزمه‪.‬‬
‫‪80‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وقد ذكر أباو العبااس ابان تيمياة رحماه هللا َّ‬


‫أن ال ُمثلاة بالكاافرين‪ ،‬وإن كاان األصال‬
‫تفِيل العفو عليها‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن مح َّل ذلك المثلة تشفيًّا‪ ،‬وأ َّما المثلة إذا كان فيها إرها س‬
‫ب‬
‫نادوب‬
‫س‬ ‫وإثخان فيهم‪ ،‬وردعس لهم عن المسالمين‪ ،‬فإنَّهاا مطلوباةس م‬ ‫س‬ ‫ألعداء هللا‪ ،‬ونكايةس‬
‫إليها‪.‬‬

‫والقتال في األشهر الحرم كذلك‪ ،‬فإنَّه متى كان فيه ردعس ألعداء هللا وغلظة علايهم‬
‫ونكاياةس فاايهم كااان فعلااه أفِاال ماان تركااه‪ ،‬ويكااون مناادوبنا إليااه مر َّ‬
‫غبنااا فيااه‬
‫فااوق األصاال الثاب ا ماان الوجااوب فااي عمااوم األوقااات‪ ،‬فهااي‬ ‫ضااا عليااه‬
‫محر ن‬
‫َّ‬
‫مخصوصةس بمزي عد تعي ٍن وفِ عل وجو ٍ‬
‫ب‪.‬‬

‫ص فاي‬
‫ي علياه فاي الشاهر الحارام‪ ،‬لاه أن يقات َّ‬ ‫وقد ذكر بعف أهال العلام َّ‬
‫أن المجنا َّ‬
‫حقاه فاي‬
‫يقاتص فاي غياره وينازل عان ع‬
‫َّ‬ ‫الشهر الحارام ويكاون آخاذنا ع‬
‫بحقاه‪ ،‬ولاه أن‬
‫خصوص الشهر الحرام‪.‬‬

‫فإذا كان ذلك في القصاص بين المسلمين فهو أولى في االقتصاص من الكاافرين‪،‬‬
‫شاه عر ال َحا َر عام َوال ُح ُر َمااتُ‬‫شه ُر ال َح َرا ُم بعال َّ‬
‫نص هللا عليه وأمر به فقال‪( :‬ال َّ‬ ‫كي وقد َّ‬
‫اص فَ َم عن اعتَدَى َعلَي ُكم فَاعتَدُوا َعلَي عه بع عمث عل َما اعتَدَى َعلَي ُكم)‪.‬‬
‫ص س‬‫قع َ‬

‫والفرق بين القتال في الشهر الحرام معاملةن بالمثل‪ ،‬والقتال في الشهر الحرام دفعنا‬
‫أن القتال معاملةن بالمثل يكون في االقتصاص واالنتقام بعد انتهاء‬
‫للكافرين‪َّ ،‬‬
‫عدوانهم‪ ،‬أما الدفع فيكون حال التخلص منهم ومدافعتهم‪ ،‬وفي المقال القادم بإذن‬
‫هللا سيكون الحديث عن جهاد الدفع في الشهر الحرام‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫حكم الجهاد في رجب(‪)4‬‬


‫حكم جهاد الدفع في الشهر الحرام‬
‫لمقاصدَ عدَّةٍ‪ ،‬ذكر ن‬
‫كثيرا منهاا فاي كتاباه‪ ،‬وفعلهاا النباي صالى هللا‬ ‫ع‬ ‫ع هللا الجهاد‬
‫شر َ‬
‫عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬ويجملها العلماء غالبنا في نوعين للجهاد‪:‬‬

‫شرع‪ ،‬حين (أُذن للذين يُقاتلون بننَّهم ملموا)‪،‬‬


‫األول‪ :‬جهاد الدَّفع‪ ،‬وهو َّأول جها ٍد ُ‬
‫َّ‬
‫شاره أن يحكمهام ولاو حكام‬
‫العدو الكافر عان المسالمين‪ ،‬ومان ع‬
‫ع‬ ‫شر‬
‫والمراد به دفع ع‬
‫ألن الخياار فااي حكاام هللا ال غياار‪َ ( ،‬ولَاان يَج َعا َل هُ علل َكاافع عرينَ َعلَااى‬
‫بقسااطٍ فااي دينااه‪َّ ،‬‬
‫شاره أن يساتولي علاى شايءٍ مان أر ع المسالمين ولاو لام‬ ‫سبعيالن)‪ ،‬ومان ع‬ ‫ال ُم عمنعينَ َ‬
‫يكن فيها أحدس‪.‬‬

‫العادو بالقتاال دعاوةن لاه إلاى اإلساالم‪ ،‬فيعار‬


‫ع‬ ‫الثاني‪ :‬جهاد الطلب‪ ،‬وهاو تطلاب‬
‫عليه اإلسالم‪ ،‬أو الجزية أو السي ‪.‬‬

‫وهناد مقاصدُ أُخرى للجهاد ال تادخل فاي هاذا وال هاذا‪ ،‬وإياراداتس علاى التقسايم‪،‬‬
‫ليس هذا المختصر مح َّل بسطها‪ ،‬وقد تقدَّم ذكر شيءٍ منها‪.‬‬

‫المهم التنبيه على غلط من يظان جهااد ال ُكفَّاار المحت علاين لابالد المسالمين‬
‫ع‬ ‫إالَّ َّ‬
‫أن من‬
‫جهاد لب‪ ،‬سواء كان هاذا المحتال أجنبيًّاا كااألمريكيع‪ ،‬أو و نيًّاا مان بناي جلادتنا‬
‫ويااتكلم بلساااننا‪ ،‬وال دلياال ماان الكتاااب والساانة وال ماان آثااار الصااحابة أو أقااوال‬
‫الفقهاء‪ ،‬وال مما هو دون ذلك على التفري بين كافر و ني وكافر أجنبي ٍ‪ ،‬والعلَّاة‬
‫فااي جهاااد الطلااب دعااوة الناااس إلااى اإلسااالم‪ ،‬أ َّمااا قتااال الكفَّااار اليااوم فااالمراد منااه‬
‫ي‪ ،‬والمرتاد‬
‫المقصود به دفعهم عن المسلمين وبالد اإلسالم‪ ،‬سوا سء في ذلك األجنبا ا‬
‫الو ني‪.‬‬

‫عين على من نزل العدو بساحتهم‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫وجهاد الدَّفع من أوجب الواجبات‪ ،‬وهو فر ُ‬
‫متعاي سن‬
‫ع‬ ‫ريب َّ‬
‫أن جهااد الادفع الياوم‬ ‫َ‬ ‫فر ُ كفاي ٍة على عموم المسلمين‪ ،‬وال َّ‬
‫شك وال‬
‫‪82‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫موضاع‪ ،‬بال مان المواضاع‬


‫ٍ‬ ‫على المسلمين من جهة عدم حصول الكفاياة فاي غيار‬
‫التي يجب فيها الجهاد ما لم يقم الجهاد فيه أصالن‪ ،‬فِالن عن حصول الكفاية‪.‬‬

‫واجب أشدَّ ما يكون الوجوب‪ ،‬د َّل علاى ذلاك أدلَّاة‪،‬‬


‫س‬ ‫هر الحرام‬
‫ش ع‬‫َّفع في ال َّ‬
‫وجهاد الد ع‬
‫نذكر منها‪:‬‬

‫شاهر‬
‫ٍ‬ ‫األول‪ :‬جميع ما تقدَّم من أدلَّة المعاملة بالمثل؛ فاإذا كاان عادوانهم عليناا فاي‬
‫َّ‬
‫حارام آخار‪ ،‬فتجاويزه ردَّ عادوانهم نفساه فاي‬
‫ٍ‬ ‫شاهر‬
‫ٍ‬ ‫مجو نزا لنا أن نقاتلهم في‬
‫ع‬ ‫حرام‬
‫ٍ‬
‫بيقين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وق عدوانهم أولى‬

‫الثاني‪ :‬ما ص َّ عان النباي ع صالى هللا علياه وسالَّم‪ ،‬مان أخاذه بيعاة الرضاوان حاين‬
‫ت ل َّما بلغه مقتل عثمانَ بن عفَّانَ رضي هللا عنه وأرضاه‪،‬‬ ‫بايع الصحابة على المو ع‬
‫اهر حاارا سم‪ ،‬وهااذا ماان أمهاار األدلَّ ا عة‬
‫اهر ذي القعاادة‪ ،‬وهااو شا س‬
‫وقااد كااان ذلااك فااي شا ع‬
‫وأصحها‪.‬‬
‫ع‬

‫وهذا ليس من جهاد الدفع‪َّ ،‬‬


‫ألن ما بلغهم لم يكن حصار عثماان أو قتاالهم معاه‪ ،‬بال‬
‫بلغهم أنَّه قُتال‪ ،‬وقتاالهم ألجال ذلاك يكاون مان المعاملاة بالمثال‪ ،‬وهاذا دا ال بااألولى‬
‫على الطلب كما ذكرنا‪.‬‬

‫وأما كون بيعة الرضاوان فاي ذي القعادة فقاد قاال أناس بان مالاكٍ رضاي هللا عناه‪:‬‬
‫هان فاي ذي القعادة‪ ،‬إالَّ التاي‬
‫اعتمر رسول هللا صلى هللا علياه وسالم أرباع عمار كل َّ‬
‫كان مع حجته‪ ،‬عمرة من الحديبية في ذي القعدة‪ ،‬فذكر الحديث أخرجه البخاري‬
‫ومسلم في صحيحيهما‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬اإلجماعُ على أن التحريم في الشهر الحرام ال يتناول جهاد الدفع‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم في زاد المعاد‪ :‬وال خالأ في جواز القتال فاي الشاهر الحارام إذا بادأ العادو‪،‬‬
‫إنما الخالأ أن يُقاتل فيه ابتدا نء‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫العادو الصاائل فاي‬


‫ع‬ ‫الرابع‪ :‬اجتماع المقاصد الشرعيَّة والقواعد الفقهيَّة‪ ،‬علاى دفاع‬
‫فساادنا حتاى تنسال األشاهر‬ ‫مكان‪ ،‬وعدم تركه يعيث فاي األر‬
‫ٍ‬ ‫أي ع وق ٍ كان أو‬
‫الحرم‪ ،‬يوضحه‪:‬‬

‫شااارع شاارع صااالة الخااوأ التااي ُ‬


‫غياارت فيهااا هيئااات الصااالة‪،‬‬ ‫الخااامس‪َّ :‬‬
‫أن ال َّ‬
‫وقصاارت علااى الصااحي ماان القااولين‪ ،‬وسااقط بعااف األركااان فااي عاادد ماان‬
‫صفاتها‪ ،‬وسقط شر استقبال القبلة في بعف الصفات‪ ،‬كل هذا لكي ال يتمكن‬
‫يُتارد‬ ‫العدو مان المسالمين فاي وقا الصاالة علاى قصاره‪ ،‬فكيا‬
‫ال يُادفع شاره وال يُقااوم عدوانُاه‪ ،‬ماع كوناه‬ ‫عام‬
‫كل ٍ‬‫أشهر من ع‬
‫ٍ‬ ‫العدو أربعةَ‬
‫مستنفرا جيوشه وقواته؟‬
‫ن‬ ‫في هذه األشهر مجلبنا بخيله ورجله‪،‬‬

‫ال تناتقف‬ ‫تنتقف بالعدوان‪ ،‬فكيا‬


‫ُ‬ ‫أن العهود أيًّا كان ‪ ،‬وكان تغلي ُ‬
‫ظها‪،‬‬ ‫سادس‪َّ :‬‬
‫ال َّ‬
‫حرمة الشهر الحرام في ح ع المعتدي؟‬

‫السااابع‪َّ :‬‬
‫أن تحااريم الشااهر الحاارام إ َّمااا أن يكااون لح ا ع هللا‪ ،‬وإ َّمااا أن يكااون لح ا ع‬
‫المخلااااوق‪ ،‬فحاااا المخلااااوق ينااااتقف بعدوانااااه‪ ،‬وحاااا هللا فااااي النفااااوس والاااابالد‬
‫ادو‬
‫واألعاارا المعتاادى عليهااا أعظاام منااه فااي الشااهر الحاارام‪ ،‬فكانا مدافعااة العا ع‬
‫حف ن‬
‫ظا لح ع هللا ال انتها نكا له‪.‬‬

