قبل ان تزرع الشريحه ١

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 67

!!

‫قبل أن تزرع الشريحة‬


Before Getting an RFID Implant
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬
‫‪Before Getting an RFID Implant‬‬

‫مهند�س‬

‫�أحمد اليمني‬
‫تـطلب منـشوراتنا من دور النشـر والمكـتبات التالية‬
‫أسماء المكتبات‬ ‫البلد‬
‫دار الكتاب العريب‪ 52 :‬شارع عبداخلالق ثـروت (القاهـرة) ‪ -‬مكتبات الشـروق ‪-‬‬
‫مكتبات ديـوان رشكة الرشق للمكتبات ‪ -‬مكتبات مؤسسة األهرام ‪ -‬مكتبـات أخبـار اليوم‪-‬‬
‫م�صر‬
‫مكتبة منشأة املعارف (اإلسكندرية) ‪ -‬مكتبات دار الفاروق (هايرب ‪ 6‬أكتوبر) ‪ -‬مكتبات (أ)‪-‬‬
‫مكتبة الكتب خان ‪ -‬مكتبة اخلياط (اإلسكندرية) ‪ -‬مكتبة دار احلديث (أسوان) ‪ -‬كتابيكو‪ -‬مكتبات فكرة‬
‫طرابلس‪ :‬املكتبة العلمية ‪ -‬املكتبة العربية ‪ -‬مكتبة السالم ‪ -‬دار الوليد ‪ -‬دار املعرفـة ‪-‬‬
‫ليبيا‬
‫مكتبـة ‪ 17‬فربايـر (بنغازي) ‪ -‬دار اجليـل (بنغازي) ‪ -‬مكتبـة الشعـب (مرصاتـه)‬
‫إداريات ومعارف سوسة ‪ -‬رشكة كتبكم تونس ‪ -‬املركز التونيس للكتاب ‪ -‬دار املعرفة ‪-‬‬
‫تون�س‬
‫مكتبة تونس ‪ -‬دار اجليل ‪ -‬مكتبة الكتاب ‪ -‬سو بيس ‪ -‬مكتبة نومام‬
‫دار العزة والكرامة للنرش والتوزيع (وهران) ‪ -‬دار األنيس ( اجلزائر العاصمة) وسائر‬
‫اجلزائر فروعها ومكتباهتا باجلزائر ‪ -‬مكتبة ابن خلدون ‪ 57‬ش ديدوش مراد (اجلزائر العاصمة)‪-‬‬
‫مكتبة املأمون شارع جيش التحرير جبهه البحر (وهران) ‪ -‬مكتبـة ابـن باديس جامع‬
‫ابن باديس (وهـران)‬
‫الدار العاملية ‪ -‬دار اإلنامء الثقايف ‪ -‬دار الثقافة ‪ -‬دار األمان ‪ -‬مكتبة األلفية الثالثـة‪-‬‬
‫املغرب وراقة املبادرة ‪ -‬دار إحياء العلوم الزاهرة ‪ -‬النارش األطلسى ‪ -‬وراقة اجلنوب ‪ -‬مكتبة‬
‫فرنسا‪ -‬مكتبة باريس‬
‫مكتبات جرير ‪ -‬مكتبات العبيكان ‪ -‬مكتبات هتامة ‪ -‬مكتبات الرشد ‪ -‬دار الوراق ‪ -‬مكتبات الشواف‪-‬‬
‫ال�صعودية‬
‫مكتبة املتنبي (الدمام) ‪ -‬كنوز املعرفة (جدة) ‪ -‬روائع املعرفة (جدة) ‪ -‬املكتبة الرتاثية‬
‫مكتبات إنفنتي (ديب) ‪ -‬مكتبة زين املعاين (ديب) ‪ -‬مكتبات ديب للتوزيع ‪ -‬املكتبة التجارية (العني) ‪-‬‬
‫الإمارات‬
‫مكتبات جرير‪ -‬الربج ميديا للنرش والتوزيع (أبو ظبي)‬
‫مكتبات ذات السالسل ‪ -‬دار الفكر احلديث ‪ -‬مكتبة العجريي ‪ -‬مكتبة الرسالة ‪-‬‬
‫الكويت‬
‫الرشكة املتحدة لتوزيع الصحف ‪ -‬مكتبات جرير ‪ -‬دار أفاق‬
‫�صلطنة‬
‫مسقط‪ :‬مكتبات جرير ‪ -‬أمحد ناصيف ‪0096892339307‬‬ ‫عمان‬‫ُ‬
‫البحرين املكتبة الوطنية (املنامة) ‪ -‬مكتبات جرير‬
‫دار الكتب العلمية (بغداد) ‪ -‬دار املدى للعلوم والثقافة (أربيل) ‪ -‬دار التفسـري (أربيل)‪-‬‬
‫مكتبة هورمان (أربيل) ‪ -‬مكتبة برايتي (أربيل) ‪ -‬املكتبة القانونية ‪ -‬مكتبة النهضة (بغداد)‪-‬‬
‫العراق‬
‫مكتبـة السنجـري (املوصل) ‪ -‬دارالزمـان (أدهوك) ‪ -‬مؤسسة املصباح (بغداد)‪-‬‬
‫مكتبة املعرفة (باب املعظم) ‪ -‬دار الكتبي ومكتبة كتبيون بال حدود (الديوانية ‪ -‬النجف األرشف)‬
‫مكتبة دنديس ‪-‬دار أسامة ‪-‬مكتبة الفرسان ‪-‬دار صفحات ‪-‬كشك الثقافة العربية حسن‬
‫الأردن‬
‫أبو عيل ‪ -‬دار مجلون‬
‫مكتبة دنديس (اخلليل) ‪ -‬مكتبة القدس (القدس الرشيف) ‪ -‬دار العامد للنرش ( اجلليل) ‪-‬‬
‫فل�صطني‬
‫دار اجلندي (القدس)‬

‫ال�صودان مكتبـات القايض (اخلرطوم ‪-‬أم درمان) ‪ -‬وادي النيل للتنمية البرشية (اخلرطوم)‬

‫رشكة الرشق األوسط ‪ -‬النيل والفرات كوم‬ ‫لبنان‬


‫اإلهداء‬

‫إين أحتسب عميل هذا لوجه اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬ولرسوله ﷺ‪ُ ،‬‬
‫وأهدي ثوابه إىل كل‬

‫مسلم ومسلمة‪.‬‬

‫أسألك أن تنفع ِبه‪ ،‬وأن‬


‫َ‬ ‫خالصا َ‬
‫لك‪ ،‬وتقبله مني‪ .‬اللهم إين‬ ‫ً‬ ‫اللهم اجعل عميل هذا‬

‫جتعل جزاءه مرافقة سيدنا حممد ﷺ يف الفردوس األعىل‪ ،‬فإنك ويل ذلك والقادر‬
‫ِّ‬
‫وصل اللهم عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬ ‫عليه‪،‬‬

‫املؤلف‬

‫‪5‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‬

‫﴿وأل ِ‬
‫ُضلَّنـَُّه ْم َوأل َُمنِّيـَنـَُّه ْم َوأل َُم َرنـَُّه ْم فـَلَيـُبـَتِّ ُك َّن آ َذا َن ٱألَنـَْع ِام َوأل َُم َرنـَُّه ْم فـَلَيـُغَِّيُ َّن‬ ‫َ‬
‫ٱلل فـََق ْد َخ ِس َر ُخ ْس َر ًان ُّمبِينًا (‪)١١٩‬‬ ‫ون َِّ‬ ‫ٱلش ْيطَا َن ولِيًّا ِمن ُد ِ‬ ‫َّخ ِذ َّ‬ ‫ٱلل ومن يـت ِ‬ ‫َخل َ ِ‬
‫َ ّ‬ ‫ْق َّ َ َ َ‬
‫َّم َوالَ‬ ‫اه ْم َج َهن ُ‬ ‫ك َمأ َْو ُ‬ ‫ورا (‪ )١٢٠‬أ ُْولَـٰئِ َ‬ ‫ٱلش ْيطَا ُن إِالَّ غُ ُر ً‬ ‫يَ ِع ُد ُه ْم َوُيَنِّي ِه ْم َوَما يَ ِع ُد ُه ْم َّ‬
‫ِ‬
‫َِي ُدو َن َعنـَْها َم ً‬
‫يصا (‪﴾)١٢١‬‬
‫(النساء‪)121 - 119 :‬‬

‫‪7‬‬
‫المحتوى‬

‫‪10 - 9‬‬ ‫املحتوى ‪...................................................................‬‬


‫‪13 - 11‬‬ ‫املقدمة ‪.....................................................................‬‬
‫‪45 - 15‬‬ ‫النظام املايل العاملي ‪ ..‬نشأته ثم اهنياره‪........................................‬‬
‫(تاريخ العمالت الورقية ‪ -‬التحول التارخيي ‪ -‬الغطاء الذهبي للنقود ‪ -‬كيف‬
‫ازداد الوحش األخرض رشاسة ‪ -‬التضخم املفرط ثم اهنيار العملة ‪ -‬التضخم‬
‫العاملي يتسارع واالقتصاد العاملي عىل اهلاوية)‬
‫‪75 - 47‬‬ ‫العامل يودع الكاش‪..........................................................‬‬
‫(العمالت الرقمية (‪ - )Cryptocurrency‬البلوك تشني ‪- Block Chain‬‬
‫كيف تعمل العمالت الرقمية ‪ -‬العمالت املشفرة هي باب االهنيار االقتصادي‬
‫العاملي ‪ -‬جائحة كورونا تُرسع خارطة الطريق ‪ -‬دار اإلفتاء املرصية حترم‬
‫التعامل بالعمالت الرقمية رش ًعا)‬
‫‪105 - 77‬‬ ‫رشحية امليكروتشيب ‪............................ RFID Micro-Chip -‬‬
‫(تاريخ زراعة الرشائح ‪ -‬أنواع رشائح ‪ - RFID‬زراعة رشحية ‪ RFID‬يف‬
‫احليوانات ‪ -‬زراعة رشحية ‪ RFID‬يف اإلنسان ‪ -‬موافقة هيئة األغذية والدواء‬
‫عىل زراعة الرشائح لإلنسان)‬
‫ماذا خيبئ املستقبل؟‪128 - 107 .........................................................‬‬

‫(ماذا بعد اجليل األول من الرشحية؟ ‪ -‬طفرة النانو تكنولوجي ‪ -‬األجيال املتطورة‬
‫من الرشحية ‪ -‬ختزين البيانات يف احلمض النووي ‪ - DNA‬اخرتاق الرشحية!)‬
‫إيلون ماسك ‪ ..‬أيقونة املستقبل ‪144 - 129 .............................................‬‬

‫(إيلون ماسك ‪ - Elon Musk -‬رشائح إيلون ماسك العصبية ‪ -‬رحالت الفضاء ‪-‬‬
‫اإلنرتنت الفضائي فائق الرسعة حييط باألرض ‪ -‬نقل الوعي ومتني اخللود)‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫إرهاصات االنتقال للرشحية‪162 - 145 .................................................‬‬

‫(كلامت املرور غري التقليدية (‪ - )Passwords‬الطابع الالصق احليوي ‪-‬‬


‫‪ - BioStamp‬الوشم اإللكرتوين ‪ - Electronic Tattoo -‬كبسوالت‬
‫املرور ‪ -‬دقات القلب بديل ًة لكلامت املرور التقليدية ‪ -‬وشم إلكرتوين بديل‬
‫للهواتف الذكية‪ -‬املخاوف واألخطار التي قد حتدث عند زراعة الرشحية يف‬
‫اإلنسان)‪.‬‬
‫واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد‪185 - 163 ...........................................‬‬

‫(عودة الذهب إىل الدنيا ‪ -‬روسيا تعد للحرب بزيادة خمزوهنا من الذهب ‪-‬‬
‫العامل اإلسالمي حياول استعادة الدينار الذهبي وقوى الرش حتاربه! ‪ -‬رمزا الذهب‬
‫والفضة يف مطار دينيفر «خمبأ النخبة» ‪ -‬واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)‪.‬‬
‫القرار ‪218 - 187 ......................................................................‬‬

‫عندما نحفظ بياناتنا يف بيوت غرينا! ‪ -‬اإلنرتنت املوازي ‪ -‬تالشى احلكومات‬


‫وظهور الكيانات ‪ -‬لدغة السم ‪ -‬أين النجاة ‪ -‬الصلة والوصلة)‪.‬‬
‫الرجل الذي جيمع مال الدنيا ثم ال يدركهواستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ‪226 - 219 ..‬‬

‫‪227‬‬ ‫طلب فتوى من دار اإلفتاء املرصيةواستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ‪.........‬‬
‫اخلامتةواستفتحوا وخاب كل جبار عنيد‪230 - 229 .....................................‬‬

‫‪232 - 231 ..........................‬‬ ‫املصادر واملراجعواستفتحوا وخاب كل جبار عنيد‬


‫‪239 - 233 .......................................................‬‬ ‫كتب سابقة للمؤلف‬

‫‪‬‬

‫‪10‬‬
‫ةمدقملا‬

‫المقدمة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫والسالم عىل أرشف املرسلني سيدنا وموالنا حممد‬


‫والصالة َّ‬
‫َّ‬ ‫احلمد هلل رب العاملني‪،‬‬
‫وعىل أهله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫ثم أما بعد ‪،...‬‬
‫دائم ما تكون وجهة النظر حيال أمر ما حمدودة بحدود الناظر؛ فالطفل الصغري ال يرى‬
‫ً‬
‫يف األشياء سوى اللهو واللعب بنظرته املحدودة للعامل‪ ،‬واألب يرى احتاملية حدوث اخلطر‬
‫يف التعامل مع األشياء‪ ،‬وكذلك صاحب األلعاب يرى حقيقة األشياء؛ فذاك تكون نظرته‬
‫هي األعم واألصح‪ .‬قس عىل ذلك كل يشء يف احلياة‪.‬‬
‫وىف قضيتنا التي نتناوهلا يف الكتاب نستطيع ‪-‬ونحن نقلب صفحاته‪ -‬أن نكون بمنزلة‬
‫الطفل‪ ،‬أو بمنزلة األب‪ ،‬أو بمنزلة صاحب املصنع‪ ،‬ورغم أن املحتوى واحد‪ ،‬إال أن‬
‫االستنباط خمتلف؛ فبعض الناس سيقرئه كقصة تنتهي بانتهاء الفصل األخري‪ ،‬والبعض‬
‫اآلخر سيقوم بدراسة اجلزئيات‪ ،‬ومنهم سيستنبط حدود املسموح به وحدود املحظور‪،‬‬
‫وأصحاب النهايات سوف يرون األفكار‪ ،‬ولن ُيهدوا أنفسهم يف عناء دراسة اجلزئيات‪.‬‬
‫إذن هي أفكار حتيط بنا‪ ،‬وهذه األفكار منبثقة من عقائد راسخة يف القلوب‪ ،‬والعقائد‬
‫عادة ما تكون هي عقائد الدين ومدى اإليامن‪.‬‬
‫بفضل من اهلل ومنه يف عام ‪ 2013‬قمت بكتابة كتاب (يف أحضان الشيطان ‪ -‬النظام‬
‫العاملي اجلديد ورشحية البيو تشيب)‪ ،‬وعىل مدار هذا العقد أرى اخلطط واألحداث تتجسد‬
‫أمامي عىل أرض الواقع‪ ،‬وكذا أرى اخلطة العربية الشاملة تتحول إىل حقائق‪ ،‬ولكن لألسف‬
‫مرص فقط هي من حتملها عىل عاتقها وحدها‪ِ ،‬‬
‫ول َ العجب ومرص دو ًما تنوب عن العرب‬ ‫َ‬
‫وتتوىل الصدارة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫وألن موضوعات الكتاب كانت كثرية ومتشعبة‪ ،‬ناهزت صفحاته الـ ‪ 600‬صفحة‪،‬‬
‫متدرجا يف الرسد حتى وصلنا إىل‬
‫ً‬ ‫تناولت استهداف منطقة الرشق عىل مدار التاريخ‪،‬‬
‫عرصنا احلايل ورسمنا خمط ًطا للخطة الصهيونية العاملية للسيطرة عىل العامل وما فيها من‬
‫تالعب يف الطقس واملناخ‪ ،‬وسيطرة عىل التعامالت التجارية والنقدية‪ ،‬ودور جملس األمن‬
‫واألمم املتحدة يف إحكام القبضة احلديدية عىل دول العامل‪ ،‬مع ما يلعبه اإلعالم من دور‬
‫رئيس يف تلبيس احلقائق‪ ،‬وزعزعة األصول لدى شعوب العامل‪ ،‬وغري ذلك من عنارص‬
‫شملها خمطط السيطرة والتحكم يف العامل‪ ،‬ثم انتقلنا إىل اخلطة العربية الشاملة ملجاهبة أهل‬
‫أيضا متشعبة لتناظر أهم النقاط يف خطة الشيطان؛ ومن َث َّم فهو مرجع شامل‬
‫الرش وكانت ً‬
‫ملن أراد اإلبحار‪.‬‬
‫وألن الوقت الذي نحن بصدده اآلن يوشك أن يظلنا فيه خمطط شديد اخلطورة يتعلق‬
‫بسقوط النظام املايل العاملي‪ ،‬وقيام نظام بديل يعتمد عىل (النقود الرقمية) وما يتبعها من‬
‫استخرت اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬و َف َص ْل ُت جز ًءا‬
‫ُ‬ ‫زراعة رشحية تعامالت يف جسم كل إنسان؛ فقد‬
‫ومتخصصا ومزيدً ا بأحدث التطورات واملستجدات‬
‫ً‬ ‫من هذا الكتاب الكبري ليكون حمد ًدا‬
‫عىل أرض الواقع‪ ،‬وذلك حتى يصل إىل أكرب عدد ممكن من قراء الوطن العريب‪ ،‬وليكون‬
‫ً‬
‫متسلسل حتى ال يفاجئ‬ ‫خمترصا يؤدي الغرض الذي من أجله قد كُتب‪ ،‬وأن يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سهل‬
‫القارئ بكالم عن أشياء غريبة ذات تقنية عالية دون أن يكون هناك متهيد جيد يمهد لعقل‬
‫املتلقي استيعاب هذه األحداث‪.‬‬
‫ومما هو جدير بالذكر يف قرار كتابة هذا الكتاب ً‬
‫فضل عام سبق ذكره؛ أنني ربطت جز ًءا‬
‫كتبت فيه كتا ًبا قد‬
‫ُ‬ ‫دين ًّيا يف آخر الكتاب يتعلق بزراعة هذه الرشائح يف اإلنسان ببحث قد‬
‫تناولت فيه الذات اإلنسانية وعالقتها بالنور الغيبي والضوء الكهرومغناطييس؛ بعنوان‬
‫ُ‬
‫«اإلنسان بني النور والضوء يف اإلسالم» وكيف أن الشيطان يريد أن ُيرج اإلنسان عن‬
‫فطرته السوية التي فطر اهلل الناس عليها‪.‬‬
‫وقد أكرمني اهلل ‪ ‬بأن نال هذا الكتاب موافقة جممع البحوث اإلسالمية باألزهر‬
‫ً‬
‫فضل عن تقديم األستاذ الدكتور فاروق الدسوقي‪- ،‬رمحة اهلل عليه‪ ،-‬لذلك‬ ‫الرشيف‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫ةمدقملا‬

‫الكتاب‪ ،‬وهو أستاذ العقيدة بجامعة امللك فيصل وجامعة أم القرى‪ ،‬واحلاصل عىل جائزة‬
‫امللك فيصل العاملية يف الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫أثرا أورده‬
‫وقد أهنيت كتايب هذا بفصل منفصل مستقل عن صلب الكتاب؛ أروي فيه ً‬
‫اإلمام السيوطي ‪ -‬رمحة اهلل عليه ‪ -‬يف كتابه «الدر املنثور» أعتقد أن له عالقة بام نعايشه اآلن‬
‫يف عاملنا‪ ،‬وما هو مصري بنيان أهل الرش‪ ،‬وأرى أن فيه راحة نفسية للقارئ‪ ،‬ومما زادين ثقة‬
‫يف ذلك‪ ،‬أن أستاذي الدكتور فاروق الدسوقي قد أفرد هلذا األثر كتا ًبا مستقلًّ يف موسوعة‬
‫أرشاط الساعة يتحدث فيه عن األمارات االقتصادية يف آخر الزمان‪.‬‬
‫وبذلك يكون الكتاب الذي بني أيدينا اآلن ربط لثالثة كتب يف قضية واحدة متكاملة‪،‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‬
‫ً‬ ‫واهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬نسأل أن يوفقنا إىل سواء السبيل‪ ،‬وأن يتقبل منا عملنا‬
‫ال رياء فيه وال سمعة‪ ،‬وأن حيفظ مرص واألمة العربية من كل مكروه وسوء‪ ،‬إنه ويل ذلك‬
‫والقادر عليه‪ ،‬آمني‪.‬‬
‫املؤلف‪:‬‬
‫مهندس‪ :‬أمحد صالح اليمنى‬
‫اإلسكندرية يف ‪ 12‬من ربيع األول ‪1444‬هـ‬
‫املوافق‪ 8 :‬من أكتوبر ‪2022‬م‬
‫‪e-mail: yamanyahmed@gmail.com‬‬

‫‪‬‬

‫‪13‬‬
‫الباب األول‬

‫النظام املايل العاملي ‪..‬‬


‫ن�ش�أته ثم انهياره‬
‫‪1.‬تاريخ العمالت الورقية‪.‬‬

‫‪2.‬التحول التاريخي‪.‬‬

‫‪3.‬الغطاء الذهبي للنقود‪.‬‬

‫‪1.‬كيف ازداد الوح�ش الأخ�ضر �شرا�سة‪.‬‬

‫‪2.‬الت�ضخم املفرط ثم انهيار العملة‪.‬‬

‫‪3.‬الت�ضخم العاملي يت�سارع واالقت�صاد العاملي على الهاوية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫تاريخ العمالت الورقية‬

