‎⁨أدوات كتابة القصة⁩

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 240

‫معهد الجز يرة لإلعالم‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‬

‫الطبعة األوىل‪2024 :‬‬

‫الرقم الدويل (‪:)ISBN‬‬


‫‪978-625-98452-2-7‬‬

‫أدوات كتابة القصة‬


‫دليل عملي لتحر ير النصوص‬

‫تأليف‬
‫رشاد عبد القادر‬

‫تحرير‬
‫دمحم ز يدان‬

‫تدقيق لغوي‬
‫حسني عدوان‬

‫تصميم‬
‫أحمد فّتّاح‬

‫جميع الحقوق محفوظة © معهد الجزيرة لإلعالم ‪2024‬‬


‫الفهرس‬

‫‪9‬‬ ‫تصدير املعهد‬

‫‪13‬‬ ‫ً‬
‫أوًال‪ .‬البدايات‬
‫‪13‬‬ ‫• الهرم املقلوب‬
‫‪18‬‬ ‫• الكتابة «صنعة»‬

‫‪21‬‬ ‫ثانيًاً‪ .‬عرش نصائح عامة‬


‫‪22‬‬ ‫‪ .1‬ابتعد عن قصتك‬
‫‪22‬‬ ‫‪ .2‬اجذب انتباه القارئ‪ :‬ابدأ باألكشن‬
‫‪24‬‬ ‫‪ .3‬اقرأ بصوت عال‬
‫‪24‬‬ ‫‪ .4‬ال يشء مقدس‪ ،‬اكرس القاعدة كلما وجدت ذلك رضور ّيًّاً‬

‫‪24‬‬ ‫‪ .5‬اعرض‪ ،‬ال تخرب‬


‫‪26‬‬ ‫‪ .6‬احرص على البساطة‬
‫‪27‬‬ ‫‪ .7‬تخلص من النرث املنمق‬
‫‪29‬‬ ‫‪ .8‬ركز على بنية القصة‬
‫‪32‬‬ ‫‪ .9‬تخلص من األخطاء اللغوية الفادحة‬
‫‪33‬‬ ‫‪ .10‬االمتحان النهايئ أو ما ُُيعرف بـ«امليمات الست»‬
‫‪37‬‬ ‫ثالثًاً‪ .‬مراحل التحر ير واملراجعة‬
‫‪37‬‬ ‫‪ .1‬تحر ير املضمون‬
‫‪38‬‬ ‫• الفكرة العامة للقصة‬
‫‪41‬‬ ‫• البنية ‪ /‬الحبكة‬
‫‪51‬‬ ‫• نمو الشخصية‬
‫‪60‬‬ ‫• التأثري الدرامي‬
‫‪62‬‬ ‫• االستمرارية ‪ /‬االتساق‬
‫‪72‬‬ ‫• وملزيد من التعمق‪:‬‬
‫‪72‬‬ ‫‪ o‬حواس الصحفي العرش‬
‫‪76‬‬ ‫‪ o‬أسئلة القارئ الخمسة‬
‫‪78‬‬ ‫‪ o‬املقابالت‬
‫‪81‬‬ ‫‪ o‬تدوين املالحظات‬
‫‪85‬‬ ‫‪ .2‬تحر ير الجملة‬
‫‪91‬‬ ‫• بنية الجملة الديناميكية‬
‫‪94‬‬ ‫‪ o‬عالمات الرتقيم‪ ..‬ديناميكية الجملة‬
‫‪102‬‬ ‫‪ o‬عالقة «األكشن» باألفعال‬
‫‪104‬‬ ‫‪ o‬عالقة «الشخصيات» بالفاعل‬
‫‪107‬‬ ‫‪ o‬الوضوح ال السذاجة‬
‫‪113‬‬ ‫• الكلمات القوية‪ :‬األسماء واألفعال‬
‫‪119‬‬ ‫‪ o‬الشخصيات واملبين للمجهول‬
‫‪120‬‬ ‫‪ o‬مىت تقرر املبين للمجهول من املبين للمعلوم؟‬
‫‪122‬‬ ‫• اللغة‬
‫‪123‬‬ ‫‪ o‬سلم التجريد‬
‫‪127‬‬ ‫• النربة‪ ،‬األسلوب‪ ،‬الصوت‬
‫‪134‬‬ ‫• الحوار الجيد‬
‫‪138‬‬ ‫‪ o‬الشخصية يف القصة والتقرير‬
‫‪141‬‬ ‫‪ o‬كيف تعيد بناء الشخصيات املفقودة؟‬
‫‪142‬‬ ‫‪ o‬الشخصيات املجردة‬
‫‪144‬‬ ‫‪ o‬شخصية الصحفي‬
‫‪147‬‬ ‫‪ .3‬تحر ير النص‬
‫‪148‬‬ ‫• التماسك واالتساق‬
‫‪152‬‬ ‫• اللفظ واملعىن‬
‫‪152‬‬ ‫ّ‬
‫والّتوخي‬ ‫• التخرّير‬
‫‪153‬‬ ‫• عن االختيار والصواب‬
‫‪162‬‬ ‫• مفهوم االحتكاك‬
‫‪163‬‬ ‫• بناء الجملة يف اللغة العربية‬
‫‪167‬‬ ‫• دع الكلمات والجمل تتصادم‬
‫‪176‬‬ ‫• كيف تنهي الجملة؟‬
‫‪178‬‬ ‫• مفهوم النربة‬
‫‪182‬‬ ‫• ُ‬
‫الُح ْْسن‪ ..‬محاولة فهم‬
‫‪182‬‬ ‫‪ o‬التوازن والتناظر‬

‫‪193‬‬ ‫رابعًاً‪ .‬امللحق‪:‬‬


‫‪193‬‬ ‫‪ o‬قصة «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة»‪.‬‬
‫ً‬
‫قصًة؟‬ ‫ُ‬
‫القصُة كيف تصبح‬ ‫‪o‬‬
‫‪231‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪8‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تصدير املعهد‬

‫ّ‬
‫تتخّلل طوابق التفكري‬ ‫للكتابة العربية متاهاتها الطويلة واملتعددة‪ ،‬وهي متاهات‬
‫النظري يف شأن أصلها وفصلها ومعمارها وقوانينها‪ ،‬مثلما تتخلل االنشغال‬
‫العملّيّ بدرسها وتعليمها وتطويرها‪ .‬وأّيًّاً كان الطابق الذي نلج إليه‪ ،‬فإّنّه ال‬
‫تتوّفر لكثريين األناة الكافية يف عرص الرسعة لتفعيل ملكة الكتابة وشحذها‬ ‫ّ‬

‫على النحو الذي يخدم القارئ والقراءة معًاً‪ .‬ولنئ كانت هذه املالحظة ذات‬
‫مصداق يرسي على معظم املحتاجني إىل الكتابة العربّيّة يف حياتهم الشخصية‬
‫ّ‬
‫أخّص وأ كرث خطورة على الكاتب الصحفي‪.‬‬ ‫واملهنّيّة‪ ،‬فإنها تنطبق بشكل‬

‫فمهارات الكتابة الصحفية وأدواتها‪ ،‬وال سّيّما تلك اليت تخدم عنرص الرسد‬
‫يف القصة‪ ،‬متط ّّورة أبدًاً‪ ،‬واعتبار أن ما كتبه األقدمون يف هذا الباب كاٍف يف‬
‫ٍ‬
‫ذاته من دون استصالح ملا هو رضوري أو تدويٍر ملا يالئم طبائع األزمنة اليت‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫تتقّدم ّ‬
‫األّمة الكاتبة إليها‪ ،‬هو اعتباٌر ٌ غري سليم؛ فاملكتبة العربية املعارصة ما تزال‬
‫واألدّلة العملّيّة اليت ّ‬
‫تعّلم الكتابة وتدّرّب‬ ‫ّ‬ ‫ماّسة إىل مزيد من الكتب‬ ‫ّ‬ ‫بحاجة‬
‫ّ‬
‫املتشّظي من النصائح األساسية وتبسطها للقارئ الجديد‬ ‫على أدواتها وتجمع‬
‫ّ‬
‫التكّلس‪،‬‬ ‫بأمثلة وتطبيقات معارصة غري تلك اليت يصيبها القدم ويعرتيها‬
‫ّ‬
‫تحتّلها فكرة الكتابة‬ ‫فتميس بعيدة ّ‬
‫كّل البعد عن تلك الصورة املرشقة اليت‬
‫السليمة يف الثقافة العربّيّة‪.‬‬

‫كذلك فإن االنطباع الذي ما يزال يحتفظ به بعضهم بشأن الكتابة العربّيّة‬
‫وصعوبتها هو أيضًاً مجانب للصواب‪ ،‬وهو انطباع أسهم يف تشّكّله عدم‬
‫العناية الكافية بتثوير النشاط األكاديمي والتأليفي املعّين بتطوير ّ‬
‫أدّلة الكتابة‬ ‫ّ‬
‫وتبسيطها وتعميمها وتوفري الالزم منها ملختلف أصناف املنشغلني بالكتابة‬
‫وفئاتهم العمرية‪ ،‬وضعف العمل على التحديث املستمر لها يف طبعات ميرّسر ة‬

‫‪9‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بأشكالها الورقّيّة والرقمّيّة معًاً‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬وأسباب مرّكّبة أخرى عديدة‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتعّقدها يف معظم األحيان إال عندما يصل املكتوب‬ ‫ال يصطدم الكاتب بالكتابة‬
‫إىل القارئ‪ ،‬فتدخل املنظومة الكتابّيّة يف دورة متسلسلة من الركاكة لدى بعض‬
‫املزتّمتة لدى آخرين‪ .‬وبني هذا وذاك‪ ،‬تضعف صنعة‬ ‫ّ‬ ‫األفراد أو يف املحافظة‬
‫قصٌص كان حر ّيًّاً بها أن تكتب ُ‬
‫وُتقرأ‪ ،‬وتلك خسارة‬ ‫ٌ‬ ‫الكتابة وتذوي‪ ،‬وتضيع‬
‫ً‬
‫فضًال عن كونها يف‬ ‫أّس الصحافة الجّيّدة‪،‬‬
‫كبرية؛ إذ إن الكتابة السليمة هي ّ‬
‫مخيالنا العرّيبّ هي مظهر الكون‪ ،‬مثلما أن القراءة هي مظهر الوجود‪ ،‬بحسب‬
‫ما يخربنا به الشاعر الفلسطيين محمود درويش‪“ :‬اكتب تكن‪ ،‬واقرأ تجد”‪.‬‬

‫ومن مالحظة هذا الواقع وإدراك مسؤولية اإلسهام يف النهوض به جاء‬


‫ّ‬
‫معّلمو‬ ‫هذا الكتاب الذي يعود بنا إىل القاعدة املبدئية اليت يكاد يجمع عليها‬
‫الكتابة واملتمّرّسون بها؛ وهي ّ‬
‫أّن الكتابة “ليست موهبة بل معرفة” وأن‬
‫الرسد فيها حرفة يمكن ّ‬
‫تعّلمها واكتسابها وصقلها‪ ،‬عرب تحسني التعامل‬
‫ّ‬
‫املؤّلف إىل أن الكلمة‬ ‫مع أدواتها وقوانينها معًاً‪ .‬ففي هذا الكتاب‪ ،‬يطمئننا‬
‫ّ‬
‫ويتجّدد‪ ،‬وأن استثمار ذلك عرب تطوير أدوات‬ ‫املكتوبة “كائن حّيّ” ينمو ويتط ّّور‬
‫ً‬
‫كفيًال بإطالق رساح‬ ‫التعبري بها واستكشاف أساليب الرسد الوفرية فيها سيكون‬
‫أقالم الكتاب والصحفيني بما يعود بالنفع الجزيل على اللغة العربية ومهنة‬
‫الصحافة معًاً‪.‬‬

‫يعّد هذا‬‫ّ‬ ‫وإىل جانب كتاب “الرسد يف الصحافة” الذي صدر عام ‪،2021‬‬
‫القّصة ومصدرًاً مهمًاً‬
‫ّ‬ ‫الكتاب لبنة جديدة يف رصح الكتابِة عن الكتابِة وأدوات‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املؤّلف جهدًاً استثنائيًاً يف‬
‫ّ‬ ‫من مصادر املعلومات واألمثلة املرجعّيّة اليت بذل‬
‫جمعها وتقريبها للقارئ العرّيبّ‪ ،‬واألخذ بيده عرب سلسلة من النصائح الواضحة‬
‫والتدريبات العملية املتن ّّوعة واإلضاءات اللغوية والثقافية والسياقّيّة العديدة‬
‫اليت تعكس عناية الكاتب باألصيل واملعارص من الثقافة العربية‪ ،‬واليت أضاف‬

‫‪10‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫إليها إملامه الواسع بتقنيات الكتابة الحسنة يف الصحافة الغربية الحديثة‬


‫وخربته املديدة يف تخرّير املفيد منها للكاتب العرّيبّ‪.‬‬

‫وقد جاء اهتمام معهد الجزيرة لإلعالم بموضوع هذا الكتاب اتساقًاً مع‬
‫رؤية رائدة تؤمن بدور الكتابة الصحفية بوصفها رشطًاً للتنمية الثقافية الحّرّة‬
‫ّ‬
‫وتعّلمها ألجيال جديدة من‬ ‫واستشعارًاً للحاجة ّ‬
‫املاّسة إىل تنوير درب الكتابة‬
‫الصحفيني والصحفيات يف العامل العريب‪ ،‬ورضورة رفد املكتبة العربية بالكتب‬
‫ّ‬
‫واألدّلة التعليمية امليرّسر ة يف هذا املجال‪ ،‬على أمل أن يفتح ذلك األبواب ملزيد‬
‫من األعمال اليت تسهم يف إنماء ثقافة الكتابة الصحفية العربّيّة املعارصة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪12‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫البدايات‬

‫الهرم املقلوب‬

‫كان الفضول والقلق ينتابان الروايئ األمرييك الري ماكمريتر ي �‪Larry Mc‬‬
‫ّ‬
‫حّطت طائرته يف‬ ‫‪ Murtry‬الحائز على «جائزة بوليزتر» يف اآلداب عندما‬
‫تكساس عام ‪1963‬؛ ففي ساعات قليلة سيشهد عملية غري اعتيادية ‪-‬بمعايري‬
‫زمانه‪ -‬يف تحويل شخصيات روايته ‪ Horseman, Pass By‬إىل كائنات من‬
‫اّد» ‪ Hud‬الذي سيحصد ‪3‬‬‫َه ّ‬
‫لحم ودم تقف أمام عدسات تصوير فيلم « َ‬
‫جوائز أوسكار‪ ،‬وسُيُحفظ يف «السجل الوطين لألفالم» يف مكتبة الكونغرس‬
‫باعتباره إحدى أيقونات سينما الغرب األمرييك‪.‬‬

‫كانت عمليات التصوير قد بدأت فعلّيًّاً قبل أسبوع أو أسبوعني عندما وصل‬
‫تفّتق يف ذهنه كحبة ُ‬
‫الُّذَرَة أن سأل العاملني هناك‪:‬‬ ‫إىل املوقع‪ ،‬وكان أول ما ّ‬
‫كيف جرى مشهد الصقور الح ّّوامة؟‬

‫َه ّ‬
‫اّد» ‪-‬الذي يؤدي دوره املمثل بول نيومان‪ -‬بشاحنته‬ ‫يف ذلك املشهد‪ ،‬يصل « َ‬
‫ْت بسبب مرٍض انترش يف قطيع أبقاره‪،‬‬ ‫الصغرية ويكتشف أن بقرة قد َ‬
‫نفَق ْ‬
‫ٍ‬
‫فُيُخرج بندقيته غاضبًاً‪ ،‬ويطلق النار على صقور ح ّّوامة تراصفت على غصن‬
‫شجرة تنتظر بفارغ الصرب الوليمة املاثلة أمامها‪ .‬وكان من املفرتض ‪-‬بحسب‬
‫ً‬
‫فزعًة يف السماء الزرقاء‪ ،‬لكنها يف أثناء تصوير‬ ‫أحداث الرواية‪ -‬أن تطري الصقور‬
‫املشهد رفضت أن تتحرك من مكانها‪ .‬ويذكر الري ماكمريتري كيف تبادل‬

‫‪13‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫َك‬ ‫الَحَرَج من سؤاله؛ ليكتشف أن األمر مل يرس كما يجب‪َ .‬‬


‫وَل َ‬ ‫العاملون نظرات َ‬
‫تخُّيُل ذلك‪ :‬أن تطلق النار على طيور‪ ،‬فتبقى يف مكانها‪ ،‬وكأن شيئًاً مل يكن!‬

‫بدأت املشكلة عندما اكتشف فريق العمل أن الصقور املحلية يف «تكساس»‬


‫رّث‪ ،‬فاضطروا إىل شحن صقور خاصة ج ّّوًاً وبتكلفة كبرية‪ ،‬وكانت‬
‫مظهرها ّ‬
‫هذه الصقور ذات مظهر درامي يتناسب مع وسامة املمثل بول نيومان‪ .‬ثم‬
‫بدأت املشكلة الثانية؛ كان من املستحيل التمرين على املشهد‪ ،‬من دون أن‬
‫تفّرّ الصقور الجديدة املهيبة‪ ،‬فما الحل؟ اقرتح أحدهم أن ُُتر ََبط أرجلها بسلك‬
‫إىل غصن الشجرة‪ .‬وهذا ما فعلوه؛ أطلق نيومان النار من بندقيته يف أثناء‬
‫التمرين‪ ،‬فلم تستطع الصقور الطريان‪ ،‬عوضًاً عن ذلك‪ ،‬يف أثناء هوجة الفزع‪،‬‬
‫اندفعت إىل األمام‪ ،‬وانقلبت رأسًاً على عقب متدلّيّة من أرجلها املربوطة بغصن‬
‫الشجرة‪ .‬نجحت الخطة‪ ،‬لكن القصة مل تنتِه هنا‪ .‬تبنّين أن الدورة الدموية لهذه‬
‫ِ‬
‫الصقور الح ّّوامة ال تعمل عندما تكون رأسًاً على عقب‪ ،‬والنتيجة أنها تصاب‬
‫باإلغماء‪ ،‬فيعمد الفريق إىل تصحيح وضعيتها مجددًاً يك تعود إىل وعيها‪.‬‬
‫وهكذا‪ :‬إطالق نار‪ ،‬محاولة طريان‪ ،‬انقالب‪ ،‬إغماء‪ ،‬إفاقة ‪ -‬مرة‪ ،‬مرتني‪ ،‬ثالثا‪،‬‬
‫أربعا‪ ..‬أصبح الجميع جاهزًاً‪ُُ .‬فّكّت أرجل الصقور‪ ،‬وُأُديرت الكامريات استعدادًًا‬

‫للحظة الكربى‪ ،‬ومع رصخة‪ :‬أ كشن‪ ،‬طاخ طااخ‪ ،‬مل تتحرك الطيور من مكانها‪،‬‬
‫ثم طاخ طااخ طاخ‪ ،‬طخ طاخ‪ ،‬رفضت أن تتحرك أيضًاً‪ .‬استعان الفريق بمدّرّب‬
‫رفيع املستوى ملساعدة الصقور على استعادة احرتامها لذاتها‪ ،‬لكنه مل ينجح إال‬
‫َب صانعو الفيلم حساب كل يشء إال‬
‫حَس َ‬
‫مع صقرين اثنني من أصل ‪َ .12‬‬
‫«عقلية الصقر»؛ فقد كان لسان حال الصقور يقول‪« :‬جربنا الطريان ومل ينجح‪.‬‬
‫لن نجربه مجددًاً»‪ .‬كان املشهد برمته فوىض عارمة‪.‬‬

