Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫يحرلا نمحرلا هللا مسب م‬

‫م‬
‫التغافل‬

‫حقيقة التغافل‪:‬‬
‫التغافل هو‪ :‬الترفع عن الدنايا وسفاسف األمور وهفواتها التي ال تغير الحقائق وال تبدد الحقوق وال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تحط من الكرامة وال تقر ُمنكرا وال تنكر معروفا‪.‬‬
‫غافل عن سفه َّ‬ ‫ْ ُ ُ ْ ُ َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫فالسكوت عن عيوب َّ‬
‫الشباب وزالتهم‪،‬‬ ‫الناس من أخالق الكبار‪ ،‬مثله مثل الت‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫مفاسد‪-‬‬ ‫الزالت‪ ،‬وسقطات اللسان‪ -‬إذا لم يترَّت ْب على ذلك‬
‫املتغافل عن َّ‬
‫ُ‬ ‫العاقل هو الفط ُن‬
‫ُ‬ ‫والك ِّي ُ‬
‫س‬

‫الشرع يأمربالتغافل‪:‬‬
‫وردت آيات كثيرة تدل على عظم مكانة التغافل والعفو على األخطاء والهفوات الصغيرة‪ ،‬كما قال‬ ‫ْ‬
‫ِِ‬ ‫ف َوأَ ْع ِر ْ‬ ‫تعالى‪ُ ﴿ :‬خ ِذ الْع ْفو وأْمر ِِبلْعر ِ‬
‫ص َف ُحوا أ َََل‬
‫ي ﴾ ‪ ،‬وقوله‪َ ... ﴿ :‬ولْيَ ْع ُفوا َولْيَ ْ‬ ‫ض َع ِن ا ْْلَاهل َ‬
‫(‪)1‬‬
‫َ َ َ ُْ ُْ‬
‫يم ﴾ ‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬وإِذَا ََِسعُوا اللهغْ َو أَ ْع َر ُ‬ ‫اَّلل غَ ُف ِ‬ ‫ُُِتبُّو َن أَن يَغْ ِف َر ه‬
‫ضوا َع ْنهُ َوقَالُوا لَنَا‬ ‫ور هرح ٌ‬ ‫اَّللُ لَ ُك ْم َو هُ ٌ‬
‫(‪)2‬‬

‫ِِ‬
‫أَ ْع َمالُنَا َولَ ُك ْم أَ ْع َمالُ ُك ْم َس ََل ٌم َعلَْي ُك ْم ََل نَ ْب تَغِي ا ْْلَاهل َ‬
‫ي ﴾(‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫َُ ُ‬
‫أحد‬
‫وعن عبد هللا بن مسعود رض ي هللا عنه أن النبي ﷺ قال‪(( :‬ال يب ِّلغ ِّني أحد من أصحابي عن ٍ‬
‫الصدر)) (‪ ،)4‬وعن أنس بن مالك رض ي هللا عنه قال‬ ‫أحب أن أخرج إليكم و أنا َسليم َّ‬ ‫فإني ُّ‬ ‫ً‬
‫ِّ‬ ‫شيئا‪ِّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عشرسنين‪ ،‬فما قال لي أ ٍف قط‪ ،‬وما قال لي لش ٍيء ِّل َم أفعل ُه‪ :‬أال كنت فعلته؟‬ ‫النبي ﷺ َ‬ ‫خدمت َّ‬ ‫((‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وال لش ٍيء فعلته‪ِّ :‬ل َم فعلته؟))(‪.)5‬‬

‫‪ (1‬سورة األعراف (‪.)199‬‬


‫‪ (2‬سورة النور (‪.)22‬‬
‫‪ (3‬سورة القصص (‪)55‬‬
‫‪ (4‬رواه الترمذي وأحمد وأبو داود‪ ،‬وضعفه األلباني في ضعيف سنن أبي داود‪.‬‬
‫‪ (5‬صححه األلباني‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُُ‬
‫وملا ُسئلت عائشة أم املؤمنين رض ي هللا عنها عن خلق رسول هللا ﷺ قالت‪(( :‬لم يكن فاحشا وال‬
‫ً‬ ‫َ ُْ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ََ ً‬
‫صف ُح )) (‪.)6‬صخابا‪:‬‬ ‫بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعفو وي‬
‫ِّ‬ ‫األسواق‪ ،‬وال َي ْج ِّزي‬
‫ِّ‬ ‫صخ ًابا في‬ ‫ُمتف ِّحشا وال‬
‫ً‬
‫صياحا‪ .‬ويقول النبي ﷺ‪(( :‬كل بني آدم خطاء وخيرالخطائين التوابون)) (‪.)7‬‬
‫فحقيقة طبيعة اإلنسان في هذه الحياة الدنيا الخطأ والزلل‪ ،‬وصيغة العموم في قوله "كل بني آدم"‬
‫تفيد عدم االستثناء إال ملن اختصهم هللا بالعصمة من األنبياء واملرسلين‪ ،‬وانطالقا من هذه السنة‬
‫الكونية والحقيقة الثابتة ينبغي أن يتعامل املسلم مع جميع الناس املحيطين به‪ ،‬من زوجة وأوالد‬
‫وأصحاب وشركاء وجيران وأحباب ‪ ,‬فيما يتعلق باألمور التافهة والصغيرة من سفاسف الدنيا وأمور‬
‫الحياة اليومية‪ ،‬بالتغافل والتجاهل عنها‪ ،‬فما دام الخطأ والزلل من طبيعة بني آدم‪ ،‬فال داعي‬
‫للتركيز على األخطاء أو التدقيق على الهفوات‪ ،‬إذ من شأن ذلك أن يجعل الحياة مع أمثال هؤالء‬
‫من الصعوبة بمكان‪ ،‬األمر الذي قد يؤدي إلى خراب بعض البيوتات‪ ،‬وتشرذم العائالت وقطع‬
‫الرحم التي أمر هللا تعالى أن توصل‪ ،‬وهجران األصدقاء وابتعاد الخالن‪.‬‬

