Professional Documents
Culture Documents
فقه الجهاد
فقه الجهاد
فقه الجهاد
1
الفهرس
أحكام الشهيد
هل يقال تركي الدندني شهيد
ُ
سلطان القحطاني“ ؟ س ُل الشهيدُ ”
هل يُغ َّ
هل يصلى على الشهيد أحمد الدخيل؟
هل مات الشهيد ”حنظلة المكي“ متعب المحياني ؟
الجهاد
مقاص ُد ِ
ِ
صائل دف ُع ال َّ
صائل :مواجهة جند الدولةدف ُع ال َّ
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ()2/1
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ()2/2
دفع الصائل إذا كان السلطان
الخروج على الحاكم
المقصد الثاني من مقاصد الجهاد
الدعوة إلى هللا ()3/1
الدعوة إلى هللا ()3/2
الدعوة إلى هللا ()3/3
المقصد الثالث من مقاصد الجهاد
النيل من الكافرين وارهابهم
المقصد الرابع من مقاصد الجهاد
غنيمة المال
أحكام االستئذان في الجهاد
استئذان األمير
استئذان الغريم
الوالدين والزوج والسيد
مقاصد الجهاد
( ) 1هذا الكتاب مجموع مقاالت ،كتبها العالمة عبد العزيز بن رشيد العنزي –فك هللا اسره -لكن كان يكتب احياناا
باسم عبد هللا بن ناصر الرشيد ...انظر الكلمة التعريفية بالشاي التاي كتبهاا اخوناا اباو العينااء – جازاه هللا خيارا، -
علما ان هذه هي الطبعة الثانية من هذا الكتاب.
3 فقه الجهاد -الطويلعي
وماان المسااائل التااي يُثيرهااا كثيا سار ماان المنتساابين إلااى العلاام اليااوم مااا با َّاوب عليااه
فالن شهيدس“.س باب :ال يقو ُل
البخاري رحمه هللا في صحيحه فقال ” :س
وأكثر فتاوى المنتسبين إلى العلم في بالد الحرمين ،إن لم تكان كلهاا تحارم تسامية
ماان قُتاال فااي معااارد المجاهاادين شااهيدنا ،وكثيا سار ماانهم لااه فتااوى بتجااويز إ ااالق:
كثيرا في ألسنة الناس ،ويكثُر فاي خطاباات ”المغفور له“” ،المرحوم“ ،وهذا يقع ن
الحكومة وكتاباتها” :جاللة الملك المغفور له الملك عبد العزيز“ ،أو نحو ذلك.
والجم ُع بينَ تحريم إ الق لفظة الشهيد ،وتجاويز إ االق المغفاور لاه والمرحاوم،
مااع اجتماعهااا فااي الغاار المااراد ماان التزكيااة علااى هللا ،والقطااع بالجنااة وماااا
ااقف وأمها عاره ،فعلااى ماان جااوزه علااى معنااى
يسااتلز ُمها ،الجما ُع هااذا ماان أبااين التنا ع
الرجااء ماان هللا والفانل أن يُجا عاوز ذلاك فااي اساام ”الشاهيد“ ،وماان مناع إ ااالق اسام
الشهيد حذر التزكية فعليه أن يمنعه في المرحوم والمغفور له.
بل َّ
إن منع لفظ المغفور له ،والمرحوم أولى ،من جهتين:
ومن األحكام على معنى األحكام الفقهيَّة دون األُصوليَّة :األحكام العقديَّةُ المذكورة
في مسائل األسماء واألحكام ،ومنها الكفر واإليمان والفس والبدعة ونحوها.
لم ما تقدَّمَّ :
فإن األسماء واألحكام على قسمين: ع َإذا ُ
أسااما سء وأحكااا سم دُنيويَّااة :تُبنااى علااى َّ
الظااواهعر ،اعتمااادنا علااى َّ
أن األصاال مطابقااة
لفالن من الناس ،وقد يكاون فاي باا ن األمارٍ اسم اإلسالم
ت ع الظاهر للبا ن ،كإثبا ع
ناقف من نوا قف اإليمان. ٍ كافرا مشتمالن قلبُهُ على ن
ب ال ُحكم تبعنا لذلكَ بنحكام اإلسالم الدنيويَّة له من:
ويترت ُ
مااواالةٍ ونصاارةٍ وعصاام ٍة للاادم والمااال والعاار ،وكااذا ص ا َّحةُ إمامتعااه فااي
الزوجيَّة ،ونحو ذلاك اسم َّ
الصالة ،ونكاحه بمسلم ٍة وفيه من األسماء إثباتُ ع
من أحكام الحياة.
ان مااع المساالمين ومااا إليهااا عنااد المااوت ،وإر ٍ
اين وصااالةٍ ودفا ٍ
وغسا ٍل وتكفا ٍ
وترح ٍم عليه وما يلح ُ بذلك بعد الموت.
وأسما سء وأحكا سم أُخرويَّة :فن َّما األسما ُء األُخرويَّة ،فال تعارأ علاى اليقاين فاي حا ع
الرجال المعايَّن إالَّ فااي ا خارة ،عاادا ماان فياه نا ا
اص أو إجماااعس كاألنبيااء وماان بُ عشاار َّ
بيقين موتُهُ على ال ُكفر.
ٍ بالجنَّة أو بالنَّار ،أو ثب َ
جميع المذَا عه ع
ب فاي ع وإ القُهُ اس نما دنيويًّا :هو ما تواردَت عليه عبارات الفقهاء من
نكيار ،ورتَّبُاوا علياه أحكاماه الدنيويَّاة :مان تارد
ٍ جميع العصو عر ،دون اخاتالأٍ أو
ع
التغسي عل باتفاق األربعة ،وعدم وجوب الصال عة عند الثالث عة عدا الحنفيَّة.
ي فالننا مسل نما ،وتُرتب علاى ذلاك أحكاام الادنيا ،مان تصاحي وال فرقَ بينَ أن ت ُ ع
سم َ
تساميه شاهيدنا ،وت ُرتعاب
ودفن في مقابر المسلمين ،وأن ع
ٍ نكاح وإمامةٍ ،وصالةٍ عليه
ٍ
عليه أحكام الدنيا من ترد الغسل والصالة عليه.
كم في ا َّ
لظااه ععر ،إنَّماا يكاونُ االسم وال ُح ع
ع ب ،أن يُقالََّ :
إن إثباتَ وتما ُم تحرير هذا البا ع
المعصوم صلَّى هللا عليه وسلَّم ُ
نفي ع ونص
ع عار َ ،فمن ثب َ في عه بالوحي عحيث ال ُم عُ
اب ،ونااص الظاااهر م ا ان غالا ساإن َّااهر نفيناااهُ وأحكا َم اهُ ،فا َّ قتِااي عه َّ
الظا ُ االساام الَّااذي يَ ع
يقين ،وال فرق في هذا بين :اسم اإلسالم ،واسم الشهادة ،وغيرها. المعصوم س
شاهيدع :السانَّةُ مان تقريار النباي صالى هللا ودلي ُل ما ذَ َكرنا مان جاواز إ االق اسام ال َّ
عليه وسلَّم وقوله ،واإلجماعُ المنخوذُ من تسمي عة الصاحابة والسال والفقهااء علاى
ت الحكام للشاهيد دونوالحكم مع ص َّح عة األدلَّة في إثبا ع
ع ُ
وتالز ُم االسم مر العصور، ع
معار . ع
صحابة ،فمن بعادهم، ي صلى هللا عليه وسلَّم ،فال َّ فإن النَّب َّ
تالز ُم االسم والحكمَّ :
فن َّما ُ
ال أحكااامهم
شااهيدع ،وحكمااوا لهاام بكا ع اارد معاملاةَ ال َّ
عاااملوا قتلااى المساالمين فااي المعا ع
ألن الحكم فرعس عليه ُمعلَّ س به. الدنيويَّ عة ،ويلز ُم من هذا إثباتُ االسم الدنيويعَّ ،
وأ َّمااا اإلجماااعُ :فقااد س ا َّمى المساالمونَ قتلااى المعااارد شااهداء ،فقااالوا شااهدا ُء أح ا ٍد،
س عامي بعاف بدر ،وشهدا ُء اليمامة ،وشهداء اليرمود ،وشاهدا ُء حطاين ،و ُ وشهدا ُء ٍ
ار الشاهيد صااحب جازء العلال علاى صاحي العلماء بالشهيد كنبي الفِل ابن ع َّم ٍ
وغيره.
ع مسلم
وهكااذا إلااى اليااوم :فيُقااالُ :
شااهدا ُء القلعااة وكاباال وقناادهار وغيرهااا فااي أفغانسااتان،
وشهدا ُء الشيشان ،وشهدا ُء فلسطين ،وشهدا ُء البوسانة ،وشاهدا ُء العاراق ،وشاهدا ُء
يع
عشر من رب عَ غزوةع الحادي عشر من سبتمبر بنيويورد ،وشهدا ُء غزوة الحادي
الصوير ،وشهدا ُء مزرعاة القصايم ،وغيار ذلاك، ع األول بالريا ،وشهداء مسجد َّ
تقبَّلهم هللا جمي نعا.
ب رضاي هللا َّ
الخطاا ع عمار بان
َ وأ َّما السنَّة ،فقد روى مسل سم في صحيحه مان حادي ع
ث
نفر من صاحاب عة النباي ع صالى هللا علياه وسالم فقاالوا: خيبر أقب َل سَ عنه" :ل َّما كان يو ُم
فالن شهيدس؛ فقال رسول هللا س وفالن شهيدس ،حتَّى مروا على رج ٍل فقالوا: س س
فالن شهيدس
صلى هللا عليه وسلم” :كالَّ؛ إنعي رأيتُه في النَّار فاي باردةٍ غلَّهاا أو عبااءةٍ“ ثا َّم قاال
ااس أنَّاهُ ال َّ
الخطاااب اذهااب فنااا عد فااي النَّا ع رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالَّم” :يااا اباان
7 فقه الجهاد -الطويلعي
يااادخل الجنَّاااةَ إالَّ الم مناااون“ قاااال فخرجااا ُ فناديااا ُ :أال إنَّاااه ال يااادخل الجنَّاااة إالَّ
ال ُم منونَ .
أقرهم النبي صلَّى هللا عليه وسالم علاى تسامي عة مان سا َّموا شاهدا َء ،وحاين أ َ
نكار فقد َّ
خالأ مااه ععر
َ علم النبي صلَّى هللا عليه وسلَّم منه
أنكر في ح ع ال ُمعي عَّن الَّذي َ
علي عهم َ
لغاال ،ال
مخاتص بهاذا ا ع
ٍ حا عل عه ،ولذا علَّ َ وعلَّال صالى هللا علياه وسالَّم إنكاارهُ ٍ
بانمر
غيرهُ من المسلمين. يشم ُل َ
بعموما عه للنهاي عان تسامية كال قتيا عل معركا ٍة بالشاهيدع ،كاان الماراد الجازم
ع ولو قي َل
أن النَّبا َّ
ي صالى هللا علياه َّين ،بادلي عل َّ ُ
باذلك المتِامن إثباات االسام والحكام األخاروي ع
وسلَّم ل َّما أنكر عليهم ذكر حال َّ
الرجل في النار.
ولعل هذا المعنى هو المقصود من ترجماة البخااري رحماه هللا حاين قاال :بااب ال
فالن شهيد ،قال أبو هريرة عن النباي صالى هللا علياه وسالم” :هللا أعلام بمان س يقول
يجاهد في سبيله ،وهللا أعلم بمن يُكلم في سبيله“ ،ث َّم أسند حديث سهل بن سع ٍد فاي
الرجل الذي كان ال يدع للمشركين شاذَّة وال فاذَّة إالَّ اتبعهاا يِاربها بسايفه ،فقاال
س
فاالن؛ فقاال رساول هللا صالى هللا صحابة :ما أجازأ مناا الياوم أحادس كماا أجازأ فيه ال َّ
عليه وسلَّم” :أما إنَّه من أهل النار“ الحديث وفيه قتله نفسه ،وفي آخره قول النبي
إن الرجل ليعمال عمال أهال الجناة فيماا يبادو للنااس ،وهاو صلى هللا عليه وسلَّمَّ ” :
من أهل النار“.
فما ذكره البخاري في الترجمة وفاي البااب ،لايس فاي شايءٍ مناه النهاي عان إ االق
اسم الشهيد ،وإنَّما النهي عن إ الق أحكام ا خارة ،وماا يساتلزمها كماا تارى ،وهاذا
كما يُقال في اسم ال َّ
شهيد ،يُقال في اسم المسلم.
أن اسام الشاهيد يجاوز إ القُاهُ اسا نما دنيويًّاا ،كماا يُحكام لاه بجمياع أحكاام فتل َّخصَّ :
الادنيا ،وأ َّمااا إ القُااه اسا نما أخرويًّااا فااإن كااان علااى وجااه الجاازم فهااو المحا َّارم الاذي
جاءت فيه النصوص ،وهو كالشهادة بالجنَّة له ،وإن كان على وجه الفنل فااألولى
احترازا من توهم التزكي عة الممنوع عة.ن تقييدهُ بالمشيئ عة
ي،
ي وأصااحابه ،والشااهيدَ يوس ا َ العُيي ار َّ
أساانل هللا أن يتقبَّاال الشااهيد تركيًّااا الدناادن َّ
وسائر الشهداء في بالد الجزيرة وغيرها من بالد المسلمين.
مادبر ،وماان أ َّمان علااى هااذه
ٍ وأسانل هللا أن يرزقنااي الشاهادة فااي سابيله مقاابالن غياار
ب أخي ا عه :عبااد هللا باان ناصاار الرشاايد ،غفاار هللا لااه ولوالديااه
الاادعوة ،ودعااا للكات ا ع
وللمسلمين .تم ليلة الخامس من رجب الفرد .1424
8 فقه الجهاد -الطويلعي
تقد ََّم التفصي ُل في أحكام الشهيد الدنيويَّة واألخرويَّة ،وبقي التنبيهُ على مسنلةٍ:
أن الشهيد الذي يحكم له بنحكام الشهاد عة الدنيويَّة :هو شهيدُ المعرك عة ممن وهي َّ
ماهر حا عل عه عندنا ،ومثلُهُ على الصحي القتيل على أيدي ع يُقتل في سبيل هللا في
جائر ،فال يدخل فيه سائر الشهداء
ٍ سلطان
ٍ ال ُكفَّار والبُغاةع كمن قال كلمة الح عند
فساء،
ب ،أي في الحكم األخروي وحده :كالن ع الذين ينالون الشهادة في الثوا ع
والمبطون.
ع والمطعون
ع والغري ع والحري ع
وهذا محل إجماعٍ في ال ُجملة ،وقد ثب َ عن النبي صلى هللا عليه وسلم الصالة
على النفساء ،وبوب البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه :باب الصالة على
النفساء إذا مات في نُفاسها.
ع
وأولُها غسلُه.
األحكام الدنيويَّة للشهيدعَّ :
ع لبعف
ع وسنعر ُ هنا
ع
اليوم،
ع سنَّةُ النبي صلى هللا عليه وسلم ،وأصحابه ،فمن بعدهم إلى هذا ُ وقد مِ
أن الشهيد ال يُغسَّل ،وال يكفَّن ،وال يُصلَّى علي عه.
َّ
صوص َّ عنه صلَّى هللاُ عليه وسلَّم وعن صحابتع عه والسل الصالحين في قص ٍ
تكفين وال صالةٍ علي عهم،
ٍ كثيرةٍ ،ووقائ َع متعدعدةٍ دفنُ الش ع
هداء دون غس ٍل وال
وتواتَر ذلك عن ُهم.
ب
بعف الشافعيَّة في غير المشهور من المذهب :فنوجبوا تغسي َل الجن عُ صل
وف َّ
والحائف ،للجناب عة ال للموتع.
ع
عامر الغسي عل رضي هللا عنه ،وغسيل المالئك عة لهُ ٍ ث حنظلةَ بن واستدلوا بحدي ع
لجناب عت عه ،وذكر الحافظ في الفت ع جوا نبا على هذا :أنَّه لو كان واج نبا لما اكتفى بغسل
ط حتَّى نفعله ،وعلىب ،فال يسق ُ
ي على أنَّنا منمورون بالواج ع المالئك عة لهُ ،وهذا مبن ا
9 فقه الجهاد -الطويلعي
وجوب الغس عل متعل س بالمي ال بآحاد الناس ،كما َ مستقيمَّ ،
فإن ٍ وهذا الجواب غير
شنن في فرو الكفايات ،وغسل المالئكة يكفي وال ريب ،لص َّحة الن َّي عة لهم هو ال َّ
واإلرادةع لهم ،ولوال ذلك ما استحقوا الحمد على اعتهم هلل ،وال يطعنُ في ص َّحة
النيَّات والعبادات منهم كونُ ُهم غير ملتزمين شريعةن من شرائع أنبياء البشر ،ف َّ
إن
العبادة تجب عليهم بنمر هللا ،وما كانوا ليغسلوا حنظلة إال بنمر هللا (ال َيس عبقُونَهُ
بعالقَو عل َوهُم بعنَم عر عه يَع َملُونَ ) ( َو َما نَتَن ََّز ُل عإ َّال بعنَم عر َربعكَ لَهُ َما بَينَ أَيدعينَا َو َما خَلفَنَا
بنمر من هللا ،وأنَّه كان امتثاالن منهمَّ ،
وأن أن غسلهم كان ٍ َو َما َبينَ ذَلعكَ ) ،فص َّ َّ
النيَّة موجودة في فعلهم.
ب ،لبينه النبي صلى هللايجب غسل الشهيد الجن ع ُ والجواب أن يُقال :إ َّنه لو كان
ُ
أمر ك عل شهيدٍ،
ولوجب أن يتبين َ
َ عليه وسلم في موضعه إذ ذلك موض ُع الحاج عة،
وهذا ما لم يفعله صلى هللا عليه وسلم ال قب َل مقتل حنظلةَ وال بعدَه ،وال فعله أحد س
من الصحابة أو التابعين.
أوجب تغسي َل الشهي عد مطلقنا :بننَّه ال يموتُ مي س إال جنبنا ،وغسل َ واستد َّل من
أن غسل المي ع يكونُ لجناب ٍة تحل بالمو ع
ت كالجنابة واجب ،وهذا بناء على َّ س الجنب
ت الغُسل األخرى ،وال دليل على هذا ،ولو سُ علم فالنص مقدَّم، التي تحل بموجبا ع
أن الشهيد كان جنبنا حقيقةن لم يكن مشرو نعا
وقد تقدَّم في الوجه الساب ع أنَّا لو علمنا َّ
غسله.
جابر :أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال في ٍ ث
وقد جاء في مسن عد أحمدَ في حدي ع
دم يفوح مس نكا يوم القيامة ،ولم قتلى أحد ”ال تغسلوهم؛ فإن كل جرح ،أو قال :كل ع
ديث بهذا التَّمام
أن الح َالح َكم في ترد تغسيل الشهيدع ،إالَّ َّ
يصل عليهم“ ،وهذا من ع
غير محفومٍ وهللا أعلم ،والمحفوم في الباب حديث جابر في الصحيحين، ُ
كلم يُكل ُم في سبيل هللا إال جاء يوم القيامة كهيئته يوم ُكلم :اللون
وحديث” :ما من ٍ
لون الدم ،والري ُ ري ُ المسك“ الذي رواه الشيخان من حديث أبي هريرةَ رضي
هللا عنه.
أن هذه الحكمة على القو عل بها ليس هي العلَّةَ في غسل الشهيد ،بل لو فر إالَّ َّ
بسم ونحوه ولم يُرق منه د سم ،لم يكن مشرو نعا تغسيلُهُ.
أنَّه قُتل خنقنا ،أو ٍ
ومن الخطن اليو َم؛ تغسي ُل من غُسعل من المجاهدين في جزيرةع العرب ،كالشي
سلَهم ال
ع في عهم أن ال يُغسَّلوا ،وتغسي ُل من غ َّ وغيرهعَّ ،
فإن المشرو َ ع يوس َ العييريع،
10 فقه الجهاد -الطويلعي
أثر له ،وصالت ُ ُهم عليه با لةس ،ال فرقَ في ذلك بين مقتله في جزيرة العرب بنيدي
جنود الطواغي ع عبي عد أمريكا ،ومقتله لو قتل في باكستان ،أو أفغانستان بنيدي
جنود كرزاي وأصحاب الشمال ،وهللا أعلم.
ناصر الرشيد
ٍ كتبه /عبد هللا بن
19شعبان 1424
11 فقه الجهاد -الطويلعي
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم علاى أشارأ المرسالين ،نبيناا محماد
وعلى آله وصحابت عه أجمعين.
اام لجميااع األحااوال ،وماان األحكااام الشاارعية التااي يجااب والشااريعة جاااءت بنحكا ٍ
التزامهااا ورعايتهااا :أحكااام الشااهيد فااي ساابيل هللا ،وماان هااذه األحكااام مااا تقادم ماان
تغسيل الشهيد ،ومنها الصالة عليه ،وهذا خالأ ما يُفعل الياوم بالشاهداء فاي باالد
الحرمين ،فصلي عليهم وغسلوا ،وحكم الشهيد مع وجوبه في كل موضاع ،إال أن
وتذكير النااس بنحكاام الشاهيد
ع إحياء شعيرةع الجهادع،
ع ُ
حيث يُحتا ُج إلى آكدَ مواض عع عه
واالستشهادع ،وبيان حقيق عة جهادعنا للصليبيين وأذنا عب عهم.
ناسثأ ع يصل على شهداء أحدٍ ،من حادي ع ع أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم وقد ثب َ َّ
بان مالااكٍ رضااوان هللاع عليا عه كماا فااي الصااحي ،وذهااب جمهاور العلماااء إلااى عاادم
الصالة علاى الشاهيد ،علاى ماا فعال النباي صالى هللا علياه وسالم بشاهداء أحا ٍد أ َّو َل
األمر.
مسلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى علاى شاهداء أحا ٍد بعاد ٍ وثب َ في صحي
ثمان سنين كالمودع لهم ،وبه احتج من رأى الصالة على الشهيد وهو مذهب أباي
حنيفةَ ،وروايةس عن أحمدَ ،وأما من استدل على ذلاك بماا روي أن النباي صالى هللا
عليه وسلم صلى على شهداء أحدٍ ،وصلى على حمزة سبعين مرة ،وغير ذلك من
الروايااات فهااي واهي اةس ال يلتف ا إليهااا ،وال يُعا َّاول عليهااا ،قااال الشااافعي ف اي األم:
جاءت األخبار كننهاا عياان مان وجاوه متاواترة أن النباي صالى هللا علياه وسالم لام
يصل على قتلى أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة ال
يص وقد كان ينبغي لمن عار بذلك هذه األحاديث الصحيحة أن يستحيي على
نفسه .اهـ نقالن عن الفت .
ولم يقل أحدس ممن قال بالصالة على الشهيد أن الصالة علاى الميا مشاروعةس بعاد
ثمان سنينَ من دفنه على مقتِى هذا الحديثع ،بل ُكلهم يمنعون الصالة علياه بعاد
ع
هذه المدة ،ويجعلون ما فعله النبي صلى هللا عليه وسلم من خصوصياته.
12 فقه الجهاد -الطويلعي
والقائلون بالصالة على المي يجعلون صالة النبي صلى هللا عليه وسلم بعد ثماان
سنين ناسخةن لتركه الصالةَ َ
ياوم أحادٍ ،أو يعللاون تارد الصاالة ياوم أحاد بالمشاقة،
مستقيم وهللا أعلم من وجوه:
ٍ وهذا غير
األول :ورود احتماااال الخصوصاااية فاااي الصاااالة ،ماااع ثباااوت الخصوصاااية فاااي
التوقيا ع ،فااال ينسا ُ مااا ثبا َ ماان تاارد النبااي صاالى هللا عليااه وساالم بمااا قا َ
اوي في ا عه
احتما ُل الخصوصيَّة.
الثالثثث :أن تاارد النبااي صاالى هللا عليااه وساالم الصااالة علااى الشااهداء كااان بمش اهد
بعاف ال يحصال البياان العاام بهام،
س الصحابة جميعنا ،وأما صالته عليهم فإنماا رآه
والنس ُ ال يمكن أن يكون بدلي ٍل خفي ع الوقوع ،خفي ع الداللة.
الرابع :القول بنن النبي صلى هللا عليه وسلم صلى عليهم بعد أن فُرض الصاالة
علل التنخير وخصوصيته بذلك ؛ فإنهم يلز ُم أن يُصلي النبي صلى هللا عليه فيهم و ُ
الوقاائع ممان كاان قبال النسا ال ُمادعى،
ع وسلم على كل شهي ٍد في ٍ
بادر وغيرهاا مان
ولم يكن ذلك.
الخثثام :تعلياال ماان علاال بالمشااقة فااي تاارد الصااالة لكثاارة العاادد ال يسااتقيم ،ألن
الصالة على الجماعة الكثيرة إنما هي صالة س واحادةس ،وجما ُع الشاهداء غيار متعاذر
بدليل أنهم جمعوا للدفن ،فلو وجب الصالة لجمعوا لها كما جمعوا ليُدفنوا ودُفنوا.
جيب بأن المراد بالصالة فاي الحاديث الادعاء ،وكاان مان عاادة النباي صالى هللا وأ ُ َ
المقابر ويدعو للشهداء من الصحاب عة ،والصالة في اللغة تاردُ َ يزور
َ عليه وسلم أن
كثيار مان أئماة اللغاة ،وقاد وردَ
ٍ كثيرا بمعنى الدعاء ،وهو أص ُل المعنى على قاو عل ن
وصال
ع طهارهم وتازكيهم بهاابه القرآنُ فقال عاز وجال( :خاذ مان أماوالهم صادقةن ت ُ ع
ب ماا جااء فاي بعاف ألفاا عم ساكن لهام) ،ويارد علاى هاذا الجاوا عس علايهم إن صاالتَكَ
ث "صاالى علاايهم صاالتَهُ علااى الميعا " وفياه قااوةس ،وصاارفهُ بانن الماارادَ بماا الحادي ع
يدعو به على المي خالأ الظاهر.
واألرج ُح وهللا أعل ُم من ُع الصالةع على الشهيدع ،فإنها إن كان في حكم الصالة على
ت تارد النباي صالى المي ،كان واجبةن غير مستحبةٍ ،وال يمكنُ إيجابُهاا ماع ثباو ع
هللا علياه وسالم لهاا ،وضاع احتماال النسا ،وإن لام تكان فاي حكام الصاالة علااى
المي ا ع فااال دلياال علااى مشااروعيتها ،مااع قيااام دلياال التاارد لهااا ،والعبااادات مبناهااا
ب ،وأما اإلباحة فممتنعاةس فاي التوقي ُ ،وال دليل على الوجوب وال على االستحبا ع
ب
أمر ،واألمر ال ينزل عن االستحبا ع العبادات كما سب ؛ ألن العبادة ال بد لها من ٍ
أمار هاو أمار الصاالة علاى الميا فهاو للوجاوب ،وإن كاان في األص عل ،فاإن كاان س
ب ولاام ياارد أماار ،وإن لاام يكاان أما سار فالصااالة ُ با ل اةس
غيااره فااال يقاال عاان االسااتحبا ع
الشترا التوقي في العبادات.
ي ،والصااالة ُوقثثد قيثثل فثثي الحكمثثة مثثن تاارد الصااالة علااى الشااهي عد إن ذلااك ألنَّاهُ ح ا ا
مساتغن
ٍ عللا باه ،وقيا َل ألن الصاالة شافاعةس للميا والشاهيدُ للمي ،وهذا أقوى ماا ُ
نظر ماهر ،وهللا أعلم. عنها ألنه يشفع لغيره ،وفي هذا س
شهر شعبان
صر الرشيد ليلة األح عد الثالثينَ من ع
كتبه :عبد هللا بن نا ٍ
14 فقه الجهاد -الطويلعي
ت الشاهيد متعبناا المحيااني تقبلاه هللا فاي مطااردةٍ إثار مداهما ٍة
قتل جنود الطاغو ع
بمكة ،فما زادوا على أن صاروا ساببنا فاي حصاوله علاى ماا يتمنااه ،وشاهادته فاي
سبيل هللا ،نسنل هللا أن يتقبله ويغفر له ويرحمه.
تقدم الحديث عن عد ٍد من أحكاام الشاهيد ،وبياان أنهاا منو اةس بحياتاه وموتعاه ،وأناه
ي وليس ميتنا.
اختل عن المي في أحكام ألنه ح ا
وقااد جاااء فااي كتاااب هللا النهااي عاان تساامية الشااهيد بالميا ،فقااال عااز وجاالَ ( :والَ
سابي عل هع أَم َاواتس بَال أَحيَااء َولَ عكان الَّ تَشاعُ ُرونَ )َ ( ،والَ تَح َ
سابَ َّن تَقُولُوا عل َمن يُقتَ ُل فعي َ
ه أَم َواتنا َبل أَح َياء ععندَ َر عب عهم يُرزَ قُونَ ). الَّذعينَ قُتعلُوا فعي َ
س عبي عل ع
فنهااى هللا عاان تساامية الشااهيد بالميا ،وعقااب بااننهم أحياااء ولكننااا ال نشااعر بااذلك،
ونهى فاي ا ياة األخارى عان تاوهم أن الشاهيد ميا وأكاد جال وعاز أنهام أحيااء،
واساتمراره ،وباين أن هاذه
ع وذكر الحياة بنمار ٍة معروف ٍة لها ،وهاي جرياان الارزق
ربهم.
الحياة الشريفة عنده جل وعال فهم عند ع
وقد وقف ُ علاى قصايدة عباد العزياز بان مشارأ البكاري فاي رثااء الشاي الشاهيد
يوس َ العييري تقبله هللا واستوقفني منها قوله:
ُكلُو ُمهُ
i دما نء وروتها
َّ جهادنا وما ماتَ حتَّى أنهكَ األر َ ضربُهُ
والشي ُ قُتل ولم ي ُم ،وقد فرق هللا بينهما( :أَفَإعن َّماتَ أَو قُتع َل انقَلَبتُم َعلَى أَعقَا عب ُكم)
َ ( ،ولَئعن متم أَو قُتعلتُم عإللَى هللا تُحش َُرونَ ) وغير ذلك من النصوص.
مع علمنا أن الشهيد ليس حيًّا الحياةَ المعروفاة ،فروحاه قاد فارقا بدناه ،واختلا
العلماء في توجيه حياة الشهيد ومعناها.
