دراسة نفسية لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقين باللغة العربية - تطبيق النموذج الخليلي الحديث -

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 39

‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى‬

‫الناطقني باللغة العربية‪- :‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬


‫وهيبة نارصي ‪-‬بودايل‬
‫جامعة الجزائر ‪- 2‬الجزائر‬
‫‪oboudali@yahoo.fr‬‬
‫تاريخ االستالم‪ 2018/12/06 :‬تاريخ القبول‪2019/03/28 :‬‬

‫امللخّــص‬
‫متحــور موضــوع بحثنــا حــول تحليــل وتفســر الحبســة باالعتــاد عــى‬
‫مبــادئ النظريــة اللســانية الخليليــة الحديثــة وانطلــق هــذا البحــث مــن عــدة‬
‫فرضيــات أهمهــا أن الحبســة متــس االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام‬
‫املعنــوي‪ .‬ولتحقيــق هدفنــا‪ ،‬قمنــا بإعــداد بروتوكــول نفــي لســاين يتكــون‬
‫أساســا مــن شــبكة تحليــل اللغــة والحبســة‪ ،‬باإلضافــة إىل مقيــاس وبنــود الــرد‪.‬‬
‫وبالتــايل تــم تطبيــق هــذا الربوتوكــول عــى عينــة شــملت ‪ 30‬فــردا‪ 10 :‬عاديــن‪،‬‬
‫و‪ 10‬مصابــن بحبســة بــروكا و‪ 10‬مصابــن بحبســة فرنيــي‪ .‬وقــد أســفرت‬
‫نتائــج الدراســة اإلحصائيــة والكيفيــة اىل أن الحبســة إذا كانــت اضطراب ـاً عــى‬
‫مســتوى االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام املعنــوي‪ ،‬فــإن هنــاك فروق ـاً‬
‫ذات داللــة إحصائيــة مــن حيــث هاتــن القدرتـ ْـن‪ ،‬تعــود اىل اختــاف يف نوعيــة‬
‫اإلصابــة (حبســة بروكا‪/‬حبســة فرنيــي) ودرجــة تفريــع الصيــغ (صيــغ أصــول‪/‬‬
‫صيــغ فــروع)‪ ،‬ونوعيــة الزوائــد (زوائــد بناء‪/‬زوائــد وصــل) وكذلــك اىل اختــاف‬
‫الوضعيــات الخطابيــة‪.‬‬
‫الكلامت املفاتيح‪:‬‬
‫الحبســة ‪ -‬تشــخيص ‪ -‬اتســاق لفظــي صــوري ‪ -‬انســجام معنــوي إفــادي ‪ -‬النظرية‬
‫الخليليــة الحديثــة ‪ -‬بنــاء ‪ -‬وصل ‪ -‬اسـراتيحيات اتســاعية‪.‬‬

‫املؤلف املراسل‪ :‬وهيبة بودايل‪ ،‬الربيد االلكرتوين‪oboudali@yahoo.fr :‬‬


‫‪95‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫بودايل‬-‫وهيبة نارصي‬

Etude psycholinguistique pour l’évaluation et le diagnostic de


l’aphasie chez les sujets arabophones.
«Application du modèle Néo-Khalilien»
Résumé
Notre recherche s’inscrit dans le cadre d’une analyse descriptive et ana-
lytique de l’aphasie et ceci en appliquant les modèles linguistiques de la
théorie néo-khalilienne.
L’hypothèse principale de notre recherche suggère que l’aphasie touche
les capacités de la cohésion sémiologico-grammaticale et de la cohérence
logico-sémantique. A cette fin, nous avons élaboré un protocole compo-
sé d’une grille d’analyse du langage et de l’aphasie d’un test ainsi que
d’autres épreuves de narration. Ce protocole a été appliqué sur un échan-
tillon composé de 30 individus: 10 normaux, 10 aphasiques de Broca et
10 aphasiques de Wernicke. Les résultats de cette étude ont montré que
l’aphasie, si elle est un trouble de cohésion sémiologico-grammaticale
et de cohérence logico-sémantique, il existe une différence significative,
pour ce qui concerne ces deux capacités, et qui dépend de la spécificité du
trouble, du degré de variation des structures linguistiques et de la nature de
leurs incréments, qu’il s’agisse soit de la «structuration» soit de la «conca-
ténation», ou de la situation de discours.
Mots clés:
Aphasie - diagnostic- cohésion sémiologico-grammaticale - cohérence lo-
gico-sémantique - théorie néokhalilienne - structuration - concaténation-
stratégies d’itissaa.

1 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬ 96


-‫تطبيق النموذج الخلييل الحديث‬- ‫ لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية‬-‫دراسة نفسية‬

Psycholinguistic Study for the evaluation and the diagnosis of


the aphasia among the arabic-speaking subjects.
«Application of the Neo-khalilian model»

Abstract
Our research focuses on a descriptive and analytical analysis of aphasia
by applying the linguistic models of Neo-khalian theory. The main hypo-
thesis of our research suggests that aphasia affects the capacities of se-
miological-grammatical cohesion and logico-semantic coherence. To this
end, we have elaborated a protocol consisting of a language and aphasia
analysis grid and a test as well as other narrative proofs. This protocol was
applied to a sample of 30 individuals: 10 normal, 10 Broca aphasics and
10 Wernicke aphasics.
The results of this study showed that aphasia, if it is a disorder of semio-
logical-grammatical cohesion and logical-semantic coherence, there is a
significant difference in these two capacities, depending on the specificity
of the disorder, the degree of variation of linguistic structures and the na-
ture of their increments, whether it is «structuring» or «concatenation», or
the state of speech.
Key words:
Aphasia - diagnostic - sémiologic-syntaxic cohesion - logic-sémantic
coherence-neokhalilian theory - structuration - concaténation - itissaa
strategies.

97 1 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫مقدمة‬
‫تعتــر اللغــة مــن أبــرز ســرورات التكيــف والتوافــق االجتامعــي‪ ،‬فســلوك الفــرد‬
‫وتفكــره ال ميكــن أن يكــون يف غيــاب اللغــة‪ .‬ومبــا أن اإلنســان ال يعيــش وحيــدا يف هــذا‬
‫املجتمــع‪ ،‬فــإن اللغــة هــي الوســيط بينــه وبــن مجتمعــه‪ .‬إال أنهــا قــد تتعــرض إىل عطــب‬
‫أو تشــويش يكــون ناتجــا عــن عوامــل كثــرة تــؤدي إىل الحبســة والتــي عــادة مــا تكــون‬
‫نتيجــة إلصابــة دماغيــة عــى مســتوى نصــف الكــرة اليــرى للمــخ‪ ،‬قــد يتعــرض لهــا‬
‫الفــرد العــادي يف حياتــه‪ ،‬مــا يســبب خلــا يف األنســاق اللغويــة‪ ،‬بحيــث يجعــل الشــخص‬
‫املصــاب عاجـزا عــن أداء وظيفــة اللغــة بصفــة طبيعيــة‪ .‬ومن أســباب هــذه اإلصابــة نذكر‪:‬‬
‫الســكتة الدماغيــة (‪ ،)AVC‬واألمــراض الوعائيــة (‪ ،)maladies vasculaires‬واألمــراض‬
‫العصبيــة التنكســية (‪ ،)neurodégénératives‬واألم ـراض الورميــة وااللتهابيــة والصدميــة‬
‫(‪ )traumatiques‬والتعفنيــة (‪Cho�( )J.A. Rondal. et coll. 1977( )infectieuses‬‬
‫‪ .)mel-Guillaume et al., 2010‬ونظ ـرا لــكل هــذه األســباب يتقــدم يوميــا عــدد كبــر‬
‫مــن األشــخاص املصابــن بالحبســة إىل املستشــفيات واملراكــز الصحيــة مبختلــف أنواعهــا‬
‫وذلــك لتلقــي تكفــل أرطفــوين يســاعدهم عــى تجــاوز الصعوبــات اللغويــة املتولــدة‬
‫عــن هــذا االضطـراب ومــن ثــم محاولــة اســرجاع اللغــة ولــو بصفــة جزئيــة‪ .‬فمــن خــال‬
‫مالحظتنــا امليدانيــة لجلســات املختصــن يف األرطوفونيــا أثنــاء تأديــة مهامهم‪ ،‬اســتنتجنا أن‬
‫هــذا التكفــل الخــاص باملصابــن بالحبســة يأخــذ وقتــا كبـرا وال يعطــي يف أغلــب األحيــان‬
‫النتائــج املرغــوب فيهــا وهــذا مــا يؤكــده هــؤالء املختصــن أنفســهم‪ .‬ومــن هنــا كانــت‬
‫االنطالقــة األوىل يف بحثنــا تقــوم عــى التســاؤالت التاليــة‪:‬‬
‫‪ -‬مــا هــي الوســائل املوجــودة حاليــا لدينــا لتحليــل وتشــخيص الحبســة عنــد الراشــد؟‬
‫ويف حالــة تطبيــق روائــز أجنبيــة خاصــة بتشــخيص الحبســة مــا هــي النتائــج املتحصــل‬
‫عليهــا إىل يومنــا هــذا؟ وهــل توجــد وســائل تحليــل وتشــخيص للحبســة باللغــة العربيــة‪،‬‬
‫وهــل تُ كــن األخصــايئ بالفعــل مــن الحصــول عــى نتائــج علميــة وموضوعيــة‪ ،‬إذ ينبغــي‬
‫التأكيــد عــى أنــه ال ميكــن للتكفــل األرطفــوين أن يعطــي مثــاره‪ ،‬إن مل يســبقه تحليــل‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪98‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫وتشــخيص علميــان وموضوعيــان للحبســة‪.‬‬


‫‪ .1‬إشــكالية الوســائل املســتعملة يف تشــخيص الحبســة لــدى الناطقــن باللغــة‬
‫العربيــة‬
‫أعــد املختصــون يف اضطرابــات اللغــة والــكالم اختبــارات أو روائــز قصــد تحليــل‬
‫وتشــخيص الحبســة‪ ،‬نذكــر أهمهــا بروتوكــول مونرتيــال تولــوز للفحــص اللســاين للحبســة‬
‫‪(Protocole Montreal-Toulouse d’Examen Linguistique de l’aphasie) (MT-‬‬
‫‪ )86‬واختبــار "بوســتون" لتشــخيص الحبســة )‪(Boston Diagnostic Aphasia Exam‬‬
‫()‪ (BDAE‬واملصمــم مــن قبــل " كــودكالس" و"باريــي" (�‪Goodglass Kaplan, & Barre‬‬
‫‪ .)si‚ 2001‬وقــد تــم بنــاء هــذه االختبــارات لفحــص أشــخاص ناطقــن باللغــة االنجليزيــة‬
‫أو الفرنســية‪ ،‬ونظـرا لغيــاب شــبه كيل لروائــز لغويــة مخصصــة للناطقــن باللغــة العربيــة‪،‬‬
‫لجــأ املختصــون إىل االعتــاد عــى نســخ مرتجمــة مــن الروائــز الغربيــة التــي ال تتامىش مع‬
‫ثقافتنــا وال مــع نظــام اللغــة العربيــة‪ ،‬مــا يعيــق عمليــة التشــخيص‪ .‬غــر أنــه ال ينبغي أن‬
‫ننكــر مجهــود بعــض الباحثــن العــرب يف محاولتهــم تكييــف بعــض االختبــارات اللغويــة‬
‫مثــل رائــز الفهــم لالفازيــا املصمــم أصــا‪ ،‬مــن طــرف "ســوينبورن و"بورتــر" و"بــورن"‬
‫(‪(CAT (Comprehensive Aphasia Test) ‚)Swinburn, Porter & Howard, 2004‬‬
‫(‪ )Arabic version, 2013‬وبطاريــة "البــال" (‪)Labbel, Béland & Mimouni, 2012‬‬
‫وهــي بطا َّريــة فحــص وعــاج االضطرابــات اللغويــة الشــفهية واملكتوبــة لــدى األطفــال‬
‫والراشــدين الناطقــن باللغــة العربيــة‪ .‬إال أن هــذه الروائــز تبقــى هــي أيضــا ناقصــة‬
‫نظ ـرا البتعادهــا عــن خصوصيــة اللغــة العربيــة واكتفائهــا بوصــف األع ـراض املرتبطــة‬
‫مبوقــع اإلصابــة فقــط‪ ،‬مــن حيــت املظاهــر املختلفــة للغــة (التعبــر الشــفهي والكتــايب‬
‫والفهــم الشــفهي والكتــايب) ومل تهتــم بتفســر تلــك األع ـراض‪ ،‬خاصــة وأن اللغــة قــدرة‬
‫معرفيــة‪ ،‬تتحكــم فيهــا عمليــات عقليــة‪ ،‬ليــس فقــط مــن حيــث كونهــا مختصــة باللغــة‪،‬‬
‫ـر إال عــى مظاهــر تعبــر وفهــم أو‬ ‫بــل قــد تختلــف كذلــك مــن لغــة ألخــرى وال تقتـ ِ‬
‫تســمية وتكـرار‪ .‬كــا أن هــذه االختبــارات بالرغــم مــن محاولــة تكييــف بعضهــا‪ ،‬غــر أنها‬

