Professional Documents
Culture Documents
الإيقاع وإنتاج الدلالة بين القصيدة القديمة وقصيدة النثر
الإيقاع وإنتاج الدلالة بين القصيدة القديمة وقصيدة النثر
Abstract Keywords
Poetry expresses a communicative humanity, which differs in its Rhythm
textual structure from other linguistic discourses, in which there is Connotation
rhythm. Some see it beyond the aesthetic presence, to be a kind of Textual harmony
expressive and semantic presence, through the interaction between its Ancient poem
linguistic structure and rhythmic structure. Prose poem
As for the prose poem that rebelled from the rhythmic side of the
old poem, she saw in this aspect a mere superficial matter that had
nothing to do with the meaning of the poem. And the internal rhythm
was presented as an alternative in terms of phoneme and semantic, in
which it depends on the rhythm of the word, the sentence and the
whole poem. On the basis of this contradiction, this study attempted
to address this difference and study it through the ancient, modern
and contemporary linguistic and semantic views.
امللؤلف املرسل
37
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
.2مقدمة
أسموه إلايقاع الداخلي هو الذي يخدم داللة النص تعبر داللية أي نص عن ذلك النتاج الحاصل بين
الشعري ؟ تفاعل نسق الدوال والسياق من جهة ،وذلك التفاعل
.1مفهوم إلايقاع الذي يحدث بين قصدية املنتج وقصدية املتلقي عبر
.2 .1لغويا النص من جهة أخرى ،والفرق بين النص الشعري،
جاء في لسان العرب لـابن منظور" :إلايقاع من إيقاع وغيره من الخطابات اللغوية ،يكمن في كثافة حضور
ّ
اللحن و الغناء وهو ُي َوقع ألالحان ويبينها وسمى الخليل إيقاع الذات الكاتبة في الخطاب ،حيث هو خصيصة في
كتابا من كتبه في ذلك املعنى "كتاب إلايقاع" (منظور، النص الشعري ،فيكون هذا إلايقاع بمختلف عناصره
ً
،0212صفحة .)824وفي القاموس املحيط" :إيقاع جزءا من نسق النص يميزه عن باقي الخطابات
ألحان الغناء وهو أن يوقع ألالحان ويبينها" (أبادي، اللغوية؛ وقد عده البعض جزء من بنية النص
،1994صفحة .)777 الشعري حيث يبرز دوره في التعبير عن التجربة
أما في املرام في معاني الكالم" :إلايقاع مصدر أوقع الشعرية ،وتصويرها في نظام فني متسق و منسجم ،
ّ
النقر على الطبل باتفاق ألاصوات وألالحان" (ملؤنس ، من خالل الدور الداللي الذي يلعبه الجرس املوسيقي
،0222صفحة .)152واملفاهيم والتحديدات اللغوية والجناس والنبر والوزن في إعطاء ملسة موسيقية
السابقة جعلت إلايقاع شكال من املوسيقى والطرب. إيقاعية ،تعبر عن النفس و العاطفة والتخيالت .
.1 .1اصطالحا لكن الثورة التي قامت عليها الحداثة الشعرية،
2 .1 .1ـ في التراث كانت في جانب هام منها رافضة لهذا إلايقاع بكل
يعرف بن زيلة إلايقاع قائال "بأنه تقدير ما لزمان أشكاله ،وعدت ألاوزان الشعرية التي عرفها الشعر
ً
النقرات ،فإذا كانت النقرة منغنمة كان إلايقاع شعريا العربي وظلت ترافقه وتصاحبه وتالزمه طوال روح
لحنيا ،وإن كانت محدثة للحروف املنتظم منها كالم كبيرة من الزمن ،قوالب ال روح فيها ،ومجرد عوائق
كان إلايقاع شعريا وهو نفسه إيقاع مطلق" (أبو تحد من الوصول إلى الشعرية الحقة ،حيث رحابة
املنصور ،1998 ،صفحة ،)88ويراه صفي الدين إلابداع ومواطنه الجديدة ،تحدها تلك الحدود الوهمية
البغدادي بأنه "مجموعة نقرات يتخللها أزمنة محددة التي ال دخل لها في نسق النص الشعري وال في داللته،
املقادير على نسب وأوضاع مخصوصة بأدوار متساوية وتعد قصيدة النثر التي مثلت الوجه الثاني للحداثة
ً
يدرك تساوي تلك ألادوار ميزان الطبع السليم" (اده ألاكثر تمردا وراديكالية في رفض كل تلك العناصر
اليسوعي ،1949 ،صفحة ،)115ومن خالل ذلك يرى إلايقاعية السطحية ـ حسب تعبير روادهاـ ودعت لنوع
عز الدين إسماعيل ،أن علماؤنا القدامى لم يتبنوا آخر من إلايقاع وهو إلايقاع الداخلي الذي رأت فيه أكثر
جوهر إلايقاع "إذ تناولوه من خالل املادة التي تجسد إيحاء وداللة.
الحركة إلايقاعية ،فكان املصطلح عندهم ألصق ومن ما سبق من تباين في آلاراء نرى أنفسنا نقف
ً
بمفهوم إلايقاع املوسيقي ألن التوالي الزمني هو جوهر بين جدلية مفادها ،هل حقا إلايقاع الصوتي بكل
املوسيقى ،ومن هنا ركزت أغلب الدراسات على ارتباطه عناصره له دخل في انسجام الشعر وانتاج داللته؟ أم
بالزمن وأهملت الحركة ولم يلحظه الدارسون إال من هو أمر إضافي شكلي ال غير وأن دعوة الحداثيين إلى ما
38
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
نقطة مركزية واحدة هي جذر الفاعلية إلايقاعية خالل املوسيقى والوزن الشعري مع أنه كان في أوضح
ملجموع بنا القصيدة ومستوياتها ،فيغير من طبيعتها مظاهره في عمارة وزخرف إلاسالميين ،كما كان ألاساس
الجزئية الناقصة املعزولة ،ويدخلها في نظام شمولي الذي قامت عليه علوم البالغة والفن اللغوي" (عز
كامل متصل ببعضه البعض ،كما يغير من فوض ى الدين ،1955 ،صفحة .)115ورغم ذلك فقد قدمت
تراكمها وتراكبها إلى بناء وظيفي مركب " (عبيد،0221 ، البالغة العربية إسهامات مهمة في الكشف عن
صفحة ،)09فهي جزء مكمل للنص يساعده على الروابط الصوتية في النصوص العربية من سجع
الانسجام بوصل أجزائه املعزولة. وجناس ووزن وقافية (مداس ،0229 ،صفحة .)105
وقد اهتم العرب بموسيقى اللفظة واجتهدوا في وانتبه لذلك الكثير و إن كانت دراستهم بالغية.