فمنهم من ذهب إلى أن الشهيد يموتُ بقتله ثم يُحيا في قبره الحياة البرزخية ،وهاو
ذكار أن هللا أحياا أبااه،
ما يادل علياه حاديث جاابر فاي الترماذي وابان ماجاه ،وفياه َ
وروي من وجه آخار عان عائشاة عناد البيهقاي وهاو غلا س
ط، ولكن الحديث ضعي س ُ
ومنهم من ذهب إلى تنويل معنى الحياة بالذكر الحسن ونحوه ،ومنهم مان رأى أن
15 فقه الجهاد -الطويلعي
اختصااص،
س خص بالذكر لشرفه وبيان علو منزلته دون أن يكون لاه باذلك َّ الشهيد
ي حياةن برزخيةن كسائر األماواتع ،محتجاين بماا فاي المساند مان حاديث
وإنما هو ح ا
كعب بن مالك” :نسمة الم من ائر يعل فاي شاجر الجناة“ ،والحاديث منقطا سع ال
يص .
واألكثر على الظاهر وهو اختصاص الشهيد بالحياةع بعد مقتله ،وهو ما دل عليه
ا يات وأكدته ،وجاءت األحادياث ببيانعاه وبياان هيئاة الحيااة التاي يعيشاها الشاهيد،
بنحكام له مبني ٍة على الحيااة يخاتص بهاا عان الميا ،مان تارد تغسايله
ٍ كما جاءت
وتكفينه والصالة عليه.
ت) فاإن النهاي فاي الشاهيد عان وهذا ال يُنافي قوله عز وجلُ :كل نَف ٍس ذَآئعقَةُ ال َماو ع
تسميته ميتنا ال عن القول بننه ماتَ ،والموتُ مفارقة الروح البدن ،وقد وقع للشهي عد
آخار أرفا ُع مان حيااة البارز ،فارو ُح الشاهيد ي حيااةن مان ناوعٍ َ بال ريب ،ولكناه حا ا
ث الاذي رواه ببدن آخر ،وهو أجاواأ الطيار الخِار كماا جااء فاي الحادي ع متصلةس ٍ
خِر.
ٍ ير
أجواأ ٍ
ع مسلم من حديث ابن مسعو ٍد وغيره أن أرواح الشهداء في
وهذا المعنى هو المتعين ،بل هو ما فسر به النبي صلى هللا عليه وسلم ا ية ؛ فقاد
روى مسلم في صحيحه أن مسروقنا سنل ابن مساعو ٍد عان هاذه ا ياة ( َوالَ تَح َ
سا َب َّن
سا عبي عل هع أَم َواتناا بَال أَحيَااء ععنادَ َر عب عهام يُرزَ قُاونَ ) قاال أماا إناا سانلنا
الَّذعينَ قُتعلُاوا فعاي َ
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن ذلك فقال” :أرواحهام فاي جاوأ يار خِار
لهااا قنادياال معلقااة بااالعرن تساارح ماان الجنااة حيااث شاااءت ثاام تاانوي إلااى تلااك
القناديل “..الحديث.
ففسر الحياة بالهيئة التي تكون عليهاا أرواحهام ،ومعلاو سم أن الحيااة اتصاال الاروح
بالباادن ،والمااوت انفصااالها عنااه ،فاااجتمع فااي حااال الشااهيد هااذا وهااذا ،فروحااه
انفصل عن بدنه بمقتله ومات بذلك ،ولكنه ليس ميتنا بعاد أن جعال هللا روحاه فاي
جاوأ يا ٍار ،فكانا روحااه متصاالة بالباادن وهاذه حياااة ،وهاام بااذلك يساارحون فااي
الجنة.
نسنل هللا أن يتقبل شهداءنا ،ويرزقنا الشهادة في سبيله ،وصلى هللا وسلم على محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
16 فقه الجهاد -الطويلعي
صائل)
الجهاد( :دف ُع ال َّ
مقاص ُد ِ
ِ
اايس غاياااةس ،فاااإنَّهم -وإن كاااانوا
الج َهاااادَ وسااايلةس ولا َ ضاااونَ با َّ
اانن ع حاااينَ يتشاااد ُق ال ُمغر ُ
مقاصادَ عديادةٍ للجهاا عد قادع وزورا -يلفتُاون النَّظار إلاى
ن منكارا مان القاو عل ن يقصدونَ
أن األعماا َل كلَّهاا وساائ ُل تُنسى ويَغفَ ُل عنها من يغفَل ،فالجهاادُ وسايلةس شاريفةس كماا َّ
اختص مزيدنا على ذلكَ بننَّه وسيلةس يُوص ُل بهاا إلاى جملا ٍة َّ َّ
ولكن الجهادَ لرضا هللا،
دوان ،ووسيلةُ الدَّعوةع إلاى دفع العُ عاألمور المطلوب ٍة شر نعا ،فهو وسيلةُ ع ٍ عظيم ٍة من
الخالف عة في األر وتحكيم شرعع هللا فاي أر ع هللا ،وهاو أحادُ هللا ،ووسيلةُ إقام عة ع
ت مان اإلسالم ،إلى ما في عه نف عس عه من الفِائ عل العظيما عة والعباادا ع
ع موارد الما عل لدولَ عة
ع
شااهاد عة التااي تمناهااا رسااول هللا صاالى هللا عليااه وسالم ،والجراحااة فااي س ابيل هللا، ال َّ
ساااها تحقيااا ُورأس الفِاااائل وأسا ُ
ُ ااورهعم،
وحراسااا عة المسااالمين والرباااا علاااى ثغا ع
وكفارا
ن التَّوحي عد هللع وتجريدُ القص عد له ،إيماننا با عه وتسالي نما للانفس والماال والادم إليا عه،
بما سواهُ وتجاردنا مان عشار عد الهاوى ،وش ََار عد الشايطان ،كماا قاال أباو عباد هللا ابان
القيم رحمه هللا في ميميته:
المقاصاد ،وهاذا غيا ُار ع وكال عما ٍل وعباادةٍ شارع لمقاصاد؛ فإنَّهاا وسايلةس إلاى هاذه
لغيار عه ،والقتاا ُل فاي سابي عل هللا خر للوسيل عة الَّذي يُرادُ به ماا لام يُشارع إالَّ ع المعنَى ا ع
س ُهم ه اشتَ َرى عمنَ ال ُم عمنعينَ أَنفُ َ عز وج َّل (إع َّن َّ َ كل عهم فقال َّللبشر ع ع مما ذكرهُ هللا غايةن
ه فَ َيقتُلُونَ َويُقتَلُاونَ َوعادان َعلَيا عه َحقاا ن فعاي َوأَم َوالَ ُهم عبن َ َّن لَ ُه ُم ال َجنَّةَ يُقَاتعلُونَ فعي َ
س عبي عل َّ ع
فس والماال ه) .ف َجعَل ال ععو َ النَّ َ آن َو َمن أَوفَى بععَه عد عه عمنَ َّ ع األن عجي عل َوالقُر ع التَّو َراةع َو ع
والقتل والقتال ،والثمن الجنَّة.
دفع تقسي سم ُمجم سل صحي س بال عمريَا ٍة لكان فاي ب وجها عد ٍالجها عد إلى جها عد ل ٍ
وتقسي ُم ع
الجهااا عد الوصااو ُل إلااى ح ا ٍ هللع أو علعبَ اادعه ،أو
مقاص ا عد ع
ع وجماااعُ س
تفاصااي عل عه ُمسااا َمحة ،ع
اصاي ُل َ
لايس ط وتَفَ ع م ٍلم وقَ َع علي عهم ،و َهذَا على اإلجما عل ،ولاذلك ضاوابع ُ
ص من ُ التخل ع
َّ
َهذَا محلها.
الجهاد
مقاص ُد ِ
ِ
صائل :مواجهة جند الدولة)
(دف ُع ال َّ
يسايرا إلاى مسانل عة دفاع
ن الكاافر ،وتطرقناا
ع كان المقال الساب لهذا عن دفاع الصاائل
الصائل ولو كان مسل نما ،وأعرض ُ عن مسنلة ”تسليم النفس للمباحث“ اكتفا نء بما
أن تراجااع الخِااير والفهااد سااب َ ماان الحااديث عنهااا فااي ”المنيَّااة وال الدنيَّااة“ ،إالَّ َّ
شبه ٍة مشهورةٍ رأي ُ أن ال يُ َّخر الحديث عنها مع تعلقها بمسنل عة ع
دفع تِ َّمن إيرادَ ُ
الصاائل؛ فقااد اسااتد َّل كا ال ماان الخِااير والفهااد علااى منااع دفااع الصااائل ماان رجااال
كاالمجمعين علااى اساتثناء
ع المباحاثع ،بمااا ذكاره اباان المناذر حااين قااال :وأهال العلاام
السلطان مما جاء في دفع الصائل.
وأو ُل ما يُقال في هذه الشبهةَّ :
أن محل كالم ابن المنذر السلطان المسلم ال الكافر،
والكافر يجوز ابتداؤه بالقتا عل فِالن عن دف عع عه إذا صالَ ،و واغي الجزيرة كفارة س
مرتدون بندل ٍة ال يستطيع المخال دفعها أو الجواب عنها.
بكل هذا
س علم ع على تخصيص الحديثعَّ ،
وأن اسم السلطان يشمل المسلم والكافعر ،لو ُ
وأعرضنا عن
عموم الحديث ،وعن عمل عبد هللا بن عمر ٍو رضي هللا عناه الَّاذي لام يُخالفاه أحادس
من الصحابة.
رياب مان أراد السالطان العادوان علاى ما علا عه ،وال َ كل هذا؛ فمحلاه وال نزل في ع لو ت ُ ع
عرض عه ،وأهل العلم حين فرقاوا باين العار والماال فاي ع يقول أحدس بمثل ذلك في
ب علاى األصا ،علَّلاوا ذلاك األول وجوازه في الثاني دون وجو ٍ وجوب الدفع في َّ
انن المااال يجااوز بذلُاهُ ابتاادا نء بخااالأ العاار ،وهااذه العلَّااة بعينهااا موجااودة س فاايبا َّ
انفس ،فااإن جااازَ لااه الاادف ُع عاان ال ععاار ع الَّااذي ال يجااوز بذلااه ولااو كااان الصااائل
الا ع
جاائز ألنَّهاا كاالعر ال يجاو ُز باذلُها ابتادا نء ،ولاوال
س الانفس
ع فإن الدفع عن سلطانناَّ ،
النفس كما يُادفع عان العار ،ول َّ
كان ع ب الدفع عن
النصوص في الباب لقي َل بوجو ع
فرق بينهما في حكم الوجوب لعلَّ ٍة أ ال الفقهاء الكالم فيها. النصوص َّ
هذا والصواب كما تقدَّم َّ
أن كالم ابن المنذر في السلطان المسلم دون الكافر ،وهاو
غير مسلَّ ٍم حتَّى في السلطان المسلم بل عمل الصحابي وعماوم الحاديث دا ال علاى
ُ
مشروعيَّة دفع الصائل ولو كان سلطاننا.
ناصر الرشيد صبيحةَ الثامن من شوال عام أربع ٍة وعشرينَ وأربععمائ ٍة وأل ٍ .
ٍ وكتبه عبد هللا بن
21 فقه الجهاد -الطويلعي
الجهاد:
مقاص ُد ِ
ِ
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ()2/1
الحمااد هلل رب العااالمين ،والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين ،نبينااا محم اد
وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
األول ماان مقاصااد الجهاااد وهااو دفااع الصااائل،الحااديث عاان المقصااد َُّ فقااد سااب َ
لطان
دفع الصائ عل ،وهو دفع الصائل من جنا عد السا ع والحديث عن صورةٍ من صو عر ع
ب من موجبات الجهاد ،ومقصاد مان مقاصاده، ُ
والحديث اليوم عن موج ٍ إذا صال،
اار علااى المساالمين ،وهااو دخااول الكفَّااار جزياارةَاور عاادوان الكفَّا ع
وصااورةٍ ماان صا ع
حرمهااا هللا علاايهم ،وإقااامتهم القواعااد العسااكريَّة ،وحشاادهم الحشااود العاارب التااي َّ
البرية والبحرية والجوية ،في كل جه ٍة من جهات جزيرة العرب :شرقها وغربهاا
وشمالها وجنوبها.
وقااد كاااان مااان آخااار وصاااية النباااي صاالى هللا علياااه وسااالم قبااال موتاااه” :أخر ُجثثثوا
أماار منااه صاالى هللا عليااه وساالم يقتِااي المشثثركين فثثي جزيثثرة العثثرب“ وهااذا س
الوجوب.
جزأين :جزيرة ،والعرب ،فن َّما الجزيارة ُ فهاي ع ي من ب إضاف ا وجزيرة ُ العرب مرك س
ط بها الما ُء من كل جهةٍ ،ومنه جزيرة العراق ،وهي ما بين دجلة اس سم ألر ٍ يُحي ُ
والفرات ،وجزيرة العرب الماذكورة فاي الحاديث ،وهاي :ماا أحاا باه بحار الهناد
وبحر الشام ،ثم دجلة والفرات ،كما هي عبارة القاموس ،وبحر الشام هو المسمى
اليوم بالبحر األحمر ،وبحر الهند هو المحيط الهندي وكننَّاه ألحا باه بحار فاارس
الَّذي يس َّمى اليوم الخليج العربي ،ولم يذكر اللغويون غير هذا القاول وإن تفاوتا
عباراتهم في بيانه ،وتسميتهم جزيرة العرب باسم الجزيرة إما أنَّاه تجاوز إلحا اة
الماء بها من أغلب جهاتها ،على عادة العرب في التوسع في مثل هذا الباب ،وإ َّما
بحارا كماا جااء بهاذه التسامية قولاه تعاالىَ ( :وه َُاو الَّاذعي ن أنَّهم عادوا دجلاة والفارات
أن العاذب الفارات هاو ب فُ َاراتس َوهَاذَا عملا س أ ُ َجاا سج) ومعلاوم َّ
َم َر َج ال َبح َري عن َهذَا َعاذ س
النهر.
وال يص تسمية جازءٍ مان األر ع باالجزيرة ماع كاون المااء ال يُحايط باه ،ولايس
ب ،وإنَّمااا بقربااه بحا سار إالَّ ماان جه ا ٍة واحاادةٍ ماان جهاتااه ،لاايس هااذا فااي لسا ع
اان العاار ع
بعاف
ُ يُتصور أن تشاتهر جزيارة س باسام جزيارة العارب ثا َّم يُطلا االسام ويُاراد باه
ناادر فاي االساتعمال ال يُصاار س س
مجااز أجزائعها لخصوصيَّ ٍة فيه ،وإذا كاان هاذا فهاو
ساار جزياارة رجحااه علااى الحقيقااة قريناةس ،ولعاال هااذا هااو مسااتند ماان ف َّإليااه إالَّ أن ت ُ ع
بعفع العرب بنر الحجاز وهو قو سل با سل عقالن ونقالن ولغةن وشر نعا على جالل عة
من قال به.
22 فقه الجهاد -الطويلعي
وليس من العرب أحد خارج هذه الجزيرة إالَّ شايئنا مان ربيعاة ومِار ممان دخال
ديارا لهم ،وبعاف العارب ممان دخال الشاام كالغساسانة مانفارس ،ولم تكن ن ٍ بالد
الروم.
ع أكناأ
ع األز عد وهم قلي سل في
فصا فاي هااذه الجزيارة :أنَّااه ال يساكنها غيا ُار العارب ،وال يسااكن العارب َ
غيرهااا؛
أن اسام الجزيارة مطااب س لهاا فاي
لحس والمشااهدةع ،وصا َّ َّب باا ع فهاي جزيارة ُ العار ع
البلدان.
ع وأن اسمها عند العرب جزيرة العرب في اللسانَّ ،
إن جزيرة العرب هي الحجاز ،فقد استند إلى إبقاء عمر بن الخطاب وأ َّما من قال َّ
رضي هللا عنه بعف المشركين في غيار الحجااز كنصاارى نجاران ،وبقاياا يهاود
الحجاز وحدَها.
ع صارأ يصرأ اسم الجزيرةع إلى أر ع
س اليمن ،فرأى َّ
أن ذلك
وال يص هذا االستدالل ،فإن كان قد أُبقاي بعاف المشاركين خاارج الحجااز ،فقاد
أُبقي بعف المشركين في الحجااز مادةَ خالفا عة أباي ٍ
بكار ،والجاواب عان هاذا يانتي
وعمومه.
ع بإذن هللا ،والحديث على ماهره
أمر من النبي صلى هللا عليه وسلم لم يقيده وإخراج المشركين من جزيرة العرب ،س
بوسيل ٍة من الوسائل ،بل هو مطل س والمقصود خرو ُج ُهم من الجزيارة ،ومعلاو سم َّ
أن
الكافر الواحد الذي ال شوكة له وال منعاةَ ُمبااح الادم فاي األصال ،يجاوز قتلُاه ألي
بدم عه تقربنا مجردنا عان المنفعاة الدنيويَّاة فاي قت علاه ،فاإن
غر ٍ ولو للتقرب إلى هللا ع
أمر بإخراجه من جزيرة العرب كان قتله من امتثال ذلك األمر ،وإذا كاان لاه كان س
شوكة ومنعة في بالد المسلمين كاان معتادينا عليهاا يجاب قتالاه وجوبناا ولايس علاى
فحسب ،فثب َ أن إخراج المشركين بالقتال وسيلة مباحاةس أو واجباةس ،وهاي ُ اإلباح عة
من أنفع الوسائل لما يحصل بها مان الاردع للمشاركين والتخويا لهام مان دخاول
جزيااارة العااارب ،وهاااذا ماااا رأينااااه بعاااد تفجيااارات الرياااا ،حتاااى صاااار بعاااف
ِا بالخروج و لب مس ولوهم ممن ليس لوجوده ضرورة أن الصليبيين ينمر بع ن
يخرج.
الجزيرة بعد ورود األمر وكان دخولُ ُهم فيها مخالفةن لصاري النهاي ،ال داخاالن فاي
ضااالمسكوت عنه قبال ورود الانص ،وذلاك مثال قتاالهم فاي أرضاهم إن كانا أر ن
تح أيديهم قبل اإلسالم ،كان قتاالهم عنهاا وجهاادهم فيهاا مان جهااد الطلاب ،وإن
ضاا دخلوهاا بعاد أن كانا بنيادي المسالمين كاان جهاادهم فيهاا مان جهااد كان أر ن
الدفع ،وأحكام االستدامة والبقاء تختل عن أحكام اإلنشاء واالبتاداء ،ويثبا تبعناا
واستمرارا ،ما ال يثب ُ أصالن واستقالالن.
ن
وإذا استبن َ هذا التفري َ بين حالي إخراج المشركين من جزيرة العرب ،ما يكون
ب كماا كاان زمان عمار بان الخطااب دفع كما هو اليوم ،وما يكون جهااد لا ٍ جهاد ٍ
بكار إخارا َجهم مان
رضي هللا عنه ،مهر لك بإذن هللا السبب في تنخير عمر وأبي ٍ
اائزا ،ألن جهاااد الطلااب يجااوزالجزياارة العربيااة ،وكااون ذلااك مشاارو نعا لهمااا جا ن
تنخيره للمصلحة والحاجة مع التزامه والعزم عليه ،وعدم جوازه لمن وجدهم وقد
دخلااوا ابتاادا نء لدخولااه فااي جهاااد الاادفع ،وجهاااد الاادفع ال يجااوز تاانخيره بحااا ٍل ماان
األحوال ،وهللا أعلم.
وإخااراج الصااليبيين ماان جزياارة العاارب اليااوم ،اجتمعا فيااه عاادة ُموجبااات ،فمااع
خصوصية الجزيرة بوجوب إخراج المشاركين منهاا ،اجتمعا الموجباات العاماة
لجهاااد الاادفع ،فاادخول المشااركين بقااوة لهاام وشااوكة موجااب للجهاااد فااي كاال بلااد،
وأفارادهم إذا دخلاوا ولاو بااال قاوة وشاوكة باال إذن ماان المسالمين فاي أي بلا ٍد غياار
الجزيرة مباحةس دمااؤهم ،أماا الجزيارة فيجاب قتاالهم فيهاا حتاى يخرجاوا ولاو كاان
مسلم فِالن عن الكاافر العميال ،وتخلياة أجازاء مان أر ٍ دخولهم بإذن من حاكم
المساالمين لهاام يُقيمااون فيهااا شااعائر كفاارهم موجااب لقتااالهم وإخااراجهم ،وقتااالهم
للمسلمين من هذه األر واتخااذهم لهاا قواعاد عساكرية موجاب لجهاادهم ،وكال
من هذه يغلظ ويشتد إذا كان في جزيرة العرب.
هذا ما يسر هللا تدوينه في بيان هاذا الحكام ،وسانعر فاي المقاال القاادم باإذن هللا
ت يُوردها المخالفون على هذا الحكم المحكام مان إخاراج المشاركين مان إلى شبها ٍ
جزيرة العرب بالجهاد في سبيل هللا.
وهللا أعلم ،وصلى هللا على عبده ورسوله محمد وسلَّم ،وعلى آله وصحابته
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .ليلة التاسع والعشرين من شوال عام أربعة
وعشرين وأربعمائة وأل .
24 فقه الجهاد -الطويلعي
الجهاد
مقاص ُد ِ
ِ
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ()2/2
الحمااد هلل رب العااالمين ،والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين ،نبينااا محم اد
وعلى آله وصحبه أجمعين ،أما بعد:
الحاديث عان معناى حاديث "أخرجثوا المشثركين مثن ُ فقد سب في العدد الماضاي
جزيرة العرب" ،وفي هذا العدد سنعر للجواب عن بعف الش َب عه ال ُمورد عة علاى
االستدال عل بالحديثع ،والرد على من خال في داللته.
الحجثا ُ ،وقاد
إن جزيرة العَرب هثي ِ فأول الشبه وأشهرها وأقدمها ،قول من قال َّ
أن جزيارة العارب أوسا ُع مان ذلاك ،وإنَّماا جان مان سب في العَدد الماضي إثباتُ َّ
أن مان المشاركين مان بقاي خاارج جن إلى تنويال الحاديث بهاذا المعناى ل َّماا رأى َّ
الحجاز ولم يُخرج ،وقد يُستننس له بما ُروي بسند ضاعي ٍ عان أباي عبيادة عاامر ع
أن النباي صالى هللا علياه وسالم قاال :أخرجاوا يهاود أهال الحجااز مان بان الجاراح َّ
جزيرة العرب ،ولكن الحديث ضعي اإلسناد واألحادياث الصاحاح علاى خالفاه،
ولو سلم بصحته فذكر بعف أفراد العام بحكم يواف العام ال يستلزم التخصيص،
الحديث أصل في الداللاة علاى نقايفَ بل يحتم ُل إفراده ألهميته وشرفه ،على َّ
أن
ما استدل به المستدل ،فقاد فارق باين الحجااز وجزيارة العارب ،ولام يقال أخرجاوا
يهود أهال الحجااز مان الحجااز ،بال قاال مان جزيارة العارب ،ثام إناه قاد جااء فاي
الحااديث باإلسااناد نفسااه :أخرجااوا يهااود أهاال الحجاااز وأهاال نجااران ماان جزياارة
العرب ،وأهل نجران خارج الحجاز.
وأما مان بقاي فاي الجزيارة فاي غيار الحجااز ،فاالقول فايهم كاالقول فايمن بقاي فاي
الحجاز:
ع
إذا كاااان وجاااودهم قبااال األمااار باااإخراجهم ،وكاااان الشاااارع قاااد أقااارهم مااان قبااال؛
فإخراجهم من جنس جهاد الطلب.
وإذا كان وجودهم بعد األمر بإخراجهم ،ودخلوا مخالفين أمر هللا ووصاية رساوله
صلى هللا عليه وسلم؛ فإخراجهم من جنس جهاد الدفع.
وال يُشغَّب على هاذا بانن فعال الصاحابة كاان إخارا َجهم بغيار الجهااد؛ فاإن الماراد
إيِاح التفري بين أحكام االبتداء وأحكام االستدامة ،ث َّم َّ
إن العلة الموجباة للجهااد
موجودة وق الصحابة وهي إخراج عدو يجب إخراجاه مان باالد المسالمين ،ولام
يُقاتلوا َّ
ألن الجهاد لبنا ودفعنا قد يسقط ويكفي هللا الما منين القتاال إذا رجاع العادو
عما قُوتل ألجله ،فيسقط تعين جهاد الدفع إذا رجع الصاائل عان صاياله ،ويساقط
25 فقه الجهاد -الطويلعي
وجوب الطلب إذا أسلم الكافر أو بذل الجزية على تفاصايل فاي الفاروع لايس هاذا
محلَّها.
أن إبقاء الصحابة لمن أُبقي من المشركين كان من جنس جهاد الطلب، فإذا تقرر َّ
فإن جهاد الطلب ال يجب على الفور كما يجب جهاد الدفع ،بل يجوز تنخيره َّ
خوأ مفسدةٍ يُرجى أن تزول قريبنا ،كما يجوز تنخيره النشغال ع لمصلحة أو
بنمر نزل به ،أو نازل ٍة حلَّبفتوح ،أو النشغال إمام المسلمين ٍ ٍ عسكر المسلمين
لعدو
بالمسلمين دون تعطي ٍل له ،ويجوز تنخيره لمصلح ٍة للمسلمين في بقاء ذلك ا ع
بغيرها مع التزام قتاله وعدم استدام عة الهدن عة.
سواء كان بهدن ٍة أو ع
بكر الصدي رضي هللا عنه كان فترةَ خالفتع عه مشغوالن بقتال المرتدعين وأبو ٍ
والروم ،ولم يلبث بعد استقرار األمر حتى قبِه هللا ،أما عمر فلما جاءه الثب
عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال :أخرجوا المشركين من جزيرة
خيبر في القصة المعروفة.
َ العرب أجلى اليهود من
فال يحتج أحد بترد الصدي لليهود في خيبر ،وال بترد الفاروق لهم أو لغيرهم
حيث كان الحال واحدة بنن كانوا مستو ني األر يسكنون ُ في غيرها ،إال
الديار من أول األمر ،بخالأ من َو َرد عليها بعد النهي ،وكان دخولُهُ انتها نكا
ألر الجزيرة واعتدا نء عليها.
وإذا استبان هذا األصل من التفري بين الموجودين قبل النهي ،ومن دخلوا بعد
النهي؛ زال الشبهة في احتجاج من احتج ببقاء بعف المشركين في الجزيرة بعد
وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم.
وأما من احتج بمن دخل الجزيرة من بعد كنبي ل ل ة المجوسي الَّذي ثب
باألسانيد الصحيح عة أنَّه كان مشر نكا؛ فنبو ل ل ة كان رقيقنا ،والرقي من جملة
كثير من أهل العلم و ن أموال المسلمين وليسوا كاألحرار في األحكام ،ولذا أجاز س
األمة غير الكتابية ولم يُ عجز أحد س نكا َحها ،وجوزوا االستعانة بالرقي المشرد
واختلفوا في االستعانة بالمشرد الحر ،ودية الرقي المشرد والم من واحدة س ال
تزيد دية المسلم منهما على الكافر وهي قيمتُهُ ،وغير ذلك من األحكام التي يُعامل
َّ
أن فيها الرقي من جهة كونه ماالن من جملة األموال وال يُنظر لدينه ،ولو فُر
واحدنا من ه الء أُعت َ بعد أن دخل المدينة كان حاله كحال اليهود الذين كانوا
استمرار واستدامةس لما كان
س باح ،فبقاؤه بعده
ب ُم ٍ
في خيبر وغيرهم ،ممن دخل بسب ٍ
أصله مشرو نعا ،وليس إنشا نء وابتدا نء لإلقامة كما ال يخفى.
وماان أباار عد الش ابَ عه التااي أُوردت علااى هااذا الحااديث المحكاام الباايعن مااا أورده موقااع
أن الحديث ال يقتِي قتالهم بل أمار بااإلخراج ،وزعماوا اإلسالم اليوم حين زعم َّ
أن الحاديث ال يادل علاى القتاال ال باالمنطوق وال المفهاوم ماع َّ
أن األماار بعاد ذلاك َّ
بإخراجهم مطل س لم يُقيَّد بوسيل ٍة ال باإلنذار وال بالقتا عل ،ومن كتب هذا االعتارا
26 فقه الجهاد -الطويلعي
بنصا عه،
ط بين المنطوق والمفهاوم ،والانص والظااهر؛ فهاو ال يادل علاى القتاال ع َخلَ َ
ولكنَّه دا ال عليه بمنطوقع عه الَّذي هو مطل س فاي اإلخاراج ،فكال ماا كاان إخرا نجاا لهام
أن المخالفين لهم فاي معناى ق ،سواء اإلنذار أو القتال ،على َّ كان من دالل عة المنطو ع
أن خاروجهم باإلناذار كااأٍ ،ولكانهم يارون أن القتاال هذا الحديث ال يخالفون فاي َّ
أن منااا قتااال المشااركين فااي لماان لاام يكاان لااه اإلنااذار كاف نيااا ،وهااذا علااى فاار ع َّ
الجزياارة اليااوم هااو مجاار د دخااولهم جزياارة العاارب بقطااع النظاار عاان بقيااة العلاال
األُخرى.
ومن الشبه الواهي عة التي أُوردَت على االستدالل بهاذا الحاديث ،واعتُار َ بهاا مان
ث نهف المتثال أمر محمد صلى هللا عليه وسلم والقيام بوصيتهَّ :
أن المراد بالحدي ع
أخرجوا المشركين المحاربين للمسلمين من جزيرة العرب.
مكان وكل أر ٍ ،ويُ مر بإخراجهم ٍ والمشركون المحاربون يُ مر بقتا علهم في كل
من كل بل ٍد للمسلمينَ ،فني خصوصيَّ ٍة لجزيرة العرب فاي هاذا الحكام؟ ماع اتفااق
العلماااء وغياارهم ماان الموافا والمخااال علااى َّ
أن الحااديث دا ال علااى خصوص ا َّي ٍة
مخصاص لهاا، ع دياث الصاحيحةُ عا َّماة ال
ب دون سائر الابالد ،واألحا ُ لجزيرة العر ع
وما يُدَّعى تخصيصها به من بقاء بعف المشركين تقدَّم الجواب عنه.
اللهم أخرج المشركين مان جزيارة العارب أشاالء ممازقين ،بنيادينا وأيادي عباا عدد
ال ُما منين ،وارزقنااا الهدايااة والسااداد والثبااات علااى الحا والعلاام والعماال والجهااا عد
حتى نلقاد ،شهداء في سبيلك مقبلين غير مدبرين ،برحمتك يا أرحم الراحمين.
ان
وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،ومن تبعهم بإحسا ٍ
إلى يوم الدين.
27 فقه الجهاد -الطويلعي
أوراق نُشاارت فااي اإلنترنا ،يعتاار بهااا كاتبُهااا علااى مقاا ٍل
س ي
ضا علا َّ عر َ
فقااد ُ
كتبته عن دفع الصائل في مجلة صوت الجهااد ،وعلاى رساالة (المنياة وال الدنياة)
التي نُشرت قبلُ.