‫‪99‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫مل تخــرج كثـرا عــن نطــاق الرتجمــة فقــط‪ .‬فــا ميكــن اعتبــار التكييــف مجــرد اســتبدال‬
‫صــور بأخــرى أكــر مالءمــة للبيئــة الثقافيــة أو ترجمــة التعليــات والجمــل إىل اللغــة‬
‫العربيــة‪ ،‬بــل ينبغــي قبــل كل يشء‪ ،‬أن يتغلغــل هــذا التكييــف إىل خصوصيــة نظــام‬
‫اللغــة العربيــة الــذي يختلــف يف قواعــده وعملياتــه اللســانية ويف جميــع املســتويات عــن‬
‫أنظمــة اللغــات الطبيعيــة األخــرى‪ ،‬وبالتــايل ال ميكــن لهــذه الوســائل التشــخيصية إال أن‬
‫تكــون عاجــزة عــى تحقيــق أهدافهــا‪ .‬مــن هنــا تتجــى الــرورة امللحــة إلعــداد وتوفــر‬
‫وســائل تحليــل علميــة‪ ،‬تعتمــد عــى منهجيــة دقيقــة لتشــخيص الحبســة باللغــة العربيــة‬
‫متاشــيا مــع الواقــع اللغــوي والثقــايف واالجتامعــي الجزائــري‪ .‬فهــذه املنهجيــة تســمح فيــا‬
‫بعــد بإعــداد رائــز تشــخييص ســيكون مبثابــة وســيلة متكــن األخصائيــن مــن ربــح الوقــت‬
‫فيــا يخــص تقييــم وتشــخيص االضطـراب‪ ،‬ثــم التخفيــف مــن حدتــه ويف األخــر إعــادة‬
‫إدمــاج املصابــن يف الحيــاة العائليــة واالجتامعيــة واملهنيــة‪.‬‬
‫وبعــد التأكــد مــن نقــص الوســائل املســتعملة لتشــخيص الحبســة يف الجزائــر‪ ،‬جــاءت‬
‫يف أذهاننــا تســاؤالت أخــرى‪:‬‬
‫‪ -‬إذا فشــلت كل هــذه األدوات العياديــة يف تشــخيص الحبســة نظـرا لنقائصهــا املذكورة‬
‫ســابقا وبالتحديــد عــدم مالءمتهــا لنظــام اللغــة العربيــة‪ ،‬فهــل هنــاك أســباب أخــرى‬
‫مرتبطــة باملصــدر أو املنبــع النظــري الــذي أُخــذت منــه أســس تطبيــق هــذه األدوات؟‬
‫وهــل النقــص املوجــود يف تلــك األدوات يعــود إىل نقــص يف تلــك األســس النظريــة التــي‬
‫اعتمــد عليهــا الباحثــون يف تصميمهــم لهــا؟ وبالتــايل هــل هنــاك نظريــات لســانية مالمئــة‬
‫للغــة العربيــة وذات نظــرة عميقــة يف تحليــل الظاهــرة اللغويــة يف حــد ذاتهــا والتــي‬
‫ميكــن االعتــاد عليهــا يف دراســة الحبســة؟‬
‫مهــا كانــت الوســائل املســتعملة يف تحليــل الحبســة‪ ،‬تبقــى هــذه األخــرة اضطراب ـاً‬
‫لغوي ـاً وبالتــايل مــن املفــروض أن ينصــب البحــث حــول دراســة هــذه القــدرة بالــذات‬
‫ومــا يصيبهــا مــن اختــاالت لغويــة‪ ،‬مــا يســتوجب تحديــد موضــوع الدراســة عــى اللغــة‬
‫بالــذات‪ .‬ومبــا أن اللســانيات تأخــذ عــى عاتقهــا دراســة اللغــة ومســتوياتها‪ ،‬فــا ميكــن‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪100‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬
‫الكشــف عــن أســباب هــذا االضطـراب إال مــن خــال األدوات والوســائل التحليليــة التــي‬
‫يقدمهــا هــذا العلــم‪.‬‬
‫‪ .2‬أهمية النظرية الخليلية الحديثة يف تحليل وتشخيص الحبسة‬
‫إن االعتقـ�اد بـ�أن الحبسـ�ة خلـ�ل يف عمليـ�ات االختيـ�ار أو الرتكيـ�ب (‪R. Jakob� 1 969‬‬
‫‪ )son,‬ميكــن أن يقودنــا إىل املغالطــة‪ ،‬ليــس يف وصــف االضطــراب وتفســره (املجــال‬
‫العيــادي) فحســب‪ ،‬بــل كذلــك يف تحديــد مفهومــه اللســاين بالــذات (املجــال النظــري)‪.‬‬
‫فهــذا االعتقــاد (الوظيفــي) (‪ )fonctionnaliste‬ال يســمح إال بتحديــد العنــارص الخاصــة‬
‫مبحــور االســتبدال وفــق جنــس ترصيفــي – نحــوي (‪ )morpho-syntaxique‬واحــد‪ ،‬دون‬
‫النظــر إىل عالقتهــا ببقيــة العنــارص عــى املســتوى العمــودي‪ .‬إذ الوحدات اللغوية حســب‬
‫النظريــة الخليليــة الحديثــة (‪ )A. Hadj Salah, 1979‬تبنــى وفــق مثــال أوحــد توليــدي‬
‫(‪ )schème générateur‬خــاص بــكل مســتوى‪ ،‬بحيــث يُؤخــذ بعــن االعتبــار املحــوران‬
‫معــا ( محــور االســتبدال ومحــور الرتكيــب أو اإلدراج ) ويف نفــس الوقــت‪ .‬وبالتــايل نــرى‬
‫أن االتســاق اللفظــي الصــوري (‪ )la cohésion sémiologico-grammaticale‬يعتمــد‬
‫عــى عمليــة التحويــل التزايــدي (‪ )la variation incrémentielle‬كمبــدأ أســايس يف‬
‫تكويــن الوحــدات اللغويــة (‪ )O.Nasri-Boudali, 2001, 2005, 2010‬بحيــث ال ترتبــط‬
‫فيهــا الجــذور باللواحــق والســوابق كــا هــو الحــال بالنســبة للوظيفيــن‪ ،‬بــل يتعــدى‬
‫ذلــك إىل ارتبــاط عنرصيْــن إجرائيـ ْـن وهــا األصــل والفــرع (‪،)la racine et le schème‬‬
‫وذلــك وفــق ســياقات جــد معقــدة ال تنحــر يف مجــرد وصــل (‪ )concaténation‬أو‬
‫اختيــار كــا اعتقــد "رومــان جاكبســون" (‪ )R. Jakobson, 1969‬بــل تتعــدى ذلــك إىل‬
‫عمليـ�ات بنـ�اء( (‪ ،)structuration‬ومتكُــن تعاقبــي وتزايــدي �‪(Variabilité incrémen‬‬
‫‪ ،)tielle et disjonctionnelle‬واشــتقاق )‪ ،(Dérivation‬الــخ‪ ...‬فــكل هــذه العمليــات‬
‫تختلـ�ف حسـ�ب اختـلاف نوعيـ�ة املثـ�ال أو الحـ�د التوليـ�دي ( حـ�د اللفظـ�ة( (�‪schème gé‬‬
‫‪ )nérateur lexical‬وحــد الرتكيــب )‪ ،((schème générateur syntaxique‬ونذكــر عــى‬
‫ســبيل املثــال حــد اللفظــة الــذي تكــون فيــه العمليــات الترصيفيــة انطالقــا مــن النــواة‬

‫‪101‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫(أصــل اللفظــة) إىل الوحــدات الفرعيــة (الفــروع) مكونــة زوائــد عــى ميــن وعــى يســار‬
‫النــواة وفــق مواضــع بنائيــة محــددة خاصــة باللفظــة‪ .‬كــا أن "جــون كانيوبــان" أهمــل‬
‫الجانــب املعنــوي بحــر الحبســة يف فقــدان إحــدى القدرتـ ْـن اللغويتــن املتمثلتـ ْـن يف‬
‫القـ�درة التصنيفيـ�ة( (‪ )capacité taxinomique‬التــي تســمح بتحديــد الهويــات �‪(iden‬‬
‫)‪ tités‬والقــدرة التوليديــة ) ‪ (capacité générative‬التــي تقوهــم بتحديــد الوحــدات‬
‫اللغويــة‪ .‬وإذا كان منــوذج "جــون كانيوبــان" (‪ )Gagnepain, 1990‬الخــاص بـ"الكلمــة"‬
‫(‪ )le mot‬مبثابــة قاعــدة بنويــة يف تحليلــه للوحــدات اللغويــة بعيــدا عــن املعنــى‪ ،‬إال‬
‫أن هــذا النمــوذج يبقــى ســكونياً ويخلــو مــن أي مبــادئ ديناميكيــة للغــة ويجعــل مــن‬
‫مســتوى الرتاكيــب مجــرد وصــل فقــط لِـ"كلــات" (»‪ (concaténation de «mots‬ليــس‬
‫نظريتــي " كانيوبــان" و"جاكبســون"‬‫ْ‬ ‫أكــر‪ .‬باإلضافــة إىل كل هــذه النقائــص‪ ،‬أهملــت‬
‫جانبـاً مهـاً يف اللغــة وهــو الجانــب االســتعاميل لهــا أو الجانــب التبليغــي للــكالم والــذي‬
‫أكــد عليــه "عبــد الرحــان الحــاج صالــح" (‪ ،)A. Hadj Salah, 1979‬باعتبــار أن الهــدف‬
‫األســايس للنشــاط اللغــوي يكمــن يف االتصــال مــع اآلخريــن‪ .‬إذ أنــه مل يُغفــل أبــدا مــن‬
‫طــرف النظريــة الخليليــة الحديثــة‪ ،‬حيــث تُ يــز يف مفهــوم اللغــة بــن الوضــع كنظــام مــن‬
‫الرمــوز (الجانــب اللفظــي الصــوري) واالســتعامل الــذي هــو تطبيــق لهــذا النظــام حســب‬
‫مــا تتطلبــه ظــروف التخاطــب (الجانــب املعنــوي اإلفــادي)‪ .‬وتتمثــل هــذه الظــروف يف‬
‫مجمــوع القرائــن املختلفــة غــر اللفظيــة التــي تســمح يف كثــر مــن األحيــان بالتحــرر مــن‬
‫قيــود الوضــع وإتبــاع اسـراتيجيات تكيــف وتأقلــم مــع الوضعيــة التواصليــة تحــت إطــار‬
‫مــا يســمى يف هــذه النظريــة باالتســاع‪ .‬فهــي بذلــك‪ ،‬إضافــة إىل كونهــا نظريــة لســانية‪،‬‬
‫فهــي نظريــة نفســية لســانية أو براكامتيــة بأتــم معنــى الكلمــة‪ ،‬مــع التأكيــد هنــا عــى‬
‫نزعتهــا املعرفيــة للغــة‪ ،‬باعتبــار هــذه األخــرة قــدرة حدســية )عقليــة( مزدوجــة أي وضــع‬
‫واســتعامل تتحكــم فيهــا قواعــد املنطــق الريــايض الــذي يجعــل منهــا عمليــة معرفيــة‬
‫ديناميكيــة مــن حيــث الوضــع مــن جهــة‪ ،‬وتتحكــم فيهــا قواعــد التكيــف مــع الواقــع‬
‫املحيــط مــن حيــث االســتعامل (‪ )l’usage‬مــن جهــة أخــرى‪ .‬لــذا ميكــن الوصــول إىل‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪102‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫نتيجــة أن النقــص املوجــود يف تحليــل الحبســة لــدى "جاكوبســون" و"كانيوبــان" مــرده‬


‫نقــص يف مرجعيتــه أي املبــادئ التــي اعتمــد عليهــا التحليــل النظــري اللســاين ذاتــه‪.‬‬
‫وبالتــايل نــرى أن النظريــة الخليليــة الحديثــة هــي املرجعيــة التــي ميكــن االعتــاد عليهــا‬
‫يف دراســة الحبســة‪.‬‬
‫‪ .3‬أهداف البحث‬
‫اعتــادا عــى االنتقــادات الســابقة الذكــر جــاء هدفنــا األســايس لهــذا البحــث والــذي‬
‫ينقســم إىل شــطريْن أساســيني‪:‬‬
‫‪ -‬التأكيــد عــى أن النقــص املوجــود يف تفســر الحبســة يعــود إىل املعايــر النظريــة يف‬
‫حــد ذاتهــا‪.‬‬
‫‪ -‬محاولــة إعــداد بروتوكــول نفــي لســاين لتشــخيص الحبســة يعتمــد أساســا عــى النظرية‬
‫الخليليــة الحديثة‪.‬‬
‫أهداف أخرى تتفرع من هدفنا األسايس ميكن تلخيصها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إعداد منهجية دقيقة لتحليل الحبسة باالعتامد عىل النظرية الخليلة الحديثة‪.‬‬
‫‪ -‬توفــر وســيلة علميــة يُعتمــد عليهــا يف التكويــن األكادميــي والبحــث العلمــي والتطبيــق‬
‫العيــادي وذلــك يف تقييــم وتشــخيص الحبســة بــكل أنواعهــا وقــد يســتند عليهــا‪ ،‬فيــا‬
‫بعــد‪ ،‬للتخفيــف مــن حــدة هــذا االضطـراب‪.‬‬
‫‪ -‬ميكــن للربوتوكــول أن يســتعمل كوســيلة ملراقبــة درجــة االســرجاع اللغــوي عنــد املصابني‬
‫بالحبســة وبالتــايل يســمح بإعــداد شــبكة لتقييــم وتحليــل اإلنتاجــات اللفظيــة انطالقــا‬
‫مــن النظريــة الخليلــة الحديثــة‪.‬‬
‫‪ -‬املســاهمة يف الحــد مــن االســتعامل غــر املــدروس لوســائل التشــخيص املســتوردة غــر‬
‫املالمئــة لنظــام اللغــة العربيــة‪.‬‬
‫‪ .4‬فرضيات ومنهجية البحث‬
‫مــن هنــا جــاءت فرضيتنــا الرئيســية والتــي تنــص عــى أن الحبســة هــي خلــل عــى‬
‫مســتوى التحويــل التزايــدي الــذي يتحكــم يف عمليــة االتســاق اللفظــي الصــوري أو‪/‬‬
‫‪103‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫وخلــل يف الســياقات التبليغيــة الخاصــة باالنســجام املعنــوي اإلفــادي (وهيبــة نــارصي‪-‬‬


‫بــودايل‪ .)2017 ،‬وبالتــايل جــاءت فرضيــات أخــرى ميكــن تلخيصهــا يف النقــاط التاليــة‪:‬‬
‫‪ -‬وجــود فــروق يف االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ ،‬عــى مســتوى‬
‫الجملــة‪ ،‬بــن العاديــن واملصابــن بحبســة بــروكا واملصابــن بحبســة فرنييك تعــود الختالف‬
‫يف درجــة تفريــع الصيــغ (درجــة‪ ،1‬درجــة ‪ 1)2‬والختــاف يف نوعيــة الزوائــد (زوائــد بنــاء‪/‬‬
‫زوائــد وصــل)‪.‬‬
‫‪ -‬وجــود فــروق يف االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ ،‬عــى مســتوى املوضــوع الــردي‬
‫للتسلســات الكــرى بــن العاديــن واملصابــن بحبســة بــروكا واملصابــن بحبســة فرنيــي‪.‬‬
‫‪ -‬وجــود فــروق يف اســتعامل األفعــال الكالميــة واألدلــة املبهمــة يف االنســجام املعنــوي‬
‫اإلفــادي للتسلســات الكــرى لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬تعــزى الختــاف يف الوضعيات‬
‫الرسديــة‪( .‬رسد حــر)‪ /‬رسد قصــة بالصــور‪ /‬رسد قصــة مســموعة) (وهيبــة نارصي‪-‬بــودايل‪،‬‬
‫‪.)2017‬‬
‫أمــا فيــا يخــص منهجيــة البحــث واألدوات املســتخدمة‪ ،‬بــدا لنــا أنــه مــن األحســن‬
‫األخــذ بعــن االعتبــار خصوصيــة هــذا االضطــراب بإعــداد بروتوكــول نفــي‪ -‬لســاين‬
‫ومعــريف يســاهم يف تشــخيص وتقييــم الحبســة لــدى الراشــد الناطــق باللغــة العربيــة‬
‫والــذي يتضمــن مــا يــي‪:‬‬
‫‪ -‬شبكة تحليل اللغة والحبسة‪.‬‬
‫‪ -‬مقياس االتساق اللفظي الصوري واالنسجام املعنوي اإلفادي‪.‬‬
‫‪ -‬بنود الرسد‪.‬‬
‫ميكن توضيح أكرث ملحتويات الربوتوكول كام ييل‪:‬‬
‫‪ .1.4‬شبكة تحليل اللغة والحبسة‬
‫جــاءت شــبكة تحليلنــا للحبســة اســتنادا إىل مبــادئ النظريــة الخليليــة الحديثــة‬
‫وبالخصــوص‪" :‬الوضــع" و"االســتعامل" واملقصــود بهــا عــى التــوايل‪" :‬التحليــل اللفظــي‬
‫الصــوري" (‪( )sémiologico-grammatical‬الــذي شــئنا تســميته باالتســاق اللفظــي‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪104‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫الصــوري) و"التحليــل املعنــوي اإلفــادي" أي التبليغــي (‪( )logico-sémantique‬الــذي‬


