الحاكم المسلم وواجباته

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫الحاكم المسلم وواجباته‬

‫د‪ .‬طه فارس‬


‫صنفان من الَّناس إذا ص لحا ص لح المجتم ع‪ ،‬وإذا فس دا فس د المجتم ع‪:‬‬
‫الحكام والعلماء‪ ،‬فالحكام يصلحون دنيا الَّناس‪ ،‬بتدبير أمورهم وإص الح‬
‫شؤونهم‪ ،‬والعلماء يصلحون ِد ْيَن الَّناس‪ ،‬بنصحهم وتوجيههم‪.‬‬
‫وإذا كان الحكُم أمان ًة عظيم ة يجعله ا هللا تع الى في عنق من يش اء من‬
‫عباده‪ ،‬فينبغي للحاكم أن يك ون ناص حًا أمينًا‪ ،‬وع ادًال عليم ًا‪ ،‬وص ادقًا‬
‫نزيهًا‪.‬‬
‫ينصح رعيته وال يخونهم‪ ،‬ويؤدي حق وقهم وال ينقص هم‪ ،‬ويع دل بينهم‬
‫وال يظلمهم‪ ،‬ويسوسهم بالعلم والِّر عاية‪ ،‬ال بالجهل والغواي ة‪ ،‬ويْص ُد قهم‬
‫وال يكذبهم‪ ،‬ويتقي هللا فيهم‪.‬‬
‫وق د دَّل على ه ذه الص فات آي ات من كت اب تع الى‪ ،‬وأح اديث من ُس َّنة‬
‫النبِّي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫أَّم ا الُّنصح‪ :‬فهو واجب على كِّل مسلم‪ ،‬إَّال أَّن ه أك ثر تأكي دًا في ح ِّق من‬
‫واَّل ه أمرًا من أمور المسلمين العاَّم ة‪ ،‬فقد قال النبُّي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫« َم ا ِم ن َأِم يٍر َيِلي َأْمَر اْلُم ْس ِلِم يَن ُثَّم اَل َيْج َه ُد َلُهْم َو َيْنَص ُح‪ِ ،‬إاَّل َلْم َي ْد ُخ ْل‬
‫َم َع ُهم اْلَج َّنَة»[‪ ،]1‬ولذلك حَّذ ر النبي صلى هللا عليه وسلم الح اكم الغ اَّش‬
‫لرعيته بأن يحَّرم هللا تعالى عليه الجنة‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وس لم‪َ« :‬م ا‬
‫ِم ْن َع ْبٍد َيْسَتْر ِع يِه ُهَّللا َرِع َّيًة َيُم وُت َيْو َم َيُم وُت َو ُهَو َغ اٌّش ِلَرِع َّيِتِه ِإاَّل َح َّر َم‬
‫ُهَّللا َع َلْيِه اْلَج َّنَة»[‪.]2‬‬
‫وال يتُّم واجُب نص ح الح اكم لرعيت ه إَّال بإص الح ش ؤوِنهم‪ ،‬وقض اِء‬
‫حوائجهم‪ ،‬وَس ِّد فاقتهم‪ ،‬وعدم االحتجاب عنهم‪ ،‬فقد قال رسول هللا ص لى‬
‫هللا عليه وسلم‪َ« :‬م ن َو اَّل ُه ُهَّللا َع َّز َو َج َّل َش ْيًئا ِم ن َأْم ِر اْلُم ْس ِلِم يَن َف اْح َتَجَب‬
‫ُد وَن َح اَجِتِهْم َو َخ َّلِتِهْم َو َفْق ِر ِهم اْح َتَجَب ُهَّللا َع ْن ُه‪ُ ،‬د وَن َح اَجِت ِه َو َخ َّلِت ِه‬
‫َو َفْقِر ِه»[‪.]3‬‬
‫أما إن أضَم َر اإلماُم ِغ َّش ًا لرعيِتِه‪ ،‬فلم ينصح لها كما ينص ح لنفس ه‪ ،‬ولم‬
‫يسَع لقضاء حوائجها‪ ،‬كما يسعى في قضاء حواِئِج ِه‪ ،‬فإَّنه أبعُد م ا يك ون‬
‫‪1‬‬
‫من رائحِة الجَّنِة ونعيِمَها‪ ،‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ « :‬م ا ِم ْن‬