أن المسانلة التاي شابَّهَ وقرأتُ ورقاتعه فلم أر ائالن ،ولم أجد ما يستح الرد ،غيار َّ
ت مسانلةس مهماةس ،وال ينبغاي أن يبقاى لادى المجاهادين فيهاا أدناى فيها كاتاب الورقاا ع
أدنااى شاابهةٍ ،وقااد ساالك ُ فااي المقاااالت والرسااائل التااي أكتبهااا مساالك االختصااار
ث اساتدعى واإليجاز ،مع الحرص على الكفاي عة في المسنل عة قدر المستطاعع ،إالَّ حي ُ
ي مان الفهام مان هاا هناا دخال ،أو دُخال علا َّ
ع المقام التطوي َل والتفصايل ،فلعا َّل ساوء
قصور العبارة وسوء البيان ،وهللا المستعان.
التشكيك في حديث عبد هللا بن عمرو وأنه لام يكان فاي مواجهاة سالطان ،والطعان
في القصة واللفظ الذي أوردتُه.
االسااتدالل بحااديث :تساامع وتطيااع وإن أخااذ مالااك وضاارب مهاارد ،وعاااب أنعااي
فسرتُ الحديث بغير المعناى الَّاذي فهماه ،وزعام أن حاديث ”وإن أخاذ مالاك“ ماع
تبويب أهل العلم على حديث عبد هللا بن عمرو يشهد بصاحة ماا قالاه ابان المناذر،
يعني اإلجماع المخروم.
ونص مرفوعس ،وقد ثب من القصة في مسلم وغيره قول ا صةس، ُ
الحديث ،ففيه ق َّ فن َّما
الاراوي :لماا كااان باين عباد هللا باان عمارو وعنبساة باان أباي سافيان مااا كاان تيسارا
لل عقتال ،فذكر الحديث واستدالل عبد هللا بن عمرو به فاي هاذا الموضاع ،وقولاه ماا
ت غيار ث للقص عة ،وقد جاء مفصالن في رواياا ٍ بعف رواةع الحدي ع ع كان :اختصار من
هذه الرواية تنتي بإذن هللا.
أن عنبسة أراد العدوان على شيءٍ مان ومن اللفظ الثاب في صحي مسلم :يظهر َّ
ماال عبااد هللا بان عماارو ،فاانراد عباد هللا أن يُقاتاال دوناه ،وحااين حااوجج اسااتد َّل
28 فقه الجهاد -الطويلعي
”وأشار بقوله( :ما كان) إلى ما بينه حيوة في روايتاه المشاار إليهاا؛ فاإن أولهاا أن
ضا ،فدنا من حائط ل عمرو بن عامالن لمعاوية أجرى عيننا من ماء ليسقي بها أر ن
العاص فنراد أن يخرقه ليـ ُجري العين منه إلى األر ؛ فنقبل عباد هللا بان عمارو
ومواليااه بالسااالح وقااالوا :وهللا ال تخرقااون حائطنااا حتااى ال يبقااى منااا أحااد ،فااذكر
الحديث ،وا لعامل المذكور هو عنبسة بن أباي سافيان كماا مهار مان رواياة مسالم،
وكااان عااامالن ألخيااه علااى مكااة والطااائ ،واألر المااذكورة كاناا بالطااائ ،
وامتناع عبد هللا بن عمرو من ذلك لما يدخل عليه من الِرر“.
ورواية حيوة –وهو ابن شري المصري -المشاار إليهاا هاي روايتاه الحاديث عان
أبي األس ود عن عكرمة عن عبد هللا بن عمرو بن العااص التاي أخرجهاا الطباري
فيما ذكر الحافظ في الفت ،وإسنادها على شر الصحي إن ص َّ إلى حيوةَ.
سعير بن الخمس عن عبد هللا بن الحسن بن المزي الحديث بإسناده إلى ُ
وقد أخرج ع
الحسن بن علي بن أبي الب عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد هللا بن عمر ٍو
ساعير فاي إساناد هاذا
س به ،وذكر في القصاةَّ :
أن معاوياة (بادل عنبساة) ،وقاد أخطان
الحديث ،وصوابه ما رواه الثوري وغيره عن عبد هللا بن الحسن عن عمه –أخي
أبيه ألمه -إبراهيم بن عبد هللا بن لحة عن عبد هللا بن عمرو بن العاص.
أن معاوية رضي هللا عنه أراد أن ينخاذ األر ،وأمار وماهر من هذه الروايات َّ
س
أخاه عنبسة وهو واليه على مكة بنخذها ،فكان من عباد هللا بان عمارو بان العااص
رضي هللا عنه ما كان ،وهاو ماا جااء صاري نحا فيماا رواه عباد الارزاق عان معمار
عن أيوب عن أباي قالباة قاال :أرسال معاوياة بان أباي سافيان رضاي هللا عناه إلاى
عامل له لينخذ الوهط فبلغ ذلك عبد هللا بن عمارو فلابس ساالحه ..فاذكر الحاديث،
وهذا مرسل جيد اإلسناد.
صةَّ ،
فإن من َ
الحديث بغير الق َّ وال يُورد على ثبوت القصة مفصلَّةن روايةُ من روى
ص اةن االختصااار، عااادة كثيا ٍار ماان رواة الحااديث ،وماان ص انَّ فااي المسااندات خا َّ
واالقتصار على المتن المرفوع مان الحاديث فاي الغالاب ،وقاد اشاتُهر بهاذا بعاف
الحفام كشعبة بن الحجاج ،فكانوا ال يروون من الحاديث إالَّ المرفاوع ،ومثال هاذا
مشار إليها في المتن ،مشاتهرة سس صا والقصةال يُ ععل به الحذَّاق في الصناع عة ،خصو ن
وال بااد فااي ذلااك الوقاا ،وقااد ُروياا ماان غياار وجااهٍ ،ورواياتهااا متوافقااةس غياار
متعارضةٍ.
قا ال اباان حاازم فااي المحلااى :فهااذا عباد هللا باان عماارو باان العاااص ،بقيااة الصااحابة،
وبحِاارة سااائرهم يريااد قتااال عنبسااة باان أبااي ساافيان عاماال أخيااه معاويااة أمياار
الم ا منين إذ أمااره بقاابف الااوهط ،ورأى عبااد هللا باان عماارو أن أخااذه منااه غياار
29 فقه الجهاد -الطويلعي
واجب ،وما كان معاوية رضي هللا عنه لينخذه مل نما صرا نحا ،لكن أراد ذلك بوج ٍه
شك ،ورأى عبد هللا بن عمرو أن ذلك ليس بح ٍ ،ولابس الساالح للقتاا عل،
تنوله بال ٍ
َّ
وال مخال له في ذلك من الصحابة رضي هللا عنهم.
أن الصاورة ي ،من جهة عموم الحكام وال مخصاص ،ومان جهاة َّ وهو استدال سل قو ا
التي ورد فيها العموم يكثر أن تكون مع سب والية ألمير فئ ٍة على الفئتين جميعناا؛
فال يُمكن أن تُخرج هذه الصاورة مان لفاظ العماوم ماع كثارة وقوعهاا ،ومان أقاوى
الوجوه في هذا فعل عائشة و لحاة والزبيار –مخطئاين -فاي قتاالهم لعلاي بان أباي
الب رضوان هللا عليهم جمي نعا ،وقد أخط وا في منهم أن عليًّاا فاي الفئاة الباغياة
ال فااي كااونهم رأوا قتااال الفئااة الباغيااة ،وقااد قاااتلوا الساالطان فااي خااروجهم ذلااك،
وكذلك فعل معاوية في قتاله لعلي ومان كاان ماع معاوياة مان الصاحابة رضاي هللا
عان الجميااع ،فها الء الصااحابة رأوا قتاال ولااي األمار لمااا مناوه هااو البااغي ،ولاام
الأ في حكم قتال ولي األمر الباغي ،وإنَّماا كاان الخاالأ فاي الحا ماع يُذكر اخت س
من هو؟ ،ولو كان مقاتلة ولي األمر ال تجوز ولو كان باغ نيا النتهى الخالأ باين
ي مصايبنا فيلازمهم النازول لحكماه ،وإ َّماا أن يكاون الصحابة بهذا :إ َّما أن يكون علا ا
مخطئنا فال يجوز لهم مقاتلته ،ولكنهم ما فهموا هذا مان ديان هللا ،وال نسابوه –فيماا
نعلم -إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
س
فحاديث صاحي س ، وأ َّما حاديث” :تسامع وتطياع وإن أخاذ مالاك وضارب مهارد“،
وليس فيه إالَّ أن السمع والطاعة لإلمام ال تسقط بجوره وملمه ،وإن بلغ ذلك أخاذ
أن المراد السمع والطاعة في أخاذه المال وضرب الظهر ،فإن كان المخال يفهم َّ
للما عل وضربه للظهر ،فنول ما يلزم على هذا أنَّه يجب عليه إن لب منه السلطان
أن علياه االمتثاال وجوبناا ،وأن يساعى بنفساه إلاى وجاورا َّ
ن ما لب من المال مل نماا
السلطان ويناوله ماله ،ألمر النبي صلى هللا عليه وسلم بالسمع والطاعة لإلمام في
هااذا األماار خاصااة ،وكااذا إن لبااه ليِااربه ،فلاايس لااه االمتناااع عنااه بشاايءٍ ،وال
الفرار منه أو التهرب عن اعته والخروج عن أمره باني ع ريا ٍ ،ويكاون واجبناا
عليه إعانة السلطان علاى ملماه لاه ،ويحارم علياه أن يفار وال يمكان السالطان مان
ماله أو مهره.
30 فقه الجهاد -الطويلعي
وقد ثب في صحي البخاري من حديث أنس بن مالكٍ في كتاب أبي بكر الصدي
رضي هللا عنه إلى عماله في الصدقات:
” بسم هللا الرحمن الرحيم ،هذه فريِة الصدقة ،التي فر رساول هللا صالى هللا
سثئلها مثن المسثلمينعليه وسلم على المسلمين ،والتي أمر هللا بها رساوله ،فمثن ُ
على وجهها فليُعطها ،ومن سئل فوقها فال يعط“.
أن المااراد فااي الحااديث الساامع والطاعااة فااي أن ينخااذ فااإن كااان المخااال ال ياارى َّ
السلطان ماله بغير وجه ح ،وأن يجلاد مهاره لغيار موجاب شارعي ،ولكان رأى
االأ لمااا أُماار بااه ماان اعتااه ،بخااالأ الفاارار منااهأن مجا َّارد مدافعااة الساالطان خا س َّ
أن السلطان ال يُدافَع عن شيءٍ من ال ُحرمات البتة ،ولو وتغييب المال عنه؛ فيلزمه َّ
أراد عر الرجل لم يكن له أن يدفعاه وال بياده ،بال ولاو أرادت المارأة الشاريفة
العفيفة أن تمتنع منه لم يكان لهاا ذلاك إال باالفرار ،ولايس لهاا أن تدفعاه بيادها ألنَّاه
ولاي أمار المسالمين ،وإذا التاازم هاذا فاي السالطان ،فلايُعلم أنَّاه لايس مخت ًّ
صاا بإمااام
ب
المسالمين ،والسالطان الاذي لايس فوقاه ساالطان لبشار ،بال هاو يشامل كال صاااح ع
اار ماان األُمااور ،باعتبااار نياااابتهم
ألمياار فااي أما ٍ
ٍ والياا ٍة علااى واليتااه ،وكااال وكياا ٍل
للسلطان ،وكون مقاتلة الواحد منهم كمقاتلاة السالطان الَّاذي أناباه ،فيحارم أن يادفع
الموما مااديرهُ ،والمارؤوس رئيسااه عاان عرضاه ،وال يجااوز لااه أن يزيااد عاان
نهيه بالكالم ،أو الفرار منه إن استطاع ،فإن لم يستطع الفرار ،لم يجز له أن يدفع
عن عرضه بيده ،وكذلك المومفة عند رئيسعها ،متى كان الرئيس والمارؤوس فاي
كل ذلك مومفنا حكوميًّا ،وإنَّما استطردتُ في هاذا الاالزم لبياان شاناعة هاذا القاول
الذي اجتمع أدلة الشرع والعقل والفطرة السوية في دفعه.
والقول الَّذي قُلناه هو ما د َّل عليه الكتاب فيما يُفهام مان آياة البغااةع ،وفاي عموماا ٍ
ت
كثيارةٍ ،وماا دلا عليااه السانة فاي الحاديث المتفا علياه” :وإن جلاد مهارد وأخاذ
الحديث عبد هللا بن عمرو بن العاص ،وهو راوي الحديثع ،وهاو َ مالك“ ،وبه فهم
المازي فاي ترجمتاه
ي ،بل من علماء الصحابة وكاان غزيار العلام كماا قاال ع صحاب ا
من تهذيب الكمال ،واشتهرت الواقعة ولم يُنكرها أحد مان الصاحابة وال التاابعين،
وفقهاء الصحابة يومئ ٍذ متوافرون.
فمن سنل عن سل ٍ في فهم الحاديث ،فحسابك بعباد هللا بان عمارو ومان وافقاه مان
عالم فحسبه عبد هللا بن عمرو
الصحابة والتابعين في ذلك العصر ،ومن سنل عن ٍ
ومن وافقه من العلماء في وقته.
وأ َّما من لم يُقاتل من األئ َّمة حين سيقوا إلى السجون ،فنحن ال نقول إ َّن االستئساار
للكااافر محاار سم فااي األص ا عل ،فِ االن عاان الحاااكم الجااائر وقتااذاد ،وإنَّمااا نقااول َّ
إن
س
جائز. ب ،وقتاله مشروعس االستسالم له غير واج ٍ
31 فقه الجهاد -الطويلعي
وهااذا فااي الساالطان المساالم ،أ َّمااا الطواغي ا ُ فبااابهم غياار هااذا ،وأماارهم مختل ا س ،
وقتالهم يدل عليه كال دليا ٍل ،وتشاهد باه كال بيناةٍ ،وماا ذكرنااه هناا لبياان حكام دفاع
الصااائل حااين يكااون ساالطاننا مساال نما ،يوحااد هللا ويحكاام شااريعته ،فكي ا بالصااائل
الكافر المرتد ردَّةن غليظة؟
نسااانل هللا أن ينصااارنا علاااى القاااوم الكاااافرين ،وأن يمكنناااا مااان رقااااب المرتااادين،
ويجعلنا ممن يرفع راية الدين ،وأن يختم لنا بالشاهادة فاي سابيله ابتغااء مرضااته،
مقبلين غير مدبرين.
وهللا أعلاام وصاالى هللا وساالم علااى عبااده ورسااوله محمااد ،وعلااى آلااه وصااحابته
أجمعين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه عبد هللا بن ناصر الرشيد صبيحة االثنين العشرين من ذي القعدة عام أربعة وعشرين وأربعمائة وأل ٍ .
32 فقه الجهاد -الطويلعي
فقااد ص ا عاان رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم قولااه” :إال أن تااروا كفا نارا بوا نحااا
عندكم من هللا فيه برهان“.
واتفق األمة على وجوب قتال الحاكم الكافر ،وشر النبي صالى هللا علياه وسالم
لقتالااه كمااا فااي الحااديث” :أن تااروا كفا نارا بوا نحااا عناادكم ماان هللا فيااه برهااان“ وهااذا
الشاار يتِاا َّمن جاازأين :أن يكااون الكفاار بوا نحااا ،وأن يكااون عناادنا ماان هللا فيااه
كفرا.
برهان ،والشر األول في فاعل المكفر ،والثاني في دليل كون الفعل ن
وقوله بوا نحا :يخرج الكفر الملتابس المشاكود فياه ،مثال ماا كاان مان جانس ”لحان
القول“ الذي كان النبي صلى هللا عليه وسلم يعرأ باه المناافقين ،إالَّ أ َّن االحتماال
البيناة علاى
يرد في المقال عة فتحتمل ما هو كفر وما لايس بكفار ،وال يمكان أن تقاوم ع
االحتمالين.
ع أحد
وقوله عندكم من هللا فياه برهاان ،أي دليا سل واضا س علاى َّ
أن هاذا الفعال مك عفار ،فاال
يُ خذ من دلي ٍل مشتبه الداللة ،أو ضعي ٍ كحديث” :إذا تبايعتم بالعينة“.
وعبر في بعف األحاديث بالصالة عن الادين فقاال :ماا أقااموا فايكم الصاالة ،كماا
يُعبَّر بالركوع عن الصالة ،وكما عبر بالصالة عن أصل الدين في قوله صلى هللا
ت قتله وقتل أصاحابه مان بعاده المصلين“ مع ثبو ع
ع عليه وسلم“ :إنعي نُهي ُ عن قت عل
ب آخر ارتدوا به. لجمع من المرتدعين الَّذين لم يتركوا الصالة لسب ٍ
ٍ
أن المااراد الصااالة حقيقااةن ،فااالعموم فااي تحااريم قتااال الحاااكم المقاايم
َّ ولااو فُاار
كفرا بوا نحا ولو لم يترد الصالة للصالة ،مخصوص بالكفر البواح فيُقاتل إذا كفر ن
لما مِى وما ينتي من أدلةٍ.
والح َّكام المرتدون الحاكمون لابالد المسالمين الياوم مشاروعس قتاالهم لمنا اا ٍ
ت عادةٍ
مجتمع ٍة فيهم ك ال منها كاأٍ في وجوب القتال:
موجاب للقتاال ،لقولاه َّ
عاز وجا َّلَ ( :ياا س فالمناط األول :كفرهم ،والكفر من حيث هو
ظ اةن) ،وقولااه: اار َوليَ عج ادُوا فعااي ُكم عغل َ أَي َهااا الَّ اذعينَ آ َمنُااوا قَاااتعلُوا الَّ اذعينَ يَلُااونَ ُكم عماانَ ال ُكفَّا ع
ل) ،وقولااه( :قَاااتعلُوا الَّااذعينَ ال ( َوقَاااتعلُوهُم َحتَّااى ال تَ ُكااونَ فعتنَااةس َويَ ُكااونَ ع
الاادينُ ُكلااهُ ع َّ ع
33 فقه الجهاد -الطويلعي
وهذا المنا يقتِي القتا عل ،ولكنَّه ال يقتِي كون قتال الح َّكام ال ع
مرتدين
المحاربين للمسلمين اليوم من جهاد الدفع ،وإنَّما االعتماد في ذلك على المنا ات
التالية.
وأما إذا كان المرتدون ائفةن لها منعةس فالحكم فيهم القتال كما فعل الصدي رضي
هللا عنه والصحابة معه ،وكما دلَّ عليه إشارة النبي صلى هللا عليه وسلم في
ب في يديه فنفخهما ي حين رأى سوارين من ذه ٍ الرؤيا التي أُريها ورؤياه وح س
َّين اللَّذين ارتدَّا في حياته :أبي األسود العنسي ومسيلمة
فنولهما بالمرتد ع
فطاراَّ ،
الكذاب ،فكان السواران هما المرتدان ،وكان نفخه لهما صلى هللا عليه وسلم قتال
الصدي لهما وإزالتهما به بعد أن مات النبي صلى هللا عليه وسلم.
وقتل المرتد وقتال الطائفة المرتدَّة حفظس إلحدى الِروريَّات الخمس ،بل
وأهمها :الدين ،والدفاع عن العقل والعر من جهاد الدفع الواجب ،أما
ع ألعظمها
ب من الدفاع عن النفس والمال فمشروعس ال يجب متى كان يدفع عن نفسه ،وواج س
أعظم الواجبات إن كان عدوان العدو يعم أموال المسلمين ونفوسهم.
ولهذا قدم الصدي قتال المرتدين لكونه من جهاد الدفع ،قال شي اإلسالم ابن
تيمية رحمه هللا" :والصدي رضي هللا عنه وسائر الصحابة بدؤوا بجهاد
المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب ،فإن جهاد ه الء حفظ لما فُت من بالد
المسلمين وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه ،وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين
وأهل الكتاب من زيادة إمهار الدين ،وحفظ رأس المال مقدم على الرب ".
المناط الثالث :كونهم ح َّكا نما على بالد المسلمين ،والكافر [أصليًّا كان أو مرتدًّا]
شبر من بالد المسلمين ،بل هو محت ال له معت ٍد علي عهال يجوز إقراره على حكم ٍ
بنصلين متف ٍ عليهما ال حاجة إلى اإل ال عة في تقريرهما:
ع معروأ
س وهذا
واألصال الثااني :أن حكام الكااافر ال يختلا بااختالأ جنساه وبلااده ،فاال فارق باين
الكااافر المحلااي والكااافر األجنبااي ،أو بااين العربااي واألعجمااي ،فااإذا حكاام الك اافر
الرومي بالد المسلمين واتف على أنه احتالل يجب القياام علياهَّ ،
فاإن حكام الكاافر
العربي مثله سوا نء ،وليس حكم األجنبي احتالالن لادى المسالمين َّ
ألن معقاد الماواالة
والمعاااداة والتفاضاال لاايس األجناااس واألعااراق ،باال المعقااد هااو الاادين واإلسااالم،
فاألجنبي أروماةن إذا كاان مسال نما كالمسالم غيار األجنبايع ،والعرباي أروماةن إذا كاان
كافرا كالكافر األجنبيع.
ن
وإذا علم هذا َّ
فإن قتال الكافر الحاكم لبلد المسلمين من جهاد الدفع في حاال الكاافر
المحلي ،كما هو في حال الكافر األجنبيع.
ع
المناط الرابع :عمالتهم للصليبيين واليهود والكفار األصليين ،فلو قُطع النظر عان
المتسلطين على بالد المسلمين اليوم ،فإنَّهم عمالء للصاليبيين واليهاود ع كفر الحكام
ونحوهم مان الكفاار األصاليين ،وهام يحكماون الابالد لهام بالوكالاة ،وحكام الوكيال
حكم األصيل ،كما أنَّه ال يُختل في قتال جنود الجايو الصاليبي إذا غازا بلادنا مان
بالد المسلمين ولو كان من المنتسبين إلى اإلسالم في األصل ،وال يُختل في قتال
قادة الجيو الصليبي الَّذين يِعهم الصليبيون المحتلاون مان أبنااء المسالمين ،وال
يُختل ا فااي قتااال ع َّمااال الصااليبيين الَّااذين يِااعونهم علااى الاابالد التااي يحتلونهااا
أن الخالأ ال يقع في جميع هذه الصور فإنَّه ال ينبغي أن يُختل في لحفظها ،كما َّ
العمالء الكبار الَّذين يستخلفهم الصاليبيون ليحكماوا باالد المسالمين ،فاالفرق بيانهم
وبين من سب ذكره إنَّما هو حجم الوالية المسندة إلي عهم ،ومقادار العمالاة المتح عققاة
فيهم.
وعمالااة الح َّكااام الموجااودين اليااوم متفرقااة ،وأكثاارهم عمااالء ألمريكااا :كحك اام مااا
يسمى بدول الخليج ومنهم حكام بالد الحرمين ،وكحكام اليمن ومصر وأفغانساتان
ومجلس الحكم االنتقالي في العراق وغيرهم.
وإذا خفاي كاونهم حااكمين للابالد نياباةن عان أمريكاا ،فلايس يخفاى أنَّهام تاابعون فاي
كلها للشرعية الدولية التاي هاي ديانُ األمام المتحادة الَّاذي تجتماعحكمهم وأحوالهم ع
أحكام يستحلون قتال من خرج عنها ،ويحرمون ماا ٍ عليه وتلتزم به ،وما يتبعه من
35 فقه الجهاد -الطويلعي
ال تاانذن بااه ولااو كااان أوجااب الواجبااات ،وال يحرمااون حرا نمااا بعااد أن تاانذن األماام
الملحدة فيه.
وال يخفى حالهم مع األمام الملحادة إال علاى مان ماس هللا بصايرته وأعماى قلباه،
فهم يعلنون بنلسنتهم وأفعالهم تبعيتهم والتزامهم الكامل بها وبما توجبه أو تحرمه،
قاارارا وال رأينااا وال اجتهااادنا ،باال حااالهم معهااا حااال الماا من
ن وال يقاادمون عليهااا
الصال مع كتاب هللا جل هللا وعال.
وال يخفااى حااال األماام الملحاادة وقوانينهااا وحكمهااا النافااذ فااي عبادهااا إالَّ علااى ماان
أغمف عينيه وسد بالكرس سمعيه ث َّم وثب على األحكام يُفتي ويجادل فيما ليس
له به عل سم ،ومن شبَّهها بالمعاهدات المشروعة فقد ضا َّل ضاالالن بعيادنا ،وهال يظان
وأن الحكام بغيار ماا أن المعاهدات تحل الحرام وتحارم الحاالل فيكاون ذلاك دينناا؟ َّ َّ
كفر مخارج مان الملَّاة يُبااح فاي العهاود أنزل هللا والتحاكم إلى الطاغوت الَّذي هو س
والعقود التي ينمر هللا َّ
عز وج َّل بالوفاء بها؟
غاية ما في العهود الشرعية ،أن يلتزم المسلمون ترد بعف ما أُذن لهام فاي فعلاه
وتركااه ،ويتركاااوا قتاااال المشاااركين مااادة محااادَّدة يكاااون تااارد القتاااال فيهاااا أصااال
جائز بمعاهدةٍ وبغير معاهدةٍ. س للمسلمين شر نعا بنظر ولي أمرهم المسلم وهذا
وهااذه المنا ااات األربعااة هااي منا ااات قتااال الحكااام المرتاادين المباادعلين للاادين،
والمنا ات الثالثة :الردة عن الدين ولو لم يكوناوا حكا نماا ،والتسالط –ماع كفارهم-
على بالد المسلمين ولو لم يكونوا مرتدين ،والعمالة للكفرة والصاليبيين ولاو قطاع
النظر عن كفرهم في أنفسهم ،كلها منا اتس موجبةس للجها عد جهاادَ ٍ
دفاع ،ومان تاو َّهم
أن قتال الحكام المرتدعين من جهاد الطلب فقد أبعد فاي الخطان ،ولام أجاد لمان ذكار َّ
هذا القول من االستدالل.
هذا وهللا أعلم ،وصلى هللا وسلم على عبده ورساوله محماد بان عباد هللا وعلاى آلاه
وصحابته أجمعين.
ناصر الرشيد صبيحة األربعاء ثالث أيام التشري عام أربع ٍة
ٍ وكتبه عبد هللا بن
وعشرينَ وأربعمائ ٍة وأل ٍ .
36 فقه الجهاد -الطويلعي
فإن من مقاصد الجهااد فاي سابيل هللا الادعوة ُ إلاى هللا ،وإدخاال النااس فاي ديان هللا
َّ
سبحانه ،وبذل الم منين نفوسهم في سبيل أن يدخل الناس اإلسالم.
وهذا الحكم المحكم الواض ،من وجاوب ابتاداء المشاركين بالقتاال ودعاوتهم إلاى
اإلسااالم ،ممااا أجمع ا عليااه األمااة دون مخااال ٍ يُعاارأ فااي القااديم ،وص ا َّح بااه
النصوص العامة كالنصاوص التاي قادمناها ،أماا النصاوص الخاصاة فاي القِاايا
الجزئية من غزوات النبي صلى هللا عليه وسلم وسراياه وبعوثه إلاى الابالد فانكثر
من أن تحصر ،وكذا ما بعده من جهااد الصاحابة والتاابعين وأماراء المسالمين فاي
القرون المفِلة ثم من بعدهم في األعصار المختلفاة ،دون أن يختلا فياه اثناان،
ومااا فتح ا المشااارق والمغااارب ،وال دخل ا العااراق ومصاار والشااام والمغاارب
وأكثر ما يسامى الياوم بقاارة أفريقياا واألنادلس وتركياا وباالد المشارق األدناى فاي
اإلسالم إال بالقتال والجهاد في سبيل هللا.
ولما انتشارت الهزيماة العقدياة فاي األعصاار المتانخرة ،نبتا نوابا أحادث فاي
الدين أقواالن كثيرة ،وأدخل فيه ما استطاع من دين النصارى وعقائادهم ،ومان
نظريات الغربيين الكفارة وأفكاارهم ،وكاان مماا أنكاروه مان الادين وتنصالوا مناه:
جهاد الطلب الذي يتِمن ابتداء الكفَّاار بالقتاال ،وأن تُشاهر سايوأ التوحياد علاى
أهاال التنديااد تاادعوهم إلااى الاادخول فااي دياان هللا عااز وجاال ،وتقااودهم إلااى الجنَّ اة
بالسالسل.
واألدلَّة من الكتاب والسنة على نقف ما زعموه أكثر من أن تحصر ،فقد قال عز
ل فَاإع عن انتَ َهاوا فَاإع َّن َّ َ
ه عب َماا وجلَ ( :وقَاتعلُوهُم َحتَّاى ال تَ ُكاونَ فعتنَاةس َويَ ُكاونَ ع
الادينُ ُكلاهُ ع َّ ع
ل فَاإع عن انتَ َهاوا ير) ،وقالَ ( :وقَاتعلُوهُم َحتَّى ال تَ ُكاونَ فعتنَاةس َويَ ُكاونَ ع
الادينُ ع َّ ع ص س يَع َملُونَ بَ ع
الظالعمعينَ ) والفتنة الشرد ،فنمر هللا عز وجل بقتال المشاركين عد َوانَ عإ َّال َعلَى َّفَال ُ
حتى يزول الشردُ وقوله " فتنة " نكرة في سياق نفاي فهاي عا َّماة ،وقولاه ويكاون
الدين هلل عا ام في الدين كله في التعبد والحكم ،وقد أكده في قوله :ويكون الدين كلاه
هلل ،قال شي اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا :فإذا كاان بعاف الادين هلل وبعِاه لغيار
هللا وجب القتال حتى يكون الدين كله هلل ،وقوله فإن انتهوا ،بين الغاية التي يستمر
القتال إليها ،وقوله :فال عدوان إال على الظالمين ،دال بمنطوق الحصر على قتال
أن رفاع القتاال ال يكاون إالَّ بارتفااع الظلام، الكفار ألنهم مالمون ،وبمفهومه علاى َّ
ق ال المفهوم علاى الصاحي ،وإنَّماا يسامى وداللة مفهوم الحصر من داللة المنطو ع
37 فقه الجهاد -الطويلعي
مفهو نما ألنَّه مفهوم اإلثبات في جملة الحصر ،وإن كان منطوقنا للنفي في الجملاة
المجرد الجتماع الداللتين فيه ومن هذا الوجه كان
َّ ق
نفسعها ،فهو أقوى من المنطو ع
الحصر من أساليب التوكيد.