تخليصها مما يفقدها التناسب بين حروفها وحركتها ، .1 .1 .1عند املحدثين
كذلك حرسوا على موسيقى العبارات ،واهتموا يرى شكري عياد أن إلايقاع هو فاعلية ملؤثرة في
باالنسجام الصوتي في الكلمات بحيث تلؤلف بمجموعها بنية القصيدة و هي تمثل روحها في الطباق بين النبر
نغما تطرب له ألاذن وتقبل عليه النفس (رحيم العروض ي واملوسيقي وبين النبر اللغوي (عياد،1994 ،
العزاوي ،1974 ،صفحة .)097وهي نظرة ترى في الوزن صفحة ،)90فهو ال يرتبط "بالقيمة الكمية الوزنية وال
والقافية وإلايقاع الصوتي بشكل عام جزء ال يتجزء بالقيمة الكمية للوحدات الوزنية التي يمكن أن تنقسم
من الشعر وتعطيه حسن النسج و الحبك .فيرى أبو إليها الكتلة وإنما بحيوية داخلية أعمق ،هي النبر ،الذي
الهالل العسكري الشعر في حسن النسج واختيار يضعه الشاعر على نوى معينة من البيت" (أبو الديب،
اللفظ ،قائال أن الشعر "كالم منسوج ،ولفظه منظوم، ،1978صفحة ،)079ويراه محمد بنيس " كل نسق
ْ
وحسن لفظه سخفَ ، وأحسنه ما تالءم نسجه ولم َي صوتي منظم وفق أهداف شعرية ...تنتظم في بيت على
يهجن ،ولم يستعمل فيه الغليظ من الكالم ولم ُ شاكلة خاصة" (بنيس ،0221 ،صفحة ،)178الذي
فيكون جلفا بغيضا ،وال السوقي من الكالم فيكون يحدث "ذلك النسيج من التوقيعات وإلاشباعات
ً
مهلهال دونا" (العسكري ،1949 ،صفحة .)02يلؤكد والاختالفات املفاجآت التي يحدثها تتابع املقاطع"
أيضا على اختيار الوزن الذي يخدم املعنى والقافية (سلوم ،1947 ،صفحة )20عبر "إلايقاع الداخلي
ً
التي يحتملها لتزيده نسجا ،فيقول " وإذا أردت أن لأللفاظ بحد ذاته و الحقل املوسيقي الذي يحدثه عند
تعمل شعرا فأحضر املعاني التي تريد نظمها فكرك، النطق بها .يعتبر من أهم املنبهات املثيرة لالنفعاالت
وأخطرها على قلبك ،واطلب لها وزنا يتأتى فيه إيرادها، الخاصة املناسبة" (عزوز ،1999 ،صفحة 97ـ .)94أي
وقافية يحتملها ،فمن املعاني ما تتمكن من نظمه في هو أي حقل منبه لالنفعاالت .
قافية و ال تتمكن منه في أخرى" (العسكري،1949 ، .7إلايقاع وثثر في ا سجام النص الشعري وتوليد
صفحة .)179وهي نفس النظرة لدى الجاحظ الذي الداللة
يقرر أن " أجود الشعر ما رأيته متالحم ألاجزاء ،سهل تكمن عالقة إلايقاع مع النص و انسجامه في كونه
املخارج ،فتعلم بذلك أنه قد أفرغ إفراغا واحدا وسبك " عبر قدرته على تشكيل خط عمودي يبدأ من مطلع
سبكا واحدا فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان القصيدة حتى نهايتها ،وبذلك فهو يخترق كل خطوطها
ً
...وكذلك حروف الكالم وأجزاء البيت من الشعر ألافقية بما فيها خط الوزن ،ليتقاطع معها جميعا في
40
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
ً
الجانب ألاكثر تفلتا من وعي الذات املنشئة وليس ذلك ....تراها مختلفة متباينة ،ومتنافرة مستكرهة تشق على
ً
لش يء إال لكونه في طبيعته متصال بتحسس اللسان اللسان وتكده ،وألاخرى تراها سهلة لينة ،ورطبة
للمتتبعات التركيبية ،فتحصل مجاذبات بين الحروف مواتية ،سلسة النظام ،خفيفة على اللسان ،حتى كأن
و الصيغ بشكل إتباعي تواردي محمول على تأجج فوارة البيت بأسره كلمة واحدة ،وحتى كأن الكلمة بأسرها
ألاحاسيس واملشاعر ،والشاعر إذا تساند إلى تلك حرف واحد" (أبو عثمان ،1994 ،صفحة .)97فيبدو أن
العوامل الداخلية ملا تخرجه من الغرابة و الحلؤول " الجاحظ يجعل البنية الصوتية مدخال لدراسة النص
(عميش ،0225 ،صفحة 54ـ ،)59وربما هذا أول ما وتحليله؛ وعدت مالحظاته أول ملمح تطبيقي لدراسة
جذب العرب القدامى للشعر ،فاإليقاع هو "إصابة التوافق الصوتي الذي يعتري النص ملفوظا ومكتوبا
العناصر الصوتية املترتبة في السياق التعبيري تستلذ (عبد الخالق ،0210 ،صفحة .)75فدراسة الانسجام
ألاذن مسمعه ،حتى إذا انتظمت الانتظام إلايقاعي الصوتي لم تكن وليدة البحث اللغوي املعاصر بل
القائم على الاستواء و الاعتدال و الانسجام واطمأنت جذوره تمتد إلى الدراسات اللغوية العربية القديمة.