‫​القصة ذكرها ماكمريتري عام ‪ 1968‬يف كتابه ‪ ،In a Narrow Grave‬عن‬


‫تأمالته وذكرياته يف «تكساس»‪ .‬نكشت املؤّرّخة والكاتبة واملحارضة باتريشيا‬

‫‪14‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫نيلسن ليمريك القصة مجددًاً يف مقال مطول نرشته‪ 1‬يف «نيويورك تايمز»‬
‫عام ‪ 1993‬تنتقد فيه «عقلية الصقر» يف املؤسسات الجامعية‪ ،‬ثم أصبحت‬
‫منذ ذلك الحني مرضبًاً للمثل لدى الحديث عن كتابة التقارير ‪Reporting‬‬
‫الصحفية؛ أو ما ُُيعرف باالسم املفزع «الهرم املقلوب»‪.‬‬

‫فتاريخّيًّاً‪ ،‬تربط املؤسسات اإلعالمية أرجل صحفييها بقالب «الهرم املقلوب»؛‬


‫ومفاده أن املعلومات يجب تقديمها بطريقة معينة‪ :‬األكرث أهمية يف قاعدة‬
‫الهرم يف األعلى‪ ،‬واألقل أهمية يف رأسه املدبب املتجه إىل األسفل‪ .‬ال عيب‬
‫يف ذلك بحد ذاته؛ إذ ينبغي أن يكون للصحفيني أرضية مشرتكة‪ ،‬وعليهم‬
‫أن يتشاركوا يف بعض االفرتاضات األساسية‪ ،‬وأن تكون لديهم عادات ذهنية‬
‫متشابهة؛ فهذا يمنح الصحفي موطئ قدم يف املؤسسة اليت يعمل فيها‪.‬‬

‫الَح ََّوام» على الصحفي؛ فريفض‬


‫املشكلة تبدأ عندما تهيمن نفسية «الصقر َ‬
‫الطريان واستعادة احرتام الذات حىت بعد ّ‬
‫فّك قدميه‪ .‬يْرِْبض هناك على‬
‫ِ‬
‫غصن الشجرة‪ ،‬بظهره املنحين‪ ،‬غاضبًاً ومرت ّبّصًاً بأي صحفي آخر يحاول‬
‫قليًال‪ ،‬فيتربع بإيصال «شكوى» شديدة اللهجة بأن أي محاولة‬ ‫ً‬ ‫التحليق‬
‫الخرتاق حصن «الهرم املقلوب» املنيع ينبغي أن ُُت ْْف َ‬
‫َشل يف مهدها‪ .‬فالكتابة‬
‫«مهارُة بقاء» عنده داخل املؤسسة‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبحت الحكمة هي‬ ‫ُ‬ ‫الباهتة‬
‫الجلوس بهدوء على الغصن؛ الجلوس من دون أّيّ تفكري يف الطريان‪ ،‬فحىت‬
‫مجرد التفكري قد يكون كافيًاً إلمالة املزيان وإطالق جولة أخرى من الرفرفة‬
‫واإلغماء واالرتباك‪.‬‬

‫طوال قرون‪ ،‬مل يكن «الهرم املقلوب» الشكل الوحيد يف إيصال الخرب؛ كانت‬
‫ظّل مستمّرًّاً بني الذين يريدون تقديم‬
‫ّ‬ ‫هناك دائمًاً استثناءات‪ ،‬ولكن التوتر‬

‫‪1‬‬
‫‪Limerick, Patricia Nelson, Dancing With Professors: The Trouble With Academic Prose,‬‬
‫‪NYTimes, 1993.‬‬

‫‪15‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الخرب ناشفًاً ومجَّرَدًا ً ‪ Hard News‬وأولئك الراغبني يف رواية القصص �‪Sto‬‬


‫‪ rytelling‬املتحمسني لتبيّني هياكل رسدية للحفاظ على القّرّاء الذين تِق ُ‬
‫ُّل‬
‫ِ‬
‫والحّق أن أشكال الكتابة ليست ثابتة‪ ،‬بل هي استجابة‬ ‫ّ‬ ‫أعدادهم باطراد‪.‬‬
‫لتطلعات الجمهور‪ ،‬ومتطلبات السوق‪ ،‬واُملُناخ السيايس‪ ،‬وما تتيحه التقنيات‬
‫الجديدة من فرص‪.‬‬

‫ليس هذا فحسب؛ ففي عرصنا‪ ،‬عرص الذكاء االصطناعي‪ ،‬والوباء واملعلومات‬
‫املضللة‪ ،‬يتجادل الصحفيون عاملّيًّاً يف املفاهيم الكربى الراسخة يف الصحافة‪،‬‬
‫ويشككون يف مدى جدواها؛ كـ«املوضوعية» و«الحياد» و«التوازن»‪ ،‬بينما‬
‫متوَّجسًاً منه يف‬
‫َ‬ ‫أّن أسلوبًاً واضحًاً مثل قاعدة «الهرم املقلوب» ما يزال‬
‫تجد ّ‬
‫صحافتنا‪.‬‬

‫انظر إىل التكرار والخوف من االستنتاج وتغييب الصورة الكبرية يف هذا الخرب‬
‫ً‬
‫نقًال عن الوكاالت‪ ،‬وسأقارنه‬ ‫الذي نرشه أحد أهم املواقع الصحفية العربية‬
‫بالخرب ذاته ُُنرش يف «نيويورك تايمز» يف الوقت نفسه‪ ،‬وكالهما يعتمد «الهرم‬
‫املقلوب»‪.‬‬

‫خرب الصحيفة العربية‪:‬‬

‫أخفق رئيس الوزراء اإلرسائيلي املكلف بنيامني نتنياهو (‪ 71‬عاما) يف تشكيل حكومة‪،‬‬

‫بانتهاء املهلة املمنوحة له إلنجاز هذه املهمة‪ .‬ومل يتمكن نتنياهو ‪-‬رئيس حزب الليكود‬

‫اليميين‪ -‬من الحصول على أغلبية ‪ 61‬نائبا من أصل ‪ 120‬يف الكنيست (الربملان)‬

‫الالزمة لتشكيل الحكومة‪.‬‬

‫وانتهت عند منتصف الليل يوم الثالثاء مهلة ‪ 28‬يوما يمنحها القانون للمكلف بتشكيل‬

‫الحكومة‪ ،‬اليت يمكن ََم ّّدها أسبوعني بموافقة الرئيس اإلرسائيلي رؤوفني ريفلني‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وذكرت صحيفة معاريف اإلرسائيلية أن نتنياهو أعاد التكليف بتشكيل الحكومة إىل‬

‫ريفلني‪ ،‬بينما قال بيان للمتحدث باسم الرئيس اإلرسائيلي إن األخري سيتواصل صباح‬

‫غد مع الكتل السياسية بخصوص استمرار مساعي تشكيل الحكومة‪.‬‬

‫وأضاف بيان املتحدث باسم الرئيس‪« :‬انتهت فرتة الـ‪ 28‬يوما املنصوص عليها يف قانون‬

‫أساس الحكومة‪ ،‬اليت كانت تحت ترصف رئيس الوزراء عضو الكنيست بنيامني نتنياهو‬

‫لتشكيل الحكومة‪ ،‬يف منتصف الليل»‪ ،‬وتابع البيان «قبل منتصف الليل بقليل‪ ،‬أبلغ‬

‫نتنياهو الرئيس أنه مل يتمكن من تشكيل الحكومة‪.‬‬

‫خرب «نيويورك تايمز»‪:‬‬

‫انتبه إىل الفقرة األوىل كيف يرسم الصحفي الصورة الكبرية للحدث‪ ،‬ويف‬
‫الفقرة الثانية كيف يتوقع بجرأة منح املعسكر املناهض لنتنياهو فرصة تشكيل‬
‫الحكومة‪ ،‬وهو ما حدث يف اليوم التايل‪:‬‬

‫فشل رئيس الوزراء اإلرسائيلي بنيامني نتنياهو يف تشكيل حكومة جديدة مع انتهاء‬
‫املوعد املحدد يف منتصف ليل الثالثاء‪ ،‬ما يعّرّض مستقبله السيايس للخطر؛ ْ‬
‫إْذ يواجه‬

‫محاكمة بتهم الفساد وإطالة الجمود السيايس الذي تفاقم بعد أربع انتخابات يف‬

‫غضون عامني‪.‬‬

‫الرئيس اإلرسائيلي رؤوفني ريفلني قد يمنح اآلن املعسكر املناهض لنتنياهو فرصة‬

‫تشكيل حكومة‪ ،‬ما قد يعين طرد نتنياهو من السلطة بعد ‪ 12‬عامًاً متتالية يف منصبه‪.‬‬

‫ويعد حزب الليكود اليميين الذي يزتعمه نتنياهو األكرب يف املشهد السيايس اإلرسائيلي‬

‫املمزق‪ ،‬بعد أن فاز بـ ‪ 30‬مقعدًاً يف االنتخابات العامة يف مارس‪ .‬مع ذلك‪ ،‬مل يتمكن من‬

‫حشد عدد كاٍف من الرشكاء لقيادة تحالف أغلبية ال يقل عن ‪ 61‬مقعدًاً يف الكنيست‬
‫ٍ‬
‫(الربملان) املؤلف من ‪ 120‬عضوًا‪ً.‬‬

‫‪17‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الكتابة «صنعة»‬

‫خالل ‪ 20‬عامًاً من العمل الصحفي‪ ،‬قرأت معظم «كراسات التحرير» العربية‪،‬‬


‫وقرأت كثريًاً من الكتيبات اليت تشكو كرثة الحشو والتكرار‪ ،‬قرأت كتبًاً يف اللغة‬
‫العربية والبيان والبالغة واألسلوب‪ ،‬وكتبًاً ُُتوِعد بكشف أرسار الكتابة الصحفية‪،‬‬
‫ِ‬
‫لكنها‪ ،‬على الرغم من أهميتها‪ ،‬ال تقدم أدوات كافية للكتابة الجيدة‪.‬‬

‫الكتابة الجيدة ال أرسار فيها؛ بل ببساطة هي نتاج عمل شاق‪ .‬فالكاتب الجيد‬
‫يشعر بالعزلة؛ ألنه يقف وحيدًاً قبالة الصفحة البيضاء ويشعر بالعجز ألن‬
‫األفكار ال تريد أن تخرج من رأسه‪ ،‬ويشعر بالتوتر ألنه يحاول أن يضع جزءًًا‬
‫ّ‬
‫متخّشبة ال تشبه روح‬ ‫من ذاته على الورقة أمامه‪ ،‬وغالبًاً ستخرج ُ‬
‫ذاُته تلك‬
‫الكاتب فيه‪ .‬وال بأس بذلك كله؛ فالكتابة الجيدة ال تأيت بالفطرة‪ ،‬والجملة‬
‫الواضحة ليست بنت املصادفة‪ ،‬ونادرًاً ما تأيت من املحاولة األوىل أو الثانية أو‬
‫حىت الثالثة‪ .‬تذّكّر هذا يف لحظات اليأس إذا وجدت الكتابة صعبة؛ ذلك ألنها‬
‫ً‬
‫فعًال صعبة‪.‬‬

‫«فّنًاً»‪ .‬ولحسن الحظ ثمة‬


‫ّ‬ ‫الكتابة الصحفية الجيدة «صنعة» وليست‬
‫أدوات لذلك‪ .‬هل يمكن تدريسها؟ ربما ال‪ ،‬لكن يمكن ّ‬
‫تعّلم معظمها بالعمل‬
‫واعلْم أن مؤسستك اإلعالمية لن تمنحك وقتًاً بصفتك صحفّيًّاً‪،‬‬
‫ْ‬ ‫الدؤوب‪.‬‬
‫إن بقيِت أسري هذا األمل‪ ،‬فلن تكتشف يف نفسك الكاتب الذي تريده‪ ،‬بل‬
‫ِ‬
‫عليك أن تجّرّب بعض ما سيأيت من أفكاٍر يف هذا الكتاب‪ ،‬على األقل على‬
‫ٍ‬
‫ما ّّدة واحدة تكتبها شهر ّيًّاً‪.‬‬

‫وقبل أن تفعل ذلك‪ ،‬عليك أن تعقد «صفقة» بينك وبني نفسك‪َ :‬‬
‫املنَتج الذي‬
‫ُهوّيّتك بصفتك كاتبًاً؛ ََم ْْن أنت‪.‬‬
‫تبيعه للقارئ ليس القصة اليت تكتبها‪ ،‬إنما هو ُ‬

‫‪18‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ما الّرسّ يف القصة؟‬

‫تكاد ال تجد صحفّيًّاً ال يرغب يف أن يصبح َرَاِو ََية قصة؛ أن يصبح «حّكّاًءً»‪ .‬ال‬
‫ِ‬
‫ماّدة شارحة؛ فرواة القصة‬‫يريد أن يظل مجرد محّرّر يعرف كيف يكتب خربًاً أو ّ‬
‫َ‬
‫ويحَظ ْْون باهتمام أ كرب‪ ،‬ويفوزون بجوائز أ كرث‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يتمّتعون بمكانة أعلى‪،‬‬

‫ال أحد يعلم تمامًاً كيف اهتدينا نحن البرش إىل قوة القصص‪ ،‬ولكن املؤكد‬
‫أننا منتجون للقصص ومستهلكون مدمنون لها منذ الزمن األول عندما بدأ‬
‫أحدهم بقصة متواضعة رسدها ملجموعة أفراد قد ال تتجاوز العرشة‪ ،‬جلسوا‬
‫تّتقد بفعل الشحم الذائب من لحم فريسة اصطادوها‬ ‫القرفصاء حول نريان ّ‬
‫قبل ساعات‪.‬‬

‫ملاذا إذًاً نقيض كل هذا الوقت يف االستماع إىل القصص وروايتها‪ ،‬وغالبًاً ما‬
‫تكون عن مآثر مل تحدث ّ‬
‫قّط؟ ألن القصة تستطيع تجاوز «هنا‪ ،‬اآلن»‪ ،‬تستطيع‬
‫تجاوز التجارب اليومية لتصل إىل املغزى‪ ،‬املعىن‪ ،‬القيمة الكونية اليت تكمن يف‬
‫تلك التجارب‪.‬‬

‫سنتحدث عن هذا بيشء من التفصيل يف قسم «تحرير املضمون»‪.‬‬

‫ّ‬
‫يقّل عنها أهمية؛ وهو الكتابة الواضحة‪ .‬ال توجد‬ ‫ََث ّّمة رشيك لكتابة القصة ال‬
‫قصة جيدة من دون كتابة واضحة‪.‬‬

‫أّن الجملة الواضحة تسري كتفًاً بكتف مع‬


‫حّقًاً أنك تجد دائمًاً ّ‬
‫من املدهش ّ‬

‫َس ََنة‪ .‬وإذا كان عليك اختيار أحدهما ‪-‬رغم صعوبة الفصل بينهما‪-‬‬ ‫الجملة َ‬
‫الَح َ‬
‫فإن الوضوح أ كرث أهمية من ُ‬
‫الُح ْْسن‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ِل ََم ذلك؟‬


‫ِ‬

‫قد ينحاز الكاتب إىل نفسه‪ ،‬ويرغب يف أن يظهر مدى براعته يف الكتابة‪ ،‬فُيُكرث‬
‫«الُح ْْسن» على حساب الوضوح‪ .‬الكاتب الصحفي نادر�ا ما يفّكّر هكذا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫تشّتت القارئ‪ ،‬وتقتل القصة الصحفية‪ .‬قال جورج‬ ‫«البهلوانيات» اللغوية‬
‫أورويل مّرّة إن الكتابة الجّيّدة مثل النافذة‪ ،‬تنظر من خاللها‪ ،‬من دون أن‬
‫َ‬
‫تلَحظ اإلطار‪.‬‬

‫سنتحدث عن هذا أ كرث يف قسم «تحرير الجملة»‬

‫‪20‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ 10‬نصائح عامة‬
‫هذه النصائح مستمدة من تجارب بعِض أفضل ُ‬
‫الُك ّّتاب الذين صاروا كذلك؛‬
‫ِ‬
‫ألنهم خرقوا القواعد يومًاً ما‪.‬‬

‫دوروثي‬ ‫ترومان‬ ‫إسحاق‬


‫باركر‬ ‫كابوتي‬ ‫زينغر‬
‫صحفية وكاتبة‬ ‫روائي أمريكي‬ ‫كاتب بولندي حائز‬
‫وشاعرة أمريكية‬ ‫صاحب رواية «بدم‬ ‫ىلع جائزة نوبل‬
‫بارد»‬

‫ما كتبت خمس‬ ‫أؤمن باملقص‬ ‫سلة املهمالت‬


‫كلمات‪ ،‬ا‬
‫إاّل وقد‬ ‫أكثر من إيماني‬ ‫أفضل صديق‬
‫سبًعا‬
‫ً‬ ‫غّيّ رت‬ ‫بقلم الرصاص‬ ‫للكاتب‪..‬‬

‫‪21‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫النصيحة األوىل‬

‫ابتعد عن ّ‬
‫قّصتك‬

‫ال تدفعها للنرش مبارشة‪ .‬خذ اسرتاحة‪.‬‬

‫ّ‬
‫ودّخن سيجارة مع زمالئك‪ ،‬أو تناول‬ ‫إن كان الوقت لديك ضِّيِقًاً‪ ،‬فاذهب‬
‫ً‬
‫مثًال‪.‬‬ ‫ّ‬
‫صّل ركعتني‬ ‫كأس شاي‪ ،‬أو‬

‫وإن كان لديك وقت أ كرث فهذا أفضل؛ عد إىل مادتك يف اليوم التايل‪.‬‬

‫انَس مادتك‪ .‬ال تفكر فيها؛ فاالبتعاد يهدئ افتتانك بكلماتك‪،‬‬


‫يف أثناء ذلك‪َ ،‬‬
‫ّ‬
‫ويهّذب ملكة التميزي لديك‪.‬‬

‫عّدل واحذف بال تر ُُّدد‪.‬‬


‫عندما تعود‪ ،‬راجع مادتك‪ّ .‬‬

‫النصيحة الثانية‬

‫اجذب انتباه القارئ‪ :‬ابدأ باألكشن‬

‫ابدأ القصة «يف قلب الحدث»‪.‬‬

‫اجذب انتباه القارئ مع الجملة األوىل‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫انظر كيف تدخل هاتان القصتان إىل «قلب الحدث» مبارشة‪ ،‬وتبدأان األكشن‬
‫من أول فقرة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫«مالئكة وشياطني» ‪ -‬توماس فر ينش‬

‫مّرّ عام على جرائم القتل‪ ،‬ثم آخر‪ ،‬واآلن قطع املحققون َر َْْدحًاً من العام الثالث‪ .‬عملوا‬

‫ليًال ونهارًاً‪ ،‬عملوا يف العطالت األسبوعية‪ ،‬ألغوا اإلجازات‪ ،‬نحفوا‪ ،‬سمنوا‪ ،‬أصبحوا‬
‫ً‬

‫شاحبني وناحلني ومنهكني‪ ،‬يستيقظون يف الثالثة صباحًاً بصدمة وخربشات على‬

‫دفاتر املالحظات امللقاة بجانب أ َِتِهم‪.‬‬


‫َّرِس� ِ ِ‬

‫مطلع «مالئكة وشياطني»‬

‫(بوليزتر ‪)Feature Writing 1998‬‬

‫‪3‬‬
‫«الوردة» ‪ -‬مايكل شويرتز‬

‫كان الهدف يعيش يف الطابق السادس من مبىن كئيب بلون السلمون يف شارع‬

‫أَج ََمة من أشجار الصفصاف البايك‪ .‬وجده أوِلغ سمورودينوف‬ ‫فيدينسكا‪ ،‬مقابل َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫وترَّقب‪.‬‬ ‫هناك‪ ،‬استأجر شقة صغرية يف الطابق األريض‪،‬‬