سالَ َ األَشا ُه ُر ال ُح ُار ُم فَااقتُلُوا ال ُمش عاركعينَ َحي ُ
اث َو َجاادت ُ ُموهُم وقاال عاز وجال( :فَاإعذَا ان َ
صا ٍد فَاإعن تَاابُوا َوأَقَااا ُموا ال َّ
صاالةَ َوآتَا ُاوا ص ُاروهُم َواقعُادُوا لَ ُهام ُكا َّل َمر َ َو ُخاذُوهُم َواح ُ
اور َر عحااي سم) فاانمر بقتااال المشااركين حيااث وجاادوا، ه َغفُا س س ابعيلَ ُهم إع َّن َّ َ َّ
الز َكاااةَ فَخَلااوا َ
وأخاااذهم وحصااارهم والقعاااود لهااام بكااال مرصاااد ،فهاااو عاااام فاااي جمياااع األحاااوال
واألوقات واألماكن ،ثم قال :فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سابيلهم،
فنمر بترد القتال عندئ ٍذ.
ال َوال بعاليَو عم ا عخ عار َوال يُ َح عر ُماونَوقال سبحانه وتعالى( :قَاتعلُوا الَّذعينَ ال يُ عمنُونَ بع َّ ع
طاوا ااب َحتَّاى يُع ُساولُهُ َوال َيادعينُونَ دعيانَ ال َحا ع معانَ الَّاذعينَ أُوتُاوا ال عكتَ َ َما َح َّر َم َّ
هُ َو َر ُ
صا عغ ُرونَ ) واالسم الموصول في قولاه :الاذين ال ي مناون مان ال عجزيَةَ َعن يَ ٍد َوهُم َ
صيغ العموم ،وذكره ألهال الكتااب يادخل فياه مان بااب األولاى كال كاافر ،وجعال
الغاية في هذه ا ية إعطاء الجزي عة وفي السابقة االنتهااء ،فصا َّ رفاع القتاال عانهم
باني ٍ ماان الغااايتين ألن الغايااة مطلقااة ال تعاام ،وهااذا هااو الحكاام فااي كاال حكا ٍم يُغيَّ اى
أن الغاياة فاي ا يتاين الساابقتين لهاذه ا ياة بغايتين كعدة الحامل ونحاو ذلاك ،علاى َّ
ألن انتهاااءهم عاان كفاارهم يُوجااب رفااع حكاام القتااال بارتفاااع داخلاةس فااي هااذه ا يااة َّ
غيَّي الحكم بذلك. عل به القتال هنا فهو كما لو ُ الوص الذي ع
ار َوال ُم َنافعقعينَ ) ،وقال( :يَا أَي َها الَّذعينَ آ َمنُاواوقال عز وجل( :يَا أَي َها النَّبعي َجا عه عد ال ُكفَّ َ
ظةن َواعلَ ُموا أَ َّن َّ َ
ه َم َع ال ُمتَّقعينَ ) فعا َّم قَاتعلُوا الَّذعينَ َيلُونَ ُكم عمنَ ال ُكفَّ ع
ار َول َي عجدُوا فعي ُكم عغل َ
باااألمر كاال ماان يلينااا ماان الكفَّااار ،وعلا الحكاام بكفاارهم فيُقاااتَلون مااا دام الوصا
قوم يلونهم من الكفَّار إالَّ كان يليهم قو سم آخرون من قائ نما ،وال يفرغ المسلمون من ٍ
الكفَّار فيُقاتَلون.
ستُد َعونَ عإلَى قَو ٍم أُو علاي بَان ٍس شَادعي ٍد تُقَااتعلُونَ ُهم أَو وقال( :قُل علل ُمخَلَّفعينَ عمنَ األَع َرا ع
ب َ
يُسا عل ُمونَ ) فلاام يجعاال باادالن لقتااال ها الء القااوم أولااي الباانس الشااديد إالَّ أن يُس الموا،
شره.بخالأ المعتدي فبد ُل قتاله أن يك َّ هللا بنسه وينمن المسلمون َّ
ومن السنة قول النباي صالى هللا علياه وسالم فيماا أخارج الشايخان مان حاديث ابان
عمر وغيره من الصحابة” :أُمرتُ أن أُقاتال النااس حتاى يشاهدوا أن ال إلاه إال هللا
فاإذا قاالوا ذلاك فقاد عصاموا مناي دمااءهم وأماوالهم“ الحاديث وفياه األمار بمقاتلاة
الناس عامة دون تخصيص وجعل غاية ذلك أن يدخلوا اإلساالم ،ومفهاوم الشار
38 فقه الجهاد -الطويلعي
في قوله :فاإذا قاالوا ذلاك فقاد عصاموا مناي دمااءهم وأماوالهمَّ ،
أن مان لام يقلهاا لام
يُعصم دَ ُمه ومالُه ،وقوله كما في حاديث بريادة عناد مسالم” :امِاوا فاي سابيل هللا
عدود من المشاركين فاادعهم َّ قاتلوا من كفر باهلل“ الحديث وفيه قوله” :وإذا لقي
إلى ثال خصا ٍل فنيتهن ما أجابود فاقبل مانهم وكا عانهم ،ادعهام إلاى اإلساالم
فإن أجابود فاقبل منهم وك عنهم“ ،وقوله كماا فاي المساند وسانن أباي داود مان
حديث ابن عمر بسن ٍد جيدٍ” :بُعث بالسي بين يدي الساعة حتى يُعبد هللا وحده ال
شريك له“ ،وفي صحي البخاري من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه” :عجب
قوم يدخلون الجنَّة في السالسل“ ،وغير ذلك من األحاديث. هللا من ٍ
وهذه المسنلة محل إجماعٍ متيق ٍن من أهل العلم ،حكاه بعِهم صري نحا ،ود َّل علياه
التااواتر العملااي الااذي ثبت ا بمثلااه شااعائر الاادين المعلومااة منااه بالِاارورة ،ماان
غزوات النباي صالى هللا علياه وسالم وبعوثاه وساراياه ،وجهااد أصاحابه مان بعاده
نكير بل ودون س ا ٍل أو وجو عد مخال ٍ في ذلك. فمن بعدهم من أهل اإلسالم دون ٍ
وقااد كتااب فااي هااذه المساانلة بعااف أهاال العلاام بعااد أن حااد هااذا القااول البدع اةُ،
ومهرت رسالةس منحولةس لشي اإلسالم ابن تيمية مكذوبة عليه ،فانتدب جماعةس مان
أهل للعلم للرد عليها ،منهم سليمان بن سحمان في رسالة ،وسليمان بن حمدان في
رسالة سماها ”داللة النصوص واإلجماع على فرض الجهاد للكفر والدفاع“ وقد
ُبع قادي نما بمكاة ،ورساالةس لصاال بان أحماد المصاوعي ،ورساالة ألباي األعلاى
المودودي ،ورد على هذا القول غيرهم من أهل العلم ردودنا متفرقة.
وسنُجمل في المقال القادم بإذن هللا الجواب عن أصول الشبهات التي أُوردت على
جهاد الطلب وخاصة ما استند إلى فهم غلطٍ لادلَّ عة الشرعية ،وهللا أعلم ،وصلى
بإحسان إلى يوم الدين.
ٍ هللا على محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ،ومن تبعهم
39 فقه الجهاد -الطويلعي
فقد اتفق األ َّمة كما تقدَّم على جهاد الطلب لدعوة الكفَّاار إلاى ديان اإلساالم ،وفهام
بعِهم من اختالأ الفقهاء في علة الجهاد هل هو الكفار أم المحارباة َّ
أن المسانلة
ط شني سع.خالفية ،وهذا غل س
والكفار باالتفاق إما محاربون يجوز قتالهم ،وإما معاهادون ال يجاوز قتاالهم ،فمان
إن علة القتال الكفر احترز من أن يشمل القتال المعاهدَ بنن جعل العهد مان نعا، قال َّ
ي عان ومن قال َّ
إن علاة القتاال المحارباة قصاد الوصا الاذي يمياز الكاافر الحربا َّ
الكافر المعاهد ،ال نفس فعل المحاربة.
أن نصوص القتال على مراحل ثال ٍ :مرحل ٍة أُمر فيها بالك ع عن األصل الثانيَّ :
قتال الكفَّار مطلقنا ،ومرحل ٍة أُمر فيها بقتال من قاتلنا مان الكفَّاار ،والمرحلاة الثالثاة
أُمر فيها بقتال الكفَّار كافَّة حتى يُسلموا ،ونساخ آياة الساي وماا فاي معناهاا مان
جرير رحماه ٍ النصوص كل آي ٍة تنمر بالك ع قبلها ،وهذا مجم سع عليه كما حكى ابن
هللا تعالى في تفسيره عند قوله تعالى( :قُل عللَّذعينَ آ َمنُوا يَغ عف ُروا عللَّذعينَ ال يَر ُجونَ أَي َ
َّام
ه) والمرحليَّة في نصوص الجهاد ثابتةس بقوله تعالى( :أَلَم تَ َار عإلَاى الَّاذعينَ قعيا َل لَ ُهام َّ ع
ب َعلَاي عه ُم ال عقتَاا ُل إعذَا فَ عريا س عمان ُهم
الز َكااةَ فَلَ َّماا ُكتعا َ
صاالةَ َوآتُاوا َّ ُكفوا أَيا عديَ ُكم َوأَقعي ُماوا ال َّ
شدَّ خَش َيةن َوقَالُوا َربَّنَا عل َم َكتَب َ َعلَينَا ال عقتَا َل) فكال آيا ٍة ه أَو أَ َ اس َكخَش َي عة َّ ع َيخشَونَ النَّ َ
نص فيه أمر صري بالك ع عن الكفَّار كقولاه تعاالى( :قُال عللَّا عذينَ آ َمنُاوا يَغ عف ُاروا أو ٍ
س الَ َ
ه) منسااو س بآيااة السااي وهااي قول اه تعااالى( :فَ اإعذَا ان َ عللَّ اذعينَ ال يَر ُجااونَ أَيَّا َ
اام َّ ع
ص ُاروهُم َواقعُادُوا ث َو َجادت ُ ُموهُم َو ُخاذُوهُم َواح ُ األَش ُه ُر ال ُح ُر ُم فَاقتُلُوا ال ُمش عركعينَ َحي ُ
اور ه َغفُ س سابعيلَ ُهم إع َّن َّ َ صالةَ َوآتَ ُوا َّ
الز َكااةَ فَخَلاوا َ ص ٍد فَإعن تَابُوا َوأَقَا ُموا ال َّ لَ ُهم ُك َّل َمر َ
َر عحي سم) ،وما في معناها من النصوص ا مرة بقتال الكفَّار حتَّى يُسلموا.
أن مشاارع الشااريعة هااو مقا عادر القَادَر ساابحانه وتعااالى ،فاال يُحااتج
األصاال الثالااثَّ :
بالقدر على الشرعع ،والرحمةُ التي بعث هللا بهاا نبيَّاه محمادنا صالى هللا علياه وسالم
تشمل القتال وقتل الكافرين ،كما تشمل الدعوة إلاى اإلساالم والتلطا فياه ،ولايس
عز وج َّل قال لنبيه صلى هللا علياه وسالمَ ( :و َماا أَر َ
سالنَادَ هذا بمعار ٍ لهذا ،وهللا َّ
إع َّال َرح َمةن عللعَالَمعينَ ) ،ونبياه صالى هللا علياه وسالم قاال أل َّمتاه” :بُعثا بالساي باين
يدي الساعة حتَّى يُعبد هللا وحده ال شريك لاه“ ،والرحماةُ حا ا والساي حا ا ،فاال
يص االعتارا علاى هاذا الحكام الشارعي ع بماا يعتار باه بعاف مان يتسامون
أن مان المشاركين مان بالدعاة اليوم على القتال إلدخال الناس في اإلساالم ،بحجاة َّ
يُقتل على الكفر فيكون القتل تعجيالن به إلى نار جهنَّم.
إن الذي أمر بقاتلهم هاو الاذي خلقهام وعلام ماآلهم وحاالهم ،وهاو الَّاذي فيُقال أوالنَّ :
شرع الدين وأمر بالدعوة إلياه ،وماا يُقتال مان يُقتال مانهم إالَّ بعلماه وإذناه ،فيتعاين
التسليم له سبحانه ،وقد خل النار وخل لها أهالن ،وخل الجنَّة وخل لها أهالن.
فاوس
إن قتل ه الء من أعظم رحمة هللا بخلقه ،فقتلهم يعجال بإساالم ن ٍ ويُقال ثانيناَّ :
أن قاتلهم رحماةس الناار ،كماا َّ
ع كثيرةٍ إذا فُتح البالد ،ويعجل بإنقاذ تلك النفاوس مان
عز وج َّل الذي خلقهم وهاو أعلام بهام، لهم لئالَّ يزدادوا إث نما فهو رحمةس لهم من هللا َّ
عز وج َّل فيماا شارعه مان قتال الكفَّاار ماا علمناا
بله الحكم العظيمة التي قدَّرها هللا َّ
منها وما لم نعلم.
41 فقه الجهاد -الطويلعي
عز وج َّل والقت ُل بغير إذناه، أن العدوان هو الخروج عن شرع هللا َّ األصل الرابعَّ :
فعاد موساى علياه الساالم قتلااه الانفس القبطياة إث نماا حا ا ألنَّااه لام يكان منذونناا لاه أن
يقتلها ،وكذا الحكم في صدر اإلسالم حين نهى هللا عز وجال عبااده الما منين عان
س
عدوان. خروج عن أمر هللا وحكمه ٍ قتال الكفَّار ،فكل
ه الَّذعينَ يُقَاتعلُونَ ُكم َوال تَعتَدُوا) ،فهو أمر ويُفهم بهذا قوله تعالىَ ( :و َقاتعلُوا فعي َ
س عبي عل َّ ع
من هللا عز وجل بقتال من أذن بقتالهم وهم المعتدون ،ونهي عن العادوان بعموماه
وهو قتل من حرم هللا قتله ،وقتال غيار المعتادين مان العادوان حاين نهاى هللا عناه،
ومن إقامة شرع هللا حين أمر هللا به ،وفي ا ية قول آخر رجحه ابان جريار وهاو
قول ابن عباس وعمر بان عباد العزياز ،أن الماراد بقتاال الاذين يُقاتلونناا مان شاننه
القتال ال من يُقاتل بالفعل ،فالفعل المِارع فاي ا ياة الماراد باه الوصا ال نفاس
الفعل ،كما تقول عن المسالمين :هام الاذين يصالون الصالوات الخماس ،وال تقصاد
أنَّهم يصلون وق الكالم وإنَّما تقصد وصفهم بذلك ،فيكون المراد على هذا القول:
المقاتلة وهم الرجال البالغون القادرون على القتال ،والنهي عن العدوان نهي عان
قتل غير المقاتلة من النساء واأل فال ونحوهم.
ه ذا وهللا أعلم ،وصلى هللا وسالم علاى عباده ورساوله محماد وعلاى آلاه وصاحابته
أجمعين.
وكتبه عبد هللا بن ناصر الرشيد يوم السادس والعشرين من شهر هللا المحرم عام
خمسة وعشرين وأربعمائة وأل .
42 فقه الجهاد -الطويلعي
فااإن أحكاااام الكاااافر تنقسااام قسااامين باعتباااار قياااام حجاااة هللا علياااه وبلاااوغ الرساااالة
المحمدية إليه:
القسثثم األول :مااا يثباا للكااافر بمجاارد كفااره كتحااريم نكاحااه المساالمة ،وتحااريم
الصالة والترحم عليه ودفنه في مقابر المسلمين.
دمااه ومالااه
القسثثم الثثثاني :مااا يتوقا ثبوتااه علااى بلااوغ الاادعوة إليااه ،وهااو إباحااة ع
وابتدائه بالقتال وغيرها من أحكام الدنيا ،والشهادة عليه بالخلود في النار وتعذيباه
من أحكام ا خرة على أحد القولين في المسنلة.
ومن أحكام القسم الثاني جهاد الطلب الذي يُبتدأ فيه الكافر بالقتال سواء لدعوته أو
لغيره من المقاصد التي سيُذكر بعِها في المقال القادم بإذن هللا.
أوالها :من لم تبلغه الدعوة من الرجال والنسااء والذرياة ،فها الء يحارم ابتاداؤهم
بالعدوان على دمائهم وأموالهم وأنفُسعهم ،وال يجوز شيء من ذلك إالَّ بعد الدعوة،
قال ابن رشدٍ” :وذلك شيء مجمع عليه بين المسلمين“.
وإذا دُعوا فلم يستجيبوا كانوا من القسمين التاليين ،إالَّ أ َّنه ال يجوز التعر إليهم
إالَّ بنن يكونوا في منمنهم كنهال الحصاون والقاالع ،أو ياردوا إلاى مانمنهم ،كشانن
المستنمن ليسمع كالم هللا ،ألنَّاه كاان محر نماا دماه آمنناا بالشارع قبال أن يُادعى فاإذا
دُعي ولم يستجب لم يزل عنه األمان والتحريم الشرعي إالَّ بنن يصل إلى منمنه.
وثانيتها :من بلغته الدعوة من ال ُمقاتلة -وهم ُكل من يُقاتعل مثلُه -فه الء يُقاتلون،
ويجوز فيهم القتل واالسترقاق ،وأموالهم غنيمة للمسلمين.
وثالثتُها :من بلغته الدعوة من الذرية ،فه الء يحرم إفرادهم بالقت عل ،ويجاوز فايهم
االسترقاق ،وأموالهم غنيمةس للمسلمين.
43 فقه الجهاد -الطويلعي
والقاعاادة الشاارعية المحكمااة المطااردة فااي معاملااة الطوائ ا أنَّهااا تعاماال معاملااة
الرجل الواحد فيما يثب له ويجب فيه ،كما ذكر شاي اإلساالم ابان تيمياة وغياره،
وأدلة المسنلة مبسو ة في غير هذا الموضع.
ومن فروع هذه القاعدة دعوة الكفَّار قبال القتاال ،فقاد تاو َّهم قاو سم َّ
أن الماراد بهاا أن
وأن المراد بها أن يصلهم الدين ودعاته وأن كل فر ٍد من الكفَّارَّ ،
تصل الدعوة إلى ع
يسمعوا حججه ويفهموا أدلَّته ،وهذا ما لم يقل به أحدس من أهل العلم وال ذهاب إلياه
من المسلمين األُول أحد ،وال فعله النبي صالى هللا علياه وسالم وال صاحابته وأحاد
من التابعين ومن تبعهم في كل العصور التي كان فيها جهاد الطلب.
قال أحمد كان النبي يدعو إلى اإلسالم قبل أن يحارب حتى أمهر هللا الادين وعاال
اإلساالم ,وال أعارأ اليااوم أحادنا يُادعى ،قاد بلغا الاادعوة كال أحاد ،والاروم قاد
بلغتهم الدعوة ,وعلموا ما يراد منهم.
فالمقصود من الدعوة أن يسامعوا باإلساالم والنباي صالى هللا علياه وسالم كماا قاال
صلوات هللا وسالمه عليه” :والَّذي نفسي بيده ال يسمع بي يهثودي وال نصثراني
ثم ال يُ من بي إالَّ دخل النار“.
وأما وصية النبي صلى هللا عليه وسلم أمراءه الذين يرسلهم في البعاو والسارايا
باادعوة الكفَّااار قباال قتااالهم ،فقااد عارضااها إغارتااه صاالى هللا عليااه وساالم علااى بنااي
المصطل وهم غارون وما في معناه مما جاء في اإلغارة ،وجماع كثيار مان أهال
العلم بننَّها كان في َّأول األمر قبل انتشار أمر اإلساالم ،وفاي هاذا المحمال نظار،
واألوجه حمل األمر فيها على الندب فهي من الدعوة المستحبة ال الواجبة.
والدعوة المستحبَّة ال حدَّ لها فكل ما زاد عن الواجبة داخل في الادعوة المساتحبة،
أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة وابن مسعود عن رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم” :إنَّه ال أحد أحب إليه العذر من هللا من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسال
الرسل" وفي لفظٍ " :من أجل ذلك بعث هللا المرسالين مبشارين ومناذرين“ فكال ماا
44 فقه الجهاد -الطويلعي
كاااان زياااادةن فاااي اإلعاااذار فهاااو مشاااروع دون أن يترتاااب علياااه تااارد لشااايء مااان
الواجبات ،إذ ال يُقدَّم المستحب على الواجب.
وإذا كان هذا في الدعوة التي تجب قبل القتال ،فإنَّه كذلك في االستجابة التي يُرفع
إن القتال يسقط اليوم بوجاود أفارا ٍد يادعون أفارادنا فاي ب ٍ
حاور بها السي ،فال يُقال َّ
من أمم الشارد والكفار كماا يقاول مان ال يفقاه ديان هللا َّ
عاز وجا َّل ،وماا كاان النباي
صلى هللا عليه وسلم وأصحابه يستمهلون بالادعوة بال كانا سانة النباي صالى هللا
العدو ثالثنا لينظروا في أمرهم.
َّ عليه وسلم أن يمهل
وارتفاع السي عن الكفَّار في جهاد الطلب يكون م قتناا بالهدناة ،ودائ نماا باإلساالم
أن الم قا يكاون بإبقااء الكفاار ودولاتهم وحكمهام ،أ َّماا أو الجزي عة ،والفرق بينهما َّ
الدائم فال يكون إالَّ بإزالة األحكام الكافرة والحكومات الكفريَّة ،لذا اشتر الفقهااء
فيه” :باذل الجزياة والتازام أحكاام الملاة“ ،واإلتااوة التاي ت ُ خاذ مان الكفَّاار صال نحا
س عامي بااذلك فعلااىيتِا َّمن إبقاااء حكمهام الكفااري م قتنااا ليسا هااي الجزيااة ،وإن ُ
التجوز دون أن تكون مثلها في األحكام ،ومن هنا تعلم خطن بعف الفِاالء حاين
أن تحرير موسكو من جهاد الدفع ألنَّها كان تدفع الجزية للمسلمين ،فإنَّها لم ذكر َّ
تحكم باإلسالم قط وإنَّما صول أهلها على بقاء حكمهم والعدول عنهم مدة يدفعون
فيها تلك اإلتاوة.
هذا وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته
أجمعين.
45 فقه الجهاد -الطويلعي
فماان المسااائل المتعلقااة بالجهاااد التااي تاارد فااي أحوالااه ومقاصااده المختلفااة ،مسااائل
االسااتئذان ،وجملااة ماان يُشاارع اسااتئذانهم فااي الجهاااد :الوالاادان ،والاازوج للم ارأة،
والدائن للمدين ،واألمير لرعيته ،وسنبدأ الحديث عن مسنلة استئذان األمير.
ويفرق في هذه المسنلة وفي جميع مسائل االستئذان بين مسنلتي :وجوب اساتئذان
األمياار ،ووجااوب االمتناااع بمنعااه ،فاااألولى وجوديااة تجعاال إذن األمياار شاار نا،
والثانية عدميَّة ال تجعله كذلك وإنَّما تجعل منعه مان نعا ،إالَّ أنَّا سنتجوز في التفريا
بينهما ونعدهما صورة واحدة.
بانمير لهام
ٍ مكاان ال يُنكار ،وال يصال أمار المسالمين إالَّ
س ولولي األمر في الشريع عة
منهم ،و اعته واجبةس فاي حادو عد واليتاه ماا لام يانمر بمعصايةٍ ،والجهااد مان أماور
ويجاب ااعتهم
ُ النظار فيهاا،
ُ األ َّمة العا َّم عة التي يسوسها والة ُ األُمور ويرجع إلايهم
في شئونها ما لم ين ُمروا بمعصيةٍ.
واجاب إن كانا الفريِاةُ مماا س أن االستئذان في فرو األعياان ومنهم من زعم َّ
تفعاال جماع اةن ،بخااالأ مااا يفعلااه المساالم وحااده ،وهااذا با ا سل باالتفاااق ،فا َّ
اإن ماان
األعيان التي تفعل جماعة :الصلوات الخمس ،وفي األدلَّة ا تي ذكرهاا فرو
ما ينقف هذا القول.
أ،
والصااورتان السااابقتان ممااا يتعااين فيااه الجهاااد ال ينبغااي أن يكااون فيهمااا خااال س
وليس لهما اختصاص بالجهاد فهما في كل من له والية :ال يُطاع إذا أمر بمعصية
هللا ،وال يُطاع في تعطيل فرائف هللا ،وال يُنزل إلى اجتهاده فيما هو متَّه سم فيه.
واجب في الخاروج إلاى الجهااد،س فإن استئذان األمير وفيما عدا هاتين الصورتينَّ ،
وفي مفارقته بعد الخروج ،فإذا منعه األمير من الجهاد الذي لم يتعيَّن عليه ،وجب
عليه االمتناع ،وإذا خرج ماع األميار فاي جهااد وأراد أن ياذهب أو يخارج لحاجاة
ولاو يسايرةٍ كاالحتطااب ونحااوه لام يجاز لاه أن يااذهب حتاى يساتنذنه لقولاه تعااالى:
( َو عإذَا َكانُوا َم َعهُ َعلَى أَم ٍر َج ع
ام ٍع لَم يَذ َهبُوا َحتَّى يَستَن عذنُوهُ) وكذلك االساتئذان لتارد
فر الكفاية.
أمااا االسااتئذان لتاارد فاار العااين فهااو ماان أمااارات النفاااق ،وهااو علااى األرج ا
اال َوال َيااو عم ا عخا عار أَن يُ َجا عه ادُوا
المااراد بقولااه تعااالى( :ال َيس اتَن عذنُكَ الَّ اذعينَ يُ عمنُااونَ عبا َّ ع
هُ َع علي سم بعال ُمتَّقعينَ * إعنَّ َما يَساتَن عذنُكَ الَّاذعينَ ال يُ عمنُاونَ بع َّ ع
اال َواليَاو عم بعنَم َوا عل عهم َوأَنفُ عس عهم َو َّ
ا عخ عر َوارتَا َب قُلُوبُ ُهم فَ ُهم عفي َري عب عهم َيتَ َردَّدُونَ ) فاال يكاون منساو نخا ،وال تعاار
بينه وبين ا ية األخرى ،قاال القر باي﴿” :ال يَساتَن عذنُكَ الَّاذعينَ يُ عمنُاونَ عب َّ ع
اال َواليَاو عم
ا عخ عر﴾ أي في القعود وال في الخروج ،بل إذا أمرت بشيءٍ ابتدروه“ ،وص عان
ابن عباس أن الماراد بهاذه ا ياة مان يساتنذن باال عاذر ،ومعلاوم أن االساتئذان باال
ضاا ضا ،وفار الكفاياة ال يكاون فر ن عذر ال يكون ذنبنا إالَّ عندما يكون الجهاد فر ن
على آحاد الناس فال يكون االستئذان بال عذر منهم ذن نبا ،وفار العاين فاي سابب
النزول كان باستنفار اإلمام في غزوة تباود ماع أنهاا كانا مان جهااد الطلاب كماا
ذكر شي اإلسالم ابن تيمية فقاال” :فهاذا دفاع عان الادين والحرماة واألنفاس وهاو
قتاال اضااطرار ،وذلاك قتااال اختيااار للزياادة فااي الاادين وإعالئاه ،وإلرهاااب العادو
اذرا
كغاازاة تبااود ونحوهااا“ ،ولإلمااام إذا اسااتنفر العمااوم أن يعااذر م ان ياارى لااه عا ن
فيستثنيه من استنفاره وإن لم يكن من أصحاب األعذار الذين عذرهم هللا عز وجل
باالقرآن ،وذلااك أن عاذره لااه إنَّماا هااو اساتثناء ماان عماوم اسااتنفاره للمسالمين ،فااال
يكون داخالن في نداء النفير الذي تعيَّن به الجهاد ،وهللا أعلم.
وعلى هاذا التفساير لةياة فهاي دليا سل علاى عادم وجاوب االساتئذان للجهااد إذا كاان
عين ،على التقديرين في المحذوأ قبل أن ،فإن قُدعر المحذوأ :ال يستنذنك ٍ فر
الذين ي منون باهلل واليوم ا خر في أن يجاهدوا كان المعناى اساتئذان مان يساتنذن
ليُجاهد لما في هذا من التثاقل عن الجهاد ولما فيه من نيته ترد الجهاد إن ُمنع منه
صااة ألن النبااي صاالى هللا عليااه
وإن كاان هااذا ال يقااع فااي صااورة ساابب الناازول خا َّ
47 فقه الجهاد -الطويلعي
اعتاه بخاالأ األماراء ،فيكاون الاذم ألجال ماا فياه مان وسلم إن منع مناه وجبا
التثاقال فااي زماان النبااي صاالى هللا عليااه وساالم ،ولاماارين معنااا فااي حا ع ماان بعااده،
ويكاون مان يساتنذن ليتاارد الجهااد أولاى بالاذم واإلثاام ألن المساتنذن ليفعال أفِاال
ممن يستنذن ليتارد ،وإن قُادعر المحاذوأ :كراهاة أن يجاهادوا ،أو بتقادير ال نافيا ٍة
سا َلِلوا) وقولاه( :أَن تُب َ هُ لَ ُكم أَن تَ عبعد أن ،فيجري على مثل قوله تعالى( :يُبَيعنُ َّ
س َب ) وقوله( :أَن تَقُولُوا َيو َم ال عق َيا َم عة عإنَّا ُكنَّا َعن َهذَا غَافعلعينَ ) وقوله( :أَن
س عب َما َك َنَف س
ه) وهاو وجاه معاروأ كثيار فاي ب َّ ع س يَا َحس َرتَى َعلَى َما فَ َّر ُ فعي َجن ع تَقُو َل نَف س
نص في المستنذن ليتارد الجهاادَ ،والتقادير القرآن وفي كالم العرب؛ فا ية حينئ ٍذ ا
الثااني أرجا وأمهار وهللا أعلام ،وهاو الظااهر مان ا ثاار فاي تفساير ا ياة ،ومان
سبب النزول حيث نزل في المنافقين وهم يستنذنون كراهة أن يُجاهدوا.
والمراد على التقادير الثااني :اساتئذان مان يساتنذن ليتارد الجهااد بعاد أن أ ُمار باه،
وعلى التقدير األول :استئذان من يستنذن ليذهب إلى الجهااد ،ويكاون عا ًّماا مارادنا
خصوص الجهاد المتعيعن.
ُ به
متعين،
وكال التقديرين يتِ َّمن إبطال قول من يوجب استئذان اإلمام في الجهاد ال ع
ألن االستئذان في حقيقته يعني لب اإلذن ،وهذا يتِ َّمن تعلي الفعل على َّ
مجرد االستئذان معصية بقطع النظر
َّ اإلذن ،فإن أذن اإلمام ذهب وإالَّ فال ،فيكون
عن مراد ال ُمستنذعن بعد أن علمنا أنَّه سيمتنع إن منعه األمير ،ويطيعه في معصية
هللا وترد ما أوجب هللا.