‫التغافل عند السلف‪:‬‬


‫ٌ‬
‫مكيال‪ ،‬ثلثه الفطنة‪ ،‬وثلثاه التغافل)‪ ،‬مقصوده ‪-‬رض ي هللا‬ ‫ُ‬
‫العقل‬ ‫يقول معاوية رض ي هللا عنه‪( :‬‬
‫عنه‪ -‬هو ذاك الذي يترفع عن متابعة هفوات من يعول لتستمر الحياة هنيئة طيبة معهم‪ ،‬بينما ال‬
‫يترك الحبل على غاربه في األمور العظيمة وأمهاتها ‪ -‬كالصالة وكل ما يتعلق بحقوق هللا تعالى – ألن‬
‫ذلك يوقعه ويوقعهم في مساءلة عظيمة يوم القيامة‪ ،‬ناهيك عن نتائجها املذمومة الوخيمة في‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫ويقول ابن الجوزي‪( :‬ما يزال التغافل عن الزالت من أرقى شيم الكرام‪ِّ ،‬‬
‫فإن الناس مجبولون على‬
‫ِّ‬
‫الزالت واألخطاء‪ ،‬فإن اهتم املرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب‪ ،‬والعاقل الذكي من ال يدقق في كل‬
‫صغيرة وكبيرة‪ ،‬مع أهله‪ ،‬أحبابه‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وجيرانه‪ ،‬وزمالئه‪ ،‬كي تحلو مجالسته‪ ،‬وتصفو‬
‫عشرته) ‪.‬‬
‫ويقول الحسن البصري ‪ -‬رحمه هللا ‪( :-‬ما زال التغافل من فعل الكرام) ‪.‬‬
‫ويقول اإلمام أحمد بن حنبل ‪ -‬رحمه هللا ‪( -‬تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل)‪.‬‬

‫‪ (6‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫‪ (7‬رواه الترمذي وابن ماجه‬
‫ُ‬
‫الرجل رأسه‬ ‫ليلة ُمظلمة‪َّ ،‬‬
‫فمر برجل نائم فعثر به‪ ،‬فرفع‬ ‫ودخل عمر بن عبد العزيز املسجد في ٍ‬
‫وقال‪ :‬أمجنو ٌن أنت؟ ‪-‬وما علم َّأنه أمير املؤمنين‪ ،-‬فقال عمر‪ :‬ال‪َّ ،‬‬
‫فهم به الحرس‪ ،‬فقال عمر‪ :‬م ْه‪،‬‬
‫َّإنما سألني أمجنون؟ فقلت‪ :‬ال‪.‬‬
‫تحدثا عن صالح الدين األيوبي‪ " :‬وكان ص ً‬‫ُ ً‬
‫بورا على ما يكره‪ ،‬كثير‬ ‫قال ابن األثير ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬م‬
‫التغافل عن ذنوب أصحابه‪ ،‬يسمع من أحدهم ما يكره‪ ،‬وال ُيعلمه بذلك‪ ،‬وال يتغير عليه" ‪.‬‬

‫حقائق نؤمن بها في التغافل‪:‬‬


‫ً ً‬
‫♦ إن الذي يتصيد األخطاء للناس ال يزداد إال تعبا وهما‪ ،‬ويتجنبه الناس ويعزفون عن صحبته‪.‬‬
‫♦ البد أن نوقن أن كل ابن آدم خطاء وال عصمة لبشر إال من عصمهم هللا تعالى‪.‬‬
‫ً‬
‫♦ البد وأن يكون ميزاننا وتقييمنا لآلخرين شامال فال ننس ى خيرهم وصالح أفعالهم ملجرد هفوة أو‬
‫زلة‪.‬‬
‫♦ التغافل يمنع الجدال ويضمن سالمة الصدر واأللفة واملحبة‪.‬‬
‫♦ التغافل يعطي الطرف اآلخر الفرصة ملراجعة النفس وتهذيبها‪.‬‬
‫♦ التغافل ال يضخم األمور وال يرسخها بل يجعلها تمض ي على أنها زلة عابرة وهفوة ال قيمة لها‪.‬‬
‫♦ التغافل يقوم السلوك بابتسامة عاتبة أو بنظرة‬
‫♦ التغافل يكون عن السلوك نفسه وليس عن فاعله لنعينه على نفسه وعلى تصويب ما بدر منه‪.‬‬
‫♦ التغافل لغة ال يقوم بها وال يفهمها سوى كبار العقول‪ ،‬أصفياء النفوس‪ ،‬من يهتمون بكسب‬
‫األفراد قبل كسب املواقف‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫مستفاد من مقاالت كل من‪:‬‬


‫‪ -‬د‪ .‬عامر الهوشان‬
‫‪ -‬الشيخ محمد عبد الرحمن صادق‬
‫‪ -‬عبد الرحمن بن عبد هللا الطريف‬

You might also like