ً ً
إليها نفسية ألاعراب واتخذوها نموذجا لسانيا بالغيا وتلؤكد عزة الشبل بأن الوزن والقافية في الشعر،
حرًّيا باملباركة والتمجيد باعتباره تحفة لسانية والتوقيع والسجع والجناس في النثر والشعر وسائل تساهم في
ً
كان أصال بالعص ي و العيدان قبل أن تنزاح داللته بعد السبك الصوتي على مستوى النص ألادبي ،وال سيم
ذلك إلى التوقيع باألصوات و املعاني و الصور التخيلية" أن هذه املقومات الصوتية تسير على وفق نمط إيقاع
(عميش ،0225 ،صفحة ،)175فاإليقاع ال يتحقق منتظم ،يتجلى في مقاطع النص شعرا كان أو نثرا
بمجرد "تحقيق نوع من التجانس الصوتي ،بين الكلمات (شبل محمد ،0227 ،صفحة .)107وأكثر من ذلك يرى
والحروف ،بل ال بد أن يتبع ذلك إيقاع في املضمون" أحمد مداس أن له دخل في البنية النصية فيقول في
(مخافي ،0227 ،صفحة .)179وهذا ما أشار إليه محمد ذلك "يقع املد إلايقاعي في حركية الشعر ونبضه؛ حيث
ً ً
النويهي عند حديثه عن موسيقية القصيدة ،التي يرى تجد معاني الكلمات مع رنين ألاصوات وقعا إيقاعيا
أنها "توجد في هيكلها العام كوحدة وهذا الهيكل يتألف يحمل صورة للتوتر أو صورة للتماثل بين انفعال الذات
من نمطين ،نمط ألاصوات ونمط املعاني الثانوية التي وامللفوظ الشعري من خالل مظهري البنية إلايقاعية،
تحملها ألالفاظ" (نويهي ،1971 ،صفحة ،)07وهذا حيث يتمركز البعد التناص ي؛ فأما املظهر ألاول فهو
يعني مما يعنيه ،أن لكل نص شعري إيقاعا ينبع من فضاء وما يتعلق فيه بامللفوظ من حيث تشاكله و
الحالة الشعورية التي تكتنفه ،فينتج عن ذلك صورة تباينه ،وما يتطلبه ذلك من وقف ،وما يصنعه من
موسيقية تضطلع بنقل املعني إلى وجدان املتلقي أمكنة نصية ،تتحدد معها الدالالت واملعاني .واملظهر
(الشامي ،0220/0221 ،صفحة .)189أي أنه عنصر الثاني يتعلق بطبيعة البنية الصوتية واملوسيقية"
مساعد في تكوين الداللة .لذلك يلؤكد محمد بنيس على (مداس ،0229 ،صفحة 022ـ )021فالوزن والقافية
أن ارتباط ألاصوات باملعاني في الشعر يفض ي إلى نشوء ليس مجرد قالب تصب فيه الكلمات بل هو يساعد في
إيقاع متميز متفرد يحكمه" ،ألن اللغة متورطة في الاتساق والانسجام الذي يحدث داخل النص في حد
إلايقاع ،به تنجذب نحو حركيتها" (بنيس،0221 ، ذاته .ويراه العربي عميش تابعا ومترجما للجانب
النفس ي ويعبر عن ألاحاسيس ،قائال :أن "إلايقاع هو
41
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
"فقد يكون لإليقاع بمفرده تأثير ،ولكن هذا التأثير ال صفحة ،)177ويرى بأن لإليقاع وظيفتين في الشعر
يسمى فنيا أو غير فني حتى يلتقي بعناصره الكثيرة ...مع العربي (بنيس ،0221 ،صفحة :)174
لقاء يقوم على التوافق والطباق معا" (عياد، املعنى ً ـ الوظيفة البنائية :حيث يتحكم إلايقاع في نسق
،1994صفحة ،)198وفي هذا الكالم داللة على أن الخطاب ،أي بناء عناصره ومكوناته ضمن تنظيم
النسق الصوتي والنسق النحوي متشابهان في خدمة وترتيب يستقل بهما الخطاب املفرد عن غيره من
الداللة و املعنى ،والخلل في أحدهما يلؤدي إلى خلل في الخطابات .
املعنى املراد. ـ الوظيفة الداللية :وهي مالزمة لألولى ومترتبة عنها،
وفي النقد الغربي يظهر إلالحاح على تلك العالقة بناء لدالليته ولطريقةفبناء إلايقاع لنسق الخطاب ً
بين املستويين الصوتي والداللي لدى ت .س .إليوت إنتاج معناه .فليس للكلمات معنى قبلي سابق على
الذي يلؤكد أن موسيقى الشعر ليست مستقلة عن تركيبها في الخطاب ،كما ليس للغة إيقاع ُينتج املعنى
املعنى (إليوت ،1991 ،صفحة ،)09وموسيقى الكلمة خارج الخطاب .