‫مطلع تقرير نرشته نيويورك تايمز‬

‫تاريخ النرش ‪ 31‬مارس‪/‬آذار ‪2019‬‬

‫‪2‬‬
‫‪French, Thomas Angels & Demons, Tampa Bay, 1997.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Schwirtz, Michael Russia Ordered a Killing That Made No Sense, NYTimes, 2019.‬‬

‫‪23‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫النصيحة الثالثة‬

‫اقرأ بصوت عاٍل‬


‫ٍ‬
‫اإلحساس بالصوت يعّزّز الحس الدرامي‪.‬‬

‫قل‪:‬‬

‫«فارعة الطول‪ ،‬سمراء‪ ،‬جميلة»‪،‬‬

‫ُُث ّّم‪:‬‬

‫«سمراء‪ ،‬جميلة‪ ،‬فارعة الطول»‪،‬‬

‫هل تسمع الفرق بينهما؟‬

‫اقرأ بصوت عاٍل لضبط اإليقاع‪ ،‬والرسعة‪ ،‬والصوت‪ ،‬واإللقاء‪.‬‬


‫ٍ‬

‫يف حال وجود حوار‪ ،‬اسمعه‪ .‬يجب أن يبدو صحيحًاً يك ُُيقرأ بشكل صحيح‪.‬‬

‫النصيحة الرابعة‬

‫ّ‬
‫مقّدس‬ ‫ال يشء‬

‫اكرس القاعدة كلما وجدت ذلك رضور ّيًّاً‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ً‬
‫فمثًال‪« :‬ن ّّوع يف بناء الجمل!» قاعدة جيدة‪.‬‬

‫لكن انظر إىل الفقرة االفتتاحية لتشارلز ديكزن يف‪:‬‬

‫قصة مدينتني‬

‫َ‬
‫أحسَن األزمان‪ ،‬كان أسوأ األزمان‪ ،‬كان عرص الحكمة‪ ،‬كان عرص الحماقة‪ ،‬كان‬ ‫«كان‬

‫عهد اإليمان‪ ،‬كان عهد الجحود‪ ،‬كان زمن النور‪ ،‬كان زمن الظلمة‪ ،‬كان ربيع األمل‪ ،‬كان‬

‫شتاء القنوط ‪»...‬‬

‫احذف أّيّ كلمة أو جملة أو فقرة ال تؤدي دورًاً يف تطور أحداث القصة‪ .‬القصة‬
‫ّ‬
‫مقّدسة‪.‬‬ ‫وحدها‬

‫اكرس القاعدة‪ ،‬كما يف «قصة مدينتني»‪ ،‬إذا كان لديك سبب وجيه لذلك‪ ،‬على‬
‫سبيل املثال‪ :‬يك تجعل عجلة القصة تدور‪ ،‬أو تضفي ُُبعدًاً على الشخصيات‪،‬‬
‫أو إلبراز األسلوب‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫النصيحة الخامسة‬

‫اعرض‪ ،‬ال ُُت ْ‬


‫ْخرب‬

‫غرّير ت املسلسالت واألفالم الكتابة القصصية؛ فوترية األحداث ‪ Pace‬واألكشن‬


‫ّ‬
‫أقّل‪ ،‬ووجهة النظر الواحدة ‪Single‬‬ ‫أصبحت أرسع‪ ،‬وحضور املؤلف غدا‬
‫‪ point of view‬يف املشهد الواحد باتت لها األولوية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫األفعال واألسماء أهم من الصفات والظروف‪.‬‬

‫األكشن أهم من العرض والرشح ‪.Exposition‬‬

‫انظر هذا املثال‪:4‬‬

‫جلس «خرض صايف» أمام باب متجره للتبغ يف شارع «الجامعة» يف «سانت بول» بعد‬

‫ظهر الجمعة‪ ،‬وتدىّلى مسدس يف الِقراب املشدود إىل خارصته‪.‬‬


‫ِ‬

‫نام ثالث ساعات فقط يف الليلة السابقة؛ فقد حطم ّ‬


‫الّنّهّا ُُبون النوافذ‪ ،‬وحاولوا إشعال‬
‫ّ‬
‫وطّفايات الحريق‬ ‫النريان يف املبىن‪ .‬تمّكّن «صايف» وسبعة من أفراد أرسته باألسلحة‬

‫من تفادي الدمار الكامل عندما تح ّّولت االحتجاجات على وفاة جورج فلويد يف أثناء‬

‫احتجازه لدى الرشطة إىل أعمال عنف‪.‬‬

‫‪StarTribune‬‬

‫بوليزتر ‪Breaking News Reporting - 2021‬‬

‫النصيحة السادسة‬

‫احرص على البساطة‬

‫ً‬
‫جمًال‬ ‫الستخدام الكلمات القصرية داللتها‪ ،‬وكذلك الكلمات الطويلة‪ .‬استخدم‬
‫نظيفة من دون زوائد أو عوالق كلما أمكن ذلك‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Crosby, Jackie and Kumar, Kavita Twin Cities businesses reel from the nights of violence‬‬
‫‪while on guard for more, Startribune, 2020.‬‬

‫‪26‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تذَّكَر‪ :‬اإليجاز ليس عدد الكلمات يف الصفحة‪ ،‬بل املدة اليت يستغرقها القارئ‬
‫لفهم ما يحدث أمامه على الصفحة‪.‬‬

‫انظر‪:5‬‬

‫حىت قبل ثالثة أشهر‪ ،‬مل يعلم أحد بأن السارس‪ CoV-2 -‬موجود‪ .‬اآلن‪ ،‬انترش الفريوس‬

‫يف كل بلد تقريبًاً‪ ،‬وأصاب ما ال يقل عن ‪ 446‬ألف شخص نعرفهم‪ ،‬وكثريين آخرون‬

‫ال نعرفهم‪ .‬دمر االقتصادات وأوقف أنظمة الرعاية الصحية‪ .‬مأل املستشفيات‪ ،‬وأفرغ‬
‫األماكن العامة‪ .‬أبعد الناس عن أماكن عملهم وأصدقائهم‪ّ .‬‬
‫عّطل املجتمع الحديث‬

‫على نطاق مل يشهده معظم الناس األحياء‪ .‬قريبًاً‪ ،‬سيعرف كل شخص يف الواليات‬

‫آَخ ََر مصابًاً بالفريوس‪ .‬مثل الحرب العاملية الثانية أو هجمات الحادي عرش من‬
‫املتحدة َ‬

‫سبتمرب‪ ،‬طبع هذا الوباء بالفعل وجدان األمة بطابعه‪.‬‬

‫‪The Atlantic‬‬

‫بوليزتر ‪Explanatory Reporting - 2021‬‬

‫تاريخ النرش ‪ 25‬مارس‪/‬آذار ‪2020‬‬

‫النصيحة السابعة‬

‫ّ‬
‫املنّمق‬ ‫تخلص من النرث‬

‫وُدعي أيضًاً بالنرث‬


‫باملحِّسنات والصور البيانية‪ُ .‬‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫املنّمق هو الذي يحفل‬ ‫النرث‬
‫األرجواّينّ؛ ألن هذا اللون ارتبط بامللوك واألباطرة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Yong, ED How Pandemic Will End, The Atlatic, 2020‬‬

‫‪27‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف كتابه ‪ ،)1916( On the Art of Writing‬ينصح الكاتب والناقد األديب‬


‫الُج ََمل‬ ‫ً‬
‫قائًال «‪( ،»Murder your darlings‬اذبح ُ‬ ‫ّ‬
‫الكّتاب‬ ‫آرثر كويلر كاوتش‬
‫العزيزة على قلبك)‪.‬‬

‫ال تزال هذه النصيحة جيدة‪.‬‬

‫َ‬
‫تخَّل ْْص من الجمل الشعرية‪.‬‬

‫تخَّل ْْص من الصفات واألحوال والظروف واألدوات اليت تقيد املعىن‪ّ ،‬‬
‫كّلما‬ ‫َ‬

‫أمكن ذلك‪.‬‬

‫«هدية مجانية» ‪X‬‬

‫فالهدية باألصل مجانية‪.‬‬

‫تخلص من الكتابة ّ‬
‫املنّمقة‪.‬‬

‫انظر‪:6‬‬

‫كان الغسق يهبط على الغابة املطرية عندما عرث الكامريونيون والباكستانيون على موقع‬
‫ّ‬
‫محّملني بالخيام وحقائب على‬ ‫املخيم‪ .‬كانوا يف العرشينيات والثالثينيات من العمر‪،‬‬
‫الظهر وعلى الكتف‪ّ .‬‬
‫غّطى الطني أحذيتهم املطاطية‪ .‬بدوا ذاهلني وهم يحاولون‬

‫معرفة ََم ْْن كان يشغل املنفسح الصغري املقطوع الشجر‪ ،‬الذي ظهر أمامهم ت ّّوًاً‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪Drost, Nadja When can we really rest?, California Sunday, 2020.‬‬

‫‪28‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫املوقع ال يستحق الذكر؛ رقعة قذرة مرقطة بجذوع األشجار ومخلفات من نسيج الخيم‪.‬‬
‫تمّدد بعض الرجال يف أراجيح معلقة بني األشجار الرفيعة‪ .‬كان البذخ الوحيد مطبخًاً‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫مظَّل ً‬
‫ًال بقطعة «تربولني»‪ ،‬به طاولة من الخشب الخام وحفرتان إليقاد النار‪ ،‬وبعض‬
‫ّ‬
‫املسوّدة اليت استقرت على الصخور‪.‬‬ ‫األواين‬

‫كان الباكستانيون األربعة‪ ،‬وهم أ ّّول ََم ْْن وصلوا‪ ،‬يتنفسون بصعوبة‪ .‬اتجه معظم‬
‫ً‬
‫إجماًال– مبارشة إىل نهر قريب‪ ،‬كانت حافظات جوازات‬ ‫الكامريونيني –وعددهم ‪18‬‬

‫السفر البالستيكية تتدىل من أعناقهم إىل املياه‪ ،‬وهم يغمرون وجوههم فيها‪ .‬نزع‬

‫بعضهم مالبسه واغتسل‪ .‬وقفت امرأة اسمها ساندرا بال حراك‪ ،‬بأمل واضح‪ .‬كانت يف‬
‫الثالثة والعرشين من عمرها‪ ،‬وهي أحد أصغر أفراد املجموعة‪ .‬أحاطت بوجهها ُ‬
‫ُخ ََصل‬

‫من الشعر املجعد‪ ،‬ال تزال نهاياتها بلون أشقر باهت من «هاي اليت» قديم‪ .‬نزعت‬

‫الحقيبة عن ظهرها بعنف‪ ،‬وجلست على جذع شجرة وعانقت ركبتيها‪ .‬كانت قلقة‬

‫على صديقتها «بينيتا» اليت ُُلِو ََيت ركبتها يف اليوم السابق وكانت تجاهد‪ .‬عندما ترنحت‬
‫ِ‬
‫بينيتا‪ ،‬متكئة بكامل ثقلها على عصا سميكة بني يديها‪ ،‬نظرت ساندرا‪« .‬كم يومًاً ال يزال‬

‫أمامنا؟» مل توجه السؤال إىل أحد بعينه‪.‬‬

‫‪The California Sunday Magazine‬‬

‫بوليزتر ‪Feature Writing - 2021‬‬

‫النصيحة الثامنة‬

‫ركز على بنية القصة‬

‫اجعل القارئ يبيك‪ ،‬اجعله يضحك‪ ،‬اجعله قلقًاً‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بداية مثرية للقصة‪ ،‬ومنتصف يحث على مواصلة القراءة‪ ،‬ونهاية لها أثرها‪.‬‬

‫أقوى شخصية لقيادة القصة‪ ،‬والنربة الصحيحة لتلوينها‪ ،‬والرصاع الدرامي‬


‫إلظهار تغيري له مغزاه يف القصة بنهايتها‪.‬‬

‫انظر كيف تبدأ قصة «الرجل خلف اآللة»‪ 7‬اليت تروي حكاية أحد رجال الرشطة‬
‫الفاسدين‪ ،‬ببداية مثرية تحث القارئ على مواصلة القراءة‪ ،‬وخاتمة ترتك أثرًاً‪.‬‬

‫تحت القسم‪ُُ ،‬سئل مّر ًًّة الرشيف يف مقاطعة «باسكو» بفلوريدا‪ ،‬كريس نوكو‪ ،‬كيف‬

‫استطاع تويّلي منصبني رفعني يف حكومة الوالية؟‬

‫«بفضل العالقات اليت أقمتها» قال من دون مواربة‪.‬‬

‫«أعين‪ ،‬مل يكن عليك الذهاب إىل مقابلة إىل جانب أشخاص آخرين للحصول على‬

‫املنصب‪ ،‬مل تقم بأي يشء؟» ضغطت املحامية‪.‬‬

‫«ال‪ ،‬سيديت‪ »،‬قال‪.‬‬

‫جّدًاً‪ ،‬لدي أصدقاء‬


‫يف وقت الحق من ذلك الشهر‪ ،‬قال ملراسل صحيفة‪« :‬أنا محظوظ ّ‬

‫يف الدوائر العليا»‪.‬‬

‫ً‬
‫ممثًال للسياسات املحلية للجمهوريني‪،‬‬ ‫اليوم‪« ،‬نوكو» نفسه يشغل أحد املناصب العليا؛‬

‫ُاُنتخب مرتني ملنصب العمدة من دون معارضة‪ ،‬وهو أمر مل يحدث يف مقاطعة «باسكو»‬

‫منذ الحرب العاملية الثانية‪ .‬زوجته من أبرز جامعي التربعات الجمهوريني يف الوالية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪McGrory, Katheleen and Bedi, Neil The man behind the machine, Tampa Bay, 2020. Pu-‬‬
‫‪litzer Prize 2021 Local Reporting.‬‬

‫‪30‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وصلت عالقاتهما إىل أعلى املستويات يف الحكومة‪ ،‬بما يف ذلك إدارة الرئيس دونالد‬

‫ترمب‪.‬‬

‫منذ أن ّ‬
‫تقّلد منصب الرشيف قبل عقد من الزمن‪ ،‬استخدم «نوكو» عالقاته ونفوذه‬

‫لتنمية قسم الرشطة وتوسيعه‪ .‬ودفع بالقسم يف اتجاهات أفزعت حىت رجال الرشطة‬

‫املتمرسني وخرباء إنفاذ القانون املعرتف بهم على املستوى الوطين‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ ...‬ظل مكتب الرشيف متحديًاً‪.‬‬

‫«لن نعتذر عن استمرارنا يف الحفاظ على أمن مجتمعنا» نرش املكتب على فيسبوك يف‬

‫سبتمرب‪/‬أيلول بعد أول تقرير لـ«تامبا باي تايمز»‪.‬‬

‫مؤّخرًاً بشأن‬
‫ّ‬ ‫يف ديسمرب‪/‬كانون أول‪ ،‬نرش املكتب‪« :‬ثمة معلومات مضللة ُُتتدا ََول‬
‫ّ‬
‫املهّمة» وذلك بعد أن طالب بعض أولياء األمور واملعلمني يف مقاطعة‬ ‫هذه الربامج‬

‫«باسكو»‪ ،‬بمراجعة استخدام هذه الربامج يف جمع بيانات الطالب‪.‬‬

‫يف حسابه الخاص على تويرت‪ ،‬واصل «نوكو» ُ‬


‫توُّق ََع الهدوء‪.‬‬

‫يف ‪ 7‬ديسمرب‪/‬كانون أول‪ ،‬كتب‪« :‬كن حازمًاً»‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف ‪ 14‬ديسمرب‪/‬كانون أول‪« :‬لن تؤّثّر يف العامل إذا حاولت أن تكون مثله»‪.‬‬

‫يف ‪ 17‬ديسمرب‪/‬كانون أول‪« :‬ما دمت تعرف أن هللا معك‪ ،‬ال يهم ََم ْْن يقف ضدك»‪.‬‬

‫النصيحة التاسعة‬

‫األخطاء والرتتيب‬

‫خذ بعني االعتبار األخطاء النحوية والرتتيب يف القصة؛ فالوقت له ثمنه‪،‬‬


‫نّصًاً يسهل فهمه‪.‬‬
‫والقارئ يريد ّ‬

‫تأ كد من أن األخطاء اإلمالئية وعالمات الرتقيم ليست فادحة‪ .‬تأ كد على‬


‫األقل من عدم وجود أخطاء تجعل املعىن ملتبسًاً‪.‬‬

‫أشياء ال غىن عنها‪:‬‬

‫ثّمة معاجم كثرية‪ ،‬اخرت ما تراه مناسبًاً لك‪.‬‬


‫• املعجم‪ّ :‬‬

‫• املرادفات واألضداد‪.‬‬

‫• كتب األسلوب‪ :‬ستجد أنين أذكر كتبًاً عديدة‪ ،‬وجميعها مهمة‪.‬‬

‫• برامج الكمبيوتر‪ :‬تأ كد من تفعيل القاموس والتدقيق اإلماليئ يف برنامج‬


‫وورد وتحديثه‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫• واآلن لديك «لسان» ‪ Lisan.ai‬و«قلم» ‪ ،Qalam.ai‬وهما خدمتان‬


‫ما تزاالن يف بداياتهما ألتمتة التدقيق اإلماليئ والنحوي‪.‬‬

‫• ولديك أيضًاً ‪ ،ChatGPT‬استثمره‪ ،‬رغم أنه ال يزال متواضعا يف‬


‫تعّلم منذ اآلن كيف تكتب اُملُ ََل َ‬
‫ِّقَّنات لتطبيقات الذكاء‬ ‫اللغة العربية‪ .‬لكن ّ‬

‫االصطناعي‪ ،‬ستساعدك على البحث يف املفردات البديلة أو القواعد‪...‬‬


‫إلخ‪.‬‬

‫النصيحة العارشة‬

‫االمتحان النهايئ‬

‫أردَت قوله؟ وهل قلت ذلك جيدًاً؟‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫قلَت ما‬ ‫هل‬

‫امليمات الست* أو ما يعرف باإلنكلزيية‪.The Six C’s :‬‬

‫إذا كانت قصتك‪:‬‬

‫• مفهومة ‪.Clear‬‬
‫• موجزة ‪.Concise‬‬
‫• متماسكة ‪.Cohesive‬‬
‫• ّ‬
‫مّتسقة ‪.Consistent‬‬
‫• ملموسة ومدركة بالحواس ‪.Concrete‬‬
‫• مستحوذة على االنتباه ‪.Captivating‬‬

‫‪33‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ادفعها إىل النرش‪ْ .‬‬


‫إْن مل تكن كذلك‪ُ ،‬‬
‫فُعد إىل النصيحة رقم واحد‪.‬‬

‫افحص «امليمات» الست* يف القصة التالية‪:8‬‬

‫كانت الدكتورة كاميال روث على وشك املغادرة لتناول العشاء عندما أبلغها املخترب‬
‫الحكومي بالنتيجة املفاجئة‪ .‬إيجايب‪ .‬كان ذلك يف ‪ 27‬يناير ‪ .2020‬لقد اكتشفت ت ّّوًًا‬

‫أول إصابة بفريوس كورونا املستجد يف أملانيا‪.‬‬

‫التشخيص مل يكن منطقّيًّاً؛ فاملريض رجل أعمال من رشكة قطع غيار للسيارات‪ ،‬وال‬

‫مجال إلصابته بالفريوس إال عن طريق شخص واحد فقط‪ :‬زميلة زائرة من الصني‪.‬‬

‫وليس من املفرتض أن تكون هذه الزميلة ُُمعِدية‪.‬‬


‫ِ‬

‫فالزائرة بدت بصحة جيدة طوال إقامتها يف أملانيا‪ .‬ال سعال أو عطاس‪ ،‬ال عالمات على‬