‫أول أن العملة الورقية مل تكن معروفة من قبل‪ ،‬وأهنا مل تظهر للوجود‬ ‫جيب أن نعرف ً‬
‫إال حدي ًثا‪ ،‬ولذلك مل يع ِ‬
‫ان أحدٌ يف العامل منذ بدء اخلليقة إىل قبيل وقتنا احلايل مما نحن نعانيه‬ ‫َُ‬
‫من اهنيارات اقتصادية وخراب وإفالس للدول واهنيار لقيمة العمالت وتضخم‪ .. ،‬إلخ‪.‬‬
‫فالعامل كانت عملته من الذهب والفضة فقط‪ ،‬ويطلق عليهام (النقدين)‪ ،‬فعىل سبيل املثال؛‬
‫كان ال فرق بني عملة مرص وعملة إنجلرتا (اجلنيه اإلسرتليني) إال يف الوزن‪ ،‬وكان التحويل‬
‫بني العمالت بواقع الفرق يف الوزن فقط‪ ،‬وبالفعل كانت مرص تستند إىل نظام املعدنني‬
‫(الذهب والفضة) (((‪.‬‬
‫وقديم ومع ظهور التجارة والسفر‪ ،‬ظهر عيبان رئيسيان يف التداول بالعمالت الذهبية‬
‫ً‬
‫والفضية ومها‪ :‬ثقل الوزن وغياب األمان يف السفر‪.‬‬
‫ومن َث َّم فكان احلل هو (الرصاف)‪ ،‬فكان املسافر قبل سفره يذهب إىل الرصاف ومعه املال‬
‫الذي يريد أن حيفظه ثم يودعه لديه‪ ،‬إضافة إىل مبلغ إضايف كأجر لعمله‪ ،‬ثم يستلم منه صكًّا‬
‫فيه قيمة املبلغ‪ ،‬والفرتة التي سيعود بعدها ألخذه‪ ،‬وهنا ظهرت العملة الورقية أو األوراق‬
‫النقدية (‪ )Banknote‬بسبب املشاكل املتعلقة بتكلفة ختزين النقود السلعية ونقلها‪.‬‬
‫ومع زيادة حجم التعامالت العاملية واتساعها‪ ،‬وكذلك كثرة الرتحال والسفر‪ ،‬ازدادت‬
‫هذه الودائع بشكل كبري لدى الصيارفة‪.‬‬
‫وكانت هذه الودائع النقدية تظل خمزنة لفرتات طويلة دون أن يطالب هبا أصحاهبا‪ ،‬وإن‬
‫طلبوها فلن يتقدموا لسحب ودائعهم دفعة واحدة‪ ،‬بل بمقادير معينة حسب احتياجهم‬
‫هلا‪ ،‬وهنا ما لبث أن فكر بعض الناس يف استخدامها يف صورة قروض آلخرين مقابل نسبة‬

‫‪ -1‬يف عام ‪1834‬م صدر مرسوم ينص عىل إصدار عملة مرصية تستند إىل نظام املعدنني (الذهب والفضة)‪.‬‬
‫ويف أعقاب األزمة املالية النامجة عن تراكم الديون اخلارجية عىل مرص‪ ،‬صدر قانون اإلصالح النقدي يف‬
‫أساسا للنظام النقدي املرصي‪ ،‬وأصبح للبلد‬‫ً‬ ‫عام ‪1885‬م‪ .‬وبموجب هذا القانون أصبح معيار الذهب‬
‫عملة موحدة وهي اجلنيه الذهبي املرصي‪ .‬وهكذا تم التخيل عن معيار املعدنني رسم ًّيا‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫زائدة عىل املبلغ املقرتض (الفائدة)‪ ،‬وقد أدى نجاح هذه الفكرة إىل انتشارها بشكل كبري‪،‬‬
‫وبالتايل إىل زيادة أرباح هؤالء الصيارفة بشكل ملحوظ‪.‬‬
‫وألن الرصاف وقتها كان يستفيد من القروض أكثر من استفادته من حفظ أموال‬
‫وعوضا‬
‫ً‬ ‫املودعني لديه؛ لذا فقد تغاىض الصيارفة عن احلصول عىل األجر مقابل اإليداع‪،‬‬
‫عن ذلك أصبح الصيارفة هم َم ْن يعطون نسبة فائدة للمودعني‪ ،‬واكتفوا باألرباح الناجتة‬
‫عن عملية اإلقراض ألهنا هي التي ت ُِد ُّر عليهم املكسب احلقيقي‪.‬‬
‫فبعد أن كان الغرض من عملية اإليداع هو حفظ املادة النفيسة ‪ -‬الذهب أو الفضة ‪ -‬من‬
‫الرسقة والضياع‪ ،‬أصبح ِ‬
‫املودع يتطلع إىل احلصول عىل عائد زائد عىل األصل‪.‬‬
‫فكان إذا ذهب أحد التجار إىل الرصاف وأودع لديه مبلغ ‪ 1000‬عملة ذهبية‪ ،‬يتعاقد‬
‫الرصاف معه عىل أن يعطيه نسبة ‪ % 5‬عىل املبلغ؛ أي حيصل صاحب املال عىل ‪ 50‬عملة‬
‫ّ‬
‫إضافية فوق ما يملكه‪.‬‬
‫فإذا جاء تاجر آخر يريد أن يقرتض ‪ 1000‬عملة ذهبية‪ ،‬هنا يتعاقد معه الرصاف عىل‬
‫نسبة فائدة زائدة عن أصل القرض قيمتها ‪% 10‬؛ أي أن التاجر جيب عليه أن يرد املبلغ ‪1000‬‬
‫قطعة ذهبية‪ ،‬مضافة إليها ‪ 100‬قطعة ذهبية كفائدة‪.‬‬
‫ويف هذه احلالة يكون الرصاف قد ربح الفرق بني الفائدة التي أعطاها للتاجر األول‬
‫والفائدة التي أخذها من التاجر الثاين؛ أي ببساطة ‪ 50‬قطعة ذهبية‪.‬‬
‫يمكن اعتبار هذا أول ظهور لتعامالت البنوك التجارية املعارصة‪.‬‬
‫وبعد أن أصبحت هذه الصكوك ت ِ‬
‫ُوف بالغرض كالذهب‪ ،‬فمن يمتلك صكًّا بقيمة ‪50‬‬
‫قطعة ذهبية‪ ،‬كمن يمتلك ‪ 50‬قطعة ذهبية ً‬
‫فعل‪ ،‬ال حيتاج حامل الصك إال إىل الذهاب‬
‫للبنك ألخذ القطع النقدية مقابل الوصل‪.‬‬
‫وكان التبادل التجاري يتم بني الدول بحساب الذهب‪ ،‬ففي هناية العام التجاري ُي َص َّفى‬
‫الذهب بنظام املقصة؛ أي أن كل دولة حتسب ما هلا وما عليها للدولة األخرى‪ ،‬و ُيدْ َف ُع الفرق‬

‫‪18‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫ذه ًبا‪ .‬أما ورق البنكنوت فقد كان وسيلة فقط لسهولة التبادل التجاري واحلسابات‪ ،‬أما‬
‫ب بالذهب‪.‬‬ ‫املقصة احلقيقية فكانت تتم يف هناية العام التجاري ُ ْ‬
‫وت َس ُ‬
‫إىل هذه املرحلة‪ ،‬وهذا الوقت من الزمن‪ ،‬مل يكن هناك أية مشكلة‪ ،‬وحتى مع كتابة أوراق‬
‫تعهدية برد قيمة الذهب أو الفضة‪ ،‬فإن هذا ال يعني أن النقدين (الذهب والفضة) قد حتوال‬
‫إىل أوراق‪ ،‬بل كل يشء كام هو‪ ،‬وليست تلك بنقود اليوم‪ ،‬ومل خترج األمم عن فطرهتا يف‬
‫التعامل املادي‪ ،‬ومل تبتدع شيئًا‪ ،‬إال أن التعامل كان بالربا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫التحول التاريخي‬

‫ومع ازدياد أرباح الصيارفة تم حتويل هذه املصارف البدائية إىل مؤسسات يتم التعامل‬
‫من خالهلا بعمليات اإليداع واإلقراض‪ ،‬حيث ظهر أول بنك وهو «بنك البندقية» سنة‬
‫‪1157‬م‪ ،‬كذلك ظهر مرصف الودائع يف برشلونة عام ‪1401‬م‪ ،‬ثم (مرصف أمسرتدام) سنة‬
‫‪ 1690‬م‪.‬‬
‫هنا جاءت الفكرة اجلهنمية‪ ،‬ويف عام ‪1609‬م حتديدً ا قام صاحب بنك يف «هوالندا»‬
‫أرباحا من ذلك‪ ،‬وتبعه غريه‬
‫ً‬ ‫بإقراض الناس دون ودائع فعلية موجودة يف املرصف وحقق‬
‫من البنوك‪ ،‬فام الذي جيعل املصارف تكتفي بإقراض الناس بشكل متناسب مع ما متلكه من‬
‫قروضا عن طريق الصكوك فقط؟‬
‫ً‬ ‫ذهب وفضة‪ ،‬إذا كان يمكنها أن تعطي الناس‬
‫وبام أن الناس ال يسرتدون أمواهلم مرة واحدة‪ ،‬فلن يكتشف أحد األمر‪.‬‬
‫وبعد أن تعارف الناس عىل هذه اخلدعة‪َ ،‬ق َّلت ثقتهم يف الصكوك املتداولة ما إذا‬
‫كانت حقيقية ذات تغطية‪ ،‬أم صكوك حقيقية وال تغطية هلا‪ ،‬ومن َث َّم ظهرت فكرة «البنك‬
‫املركزي»؛ وهو أن خيول جلهة واحدة فقط يف الدولة إصدار الصكوك‪ ،‬و ُينزع كتابتها من‬
‫كافة البنوك حتى يضمن التاجر أن أوراقه املالية التي يتعامل هبا ذات تغطية حقيقية من جهة‬
‫موثوق فيها‪.‬‬
‫كانت الوصوالت (الصكوك) التي أصدرهتا البنوك هي البذرة األوىل للنقود الورقية‬
‫التي نعرفها اليوم‪ ،‬فقد متت أول حماولة إلصدار نقود ورقية بشكلها احلديث املعروف‬
‫اليوم عن طريق (بنك استوكهومل) عام ‪1656‬م‪ ،‬فأصدرت سندً ا ورق ًّيا ُتثل َدينًا عليها‬
‫حلامله ً‬
‫قابل للتداول والرصف إىل ذهب مرة أخرى عندما يتم تقديمه‪ ،‬أي أنك إذا‬
‫امتلكت ورقة بقيمة ‪ 100‬قطعة ذهبية‪ ،‬فأنت تستطيع الذهاب يف أي وقت إىل البنك‬
‫للحصول عىل املائة قطعة‪ ،‬ويف نفس الوقت؛ تستطيع أن تشرتي قطعة أرض بقيمة ‪100‬‬
‫قطعة ذهبية وتدفع الورقة النقدية ثمنها‪ ،‬وبالتايل يستطيع من باع األرض لك الذهاب إىل‬

‫‪20‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫البنك ألخذ قطع النقدية متى شاء‪ ،‬أو أن يشرتي بدوره حصانًا بقيمة ‪ 100‬قطعة ذهبية‪،‬‬
‫وأن يدفع الورقة ثمنا له‪.‬‬
‫هكذا يتم تداول الورقة النقدية يف االقتصاد حيث تنتقل من شخص آلخر كام لو‬
‫كيسا بداخله ‪ 100‬قطعة ذهبية‪ ،‬إال أن الورق أخف وزنًا ويسهل إخفاءه حلاميته‬
‫كانت ً‬
‫من الرسقة‪.‬‬

‫ورقة نقدية من فئة مائة دالر أصدرهتا أوروبا وموقعة من بنك استوكهومل سنة ‪1666‬‬

‫ق�صة حياة الورقة الخ�ضراء «الدوالر»‬


‫يف عام ‪ 1620‬أبحرت السفينة «مايفالور» من «روثرهيث» يف رشق لندن إىل العامل‬
‫اجلديد حاملة عىل متنها منشقني دين ًّيا يبحثون عن حياة جديدة عرب البحار‪ ،‬وكانت هذه هي‬
‫مستوطنة العامل اجلديد‪ :‬أمريكا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫أخذ هؤالء املستوطنون معهم يف البداية ذهبا وعمالت إنجليزية‪ ،‬لكنهم مل يكونوا من‬
‫األثرياء‪ ،‬ورسعان ما نفدت األموال وأصبحوا عاجزين عن رشاء الغذاء وجلود احليوانات‬
‫(((‬ ‫واحتياجات أخرى من السكان األصليني للقارة األمريكية‪.‬‬
‫ويوجز تلك الصعوبة جاسون جودوين‪ ،‬مؤلف كتاب (العملة اخلرضاء‪ :‬الدوالر القوي‬
‫واخرتاع أمريكا) قائال‪« :‬مل يكن لدهيم أي نقود‪ ،‬ومل يكونوا من األثرياء عند وصوهلم‪،‬‬
‫حمرجا بني املستعمرين أنفسهم‪ ،‬وبدا من املناسب مقايضة األشياء‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأصبح التبادل أمرا‬
‫لكن بالطبع وبعد وقت قصري ظهرت تبادالت معقدة أبرزت ما حيمله املال من نفع كبري‪».‬‬
‫وأصدر املستعمرون إعالن االستقالل الشهري يف عام ‪1776‬م‪ ،‬ونجحوا بعد حرب‬
‫طويلة ومريرة يف سبيل االستقالل يف إحلاق اهلزيمة بالقوات الربيطانية يف عام ‪1783‬م‪.‬‬
‫وخلفت احلرب الثورية‪ ،‬كام يطلق عليها‪ 13 ،‬والية متحدة يف حالة فوىض مالية‪.‬‬
‫يف عام ‪1776‬م (مبارشة بعد االستقالل من بريطانيا)‪ ،‬بدأ املرصف املركزي بإصدار‬
‫عملة الدوالر‪.‬‬
‫ومل تكن هناك أي تغطية ذهبية حقيقية ألي عملة فظلت مجيع العمالت تنهار يف الواليات‬
‫املتحدة األمريكية منذ نشأة الـ ‪ 13‬مستعمرة؛ بداية من العملة القارية (‪ ،)1790 - 1775‬ثم‬
‫دوالر تكساس ( ‪ ،) 1840 - 1837‬والعمالت البنكية اخلاصة (‪ ،)1863 - 1837‬والعملة‬
‫الكونفدرالية (‪ ،)1864 - 1861‬والعملة الكرسية (‪ ،)1872 - 1862‬والعمالت حتت‬
‫الطلب (‪ ،)1917 - 1861‬وعمالت البنوك الوطنية (‪ ،)1935 - 1863‬وقد سقطت مجيعها‬
‫الواحدة تلو األخرى لعدم الثقة هبا‪ ،‬وتم وقف العمل بالعمالت الوطنية عام ‪1935‬م‪.‬‬

‫‪1- www.bbc.com/arabic/artandculture/2013/12/131203_dollar_history‬‬

‫‪22‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫الغطاء الذهبي للنقود‬

‫يف منتصف القرن التاسع عرش‪ ،‬كانت إنجلرتا أول دولة طبقت قاعدة الذهب‪ ،‬ثم تبعتها‬
‫بقية الدول‪.‬‬
‫أصدرت احلكومة األمريكية شهادات الذهب ألول مرة عام ‪ 1865‬م وكانت مدعومة‬
‫بعمالت ذهبية وودائع من املعدن النفيس‪ ،‬وكان يتم تداوهلا بني البنوك‪ ،‬وتم إصدار نوع‬
‫منها للتداول بشكل عام يف ‪1882‬م‪.‬‬
‫‪ -‬كانت «شهادة الذهب» بمثابة وثيقة أو سند ملكية للمعدن األصفر دون احلاجة إىل‬
‫ختزينه‪ ،‬وتم تقييم الشهادة بـ‪ 20.67‬دوالر بقانون فيدرايل عام ‪ 1834‬بحيث كانت أشبه‬
‫بعمالت حقيقية يتم رشاء سلع وخدمات هبا‪.‬‬

‫شهادات الذهب األمريكية ألول مرة عام ‪1865‬م‬

‫كام أصدرت وزارة اخلزانة األمريكية سندات ورقية مق َّيمة بدوالرات الفضة‪ ،‬وكانت‬
‫عبارة عن «شهادات الفضة»‪ ،‬ومتت طباعتها بني عامي ‪ 1878‬و‪1963‬م‪ ،‬وكانت مدعومة‬
‫بسبائك الفضة التي تشرتهيا وزارة اخلزانة‪.‬‬
‫وظل نظام الذهب هو النظام السائد يف العالقات النقدية الدولية حتى بداية القرن‬
‫العرشين‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫شهادات الفضة األمريكية ألول مرة عام ‪1878‬‬

‫وببساطة؛ فإن معنى نظام قاعدة الذهب‪ :‬أنه بإمكان أي شخص أن يسلم (دار سك‬
‫النقود) سبيكة ذهبية‪ ،‬ليحصل يف مقابلها عىل عدد من املسبوكات الذهبية تساوهيا يف‬
‫الوزن‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬
‫ويف ظل هذه القاعدة‪ ،‬تقوم كل دولة بتحديد سعر البنك نوت الذي تصدره‪ ،‬وحيق‬
‫حلامله أن حيصل يف مقابله عىل ما يساويه من مسبوكات ذهبية‪ ،‬وكان هذا (التعهد)‬
‫ُي ْكت ُ‬
‫َب عىل الورقة النقدية التي تصدرها الدولة بلغتها‪ ،‬والشكل اآليت صورة لورقة مالية‬
‫أمريكية عليها هذا التعهد بتسليم صاحب هذه الورقة ‪ -‬عند الطلب ‪ -‬ما يوازي قيمتها‬
‫من الذهب أو الفضة‪ ،‬والشكل الذي يليه صورة لورقة مالية مرصية قديمة كانت حتمل‬
‫نفس التعهد‪.‬‬
‫ً‬
‫ومعمول به إىل أن قامت احلرب‬ ‫وظل نظام العمالت واملسكوكات الذهبية مطب ًقا‬
‫العاملية األوىل عام ‪1914‬م‪ ،‬والذي تم خالله إصدار عمالت ورقية بكميات كبرية دون‬
‫ما يوازهيا من ذهب لتغطية نفقات احلرب‪ ،‬وبعد انتهاء احلرب ذهب ا ُمل ِ‬
‫ود ُعون السرتداد‬
‫ذهبهم املحفوظ داخل البنوك كأمانات‪ ،‬فلم تستطع البنوك رد األمانات لعدم وجود ما‬
‫يوازهيا من ذهب‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫صورة لعملة أمريكية عليها تعهد برد ما يوازي قيمتها من الذهب أو الفضة‬

‫التعهد املكتوب عىل اجلنيه الورقي باسرتجاع قيمته الذهبية عند الطلب‬

‫وبدأ هذا النظام يف الرتنح‪ ،‬وبدأ الشيطان يرسم خطته لالستحواذ عىل ذهب العامل‬
‫أمجع!‬

‫‪25‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫ولكي نقف عىل بدايات تلك اخلطة وكيف سارت التدابري عىل أرض الواقع‪ ،‬وكيف تم‬
‫التخطيط له‪ ،‬علينا أن نرجع إىل املخطط التايل لنتابع ترتيب رسيان األحداث؛ فهو يلخص‬
‫إنشاء النظام املايل الورقي‪ ،‬ثم التخطيط الهنياره‪ ،‬ثم التخطيط إلنشاء العملة اإللكرتونية‪.‬‬

‫خطريا مهمًّ ‪ ،‬أال وهو اهنيار سوق البورصة يف (وول سرتيت)؛‬


‫ً‬ ‫لقد شهد (عام ‪ )1929‬حاد ًثا‬
‫األمر الذي أدى إىل كارثة اقتصادية فيام يعرف بالكساد الكبري‪ ،‬واألهم من تلك احلادثة‪ ،‬أن العائلة‬
‫أمرا يف اخلفاء قام عىل تنفيذه ‪ -‬فيام بعد ‪-‬‬
‫الشيطانية (روتشيلد) هي َمن كانت تقف خلفها‪ ،‬لتدبر ً‬

‫‪26‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫َ‬
‫يلتقط‬ ‫الرئيس األمريكي (روزفلت)‪ ،‬وهو َمن دبر للكساد العاملي‪ .‬فقد ترك تداعياته تتتابع حتى‬
‫ِ‬
‫البرشية (روزفلت) األزم َة؛ ومن َث ََّّم يرسم معامل املشهد االقتصادي وفق ما ُدبر له سل ًفا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫منقذ‬
‫ُرغم الشعب‬ ‫فقد قدم (روزفلت) برناجمًا اقتصاديا للشعب األمريكي‪ ،‬مفاده سن قوانني جديدة ت ِ‬
‫ًّ‬
‫األمريكي عىل تسليم الذهب إىل احلكومة مقابل أوراق ال قيمة هلا‪ُ ،‬ع ِر َفت بـ (أوراق االحتياطي‬
‫الفيدرايل النقدي)‪ ،‬وادعى (روزفلت) أن ذلك رضور ًّيا ملعاجلة االقتصاد املتدهور يف البالد‪.‬‬
‫وأتت املحطة الثانية يف تداعيات األزمة‪ ،‬حيث ُعقد مؤمتر النقد الدويل املسمى (بريتون‬
‫وودز ـ ‪ )Bretton Woods‬عام ‪ 1944‬حرضه ممثلو ‪ 44‬دولة‪ ،‬لالتفاق عىل نظام نقدي دويل‬
‫جديد‪ ،‬وقد نتج عن هذا االتفاق كل الكوارث االقتصادية التي يشهدها العامل اآلن!‬
‫تلك االتفاقية التي جعلت الدوالر هو املعيار النقدي الدويل لكل عمالت العامل‪ ،‬حيث‬
‫تعهدت أمريكا بموجب تلك االتفاقية وأمام دول العامل بأهنا متتلك غطا ًء من الذهب يوازي ما‬
‫تطرحه من دوالرات؛ وبذلك حتول الدوالر األمريكي من عملة حملية إىل عملة احتياط دولية‪.‬‬
‫وخرجت حينها وبعدها املؤسسات الدولية أو ما يسمى بمجموعة بريتون وودز املالية‬
‫(صندوق النقد الدويل والبنك الدويل واألمم املتحدة واالتفاقية العامة للتعريفة اجلمركية‬
‫والتجارة «جات») لتدعم التوجه العام السيايس واالقتصادي لالتفاقية‪.‬‬
‫دوالرا أمريك ًّيا‬
‫ً‬ ‫وفيه تعهدت الواليات املتحدة آنذاك أمام العامل‪ ،‬بأن من يسلمها ‪35‬‬
‫دوالرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تسلمه ما مقداره (أوقية) من الذهب‪ ،‬بمعنى أن ثمن األوقية من الذهب يساوى ‪35‬‬
‫يقول األستاذ الدكتور‪ /‬فاروق الدسوقي يف كتاب «القيامة الصغرى عىل األبواب» يف‬
‫هذا الشأن ما ييل‪:‬‬
‫(لقد كانت معظم دول العامل الثالث املستعمرة ومنها مرص ذات ميزانيات مستقلة عن‬
‫البالد التي تستعمرها مثل بريطانيا وفرنسا وغريها‪ ،‬وكان ملرص عملتها «اجلنية املرصى»‬
‫رسل‬‫وكان أكثر قيمة من اجلنية اإلسرتليني إال بحسب قيمة الذهب الذي يف خزينتها‪ ،‬و ُأ ِ‬
‫ذهب مرص‪ ،‬وكذلك ذهب مجيع البالد إىل أمريكا كأمانة عندها‪ ،‬وأخذت مرص يف مقابله أو‬
‫ما يعادله من أوراق النقد األمريكية «الدوالر»‪((()..‬‬