تنبع عن العالقة الكائنة بين معناها املباشر في سياقها، أي أن الاتساق الذي يفرضه إلايقاع ينتج داللة هي
وكل املعاني السابقة التي اكتسبتها في سياقات أخرى نفسها تعبر عن انسجام النص .وبهذا التكامل بين
(إليوت ،1991 ،صفحة .)78وعليه ،فإن القصيدة إلايقاع ونسق الخطاب تتحقق جمالية النص الشعري
املوسيقية هي "التي لها نمط موسيقي من ألاصوات، وإبداعيته ،ويبلغ درجة كبرى ،من التجانس والتناسب
ونمط موسيقي من املعاني الثانوية للكلمات التي بين مستوياته النصية املختلفة" ،فبقدر ما ينم النص
تلؤلفها ،وأن هذين النمطين هما ش ئ واحد وال عن اتساق وتناغم في بنيته وبين مستوياته ،بقدر ما
ينفصالن" (إليوت ،1991 ،صفحة .)75فاملوسيقى نوع يبلغ حدا أرفع من الشعرية وإلاتقان إلابداعي"
من الداللة الثانوية التي تكتسبه القصيدة من خالله (السويدان ،1999 ،صفحة .)91
فتكمل معانيها. كما يعقد شكري عياد في كتابه "موسيقى الشعر
ويبين أيضا جون كوهن أن النظم هو بنية صوتية العربي" ،فصال لقضية العالقة بين إلايقاع والداللة
داللية ،بوجود تلك العالقة بين الصوت واملعنى تحت عنوان " موسيقى الشعر ومعناه " ،وفي هذا
(كوهن ،1997 ،صفحة .)50وال يمكن الفصل بينهما الفصل يتعرض الناقد إلى إغفال العروضيين العرب
في الشعر ،فهما نمطين ال ينفصالن مثل ما رأينا مع لتلك العالقة ،مقلال من شأن الخبر الذي يرويه إبن
إليوت ،فالكلمات تنبع من العالقة املوجودة بين معناها رشيق في كتابه العمدة عن الزجاج فيما يتعلق بعلة
املباشر وسياقها والنمط إلايقاعي الذي تصدر فيه. تسمية البحور الشعرية ،معتبرا ذلك ليس إال وصفا
ويذهب هنري ميشونيك بعيدا في دوره في الخطاب ظاهريا لألصوات التي يتشكل منها كل بحر (عياد،
الشعري ،بأن يجعل من إلايقاع "الدال ألاكبر في ،1994صفحة ،)189وقد شدد شكري عياد على
الخطاب الشعري ،ومسار التفاعل بينهما هو ما يحقق العالقة بين إلايقاع والداللة ،فيرى أن هناك تالزم في
للخطاب دالليته" (بنيس ،الشعر العربي الحديث بنياته العمل الشعري بين جانبه الصوتي والكلمات و املعنى،
وإبدالاتها ج ،0221 ،0صفحة .)174وكأنه يريد أن وأن هذا العمل ال يكون متقن ومكتمال إال بتضافر تلك
يجعل من البنية إلايقاعية جزء ال يتجزأ من النص العناصر و خروجها في ثوب واحد ،ويلخص ذلك قوله:
42
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
قصيدة النثر املتمردة لم تعترف باإليقاع ورأت فيه وأنه غير منفصل عن معنى أي خطاب وانسجامه ،ما
ً
عامال خارجيا ،وليس له أي دور في إنتاج املعنى أو دام هو املنظم لكل من املعنى والذات عبر حركتهما في
الانسجام في الشعر والقصيدة .وفي سياق دعوتهم إلى الخطاب (بنيس ،الشعر العربي الحديث بنياته
التجديد في الشعر رأوا أن تجاوز تلك الرقابة السطحية وإبدالاتها ج ،0221 ،0صفحة .)128ولهذا قال
ً
التي تفرضها حسب رأيهم القصيدة القديمة واجبا نحو ميشونيك "إن إلايقاع هو املعنى" (بنيس ،الشعر العربي
مواكبة النفس إلانسانية الحديثة وتحوالتها ،حيث الحديث بنياته وإبدالاتها ج ،0221 ،0صفحة ،)174
يقول أنس ي الحاج أن تلك القوالب قد عفى عنها وبهذا فقد شدد الكثير من الدارسين على أن املستوى
الزمن ،وأن "موسيقى الوزن و القافية موسيقى الصوتي يشكل عنصرا أساسيا في النص الشعري ،فهو
ّ
التعمق ،تبقى ثم ّإنها ،مهما أمعنت في خارجية ّ ، يعد أحد العناصر املكونة لإليقاع في بنية النص ،من
متصفة بهذه الصفة :أنها قالب صالح لشاعر كان ّ خالل تفاعله مع العناصر ألاخرى "داللي ،صرفي،
يصلح لها ،وكان العالم يناسبها ويناسبه .لقد ظلت هذه تركيبي" فيسهم في تشكيل الرؤيا الشعرية وأبعادها
املوسيقى كما هي ولكن في عالم تغير ،إلنسان ّ ً
تغير الفنية والجمالية .لهذا علينا أن ننوه بدءا بأهمية
وإلحساس جديد" (الحاج ،1998 ،صفحة ،)10فـ الدراسة الصوتية ألن "طبيعة اللغة تتخذ في املقام
"القارئ اليوم لم يعد يجد نفسه في هذه الزلزلة ألاول صورة صوتية منطوقة مسموعة تعبر عن معان
الخداعة لطبلة ألاذن" (الحاج،1998 ، ّ السطحية أو أفكار ذاتية أو اجتماعية أو عاملية" (كراكبي،0227 ،
صفحة .)10وقصيدة النثر أرادت نسقا آخر مغايرا للغة صفحة .)85باإلضافة للجانب الفني الجمالي ،إذ نلحظ
السائدة ،تتجاوز فيه كل الوثوقيات متعارف عليها ،نوع في العديد من ألاعمال الفنية بما فيها الشعر بطبيعة
من النزق اللغوي ،تمارس فيه إبداعها ويكون عاملها الحال "تلفت طبقة الصوت الانتباه وتلؤلف بذلك جزءا
الخاص الذي تعيش وتحيا فيه ،عالم وصفه أصحابه ال يتجزأ من التأثير الجمالي" (املاكري ،0225 ،صفحة
بالالعافية والاللغة والالانسجام ،حيث تنبثق لغة .)107
أخرى ،لغة مغايرة بعيدة عن ضغط التراث والانسجام ويرى ريتشاردز أن تتابع ألاصوات على شكل معين
اململ والالتزامات السطحية .يقول أنس ي الحاج في ييهئ الذهن لتقبل تتابع جديد من هذا النمط دون
مقدمة ديوان لن" :ما يسمونه ألازمنة الحديثة هو غيره ،فاإليقاع إذن ،مرتبط بالتتابعات املختلفة
انفصال عن زمن العافية والانسجام .إنه تكملة للسعي للسلسلة اللغوية املنسجمة مع ما ينتظره جهاز التلقي
الذي بدأ منذ قرن ال من أجل تحرير الشعر وحده بل لدينا ،والخارجة عن هذا الانسجام أحيانا (ريتشاردز،
ً
أوال لتحرير الشاعر" (الحاج ،1998 ،صفحة ،)00مما ،0225صفحة ،)145وهكذا يكون "النسيج الذي
اعتبروه سطحية وعبودية وجهل" :ألف عام من يتألف من التوقعات وإلاشباعات وخيبة الظن أو
الضغط ،ألف عام ونحن عبيد وجهالء وسطحيون. املفاجآت التي يولدها سياق املقاطع هو إلايقاع"
ُ
سكرـ أن نقف لكي يتم لنا خالص ،علينا ـ يا للواجب امل ِ (ريتشاردز ،0225 ،صفحة ،)144بذلك فإن إلايقاع
ونبجه" (الحاج ،1998 ،صفحة ،)17 أمام هذا السدّ ، الصوتي ليس مجرد نغم خارج عن إطار النص بل هو
يقصد سد الوزن والقافية وسد اللغة والقوالب جزء ال يتجرأ من داللته وعضو من أعضاء انسجامه .