‫شــئنا تســميته باالنســجام املعنــوي اإلفــادي)‪ .‬فقــد تــم اختيــار هذيْــن املبدأيْــن نظ ـرا‬
‫لتكاملهــا يف دراســة النشــاط اللغــوي مــن جميــع جوانبــه‪ .‬وميكــن تلخيــص أهــم نقــاط‬
‫شــبكة تحليلنــا الجديــدة للحبســة والتــي انطالقــا منهــا تــم تصميــم مقياســنا فيــا يــي‬
‫(وهيبــة نارصي‪-‬بــودايل‪:)2017 ،‬‬
‫‪-‬االتســاق اللفظــي الصــوري (‪ُ :)la cohésion sémiologico-grammaticale‬خصــص‬
‫مفهــوم االتســاق هنــا لدراســة الجوانــب البنويــة البحتــة للغــة خــارج نطــاق املعنــى‬
‫واعتــادا عــى النظريــة الخليليــة الحديثــة‪ُ ،‬حــدد مفهومــه وفــق مبــدأ التحويــل التزايــدي‬
‫الـ�ذي ال يرتكـ�ز عـلى مجـ�رد روابـ�ط نحوية‪-‬معنويـ�ة خاصـ�ة بفعـ�ل الـ�كال(م(�‪syntaxi‬‬
‫‪ ،)co-énonciatives‬بــل يرتكــز عــى قواعــد بنويــة (‪ )règles structurelles‬بحتــة تربــط‬
‫بــن عنرصيــن إجرائيــن وهــا األصــل والفــرع‪ .‬هــذه القواعــد اللغويــة تبقــى املســؤولة‬
‫عــى التحكــم يف الرتابــط اللفظــي املوجــود داخــل كل وحــدة لغويــة مهــا كان مســتواها‪،‬‬
‫ســواء كانــت لفظــة أو تركيبــا أو كلمــة (‪ )segment signifiant‬ومهــا كانــت درجــة‬
‫اتســاقها ســواء كانــت أصــا أو فرعــا‪.‬‬
‫‪-‬االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ :‬هــو نســق يخــص كل ســياقات االنســجام والتــي تســمح‬
‫باالســتعامل الحقيقــي للتحليــل اللفظــي الصــوري‪ ،‬يف إطــار وضعيــة التواصــل‪ .‬لقــد ركــزت‬
‫النظريــة الخليليــة الحديثــة يف تحليلهــا لهــذا املســتوى عــى الجملــة أو مــا يســميه‬
‫"الخليــل" بالــكالم املســتغنى‪ .‬فهــذه الوحــدة املعنويــة اإلعالميــة تتحكــم فيهــا قواعــد‬
‫ـي اإلســناد (مبــا يف ذلــك ُعمدتــه وفضلتــه) والداللــة عــى املعنــى‪،‬‬
‫التبليــغ وأهمهــا عمليتـ ْ‬
‫بحيــث يرتبــط فيهــا املســند باملســند إليــه (عمــدة اإلســناد)‪ ،‬مــا يجعلهــا وحــدة ليــس‪،‬‬
‫فقــط‪ ،‬لهــا معنــى‪ ،‬بــل لهــا فائــدة (اإلعــام)‪ ،‬كونهــا حــدث (أي فعــل) لإلخبــار أو للنهــي‬
‫أو األمــر وغريهــا مــن األفعــال الكالميــة‪ .‬وقــد تــأيت الجملــة عــى أصــل الــكالم‪ ،‬أي مبــا‬
‫جــاءت بــه قواعــد الوضــع اللغــوي متامــا‪ ،‬أو تــأيت باالتســاع‪ ،‬بحيــث يجــد املتكلــم متســعا‬
‫مــن الحريــة فيــا تفرضــه هــذه القواعــد‪ ،‬غــر أن هــذه الحريــة تتحكــم فيهــا قواعــد مــن‬

‫‪105‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫نــوع آخــر ترجــع للظــروف املحيطــة بعمليــة التواصــل‪ ،‬فتتدخــل بذلــك قرائــن ميكــن‬
‫أن ت ُعــوض مــا تحــدده القواعــد الوضعيــة كاملشــاهدة املبــارشة أو مــا جــرى مــن الذكــر‬
‫(‪ .)contexte verbale ou situationnel‬كــا أن االتســاع ميكــن أن يــأيت نتيجــة لقــدرة‬
‫املتكلــم عــى تبليــغ غرضــه بطــرق بالغيــة مكتســبة بال ُعــرف كاســتعامل صــور بيانيــة أو‬
‫اســتعارة أو غريهــا‪ .‬وشــئنا أن نســمي هــذه العمليــات املتعلقــة بتك ُيــف املتكلــم مــع‬
‫ظــروف الخطــاب باالس ـراتيجيات االتســاعية‪.‬‬
‫أمــا يف تحليلنــا للخطاب‪-‬النــص (‪ ،)discours-texte‬فقــد أدمجنــا يف هــذا املســتوى‬
‫بعــض املفاهيــم املتعلقــة بشــبكة تحليــل الخطــاب لـ"حســن نــواين" (‪H. Nouani,‬‬
‫‪ ،)F. François,1991( )1996,1991‬ألنــه يــرى أن الدراســة الرباكامتيــة ينبغــي أن تعتــر‬
‫الخطــاب –النــص حدثــا أو فعــا شــامال يــأيت نتيجــة لعــدة أفعــال كالميــة (‪actes du‬‬
‫‪ ،)langage‬تخضــع لقوانــن التواصــل‪ُ ،‬مشَ ــكلة بذلــك‪ ،‬توازنــا بــن املتخاطبــن‪ ،‬يظهــر مــن‬
‫خــال تسلســل األفعــال واألدوار الخطابيــة‪ .‬وتتعلــق هــذه املفاهيــم التــي أدمجناهــا‬
‫ضمــن مبــادئ شــبكتنا‪ ،‬بتحليــل محتــوى الخطــاب الــردي والــذي يخــص مســتويني‪:‬‬
‫األول يتــم فيــه تحديــد االنســجام (‪ )la cohérence‬وفــق منظــور معنــوي وعالئقــي‬
‫(‪ )sémantico-discursif‬ويســمى بالتسلســات الكــرى‪ .‬امــا املســتوى الثــاين فيتعلــق‬
‫باالتسـ�اق( (‪ )la cohésion‬وفــق منظــور نحــوي خــاص بفعــل الــكالم (�‪syntaxico-énon‬‬
‫‪ )ciatif‬وتســمى بالتسلســات الصغــرى‪ .‬وتتمثــل هــذه املفاهيــم بالنســبة للتسلســات‬
‫الكــرى فيــا يــي‪:‬‬
‫‪ -‬املوضــوع (‪ )le champs ou le thème‬الــذي نعنــي بــه مــا يجــري يف التبــادالت‪،‬‬
‫وحــدة املوضــوع‪ ،‬نقلــه‪ ،‬تطــوره‪ ،‬كل هــذا ميثــل العوامــل األساســية يف إدارة وتســيري املحور‬
‫مــن جهــة وميكانزمــات الصياغــة اللغويــة (‪ )les mécanismes de la mise en mots‬مــن‬
‫جهــة أخــرى‪ .‬وقــد جــاءت دراســتنا للموضــوع حــول النــص الــردي والــذي قســمنا بنيتــه‬
‫الخطابيــة إىل عنرصيْــن‪ :‬هــا النــواة رسديــة والزوائــد رسديــة‪ ،‬بحيــث يتضمــن العنــر‬
‫األول عــى اإلشــارات‪ ،‬العقــدة‪ ،‬والنتيجــة‪ .‬أمــا العنــر الثــاين فيشــمل تطــور األحــداث‪،‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪106‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫الحــل والنهايــة (‪.)H. Nouani, 1996,1991‬‬


‫‪ -‬األمنــاط (‪ )les genres‬التــي نعنــي بهــا مــا نفعلــه باللغــة مــن وصــف ورشح وتربيــر‬
‫الــخ‪ ...‬ويتــم هــذا عــر الوســائل اللســانية لكــن يعتــر التبايــن يف أنــواع الخطــاب كمصــدر‬
‫للفعاليــة اللغويــة‪.‬‬
‫أمــا فيــا يخــص التسلســات الصغــرى فقــد ركزنــا اهتاممنــا عــى العالمــات الخطابيــة‬
‫(‪ )les embrayeurs‬أي الروابــط املوجــودة مــا بــن امللفوظــات وداخلهــا والتــي تــدل عــى‬
‫أثــر املتكلــم يف الخطــاب‪ ،‬كأدوات اإلشــارة‪ ،‬والضامئــر وظــروف الزمــان‪.‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة هنــا‪ ،‬نظـرا لوجــود مفهومــي األمنــاط والعالمــات الخطابيــة يف النظرية‬
‫مختلفــن يتمثــان‪ ،‬عــى التــوايل‪ ،‬يف األفعــال الكالميــة واألدلــة‬
‫ْ‬ ‫مبصطلحــن‬
‫ْ‬ ‫الخليليــة‬
‫املبهمــة‪ ،‬فقــد تــم اعتــاد هذيْــن األخريـ ْـن‪ ،‬مــع تقســيم األفعــال الكالميــة إىل أفعــال‬
‫إخباريــة وأخــرى إنشــائية‪.‬‬
‫‪ .2.4‬مقياس االتساق اللفظي الصوري واالنسجام املعنوي‬
‫"الــذي تضمــن مجموعــة مــن البنــود كانــت مبثابــة أدوات ســمحت لنــا بتطبيــق‬
‫املعطيــات الخاصــة بشــبكة تحليــل االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام املعنــوي‪.‬‬
‫وقــد أخذنــا بعــن االعتبــار‪ ،‬يف تصميــم هــذا املقيــاس‪ ،‬الواقــع اللغــوي الخــاص باللهجــة‬
‫ـتويي" (وهيبــة نارصي‪-‬بودايل‪،‬‬ ‫الجزائريــة معتمديــن بذلــك عــى منهجيــة تنطلــق مــن مسـ ْ‬
‫‪ :)2017‬وهــا مســتوى اللفظــة االســمية والفعليــة (مبــا فيهــا مســتوى الكلمــة املحللــة‬
‫عموديــا) ومســتوى البنيــة النحويــة أو الرتاكيــب مبــا يف ذلــك التعليــق (‪.)la surrection‬‬
‫وقــد راعينــا يف تصميــم بنــود هــذا املقيــاس مبــدأ الحــدود اإلجرائيــة (امل ُثــل املولــدة) يف‬
‫تحديــد هــذه املســتويات‪ ،‬وبالتــايل الوحــدات اللغويــة‪ .‬واملبــدأ األســايس يف ذلــك هــو‬
‫مبــدأ التفريــع اإلندراجــي (أي التحويــل التزايــدي) انطالقــا مــن أصــل أو نــواة كل وحــدة‬
‫املســتويي إىل فروعهــا‪ .‬فالتحليــل بالنســبة لالتســاق اللفظي‪-‬الصــوري‬ ‫ْ‬ ‫مــن هذيــن‬
‫ـتويي ومــن أبســط بنيــة إىل‬ ‫واالنســجام املعنــوي اإلفــادي كان اعتبــارا مــن هذيــن املسـ ْ‬
‫أعقدهــا‪ .‬وتجــدر اإلشــارة هنــا أن هــذا املقيــاس تــم إخضاعــه للدراســة الســيكومرتية‪،‬‬

‫‪107‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫بحيــث تــم حســاب صــدق املقيــاس بطريقتــن وهــا الصــدق البنــايئ أو التكوينــي‬
‫والصــدق التمييــزي‪ .‬أمــا فيــا يخــص ثبــات املقيــاس‪ ،‬فانــه تــم اســتخدام عــدة طــرق‬
‫لحســابه وتتمثــل يف طريقــة التجزئــة النصفيــة وطريقــة الكرونبــاخ وطريقــة "جومتــان"‪.‬‬
‫وقــد بينــت نتائــج الدراســة الســيكومرتية صــدق وثبــات املقيــاس‪ .‬وتشــمل عــدد بنــوده‬
‫‪ 37‬و‪ 165‬عبــارة‪ .‬وميكــن تلخيــص طبيعــة هــذه البنــود إىل مــا يــي‪:‬‬
‫‪ -‬تسمية لعرش صور‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين جمل انطالقا من كلامت‪.‬‬
‫‪ -‬مأل فراغات داخل جمل‪.‬‬
‫‪ -‬تركيب جمل حسب أمثلة معطاة مسبقا‪.‬‬
‫‪ -‬تكملة جمل‪.‬‬
‫‪ -‬ترصيف األفعال إىل املايض واملضارع واألمر‪.‬‬
‫‪ -‬القيام بتحويالت خاصة بالتأنيث‪ ،‬التذكري‪ ،‬الجمع واإلفراد‪.‬‬
‫‪ .3.4‬بنود الرسد‬
‫لقــد تــم تطبيــق بنــود للــرد انطالقــا مــن ثــاث وضعيــات مختلفــة‪ :‬رسد حــر‪ ،‬ورسد‬
‫قصــة مــن خــال صــور ورسد قصــة مســموعة‪.‬‬
‫اعتمدنــا يف دراســتنا للحبســة عــى ‪ 30‬حالــة (‪ 10‬حــاالت عاديــة‪ ،1‬و‪ 10‬حــاالت مصابــة‬
‫بحبســة بــروكا و‪ 10‬حــاالت مصابــة بحبســة فرنيــي) كــا اتخذنــا نوعــن مــن الدراســات‪:‬‬
‫األوىل إحصائيــة (كميــة وصفيــة تســتند عــى األرقــام) والثانيــة نوعيــة (كيفيــة تفســرية)‪،‬‬
‫ـتويي مــن التحليــل‪ :‬االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام‬‫مركزيــن اهتاممنــا عــى مسـ ْ‬
‫املعنــوي اإلفــادي (وهيبــة نارصي‪-‬بــودايل‪.)2017 ،‬‬
‫لتحليــل املدونــات املتحصــل عليهــا اســتعملنا برنامــج الرزنامــة اإلحصائيــة ملعالجــة‬
‫املعطيــات (‪ ،)SPSS‬باســتخدام اختبــار (‪ )T‬وتحليــل التبايــن األحــادي (‪ ،)ANOVA‬وهــذا‬
‫حســب مــا تتطلبــه كل فرضيــة‪ .‬وقــد ارتكــزت هــذه املعالجــة اإلحصائيــة عــى جانبـ ْـن‬
‫ـيي‪:‬‬
‫أساسـ ْ‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪108‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫‪ -‬مــا يتعلــق بدراســة االتســاق اللفظــي الصــوري‪ :‬أي إحصــاء مختلــف العمليــات‬
‫اللفظيــة الصوريــة التــي تخــص التحويــل التزايــدي للفظــة االســمية والفعليــة مبــا يف ذلــك‬
‫أصولهــا (وهــي الكلــات املحللــة عموديــا) وفروعهــا‪ ،‬وكذلــك الرتاكيــب مبــا يف ذلــك‬
‫أصولهــا وفروعهــا ومســتوى التعليــق‪ .‬وقــد اســتخرجت هــذه اإلحصــاءات مــن مدونــات‬
‫املفحوصــن عــر "مقيــاس االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام املعنــوي اإلفــادي"‪،‬‬
‫مركزيــن اهتاممنــا يف ذلــك عــى كل العمليــات البنويــة املتعلقــة بالبنــاء والوصــل‪.‬‬
‫‪ -‬مــا يتعلــق بدراســة االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ :‬أي إحصــاء كل العمليــات التي تخص‬
‫الجملــة واملتمثلــة يف الداللــة عــى املعنــى والفائــدة وكذلــك عمــدة اإلســناد وفضلتــه‪.‬‬
‫باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬تــم إحصــاء الجمــل مــن حيــث مــا إذا كانــت اسـراتجياتها مــن أصــل‬
‫الــكالم أومــن االتســاع‪ ،‬مراعــن يف ذلــك عالقــة هــذه االسـراتجيات بدرجــة تفريــع الصيــغ‬
‫ونوعيــة الزوائــد‪ .‬وقــد اســتخرجت كل هــذه اإلحصــاءات مــن إجابــات املفحوصــن لبنــود‬
‫املقيــاس‪ .‬أمــا مــا يخــص الخطــاب الــردي فقــد تــم إحصــاء مختلــف العنــارص الخاصــة‬
‫باملوضــوع مبــا يف ذلــك النــواة الرسديــة والزوائــد الرسديــة وكذلــك األفعــال الكالميــة مبــا يف‬
‫ذلــك اإلخبــار واإلنشــاء‪ .‬باإلضافــة إىل مــا يرتبــط بالتسلســات الصغــرى وباألخــص األدلــة‬
‫املبهمــة‪ .‬وقــد تــم إحصــاء هــذه العنــارص مــن مدونــات بنــود الــرد‪.‬‬
‫‪ .5‬نتائج الدراسة النفسية اللسانية للحبسة‬
‫أظهــرت نتائــج الدراســة اإلحصائيــة للحبســة فيــا يخــص التحليــل اللفظــي الصــوري‬
‫الخــاص باالتســاق والتحليــل املعنــوي اإلفــادي الخــاص باالنســجام مــا يــي‪( :‬وهيبــة‬
‫نارصي‪-‬بــودايل‪.)2017 ،‬‬
‫‪ .1.5‬نتائج تحليل االتساق اللفظي الصوري لدى املصابني بالحبسة‬
‫بينــت الدراســة اإلحصائيــة أن كالً مــن املصابــن بحبســة بــروكا واملصابــن بحبســة‬
‫فرنيــي مل يســلموا مــن صعوبــات يف عمليــات التحويــل التزايــدي التــي تتحكم يف االتســاق‬
‫اللفظــي الصــوري‪ ،‬وذلــك نظــرا لوجــود فــروق ذات داللــة إحصائيــة يف املتوســطات‬
‫ـي ‪ 41.4‬لــروكا و‪ 72.8‬لفرنيــي) وبــن العاديــن (بقيمــة ‪)106.7‬‬ ‫الحســابية بينهــم (بقيمتـ ْ‬
‫‪109‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫وذلــك لصالــح العاديــن‪ .‬إال انــه تــم التأكــد بصفــة قطعيــة ويف معظــم مســتويات البنــود‪،‬‬
‫أن االتســاق اللفظــي الصــوري لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬أقــل بكثــر مــا هــو عليــه‬
‫بالنســبة للمصابــن بحبســة فرنيــي‪.‬‬
‫ومــن أهــم األخطــاء التــي يرتكبهــا املصابــون بالحبســة فيــا يخــص االتســاق اللفظــي‬
‫الصــوري‪ ،‬نجــد مــا يــي‪:‬‬
‫ا‪ .‬أخطــاء يف البنــاء‪ :‬يعتــر البنــاء مــن أهــم عمليــات التحويــل التزايــدي التــي تتحكــم‬
‫يف تكويــن الوحــدات اللغويــة عــى مســتوى أصــول اللفظــة االســمية والفعلية(الكلمــة)‬
‫والرتاكيــب‪ ،‬إال أننــا اقترصنــا يف عرضنــا للنتائــج‪ ،‬عــى مســتوى أصــل اللفظــة االســمية‬
‫أي نــواة اللفظــة‪ .‬فهــذه العمليــة ميكــن أن تحــدث يف هــذا املســتوى مــن خــال عــدة‬
‫ســياقات أهمهــا االندمــاج البنــوي والــذي ميكــن توضيــح األخطــاء املرتبطــة بــه‪ ،‬مــن‬
‫خــال أجوبــة املفحوصــن لبنــد التســمية‪ ،‬كــا يــي‪:‬‬