‫‪-1‬القيامة الصغرى عىل األبواب ‪ /‬اجلزء الرابع «أمارات القيامة ‪ -‬اخللقية واالجتامعية واالقتصادية والسياسية»‪/‬‬
‫الباب الرابع ‪ /‬صـ ‪ 163‬بترصف‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫رسم بياين يظهر تطور قيمة الدوالر أمام اجلنيه منذ عام ‪1790‬م ‪ -‬املصدر‪ :‬صندوق النقد الدويل‬

‫ومن َث َّم فإن هذا الربنامج االقتصادي ُيعد أكرب عملية احتيال ورسقة عرفها العامل آنذاك‪،‬‬
‫عامل مهمًّ من العوامل الرئيسية املتسببة يف اندالع احلرب العاملية الثانية‪ ،‬والتي‬ ‫وكان ذلك ً‬
‫مولت فيها الواليات املتحدة احلرب بالسالح والعمالت الورقية كي تأخذ املقابل ذه ًبا‬
‫خا ًما‪ ،‬وبذلك صارت الواليات املتحدة يف عهد الرئيس (روزفلت) متصدرة عىل قمة‬
‫الدول الغنية‪ ،‬بل وأصبحت القوة األوىل العاملية يف العامل بحصوهلا عىل تلك الكميات من‬
‫الذهب العاملي يف عملية احتيال واحدة‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن أوروبا إبان فرتة احلرب مل تكن تنتج‪ ،‬وأمريكا هي ا ُملنْتِج وا ُمل َصدِّ ر‬
‫لدول أوروبا‪ ،‬فكان الذهب يذهب إىل أمريكا‪ ،‬ونتيجة لذلك فقد خرجت أمريكا بعد‬
‫احلرب‪ ،‬ولكل ما سبق باستحواذ ثلثي ذهب العامل‪ ،‬وبالتايل؛ فالدولة القوية التي متتلك‬
‫الذهب هي الدولة التي تستطيع أن تضمن تأمني عملتها الورقية‪ ،‬وهي الدوالر‪ ،‬نتيجة‬
‫المتالكها الذهب‪ ،‬وعليه؛ فقد وثقت الدول بالتعامل هبذه الورقة لثقتهم يف الدولة ا ُمل َصدِّ َرة‬
‫وقتئذ ‪ -‬ومتلك السالح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫هلا أال وهي الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وألهنا الدولة العظمى ‪-‬‬
‫ومن َث َّم فإن ورقة البنكنوت اخلرضاء هذه تساوي قيمتها ذه ًبا‪.‬‬
‫واستمر الوضع عامل ًّيا عىل هذا احلال؛ فاجلميع يثق يف ورقة الدوالر‪ ،‬والتي ُأطلق عليها‬
‫(العملة الصعبة)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫ويف لقاء مع الدكتور باسم قمر ‪ -‬أستاذ االقتصاد يف جامعة موناكو ‪ -‬يقول يف هذا‬
‫الصدد‪..( :‬إىل أن ُطبِ َع ْت أوراق تفوق قيمتها ذه ًبا‪ ،‬وذلك يف ستينيات القرن املايض‪ ،‬إبان‬
‫حرب فيتنام‪ ،‬وكان صع ًبا فرض رضائب مراعاة للشعب األمريكي الذي ال يرغب يف‬
‫احلرب يف فيتنام‪ .‬وبالتايل كان املخرج هو طباعة النقود دون أي غطاء ذهبي‪ ،‬وحني تداركت‬
‫األسواق املالية أن كمية األوراق املتداولة تفوق كمية الذهب املوجودة يف البنك املركزي‬
‫األمريكي‪ ،‬ذهبوا السرتجاع ذهبهم من أمريكا‪ ،‬ففي ‪ 1971‬مل جتد أمريكا ما تدفعه ذه ًبا‬
‫للمطالبني‪ ،‬ويف نفس الوقت كانت أملانيا يف حالة ازدهار وصناعة‪ ،‬فكان من الطبيعي أن‬
‫الدول ترتك أمريكا لعدم الثقة وتذهب إىل أملانيا)‪((( .‬‬

‫ثم جاء ا ُملخلص‪ ،‬ليخلص الواليات املتحدة من هذا السيناريو؛ فخرج الرئيس‬
‫(نيكسون) عىل العامل يف ‪ 15‬أغسطس ‪ 1971‬معلنًا أن الواليات املتحدة األمريكية لن تسلم‬
‫حاميل الدوالر ما يوازيه من القيمة الذهبية التي أرشنا إليها‪ ،‬وقد سميت هذه احلادثة‬
‫بـ(صدمة نيكسون ـ ‪)Nixon shock‬؛ ليكتشف العامل أن الواليات املتحدة كانت تطبع‬
‫الدوالرات بعيدً ا عن وجود غطاء من الذهب وأهنا اشرتت ثروات الشعوب وامتلكت‬
‫ثروات العامل بحفنة أوراق خرضاء ال غطاء ذهبي هلا‪ ،‬ومل تتمكن أي دولة من االعرتاض‬
‫أو إعالن رفض هذا النظام النقدي اجلديد‪ ،‬ألن هذا االعرتاض سيعني حينها أن كل ما‬
‫خزنته هذه الدول من مليارات الدوالرات يف بنوكها سيصبح ور ًقا بال قيمة وهي نتيجة‬
‫أكرب كارثية مما أعلنه نيكسون‪.‬‬
‫حني قال وقتها كلمته الشهرية‪« :‬جيب أن نلعب اللعبة كام صنعناها‪ ،‬وجيب أن يلعبوها‬
‫كام وضعناها»‪(((.‬‬

‫وجيب أن ال ننيس كلمة الرئيس الرئيس الرويس فالديمري بوتني حني قال‪« :‬أمريكا‬
‫(((‬ ‫ترسق العامل»‪.‬‬
‫‪ -1‬دكتور باسم قمر‪ :‬أستاذ االقتصاد يف جامعة موناكو‪ ،‬وخبري االقتصاد السابق يف صندوق النقد الدويل‪،‬‬
‫وكبري االقتصاديني يف البنك األورويب إلعادة اإلعامر والتنمية‪.‬‬
‫رابط احللقة‪https://www.youtube.com/watch?v=TFrETY1xBkY :‬‬
‫‪2- https://www.elbalad.news/3430104‬‬
‫‪ -3‬يف اخلطاب الرئايس للرئيس «بوتن» عقب اندالع احلرب الروسية عىل أوكرانيا يف مارس ‪.2022‬‬

‫‪29‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫ولكي ندرك مدى الكارثة التي تسببت فيها الواليات املتحدة يف العامل أمجع‪ ،‬فليس هناك‬
‫ما هو أوضح بيانًا من منحنى الذهب العاملي‪ ،‬وهو الدليل الذي ال يدحض وال يكذب‪.‬‬

‫االرتفاع الرهيب للذهب بعد صدمة نيكسون واالستيالء عىل ذهب العامل‪.‬‬

‫وهبذا القرار املفاجئ‪ ،‬والصادر عن رئيس أكرب دولة يف العامل‪ ،‬كان بمنزلة إعالن نجاح‬
‫اخلطة‪ ،‬وحيث إنه ُيعد ً‬
‫ممثل لليهود يف هذا احلراك‪ ،‬وهم من كانوا وراء ترشيحه‪ ،‬يكون‬
‫الواقع االقتصادي عىل األرض أنه صار اآلن يف حوزة اليهود معظم ذهب العامل‪ ،‬وال فائدة‬
‫مستقبلية لتلك األوراق البالية (العملة النقدية)‪ ،‬وهبذا قد حتققت مقولة (مائري روتشيلد)‬
‫مؤسس ساللة روتشيلد يف بريطانيا ‪ -‬إحدى أعرق السالالت الصهيونية املسيطرة عىل‬
‫البنوك املركزية يف العامل ‪ -‬حني قال مقولته التي تنم عام يعتقدون ويصممون‪( :‬دعوين أصدر‬
‫وأحتكم يف عملة بلد‪ ،‬ولن هيمني بعد ذلك أمر من يضع القوانني يف ذلك البلد)‪.‬‬
‫وأصبح اآلن ال مناص من التعامل هبذه الورقة (الدوالر) التي حلت حمل الذهب‪،‬‬
‫والذي كان أساس االقتصاد يف البلدان‪ ،‬واحلافظ من االهنيار االقتصادي‪ ،‬وصاحب اليد‬

‫‪30‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫ال ُّط َ‬
‫ول الزدهار األمم والشعوب التي متتلك مقومات النجاح أ ًّيا كانت‪ ،‬سواء صناعية أو‬
‫زراعية أو مواد خام‪ ،‬وأصبحت قيمة الدوالر غري ثابتة‪ ،‬فام كنت تستطيع رشاءه باألمس‪ ،‬ال‬
‫تستطيع رشاءه اليوم‪ ،‬وصارت قيمة العملة النقدية يف انخفاض دائم‪ ،‬واملتحكم يف ذلك هو‬
‫من يملك الذهب (اليهود بالطبع) فكلام َرفع َمالِكو الذهب ثمن األوقية‪ ،‬انخفضت قيمة‬
‫الورقة الربوية (الدوالر) وعانت الدول من صعوبة احلصول عىل ما يوازي قيمة تلك الورقة‬
‫من عملتها املحلية‪ ،‬النخفاض ثمن البضائع يف الدول الفقرية بالنسبة للدول الغنية‪ ،‬وهنا‬
‫تُرغم الدول الفقرية عىل االقرتاض‪ ،‬وتبدأ العجلة يف الدوران‪ ،‬االستدانة من صندوق النقد‬
‫الدويل‪ ،‬واالهنامك يف سداد األقساط‪ ،‬ناهيك عن الفوائد املرتاكمة والتي تشكل عب ًئا ً‬
‫آخرا‬
‫عىل اقتصاد الدول املدينة‪ ،‬وبعد ذلك يقوم (صندوق النقد الدويل) بفرض (اخلصخصة)‬
‫عىل الدول التي فقدت عملتهم قيمتها‪ ،‬وأصبحت غري جمدية‪ ،‬فيقوم من لديه املال وقتها‬
‫برشاء تلك املمتلكات ا ُمل َخ ْص َخ َصة من الدول املنكوبة‪ ،‬وتذهب يف النهاية وبطريقة غري‬
‫مبارشة إىل اليهود‪ ،‬هذا باإلضافة إىل إحداث اهنيارات اقتصادية عاملية مصطنعة تؤدي إىل‬
‫خلخلة النظام املايل عامل ًّيا لكي يستعيد اليهود السيطرة عىل الوضع املايل العاملي‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫كيف ازداد الوحش األخضر شراسة‬

‫بعد أن أعلنت الواليات املتحدة وقف إبدال الذهب بالدوالر سنة (‪ ،)1971‬ومنذ‬
‫ذلك احلني أصبح جليا عجز العمالت املحلية عن أداء دور النقود العاملية‪ ،‬وأصبح من‬
‫الرضورى إصالح النظام النقدي الدويل‪ ،‬وبعد اهنيار نظام (بريتون وودز) أصبح الدوالر‬
‫هو العملة األساسية يف العامل‪ ،‬أو بمعنى أدق العملة العاملية‪ ،‬ولذا ُسعرت السلع األساسية‬
‫مثل البرتول واملعادن واملواد الغذائية األساسية بسعر رصف الدوالر‪ ،‬والذي يشكل بدوره‬
‫‪ % 60‬من احتياطي املصارف املركزية من العمالت األجنبية بالعامل‪(((.‬‬

‫وهنا كانت كلمة الرس هي‪ :‬البرتودوالر!‬


‫ببساطة؛ هي تسعري النفط العاملي بالدوالر األمريكي‪ ،‬األمر الذي يعترب بمثابة قبلة احلياة‬
‫للدوالر األمريكي‪ ،‬ليس فقط بل الذي سمح للورقة اخلرضاء أن تتحول إىل وحش‪.‬‬
‫عاد األمريكيون ليثبتوا تسعري النفط بالدوالر عرب اتفاقات مبارشة مع السعودية يف عام‬
‫‪ ،1974‬قادها وزير اخلارجية األمريكي «كيسنجر» تضمنت عمل ًّيا‪ :‬ضامن استمرارية تسعري‬
‫النفط بالدوالر‪ ،‬واستخدم فوائض الدوالر يف االقتصاد األمريكي‪ ،‬سواء عرب االتفاقيات‬
‫االقتصادية مع الرشكات األمريكية لرشاء السلع من تكنولوجيا وصناعات وأسلحة‬
‫وغريها‪ ،‬أو عرب إعادة تدوير فوائض البرتودوالر السعودية لتستخدم يف السوق املالية‬
‫األمريكية وسندات اخلزينة احلكومية‪.‬‬
‫هبذه االتفاقات تغطي الواليات املتحدة طباعة دوالرها باهليمنة عىل جتارة النفط الدولية‪،‬‬
‫وأيضا باستهالك فوائض النفط يف االقتصاد األمريكي‪ ،‬وأصبح نمط العالقة بني السعودية‬ ‫ً‬
‫والواليات املتحدة حمد ًدا لدول جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬وعموم دول أوبك األخرى‬
‫نظرا للهيمنة األمريكية عىل عوائد النفط السعودية‪ ،‬والوزن السعودي األهم‬ ‫املنتجة للنفط ً‬
‫يف منظمة أوبك‪.‬‬
‫‪( -1‬بترصف) املصدر من كتاب ماثيو خني ‪ -‬مشكالت النقود واألنظمه النقدية التسليفية يف الرأساملية ‪ -‬ترمجه‬
‫عارف دليلة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫وبسبب ثقل هذه اخلطوة‪ ،‬سار كثري من الدول عىل إثر السعودية‪ ،‬وأصبح العامل يسعر‬
‫البرتول بالدوالر‪ ،‬وعليه احتفظ كثري من الدول باحتياطات أجنبية بالدوالر لرشاء‬
‫النفط‪ ،‬ورشاء سندات اخلزينة واالستثامر يف الغرب‪ ،‬واسترياد كثري من السلع واخلدمات‬
‫األجنبية‪.‬‬
‫يقول رفيق التا‪« :‬إن تسعري وبيع النفط بالدوالر حول العامل أسهم يف خلق االقتصاد‬
‫العاملي الذي نختربه اليوم»‪.‬‬
‫(((‬

‫وعليه فقد أصبحت معظم احتياطات النقد األجنبي حول العامل بالدوالر‪.‬‬
‫ومن َث َّّم فإن اقتصاد البرتودوالر يعد ً‬
‫أمرا أساس ًّيا يف صناعة القوة األمريكية‪ ،‬أضف إىل‬
‫ذلك‪ ،‬أن أي حماوالت لفك هذا االرتباط بني الدوالر والبرتول كانت تبوء بالفشل ولعل‬
‫أقواها كانت العراق؛ فقد كانت الدولة الوحيدة التي باعت البرتول بعملة غري الدوالر‬
‫قبيل الغزو العاملي عليها سنه ‪ ،2003‬وقتها قرر الرئيس الشهيد صدام حسني تسعري البرتول‬
‫باليورو‪ ،‬هل عرفنا اآلن ما هو سبب غزو العراق؟‬
‫فهل سيتغري الوضع فيام بعد وتقرر السعودية ودول األوبيك فك هذا الربط بني الدوالر‬
‫والبرتول؟‬
‫خصوصا بعد احلرب الروسية األوكرانية‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا ما ستخرب به األيام‬
‫وحتى يأذن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بأمر آخر‪ ،‬فإن الوضع لو صار كام هو عليه بدون ظهور حلول‬
‫بديلة لتلك العملة التي أخضعت رقاب العامل هلا فيؤسفني أن أقول‪:‬‬
‫إن اخلطة الشيطانية ‪-‬املخطط هلا جيدً ا‪ -‬سوف تستمر إىل أن يغرق العامل يف الديون‪ ،‬وإىل‬
‫أن يصل الوضع إىل حد ال تستطيع فيه أ ًّيا من الدول السداد إىل صندوق النقد الدويل‪ ،‬وعند‬
‫حدوث أقرب اهنيار اقتصادي للدوالر مسبق حتضريه‪ ،‬سيخرج املخلص للبرشية متا ًما مثلام‬

‫‪1- https://www.bbc.com/arabic/business-60861383‬‬
‫وذلك حسب تقديرات كبري املحررين يف قضايا النفط‪ ،‬يف رشكة ‪ Energy Intelligence‬املتخصصة يف‬
‫النرش يف قطاع الطاقة ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫خرج الرئيس األمريكي روزفلت واملنتخب (عام ‪1933‬م) بمرشوع قرار عاملي عىل غرار‬
‫الربنامج االقتصادي األمريكي لإلصالح‪ ،‬ذلك الذي حتدثنا عنه سال ًفا‪ ،‬سيتم من خالله‬
‫خلق عملة جديدة عىل غرار الدوالر‪ ،‬ولكنها ستكون إلكرتونية‪ ،‬وهنا ستضطر الدول‬
‫املستدينة من قبوهلا مرغم ًة‪ ،‬حيث إن احلبل قد ُأحكم عىل رقاهبا‪ ،‬وستُفرض تلك العملة‬
‫عامل ًّيا‪ ،‬حيث إنه بقبول تطبيقها سيمنح صندوق النقد الدويل تسهيالت‪ ،‬أو ربام إعفاءات‬
‫للقروض السابقة‪ ،‬ولكن هناك ُسم يف العسل!‬
‫فبمجرد قبول هذه العملة اجلديدة‪ ،‬ستضطر الدول إىل قبول ميكنة التعامل هبا ضمن ًّيا‪،‬‬
‫وهذه امليكنة هي التعامل الرقمي فقط عن طريق اإلنرتنت‪ ،‬وقبول زراعة رشحية (‪)RFID‬‬
‫أيضا؛ تلك الرشحية هي رشحية التعامالت املادية‪ ،‬والتي تزرع يف األجسام البرشية؛ ألهنا كام‬
‫ً‬
‫سنأيت إليها‪ ،‬هي الطريقة الوحيدة التي يتم التعامل من خالهلا بالتبادل النقدي‪.‬‬
‫لقد أدرك حكامء صهيون رس اللعبة اجلهنمية‪ ،‬تلك التي تؤدي باألمم إىل اهلالك والدمار‬
‫حني يعتمدون العملة الورقية‪ ،‬فحثوا بني ِجلدهتم عىل استحواذ الذهب والفضة‪ ،‬وكانت‬
‫تلك من أهم بنود الربوتوكوالت الصهيونية كام جاء يف بروتوكول حكامء صهيون الثاين‬
‫والعرشين‪:‬‬
‫(يف أيدينا ترتكز أعظم قوة يف األيام احلارضة وهي الذهب‪ ،‬فهل يمكن أن نعجز بعد‬
‫ذلك عن إثبات أن كل الذهب الذي كنا نكدسه خالل قرون أنه لن يساعدنا يف غرضنا يف‬
‫صارما)‪.‬‬
‫ً‬ ‫اعتصاما‬
‫ً‬ ‫أن يصبح العامل حتت حكمنا ويعتصم بقوانيننا‬
‫ً‬
‫تنفيذا ملخطط الصهيونية‪،‬‬ ‫وبالفعل لعبت العائلة الشيطانية (روتشيلد) لعبتها املاكرة‪،‬‬
‫ومل يمر قرن من الزمان حتى استحوذ هذا الكيان عىل أكثر من ‪ % 80‬من الذهب العاملي‬
‫كام هو معلن‪ ،‬فقد نرشت (الرسمية القابضة للذهب العاملية ـ ‪World Official Gold‬‬
‫‪ ((()Holdings‬يف تقريرها (فرباير ‪ )2021‬هذا الرسم ملخزون الذهب العاملي ألعىل ‪20‬‬
‫دولة يف العامل امتالكًا ملخزون الذهب‪.‬‬

‫‪1- www.gold.org‬‬

‫‪34‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫أعىل ‪ 20‬دولة وف ًقا لـ (‪ )World Official Gold Holdings‬حتديث فرباير ‪2021‬‬