الجاهزة التي ال دخل لها في حقيقة الشعر واملعنى ـ .8تحول مفهوم إلايقاع عند ثصحاب قصيدة النثر
43
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
النظم في نظر التقليديين والقصة ،وهي كائن نثري، حسب رأيه ـ ،والتي كانت تحول ألافكار كما ترى خالدة
ً
خالف القصيدة التي هي كائن شعري" (الحاج،1998 ، سعيدة إلى "رؤى مجردة ثم تنزل في قالب مهيأ مسبقا
ً
صفحة .)11ويرى أدونيس أن لهذه القصيدة نظامها وفقا للنظرة القديمة التي كانت ترى الشكل كسوة
إلايقاعي الداخلي املنافي ،الذي يعبر عن إنسان هذا املعنى" (سعيد ،1949 ،صفحة )90؛ هذه القوالب التي
العصر إذ يقول " :ففي قصيدة النثر موسيقى لكنها تفقد من خالله القصيدة شاعريتها .فاعتبر أصحاب
ليست موسيقى الخضوع لإليقاعات القديمة ،بل هي هذا التوجه أن "كل شكل مسبق خيانة للقصيدة
موسيقى الاستجابة إليقاع تجاربنا وحياتنا الجديدة" وملبدأ الكتابة الشعرية" (سعيد ،1949 ،صفحة .)90
(سعيد ،1949 ،صفحة ،)199وفي ذلك إقرار بتغير فالشعر إذا إلتزم بالشكل كالوزن والقافية ،لم يعد
بنية إلايقاع مقارنة بالقصيدة القديمة ،إذ حسب رأيهم شعر ،ألن القالب املوضوع سلفا يتحكم في شاعرية
صار يتحرك في إطار أوسع متعديا حدود التعاريف التي الشاعر ويلزمه بحدود تحده من أن يخرج كل ما
تربطه بالصوت وما ينتج عنه من أثار سطحية ،فقد يختلجه ،وترى خالدة بأن هذا ألامر إضافي ال فائدة
يكون له أوجه عديدة حسب متطلبات العصر ،ويكون منه .وبالتالي ال دخل له في انسجام النص أو تماسكه
مصدرها الكلمة والجملة وإلى هذا الرأي تشير روز فضال عن دخله في الشاعرية.
غريب ،حين تعرف إلايقاع بأنه "تكرار حرف أو لفظة أو ويلؤكد أدونيس عن إيقاع الجديد ،هو إيقاع عامل
عبارة على أبعاد متساوية أو غير متساوية ،وإلايقاع يتجدد بتجدد إلانسان ،ومن ثم يرى بوجوب التشديد
أيضا ،تكرار وزن أو شكل من أشكال التنسيق يضمن على كون الشكل الشعري له والدة مستمرة ،وأن
للعبارة التوازن وحسن الرصف ...ويجوز التوسع في الشكل الشعري الحي هو الذي ال يفتأ يتشكل ويتجدد
مدلول إلايقاع ليشمل جميع الوسائل املوسيقية التي دائما (أدونيس ،مقدمة في الشعر العربي،1979 ،
يلجأ إليها الفنان لتقوية معانيها ألاساسية عن طريق صفحة .)112وهكذا تكون القصيدة الشعرية مثلما
إلايحاء الصوتي" (غريب ،1999 ،صفحة 012ـ،)011 وصفتها خالدة سعيدة "دفعة جديدة تضعك في
فاإليقاع حسب هذا التعريف يعتمد على مفهوم الطريق نحو القصيدة الكاملة" (سعيد ،1949 ،صفحة
التوازن ولكن شرط التساوي في ألابعاد يسقط هنا لكي ،)90حيث يكون " إلابداع املتكامل ،أي إبداع الشكل
يتحدد إلايقاع من خالل الانتظام وعدم الانتظام في واملضمون" (سعيد ،1949 ،صفحة ،)90فهي قصيدة
الوقت نفسه وفي هذا إشارة ضمنية إلى الخروج على تختلف في إيقاعها عن رتابة الشعر القديم حيث تكون
إيقاع القصيدة العمودية الذي تحكمه قوانين لحظة خلق قصيدة النثر "لحظة الحضور الكثيف
ً
وضوابط تجعل منه إيقاعا نظاميا ،إضافة إلى كل ذلك الذي تتكامل فيه طبقات الوعي جميعا ،يلهم الشاعر
نالحظ أن تعريف روز غريب تشير إلى مسألة أخرى بالرؤيا في شكلها الخاص" (سعيد ،1949 ،صفحة ،)90
تتعلق بالعالقة بين الصوت واملعنى أو ما تدعوه فتكون داللتها في إيقاع الكلمة داخل القصيدة ،بدل
ً ً
باإليحاء الصوتي ،وهي مسألة خالفية بين الدارسين ألاصوات الخارجية التي ليست جزءا أصيال من بناء
والنقاد (مفتاح ،0229 ،صفحة ،)55وقد حاولت يمنى القصيدة ،وعندها فقط كما تقول خالدة "نصل إلى
ً
العبد في هذا إلاطار إلاشارة إلى عناصر أخرى تراها ذات عمود القصيدة بدال من عمود الشعر" (سعيد،1949 ،
صفحة " ،)90ألن الشعر ،ال القصيدة وحسب ،هو
44
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
تترجمها" (برنار ،1994 ،صفحة . )59وبهذا تعوض أهمية أكبر بالنسبة لقصيدة النثر بعد التخلي عن إلايقاع
قصيدة النثر ،ما أسمته باإليقاع الصوتي الخارجي إلى لذة التقليدي ومن هذه العناصر :
تكتسب من معايشة للعالم الداخلي للقصيدة حيث ـ التكرار وفق أشكال موظفة لتأدية داللتها .