‫التعب أو الحمى خالل يومني طويلني من االجتماعات‪ .‬أبلغت زمالءها أنها بدأت تشعر‬

‫باملرض بعد رحلة العودة إىل الصني‪ .‬خالل أيام‪ ،‬ثبتت إصابتها بفريوس كورونا‪.‬‬

‫اعتقد العلماء حينئذ أن األشخاص الذين لديهم أعراض فقط يمكنهم نقل فريوس‬

‫كورونا‪ .‬افرتضوا أنه يترصف مثل ابن عمه الجيين؛ فريوس «السارس»‪.‬‬

‫تتذكر الدكتورة روث‪ ،‬اختصاصية األمراض املعدية يف مستشفى جامعة ميونيخ‪ ،‬قائلة‪:‬‬

‫«الخرباء الذين يعرفون كثريًاً عن فريوسات كورونا أ كرث مما أعرفه أنا‪ ،‬كانوا متأ كدين‬

‫من ذلك»‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬إذا كان الخرباء مخطئني‪ ،‬إذا كان الفريوس يستطيع االنتقال من أشخاص‬

‫* سنتناول هذه املفاهيم بتفصيل أ كرث يف الفصول القادمة من هذا الكتاب‪.‬‬


‫‪8‬‬
‫‪How The World Missed Covid-19’s Silent Spread, NYTimes, 2020.‬‬

‫‪34‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يتمتعون بصحة جيدة أو أشخاص مل تظهر عليهم األعراض بعد‪ ،‬فإن التداعيات قد‬

‫تكون كارثية‪ .‬حمالت التوعية العامة والفحص يف املطارات وسياسة الحجر املزنيل‬

‫لألشخاص املصابني‪ ،‬قد ال توقف انتشار الفريوس‪ .‬ربما هناك حاجة إىل إجراءات أ كرث‬

‫مثًال‪ ،‬أو تقييد السفر دولّيًّاً‪.‬‬


‫ً‬ ‫رصامة؛ إلزام األشخاص األصحاء بارتداء األقنعة‪،‬‬

‫كانت الدكتورة روث وزمالؤها أ ّّول من حذر العامل‪ .‬لكن رغم تزايد األدلة من علماء‬

‫آخرين‪ ،‬أعرب كبار مسؤويل الصحة عن ثقتهم الراسخة يف أن «انتشار الفريوس من‬

‫دون وجود أعراض» ليس واردًاً‪.‬‬

‫يف األيام واألسابيع التالية‪ ،‬السياسيون ومسؤولو الصحة العامة واألكاديميون‬


‫ّ‬
‫استخّفوا بفريق ميونيخ أو تجاهلوه‪ .‬واجتهد بعضهم يف تقويض‬ ‫املتنافسون‪،‬‬

‫التحذيرات يف لحظة كانت حاسمة‪ ،‬عندما كان الفريوس ينترش من دون أن يلحظه أحد‬

‫يف الكنائس الفرنسية ومالعب كرة القدم اإليطالية وحانات الزتلج النمساوية‪ .‬ستصبح‬
‫ً‬
‫قاتًال النتشار الفريوس قبل ظهور أعراضه‪.‬‬ ‫السفينة السياحية «أمرية األملاس»‪ ،‬نذيرًاً‬

‫‪NYTimes‬‬
‫بوليزتر ‪Public Service - 2021‬‬

‫تاريخ النرش ‪ 27‬يونيو‪/‬حزيران ‪2020‬‬

‫‪35‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪36‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مراحل التحرير‬

‫معرفة األسئلة اليت ينبغي طرحها يف أثناء مراجعة قصتك هي أهم مهاراتك‬
‫وتقّسم‬
‫ّ‬ ‫التحريرية‪ ،‬كما تقول توين جيمس يف كتابها‪،Savvy Self-Editing 9‬‬
‫دليل «تحرير قصتك بنفسك» إىل ثالث خطوات‪ .‬وهي‪:‬‬

‫تحر ير املضمون‬

‫يك تتعّرّف إىل تحرير املضمون‪ ،‬عليك ً‬


‫أوًال قراءة «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة»‬
‫بالعربية يف امللحق األول بهذا الكتاب‪ .‬سأستشهد بها كثريًاً‪ .‬القصة فازت بجائزة‬
‫«بوليزتر» وجائزة «ناشيونال ماجازين» عن فئة «الفيترش» لعام ‪ .2021‬الفوز‬
‫بهاتني الجائزتني املرموقتني يف وقت واحد ال يتكرر كثريًاً‪ْ ،‬‬
‫وإْن حدث فيكون عادة‬
‫للمشاريع الصحفية الضخمة‪ .‬ومع أن القصة طويلة‪ ،‬لكن إذا حاولت الرتكزي‬
‫على كيفية كتابتها ال على القصة بحد ذاتها‪ ،‬سيساعدك ذلك على قراءتها‬
‫ُ‬
‫أوردُتها داخل القصة‪.‬‬ ‫كلها‪ .‬ستجد كثريًاً من التعليقات والرشوح والرؤى‬

‫مخطط تحر ير املضمون‬

‫اآلن وقد قرأت «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة»؛ (ال بأس ْ‬


‫إْن مل تستطع)‪ ،‬يمكنك‬
‫أن تلقي نظرة على مخطط تحرير املضمون‪ .‬ففيما يأيت‪ ،‬سنبحث عن إجابات‬
‫أسئلة متعلقة بكل قسم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪Jaymes, Tony “Savvy Self Editing”, AuthorHouse, 2004.‬‬

‫‪37‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يقوم مخطط «تحرير املضمون» على تقييم العمل ككل‪ .‬يغطي املخطط خمسة‬
‫مجاالت‪ ،‬وليس بالرضورة أن تكون جميعها حارضة يف ّ‬
‫نّصك أو قصتك‪:‬‬

‫• الفكرة العامة للقصة‪/‬النص‪.‬‬


‫• البنية‪/‬الحبكة‪.‬‬
‫• نمو الشخصية‪.‬‬
‫• التأثري الدرامي‪.‬‬
‫• االستمرارية‪ ،‬واملصداقية‪ ،‬واالتساق‪ ،‬والسببية‪.‬‬

‫سندخل يف تفاصيل كل مجال يف األقسام التالية من الكتاب‪.‬‬

‫ً‬
‫قصًة‪ ،‬أنصح‬ ‫ُ‬
‫القصُة‬ ‫لكن قبل ذلك‪ ،‬إذا كنت غري متأ كد كيف تصبح‬
‫بقراءته يف امللحق الثاين بنهاية الكتاب‪.‬‬

‫***‬

‫الفكرة العامة للقصة ‪Story Concept‬‬

‫• ّ‬
‫عّم تتحدث قصتك؟ ما الحدث املركزي فيها؟ ما الرصاع؟ ماالفرضية (أو إحدى‬

‫املقدمتني الصغرى والكربى ‪)Premise‬؟ ما التيمة ‪Theme‬؟‬

‫• ََم ْْن الشخصية الرئيسية؟ هل هي فريدة؟ هل سيمزيها القارئ؟‬

‫• هل زمن القصة يخدم القصة؟‬

‫• أين تجري أحداث القصة؟ هل يعزز املكان األحداث؟‬

‫• هل تثري قصتك اهتمام القارئ؟ هل تثري املشاعر؟‬

‫‪38‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫السؤال األول‪ّ :‬‬


‫عّم تتحدث قصتك؟‬

‫الجواب يف جملة واحدة‪:‬‬

‫هذه القصة عن (الشخصية الرئيسية) اليت تريد (الهدف) كذا‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬

‫هذه قصة «أحمود ماركزي أربريي‪ ،‬وهو من السود يف أمريكا‪ ،‬أراد أن يعيش حياة‬

‫طبيعية مثل أقرانه من الِبيض‪ ،‬لكن النظام القائم على سيادة الِبْيْض ع ّّوقه‪ ،‬فدفع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حياته ثمنًاً لذلك»‪.‬‬

‫إذا كانت إجابتك واضحة وموجزة‪ ،‬فأنت تمسك جّيّدًاً بالفكرة العامة لقصتك‪.‬‬
‫إن مل تكن كذلك‪ ،‬فأمامك عمل وعليك إنجازه‪ .‬تذَّكَر‪ :‬القصة رصاع ‪ /‬تغيري‪.‬‬

‫إذا كانت القصة تتناول املخاوف العميقة يف حياة الناس‪ ،‬فإن الفرضية‬
‫‪ Premise‬والتيمة‪ Theme‬مهمتان‪.‬‬

‫يف كتابه ‪ ،Art of Dramatic Writing‬يقول ليوش إيغري ّ‬


‫إّن «الفرضية» هي‬
‫القوة‪/‬العاطفة الدافعة للقصة‪.‬‬

‫«الفرضية» تجعلك ملزتمًاً بخط قصتك‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مثال‪:‬‬

‫«فرضية» قصة أحمود ماركزي أربريي‪ ،‬هي‪:‬‬

‫السياسات العنرصية يف أمريكا تؤدي إىل إعدام السود يف الشوارع من دون محاكمات‬

‫قانونية‪.‬‬

‫التيمة‪ :‬باملصطلحات الحديثة «سيادة العرق األبيض» ‪White Supremacy‬‬


‫يف أمريكا‪ ،‬أو «حياة السود مهمة»‪.‬‬

‫توضيح للمصطلحات‬

‫الفرضية أو املقـدمة املنطقيـة ‪Premise‬‬

‫وُت َ‬
‫سَتخدم عادة يف التفكري النقدي لبناء‬ ‫ٌ‬
‫افرتاٌض لدعم استنتاج معني أو تربيره‪ُ .‬‬ ‫وهي‬

‫حجج منطقية‪ .‬و ُُيطلق عليها أيضا اسم‪ :‬املقدمة الكربى واملقدمة الصغرى‪.‬‬

‫مثال‪ :‬املقدمة الكربى‪ :‬الثدييات جميعها هي الحيوانات ذوات الدم الحار‪ .‬املقدمة‬

‫الصغرى‪ :‬الحيتان ثدييات‪ .‬االستنتاج‪ :‬الحيتان هي حيوانات من ذوات الدم الحار‪.‬‬

‫يف هذا املثال‪ ،‬املقدمة الكربى تقيم مبدًأً ّ‬


‫عاّمًاً أو سمة للثدييات‪ ،‬بكونها ذوات الدم‬

‫مثاًال محددًاً‪ ،‬بكون الحيتان تنتمي إىل الثدييات‪ُُ .‬تستخدم‬


‫ً‬ ‫الحار‪ .‬املقدمة الصغرى تقيم‬

‫املقدمتان لدعم االستنتاج الذي يقول إن الحيتان هي حيوانات من ذوات الدم الحار‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الهيكل املنطقي لهذه الحجة هو أنه إذا كانت املقدمات صحيحة‪ ،‬وطريقة االستنتاج‬

‫صالحة‪ ،‬فإن االستنتاج ُُي ََع ّّد صحيحًاً‪.‬‬

‫التيمـة‪ :‬الفكرة األساسية ‪Theme‬‬

‫وهي‪ :‬الفكرة املحورية املهيمنة‪ .‬الفحوى املتضمن يف القصة‪.‬‬

‫البنية ‪ /‬الحبكة ‪Structure / Plot‬‬

‫• هل تتعاقب األحداث يف قصتك؟ هل يوجد انسجام بينها؟ هل ّ‬


‫ثّمة بداية مثرية ‪Hook‬‬
‫ُ‬
‫«الُخطاف القصيص»؟ هل منتصف القصة يحث على‬ ‫‪ Beginning‬أو ما يسمى بـ‬

‫مواصلة القراءة؟ هل ترتك النهاية أثرًاً؟‬

‫• هل أوضحت السؤال األسايس الذي تطرحه القصة‪ :‬ما الذي تريد القصة ‪ /‬أو‬

‫شخصيتها األساسية قوله (الغاية)؟‬

‫• هل تتكشف الشخصية من خالل الحبكة؟ هل تط ّّور الحبكة الرصاع الدائر؟ هل بها‬

‫مفاجآت؟ تحوالت وانعطافات؟‬

‫• هل تواجه الشخصية األساسية عقبات؟ هل هي مجربة على سلوك معني واتخاذ‬

‫خيارات صعبة؟‬

‫‪41‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ثّمة ّ‬
‫شّد وتوتر‬ ‫• هل ترتيب املشاِهد ووتريتها يساعدان على نشوء الرصاع وتطوره؟ هل ّ‬
‫ِ‬
‫‪ Tension‬يف القصة؟ هل ّ‬
‫ثّمة تشويق؟‬

‫• هل لكل أ كشن سبب ونتيجة يدفعان الحبكة إىل األمام؟‬

‫ٌ‬
‫حٌّل ‪ُُ Resolution‬مرٍض يجيب عن السؤال‬ ‫• هل تطور القصة منطقي؟ هل هناك‬
‫ٍ‬
‫الذي طرحته القصة؟‬

‫يف بناء الحبكة‪ ،‬عليك اتخاذ الخيارات وطرح األسئلة الصعبة‪.‬‬

‫هل تدفع الحبكة القصة إىل األمام؟ تكشف عن الشخصية؟ تط ّّور الرصاعات‬
‫الدائرة؟ ُ‬
‫تخُلق التشويق؟ ُُتضفي البعد الدرامي؟‬

‫إذا شعرت بامللل يف أي جزء من قصتك‪ ،‬فإن القارئ سيشعر به أيضًاً‪ .‬عندئذ‪،‬‬
‫ال ترتدد يف إعادة الكتابة‪.‬‬

‫***‬

‫‪42‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ميتشل جاكسون‬

‫يف «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة»‪ ،‬بىن ميتشل جاكسون ما ّّدته بطريقة فريدة‪.‬‬
‫لرشح ذلك‪ ،‬عليك معرفة أن «الحبكة» تختلف عن القصة‪.‬‬
‫فإذا قلنا‪:‬‬

‫• مات امللك‪ ،‬ثم ماتت امللكة‪.‬‬

‫فتلك قصة‪.‬‬

‫أما إذا قلنا‪:‬‬

‫ثّم ماتت امللكة حزنًاً عليه‪.‬‬


‫• مات امللك‪ّ ،‬‬

‫فهذه حبكة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ما فعله جاكسون هو أنه بىن «القصة» (الدقائق الـ‪ 12‬األخرية من حياة مود)‬
‫يف خط منفصل عن «الحبكة» (وهي تأمالته ومقابالته وسلسة األفعال‪،‬‬
‫والرصاع بني القوى‪ ،‬اليت أفضت يف نهاية األمر إىل مقتل مود)‪.‬‬

‫فخط القصة‪ ،‬وخط الحبكة‪ ،‬يسريان بالتوازي أحيانًاً؛ يتشابكان ويتصادمان‬


‫ليبّثا الحياة مجددًاً يف أحمود‬
‫ّ‬ ‫أحيانًاً أخرى‪ .‬لكنهما يف نهاية املادة يتداخالن‬
‫«مود» أربريي‪.‬‬

‫الحبكة ال تكون بالرضورة دائمًاً قصة إنسانية أو «فيترش»‪ .‬قد يمتلك التقرير‬
‫العادّيّ «حبكة»‪.‬‬

‫الذي نرشته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»‪ ،‬وفاز‬ ‫‪10‬‬


‫انظر إىل هذا التقرير‬
‫بجائزة «بوليزتر» يف ‪ 2023‬عن فئة التقارير‪ .‬ستجد فيه كل عنارص الحبكة‪.‬‬

‫سياسيون يثريون الغضب بعد تعليقات عنرص ية يف تسجيل‬


‫صويت مَّرسَب‬

‫خلف األبواب املغلقة‪ ،‬أدلت نوري مارتينزي‪ ،‬رئيسة مجلس مدينة لوس أنجلوس‪،‬‬

‫بتعليقات عنرصية جهرًاً‪ ،‬سخرت فيها من زمالء لها يف املجلس‪ ،‬واستخدمت تعابري‬

‫فّظة غري معهودة عن تقسيم املدينة سياسّيًّاً‪.‬‬


‫ّ‬

‫مّد ََة عام تقريبًاً‪ ،‬إىل أن تردد صداه يف تسجيل مّرسّب يوم األحد‪ ،‬وهو‬
‫الحديث ظل ّرسًّاً ّ‬

‫ما ّ‬
‫وّجه أنظار املدينة الكبرية املرتامية األطراف نحو مبىن بلدية مدينة لوس أنجلوس‪.‬‬

‫بحلول مساء األحد‪ ،‬ثالثة من زمالء مارتينزي يف املجلس طالبوها بتقديم االستقالة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪Racist Remarks in Leaked Audi of Poloticians Spark Outrage, Los Angeles Times, 2022.‬‬

‫‪44‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وتح ّّول الترسيب إىل قضية جديدة مثرية للجدل يف االنتخابات املقّرّرة يف ‪ 8‬نوفمرب‪/‬ترشين‬
‫الثاين؛ إذ ْ‬
‫اْض ُُطر املرشحون ‪ -‬وبعضهم ّ‬
‫مّمن تدعمهم مارتينزي ‪ -‬إىل اتخاذ موقف منها‪.‬‬

‫ويبدو ّ‬
‫أّن مارتينزي وقادة األمريكيني الالتينيني اآلخرين الحارضين يف الجلسة‪ ،‬مل يعلموا‬
‫أن حديثهم ُُي َ‬
‫سَّجل؛ تقول مارتينزي يف التسجيل إن أحد أعضاء املجلس من الِبيض‬
‫ِ‬
‫يتعامل مع ابنه األسود الصغري كما لو كان «إكسسوارًاً»‪ ،‬ووصفت ابن عضو املجلس‬

‫مايك بونني بـأنه «يشبه القرود»‪.‬‬

‫القَسم الذي ألقاه‬


‫َ‬ ‫الحبكة موجودة حىت يف الخطابات؛ انظر إىل خطاب‬
‫إبراهام لينكولن يف ‪ 4‬مارس‪/‬آذار ‪ ،1865‬وقد كانت الحرب األهلية األمريكية‬
‫قد شارفت االنتهاء‪:‬‬

‫من دون ضغينة تجاه أحد‪ ،‬بمحبة تجاه الجميع‪ ،‬وبالحزم يف الحق كما ُُيِر يه هللا لنا‪،‬‬
‫ِ‬
‫نضّمد جراح األمة‪ ،‬أن نرعى ذاك الذي تحمل‬ ‫ّ‬ ‫لنجاهد من أجل أن ننهي ما بدأنا به‪ ،‬أن‬

‫مشاق املعركة‪ ،‬نرعى أرملته وأيتامه‪ ،‬أن نفعل كل ما يمكن لتحقيق سالم عادل ودائم‬

‫وتعزيزه بيننا‪ ،‬ومع األمم جميعها‪.‬‬

‫كمــا تــرى‪ ،‬ثمــة عــرض للمشــكلة «مــن دون ضغينــة تجــاه أحــد‪ ،‬بمحبــة تجاه‬
‫الجميع‪ ،‬وبالحزم يف الحق كما ُُيِر يه هللا لنا»‪ ،‬ثم تصاعد األكشن فيها «لنجاهد‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫نضّمد جراح األمة‪ ،‬أن نرعى ذاك الذي تحمل‬ ‫من أجل أن ننهي ما بدأنا به‪ ،‬أن‬
‫مشاق املعركة‪ ،‬نرعى أرملته وأيتامه»‪ ،‬ثم الحل «أن نفعل كل ما يمكن لتحقيق‬
‫سالم عادل ودائم وتعزيزه بيننا‪ ،‬ومع األمم جميعها‪».‬‬