‫َع ْبٍد اْسَتْر َع اُه ُهَّللا َرِع َّيًة َفَلْم َيُح ْطَها ِبَنِص يَحٍة‪ِ ،‬إاَّل َلْم َيِج ْد َر اِئَح َة اْلَج َّن ِة»[‬
‫‪ ،]4‬وفي رواي ة‪َ « :‬م ا ِم ْن َأِم يٍر َيِلي َأْم َر اْلُم ْس ِلِم يَن ُثَّم اَل َيْج َه ُد َلُهْم‬
‫َو َيْنَص ُح‪ِ ،‬إاَّل َلْم َي ْد ُخ ْل َم َع ُهم اْلَج َّن َة»[‪ ،]5‬وزاد الطبراني‪« :‬كُنْص ِح ِه‬
‫وجهِدِه لنفِس ِه»[‪.]6‬‬
‫ومن ِغ ِّش اإلماِم وخيانِتِه لدينه وأمت ه أن ُي َو ِّلَي على المناِص ِب من ليس‬
‫أهًال له ا َم ْيًال وُم َح اَب اة‪ ،‬م ع علم ه بوج ود من هم أولى وأص لح‪ ،‬ق ال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬من اس تعمَل َر ْج ًال من ِعَص ابٍة‪ ،‬وفي‬
‫تلك الِعَص ابِة من هو أرضى ِهلل منه‪ ،‬فقد َخ اَن َهللا‪ ،‬وخاَن رسوَلُه‪ ،‬وخاَن‬
‫المؤمنين»[‪ ،]7‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪ « :‬من َو ِلَي من أمِر المسلمين‬
‫شيئًا فأَّمَر عليهم َأحدًا محاباًة فعليِه لعنُة ِهللا‪ ،‬ال َيْقَب ُل ُهللا منه َص ْر َفًا وال‬
‫َع ْد ًال حتى يدخله جهنم»[‪.]8‬‬
‫وأَّم ا األمانة‪ :‬فهي ِض ُّد الخيانة‪ ،‬واَألميُن ‪ :‬هو الَقِوُّي والُم ْؤ َتمُن [‪ ،]9‬وه و‬
‫من ال ُيخشى ُع دواُنُه على حقوق غيِر ِه‪ ،‬ول ذلك ينبغي أن يك ون الح اكم‬
‫قويًا ُم ْؤ َتمنًا على حقوق الَّناس‪ ،‬أَّم ا الخائن والضيف فال يصلحان للحكم‪،‬‬
‫وقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم ألحد أص حابه عندما س أله اإلم ارة‪:‬‬
‫«َيا َأَبا َذ ٍّر ِإَّنَك َضِع يٌف ‪َ ،‬و ِإَّنَها َأَم اَنُة‪َ ،‬و ِإَّنَها َيْو َم اْلِقَياَم ِة ِخ ْز ٌي َو َنَد اَم ٌة‪ِ ،‬إاَّل‬
‫َم ْن َأَخ َذ َها ِبَح ِّقَها َو َأَّد ى اَّلِذ ي َع َلْيِه ِفيَها»[‪.]10‬‬
‫وأما العدل في الحاكم‪ ،‬فقد دَّل عليه ق ول هللا تع الى‪ِ ﴿ :‬إَّن َهَّللا َي ْأُم ُر ُك ْم َأْن‬
‫ُت َؤ ُّد وا اَأْلَم اَن اِت ِإَلى َأْهِلَه ا َو ِإَذ ا َح َك ْم ُتْم َبْيَن الَّن اِس َأْن َتْح ُك ُم وا ِباْلَع ْد ِل ﴾‬
‫[النساء‪ ،]58 :‬وقول هللا تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫﴿ َو َأِن اْح ُك ْم َبْيَنُهْم ِبَم ا َأْن َز َل ُهَّللا َو اَل َتَّتِب ْع َأْه َو اَء ُهْم َو اْح َذ ْر ُهْم َأْن َيْفِتُن وَك‬
‫َع ْن َبْع ِض َم ا َأْنَز َل ُهَّللا ِإَلْيَك ﴾ [المائدة‪ ،]49 :‬وق د بش ر النبُّي ص لى هللا‬
‫عليه وسلم الحاكَم العادل بأن يظله هللا تعالى يوم القيامة في ظ ِّل عرش ه‬