‫بعض اإلجابات من املصابني‬ ‫بعض اإلجابات من املصابني‬ ‫الصور‬


‫بحبسة فرنييك‬ ‫بحبسة بروكا‬
‫َمقْصوص‪..‬الال‪..‬مق ََصص‬ ‫ْم َك ْط‬ ‫صورة مقص‬
‫تاع الفاكْيا‬ ‫ْح َنب‬ ‫صورة عنب‬
‫نطلعومعاه‬ ‫َس َ‬
‫‪...‬ل‪...‬م‬ ‫صورة سلم‬
‫کَسكاس‪ ...‬ك ُْسي‬ ‫کُ ِ‬
‫‪...‬س‬ ‫صورة كريس‬
‫قنفدود‬ ‫صورة قنفذ‬
‫رس ْوالل‬ ‫صورة رسوال‬
‫ساعا‬ ‫َو‪...‬ﻗْ‪...‬تْ‬ ‫صورة ساعة‬
‫جاجا‪...‬الال‪...‬زجاجا‬ ‫جاج‬ ‫صورة دجاجة‬
‫فرشيطا‪...‬اوه‪...‬نسيت‬ ‫صورة مشط‬
‫زهرا‬ ‫ورد‬ ‫صورة زهرة‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪110‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫يظهــر مــن خــال نتائــج بنــد التســمية أن املصابــن بالحبســة يعانــون مــن نقــص‬
‫يف الكلمــة ســواء مــن خــال غيــاب اإلجابــة أومــن خــال أخطــاء يف تكويــن الكلمــة‬
‫الصحيحــة‪ .‬وهــذا يــدل عــى وجــود صعوبــة يف الربــط بــن الحــروف األصــول التي تشــكل‬
‫املــادة األصليــة للكلمــة املحللــة عموديــا والحــروف البنائيــة الزائــدة التــي تتكــون منهــا‬
‫الصيغــة‪ .‬فــإذا مــا تأملنــا إجابــات املصابــن بحبســة بــروكا يف املثــال الســابق‪ ،‬نجــد أن‬
‫أخطــاء البنــاء ظهــرت عــى شــكل اضطرابــات فونولوجيــة إمــا بالتعويــض أو الحــذف‪ ،‬إذ‬
‫ُعوضــت‪ ،‬عــى التــوايل الحــروف (م‪/‬ق‪/‬ص) و(ع‪/‬ن‪/‬ب)‪ ،‬بالحــروف (م‪/‬ک‪/‬ط) و(ح‪/‬ن‪/‬ب)‬
‫و ُحــذف حــرف مــن حــروف املــادة األصليــة (ک‪/‬ر‪/‬س) لتصبــح (ک‪/‬س)‪ .‬كــا نالحــظ أن‬
‫التغيــر وقــع عــى الحــروف املهموســة (ص) و(ق) وعــى بعــض الحــروف املجهــورة مثــل‬
‫(ع) ولتصبــح كلهــا مهموســة‪( :‬ق) ← (ک) و(ص) ← (ط) و(ع) ← (ح)‪ .‬أمــا املصابــون‬
‫بحبســة فرنيــي‪ ،‬فــإن أخطاءهــم الفونولوجيــة تــأيت أكرثهــا مــن الزيــادة أو القلــب ومــن‬
‫أمثلــة ذلــك نذكــر (كــري) (قنفــدود) (رسوالل) التــي تتضمــن عــى التــوايل الحــروف‬
‫األصــول التاليــة‪:‬‬
‫(ک‪/‬س‪/‬ر) و(ق‪/‬ن‪/‬ف‪/‬د‪/‬د) و(س‪/‬ر‪/‬و‪/‬ل ‪/‬ل)‪ ،‬فــكل هــذه املــواد األصليــة ليــس لهــا‬
‫معنــى يف وضــع اللغــة العربيــة‪ ،‬نظ ـرا لتعــرض هــذه الكلــات إىل التشــوه بالقلــب أو‬
‫بالزيــادة لبعــض حروفهــا‪.‬‬
‫هــذه النتائــج تؤكــد أن بنــاء الكلمــة‪ ،‬ال يقتــر عــى مجــرد النفــاذ إىل املعجــم الذهنــي‬
‫فقــط الســتحضار الحــروف املناســبة للكلمــة‪ ،‬كــا تدعيــه معظــم الدراســات اللســانية‬
‫املعرفيــة )‪)Howard et Rondal et Patterson, 1989( et (Caramazza Hillis, 1993‬‬
‫()‪(Linden et De)Coltheat, Bates et Castle, 1991( )(Lerrer et Milroy, 1993‬‬
‫)‪ (Seron, 2003) Partz, 1992‬و(‪ ،)Wilson et Patterson, 1990‬أو مجــرد انتقــاء واختيــار‬
‫لهــذه الحــروف ثــم القيــام بعمليــة الوصــل (‪ )combinaison‬كــا يزعــم "جاكبســون"‬
‫وأتباعــه )‪ ،(Cohen et Hecaen, 1963) )R. Jakobson, 1969‬بــل يتجــاوز ذلــك إىل‬
‫تدخــل عمليــة بنويــة ديناميكيــة تتمثــل يف البنــاء ويف هــذا املســتوى مــن التحليــل‪ ،‬يتعلق‬

‫‪111‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫ـيي يف تكويــن الكلمــة وهــا املــادة األصليــة‬ ‫األمــر باالندمــاج البنــوي بــن عنرصيْــن أساسـ ْ‬
‫والصيغــة‪ .‬فهــذه العمليــة مــا هــي إال إحــدى العمليــات التابعــة للتحويــل التزايــدي الــذي‬
‫يعــد امليكانــزم األســايس يف تكويــن الوحــدات اللســانية وبالتــايل املبــدأ األســايس لالتســاق‬
‫اللفظــي الصــوري‪.‬‬
‫ب‪ .‬أخطــاء يف الوصــل‪ :‬نجــد هــذه العمليــة يف عــدة مســتويات أهمهــا مســتوى فــروع‬
‫اللفظــة والرتاكيــب وقــد اخرتنــا عــرض أمثلــة عــا يتعلــق بفــروع اللفظــة االســمية‪.‬‬
‫فمعظــم أخطــاء املصابــن بالحبســة فيــا يخــص الوصــل‪ ،‬تتســم إمــا باإلفـراط يف االنفـراد‬
‫أو نقــص يف التمكــن التعاقبــي أو خلــل يف اإلطالــة‪ .‬وميكــن توضيــح هــذه األخطــاء مبــا‬
‫يــي‪:‬‬

‫إجابة ملصاب بحبسة بروكا‬ ‫إجابة ملصاب بحبسة فرنييك‬


‫رشى‪...‬خرضا‪...‬سوق‬ ‫َالسوق‬
‫رشيت فَالخرضا ف ّ‬
‫نالحــظ أن املصــاب بحبســة بــروكا مل يكتــف بعــدم اســتخدام حــرف الجــر قبــل اللفــظ‬
‫(ســوق)‪ ،‬ولكــن باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬حــذف أداة التعريــف التــي توجــد قبــل هــذا اللفــظ‪.‬‬
‫مــا يعنــي أن هــذه العنــارص‪ ،‬ال قيمــة لهــا بالنســبة للمصــاب ب ُح ْب َســة بــروكا‪ .‬ميثــل حــرف‬
‫الجــر إمكانيــة لهــا قيمتهــا‪ ،‬غــر أن املصــاب مل يســتغلها يف هــذه العبــارة‪ .‬فــإذا كانــت‬
‫وحــدة "اللفظــة" تتحــدد مــن خــال ترابــط أجزائهــا‪ ،‬فهــي مفقــودة بالنســبة للمصــاب‬
‫ب ُح ْب َســة بــروكا‪ ،‬إذ يجعــل مــن كل جــزء مــن أجـزاء اللفظــة عنـرا معــزوال دون أي صلــة‬
‫بينــه وبــن غــره‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة للمصــاب بحبســة فرنيــي يف املثــال الســابق‪ ،‬إذا أخذنــا بعــن االعتبــار مــا‬
‫هــو مطلــوب فحســب (أي تفحــص موضــع حــرف الجــر مــع النــواة)‪ ،‬فيظهــر (مــن خــال‬
‫إجابــة املصــاب ب ُح ْب َســة فرنيــي) أنــه قــادر عــى التحويــل التزايــدي بوصــل حــرف الجــر‬
‫(ف) "يف" مــع اللفــظ (الســوق) كــا أثبتتــه النتائــج اإلحصائيــة‪ .‬غــر أن املشــكلة عنــده‬ ‫َ‬
‫تكمــن يف إصــدار اللفظــة يف مجملهــا (بفرعهــا)‪ :‬فصحيــح أنــه أضــاف اللفــظ الــروري‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪112‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫يف املوضــع املناســب (حــرف الجــر "يف" داخــل اللفظــة (فالســوق)‪ ،‬لكنــه مل يكتفــي بذلــك‬
‫بــل أضــاف حــرف جــر آخ ـرا مــع لفــظ آخــر مل نقصــد دراســته (فَالخ ـرا) وهــذا مــا ال‬
‫يتناســب مــع نظــام اللغــة العربيــة‪.‬‬
‫كل هــذا يؤكــد أن فرنيــي‪ ،‬بالرغــم مــن قدرتــه عــى الوصــل يف مســتوى فــروع اللفظــة‬
‫االســمية‪ ،‬إال انــه يســتخدم اإلضافــات كأماكــن وليــس كمواضــع تركيبيــة داخــل املثــال‬
‫املولــد‪ .‬أي أنــه ال يتصــور اللفظــة إال يف مجملهــا دون احـرام للقواعــد النحويــة الخاصــة‬
‫باملســتويات األخــرى (الرتاكيــب)‪ .‬ومــا هــو ملفــت لالنتبــاه يف هــذه الدراســة‪ ،‬أن صنــف‬
‫الوحــدات اللغويــة األكــر احتفاظــا لــدى املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬بالرغــم مــن النقــص‬
‫ـابيي قيمتهام‪:‬‬
‫ـطي حسـ ْ‬ ‫املوجــود يف االتســاق اللفظــي الصــوري هــو فــروع اللفظــة (مبتوسـ ْ‬
‫‪ 14.9‬بالنســبة لإلســمية و‪ 16.2‬بالنســبة للفعليــة)‪ ،‬واللذيــن يقرتبــان بشــكل كبــر مــا‬
‫هــو عليــه لــدى العاديــن بقيمتــن‪ 15.6 :‬و‪ ،16.8‬وهــذا نظ ـرا لعــدم وجــود فــروق بــن‬
‫هــؤالء واملصابــن بحبســة فرنيــي عــى مســتوى فــروع اللفظــة‪ .‬فهــذه الخاصيــة إن دلــت‬
‫عــى يشء‪ ،‬فإمنــا تــدل عــى قــدرة املصابــن بحبســة فرنيــي عــى احتفاظهــم بالوصــل‬
‫واســتعاملهم لزوائــده مقارنــة باملصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬وبالتــايل قدرتهــم أكــر عــى‬
‫التحويــل التزايــدي عــى مســتوى فــروع اللفظــة‪ .‬غــر أن املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬إذا قــل‬
‫مردودهــم اللغــوي فيــا يخــص فــروع اللفظــة مقارنــة باملصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬فهــذا‬
‫يــدل عــى نقــص أكــر يف قدرتهــم عــى التحويــل التزايــدي عــن طريــق عمليــة الوصــل‪.‬‬
‫مــا يؤكــد هــذه الخاصيــة هومجمــوع املتوســطات الخاصــة بفــروع اللفظــة االســمية‬
‫والفعليــة الــذي بلــغ لــدى املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬عــى التــوايل‪ 14.9 :‬و‪ ،16.2‬و‪5.7‬‬
‫و‪ 4.3‬لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪.‬‬
‫أمــا الصنــف األكــر احتفاظــا لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬بالنســبة لألصنــاف األخــرى‪،‬‬
‫فيتمثــل يف أصــل اللفظــة االســمية (الكلمــة املفــردة) مقارنــة بفروعهــا‪ ،‬حيــث بلغــت‬
‫املتوســطات الحســابية لهــا عــى التــوايل‪ 14.1 :‬و‪ .5.7‬ويــدل ارتفــاع نســبة الوحــدات‬
‫اإلفراديــة لــدى هــؤالء املصابــن‪ ،‬بالنســبة للوحــدات األخــرى‪ ،‬عــى خاصيــة هامــة جــدا‬

‫‪113‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫وهــي قدرتهــم أكــر عــى البنــاء مقارنــة بالوصــل‪.‬‬


‫كــا أثبتــت هــذه الدراســة وجــود فــروق دالــة إحصائيــا يف االتســاق اللفظــي الصــوري‬
‫تعــود الختــاف يف درجــة تفريــع الصيــغ واختــاف يف نوعيــة الزوائــد‪ ،‬إذ كان مــردود‬
‫املصابــن بحبســة بــروكا أحســن عندمــا تعلــق األمــر بتكويــن وحــدات ذات الدرجــة األوىل‬
‫مقارنــة بالتــي هــي ذات الدرجــة الثانيــة‪ ،‬حيــث بلغــت املتوســطات الحســابية حســب‬
‫درجــة التفريــع‪ ،‬عــى التــوايل‪ 28.1 :‬و‪ .14.3‬وكذلــك إذا ارتبطــت هــذه الوحــدات بزوائــد‬
‫البنــاء مقارنــة بالوصــل والتــي وصلــت قيمــة املتوســطات الحســابية لهــا‪ ،‬عــى التــوايل إىل‬
‫‪ 18.2‬و‪ .6.2‬غــر أن انتاجــات املصابــن بحبســة فرنيــي تكــون أحســن إذا تعلقــت بصيــغ‬
‫ذات الدرجــة الثانيــة مــن التفريــع مقارنــة بالصيــغ ذات الدرجــة األوىل وذلــك مبتوســطات‬
‫حســابية بلغــت عــى التــوايل‪ 45.8 :‬و‪ ،31‬كــا تتحســن هــذه االنتاجــات إذا ارتبطــت‬
‫بزوائــد الوصــل مقارنــة بالبنــاء والتــي وصلــت متوســطاتها الحســابية عــى التــوايل‪89.9 :‬‬
‫و‪ .42.4‬ولتوضيــح هــذه الفروقــات لــدى املصابــن بالحبســة‪ ،‬نقتــر يف أمثلتنــا عــى مــا‬
‫يرتبــط بــدرج تفريــع الصيــغ (درجة‪/1‬درجــة‪ ،)2‬كــا يــي‪:‬‬