‫***‬

‫مثال على الحبكة اليت تدفع بعجلة القصة إىل األمام‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫اقرأ مطلع هذه القصة‪ 11‬للصحفية لني ديغريغوري اليت فازت بجائزة بوليزتر‬
‫عام ‪ 2009‬عن فئة الفيترش‪.‬‬

‫املشهد االفتتاحي أدناه‪ ،‬أعيد بناؤه بعد ثالث سنوات من الحادث‪ ،‬من خالل‬
‫الشهادات وتحقيقات الرشطة؛ إذ إن ديغريغوري مل تكن حارضة هناك‪ .‬انظر‬
‫إّن القارئ يريد أن يعرف ماذا‬ ‫َ‬
‫القصَة إىل األمام؛ أي ّ‬ ‫ُ‬
‫الحبكُة‬ ‫كيف تدفع هذه‬
‫حدث بعد ذلك‪ .‬انتبه أيضًاً كيف ََتستخِدم حاسّيَت� ّ اللمس والشم‪.‬‬
‫ِ‬

‫فتاة النافذة‬

‫كانت العائلة تعيش يف مزنل مستأجر متهالك منذ ثالث سنوات تقريبًاً عندما رأى‬

‫أحدهم أل ّّول مرة وجه طفلة يف النافذة‪.‬‬

‫فتاة صغرية شاحبة ذات عيون داكنة‪ ،‬رفعت بطانية قذرة فوق زجاج النافذة املكسور‪،‬‬
‫تحّدق يف الخارج؛ بحسب ما َ‬
‫تَذّكَّرَه أحد الجريان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهي‬

‫كان الجريان يعرفون ّ‬


‫أّن امرأة تعيش يف املزنل مع صديقها وابنيها البالغني‪ .‬لكنهم مل يروا‬

‫طفًال هناك من قبل‪ .‬مل يحدث أن شاهدوا أحدًاً يلعب يف الفناء الذي تغطيه األعشاب‬
‫ً‬

‫الربية بسبب اإلهمال‪.‬‬

‫جّدًاً‪ّ .‬‬
‫خّداها مق ّّعران؛‬ ‫َ‬
‫صغريَة السن‪ ،‬ابنة ‪ 5‬أو ‪ 6‬أعوام‪ ،‬ونحيفة‪ ،‬نحيفة ّ‬ ‫بدت الفتاة‬

‫وعيناها غائرتان‪.‬‬

‫تأملت الطفلة يف البقعة اليت ترضبها أشعة الشمس‪ ،‬ثم انسحبت‪.‬‬


‫ً‬
‫ثانيًة‪.‬‬ ‫مّرّت الشهور‪ .‬مل تظهر الفتاة‬

‫‪11‬‬
‫‪DeGregory, Lane The Girl In The Window, Tampa Bay, 2009.‬‬

‫‪46‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تمامًاً‪ ،‬قبيل ظهرية يوم ‪ 13‬يوليو‪/‬تموز ‪ ،2005‬توقفت سيارة رشطة «بالنت سييت»‬

‫أمام تلك النافذة املكسورة‪ .‬دخل رشطيان إىل املزنل‪ ،‬ثم خرج أحدهما مرتّنّحًاً‪.‬‬

‫الرشطي املستجد أمسك ببطنه‪ ،‬وتقّيّأ على األعشاب‪.‬‬

‫كان املحقق مارك هولسيت قد قىض ‪ 18‬عامًاً يف رشطة «بالنت سييت» عندما ُأُرِس َ‬
‫َل هو‬
‫ِ‬
‫ورشيكه الشاب إىل املزنل يف شارع «أولد سيدين» للمساندة يف تحقيق عن حالة إساءة‬

‫معاملة األطفال‪ .‬كان أحدهم قد اتصل أخريًاً بالرشطة‪.‬‬

‫وجدوا سيارة أمام املزنل‪ .‬كان باب السائق مفتوحًاً وامرأة منهارة على املقعد‪ ،‬تبيك‪.‬‬

‫كانت املحققة من دائرة «الطفل واألرسة» يف والية فلوريدا‪.‬‬

‫«ال ُُيصَّدّ ق»‪ ،‬قالت لهولسيت‪« .‬هذا أسوأ ما رأيته يف حيايت»‪.‬‬

‫دخل الرشطيان عرب الباب األمامي‪ ،‬إىل غرفة املعيشة الضيقة‪.‬‬

‫«مررت بغرف تعفنت فيها جثث ملدة أسبوع‪ ،‬ومل تكن رائحتها بهذا السوء‪ »،‬قال‬

‫هولسيت الحقًاً‪« .‬أمٌر ٌ يفوق الوصف‪ .‬بول وفضالت؛ براز الكالب والقطط والبرش‪،‬‬

‫ملطخة على الجدران ومهروسة على السجادة‪ .‬كل يشء رطب وعفن»‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫معوّجة‪ .‬الكرتون‬ ‫ستائر رّثّة مصفّرّة بسبب دخان السجائر‪ ،‬تتدىل من قضبان معدنية‬
‫ََو ُ‬
‫الُّل ُ‬
‫ُحف القديمة محشورة يف نوافذ وسخة ومكسورة‪ .‬القمامة تغطي األريكة امللطخة‬

‫واملناضد الدبقة‪.‬‬

‫األرضية والجدران وحىت السقف‪ ،‬بدت كأنها تتمايل مع جحافل الرصاصري املزتاحمة‪.‬‬

‫«بدا األمر كأنك تميش على قشور البيض؛ إذ ال يمكنك أن تخطو خطوة واحدة من‬

‫دون طقطقة الرصاصري تنسحق تحت رجليك»‪ ،‬قال املحقق‪« .‬كانت داخل اإلضاءات‪،‬‬

‫داخل األثاث‪ .‬حىت داخل الثالجة‪ .‬الثالجة!»‬

‫بينما كان هولسيت يلقي نظرة حوله‪ ،‬اعرتضت املرأة البدينة بردائها املزنيل الباهت‬

‫مطاِلَبَة بمعرفة ما يجري داخل بيتها‪ .‬نعم‪ ،‬كانت تعيش هنا‪ .‬نعم‪ ،‬كان هذان ابنيها يف‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫غرفة املعيشة‪ .‬ابنتها؟ حسنًا‪ ،‬نعم‪ ،‬كانت لديها ابنة‪...‬‬

‫مىش املحقق ماّرًّاً بها‪ ،‬باتجاه املمر الضيق‪ .‬دفع الباب من مقبضه ففتح على مساحة‬

‫بحجم خزانة املالبس‪ .‬أمعن النظر يف العتمة‪.‬‬

‫عند قدميه‪ ،‬تحّرّك يشء ما‪.‬‬

‫أ ّّول ما رآه كان عينا الفتاة‪ :‬كانتا داكنتني وواسعتني‪ ،‬من غري تركزي‪ ،‬ال ترمشان‪ .‬مل تكن‬

‫تنظر إليه بقدر ما كانت تنظر عربه‪.‬‬

‫استلقت يف فراش ممزق‪ ،‬وعفن على األرض‪ .‬تل ََّو ْ‬


‫ْت على جانبها‪ ،‬بينما كانت ساقاها‬

‫الطويلتان مثنّيّتني نحو صدرها النحيل‪ .‬ضلوعها وعظمة الرتقوة ناتئة‪ ،‬ذراعها النحيفة‬
‫َ‬
‫التَّف ْ‬
‫ْت حول وجهها‪ ،‬وشعرها األسود متشابك ومليء بالقمل‪ .‬لدغات الحرشات‬

‫والطفح الجلدي والقروح تغطي برشتها‪ .‬ورغم أنها بدت كبرية بما يكفي لتكون اآلن يف‬

‫‪48‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫الحّفاظة املنتفخة‪.‬‬ ‫املدرسة‪ ،‬فقد كانت هناك عارية من كل يشء ما عدا‬

‫َ‬ ‫«ُك‬ ‫ّ‬


‫الحّفاظات القذرة يف تلك الغرفة كانت بارتفاع ‪ 4‬أقدام»‪ ،‬قال املحقق‪ُ .‬‬ ‫«كومة‬
‫َرِس�‬
‫زجاج النافذة‪ ،‬والطفلة كانت ترقد تمامًاً هناك محاطة بربازها وبالحرشات»‪.‬‬

‫«شعرُت وكأنين أرفع رضيعًاً»‪ ،‬قال‬


‫ُ‬ ‫عندما انحىن لريفعها‪ ،‬أصدرت صوتًاً كثغاء الخروف‪.‬‬
‫ُ‬
‫«وضعُتها على كتفي‪ ،‬وبدأت سوائل الحفاظة تتّرسّب على سايق»‪.‬‬ ‫هولسيت‪،‬‬

‫الفتاة مل تقاوم‪ .‬سأل هولسيت‪ :‬ما اسمك‪ ،‬حبيبيت؟ بدت الفتاة كأنها مل تسمع‪.‬‬

‫ّ‬
‫متكّتلة ملطخة بالرباز‪ .‬بحث عن لعبة أو‬ ‫بحَث عن ثياب لُيُلبسها‪ ،‬ولكنه وجد فقط ثيابًاً‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وجدُته كان مغطى بالريقات والرصاصري»‪.‬‬ ‫دمية حيوان محشو‪« ،‬ولكن ما‬

‫كبح جماح غضبه‪ ،‬اقرتب من األم‪ ،‬وسألها‪ :‬كيف تجّرّأت على فعل هذا؟‬

‫جّدًاً!»‬
‫استطعُته»‪ ،‬قال املحقق‪« .‬قلت لها‪ :‬ما استطعِته يبدو سيئًاً ّ‬
‫ُ‬ ‫«قالت األم‪ :‬هذا ما‬
‫ِ‬

‫أراد أن يعتقل املرأة على الفور‪ ،‬لكن عندما اتصل برئيسه‪ ،‬قال له أن يرتك األمر لوكالة‬

‫الرعاية االجتماعية لتجري تحقيقها الخاص‪.‬‬

‫حمل املحقق الفتاة عرب املمر املظلم‪ ،‬ماّرًّاً بشقيقيها‪ ،‬وبوالدتها عند الباب‪ ،‬اليت كانت‬
‫ِ‬
‫محِّققة الوالية‪ .‬املحققة‬ ‫تزعق‪« :‬ال تأخذوا طفليت!» ثم ثّبّت الطفلة بحزام مقعد سيارِة‬
‫ِ‬
‫وافقت قائلة‪ :‬يجب أخذ الفتاة من هنا فورًاً‪.‬‬

‫ّ‬
‫املحّقق ما قاله لرشيكه‪« .‬إذا مل تصل هذه‬ ‫«اّتّ ْ‬
‫صْل مع مستشفى تامبا العام»‪ ،‬يتذكر‬
‫ّ‬
‫تظّل على قيد الحياة»‪.‬‬ ‫الطفلة إىل املستشفى‪ ،‬فلن‬

‫***‬
‫‪49‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫توضيح للمصطلحات‬

‫الصـراع‪ ،‬التضارب‪ ،‬الزناع ‪ :Conflict‬الرصاع الدرامي هو الرصاع الذي ينمو من تفاعل‬

‫قوى متعارضة (أفكار ومصالح وإرادات) يف حبكة‪ ،‬ويمكن القول إن الرصاع هو املادة‬

‫اليت تبىن منها الحبكة‪.‬‬

‫وللرصاع أنواعه املختلفة‪:‬‬

‫فهناك الرصاع البدايئ األويل بني اإلنسان والعامل الطبيعي‪ .‬والرصاع االجتماعي بني‬

‫اإلنسان واإلنسان‪ ،‬أو رصاع الفرد مع املجتمع‪ .‬والرصاع النفيس‪ .‬ورصاع اإلنسان مع‬

‫القدر‪.‬‬

‫شخصـية ‪ :Character‬املعىن الشـائع هو مجمل السمات واملالمح اليت تشكل طبيعة‬

‫شخص أو كائن حي‪.‬‬

‫وهي تشري اىل الصفات الخلقية واملعايري واملبادئ األخالقية‪ ،‬ولها يف األدب معان نوعية‬

‫أخرى‪ ،‬وعلى األخص ما يتعلق بالشخص الذي تمثله القصة‪.‬‬

‫الحبكة ‪ :Plot‬وهي ترتيب األحداث للوصول إىل تأثري مقصود‪ .‬والحبـكة هي سلسلة‬
‫ّ‬
‫وتتقّدم عرب رصاع قوي بني األضداد‬ ‫من األفعال اليت ُُت َ‬
‫صَّمم بعنـاية وتتشابك صالتها‬

‫إىل ذروة وانفراج‪.‬‬

‫وتختلف الحبكة عن القصـة أو عن خط القصة (ترتيب األحداث كما وقعت)‪.‬‬

‫فإذا قلنا‪ :‬مات امللك ثم ماتت امللكة‪ ،‬كان ذلك قصة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وإذا قلنا‪ :‬مات امللك ثم ماتت امللكة حزنًاً عليه‪ ،‬كان ذلك حبكة‪.‬‬

‫التشـويق ‪ :Suspense‬حالة من عدم التأ كد الذهين والرتقب والقلق واالستثارة أو‬

‫عدم الحسم‪ .‬والكلمة مستمدة من أصل التيين يعين أمرًاً معلقا؛ ولذلك فقد ُُتِرك‬
‫ِ‬
‫من دون حسم‪.‬‬

‫يف األدب تشري الكلمة إىل ترقب القارئ ملا ستكون عليه نهاية األحداث يف رواية أو قصـة‬

‫أو تمثيلية‪.‬‬

‫ً‬
‫ومتسائًال ّ‬
‫عّما سيحدث بعد‬ ‫وهي صفة من صفات التوتر الذي يجعل الجمهور مهتمًاً‬

‫ذلك‪.‬‬

‫وقد يتباين التشويق ابتداء من تقديم قرينة يف الروايات البوليسية ذات القالب الثـابت‬

‫التقليدي‪ ،‬إىل ما استخدمه سوفوكليس يف «أوديب ملكًاً» (إخفاء معرفة أن أوديب‬

‫قد قتل والده الفعلي)‪.‬‬

‫حل (قرار) ‪ :Resolution‬األحداث اليت تعقب الذروة يف القصة وتشري إىل موضع‬

‫بداية حل العقدة‪.‬‬

‫نمو الشخصية ‪Character Development‬‬

‫• ما خلفية الشخصية الرئيسية يف القصة؟ وهل تؤثر يف قراراتها وأفعالها؟ كيف تصف‬

‫الشخصية؛ هل يعكس الشكل املضمون؟ ما نقاط قوتها وضعفها؟ هل هي متوازنة‬

‫أم معقدة؟‬

‫‪51‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫• ما الذي يدفعها؟ هل لها أهداف قصرية‪ /‬طويلة األمد؟ كيف تؤثر دوافعها يف ُ‬
‫تقُّدم‬

‫القصة؟‬

‫• كيف تتطور الشخصية خالل أحداث القصة؟ هل تؤثر األحداث فيها؟ هل تكافح؟‬

‫تنمو؟ تخاطر؟ تتخذ مواقف؟‬

‫• ما عالقات الشخصية الرئيسية مع اآلخرين يف القصة؟ كيف تؤثر هذه العالقات على‬

‫الشخصية؟ هل هنالك رصاعات داخل هذه العالقات؟‬

‫• هل تتسق لغة الشخصية‪ ،‬ولهجتها‪ ،‬وصوتها‪ ،‬ونربتها‪ ،‬مع توصيف الشخصية؟‬

‫• ما لذي يجعل الشخصية الرئيسية مختلفة أو فريدة؟ هل لها عادات معينة تؤثر يف‬

‫مجرى القصة؟‬

‫• ما الذي يجعل القارئ يتعاطف‪ /‬يتماهى مع الشخصية أو يرفضها؟‬

‫ً‬
‫أفعاًال‪ ،‬وتتخذ‬ ‫اخرت من األسئلة الزوايا اليت تالئم قصتك‪ .‬الشخصية تؤدي‬
‫خيارات فتتكشف للقارئ‪.‬‬

‫الفكرة ‪ /‬املشكلة اليت تطرحها القصة ستساعد على اختيار األسئلة الصحيحة‪،‬‬
‫وهي أيضًاً مفتاح نمو الشخصية‪.‬‬

‫***‬

‫‪52‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مثًال‪ُُ ،‬كتبت قصة «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة» بطريقة ُُم َ‬


‫فَع ََمة بالحيوية عن‬ ‫ً‬
‫الحياة القصرية واملأساوية ألحمود ماركزي أربريي؛ الشاب األسود البالغ من‬
‫َل يف أثناء ممارسته رياضة الجري يف حي ذي‬ ‫العمر ‪ 26‬عامًاً الذي ُُطِر ََد‪ُ ،‬‬
‫وُقِت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غالبية بيضاء يف والية جورجيا‪.‬‬

‫تقِّدم حبكة القصة تفاصيل غنية عن حياته‪ ،‬وعائلته‪ ،‬وطموحاته‪ُُ .‬تؤنِس ُُن ُُه‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫مُه للقارئ شخصًاً من لحم ودم؛ شخصية تنمو وتتغري‪ ،‬تقع وتنهض‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وتقّد ُ‬
‫ً‬
‫وفاجعًة لها أثرها املستمر‪.‬‬ ‫تفشل هنا وتنجح هناك‪ ،‬ما جعل مقتله ظلمًاً‬

‫ويحاول الصحفي ميتشل جاكسون‪ ،‬كاتب القصة‪ ،‬أن ُُيحدث التغيري من‬
‫خاللها‪« .‬التغيري» هو ما تريد القصة قوله بعد تصاعد األحداث فيها إىل الذروة‬
‫بمقتل «مود»‪ .‬و ُُيسمى يف الرسد األديب «الحل» ‪Resolution‬؛ أو األحداث‬
‫اليت تعقب الذروة‪ ،‬وتشري إىل موضع بداية حل العقدة‪ /‬املشكلة‪.‬‬

‫تستكشف حبكة القصة قضايا أوسع؛ قضايا الظلم العريق‪ ،‬والتحزي‪ ،‬وعدم‬
‫املساواة يف الواليات املتحدة؛ فقد أظهرت أن مقتل أربريي كان نتاج عنرصية‬
‫َ‬
‫منَّظمة‪.‬‬

‫***‬

‫يف النرث األديب‪ّ ،‬‬


‫يوّجه الكاتب نظر القارئ إىل األشياء امللموسة ليشاهدها بنفسه‪.‬‬
‫فالعيون تتجه إىل بطل القصة؛ محّرّك األحداث وقوتها الدافعة‪ .‬ويف أثناء مسعاه‬
‫إىل تحقيق أهداف معينة‪ ،‬تتطور شخصية البطل من خالل الخيارات املختلفة‬
‫املتاحة أمامه؛ يخاطر فتنفضح دوافعه وأرساره‪ ،‬يتخذ مواقف فتظهر عيوبه‪،‬‬
‫َ‬
‫فيتكَّشف الشغف الذي فيه‪ .‬تتطور الحبكة من خالل املفاجآت والتحوالت‬ ‫يتغرّير‬
‫ّ‬
‫الشّد والتوتر والتشويق‪.‬‬ ‫واالنعطافات؛ أي من خالل األكشن امللموس‪ ،‬خالقة‬

‫‪53‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف هذا‪ ،‬ال تختلف القصة الصحفية كثريًاً عن القصة األدبية‪:‬‬

‫القصة الصحفية تستند إىل الوقائع لنقل املعرفة واملعلومات وتقديم الرتفيه‬
‫يف موضوعات تجري يف العامل الحقيقي‪.‬‬