‫الثَّامن‪َّ :‬‬
‫أن الفطر السويَّة‪ ،‬والطباع المستقيمة‪ ،‬والعقول السليمة‪ ،‬تعلم يقيننا‪ ،‬أنَّاه ال‬
‫زماان لام‬
‫ٍ‬ ‫العدو الصائل يفسد في الابالد رعاياةن لحرماة‬
‫ع‬ ‫ينتي س‬
‫دين من األديان بترد‬
‫يحترمه العدو أصالن‪.‬‬

‫التاسع‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم لما خرج إلى الحديبية كان خروجه في ذي‬
‫القعدة‪ ،‬ولما بلغه خبر من أرادوا صده عن البي قال‪” :‬أال تارون أن نميال إلاى‬
‫ذراري ه الء الذين يُريدون أن يصدونا عن البي ‪ ،‬فإن ينتوا يكن هللا قطع‬
‫‪84‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫عنا عيننا من المشركين‪ ،‬وإن قعدوا قعادوا محاروبين“‪ ،‬واألمهار أن هاذا فاي‬
‫ذي القعدة‪.‬‬

‫وقد استباح النبي صلى هللا عليه وسلم قتالهم إلرادتهم صدَّه صالى هللا علياه وسالم‬
‫بمن قاتل المسلمين في ديارهم واساتباح‬ ‫بمن صدَّ حقيقةن؟ وكي‬ ‫عن البي ‪ ،‬فكي‬
‫حرماتهم؟‬

‫حرم البي الحرام‪ ،‬وجعل لاه حرماةن فاي األمكناة كحرماة‬ ‫العاشر‪َّ :‬‬
‫أن هللا سبحانه َّ‬
‫الشااهر الحاارام فااي األزمنااة‪ ،‬وأباااح تلااك الحرمااة إذا ابتاادأ المشااركون المساالمين‬
‫بالقتاال‪ ،‬فقاال‪َ ( :‬وال تُقَااتعلُوهُم ععنادَ ال َمس عاج عد ال َح َار عام َحتَّاى يُقَااتعلُو ُكم فعيا عه فَاإعن قَااتَلُو ُكم‬
‫فَااقتُلُوهُم َكاذَلعكَ َجازَ ا ُء ال َكاافع عرينَ )‪ ،‬فكاذلك حرماة الشاهر الحارام‪ ،‬يُنهاى عان قتااالهم‬
‫حتى يُقاتلونا فيه فإن قاتلونا قاتلناهم‪.‬‬

‫وجهاااد المجاهاادين اليااوم كلااه ماان جهاااد الاادفع‪ ،‬سااواء كااان قتاااالن للمحتاال الك اافر‬
‫األصليع‪ ،‬كما في أكثر الابالد‪ ،‬أو للطواغيا المرتادعين و اوائفهم كماا فاي الجهااد‬
‫الجزائري ع ال ُمبارد وقتال المرتدعين كما قُ عارر فاي غيار موضاع مان جهااد الادفع ال‬
‫من جهاد الطلب‪.‬‬

‫الحااادي عشاار‪ :‬أن النبااي صاالى هللا عليااه وساالم جعاال حرمااة دم المساالم كحرمااة‬
‫الزمااان مااع حرمااة المكااان مجتمعتااين فاادل علااى أن حرمااة الاادم أغلااظ ومااع ذلااك‬
‫بحرمة الزمان وهي أقل‪.‬‬ ‫سقط الحرمة لمصلحة الدفع كما في التترس فكي‬

‫خاتمة‪ :‬غزوات المسلمين في األشهر الحرم‬

‫لم يزل المسلمون على مر التاري يُقاتلون أعداءهم في األشهر الحرم وغي عرها‪.‬‬

‫وكان غزوة النبي صلى هللا عليه وسلم ألهل الطائ ‪ ،‬والسرية التي أرسلها إلاى‬
‫أو اس في األشهر الحرم كما تقدَّم‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وكثيار مان غازواتع عهم صاادف األشاهر الحارم‪،‬‬


‫س‬ ‫واستمر المسلمون بعده علاى هاذا‪،‬‬
‫َّ‬
‫شاهرا حرا نماا وال بادَّ‪َّ ،‬‬
‫ألن ذلاك‬ ‫ن‬ ‫فكل غزاةٍ دام أكثر من خمسة أشهر فقد وافقا‬
‫حل ليس بينها شهر حرام‪.‬‬
‫أكثر ما يكون من أشهر ٍ‬

‫وحروب الصادي رضاي هللا عناه للمرتادعين وافقا األشاهر الحارم وال باد‪ ،‬ألنَّهاا‬
‫دام نحو العام أو أكثر‪ ،‬وموت النبي صالى هللا علياه وسالم كاان فاي شاهر ربياع‬
‫األول‪ ،‬ولم يستنن الصدي بإخراج الجيون لقتال المرتدين وال بإنفاذ بعث أسامة‪،‬‬
‫أشهر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وليس دون رجب إال ثالثة‬

‫والقرون المفَِّالة كلهاا لام يخال عاا سم مان أعاوام الجهااد فيهاا مان قتاا ٍل فاي الشاهر‬
‫الحرام‪ ،‬في غزوات الخلفاء الراشدين‪ ،‬ومن بعدهم من الصاحابة والتاابعين‪ ،‬وفاي‬
‫جميع عصو عر الجهاد في التاري ‪.‬‬
‫ع‬
‫المحرم‪ ،‬وحصاره لع َّكا كان ثال‬
‫َّ‬ ‫وقد خرج صالح الدين لمعركة حطين في َّأول‬
‫سنين‪ ،‬بدأت في رجب ‪ ،585‬بل َّ‬
‫إن فتحه لبي المقدس كان في السابع والعشرين‬
‫من رجب ‪.583‬‬

‫كثيارا مان فتاوح المسالمين وانتصااراتهم فاي األشاهر‬


‫ن‬ ‫ولو تتبع أحاد التااري لوجاد‬
‫صاا مان الكاافرين‪ ،‬وعماالن بالنَّاسا عناد مان يارى‬
‫الحرم‪ ،‬دفعناا للمعتادين‪ ،‬واقتصا ن‬
‫نس تحريم القتال في األشهر الحرم‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫‪86‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫األوقات المستحبة في القتال‬


‫َّ‬
‫وامتن بالنعمة السابغة‪ ،‬والصالة والسالم على‬ ‫تفرد بالحكمة البالغة‪،‬‬
‫الحمد هلل الذي َّ‬
‫عباده ورسااوله وخيرتااه ماان خلقاه‪ ،‬الااذي بلَّااغ رسااالته بياده ولسااانه‪ ،‬وجاهااد فااي هللا‬
‫بنفساه ومالااه‪ ،‬حتَّاى أوضا المحجاة وأقااام ال ُح َّجاة‪ ،‬وعلااى آلاه الطيبااين الطااهرين‪،‬‬
‫وعلى صحابته والتابعين‪ ،‬ومن تبعهم في علمهم وعملهم وجهادهم إلى ياوم الادين‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫سن أن نذكر نبذة ع َّما يُستحب القتاال فياه‬


‫فبعد ذكر الوق الذي يحرم القتال فيه‪ ،‬ح ُ‬
‫ماان األوقااات‪ ،‬ممااا أرشاادنا إليااه ودلَّنااا عليااه أشاارأ المرساالين‪ ،‬وجملاةُ مااا وج ادتُ‬
‫منقوالن عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فاي ذلاك ساتةُ أوقاا ٍ‬
‫ت ناذكرها وماا جااء‬
‫فيها على ال عوالء‪:‬‬

‫الخمي ‪:‬‬
‫ي‬ ‫صة غازوة العُسارةع َّ‬
‫أن النبا َّ‬ ‫أخر َج البخاري ومسلم من حديث كعب بن مالك في ق َّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬خرج في غزوة تبود يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم‬
‫الخميس‪ ،‬وفي لفظ‪ :‬لقلَّما كاان رساول هللا صالى هللا علياه وسالم يخارج إالَّ فاي ياوم‬
‫الخميس‪.‬‬

‫أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عقدَ لواء أسامة بن زيد في بعثاه‬ ‫وذكر الواقدي َّ‬
‫بعاث أُسااامة“ ياوم الخماايس‪ ،‬وخارج فااي غازوة نجااد وهااي‬
‫َ‬ ‫الاذي قااال فياه‪” :‬أنفااذوا‬
‫غزوة ذي أمر يوم الخميس‪.‬‬

‫وجاء في لفظٍ للحاديث عناد النساائي مان ريا ابان وهاب عان ياونس‪” :‬قلَّماا كاان‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يخرج في سفر جهاد وال غيره إال ياوم الخمايس“‪،‬‬
‫ولم يذكر هذه الزيادة أكثر مان روى الحاديث عان الزهاري والظااهر أنَّهاا ُمدرجاةس‬
‫وغياره فثابا س فااي‬
‫ع‬ ‫االساتحباب فاي الجهااد‬
‫ُ‬ ‫مان بعاف الارواةع شار نحا للحاديث‪ ،‬وأ َّماا‬
‫‪87‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ث‬
‫الجهاد بما في الصحيحين مان حاديث كعاب‪ ،‬أ َّماا فاي غيار الجهااد فظااهر الحادي ع‬
‫يتناولُهُ وهللا أعلم‪.‬‬

‫خروجاه فاي الخمايس عان خروجاه فاي‬ ‫اختياار ال يختلا‬


‫ٍ‬ ‫وهذا لمن كاان فاي حاا عل‬
‫ادو عاان يااوم‬ ‫غيا عاره‪ ،‬أ َّمااا ماان كااان ُماادافعنا ورأى َّ‬
‫أن اسااتعجاله فااي الخااروج إلااى العا ع‬
‫الخميس أو تنخره عنه أفِال‪ ،‬وكاذا إن كاان ال نباا ورأى غيار الخمايس أنجاع فاي‬
‫عدوا في مكان ال‬
‫مطلوبه فاألفِل لهُ اختيار الوق ع األصل ع للجهاد‪ ،‬كنن يستهدأ ًّ‬
‫لخمايس فاال‬
‫ع‬ ‫للصاليبيين يخرجاون مناه ياوم ا‬
‫ع‬ ‫يحِر إليه إالَّ ياوم الساب ع‪ ،‬أو مج َّم نعاا‬
‫معنى بل يكون فيه فاوتس لمصالحة العمليَّاة‪ ،‬أو يخشاى‬
‫ن‬ ‫يكون النطالقه يوم الخميس‬
‫الهدأ أو تنبهه إليه ونحو ذلك‪.‬‬
‫ع‬ ‫انتقال‬

‫وروي شااي سء فااي فِاال يااومين آ َخا َارين همااا االثنااين والسااب ُ ‪ ،‬فن َّمااا االثنااين ف اذكر‬
‫ُ‬
‫العيني في شرح البخاري َّ‬
‫أن في حاديث كعاب بان مالاك‪” :‬وكاان رساول هللا صالى‬
‫هللا عليه وسلم يُحب أن يُسافر يوم االثنين ويوم الخميس“‪ ،‬وليس هذه الجملة مماا‬
‫انتسخه العيني من فت الباري‪ ،‬ولم أجد الحديث الذي ذكره العيني ع وال يص شي سء‬
‫حجر في التلخيص لف ن‬
‫ظا من ألفام حاديث اللهام‬ ‫ٍ‬ ‫بهذا المعنى‪ ،‬وأ َّما السب ُ فذكر ابن‬
‫بارد أل َّمتي في بكورهاا‪ ،‬ونصاه‪” :‬اللهام باارد ألمتاي فاي بكورهاا ياوم سابتها‬
‫ويوم خميسها“‪ ،‬ونقل عن أبي زرعة أنَّه قال‪ :‬هذه الزيادة ُمفتعلةس‪.‬‬