‫االتساق اللفظي الصوري بواسطة‬ ‫بند التسمية لالندماج البنوي‬


‫االندماج البنوي ألصل اللفظة االسمية‬
‫أمثلة عن أجوبة‬ ‫الصور(بعض الصور كلامت ‪-‬أسامء لصور أمثلة عن أجوبة‬
‫مصابني بحبسة‬ ‫مصابني بحبسة‬ ‫حسب درجة تفريع‬ ‫للبند)‬
‫بروكا‬ ‫فرنييك‬ ‫الصيغ‬
‫مقص‬ ‫مقصاص‪...‬قصاص‬ ‫صورة مقص‬
‫سلوم‬ ‫درجة ‪( 1‬صيغ‪ -‬أصول) أيل نطلع معاه‬ ‫صورة سلم‬
‫ركيس‪...‬الال نسيت‬ ‫صورة كريس‬
‫ساعة‬ ‫صورة ساعة‬
‫جاج‬ ‫دجاجا‬ ‫درجة ‪( 2‬صيغ‪-‬فروع)‬ ‫صورة دجاجة‬
‫شامطا‪...‬مشاطا‬ ‫صورة مشط‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪114‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫يظهــر جليــا مــن خــال هــذه األمثلــة أن املصابــن بحبســة فرنيــي يجــدون صعوبــة‬
‫أكــر عندمــا يتعلــق االندمــاج البنــوي بصيــغ ذات الدرجــة األوىل مقارنــة بالصيــغ ذات‬
‫الدرجــة الثانيــة‪ ،‬إذ تــأيت عباراتهــم عــى شــكل محــاوالت تتســم بتحريفــات وتشــوهات‬
‫إمــا عــى مســتوى الصيــغ كــا هــو الحــال يف العبــارات (مقصــاص) و(قصــاص) اللتـ ْـن‬
‫جاءتــا بالصيغتـ ْـن( مفعــال) و(ف ّعــال) عــوض (مفعــل)‪ ،‬وإمــا عــى مســتوى املــادة األصلية‬
‫كــا هــو الحــال يف العبــارة (ركــي) التــي جــاءت برتتيــب‪( :‬ر‪/‬ک‪/‬س) عــوض (ک‪/‬ر‪/‬س)‪.‬‬
‫غــر أن إجاباتهــم ذات الصلــة بالدرجــة الثانيــة‪ ،‬تبــدو أقــل رضرا مــن األوىل‪ ،‬فهــي أقــرب‬
‫إىل الكلــات الهــدف بالرغــم مــن مــرور البعــض منهــا مبحاولــة أو أكــر كــا هــو الحــال‬
‫يف العبــارة (شامطا‪...‬مشــاطا)‪.‬‬
‫مــن الدراســات التــي حاولــت تحليــل االختالفــات يف ســلوكات املصابــن بالحبســة‬
‫حســب نوعيــة الســياق اللغــوي الــذي يواجهــه هــؤالء املصابــن‪ ،‬نجــد دراســة لحليمــة‬
‫صح ـراوي (‪ )H. Sahraoui, 2009‬التــي تكشــف دور النظــام الــذي تبنــى عليــه اللغــة‬
‫ومــدى تأثــره عــى نوعيــة اإلجابــات اللســانية لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬إذ الحظــت‬
‫هــذه الباحثــة أنــه كلــا زادت درجــة تعقيــد املهــات التــي يواجهــا هــؤالء املصابــن‬
‫مــن حيــث أنهــم مطالبــون بتكويــن جمــل أو بــرد قصــة أو بــكالم عفــوي (تلقــايئ)‪.‬‬
‫فقــد الحظــت‪ ،‬أن عمليــة تكويــن الجمــل‪ ،‬هــي أعقــد هــذه املهــات‪ ،‬وبالتــايل تتطلــب‬
‫مجهــودات وتركيــز أكــر مــن طــرف املصابــن بالحبســة‪ .‬إال أن هــذه الدراســة تبقــى‬
‫وصفيــة ألنهــا مل تفــر بوضــوح امليكانزمــات اللســانية التــي هــي وراء هــذه االختالفــات‪،‬‬
‫إذ أن الســبب الــذي أعطتــه هــذه الباحثــة والــذي أســمته بـــ «درجــة الدقــة النحويــة»‬
‫(‪ ،)degrés de précision grammaticale‬كان غامضــا وشــموليا‪ .‬وبالتــايل ميكــن القــول‬
‫انطالقــا مــن النتائــج املتحصــل عليهــا‪ ،‬أن هــذه االختالفــات تكمــن‪ ،‬ليــس فقــط يف‬
‫اختــاف املهــات‪ ،‬بــل يف اختــاف درجــة تفريــع صيــغ الوحــدات املطلــوب انجازهــا‪.‬‬
‫ميكــن تلخيــص أهــم االضطرابــات املتعلقــة باالتســاق اللفظــي الصــوري لــدى املصابــن‬
‫بالحبســة يف الجــدول التــايل‪:‬‬

‫‪115‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫املصابون بحبسة فرنييك‬ ‫املصابون بحبسة بروكا‬


‫‪ -‬اســتعامل مفــرط وغــر متحكــم فيــه ملفهــوم‬ ‫‪ -‬خطــاء ترصيفية‪-‬نحويــة ونقــص ملفهــوم‬
‫اللفظــة أوالوحــدة اللفظيــة‪.‬‬ ‫اللفظة‪.‬‬
‫‪ -‬اســتعامل مفــرط ملفهــوم التمكــن يــدل عــى‬ ‫‪ -‬نقــص يف عمليــة التمكــن وحــر‬
‫نقــص القــدرة عــى التحويــل العكــي‪.‬‬ ‫العمليــة التحويليــة أكــر عــى النــواة‬
‫‪ -‬نقص يف عملية التمكن التعاقبي(‪variabilité‬‬ ‫فقــط دون انطالقهــا إىل الفــروع‪.‬‬
‫‪ )disjonctionnelle‬وعــدم التحكــم يف قواعــد‬ ‫‪ -‬قــدرة مفرطــة يف اإلف ـراد (‪)isolabilité‬‬
‫املواضيــع البنائيــة الخاصــة باللفظة‪.‬‬ ‫تــدل عــى قــدرة مفرطــة عــى التحويــل‬
‫‪ -‬إطالــة غــر متحكــم فيهــا خاصــة بالنســبة‬ ‫العكــي (‪.)variation decrémentielle‬‬
‫للمواضيــع ‪ ð‬و ‪.õ‬‬ ‫‪ -‬نقص كبري يف عملية اإلطالة‪.‬‬
‫‪ -‬نقــص يف عمليــة البنــاء مقارنــة بالوصــل‬ ‫‪ -‬نقــص يف عمليــة الوصــل مقارنــة بالبنــاء‬
‫واعتــاد هاتــن القدرتـ ْـن أكــر عــى صيــغ ذات‬ ‫القدرتــن أكــر عــى‬
‫ْ‬ ‫واعتــاد هاتــن‬
‫الدرجــة الثانيــة (صيــغ فــروع)‪.‬‬ ‫صيــغ ذات الدرجــة األوىل (صيــغ أصــول)‪.‬‬
‫‪ -‬قــدرة لفظية‪-‬نحويــة مــع نقــص التحكــم يف‬ ‫‪ -‬نقص كبري يف القدرة عىل االشتقاق‪.‬‬
‫الداللــة الوضعيــة واملعــاين‪.‬‬ ‫‪ -‬قــدرة عــى الداللــة الوضعيــة غــر أنهــا‬
‫‪ -‬قــدرة مفرطــة يف تكويــن الصيــغ واألوزان‬ ‫مرتبطــة مبــدى قدرتهــم عــى االتســاق‬
‫دون معرفــة مــدى اســتعاملها‪.‬‬ ‫اللفظــي الصــوري‪.‬‬
‫إن االختــاف يف نوعيــة األخطــاء يُبــن بشــكل ملحــوظ االختــاف يف طبيعــة االضطـراب‬
‫الــذي مييــز بــن نوعــن مــن الحبســة‪ .‬فــكل هــذه النتائــج تــدل عــى أن املصابني بالحبســة‬
‫يفقــدون قدرتهــم اللغويــة بصــورة جزئيــة‪ :‬فــإذا كان املصابــون بحبســة بــروكا قادريــن‬
‫أكــر عــى تحليــل الداللــة الوضعيــة (‪ )sémiologique‬بالنســبة للمصابــن بحبســة‬
‫فرنيــي‪ ،‬فإنهــم بالرغــم مــن ذلــك يفقــدون القــدرة عــى التحكــم يف القواعــد البنويــة‬
‫الخاصــة بالتحويــل التزايــدي‪ ،‬خاصــة مــا تعلــق بالصيــغ ذات الدرجــة الثانيــة (صيــغ‬
‫فــروع) وبعمليــة الوصــل كــا ســبق ذكــره‪ .‬أمــا املصابــون بحبســة فرنيــي‪ ،‬فــإذا أظهــروا‬
‫قــدرة أكــر عــى اســتعامل الســياق التحويــي التزايــدي‪ ،‬خاصــة عــى مســتوى فــروع‬
‫اللفظــة‪ ،‬فهــذا يؤكــد قدرتهــم أكــر عــى االتســاق اللفظــي الصــوري مــن خــال الوصــل‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪116‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫مقارنــة بالبنــاء‪ ،‬غــر أن فقدانهــم لتحليــل الداللــة الوضعيــة لأللفــاظ قــد يشــوش قدرتهم‬
‫عــى االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪.‬‬
‫‪ .2.5‬نتائج تحليل االنسجام املعنوي اإلفادي لدى املصابني بالحبسة‬
‫أكــدت نتائــج الدراســة اإلحصائيــة لهــذا املســتوى أن املصابــن بحبســة بــروكا وبحبســة‬
‫فرنيــي لهــم صعوبــات يف االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ ،‬وذلــك نظـرا لوجــود فــروق ذات‬
‫ـي ‪ 58.8‬لــروكا و‪ 27.2‬لفرنيــي)‬ ‫داللــة إحصائيــة يف املتوســطات الحســابية بينهــم (بقيمتـ ْ‬
‫وبــن العاديــن (بقيمــة ‪ )158.5‬وذلــك لصالــح العاديــن‪ .‬إال أن االنســجام املعنــوي اإلفادي‬
‫عــى مســتوى الجملــة‪ ،‬لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬أحســن بكثــر مــا هــو عليــه‬
‫بالنســبة للمصابــن بحبســة فرنيــي الذيــن بالرغــم مــن تفوقهــم‪ ،‬يف االتســاق اللفظــي‬
‫الصــوري‪ ،‬عــى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬فإنهــم غــر قادريــن عــى تجــاوز إطــار البنيــة‬
‫اللفظيــة الخاصــة بالقيــاس وبالتــايل إعطــاء معنــى أو مضمــون لحديثهــم‪ ،‬حيــث امتــاز‬
‫هــذا األخــر بالعســلطة الفونيميــة واملعنويــة‪ ،‬والخلــط يف الــكالم واســتعامل شــبه جمــل‬
‫طويلــة غــر كاملــة وغــر مفهومــة‪.‬‬
‫يبقــى فقــدان االنســجام املعنــوي اإلفــادي لــدى املصــاب بحبســة فرنيــي واضحــا‬
‫يف مســتوى التسلســات الكــرى أيــن معايــر البنيــة املرفولوجيــة للحكايــة تبــدو غــر‬
‫موجــودة متامــا‪.‬‬
‫أمــا تحليــل نتائــج املدونــات الخاصــة باملصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬فإنهــم بالرغــم مــن‬
‫نقــص قدرتهــم عــى التحويــل التزايــدي‪ ،‬أو باألحــرى عــى اســتعامل القواعــد اللغويــة‪،‬‬
‫فباســتطاعتهم‪ ،‬أكــر مــن املصابــن بحبســة فرنيــي إعطــاء معنــى ومضمــون لحديثهــم‪،‬‬
‫وذلــك بالرغــم مــن اســتعاملهم لألســلوب التلغـرايف‪ ،‬مــا يؤكــد قدرتهــم أكــر عــى اإلفهام‬
‫اللغــوي‪ ،‬وذلــك راجــع الســتعاملهم أكــر‪ ،‬للداللــة عــى املعنــى وللفائــدة يف تكويــن الجمل‬
‫والتــي وصلــت قيمــة املتوســطات الحســابية‪ ،‬لهاتــن العمليتــن‪ ،‬عــى التــوايل ‪ 33.2‬و‪25.6‬‬
‫وذلــك مقارنــة باملصابــن بحبســة فرنيــي الذيــن قــدرت لديهــم‪ ،‬عــى التــوايل بـــ‪12.5‬‬
‫و‪ .14.7‬باإلضافــة اىل اعتــاد املصابــن بحبســة بــروكا اكــر‪ ،‬فيــا يخــص اإلســناد‪ ،‬عــى‬