‫يوم ال ظَّل إَّال ِظ ُّله‪ ،‬حيث تدنو الشمُس من رؤوس الخالئق ويبلغ الناَس‬
‫من الغم والكرب ما ال يطيقون وال يحتملون[‪ ،]11‬فقال ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم‪َ« :‬س ْبَع ٌة ُيِظ ُّلُهْم ُهَّللا ِفي ِظ ِّلِه َيْو َم اَل ِظ َّل ِإاَّل ِظ ُّلُه‪ :‬اِإْل َم اُم اْلَع اِد ُل‪[»...‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،]12‬ثم يدخل ه هللا داَر كرامت ه حيث فيه ا م اال عين رأت‪ ،‬وال أذن‬
‫سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر[‪ ،]13‬قال رس ول هللا ص لى هللا علي ه‬
‫وسلم‪َ « :‬أْهُل اْلَج َّن ِة َثاَل َث ٌة‪ُ :‬ذ و ُس ْلَطاٍن ُم ْقِس ٌط ُم َتَص ِّدٌق ُم َو َّف ٌق ‪َ ،‬و َر ُج ٌل‬
‫َرِح يٌم َرِقيُق اْلَقْلِب ِلُك ِّل ِذ ي ُق ْر َبى َو ُم ْس ِلٍم ‪َ ،‬و َع ِفي ٌف ُم َتَع ِّف ٌف ُذ و ِع َي اٍل »[‬
‫‪.]14‬‬
‫وأَّم ا العلم في الح اكم‪ ،‬فق د دَّل علي ه ق ول هللا تع الى على لس ان يوس ف‬
‫عليه الس الم عندما تكَّلم م ع عزي ز مص ر‪َ ﴿ :‬ق اَل اْج َع ْلِني َع َلى َخ َز اِئِن‬
‫اَأْلْر ِض ِإِّني َحِفيٌظ َع ِليٌم ﴾ [يوسف‪ ،]55 :‬فال ب َّد للح اكم من أن يَّتص ف‬
‫ب العلم ال ذي ُيؤِّهُل ه لُح ْس ِن سياس ة العب اد والبالد‪ ،‬فال يخب ط بهم خب ط‬
‫عشواء‪ ،‬فيوردهم موارد الهالك‪ ،‬وقد أخبر النبُّي ص لى هللا علي ه وس لم‬
‫عن أصناف من أولئك الذين يحكمون الناس ويقض ون بينهم‪ ،‬وبين ب أَّن‬
‫الناجي منهم هو ذاك الذي علم الح َّق وقض ى ب ه‪ ،‬أَّم ا الظ الم والجاه ل‬
‫فهما هالكان ال محالة‪ ،‬فقال‪ « :‬اْلُقَض اُة َثاَل َثٌة؛ َقاِض َياِن ِفي الَّناِر ‪َ ،‬و َق اٍض‬
‫ِفي اْلَج َّنِة‪َ ،‬ر ُجٌل َقَض ى ِبَغْيِر اْلَح ِّق َفَعِلَم َذ اَك ‪َ ،‬ف َذ اَك ِفي الَّن اِر ‪َ ،‬و َق اٍض اَل‬
‫َيْع َلُم َفَأْهَلَك ُح ُقوَق الَّناِس َفُهَو ِفي الَّن اِر ‪َ ،‬و َق اٍض َقَض ى ِب اْلَح ِّق َف َذ ِلَك ِفي‬
‫اْلَج َّنِة»[‪.]15‬‬
‫وإن من أشراط الساعة‪ ،‬التي تأتي على الناس بشر مس تطير‪ ،‬أن يت وَّلى‬
‫أمور العاَّم ة من ليس أهًال لها‪ ،‬فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ِ َ« :‬إَذ ا‬
‫ُضِّيَعِت اَأْلَم اَنُة َفاْنَتِظ ِر الَّساَع َة»‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬ك ْي َف ِإَض اَع ُتَها؟ َق اَل ‪ِ« :‬إَذ ا ُو ِّس َد‬
‫اَأْلْم ُر ِإَلى َغْيِر َأْهِلِه َفاْنَتِظ ِر الَّساَع َة»[‪ ،]16‬وقال صلى هللا علي ه وس لم‪:‬‬