‫فهذا ما ُروي في السفر والخروج إلاى ال عقتاال عان النباي صالى هللا علياه وسالم مان‬
‫الياوم والليلاة التاي يُشارع فيهاا ال عقتاال فقاد وردَ مان ذلاك‬
‫ع‬ ‫أيام األُسبوع‪ ،‬وأ َّما أوقاات‬
‫ثالثةُ أوقاتٍ‪:‬‬

‫األول‪ :‬بعد الفجر؛ جاء عناد البخااري ومسالم فاي حاديث أناس بان مالاك‬
‫الوقتُ َّ‬
‫رضي هللا عناه‪ :‬كاان رساول هللا صالَّى هللا علياه وسالم إذا غازا قو نماا لام يغار حتاى‬
‫يصب ‪ ،‬فإن سمع أذاننا أمساك‪ ،‬وإن لام يسامع أذانناا أغاار بعاد ماا يصاب ‪ ،‬وهاذا إنَّماا‬
‫كان منه صلى هللا عليه وسلَّم تبيننا لئالَّ يغزو أهل بل ٍد من المسالمين‪ ،‬فيكاون اختياار‬
‫‪88‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫هذا الوق ع لهذه العلَّة ال مطلقنا‪ ،‬ولما غزا صلى هللا علياه وسالم يهاود خيبار غازاهم‬
‫قوم فساء صبا ُح المنذَرين‪.‬‬
‫صبا نحا وقال‪ :‬إنَّا إذا نزلنا بساح عة ٍ‬

‫ث‬ ‫وهال هاذا الوقا ُ قبال أن تطلاع الشا ُ‬


‫امس أم بعادها؟ جااء فاي بعاف رواياات حاادي ع‬
‫النعمان ا تي‪” :‬غزوت مع النبي صلى هللا عليه وسلم فكان إذا لاع الفجار أمساك‬
‫حتى تطلع الشمس فإذا لع قاتل“ َّ‬
‫لكان الحاديث ضاعي س ‪ ،‬والرواياات الصاحيحة‬
‫لحديث النعمان مجملةس ليس فيها هذا‪.‬‬

‫وقوله في هذا الحاديثع‪” :‬إذا غازا قو نماا لام يغار حتاى يصاب ‪ ...‬وإن لام يسامع أذانناا‬
‫أغار بعاد ماا يُصاب “ مااهره أن اإلصاباح الاذي ينتظاره هاو اإلصاباح الَّاذي يُغيار‬
‫بعده‪ ،‬وهو أول وق الفجر والوق ُ الَّذي يُسمع فيه األذان‪.‬‬

‫ومما يدل على فِل هذا الوق ع في الخاروج للسافر‪ ،‬ماا جااء عناه صالى هللا علياه‬
‫وساالم ماان حااديث صااخر باان وداعااة الغاماادي‪” :‬بُااورد أل َّمتااي فااي بكورهااا“‪،‬‬
‫والبُكور الخروج بكرةن وهو َّأو ُل النَّهار‪ ،‬وفي بعف األحاديث‪” :‬ب ُ ورد أل َّمتي‬
‫اوقتين‪ :‬الصاابا َح والخماايس‪ ،‬ولكنَّااه وا ٍه ال‬
‫ع‬ ‫فااي بكورهااا يااوم الخماايس“‪ ،‬فجم ا َع الا‬
‫يص ‪.‬‬

‫ومن دليل هذا الوق ع ما ينتي في الوق ع الثاني‪:‬‬

‫الوقتُ الثاني‪ :‬بعد وال الشم ِ ؛ أخرج البخااري مان حاديث ُجبيار بان حيَّاة‬
‫عان النعمااان باان مقا عارن رضااي هللا عنااه‪” :‬ولكنااي شااهدت القتااال مااع رسااول هللا‬
‫صالى هللا علياه وساالم‪ ،‬كاان إذا لاام يقاتال فااي أول النهاار‪ ،‬انتظاار حتاى تهااب‬
‫األرواح وتحِاار الصاالوات“‪ ،‬وقولااه ”وتحِاار الصاالوات“ دلياال علااى أنَّااه‬
‫ينتظر إلى زوال الشامس‪َّ ،‬‬
‫ألن الصالوات بعاد أول النهاار ال تحِار إال بعاد زوال‬
‫الشمس فتحِر الظهر ث َّم العصر ثم المغرب ثم العشاء‪ ،‬وهذا ما جاء به مصار نحا‬
‫في رواي عة معقل بن يسار عن النعمان بن مقرن عناد الترماذي‪” :‬إذا لام يُقاتال أول‬
‫‪89‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫النهار أ َّخر القتال حتَّاى تازول الشامس“‪ ،‬كماا َّ‬


‫أن فاي هاذا الحاديث الداللاة علاى‬
‫األول المذكور قبل هذا الوق وهو َّأول النهار‪.‬‬
‫الوق ع َّ‬

‫ب كتباه‪ :‬إن رساول هللا‬


‫وخرج البخااري مان حاديث عباد هللا بان أباي أوفاى فاي كتاا ٍ‬
‫َّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم في بعف أيامه التي لقي فيها‪ ،‬انتظر حتاى مالا الشامس‪ ،‬ثام‬
‫قام في الناس خطي نبا قال‪” :‬أيها الناس‪ ،‬ال تتمنوا لقاء العدو‪ ،‬وسلوا هللا العافية‪،‬‬
‫فااإذا لقيتمااوهم فاصاابروا‪ ،‬واعلمااوا أن الجنااة تحا مااالل الساايوأ ثاام قااال‪:‬‬
‫اللهم منزل الكتاب‪ ،‬ومجري السحاب‪ ،‬وهازم األهزاب‪ ،‬اهازمهم وانصارنا‬
‫عليهم“‪.‬‬

‫وبااوب عليااه‬ ‫وفااي انتظاااره حتَّااى مال ا الشاامس دلياا سل علااى ع‬


‫تحريااه هااذا الوق ا ‪َّ ،‬‬
‫البخاري بلفظ حديث النعمان بن مقرن فقال‪( :‬باب‪ :‬كان النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫إذا لم يقاتل أول النهار أ َّخر القتال حتى تازول الشامس)‪ ،‬وفاي بعاف ألفاام حاديث‬
‫ابن أبي أوفى‪ :‬أنه كان صلى هللا عليه وسلم يحب أن يانهف إلاى عادوه عناد زوال‬
‫الشمس‪ ،‬وهذا صري س في المقصود‪.‬‬

‫منصاوص عليهاا فاي حاديثي ابان أباي‬


‫س‬ ‫والحكمةُ في اختيار هاذا الوقا ع ثالثاة أماور‬
‫أوفى والنعمان‪:‬‬

‫األول‪ :‬انتظار هبوب الرياح‪ ،‬قال ابن حجر في الفائدة من هبوب الريااح‪:‬‬
‫األمر َّ‬
‫مااهر فااي‬
‫س‬ ‫(فيحصال بهاا تبريااد حادة الساالح والحارب وزياادة فاي النشااا )‪ ،‬وهاذا‬
‫يصالب ويشاتد كلَّماا بارد ويلاينُ فاي الحارارةع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السالح القديم والحديثع‪َّ ،‬‬
‫فاإن الحدياد‬
‫والسيوأ من الحديادع‪ ،‬وأسالحة هاذا العصار غالبهاا مان الحدياد الاذي جعال هللا فياه‬
‫والسيوأ تزداد حرارتهاا فاي الحارب بسابب‬
‫ُ‬ ‫سا شديدنا وال تقوم الحروب إالَّ به‪،‬‬
‫بن ن‬
‫ارب ماان الحاارارة الناشاائة عاان االحتكاااد‪ ،‬واألساالحة الحديثاةُ تاازداد‬
‫يولااده الِا ُ‬
‫مااا ع‬
‫حرارتهااا بساابب االنفجااار الااذي يقاا ُع فيهااا عنااد إ ااالق مقااذوفاتها علااى اخااتالأ‬
‫حارا للقتاال بهاا لائالَّ تازداد حارارة‬
‫أنواعها‪ ،‬فكان األفِال أن يُختاار الوقا ُ األقال ًّ‬
‫الجا عاو إلااى مااا فيهااا ماان حاارارةٍ‪ ،‬فااإن قُاادعم المعركااة علااى الاازوال اشااتدت حاارارة‬
‫‪90‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫األسلحة وتلف أو لم يُنتفع بها كمال االنتفاع‪ ،‬وإن أ ُ عخرت عن الزوال إلاى العصار‬
‫لم يب وق س للمعركة مان النهاار‪ ،‬وكاانوا ال يُقااتلون فاي الليال عناد المصاافَّة وإنَّماا‬
‫العدو ليالن وهو ا‬
‫غار‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫يُبيتون‬

‫و ُمقتِى التعليل بهذه العلَّة وحدها أن يُفَِّل تانخير المعاارد فاي هاذا الوقا عان‬
‫الزوال إلى آخر العصر أو إلى المغرب ليكون أبرد لاسلحة‪ ،‬أ َّما ترد النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم وأصحابه ذلك في حروبهم فلوجود المانع وهو العجز عن القتال في‬
‫الليل وهذا المانع منت ٍ في العصور الحديثة‪.‬‬

‫أن المسالمين نُصاروا‬


‫وقد ذكر ابن حجر وج نها آخر في فائدة هباوب الريااح‪ ،‬وهاو َّ‬
‫يوم الخندق بالري فصار مظنَّةن للنصر‪ ،‬قل ُ ‪ :‬وهو ماهر ماا فاي رواياة قتاادة عان‬
‫مقرن ‪ -‬وهاي منقطعاةس ‪ -‬حياث قاال‪ :‬وكاان يُقاال‪ :‬عناد ذلاك تهاي ُج ريااح‬
‫النعمان بن ع‬
‫فكنن تلك الري عالمةس على النَّصر وهللا أعلم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫النصر‪،‬‬

‫األمثثر الثثثاني‪ :‬حضثثور الصثثلوات‪ ،‬ومااا فيهااا ماان دعاااء المساالمين فااي صاالواتهم‬
‫للمجاهدين‪ ،‬كما جاء في حديث قتادة عن النعمان‪ :‬وكان يُقال‪ :‬عند ذلك تهي ُج ريااح‬
‫النصر ويدعو ال ُم منون لجيوشهم في صال عتهم‪ ،‬وبذلك أخذ صالح الادين حاين‬
‫أ َّخر معركة حطين إلى وق خطبة الجمعاة ليُوافا دعاوات المسالمين فاي ال ُجمعاة‬
‫لهم‪ ،‬وكل ذلك من أسباب النصر‪.‬‬

‫فينبغااي للمساالم إذا علاام َّ‬


‫أن المجاهاادين ربَّمااا تحا َّاروا وق ا دعائااه لهاام أن ال يتاارد‬
‫مكان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كل‬
‫الدعاء للمجاهدين في ع‬

‫األمر الثالث‪ :‬نزول النصر‪ ،‬وهذا منصوص حديث معقل بن يسار عان النعماان‬
‫بن مقرن‪ ،‬وقيل في هبوب الرياح إنَّه أمارة س عليه كما تقدَّم‪.‬‬

‫وبهذا يثبُ استحباب وق ماا بعاد الازوال مطلقناا‪ ،‬ألنَّاه ُ‬


‫ع علال بعلال بعِاها معقاو سل‬
‫تحاري‬
‫ي ال يُعلم حصاوله فاي غيار ذلاك الوقا ع‪ ،‬واألولاى للمجاهادين ع‬
‫وبعِها غيب ا‬
‫‪91‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫هااذا الوق ا مااا اسااتطاعوا حيا ُ‬


‫اث لاام يكاان فيااه ضاارر‪ ،‬لمااا فيااه م ان أسااباب النصاار‬
‫القوة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وعوامل َّ‬