‫‪117‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫عمــدة اإلســناد (املســند واملســند اليــه) مقارنــة بالفضلــة‪ ،‬اذ بلغــت املتوســطات الحســابية‬
‫ـي ‪ 8.3‬و‪ 6.4‬بالنســبة للمصابــن بحبســة‬ ‫لديهــم‪ ،‬عــى التــوايل ‪ 22.7‬و‪ .3‬بينــا أخــذت قيمتـ ْ‬
‫فرنيــي ‪ .‬وميكــن توضيــح كل هــذه النتائــج مــن خــال األمثلــة التاليــة‪:‬‬
‫بعــض إجابــات املصابــن‬ ‫بعض إجابات املصابني‬ ‫بعض البنود من املقياس‬
‫بحبســة بــروكا‬ ‫بحبسة فرنييك‬
‫بنــد البنــاء حســب الصيغــة‬
‫(ع(ف) ← م‪( ) 1‬بعــض الجمل‬
‫للتكويــن)‪:‬‬
‫طاح‬ ‫طار الولد‬ ‫الولد‪/‬طار‪/‬طاح =>‬
‫قلّع طيارا‬ ‫علقتهم فالطّريارا‬ ‫الطيارة‪/‬علّق‪/‬قلّع =>‬
‫بند البناء حسب الصيغة‬
‫(ع(ف)← م‪1‬م‪:)2‬‬
‫سمري‪/‬فريق‪/‬رفيق‪/‬مرضوب=> رضبــوه الســمري الفريــق أيل رضب‬
‫مرضوب‪...‬‬
‫رش‪...‬بت شيح‬ ‫رشبت سلمى الشيخ‬ ‫سلمى‪/‬الشيخ‪/‬الشيح‪/‬‬
‫سلمى الشيخ رشبتها‬ ‫مرضوب=>‬
‫يظهــر مــن خــال هــذه األجوبــة أن كال مــن املصابــن بحبســة بــروكا وفرنيــي يعانــون‬
‫مــن نقــص يف االنســجام املعنــوي اإلفــادي عــى مســتوى الجملــة‪ ،‬مــن جانبــن‪:‬‬
‫ا‪ .‬مــن حيــث الداللــة عــى املعنــى‪ :‬وهــذا يبــدو واضحــا‪ ،‬إمــا بنقــص يف مدلــوالت‬
‫الجملــة وإمــا بأخطــاء يف املعنــى الــذي ال يتناســب مــع املنطــق العقــي‪ .‬إال أن مــا هــو‬
‫ملفــت لالنتبــاه هــو أن املصابــن بحبســة فرنيــي غــر قادريــن يف أغلــب األحيــان عــى‬
‫تكويــن جمــل كاملــة ومقبولــة مــن الناحيــة املنطقيــة‪ .‬وهــذا راجــع حســب رأينــا‪ ،‬إىل‬
‫ســببني رئيســيني‪:‬‬
‫‪-‬إمــا لنقــص يف أصــل املعنــى املتمثــل يف الداللــة اللفظيــة‪ ،‬حيــث نالحــظ وجــود أخطاء‬
‫ســميولوجية متــس الوضــع االصطالحــي يف حــد ذاتــه وذلــك بعــدم التوفيــق بــن الــدوال‬
‫واملدلــوالت الوضعيــة‪ ،‬مثلــا رأينــاه مــن قبــل‪ ،‬يف عــدة أمثلــة ســابقة ومثــل مــا هــو الحال‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪118‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫يف عبــارة (الطّـرارا ) عــوض الكلمــة (الطّيــارا)‪ ،‬وهــذا مــا تســميه األدبيــات األفازيولوجيــة‬
‫بالتحــوالت (‪ .)paraphasies‬وقــد يظهــر نقــص الداللــة اللفظيــة لــدى هــؤالء املصابــن‪،‬‬
‫مــن خــال اســتعاملهم للكلــات (‪.)passe-partout( )standards‬‬
‫‪ -‬وقــد يكــون الســبب نتيجــة لعــدم قــدرة هــؤالء املصابــن عــى االنتقــال مــن أصــل‬
‫املعنــى (الداللــة اللفظيــة) التــي تخــص الوضــع إىل فــروع املعنــى التــي تخــص االســتعامل‬
‫الفعــي لهــذا الوضــع مبراعــاة تــازم املعنــى‪ ،‬فلــكل دليــل تتكــون منــه الجملــة‪ ،‬مدلــول‬
‫وضعــي مبهــم‪ ،‬ومبجــرد ربطــه باألدلــة األخــرى داخــل الجملــة يصبــح مدلولــه مدلــوال‬
‫معينــا‪ .‬ولــي يتحقــق ذلــك‪ ،‬ينبغــي التأكــد مــن أن كل مدلــول مــن مدلــوالت الجملــة‪،‬‬
‫يراعــى فيــه العالقــات الدالليــة والــذي يســميه العلــاء العــرب بتــازم املعنــى‪ .‬وميكــن‬
‫توضيــح األخطــاء التــي متــس هــذا األخــر لــدى املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬مــن خــال‬
‫أغلــب الجمــل التــي يكونونهــا مثــل مــا هــو عليــه يف العبــارات‪( :‬طــار الولــد) و(رشبــت‬
‫ســلمى الشــيخ)‪ ،‬حيــث نــرى أن مدلــول اللفــظ "طــار" ال يتناســب مــع مدلــول "الولــد"‬
‫ونفــس الــيء بالنســبة للمدلــول" رشبــت" الــذي ال يتناســب مــع املدلــول "الشــيخ"‪.‬‬
‫وهــذا يــدل كذلــك عــى عــدم قــدرة هــؤالء‪ ،‬عــى توظيــف قدرتهــم يف االتســاق اللفظــي‬
‫الصــوري يف االســتعامل وهنــا يتعلــق األمــر بالبنــاء‪ ،‬فبالرغــم مــن كــون الجمــل ســليمة‬
‫مــن الناحيــة البنويــة واللفظيــة‪ ،‬بإدخــال العامــل (ع (فعــل)) فيهــا وبذكــر أدلــة موجــودة‬
‫يف الوضــع االصطالحــي‪ ،‬إال أنهــا غــر ســليمة مــن الناحيــة املعنويــة‪ ،‬فهــي حســب النظريــة‬
‫الخليليــة الحديثــة مــن املســتقيم املحــال‪.‬‬
‫‪ -‬ميكــن أن يعــود ســبب معانــاة املصابــن بحبســة فرنيــي مــن األخطــاء عــى مســتوى‬
‫الداللــة عــى املعنــى‪ ،‬إىل تلــك الصعوبــات املرتبطــة باالتســاق اللفظــي الصــوري والــذي‬
‫يــأيت يف أغلــب األحيــان مــن عــدم التناســب يف القــدرة عــى تكويــن أكــر مــن وحــدة‬
‫لغويــة يف نفــس الوقــت‪ ،‬بحيــث تتعلــق كل وحــدة بعمليــة بنويــة معينــة‪ ،‬كــا هــو‬
‫موجــود يف مســتوى الجملــة‪ ،‬أيــن يكــون املصابــون‪ ،‬مطالبــن بتكويــن‪ ،‬ليــس فقــط‪،‬‬
‫لفظــات بــل صيغــة بنيــة نحويــة كذلــك‪ .‬ومبــا أن املصابــن بحبســة فرنيــي يعانــون مــن‬

‫‪119‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫صعوبــات يف البنــاء أكــر مــن الوصــل‪ ،‬فقــد يفرطــون يف هــذا األخــر لتشــكيل اللفظــات‬
‫إىل درجــة اســتعامل اإلطالــة مــن خــال إدراج االســم املوصــول "الــذي"‪ ،‬وباإلضافــة إىل‬
‫إمكانيــة فشــلهم يف تكويــن البنيــة النحويــة‪ ،‬تصبــح عباراتهــم غــر منتهيــة‪ ،‬فهــي مجــرد‬
‫وصــل وترتيــب للفظــات‪ -‬فــروع‪ ،‬ال غــر‪ ،‬كــا هــو موضــح يف املثــال (رضبــوه الســمري‬
‫الفريــق أيل مــروب‪ .)...‬وبالتــايل‪ ،‬ميكــن القــول أن مــن أهــم األســباب التــي تجعــل‬
‫املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬يخفقــون مــن حيــث الداللــة عــى املعنــى‪ ،‬هــو اســتعاملهم‬
‫املفــرط والغــر العقــاين لعمليــة الوصــل واإلطالــة‪.‬‬
‫‪-‬ميكــن أن يظهــر إخفــاق املصابــن بحبســة فرنيــي للداللــة عــى املعنــى‪ ،‬مــن خــال‬
‫عــدم إمكانيتهــم يف توظيــف األدلــة املبهمــة باســتعاملهم الخاطــئ لإلحالــة‪ ،‬كــا هــو‬
‫الحــال بالنســبة للضمــر الغائــب‪ .‬فعــوض أن يــأيت مذكـرا‪ ،‬جــاء مؤنثــا‪ ،‬وهــذا ال يتناســب‬
‫مــع املرجــع (الشــاي) وذلــك يف املثــال (ســلمى الشــيخ رشبتهــا) أمــا املصابــون بحبســة‬
‫بــروكا‪ ،‬فهــم بالرغــم مــن النقــص امللحــوظ يف محصولهــم اللغــوي‪ ،‬مقارنــة باملصابــن‬
‫بحبســة فرنيــي‪ .‬إال أنهــم باســتطاعتهم أكــر تكويــن جمــل مقبولــة مــن حيــث املعنــى‪،‬‬
‫والســبب يف ذلــك‪ ،‬يعــود إىل‪:‬‬
‫‪ -‬التحكــم أكــر يف الداللــة اللفظيــة أو أصــل املعنــى‪ ،‬بحيــث نجــد تناســباً أكــر بــن‬
‫الــدوال واملدلــوالت الوضعيــة‪ ،‬ويظهــر ذلــك مــن خــال التحــوالت التــي يرتكبونهــا والتــي‬
‫تكــون أقــل مــا هــي عليــه لــدى املصابــن بحبســة فرنيــي‪.‬‬
‫‪ -‬قدرتهــم عــى االنتقــال مــن أصــل املعنــى إىل فروعــه مبراعــاة التــازم بــن مدلــوالت‬
‫األلفــاظ املكونــة للجملــة‪.‬‬
‫‪ -‬قدرتهــم عــى تكويــن صيــغ بســيطة ميكــن تصنيفهــا تحــت إطــار "صيغ‪-‬أصــول"‬
‫وهــذا يف جميــع املســتويات اللغويــة‪.‬‬
‫وترجــع أخطــاء االنســجام املعنــوي اإلفــادي لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬بالدرجــة‬
‫األوىل إىل صعوبــات يف االتســاق اللفظــي الصــوري مثــل مــا نالحظــه يف العبــارة (قلّــع‬
‫طيــارا) التــي تتكــون مــن مجــرد تتابــع لكلامت‪-‬أصــول‪.‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪120‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫ب‪ .‬مــن حيــث اإلفــادة‪ :‬نالحــظ أن كال مــن املصابــن بحبســة بــروكا وبحبســة فرنيــي‬
‫يجــدون صعوبــة يف إيصــال أفكارهــم للغــر وهــذا مــا يســمى لــدى ســيبويه باإلعــام‪،‬‬
‫وتعــود أســباب هــذه الصعوبــة إىل نفــس األســباب املتعلقــة بالداللــة عــى املعنــى‪.‬‬
‫فالفائــدة مرشوطــة بتوفــر املعنــى يف الجملــة‪ ،‬وال ميكــن قياســها إال بعــد قيــاس الداللــة‬
‫عــى املعنــى‪ .‬أمــا هــذه األخــرة‪ ،‬فوجودهــا ال يتطلــب الفائــدة‪ ،‬فالجملــة "الثلــج ابيــض"‬
‫تحتــوى عــى معنــى‪ ،‬إال أنهــا خاليــة مــن الفائــدة‪ ،‬ألنهــا ال تخــر بــيء مل يعلمــه‬
‫املخاطــب‪ .‬فــإذا وضعــت النظريــة الخليليــة الحديثــة مقياســا للداللــة عــى املعنــى عــى‬
‫أســاس الحســن (املقبــول) أو املحــال‪ ،‬فــان مقيــاس اإلفــادة حســب هــذه النظريــة‪ ،‬يرتكــز‬
‫عــى كميــة املعلومــات املـراد إيصالهــا إىل املخاطــب قصــد اإلخبــار‪ ،‬وبالتــايل يقــول الحــاج‬
‫صالــح (‪ )2013‬أنــه بإمــكان تكميــم الفائــدة‪ .‬ومــا نالحظــه يف أجوبــة املصابــن بالحبســة‪،‬‬
‫حســب األمثلــة الســابقة‪ ،‬هــو تأثــر القــدرة عــى اإلفــادة بالصعوبــات املرتبطــة بالداللــة‬
‫عــى املعنــى‪ ،‬إذ كلــا تعــرت هــذه األخــرة أو نقصــت أصيبــت اإلفــادة‪ ،‬وذلــك يبــدو‬
‫واضحــا مهــا كانــت نوعيــة اإلصابــة (بروكا‪/‬فرنيــي)‪ ،‬غــر أن املصابــن بحبســة بــروكا‬
‫يظهــرون قــدرة أكــر عــى اإلفــادة بالرغــم مــن نقــص قدرتهــم عــى االتســاق اللفظــي‬
‫الصــوري‪.‬‬
‫ت‪ .‬مــن حيــث عمــدة اإلســناد وفضلتــه‪ :‬أمــا فيــا يخــص مكونــات اإلســناد‪ ،‬يكفــي أن‬
‫نطَلِــع عــى إجابــات املصابــن بالحبســة الســابقة الذكــر والخاصــة بالداللــة عــى املعنــى‬
‫واإلفــادة ونالحــظ أن ســبب عــدم اســتعامل هــده املكونــات لــدى املصابــن بحبســة‬
‫فرنيــي‪ ،‬يعــود أساســا وبالدرجــة األوىل إىل الصعوبــات التــي يعانوهــا مــن حيــث الداللــة‬
‫عــى املعنــى‪ ،‬فهــم وإن اســتطاعوا تكويــن جمــل ذات بُنــى ســليمة مــن حيــث االتســاق‬
‫اللفظــي الصــوري‪ ،‬فإنهــم غــر قادريــن عــى االنتقــال مــن أصــل املعنــى (املدلــوالت‬
‫الوضعيــة أللفــاظ بالجملــة)‪ ،‬إىل فــروع املعنــى والســبب يف ذلــك يعــود إىل عــدم قدرتهــم‬
‫التحكــم يف تــازم املعــاين كــرط أســايس لالنتقــال مــن املعنــى الوضعــي املبهــم إىل املعنــى‬
‫املعــن املختــص‪ .‬ومــن الجمــل التــي نراهــا ســليمة مــن الناحيــة البنويــة وخاطئــة مــن‬

‫‪121‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫الناحيــة املعنويــة نذكــر و(رشبــت ســلمى الشــيخ)‪ .‬وال ميكــن أن يكــون لهــذا النــوع‬
‫مــن الجمــل داللــة معنويــة وال إفــادة‪ ،‬ألنهــا ال تحتــوي عــى مكونــات اإلســناد كعنــارص‬
‫مشــكلة ال لبنيــة الجملــة‪ ،‬بــل لصيغتهــا اإلســنادية املتمثلــة يف عمــدة اإلســناد وفضلتــه‬
‫وقــد تســتغني هــذه الجملــة عــن هــذه األخــرة‪ .‬وبالتــايل ال ميكــن اعتبــار العبــارة (طــار‬
‫الولــد) جملــة مكونــة مــن عمــدة اإلســناد (مســند ومســند اليــه)‪ ،‬بالرغــم مــن كونهــا‬
‫بنيــة نحويــة تحتــوي عــى الصيغــة البنويــة (ع(ف) ←م‪ )1‬وال ميكــن كذلــك اعتبــار‬
‫العبــارة (رشبــت ســلمى الشــيخ) جملــة متكونــة مــن عمــدة اإلســناد وفضلتــه‪ ،‬بالرغــم‬
‫مــن احتوائهــا‪ ،‬هــي أيضــا‪ ،‬عــى البنيــة النحويــة (ع(ف) ← م‪1‬م‪ .) 2‬فهذيــن املكونـ ْـن‬
‫ال يحمــان فقــط محتــوى للجملــة‪ ،‬بــل يتضمنــان كــاً معينــاً مــن املعلومــات قصــد‬
‫إخبــار املخاطــب‪ .‬أمــا املصابــون بحبســة بــروكا‪ ،‬فمــن خــال أجوبتهــم‪ ،‬نالحــظ أن الصيــغ‬
‫املطلــوب انجازهــا مــن الناحيــة البنويــة غــر موجــودة عمومــا‪ ،‬إال أن العبــارات التــي‬
‫قامــوا بتشــكيلها تحتــوي عــى صيــغ بســيطة‪ :‬إمــا لفظــات‪ -‬أصــول مثــل (طــاح) و(رضب)‬
‫عــى وزن (فعــل) وإمــا بُنــى نحويــة‪ -‬أصــول مثــل (رش‪...‬بــت شــيح) ذات صيغــة ع‬
‫(رش‪...‬ب) ← م ‪(1‬ت) م‪( 2‬شــيح)‪ .‬وهــذا مــا يتناســب أكــر مــع صيغــة اإلســناد وخاصــة‬
‫عمدتــه‪ ،‬حيــث نالحــظ أن أغلــب الجمــل التــي يقومــون بتكوينهــا تحتــوي عــى عمــدة‬
‫اإلســناد والتــي تعتــر الركيــزة األساســية للجملــة‪ ،‬إذ بدونهــا تنعــدم هــذه األخــرة‪ .‬وهــذا‬
‫ال يعنــي أن املصابــن بحبســة بــروكا غــر قادريــن عــى تكويــن جمــل ذات فضلــة‪،‬‬
‫إال أن اســتعاملهم لهــا اقــل مــن العمــدة‪ .‬والســبب يف ذلــك يعــود بالدرجــة األوىل إىل‬
‫النقــص امللحــوظ عــى مســتوى االتســاق اللفظــي الصــوري‪ ،‬أيــن يجــد هــؤالء أنفســهم‬
‫غــر قادريــن عــى التحويــل التزايــدي وبالتــايل عــى تكويــن عبــارات ذات زوائــد ميكــن‬
‫اســتعاملها كفضــات‪ .‬نســتخلص مــن كل هــذا أن املصابــن بحبســة بــروكا اســتطاعوا‪ ،‬مــن‬
‫خــال احتفاظهــم‪ ،‬نوعــا مــا‪ ،‬بالصيــغ – األصــول الخاصــة بالوضــع‪ ،‬أن يســتغلوها لتكويــن‬
‫الجملــة وبالخصــوص عمــدة اإلســناد التــي ال تحتــوي عــى املعنــى فحســب‪ ،‬بــل اإلفــادة‬
‫أيضــا‪.‬‬
‫ث‪ .‬مــن حيــث أصــل الــكالم واالس ـراتيجيات االتســاعية‪ :‬بينــت النتائــج أن املصابــن‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪122‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫بالحبســة تختلــف درجــة االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ ،‬لديهــم حســب اختــاف درجــة‬
‫تفريــع الصيــغ وحســب نوعيــة الزوائــد‪ ،‬اذ يســتعمل املصابــون بحبســة بــروكا أصــل الكالم‬
‫أكــر عندمــا يتعلــق األمــر باســتحضار الوحــدات اللغويــة ذات الدرجــة األوىل يف التفريــع‬
‫مقارنــة بالتــي هــي ذات الدرجــة الثانيــة‪ ،‬حيــث قُــدر املتوســط الحســايب لهــا‪ ،‬حســب‬
‫درجــة الصيــغ‪ ،‬عــى التــوايل‪ 9.8 :‬و‪ 2‬لــدى هــؤالء‪ ،‬مقارنــة باملصابــن بحبســة فرنيــي‬
‫الديــن وصــل املتوســط الحســايب لديهــم‪ ،‬حســب درجــة الصيــغ‪ ،‬عــى التــوايل‪ 1.8 :‬و‪.3.9‬‬
‫فهــم باســتطاعتهم‪ ،‬فيــا يخــص اســتعامل أصــل الــكالم‪ ،‬التعامــل أكــر مــع الصيــغ ذات‬
‫الدرجــة الثانيــة‪ .‬بينــا يســتعمل املصابــون بحبســة فرنيــي‪ ،‬قصــد االنســجام املعنــوي‬
‫اإلفــادي‪ ،‬االســراتيجيات االتســاعية أكــر عندمــا يُطلــب منهــم اســتحضار بنــى ذات‬
‫الدرجــة االوىل يف التفريــع مقارنــة بالبنــى ذات الدرجــة الثانيــة حيــث بلغــت املتوســطات‬
‫الحســابية لديهــم‪ ،‬حســب درجــة الصيــغ عــى التــوايل‪ 0.9 :‬و‪ ،2.5‬وهــذا مقارنــة باملصابــن‬
‫بحبســة بــروكا الذيــن يســتعملون أكــر االس ـراتيجيات االتســاعية‪ ،‬عندمــا يتعلــق األمــر‬
‫باســتحضار الوحــدات ذات الدرجــة الثانيــة يف التفريــع مقارنــة بالبنــى ذات الدرجــة األوىل‬
‫وهــذا مــا تبينــه املتوســطات الحســابية عــى التــوايل‪ 2.2 :‬و‪ .9.3‬ولتوضيــح هــذه النتائــج‬
‫فيــا يخــص بأصــل الــكالم انتقينــا األمثلــة التاليــة‪:‬‬