‫«َسَيْأِتي َع َلى الَّناِس َس َنَو اٌت َخَّد اَع ة‪ُ ،‬يَص َّدُق ِفيَه ا اْلَك اِذ ُب ‪َ ،‬و ُيَك َّذ ُب ِفيَه ا‬
‫الَّص اِد ُق ‪َ ،‬و ُي ْؤ َتَم ُن ِفيَه ا اْلَخ اِئُن ‪َ ،‬و ُيَخ َّو ُن ِفيَه ا اَأْلِم يُن ‪َ ،‬و َيْنِط ُق ِفيَه ا‬
‫الُّر َو ْيِبَض ُة»‪ِ ،‬قي َل ‪َ :‬و َم ا الُّر َو ْيِبَض ُة؟ َق اَل ‪« :‬الُفَو يس ُق يتكلُم في أْم ِر‬
‫العاَّم ة»‪ ،‬وفي رواي ة‪« :‬الَّتاف ُه يتكلم في أم ر العام ة»‪ ،‬وفي رواي ة‪:‬‬
‫«السفيه يتكلُم في أْم ِر العاَّم ة»[‪.]17‬‬
‫وإن من أخطر ما يفعله الحاكم أن يحيد عن الح ِّق عنادًا ويحكم بغ يره‪،‬‬
‫وعندئذ يستحُّق الوعيد الذي أوع د هللا تع الى ب ه المتنك بين عن ش رعه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فقال‪َ ﴿ :‬و َم ْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َل ُهَّللا َفُأوَلِئَك ُهُم اْلَك اِفُروَن ﴾ [المائدة‪،]44 :‬‬
‫وق ال‪َ ﴿ :‬و َم ْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْن َز َل ُهَّللا َفُأوَلِئ َك ُهُم الَّظ اِلُم وَن ﴾ [المائ دة‪:‬‬
‫‪ ،]45‬وقال‪َ ﴿ :‬و َم ْن َلْم َيْح ُك ْم ِبَم ا َأْنَز َل ُهَّللا َفُأوَلِئَك ُهُم اْلَفاِس ُقوَن ﴾ [المائدة‪:‬‬
‫‪.]47‬‬
‫وأَّم ا الصدق في الحاكم‪ ،‬فيدُّل على وجوب مالزمته قول النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪َ« :‬ثاَل َثٌة اَل ُيَك ِّلُم ُهْم ُهَّللا َيْو َم اْلِقَياَم ِة َو اَل ُي َز ِّك يِهْم َو اَل َيْنُظ ُر ِإَلْيِهْم‬
‫َو َلُهْم َع َذ اٌب َأِليٌم ‪َ :‬ش ْيٌخ َز اٍن ‪َ ،‬و َم ِلٌك َك َّذ اٌب ‪َ ،‬و َع اِئ ٌل[‪ُ]18‬م ْس َتْك ِبٌر»[‪،]19‬‬
‫فالك ذب ح رام على ك ل مس لم‪ ،‬إال أن ه في الح اكم ال ذي واله هللا أم ر‬
‫المسلمين أشد ذمًا‪ ،‬وأعظم إثمًا‪ ،‬وأكثر خطرًا‪ ،‬وذلك ألن ه ال يخش ى من‬
‫أحد من رعيته‪ ،‬وال يحتاج الى مداهنت ه ومص انعته‪ ،‬ف إن اإلنس ان إنم ا‬
‫ُي َد اِهن وُيَص انع بالك ذب وش بهه من يح ذره ويخش ى أذاه ومعاتبت ه‪ ،‬أو‬
‫يطلب عنده بذلك منزلة أو منفعة‪ ،‬وهو غنى عن الكذب مطلقًا[‪.]20‬‬
‫ولع ل من المفي د هنا أن ن ذكر تل ك الوص ية الرائع ة ال تي أرس ل به ا‬
‫صاحب القلِب التقِّي الزاهِد حسُن البصري‪ ،‬إلى األمير المبارك الص الح‬
‫الراشد عمَر بِن عبد العزيز‪ ،‬عندما أرسل إليه يستنصحه‪ ،‬فكتب إليه في‬
‫رسالة طويلة نذكر بعضها‪ « :‬اعلم يا أمير المؤمنين‪ ،‬أَّن َهللا جعل اإلماَم‬
‫العادَل ِقَو ام كِّل مائل‪ ،‬وَقْص َد كِّل ج ائٍر ‪ ،‬وص الَح ك ِّل فاس ٍد ‪ ،‬وق وَة ك ِّل‬