‫القصة األدبية تستند إىل الخيال لنقل رسائل وقيم إنسانية وتقديم الرتفيه‬
‫من خالل رسد مبتكر‪ ،‬وقد تكون لها صلة بالعامل الحقيقي‪.‬‬

‫لكن كلتيهما تقوم على الشخصيات؛ ْ‬


‫إْن ضاعت‪ ،‬ضاع كل يشء‪.‬‬

‫ما الدور الذي تؤديه الشخصيات؟‬

‫فّكّر يف الروايات اليت أعجبتك‪ ،‬هل تتذّكّر الشخصيات اليت عشت معها‬
‫كنَت تتمىن أال تنتهي الرواية أبدًاً؟ ما الذي تتذكره‬
‫َ‬ ‫الصفحة تلو األخرى‪ ،‬حىت‬
‫بوضوح أ كرب‪ :‬الشخصيات أم الحبكة؟‬

‫فّكّر أيضًاً يف األفالم اليت شاهدتها وأّثّرت فيك‪ ،‬أتتذكر حبكة الفيلم أم املمثلني؟‬
‫هنالك كتاب بعنوان‪ ،Characters Make Your Story :‬فالعنوان يقول كل‬
‫ما تحتاج إىل معرفته‪ .‬إذا دّبّت الحياة يف الشخصيات على الصفحة‪ ،‬فإن ما‬
‫تفعله هذه الشخصيات يصبح القصة‪.‬‬

‫ً‬
‫مدخًال لتيار يف الصحافة ُُس ّّمي فيما بعد الصحافة‬ ‫والحال أن األدب كان‬
‫األدبية أو الرسدية‪ ،‬ابتدأه الصحفي والروايئ الربيطاين جورج أورويل بمقالة‬
‫كتبها خالل رحلة استشفاء من مرض السل يف املغرب عام ‪ 1939‬بعنوان‬
‫ُ‬
‫«مراكش»‪ ،‬وُأسيل حولها كثري من الحرب‪ .‬ويف الستينيات وجد هذا التيار‬

‫‪54‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫زخمًاً ليتوج يف عام ‪ 1973‬بكتاب نرشه الصحفي األمرييك توم وولف بعنوان‬
‫«الصحافة الجديدة»‪ ،12‬وهو مجموعة من املقاالت املختارة‪ ،‬وكان بمثابة‬
‫البيان رقم واحد أو مانفيستو الصحافة األدبية‪ .‬مشكلة وولف أنه كان ير ّّوج‬
‫حينئذ ملوت الرواية األدبية القائمة على تخيل األحداث والشخصيات‪ ،‬ولفكرة‬
‫أن الصحافة األدبية ستحل محلها بأحداثها وشخصياتها الحقيقية‪ .‬مل تمت‬
‫الرواية‪ ،‬لكن استعارة تقنياتها يف الصحافة استمرت‪.‬‬

‫أدى تطبيق تقنيات الرسد يف الكتابة الصحفية إىل إنتاج بعض القصص األكرث‬
‫ً‬
‫فبدًال من “الراوي” الغامض ‪mysterious‬‬ ‫إثارة خالل العقود القليلة املاضية‪.‬‬
‫املوثوق ‪ authoritative‬كَّلّي املعرفة ‪ omniscient‬يف صياغة األخبار‪ ،‬تلجأ‬
‫الصحافة الرسدية إىل بناء القصة مشهدًاً بعد مشهد؛ ألن الصحفي يكون‬
‫موجودًاً ‪-‬ولو مجازًاً‪ -‬على «األرض» حيث يدون املالحظات‪ ،‬ويجري املقابالت‬
‫املعَّمقة مع الشخصيات املنخرطة يف الحدث املعين‪ .‬و ُُيروى الحدث‬
‫َ‬ ‫والحوارات‬
‫من وجهة نظر الشخص الثالث أو ما ُُيسمى يف اللغة العربية ضمائر الغائب‪:‬‬
‫هو‪ ،‬هي‪ ،‬هم‪ ،‬ما يساعد الكاتب على تقديم شخصيات متعددة ومستويات‬
‫مختلفة للرسد والحبكة بالطريقة اليت تعمل بها الكامريا يف األفالم من زووم‪-‬‬
‫آوت وزووم‪-‬إن‪.‬‬

‫ولعل أحد األمثلة الحديثة على استخدام تقنيات الرسد يف الصحافة‪ ،‬ما نرشته‬
‫واشنطن بوست‪ 13‬عن الالجئ السوري مازن الحمادة الذي قرر العودة إىل‬
‫ُ‬
‫سوريا‪ .‬فعلى مدار أ كرث من ‪ 3500‬كلمة وفيديوهات وتسجيالت صوتية ُأِع ّّدت‬
‫ِ‬
‫خصوصًاً لهذه املادة‪ ،‬تتنقل الصحفية لزي سالي من مشهد إىل مشهد‪ ،‬ومن‬
‫زووم‪-‬آوت إىل زووم‪-‬إن‪ ،‬لتضع القارئ أمام الصورة األكرب ملأساة السوريني‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫‪Wolfe, Tom “The New Journalism”, 1973.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪Sly, Liz “He told the world about his brutal torture in Syria. Then, mysteriously, he went‬‬
‫‪back”, Washington post, 2021.‬‬

‫‪55‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ً‬
‫راسمًة مصاير أولئك الذين تحولوا إىل بقايا برش تطاردهم أشباح االنتقام بعد‬
‫أن أنهكتهم الحرب على مدار ‪ 10‬سنوات‪ ،‬وأولئك الذين استطاعوا الفكاك‬
‫من أرس املايض‪ ،‬وبدؤوا حياة جديدة يف أوطان غري وطنهم األم‪.‬‬

‫تمسك لزي سالي‪ ،‬الصحفية الربيطانية املتمرسة‪ ،‬بيد القارئ‪ ،‬وترشده خطوة‬
‫بخطوة‪ ،‬عرب رسد صحفي‪ ،‬ليستكشف بنفسه حقيقة ما ّ‬
‫خّلفته الحرب يف‬
‫سوريا‪ .‬ويكفي أن تقرأ الفقرات األوىل لتعرف أنك أمام رسد صحفي رزين‪:‬‬

‫بجسده النحيل ووجهه الجِزع ودموعه الغزيرة‪ ،‬أصبح مازن الحمادة رمزًاً ملعاناة ضحايا‬
‫ِ‬
‫التعذيب السوريني‪ .‬بعد هربه من سوريا إىل هولندا‪ ،‬سافر كثريًاً‪ ،‬وروى للجمهور يف‬

‫جميع أنحاء الواليات املتحدة وأوروبا‪ ،‬قصصًاً عن الفظائع اليت تعرض لها خالل اعتقاله‬

‫بسجن يف دمشق‪.‬‬

‫ثم فجأة‪ ،‬ويف خطوة غامضة عصّيّة على التفسري‪ ،‬ال بل ربما يف خطوة انتحارية‪ ،‬عاد‬

‫قبل نحو عام إىل سوريا‪ ،‬ليخاطر مرة أخرى بالوقوع يف قبضة حكومة وحشية كان قد‬

‫جاهد لشجبها‪.‬‬

‫اختفى مازن منذ ذلك الحني‪ ،‬تاركًاً وراءه أرسة وأصدقاء َ‬


‫هاَلهم تفسري الدافع وراء أن‬

‫ُُي ْْقدم رجل مثقل بندبات جروحه املاضية‪ ،‬على العودة إىل أحضان جاّلا ديه‪ .‬وما يخشونه‬

‫هو دخوله مرة أخرى يف كابوس نظام السجون يف سوريا‪.‬‬

‫ففي هذه الفقرات األوىل‪ُُ ،‬ت ِ‬


‫حِّدد سالي ثالثة من أهم العنارص اليت تريس قواعد‬
‫أوًال ترسم نربة الصوت ‪( Tone‬نغمته) أو موقف الكاتب من‬ ‫رسد القصة؛ فهي ً‬
‫القصة اليت يرسدها أو جوها العام؛ وهي هنا تهئي القارئ بأنه سيقرأ (أو إذا‬
‫شئت‪ :‬سيسمع) قصة جديرة بالقراءة‪ :‬تعرض لفظائع يف التعذيب‪ ،‬مع ذلك‬

‫‪56‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫قرر العودة بملء إرادته لحضن جالديه‪ .‬هذا وحده كفيل بجعل أذن القارئ‬
‫تنتصب ملعرفة املزيد‪.‬‬

‫وَم ْْن يتكلم‬


‫ثم تضع املنظور ‪ Perspective‬والصوت ‪( Voice‬بمعىن ََم ْْن يرى َ‬
‫يف القصة)؛ فهي لن ترسد القصة من وجهة نظرها األمر الذي قد يرمي بظالل‬
‫الشك على دوافعها‪ ،‬بل من وجهة نظر أرسته وأصدقائه الذين هالهم تفسري‬
‫ما جرى‪ .‬ويف غضون ذلك‪ ،‬فإنها ستلعب دور الراوي الذي يساعد القارئ على‬
‫فهم األحداث الدرامية اليت ستتكشف أمامه واستيعابها‪ُ ،‬‬
‫لُتبىن يف النهاية‬
‫ً‬
‫عادًة املنخرطون يف الحدث‪.‬‬ ‫الصورة األكرب اليت ال يراها‬

‫***‬

‫يف عام ‪ ،1963‬استطاع الصحفي األسطورة جيمي بريسلني أن ّ‬


‫يخّلد ما كتبه‬
‫عن مقتل جون كينيدي‪ ،‬بشخصية ّ‬
‫حّفار القبور «كليفتون بوالرد» يف قصة‬
‫بعنوان‪« :‬إنه لرشف يل»‪:14‬‬

‫جيمي بريسلين‬

‫‪14‬‬
‫‪Breslin، Jimmy “It’s An Honor”, New York Herald Tribune, 1963.‬‬

‫‪57‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫كان كليفتون بوالرد واثقًاً تمامًاً أنه سيذهب إىل العمل األحد‪ ،‬فعندما استيقظ يف‬

‫التاسعة صباحًاً يف شقته املكونة من ثالث غرف يف شارع «كوركورين»‪ ،‬ارتدى أفرول‬
‫العمل الكايك قبل التوجه إىل املطبخ لتناول الفطور‪ .‬زوجته‪ ،‬هييت‪ّ ،‬‬
‫أعّدت له اللحم‬
‫َ‬
‫املقَّدد مع البيض‪ .‬كان بوالرد قد بدأ بتناول طعامه عندما جاءته املكاملة الهاتفية اليت كان‬
‫ينتظرها‪ .‬كانت من مازو كوالشيك‪ ،‬كبري ّ‬
‫حّفاري القبور يف مقربة «أرلينغتون» الوطنية‪،‬‬

‫حيث يعمل بوالرد لكسب لقمة العيش‪ .‬سأله كوالشيك‪« :‬بويل‪ ،‬هل يمكنك أن تكون‬

‫حّقًاً‪.‬‬
‫هنا بحلول الساعة ‪ 11‬هذا الصباح؟ أظن أنك تعرف السبب»‪ ،‬بوالرد كان يعرف ّ‬

‫أنهى املكاملة‪ ،‬فرغ من تناول فطوره‪ ،‬وغادر شقته ليقيض يوم األحد يف حفر قرب جون‬

‫فيزتجريالد كينيدي‪.‬‬

‫ً‬
‫عادًة بتخّيّل شخصية ما‪ ،‬وكذا يف الروايات‬ ‫يف األدب‪ ،‬يبدأ الروائيون العمل‬
‫البوليسية اليت تتمحور حول الشخصية‪ ،‬مثل‪« :‬شارلوك هوملز»‪ .‬ومع أن‬
‫روايات املغامرات والجاسوسية والخيال العلمي والروايات الرومانسية‬
‫أوًال بالحبكة‪ ،‬ثم ُُتسَّكَن بالشخصيات‪ّ ،‬‬
‫فإّن هذه‬ ‫الشعبية وأفالم األكشن تبدأ ً‬
‫َ‬
‫«مختَل ََقة»‪ ،‬وال ترتك أثرًاً ُُيذكر‪.‬‬ ‫الشخصيات تبدو غالبًاً‬

‫الكاتب الذي يكون والؤه للشخصية تكون قصته أ كرث قابلية للبقاء واالستمرار؛‬
‫فأحداث القصة ال تؤثر فينا إال إذا عرفنا الشخصيات املنخرطة فيها‪ .‬ملاذا‬
‫ّ‬
‫تشّدنا‬ ‫أصًال سيهتم أي قارئ بأمر شخصية ال يعرفها؟! نحن نريد دائمًاً أن‬
‫ً‬
‫الشخصية؛ أن ننغمس بأرسع وقت ممكن يف تفاصيل حياتها‪.‬‬

‫لنأخذ هذا املطلع الذي كتبه الصحفي كيث برادرش‪ ،‬الحائز على جائزة البوليزتر‬
‫عن قصة نرشها عام ‪ 1993‬يف «نيويورك تايمز»‪:15‬‬

‫هنا على مرج صخري غرب تكساس‪ ،‬وبنهاية طريق غري معبدة على مسافة ‪ 10‬أميال‬

‫‪15‬‬
‫‪Bradsher, Keith “Strategic’ Goats Gobble Up Trade Subsidy”, NYTimes, 1993.‬‬

‫‪58‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫َ‬
‫«الَقُّيُوط»‪ ،‬يتجمع‬ ‫عرب أراض تغطيها نباتات «اَملَ ْْسكيت» الشوكية‪ ،‬وتنترش فيها ذئاب‬

‫املئات من حاملي سلعة اسرتاتيجية يف الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫إنها املاعز‪.‬‬

‫َ‬
‫«األنَقرة» الهائمة على‬ ‫«تع‪ ،‬تع‪ ،‬تع‪ ،‬إررررر!» ينادي «بوب ريك»؛ مريّبي ماشية‪ ،‬على ماعز‬

‫وجهها‪ ،‬لتناول وجبة من بذور القطن العالية الربوتني‪ ،‬بينما يطارد كلبه تلك الشاردة‬

‫عن القطيع‪.‬‬

‫من بني الزناعات جميعها اليت يواجهها الرئيس كلينتون مع نهاية الحرب الباردة‪ ،‬ربما ال‬

‫عّدها‬ ‫َ‬
‫صوَف «املوهري»؛ السلعة اليت ّ‬ ‫يوجد نزاع أغرب من محنة مريب املاشية اليت تنتج‬

‫االتحاد السوفيييت «إسرتاتيجية» لجيشه‪.‬‬

‫ففي نهاية الحرب الكورية‪ ،‬أقنع مر ّبّو املاشية الكونغرس بإدراج تجارتهم ضمن برنامج‬

‫السلع اإلسرتاتيجية بوصفهم منتجني لصوف املاشية‪ .‬لكن نظرًاً إىل تراجع استخدام‬
‫الجيش األمرييك َ‬
‫لَش ْْعر املاعز «املوهري»‪ ،‬انتهى بهم األمر إىل إرسال ثالثة أخماس اإلنتاج‬

‫السنوي املدعوم بحلول عام ‪ 1990‬إىل االتحاد السوفيييت من خالل وسطاء يصنعون‬

‫األوشحة والقبعات واملعاطف‪.‬‬

‫مع زوال االتحاد السوفيييت يف العام التايل‪ ،‬انخفضت املبيعات‪ ،‬ما ّ‬


‫أّدى ‪-‬يف انعكاس‬

‫غريب لفوائد السالم‪ -‬إىل زيادة اإلعانات الفيدرالية ملاليك هذه القطعان ذات الصوف‬

‫الدهين بطبيعته‪.‬‬

‫ورغم أن هذه القصة تندرج ضمن قسم االقتصاد أو املال واألعمال‪ ،‬فإننا‬
‫ننغمس مبارشة يف تفاصيل حياة «بوب ريك» وقطعان ماعزه‪ ،‬واألرض البور‬
‫اليت تجوبها الذئاب‪ ،‬وكيف أن الحظوظ قد انقلبت بسلعة «صوف املوهري»‬

‫‪59‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫اليت ينتجونها‪ ،‬حىت باتت حياتهم على املحك‪.‬‬

‫الرسد يف الصحافة العربية نادر‪ ،‬وثمة توجه إىل مقاومته‪ ،‬على اعتبار أنه كتابة‬
‫«حّيّة» أ كرث مما ينبغي‪ ،‬و«ملونة» غري «نقّيّة» ال تصلح لكتابة الخرب‪.‬‬

‫على العكس من ذلك تمامًاً‪ ،‬ينبغي على الكتابة‪ ،‬ليك تكون ناجحة‪ ،‬أن‬
‫ً‬
‫عاطفيًة كانت أو فكرية‬ ‫تغمر القارئ بكثافة التجربة اليت يختربها يف القراءة؛‬
‫أو كليهما‪ ،‬حىت لتبدو «التجربة» أحيانًاً أ كرب من الحياة ذاتها‪ .‬هذا ما فعله‬
‫بريسلني يف «إنه لرشف يل»‪ .‬الكتابة الباهتة ال تمنح املتعة‪.‬‬

‫ومهما تكن املعلومات والرؤى اليت تحتوي عليها هذه الكتابة الباهتة‪ ،‬فإنها‬
‫ّ‬
‫يتحّملون مشقة التنقيب عنها يف النرث‬ ‫ستكون متاحة فقط ألولئك الذين‬
‫الباهت‪.‬‬

‫ال سبب يستدعي أن تكون الكتابة غري األدبية ‪-‬بما فيها الصحافة‪ -‬غري ممتعة‬
‫وغري مثرية لالهتمام؛ فاملعلومات تفعل فعلها عندما ُُتصاغ لتالمس مشاعر‬
‫القارئ‪ .‬وال يحتاج الصحفي أن يكون روائّيًّاً يك يستخدم أدواٍت للكتابة تجعل‬
‫ٍ‬
‫القصة الصحفية أ كرث إغنا ًًء لتجربة القارئ‪.‬‬

‫عندما يحرش الصحفي ََم ْْن وماذا ومىت وأين وملاذا يف الفقرة األوىل‪ ،‬ى‬
‫فأىّن له‬
‫أن يلفت انتباه القارئ إىل ما تبقى من القصة؟! الحقائق املجردة ال تكفي يف‬
‫معظم األحيان لشد القارئ حىت النهاية‪ ،‬بل السياق؛ أي النص بوصفه حاوية‬
‫املعلومات‪ ،‬هو ما ييضء هذه الحقائق‪ ،‬ويمنحها القوة واملعىن‪.‬‬

‫ّ‬
‫توّخي الحذر؛ ففي كثري من األحيان تنتهي الكتابة الصحفية‬ ‫مع ذلك ينبغي‬
‫اليت تحاول استعارة أدوات الكتابة األدبية إىل املبالغة يف التقليد‪ ،‬يف محاولة‬

‫‪60‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ً‬
‫أصًال‪ .‬وسنأيت إىل تفصيل ذلك يف الفصول‬ ‫لجذب انتباه القارئ إىل مادة باهتة‬
‫القادمة‪.‬‬

‫***‬

‫التأثري الدرامي‬

‫• هل تبدأ القصة بالحدث األكرث درامية؟ ويف لحظة أ كشن؟‬

‫• هل الشخصية الرئيسية هي اليت ترسد القصة (أو ما يسمى وجهة النظر أو نقطة‬

‫استرشاف األشياء) أم الراوي‪/‬الكاتب؟ هل الشخصية مضطرة للتغيري؟‬

‫• هل خلفية القصة ‪ Settings‬أو محيطها تخلق أجواء درامية؟ شعورًاً قوّيًّاً بالزمن؟‬