الصورة الحقيقية وحيث تكمن الداللة في شكل شاعري، ـ التوزيع والتقسيم على مستوى القصيدة بهدف داللي
يصل إليه شاعرها حينما " يرفض عناصر الشعر املتفق محدد .
عليها كلها وعليه أن يعوض عليها بالصور ألاخاذة ،ونمط ـ التوقيع على حرس بعض ألالفاظ واملوازاة بين
من إلايقاع املتنام ،داخلي جديد" (جعفر العالق،0227 ، حروفها (العيد ،1999 ،صفحة .)129
صفحة .)101وهذا إلايقاع حسب منظور أدونيس ال لكن هذا رأي لروز غريب ويمنى لعيد يلؤكد ولو
ينمو في املظاهر الخارجية للنغم من سجع وجناس وتزاوج بشكل مختلف عالقة الصوت وإلايقاع باملعنى الذي
حروف وتنافرها وإنما هو يتجاوز هذه ألاصول العامة إلى " رفضه أصحاب قصيدة النثر ،رغم أنهم يلؤكدون على
ألاسرار الواصلة فيما بين النفس والكلمة ،بين إلانسان إيقاع الكلمة ،لكن أدونيس يوضح هذا ألامر مرتب
والحياة " (أدونيس ،مقدمة في الشعر العربي،1979 ، بالكلمات وألاثر النفس ي لها ،مبررا أن القصيدة ليست
صفحة ،)98فهو يرى أن قصيدة النثر تستثمر عناصر نغما فحسب ،وإنما هي نغم وتعبير ،إذ يجمع النغم بين
إيقاعية أخرى ،كإيقاع الجملة وعالقة ألاصوات واملعاني إلايقاع واملدلول في حين أن التعبير يربطنا بصاحبه
والصور ،والطاقة إلايحائية للكالم وما يتبعها من أصداء وموضوعه في آن واحد ،وأن لذة شعرية تكمن في
متلونة ومتعددة (أدونيس ،مقدمة في الشعر العربي، "الحركة النفسية للكلمات ومقاطعها" إلن هذه اللغة
،1979صفحة ،)119يرها أنس ي الحاج بعيدة عن ما " تكون مشروطة بكون تلك الحركة تتولد عند "تفجرات
يحك العواطف القشرية للجماهير " (الحاج،1998 ، ّ ألاعماق" ،وإذا لم تكن كذلك فإنها تتحول إلى رنين بارد
صفحة )17فـ" الشاعر الحقيقي ال يفضل الارتياح إلى صنعي وأجوف" (أدونيس ،مقدمة في الشعر العربي،
النفض والبحث ألادوات الجاهزة والبالية ،تكفيه ملؤونة ّ ،1979صفحة .)98فالشعر هو في ألاصل حالة
و الخلق" (الحاج ،1998 ،صفحة ،)10من خالل " شعورية ،تتجسد في الكلمات التي هي أساس الشعر
ّ
واملجانية وليست قوانين ّ
التوهج عناصر إلايجاز و والتواصل حسب رأيه ،وربما يساهم في داللته إيقاعات
سلبية ،بمعنى أنها ليست لإلعجاز وال قوالب جاهزة" ّ أخرى ،كإيقاع الغموض الذي يراه أدونيس بالنسبة
(الحاج ،1998 ،صفحة .)01 للشعر "جوهرا أصيل فيه ينشأ عن اعتماد لغة
و املالحظ أن أصحاب هذا الرأي ال ينفون دور مجازية ،خيالية ،تعبر عما تعجز عنه اللغة النثرية
الصوت تماما لكن الصوت الذي يراهنون عليه هو العادية" (أدونيس ،زمن الشعر ،1970 ،صفحة .)97
صوت الكلمة في حد ذاتها وهي تتنوع كما يرى محمد التي ال تعبر عن الانسان املعاصر .وفي هذا يتفق مع ما
عبد املطلب بين إفرادية وتركيبية ،وبين حرفية ذهبت إليه سوزان برنارد في تعبيرها عن الشعر املعاصر،
وصرفية ،وبين بديعية ونحوية ،ولكن متابعة اشتغال بأنه أصبح "يرفض وسائل الرقي آلالية جدا للشعر
هذه العناصر تحتاج إلى صبر بسبب الطابع الكتابي املوزون املقفى ،ويطلب مفاتن أكثر دقة من الكلمات
الذي يميزها ،والذي يكاد معه ،أن يغيب الحس نفسها ،ومن التوافقات السرية في املعنى والصوت وبين
الصوتي ،ومن ثم فإن على املتابع أن ينقل الكتابية إلى الفكرة وإلايقاع وبين التجربة الشعرية واللغة التي
45
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
لقصيدة النثر ،ليجد نفسه في حيرة لتحديد معامله الشفاهية لتحديد ركائز إلايقاع ومدى انتشارها أفقيا
بدقة حيث أن كل ما مر بنا ال يحدد املعنى الحقيقي وعموديا (عبد املطلب ،0211 ،صفحة ،)74فيرى أن
لإليقاع الداخلي ،وال يمكن له أن يمسك القواعده التكافلؤ الصوتي الذي يخدم هذه القصيدة يحدث من
الحقيقية لهذا الشكل املحدث ،وال يستطيع أن يقف خالل ما سماه "الدوال" ،والدوال املتجاورة حرفيا
على أساس صلب ،لهذا تقول مسعودة وقاد بأن " "وتنشأ هذه العالقة من خالل تردد حرف أو أكثر من
قواعد إلايقاع الشعري الجديد في صورة شبه واهمة دالين متجاورين أو مجموعة دوال متجاورة التي تتطلب
لم تتضح إال لقلة من الشعراء الرواد ألاوائل من أمثال إنصاتا تاما لإلحساس بها وإدراكها (عبد املطلب،
أنس ي الحاج و ....ظلت غائمة غامضة عند مجموعة ،0211صفحة .)82فحدود هذه القصيدة ال يتعدى
أخرى من الشعراء الضعاف الذي وجدوا فيها مركبا اللغة ذاتها من خالل أصوات ألالفاظ ودالالتها