‫ضعيٍف ‪ ،‬وَنَص َفَة[‪ ]21‬كِّل مظلوم‪ ،‬وَم ْفَز َع كِّل ملهوف‪ .‬واإلمام العادل ‪-‬‬
‫يا أمير المؤمنين ‪ -‬كالَّراعي الشفيِق على إبِلِه‪ ،‬الرفيِق به ا‪ ،‬ال ذي َيرَت اُد‬
‫لها أطيَب المراعي‪ ،‬ويذوُد َها عن َم َر اِت ِع الَهَلك ة‪ ،‬ويحميه ا مَن الِّس َباِع‪،‬‬
‫وُيكُّنَها من أذى الحِّر والَقِّر‪.‬‬
‫واإلمام العادل ‪ -‬يا أمير المؤمنين ‪ -‬كاألِب الحاني على َو لِد ه‪ ،‬يسعى لهم‬
‫صغارًا‪ ،‬ويعلمهم كبارًا؛ يكتسُب لهم في حياته‪ ،‬ويَّد ِخ ُر لهم بعَد مماِتِه‪.‬‬
‫واإلمام العدل ‪ -‬يا أمير المؤمنين ‪ -‬كاألِّم الش فيقِة ال بَّر ِة الَّر ِفيَق ِة بول دها‪،‬‬
‫حملت ُه ُك ْر َه ًا‪ ،‬ووض عتُه ُك ْر َه ًا‪ ،‬ورَّبت ُه ِط ْفًال تس هُر بس هِر ِه‪ ،‬وتس كُن‬
‫بسكوِنِه‪ ،‬ترضُعُه تارًة وتْفطُم ُه أخرى‪ ،‬وتفَر ُح بعافيِتِه‪ ،‬وتْغ َتُّم بشَك اَيِتِه‪.‬‬
‫واإلمام العدل ‪ -‬يا أمير المؤمنين ‪َ -‬و ِص ُّي اليت امى‪ ،‬وخازُن المس اكيِن ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ُيَر ِّبي صغيَر هم‪ ،‬ويموُن كبيَر ُهم‪.‬‬
‫واإلم ام الع دل ‪ -‬ي ا أم ير المؤم نين ‪-‬ك القلِب بيَن الج واِر ِح‪َ ،‬تْص ُلُح‬
‫الجوارُح بصالِح ِه‪ ،‬وَتْفُس ُد بفساِدِه‪.‬‬
‫فال تكن يا أمير المؤمنين فيم ا َم َّلَك َك ُهللا ع َّز وج َّل كعب ٍد ائتَم َن ُه س يُد ُه‪،‬‬
‫واستحَفَظُه َم اَلُه وعَياَلُه‪َ ،‬فَبَّد َد الم اَل وَش َّر َد العَي اَل ‪ ،‬ف أفقَر أهَل ُه‪ ،‬وَف َّر َق‬
‫ماَلُه‪.]22[»...‬‬
‫هكذا وصف اإلمام العالم الزاهد حسن البصري رحمه هللا اإلماَم الع ادَل‬
‫في رس الته ال تي أرس لها إلى عم َر بِن العزي ز رحم ه هللا عندما َو ِلَي‬
‫الخالفة‪ ،‬وهلل َد ُّر ُه ما أدَّقُه من وصف‪ ،‬وما أبدَع ُه من تشبيٍه‪.‬‬
‫هذه هي جملة من الصفات التي ينبغي أن يتحَّلى بها الحاكم المسلم‪ ،‬ول و‬
‫أَّن كَّل حاكم مسلم امتثل ه ذه القيم الرائع ة ألس عَد رعيت ه وأراح نفس ه‪،‬‬
‫وأبقى له ذكرًا حس نًا من بع ده‪ ،‬ثَّم أنق ذ نفس ه من ع ذاب هللا تع الى ي وم‬
‫القيامة‪ ،‬أَّم ا إن ركب متن الش هوات‪ ،‬وظلم وج ار وخان وك ذب وغش‬
‫شعبه‪ ،..‬فليعلم بأن أمامه عقب ة ك ؤودًا [‪ ]23‬ال ينق ذه منه ا منص ب وال‬
‫م ال وال ج اه وال أوالد‪ ،‬و«إَّن هللا تع الى ليملي للظ الم ثم إذا أخذه لم‬
‫يفلته»[‪.]24‬‬
‫[‪ ]1‬أخرجه البخاري في األحكام برقم‪6732‬؛ ومسلم في اإليمان برقم‪ ،142‬واللفظ له‪.‬‬
‫[‪ ]2‬أخرجه البخاري في األحكام برقم‪6731‬؛ ومسلم في اإليمان برقم‪.142‬‬