بسماعه من عقبة بن مالك في حديث آخر ،وقال البخاري في ترجمة بشر بن
عاصم :سمع عقبة بن مالك الليثي سمع منه حميد بن هالل ،وقد وث النسائي
عاصم هذا ،وأما قول الحافظ في التهذيب :لم ينسبه النسائي إذ ٍ وابن حبان بشر بن
وثقه وزعم القطان أن مراده بذلك الثقفي وأن الليثي مجهول الحال ،فال تص
دعوى القطان والقطان كثير التجهيل للرواة المعروفين ،وأما أن النسائي لم ينسبه
فقد نسبه النسائي بقوله :وهو أخو نصر بن عاصم ونصر بن عاصم المشهور هو
الليثي الذي قيل إنه أول من وضع علم العربية ،وعن بشر بن عاصم ونصر بن
عاصم روى ُحميد بن هالل العدوي ،فظاهر أن قوله أخو نصر بن عاصم يُراد
به نصر بن عاصم هذا ،فثب أن الذي وثقه النسائي هو الليثي ،وهو المراد بقوله
أخو نصر بن عاصم ،أما الثقفي فقد نسبه البخاري فقال :أخو عمرو ،وتوثي
المقل
ع جار على عادتهما من توثي التابعي النسائي وابن حبان لبشر بن عاصم ٍ
الذي يروي عنه ثقة وال ينتي بما يُنكر ،وهو مذهب صحي س ،وقد روى الشيخان
عن جماع ٍة ممن هذه صفت ُ ُهم ،وهللا أعلم.
ومما وقع التنازع في معناه من كالم أهل العلم كلمة عبد الرحمن بن حسن
بن محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا تعالى إذ قال” :وال يكون
اإلمام إماما ن إال بالجهاد ،ال أنَّه ال يكون جهاد إال بإمام ،والح عكس ما
أن اإلمامة ال بدَّ فيها من الجهاد ال العكس ،وماهر كالمه َّ
أن قلته يا رجل“ فبيَّن َّ
اإلمام ال تص إمامته بال جهاد ،فكي يُستنذن في الجهاد من لوال الجهاد ما كان
مفتقر إلى الجهاد ال العكس ،وأقل ما تحتمله عبارته سقو
س له والية؟ فاإلمام
استئذانه في بعف صور الجهاد ،والش الثاني من العبارة في قوله :ال أنَّه ال
يكون جهاد إال بإمام يرد به على من يشتر وجود اإلمام للجهاد ،وإذا لم يُشتر
وجوده لم يُشتر إذنه ،وهذا يجري على قول الفقهاء في كثير من المسائل ”لم
يُشتر وجوده فال يُشتر إذنه“ ،وفي هذا نظر من وجهين:
الوجه األول :أنه ال مانع من أن يكون اإلذن مشتر نا عند وجود اإلمام غير
مشتر عند عدمه لما في العمل بال إذنه وق وجوده من االفتئات ،ولهذا ال
يشتر إذن اإلمام في شيء من صور الجهاد إذا لم يوجد أو لم يمكن استئذانه،
ويُشتر إذنه إن وجد في بعف الصور.
أن هذا مبني على اشترا إذن اإلمام ،فال يدخل فيه ما إذا منع والوجه الثانيَّ :
اإلمام ،وهما مسنلتان ُمتغايرتان كما قدَّمنا.
واستد َّل بعف من لم يحق المسنلة بمثل عبارة الموف في المغني على القول
المنُ َك عر بوجوب استئذان اإلمام في الجهاد المتعيعن ،ونص عبارة ابن قدامة:
”وألنهم إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فر عين فوجب على الجميع فلم
يجز ألحد التخل عنه ,فإذا ثب هذا فإنهم ال يخرجون إال بإذن األمير ألن أمر
49 فقه الجهاد -الطويلعي
الحرب موكول إليه وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم ,ومكامن العدو وكيدهم فينبغي
أن يرجع إلى رأيه ألنه أحو للمسلمين“.
فاحو،
س ولعدد من الفقهاء مثل هذه العبارة ،واالستناد عليها في هذه المسنلة غل س
ط
وفرق بين مسنلة س المتعين ال في أصله،
ع فهي في استئذانه في تفاصيل الجهاد
العدو ،فليس في عبارة الموف وال ع الخروج إلى العدو وتوقي ذلك ،وأصل قتال
أن اإلمام إن من َع من أصل دفع العدو وتركه يدخل بالد غيره من أهل العلم َّ
أن اعته في ترد هذا الفر واجبةس ،وأ َّن مقاتلة المسلمين يعيث فيها فسادنا َّ
العدو دفعنا له عن حرمات المسلمين محرمة.
ولذا قال الشهيد عبد هللا عزام رحمه هللا في كتاب الادفاع عان أراضاي المسالمين:
"وإنما يُستنذن أمير الحرب وقائاد المعركاة فاي الغازو والهجاوم مان أجال التنظايم
والتنسي وحتى ال يُفسد المرء الذي يهجم على العدو خطة المسلمين".
فال يكون في كالم ابن قدامة وال كالم غياره مان الفقهااء مخالفاة للقاعادة الشارعية
المتف عليها من أنه ال اعة لمخلوق في معصية هللا عز وجال ،وأنَّاه ال اساتئذان
ب منه،المعطل للجهاد أو التارد للواج ع
ع في فرو األعيان ،وليس فيها َّ
أن األمير
بلهَ المانع من ذلك يُطاع وتجري معصيته على جميع الرعيَّة واجبنا مان الواجباات
الشرعية.
ويوض هذا المعنى كالم ابن قدامة نفسه في مسنلة إذن الوالدين حيث قال:
ع
”وإذا خو ب بالجهاد فال إذن لهما ,وكذلك ُكل الفرائف ال اعة لهما في تركها
يعني إذا وجب عليه الجهاد لام يعتبار إذن والدياه؛ ألنَّثه صثار فثرض عثين وتركثه
معصثثية ،وال طاعثثة ألحثثد فثثي معصثثية هللا ،وكااذلك كاال مااا وجااب مثاال الحااج ,
والصاالة فاي الجماعاة والجماع والسافر للعلام الواجاب ،قاال األوزاعاي :ال اعاة
للوالدين في ترد الفرائف والجمع والحج والقتال .ألنها عبادة تعينت عليه ؛ فلم
يعتبر إذن األبوين فيها كالصالة“
50 فقه الجهاد -الطويلعي
المتعاين َّ
بانن تركاه معصاية وال اعاة ع فتن َّمل تعليله إسقا إذن الوالدين في الجهاد
ألحد في معصية هللا ،وهذا يكون في اإلمام كما يكون فاي الوالادين ،والمعصاية ال
يُطاع فيها اإلمام كما ال يُطاع فيها الوالدان.
وانظاار قياسااه فااي قولااه :ألنَّهااا عبااادة تعين ا عليااه فلاام يُعتباار إذن األبااوين فيهااا
أن سقو إذن الوالادين فاي الجهااد كساقو ه فاي الصاالة ألنَّهاا كالصالة ،فنوض َّ
بجاامع
ع عبادة س متعينةس ،وكذلك اإلمام كما يساقط إذناه فاي الصاالة يساقط فاي الجهااد
عين ،وهذا من أمهر األحكام. ٍ كل منهما فركون ٍ
ع
وما يُقال في إذن اإلمام يُقال فاي جمياع مان قيال باساتئذانهم مان أصاحاب الحقاوق
المعتبرة شر نعا ،على تفاصيل تنتي في موضعها من المقال ا تي بإذن هللا تعالى.
هذا وهللا أعلم ،وصلى هللا على محمد وسلم ،وعلى آله وصحابته ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
ٍ
51 فقه الجهاد -الطويلعي
فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي عبد الرحمن ال ُحبُلاي عان عباد هللا بان
عمرو بن العاص رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا علياه وسالم قاال” :يُغفثر
ب إال الدين“ ،وأخرجه مان حاديث أباي قتاادة وهاو مماا انتُقاد علياه؛ للشهيد كل ذن ٍ
اختل فيه علاى عباد هللا بان أباي قتاادة فارواه المقباري عناه عان أبياه وهاو غلاط،
ورواه بكير بن عبد هللا بن األشج عنه عن رجل من أهال نجاران عان عباد هللا بان
عماارو وهااو الصااواب ،ورواه اباان عجااالن عاان المقبااري عاان أبااي هرياارة وعاان
محمد بن قيس عن عبد هللا بن أبي قتادة عن أبيه وقد غلط ابن عجالن في كليهما،
أما رواية المقبري فالصواب فيها ماا تقادَّم ،وأماا رواياة محماد بان قايس فصاوابها
عن ابن أبي قتادة مرسالن ،وروي من حديث عيا بن عبد هللا بن أبي سرح عان
أباي هريارة فااي المساند وفياه نظاار ،وفاي الباااب حاديث أباي أمامااة وهاو ضااعي س ،
وحديث سهل بن حني فاي معجام الطبراناي الكبيار وهاو ضاعي ،وحاديث أناس
وهو غلط كما حكى الترمذي عن البخاري ،وحديث محمد بن جحو عند النسائي
وغيره وفيه بعف النظار ،وال يصا فاي البااب إال حاديث عباد هللا بان عمارو بان
العاص من رواية أبي عبد الرحمن ال ُحبُلي الذي قدَّمناه وهللا أعلم.
والحديث لم يتناول بمنطوقه حكم الخروج إلى الجهااد لمان علياه ديان ،ولهاذا قاال
الشوكاني في نيل األو ار” :وذلك ال يستلزم عدم جاواز الخاروج إلاى الجهااد إال
بإذن مان لاه الادين ،بال إن أحاب المجاهاد أن يكاون جهااده ساببنا لمغفارة كال ذناب
استنذن صاحب الادين فاي الخاروج ،وإن رضاي بانن يبقاى علياه ذناب واحاد منهاا
جاز له الخروج بدون استئذان“.
ومااا ذهااب إليااه الشااوكاني ضااعي ،والصااواب مااا ذهااب إليااه جماااهير الفقهاااء
استنبا نا من هذا الحديث ،وبقاء ذنب الدَّين دون الذنوب العظيمة إنَّما كان لما فياه
من ح ع ا دميع ،وح ا دمي ع الواجب ال يُقدَّم عليه ما ليس بفر ٍ من الجهاد وال
الدين من اإلثم الاذي ال يُغفار بالشاهادة علاى أثار الجهااد مان
ع من غيره ،وتقديم أثر
مغفرة سائر الذنوب دليا سل علاى تقاديم هاذا الواجاب علاى هاذا الواجاب ،وإذا ُحمال
مهورا إذ ال يُمكان تقاديم
ن الحديث على الجهاد الذي لم يتعيَّن كما ينتي ازداد الحكم
ما ليس بواجب على الواجب القطعيع.
52 فقه الجهاد -الطويلعي
ووجه قول الجماهير بوجوب استئذان صاحب الدين القاعدة المتف عليها :ما تولَّد
مِمون ،فاألصل ماا فاي الحاديث مان بقااء اإلثام علاى المادين،
ٍ عن المنذون غير
ألن الحا َّ لاه ،فاإذا ناتج عان جهااده استشاهاده بعاد
ويُستثنى منه ما إذا أذن الغاريم َّ
اإلذن لام يكان علياه شاي سء مان جهااة خروجاه للجهااد ماع وجاود الادين ،وإن كانا
المطالبة بالدين باقيةن دون اإلثم لترتاب اإلثام علاى التفاريط ،والتفاريط منتا ٍ باإذن
الغريم.
اب فيااه االسااتئذان إنَّمااا هااو الاادين الحااال علااى الغنااي ع القااادر علااىوالادَّينُ الاذي يجا ُ
األداء :أ َّما الدين الم َّجل الاذي لام يحا َّل أجلاه فاال تتو َّجاه المطالباةُ باه قبال األجال،
واإلذن إنَّما هو فرعس على المطالبة ،وهذا هو الصحي من قاولي أهال العلام ،وأ َّماا
س َرةٍ) ال ُمعسر فإنَّما حقه اإلنظار كما قال تعالىَ ( :و عإن َكانَ ذُو ُ
عس َرةٍ فَنَ عظ َرة س عإلَى َمي َ
فهو كالدين الم َّجل الذي لم يح َّل أجله ،وبهذا أفتى النووي وابن تيمية.
وكذلك من ترد وفا نء لدينه وأقام به كفيالن أو علم وجود من يقوم به من بعده ،فإنَّاه
حرام والد جابر بن عباد ٍ ال يدخل في المسنلة باالتفاق لقصة عبد هللا بن عمرو بن
كثيار ،ولام يُاذكر فياه ماا يمناع
س هللا رضي هللا عنه ،فقد استشهد في أحد وعليه س
ديان
مغفرة ذنب الدين ،بل ذكر النبي صلى هللا عليه وسلم أن هللا كلماه كفا نحاا وقاال لاه
تمن يا عبدي ،فتمنَّى أن يعود إلاى الادنيا فيُقتال فاي هللا ثانياةن ،ولام ياذكر الادينَ وال
َّ
أثره من الذنب.
فإن من الحقوق ما يُقدَّم على الدَّين عين سقط إذن الغريمَّ ، وإذا كان الجهاد فرض ٍ
كالنفقات سواء منها الِ روري وما زاد عان حاد الِارورة مان المعتااد فاي نفقاة
مثله ،والجهاد مقدَّم على النفقة الزائدة عن الِرورة بال رياب فثبا َ تقديماه علاى
الاادين بثبااوت تقديمااه علااى مااا هااو أولااى ماان الاادين ،وهااذا ماانخوذ ماان فتااوى شااي
سئل ُ عمن عليه دين وله ما يوفيه وقاد تعاين الجهااد اإلسالم ابن تيمية في قولهُ ” :
؟ فقل :مان الواجباات ماا يقادم علاى وفااء الادين :كنفقاة الانفس والزوجاة والولاد،
ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه :كالعبادات من الحج والكفاارات ،ومنهاا ماا ال يُقادَّم
عليه إذا خو ب به كصدقة الفطر؛ فإن كان الجهاد المتعين لادفع الِارر كماا إذا
حِره العدو أو حِر هو الص قدم على وفاء الدين كالنفقة وأولى“.
وقد اعتذر المنافقون وغير المنافقين مان النباي صالى هللا علياه وسالم فاي غزواتاه
ولاام يُنقاال عاان أحااد ماانهم بإساانا ٍد صااحي ٍ وال ضااعي ٍ أنَّااه اعتااذر بال اد ع
َّين ،ولااوال
المتعين وغير
ع صراحةُ حديث عبد هللا بن عمرو لقيل بسقو االستئذان في الجهاد
المتعين.
ع
53 فقه الجهاد -الطويلعي
المتعين على أحد قولَي أهلع خرج سقو إذن صاحب الدين في الجهاد ويمكن أن يُ َّ
العلاام فااي تاازاحم الحقااوق فااي التركااة اسااتدالالن بقااول النبااي صاالى هللا عليااه وساالم:
”اقِوا هللا فاهلل أح بالوفاء“.
الصثثورة األولثثى :أن يكااون الغااري ُم يريااد الجهاااد بالمااال الااذي يطلبااه ماان الم ادين،
عين لتحصيل مصلحتين :مصلحة أداء الدين، ٍ فيجب األداء ولو كان الجهاد فر
ومصلحة الجهاد ،قل ُ :ينبغي تقييد ذلك بما إذا كاان الغاريم ال يساتطيع الجهااد إالَّ
بالمال الذي يطالب به ،ويدل على ما ذهب إليه شاي اإلساالم أنَّاه ماا سل اساتويا فاي
الحاجة إليه ألجل الجهااد ،والغاريم أحا باه ،وال يصا أن يُقادَّم المادين لمصالحة
الجهاد مع اشتراكهما فيه ،إالَّ إن كان بالمسلمين حاجةس إلى المدين بخصوصه فهو
مقدَّم لحاجة المسلمين ومصلحة اإلسالم.
والصورة الثانية :أن يكون الجهاد باستنفار اإلمام ،فذهب شي اإلسالم إلاى تقاديم
ألن األصل بقاء الدين ووجوب األداء ،وحا الغاريم مقادَّم علاى حا ع ح ع الغريمَّ ،
اإلمام في االستنفار ،قل :ح الغريم ح مالك ،وح ولي األمار حا َم علاك ،وال
بنن األمر في النفيار حا ا لإلماام ،وإنَّماا
ولكن هذا على التسليم َّ
َّ األول مقدَّم شك َّ
أن َّ َّ
هو ح ا هلل عز وج َّل كما في دفاع الصاائل ،ولايس لإلماام إال النظار فاي المصالحة
وتقدير الحاجة ،والشارع علَّ تعين الجهاد بنمره حين يرى حاجاة المسالمين إلاى
ذلك ،فمن هنا كان االستنفار كدفع الصائل في التقديم على الدين من جهة أنَّه تقديم
بالعادو وحاجاة
ع لح هللا الواجب فاي حا ع المعاين علاى حا الغاريم ،واإلماام أعلام
المسلمين وما قد يفج هم أو يقطع ريقهم دون العدو الذي يقصدون إليه ،فوجاب
ِاا فقاد خارج المسالمون ماع النباي صالى هللا علياه تسليم النظر في ذلاك إلياه ،وأي ن
وسلم في غزوة العسرة وقد تعيَّن باستنفاره صلى هللا علياه وسالم ولام يُعاذر أحاد
ولم يعتذر أحد بالدين.
الصورة األولى :أن يكون العدو قريبنا بحيث ال يحتاج إلى نفقا ٍة فاي الوصاول إلياه
ألن الغريم إنَّما وجب استئذانه في الجهااد
وقتا عله ،كحال أهل الثغور المقيمين بهاَّ ،
لتقديم حقه في المال على نفقة الجهاد ،فحيث لم ت ُكن نفقة فال استئذان.
54 فقه الجهاد -الطويلعي
الصورة الثانية :أن يحتاج المسلمون إلى أحا ٍد بعيناه ،فهاذا يكاون الجهااد فاي حقاه
عين وإن كان الجهاد لعموم الناس فر كفايةٍ ،فهو ملح س بفر الكفاية، ٍ فر
فهاذه الصاورة ليسا مساتثناة ماان اساتئذان الغاريم ،وإنمااا هاي مسااتثناة مان أحكاام
فر الكفاية عمو نما للحوقها بفر العين.
كاافرا ،لقاول
ن الصورة الثالثة :استثناها بعف أهل العلم ،وهاي ماا إذا كاان الغاريم
سااابعيالن) ،وكاااننهم ألحقوهاااا
هُ علل َكاااافع عرينَ َعلَاااى ال ُمااا عمنعينَ َ
هللا تعاااالىَ ( :ولَااان يَجعَااا َل َّ
ين ،وال يص هاذا وهللا أعلام ،واساتئذان الغاريم لايس مان باستئذان الوالدين الكافع َر ع
بابة استئذان الوالادين والازوج واألميار ونحاوهم ،إذ اساتئذان ها الء متفارع علاى
واليتهم أو وجوب اعتهم ،أما الغريم فاستئذانه ألجل حقاه الواجاب تقديماه ،فهاو
ُ
وحياث حقه ،وثبوت هذا االستئذان فرعس على ثبوت الح المالي، ع استئذان إلسقا
قلنا بحفظ ح الغريم الكافر ،فاالستئذان بعف الح ع الذي ُحكم بحفظه ،وليس في
هااذا واليااة وال تحك ا سم منااه فااي مساالم ،باال هااو احتيااا مشااروع لااه فااي حفااظ حقااه
والمطالبة به ،وإنما يكون هذا في الكافر الذمي أو المعاهد أو المستنمن ممن يُحكم
بحفظ ماله.
مستوجب لإلثم
س عاص
ٍ ومن خالف في الصور التي يجب فيها استئذان الغريم فهو
بخروجه من هذا الوجه ،وجهاده صحي س ،بل وذنوبه الكباائر والصاغائر مغفاورة،
الشاهداء ،والجهاة منفكاةس باين هاذا وهاذا ،لاذا أثبا النباي صالى هللا
ع ومنزلته منزلة
عليه وسلم مغفرة الذنوب للشهيد إال الدين ،وثباوتُ أثار الشاهادة مان المغفارة فيماا
عدا الدَّين دلي سل على ص َّحة الشهادة ،وقد أشار إلاى هاذه الفائادةع الشاوكاني فاي نيال
األو ار بقوله :وال يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد ال يمنع من الشهادة ،بل
هو شهيد مغفور له كل ذنب إال الدين.
وأ َّما من خرج في الصور التي يسقط فيها إذن الغريم وال يجب اسثتئذانه ،وفعال
ما أمره هللا عز وجل به ،ثم قُتل فليس علياه مان اإلثام شاي سء ،ألنَّاه لام يفعال إال ماا
أمره هللا به ،ويساتحيل أن يفعال ماا أُمار باه ويانثم علاى ذلاك ،وال يُمكان أن يُ ع
خياره
الشارع بين إثمين ال بد له من أحدهما :إثم القعود الذي ال يُباح بالدين ،وإثام الادين
الذي ال يُغفر بالشهادة ،بل ال ريب أنَّه إن امتثل ما أُمر به دون مخالفاة ،لام يلحقاه
الذم وال من اإلثم شيء ،مع بقاء اساتحقاق الغاريم للماال ،واساتحقاقه المطالباة من ع
بالاادين ،والشااهيد الماادين إ َّمااا أن يُاا دعي هللا عنااه فااي الاادنيا ،وإ َّمااا أن يُرضااي هللا
خصمه في ا خرة ،وهذا يُعرأ باالضطرار مان ديان هللا ،وعدلاه وساعة رحمتاه
وحكمته ،وإخباره بكفالته وضمانه لمن خرج في سبيله.
هاذا وهللا أعلام وصاالى هللا وسالم علااى عباده ورسااوله محماد وعلااى آلاه وصااحابته
أجمعين.
56 فقه الجهاد -الطويلعي
أن الرجل في الحديث يسنل عن أفِل األعما عل ،والس ال عان األفِال ال األولَّ :
المتعين ألنَّه ال خيرة فيه.
ع يُناسب األمر
أعلام مان
َ أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال له أن َ أعلم ،وإذا كان الرجل الرابعَّ :
النبي صلى هللا عليه وسلم فال ريب أنَّه أعلم بحاال والدياه ال بحاال الجهااد وكوناه
عاين وفار كفاياةٍ ،أو بحكام اساتئذان الوالادين فاي هاذين الحاالَين ،وذلاك
ٍ فر
للعلم بنن النبي صلى هللا عليه وسلم أعلم بالحكم وبالحال فيما يعم األ ُ َّمة.
والحديث أصل ُ لالستدالل به على عدم وجوب استئذان الوالدين في الجهاد سواء
تعين أم ال؟ فالرجل لم ينمره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم باستئذان والدياه أما َر
مفسا سار لاحاديااث
أن الحااديث عاب إلااى َّ
اب ذاها س
عزيماةٍ ،باال خيَّااره فااي ذلااك ،فلااو ذها َ
األُخاارى ،ودا ال علااى َّ
أن األماار ببا عار الوالاادين وتاارد الجهاااد مسااتحبا ف اي فاار
القوةع لوال ضع ُ الحديث. الكفاي عة ،لكان في غاي عة َّ
وال أعلام ماان أيان أخااذ مان اسااتد َّل بالحاديث علااى ساقو إذن الوالاادين فاي فاار
العين استدالله ،وال أدري كي تتااب َع علياه جماعاةس مان أهال العلام ،ولعلهام فهماوا
صل إليه ،أو استعجلوا في األخذ منه دون تنمل ،وهللا أعلم. منه ما لم أتو َّ
58 فقه الجهاد -الطويلعي
استئذان الزوج:
ااء) ،وقاال رساول س عالر َجا ُل قَ َّوا ُمونَ َعلَى النع َ قال هللا َّ
عز وج َّل في محكم التنزيل ( :ع
هللا صلى هللا عليه وسلم” :ال تمنعوا إما َء هللا مساجدَ هللا“ ففُهم منه وجوب الطاع عة
ازوج فيمااا عاادا ذلااك ،وقااد انعقااد اإلجماااع علااى وجااوب اعااة الزوجا عة زو َجهااا ع للا
صاا ،ومان ذلاك ب استئذانها إيَّاه فاي الخاروج مان بيتهاا خصو ن عمو نما ،وعلى وجو ع
الخروج إلى الجهاد في سبيل هللا.
وال ُحكم في المرأةع كال ُحكم في جميع ماا تقادَّم ،مان وجاوب اساتئذانها زو َجهاا ماا لام
يتعيَّن الجهادُ عليها ،لادلَّة الدالَّاة علاى ذلاك ،إالَّ َّ
أن المارأة ال يتعايَّن عليهاا الجهااد
ب عنهاا، األعاذار فااي ساقو ع الواجا ع
ع الاذي يتعايَّن علاى الجهاااد ،بال هااي كنصااحاب
وكفاي عة غيرها لها.
عرضااها ونفساها مان جهاة دفااعع وإ َّنماا يتعايَّن الجهااد علااى المارأة إذا خشاي علاى
فيجب عليها أن تدفع عن نفسها وال يجوز لها االستئسار في هذه الحاال، ُ الصائل،
إن هاذا هاو س
نص عليه جماعة من أهل العلم ،فهناا يُقاالَّ :
بل يجب عليها القتا ُل كما َّ
فر العين الذي ال اعة لزوجها فيه.
وقد سنل عائشة رسول هللا صلى هللا علياه وسالم :هال علاى النسااء جهااد؟ فقاال:
يجاب علاى
ُ َّ
عليهن من الجهاد ما يجب
ُ جهادكن الح ُّج والعمرة“ ،فد َّل على أنَّه ال
َّ ”
َّ
بيعاتهن مان الِاع ع األعرج ونحوه بالعذر ،لماا فاي
ع الرجال ،والنسا ُء أولى من
ع
والجبن ،وهذا حك سم مجم سع عليه.
ع
المتانخرين ،بال
ع بعاف
ُ ذهاب إليا عه
َ وليس معنى هذا تحريم الجها عد علاى المارأةع كماا
وحاديث عائشاةَ إنَّماا سانل فياه عان الوجاوب ال
ُ محار ٍم علي َهاا،
َّ غيار
ُ س
جائز لها هو
الجواز ،فلم تقل هل للنساء أن يُجاهدن؟ وإنَّما قال :هل على النساء جهاد؟
أن أم حرام ابنة ملحان قال للنباي صالى هللا علياه وسالم ادعُ هللا وفي الصحيحين َّ
أن يجعلني مانهم ،فاي حاديث القاوم الاذين يركباون البحار فاي سابيل هللا ،فادعا لهاا
بذلك ،وكان جماعةس من النساء يخرجن مع النبي صلى هللا عليه وسلم في غزواتاه
يساااقين وياااداوين الجرحاااى ،ما َّ
اانهن عائشاااة الصاااديقة بنااا ُ الصااادي ،وأم ُ
ساااليطٍ
األنصارية ،وأم سليم األنصاريَّة ،والربيع بن ُ َّ
معوذ ،وأم عطيَّة األنصاريَّة.
خروجهن مع رسول هللا صلى هللا عليه وسالم فاي خدماة المجاهادينَّ وهذا كله فيه
َّ
عانهن لهن عن ذلك ،وسقو ه القتالي َّ َّ
دخولهن القتا َل وال نه س وإعانتهم ،وليس فيه
59 فقه الجهاد -الطويلعي
استئذان السيد:
ت حتَّاى تُباي
كثير مان الوالياا ع
المملود ،وهي أعلى من ٍ
ع جعل هللا للسيد واليةن على
للسيد إقامة الحد وتُقدعم أمره على صالة الجماعة ،وهو مملودس له كسائر ما يملك،
ثير من األحكام بينه وبين سائر األموال.
وال فرق في ك ٍ
ي ،فلام تجاب علياه الجمعاة وال ناسب عجزه الحكم َّ
ُ عومل العبد في الشريعة بما يُو ُ
ق أنَّاه الجماعةُ وال الجهاد في سبيل هللا ،على خالأٍ فاي بعاف ذلاك ،وحقيقاةُ ع
الار ع
منافع عبدعه ،والرقي من كان منافعُاه مملوكاةن ع
لغياره ،وهاو مان ع ملك السيد لجميع
هذا الوجه من جمل عة المال ،ومن جه عة عدم ملك أص عله هو من جملة الناس ،وأحكا ُم
العب عد متفرقةس بين هذا وهذا بحس ع
ب تعلقها بمنافعه أو بنصله.
وإذا خرج العبدُ إلى الجها عد بغير إذن سيعده كان تفويتنا لمنافعه على السيعد ،والمنافع
للسيد فلم ي ُجز استيفاؤها من غياره بغيار إذناه ،وال يلاز ُم السايدَ باذ ُل عبا عد عه فايع ملكس
يجاب علياهُ الجها عد ولو تعيَّن ،بل له اإلبقاء علياه واساتعمالُه فاي مصاالحه ،كماا ال
التبرع من سائر ما عل عه بما زادَ عن الزكاةع.
وإن اضطر المسالمون إلاى عبادعه واحتااجوا إلاى منفعتاه فاي القتاال ولام يقام غيا ُره
وجب علي عه بذلُهُ ،وله أُجرة ُ المثل في بي المال ،وثمنُ ع
المثال إن قُتال ،كماا َ مقامه،
ديان لاه علاى بيا الماال فيماا زاد عان فيجب عليه بذلُهُ وهاو س
ُ لو احتاجوا إلى ماله
المسنلتين ،وهللا أعلم.
ع الزكاة المفروضة ،وهذا هو الصحي في
ضااحقاه ،بال يكاون فر ن وإذا أذن السيد لعبده في الجهاد المتعيعن لام يكان مبا نحاا فاي ع
أن الَّااذي منا َع ماان وجااوب الجهاااد عليااه أ َّن منافعااهااألحرار ،وذلااك َّ
ع متعيننااا عليااه كا
األحكام
ع إسالم عه ووجوبع مملوكةس لغيره ،فإذا زال ذلك المان ُع رجع إلى األصل من
جاب الجهاادُ عليه ،وليس العبدُ في ذلك كالمرأة إن أذن لهاا زو ُجهاا أل َّن المارأة ال ي ُ
راجع إلى ذاتها من الِع والخاور ،وال كالمادين والرجا عل لاه أباوان ٍ عليها ألمر
العاين باال إذن أحاد ،أ َّماا العبادُ فااال
ع ألن ها الء يجاب علايهم فار ُ ومان لاه أميارَّ ،
غيرهُ إالَّ بإذن سيده.
العين وال ُ
ع يجب عليه فر ُ ُ
وبهذا ت َّم ما يسَّره هللا من أحكام االستئذان في الجهادع ،وهللا أعلام وصالى هللا وسالم
على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
60 فقه الجهاد -الطويلعي
أن إرهاب الكافرين يُطلب لدفعهم وك ع بنسهم ،ومن الغزوات التاي أ ُرياد بهاا
كما َّ
وشرهم غزوة العسرة.