‫الوقثثتُ الثالثثث‪ :‬الليثثل وهثثو وقثثتُ البيثثا ِ‬


‫ت‪ ،‬وقااد جاااء فااي البيااا ع‬
‫ت نصااوص عان‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأصاحابه‪ ،‬وقاال أحماد بان حنبال‪ :‬ال بانس بالبياات‬
‫وهل غزو الروم إال البياات‪ ،‬وقاال‪ :‬ال نعلام أحادان كاره البياات‪ .‬انتهاى‪ ،‬وإنَّماا يكاون‬
‫لقوم بلغتهم الدعوة ُ أو بعد الحكم ببلوغ الدعوة أل َّمة من األمم أو بلد مان الابالد كماا‬
‫ٍ‬
‫سائل صالى هللا علياه وسالم عان‬
‫ُحكم ببلوغها الروم والفرس فاي صادر اإلساالم‪ ،‬و ُ‬
‫أهل الدار يُبيتون فيُصاب مان نساائهم وذراريهام فانذن باذلك‪ ،‬وذلاك مناه صالى هللا‬
‫ت وإدراد عغ َّرة المشركين على مفسدة قتل النسااء‬
‫عليه وسلم ترجي س لمصلح عة البيا ع‬
‫واأل فال والذرية ممن ال يحل إفراده بالقتل‪.‬‬

‫فالحاصل مما تقدَّم‪ :‬اساتحباب الخمايس للخاروج إلاى القتاال وغياره‪ ،‬واساتحباب‬
‫أول النهار‪ ،‬وما بعد ال َّزوال‪،‬‬ ‫الليل للبيا ع‬
‫ت وإدراد عغ َّرة العدو‪ ،‬واستحباب وقتي‪َّ :‬‬
‫ع علل باه مان العلال‪ ،‬وهللا أعلام‪ ،‬وصالَّى هللا‬ ‫لل عقتال مصافَّةن وأفِلهما بعدَ َّ‬
‫الزوا عل لما ُ‬
‫على عبده ورسوله محمد‪ ،‬وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪92‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المحرمات في القتال‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرأ المرسلين‪ ،‬نبينا محماد وعلاى‬
‫آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫اك خل ا عبااادَه مختلفااين‪ ،‬ولاام يجعاال‬ ‫فا َّ‬
‫اإن هللا عااز وجاال خااال الخليقا عة ومالااكَ الملا ع‬
‫وفارق باين أعدائاه وأوليائاه‪ ،‬ثا َّم‬
‫كالمتقين‪َّ ،‬‬
‫ع‬ ‫المسلمين منهم كالمجرمين‪ ،‬وال الف َّجار‬
‫أمر عباده الم منين بجهاد الكافرين وقتالهم حتى ال تكون فتنةس ويكون الادين هلل أو‬
‫يعطااوا الجزي اةَ صاااغرين‪ ،‬وجعاال للجهاااد كسااائر العبااادات التااي أما َار بهااا علو نم اا‬
‫وأعماالن ومعاالم وحادودنا‪ ،‬وجعال العلام دلايالن للعمال والجهااد وحاديناا إلياه‪ ،‬وجعال‬
‫العماال تصااديقنا للعلاام وترسااي نخا لااه‪ ،‬فمتااى كااان الجهاااد بااال علا ٍام أو الحااديث عنااه‬
‫والدعوة إليه بال عم ٍل وامتثا ٍل‪ ،‬نُزع بركته وضاع ثمرتُه والمقاصد الشرعية‬
‫المنو ة به‪.‬‬

‫ومن هنا كانا الحاجاة إلاى كتاباة الِاوابط والحادود الَّتاي ضابط بهاا الشاريعة‬
‫كثيار مان أهال العلام المعاصارين‬
‫س‬ ‫مسائل الجهاد والقتال في سابيل هللا‪ ،‬وقاد اعتناى‬
‫بعموم أحكام الجهاد‪ ،‬أو بالتحريف على الجهاد وبيان وجوبه وماوا ن ذلاك‪ ،‬أ َّماا‬
‫والمحرمات في القتال فلم أجد فيها من التفصيل ما يفي بالحاجاة القائماة‬
‫َّ‬ ‫الِوابط‬
‫إليه‪.‬‬

‫واستغ َّل أهل النفاق هذا الجانب وكثرة الجهل به والغفلة عن تحرير مسائله ودقي‬
‫حرماات ماا‬
‫مباحثه‪ ،‬فنوردوا من الشبهات التي تستند إلى ما جاء في القتال من الم َّ‬
‫بالكليَّ اة وانقطاااع القتااال فااي ساابيل هللا والاادفاع ع ان‬
‫يُفِااي إلااى سا عاد باااب الجهاااد ع‬
‫كثيار مان السَّا َّماعين لهام مان‬
‫س‬ ‫حرمات المسلمين‪ ،‬وتابعهم فاي بعاف ماا جااؤوا باه‬
‫المسلمين‪ ،‬ومن يث في بعِهم ويظنه من أئ َّمة الدين‪.‬‬

‫والتفااريط فااي معرفااة ضااوابط الجهاااد وشاارو ه يفاات باااب التخااذيل واإلرجاااأ‬
‫والتعوي ا ‪ ،‬كمااا َّ‬
‫أن ال ُمبالغااة فااي تلااك الشاارو وتحميلهااا مااا ال تحتماال يفاات باااب‬
‫التهور واالندفاع في القتال على غير هُدى‪ ،‬فكان غالب الناس ماع شارو الجهااد‬
‫‪93‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫عطله عن شرو ه‪ ،‬ومن َّ‬


‫عطله بشارو ع ه‪ ،‬وإن كانا‬ ‫على حالين متِادَّتين‪َ :‬من َّ‬

‫النفاوس إلاى األمان‬


‫ع‬ ‫الكثرة للفئة الثانية لماا ألفتاه نفوساهم مان االستِاعاأ وميال‬

‫اك أنَّااك تاارى أحاادهم ال يجااري ذكاار‬


‫اب السااالمة‪ ،‬وماان آي ا عة ذلا َ‬
‫وحا ع‬
‫شاايءٍ ماان نوازلااه‪ ،‬وال يحااث عليااه‬ ‫الجهاااد علااى لسااانه وال يتح ادَّ فااي‬
‫كافر واحدس انتزع من الكتاب والسنة إن وجد أو من أقاوال الفقهااء‬
‫س‬ ‫بكلمةٍ‪ ،‬فإذا قُتل‬
‫بفهمه الفاسد ما يُحارب به من قتل ذلك الكافر‪.‬‬

‫ال عمليااة مباركااة تساار الما منين‬


‫وقااد مهاارت مقاااالت دعاااة تعطياال الجهاااد مااع كا ع‬
‫وتغاايظ الكااافرين‪ ،‬فمنهااا شاابهات حااول العهااد واألمااان‪ ،‬ومنهااا شاابهات فااي بعااف‬
‫مساااائل الجهااااد كاااالتترس والبياااات‪ ،‬ومنهاااا شااابهات فاااي كفااار بعاااف الطواغيااا‬
‫المرتدعين‪ ،‬ومنها شبهات يخترعونها ويُوحيها الشيا ين إلى أولياائهم ليُجاادلوا بهاا‬
‫ب وال س انَّ ٍة وال كااالم أحااد ماان أهاال العلاام كتحااريم قتاال‬
‫المجاهاادين ليسا فااي كتااا ٍ‬
‫الطاائرات‪ ،‬وأقال ماا‬ ‫ا منين أو المدنيين وتحريم التفجيرات واالغتياالت وخطا‬
‫يرجااون ماان ذلااك اإلرجاااأ بالمجاهاادين والتخااذيل عاان الجهاااد‪ ،‬وكثُاار ماان تاانثَّر‬
‫محبااااي الجهاااااد‬
‫بشاااابهاتهم واسااااتمع إلااااى مقاااااالتهم ماااان عامااااة المساااالمين وماااان ع‬
‫والمجاهدين‪ ،‬وكثُر الساائل عان هاذه المساائل؛ فلام يكان بادا مان تناولهاا بشايءٍ مان‬
‫البسط واالستيعاب‪.‬‬

‫اارم هللا إراقتهاااا‪ ،‬وأماااوا سل حكااام هللا بعصااامتها‪،‬‬


‫والمحرماااات فاااي القتاااال دماااا سء حا َّ‬
‫َّ‬
‫حارم هللا ال عقتاال فيهاا‪ ،‬وسايكون‬ ‫س‬
‫وأزماان وأمااكنُ َّ‬ ‫وأعرا س جاء الشرع بحرمتعهاا‪،‬‬
‫عكرا إن شاء هللا مسائ ُل الدعماء‪.‬‬
‫أول هذه المسائل ذ ن‬

‫شر ُ في حال دفع‬ ‫فاألص ُل في دماء الكفَّار اإلباحةُ‪ ،‬بشر ع بلوغع الدَّعوة‪ ،‬ويسق ُ‬
‫ط ال َّ‬
‫عاادوانهم علااى المساالمين‪ ،‬فااإذا بلغ ا ع الاادعوة فالكفَّااار قساامان‪ :‬المباح اةُ دماااؤهم‪،‬‬
‫والمحرمة دماؤهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪94‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫ث َّم الذين تحرم دماؤهم قسامان‪ :‬مان تحارم دمااؤهم ابتادا نء وهام الذ عرياةُ ومان أ ُلحا‬
‫ب عااار‬
‫؛ والااذين تحارم دماااؤهم بسااب ٍ‬ ‫بهام‪ ،‬وماان تحاارم دمااؤهم بساابب عااار‬
‫ِا‪:‬‬
‫قسمان أي ن‬

‫األول‪ :‬ماان تحاارم دماااؤهم عنااد وجااود هااذا الساابب بغياار اختيا ٍ‬
‫اار للمساالمين فيااه‬ ‫َّ‬
‫وه الء هم أهل الجزية إذا اختاروها قبل فت أرضهم والمستجير ليسمع كال َم هللا‪،‬‬
‫والرسول من الكفَّار إلى المسلمين‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬من تحرم دماؤهم باختيار المسلمين‪ :‬الرج عل الواحد مانهم أو ولاي ع أمارهم؛‬
‫وه الء هم أهل األمان وأهل العهد‪.‬‬

‫ناقف لها؛ وهم الذرياة وأهال‬


‫س‬ ‫ث َّم في جميع ه الء َمن حرمةُ دَ عم ع ه دائمةس حتى يرد‬
‫الجزية‪ ،‬ومان ُحرماة دماه م قتاةس ال يجاوز أن تكاون دائماة وهام المساتجير ليسامع‬
‫كااالم هللا حتااى يساالم‪ ،‬والرسااول إلااى المساالمين حتااى يرجااع‪ ،‬وأهاال العهااد حتااى‬
‫تنقِي ُمدَّتهم أو يُنبذ إليهم على سواء‪ ،‬وأهل األمان حتَّى ينتهي أمانهم وال يجوز‬
‫في أح ٍد من ه الء ا عخ عرين أن يُعقد له عقدس دائ سم‪.‬‬

‫الحاديث عان األصا عل فاي دمااء الكفَّاار َّ‬


‫وأن األصا َل فاي‬ ‫ُ‬ ‫وقد تقدَّم من هاذه المساائل‬
‫دمائهم وأموالهم وأعراضاهم اإلباحاة‪ ،‬كماا تقادَّم الحاديث عان شار ع بلاوغع الادَّعوة‬
‫والحد المجزئ من ذلك الشر ‪ ،‬وعن سقو ع ه حاال الادفع‪ ،‬وسانتناول فاي مقااال ٍ‬
‫ت‬ ‫ع‬
‫متسلسل ٍة بإذن هللا هذه المسائ َل مسنلةن مسنلةن‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم‪ ،‬وصلى هللا وسالم علاى عباده ورساوله محماد وعلاى آلاه وصاحابته‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المحرمات في القتال‬
‫(الذرية )‬
‫الحمااد هلل رب العااالمين‪ ،‬والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين‪ ،‬نبينااا محم اد‬
‫وعلى آله وصحابته أجمعين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإن مما استُثني من أصل إباحاة دمااء الكفَّاار‪ :‬الذرياة وهام النسااء واأل فاال وفاي‬
‫َّ‬
‫حكمهم المجنون‪ ،‬وقيل بإلحاق غيرهم بهام‪ ،‬واساتثناؤهم لايس اساتثناء عصامة بال‬
‫هااو حرمااة القتاال فحسااب؛ ولااذا جاااز االسااترقاق ولاام يجااب علااى القاتاال دياةس علااى‬
‫المحرمات مرتبة وأخفها حرماةن علاى ماا تقادَّم‬
‫َّ‬ ‫الصحي ‪ ،‬فذراري المشركين أدنى‬
‫في العدد الرابع عشر من هذه المجلة المباركة بشيء من التفصيل‪.‬‬