‫‪35‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫ً‬
‫تفصيل يف الربوتوكول‬ ‫مع مالحظة أن هذا هو املعلن‪ ،‬أما ما خفي كان أعظم كام جاء‬
‫الثاين والعرشين (ففي خالل يومني نستطيع أن نسحب أي مقدار منه من حجرات كنزنا‬
‫الرسية)‪.‬‬
‫لذلك سيظل الذهب هو العملة الوحيدة إىل يوم القيامة الذي له قيمته الرشائية‪ ،‬والذي‬
‫يستطيع َم ْن امتلكه أن يقايض به أو يستبدله بام شاء من العمالت الورقية‪ ،‬وعلينا أن نعلم‬
‫أن الذهب قد يكون السبب الوحيد عىل اإلطالق لعدم اهنيار عملة أي دولة‪ ،‬أو وقوعها يف‬
‫مثل تلك التنازالت‪.‬‬
‫(((‬‫ويف هذا السياق فقد أرسل عضو الكونجرس األمريكي (رول بول ‪)Ron Paul -‬‬
‫يف شهر إبريل من (عام ‪2002‬م) رسالة إىل وزارة املالية األمريكية والبنك االحتياطي‬
‫االحتادي‪ ،‬كان فحواها‪( :‬أكتب إليكم بشأن البند الرابع‪ ،‬اجلزء «‪ 2‬ب» من بنود اتفاقية‬
‫صندوق النقد الدويل‪ ،‬وربام تعلمون ذلك‪ ،‬فإن هذا النص حيرم عىل الدول األعضاء يف‬
‫صندوق النقد الدويل ربط عمالهتم بالذهب؛ وبذلك فإن صندوق النقد الدويل يمنع الدول‬
‫التي تعاين من سياسة مالية متخبطة من استعامل أنجح وسيلة لتثبيت عملتها‪ ،‬وقد تؤخر‬
‫هذه السياسة خروج دولة من أزمة اقتصادية‪ ،‬وتعوق نموها االقتصادي‪ ،‬وتزيد بذلك من‬
‫تفسريا‬
‫ً‬ ‫عدم االستقرار االقتصادي والسيايس‪ ،‬إين أرجو من املالية واالحتياطي االحتادي‬
‫لألسباب التي تدعو الواليات املتحدة إىل االستمرار يف اإلذعان هلذه السياسة املضللة‪،‬‬
‫وأعرب سل ًفا عن تقديري العميق‪ ،‬وأرجو أن تتصلوا بمديري الترشيعي السيد (نورمان‬
‫وشكرا لتعاونكم يف‬
‫ً‬ ‫سينجلتون) إذا احتجتم إىل أية معلومات إضافية بشأن هذا الرجاء‪،‬‬
‫هذه املسألة‪ .‬رون بول‪ ).‬هذا ومل جتد رسالته أية استجابة!‬
‫وها هو أحد أعالم الصيارفة العامليني يفجر قنبلة من العيار الثقيل يف وجه أخطبوط املال‬
‫العاملي‪ ،‬إنه املرصيف األمريكي من أصل صيني (سونغ هونجينغ) فجر قنبلته التي ضمنها‬
‫‪-1‬رون بول ‪ُ :Ron Paul‬ولِدَ يف ‪ 20‬أغسطس ‪1935‬م‪ ،‬سيايس وطبيب أمريكي وعضو مجهوري يف جملس‬
‫النواب‪ ،‬وكان أحد املرشحني خلوض انتخابات الرئاسة األمريكية لعام ‪2008‬م عن احلزب اجلمهوري‪،‬‬
‫أيضا خلوض االنتخابات الرئاسية عام ‪1988‬م عن احلزب الليربتاري (التحريريني)‪.‬‬
‫ومرشحا ً‬
‫ً‬

‫‪36‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫كتابه الذي أثار ضجة يف أوساط رجال املال واالقتصاد‪ ،‬بعنوان (حرب العمالت ـ ‪The‬‬
‫‪ )currency war‬أصدره يف سبتمرب من (عام ‪2007‬م)‪ ،‬وفيه َّ‬
‫حذر سونغ بالده الصني من‬
‫طبخة تعدها العائالت الثالث الذين هم مافيا املال العاملي (عائلة روتشيلد‪ ،‬وروكفلر‪،‬‬
‫ومورجان) أهنم يعدون طبخة لرضب اقتصاد الصني ليتم السيطرة عليه فيام بعد‪ ،‬ونصح‬
‫الصني بأن تتخلص من العمالت الورقية التي لدهيا‪ ،‬وتستبدهلا بالذهب‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫(((‬ ‫التضخم المفرط ثم انهيار العملة‬

‫التضخم املفرط أو اجلامح «‪ »Hyperinflation‬هو حالة من التضخم احلاد الذي تأخذ‬


‫فيه معدالت الزيادة يف األسعار ما يقارب ‪ % 1300‬سنو ًّيا أو أكثر‪ ،‬ويف حاالت التضخم‬
‫اجلامح احلاد تصل الزيادات يف األسعار إىل أرقام فلكية‪ ،‬بحيث تصبح النقود بال قيمة‬
‫تقري ًبا‪ ،‬وهذا التضخم يكون ُمرتفع جدًّ ا‪ .‬وهو أقسى أنواع التضخم وأخطره‪.‬‬
‫واألمثلة عىل الدول التي حدث هبا تضخم مفرط يف القرن العرشين كثرية‪ ،‬منها‪« :‬شييل‬
‫‪ ،1975 - 1973‬واألرجنتني يف الثامنينيات‪ ،‬ونيكاراجوا ‪ ،1990 - 1987‬وبوليفيا ‪- 1984‬‬
‫‪ ،1985‬والصني ‪ ،1949 - 1948‬واليونان ‪ ... 1946 - 1943‬إلخ»‪.‬‬
‫وباختصار وبصورة مبسطة للغاية دون الدخول يف تفاصيل اقتصادية ال طائل منها؛ إذ أردت‬
‫أن تعرف حقيقة العمالت الورقية ‪ -‬غري املغطاة ذهب ًّيا ‪ -‬التي يستخدمها العامل اآلن‪ ،‬وندخرها‬
‫نحن ظنًّا منا أهنا تؤمن مستقبلنا ومستقبل أوالدنا‪ ،‬أعتقد أنه جيب علينا أن ننظر إىل هذه الصور‬
‫ً‬
‫أول‪:‬‬

‫امرأة أملانية تستخدم رزم النقود إلشعال املوقد سنة ‪1923‬‬

‫‪1-https://web.archive.org/web/20170611205307/http://www.businessinsider.com/10-‬‬
‫)املوسوعة الربيطانية( ‪hyperinflation-stories-of-the-20th-century-2011-3‬‬

‫‪38‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫التقطت الصورة أثناء مجهورية فايامر التي حكمت أملانيا بعد خسارهتا احلرب العاملية‬
‫مستشارا ألملانيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫األوىل‪ ،‬وامتد حكمها من سنة ‪ 1919‬إىل ‪ ،1933‬وانتهت بانتخاب هتلر‬
‫فرضت الدول املنترصة يف احلرب العاملية األوىل عىل أملانيا تعويضات مالية ختطت ‪33‬‬
‫مليار دوالر‪ ،‬وكان مبل ًغا خيال ًّيا يف ذلك الوقت‪ً .‬‬
‫فضل عن اخلسائر االقتصادية التي القتها‬
‫أملانيا يف احلرب‪ ،‬واضطر األملان إىل رشاء العملة األجنبية من األسواق العاملية بأي ثمن كي‬
‫يتمكنوا من سداد التعويضات‪ ،‬وجلأت احلكومة إىل االقرتاض ً‬
‫بدل عن فرض الرضائب‪.‬‬
‫وأدى ذلك إىل انخفاض املارك األملاين إىل درجات غري مسبوقة‪ ،‬وارتفاع نسبة التضخم‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫وبعد أن كان املارك األملاين يساوي أربع دوالرات عام ‪ 1914‬أصبح الدوالر يساوي‬
‫تريليون مارك عام ‪ .1923‬ثم تضاعف سعر الرصف إىل ‪ 2‬تريليون مارك مقابل الدوالر‬
‫األمريكي‪ ،‬وفقدت العملة معناها‪ ،‬فصار الناس يستخدمون النقود كورق للحائط أو مواد‬
‫لإلشعال والتدفئة‪ ،‬وصارت عملية التخلص من النقود أكثر تكلفة من النقود نفسها‪.‬‬

‫كان األطفال يستخدمون حزم األوراق النقدية كلبنات بناء ‪1923‬‬

‫‪39‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫حيمل املال بالعربات لرشاء بضع مشرتيات فقط يف زمبابوي‬

‫من أغرب األوراق النقدية التي يمكن رؤيتها هو الدوالر الزمبابوي‪ .‬لدهيم ورقة بقيمة‬
‫مائة ترليون دوالر زمبابوي! فإذا كان الرتليون به ألف مليار‪ ،‬فاملائة ترليون هبا مائة ألف‬
‫مليار!! وهذه الورقة قيمتها نصف دوالر فقط‪.‬‬
‫بدأ التضخم يف زمبابوي يف هناية التسعينيات‪ ،‬ووصل ذروته يف ‪ ،2009‬عندما علق‬
‫الرئيس «روبرت موغايب» التداول بالعملة املحلية واستبدال الدوالر األمريكي بعملته‪.‬‬
‫وبلغ معدل التضخم السنوي يف زيمبابوي ‪ 300‬باملائة يف أغسطس ‪ ،2019‬وف ًقا للبيانات‬
‫اجلديدة الصادرة عن صندوق النقد الدويل (‪ .)IMF‬وعىل هذا املستوى‪ ،‬فإن معدل‬
‫التضخم يف الدولة املضطربة الواقعة يف جنوب القارة اإلفريقية هو األعىل يف العامل‪.‬‬
‫وتكلف دجاجة ‪ 2.4‬كجم ‪ 14.600.000‬بوليفار (ما يعادل ‪ 2.22‬دوالر أو ‪1.74‬‬
‫جنيه إسرتليني) يف العاصمة كاراكاس‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫رايهنا مث هتأشن ‪ ..‬يملاعلا يلاملا ماظنلا ‪:‬لوألا بابلا‬

‫تكلف دجاجة ‪ 14,600,000‬بوليفار (ما يعادل ‪ 2.22‬دوالر أو ‪ 1.74‬جنيه إسرتليني) يف كاراكاس‪.‬‬

‫مثل زيمبابوي‪ ،‬علقت احلكومة الفنزويلية يف عام ‪ 2018‬قراءات التضخم‪ .‬ويف عام‬
‫‪ ،2019‬بلغ معدل التضخم السنوي يف فنزويال ‪-‬الدولة التي لدهيا ثاين أعىل معدل تضخم‬
‫يف العامل‪ ٪ 135.3 -‬يف أغسطس‪.‬‬
‫أما يف روسيا‪ :‬فعند تفكك االحتاد السوفييتي‪ ،‬كان سعر رصف الروبل يف السوق غري‬
‫النظامية يراوح بني ‪ 6‬إىل ‪ 10‬روبالت للدوالر الواحد‪ ،‬وبعد تفكك االحتاد السوفييتي‪،‬‬
‫وحتول روسيا االحتادية لالنتقال إىل اقتصاد السوق‪ ،‬اهنار سعر الروبل إىل نحو ‪ 6000‬روبل‬
‫للدوالر؛ مما دعا احلكومة الروسية إلجراء إصالح نقدي وإصدار الروبل اجلديد يف عام‬
‫‪1998‬م بام يساوي ‪ 1000‬روبل قديم‪.‬‬
‫أما يف الشقيقة سوريا‪ ،‬فهي من أواخر الدول التي اهنارت عملتها املحلية‪ ،‬وندعوا اهلل‬
‫أن تعود ألفضل مما كانت‪ ،‬وأن تكون األخرية يف سباق االهنيار االقتصادي‪ ،‬فبحسب موقع‬
‫«اللرية اليوم»((( الذي يتابع حركة العملة السورية مقابل العمالت األجنبية‪ ،‬سجل سعر‬
‫رصف اللرية السورية يف دمشق مقابل الدوالر الواحد‪ 4000 ،‬لرية سورية‪.‬‬

‫‪1- https://sp-today.com/en /‬‬

‫‪41‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫بعد هذا العرض لبعض األمثلة‪ ،‬تعال معي أهيا القارئ لننظر إىل سعر الذهب العاملي‬
‫‪-‬وضع مائة خط حتت كلمة عاملي‪ -‬خالل الثالثني عا ًما املاضية‪.‬‬

‫سعر الذهب آخر ‪ 30‬عام بالدوالر لألونصة‬

‫بقراءة هذا الرسم البياين‪ ،‬نجد أن سعر الذهب عامل ًّيا يف تزايد مستمر‪ ،‬ومل حيدث له اهنيار‬
‫عىل اإلطالق‪ ،‬وأنه ال عالقة له باهنيار عملة أو صعودها يف دولة ما‪ ،‬وال عالقة له بدمار‬
‫دولة نتيجة حرب أو اهنيار اقتصادي أو غري ذلك‪ ،‬كام أنه ال عالقة له ببلد دون أخرى‪،‬‬
‫ولذلك نطلق عليه «السعر العاملي»؛ أي أنه واحد يف مجيع دول العامل دون استثناء‪ ،‬فهو‬
‫املقياس احلقيقي للامل‪.‬‬
‫والسؤال اآلن‪:‬‬
‫إذا كانت تلك االهنيارات املالية جمرد أمثلة حلاالت بعض الدول يف أوقات خمتلفة‪ ،‬ماذا‬
‫لو كان هذا االهنيار للعملة الورقية يف مجيع دول العامل يف نفس الوقت؟؟‬
‫اإلجابة‪ :‬مرتوكة للقارئ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الباب الثاني‬

‫العامل يودع الكا�ش‬


‫‪1.‬العمالت الرقمية (‪.)Cryptocurrency‬‬

‫‪2.‬البلوك ت�شني ‪ - Block Chain‬كيف تعمل العمالت‬


‫الرقمية‪.‬‬

‫‪3.‬العمالت امل�شفرة هي باب االنهيار االقت�صادي العاملي‪.‬‬

‫‪4.‬جائحة كورونا ُت�سرع خارطة الطريق‪.‬‬

‫‪5.‬دار الإفتاء امل�صرية حترم التعامل بالعمالت الرقمية‬


‫�شرعا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪47‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫تالشى الحكومات وظهور الكيانات‬

‫ال خيفى عىل أحد اآلن االجتاه الذي يذهب إليه العامل؛ وذلك من حيث ظهور الكيانات‬
‫اخلاصة والتكتالت الدُّ َولية التي جتمع حتت عباءهتا دول العامل ليأمتروا بأمرها‪ ،‬ومن َث َّم تنبع‬
‫قراراهتم من حتت تلك العباءة حمكومة بقوانينها وعرفها‪.‬‬
‫األمثلة عىل التكتالت الدولية‪ :‬منظمة الصحة العاملية‪ ،‬وجملس األمن‪ ،‬واليونيسكو‪،‬‬
‫ومنظمة الغذاء‪ ... ،‬إلخ‪.‬‬
‫األمثلة عىل الكيانات اخلاصة‪:‬‬
‫‪1 -‬رشكة ميكروسوفت للربجميات‪(((.‬‬

‫‪2 -‬رشكات إلون ماسك‪(((.‬‬

‫‪3 -‬أمازون‪(((.‬‬

‫‪4 -‬رشكة ‪ Alphabet‬اجلديدة‪ :‬والتي هي إعادة هيكلة رشكة جوجل وإطالقها لرشكة‬
‫جديدة حتمل اسم ‪ alphabet‬والتي ستصبح الرشكة األم‪ ،‬فتصري جز ًءا ال يتجزأ‬
‫(((‬ ‫منها‪ ،‬وتتكون ‪ alphabet‬من ‪ 7‬رشكات‪ ،‬ومن أمهها رشكة جوجل‪.‬‬
‫‪ -1‬رشكة مايكروسوفت (باإلنجليزية‪ Microsoft Corporation :‬‏) رشكة متعددة اجلنسيات تعمل يف‬
‫جمال تقنيات احلاسوب‪ ،‬يبلغ عائدها لسنة ‪ 2016‬أكثر من ‪ 85‬مليار دوالر‪ ،‬ويعمل هبا ‪ 114.000‬موظف‬
‫تطور وتصنِّع‬
‫اعتبارا من عام ‪ّ .2016‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )2016‬وهي أكرب مصنع للربجميات يف العامل من ناحية العائدات‬
‫وترخص مدى واسعا من الربجميات لألجهزة احلاسوب ّية‪ .‬يقع املقر الرئييس للرشكة يف ضاحية ريدمونت‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫سياتل‪ ،‬بوالية واشنطن‪ ،‬الواليات املتحدة‪.‬‬
‫‪ -2‬سبق احلديث عنها يف الكتاب تفصيال‪.‬‬
‫أيضا أمازون (باإلنجليزية‪)Amazon.com :‬‏‪ ،‬موقع للتجارة اإللكرتونية واحلوسبة‬ ‫‪-3‬أمازون‪.‬كوم ويسمى ً‬
‫السحابية تأسس يف ‪ 5‬متوز ‪ ،1994‬من قبل جيف بيزوس ويقع مقره يف سياتل واشنطن‪ ،‬وهو أكرب متاجر‬
‫التجزئة القائمة عىل اإلنرتنت يف العامل من حيث إمجايل املبيعات والقيمة السوقية‪.‬‬
‫‪ -4‬رشكة ألفابت ‪ Alphabet Inc -‬‏‪ :‬هي رشكة أمريكية تم تأسيسها يف أغسطس ‪ 2015‬من خالل إعادة‬
‫هيكلة رشكة ‪ Google‬ويقع مقرها الرئييس يف ماونتن فيو يف كاليفورنيا‪ ،‬تعد هي الرشكة القابضة لرشكة‬
‫جوجل وجمموعة من الرشكات أخرى التي كانت تابعه هلا من ضمنها‪ Wings :‬و‪ Calico‬و‪Boston‬‬
‫‪ ،Dynamics‬وخمتربات جوجل (‪ ،)X Lab‬قام بتأسيس الرشكة كلًّ من الري بايج وسريجي برين‬
‫مؤسيس رشكة جوجل‪ .‬وقد تم اختيار الري بيج يف منصب املدير التنفيذي للرشكة‪ ،‬وسريجي برين‬
‫كرئيس للمجموعة‪ ،‬وتم اختيار إيريك شميت كرئيس جملس اإلدارة للرشكة‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫‪((( Meta‬‬ ‫‪5 -‬ميتا ‪-‬‬


‫إىل آخره من الرشكات العمالقة التي تعيد تنظيم نفسها لتشكل كيانات ضخمة عامل ًّيا‬
‫من الصعب التغلب عليها‪.‬‬
‫فعىل سبيل املثال‪ :‬من أراد اإلنرتنت يف أي دولة‪ ،‬فعليه الذهاب إىل كيان «سبيس أكس»‬
‫ً‬
‫مثل‪ ،‬ومن أراد الدواء‪ ،‬فعليه الذهاب إىل كيان كذا أو كذا لصناعة الدواء‪ ،‬ومن أراد اللقاح‬
‫ضد مرض معني عىل مستوى العامل‪ ،‬فعليه الذهاب إىل كيان كذا‪ ،‬ومن أراد القمح‪ ،‬فعليه‬
‫اللجوء إىل منظمة الغذاء فهي املسئولة عن توزيع الزراعات عىل مستوى العامل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫(((‬‫ويف اإلعالم‪ ،‬وهو عصب القوى العاملية اجلديدة وذراعها‪ ،‬منصات «جورج سورس»‬
‫اإلعالمية عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫وتلك األخرية هي التي تزرع األفكار للشعوب‪ ،‬فرتفع من تشاء وختفض من تشاء‪،‬‬
‫أضف إىل ذلك؛ أهنا هي التي تظهر للوجود ما تراه خيدم خططها ُ‬
‫وتفي ما ال تراه مناس ًبا‬
‫ألفكارها‪.‬‬
‫وأكتفي للتدليل عىل ما ذهبنا إليه بمثالني اثنني فقط يعرفهام اجلميع‪ ،‬ولكن بعد تلك‬
‫ُوض ُع النقاط فوق احلروف‪.‬‬
‫الكلامت سوف ت َ‬
‫املثال األول‪ :‬ثورات اخلراب العريب؛ كيف صورهتا اآللة اإلعالمية لشعوب تلك املنطقة‪،‬‬
‫وكيف صورهتا اآللة اإلعالمية لشعوب العامل!! وعىل الوجه اآلخر؛ كم من انتفاضات‬
‫حقيقية قامت يف دول موالية بسياساهتا للنظام العاملي اجلديد قامت هبا انتفاضات حقيقية‬
‫من شعوب مقهورة ضد فساد وظلم وضيق عيش من حكومات مستبدة تسعى إىل اخلراب‬

‫‪ -1‬ميتا ‪ ،Meta -‬ساب ًقا فيسبوك‪ ،‬حتى ‪ .2021‬هي رشكة تكنولوجيا أمريكية متعددة اجلنسيات مقرها مينلو‬
‫بارك‪ .‬استحوذت عىل‪ :‬واتساب ‪ -‬إنستجرام ‪ -‬فيس دوت كوم ‪Atlas Solutions -‬‬
‫‪ -2‬جورج سوروس (باإلنجليزية‪)George Soros :‬‏ ولد يف الثاين من شهر أغسطس عام ‪ ،1930‬وهو‬
‫هنغاري املولد أمريكي اجلنسية‪ ،‬رجل أعامل ومستثمر ومهتم بالعمل اخلريي‪ .‬عرف بدعمه للسياسات‬
‫الليربالية وبدوره الفعال يف مرحلة التحول من الشيوعية إىل النظام الرأساميل‪ ،‬ويعترب هو مؤسس شبكة من‬
‫املؤسسات العاملية الناشطة يف أكثر من ‪ 50‬دولة‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫ُخ ِمدُ ها يف مهدها‪ ،‬ومل ُيسمع‬ ‫ال إىل العمران‪ ،‬ومل يلق هلا اإلعالم ً‬
‫بال‪ ،‬ومل يقم بنقلها للعامل فت ْ‬
‫أنينها‪.‬‬
‫املثال اآلخر‪ :‬تصور البعض أن الواليات املتحدة األمريكية هي القوة األوىل يف العامل‪،‬‬
‫وهي التي ُتيل قراراهتا عىل دول العامل وحكوماته‪ ،‬ولكن مع توتر العالقات قبيل االنتخابات‬
‫الرئاسية األمريكية مع هناية العام ‪ 2020‬وما شاهده العامل أمجع من معاداة اآللة اإلعالمية‬
‫للرئيس السابق دونالد ترامب‪ ،‬وما قامت به بعض منصات التواصل االجتامعي من حظر‬
‫حسابه‪ ،‬وإخفاء صوته‪ ،‬اتضح للجميع بصفة عامة‪ ،‬وملن ُفتنوا بمكانة أمريكا بصفة خاصة‪،‬‬
‫أن األمر ما كان هبذا التصور الضيق لألحداث‪ ،‬وأن هناك كيانات تدير األمر وفق أجندات‬
‫خاصة‪ ،‬وبآليات خمتلفة ليس منها حكومات أو رؤساء يمثلون آرائهم واجتاهاهتم اخلاصة‪.‬‬
‫ومن َث َّم؛ فيمكن القول إنه ال وجود لدولة وال حق للعيش لشعوب ال متلك لقمة‬
‫عيشها‪ ،‬فمن ال يملك لقمة عيشه‪ ،‬ال يملك قراره‪ ،‬ولقمة العيش يف عرصنا هذا حتمل‬
‫بني طياهتا الكثري من التفاصيل‪ ،‬مثل‪ :‬القوة‪ ،‬والدواء‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والغذاء‪ ،‬واملال‬
‫احلقيقي «الذهب»‪ .‬أعتقد أنه ال خيفى عىل عاقل أن يرى ما تنتهجه مرص يف ظل قيادة‬
‫الرئيس «عبدالفتاح السييس» لإلعداد اجلاد ملواجهة هذه التحديات‪ ،‬فمدينة الدواء‬
‫املرصية‪ ،‬واألرايض الزراعية اجلديدة التي تستخدم الصوبات الصناعية ‪ -‬ملواجهة التغري يف‬
‫املناخ ‪ -‬واألسلحـة احلديثـة املتـعـددة الـمنشأ‪ ،‬واملصانع التي اقتحمت معظم جماالت‬
‫التكنولوجيا‪... ،‬إلخ‪ ،‬أن يعتقد أن هذا كله ال يدل إال عىل فكر سيايس ٍ‬
‫راق؛ فهو ال يريد أن‬
‫تكون مرص ضمن القطيع العاملي اجلديد‪ .‬حفظ اهلل مرص ً‬
‫جيشا وشع ًبا وقائدً ا‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫لدغة السم‬

‫من املقاالت التي تستحق التقدير بالفعل جزء من مقالة للدكتور‪ /‬ستيفن مينت ز ‪Ste� -‬‬
‫‪ ((( ven Mintz‬وأنقل مع الرتمجة والترصف جز ًءا منها‪:‬‬
‫ً‬
‫سؤال ثم جييب عليه‪:‬‬ ‫يوجه دكتور مينيز‬
‫هل جيوز أخالق ًّيا أن ُيزرع لإلنسان رشحية إلكرتونية يف جسده؟‬
‫كثريا عن الرشكات التي تقدم عروض زراعة الرشحية للمؤسسات‬
‫«نسمع اآلن ً‬
‫والرشكات وقطاعات األعامل‪ ،‬وتقدم هذه الرشكات خدماهتا حتت شعار «رشكات‬
‫وخصوصا أن الرشائح التي تُقدم تكون متعددة االستخدامات واألغراض؛‬
‫ً‬ ‫املستقبل»‪،‬‬
‫حيث إهنا تعمل بتقنية «‪ ،(((»NFC‬وقد ال تكون الرشكات املقدمة هلذه اخلدمة خمطئة يف‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن هذا ما ُيدث به املستقبل!! يف هناية املطاف‪ ،‬ستصبح هذه التقنية موحدة‪ ،‬مما‬
‫يسمح لك باستخدامها كجواز سفر‪ ،‬ويف وسائل النقل العام‪ ،‬ومجيع عمليات الرشاء‪ ،‬وما‬
‫إىل ذلك‪.‬‬

‫‪ -1‬دكتور‪ /‬ستيفن مينتز ‪ُ :Steven Mintz -‬يعرف الدكتور ستيفن مينتز باسم «‪ »The Ethics Sage‬لدى‬
‫الكثريين‪ ،‬وذلك لسمعته كخبري يف املسئولية االجتامعية واألخالق‪ ،‬وهو أستاذ فخري من جامعة والية كال‬
‫ُش ْت له العديد من األوراق البحثية عن األخالق‪ .‬دكتور مينيز هو مؤلف‬ ‫ِ‬
‫بويل يف سان لويس أوبيسبو‪ .‬ن َ‬
‫كتاب «مدريس» الذي يستعان به يف العديد من الكليات واجلامعات‪ ،‬وااللتزامات األخالقية واختاذ القرار‬
‫أيضا كمطور لدورات التعليم املستمر يف األخالق وأخالقيات األعامل واملحاسبة‪،‬‬ ‫يف املحاسبة‪ ،‬يعمل ً‬
‫ومتحدث عن األخالق واملسؤولية املهنية‪ ،‬ومستشار تقايض وشاهد خبري يف املسائل األخالقية‪ ،‬حصل‬
‫ف‬ ‫عىل جائزة املحاسبة النموذجية من قسم املصلحة العامة بجمعية املحاسبة األمريكية يف عام ‪ِ ُ .2015‬‬
‫واعت َ‬
‫بمدونته‪ ،Ethics Sage ،‬كرقم ‪ 49‬من بني ‪ 100‬مدونة فلسفية كربى وواحدة من أفضل ‪ 30‬مدونة حول‬
‫املسئولية االجتامعية للرشكات‪ ،‬يشارك ستيف رؤى حول أخالقيات العمل من خالل مدونة ‪Workplace‬‬
‫‪ Ethics Advice‬اخلاصة به وتناول بخاصة األخالقيات يف الكليات واجلامعات‪.‬‬
‫‪ -2‬تقنية ‪ :NFC‬تُعرف بـ (‪ )Near Field Communication‬هي خاصية تسمح بتكوين االتصاالت‬
‫‪ ،Peer-to-Peer‬ومترير البيانات من خالل جهاز آلخر من خالل تالمسهم أو وضعهم بالقرب من‬
‫بعضهم البعض‪ .‬وأصبحت اآلن تتواجد يف العديد من األجهزة املحمولة‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫ومما ال شك فيه أن أي فرد ُيقدر خصوصيته و ُيقدر ذاته اإلنسانية أن يكون له احلق يف‬
‫قبول أو رفض أي يشء يدخل يف جسمه‪ ،‬وأن يقابل الضغوط التي قد ُتارس من أصحاب‬
‫األعامل والرشكات إلجبار موظفيها للدخول يف هذه املزارع احليوانية‪.‬‬
‫ولكن يف حقيقة األمر قد يكون األمر خمتل ًفا إذا ما اصطدم بأرض الواقع؛ فقطاعات‬
‫كبرية من العامل من األميني‪ ،‬وال أعني باألمية هنا يف كتايب معرفة القراءة والكتابة‪ ،‬بل أمية‬
‫الفكر والعقل‪ ،‬ففي حقيقة األمر من ُيقدر أرضار يشء ما‪ ،‬ويبحث عنه قبل استخدامه هم‬
‫فئة قليلة جدًّ ا يف أي جمتمع‪ ،‬تكاد ال تؤثر يف العقل اجلمعي‪ ،‬أما القطيع فإهنم غال ًبا ما يثقون يف‬
‫أرباب األعامل‪ ،‬ألهنم ببساطة من يملكون قوهتم‪ ،‬فإذا ما كانت هذه هي السياسة العامة التي‬
‫تنتهكها مؤسسة أو رشكة ما‪ ،‬فإن األغلبية من العاملة يتبعون فكر صاحب العمل‪ ،‬هذه نقطة‪.‬‬
‫والنقطة األخرى‪ :‬قد ال تكون الرشحية يف حد ذاهتا متثل اخلطر الكبري‪ ،‬بقدر ما يمكن أن‬
‫تكون هي سبب رئيس يف حدوثه‪ ،‬فعىل سبيل املثال‪ :‬الربجميات التي قد تتخذ من الرشحية‬
‫ذريعة هلا للوصول إىل أهداف غري أخالقية ال يمكن السيطرة عليها‪ ،‬ونرضب ً‬
‫مثال لذلك‬
‫خطرا عىل اإلطالق يف ذاته املطلقة‪ ،‬إال أن‬
‫ً‬ ‫باهلاتف املحمول‪ ،‬فهو يف حد ذاته ال يشكل‬
‫الربجميات التي تتخذ منه وسيلة لعملها هي التي متثل اخلطر األكرب يف التتبع‪ ،‬ورسقة‬
‫البيانات‪ ،‬وتسجيل األصوات‪ ،‬وتسجيل الفيديو لكل ما قد حيدث يف الغرف املغلقة حتى‬
‫وإن كان اهلاتف مغل ًقا‪ ،‬هذا ما أعنيه بقويل إن الرشحية يف حد ذاهتا قد ال تشكل اخلطر‬
‫األكرب بقدر ما أهنا هي املنفذ للربجميات اخلبيثة وللمؤسسات واألشخاص ذوي النفوس‬
‫الضعيفة‪ .‬إن العواقب غري املتوقعة ضخمة‪.‬‬
‫«‪The Unknown Known and‬‬ ‫كتب وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد عن‬
‫‪« - »Knowing the Unknowable‬املجهول املعروف ومعرفة املجهول» هذا مناسب‬
‫متا ًما إلدخال رقائق لدخول املكتب‪ ،‬وتسجيل الدخول إىل أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬ورشاء وجبة‬
‫سمعت أن املوظفني يمكنهم إجراء عمليات رشاء يف سوق‬
‫ُ‬ ‫مشبوها عندما‬
‫ً‬ ‫خفيفة‪ ،‬أصبحت‬
‫(((‬‫غرفة ‪ 32M‬اخلاصة‪.‬‬

‫‪1- https://www.stevenmintzethics.com /‬‬

‫‪205‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫إن اللدغة احلقيقية يف زراعة الرشحية ليست هي لدغة سن اإلبرة التي تدخل هبا الرشحية يف‬
‫جسمك‪ ،‬ولكن اللدغة احلقيقة التي متاثل لدغة عقرب سام عندما ال يمكنك رشاء الطعام‪،‬‬
‫وال يمكنك احلصول عىل راتب‪ ،‬وال يمكن احلصول عىل مساعدة طبية أو إجراء اجلراحات‪،‬‬
‫أو حتى اإلنقاذ باإلسعاف‪ ،‬كام ال يمكن احلصول عىل رخصة القيادة‪ ،‬وال يمكنك السفر‬
‫خارج بلدك؛ ألنه ليس لديك رقاقة‪ .‬إهنا القوى البرشية الفائقة أو السيطرة الفائقة؟‬
‫وخصوصا الشباب صغار السن‪ ،‬عندما يتعلق‬ ‫ً‬ ‫فالبدايات مغرية جدًّ ا ألي شخص‪،‬‬
‫األمر بالرفاهية‪ ،‬وفتح السيارة دون مفتاح‪ ،‬وإضاءة األنوار دون مفتاح‪ ،‬وحتميل ال ـ �‪Play‬‬
‫‪ list‬من املوسيقى التي تفضلها واالستمتاع هبا يف السيارة أو املنزل‪ ،‬وهكذا ‪ ...‬ولكن‬
‫رسعان ما ستزول هذه النشوة الكاذبة عندما تبدأ لدغة السم يف التسلل إىل العروق‪ ،‬لقد‬
‫بدأ اجلنس البرشي يف التحول إىل قطيع من املاشية منذ زراعة أول رشحية يف الواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬ثم أقدم املتطوعون يتسابقون بشكل أعمى نحو تلك التجربة املثرية‪،‬‬
‫وبدأ الرتويج هلا يف اإلعالم األمريكي السالب للعقول واملحول للحقائق‪ ،‬وجرى التسويق‬
‫هلا باعتبارها روح العرص‪ ،‬وقد ال يعلم الكثريون‪ ،‬كام يتغافل األكثر عن أن الرقاقة الدقيقة‬
‫هي حاسوب صغري يمكنه القيام بالتخزين والتالعب باملعلومات!‬
‫مها؛ فإن املرحلة األوىل التي جتعلك تقبل بزراعة رشحية عد وإحصاء املاشية‬ ‫هذا ليس و ً‬
‫يف جسدك‪ ،‬رغم أهنا ال تقدم لك شي ًئا يكاد يذكر يف حياتك‪ ،‬بل هي للعب والرتفيه‪ ،‬وسوف‬
‫تأيت املرحلة الثانية والثالثة والرابعة‪ ،‬والتي قد تبدأ بالواجب الوطني للحفاظ عىل األمن‬
‫الوطني يف بلكدك‪ ،‬كام حدث يف أحداث ‪ 11‬سبتمرب وصدور قانون «باتريوت آكت ‪Pa� -‬‬
‫‪ ،((( »triot Act‬ثم بعد ذلك يكون األمر إلزا ًما وإال لن تستطيع التمتع بمميزات املعيشة‬
‫التي توفرها الدولة ملواطنيها‪».‬‬
‫‪ -1‬قانون باتريوت آكت ‪ :Patriot Act -‬أو قانون مكافحة اإلرهاب‪ ،‬أو قانون الوطنية هو قانون ُأ ِق َّر‬
‫بعد أحداث ‪ 11‬سبتمرب ‪ ،2001‬وهو خاص بتسهيل إجراءات التحقيقات والوسائل الالزمة ملكافحة‬
‫اإلرهاب‪ ،‬مثل‪ :‬إعطاء أجهزة الرشطة صالحيات من شأهنا االطالع عىل املقتنيات الشخصية لألفراد‪،‬‬
‫ومراقبة اتصاالهتم‪ ،‬والتنصت عىل مكاملاهتم بغرض الكشف عن املؤامرات اإلرهابية‪ .‬ويعطي هذا القانون‬
‫اهليئات التنفيذية املتمثلة يف أجهزة الرشطة ومكتب التحقيقات الفيدرايل صالحيات واسعة يف جمال مراقبة‪،‬‬
‫وتفتيش املشتبه فيهم دون أن يكون لدهيم أدلة ملموسة تدينهم مبارش ًة دون فرض رقابة كافية عىل تلك‬
‫الصالحيات‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫أين النجاة؟؟‬

‫السؤال اآلن‪ :‬إذا كان هذا هو الوضع الراهن‪ ،‬ويف حال ما إذا تم زراعة الرشائح‬
‫للشعوب ‪-‬حتت أي مسمى كان‪ -‬فإن املراقبة والتالعب بالعقول قد يكون جائز احلدوث‬
‫يف ظل التطورات التكنولوجية احلديثة التي نشهدها اآلن بني أيدينا‪ ،‬فهل هناك نجاة من‬
‫هذا املوضوع الشائك الذي ال يريد الكثري منا الدخول يف جتربته؟‬
‫وحال ما إذا تم التالعب بعقولنا فإننا غري مسئولني عام نفعل وقتها؟ ولن حياسبنا اهلل‬
‫عليه‪ ،‬ذلك أننا نكون يومئذ فاقدي اإلرادة؟‬
‫ولإلجابة عىل هذا السؤال سنعرفها من الشكل اآلتى‪:‬‬

‫ﺗردد اﻟﺑث‬

‫ﻣﺳﺗﻘﺑل‬ ‫ﻗﻧﺎة‬ ‫ﻣرﺳل‬


‫رﺳﺎﻟﺔ‬

‫ﻣﺧطط إرﺳﺎل واﺳﺗﻘﺑﺎل ﺑﺳﯾط‬

‫يتضح من الشكل السابق أنه لكي تتم عملية (إرسال أو استقبال أي بيانات أو رسائل أو‬
‫إشارة حتكم أو إشارة تتبع أو قراءة أفكار أو نقل صور أو أصوات ‪..‬إلخ) البد من وجود‬
‫ومستقبل متوافقني ويعمالن بنفس الرتدد الذي يتم البث عليه‪ ،‬وبينهام قناة لتبادل‬
‫ُمرسل ُ‬
‫أيضا وجود هوائى لإلرسال وهوائي لالستقبال‪ ،‬حسنًا ‪..‬‬
‫املعلومات‪ ،‬ويلزم ً‬

‫‪207‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫وقد عرفنا يف الصفحات السابقة من الكتاب أن الرشحية القياسية حتتوي بداخلها عىل‬
‫مرسل وجهاز هوائي وميكروبروسيسور‪ ،‬فهي باختصار حتتوي عىل منظومة إرسال أو‬
‫استقبال كاملة متكاملة‪ .‬واملنظومة األخرى تكون يف اجلهة املنتجة أو التي هلا حق اإلرسال‬
‫أو االستقبال بأجهزهتا العمالقة‪.‬‬
‫إذن باستطاعة اإلنسان أن يكون يف منأى ونجاة من هذا املخطط!‬
‫نعم يستطيع وبمنتهى البساطة!‬
‫فقط ال تقبل بأى حال من األحوال زراعة الرشحية اإللكرتونية يف جسدك‪ ،‬ال يشء آخر‪.‬‬
‫ولن حيدث بأى حال من األحوال أن يتم التشويش عىل األفكار أو التالعب بالعقيدة‪،‬‬
‫بدون اشرتاك مبارش من الفرد نفسه‪ ،‬هذا االشرتاك هو بمثابة القبول بزراعة الرشحية داخل‬
‫اجلسم‪ ،‬وبذلك تُسلب اإلرادة سل ًبا‪.‬‬
‫إن اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬ملا توعد املخالفني لرشائعه سبحانه بالعقاب يف الديانات الساموية‬
‫يف آخر الزمان ‪ -‬زمان الفتن‪ ،-‬كان ذلك عىل علم مسبق يف ملكوت اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أن‬
‫األمر اختيارى للبرش‪ ،‬وأهنم ليسوا جمربين أو مغيبني أو فاقدى عقوهلم‪ ،‬بل إن القرار فردي‪،‬‬
‫وإن كل إنسان مسئول عن أفعاله يف ذلك الوقت‪ ،‬فلو أن األمر غري ذلك وافرتضنا أن‬
‫اإلنسان يف هذا الزمان خارج نطاق السيطرة أو أنه ُمغيب أو فاقد لوعيه وإرادته ملا توعد اهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬متبعى الدجال بالعقاب‪ ،‬ولصار األمر داخل نطاق (اخلطأ أو النسيان أو اإلجبار)‬
‫ولسقطت العقوبة‪ ،‬وذلك متش ًيا مع رواية ابن عباس ‪-‬رىض اهلل عنهام‪ -‬عن املصطفى ﷺ‬
‫اس ُتك ِْر ُهوا عليه)(((‪.‬‬ ‫(إن اهلل َ َت َ‬
‫او َز عن أمتى اخلطأ والنسيان وما ْ‬
‫فاحلذر كل احلذر من زراعة الرشحية اإللكرتونية‪ ،‬واحلذر كل احلذر من اتباع ما‬
‫ُيعرض علينا أو ما قد نُجرب عليه حتت أي مسمى أ ًّيا كان‪ ،‬سوا ًء كان حتت مسمى األمن‬
‫القومي ‪-‬كام ُيسوق له اآلن يف أمريكا‪ -‬أو حتت مسمى العوملة وطرق االتصال احلديثة‪،‬‬

‫‪ -1‬أخرجه الطرباين‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح عىل رشط الشيخني‪ .‬والبيهقى‪.‬‬


‫ومن غريب احلديث‪( :‬استكرهوا)‪ :‬محلوا عىل فعله قهرا ‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫أو التعامالت املادية اإللكرتونية والتبادل التجاري وعمليات البيع والرشاء واملحافظ‬
‫اإللكرتونية ذات العمالت الرقمية‪ ،‬أو حتت ما يسمى بالفوائد التي ستعود عليك‬
‫(الصحية أو املالية أو األمنية‪.. ،‬إلخ) ألنه ليس َث َم فائدة أ ًّيا كانت تصح أن يقبلها اإلنسان‬
‫إذا خرس ذاته وآخرته‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫(((‬ ‫الصلة والوصلة‬

‫إن عالقة اإلنسان بعاملي «الشهادة وامللكوت» هلا ُبعدان‪ُ :‬ب ْعدٌ مادي‪ ،‬و ُب ْعدٌ غيبي‪ ،‬فأما‬
‫الشق الذي يمثل ال ُبعد املادي فهو «اجلسد»‪ ،‬والشق الذي يمثل ال ُبعد الغيبي فهو «النفس‬
‫والروح»‪.‬‬
‫ولكل شق من هذين الشقني قوانينه وحمدداته ووسائله يف التلقي واملخاطبة‪ ،‬فنقول إن‬
‫حمددات اجلسد يف اإلدراك والوعي هي احلواس اخلمس‪ ،‬ووسيلته يف التلقي واملخاطبة‬
‫هو «الضوء الفيزيائي» أو «الكهرومغناطييس» الذي تدركه العني‪ ،‬ويمكن رصده وحتليله‬
‫معمل ًّيا والتعامل معه بالعقل يف عامل الشهادة‪.‬‬
‫الضوء هو شكل من أشكال الطاقة وهو جزء من «املوجات الكهرومغناطيسية ‪-‬‬
‫‪ »Electromagnetic waves‬والتي تبدأ من أشعة «جاما» شديدة ِ‬
‫القرص‪ ،‬ويزيد طول‬
‫موجتها حتى تصل إىل املوجات الالسلكية الطويلة التي تُستخدم يف اإلذاعة‪.‬‬

‫موجة ضوئية (كهرومغناطيسية)‬

‫‪ -1‬راجع كتاب «اإلنسان بني النور والضوء يف اإلسالم» ‪ -‬مهندس أمحد اليمني‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫طيف املوجات الكهرومغناطيسية‬

‫وحسب الرسم السابق فإن كل تردد أو «حيز ترددي» يف طيف الضوء الكهرومغناطييس‬
‫له استخدام‪ ،‬كاإلرسال املرئي أو اإلذاعي أو الرادار‪ ،‬وهكذا‪ ،‬كام أن الدماغ يقوم بإرسال‬
‫املوجات الكهرومغناطيسية واستقباهلا‪ ،‬ويطلق عليها «املوجات الدماغية ‪»Brain Waves‬‬
‫ٍ‬
‫ترددات معينة‪ ،‬وهي تنتج عن عمل ونشاط «اخلاليا‬ ‫ٍ‬
‫موجات كهربائية ذات‬ ‫وهي عبارة عن‬
‫العصبية يف الدماغ ‪ .»Neurons -‬فعل ًّيا‪ ،‬فإن املوجات الدماغية هي ما يمثل أفكارنا‬
‫ومشاعرنا وأحاسيسنا وردود أفعالنا‪.‬‬
‫إن مجيع املوجات السابقة أ ًّيا كانت‪ ،‬فال ُبدَّ هلا أن تقع داخل حدود الطيف‬
‫الكهرومغناطييس للضوء‪ ،‬وأهنا مجي ًعا حيكمها قانون فيزيائي واحد‪ ،‬وأهنا مجي ًعا هلا حد‬
‫واحد يف رسعتها ال تتخطاه وهو «رسعة الضوء»((( باعتبارها أحد الثوابت الكونية ا ُمل ِ‬
‫حددة‬
‫للعامل املحسوس‪ ،‬وأن هذه هي ُسنَّة اهلل ‪ ‬يف هذا الكون الذي نعيشه؛ إذ أهنا حد ال يمكن‬
‫أن يتجاوزه خملوق إال بإذنه‪.‬‬