ع إرهاب األعداء وتخويفهم لك ع بنسهم
وكااذلك خااروج النبااي صاالى هللا عليااه وساالم إلااى حمااراء األسااد بعااد أحادٍ ،أراد باه
صلى هللا عليه وسلم أن يك َّ بنس الكافرين ويكسار حادَّهم وشاوكتهم وه َّماتهم فاي
ساو عل عمان َبعا عد قتال المسلمين ،وفي ذلك نزل قوله تعالى( :الَّاذعينَ اساتَ َجابُوا ع َّ ع
ل َوال َّر ُ
سنُوا عمن ُهم َواتَّقَاوا أَج سار َع عظاي سم) ا ياة ،قالا عائشاة كماا صابَ ُه ُم القَر ُح عللَّذعينَ أَح َ
َما أَ َ
في صحي البخاري :لما أصااب رساو َل هللا صالى هللا علياه وسالم ماا أصااب ياوم
أحد ،وانصرأ عنه المشركون ،خاأ أن يرجعوا ،قال” :من ياذهب فاي إثارهم“
فانتدب منهم سبعون رجالن ،فذكرت الحديث.
61 فقه الجهاد -الطويلعي
وكماا أُمرناا بإرهااب الكفَّاار وتخاويفهم وكاان ذلاك مان مقاصاد الجهااد ،فقاد أمرنااا
بالنيل من الكفَّار بالفعل ،نيالن ع
حسيًّا بقتلهم وقتالهم وسبي نساائهم وغنيماة أماوالهم،
ونيالن معنويًّا بإغامتهم وإرهابهم ،وإهانتهم وإذاللهم.
ب أَن فقال هللا في محكم التنزيالَ ( :ماا َكاانَ عألَها عل ال َمدعينَا عة َو َمان َحاولَ ُهم معانَ األ َع َارا ع
م َمان س
صايبُ ُهم َ ه َوال يَر َغبُوا عبنَنفُسعا عهم َعان نَفسعا عه ذَلعاكَ عبانَنَّ ُهم ال يُ ع سو عل َّ ع يَتَخَلَّفُوا َعن َر ُ
ار َوال يَنَاالُونَ طانُونَ َمو ع ئاا ن يُ عغاي ُ
ظ ال ُكفَّا َ ه َوال يَ َ صةس فعاي َ
سابعي عل َّ ع ب َوال َمخ َم َ َوال نَ َ
ص س
َ
ِي ُع أج َر ال ُمح عسنعينَ ). صا عل س عإ َّن َّ َ
ه ال يُ ع ب لَ ُهم عب عه َع َم سل َ عمن َعد ٍُو نَيالن عإ َّال ُكتع َ
وأن كال ماو ٍّالعدو يُكتاب باه عما سل صاال س َّ ،
ع فبين َّ
أن ك َّل ني ٍل يناله الم منون من
يغيظ الكفَّار –وهذا من النيل المعناوي -يُكتاب باه عما سل صاال س ،وجعال ذلاك دافعناا
ضا للخروج مع النبي صلى هللا عليه وسالم فاي غازواتهم وجهااده ،فكال ماا ومحر ن
ع
منمور به.
س س
كان فيه ني سل من الكافرين أو إغامة فهو
ومن النيل من الكافرين إنفاذُ ما حكم هللا به عليهم علاى لساان نبياه صالى هللا علياه
وساالم” :و ُجعاال الذلَّااة والصااغار علااى ماان خااال أمااري“ ،وقولااه تعااالى( :يَااا أَي َهااا
ار َوال ُمنَا عفقعينَ َواغلُظ َعلَي عهم) ،فانمر بجهاادهم وبالغلظاة علايهم ولاو النَّ عبي َجا عه عد ال ُكفَّ َ
باال جهااد كماا هااو مااهر العطا ،أو بالغلظااة علايهم فاي الجهاااد كماا قاال تعااالى:
ظةن). (قَاتعلُوا الَّذعينَ يَلُونَ ُكم عمنَ ال ُكفَّ ع
ار َوليَ عجدُوا فعي ُكم عغل َ
وفي البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على
قاريو واألحاابيو لاه
ٍ صاحبه أن رساول هللا صالى هللا علياه وسالم لماا بلغاه جماع
حاين خاارج قاصادنا العماارة قااال” :أشاايروا أيهااا الناااس علااي ،أتاارون أن أمياال إلاى
عيالهم وذراري ه الء الذين يريدون أن يصادونا عان البيا ،فاإن ينتوناا كاان هللا
عااز وجاال قااد قطااع عيننااا ماان المشااركين وإال تركناااهم محااروبين“ ،فجعاال رفااي
األمر مقصودنا له ومطلوبنا :أن يقطع منهم عيننا وينال منهم فإن أتوه أتوه وقاد ناال
ي صاحي س منهم ما نال ،وأن يتركهم محروبينَ إن لم ينتوه ،وكالهماا مقصادس شارع ا
قصده رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
ومن صاور النيال مان الكاافرين ،إذاللهام وإهاانتهم ،كماا فار هللا علايهم الجزيا َة
صغار بذاتها ،وفر معها أن يعطوها عن ي ٍد وهم صاغرون ،تنكيدنا لاذلك س وهي
الصغار وزيادةن فيه ،ولم يجعل لقتالهم غايةن ينتهي إليها دون الجزية ،فما لم يعطوا
واجب.
س الجزية أو يسلموا فقتالهم
ومنها قول النبي صلى هللا عليه وسلم في أهل الذماة مان الكاافرين فِاالن عمان ال
ذمة له” ،ال تبدءوا أهل الكتاب بالسالم ،وإذا لقيتموهم في ري فاضطروهم إلى
أضيقه“ ،ونحو ذلك من أحكام إهانتهم وإذاللهم في الدنيا.
62 فقه الجهاد -الطويلعي
ومن صور النيل منهم :قت ُل المقاتلة منهم ،وهم كل من حمل الساالح ،وهاذا يكاون
في قتالهم ابتدا نء وفي عقوبة ناقِي العهد مانهم ولاو وقاع ذلاك باال قتاا ٍل كماا فعال
النبي صلى هللا عليه وسلم في بني قريظة ،واإلثخان فيهم بالقتل في المعاارد كماا
ب َحتَّاى عإذَا أَثخَنت ُ ُماوهُمالرقَاا ع
ب ع ِار َأمر هللا عاز وجال( :فَاإعذَا لَ عقيات ُ ُم الَّاذعينَ َكفَ ُاروا فَ َ
ارهَا).ب أَوزَ َ شدوا ال َوثَاقَ فَإع َّما َمنا ن بَعدُ َوإع َّما فعدَا نء َحتَّى تَ َ
ِ َع ال َحر ُ فَ ُ
ِااا :ساابي النساااء والااذراري ،فيكونااون رقيقنااا مساالوبةن
وماان صااور النياال ماانهم أي ن
رضى ،ولذا أجمع األمة علاى ن حريت ُ ُهم ،وتُستباح أعرا نسائهم بغير ٍ
مهر وال
ب رضي هللا عنه حين امتنع من سبي نساء أهل القبلة من ما فعله علي بن أبي ال ٍ
البغاة.
ومن صور النيل منهم :غنيمة أموا علهم واستباحتها وقسمتها بين المسلمين ،وكاذلك
كل ما يدخل في هذا الباب من إتالأ زروعهم وأموالهم ،ومن محاصرتهم وقطع
الطري على قوافلهم ،وغير ذلك مما يُفردُ في المقال القادم بإذن هللا.
فمنها ما أثب هللا فيه عن الم منين أنَّهم يريدون الغنيمة كقول هللا عز وجالَ ( :و عإذ
شااو َك عة تَ ُكااونُ لَ ُكاام)،ت ال َّ الطااائعفَتعي عن أَنَّ َهااا لَ ُكاام َوتَا َاودونَ أَ َّن غَيا َار ذَا ع
يَ ععادُ ُك ُم هُ إعح ادَى َّ
ت الشوكة التاي ودَّ الصاحابة أن تكاون لهام هاي الغنيماةُ ماع العيار ،وقاال وغير ذا ع
ُ
َّ ُ َّ َ ُ َ ُ َ َ َ
س ايَقو ُل ال ُمخَلفااونَ عإذا انطلق اتم عإلااى َمغَااانع َم علتَن ُخ اذوهَا ذ ُرونَااا نَت ابععكم) فعل الُ َّ ُ تعااالىَ ( :
س االَ َم لَس ا َ ُم عمننااا االنطااالق بنخااذ المغااانم ،وقااالَ ( :والَ تَقُولُااوا عل َماان أَلقَااى عإلَااي ُك ُم ال َّ
يارة س)؛ فاننكر علايهم قاتلهم مان ألقاى تَبتَغُونَ َع َار َ ال َحيَااةع الادنيَا فَ ععنادَ هع َمغَاانع ُم َكثع َ
السااالم ألجاال الغنيمااة ،ال أنَّهاام أرادوا الغنيمااة ،ولااذا أخباارهم بالباادل وهااو المغااانم
الكثيرة عنده ،وجاء عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم مان وجاو ٍه عادَّة أنَّاه حاين
ت بني األصفر. ر َّغب المسلمين في غزوة تبود قال :اغزوا تغنموا بنا ع
ومنها ما أثب فيه الصحابي عن النبي صلى هللا عليه وسلم الخروج للغنيماة ،قاال
صة تخلفه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في غزوة كعب بن مالكٍ في سياق ق َّ
َّ العسرة" :غير أنعي تخلَّف ُ عن غزوةع ٍ
بدر ،ولم يُعاتَب أحدس تخل عنها ،إنَّما خرج
قريو".
ٍ عير
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يُريدُ َ
الرغباة، ومنها ما ر َّغب هللا ورسولُه الم منين فيه بالغنيمة ،والترغياب هاو إيجاادُ َّ
رغاب والمقصود من الترغيب في الفعل حصولُهُ ،فالرغبة التي يقصاد إليهاا مان يُ ع
يرةن هي الرغبة في الغنيمة التي تدفعه إلى ال عقتال ،فقال تعالىَ ( :و َعدَ ُك ُم َّ
هُ َمغَانع َم َكثع َ
اب فيهااا ،وقااال عا َّاز وجا َّلَ ( :وإعذ تَن ُخاذُونَ َها فَعَ َّجا َل لَ ُكاام َها عذ عه) والوعادُ بالمغااانم ترغيا س
شو َك عة تَ ُكونُ لَ ُكم) فاذكر الطائعفَتعي عن أَنَّ َها لَ ُكم َوتَ َودونَ أَ َّن غَي َر ذَا ع
ت ال َّ َي ععدُ ُك ُم هُ عإحدَى َّ
هُأنَّااه وعاادهم إحاادى الطااائفتين وإحااداهما العيا ُار وفيهااا الغنااائم ،وقااالَ ( :و َع ادَ ُك ُم َّ
64 فقه الجهاد -الطويلعي
َمغَانع َم َكثع َ
يرةن تَن ُخذُونَ َها فَ َع َّج َل لَ ُكم َه عذ عه) ،وقالَ ( :والَ تَقُولُوا عل َمن أَلقَاى عإلَاي ُك ُم السَّاالَ َم
يرة س) .والقصد المشثروع لَس َ ُم عمننا تَبتَغُونَ َع َر َ ال َحيَاةع الدنيَا فَ ععندَ هع َمغَانع ُم َكثع َ
لمن يُقاتل لغنيمة المال يدور بين أمرين:
األول :قصااد اكتسااااب الماااال للمسااالمين ،وإماااداد بيااا ماااال المسااالمين بماااا يكفاااي
لمنافعهم.
الثاني :قصد أن يتَّخذ لنفسه ما أباحه هللا من الدنيا ومنافعها ،مماا أبااح هللا لاه أكلاه
جاائز مشاروعس ،ولايس فياه إالَّ س واتخاذه بقوله( :فَ ُكلُوا عم َّما َغنعمتُم َحالَالن َيعبنا) ،فهذا
وخاص باه
َّ الوصول إلى ح ٍ شرعي ٍ أذن هللا له فيه ،ور َّغباه فاي الحصاول علياه،
هذه األ َّمة ونبيَّها صلى هللا عليه وسلم ،وأشرأ المكاسب ماا اختااره هللا لنبياه كماا
قال القر بي وابن القيم ،واستدالَّ بقوله صلى هللا عليه وسلم في حديث ابان عمار:
ثثل رمحثثثي“ أخرجااه أباااو داود بإسااانا ٍد حساان ،وهاااو مااان ”و ُجعثثل ر قثثثي تحثثت حث ِ
خصاائص هااذه األمااة كمااا عنااد الشاايخين ماان حااديث جااابر باان عبااد هللا” :أُعطيثثتُ
نبي قبلي“ الحديث إلى أن قال” :وأُحلَّت لي الغنائم“. عطهن ٌّ َّ سا لم يُ
خم ً
كسافر مان
ع فهو يُقاتل في سبيل هللا ،ويُريد بذلك وجه هللا ،ويطلب ما أباحاه لاه هللا،
رباه بالتجاارة ونحوهاا ،وقاال يُريد الح َّج وينوي به وجه هللا ،ماع لباه فِاالن مان ع
أمار لتحصايل العاون صلي إذا حزباه س صالَةع)؛ فمن يُ ع تعالىَ ( :واستَ ععينُوا بعال َّ
صب عر َوال َّ
صا من اإلخالص شيئنا ،ومن يدعو ويطلب شيئنا من الَّذي أرشده هللا إليه ليس منتق ن
أمر الدنيا مطي سع عابدس هلل غير داخ ٍل عليه في نيته شي سء ،وليس هذا مان ا علريااء فاي
شاايءٍ ،ب ال ال ُمرائااي يقصااد غياار وجااه هللا ،أو ياانقص ماان قصااده لوجااه هللا قص ادس
مزاح سم لهذا القصدع ،ال قصدس مستق ال عنه غير معار ٍ له.
وفااوق هااذا مرتب اةس أعلااى ،وهااي أن يُعاار عاان هااذا القصااد وشااهوده وإن كااان
حاصالن بالتبع ضمن ما يحصل من الجهاد ،وهذه المرتباة هاي مرتباة جهااد النباي
ب في كتابه (الحكم الجديرة باإلذاعاة مان صلى هللا عليه وسلم ،قال الزين ابن رج ٍ
قول النبي صلى هللا عليه وسلم :بُعث بالسي بين يدي الساعة)” :أنه كاان صالى
هللا علياه وسالم إنماا كاان يجاهاد لتكاون كلماة هللا هاي العلياا وديناه هاو الظااهر ،ال
ألجل الغنيمة ،فيحصل له الرزق تب نعا لعبادته وجهاده في هللا ،فال يكون فرغ وقتناا
ِااا ،وإنمااا عبااد هللا فااي جميااع أوقاتااه وحااده فيهااا
ماان أوقاتااه لطلااب الاارزق مح ن
ميسارا فاي ضاامن ذلاك مان غيار أن يقصااده وال ن وأخلاص لاه ،فجعال هللا لااه رزقاه
يسعى إليه“.
والفرق بين هذه المرتبة والمرتبة السابقة كالفرق بين من يسير في األر يطلب
الرزق المباح ،ومن ال يشهد فاي لباه الارزق إال التقارب إلاى هللا وحاده والساعي
في مراضيه ،وكالفرق بين دعوة من يسنل هللا أمور دنيااه ،ومان يسانل هللا القُرباة
إليه والزلفى لديه.
65 فقه الجهاد -الطويلعي
صاة ،مان خاروج سالمة بان األكاوع رضاي هللا عناه ومقاتلتاه حتَّاىفما في هاذه الق َّ
استعاد إبل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وغنم من المشركين ماا غانم ،وخاروج
النبي صلى هللا عليه وسالم وأصاحابه لماا سامعوا ناداء سالمة بان األكاوع وجااءهم
الصري ،كان أصله كله استعادة اإلبل التي انتهبها المشركون.
هذا وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته
أجمعين.
66 فقه الجهاد -الطويلعي
المقاصد الخاصة
ساالين ،نبيعنااا محمااد
سااـالم علااى أشاارأ المر َ
صااالة وال َّرب العااالمين ،وال َّ
الحمااد هلل ع
صحابته أجمعين ،أ َّما بعد: وعلى آله و َ
فقد تقدَّم في األعداد السابقة الحديث عن المقاصد التي يُشرع الجهاد ألجلها ،وذلك
في األعداد من الخامس إلى التاسع عشر من هذه المجلَّة المباركة بإذن هللا ،تخلَّلها
ثالثة مقاالت عن أحكام االستئذان في الجهاد ،والمقاصد التاي تقادَّم الحاديث عنهاا
هي المقاصد العامة للجهاد ،أي التي تُستنفر الجيون وتخرج السرايا ألجلها.
أما المقاصد الخاصة فهي التاي يخارج ألجلهاا العباد وحاده ،ويلتحا بالمجاهادين،
فالفرق بينها وبين السابقة أن تلك تقاوم الحاروب ألجلهاا ،أماا هاذه فيخارج الرجال
إلى الجهاد للحصول عليها دون أن تستقل بكونها سببنا في قيام المعارد.
فمان أراد رفقااة الصاالحين ومصاااحبة األخيااار ،فمان خيا سار مان باااذلي نفوسااهم هلل،
الااذين يُخااافون فااي هللا حااين ال يُخاااأ أحااد ،ويُا ذَون فااي هللا حااين ال يُا ذى أحااد،
المشاق والمكاره التي ما اضطروا إليها إالَّ امتثال أمر هللا وتقر نبا
ع ويصبرون على
خيارا مانهم ،وإذا كانا الرفقاة الصاالحة ن إليه ،فماا يجاد مان يرياد الرفيا الصاال
تُعين على الخير وتنمر بالمعروأ وتنهى عن المنكر ،فني رفي خيار ممان يُعاين
على الجهاد ،لقلَّة المعاين علياه والمسااعد ،ماع مكانتاه العظيماة ،ووجوباه المتحاتم
في هذا الزمان.
ِ مِاجع العاشقين ،وأتعبا ركائاب المجاهادين، ومن أعظم المقاصد التي أق َّ
وفارق الحليم عندها عحل ُمه ،وأعان العليم على الصبر في لبها عل ُمه ،الشهادة في
ساابيل هللا ،التااي يتمنَّاهااا ماان غلااب توكلااه مخاوفَااه ،وأدحااف يقينُاهُ أحابياال
67 فقه الجهاد -الطويلعي
شاايطانع عه ،وهااي وال ريااب أعظاام درجااات الشااوق إلااى هللا ومحبَّااة
أحب هللا لقاءه ،ومن كره لقاء هللا كره هللا لقاءه"
َّ أحب لقاء هللا
لقائه ،و"من َّ
كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي هللا عنها.
وقد د َّل على هذا المقصد كتاب هللا وسنَّة رسوله صلى هللا عليه وسالم ،أماا ا ثاار
بكثير ،وسنذكر جملةن
ٍ عن الصحابة والسل الصالحين في ذلك فهي فوق الحصر
من األدلَّة الدالَّة على هذا المقصد العظيم.
ومن األدلَّة الظاهرة على ذلك ،ما أخرج الشايخان مان حاديث أباي هريارة رضاي
هللا عنه وأرضاه ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قاال” :لثوددت أن أغثزو فثي
سبيل هللا فأُقتل ،ثم أغزو فأُقتل ،ث َّم أغزو فأقتل“ وذَ َكر القتل في بعف الرواياات
ثالثنا وفي بعِها أربعنا ،فقد تمنَّى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم القتل فاي سابيل
هللا ،وما كان ليتمنَّاه وهاو مفسادة س وخساارة س ومناقِاةس للمقصاود مان خلا اإلنساان
وعمارته األر .
68 فقه الجهاد -الطويلعي
و قد أخرج البخاري هذا الحديث في باب تمني الشهادة من صحيحه ،وأخارج فياه
ِا حديث أنس بن مالك في ذكار النباي صالى هللا علياه وسالم قصاة أهال م تاة، أي ن
وفيااه قااال” :مثثا يسثثرنا أنهثثم عنثثدنا“ ،أو قااال” :مثثا يسثثرهم أنهثثم عنثثدنا“ ،ووجااه
الداللاة مناه علااى اللفاظ األول ماااهر ،فاالنبي صالى هللا عليااه وسالم فاارح بماا
أن بقاءهم عنده ال يساره ماع أن فايهم أصابهم وهو الشهادة ،وذكر َّ
زيد بن حارثة حب رسول هللا صالى هللا علياه وسالم وفايهم جعفار
باان أبااي الااب الااذي قااال فيااه صاالى هللا عليااه وساالم” :وهللا مثثا أدري
بأيهمثثا أُسثثر بفثثتح خيبثثر أم بقثثدوم جعفثثر“ ،وعبااد هللا باان رواحااة وهااو ماان خيااار
أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فما سره استشهادهم إالَّ لما للشاهادة مان
فِ ٍل يعدل هذه األمور العظيمة ،وهذا دليل على تمني الشهادة و لبها ،وهو على
ِا كما في الحديث ا تي. المعنى الثاني ماهر أي ن
ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالاكٍ رضاي هللا عناه أن رساول هللا صالى هللا
عليه وسلم قال” :ما مثن نفث تمثوت لهثا عنثد هللا خيثر ،يسثرها أنهثا ترجثع إلثى
الثثدنيا وال أن لهثثا الثثدنيا ومثثا فيهثثا ،إال الشثثهيد؛ فإنثثه يتمنثثى أن يرجثثع فيقتثثل فثثي
الدنيا ،لما يرى من فضثل الشثهادة“ ،وتمناي الشاهيد بعاد استشاهاده أن يعاود إلاى
الاادنيا ليُقتاال فااي ساابيل هللا ،فيااه أنَّهاام يتمنَّااون القتاال لفِاال القتاال وح اده ال لمجاارد
الوصول إلى النعيم عند هللا ،ألنهام موجاودون فاي النعايم حقيقاةن وقا تمنايهم ،بال
زاد على هذا أنَّهم في المكان الذي ال يُراد النزوح منه واالنتقال مناه رفاة عاي ٍن،
لعظيم النعيم فيه ،ومع ذلك يغلب عليهم فِل الشاهادة حتاى يتمناون الادنيا ألجلاه،
وليس أحد من أهل الجنة يتمنى الرجوع غيرهم كما في الحديث.
نسنل هللا أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصال ،والجهاد في سبيله والصبر على
ذلك والثبات في ريقه ،وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين،
وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
69 فقه الجهاد -الطويلعي
فمااا مِااى زمااان فااي هااذا العصاار ا خاار ،اشااتعل فيااه جااذوة الجهاااد ،وتااواترت
العملياات ،ومهارت شااوكة المسالمين وقاوة اإلسااالم وعازة الادين للعيااان ،مثال ماا
مهر ا ن ،فالجهاد في أفغانستان يُذي األمريكان والمرتدين ألاوان العاذاب ،وفاي
الشيشان فتوحاتس عظيمة وعمليات مستمرة ،وفي العراق ما ال يُحيط به الوصا
مان الجهاااد المبااارد بفِال هللا ومنتااه علااى حداثااة الجبهاة وقاارب تنسيسااها ،وفااي
جزياارة العاارب والجزائاار وغيرهمااا جبهاااتس ملتهباةس علااى الكااافرين ،والعااالم كلااه
ينتظر الِربات على الصليبيين وأوليائهم في المشارق والمغاارب ال يادري أحادس
أين الِربة ا تية لجند هللا المجاهدين في سبيله.
وكثياار ماان العمليااات التااي يقااوم بهااا المجاهاادون تصااادأ الشااهر الحاارام ،وشااهر
اب ،تنتهااي فيااه مهلااة الطاااغوت عبااد هللا للمجاهاادين فااي الجزياارة، اب آ ٍ
ت قريا س رجا َ
وينتي بعد انتهاء مهلاة أباي عباد هللا أساامة بان الدن للادول األوروبياة ،ويانتي فاي
الااذي يااتمكن فيااه المجاهاادون فااي أفغانسااتان والشيشااان ماان اإلعااداد أشا عاد الصااي
والعماال والجهاااد ،فوجااب بيااان حكاام الجهاااد فااي هااذا الشااهر ،وحكاام مااا يفعلااه
المجاهدون ،وأوجازت الكاالم علاى هاذه المسانلة فاي أرباع مقااال ٍ
ت تانتي باإذن هللا
على فروع هذه المسنلة وتُبين بهدايته سبحانه الح َّ من األقوال فيها.
وقااد أُجمااع علااى تعظاايم هااذه األشااهر وتغلاايظ المحرمااات فيهااا ،وكااان القتااال فيهااا
إلاى َّ
أن تحريماه منساو س ، والخلا محر نما ،ثا َّم ذهاب جمااهير العلمااء مان السال
أن محلَّه باإلجماع جهادُ الطلب ال جهاد الدفع ،والشريعة
والراج بقاء الحكم ،إالَّ َّ
شااه ُر ال َحا َارا ُم انص قولااه تعااالى( :ال َّ جا َّاوزت مقاتلااة ماان قاتلنااا فااي الشااهر الحاارام با ع
ان اعتَادَى َع َلااي ُكم َفاعتَادُوا َع َلي ا عه عب عمث ا عل َمااا
ااص َف َما ع
صا س عبال َّ
شااه عر ال َحا َار عام َوال ُح ُر َماااتُ قع َ
اعتَدَى َعلَي ُكم) ،والكفَّار اليوم يُقاتلون المسلمين فاي كال وقا ٍ وحاا ٍل ،ال يُحرماون
شهرا حرا نما ،وال يرعون إالًّ وال ذما نما.
ن فيهم
الثاني :أنَّها كان مما تعظمه العرب في الجاهليَّة على تفرقهاا واخاتالأ ديارهاا،
حتااى سااموا الحااروب التااي كانا فيهااا بحااروب الفجااار ،فااد َّل أنَّهااا ماان بقاي اا دياان
السالم.
ع إبراهيم عليه
عز وج َّل نهى عن إحالله فقالَ ( :يا أَي َها الَّذعينَ آ َمنُوا ال ت ُ عحلوا َ
ش َعا عئ َر أن هللا َّ
الرابعَّ :
الخامسَّ :
أن هللا سابحانه قرنهاا فاي ا ياة الساابقة بمحرماات عظيماة ،مان شاعائر
ضاع ص عد عن البي الذي َّ
عظم هللا به فعلاة الكاافرين فاي غيار مو ٍ هللا ،والهدي ،وال َّ
من القرآن.
السادسَّ :
أن هللا جعل التالعب بتحليلها وتحريمهاا مان زياادة كفار المشاركين فاي
ِال بعا عه الَّاذعينَ َكفَا ُروا يُ عحلونَاهُ َعاماا ن
الجاهلية ،فقال( :إعنَّ َما النَّسعي ُء عزيَادَة س فعي ال ُكف عر يُ َ
َويُ َح عر ُمونَهُ َعاما ن).
ص مكاة فاي
صها من بين الشهور بحكم التحريم واسمه ،كماا خا َّ سابعَّ :
أن هللا خ َّ ال َّ
القرآن ،والمدينة في سنة نبياه صالى هللا علياه وسالم باالتحريم ،فهاي فاي األزمناة،
كمكة والمدينة في األمكنة.
التاسع :أنَّها قيا سم للنااس وصاال سح ألمارهم ومعاشاهم ،كماا قاال سابحانهَ ( :جعَا َل َّ
هُ
ويساعى ام) ا ية ،فبها ينمن الخائ
شه َر ال َح َر َ ام قعيَاما ن عللنَّ ع
اس َوال َّ ال َكعبَ َة البَي َ ال َح َر َ
الناااس فااي المعااايو ،ولااوال مشااروعيتُها ضاااق بالناااس الساابل وانقطع ا الحياال
وانسدت أسباب التجارة.
72 فقه الجهاد -الطويلعي
الثااااني :شااارأ ماااا ُمنااا َع ،وكاااون التعااادعي علياااه انتها نكاااا لاااه ،ومناااه تحاااريم
المحرمات َّ
الزمانيَّة والمكانيَّة ،كالحرمين ،واألشهر الحرم.
صة. َّ
فيهن خا َّ األول :تحريم القتال
َّ
المحرمات.
َّ الثَّاني :تغليظ سائر
هذا وهللا أعلم ،وصلى هللا على محمد وسلم ،وعلى آله وصحابته أجمعين.
73 فقه الجهاد -الطويلعي
كمااا دلاا عليااه األحاديااث ،ومنهااا قولااه صاالى هللا عليااه وساالم” :أال َّ
إن دماااءكم
وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ،كحرم عة يومكم هاذا فاي شاهركم هاذا فاي بلادكم
إلاى والخلا هذا“ ،وذهب أحمد والشافعي ومالك وأباو حنيفاة ،وجمااهير السال
أن تحريم القتال في األشهر الحرم منسو س ،واختلفُوا في النَّاس :
َّ
إن النَّاس َ قولُهُ تعاالىَ ( :وقَااتعلُوهُم َحتَّاى الَ تَ ُكاونَ فعتنَاةس) ،وهاو قاول
فمنهم من قالَّ :
أن هللا ع َّم األزمان فقاالَ ( :حتَّاى الَ تَ ُكاونَ فعتنَاةس) ،فاد َّل علاى أ َّن ماا
الشافعيع ،وجهه َّ
منمور فيه بالقتال.
س قبل هذه الغاية
إن ال َّناس ا َ قولُ اهُ تعااالى( :فَاااقتُلُوا ال ُمشا عار عكينَ َحي ا ُ
ث َو َجاادت ُموهُم)، وماانهم ماان قااالَّ :
واألول أقوى داللةن على َّ ث َو َجدت ُموهُم)، ووجهه أنَّه عموم م كد بقوله تعالىَ ( :حي ُ
نص علاى األزمناة ،واألشاهر الحارم
واألول َّ
َّ نص على األمكنة، َّ
ألن الثاني َّ النس
من األزمنة.
والقتااال ،يُحتماال أن تكااون ناسااخةن لتحااريم األشااهر الحاارم، وجميااع آيااات السااي
ولكنها مجملة في النس غير مبيَّنة ،فال يُكتفى بها في ذلك بل ال بدَّ من دليال مبايع ٍن
أن السانَّة جاااءت ُمبيعناةن لهااا،
ااص ،إالَّ َّ للنسا ،لمااا تقا َّارر ماان َّ
أن العااام ال ينسا الخا َّ
74 فقه الجهاد -الطويلعي
فقاتل النبي صلى هللا عليه وسلَّم بعد آيات براءة أه َل الطائ ،وأرسال ساريَّةن إلاى
اس ،في األشهر الحرم.