‫والذرية‪ :‬هم النساء مطلقنا‪ ،‬وكل من لم يبلغ من األ فال‪ ،‬والمجانين حال جناونهم‬
‫وكل من ال عقل له‪ ،‬وال ُخنثى ال ُمشكل ويُراد به من خل ُخنثاى ال المخنثاون الاذين‬
‫يتعا ون الهرمونات وما أشبه ذلك‪ ،‬وهذا القدر ُمتَّف س عليه في الذرياة المعصاومة‬
‫دمااؤهم‪ ،‬لماا فاي الصاحيحين مان حاديث ابان عمار رضاي هللا عناه َّ‬
‫أن رسااول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم نهى عن قتل النسااء والصابيان‪ ،‬والمجناون فاي حكام الصابي‬
‫الَّذي هو ُمتعلَّ ُ األحكام‪.‬‬ ‫النعدام التكلي‬

‫ويحرم قتل العبد عن الحنابلة والشاافعية والحنفياة والمالكياة ألنَّاه ماا سل صاال س ولاو‬
‫كافرا فال يجوز إتالفه على المسلمين‪ ،‬وألنَّه ليس من أهل الحرب‪ ،‬وقد قدَّمنا‬
‫كان ن‬
‫فااي بعااف المقاااالت اإلشااارة إلااى َّ‬
‫أن العبااد كثيا نارا مااا يُلحا فااي أحكامااه باااألموال‬
‫حقه من أحكام اإلنسانية وهللا أعلم‪.‬‬
‫وتكون أحكام الماليَّة أغلب في ع‬

‫فيمن يُلح بهم‪ ،‬ومجمل من قيل بإلحاقه بالذرية أربعة أصناأ‪:‬‬ ‫واختُل‬

‫األول‪ :‬ماان ال يُطي ا ال عقتااال كالشاايو ‪ ،‬وأُخااذ هااذا ممااا روي عاان النبااي‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫أحادياث‬ ‫صلى هللا عليه وسالم فاي النهاي عان قتال الشايو ‪ ،‬وكلهاا‬
‫‪96‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫بكار فاي وصايته المشاهورة ولام يثبا ‪ ،‬وماا‬ ‫ضعيفةس‪ ،‬ومماا ُروي عان أباي‬
‫جاء عن ابن عبَّاس من رواية علي بن أبي لحة عنه في تفسير قوله تعالى‪َ ( :‬وال‬
‫تَعتَدُوا )‪ ،‬قال ال تقتلوا النساء واأل فال وال الشي الكبير‪ ،‬وال من ألقى إلايكم السالم‬
‫وكا َّ يااده‪ .‬يعناي بماان ألقاى الساالم وكا َّ يااده مان أعطااى الجزياةَ وسااالم المساالمين‬
‫وترد القتال ودخل في حكم أهل اإلسالم‪ ،‬كقوله تعالى‪َ ( :‬وإعن َجنَ ُحوا عللسَّل عم فَااجنَ‬
‫لَ َها)‪ ،‬وهذا اإلسناد إلاى ابان عبااس منقطا سع لام يسامع علاي بان أباي لحاة مان ابان‬
‫عباااس‪ ،‬ولكنهااا نسااخة ت ُ علقي ا بااالقبول واعتماادها عاادد ماان الحفَّااام كالبخاااري فااي‬
‫صحيحه‪ ،‬وقال ابن حجر‪ :‬كان يحتج بها البخاري وأبو حاتم‪ ،‬وقال عنها أحمد بن‬
‫كثيرا‪ ،‬يرويها عبد هللا بن‬
‫حنبل‪ :‬بمصر نسخة لو رحل إليها إنسان قاصدنا لما كان ن‬
‫صال عن معاوية بن صال عن علي بن أبي لحة عن ابن عبااس‪ ،‬أو نحاو هاذه‬
‫العبارة‪ ،‬ذكره ابن النحاس في الناس والمنسو وذكر الميموني عن أحمد أنَّه قال‬
‫فااي علااي باان أبااي لحااة‪ :‬لااه أشااياء منكاارات‪ ،‬وقااال يعقااوب باان ساافيان‪ :‬ضااعي‬
‫الحااديث‪ ،‬وقااال ماارة‪ :‬لاايس هااو بمتاارود وال هااو حجااة‪ ،‬وقااال أبااو داوم‪ :‬مسااتقيم‬
‫الحديث‪ ،‬وذ َّمه جماعة في مذهبه‪ ،‬والقرب فيه أنَّه حسن الحديث أ َّما االنقطااع فقاد‬
‫ذكر جماعة َّ‬
‫أن بينهماا مجاهادنا‪ ،‬وأكثار البخااري مان تخاريج أحاديثاه فاي التفساير‬
‫معلَّقااة مجزو نمااا بهااا فيقااول‪ :‬قااال اباان عبَّاااس كااذا‪ ،‬ومعلااو سم تشاادد البخاااري فااي‬
‫االتصال‪ ،‬فتكون كرواية سعيد بن المسيب عان عمار وأباي عبيادة بان عباد هللا بان‬
‫مسعود عن أبيه‪ ،‬مما يقبله أهال العلام بالحاديث وإن كاان منقط نعاا‪ ،‬أماا عباد هللا بان‬
‫صال فما رواه عنه الحفام أجود مما رواه غيرهم وهذه النسخة التي رواها بهاذا‬
‫اإلسناد رواهاا عناه جماع مان الحفاام مانهم أباو حااتم الارازي‪ ،‬وعثماان بان ساعيد‬
‫الاادارمي‪ ،‬وأبااو عبيااد القاساام باان س االَّم‪ ،‬ويعقااوب باان ساافيان الفسااوي‪ ،‬وجماعااة‬
‫س‬
‫حسن‪.‬‬ ‫آخرون‪ ،‬فاألقرب في هذا اإلسناد أنَّه‬

‫وذهااب الشاافعيَّة واباان حاازم إلااى إباحااة دماااء الشاايو لظاااهر حااديث الحساان عاان‬
‫ساامرة باان جناادب‪” :‬اقتلااوا شاايو المشااركين واسااتبقوا شاارخهم“‪ ،‬والحااديث‬
‫‪97‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫كبيارا‪ ،‬وهاذا ال يقاوم‬


‫ن‬ ‫اس دُريد بان الصامة وكاان شاي نخا‬
‫ضعي س ‪ ،‬ولقتل سريَّة أو ٍ‬
‫االستدالل به َّ‬
‫ألن دريد بن الصمة خرج مع الجيو ال ُمقاتال وأعاان برأياه فمثلاه ال‬
‫في قتله كالمرأة إن قاتل ‪.‬‬ ‫يُختل‬

‫وهذا هو الراج وهللا أعلم؛ َّ‬


‫فإن ك َّل ٍ‬
‫قاوم قااتلهم النباي صالى هللا علياه‬
‫وسالم فماان بعااده كاان فاايهم شاايو ولام يثبا فااي النهاي عاان قااتلهم‬
‫على مان جارت علياه‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم السي‬ ‫شيء‪ ،‬وأجرى رسول‬
‫إالَّ من أسالم أو كاان دون البلاوغ‪ ،‬فلاو‬ ‫الموسى من بني قريظة ولم ين ُج من السي‬
‫استثنى الشيو مع من استثنى لنُقل ذلك بل جاء عند الشيخين من حديث ابن عمر‬
‫فااي خباارهم‪ ” :‬فقتاال رجااالهم‪ ،‬وقساام نساااءهم وأمااوالهم وأوالدهاام وأمااوالهم بااين‬
‫المسالمين‪ ،‬إالَّ بعِااهم لحقااوا بااالنبي فااآمنهم صالى هللا عليااه وساالم وأسالموا“‪ ،‬فلاام‬
‫يذكر فيمن أُبقي إالَّ النساء واألماوال واألوالد‪ ،‬وال اساتثنى ممان قُتال إالَّ مان أسالم‬
‫ولح بالنبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫ي عاان قااتلهم ألنَّهاام أمااوا سل‬ ‫وياادل علااى ذلااك َّ‬


‫أن الذريااة ماان النساااء واأل فااال منه ا ا‬
‫للمسلمين مع رجاء إسالمهم‪ ،‬أ َّما الشيو فهام بااقون علاى األصال مان إباحاة الادم‬
‫كماا دلَّا علااى ذلااك العمومااات ا ماارة بقتاال المشااركين‪ ،‬والمتقاارر ماان األحاديااث‬
‫أن عصمة الدم إنَّما تكون باإلسالم وحده‪ ،‬أو بالعهد واألماان والذماة‪،‬‬
‫وا يات في َّ‬
‫فما عدا ذلك لم يثب فيه إالَّ استثناء األموال ومنها النسااء واأل فاال‪ ،‬أ َّماا أثار ابان‬
‫أ؟‬
‫وهو موقو س‬ ‫عباس فلو جاء مرفو نعا لم يُحتمل هذا الحكم بهذا اإلسناد فكي‬

‫وعلااى هااذه األدلَّااة اعتمااد الشااافعية فااي قااولهم َّ‬


‫إن علااة القتاال هااي الكفاار وحااده‪،‬‬
‫ويجعلون الذرية مستثنينَ من الحكم وإن كان األصل دخولهم فياه‪ ،‬أ َّماا العقال فهاو‬
‫شر س َّ‬
‫ألن المجنون الذي ال يُفي ال يقع منه كفر وال إيماان وإنَّماا يُحكام لاه باالكفر‬
‫استصحابنا لما كان عليه قبل جنونه‪ ،‬فهو كالطفل إذ يحكم عليه باالكفر تبعناا ألبوياه‬
‫والدار‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وقد أُلح بالشيو األعمى ومقطوع اليدين ومقطوع اليمناى إن كاان ال يساتطيع‬
‫القتااال بيُسااراه ونحااوهم مماان ال يسااتطيع القتااال ببدنااه‪ ،‬فحيااث أدخلنااا القاادرة علااى‬
‫وحياث جعلناا العلَّاة الكفار وحاده إالَّ ماا‬
‫ُ‬ ‫القتال دخل ه الء فيمن ال يستطيع القتال‪،‬‬
‫استُثني أُبيح دماء ه الء لعدم الدليل على استثنائهم‪ ،‬وهو الراج كما تقدَّم‪.‬‬

‫عليهاا فاال يادخل‬ ‫وحار‬


‫َّ‬ ‫أ َّما من كان من ه الء ذا رأي في الحرب أو حِارها‬
‫َّ‬
‫والعلة في اساتثناء ها الء عناد‬ ‫فيه الخالأ بل هو مباح الدم اتفاقنا كالمرأة وأولى‪،‬‬
‫قاادرا علاى‬
‫ن‬ ‫من استثناهم عدم قادرتهم علاى القتاال فلاو كاان شاي س أو ُ‬
‫أبتار ونحاوهم‬
‫أن بعاف‬ ‫القتال أُبي دمه كغيره من القادرين بمقتِى هذا القول في األمهار‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫الفقهاء تمسَّك ببعف مواهر النصوص التي نص على الشيو ونحو ذلك‪.‬‬

‫در‬
‫أن هاذا القسام قاا س‬ ‫الثاني‪ :‬من ليس من شاننه القتاال؛ والفارق بيناه وباين َّ‬
‫األول َّ‬
‫ببدنه على القتال ولكنَّه ال يُعانيه وال يجعله له شنننا‪ ،‬وه الء قسمان‪:‬‬