‫‪ -1‬رسعة الضوء يف الفراغ هي ثابت فيزيائي مهم يف العديد من جماالت الفيزياء‪ ،‬و ُيرمز له يف العادة بالرمز‬
‫‪ c‬وتساوي قيمته ‪ 299,792,458‬مرت لكل ثانية‪ .‬وهو ما يعادل بعد التقريب لثالثة أرقام معنوية ‪300,000‬‬
‫كيلومرت يف الثانية‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫واآلن سننتقل إىل «عامل امللكوت»‪ ،‬ونقصد به العامل الغيبي اخلارج عن حدود‬
‫«الزمكان»(((‪ ،‬وهو الذي يمثل النفس والروح‪ ،‬ووسيلته يف التلقي واملخاطبة هو «النور‬
‫الغيبي» الذي ال نعرف عنه شي ًئا غري اسمه‪ ،‬وأما حقيقته فال علم لنا به؛ فال نستطيع أن‬
‫نُسقط قوانني عامل الشهادة عىل هذا النور ملحاولة رصده باألجهزة أو حماولة حماكاته يف‬
‫املعامل‪ ،‬كام نفعل يف أطياف الضوء الكهرومغناطييس‪ .‬كام أننا ال نستطيع أن نؤلف فيه‬
‫النظريات أو نضع له القواعد املنظمة له‪ ،‬كام أننا ال نستطيع أن نحسب رسعته كام فعلنا يف‬
‫الضوء الكهرومغناطييس‪.‬‬
‫ومع كل هذا التطور املذهل يف جمال البحوث الكهرومغناطيسية جلسم اإلنسان‪ ،‬فإن‬
‫العلم مل يتوصل إىل كيفية تواصل الروح بعامل امللكوت داخل جسم اإلنسان‪ ،‬ومل يتوصل إىل‬
‫موقع النفس داخل جسم اإلنسان‪ ،‬كام أنه ََّلا يرصد طاقة احلسنات وصعودها إىل السامء وال‬
‫حتى الطاقة السلبية الناجتة من فِ ْعل السيئات‪.‬‬
‫فبكل بساطة يمكن القول إن ذلك نور من عامل الغيب‪ ،‬وما لعامل الغيب فهو لعامل الغيب‪،‬‬
‫وما لعامل الشهادة فهو لعامل الشهادة‪.‬‬
‫إن اإلنسان يعجز عن إدراك كيفية االتصال بعامل الغيب؛ إذ أن ِعلم اإلنسان يتوقف عند‬
‫حدود معرفة كيفية االتصال بعامل الشهادة فقط‪ ،‬والتي حدَّ ها هو الضوء الفيزيائي‪.‬‬
‫انتهينا هنا باختصار شديد إىل أن هناك صلة غيبية تتعامل هبا النفس والروح مع عامل‬
‫امللكوت‪ ،‬كالذي حيدث يف األحالم كمثال؛ فالنفس تذهب إىل ما شاء اهلل وخترتق ا ُ‬
‫حل ُجب‬
‫واحلواجز والزمان واملكان‪ ،‬وال يمكن رصد ذلك وال يمكن حماكاته وال يمكن قياسه‪ ،‬فهو‬
‫غيب‪.‬‬

‫‪ -1‬الزمكان ‪ :Spacetime -‬وتعني كلًّ من (الزمان واملكان)‪ ،‬أو الزمان املكاين‪ ،‬هو دمج ملفهومي الزمان‬
‫واملكان‪ ،‬هو الفضاء بأبعاده األربعة‪ ،‬األبعاد املكانية الثالثة التي نعرفها‪ :‬الطول والعرض واالرتفاع‪،‬‬
‫مضاف إليها الزمن‪ ،‬وهو ال ُبعد الرابع‪ .‬هذا الفضاء الرباعي تشكل نسيج أو شبكة حتمل كل يشء يف هذا‬
‫الكون‪ ،‬وكل جسم مهام كان حجمه وكل حدث خيضع هلا‪ ،‬فال وجود لألشياء وال لألحداث خارج نطاقي‬
‫الزمان واملكان‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫ويف هذا السياق يقول‪« :‬مايكل شريمر ‪ ،(((»Michael Shermer -‬رئيس حترير جملة‬
‫مزروع فينا منذ والدتنا)‪.‬‬ ‫فطري‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫«الشكَاك»‪( :‬إن‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫والروح ٌ‬ ‫اجلسد‬ ‫بثنائية‬ ‫الشعور‬
‫َ‬
‫ننتقل اآلن إىل نقطة أخرى‪:‬‬
‫إن اهلل ‪ ‬أقدر بعض خلقه عىل أفعال فيها من القدرة ما مل خيلقه اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬يف ٍ‬
‫إنس‬
‫أو جان‪ ،‬فمنهم من شكر وأخذها بحقها ‪ -‬كذي القرنني ‪ -‬إذ قال اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬فيه‪﴿ :‬إِ َّن‬
‫ض َوآتـَيـْنَاهُ ِمن ُك ِّل َش ْي ٍء َسبَباً (‪ )٨٤‬فَأَتـْبَ َع َسبَباً (‪( ﴾)٨٥‬الكهف‪،)85 ،84 :‬‬ ‫َم َّكنَّا لَهُ ِف ٱأل َْر ِ‬
‫ۤ‬
‫ومنهم من مل يأخذها بحقها كالذي قال اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬فيه‪َ ﴿ :‬وٱتْ ُل َعلَْي ِه ْم نـَبَأَ ٱلَّ ِذي آتـَيـْنَاهُ‬
‫ين﴾ (األعراف‪ .)175 :‬من هنا ن َُأ ِّص ُل أن‬ ‫ِ‬ ‫سلَ َخ ِمنـَْها فَأَتـْبـََعهُ َّ‬ ‫ِ‬
‫ٱلش ْيطَا ُن فَ َكا َن م َن ٱلْغَا ِو َ‬ ‫آيتنَا فَٱنْ َ‬
‫َ‬
‫األفعال كلها هلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وال قدرة ملخلوق أ ًّيا كان عىل فعل يشء يف الكون إال‬

‫‪ -1‬مايكل شريمر ‪ :Michael Shermer -‬أمريكي‪ ،‬ولد عام ‪ ،1954‬أستاذ االقتصاد بجامعة كالريمونت‪،‬‬
‫مهتم بالفلسفة والعلوم‪ ،‬يرأس حترير جملة ‪ Skeptic‬التي تصدرها مجعية ‪ ،Skeptics‬والتي تضم ‪55.000‬‬
‫عضو‪ ،‬وهتتم بتنقية العلم مما حييط به من ضالالت‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫بأمر اهلل ‪ ‬وبقدرة اهلل ‪ ،‬فاإلرادة هلل ‪ ‬وحده‪ ،‬والفعل هلل ‪ ‬وحده‪ ،‬حتى لو كان‬
‫صاحب الفعل هو الشيطان نفسه‪ ،‬أو كان الدجال نفسه‪ .‬انظر أهيا القارئ إىل إبليس عندما‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ال فَبِ ِع َّزت َ‬
‫أخذ عىل نفسه عهدً ا بإغواء بني آدم حتى خيرجهم عن عبادة اهلل ‪ -‬تعاىل ‪﴿ :-‬قَ َ‬
‫ني﴾ (سورة ص‪ )82 :‬فإبليس يعلم متام العلم أن ال قدرة له عىل الفعل‪ ،‬وأنه‬ ‫َألُ ْغ ِويـنـَّهم أ ْ ِ‬
‫َجَع َ‬ ‫َ ُْ‬
‫استعان بعزة اهلل ‪ ‬حتى ينفذ العهد الذي قطعه عىل نفسه بإغواء البرشية‪ ،‬وقبل هذا‬
‫طلب إبليس اإلذن من اهلل أن يقوم هبذا‪ ،‬فهو يعلم أنه ال قدرة له عىل أي يشء إال بإذن اهلل‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ۤ ِ‬
‫ال‬‫يس قَ َ‬ ‫س َج ُدواْ إالَّ إبْل َ‬ ‫ٱس ُج ُدواْ ل َد َم فَ َ‬ ‫‪-‬تعاىل‪ ،-‬اقرأ قول اهلل ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬وإِ ْذ قـُلْنَا لل َْمالئِ َكة ْ‬
‫ت َعلَ َّى لَئِ ْن أَخ َّْرتَ ِن إِ َ ٰل يـَْوِم ٱل ِْقيَ َام ِة‬ ‫ك َهـٰ َذا ٱلَّ ِذى َك َّرْم َ‬ ‫ت ِطيناً (‪ )٦١‬قَ َ‬
‫ال أ ََرأَيـْتَ َ‬ ‫َس ُج ُد لِ َم ْن َخلَ ْق َ‬
‫أَأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ال ٱ ْذهب فَمن تَبِع َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أل ْ ِ‬
‫اء َّم ْوفُوراً‬ ‫َّم َج َزآ ُؤُك ْم َج َز ً‬ ‫ك منـْ ُه ْم فَإ َّن َج َهن َ‬ ‫َحتَن َك َّن ذُ ِّريـَّتَهُ إِالَّ قَليالً (‪ )٦٢‬قَ َ َ ْ َ َ‬
‫ك َوَرِجلِ َ‬ ‫ب َعلَْي ِهم ِبَْيلِ َ‬ ‫ك وأ ِ‬ ‫(‪ )٦٣‬وٱستـ ْف ِزْز م ِن ٱستطَع َ ِ‬
‫ك َو َشا ِرْك ُه ْم ِف ٱأل َْم َو ِال‬ ‫َجل ْ‬‫ص ْوتِ َ َ ْ‬ ‫ت منـْ ُه ْم بِ َ‬ ‫َ ْ َ َ َْ ْ‬
‫ٱلش ْيطَا ُن إِالَّ غُ ُروراً (‪( ﴾)٦٤‬اإلرساء‪.)64 :61 :‬‬ ‫الد َو ِع ْد ُه ْم َوَما يَ ِع ُد ُه ُم َّ‬
‫وٱألَو ِ‬
‫َ ْ‬
‫ص عباده الصاحلني؛ فإبليس فتنة‪ ،‬والدجال‬ ‫إ ًذا هي فتنة يريد اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هبا أن ُي َم ِّح َ‬
‫فتنة‪ ،‬أعاذنا اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬منهام بقدرته وبفضله ورمحته‪.‬‬
‫ولو تأملنا أفعال الدجال وصنائعه لوجدناها كلها حماوالت ملضاهاة أفعال اهلل ‪ ،‬بإذن‬
‫من اهلل‪ ،‬كأن يأمر السامء فتمطر‪ ،‬وأن يأمر األرض فتنبت‪ ،‬حتى يصل به احلال إىل أن يدعي‬
‫األلوهية‪ ،‬ويأمر الناس بالسجود له‪ .‬ففي رواية سمرة بن جندب أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫ص‬ ‫الش َم ِل َع َل ْي َها َظ َف َر ٌة َغلي َظ ٌة َوإِ َّن ُه ُي ْ ِب ُئ األَك َْم َه َواألَ ْب َر َ‬ ‫ي ِّ‬ ‫ار ٌج َو ُه َو َأ ْع َو ُر َع ْ ِ‬‫«إِ َّن الدَّ َّج َال َخ ِ‬
‫ِ‬ ‫اس َأنَا َر ُّبك ُْم َف َم ْن َق َال َأن َ‬ ‫ول لِلنَّ ِ‬ ‫ي ِيي ا ْل ْوتَى َو َي ُق ُ‬
‫ب اهللُ َحتَّى‬ ‫ْت َر ِّب َف َقدْ ُفت َن َو َم ْن َق َال َر ِّ َ‬ ‫َو ُ ْ‬
‫ض َما َشا َء اهللُ ُث َّم َ ِ‬ ‫اب َف َي ْل َب ُث ِف األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫يى ُء‬ ‫وت َف َقدْ ُعص َم م ْن ف ْتنَته َوالَ ف ْتنَ َة َع َل ْيه َوالَ َع َذ َ‬ ‫َي ُم َ‬
‫ب ُم َصدِّ ًقا بِ ُم َح َّم ٍد َو َع َل ِم َّلتِ ِه َف َي ْقت ُُل الدَّ َّج َال‬ ‫ال ُم‪ِ -‬م ْن ِق َب ِل ا ْل ْغ ِر ِ‬ ‫الس َ‬ ‫يسى ا ْب ُن َم ْر َي َم ‪َ -‬ع َل ْي ِه َم َّ‬‫ع َ‬
‫ِ‬

‫السا َع ِة»(((‪.‬‬ ‫ِ‬


‫ُث َّم إِ َنَّم ُه َو ق َيا ُم َّ‬
‫‪ -1‬مسند اإلمام أمحد «أول مسند البرصيني» ومن حديث سمرة بن جندب عن النبي ﷺ ‪ -‬املعجم الكبري‬
‫للطرباين‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫ومن األفعال والصنائع التي يتخذها الدجال ملضاهاة أفعال الربوبية أن يصنع وصلة بينه‬
‫وبني اخللق حماولة منه ملضاهاة الصلة الربانية التي أودعها اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بني اإلنسان وعامل‬
‫أول عىل تلك الصلة الغيبية‪:‬‬‫امللكوت‪ .‬ولنتعرف ً‬
‫الصلة بني اخللق وعامل امللكوت‪ :‬هي ذلك النور الذي يربط النفس والروح بعامل‬
‫امللكوت‪ ،‬ذلك النور الذي يتعرف العبد به عىل ربه ‪ ،‬إنه نور اإليامن يف قلب العبد‪،‬‬
‫ينري اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬هبا بصريته‪ ،‬وهيديه إىل الرصاط املستقيم‪ ،‬ونور اإليامن يشء غيبي ال نعلم‬
‫عنه شيئًا إال اسمه‪ ،‬ويظل هذا النور يف قلب العبد‪ ،‬فريى بنور اهلل ‪ ،‬وهيديه اهلل ‪‬‬
‫ألفضل األعامل واألقوال‪ ،‬ويثبت اهلل به العبد يف مجيع مراحل وجوده (احلياة الدنيا والربزخ‬
‫واآلخرة)‪(((:‬‬

‫ورحم اهلل صاحب «احلكم العطائية»‪ ،‬إذ حتدث عن مستودع النور يف القلوب وعن مدده‪:‬‬
‫«نور مستودع يف القلوب‪ ،‬مدده من النور الوارد من خزائن الغيوب»‪.‬‬
‫هذه احلكمة من احلكم العطائية لسيدي ابن عطاء اهلل السكندري(((‪ ،‬وهي يف حقيقتها‬
‫حتمل من العلوم ما ال تسعه املجلدات‪ ،‬وقد خلص فيها سيدنا ابن عطاء اهلل أنوار عامل‬
‫امللكوت وأصلها وممددها ومستودعها‪ ،‬ومن الرشوح التي ُخطت يف رشح احلكم العطائية‬
‫رشح فضيلة اإلمام الشهيد البوطي(((؛ إذ يقول يف ذلك‪( :‬مراد ابن عطاء اهلل بالنور يف تلك‬

‫‪ -1‬سورة إبراهيم‪.27 :‬‬


‫‪ -2‬ابن عطاء اهلل السكندري ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬هو تاج الدين أبو الفضل أمحد بن حممد بن عبد الكريم بن عطاء اهلل‬
‫اجلذامي املالكي مذه ًبا‪ .‬وفد أجداده إىل مرص بعد الفتح اإلسالمي واستقروا يف مدينة اإلسكندرية حيث‬
‫ولد فيها حوايل سنة ‪ 658‬هجرية‪ .‬وله تصانيف عديدة‪ ،‬ومات يف نصف مجادى اآلخر سنة ‪ 709‬باملدرسة‬
‫املنصورية‪ ،‬وكانت جنازته حافلة ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ .-‬قال عنه الذهبي‪ :‬كان له جاللة عجيبة ووقع يف النفوس‬
‫معظم لوعظه وإشارته‪ ،‬وكان‬‫ً‬ ‫َ‬
‫الشيخ تاج الدين الفارقي ملا رجع من مرص‬ ‫ورأيت‬
‫ُ‬ ‫ومشاركة يف الفضائل‪،‬‬
‫يتكلم باجلامع األزهر فوق كريس بكالم يروح النفوس‪ ،‬ومزج كالم القوم بآثار السلف وفنون العلم‪ ،‬فكثر‬
‫سيم اخلري ‪ ...‬اهـ‪.‬‬
‫أتباعه وكانت عليه ً‬
‫‪ -3‬حممد سعيد رمضان البوطي‪ 1434 - 1347( :‬هـ ‪ 2013 - 1929 /‬م) عامل سوري متخصص يف العلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومن املرجعيات الدينية املهمة عىل مستوى العامل اإلسالمي‪ .‬حظي باحرتام كبري من ِق َبل‬
‫العديد من كبار العلامء يف العامل اإلسالمي‪ ،‬واختارته جائزة ديب الدولية للقرآن الكريم يف دورهتا الثامنة=‬

‫‪215‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫يشع من القلب‪ ،‬بفضل جتليات الروح‪ ،‬فيكشف له عن صفات الربوبية‪،‬‬


‫احلكمة‪ ،‬ذاك الذي ّ‬
‫ورسعان ما توجه هذه الصفات كوامن احلب واملهابة واإلجالل إىل ذاته العلية)‪.‬‬
‫يشع يف القلب‪ ،‬فيرتك فيه هذه‬
‫ثم إنه هنا يستدرك‪ ،‬ليقسم النور يف أصله إىل ذاك الذي ُ‬
‫اآلثار‪ ،‬وإىل نور استودعه اهلل يف األبصار؛ به يكشف العبد آثار الربوبية املتمثلة يف مكوناته‪،‬‬
‫والظاهرة يف بديع صنعه‪ ،‬ويعود كل من النورين‪ ،‬نور البصائر ونور األبصار‪ ،‬إىل مصدر‬
‫واحد‪ ،‬هو اهلل ‪ ،‬فهو الذي متعك من نوره بام يرشك عىل القلب‪ ،‬وأسند إليه وظيفته‪،‬‬
‫يشع ويؤدي عمله يف العيون‪ ،‬وأسند إليه وظيفة أخرى‪ ،‬وكال النورين‬ ‫وأكرمك من نوره بام ّ‬
‫ض﴾ (النور‪.)35 :‬‬ ‫ٱلسماو ِ‬
‫ات َوٱأل َْر ِ‬ ‫مشمول بقول اهلل ‪-‬تعاىل‪َّ ﴿ :-‬‬
‫ور َّ َ َ‬‫ٱللُ نُ ُ‬
‫ات‬‫ونحن نؤمن أن ال نور إال من اهلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬وال هدايه إال من اهلل ‪﴿ :‬أَو َكظُلُم ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِِ‬ ‫شاه موج ِمن فـوقِ ِه مو ِ‬ ‫ِ‬
‫ض إِ َذآ أَ ْخ َر َج‬ ‫ض َها فـَْو َق بـَْع ٍ‬
‫ات بـَْع ُ‬
‫اب ظُلُ َم ٌ‬ ‫ِف َْب ٍر ُّلّ ٍّي يـَغْ َ ُ َ ْ ٌ ّ َْ َ ْ ٌ‬
‫ج ّمن فـَْوقه َس َح ٌ‬
‫ٱللُ لَهُ نُوراً فَ َما لَهُ ِمن نُوٍر﴾‪( .‬النور‪)40 :‬‬ ‫يَ َدهُ َلْ يَ َك ْد يـََر َاها َوَمن َّلْ َْي َع ِل َّ‬
‫وبالطبع ليس هناك ثمة صلة بني اإلنسان والشيطان أو الدجال‪ ،‬فليس هناك نور أو‬
‫ظلمة منهام يف قلب العبد‪ ،‬وال يف أي مكان آخر من جسمه‪ ،‬ومن َث َّم فال والية للشيطان‬
‫عىل اإلنسان‪ ،‬وال سبيل له عليه إال الدعوة فقط للمعصية أو تزيني األشياء بطريقة جتذب‬
‫اإلنسان هلا وتكون بداخلها املعصية‪ .‬اقرأ قول اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬عىل لسان إبليس ملا ُقيض األمر‬
‫ال َّ‬
‫ٱلش ْيطَا ُن ل ََّما‬ ‫يوم القيامة واعرتف إبليس ملن اتبعه أنه مل يكن له أي سلطان عليهم‪َ ﴿ :‬وقَ َ‬
‫ان إِالَّ أَن‬‫ٱلل و َع َد ُكم و ْع َد ٱ ْل ِّق وو َعدتُّ ُكم فَأَ ْخلَ ْفتُ ُكم وما َكا َن ِل َعلَْي ُكم ِمن س ْلطَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫قُض َى ٱأل َْم ُر إِ َّن ََّ َ ْ َ‬
‫ص ِرِخ َّى إِِّن َك َف ْر ُ‬ ‫ون ولُوم ۤواْ أَن ُفس ُكم َّمآ أ ََنْ ِبُ ِ‬
‫ت‬ ‫ص ِرخ ُك ْم َوَمآ أَنتُ ْم ِبُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫وم ِ َ ُ‬ ‫ٱستَ َجبـْتُ ْم ِل فَالَ تـَلُ ُ‬
‫َد َع ْوتُ ُك ْم فَ ْ‬
‫حتقيق العلامء وشهر َة األعالم‪،‬‬
‫َ‬ ‫=عام ‪ 2004‬ليكون «شخصية العامل اإلسالمي»‪ ،‬باعتباره «شخصي ًة مجعت‬
‫موسوعي»‪ ،‬واختاره املركز اإلسالمي امللكي للدراسات االسرتاتيجية يف األردن يف املركز‬
‫ّ‬ ‫وصاحب ٍ‬
‫فكر‬ ‫َ‬
‫تأثريا يف العامل لعام ‪ ،2012‬ترك البوطي أكثر من ستني كتا ًبا‬
‫‪ 27‬ضمن قائمة أكثر ‪ 500‬شخصية إسالمية ً‬
‫كبري‬
‫أثر ٌ‬ ‫يف علوم الرشيعة‪ ،‬واآلداب‪ ،‬والتصوف‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬واالجتامع‪ ،‬ومشكالت احلضارة‪ ،‬كان هلا ٌ‬
‫عىل مستوى العامل اإلسالمي‪ ،‬وقد ا ْغتِ َيل يف املسجد ملنارصته احلق يف سوريا‪ ،‬وبذلك يصبح سيدنا اإلمام‬
‫البوطي هو شهيد املحراب‪ ،‬رحم اهلل عاملنا ورزقنا الشهادة يف سبيله‪ ،‬آمني‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫يم﴾ (إبراهيم‪ .)22 :‬ويف عرصنا احلديث هذا‬‫ون ِمن قـبل إِ َّن ٱلظَّالِ ِمني َلم َع َذ ِ‬
‫ِبَآ أَ ْشرْكتُم ِ‬
‫اب أَل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫يتخذ الشيطان ووليه الدجال تكنولوجيا العرص ليدعو هبا اإلنسان ويغريه هبا ليخرج به عن‬
‫منفعتها إىل معصية اهلل ‪.‬‬
‫ومن َث َّم فإذا أراد إبليس أن ُيضل بعض الناس ‪ -‬أفرا ًدا كانوا أو مجاعات ‪ -‬استخدم‬
‫«الضوء» الذي منحه اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬جلميع اخللق لكي ُييضء هلم طر ًقا ليسريوا فيها‪ ،‬يكون‬
‫ظاهرها فيه النجاح أو املتعة‪ ،‬ولكن يف حقيقتها الضالل‪ ،‬وهذا الضالل ليس يف ذاهتا‪،‬‬
‫ولكنه يف استخدامها! فأجهزة الكمبيوتر واهلاتف املحمول يف أصلها ليست ضالل‪ ،‬بل‬
‫مطية الشيطان للدخول إىل اإلنسان‪.‬‬
‫فيقوم بتحويلها من ِح ِّلها إىل حرمانيتها‪ ،‬ومن َث َّم تتحول ممارستها إىل معصية‪ ،‬وإذا كانت‬
‫معصية فهي أدعى لِ َئ ْن تُذهب بنور اإليامن‪ ،‬إذ أهنا تُظلم القلب‪ ،‬وإذا استمر اإلنسان يف‬
‫الغول فيها وضع اهلل ‪-‬تعاىل‪« -‬الران» عىل القلـوب‪ ،‬وحجـب سبحانـه القلب عـن نوره‬
‫‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬حتى يتوب ويرجع إىل فطرته‪.‬‬
‫أجل؛ إىل هنا نقف عند تلك النقاط املهمة التي َأ َّص ْلنَا هلا باختصار شديد ونقول‪ :‬ملا‬
‫كان أقىص غايات الشيطان ووليه الدجال هو إخراج اخللق عن العبودية هلل ‪ ،‬وقطع‬
‫الصلة التي تربط العباد بعامل امللكوت‪ ،‬تلك الصلة التي مل ُيمكن اهلل ‪ ‬له أن خيرتقها‬
‫أو أن حياكيها‪ ،‬فال قدرة للشيطان ووليه عىل اخرتاق النور الغيبي‪ ،‬ومن َث َّم فال سبيل هلام‬
‫إال الضوء الكهرومغناطييس ملضاهاة تلك الصلة الغيبية‪ ،‬وهذا حيدث عند زراعة جزء‬
‫يف جسم اإلنسان يمكنه من التلقي واملخاطبة مع اجلسم البرشي عن طريق املوجات‬
‫الكهرومغناطيسية‪ ،‬وبذلك يكون قد صنع وصلة بينه وبني اخللق يضاهي هبا الصلة الربانية‬
‫بني اخللق وعامل امللكوت‪ ،‬وعن طريق تلك الوصلة الصناعية يتحكم يف مقدراهتم‪ ،‬كأن‬
‫يكون الطعام والرشاب عن طريقها‪ ،‬وتكون املعامالت املالية عن طريقها‪ ،‬حتى حالة‬
‫اإلنسان الصحية وقياسات جسمه احليوية ت ُْر َب ُط هبام‪ ،‬وعليه يمكن القول إن هذا اجلزء‬