‫بند لالندماج البنوي الخاص‬


‫بعض إجابات املصابني‬ ‫بعض إجابات املصابني‬ ‫بالعنرص كان (بعض الجمل‬
‫بحبسة بروكا‬ ‫بحبسة فرنييك‬
‫للتكوين)‪:‬‬
‫جملة من الدرجة ‪:1‬‬
‫كان محمد حنني‬ ‫كان محمد الحنني‬ ‫محمد حنني‪/‬كان =>‬
‫جملة من الدرجة ‪:2‬‬
‫كان‪...‬أوف‪ ...‬صعيب‬ ‫كان طبيب بابا غايب‬ ‫طبيب بابا غايب‪/‬كان =>‬

‫يبــدو مــن خــال أجوبــة املصابــن بالحبســة انــه كلــا تطلبــت الجمــل صيغ ـاً مــن‬

‫‪123‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫الدرجــة األوىل‪ ،‬كلــا كان بوســع املصابــن بحبســة بــروكا اإلتيــان بجمــل حســب مــا‬
‫يقتضيــه الوضــع‪ ،‬ســواء مــن حيــث اللفــظ أو املعنــى أي حســب مــا يســمى لــدى العلــاء‬
‫العــرب بأصــل الــكالم كــا هــو الشــأن يف الجملــة (كان محمــد حنــن) التــي جــاءت‬
‫بالصيغــة املطلوبــة ع (كان) ← م‪(1‬محمــد) م‪( 2‬حنــن)‪ .‬وكلــا اشــرطت هــذه الجمــل‬
‫صيغ ـاً مــن الدرجــة الثانيــة‪ ،‬كلــا نقصــت قــدرة هــؤالء عــى اســتعامل أصــل الــكالم‬
‫إلنتــاج املعنــى واإلفــادة مثــل مــا هــي عليــه يف العبــارة (كان‪...‬أوف‪ ...‬صعيــب)‪ ،‬حيــث‬
‫تلفــظ بكلــات تــدل عــى إحباطــه وصعوبــة املهمــة لديــه‪ .‬والعكــس صحيــح بالنســبة‬
‫للمصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬إذ كلــا كانــت الجمــل املطلــوب تكوينهــا ذات صيــغ مــن‬
‫الدرجــة األوىل‪ ،‬كلــا قلــت إمكانيتهــم مــن حيــث اســتعامل أصل الــكالم كمصــدر للمعنى‬
‫مثلــا هــي عليــه العبــارة (كان محمــد الحنــن) التــي مل يتحقــق فيهــا حتــى البنــاء‪ ،‬نظـرا‬
‫إلدخــال أداة التعريــف يف اللفظــة (حنــن)‪ .‬بينــا كلــا احتــوت هــذه الجمــل صيــغ‬
‫مــن الدرجــة الثانيــة‪ ،‬كلــا اســتطاع هــؤالء االقـراب يف اســتعامل أصــل الــكالم كــا هــو‬
‫الحــال يف العبــارة (كان طبيــب بابــا غايــب) التــي جــاءت بالصيغــة املطلوبــة ع (كان)‬
‫← م‪(1‬طبيــب بابــا) م‪( 2‬غايــب)‪ .‬وبالتــايل ميكــن القــول أن االحتفــاظ ببعــض مــا تتميــز‬
‫بــه اللغــة كنظــام أوكبنيــة‪ ،‬لــه أهميــة لــدى املصابــن بالحبســة‪ ،‬مهــا كانــت نوعيــة‬
‫إصابتهــم‪ ،‬ألنــه يســمح بتســهيل مهمتهــم يف الحصــول ليــس فقــط عــى بعــض الصيــغ‬
‫أوالبنــى الســليمة مــن حيــث الوضــع‪ ،‬بــل الحصــول كذلــك عــى بعــض املعــاين الحســنة‬
‫واملفيــدة أي الســليمة مــن حيــث االســتعامل‪.‬‬
‫وقــد تعرضــت الكثــر مــن الدراســات إىل النظــر للحبســة عــى أســاس مــا يُحتفــظ فيهــا‬
‫أومــا يُفتقــد (‪ )Nespoulous, 1980, 1986,1990,1994, 1996‬و(‪Watzlawik et al,‬‬
‫‪ )1972‬و(‪ ،)Tran, 2000‬غــر أنهــا مل تركــز اهتاممهــا غــي اغلــب األحيــان‪ ،‬إال عــى حبســة‬
‫بــروكا‪ ،‬إذ تؤكــد هــذه الدراســات‪ ،‬دامئــا يف وصفهــا لهــا عــى وجــود صيــغ بســيطة وغــر‬
‫موســعة‪ ،‬مــع إمكانيتهــا حمــل رســائل إعالميــة (‪ .)messages informationnels‬غــر أن‬
‫هــذه الدراســات مل تعــط تفسـرا لهــذه الظاهــرة والــذي نـراه راجعـاً إىل االحتفــاظ أكــر‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪124‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫لــدى املصابــن بحبســة بــروكا لعمليــات البنــاء مقارنــة بالوصــل مــن جهــة واالحتفــاظ‬
‫أكــر بالصيــغ الدرجــة ‪ 1‬مقارنــة بصيــغ الدرجــة ‪ .2‬وقــد توصلــت بعــض الدراســات‪.‬‬
‫(‪ )Rondal et Seron, 2003‬إىل أن املصابــن بحبســة فرنيــي يجــدون صعوبــة يف تســمية‬
‫األشــياء واســتعاملهم لــإرداف (‪ )périphrases‬بــدال مــن إعطــاء الكلمة‪-‬الهــدف‪ ،‬غــر‬
‫أن هــذه الدراســات مل تعــط تفس ـرا لســانيا لهــا وأرجعتــه إىل عــدم النفــاذ إىل التمثيــل‬
‫الفونولوجــي واالحتفــاظ بالتمثيــل الــداليل (‪ )Rondal et Seron, 2003‬و(‪Caramazza‬‬
‫‪ )et Hillis, 1993‬متجاهلــة أن اإلرداف يف حــد ذاتــه عبــارة عــن صيــغ تتجــاوز الكلمــة‪،‬‬
‫وبالتــايل تتطلــب صيغـاً مركبــة ال ميكــن أن يقــوم بهــا إال مــن احتفــظ بهــا‪ .‬وهــذا يتــاىش‬
‫متامــا مــع مــا توصلــت إليــه دراســتنا مــن أن هــؤالء املصابــن يتعاملــون أحســن مــع‬
‫الجمــل التــي تتطلــب صيغ ـاً مــن الدرجــة ‪.2‬‬
‫أمــا فيــا يخــص النتائــج املتعلقــة باالس ـراتيجيات االتســاعية فيمكــن توضيحهــا مــن‬
‫خــال األمثلــة التاليــة‪:‬‬

‫بعض إجابات املصابني‬ ‫بعض إجابات املصابني‬ ‫بعض الجمل للتكوين‬


‫بحبسة بروكا‬ ‫بحبسة فرنييك‬ ‫من بنود املقياس‬
‫بنــد البنــاء حســب الصيغــة‬
‫(ع (ف) ← م‪:)1‬‬
‫جملة من الدرجة األوىل‪:‬‬
‫الولد طاح‬ ‫رابلهم الولد‬ ‫الولد‪/‬طار‪/‬طاح =>‬
‫جملة من الدرجة الثانية‪:‬‬
‫طيارة ‪....‬سام‬ ‫قلعت الطيارة‬ ‫الطيارة‪/‬علق‪/‬قلع =>‪..........‬‬
‫(تشــر الحالــة بيدهــا إىل‬
‫الســاء)‬

‫‪125‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫بنــد االندمــاج البنــوي الخــاص‬


‫بالعنــر كان‪:‬‬
‫جملة من الدرجة األوىل‪:‬‬
‫سمري سمني‬ ‫كان الراجــل ايل هــو‬ ‫سمري سمني‪/‬كان =>‬
‫ســمري ســمني‬
‫جملة من الدرجة الثانية‪:‬‬
‫كان معروف‬ ‫ســمري خبــاز معــروف‪/‬كان كان خبــاز معــروف هــذا‬
‫ســمري‬ ‫=>‪.....‬‬
‫(ويشــر بإصبعــه إىل‬
‫كلمــة ســمري)‬
‫بنــد االندمــاج يف موضــع م‪1‬‬
‫للصيغــة (ا)‪:‬‬
‫جملة من الدرجة األوىل‪:‬‬
‫عمر رضب عيل وهرب‬ ‫عــي مرضوب‪/‬عمــر=>‪ .........‬عمــر املــروب عــي‬
‫وهــرب‬ ‫وهرب‬
‫جملة من الدرجة الثانية‪:‬‬
‫فريد يرضب ويهرب‬ ‫فريــد يــرب الطفلــة‬ ‫الطفلة الرشيرة‬
‫الرشيــرة ويهــرب‬
‫مرضبة‪/‬فريد =>‪.........‬ويهرب‬

‫إن مــا نالحظــه مــن خــال هــذه األمثلــة ألجوبــة املصابــن بالحبســة‪ ،‬يؤكــد مــا تنــص‬
‫عليــه الفرضيتــان األخريتــن مــن أن هنــاك فروقـاً يف اســتعامل االسـراتيجيات االتســاعية‪،‬‬
‫يعــود إىل اختــاف يف درجــة تفريــع الصيــغ‪ :‬نــرى أن املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬عندمــا‬
‫يجــدون أنفســهم مطالبــن بإنشــاء جمــل ذات صيــغ مــن الدرجــة األوىل‪ ،‬فقــد يخفقــون‬
‫يف ذلــك كــا هــو الحــال يف العبــارة (عمــر املــروب عــي وهــرب) أوقــد يلجئــون إىل‬
‫طــرق أخــرى لتوصيــل األغ ـراض وذلــك بانتهــاج نــوع مــن الخطــط املرتبطــة باالتســاع‬
‫والتــي ســميناها باالس ـراتيجيات االتســاعية‪ .‬وتتمثــل هــذه األخــرة يف محاولــة املصابــن‬
‫بحبســة فرنيــي االق ـراب مــن املعاين‪-‬الهــدف وذلــك إمــا‪:‬‬
‫‪-‬عــن طريــق الداللــة املعنويــة باســتعامل املجــاز‪ ،‬كــا هــو الحــال يف العبــارة (رابلهــم‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪126‬‬
‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫الولــد )‪ ،‬إذ نالحــظ تقاربـاً بــن مدلــو ْيل "طــاح" و"راب" (أي انهــار باللهجــة الجزائريــة )‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن أن كلمــة (راب) غــر مســتعملة يف ال ُعــرف للداللــة عــى الســقوط‪ ،‬إال ان‬
‫هــذه الطريقــة تــدل عــى قــدرة هــؤالء عــى تكويــن مــا يشــبه االســتعارة (‪)métaphore‬‬
‫والتــي تعتــر إحــدى ميكانزمــات البالغــة‪.‬‬
‫‪-‬عــن طريــق ال ُنظــم مــن خــال "التوســيع" كــا هــو الحــال يف العبــارة (كان الراجــل ايل‬
‫هــو ســمري ســمني)‪ ،‬إذ نالحــظ إدمــاج جملــة عــن طريــق االســم املوصــول (الــذي) داخــل‬
‫هــذه العبــارة‪ .‬وهــذا دليــل آخــر عــى أن املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬ميكــن لهــم يف بعــض‬
‫األحيــان‪ ،‬اســتغالل قدرتهــم املتبقيــة عــى التحويــل التزايــدي قصــد تكويــن الجملــة‪.‬‬
‫أمــا إذا تعــرض املصابــون بحبســة فرنيــي إىل املطالبــة بتكويــن جمــل ذات صيــغ‬
‫مــن الدرجــة الثانيــة‪ ،‬فإنهــم ينجحــون أكــر يف مهمتهــم‪ ،‬مقارنــة باملوقــف األول (تكويــن‬
‫جمــل ذات الدرجــة األوىل) مثلــا مــا هــو الحــال يف العبــارات (قلعــت الطيــارة) و(فريــد‬
‫يــرب الطفلــة الرشيــرة ويهــرب)‪ .‬غــر أن املصابــن بحبســة فرنيــي‪ ،‬قــد يلجئــون إىل‬
‫هــذه االســراتيجيات حتــى وإن تعلــق األمــر بجمــل ذات الدرجــة الثانيــة مثلــا هــو‬
‫الحــال يف العبــارة (كان خبــاز معــروف هــذا ســمري)‪ ،‬إذ نالحــظ اســتعامل هــؤالء للداللــة‬
‫الحاليــة بإدخــال العنــر (هــذا) عــى العبــارة والقيــام بحركــة اإلشــارة إىل كلمــة (ســمري)‪.‬‬
‫إن ســبب اســتعامل املصابــن بحبســة فرنيــي لالس ـراتيجيات االتســاعية أكــر عندمــا‬
‫يواجهــون جمـاً مــن الدرجــة األوىل‪ ،‬يعــود حســب رأينــا إىل عجــز هــؤالء عــى مســتوى‬
‫االتســاق اللفظــي الصــوري‪ ،‬عندمــا يتعلــق األمــر باألصــول‪ .‬ومبــا أن تكويــن الجمــل ذات‬
‫الدرجــة األوىل يحتــاج إىل األصــول‪ ،‬فإنهــم يجــدون صعوبــة يف ذلــك‪ ،‬وبالتــايل يلجئــون إىل‬
‫اســتعامل حيــل أخــرى لتخليــص أنفســهم مــن هــذه الصعوبــة وذلك عــن طريق اســتعامل‬
‫الوضــع الغــر اللفظــي واملجــاز والنظــم والتوســيع واإلرداف‪ .‬ومبــا أن هنــاك ارتباطـاً بــن‬
‫الجانــب اللفظــي الصــوري والجانــب املعنــي اإلفــادي‪ ،‬فــإن أغلــب االس ـراتيجيات التــي‬
‫يتخذونهــا مرتبطــة أساســا مبــا تبقــى لديهــم مــن قــدرات بنويــة وأهمهــا قدرتهــم عــى‬
‫تكويــن الفــروع أكــر مــن األصــول‪ ،‬وذلــك مقارنــة باملصابــن بحبســة بــروكا‪ .‬لــذا فهــم‬

‫‪127‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫يســتغلون هــذه اإلمكانيــات اللغويــة املتبقيــة للوصــول إىل املعنــى واإلفهــام‪.‬‬