‫‪ ‬ماان ال يُخااالط الناااس وهاام الرهبااان فااي صااوامعهم‪ ،‬لمااا جاااء عاان الصاادي‬
‫رضااي هللا عنااه ماان النهااي عاان ق اتلهم وقولااه‪ :‬وسااتمرون علااى أقااوام فااي‬
‫الصوامع قد حبساوا أنفساهم فيهاا فادعوهم حتاى يمياتهم هللا علاى ضااللهم‪،‬‬
‫وفي لفظ‪ :‬فذروهم وما حبسوا أنفساهم لاه‪ ،‬وقاد ُروي عان أباي بكار بإساناد‬
‫مرساال ولكنَّهااا وصااية مشااتهرة عنااد التااابعين ماان أهاال الشااام فماان بعاادهم‪،‬‬
‫واألمهر جواز قتلهم لعدم الادليل الصاحي الناقال عان األصال الثابا مان‬
‫إباحاااة دماااائهم‪ ،‬ويخاااتص هاااذا بالرهباااان فاااي الصاااوامع أ َّماااا القساوساااة‬
‫والشمامسة الذين يُخاالطون النااس فادماؤهم مباحاةس باالتفااق وهام كماا قاال‬
‫اباان القاايم‪ :‬ال يتنااازع العلماااء فااي أنهاام ماان أحاا النصااارى بالقتاال عنااد‬
‫المحاربة وبنخذ الجزية عند المسالمة وأنَّهم من جنس أئمة الكفر الذين قال‬
‫فيهم الصدي رضي هللا عنه ما قال وتال قوله تعالى‪( :‬فَقَا عتلُوا أَ عئ َّمةَ ال ُكف عر)‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫وهاو‬ ‫‪ ‬من يُخاالط النااس وشاننه شاننهم إالَّ أنَّاه لايس مان أهال القتاال كالعساي‬
‫األجير في الرعي والصناعة ونحوها‪ ،‬وكالفالَّح الذي ال شنن لاه فاي غيار‬
‫الشافعيَّة‪ ،‬والصحي‬ ‫الزرع‪ ،‬وقد قال باستثناء ه الء بعف الفقهاء وخال‬
‫جواز قتلهم وإباحة دمائهم مطلقنا‪ ،‬ففي الصحي من حديث ابان عبااس فاي‬
‫قوله تعالى‪َ ( :‬وال تَقُولُوا عل َمن أَلقَى إعلَي ُك ُم الس َ‬
‫َّالم لَس َ ُم عمنا ن تَبتَغُاونَ َع َار َ‬
‫أن رج االن كااان فااي ُ‬
‫غنيم ا ٍة لااه‪ ،‬فلحقااه‬ ‫ه َمغَااانع ُم َكثعيا َارة س) َّ‬
‫ال َحيَاااةع الاادنيَا فَ ععن ادَ َّ ع‬
‫المسلمون فقال السالم عليكم‪ ،‬فقتلوه وأخذوا ُ‬
‫غنيمتاه‪ ،‬فاننزل هللا فاي ذلاك‪..‬‬
‫فذكر ا ية‪ ،‬وفي هذه ا ياة دليا سل علاى مشاروعية قاتلهم مان هاذه حالاه مان‬
‫الرعاء‪ ،‬وإنَّما غلطاوا فاي قتلهماوه بعاد أن ألقاى الساالم الاذي هاو فاي ع‬
‫حقاه‬ ‫ع‬
‫وأمثاله دلي سل على اإلسالم‪ ،‬فلو كان قتل الرعاة وأمثاال هاذا الرجال حرا نماا‬
‫لنُهي عنه‪.‬‬

‫‪ ‬ففي هذا الذي تقدَّم بيان ما يدخل في الذرية وما قيل بإلحاقه بها وما ص َّ من‬
‫ال ذلااك فااي النظاار‪ ،‬وياانتي فااي المقااال القااادم بااإذن هللا تعااالى بيااان الحكاام‬
‫كا ع‬
‫الشرعي في الذرية ومن يُلح بهم‪ ،‬وما يُساتثنى مان ها الء ويجاوز قتلاه‪،‬‬
‫وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬
‫‪100‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫من تُعقد لهم الذمة (‪)2/1‬‬


‫َّ‬
‫أعااز اإلساااالم والمسااالمين‪ ،‬وأذل الشاارد والمشاااركين‪ ،‬والصاااالة‬ ‫الحمااد هلل الاااذي‬
‫باين يادي السااعة حتاى يُعباد هللا‬ ‫والسالم على خاتم النبيين‪ ،‬الذي بعثاه هللا بالساي‬
‫أمره‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫وحده ال شريك له‪ ،‬وجعل الصغار على من كذَّبه وخال‬

‫المحرمة من دماء الكفَّار أصالن ال تفتقر إلى شيءٍ من‬


‫َّ‬ ‫فقد تقدَّم الحديث عن الدماء‬
‫صة بدمائهم دون‬ ‫الذريَّة وبُ عين أن الحرمة مخت َّ‬
‫ع‬ ‫المسلمين لحفظها‪ ،‬وهي دماء‬
‫التي تُباح من السبايا‬ ‫األموال التي تُغنم والرقاب التي تُسترق‪ ،‬واألعرا‬
‫بتفاصيل ينتي ذكرها في هذه السلسلة بإذن هللا‪ ،‬ومن المحرمات في دماء الكفار ما‬
‫لكن حرمته م بَّدة ال ترتفع بنفسها إالَّ في‬
‫ال يحرم أصالن بل يحرم بفعل المسلمين َّ‬
‫واجب على المسلمين ليس لهم خيرة س في‬
‫س‬ ‫حالين ينتي ذكرهما بإذن هللا‪ ،‬وبذله‬
‫تركه‪ ،‬وهو تحريم أهل الذمة دمائهم ورقابهم وأموالهم وأعراضهم‪ ،‬وفيما يلي‬
‫ن‬
‫موجزا بعد التنبيه إلى أمرين‪:‬‬ ‫ذكر ما يتعلَّ بالمسنلة‬

‫أن الحديث إنَّما هو عن حرمة الدماء وإباحتها أ َّما تفاصيل أحكام الجزية‬
‫األول‪َّ :‬‬
‫وما يلزمون به معها وما لهم وما عليهم من حقوق فليس من شر ع هذه المقاالت إذ‬
‫المحرمات التي تحرم علينا من الكفَّار‪.‬‬
‫َّ‬ ‫هي عن‬

‫َّ‬
‫المعطلة في هذه األعصار لما‬ ‫الثاني‪َّ :‬‬
‫أن حكم أهل الذ َّمة من أعظم األحكام‬
‫استحدُ من العقائد الماسونيَّة في ملَّة األمم المتحدة التي ال ترى تمييز المسلم عن‬
‫الكافر وتحكم باستوائهما في الحقوق حيث استويا في الو ن‪ ،‬والجهل به من‬
‫ي بالمسلم أن يبذل مجهوده في بيان هذا‬
‫أوسع ما يكون من الجهل بالشرع‪ ،‬فحر ا‬
‫الحكم وعلى الب العلم أن يجدَّ في التفقه في مسائله كسائر مسائل الجهاد‪ ،‬فإ َّن‬
‫عودة الحكم بالشريعة وتطبي هذه األحكام غير بعي ٍد بإذن هللا‪.‬‬

‫قال هللا عز وجل‪( :‬قَاتعلُوا الَّذعينَ ال يُ عمنُونَ بع َّ ع‬


‫ال َوال بعاليَو عم ا عخ عر َوال يُ َح عر ُمونَ َما‬
‫طوا ال عجزيَةَ‬ ‫هُ َو َرسُولُهُ َوال يَدعينُونَ دعينَ ال َح ع عمنَ الَّذعينَ أُوتُوا ال عكتَ َ‬
‫اب َحتَّى يُع ُ‬ ‫َح َّر َم َّ‬
‫‪101‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫صا عغ ُرونَ )‪ ،‬فنوجب سبحانه قتال أهل الكتاب حتَّى هذه الغاية‪ ،‬وغايةس‬
‫َعن َي ٍد َوهُم َ‬
‫ع عل‬ ‫أخرى هي اإلسالم فإنَّها وإن لم تذكر غايةن في ا ية‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن األمر بالقتال ُ‬
‫بوص الكفر فصارت غايةن من هذا الوجه فقد دلَّ ا ية عليها‪ ،‬ود َّل عليها سائر‬
‫النصوص من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم داللة قطعيَّة‪.‬‬

‫وقد انعقد اإلجماع على حقن دماء اليهود والنصارى بإعطاء الجزية‪ ،‬وعلى‬
‫وجوب الك ع عنهم إن بذلوها‪ ،‬وقد د َّل على هذا مفهوم الغاية في قوله تعالى‪:‬‬
‫( َحتَّى يُع ُ‬
‫طوا) فقد د َّل المنطوق على وجوب القتال إلى تلك الغاية ود َّل المفهوم‬
‫على انتهائه عندها‪ ،‬ود َّل على ذلك ما ورد في السنة من وجوه ينتي بعِها‪ ،‬من‬
‫الجزية على المشركين إن أبوا اإلسالم ثم األمر بقتالهم إن أبوا‬ ‫األمر بعر‬
‫الجزية‪ ،‬كما في حديث بريدة وحديث النعمان بن بشير‪ ،‬وأصرح ذلك ما في‬
‫تهن ما أجابود إليها فاقبل منهم وكُ َّ عنهم“ ثم ذكر الجزية‬
‫حديث بريدة‪” :‬فنيَّ َّ‬
‫فقال‪” :‬فسلهم الجزية فإن هم أجابود فاقبل منهم وك َّ عنهم“‪ ،‬وقد ذكر بعف‬
‫الشافعيَّة وج نها بعدم لزوم قبول الجزية من أهل الذ َّمة وهو با سل بين البطالن‬
‫خالأ النصوص الصريحة وال دليل عليه‪.‬‬

‫وماهر ا ية ا ختصاص هذا الحكم بنهل الكتاب دون سائر الكفار‪ ،‬وقد أجمع أهل‬
‫ِا على إلحاق المجوس بنهل الكتاب ولم يُنقل فيه إالَّ‬
‫العلم عليه‪ ،‬وأجمعوا أي ن‬
‫أن رسول هللا‬ ‫خالأ شاذا‪ ،‬وأخرج البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوأ َّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر‪ ،‬ومن حديث مغيرة بن شعبة‬
‫قوله‪ :‬أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا هللا وحده أو ت دوا الجزية‪ ،‬وروي ما يدل‬
‫فارس‬ ‫َّ‬
‫الخطاب حين فتح‬ ‫على ذلك عن غيرهما مرفو نعا‪ ،‬وعمل بذلك عمر بن‬
‫ووافقه الصحابة عليه‪.‬‬

‫وقد قيل في علة ذلك إن المجوس كانوا أهل كتاب‪ُ ،‬روي عن علي بإسناد‬
‫بحديث‪” :‬سنوا بهم سنَّة أهل الكتاب“‪ ،‬فدل على أنَّهم ليسوا‬ ‫عور‬
‫ضعي ‪ ،‬و ُ‬
‫الحتمال إرادته بنهل الكتاب العهد وال نزاع أن‬ ‫منهم‪ ،‬وفي هذه الداللة ضع‬
‫‪102‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫المعهود في أهل الكتاب اليهود والنصارى‪ ،‬وفي الحديث الذي عارضوا به‬
‫ِا‪ ،‬وقيل إنَّما هم أهل شبهة كتاب َّ‬
‫ألن كتابهم نُس ‪ ،‬ولذلك شاركوا أهل‬ ‫ضع س أي ن‬
‫الكتاب فيما األصل فيه العصمة مما يُبنى من األحكام على االحتيا واالحتمال‬
‫وهو عصمة الدم بنخذ الجزية وعقد الذمة لهم‪ ،‬ولم يشاركوهم فيما األصل فيه‬
‫المنع مما بُني على التحريم وهو الذبائ واألنكحة‪.‬‬