‫باملكان؟ تعكس الشخصية؟ تعزز الحبكة والتيمة؟‬

‫• هل أدوات القصة (االنتكاس الدرامي ‪ ،Dramatic Reversal‬واإلملاع إىل قرب‬


‫ّ‬
‫الشّد والتوتر ‪Tension‬‬ ‫حدوث أمر ما ‪ ،Foreshadowing‬والفالش باك‪ ...‬إلخ) تزيد‬

‫يف القصة؟ وتدفعهما إىل األمام؟‬

‫• ما العنارص‪ ،‬والشخصيات‪ ،‬واملشاهد‪ ،‬والحوارات اليت يمكن حذفها إلضافة الزخم‬

‫‪ Momentum‬إىل القصة؟‬

‫• هل الشخصية الرئيسية للقصة والشخصية النقيضة متساويتان؟ على حافة‬

‫األزمة؟ تتصارعان؟‬

‫ال رصاع‪ ،‬ال تغيري‪ ،‬ال قصة!‬

‫‪61‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫هل بدأت بأ كرث األحداث درامية؟ هل الشخصية األكرث تأثريًاً هي اليت تروي‬
‫القصة؟ هل تستغل العواطف القوية؟ هل يتصاعد الرصاع؟‬

‫***‬

‫االستمرار ية‪ ،‬املصداقية‪ ،‬االتساق‪ ،‬السببية‬


‫‪Continuity, Credibility, Consistency, Causality‬‬

‫• هل تغريت وجهة النظر أو نقطة استرشاف األشياء ‪Point of View‬؟ أم سقطت يف‬

‫مكان ما؟ أم أصبحت ضعيفة؟‬

‫• هل الشخصيات وما ّ‬
‫تقّدمه من أ كشن واقعية وقابلة للتصديق؟‬

‫• هل النربة ‪ Tone‬والستايل والصوت الرسدي ‪ Narrative Voice‬مناسبة للقارئ‬

‫املقصود؟‬

‫• هل الرتكيبة‪ /‬الحبكة جديرة بالتصديق؟ التسلسل الزمين؟ التشويق؟‬

‫َ‬
‫قلَت ما أردت قوله على نحو مثري لالهتمام؟‬ ‫• هل‬

‫• هل ّ‬
‫كّل عنارص القصة والشخصيات تتسم باالستمرارية‪ ،‬واملصداقية‪ ،‬واالتساق‪،‬‬

‫والسببية؟‬

‫‪62‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫توضيح للمصطلحات‬

‫االنتكاس الدرامي ‪ :Dramatic Reversal‬انقالب أو تغيري مفاجئ وغري متوقع يف‬

‫اتجاه القصة أو نتيجتها‪ .‬وينطوي على تحول كبري يف الرسد‪.‬‬

‫اإلملاع يف الرسد ‪ :Foreshadowing‬إملاع‪ ،‬أو تلميح ألحداث‪ ،‬أو تطورات‪ ،‬أو نتائج‬

‫قادمة داخل القصة‪ .‬اإلملاع يخلق شعورًاً بالرتقب‪ ،‬ويمهد للتطورات القادمة يف القصة‪،‬‬

‫أو يكشف عن شخصيات جديدة أو أحداث مهمة‪.‬‬

‫االستمرار ية ‪ :Continuity‬تعين التدفق السلس للمعلومات وعنارص الرسد يف النص‪،‬‬


‫ّ‬
‫موّحدة ومتماسكة للقّرّاء‪.‬‬ ‫وهي اليت تخلق تجربة قراءة‬

‫املصداقية ‪ :Credibility‬ترتبط بمدى قناعة القارئ بدقة املعلومات املقدمة‪،‬‬

‫واستنادها إىل مصادر يمكن الوثوق بها‪.‬‬

‫االتساق ‪ :Consistency‬التوازن واالستقرار يف األسلوب والبناء واللغة والتنسيق‬

‫واملفاهيم واملعلومات عرب النص بأ كمله‪ ،‬ما يعين تجانس النص وتدفقه بسالسة‬

‫وتناغم‪.‬‬

‫السببية ‪ :Causality‬العالقات بني األسباب والنتائج داخل سياق النص‪ .‬أفعال أو‬

‫أحداث أو ظروف ما تؤدي إىل نتائج أو عواقب معينة‪.‬‬

‫***‬

‫‪63‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫لننظر إىل ما كتبه إيلي ساسلو‪ ،‬وهو أحد أفضل ّ‬


‫كّتاب الفيترش يف جيله‪ .‬فاز‬
‫بجائزة «بوليزتر»‪ ،‬وهو يف الـ ‪ 32‬من عمره‪ ،‬ثم فاز بها مجددًاً يف الـ ‪ 41‬عام‬
‫‪ 2023‬عن ّ‬
‫قّصته «غضب وحزن يف الحافلة رقم ‪»15‬؛ املسلمة األمريكية من‬
‫أصل تريك سونا كاراباي؛ البطلة املغمورة اليت تكسب رزقها يف ظروف عمل‬
‫صعبة يومّيًّاً إّبّان جائحة كورونا يف أمريكا‪.‬‬

‫يستخدم ساسلو أداة تقليدية يف الرسد الصحفي تسمى (‪ride-along‬‬


‫املرافقة)‪ ،‬وذلك الختبار التجارب اليومية اليت تمر بها الشخصية يف القصة؛ مثل‬
‫قضاء يوم أو ليلة داخل سيارة الرشطة‪ ،‬أو سيارة اإلسعاف‪ ،‬أو شاحنة النفايات‪،‬‬
‫أو يف حالتنا هذه‪ ،‬حافلة املدينة‪ُُ .‬يضاف إىل ذلك‪ ،‬أداة أخرى ‪fly on the wall‬‬
‫وُترتجم عربّيًّاً بـ‪ :‬عدسة الكامريا؛ إذ يتح ّّول‬
‫(وتعين حرفّيًّاً الذبابة على الحائط) ُ‬
‫املراسل الصحفي إىل مجرد «عدسة كامريا» ال ُُي َ‬
‫لَحظ وجوده‪ ،‬وال أثر له يف تطور‬
‫األحداث‪ ،‬مثل الذبابة على الحائط اليت تشاهد كل يشء دون أن َ‬
‫يلَحظها أحد‪.‬‬

‫«َم ْْن؟» تصبح‬


‫إيلي ساسلو يدرك الفرق بني كتابة تقرير وكتابة قصة‪ .‬فـ َ‬
‫الشخصية الرئيسية يف القصة‪ ،‬وهي السائقة اليت تضع اللمسات األخرية‬
‫على مكياجها‪ ،‬وتبدأ بتالوة دعاء صباحي‪ .‬و«ماذا؟» تصبح ما يحدث خالل‬
‫املشاهد واملحطات املختلفة اليت تمر بها البطلة‪ .‬و«مىت؟» تصبح الرتتيب‬
‫الزمين لألحداث‪ .‬أيضًاً األشخاص يتحدثون‪ ،‬لكن ليس بصيغة اقتباسات‪ ،‬بل‬
‫الحوار ذاته يتحول إىل أ كشن يقود القصة‪ .‬ففي بضع فقرات رسيعة‪ ،‬ننغمس‬
‫نحن القّرّاء يف عامل سائقة الحافلة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫غضب وحزن يف الحافلة رقم ‪15‬‬

‫دنفر – وضعت سونا كاراباي [املسلمة الرتكية األصل] اللمسات األخرية على مكياج‬

‫عينيها‪ ،‬وهي تنظر يف املرآة الخلفية‪ ،‬ثم استندت إىل عجلة القيادة لتتلو الدعاء‬
‫َ‬
‫الصباحي‪« .‬اللهم ارزقين الصرب» قالت‪« ،‬اللهم اجعلين رحيمة طيبة اَألثر» سارت‬
‫َح ْ‬
‫ْت‪ ،‬املقاعد نظيفة‪،‬‬ ‫داخل الحافلة لتلقي النظرة األخرية قبل االنطالق‪ :‬األرضية ُُمِس َ‬
‫ِ‬
‫َّساكات معقمة‪ ،‬خزان الوقود ممتلئ بما يكفي ملناوبة عمل تستغرق ‪10‬‬ ‫املساند واَملَ َ‬
‫ساعات على أ كرث طريق مزدحم يف املدينة‪ .‬قادت الحافلة إىل املحطة األوىل‪ ،‬انتظرت‬

‫هناك حىت الساعة ‪ 5:32‬صباحًاً بالضبط‪ ،‬ثم فتحت األبواب‪.‬‬

‫ي‬
‫تحيّي أول راكب لليوم؛ رجل حايف القدمني يحمل بطانية‬ ‫«صباح الخري!» قالت‪ ،‬وهي‬

‫ووسادة‪ .‬أدخل ‪ 29‬سنتًاً يف آلة التذاكر مقابل تذكرة رحلة تبلغ تكلفتها ‪ 3‬دوالرات‪.‬‬

‫«هذا كل ما لدي‪ »،‬قال‪ .‬أومأت سونا له ليصعد إىل الحافلة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«جمعة مباركة!» قالت للناس الذي صعدوا إىل الحافلة تاليًاً‪ ،‬منهم اثنان يحمالن‬
‫ثالثة أ كياس قمامة بالستيكية‪ ،‬وكلب كبري ُُف ّ‬
‫ّك من مقوده‪« .‬كلب خدمة مدَّرَب» قال‬

‫أحدهما‪ .‬ثم بحث يف جيبه‪ ،‬وأخرج تذكرة حافلة بينما طال الكلب إىل التابلو وأمسك‬

‫بعلبة كلينكس‪ ،‬وبدأ يمزق املناديل على األرض‪.‬‬

‫«كلب خدمة مدَّرَب؟» سألت سونا‪« .‬هل أنت متيقن من ذلك؟»‪.‬‬

‫ِ‬
‫«اهتِّمي بشؤونك وقوِدي الحافلة اللعينة»‪.‬‬ ‫«أمل أقل لك ذلك توًاً؟» قال الراكب‪.‬‬
‫ِ‬

‫أدارت وجهها نحو الزجاج األمامي للحافلة‪ ،‬واتجهت إىل «شارع كولفاكس»؛ طريق‬

‫بأربعة مسارات يمتد مسافة ‪ 48‬كيلومرتًاً‪ ،‬ماّرًّاً بمبىن الكابيتول‪ ،‬عرب وسط املدينة‪،‬‬

‫باتجاه جبال الرويك‪ .‬بعمر الخامسة واألربعني‪ ،‬قادت الحافلة يف الطريق ذاته ملا يقرب‬

‫من عرش سنوات‪ ،‬حىت باتت مظهرًاً ثابتًاً من خط الحافالت رقم ‪ 15‬يف «دنفر»‪ ،‬لدرجة‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫ومبتسٌم ملدينة مل تعد‬ ‫ٌ‬
‫ضخٌم‬ ‫أن صورتها ُألصقت إعالنًاً على جوانب عدة حافالت؛ وجه‬

‫سونا تعرفها بعد جائحة كوفيد‪ .19-‬فمدينة «دنفر» اليت تختربها يومّيًّاً على الحافلة‪،‬‬
‫تح ّّولت بفعل موجة جديدة من األوبئة اليت تجتاح املدن الكربى يف ّ‬
‫كّل أنحاء البالد‪.‬‬

‫ارتفعت نسبة التّرشّد يف دنفر بنسبة تصل إىل ‪ 50%‬منذ بداية الجائحة‪ .‬الجرائم‬
‫العنيفة زادت بنسبة ‪ ،17%‬وارتفعت جرائم القتل بنسبة ‪ ،47%‬وتضاعفت تقريبًاً‬

‫جرائم الرسقات‪ ،‬وحاالت ضبط «الفينتانيل» و«امليثامفيتامني» وصلت إىل أربعة‬

‫أضعاف خالل السنة املاضية‪.‬‬

‫كانت ُُتوِقف الحافلة كل بضعة شوارع لتحمل مزيدًاً من الركاب أمام الفنادق ذات‬
‫ِ‬
‫اإلقامة الطويلة واملطاعم ذات التكلفة املنخفضة‪ ،‬مح ّّولة نظرها بني الطريق املمتد‬

‫أمامها واملرآة الخلفية اليت ُُت ْْظِهر الـ ‪ 70‬مقعدًاً يف الخلف‪ .‬خالل السنتني األخريتني‪،‬‬
‫ِ‬
‫تعّرّض سائقو الحافالت يف منطقة دنفر ألكرث من ‪ 145‬حادثة اعتداء ارتكبها الركاب‪.‬‬
‫ُُبِص ََق على سونا‪ ،‬وِرُض� بت بصندوق األدوات‪ ،‬و ُ‬
‫ُه ِِّددت بسكني‪ُ ،‬‬
‫وُدِفعت من الخلف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪66‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف أثناء قيادة الحافلة‪ُ ،‬‬


‫وُلوِحقت حىت يف دورات املياه خالل اسرتاحتها‪ .‬تحطم الزجاج‬
‫ِ‬
‫األمامي للحافلة بفعل رمي األحجار أو القناّينّ ثالث مرات‪ .‬بعد آخر حادثة‪ ،‬كتبت‬

‫للمرشف عليها‪« :‬باتت هذه الوظيفة مثل كرة ضغط آدمية»‪ .‬كل يوم‪ ،‬تمتص سونا‬
‫معاناة ركابها وإحباطاتهم على مدار ست رحالت على طول طريق «كولفاكس» ذهابًاً‬

‫وإيابًاً‪ ،‬لدرجة أنها‪ ،‬بنهاية مناوبة العمل‪ ،‬تستطيع أن ترى بجالء آثار ضغط أصابعها على‬

‫مقود الحافلة‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬توقفت ليصعد أربعة عمال بناء أمام املطعم الصيين «سرنايز ‪ 1.89 -‬دوالرًًا‬

‫للمغرفة الواحدة»‪ .‬ثم توقفت قرب مدرسة ثانوية لتصعد مراهقة‪ ،‬وكانت ال تزال‬

‫تدخن عندما صعدت إىل الحافلة‪.‬‬

‫«عفوًاً‪ .‬ال يمكنك التدخني هنا‪ »،‬قالت سونا‪.‬‬

‫«إنها مجرد ََمْرْهوانة»‪.‬‬

‫«ليس هنا» قالت سونا‪ .‬رمت الفتاة السيجارة على الرصيف‪ ،‬وخبطت بقبضتها على‬

‫مقاعد الصف األول‪ ،‬لكن سونا تجاهلتها‪ .‬استمرت يف القيادة حىت امتألت الحافلة‬

‫بالركاب ثم بدأت تفرغ بعد املرور بوسط املدينة‪« .‬املحطة األخرية» أعلنت سونا ذلك‬

‫بينما كانت الساعة تشري إىل السابعة صباحًاً إال بضع دقائق‪ .‬لديها اسرتاحة لست‬

‫دقائق قبل أن تبدأ رحلة اإلياب على طول طريق «كولفاكس»‪ ،‬لكن عندما نظرت‬

‫يف املرآة الخلفية‪ ،‬كان ال يزال هناك سبعة أشخاص نائمني داخل الحافلة‪ .‬يف اآلونة‬

‫األخرية‪ ،‬ربع ركابها تقريبًاً كانوا بال مأوى‪ .‬الحافلة كانت وجهتهم‪ ،‬لذلك يبقون يف‬

‫الحافلة إىل أن يجربهم أح ٌٌد ما على الزنول‪“ .‬أنا آسفة‪ .‬يجب على الكل الزنول» قالت‬

‫سونا ذلك مرة أخرى بصوت أعلى‪ ،‬نزل الجميع ما عدا راكبًاً واحدًاً بدا منهارًاً على‬

‫مقعدين يف الصف الثاين‪ .‬نهضت سونا للتحقق من حالته‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«سيدي؟» قالت وهي تلكز كتفه‪ .‬كان هناك جرح مفتوح على كاحله‪ ،‬وكانت ساقه‬

‫ترتجف‪« .‬سيدي‪ ،‬هل أنت على ما يرام؟»‪.‬‬

‫فتح عينيه‪ .‬سعل‪ ،‬ثم بصق على األرضية‪ ،‬ونظر حوله يف الحافلة الفارغة‪« .‬هل وصلنا‬

‫إىل تولسا؟» سأل‪.‬‬

‫«ال‪ ،‬هذه دنفر‪ .‬هذا خط الحافلة ‪.»15‬‬

‫تعرث الراكب‪ ،‬وهو يقف على قدميه‪« .‬هل ترغب أن أطلب لك سيارة إسعاف؟» سألت‬

‫سونا‪ ،‬لكنه هّزّ برأسه‪ ،‬وبدأ يعرج نحو الباب‪.‬‬

‫«حسنًاً‪ .‬أتمىن لك يومًاً سعيدًاً»‪ ،‬قالت سونا‪ .‬أشار الراكب بإصبعه الوسطى لها‪ ،‬ونزل‬

‫من الحافلة‪.‬‬

‫***‬

‫الرسد يف الصحافة‪ ،‬ال يقترص على كتابة «الفيترشات» وحدها‪ ،‬وليس بالرضورة‬
‫أن يبدأ دائمًاً بالحدث األكرث درامية‪ ،‬أو «قلب األحداث»‪ ،‬أو األكشن‪ ،‬كما مّرّ‬
‫سابقًاً يف النصيحة الثانية‪.‬‬

‫الذي كتَب َْْته الصحفية كايتلني ديكرسون لـ «ذا‬ ‫‪16‬‬


‫انظر إىل التحقيق الشارح‬
‫أتالنتيك»‪ ،‬وفازت بجائزة «بوليزتر» لعام ‪ 2023‬عن فئة الصحافة الشارحة‪.‬‬
‫فاملواد املط ّّولة‪ ،‬ومادة ديكرسون تزيد عن ‪ 30‬ألف كلمة‪ ،‬غالبًاً ال تبدأ بمطلع‬
‫قصري‪ ،‬بل بمقدمة‪ .‬الهدف منها ليس جذب انتباه القارئ‪ ،‬بل اإلمساك بِقياِده‬
‫ِ ِ‬
‫وتيسري الطريق أمامه لقراءة يشء قد ال يكون مّي ً‬
‫ّاًال إىل قراءته‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪Dickerson, Caitlin “We need to take away children”, The Atlantic, 2022.‬‬

‫‪68‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫معلومات جانبية‬

‫هذا ال يعين بأي حال أن القصة الطويلة ال يمكنها أن تبدأ بمطلع قصري‪ .‬فـ «مويب ديك»‪،‬‬

‫الرواية األمريكية الشهرية‪ ،‬تبدأ بهذا املطلع البالغ الِقرَصر ‪« :‬ليكن اسمي إسماعيل‪( ».‬أو‪:‬‬
‫ِ‬
‫ُاُ ْْد ُُعوين إسماعيل‪ .‬أو‪ :‬ناِدين إسماعيل)‪:‬‬
‫ِ‬

‫ليكن اسمي اسماعيل‪ُ .‬‬


‫كنُت قبل بضع سنوات ‪-‬ال يهم عددها على وجه الدقة‪-‬‬
‫بال نقود يف ِج ْْزداين أو بالكاد‪ ،‬ومل يعد على الِّرَب� ِ يشء يبعث املتعة يف نفيس‪ ،‬خطر يل‬
‫ِ‬
‫أنين قد أقيض بعض الوقت مبحرًاً وأرى الجزء املايئ من العامل‪.‬‬

‫تلجأ ديكرسون إىل أداة أتقنها الصحفي جيم دواير‪ ،‬وساعدته على تغطية‬
‫األحداث الكربى؛ مثل هجمات ‪ 11‬سبتمرب‪ .‬كان يسميها‪The bigger,« :‬‬
‫‪»the smaller‬؛ أي كلما كرب الحدث كان األفضل للصحفي أن يعمل «زووم‬
‫إن» ويركز على العامل األصغر لفهم العامل األكرب‪.‬‬