ميسورا" (الوقاد ،0210 ،صفحة 08ـ .)05لكن محمود وإيحاءتها ،ومن خالل التفاعل الحاصل بين الكلمات
درويش يرى أن هذا ألامر غامض بالكلية ،ولم يستطع من الجملة الواحدة ،وفي ترابط أجزاء القصيدة
حتى من تكلموا عنه وروجوا له أن يثبتوه .لذلك تساءل وتناسقها وانسجامها .وهذه اللغة عندهم دائمة التجدد
ً
في دهشة قائال "هل أوضحوا لنا مفهوم املوسيقى وليست ثابتة على شكل حسب أنس ي الحاج فـ" كل
الداخلية في إصرارهم على احتقار إلايقاع؟ وملاذا ال تأتي ُ
مخترع لغة .وقصيدة النثر هي اللغة ألاخير في شاعر
ّ ّ
املوسيقى الداخلية إال من النثر؟" (درويش،1949 ، سلم طموحه ،لكنها ليست باتة .سوف يظل يخترعها"
صفحة .)4أسئلة لم تعرف إجابة إال من خالل أنها (الحاج ،1998 ،صفحة ،)00لغة "تسايره في وثبه
ثورة على القوالب الجاهزة حسب محمود درويش إذ الخارق الوصف إلى املطلق أو املجهول" (الحاج،1998 ،
ً ً ً
يقول " سيقولون لنا إن إلايقاع يخلق نمطا متشابها صفحة ،)01أي أن اللغة تصبح خلقا جديدا في كل
ً
ورتيبا .إذن ،ما نقول عن هذه القصيدة الواحدة التي قصيدة .و كما يقول علي العالق "ال تعود اللغة وسيلة
ً
نقرؤها ،كل صباح ،منذ عشر سنين ،بمئات ألاسماء؟ بل تصبح هدفا للخلق وتجليا له ،وفي هذه اللغة تبلغ
أليست هي نموذج نمط؟ نعم .ما نقرؤه ،من هذا الكثافة حدودها القصية ،حيث ينهض صوت الكلمة
الشعر الحديث ،هو قصيدة تتألب عليها مئات ألاسماء بدور في تجميد الداللة ،وتعدو الكلمة شكال صوتيا
في تنقلها من جريدة إلى مجلة إلى منبر إلى ديوان" للمعنى ،كما أن صورتها الحسية أو وجودها الفيزيائي
(درويش ،1949 ،صفحة .)4فيرى أن قصيدة النثر يصبح بما فيه من عثرة أو اكتظاظ أو استطالة صورة
وقعت في رتابة نفس هيكل النص ،الذي يتكرر مع كل مرئية ملا تريد التعبير عنه" (جعفر العالق،0227 ،
قصيدة. صفحة .)107لتصبح قصيدة النثر حسب العالق عبارة
.5خاتمة "نبرة عميقة ،ومناخ شعري مترابط ،وكأن الصورة
ومهما يكن فقد عبر الايقاع في القصيدة القديمة التلقائية الباهرة تعكس عاملا ال حدود له من أجواء
عن قدرة شعرائها وعبقرياتهم في استغالل هذا الجانب الحنين ،والصعلكة والتمرد ،رغم ما في كتاباته من
إلثراء قصائدهم ،من الناحية الشكلية والجمالية وحتى تلقائية تشتت كثافة النص ،وتضعف ترابطه أحيانا"
في جذب املتلقي وترسيخ املعنى املراد إيصاله إليه ،في (جعفر العالق ،0227 ،صفحة .)107والقارئ لكل هذه
شكل منسجم بين الكلمة وإلايقاع الذي صدرت فيه التعريفات والشروح لإليقاع الجديد أو إلايقاع الداخلي
46
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
العربي عميش .)0225( .خصائص إلايقاع الشعري مما يعطي لذلك النص الشعري التماسك والتميز
بحث في آليات تركيب لغة الشعر .وهران :دار ألاديب الجمالي ،ويسهل الوقوف على املقصدية الناتجة عن
للنشر. ذلك التواصل املعنوي للتماسك الحاصل بين الجانب
الفيروز أبادي .)1994( .القاموس املحيط .لبنان: الصوتي والداللي الظاهر على ألاقل من الجانب
ملؤسسة الرسالة. الشكلي .وال يوجد مبرر لرفض قصيدة النثر لذلك
ً
أنس ي الحاج .)1998( .لن .بيروت :دار الجديد. الجانب إلايقاعي الذي كان يميز حقيقة بين الشعر
بن زيلة أبو املنصور .)1998( .الكافي في علم املوسيقى. والنثر ،وإن كان فعال ليس هو الشعر ،خاصة وأن
القاهرة :دار القلم. تقديمهم لإليقاع الداخلي‘ قد شابه الكثير من
ت.س إليوت .)1991( .في الشعر والشعراء .دمشق :دار الغموض ،وطغى عليه الجانب التنظيري أكثر من
كنعان للدراسات والنشر. التطبيق .فلم يستطع أي من منظري ،هذه القصيدة
تامر سلوم .)1947( .نظرية اللغة والجمال في النقد. إعطاء الشكل أو الوجه الحقيقي لهذا إلايقاع الحداثي،
الالذقية :منشورات دار الحوار. والقارئ لهذا النوع سيقف على تلك الفوض ى
جون كوهن .)1997( .بنية اللغة الشعرية .القاهرة :دار املقصودة ،حيث ال تجتمع فيها التراكيب اللغوية وتطغى
املعارف. عليها العبثية ،املتمردة واملعادية لكل إيقاع صوتي ،مما
حسن مخافي .)0227( .القصيدة الرؤيا دراسة في يجعل الغموض يشوب كل مفاصلها .وكل هذا من
التنظير الشعري واملمارسات النقدية لحركة مجلة الحداثة حسب تعبير أصحابها ،الذين رفعوا لواء
شعر .الرباط :اتحاد كتاب املغرب. العداء ضد التراث وكان إلايقاع أول ضحاياهم.