‫دين صحي ٍ هو دين أبيهم إبراهيم ث َّم تركوه‬ ‫ويرده َّ‬


‫أن مشركي العرب كانوا أهل ٍ‬
‫فلو ثب الحكم للمجوس بالدين المنسو ثب لعبدة األوثان من العرب‪ ،‬وما بدَّل‬
‫فإن المجوس أثبتوا ربًّا خالقنا مدب نرا مع‬
‫العرب من دين أبيهم أقل مما بدل المجوس َّ‬
‫أن أهل الكتاب إنَّما هم‬ ‫هللا مساوينا له‪ ،‬ولم تبلغ العرب ذلك‪ ،‬وقد د َّل القرآن على َّ‬
‫اليهود والنصارى دون غيرهم كما في قوله تعالى‪( :‬أَن تَقُولُوا عإنَّ َما أُن عز َل ال عكتَا ُ‬
‫ب‬
‫َعلَى َائعفَتَي عن عمن قَب علنَا)‪ ،‬وليس أهل الكتاب في سائر األحكام المختصة بنهل‬
‫الكتاب كنكاح النساء وحل الذبائ إال اليهود والنصارى عند الجماهير فكذا هنا‪.‬‬

‫اختصاص بنخذ الجزية دون سائر المشركين‪ ،‬بل‬


‫س‬ ‫والصواب أن ليس للمجوس‬
‫ت ُ خذ الجزية من كل مشردٍ كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة في رواي ٍة حكاها‬
‫الطحاوي‪ ،‬وهو روايةس عن أحمد اختارها أبو العباس ابن تيمية وابن القيم‬
‫وغيرهما‪ ،‬ودليل ذلك أخذ النبي صلى هللا عليه وسلم الجزية من المجوس مع عدم‬
‫خرجه مسلم َّ‬
‫أن‬ ‫الفارق المعتبر بينهم وبين سائر المشركين‪ ،‬ولحديث بريدة الذي َّ‬
‫جيو أو سرية أوصاه في‬
‫أميرا على ٍ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان إذا أ َّمر ن‬
‫خيرا ث َّم قال‪” :‬اغزوا في سبيل هللا‬
‫صتـه بتقوى هللا ومن معـه من المسلمين ن‬
‫خا َّ‬
‫عدود من المشركين‬
‫َّ‬ ‫باسم هللا‪ ،‬قاتلوا من كفر باهلل‪ “..،‬إلى أن قال‪” :‬وإذا لقي َ‬
‫العموم قولُه‪ :‬إذا‬
‫ع‬ ‫َّ‬
‫منهن الجزية‪ ،‬فد َّل على‬ ‫خصا ٍل“ وذكر‬ ‫فادعهم إلى إحدى ثال‬
‫فصل مع َّ‬
‫أن أكثر من بعثهم رسول هللا صلى‬ ‫جيو أو سريَّة‪ ،‬ولم يُ ع‬
‫أميرا على ٍ‬
‫أ َّمر ن‬
‫هللا عليه وسلم إنَّما بعثهم لقتال أهل األوثان‪ ،‬ود َّل عليه قول النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم في أوله‪” :‬قاتلوا من كفر باهلل“‪ ،‬وهذا يعم ك َّل ٍ‬
‫كافر‪ ،‬وفي قوله‪” :‬فإذا لقي َ‬
‫النص على دخول من عدا اليهود والنصارى َّ‬
‫فإن‬ ‫ع‬ ‫عدود من المشركين“ شبه‬
‫َّ‬
‫‪103‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫األغلب في لسان الشرع تخصيص اسم المشركين بمن عدا أهل الكتاب وإن كان‬
‫الخاص ال يتناولهم في عرأ الشارع كما في‬
‫َّ‬ ‫أهل الكتاب مشركين‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن االسم‬
‫قوله تعالى‪( :‬لَم يَ ُك عن الَّذعينَ َكفَ ُروا عمن أَه عل ال عكتَا ع‬
‫ب َوال ُمش عركعينَ ُمنفَكعينَ َحتَّى تَنتعيَ ُه ُم‬
‫عدَ َاوة ن عللَّذعينَ آ َمنُوا اليَ ُهودَ َوالَّذعينَ أَش َر ُكوا‬
‫اس َ‬ ‫البَيعنَةُ)‪ ،‬وقوله‪( :‬لَتَ عجدَ َّن أَ َ‬
‫شدَّ النَّ ع‬
‫يخص‬
‫َّ‬ ‫ارى) فيبعد جدًّا أن‬
‫ص َ‬‫َولَتَ عجدَ َّن أَق َربَ ُهم َم َودَّةن عللَّذعينَ آ َمنُوا الَّذعينَ قَالُوا عإنَّا نَ َ‬
‫خاص باليهود والنصارى‪.‬‬
‫ا‬ ‫بعكس ذلك ويُقال هو‬

‫على االستدالل بحديث سليمان بن بريدة عن أبيه ‪ -‬وهو أصرح دليل‬ ‫وقد اعتُر‬
‫على تعميم حكم الجزية ‪ -‬بالكالم في رواية سليمان بن بريدة عن أبيه فقال‬
‫البخاري‪ :‬لم يذكر سما نعا من أبيه‪ ،‬وقال إبراهيم الحربي عن عبد هللا وسليمان‪:‬‬
‫ولم يسمعا من أبيهما‪.‬‬

‫وخرج له‬
‫َّ‬ ‫وقد ص َّ سماع عبد هللا بن بريدة من أبيه في أسانيد صحيحة عنه‪،‬‬
‫البخاري على تشدده في السماع فال عبرة بكالم إبراهيم الحربي فيه‪ ،‬وأ َّما سليمان‬
‫بن بريدة فإنَّه عاصر أباه ويالن حيث هو توأم عبد هللا وأدرد من أبيه ثمانيةن‬
‫وأربعين عا نما‪ ،‬وكان معه لم يُفارقه فيبعد أن يدع يسمع منه مع كونه صاحب‬
‫رواية‪ ،‬وقد فَِّله بعف أهل العلم على أخيه عبد هللا مع كون عبد هللا أكثر حديثنا‬
‫وشيو نخا منه‪ ،‬وإنكار إبراهيم الحربي سماع ابني بريدة مع صحة سماع عبد هللا‬
‫خاص في المسنلة وإنَّما اعتمد ما وقع له‬
‫ٍ‬ ‫على نق ٍل‬ ‫وثبوته دلي سل على أنَّه لم يق‬
‫من روايتهما لم يجد في شيءٍ منه السماع‪ ،‬وقد كان ألحمد بن حنبل وجمهور‬
‫الحفَّام ريقةس في السماع أص من ريقة البخاري ومن وافقه فكان ينخذ بكثير‬
‫من القرائن التي ت ُ ع‬
‫رج السماع كسماعه ممن هو أكبر من شيخه مع وروده بلد‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬والبخاري يشتر أن يثب‬ ‫الشي وعنايته بالحديث في ذلك الوق‬
‫السماع بما هو أعلى من القرائن التي تفيد احتماالن ال جز نما‪ ،‬وليس المراد باحتمال‬
‫َّ‬
‫ومن أن ليس في العقالء‬ ‫سماعه من أبيه مطل سماع الكالم كما تو َّهمه بعِهم‬
‫صة وبريدة‬
‫من يشك في سماع ابني بريدة من أبيهما‪ ،‬بل المراد سماع الحديث خا َّ‬
‫رضي هللا عنه لم يكن كثير الحديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فيما‬
‫‪104‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫يُروى عنه وكان كثير من الصحابة يتحاشون كثرة الحديث‪ ،‬فال يلزم من كونه‬
‫معه سنين متطاولة أن يسمع منه‪ ،‬وقد وقع من جماع ٍة من المتقدمين والمتنخرين‬
‫أن يفوتهم عل ُم آبائهم ال يسمعون منه حرفنا‪ ،‬وإن كان األرج في سليمان بن بريدة‬
‫احتمال سماعه من أبيه‪.‬‬
‫َّ‬
‫الخطابي‪ :‬وفي امتناع عمر رضي هللا عنه من أخذ الجزية من المجوس‬ ‫وقال‬
‫حتى شهد عبد الرحمن أن النبي صلى هللا عليه وسلم أخذها من مجوس هجر‪:‬‬
‫دليل على أن رأي الصحابة أن ال ت خذ الجزية من كل مشرد كما ذهب إليه‬
‫األوزاعي‪ ،‬وإنما تقبل من أهل الكتاب‪.‬‬

‫صلة إال بعد أن أسلم أكثر العرب ونزل في‬


‫الجزية بنحكامها المف َّ‬ ‫قل ‪ :‬لم تُفر‬
‫آية الجزية في سورة التوبة‪ ،‬فمن ارتد بعد ذلك لم ت خذ الجزية منه باالتفاق لردَّته‬
‫ال لكونه غير كتابيٍ‪ ،‬وكل من شهد عمر بن الخطاب قتالهم مع رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم من الكفار غير الكتابيين لم تكن ت خذ منهم الجزية ولم ت ُعر‬
‫عليهم ألنَّه كان قبل فرضها‪ ،‬ووجد ماهر ا ية داالًّ على أخذها من أهل الكتاب‬
‫دون سائر الكفَّار؛ فلذلك احتاج إلى الدليل فيما زاد ع َّما دلَّ عليه ا ية‪ ،‬ولم يحتج‬
‫قبل ذلك ألنَّها كان أول واقع ٍة بعد موت النبي صلى هللا عليه وسلم يُقاتَ ُل فيها قومس‬
‫من المشركين غير الفريقين المعلوم حكمهما‪ :‬الكتابيين الذين ت خذ الجزية منهم‬
‫مسنلة المشركين الذين‬ ‫باالتفاق‪ ،‬والمرتدين الذين ال ت خذ منهم باالتفاق‪ ،‬فكان‬
‫كتابيين مسنلةن نازلةن عليه‪ ،‬ولم يعهد فيهم شيئنا بعد فر‬
‫ع‬ ‫ليسوا بمرتدعين وال‬
‫الجزية‪ ،‬فلما بلغه أخذ النبي صلى هللا عليه وسلم الجزية ممن هذه صورتهم وهم‬
‫عنده‪ ،‬فليس فيه أنَّه لم ينخذها من غير المجوس أو‬ ‫مجوس هجر رجع إليه ووق‬
‫نهى عن ذلك‪ ،‬وال فيه أنَّه جعل أخذ الجزية من المجوس خا ًّ‬
‫صا بهم‪ ،‬وما د َّل على‬
‫ذلك فليس بثاب ٍ كالَّذي يُروى مرفو نعا‪” :‬سنوا بهم سنَّة أهل الكتاب“‪.‬‬

‫أهل العلم بعد ذلك في أخذ الجزية من العرب فذهب أبو حنيفة وأحمد‬ ‫وقد اختل‬
‫في رواية إلى أنَّها ال ت ُ خذ من عربي ٍ واستد َّل بقول النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪105‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫للمشركين ”كلمةن تدين لكم بها العرب‪ ،‬وت دعي إليكم العج ُم الجزية“‪ ،‬أخرجه أحمد‬
‫والترمذي والنسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه وابن جرير وابن أبي‬
‫حاتم في تفسيريهما وأخرجه غيرهم بنسانيد تدور على األعمو عن يحيى بن‬
‫في اسمه واسم أبيه ‪ -‬عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس ويحيى‬ ‫عمارة ‪ -‬واختل‬
‫بن عمارة وثَّقه ابن حبَّان وروى عنه األعمو وما وجدت له إالَّ هذا الحديث‬
‫الواحد وليس فيه سماعه من سعيد بن جبير‪ ،‬ففي ثبوته بعف النظر‪ ،‬ولو ثب‬
‫كان أخذ النبي صلى هللا عليه وسلم الجزية من مجوس هجر وغيرهم من كفار‬
‫العرب داالًّ على َّ‬
‫أن المفهوم غير مرادٍ‪ ،‬أو هو منسو س للعلم بتنخر األخبار المثبتة‬
‫للجزية عن هذا الخبر‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬وأهل اإلسالم ينخذونها [يعني الجزية] حتى‬
‫الساعة من العرب؛ قد صال النبي صلى هللا عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة‬
‫تبود‪ ،‬وصال أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم‪ ،‬وصال عمر رضي هللا‬
‫تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب‬
‫وهم ت خذ منهم الجزية إلى اليوم‪ ،‬فثب بذلك أخذ الجزية من نصارى العرب‪.‬‬
‫َّ‬
‫الخطاب أنَّه صال نصارى تغلب‬ ‫صة فقد ُروي عن عمر بن‬
‫أ َّما بنو تغلب خا َّ‬
‫الزكاة التي على المسلمين بدل الجزية‪ ،‬ولم يثب عن عمر لكن‬ ‫على بذلهم ضع‬
‫وافقه جميع الصحابة والفقهاء بعده كما قال ابن القيم‪ ،‬واستد َّل الشافعي برواية‬
‫صة وهي محل اتفاق بين أصحاب السير‪ ،‬وروي خالأ ذلك عن‬ ‫أهل السير للق َّ‬
‫علي بن أبي الب وعمر بن عبد العزيز‪ ،‬أ َّما علي فقد أسنده جماعةس عنه بإسنا ٍد‬
‫منكر أنكره أحمد بن حنبل وترد أبو داود التحديث به‪ ،‬وأ َّما عمر بن عبد‬ ‫ضعي‬
‫على إسناده‪ ،‬وجاء‬ ‫العزيز فقد ذكره ابن قدامة بال إسناد وتبعه ابن القيم ولم أق‬
‫نصروا أوالدهم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أن ما أراده علي بن أبي الب لنقِهم عهد عمر بنن ال يُ ع‬