‫‪217‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫حيول اإلنسان ذلك اخللق الوحيد الذي كرمه اهلل ‪ ‬بأن َأ ْس َجدَ له املالئكة إىل كائن ممسوخ‬
‫ُربطت كل مقدراته بيد إبليس والدجال‪.‬‬
‫وإىل هنا ينتهي كالمي‪ ،‬وينتهي كتايب‪ ،‬وال أملك إال أن أقول‪ :‬حفظنا اهلل من أهل الرش‪...‬‬
‫آمني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪218‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫(((‬ ‫الرجل الذي يجمع مال الدنيا ثم ال يدركه‬

‫منفصل عن فصول الكتاب الذي تناولت فيه‬ ‫ً‬ ‫يف هناية هذا الكتاب رأيت أن ُأدرج جز ًءا‬
‫متسلسل موث ًقا‪ ،‬إال أن هذا اجلزء أعتربه جز ًءا أدبيا حيمل الكثري‬
‫ً‬ ‫موضوع بحثي ً‬
‫تناول عمل ًّيا‬
‫من العرب والفوائد يف قضية كتايب‪.‬‬
‫ً‬
‫طويل له العجب‪ ،‬وأنا‬ ‫أثرا‬
‫هذا األثر أورده اإلمام السيوطي يف كتابه «الدر املنثور»؛ ً‬
‫أعتقد أن الصلة التي تربطه بموضوع كتايب ال يمكن التغافل عنها‪ ،‬كام أنني أرى أن هذا‬
‫األثر العجيب يريح صدور القراء بعد الرحلة الشاقة التي أمضوها يف قراءه هذا الكتاب‪،‬‬
‫ومعرفة جزء من اخلطط التي يدبرها الشيطان وأعوانه من أهل الرش للبرشية‪.‬‬
‫األمر اآلخر الذي جعلني أدرج هذا األثر يف هناية كتايب هو أن أستاذي األستاذ الدكتور‬
‫فاروق الدسوقي ‪-‬رمحة اهلل عليه‪ -‬أستاذ العقيدة بجامعة امللك فيصل وجامعة أم القرى‪،‬‬
‫واحلاصل عىل جائزة امللك فيصل للدراسات اإلسالمية عن كتابه «القضاء والقدر يف‬
‫اإلسالم» وهي جائزة لشخص واحد فقط عىل مستوى العامل يف جماله‪ ،‬وقد أكرم اهلل‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬هبا الدكتور فاروق الدسوقي‪ ،‬وقد أفرد الدكتور فاروق يف موسوعته الشهرية‬
‫«أرشاط الساعة» كتا ًبا ً‬
‫كامل يف هذا األثر وهو اجلزء السادس من املوسوعة وهو خيص‬
‫العالمات االقتصادية كجزء ال يتجزء من أرشاط الساعة‪ ،‬وقد رشح فيه قضية االستيالء‬
‫عىل الذهب العاملي مستشهدً ا هبذا األثر للتنبؤ بنهاية اخلديعة الكربى من مؤامرة الشيطان‪.‬‬
‫وحمور القصة هو شاب إرسائيىل جيمع أموال الناس‪ ،‬وال ُيغنيه ذلك من يشء‪ ،‬فيزيد يف‬
‫االستحواذ‪ ،‬غري أن سنه اهلل يف الكون ترسى عليه كام رست عىل من خلفه‪ ،‬وكام سترسى‬
‫عىل مجيع اخلالئق إىل أبد اآلبدين‪ُ ،‬فيحال بينه وبني ما َجع‪ ،‬غري ُمتمتع به‪ ،‬ذلك أنه من‬
‫املفسدين‪ ،‬فأنى له ذلك التمتع!‬

‫‪ -1‬راجع كتاب «أرشاط وعالمات الساعه الكربى» لألستاذ الدكتور فاروق الدسوقي ‪ -‬اجلزء السادس ‪-‬‬
‫العالمات االقتصادية‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫ِ‬
‫ي َما يَ ْشتـَُهو َن َك َما‬ ‫وقد ذكر ابن عباس ذلك األثر يف تفسري قوله تعاىل‪َ ﴿:‬وح َ‬
‫يل بـَيـْنـَُه ْم َوبـََْ‬
‫اع ِهم ِّمن قـَْب ُل إِنـَُّه ْم َكانُواْ ِف َش ٍّ‬
‫ك ُّم ِريب﴾ (سبأ‪)54 :‬‬ ‫فُ ِعل ِبَ ْشي ِ‬
‫َ َ‬
‫اتا‪ .‬أى‪ :‬فتح َّ‬
‫الل ‪َ -‬ت َع َال‪َ -‬ل ُه َم ًال‪َ ،‬ف َم َت‪َ ،‬ف َو ِر َث ُه ا ِ ْبن‬ ‫سائِيل َف ِ ً‬
‫ان َر ُجل ِم ْن َبنِي إِ ْ َ‬ ‫ال(((‪َ :‬‬
‫(ك َ‬ ‫َق َ‬
‫اص‪.‬‬‫ان َي ْع َمل ِف َمال أبيه بِاملَ َع ِ‬ ‫َل ُه َت ِاف ٌه‪َ .‬أ ْي‪َ :‬ف ِ‬
‫اسد‪َ ،‬ف َك َ‬

‫يه َأ َت ْوا ا ْل َفتَى‪َ ،‬ف َع َذ ُلو ُه َو َل ُمو ُه‪.‬‬


‫َف َلمَّ َر َأى َذلِ َك َأ َخ َوان َأبِ ِ‬

‫ت‪ .‬أي‪ :‬بامل نقدى ذهب أو فضة أو كالمها‪.‬‬ ‫اع َع َقاره بِ َص ِ‬


‫ام ٍ‬ ‫َف َض ِج َر ا ْل َفتَى؛ َف َب َ‬

‫س َح ِف َيها َماله‪ .‬أى‪ :‬أنفق فيها ماله‪َ ،‬وا ْب َتنَى‬ ‫ثجاجة‪ .‬أي‪ :‬غزيرة املاء‪َ ،‬ف َ َّ‬ ‫ُث َّم َر َح َل‪َ ،‬ف َأ َتى َع ْينًا َّ‬
‫صا‪َ ،‬ف َب ْين ََم ُه َو َذات َي ْوم َجالِس‪ ،‬إِ ْذ َش َم َل ْت َع َل ْي ِه‪ .‬أي‪ :‬هفهفت عليه ِريح بِا ْم َر َأ ٍة ِم ْن َأ ْح َسن‬ ‫َق ْ ً‬
‫بهم َأ ْر ًجا‪َ .‬أ ْي ِر ً‬
‫حيا‪َ ،‬ف َقا َل ْت َم ْن َأن َْت َيا َع ْبد اللَّ ؟‬ ‫َ‬
‫ال َّنساء َو ْج ًها َوأ ْط َي ْ‬
‫ال‪َ :‬أ َنا ا ِ ْم ُر ٌؤ‪ .‬أي‪ :‬رجل‪ِ ،‬م ْن َبنِي إِ ْ َ‬
‫سائِيل‪َ .‬قا َل ْت َف َلك َه َذا ا ْل َق ْص َو َه َذا املَال؟ َف َق َ‬
‫ال َن َع ْم‪.‬‬ ‫َف َق َ‬
‫ال َل ‪َ .‬قا َل ْت َف َك ْيف َ ْينِيك ا ْل َع ْيش‪ .‬أي‪:‬كيف تستمتع بعيش‪،‬‬
‫َقا َل ْت‪َ :‬ف َه ْل َلك ِم ْن َز ْو َجة؟ َق َ‬
‫َو َل َز ْو َجة َلك؟‬
‫ان َذ َ‬
‫اك‪ .‬أي‪ :‬هذا هو احلاصل‪.‬‬ ‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬قدْ َك َ‬
‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬ف َه ْل َلك ِم ْن َب ْعل؟ أي‪ :‬زوج‪.‬‬

‫َق َال ْت‪َ :‬ل‪.‬‬

‫ال‪َ :‬ف َه ْل َلك إِ َل َأ ْن َأ َتزَ َّوجك؟‬


‫َق َ‬

‫ان َغد َفتَزَ َّو ْد َزا َد َي ْوم َوائْتِنِي‪َ ،‬وإِ ْن َر َأ ْيت ِف‬ ‫َقا َل ْت‪ :‬إِ ِّن ا ِ ْم َر َأة ِم ْنك َع َل َم ِس َ‬
‫رية ِميل‪َ ،‬فإِ َذا َك َ‬

‫الر ِّق ّي ْبن ُق َط ِام ّي َع ْن‬ ‫الش ِام ّي َحدَّ َثتَا َع ِل ْبن َمن ُْصور ْالَ ْن َب ِ‬
‫ار ّي َع ْن َّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َيى َحدَّ َثنَا بِ ْش ْبن ُح ْجر َّ‬‫‪َ -1‬حدَّ َثنَا ُم َ َّمد ْبن َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«وح َيل َب ْي ْ‬
‫نهم َو َب ْي‬ ‫ض اللَّ َعن ُْه َم‪ -‬ف َق ْول اللَّ ‪َ -‬ع َّز َو َج َّل‪َ :-‬‬ ‫‪-‬ر َ‬ ‫َسعيد ْبن َط ِريف َع ْن عكْر َمة َع ْن ا ْبن َع َّباس َ‬
‫ِ‬
‫آخر ْال َية‪.‬‬‫ون» إِ َل ِ‬
‫َما َي ْشت َُه َ‬

‫‪220‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫َط ِريقك َه ْو ًل‪ .‬أي‪ :‬أمورا مفزعة‪َ ،‬ف َل َ ُيو َلـ َّن َك‪ .‬أي‪ :‬فال تفزع‪ ،‬فإنه ال بأس عليك‪ .‬أي‪ :‬فلن‬
‫رضرا أو أذى‪.‬‬
‫ً‬ ‫يصيبك منها‬

‫اب ِم ْن‬
‫ان ِم ْن ا ْل َغد َتزَ َّو َد َزا َد َي ْوم‪َ ،‬وان َْط َلقَ َفا ْنت ََهى إِ َل َق ْص َف َق َر َع بابه َف َخ َر َج إِ َل ْي ِه َش ّ‬
‫َف َلمَّ َك َ‬
‫ال‪َ :‬م ْن َأن َْت َيا َع ْبد اللَّ ؟‬ ‫بهم َأ ْر ًجا‪َ .‬أ ْي ِر ً‬
‫حيا‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َ‬
‫أ ْح َسن ال َّناس َو ْج ًها َوأ ْط َي ْ‬
‫َ‬

‫سائِ ِ ّ‬
‫يل‪.‬‬ ‫ال‪َ :‬أ َنا ْ ِ‬
‫ال ْ َ‬ ‫َف َق َ‬
‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬ف َم َح َ‬
‫اجتك؟‬

‫اح َبة َه َذا ا ْل َق ْص إِ َل َن ْف َ‬


‫سها‪.‬‬ ‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬د َع ْتنِي َص ِ‬

‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬صدَ ْقت‪.‬‬
‫ال‪َ :‬ف َه ْل َر َأ ْيت ِف َّ‬
‫الط ِريق َه ْو ًل؟‬ ‫َق َ‬

‫ل َ َلا َلنِي ا َّل ِذي َر َأ ْيت‪.‬‬


‫بتْنِي َأ ْن َل َب ْأس َع َ َّ‬
‫ال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬و َل ْو َل َأنَّ َ ا َأ ْخ َ َ‬
‫َق َ‬

‫ال‪َ :‬ما َر َأ ْيت؟‬


‫َق َ‬
‫السبِيل‪ .‬أي‪ :‬الطريق‪ ،‬إِ َذا َأ َنا بِ َك ْل َب ٍة َف ِ َ‬
‫اتة َف َ‬
‫اها‪ .‬أي‪ :‬فمها‪،‬‬ ‫َق َ َ‬
‫ال‪ :‬أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬
‫وها َينحر عىل صدرها!‬ ‫َف َف ِز ْعت‪َ ،‬ف َو َث ْبت‪َ ،‬فإِ َذا َأ َنا ِم ْن َو َرائِ َها‪َ ،‬وإِ َذا ِج َر َ‬
‫الز َمان‪ُ ،‬ي َق ِ‬
‫اعد ا ْل ُغ َلم ْالَشْ َي َخة فيغلبهم‬ ‫اب‪َ :‬ل ْست ُتدْ ِرك َه َذا‪َ ،‬ه َذا َي ُكون ِف ِ‬
‫آخر َّ‬ ‫الش ّ‬ ‫َف َق َ‬
‫ال َل ُه َّ‬
‫س ُه ْم َح ِديثه‪.‬‬ ‫عىل َم ِْل ْ‬
‫سهم‪َ ،‬و َي ُ ّ‬
‫السبِيل إِ َذا َأ َنا بِ ِم َئ ِة َع ْنز ُح ْفل‪ .‬أي‪ :‬رضوعها مملوءة‬ ‫َ‬
‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬ ‫َق َ‬
‫مجيعا‪َ .‬و َظ َّن َأ َّن ُه َ ْل َي ْ ُ‬
‫تك َش ْيئًا‬ ‫باللبن‪َ ،‬وإِ َذا ِف َيها َجدْ ي َي ُم ّص َها َفإِ َذا َأ َتى َع َل ْي َها‪ .‬أي‪ :‬انتهي منها ً‬
‫َفت ََح َفا ُه َي ْلت َِمس الزِّ َيا َدة‪.‬‬
‫هم‪ .‬أي‪:‬‬ ‫امت ال َّناس ُك ّل ْ‬ ‫الز َمان َم ِلك َي َْمع َص ِ‬ ‫آخر َّ‬ ‫َف َق َ‬
‫ال‪َ :‬ل ْست ُتدْ ِرك َه َذا‪َ .‬ه َذا َي ُكون ِف ِ‬
‫أموال الناس النقدية الذهب والفضة‪َ ،‬ح َّتى إِ َذا َظ َّن َأ َّن ُه َ ْل َي ْ ُ‬
‫تك َش ْيئًا َفت ََح َفا ُه َي ْلت َِمس الزِّ َيا َدة‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫السبِيل‪ ،‬إِ َذا َأ َنا بِ َش َج ٍر َف َأ ْع َج َبنِي ُغ ْصن ِم ْن َش َج َر ٍة ِم ْن َها‬ ‫َ‬


‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬‫َق َ‬
‫جع‪:‬‬ ‫الش َجر َأ ْ َ‬ ‫اضة‪َ ،‬ف َأ َر ْدت ِق ْط َعة َفنَا َدتْنِي َش َج َرة ُأ ْخ َرى‪َ ،‬يا َع ْبد َّ‬
‫الل‪ِ :‬منِّي َف ُخ ْذ!! َح َّتى َنا َد ِان َّ‬ ‫َن ِ َ‬
‫الل‪ِ :‬منا َف ُخ ْذ!!‬ ‫َيا َع ْبد َّ‬

‫الز َمان‪َ ،‬ي ِق ّل ِّ‬


‫الر َجال َو َي ْك ُثر الن َِّساء‪َ ،‬ح َّتى إِ َّن‬ ‫آخر َّ‬ ‫ال‪َ :‬ل ْست ُتدْ ِرك َه َذا‪َ .‬ه َذا َي ُكون ِف ِ‬ ‫َف َق َ‬
‫سهن‪.‬‬‫ون إِ َل َأن ُْف َّ‬
‫ش َ‬‫الر ُجل َل َي ْخ ُطب ْال ْر َأة َفتَدْ ُعو ُه ا ْل َع ْش َوا ْل ِع ْ ُ‬
‫َّ‬
‫السبِيل‪َ ،‬فإِ َذا َأ َنا بِ َر ُجلٍ َقائِم َع َل َع ْي َيغْ ِرف لِ ُك ِّل إِن َْسان‬ ‫َ‬ ‫َق َ‬
‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬
‫ِم ْن ْالاء َفإِ َذا َت َصدَّ ُعوا َع ْن ُه‪ .‬أي‪ :‬رحلوا عنه أخذ حاجتهم من املاء‪َ ،‬ص َّب ِف َج َّرته‪َ ،‬ف َل ْم َت ْع َلق‬
‫َج َّرته ِم ْن ْالاء بِ َ ْ‬
‫ش ٍء‪.‬‬

‫الز َمان ا ْلعامل ُي َع ِّلم ال َّناس ا ْل ِع ْلم ُث َّم ُ َيالِ ُ‬


‫فه ْم إِ َل‬ ‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬ل ْست ُتدْ ِرك َه َذا‪َ .‬ه َذا َي ُكون ِف ِ‬
‫آخر َّ‬
‫اص اللَّ ‪َ -‬ت َع َال‪.-‬‬ ‫َم َع ِ‬
‫السبِيل إِ َذا َأ َنا بِ َع ْن ٍز‪ .‬أي‪ :‬ماعز‪َ ،‬وإِ َذا بِ َق ْو ٍم َقدْ َأ َخ ُذوا‬ ‫َ‬
‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬ ‫َق َ‬
‫اكب َقدْ‬ ‫بِ َق َوائِ ِم َها‪ .‬أي‪ :‬أرجلها‪َ ،‬وإِ َذا َر ُجل َقدْ َأ َخ َذ بِ َق ْر َن ْي َها‪َ ،‬وإِ َذا َر ُجل َقدْ َأ َخ َذ بِ َذ َنبِ َها‪َ ،‬وإِ َذا َر ِ‬
‫َر ِك َب َها‪َ ،‬وإِ َذا َر ُجل َ ْيت َِل َبها‪.‬‬
‫ليتها‪ .‬يعنى‪ :‬أهنم‬ ‫ون ِم ْن َع َ‬ ‫ين َأ َخ ُذوا بِ َق َوائِ ِم َها َيت ََسا َق ُط َ‬
‫ال‪َ :‬أ َّما ا ْل َع ْنز َف ِه َي الدُّ ْن َيا‪َ ،‬و َا َّل ِذ َ‬
‫َف َق َ‬
‫شها َضي ًقا‪َ ،‬و َأ َّما ا َّل ِذي َأ َخ َذ بِ َذ َنبِ َها‬‫سفلة الناس‪َ ،‬و َأ َّما ا َّل ِذي َقدْ َأ َخ َذ بِ َق ْر َن ْي َها َف ُه َو ُي َعالِج ِم ْن َع ْي َ‬
‫َف َقدْ َأ ْد َب َر ْت َع ْن ُه‪َ ،‬و َأ َّما ا َّل ِذي َر ِك َب َها َف َقدْ َت َر َك َها‪َ ،‬و َأ َّما ا َّل ِذي َ ْي ُل َبها َف َب ٍخ َب ٍخ‪ .‬يعنى‪ :‬تعبري عن الفرح‬
‫والسعادة‪َ .‬ذ َه َب َذلِ َك ِ َبا‪ .‬أي‪ :‬فاز هبا‪.‬‬
‫السبِيل‪ ،‬إِ َذا َأ َنا بِ َر ُجلٍ َي ْميح(((‪ .‬أي‪ :‬يغرتف بيده‪َ ،‬ع َل‬ ‫َ‬
‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬ ‫َق َ‬
‫اج ًعا إِ َل ا ْل َق ِليب‪.‬‬
‫اب ْالاء َر ِ‬
‫ال ْوض‪َ ،‬فان َْس َ‬ ‫َق ِليب(((‪ .‬أي‪ :‬البئر‪ُ ،‬كل ََّم َأ ْخ َر َج َد ْلوه َص َّب ُه ِف ْ َ‬