‫أمــا بالنســبة للمصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬فإننــا نالحــظ مــن خــال أجوبتهــم أنهــم‬
‫يســتعملون االس ـراتيجيات االتســاعية أكــر‪ ،‬حــن يطالبــون بتكويــن جمــل ذات صيــغ‬
‫مــن الدرجــة الثانيــة‪ ،‬مقارنــة بالجمــل ذات صيــغ مــن الدرجــة األوىل ‪ .‬وتتمثــل هــذه‬
‫االســراتيجيات فيــا يــي‪:‬‬
‫‪ -‬اســتعامل الوضــع الغــر اللفظــي (أو مــا يعــرف باللغــة الغــر اللفظيــة) مثلــا‬
‫هوالحــال يف العبــارة (طيــارة ‪....‬ســا)‪ ،‬بحيــث يتــم مرافقــة هــذه العبــارة باإلشــارة إىل‬
‫الســاء‪ .‬مــا يــدل عــى أهميــة القرائــن الغــر اللفظيــة يف عمليــة اإلفهــام لــدى هــؤالء‬
‫املصابــن‪.‬‬
‫‪ -‬اســتعامل الحــذف واإليجــاز أو االختصــار كــا هــو الحــال يف العبــارة (كان معــروف)‪،‬‬
‫أيــن تــم حــذف املبتــدأ (ســمري) واملوصوف(خبــاز)‪ .‬باإلضافــة إىل العبــارة (فريــد يــرب)‬
‫التــي تــم فيهــا كذلــك حــذف املفعــول بــه (الطفلــة الصغــرة) فهــي عــى شــكل جملــة‬
‫مضمــرة (‪)elliptique‬‬
‫‪ -‬اســتعامل اإلضــار يف عــدة عبــارات منهــا املذكــورة ســابقا (كان معــروف)‪ ،‬والتــي‬
‫تــم فيهــا تحويــل لفــظ املبتــدأ مــن لفظــة اســمية (ســمري) إىل الضمــر الغائــب املســترت‪.‬‬
‫وكــا هــو مبــن يف األمثلــة الخاصــة بأجوبــة املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬فإنهــم هــم أيضــا‪،‬‬
‫بإمكانهــم اســتعامل االس ـراتيجيات االتســاعية‪ ،‬حتــى ولــو تعلــق األمــر بتكويــن جمــل‬
‫تحتــوي عــى صيــغ مــن الدرجــة األوىل‪ ،‬كــا هــو الحــال يف العبــارة (ســمري ســمني)‪ ،‬أيــن‬
‫تــم حــذف العنــر (كان)‪ .‬غــر أن هــؤالء املصابــن‪ ،‬كــا قلنــا مــن قبــل يســتعملون هــذه‬
‫االسـراتيجيات أكــر عندمــا يكونــون أمــام صيــغ مــن الدرجــة الثانيــة‪ ،‬والســبب يف ذلــك‬
‫يكمــن يف أن هــذا النــوع مــن الصيــغ يتطلــب قــدرة معينــة مــن التحويــل التزايــدي‪ .‬ومبــا‬
‫أن النتائــج الســابقة الذكــر بينــت عجــز املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬مــن حيــث هــذه القدرة‪،‬‬
‫فإنهــم بذلــك يلجئــون إىل طــرق أخــرى قصــد توصيــل أغراضهــم كالحــذف واإليجــاز‬
‫واإلضــار وحتــى اســتعامل الوضــع الغــر اللفظــي‪ .‬ومبــا أن هنــاك ارتباط ـاً بــن الجانــب‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪128‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫اللفظــي الصــوري والجانــب املعنــوي اإلفــادي‪ ،‬فقــد جــاءت اس ـراتيجياتهم حســب مــا‬
‫تبقــى لديهــم مــن عمليــات التحويــل التزايــدي‪ ،‬بــرط أن تتعلــق أكــر بالصيغ‪-‬األصــول‪.‬‬
‫لقــد تعرضــت الكثــر مــن الدراســات إىل مفهــوم االسـراتيجيات والتــي غالبــا ما ســميت‬
‫باالسـراتيجيات التعويضيــة (‪ )stratégies palliatives‬نذكــر منهــا‪Nespoulous, 1980,( :‬‬
‫‪ )1986,1990,1994, 1996‬و(‪ .)Watzlawik et al, 1972‬غــر أن جــل هــذه الدراســات‬
‫تفـسر هـ�ذه األخـيرة عـلى أسـ�اس أنهـ�ا دليـ�ل ملـ�ا تسـ�ميه باملرونـ�ة املعرفيـ�ة( (�‪flexibi‬‬
‫‪ ،)lité cognitive‬ومبــا أنهــا مــن ظواهــر االســتعامل‪ ،‬فكأنهــا هــي العمليــات الوحيــدة‬
‫التــي تتميــز بالديناميكيــة وبالتــايل تنتمــي إىل الجانــب املعــريف‪ ،‬وذلــك مقارنــة مبــا هــو‬
‫لســاين (كنظــام)‪ ،‬الــذي يعتربونــه ظاهــرة ســكونية وغــر قابلــة للتغــر‪ .‬وبالرجــوع إىل‬
‫النظريــة الخليليــة الحديثــة‪ ،‬فإننــا نــرى أن هــذه املرونــة املعرفيــة موجــودة كذلــك داخــل‬
‫نظــام اللغــة وذلــك مــن خــال الدينامكيــة املوجــودة للعمليــات البنويــة التــي تتميــز‬
‫بهــا امل ُثــل والتــي تعمــل عــى االتســاق اللفظــي الصــوري للوحــدات اللغويــة يف جميــع‬
‫املســتويات‪ .‬كــا أن هــذه الدراســات مل تركــز اهتاممهــا أكــر عــى حبســة بــروكا وأهملــت‬
‫حبســة فرنيــي‪ .‬باإلضافــة إىل أنهــا مل تعــط تفسـرا دقيقــا لهــذه االسـراتيجيات واكتفــت‬
‫باعتبارهــا دليــا عــى ســامة التمثيــل الــداليل ونتيجــة ملشــكل يف النفــاذ الفونولوجــي أو‬
‫املعجمــي‪ .‬فهــذه القــدرة الدالليــة واملعنويــة لــدى املصابــن بحبســة بــروكا عــى مســتوى‬
‫الجملــة‪ ،‬تســمح لهــم‪ ،‬يف مســتوى التسلســات الكــرى‪ ،‬باحــرام املكونــات األساســية‬
‫للبنيــة املرفولوجيــة للحكايــة حتــى يصبــح حديثهــم متســقا‪ .‬وتتمثــل هــذه املكونــات يف‬
‫االحتفــاظ بالنــواة الرسديــة (‪ )le noyau du récit‬وحســن اســتعاملهم لألدلــة املبهمــة‬
‫(‪ )les déictiques‬واألفعــال الكالميــة (‪ ،)les actes du langage‬فقــد أظهــرت النتائــج‬
‫وجــود فــروق ذات داللــة إحصائيــة يف اســتعامل االفعــال الكالميــة لــدى املصابــن بحبســة‬
‫بــروكا‪ ،‬عــى مســتوى التسلســات الكــرى‪ ،‬تعــود اىل اختــاف الوضعيــات الرسديــة‪،‬‬
‫اذ بينــت النتائــج اســتعامل اكــر لالفعــال االنشــائية‪ ،‬يف وضعيــة رسد قصــة فلكلوريــة‬
‫مســموعة والتــي بلــغ متوســط حســابها‪ 4.7 :‬وذلــك مقارنــة بالوضعيــات االخــرى (رسد‬

‫‪129‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫حــر‪ ،‬رسد قصــة مــن خــال سلســلة الصــور) والتــي وصلــت قيمــة متوســطاتها ‪ 0.1‬عــى‬
‫الســواء‪ .‬وهــذا يبــن قــدرة املصابــن بحبســة بــروكا الرباكامتيــة التــي تراعــي خصوصيــة‬
‫القصــة الفلكلوريــة املســموعة التــي تســتند يف إعــادة رسدهــا عــى الذاكــرة‪ ،‬مــن جهــة‪،‬‬
‫وعــى أحــداث التشــويق والحــوار‪ ،‬مــن جهــة اخــرى ومثــال ذلــك‪ ):‬قــول راجــل بيــت‬
‫شــيخوخة)(ولد قــال بابــا ويــن جدي((ميــاه ويــن؟ ويــن؟‪...‬واش راك؟‪ .)...‬باالضافــة اىل‬
‫هــذا كلــه‪ ،‬بينــت النتائــج وجــود فــروق ذات داللــة إحصائيــة يف اســتعامل االدلــة املبهمــة‬
‫لــدى املصابــن بحبســة بــروكا‪ ،‬عــى مســتوى التسلســات االصغــرى‪ ،‬تعــود اىل اختــاف‬
‫الوضعيــات الرسديــة‪ ،‬اذ بينــت النتائــج اســتعامل أكــر لالدلــة املبهمة يف وضعيــة رسد قصة‬
‫مــن خــال سلســلة الصــور والتــي بلغــت متوســطالت حســابها ‪ 6.6‬مقارنــة بالوضعيــات‬
‫االخــرى (رسد حــر‪ ،‬رسد قصــة فلكلوريــة مســموعة)‪ ،‬حيــث وصلــت قيمتهــا عــى التــوايل‬
‫‪ 1.9‬و‪ .2.4‬فهــذه النتائــج تؤكــد‪ ،‬مــرة اخــرى‪ ،‬عــى القــدرة الرباكامتيــة لــدى املصابــن‬
‫بحبســة بــروكا والتــي تراعــي خصوصيــة رسد قصــة مــن خــال الصــور‪ ،‬حيــث تســتند عــى‬
‫قرينــة املشــاهدة وســبب ذلــك يعــود اىل أن املرجــع هنــا‪ ،‬ذا طابــع إيقــوين(‪)iconique‬‬
‫عبــارة عــن صــور‪ ،‬إذ يكتفــي املصابــون هنــا باالشــارة اليــه ومثــال ذلــك‪( :‬هــذاك عيــط‪...‬‬
‫ملبيلنــص جات‪...‬ومبعــد طلــع صبيطــار)‪ ،‬بحيــث اســتعمل املصــاب بحبســة بــروكا‪ ،‬اإلحالة‬
‫مــن خــال اســم اإلشــارة (هــذاك) كوســيلة لالســتئناف ولالســتمرارية الدالليــة‪.‬‬
‫خامتة‬
‫ختامــا لهــذا البحــث‪ ،‬اســتطعنا التأكيــد عــى أن الحبســة هــي اضطـراب ميــس قدرتـ ْـن‬
‫لغويتـ ْـن تتمثــل يف االتســاق اللفظــي الصــوري واالنســجام املعنــوي اإلفــادي معــا‪ .‬وأن‬
‫االختــاف بــن بــروكا وفرنيــي يعــود إىل اختــاف يف درجــة هــذا االضط ـراب بالنســبة‬
‫لكلتــا القدرتـ ْـن‪ :‬ميكــن تفســر حبســة بــروكا باضطـراب أكــر يف عمليــة التحويــل التزايدي‪،‬‬
‫وبالتــايل يف مســتوى االتســاق اللفظــي الصــوري‪ .‬أمــا حبســة فرنيــي‪ ،‬فيمكــن تحديدهــا يف‬
‫إصابــة أكــر عــى مســتوى عمليــة االنســجام املعنــوي اإلفــادي‪ .‬وهــذا مــا يؤكــد بعمــق‬
‫وجــدارة‪ ،‬ليــس فقــط فرضياتنــا يف تحليــل الحبســة ولكــن باإلضافــة إىل ذلــك مصداقيــة‬
‫مبــادئ النظريــة الخليليــة الحديثــة‪.‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪130‬‬


‫دراسة نفسية‪ -‬لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية ‪-‬تطبيق النموذج الخلييل الحديث‪-‬‬

‫اإلحــاالت‬
‫‪ -1‬نقصــد بالصيــغ ذات الدرجــة ‪ 1‬هــي الصيــغ أو البنــى‪ -‬األصــول‪ ،‬أمــا الصيــغ ذات الدرجــة ‪ 2‬فهــي‬
‫صيــغ فــروع‪.‬‬
‫‪ -2‬تجــدر اإلشــارة إىل أن اهتاممنــا باألف ـراد العاديــن اقتــر عــى الدراســة الكميــة فقــط‪ ،‬بحيــث مل‬
‫يتــم تحليــل مدوناتهــم مــن الناحيــة الكيفيــة وذلــك إلعطــاء مصداقيــة أكــر عــن مــدى قــرب أو بعــد‬
‫قــدرات املصابــن بالحبســة مــا هــو عــا ٍد إحصائيــا‪ .‬إذ املقارنــة كانــت بــن املصابــن بحبســة بــروكا‬
‫واملصابــن بحبســة فرنيــي‪.‬‬

‫‪131‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫وهيبة نارصي‪-‬بودايل‬

‫قامئة املصادر واملراجع‬


‫باللغة العربية‪:‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحــان‪ .)2006( .‬بحــوث ودراســات يف اللســانيات العربيــة‪.‬‬
‫املؤسســة الوطنيــة للفنــون املطبعيــة‪ .‬الجــزء األول‪ .‬الجزائــر‪.‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحــان‪ .)2007( .‬بحــوث ودراســات يف اللســانيات العربيــة‪.‬‬
‫املؤسســة الوطنيــة للفنــون املطبعيــة‪ .‬الجــزء الثــاين‪ .‬الجزائــر‪.‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحــان‪ .) 2013( .‬الخطــاب والتخاطــب يف نظريــة الوضــع‬
‫واالســتعامل العربيــة‪ .‬منشــورات املجمــع الجزائــري للغــة العربيــة‪ .‬الجزائــر‪.‬‬
‫‪--‬نارصي‪-‬بــودايل‪ ،‬وهيبــة‪ .)2017( .‬إعــداد بروتوكــول عصبي‪-‬لســاين ونفيس‪-‬لســاين‬
‫لتشــخيص وتقييــم الحبســة "تطبيــق النمــوذج اللســاين الخليــي الحديــث"‪ .‬أطروحــة‬
‫لنيــل شــهادة الدكتــوراه علــوم‪ .‬تخصــص علــم النفــس العيــادي‪ .‬قســم علــم النفــس‪.‬‬
‫كليــة العلــوم االجتامعيــة‪ .‬جامعــة الجزائــر‪.2‬‬
‫باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪- Caron‚ J. (1989). Précis de psycholinguistique. P.U.F. Paris.‬‬
‫‪- Charolles‚ M. (1978). «Introduction aux problèmes de la cohérence des‬‬
‫‪textes». in Langue française. N° 38.‬‬
‫‪- Gagnepain‚ J. (1990). Traité d’épistémologie des sciences humaines. Du‬‬
‫‪vouloir dire. Du signe. De l’outil. Tome1. Livre et Communication. Paris.‬‬
‫‪- Hadj Salah‚ A. (1979). Linguistique arabe et linguistique générale. Essai‬‬
‫)‪d’épistémologie du 'ilm al-arabiyya. Thèse pour le doctorat. (Deux tomes‬‬
‫‪Sorbonne. Paris.‬‬
‫‪- Jakobson‚ R. (1969). Langage enfantin et aphasie. Editions de minuit. Pa-‬‬
‫‪ris.‬‬
‫‪- Nasri-Boudali‚ O. (2005). "La variation incrémentielle .critère d’analyse‬‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪132‬‬
-‫تطبيق النموذج الخلييل الحديث‬- ‫ لسانية لتقييم وتشخيص الحبسة لدى الناطقني باللغة العربية‬-‫دراسة نفسية‬

de la cohésion chez l’aphasique. Analyse sémiologico-grammaticale". in


Revue al-lissaniyyat N°10 CRSTDLA. Alger.
- Nasri-Boudali‚ O. (2008-2009). "Approche clinique et analytique de l’apha-
sie au niveau de la cohérence. analyse logico-sémantique de l’aphasie" . in
Revue al-lissaniyyat N°14 et 15 CRSTDLA .Alger.
- Nouani‚ H. (1991). Analyse de la conduite d’explication chez des enfants
algériens de milieux sociaux – contrastés. Thèse de doctorat (unique).
Sorbonne. Paris.

133 1 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬

You might also like