‫أهل العلم في فعل عمر‪ ،‬وهل أسقط الجزية عن نصارى تغلب أم هي‬ ‫وقد اختل‬
‫الجزية وإنَّما غيَّر اسمها فذهب الشافعي إلى أنَّها جزيةس بغير اسم الجزية ُ‬
‫وروي‬
‫عن أبي حنيفة‪ ،‬ومن قال بننَّها زكاة ال جزية خ َّ‬
‫صها بنصارى العرب أو بنصارى‬
‫تغلب وهما قوالن ألهل العلم ولم يقل أحد َّ‬
‫إن ذلك عا ام لجميع النصارى‪ ،‬والفرق‬
‫‪106‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫أن القائل بننَّها زكاة يشتر لها شرائط الزكاة ويُجريها مجرى الزكاة‬
‫بين القولين َّ‬
‫في جميع األحكام على خالأ في التفاصيل‪ ،‬والقائل بننَّها جزية ال يُخرجها عن‬
‫صغار‬ ‫ِا َّ‬
‫أن الزكاة ال يشتر فيها ال َّ‬ ‫أحكام الجزية‪ ،‬ومن الفرق بين القولين أي ن‬
‫وإنَّما حمل عمر على إسقا الجزية عنهم فرارهم من الصغار‪ ،‬وإنَّما رضوا‬
‫صغار‪.‬‬
‫الزكاة ليفروا بذلك من ال َّ‬ ‫بِع‬

‫ففي نصارى تغلب مذهبان‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن ال جزية عليهم وإنَّما عليهم الزكاة مِاعفة‪ ،‬وهو مذهب أحمد وأبي‬
‫َّ‬
‫حنيفة و ائفة من السل ‪ ،‬ثم ذهب أبو حنيفة إلى إلحاق سائر أهل الكتاب العرب‬
‫بهم‪.‬‬

‫الثاني‪َّ :‬‬
‫أن عليهم الجزية؛ وهو مذهب المالكية والشافعية‪ ،‬ث َّم ذهب الشافعية إلى‬
‫تخصيصهم عن سائر النصارى بما ُروي عن عمر مع اعتباره جزيةن‪ ،‬ولم يف عرق‬
‫المالكية بينهم وبين سائر أهل الجزية‪.‬‬

‫وقد اجتمع من نقل قصة عمر في شنن نصارى تغلب على أنَّه فعل ذلك ل َّما خشي‬
‫صة‬
‫شرهم ويصالحهم‪ ،‬فالظاهر من هذه الق َّ‬
‫لحوقهم بالروم فنمره بعِهم أن يك َّ َّ‬
‫أن فعله لهم إنَّما هو صل س‬
‫مع األصل المجمع عليه في غير أهل الكتاب العرب َّ‬
‫شرهم ودفع أذاهم عن المسلمين‪ ،‬والصل ال يص على االستدامة وإنَّما‬ ‫لك ع ع‬
‫يص إلى أج ٍل أو مطل نقا لإلمام فسخه‪ ،‬وليس ألح ٍد أن يُسقط عن أهل الكتاب بذل‬
‫الجزية وأن يق في قتالهم دون قوله تعالى‪َ ( :‬حتَّى يُع ُ‬
‫طوا ال عجز َيةَ َعن يَ ٍد َوهُم‬
‫صا عغ ُرونَ ) ث َّم يكون تركه لقتالهم أبدنا ويلزم ذلك غيره‪ ،‬وهللا ينمر بقتالهم حتَّى‬
‫َ‬
‫أداء الجزية‪ ،‬وإنَّما يجوز الصل إن خشي المسلمون َّ‬
‫شر المشركين ويص أن‬
‫يكون مطلقنا حتَّى ينمن َّ‬
‫شر المشركين وقد أشار إلى هذا المعنى ابن القيم ل َّما ذكر‬
‫أثر عمر بن عبد العزيز فقال‪ :‬ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أبى عليهم إال‬
‫الجزية‪ ،‬وقال‪ :‬ال وهللا إال الجزية وإال فقد آذنتكم بالحرب‪ ،‬ولعله رأى أن شوكتهم‬
‫منهم ما خاأ عمر بن الخطاب رضي هللا عنه؛ فإن عمر‬ ‫ولم يخ‬ ‫ضعف‬
‫‪107‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫رضي هللا عنه كان بعدُ مشغوالن بقتال الكفار وفت البالد فلم ينمن أن يلحقوا بعده‬
‫فيقوونهم عليه وعمر بن عبدالعزيز أمن ذلك‪ ،‬انتهى كالمه وفيه وجاهة‪.‬‬

‫قل ُ ‪ :‬ما ذهب إليه الجمهور من سقو قتال النصارى من تغلب أو من عموم‬
‫العرب دون أن يسلموا ودون أن يبذلوا الجزية فيه ضع س ‪ ،‬وما ذهب إليه الشافعي‬
‫الزكاة فرا نرا‬ ‫من كون المبذول منهم جزيةن فيه ضع س من جهة أنَّهم بذلوا ضع‬
‫صغار والجزية ال بدَّ فيها من الصغار على الصحي ‪ ،‬فلم يب َ إالَّ أن يُقال‪ :‬ال‬
‫من ال َّ‬
‫فرق بينهم وسائر النصارى وال يُ خذ منهم إالَّ الجزية وال يسقط قتالهم دون ذلك‪،‬‬
‫سر للرواية عن عمر التي اجتمع على ذكرها أهل‬ ‫ع س‬‫وهو مذهب المالكية وفيه ُ‬
‫إن‬ ‫كثير من أهل العلم فلم يب إ َّ‬
‫ال العمل بها أو توجيهها بنن يُقال‪َّ :‬‬ ‫السير وعمل بها س‬
‫وجائز أن يُصالَحوا على بذل ما ٍل لهم‬
‫س‬ ‫س‬
‫جائز عند الخوأ منهم‪،‬‬ ‫ما فعله عمر صل س‬
‫فِالن عن قبول ما ٍل منهم دون صغار‪ ،‬ومقتِى كونه صل نحا أمران‪:‬‬

‫األول‪ :‬أنَّه غير م بَّدٍ‪ ،‬بل يص َّ م قَّتنا إلى أجل‪ ،‬أو مطلقنا بغير توقي ‪ ،‬وقد جاء‬
‫َّ‬
‫يف عنه‬ ‫عن عمر بن الخطاب أنَّه اشتر عليهم أالَّ يُ ع‬
‫نصروا أبناءهم‪ ،‬وهذا مستف س‬
‫أن العقد م َّق أل َّن‬
‫صة‪ ،‬ومعنى هذا َّ‬
‫وإن لم يثب من جهة اإلسناد كنصل الق َّ‬
‫ا باء يموتون على النصرانية واألبناء ينش ون على اإلسالم فيكون عقدنا ينتهي‬
‫معلوم أقصاها‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫في مدَّة‬

‫الثاني‪ :‬أنَّه ال يلزم بعد نقِهم للعهد الذي صولحوا عليه‪ ،‬كما ال يلزم لغير من‬
‫َّ‬
‫الخطاب‪ ،‬وال يكون أصالن أو صفةن من صفات عقد الجزية أو‬ ‫صالحهم عمر بن‬
‫استثنا نء فيها‪ ،‬وال خاصيَّة للفاروق عمر رضي هللا عنه‪ ،‬بل يكون صل نحا من جنس‬
‫الصل الذي يجوز لكل من ولي شيئنا من أمر المسلمين‪.‬‬

‫فهذه المذاهب في العرب الكتابيين أ َّما العرب المشركون ففيهم القوالن الساب‬
‫ذكرهما‪ :‬من وجوب قتلهم أو يسلمون وهذا قول من ال ينخذ الجزية من غير أهل‬
‫الكتاب والعرب منهم‪ ،‬كما أنَّه قول أبي حنيفة وبعف أهل العلم في المشركين‬
‫صة دون سائر المشركين‪ ،‬وقد ذُكر عن مالك أنَّه يخص قري ن‬
‫شا دون‬ ‫العرب خا َّ‬
‫‪108‬‬ ‫فقه الجهاد ‪ -‬الطويلعي‬

‫في تخريج‬ ‫سائر العرب بهذا الحكم في مشركيهم فال ينخذ منهم جزيةن وقد اختل‬
‫مذهبه وأقربها إلى الدليل قول من قال إنَّما هذا لثبوت إسالم جميعهم يقيننا فمن كفر‬
‫بعد ذلك فهو مرتدا أو في حكمه‪.‬‬

‫فمل َّخص ما تقدَّم في حرمة دماء أهل الذ َّمة َّ‬


‫أن الكفار قسمان‪ :‬أهل كتاب‬
‫عرب وعج سم؛ فن َّما أهل الكتاب العجم والمجوس‬
‫س‬ ‫كل من القسمين‬
‫ومشركون‪ ،‬وفي ٍ‬
‫من مشركي العجم فمجم سع على صحة كونهم أهل ذ َّمة‪ ،‬وأ َّما سائر مشركي العجم‬
‫فالراج ص َّحة عقد الذ َّمة لهم وقيل ال يجوز ويجب قتلهم أو يُسلمون‪ ،‬وأ َّما العرب‬
‫من أهل الكتاب فمجم سع على حقن دمائهم بنخذ الجزية ال غيره على الراج ‪،‬‬
‫خص‬
‫َّ‬ ‫وببذلهم الزكاة المِاعفة على قول كثير من أهل العلم‪ ،‬ومن أهل العلم من‬
‫أخذ الزكاة بنصارى تغلب دون سائر النصارى‪ ،‬وأ َّما المشركون من العرب‬
‫في ذلك من ال يرى أخذ‬ ‫صحي أخذ الجزية منهم كسائر المشركين‪ ،‬وخال‬
‫فال َّ‬
‫الجزية من أحد المشركين‪ ،‬ومن يرى أخذها من المشركين إالَّ مشركي العرب‪.‬‬

‫مسنلة‬ ‫فه الء من يص أخذ الجزية منهم من أهل األديان والشعوب‪ ،‬وقد بقي‬
‫عقد الذ َّمة فإنَّه وإن‬ ‫الجزية ممن ت ُ خذ ممن نحكم بننَّهم أهل ذ َّمة‪ ،‬ومسنلة انتقا‬
‫الذ َّمة‬
‫صور‪ ،‬ومن المسائل مسنلة أهل ع‬
‫ٍ‬ ‫كان الز نما دائ نما في األصل فإنَّه يرتفع في‬
‫في هذا العصر وهل لهم وجود أم ال‪ ،‬وينتي ذكرها في العدد القادم بإذن هللا‪.‬‬

‫هذا وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين‪.‬‬

You might also like