‫‪ -1‬ماء يميح‪ :‬انحدر يف الركن فمأل الدلو‪.‬‬


‫أرضا فلام حفرت‬
‫‪ -2‬القليب‪ :‬البئر قبل أن تطوى وسميت قليب ألهنا كاليشء يقلب من جهة إىل جهة‪ ،‬وكانت ً‬
‫صار تراهبا كأنه ُقلب‪ .‬فكل تراب خارج من باطن األرض فهو قليب‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫َق َ‬
‫ال‪َ :‬ه َذا َر ُجل َر َّد اللَّ َع َل ْي ِه َصالِح َع َمله‪َ ،‬ف َل ْم َي ْق َب ُ‬
‫له‪.‬‬

‫السبِيل إِ َذا َأ َنا بِ َر ُجلٍ َي ْب ُذر َب ْذ ًرا َف َي ْست َْح ِصد‪َ ،‬فإِ َذا ِح ْن َطة‬ ‫َ‬ ‫َق َ‬
‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬
‫َط ِّي َبة‪.‬‬

‫ال‪َ :‬ه َذا َر ُجل َقبِ َل اللَّ َصالِح َع َمله َو َأزْ َكا ُه َل ُه ‪.‬‬
‫َق َ‬

‫السبِيل إِ َذا َأ َنا بِ َر ُجلٍ ُم ْس َت ْل ٍق َع َل َق َفا ُه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َق َ‬


‫ال‪ُ :‬ث َّم أ ْق َب ْلت َح َّتى إِ َذا ا ِ ْن َف َر َج ِب َّ‬
‫ال‪َ :‬يا َع ْبد اللَّ ُا ْد ُن ِمنِّي َف ُخ ْذ بِ َي ِدي َو َأ ْق ِعدْ ِن‪َ ،‬ف َو َاللَّ ِ َما َق َعدْ ت ُم ْن ُذ َخ َل َقنِي اللَّ ‪َ -‬ت َع َال‪-‬‬ ‫َق َ‬
‫َف َأ َخ ْذت بِ َي ِد ِه َف َق َام َي ْس َعى َح َّتى َما َأ َرا ُه‪.‬‬
‫ال َل ُه ا ْل َفتَى‪ :‬هَ َذا ُع ُمرك ْ َ‬
‫ال ْب َعد َن ِف َد‪َ ،‬و َأ َنا َم َلك ْال ْوت َو َأ َنا ْال ْر َأة ا َّلتِي َأ َت ْتك‪َ ،‬أ َم َر ِن اللَّ‬ ‫َف َق َ‬
‫ض َر ْوحك ْ َ‬
‫ال ْب َعد ِف َه َذا ْال َكان ُث َّم ُأ َص ِّي ُه إِ َل َنار َج َه َّنم‪.‬‬ ‫‪َ -‬ت َع َال‪ -‬بِ َق ْب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫((( ِ ِ‬
‫ي َما يَ ْشتـَُهو َن﴾ (سبأ‪.)54 :‬‬ ‫َق َال ‪َ :‬ففيه ن ََز َل ْت َهذه ال َية ﴿ َوح َ‬
‫يل بـَيـْنـَُه ْم َوبـََ ْ‬
‫هذه القصة الرمزية هي إسقاط عىل أحداث آخر الزمان‪ ،‬والتي نعيشها اآلن‪ ،‬واألمارات‬
‫الواردة يف هذه الرواية هي أمارات اإلفساد األخري لبنى إرسائيل‪ ،‬والشاب اإلرسائيىل الذي‬
‫كان هو حمور األحداث هو املسيح الدجال بال شك‪ ،‬وهو ملك اليهود املنتظر‪ ،‬وهو اجلدي‬
‫الذي امتص الرضوع املمتلئة ملائة عنزة وطلب املزيد‪ ،‬حيث إنه مجع أموال الناس بام خططه‬
‫لليهود لكي يقوموا باستحواذ الذهب املوجود يف العامل ‪-‬كام رشحنا آنفا‪ -‬ثم إنه ال يكتفى‬
‫بذلك بل يطلب الزيادة حيث إنه فتح فاه يلتمس املزيد‪.‬‬
‫وإذا ما طابقنا قصة هذا الشاب اإلرسائييل يف هذه القصة الرمزية بام حيدث اآلن عىل‬
‫أرض الواقع وما نراه جمسدً ا يكاد ُيرب عن نفسه‪ ،‬وسنستنبط بعض النقاط املهمة يف بحثنا‪،‬‬
‫وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪1 -‬إن هذا الشاب اإلرسائييل قد باع ما ورثه عن أبيه‪ ،‬وأن هذا االبن هو ابن فاسد‪ ،‬ملا‬

‫‪ -1‬القائل هو سيدنا عبد اهلل بن عباس ‪-‬رىض اهلل عنه‪ -‬وأرضاه‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫كان يفعله يف مال أبيه من املعايص‪ ،‬وبعد ذلك باع االبن الفاسد هذا املرياث ب َع َر ٍ‬
‫ض‬
‫قليل من متاع الدنيا ورحل‪ ،‬وهذا إسقاط عىل ما فعله كفرة بني إرسائيل من بيع‬
‫ض قليل من الدنيا‪ ،‬ويف بيعهم خسارة كبرية‪﴿ .‬أََلْ‬ ‫الكتاب واحلكمة من التوراة ب َع َر ٍ‬
‫ٱلضالَلَةَ وي ِري ُدو َن أَن تَ ِ‬
‫ضلُّواْ َّ ِ‬ ‫صيباً ِمن ٱل ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يل (‪)٤٤‬‬‫ٱلسب َ‬ ‫اب يَ ْشتـَُرو َن َّ َ ُ‬ ‫ْكتَ ِ‬ ‫ين أُوتُواْ نَ ّ َ‬ ‫تـََر إِ َل ٱلذ َ‬
‫صرياً (‪( ﴾)٤٥‬النساء‪)45 ،44 :‬‬ ‫ٱلل ولِياً وَك َف ٰى بِ َِّ‬
‫ٱلل نَ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ٱللُ أَ ْعلَ ُم بَ ْع َدائ ُك ْم َوَك َف ٰى ب َّ َ ّ َ‬
‫َو َّ‬
‫ وما فعل كفرة بني إرسائيل هذا إال لتحقيق حلمهم بحكم العامل من القدس ومن‬
‫اهليكل املزعوم‪.‬‬
‫‪2 -‬املرأة التي ظهرت له وسارع يف الوصول إليها لغرض يف نفسه‪ ،‬هي الدنيا‪ ،‬والتي‬
‫تنقلب عليه يف هناية رحلته‪ ،‬ومعنى املوت قبل إمتام الزواج من تلك الفتاة هو عدم‬
‫حتقيق احللم‪ ،‬وأن ملك املوت هو نفسه تلك املرأة أن موته سيكون من جراء فعله‬
‫وإقباله عىل الدنيا وبيع الكتاب‪ ،‬وهذا إسقاط يف الواقع عىل أن الدمار سيحول‬
‫بني بني إرسائيل ومتام خمططتهم الذي يسعون إليه حلكم األرض من القدس ومن‬
‫اهليكل‪ ،‬وسيكون هذا الدمار عليهم كنتيجة متوقعة ألفعاهلم التي باعوا هبا الكتاب‬
‫بعرض زائف من الدنيا‪.‬‬
‫‪3 -‬باملطابقة نستنبط أن كل ما رآه الشاب اإلرسائييل يف طريقه ‪-‬وهو ذاهب إىل الفتاة‪-‬‬
‫هي العالمات التي تقع يف هذا الوقت‪ ،‬ويدل وقوعها عىل اقرتاب النهاية هلذا‬
‫املخطط‪ ،‬لذلك نجد اللفظ الذي ورد يف القصة «لست تدرك هذا‪ ،‬هذا يكون يف‬
‫آخر الزمان»‪ .‬فعىل سبيل املثال جاء يف القصة‪ ،‬الكلبة التي كانت فاحتة فمها‪ ،‬ومن‬
‫ورائها جروها ينحر عىل صدرها‪ ،‬وقد فرسها له َم ْن كان يف استقباله بأنه يف آخر‬
‫الزمان يقاعد الغالم املشيخة فيغلبهم عىل جمالسهم ويأرسهم حديثهم‪ ،‬وهذا نراه‬
‫واضحا جل ًّيا اآلن من عدم احرتام الصغار للعلامء‪ ،‬ولتسفيههم ألقوال الكبار دون‬
‫ً‬
‫أيضا‪،‬‬
‫أدنى مراعاة للسن أو العلم؛ بل تطاول الصغار عىل علامء الدين دون علم ً‬
‫ولكن عن فراغ ال يصدر إال صوتًا كصوت األواين الفارغة‪ ،‬ويف هذا روى اإلمام‬

‫‪224‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫ف َر ُج ًل‬ ‫اف َض ْي ٌ‬ ‫«ض َ‬ ‫أمحد عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫ف َأ ْه ِل َق َال‬‫ت ا ْل َك ْل َب ُة َواللَِّ َال َأ ْن َب ُح َض ْي َ‬‫ِمن بنِى إِس ِائ َيل و ِف د ِار ِه َك ْلب ٌة ُ ِمح((( َف َقا َل ِ‬
‫َ ٌّ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َع َوى ِج َر ُاؤ َها ِف َب ْطن َها َق َال ق َيل َما َه َذا َق َال َف َأ ْو َحى اهللُ ‪َ -‬ع َّز َو َج َّل‪ -‬إِ َل َر ُج ٍل‬
‫ال َم َها»((( ويف رواية أخرى‪:‬‬ ‫اؤ َها َأ ْح َ‬ ‫ُون ِم ْن َب ْع ِدك ُْم َي ْق َه ُر ُس َف َه ُ‬
‫ِمن ُْه ْم َه َذا َم َث ُل ُأ َّم ٍة َتك ُ‬
‫«إن كلبة كانت يف بني إرسائيل تنبح‪ ،‬فضاف أهلها ضيف‪ ،‬فقالت‪ :‬ال أنبح ضيفنا‬
‫الليلة فعوى جراؤها»((( يف بطنها فأوحى اهلل إىل رجل منهم أن مثل هذه الكلبة‬
‫مثل أمة يأتون من بعدكم يستعيل سفهاؤها عىل علامئها)(((‪ ،‬وهذا يدل عىل انقالب‬
‫املوازين‪ ،‬واعتالل الثوابت اخللقية التي نشأ عليها الرجال‪ ،‬فتبدلت يف األجيال‬
‫الالحقة إىل نقائص مذمومة لن يكون من عواقبها عليهم أي خري ما داموا فيها‪ ،‬إال‬
‫أن يعود اخلارجون أدراجهم إىل الصواب واحلكمة املوروثة‪.‬‬
‫‪4 -‬وإذا ما طابقنا بني القصة وبني إرسائيل يف هناية األحداث‪ ،‬نستنبط أن هناية هذا‬
‫اإلفساد سوف تكون يف دارهم؛ أي حول املسجد األقىص كام كانت يف القصة عند‬
‫منطقي؛ ألن جتهيزهم إلقامة اهليكل يف العلو الكبري عند املسجد‬
‫ٌّ‬ ‫القرص‪ ،‬وهذا‬
‫األقىص‪.‬‬
‫والرواية ال حتتاج إىل رشح غري أننا نسلط الضوء عىل آخرها وهو النهاية قبل التامم‪ ،‬وهذا‬
‫هو ما سيحدث متا ًما يف عرصنا وقبل اكتامل البناء‪ ،‬فملك املوت هو قضاء اهلل ‪-‬سبحانه‬
‫وتعاىل‪ ،-‬والذي ال يمكن إنكاره ألي خملوق يف عوامل الوجود‪ ،‬حتى الكافر بام ُيكن داخله‬

‫‪ -1‬جمح‪ :‬حامل أوشكت عىل الوالدة‪.‬‬


‫‪ -2‬أخرجه أمحد (‪ ،170/2‬رقم ‪ ،)6588‬قال اهليثمي (‪ :)280/7‬وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط‪ .‬وأخرجه‬
‫أيضا‪ :‬الديلمي (‪ ،426/2‬رقم ‪ .)3876‬وللحديث أطراف منها‪« :‬إن ً‬
‫رجل فيمن كان»‪« ،‬نزل ضيف يف بني‬ ‫ً‬
‫إرسائيل»‪.‬‬
‫‪ -3‬فعوى جراؤها‪ :‬نبحوا وصاحوا يف بطنها‪.‬‬
‫‪ -4‬أخرجه الطرباين يف األوسط عن ابن عمرو (‪ ،377/5‬رقم ‪ .)5609‬قال اهليثمي (‪ :)183/1‬فيه شعيب‬
‫ابن صفوان وثقه ابن حبان‪ ،‬وضعفه حييى وعطاء بن السائب وقد اختلط‪ .‬وللحديث أطراف أخرى منها‪:‬‬
‫«ضاف ضيف ً‬
‫رجل»‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫من رشك هلل ‪-‬عز وجل‪ ،-‬فال يستطيع اهلروب من املوت‪ ،‬وصدق اهلل العظيم إذ قال تعاىل‪:‬‬
‫ت ٱلَّ ِذى ُوّكِ َل بِ ُك ْم ُثَّ إِ َ ٰل َربِّ ُك ْم تـُْر َجعُو َن﴾ (السجدة‪.)11 :‬‬
‫ك ٱلْمو ِ‬
‫﴿قُ ْل يـَتـََوفَّا ُكم َّملَ ُ َ ْ‬
‫فاألحداث تدل عىل الفساد االقتصادي الذي حيدث يف آخر الزمان‪ ،‬من مجع للامل‪،‬‬
‫مال‪ ،‬غري أن هذا سيحال‬ ‫واملال ال نعنى به إال الذهب والفضة‪ ،‬فال مال إال ما قد جعله اهلل ً‬
‫بينهم وبينه كام ُفعل بأسالفهم يف القرون املاضية من عمر الدنيا‪ ،‬وهذه هي قناعاتنا‪ ،‬ونسأل‬
‫اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬السالمة‪ ،‬إنه عىل كل يشء قدير‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪226‬‬
‫رارقلا ‪:‬نماثلا بابلا‬

‫طلب فتوى من دار اإلفتاء المصرية‬

‫السادة‪ :‬دار اإلفتاء املرصية‬


‫بعد ما تقدم من عرض تفصييل لقضية زراعة رشائح ‪ RFID‬يف اجلنس البرشي‪ ،‬بعدما‬
‫ً‬
‫وبديل لبطاقات‬ ‫كانت مقترصة عىل احليوانات‪ ،‬والتي تُستخدم ً‬
‫بديل للتعامالت املالية‪،‬‬
‫اهلوية‪ً ،‬‬
‫فضل عن االستخدامات األخرى املتعلقة باألرشفة يف املستشفيات والنوادي الليلية‬
‫وما شابه‪ ،‬ويف ضوء املخاوف والشكوك التي ال يمكن أخذ ضامنات عىل عدم حدوثها عىل‬
‫اإلطالق‪ ،‬وال أحد يستطيع ضامن عدم اإلخالل يف رشف استخدام هذه التقنيات‪.‬‬
‫وبعد ما بيناه من كون أن اهلل ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬خلق اإلنسان وكرمه‪ ،‬ومل يكن يف‬
‫خلقه الرشيف أن يقوم هذا الكائن بإرسال أمواج كهرومغناطيسية واستقباهلا‪ ،‬وأن يدخل‬
‫اإلنسان يف العمل ضمن منظومة السلكية كهربية‪.‬‬
‫وبعد ما بيناه من أخطار قد تؤثر عىل عقل اإلنسان من خالل التشويش عىل الصور التي‬
‫تصل من العني إىل املخ‪ ،‬وكذلك عن طريق التشويش عىل األصوات التي يسمعها‪ ،‬وذلك‬
‫عند استخدام رشائح بتقنية الـ ‪ ،Nano Technology‬من مصادرها العلمية البحتة‪ ،‬والتي‬
‫تنقض مبادئ الترشيع اإلسالمي يف احلفاظ عىل الكليات اخلمس‪.‬‬
‫وبعد ما بيناه من إثبات حلوادث اخرتاق وتشويش عىل إشارات الرشحية من هاكرز‪،‬‬
‫والتي حولت اإلنسان املكرم إىل كمبيوتر ُيمكن اخرتاقه‪ ،‬وزرع فريوسات به‪.‬‬
‫هذا ما شمل عليه بحثنا فقط‪ ،‬ولكن هناك األكثر واألكثر مما مل ُيكتب وما ََّلا تكشف عنه‬
‫األخبار‪.‬‬
‫فالسؤال لفضيلتكم اآلن‪ :‬هل القدوم عىل زراعة تلك الرشائح يف اإلنسان حالل أم‬
‫حرام؟‬
‫ولسيادتكم جزيل الشكر‪،‬‬
‫التوقيع‪ /‬إنسان مسلم‬

‫‪227‬‬
‫ةمتاخلا‬

‫الخاتمة‬

‫إننا نرى أن األحداث تسري يف اجتاه السيطرة عىل األرض‪ ،‬وتقويدها متهيدً ا إلعالن‬
‫حكومة عاملية واحدة‪ ،‬هلا جيش موحد‪ ،‬وسلة غذاء واحدة‪ ،‬ومنظمة صحة عاملية واحدة‪،‬‬
‫ذات دين واحد ‪ -‬وبالطبع ليس دين التوحيد ‪ -‬ومن َث َّم؛ حاكم واحد‪ ،‬سوف يأيت ليخلص‬
‫العامل من ويالت احلروب والفقر واملرض‪ ،‬وينادى بقدومه العامة من الشعوب ظنًّا منهم‬
‫أنه املخلص‪ ،‬وما هو إال الرشك واهلالك بعينه‪.‬‬
‫وتلك األحداث هلا مقدمات وأمارات يعرفها العقالء إذا ما ولد نجمها‪ ،‬أما العامة فقد‬
‫يدركوهنا عند حدوثها أو بعد حدوثها عند معايشة آثارها‪.‬‬
‫إن دقة التدابري التي تسري هبا اخلطط طب ًقا لتوقيتات وضعت مسب ًقا‪ ،‬ال خيالفها رئيس‬
‫وال مسئول تدعونا للتيقن أن هناك من هو أعىل من رؤساء الدول وأصحاب األموال‪،‬‬
‫ي َّه ُز جيدً ا هلا‪ ،‬هذا يسلم ذاك‪ ،‬واجلميع يسري عىل منهاج ال يمكن‬
‫فهذه اخلطط طويلة املدى ُ َ‬
‫جتاوزه بأي حال من األحوال مهام تتابع الرؤساء واحلكومات‪.‬‬
‫فعىل سبيل املثال‪ :‬يف الواليات املتحدة األمريكية نجد أن بوش األب يتبعه يف نظامه‬
‫كلينتون‪ ،‬وبوش االبن وأوباما‪ ،‬وترامب‪ ،‬وهذا األخري بايدن‪ ،‬نفس املنهج يف حماربة الدول‬
‫ً‬
‫احتالل‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ويف تقسيم الرشق األوسط‪ ،‬ويف احتالل دولة تلو األخرى‪ ،‬سواء كان‬
‫ً‬
‫احتالل اقتصاد ًّيا‪.‬‬ ‫عسكر ًّيا أو‬
‫أيضا‪ ،‬فإننا نجد نفس العون املادي واملعنوي للكيان الصهيوين وما يتبعه من تدابري‬
‫ً‬
‫هلدم املسجد األقىص‪ ،‬وإقامة اهليكل‪ ،‬وما يتبعه من تقويض العامل حتت إمرة حاكم واحد‪،‬‬
‫وحكومة واحدة‪ ،‬وقد سبق ذلك إعداد شيطاين حمكم‪ ،‬بد ًءا من خلق كيانات عاملية تأمتر‬
‫بأمرها مجيع دول العامل‪ ،‬مثل األمم املتحدة وجملس األمن وصندوق النقد الدويل‪ ،‬وهذه‬
‫الكيانات وغريها تعمل خلدمة الصهيونية فقط والصهيونية تنتظر اهليكل‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫قبل أن تزرع الشريحة!!‬

‫وهناك مرحلة فاصلة يف خمططهم يتم من خالهلا اإلجهاز عىل كل ما تبقى من خمالفني‬
‫وشاردين سواء أكان اخلارجني ً‬
‫دول وحكومات أو أفرا ًدا‪ ،‬أال وهي زراعة الرشحية جلميع‬
‫سكان كوكب األرض‪ ،‬ومن َث َّم؛ التحكم التام يف مصري البرشية‪ ،‬ل ُي ْع َل َن عن حكومة العامل‬
‫الواحد‪ ،‬واهلل خملف تدابري الرش‪ .‬إنه ويل ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫واملؤمن ال يكون إمعة‪ ،‬إذا ذهب الناس ذهب معهم‪ ،‬فليس أقل من أن نرفض أن نكون‬
‫جز ًءا من القطيع ‪ ...‬إن اهلل ‪ ‬كرم بني آدم فوق مجيع خلقه‪ ،‬وخلق لنا سبحانه احلرية‬
‫واإلرادة‪ ،‬ولو كان سبحانه يريد خللقه املكرمني أن يكونوا قطي ًعا أو عبيدً ا لغريه سبحانه‪ ،‬ملا‬
‫أكرمنا بحمل األمانة‪.‬‬
‫فهل يعقل أهيا اخللق الكريم عىل اهلل ‪ ‬أن تطلب بنفسك أن تكون عبدً ا يف قطيع!!‬
‫وآخر كالمي‪ :‬حفظنا اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬وحفظ بالدنا‪ ،‬ودفع عنا كل الرشور التي ُ َت ُ‬
‫اك لألمة‬
‫بليل‪ ،‬ورد كيد الظاملني يف نحورهم‪ .‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة‬
‫والسالم عىل أرشف املرسلني‪ ،‬حبيبنا وقدوتنا سيدنا حممد ﷺ وعىل آله وصحبه أمجعني‪،‬‬
‫آمني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪230‬‬

You might also like