أو ٍ
وأمثل ما ذكروا أنَّه الناس ،قوله تعالى ( :عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع
ور ععندَ هع اثنَا َعش ََر شَه نرا
س َم َاوات َواألَر َ عمن َهاا أَربَ َعاةس ُح ُار سم ذَ علاكَ ع
الادينُ القَ عاي ُم فَاالَ ب هع يَو َم َخلَ َ ال َّ فعي عكتَا ع
تَظ عل ُمااوا فعااي عه َّن أَنفُ َ
س ا ُكم َوقَاااتعلُوا ال ُمشا عاركعينَ َكآفَّ اةن َك َمااا يُقَاااتعلُونَ ُكم َكآفَّ اةن) ،وهااو قااول
الزهري وغيره.
وجهه أن ا ية جمع بين تحاريم األشاهر الحارم وقتاال المشاركين ،وقولاه قااتلوا
اذوأ تقااديره ”فا َّ
ايهن“ ،كمااا تقااول :فااال تنكاال من اه وال المشااركين ،متعل ا س بااه محا س
ن ا فااي تشاارب ،تعنااي :وال تشاارب منااه ،وعلااى هااذا التَّوجيا عه يكااون ن ًّ
صااا خاااص
القتال في األشهر الحرم.
فتكااون ا ياةُ قا َّاررت أحااد حكمااي األشااهر الحاارم ،وهااو تغلاايظ المعاصااي عمو نمااا،
َّ
فيهن. ونسخ ا خر ،وهو تحريم القتال
أن التَّرد ال يلزم منه التحريم ،فقد يكون مجانبةن لما يشنع عليه العرب باه،
األولَّ :
َّ
كما ترد قتل بعف المنافقين الذين لم تقام علايهم بيناة بكفار صاري ،لائال يُقاال إ َّن
محمدنا يقتل أصحابه.
75 فقه الجهاد -الطويلعي
جابر يحتمل أنه حكايةس منه لحال النبي ع صلى هللا عليه وسلم قبلٍ الثانيَّ :
أن كالم
النَّس ،والنزاع ليس في تحريم األشهر الحرم َّأول األمر ،وإ َّنما النزاع في ص َّحة
النس .
ونهى هللا عن تحليل الشهر الحرام كما في قوله( :يَا أَي َها الَّ عذينَ آ َمنُوا الَ ت ُ عحلوا
ام) ،وذلك في سورة المائدة وهي من آخر القرآن ش َعآئع َر هع َوالَ ال َّ
شه َر ال َح َر َ َ
وأمهر ما َّ
يتنزل عليه التحليل المنهي عنه هو القتالُ. ُ نزوالن،
وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي هللا عنه َّ
أن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خطب يوم النحر عام حجة الوداع ،فذكر في
الصحابة حتَّى منوا أنه سيسميه بغير خطبته أنَّه قال” :أي شهر هذا؟“ ،فسك
اسمه ،قال” :أليس بذي الحجة؟“ ،ثم قال في آخر الحديثَّ ” :
فإن دماءكم وأموالكم
وأعراضكم عليكم حرا سم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا“.
متنخر منه صلى هللا عليه وسلم في حجة الوداع ،بعد سرية
ع وهذا الحديث
أو اس ،وبعد حصار الطائ ،فال يُمكن أن تكون تلك الغزوات دليالن على النس
مع ثبوت الحكم بعدها ،وهذا من أقوى الوجوه.
76 فقه الجهاد -الطويلعي
أن النبي صلى هللا عليه وسلم جعل الشهر الحرام دليالن على ثبوت
ِاَّ :
وفيه أي ن
منها، الحرمة وتغليظها ،وال يُمكن أن ت َّكد حرمة الشهر الحرام بما هو أضع
بل بما صار بعد موت النبي صلى هللا عليه وسلم حالالن مبا نحا ال شيء فيه ،وأقل
بحرمة الشهر الحرام ،استواء ما في تشبيه حرمة الدماء واألموال واألعرا
والقوة ،وماهر الحديث َّ
أن حرمة َّ الحرمتين في الثبوت والديمومة ،وفي التغليظ
مع حرمة البلد الحرام ،وحرمة يوم النحر ،أغلظ من الشهر الحرام إذا اجتمع
أن هذا الظاهر غير مراد ،وإنَّما أ َّكد الحكم المجهول
حرمة الدم والمال ،والظاهر َّ
لدى أكثرهم بالحكم الذي يعرفونه ويقرون به ،مع العلم َّ
بنن النبي صلى هللا عليه
وسلم ما كان لي عكد الحكم الغليظ ويبين استمراره ،بحكم م قَّ ٍ يعلمون نسخة بعد
هذا الكالم بمدة يسيرةٍ.
ه َيو َم َخلَ َ وأ َّما قوله تعالى ( :عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع
ور ععندَ هع اثنَا َعش ََر شَه نرا عفي عكتَا ع
ب ع
الدينُ القَ عي ُم فَالَ تَظ عل ُموا عفي عه َّن أَنفُ َ
س ُكم س َم َاوات َواألَر َ عمن َها أَر َب َعةس ُح ُر سم ذَلعكَ ع
ال َّ
77 فقه الجهاد -الطويلعي
َوقَاتعلُوا ال ُمش عركعينَ َكآفَّةن َك َما يُقَاتعلُونَ ُكم َكآفَّةن) ؛ فهو وإن كان أمهر من غيره في
النس إالَّ أنَّه ال ينتهف به ،فقوله ( َك َما يُ َقاتعلُونَ ُكم َكآفَّةن) يُحمل على قتالهم معامل نة
بالمثل ال ابتدا نء ،فيكون موافقنا لقوله تعالى( :ال َّ
شه ُر ال َح َرا ُم عبال َّ
شه عر ال َح َر عام
اص) ،وتكون الكاأ فيه للتعليل.
ص سَوال ُح ُر َماتُ قع َ
ِا :إن كان قوله( :قَاتعلُوا ال ُمش عركعينَ َكآفَّةن) ،داخالن فيه األشهر الحرم،
وقد يُقال أي ن
فإن قولهَ ( :ك َما يُقَاتعلُونَ ُكم َكآفَّة) كذلك ال محالة ،فد َّل على َّ
أن المراد قو سم من َّ
المشركين يُقاتلوننا كافَّةن في الشهر الحرام وغيره ،وه الء ال خالأ في ُمقاتلتهم
في الشهر الحرام كما ينتي بإذن هللا.
وهللا أعلم ،وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
78 فقه الجهاد -الطويلعي
عااو عقبتُم
واألصال فاي المعاملاة بالمثال ،قولاه تعاالىَ ( :و عإن َعااقَبتُم فَ َعاا عقبُوا عب عمثا عل َماا ُ
عب عه) ،وقوله( :فَ َم عن اعتَدَى َعلَي ُكم فَاعتَدُوا َعلَي عه عب عمث عل َما اعتَدَى َعلَي ُكم).
شااه ُرعاز وجا َّل( :ال َّ وأ َّماا األشااهر الحارم ،فقااد ورد فيهااا الانَّص الخاااص ،فقااال هللا َّ
اص فَ َم عن اعتَدَى َع َلاي ُكم فَاعتَادُوا َع َليا عه عب عمثا عل
ص س ال َح َرا ُم عبال َّ
شه عر ال َح َر عام َوال ُح ُر َماتُ قع َ
َما اعتَدَى َعلَي ُكم).
ففي قوله الشهر الحرام بالشهر الحرام ،إثباتُ هذا الحكم في األشهر الحرم ،وفاي
اص) ،تعلي سل وتوكيدس له وتعمي سم للحكم في الحرمات المنتهكاة ص س قوله ( َوال ُح ُر َماتُ قع َ
س
وإذن ان اعتَادَى َعلَاي ُكم )..تحاري س
ف علاى هاذا، عدا ما ُح عارم لذاتاه ،وفاي قولاهَ ( :ف َم ع
عدوان من الكفَّار بمثله.
ٍ للمسلمين في مقابل عة ُك عل
ه اثنَا َعش ََر شَاهران ومثل هذا ما تقدَّم في تفسير قوله تعالى ( :عإ َّن ععدَّةَ الش ُه ع
ور ععندَ َّ ع
ت َواألَر َ عمن َهاا أَر َب َعاةس ُح ُار سم ذَلعاكَ ع
الادينُ القَ عاي ُم فَاال ه َيو َم َخلَ َ ال َّ
س َم َاوا ع ب َّ ع فعي عكتَا ع
بانن الماراد مقااتلتهم س ُكم َوقَاتعلُوا ال ُمش عركعينَ َكافَّاةن) ،علاى تفسايرها َّ تَظ عل ُموا فعي عه َّن أَنفُ َ
79 فقه الجهاد -الطويلعي
ومن ذلك ما ينتي في المقال القادم بإذن هللا ،من قصة الحديبية.
األول :من يلتزم األشهر ال ُح ُرم ،ث َّم ينتهكها ،كما تُنقف العهود والمواثيا ؛ فجااز
َّ
صا ،وهو ماهر في ا ية.
في مثل هذا أن يُقاتل في الشهر الحرام قصا ن
الثاني :من ال يلتزم تحريم األشهر الحرم وال يراها ،من كفَّار العجم وعا َّم عة ُكفَّاار
َّ
والظاهر َّ
أن البغاة من المسلمين كذلك؛ فلاو اليوم ،إذا قاتلونا في الشهر الحرام،
بغى علينا ائفةس من المسالمين وكاانوا يارون نسا تحاريم األشاهر الحارم فقاتلوناا
قصااص كماا ساماه هللا
س فيها ،جاز لنا أن نقاتلهم في الشهر الحرام كما قاتلونا ،ألنَّه
َّ
ولكن استيفاء القصاص في قتال البُغاة ال يكون على جهة القصاص فلنا استيفاؤه،
وحدها ،وإنَّما يكون لدفع البغي ومعنى القصااص يوجاد فاي إباحاة دفاع بغايهم فاي
الشهر الحرام فقط ،ال قتالهم انتقا نما.
وال فرق بين من ال يلتزم األشهر الحرم أصالن ومن كان ملتز نما لها ث َّم نكاث فيهاا،
وقد أخذ أخذ عمر بان الخطااب العشاور مان تجاار الاروم ل ًّماا كاانوا ينخاذونها مان
المسلمين ،ولم يستفصل هل هم ملتزمون تحريم المكس أم ليس عندهم محر نما.
والعلَّة التي ألجلها أُذن بال ُمثلة ،ال تفري فيها بين الكافر الملتزم للحكم إذا نقِاه،
فإن العلَّة هي شفاء الصدور باالقتصاص ،ومكافنة السيئة
والكافر الذي لم يلتزمهَّ ،
بمثلها ،والنكاية في أعداء هللا بقادر ماا يفعلاون فاي المسالمين ،وكال هاذه ال تفريا
فيها بين ملتزم الحكم الناكث له ،ومن لم يلتزمه.
80 فقه الجهاد -الطويلعي
والقتال في األشهر الحرم كذلك ،فإنَّه متى كان فيه ردعس ألعداء هللا وغلظة علايهم
ونكاياةس فاايهم كااان فعلااه أفِاال ماان تركااه ،ويكااون مناادوبنا إليااه مر َّ
غبنااا فيااه
فااوق األصاال الثاب ا ماان الوجااوب فااي عمااوم األوقااات ،فهااي ضااا عليااه
محر ن
َّ
مخصوصةس بمزي عد تعي ٍن وفِ عل وجو ٍ
ب.
ص فاي
ي علياه فاي الشاهر الحارام ،لاه أن يقات َّ وقد ذكر بعف أهال العلام َّ
أن المجنا َّ
حقاه فاي
يقاتص فاي غياره وينازل عان ع
َّ الشهر الحارام ويكاون آخاذنا ع
بحقاه ،ولاه أن
خصوص الشهر الحرام.
فإذا كان ذلك في القصاص بين المسلمين فهو أولى في االقتصاص من الكاافرين،
شاه عر ال َحا َر عام َوال ُح ُر َمااتُشه ُر ال َح َرا ُم بعال َّ
نص هللا عليه وأمر به فقال( :ال َّ كي وقد َّ
اص فَ َم عن اعتَدَى َعلَي ُكم فَاعتَدُوا َعلَي عه بع عمث عل َما اعتَدَى َعلَي ُكم).
ص سقع َ
والفرق بين القتال في الشهر الحرام معاملةن بالمثل ،والقتال في الشهر الحرام دفعنا
أن القتال معاملةن بالمثل يكون في االقتصاص واالنتقام بعد انتهاء
للكافرينَّ ،
عدوانهم ،أما الدفع فيكون حال التخلص منهم ومدافعتهم ،وفي المقال القادم بإذن
هللا سيكون الحديث عن جهاد الدفع في الشهر الحرام ،وهللا أعلم.
81 فقه الجهاد -الطويلعي
وهناد مقاصدُ أُخرى للجهاد ال تادخل فاي هاذا وال هاذا ،وإياراداتس علاى التقسايم،
ليس هذا المختصر مح َّل بسطها ،وقد تقدَّم ذكر شيءٍ منها.
المهم التنبيه على غلط من يظان جهااد ال ُكفَّاار المحت علاين لابالد المسالمين
ع إالَّ َّ
أن من
جهاد لب ،سواء كان هاذا المحتال أجنبيًّاا كااألمريكيع ،أو و نيًّاا مان بناي جلادتنا
ويااتكلم بلساااننا ،وال دلياال ماان الكتاااب والساانة وال ماان آثااار الصااحابة أو أقااوال
الفقهاء ،وال مما هو دون ذلك على التفري بين كافر و ني وكافر أجنبي ٍ ،والعلَّاة
فااي جهاااد الطلااب دعااوة الناااس إلااى اإلسااالم ،أ َّمااا قتااال الكفَّااار اليااوم فااالمراد منااه
ي ،والمرتاد
المقصود به دفعهم عن المسلمين وبالد اإلسالم ،سوا سء في ذلك األجنبا ا
الو ني.
شاهر
ٍ األول :جميع ما تقدَّم من أدلَّة المعاملة بالمثل؛ فاإذا كاان عادوانهم عليناا فاي
َّ
حارام آخار ،فتجاويزه ردَّ عادوانهم نفساه فاي
ٍ شاهر
ٍ مجو نزا لنا أن نقاتلهم في
ع حرام
ٍ
بيقين.
ٍ وق عدوانهم أولى
الثاني :ما ص َّ عان النباي ع صالى هللا علياه وسالَّم ،مان أخاذه بيعاة الرضاوان حاين
ت ل َّما بلغه مقتل عثمانَ بن عفَّانَ رضي هللا عنه وأرضاه، بايع الصحابة على المو ع
اهر حاارا سم ،وهااذا ماان أمهاار األدلَّ ا عة
اهر ذي القعاادة ،وهااو شا س
وقااد كااان ذلااك فااي شا ع
وأصحها.
ع
وأما كون بيعة الرضاوان فاي ذي القعادة فقاد قاال أناس بان مالاكٍ رضاي هللا عناه:
هان فاي ذي القعادة ،إالَّ التاي
اعتمر رسول هللا صلى هللا علياه وسالم أرباع عمار كل َّ
كان مع حجته ،عمرة من الحديبية في ذي القعدة ،فذكر الحديث أخرجه البخاري
ومسلم في صحيحيهما.
الثالث :اإلجماعُ على أن التحريم في الشهر الحرام ال يتناول جهاد الدفع ،قال ابن
القيم في زاد المعاد :وال خالأ في جواز القتال فاي الشاهر الحارام إذا بادأ العادو،
إنما الخالأ أن يُقاتل فيه ابتدا نء.
83 فقه الجهاد -الطويلعي
السااابعَّ :
أن تحااريم الشااهر الحاارام إ َّمااا أن يكااون لح ا ع هللا ،وإ َّمااا أن يكااون لح ا ع
المخلااااوق ،فحاااا المخلااااوق ينااااتقف بعدوانااااه ،وحاااا هللا فااااي النفااااوس والاااابالد
ادو
واألعاارا المعتاادى عليهااا أعظاام منااه فااي الشااهر الحاارام ،فكانا مدافعااة العا ع
حف ن
ظا لح ع هللا ال انتها نكا له.
الثَّامنَّ :
أن الفطر السويَّة ،والطباع المستقيمة ،والعقول السليمة ،تعلم يقيننا ،أنَّاه ال
زماان لام
ٍ العدو الصائل يفسد في الابالد رعاياةن لحرماة
ع ينتي س
دين من األديان بترد
يحترمه العدو أصالن.
التاسع :أن النبي صلى هللا عليه وسلم لما خرج إلى الحديبية كان خروجه في ذي
القعدة ،ولما بلغه خبر من أرادوا صده عن البي قال” :أال تارون أن نميال إلاى
ذراري ه الء الذين يُريدون أن يصدونا عن البي ،فإن ينتوا يكن هللا قطع
84 فقه الجهاد -الطويلعي
عنا عيننا من المشركين ،وإن قعدوا قعادوا محاروبين“ ،واألمهار أن هاذا فاي
ذي القعدة.
وقد استباح النبي صلى هللا عليه وسلم قتالهم إلرادتهم صدَّه صالى هللا علياه وسالم
بمن قاتل المسلمين في ديارهم واساتباح بمن صدَّ حقيقةن؟ وكي عن البي ،فكي
حرماتهم؟
حرم البي الحرام ،وجعل لاه حرماةن فاي األمكناة كحرماة العاشرَّ :
أن هللا سبحانه َّ
الشااهر الحاارام فااي األزمنااة ،وأباااح تلااك الحرمااة إذا ابتاادأ المشااركون المساالمين
بالقتاال ،فقاالَ ( :وال تُقَااتعلُوهُم ععنادَ ال َمس عاج عد ال َح َار عام َحتَّاى يُقَااتعلُو ُكم فعيا عه فَاإعن قَااتَلُو ُكم
فَااقتُلُوهُم َكاذَلعكَ َجازَ ا ُء ال َكاافع عرينَ ) ،فكاذلك حرماة الشاهر الحارام ،يُنهاى عان قتااالهم
حتى يُقاتلونا فيه فإن قاتلونا قاتلناهم.
وجهاااد المجاهاادين اليااوم كلااه ماان جهاااد الاادفع ،سااواء كااان قتاااالن للمحتاال الك اافر
األصليع ،كما في أكثر الابالد ،أو للطواغيا المرتادعين و اوائفهم كماا فاي الجهااد
الجزائري ع ال ُمبارد وقتال المرتدعين كما قُ عارر فاي غيار موضاع مان جهااد الادفع ال
من جهاد الطلب.
الحااادي عشاار :أن النبااي صاالى هللا عليااه وساالم جعاال حرمااة دم المساالم كحرمااة
الزمااان مااع حرمااة المكااان مجتمعتااين فاادل علااى أن حرمااة الاادم أغلااظ ومااع ذلااك
بحرمة الزمان وهي أقل. سقط الحرمة لمصلحة الدفع كما في التترس فكي
لم يزل المسلمون على مر التاري يُقاتلون أعداءهم في األشهر الحرم وغي عرها.
وكان غزوة النبي صلى هللا عليه وسلم ألهل الطائ ،والسرية التي أرسلها إلاى
أو اس في األشهر الحرم كما تقدَّم.
85 فقه الجهاد -الطويلعي
وحروب الصادي رضاي هللا عناه للمرتادعين وافقا األشاهر الحارم وال باد ،ألنَّهاا
دام نحو العام أو أكثر ،وموت النبي صالى هللا علياه وسالم كاان فاي شاهر ربياع
األول ،ولم يستنن الصدي بإخراج الجيون لقتال المرتدين وال بإنفاذ بعث أسامة،
أشهر.
ٍ وليس دون رجب إال ثالثة
والقرون المفَِّالة كلهاا لام يخال عاا سم مان أعاوام الجهااد فيهاا مان قتاا ٍل فاي الشاهر
الحرام ،في غزوات الخلفاء الراشدين ،ومن بعدهم من الصاحابة والتاابعين ،وفاي
جميع عصو عر الجهاد في التاري .
ع
المحرم ،وحصاره لع َّكا كان ثال
َّ وقد خرج صالح الدين لمعركة حطين في َّأول
سنين ،بدأت في رجب ،585بل َّ
إن فتحه لبي المقدس كان في السابع والعشرين
من رجب .583
الخمي :
ي صة غازوة العُسارةع َّ
أن النبا َّ أخر َج البخاري ومسلم من حديث كعب بن مالك في ق َّ
صلى هللا عليه وسلم :خرج في غزوة تبود يوم الخميس وكان يحب أن يخرج يوم
الخميس ،وفي لفظ :لقلَّما كاان رساول هللا صالى هللا علياه وسالم يخارج إالَّ فاي ياوم
الخميس.
أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عقدَ لواء أسامة بن زيد في بعثاه وذكر الواقدي َّ
بعاث أُسااامة“ ياوم الخماايس ،وخارج فااي غازوة نجااد وهااي
َ الاذي قااال فياه” :أنفااذوا
غزوة ذي أمر يوم الخميس.
وجاء في لفظٍ للحاديث عناد النساائي مان ريا ابان وهاب عان ياونس” :قلَّماا كاان
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يخرج في سفر جهاد وال غيره إال ياوم الخمايس“،
ولم يذكر هذه الزيادة أكثر مان روى الحاديث عان الزهاري والظااهر أنَّهاا ُمدرجاةس
وغياره فثابا س فااي
ع االساتحباب فاي الجهااد
ُ مان بعاف الارواةع شار نحا للحاديث ،وأ َّماا
87 فقه الجهاد -الطويلعي
ث
الجهاد بما في الصحيحين مان حاديث كعاب ،أ َّماا فاي غيار الجهااد فظااهر الحادي ع
يتناولُهُ وهللا أعلم.
وروي شااي سء فااي فِاال يااومين آ َخا َارين همااا االثنااين والسااب ُ ،فن َّمااا االثنااين ف اذكر
ُ
العيني في شرح البخاري َّ
أن في حاديث كعاب بان مالاك” :وكاان رساول هللا صالى
هللا عليه وسلم يُحب أن يُسافر يوم االثنين ويوم الخميس“ ،وليس هذه الجملة مماا
انتسخه العيني من فت الباري ،ولم أجد الحديث الذي ذكره العيني ع وال يص شي سء
حجر في التلخيص لف ن
ظا من ألفام حاديث اللهام ٍ بهذا المعنى ،وأ َّما السب ُ فذكر ابن
بارد أل َّمتي في بكورهاا ،ونصاه” :اللهام باارد ألمتاي فاي بكورهاا ياوم سابتها
ويوم خميسها“ ،ونقل عن أبي زرعة أنَّه قال :هذه الزيادة ُمفتعلةس.
فهذا ما ُروي في السفر والخروج إلاى ال عقتاال عان النباي صالى هللا علياه وسالم مان
الياوم والليلاة التاي يُشارع فيهاا ال عقتاال فقاد وردَ مان ذلاك
ع أيام األُسبوع ،وأ َّما أوقاات
ثالثةُ أوقاتٍ:
األول :بعد الفجر؛ جاء عناد البخااري ومسالم فاي حاديث أناس بان مالاك
الوقتُ َّ
رضي هللا عناه :كاان رساول هللا صالَّى هللا علياه وسالم إذا غازا قو نماا لام يغار حتاى
يصب ،فإن سمع أذاننا أمساك ،وإن لام يسامع أذانناا أغاار بعاد ماا يصاب ،وهاذا إنَّماا
كان منه صلى هللا عليه وسلَّم تبيننا لئالَّ يغزو أهل بل ٍد من المسالمين ،فيكاون اختياار
88 فقه الجهاد -الطويلعي
هذا الوق ع لهذه العلَّة ال مطلقنا ،ولما غزا صلى هللا علياه وسالم يهاود خيبار غازاهم
قوم فساء صبا ُح المنذَرين.
صبا نحا وقال :إنَّا إذا نزلنا بساح عة ٍ
وقوله في هذا الحاديثع” :إذا غازا قو نماا لام يغار حتاى يصاب ...وإن لام يسامع أذانناا
أغار بعاد ماا يُصاب “ مااهره أن اإلصاباح الاذي ينتظاره هاو اإلصاباح الَّاذي يُغيار
بعده ،وهو أول وق الفجر والوق ُ الَّذي يُسمع فيه األذان.
ومما يدل على فِل هذا الوق ع في الخاروج للسافر ،ماا جااء عناه صالى هللا علياه
وساالم ماان حااديث صااخر باان وداعااة الغاماادي” :بُااورد أل َّمتااي فااي بكورهااا“،
والبُكور الخروج بكرةن وهو َّأو ُل النَّهار ،وفي بعف األحاديث” :ب ُ ورد أل َّمتي
اوقتين :الصاابا َح والخماايس ،ولكنَّااه وا ٍه ال
ع فااي بكورهااا يااوم الخماايس“ ،فجم ا َع الا
يص .
الوقتُ الثاني :بعد وال الشم ِ ؛ أخرج البخااري مان حاديث ُجبيار بان حيَّاة
عان النعمااان باان مقا عارن رضااي هللا عنااه” :ولكنااي شااهدت القتااال مااع رسااول هللا
صالى هللا علياه وساالم ،كاان إذا لاام يقاتال فااي أول النهاار ،انتظاار حتاى تهااب
األرواح وتحِاار الصاالوات“ ،وقولااه ”وتحِاار الصاالوات“ دلياال علااى أنَّااه
ينتظر إلى زوال الشامسَّ ،
ألن الصالوات بعاد أول النهاار ال تحِار إال بعاد زوال
الشمس فتحِر الظهر ث َّم العصر ثم المغرب ثم العشاء ،وهذا ما جاء به مصار نحا
في رواي عة معقل بن يسار عن النعمان بن مقرن عناد الترماذي” :إذا لام يُقاتال أول
89 فقه الجهاد -الطويلعي
األول :انتظار هبوب الرياح ،قال ابن حجر في الفائدة من هبوب الريااح:
األمر َّ
مااهر فااي
س (فيحصال بهاا تبريااد حادة الساالح والحارب وزياادة فاي النشااا ) ،وهاذا
يصالب ويشاتد كلَّماا بارد ويلاينُ فاي الحارارةع،
ُ السالح القديم والحديثعَّ ،
فاإن الحدياد
والسيوأ من الحديادع ،وأسالحة هاذا العصار غالبهاا مان الحدياد الاذي جعال هللا فياه
والسيوأ تزداد حرارتهاا فاي الحارب بسابب
ُ سا شديدنا وال تقوم الحروب إالَّ به،
بن ن
ارب ماان الحاارارة الناشاائة عاان االحتكاااد ،واألساالحة الحديثاةُ تاازداد
يولااده الِا ُ
مااا ع
حرارتهااا بساابب االنفجااار الااذي يقاا ُع فيهااا عنااد إ ااالق مقااذوفاتها علااى اخااتالأ
حارا للقتاال بهاا لائالَّ تازداد حارارة
أنواعها ،فكان األفِال أن يُختاار الوقا ُ األقال ًّ
الجا عاو إلااى مااا فيهااا ماان حاارارةٍ ،فااإن قُاادعم المعركااة علااى الاازوال اشااتدت حاارارة
90 فقه الجهاد -الطويلعي
األسلحة وتلف أو لم يُنتفع بها كمال االنتفاع ،وإن أ ُ عخرت عن الزوال إلاى العصار
لم يب وق س للمعركة مان النهاار ،وكاانوا ال يُقااتلون فاي الليال عناد المصاافَّة وإنَّماا
العدو ليالن وهو ا
غار. َّ يُبيتون
و ُمقتِى التعليل بهذه العلَّة وحدها أن يُفَِّل تانخير المعاارد فاي هاذا الوقا عان
الزوال إلى آخر العصر أو إلى المغرب ليكون أبرد لاسلحة ،أ َّما ترد النبي صلى
هللا عليه وسلم وأصحابه ذلك في حروبهم فلوجود المانع وهو العجز عن القتال في
الليل وهذا المانع منت ٍ في العصور الحديثة.
األمثثر الثثثاني :حضثثور الصثثلوات ،ومااا فيهااا ماان دعاااء المساالمين فااي صاالواتهم
للمجاهدين ،كما جاء في حديث قتادة عن النعمان :وكان يُقال :عند ذلك تهي ُج ريااح
النصر ويدعو ال ُم منون لجيوشهم في صال عتهم ،وبذلك أخذ صالح الادين حاين
أ َّخر معركة حطين إلى وق خطبة الجمعاة ليُوافا دعاوات المسالمين فاي ال ُجمعاة
لهم ،وكل ذلك من أسباب النصر.
األمر الثالث :نزول النصر ،وهذا منصوص حديث معقل بن يسار عان النعماان
بن مقرن ،وقيل في هبوب الرياح إنَّه أمارة س عليه كما تقدَّم.
فالحاصل مما تقدَّم :اساتحباب الخمايس للخاروج إلاى القتاال وغياره ،واساتحباب
أول النهار ،وما بعد ال َّزوال، الليل للبيا ع
ت وإدراد عغ َّرة العدو ،واستحباب وقتيَّ :
ع علل باه مان العلال ،وهللا أعلام ،وصالَّى هللا لل عقتال مصافَّةن وأفِلهما بعدَ َّ
الزوا عل لما ُ
على عبده ورسوله محمد ،وعلى آله وصحابته أجمعين.
92 فقه الجهاد -الطويلعي
المحرمات في القتال
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرأ المرسلين ،نبينا محماد وعلاى
آله وصحابته أجمعين ،أما بعد:
اك خل ا عبااادَه مختلفااين ،ولاام يجعاال فا َّ
اإن هللا عااز وجاال خااال الخليقا عة ومالااكَ الملا ع
وفارق باين أعدائاه وأوليائاه ،ثا َّم
كالمتقينَّ ،
ع المسلمين منهم كالمجرمين ،وال الف َّجار
أمر عباده الم منين بجهاد الكافرين وقتالهم حتى ال تكون فتنةس ويكون الادين هلل أو
يعطااوا الجزي اةَ صاااغرين ،وجعاال للجهاااد كسااائر العبااادات التااي أما َار بهااا علو نم اا
وأعماالن ومعاالم وحادودنا ،وجعال العلام دلايالن للعمال والجهااد وحاديناا إلياه ،وجعال
العماال تصااديقنا للعلاام وترسااي نخا لااه ،فمتااى كااان الجهاااد بااال علا ٍام أو الحااديث عنااه
والدعوة إليه بال عم ٍل وامتثا ٍل ،نُزع بركته وضاع ثمرتُه والمقاصد الشرعية
المنو ة به.
ومن هنا كانا الحاجاة إلاى كتاباة الِاوابط والحادود الَّتاي ضابط بهاا الشاريعة
كثيار مان أهال العلام المعاصارين
س مسائل الجهاد والقتال في سابيل هللا ،وقاد اعتناى
بعموم أحكام الجهاد ،أو بالتحريف على الجهاد وبيان وجوبه وماوا ن ذلاك ،أ َّماا
والمحرمات في القتال فلم أجد فيها من التفصيل ما يفي بالحاجاة القائماة
َّ الِوابط
إليه.