‫[‪ ]3‬أخرجه أبو داود في الخراج واإلم ارة والفيء ب رقم‪ 2948‬واللف ظ ل ه؛ والترم ذي‬
‫في األحك ام ب رقم‪1332‬؛ والطبراني في الكب ير ‪ 331/ 22‬ب رقم ‪18684‬؛ وانظ ر‪:‬‬
‫الترغيب والترهيب‪.124/ 3‬‬
‫[‪ ]4‬أخرجه البخاري في األحكام برقم ‪6731‬؛ ومسلم في اإليمان برقم ‪.142‬‬
‫[‪ ]5‬أخرجه مسلم في اإليمان برقم ‪.142‬‬
‫[‪ ]6‬ذكره المنذري في الترغيب والترهيب ‪.123/ 3‬‬
‫[‪ ]7‬أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ‪ 104/ 4‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد ولم‬
‫يخرجاه‪.‬‬
‫[‪ ]8‬أخرجه الحاكم في المستدرك ‪ 104/ 4‬وقال‪ :‬ص حيح اإلس ناد ولم يخرج اه‪ ،‬وق د‬
‫ذكره المنذري في الترغيب والترهيب بصيغة الجزم ‪ .125/ 3‬نقل اإلمام النووي في‬
‫شرحه على مسلم ‪ 141/ 9‬عن المازري قوله‪ :‬اختلفوا في تفسيرهما‪ ،‬فقي ل‪ :‬الص رف‬
‫‪5‬‬
‫الفريضة‪ ،‬والعدل النافلة‪ ،‬وقال الحسن البصرى‪ :‬الص رف النافل ة‪ ،‬والع دل الفريض ة‪،‬‬
‫عكس قول الجمهور‪ ،‬وقال األصمعي‪ :‬الصرف التوبة‪ ،‬والعدل الفدية‪ .‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫[‪ ]9‬انظر‪ :‬مقاييس اللغة ‪138/ 1‬؛ مفردات ألفاظ القرآن ‪.48/ 1‬‬
‫[‪ ]10‬أخرجه مسلم في اإلمارة برقم ‪.1825‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه البخاري في تفسير القرآن برقم‪.4435‬‬
‫[‪ ]12‬أخرجه البخاري في الزكاة برقم ‪1357‬؛ ومسلم في الزكاة برقم ‪.1031‬‬
‫[‪ ]13‬أخرجه البخاري في بدء الخلق برقم ‪.3072‬‬
‫[‪ ]14‬أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها برقم ‪.2865‬‬
‫[‪ ]15‬أخرجه أبو داود في األقضية ب رقم‪3573‬؛ والترم ذي في األحك ام ب رقم‪1322‬؛‬
‫وابن ماجه برقم‪.2315‬‬
‫[‪ ]16‬أخرجه البخاري في العلم برقم ‪.59‬‬
‫[‪ ]17‬أخرجه أحمد في المسند ‪ 338/ 2‬برقم‪8440‬؛ وابن ماجه في الفتن برقم ‪4036‬؛‬
‫والحاكم في المستدرك‪ 512/ 4‬برقم‪ 8439‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫[‪ ]18‬العائل‪ :‬الفقير‪ ،‬وق د ع ال يعي ل عيل ة‪ ،‬إذا افتق ر‪ .‬النهاي ة في غريب الح ديث‪:5‬‬
‫‪.455‬‬
‫[‪ ]19‬أخرجه مسلم في اإليمان برقم‪.107‬‬
‫[‪ ]20‬شرح صحيح مسلم للنووي‪.150/ 11‬‬
‫[‪ ]21‬من اإلنصاف‪.‬‬
‫[‪ ]22‬العقد الفريد البن عبد ربه ‪.12/ 1‬‬
‫[‪ ]23‬العقبة الكؤود‪ :‬أي الشاَّقة‪ .‬النهاية في غريب الحديث‪.207 /7‬‬
‫[‪ ]24‬أخرجه البخاري في تفسير القرآن ‪4409‬؛ ومسلم في البر والصلة واآلداب برقم‬
‫‪.2583‬‬

‫‪6‬‬

You might also like