خالدة سعيد .)1949( .حركية إلابداع دراسات في ألادب المصادر والمراجع:
العربي الحديث .بيروت :دار الفكر. ابن منظور .)0212( .لسان العرب ج .4بيروت :دار
خليل اده اليسوعي .)1949 ,8( .إلايقاع في الشعر الصادر.
العربي .فصول ،صفحة .115 أبو الهالل العسكري .)1949( .كتاب الصناعتين
رشاد الدين ملؤنس .)0222( .املرام في معاني الكالم. (الكتابة والشعر) .بيروت :املكتبة العصرية.
بيروت :دار الراتب الجامعية. أحمد عزوز .)1999( .علم ألاصوت اللغوية .وهران:
روز غريب .)1999( .جبران في أثاره الكتابية .بيروت :دار ديوان املطبوعات الجامعية.
املكشوف. أحمد مداس .)0229( .لسانيات النص نحو منهج
ريتشاردز .)0225( .مبادئ النقد ألادبي والعلم والشعر. لتحليل الخطاب الشعري .ألاردن :عالم الكتب الحديث.
القاهرة :املجلس ألاعلى للثقافة. أدونيس .)1970( .زمن الشعر .بيروت :دار العودة.
سامي السويدان .)1999( .في النص الشعري العربي أدونيس .)1979( .مقدمة في الشعر العربي .بيروت :دار
مقاربات منهجية .بيروت :دار ألادب. العودة.
سوزان برنار .)1994( .قصيدة النثر من بودلير إلى إسماعيل عز الدين .)1955( .ألاسس الجمالية في النقد
الوقت الراهن .القاهرة :دار الشرقيات للنشر والتوزيع. العربي .القاهرة :دار الفكر العربي.
الجاحظ بحر بن عثمان أبو عثمان .)1994( .البيان
والتبيين .القاهرة :مكتبة الخانجي.
47
م.ب.هاشمي وآخرون /مجلة آلاداب واللغات ،املجلد ، 12العدد ،2021، 2،ص ص84 - 73 :
محمود درويش .)1949( .أنقذونا من هذا الشعر. شاهين عبد الخالق .)0210 ,9 02( .أصول املعايير
الكرمل. النصية في التراث النقدي والبالغي عند العرب .رسالة
مسعودة الوقاد( .مارس .)0210 ,قصيدة النثر وشعرية ماجستير .الكوفة ،العراق :قسم اللغة العربية ،كلية
التجاوز .علوم اللغة العربية وآدابها جامعة الوادي. آلاداب ،جامعة الكوفة.
ملؤمنات الشامي .)0220/0221( .إلايقاع في شعر نزار شكري عياد .)1994( .موسيقى الشعر العربي مشروع
القباني .مذكرة ماجستير .دمشق ،سوريا :قسم اللغة دراسة علمية .القاهرة :أصدقاء الكتاب.
العربية وآدابها ،جامعة دمشق. صابر عبيد .)0221( .القصيدة العربية الحديثة بين
نعمة رحيم العزاوي .)1974( .النقد العربي عند العرب البنية الداللية والبنية إلايقاعية .دمشق :إتحاد الكتاب
حتى القرن 7هـ .العراق :منشورات وزارة الثقافة العرب.
والفنون. عزة شبل محمد .)0227( .علم لغة النص النظرية
يمنى العيد .)1999( .في معرفة النص .بيروت :دار والتطبيق .القاهرة :مكتبة ألادب.
آلاداب. علي جعفر العالق .)0227( .في حداثة النص الشعري.
ألاردن :دار الشروق للطباعة والنشر.
كمال أبو الديب .)1978( .البنية إلايقاعية في الشعر
العربي .بيروت :دار العلم للماليين.
محمج املاكري .)0225( .الشكل والخطاب مدخل
لتحليل ظاهرتي .بيروت /الدار البيضاء :املركز الثقافي
العربي.
محمد بنيس .)0221( .الشعر العربي الحديث بنياته
وإبدالاتها ج .0الدار البيضاء :دار توبقال.
محمد بنيس .)0221( .الشعر العربي الحديث بنياته
وإبدالتها(التقليدية) .الدار البيضاء :دار توبقال للنشر.
محمد عبد املطلب .)0211( .النص املشكل أو قصيدة
النثر .القاهرة :دار العالم العربي.
محمد كراكبي .)0227( .خصائص الخطاب في ديوان
أبو فارس الحمداني دراسة صوتية وتركيبية .الجزائر:
دار هومة.
محمد مفتاح .)0229( .دينامية النص تنظير وإنجاز.
بيروت/الدار البيضاء :املركز الثقافي العربي.
محمد نويهي .)1971( .قضية الشعر الجديد .القاهرة:
مكتبة الخانجي/دار الفكر.
48