واستغ َّل أهل النفاق هذا الجانب وكثرة الجهل به والغفلة عن تحرير مسائله ودقي
حرماات ماا
مباحثه ،فنوردوا من الشبهات التي تستند إلى ما جاء في القتال من الم َّ
بالكليَّ اة وانقطاااع القتااال فااي ساابيل هللا والاادفاع ع ان
يُفِااي إلااى سا عاد باااب الجهاااد ع
كثيار مان السَّا َّماعين لهام مان
س حرمات المسلمين ،وتابعهم فاي بعاف ماا جااؤوا باه
المسلمين ،ومن يث في بعِهم ويظنه من أئ َّمة الدين.
والتفااريط فااي معرفااة ضااوابط الجهاااد وشاارو ه يفاات باااب التخااذيل واإلرجاااأ
والتعوي ا ،كمااا َّ
أن ال ُمبالغااة فااي تلااك الشاارو وتحميلهااا مااا ال تحتماال يفاات باااب
التهور واالندفاع في القتال على غير هُدى ،فكان غالب الناس ماع شارو الجهااد
93 فقه الجهاد -الطويلعي
شر ُ في حال دفع فاألص ُل في دماء الكفَّار اإلباحةُ ،بشر ع بلوغع الدَّعوة ،ويسق ُ
ط ال َّ
عاادوانهم علااى المساالمين ،فااإذا بلغ ا ع الاادعوة فالكفَّااار قساامان :المباح اةُ دماااؤهم،
والمحرمة دماؤهم.
َّ
94 فقه الجهاد -الطويلعي
ث َّم الذين تحرم دماؤهم قسامان :مان تحارم دمااؤهم ابتادا نء وهام الذ عرياةُ ومان أ ُلحا
ب عااار
؛ والااذين تحارم دماااؤهم بسااب ٍ بهام ،وماان تحاارم دمااؤهم بساابب عااار
ِا:
قسمان أي ن
األول :ماان تحاارم دماااؤهم عنااد وجااود هااذا الساابب بغياار اختيا ٍ
اار للمساالمين فيااه َّ
وه الء هم أهل الجزية إذا اختاروها قبل فت أرضهم والمستجير ليسمع كال َم هللا،
والرسول من الكفَّار إلى المسلمين.
الثاني :من تحرم دماؤهم باختيار المسلمين :الرج عل الواحد مانهم أو ولاي ع أمارهم؛
وه الء هم أهل األمان وأهل العهد.
هذا وهللا أعلم ،وصلى هللا وسالم علاى عباده ورساوله محماد وعلاى آلاه وصاحابته
أجمعين.
95 فقه الجهاد -الطويلعي
المحرمات في القتال
(الذرية )
الحمااد هلل رب العااالمين ،والصااالة والسااالم علااى أشاارأ المرساالين ،نبينااا محم اد
وعلى آله وصحابته أجمعين ،أما بعد:
فإن مما استُثني من أصل إباحاة دمااء الكفَّاار :الذرياة وهام النسااء واأل فاال وفاي
َّ
حكمهم المجنون ،وقيل بإلحاق غيرهم بهام ،واساتثناؤهم لايس اساتثناء عصامة بال
هااو حرمااة القتاال فحسااب؛ ولااذا جاااز االسااترقاق ولاام يجااب علااى القاتاال دياةس علااى
المحرمات مرتبة وأخفها حرماةن علاى ماا تقادَّم
َّ الصحي ،فذراري المشركين أدنى
في العدد الرابع عشر من هذه المجلة المباركة بشيء من التفصيل.
والذرية :هم النساء مطلقنا ،وكل من لم يبلغ من األ فال ،والمجانين حال جناونهم
وكل من ال عقل له ،وال ُخنثى ال ُمشكل ويُراد به من خل ُخنثاى ال المخنثاون الاذين
يتعا ون الهرمونات وما أشبه ذلك ،وهذا القدر ُمتَّف س عليه في الذرياة المعصاومة
دمااؤهم ،لماا فاي الصاحيحين مان حاديث ابان عمار رضاي هللا عناه َّ
أن رسااول هللا
صلى هللا عليه وسلم نهى عن قتل النسااء والصابيان ،والمجناون فاي حكام الصابي
الَّذي هو ُمتعلَّ ُ األحكام. النعدام التكلي
ويحرم قتل العبد عن الحنابلة والشاافعية والحنفياة والمالكياة ألنَّاه ماا سل صاال س ولاو
كافرا فال يجوز إتالفه على المسلمين ،وألنَّه ليس من أهل الحرب ،وقد قدَّمنا
كان ن
فااي بعااف المقاااالت اإلشااارة إلااى َّ
أن العبااد كثيا نارا مااا يُلحا فااي أحكامااه باااألموال
حقه من أحكام اإلنسانية وهللا أعلم.
وتكون أحكام الماليَّة أغلب في ع
فيمن يُلح بهم ،ومجمل من قيل بإلحاقه بالذرية أربعة أصناأ: واختُل
األول :ماان ال يُطي ا ال عقتااال كالشاايو ،وأُخااذ هااذا ممااا روي عاان النبااي
َّ
ُ
أحادياث صلى هللا عليه وسالم فاي النهاي عان قتال الشايو ،وكلهاا
96 فقه الجهاد -الطويلعي
بكار فاي وصايته المشاهورة ولام يثبا ،وماا ضعيفةس ،ومماا ُروي عان أباي
جاء عن ابن عبَّاس من رواية علي بن أبي لحة عنه في تفسير قوله تعالىَ ( :وال
تَعتَدُوا ) ،قال ال تقتلوا النساء واأل فال وال الشي الكبير ،وال من ألقى إلايكم السالم
وكا َّ يااده .يعناي بماان ألقاى الساالم وكا َّ يااده مان أعطااى الجزياةَ وسااالم المساالمين
وترد القتال ودخل في حكم أهل اإلسالم ،كقوله تعالىَ ( :وإعن َجنَ ُحوا عللسَّل عم فَااجنَ
لَ َها) ،وهذا اإلسناد إلاى ابان عبااس منقطا سع لام يسامع علاي بان أباي لحاة مان ابان
عباااس ،ولكنهااا نسااخة ت ُ علقي ا بااالقبول واعتماادها عاادد ماان الحفَّااام كالبخاااري فااي
صحيحه ،وقال ابن حجر :كان يحتج بها البخاري وأبو حاتم ،وقال عنها أحمد بن
كثيرا ،يرويها عبد هللا بن
حنبل :بمصر نسخة لو رحل إليها إنسان قاصدنا لما كان ن
صال عن معاوية بن صال عن علي بن أبي لحة عن ابن عبااس ،أو نحاو هاذه
العبارة ،ذكره ابن النحاس في الناس والمنسو وذكر الميموني عن أحمد أنَّه قال
فااي علااي باان أبااي لحااة :لااه أشااياء منكاارات ،وقااال يعقااوب باان ساافيان :ضااعي
الحااديث ،وقااال ماارة :لاايس هااو بمتاارود وال هااو حجااة ،وقااال أبااو داوم :مسااتقيم
الحديث ،وذ َّمه جماعة في مذهبه ،والقرب فيه أنَّه حسن الحديث أ َّما االنقطااع فقاد
ذكر جماعة َّ
أن بينهماا مجاهادنا ،وأكثار البخااري مان تخاريج أحاديثاه فاي التفساير
معلَّقااة مجزو نمااا بهااا فيقااول :قااال اباان عبَّاااس كااذا ،ومعلااو سم تشاادد البخاااري فااي
االتصال ،فتكون كرواية سعيد بن المسيب عان عمار وأباي عبيادة بان عباد هللا بان
مسعود عن أبيه ،مما يقبله أهال العلام بالحاديث وإن كاان منقط نعاا ،أماا عباد هللا بان
صال فما رواه عنه الحفام أجود مما رواه غيرهم وهذه النسخة التي رواها بهاذا
اإلسناد رواهاا عناه جماع مان الحفاام مانهم أباو حااتم الارازي ،وعثماان بان ساعيد
الاادارمي ،وأبااو عبيااد القاساام باان س االَّم ،ويعقااوب باان ساافيان الفسااوي ،وجماعااة
س
حسن. آخرون ،فاألقرب في هذا اإلسناد أنَّه
وذهااب الشاافعيَّة واباان حاازم إلااى إباحااة دماااء الشاايو لظاااهر حااديث الحساان عاان
ساامرة باان جناادب” :اقتلااوا شاايو المشااركين واسااتبقوا شاارخهم“ ،والحااديث
97 فقه الجهاد -الطويلعي
وقد أُلح بالشيو األعمى ومقطوع اليدين ومقطوع اليمناى إن كاان ال يساتطيع
القتااال بيُسااراه ونحااوهم مماان ال يسااتطيع القتااال ببدنااه ،فحيااث أدخلنااا القاادرة علااى
وحياث جعلناا العلَّاة الكفار وحاده إالَّ ماا
ُ القتال دخل ه الء فيمن ال يستطيع القتال،
استُثني أُبيح دماء ه الء لعدم الدليل على استثنائهم ،وهو الراج كما تقدَّم.
در
أن هاذا القسام قاا س الثاني :من ليس من شاننه القتاال؛ والفارق بيناه وباين َّ
األول َّ
ببدنه على القتال ولكنَّه ال يُعانيه وال يجعله له شنننا ،وه الء قسمان:
ماان ال يُخااالط الناااس وهاام الرهبااان فااي صااوامعهم ،لمااا جاااء عاان الصاادي
رضااي هللا عنااه ماان النهااي عاان ق اتلهم وقولااه :وسااتمرون علااى أقااوام فااي
الصوامع قد حبساوا أنفساهم فيهاا فادعوهم حتاى يمياتهم هللا علاى ضااللهم،
وفي لفظ :فذروهم وما حبسوا أنفساهم لاه ،وقاد ُروي عان أباي بكار بإساناد
مرساال ولكنَّهااا وصااية مشااتهرة عنااد التااابعين ماان أهاال الشااام فماان بعاادهم،
واألمهر جواز قتلهم لعدم الادليل الصاحي الناقال عان األصال الثابا مان
إباحاااة دماااائهم ،ويخاااتص هاااذا بالرهباااان فاااي الصاااوامع أ َّماااا القساوساااة
والشمامسة الذين يُخاالطون النااس فادماؤهم مباحاةس باالتفااق وهام كماا قاال
اباان القاايم :ال يتنااازع العلماااء فااي أنهاام ماان أحاا النصااارى بالقتاال عنااد
المحاربة وبنخذ الجزية عند المسالمة وأنَّهم من جنس أئمة الكفر الذين قال
فيهم الصدي رضي هللا عنه ما قال وتال قوله تعالى( :فَقَا عتلُوا أَ عئ َّمةَ ال ُكف عر).
99 فقه الجهاد -الطويلعي
وهاو من يُخاالط النااس وشاننه شاننهم إالَّ أنَّاه لايس مان أهال القتاال كالعساي
األجير في الرعي والصناعة ونحوها ،وكالفالَّح الذي ال شنن لاه فاي غيار
الشافعيَّة ،والصحي الزرع ،وقد قال باستثناء ه الء بعف الفقهاء وخال
جواز قتلهم وإباحة دمائهم مطلقنا ،ففي الصحي من حديث ابان عبااس فاي
قوله تعالىَ ( :وال تَقُولُوا عل َمن أَلقَى إعلَي ُك ُم الس َ
َّالم لَس َ ُم عمنا ن تَبتَغُاونَ َع َار َ
أن رج االن كااان فااي ُ
غنيم ا ٍة لااه ،فلحقااه ه َمغَااانع ُم َكثعيا َارة س) َّ
ال َحيَاااةع الاادنيَا فَ ععن ادَ َّ ع
المسلمون فقال السالم عليكم ،فقتلوه وأخذوا ُ
غنيمتاه ،فاننزل هللا فاي ذلاك..
فذكر ا ية ،وفي هذه ا ياة دليا سل علاى مشاروعية قاتلهم مان هاذه حالاه مان
الرعاء ،وإنَّما غلطاوا فاي قتلهماوه بعاد أن ألقاى الساالم الاذي هاو فاي ع
حقاه ع
وأمثاله دلي سل على اإلسالم ،فلو كان قتل الرعاة وأمثاال هاذا الرجال حرا نماا
لنُهي عنه.
ففي هذا الذي تقدَّم بيان ما يدخل في الذرية وما قيل بإلحاقه بها وما ص َّ من
ال ذلااك فااي النظاار ،وياانتي فااي المقااال القااادم بااإذن هللا تعااالى بيااان الحكاام
كا ع
الشرعي في الذرية ومن يُلح بهم ،وما يُساتثنى مان ها الء ويجاوز قتلاه،
وصلى هللا وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
100 فقه الجهاد -الطويلعي
أن الحديث إنَّما هو عن حرمة الدماء وإباحتها أ َّما تفاصيل أحكام الجزية
األولَّ :
وما يلزمون به معها وما لهم وما عليهم من حقوق فليس من شر ع هذه المقاالت إذ
المحرمات التي تحرم علينا من الكفَّار.
َّ هي عن
َّ
المعطلة في هذه األعصار لما الثانيَّ :
أن حكم أهل الذ َّمة من أعظم األحكام
استحدُ من العقائد الماسونيَّة في ملَّة األمم المتحدة التي ال ترى تمييز المسلم عن
الكافر وتحكم باستوائهما في الحقوق حيث استويا في الو ن ،والجهل به من
ي بالمسلم أن يبذل مجهوده في بيان هذا
أوسع ما يكون من الجهل بالشرع ،فحر ا
الحكم وعلى الب العلم أن يجدَّ في التفقه في مسائله كسائر مسائل الجهاد ،فإ َّن
عودة الحكم بالشريعة وتطبي هذه األحكام غير بعي ٍد بإذن هللا.
صا عغ ُرونَ ) ،فنوجب سبحانه قتال أهل الكتاب حتَّى هذه الغاية ،وغايةس
َعن َي ٍد َوهُم َ
ع عل أخرى هي اإلسالم فإنَّها وإن لم تذكر غايةن في ا ية ،إالَّ َّ
أن األمر بالقتال ُ
بوص الكفر فصارت غايةن من هذا الوجه فقد دلَّ ا ية عليها ،ود َّل عليها سائر
النصوص من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم داللة قطعيَّة.
وقد انعقد اإلجماع على حقن دماء اليهود والنصارى بإعطاء الجزية ،وعلى
وجوب الك ع عنهم إن بذلوها ،وقد د َّل على هذا مفهوم الغاية في قوله تعالى:
( َحتَّى يُع ُ
طوا) فقد د َّل المنطوق على وجوب القتال إلى تلك الغاية ود َّل المفهوم
على انتهائه عندها ،ود َّل على ذلك ما ورد في السنة من وجوه ينتي بعِها ،من
الجزية على المشركين إن أبوا اإلسالم ثم األمر بقتالهم إن أبوا األمر بعر
الجزية ،كما في حديث بريدة وحديث النعمان بن بشير ،وأصرح ذلك ما في
تهن ما أجابود إليها فاقبل منهم وكُ َّ عنهم“ ثم ذكر الجزية
حديث بريدة” :فنيَّ َّ
فقال” :فسلهم الجزية فإن هم أجابود فاقبل منهم وك َّ عنهم“ ،وقد ذكر بعف
الشافعيَّة وج نها بعدم لزوم قبول الجزية من أهل الذ َّمة وهو با سل بين البطالن
خالأ النصوص الصريحة وال دليل عليه.
وماهر ا ية ا ختصاص هذا الحكم بنهل الكتاب دون سائر الكفار ،وقد أجمع أهل
ِا على إلحاق المجوس بنهل الكتاب ولم يُنقل فيه إالَّ
العلم عليه ،وأجمعوا أي ن
أن رسول هللا خالأ شاذا ،وأخرج البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوأ َّ
صلى هللا عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ،ومن حديث مغيرة بن شعبة
قوله :أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا هللا وحده أو ت دوا الجزية ،وروي ما يدل
فارس َّ
الخطاب حين فتح على ذلك عن غيرهما مرفو نعا ،وعمل بذلك عمر بن
ووافقه الصحابة عليه.
وقد قيل في علة ذلك إن المجوس كانوا أهل كتابُ ،روي عن علي بإسناد
بحديث” :سنوا بهم سنَّة أهل الكتاب“ ،فدل على أنَّهم ليسوا عور
ضعي ،و ُ
الحتمال إرادته بنهل الكتاب العهد وال نزاع أن منهم ،وفي هذه الداللة ضع
102 فقه الجهاد -الطويلعي
المعهود في أهل الكتاب اليهود والنصارى ،وفي الحديث الذي عارضوا به
ِا ،وقيل إنَّما هم أهل شبهة كتاب َّ
ألن كتابهم نُس ،ولذلك شاركوا أهل ضع س أي ن
الكتاب فيما األصل فيه العصمة مما يُبنى من األحكام على االحتيا واالحتمال
وهو عصمة الدم بنخذ الجزية وعقد الذمة لهم ،ولم يشاركوهم فيما األصل فيه
المنع مما بُني على التحريم وهو الذبائ واألنكحة.
األغلب في لسان الشرع تخصيص اسم المشركين بمن عدا أهل الكتاب وإن كان
الخاص ال يتناولهم في عرأ الشارع كما في
َّ أهل الكتاب مشركين ،إالَّ َّ
أن االسم
قوله تعالى( :لَم يَ ُك عن الَّذعينَ َكفَ ُروا عمن أَه عل ال عكتَا ع
ب َوال ُمش عركعينَ ُمنفَكعينَ َحتَّى تَنتعيَ ُه ُم
عدَ َاوة ن عللَّذعينَ آ َمنُوا اليَ ُهودَ َوالَّذعينَ أَش َر ُكوا
اس َ البَيعنَةُ) ،وقوله( :لَتَ عجدَ َّن أَ َ
شدَّ النَّ ع
يخص
َّ ارى) فيبعد جدًّا أن
ص ََولَتَ عجدَ َّن أَق َربَ ُهم َم َودَّةن عللَّذعينَ آ َمنُوا الَّذعينَ قَالُوا عإنَّا نَ َ
خاص باليهود والنصارى.
ا بعكس ذلك ويُقال هو
على االستدالل بحديث سليمان بن بريدة عن أبيه -وهو أصرح دليل وقد اعتُر
على تعميم حكم الجزية -بالكالم في رواية سليمان بن بريدة عن أبيه فقال
البخاري :لم يذكر سما نعا من أبيه ،وقال إبراهيم الحربي عن عبد هللا وسليمان:
ولم يسمعا من أبيهما.
وخرج له
َّ وقد ص َّ سماع عبد هللا بن بريدة من أبيه في أسانيد صحيحة عنه،
البخاري على تشدده في السماع فال عبرة بكالم إبراهيم الحربي فيه ،وأ َّما سليمان
بن بريدة فإنَّه عاصر أباه ويالن حيث هو توأم عبد هللا وأدرد من أبيه ثمانيةن
وأربعين عا نما ،وكان معه لم يُفارقه فيبعد أن يدع يسمع منه مع كونه صاحب
رواية ،وقد فَِّله بعف أهل العلم على أخيه عبد هللا مع كون عبد هللا أكثر حديثنا
وشيو نخا منه ،وإنكار إبراهيم الحربي سماع ابني بريدة مع صحة سماع عبد هللا
خاص في المسنلة وإنَّما اعتمد ما وقع له
ٍ على نق ٍل وثبوته دلي سل على أنَّه لم يق
من روايتهما لم يجد في شيءٍ منه السماع ،وقد كان ألحمد بن حنبل وجمهور
الحفَّام ريقةس في السماع أص من ريقة البخاري ومن وافقه فكان ينخذ بكثير
من القرائن التي ت ُ ع
رج السماع كسماعه ممن هو أكبر من شيخه مع وروده بلد
ونحو ذلك ،والبخاري يشتر أن يثب الشي وعنايته بالحديث في ذلك الوق
السماع بما هو أعلى من القرائن التي تفيد احتماالن ال جز نما ،وليس المراد باحتمال
َّ
ومن أن ليس في العقالء سماعه من أبيه مطل سماع الكالم كما تو َّهمه بعِهم
صة وبريدة
من يشك في سماع ابني بريدة من أبيهما ،بل المراد سماع الحديث خا َّ
رضي هللا عنه لم يكن كثير الحديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فيما
104 فقه الجهاد -الطويلعي
يُروى عنه وكان كثير من الصحابة يتحاشون كثرة الحديث ،فال يلزم من كونه
معه سنين متطاولة أن يسمع منه ،وقد وقع من جماع ٍة من المتقدمين والمتنخرين
أن يفوتهم عل ُم آبائهم ال يسمعون منه حرفنا ،وإن كان األرج في سليمان بن بريدة
احتمال سماعه من أبيه.
َّ
الخطابي :وفي امتناع عمر رضي هللا عنه من أخذ الجزية من المجوس وقال
حتى شهد عبد الرحمن أن النبي صلى هللا عليه وسلم أخذها من مجوس هجر:
دليل على أن رأي الصحابة أن ال ت خذ الجزية من كل مشرد كما ذهب إليه
األوزاعي ،وإنما تقبل من أهل الكتاب.
أهل العلم بعد ذلك في أخذ الجزية من العرب فذهب أبو حنيفة وأحمد وقد اختل
في رواية إلى أنَّها ال ت ُ خذ من عربي ٍ واستد َّل بقول النبي صلى هللا عليه وسلم
105 فقه الجهاد -الطويلعي
للمشركين ”كلمةن تدين لكم بها العرب ،وت دعي إليكم العج ُم الجزية“ ،أخرجه أحمد
والترمذي والنسائي في الكبرى وابن حبان في صحيحه وابن جرير وابن أبي
حاتم في تفسيريهما وأخرجه غيرهم بنسانيد تدور على األعمو عن يحيى بن
في اسمه واسم أبيه -عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس ويحيى عمارة -واختل
بن عمارة وثَّقه ابن حبَّان وروى عنه األعمو وما وجدت له إالَّ هذا الحديث
الواحد وليس فيه سماعه من سعيد بن جبير ،ففي ثبوته بعف النظر ،ولو ثب
كان أخذ النبي صلى هللا عليه وسلم الجزية من مجوس هجر وغيرهم من كفار
العرب داالًّ على َّ
أن المفهوم غير مرادٍ ،أو هو منسو س للعلم بتنخر األخبار المثبتة
للجزية عن هذا الخبر ،قال الشافعي :وأهل اإلسالم ينخذونها [يعني الجزية] حتى
الساعة من العرب؛ قد صال النبي صلى هللا عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة
تبود ،وصال أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم ،وصال عمر رضي هللا
تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب
وهم ت خذ منهم الجزية إلى اليوم ،فثب بذلك أخذ الجزية من نصارى العرب.
َّ
الخطاب أنَّه صال نصارى تغلب صة فقد ُروي عن عمر بن
أ َّما بنو تغلب خا َّ
الزكاة التي على المسلمين بدل الجزية ،ولم يثب عن عمر لكن على بذلهم ضع
وافقه جميع الصحابة والفقهاء بعده كما قال ابن القيم ،واستد َّل الشافعي برواية
صة وهي محل اتفاق بين أصحاب السير ،وروي خالأ ذلك عن أهل السير للق َّ
علي بن أبي الب وعمر بن عبد العزيز ،أ َّما علي فقد أسنده جماعةس عنه بإسنا ٍد
منكر أنكره أحمد بن حنبل وترد أبو داود التحديث به ،وأ َّما عمر بن عبد ضعي
على إسناده ،وجاء العزيز فقد ذكره ابن قدامة بال إسناد وتبعه ابن القيم ولم أق
نصروا أوالدهم. َّ
أن ما أراده علي بن أبي الب لنقِهم عهد عمر بنن ال يُ ع
أهل العلم في فعل عمر ،وهل أسقط الجزية عن نصارى تغلب أم هي وقد اختل
الجزية وإنَّما غيَّر اسمها فذهب الشافعي إلى أنَّها جزيةس بغير اسم الجزية ُ
وروي
عن أبي حنيفة ،ومن قال بننَّها زكاة ال جزية خ َّ
صها بنصارى العرب أو بنصارى
تغلب وهما قوالن ألهل العلم ولم يقل أحد َّ
إن ذلك عا ام لجميع النصارى ،والفرق
106 فقه الجهاد -الطويلعي
أن القائل بننَّها زكاة يشتر لها شرائط الزكاة ويُجريها مجرى الزكاة
بين القولين َّ
في جميع األحكام على خالأ في التفاصيل ،والقائل بننَّها جزية ال يُخرجها عن
صغار ِا َّ
أن الزكاة ال يشتر فيها ال َّ أحكام الجزية ،ومن الفرق بين القولين أي ن
وإنَّما حمل عمر على إسقا الجزية عنهم فرارهم من الصغار ،وإنَّما رضوا
صغار.
الزكاة ليفروا بذلك من ال َّ بِع
األول :أن ال جزية عليهم وإنَّما عليهم الزكاة مِاعفة ،وهو مذهب أحمد وأبي
َّ
حنيفة و ائفة من السل ،ثم ذهب أبو حنيفة إلى إلحاق سائر أهل الكتاب العرب
بهم.
الثانيَّ :
أن عليهم الجزية؛ وهو مذهب المالكية والشافعية ،ث َّم ذهب الشافعية إلى
تخصيصهم عن سائر النصارى بما ُروي عن عمر مع اعتباره جزيةن ،ولم يف عرق
المالكية بينهم وبين سائر أهل الجزية.
وقد اجتمع من نقل قصة عمر في شنن نصارى تغلب على أنَّه فعل ذلك ل َّما خشي
صة
شرهم ويصالحهم ،فالظاهر من هذه الق َّ
لحوقهم بالروم فنمره بعِهم أن يك َّ َّ
أن فعله لهم إنَّما هو صل س
مع األصل المجمع عليه في غير أهل الكتاب العرب َّ
شرهم ودفع أذاهم عن المسلمين ،والصل ال يص على االستدامة وإنَّما لك ع ع
يص إلى أج ٍل أو مطل نقا لإلمام فسخه ،وليس ألح ٍد أن يُسقط عن أهل الكتاب بذل
الجزية وأن يق في قتالهم دون قوله تعالىَ ( :حتَّى يُع ُ
طوا ال عجز َيةَ َعن يَ ٍد َوهُم
صا عغ ُرونَ ) ث َّم يكون تركه لقتالهم أبدنا ويلزم ذلك غيره ،وهللا ينمر بقتالهم حتَّى
َ
أداء الجزية ،وإنَّما يجوز الصل إن خشي المسلمون َّ
شر المشركين ويص أن
يكون مطلقنا حتَّى ينمن َّ
شر المشركين وقد أشار إلى هذا المعنى ابن القيم ل َّما ذكر
أثر عمر بن عبد العزيز فقال :ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أبى عليهم إال
الجزية ،وقال :ال وهللا إال الجزية وإال فقد آذنتكم بالحرب ،ولعله رأى أن شوكتهم
منهم ما خاأ عمر بن الخطاب رضي هللا عنه؛ فإن عمر ولم يخ ضعف
107 فقه الجهاد -الطويلعي
رضي هللا عنه كان بعدُ مشغوالن بقتال الكفار وفت البالد فلم ينمن أن يلحقوا بعده
فيقوونهم عليه وعمر بن عبدالعزيز أمن ذلك ،انتهى كالمه وفيه وجاهة.
قل ُ :ما ذهب إليه الجمهور من سقو قتال النصارى من تغلب أو من عموم
العرب دون أن يسلموا ودون أن يبذلوا الجزية فيه ضع س ،وما ذهب إليه الشافعي
الزكاة فرا نرا من كون المبذول منهم جزيةن فيه ضع س من جهة أنَّهم بذلوا ضع
صغار والجزية ال بدَّ فيها من الصغار على الصحي ،فلم يب َ إالَّ أن يُقال :ال
من ال َّ
فرق بينهم وسائر النصارى وال يُ خذ منهم إالَّ الجزية وال يسقط قتالهم دون ذلك،
سر للرواية عن عمر التي اجتمع على ذكرها أهل ع سوهو مذهب المالكية وفيه ُ
إن كثير من أهل العلم فلم يب إ َّ
ال العمل بها أو توجيهها بنن يُقالَّ : السير وعمل بها س
وجائز أن يُصالَحوا على بذل ما ٍل لهم
س س
جائز عند الخوأ منهم، ما فعله عمر صل س
فِالن عن قبول ما ٍل منهم دون صغار ،ومقتِى كونه صل نحا أمران:
األول :أنَّه غير م بَّدٍ ،بل يص َّ م قَّتنا إلى أجل ،أو مطلقنا بغير توقي ،وقد جاء
َّ
يف عنه عن عمر بن الخطاب أنَّه اشتر عليهم أالَّ يُ ع
نصروا أبناءهم ،وهذا مستف س
أن العقد م َّق أل َّن
صة ،ومعنى هذا َّ
وإن لم يثب من جهة اإلسناد كنصل الق َّ
ا باء يموتون على النصرانية واألبناء ينش ون على اإلسالم فيكون عقدنا ينتهي
معلوم أقصاها.
ٍ في مدَّة
الثاني :أنَّه ال يلزم بعد نقِهم للعهد الذي صولحوا عليه ،كما ال يلزم لغير من
َّ
الخطاب ،وال يكون أصالن أو صفةن من صفات عقد الجزية أو صالحهم عمر بن
استثنا نء فيها ،وال خاصيَّة للفاروق عمر رضي هللا عنه ،بل يكون صل نحا من جنس
الصل الذي يجوز لكل من ولي شيئنا من أمر المسلمين.
فهذه المذاهب في العرب الكتابيين أ َّما العرب المشركون ففيهم القوالن الساب
ذكرهما :من وجوب قتلهم أو يسلمون وهذا قول من ال ينخذ الجزية من غير أهل
الكتاب والعرب منهم ،كما أنَّه قول أبي حنيفة وبعف أهل العلم في المشركين
صة دون سائر المشركين ،وقد ذُكر عن مالك أنَّه يخص قري ن
شا دون العرب خا َّ
108 فقه الجهاد -الطويلعي
في تخريج سائر العرب بهذا الحكم في مشركيهم فال ينخذ منهم جزيةن وقد اختل
مذهبه وأقربها إلى الدليل قول من قال إنَّما هذا لثبوت إسالم جميعهم يقيننا فمن كفر
بعد ذلك فهو مرتدا أو في حكمه.
مسنلة فه الء من يص أخذ الجزية منهم من أهل األديان والشعوب ،وقد بقي
عقد الذ َّمة فإنَّه وإن الجزية ممن ت ُ خذ ممن نحكم بننَّهم أهل ذ َّمة ،ومسنلة انتقا
الذ َّمة
صور ،ومن المسائل مسنلة أهل ع
ٍ كان الز نما دائ نما في األصل فإنَّه يرتفع في
في هذا العصر وهل لهم وجود أم ال ،وينتي ذكرها في العدد القادم بإذن هللا.
هذا وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.