‫يتناول تحقيق ديكرسون سياسة فصل األطفال املهاجرين غري الرشعيني‬


‫عن آبائهم عند الحدود الجنوبية يف أمريكا‪ ،‬وتبدأ مادتها بـ«زووم إن» على‬
‫طفل صغري ُُفِصل عن والده‪ .‬ومّرّة أخرى ‪-‬كما يف قصة «سونا كاراباي» ‪-‬‬
‫ِ‬
‫فإن الحوار‪ ،‬وليس االقتباسات‪ ،‬هو الذي يقود العجلة‪ ،‬ويدفعها إىل األمام‪،‬‬
‫ويجعلنا نتساءل‪ :‬كيف حدث هذا؟ ماذا سيحدث لهذا الطفل؟ هل سُي ََُل ّّم‬
‫شمل األب واالبن؟‪ ...‬إلخ‬

‫‪69‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«علينا فصل األطفال عن اآلباء»‬

‫بصفتها معالجة لألطفال الذين يخضع أمر متابعة ّ‬


‫ملّفاتهم لنظام الهجرة األمرييك‪،‬‬

‫تَّتبعه كلما قابلت مراجعًاً جديدًاً بمكتبها يف «غراند رابيدز»‬


‫لدى سينثيا كينتانا روتني َ‬

‫بميشيغان؛ تتصل بالوالدين أو باألقرباء إلبالغهم أن الطفل بخري ويف أياٍد أمينة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫وُتعِّرِفهم بكيفية االتصال لالطمئنان على مدار الـ ‪ 24‬ساعة‪.‬‬

‫تتخذ هذا اإلجراء عادة يف الساعات األوىل من وصول الطفل‪ .‬معظمهم مراهقون‬

‫حفظوا أو كتبوا أرقام هواتف أقاربهم يف دفاتر يحملونها معهم عرب الحدود‪ .‬بحلول وقت‬

‫املكاملة االبتدائية‪ ،‬تكون العائالت يف غاية القلق‪ ،‬ينتظرون بلهفة معرفة األخبار بعد أن‬
‫ً‬
‫وأمًال بمستقبل ما‪.‬‬ ‫أرسلوا ‪-‬يف خطوة يأس‪ -‬أطفالهم إىل بلد آخر وحدهم سعيًاً للسالمة‬

‫ولكن يف صيف ‪ ،2017‬واجهت كينتانا حالة غريبة مثرية للفضول‪ .‬صيب غواتيمايل‬

‫بعمر ‪ 3‬سنوات بابتسامة بارزة وشعر أسود قصري من الجوانب‪ ،‬جلس إىل مكتبها‪ .‬كان‬

‫أصغر من أن يستطيع إجراء الرحلة بمفرده‪ .‬مل تكن معه أرقام هواتف‪ ،‬وعندما سألته‬
‫قَّلبت كينتانا ملفه بحثًاً‬
‫أين كانت وجهته أو ََم ْْن كان برفقته‪ ،‬نظر الصيب إليها ِبانِشداه‪َ .‬‬
‫ِ ِ‬
‫عن معلومات إضافية‪ ،‬لكنها مل تجد شيئًاً‪ .‬طلبت مساعدة ضابط الهجرة والجمارك‪،‬‬

‫الذي عاد بعد عدة أيام مع يشء غري عادي‪ :‬معلومات تشري إىل أن والد الصيب كان يف‬

‫سجن اتحادي‪.‬‬

‫يف الجلسة التالية‪ ،‬كان الصيب ََي ََت ََل ََّوى يف كرسيه بينما كانت كينتانا تتصل بمركز االحتجاز‪،‬‬

‫لتضع والده على خط االتصال‪ .‬يف البداية كان األب هادئًاً‪ ،‬كما قالت‪« .‬أخريًاً قلنا له‪ :‬ابنك‬
‫ّ‬
‫التحّدث»‪.‬‬ ‫متهّدجًاً‪ ،‬مل يستطع‬
‫ّ‬ ‫هنا‪ .‬يمكنه سماعك‪ .‬يمكنك التحدث اآلن‪ .‬كان صوته‬

‫بىك الصيب طالبًاً والده‪ .‬فجأة‪ ،‬بدأ كالهما بالرصاخ والبكاء بأصوات عالية لدرجة أن‬

‫زمالء كينتانا هرعوا إىل مكتبها‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫جّدًاً‪ ،‬من أنت؟‬


‫أخريًاً‪ ،‬هدأ الرجل بما يكفي للتحدث مبارشة مع كينتانا‪ .‬قال‪« :‬أنا آسف ّ‬

‫أين يوجد طفلي؟ جاؤوا يف منتصف الليل‪ ،‬وأخذوه»‪ ،‬قال‪« .‬ماذا سأقول ألمه؟»‪.‬‬

‫يكتب الصحفي لينقل معلومات عن أمر ما إىل القارئ (ويسمى‪ :‬تقريرًاً)‪ ،‬أو‬
‫لينقل القارئ ليعايش ذلك األمر‪ ،‬ويختربه بنفسه ُ‬
‫(وُت ّ‬
‫سّمى‪ :‬قصة)‪.‬‬

‫ليك يكتب الصحفي القصة‪ ،‬عليه أن ينتبه إىل العامل من حوله‪ :‬ما الذي يوجد‬
‫يف املشهد؟ ماذا ينقصه؟ وما الذي ينبغي أن يكون عليه؟ ما الذي يجري؟ وما‬
‫معناه؟‬

‫عليه أن يهوى املفاجآت‪ ،‬وأن تكمن سعادته يف أن يعرث على ما ال يتوقعه‪.‬‬

‫عندما يبدأ الصحفي البحث يف قصة ما‪ ،‬تكون لديه فكرة عما يبحث عنه‪،‬‬
‫وتكون لديه بعض التوقعات‪ .‬لكنه أيضًاً يؤمن باملفاجآت‪ ،‬ويؤمن بأن الوقائع‬
‫قد تخون حدسه‪ ،‬وبأن ما قد يقوله الشخص ربما سيسري عكس ما كان‬
‫َ‬
‫املتوَّقع» له طاقة على الكشف‪.‬‬ ‫يتوقعه‪ ،‬وبأن «غري‬

‫لدى استكشاف العامل لكتابة قصة‪ ،‬يبحث الصحفي ّ‬


‫عّما هو غري موجود بقدر‬
‫بحثه ّ‬
‫عّما هو موجود‪ ،‬عليه أن يسمع ما ال يقال بقدر سماعه ما يقال‪.‬‬

‫تتطّلب القصة أن يستخدم الصحفي ّ‬


‫كّل حاسة من حواسه‪ ،‬ال بل أن يط ّّور‬ ‫ّ‬

‫حواّس مل تكن لديه‪ .‬ويأيت كل ذلك من خالل املمارسة‪ ،‬وهو ليس رضبًاً من‬
‫ّ‬
‫السحر‪.‬‬

‫***‬

‫‪71‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫حواّس الصحفي العرشة‬


‫ّ‬

‫ويتحدث عنها الصحفي والكاتب واملعلم دونالد موري يف كتابه‪Writing to :‬‬


‫‪ .Deadline‬ابدأ باستخدام كل حاسة على انفراد‪ ،‬وابدأ باألقوى لديك‪.‬‬

‫البرص‬

‫هل تنظر بطرف عينيك لتستوعب ما يجري حولك وما ال يجري؟ وكيف يجري‬
‫ذلك؟ الفعل واالستجابة؟ اإليماءات والتعبريات؟ كيف يتحدث الناس؟ ما‬
‫الذي يجري علنًاً وما الذي يكشفه؟ ما الذي يجري خفاء وما الذي يكشفه؟‬

‫الشم‬

‫إحدى الحواس اليت نعتمد عليها أحيانًاً أ كرث من غريها‪ ،‬مع ذلك نادرًاً ما‬
‫الحاّسة يمكنها أن تكون‬
‫ّ‬ ‫نتحدث عنها أو نذكرها يف الكتابة الصحفية‪ .‬هذه‬
‫ً‬
‫مثًال اللتقاط رائحة الخزب الطازج قبل أن‬ ‫ذات انطباع قوي لدى استخدامها‬
‫نجد املخزب‪ ،‬أو رائحة ذاك املّرشّد الذي يحلم يومّيًّاً برتف االستحمام‪ ،‬أو حىت‬
‫رائحة الخوف‪.‬‬

‫التذوق‬

‫إذا تمكنت من جعل القارئ يرى ويشم‪ ،‬فإن التذوق أيضًاً سيجعل القارئ‬
‫يفهم القصة ويخترب التجربة بشكل أعمق‪ ،‬والعوامل اليت تتحدث عنها ستنبض‬
‫بالحياة‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫انظر ما كتبته الصحفية الفلسطينية ريم قسيس لـ «نيويورك تايمز»‪ 17‬عن‬


‫َ‬
‫«الَّنَّفس يف األكل» عند العرب‪ .‬ورغم أنها ال تتحدث عند التذوق مبارشة‪ّ ،‬‬
‫فإّن‬
‫اللعاب يكاد يسيل بسبب وصفها إلعداد الطبق‪:‬‬

‫َ‬
‫«الَّنَّفس» تنطوي على تلك الحميمية اليت تمتد إىل ما وراء السمات املادية‬ ‫كلمة‬

‫املحسوسة يف الطبق؛ فهي تتعلق بالشخص الذي يعد الطبخ بقدر ما تتعلق بما «ينفخه‬

‫من روح» يف الطعام‪ .‬إنها الوقت والجهد املبذوالن يف اختيار املكونات وإعدادها؛ تلك‬

‫الرقصة الصبورة مع التوابل ذهابًاً وإيابًاً إىل أن تصل كل نكهة إىل حد الكمال؛ ذاك‬
‫ْ‬
‫الُّسّْفرة والحفاوة بالضيوف‪ .‬وقبل كل يشء‪ ،‬إنه عشق للطبخ وشهوة‬ ‫السخاء يف ّ‬
‫مّد‬

‫إطعام اآلخرين‪.‬‬

‫السمع‬

‫نحن البرش مستمعون سيئون نسمع ما نتوقع سماعه‪ ،‬ولكن الصحفي الجيد‬
‫يدرب نفسه على االستماع‪ .‬تسجيل املالحظات يف أثناء الحديث قد يساعدك‬
‫على االستماع الجيد؛ وهذا يساعد على طرح أسئلة جيدة‪.‬‬

‫ِ‬
‫املتحِّدث معك يف أجواء استجواب غري مريحة‪ ،‬دردش‬ ‫وبدًال من أن تضع‬ ‫ً‬
‫معه و ِِّديًاً‪ .‬لفعل ذلك‪ ،‬عليك أن تبدو مسرتخيًاً‪ ،‬وأن تستمع‪ ،‬وتومئ برأسك‪،‬‬
‫وتستجيب بلغة جسدك ملا يقوله‪.‬‬

‫يتطلب اإلصغاء قدرًاً كبريًاً من الطاقة لالنتباه واالستماع الجيدين‪ .‬عليك أن‬
‫تستمع ملا يقال وكيف يقال‪ .‬قد تحمل نغمة الصوت‪ ،‬والوقفات‪ ،‬والتعبريات‪،‬‬
‫واإليماءات‪ ،‬معىن مختلفًاً عن املعىن الذي تحمله الكلمات وحدها‪ .‬استمع إىل‬

‫”?‪Kassis, Reem “Do You Have Nafas, the Elusive Gift That Makes Food Taste Better‬‬
‫‪17‬‬

‫‪NYTimes, 2021.‬‬

‫‪73‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫سياق ما يقال وما ال ُُيقال أيضًاً‪ .‬استمع إىل األصوات األخرى اليت قد تكشف‬
‫عن املكان املحيط‪.‬‬

‫اللمس‬

‫حاّسة نادرًاً ما يستخدمها الصحفي‪ .‬بوصفي قارئًاً‪ ،‬أو ّّد معرفة كيف يكون‬
‫ّ‬
‫اإلحساس يف امللعب ذي العشب الطبيعي مقارنة باالصطناعي‪ .‬أود من‬
‫الصحفي الريايض أن يمسك بيدي وقدمي ويضعهما على أرضية امللعب أو‬
‫يحّس به الجراح وهو يبضع بطن مريضه‪ ،‬أين‬
‫ّ‬ ‫املدرجات‪ .‬أود أن أعرف ما‬
‫يرتكز توازن اِملرشط‪ :‬يده؟ معصمه؟ ربما كتفه؟ ّ‬
‫لعّله ظهره؟ أود معرفة ثقل‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫قتيًال أمس‪ ،‬وأريد أن أعرف كيف يستطيع الرشطي‬ ‫ذاك املسدس الذي أردى‬
‫الركض بكامل معداته على جسده؛ كيف يحس بكل ذلك؟‬

‫أوّد بوصفي قارئًاً أن أمّرّر يدي تمامًاً على املكان ذاته‪ ،‬الرتاب ذاته‪ ،‬الذي مّرّغت‬
‫ّ‬
‫فيه يديها تلك األم اليت دفنت ابنها للتو‪ .‬وأود أن أشعر باألوتار‪ ،‬وهي َ‬
‫تحَت ّ‬
‫ّك‬
‫بأصابع عازف الزبق أو العود‪ .‬أريد‪ ،‬أريد‪ ،‬أريد‪.‬‬

‫التغيري‬

‫يجب أن تكون على دراية بالتغيريات‪ .‬الحق أن معظم القصص الصحفية هي‬
‫ٌّل للتغيريات؛ فالصحافة تدوين للتاريخ يف لحظة وقوعه‪ .‬انظر‬ ‫أوًال وأخريًاً ِسِج ٌ‬
‫ً‬
‫ِ ِ‬
‫إىل مجتمعاتنا‪ ،‬ستجد أن العالقات االجتماعية تغريت‪ ،‬النظرة إىل العامل تغريت‪،‬‬
‫حىت املناخ تغري‪ .‬فأينما نظرت‪ ،‬ستجد ذاكرة املايض وظالل املستقبل‪ .‬مهمة‬
‫الصحفي هي أن يلتقط إشارات التغيري القادم؛ تلك التلميحات ملا سيكون‬
‫عليه ما هو موجود اآلن‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫السياق‬

‫يفشل الصحفي أيضًاً عندما ال يضع التفاصيل املحددة يف سياقاتها؛ فاألحداث‬


‫ال تقع بمعزل عن بعضها‪ ،‬ولكل حدث أسبابه وتداعياته‪ .‬الصحفيون هم‬
‫َ‬
‫حدَث اليوم يف سياق املايض واملستقبل‪.‬‬ ‫مؤِّرِخو اللحظة؛ ينبغي أن يضعوا‬
‫تكتسب التفاصيل حقيقتها وأهميتها عندما توضع يف سياقها الصحيح‪.‬‬

‫الرصاع‬

‫نحن نعيش يف عامل القوى فيه دائمًاً على مسارات التصادم‪ .‬من مهام‬
‫الصحفي تغطية التصادمات قبل وقوعها‪ ،‬وعند حدوثها‪ ،‬وبعد انتهائها‪.‬‬
‫يحتاج الصحفي إىل تطوير حس الرصاع؛ عندما تفيض مصالح مجموعة ما إىل‬
‫تصادم مع مصالح مجموعة أخرى‪.‬‬

‫التأثري‬

‫ُ‬
‫الفشُل يف اإلحساس بتأثري األخبار يف‬ ‫أحد اإلخفاقات اليت قد تعرتض الصحفي‬
‫حياة الناس؛ فتغيري بسيط يف خط الحافالت‪ ،‬بسبب التصليحات‪ ،‬قد يؤثر يف‬
‫حياة مئات املسنني‪ .‬وانقطاع الكهرباء عنهم يف الصيف الحار‪ ،‬قد يودي بحياتهم‪.‬‬
‫ربما تغيري بسيط يف أسعار السلع قد يدفع األرس إىل االقتصاد يف وجباتها‪.‬‬

‫الذات‬

‫يتعلم الصحفيون أن يكونوا موضوعيني‪ ،‬وهذا أمر جيد؛ ألنه يمنعهم من‬
‫اختالق الحقائق‪ .‬إّنّهم يحتاجون إىل نقل املعلومات بدقة‪ ،‬وتوثيق ما يقولونه‬

‫‪75‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫باألدلة‪ ،‬ولكن كثريًاً منهم ينأون بأنفسهم عن تجاربهم‪ ،‬ويتنكرون لردود‬


‫يغّطونها‪ ،‬رغم أنهم قد يكونون جزءًًا‬
‫فعلهم على األشخاص واألحداث اليت ّ‬
‫من الحدث‪ .‬استِف ْْد من تجربتك بوصفك واحدًاً من الجمهور املتأثر بالحدث؛‬
‫ِ‬
‫ألن ذلك سيساعد القارئ على فهم مادتك على نحو أفضل‪.‬‬

‫***‬

‫حواّسك‪ ،‬تحتاج إىل ّ‬


‫تعّلم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫إضافة إىل تمرين‬

‫أسئلة القارئ الخمسة‬

‫سواء أ كنت تكتب قصة رسيعة لنرشها اليوم‪ ،‬أو قصة طويلة تستغرق أربعة‬
‫أسابيع‪ ،‬أو كتابًاً قد يأخذ سنتني أو أ كرث‪ ،‬ستجد دائمًاً أن ّ‬
‫ثّمة خمسة أسئلة‬
‫قليًال‪ ،‬وقد تنقص‪ ،‬وهي غالبًاً‬
‫ً‬ ‫رئيسية يهتم بها القارئ‪ .‬قد تزيد هذه األسئلة‬
‫مهّمة لقصتك‪ .‬األسئلة‬ ‫ّ‬ ‫ليست األسئلة اليت تطرحها بذهنك وتظن أنها‬
‫الخمسة هي اليت سيسأل عنها القارئ لو كان يف مكانك‪ .‬إذا مل ُُتجب عنها‪،‬‬
‫سيشعر باإلحباط‪.‬‬

‫يف أغلب األحيان‪ ،‬األسئلة الخمسة واضحة رغم أنها تختلف من قصة إىل‬
‫قصة‪ .‬أسهل طريقة ملعرفتها هي أن تضع نفسك مكان القارئ‪ .‬وثمة كتاب‬
‫عن األسلوب بعنوان‪ The Reader Over Your Shoulder :‬من تأليف‬
‫الشاعر والروايئ روبرت غريفس ومساعده آالن هوج؛ أي كيف تكتب‪ ،‬وأنت‬
‫تنظر بطرف عينك من فوق كتفك إىل القارئ املفرتض الذي يقف بجانبك‪،‬‬
‫يتحدث معك وتتحدث معه كما يف أي جلسة واقعية‪.‬‬

‫مع الوقت واملمارسة‪ ،‬لن تستغرق معرفة هذه األسئلة الخمسة أ كرث من دقائق‬

‫‪76‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫معدودة‪ .‬واحرص أن تطرحها على املصادر جميعها يف قصتك؛ فاالختالف يف‬


‫اإلجابات قد يكون هو القصة‪ ،‬أو قد يقودك إىل القصة‪.‬‬

‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬يف قصة عن مرشوع لتوسيع حديقة عامة يف املدينة‪ ،‬يمكن أن تكون‬
‫األسئلة الخمسة كما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬ما التكلفة؟‬

‫‪ .2‬هل ُ‬
‫سُتقتطع من مزيانية بلدية املدينة؟‬

‫‪ .3‬هل ستأيت على حساب خدمات أخرى يحتاجها األهايل أ كرث؟‬

‫‪ .4‬ملاذا التوسعة؟‬

‫‪ .5‬هل يمكن االستغناء عنها بمرشوع أفضل؟‬

‫األسئلة الخمسة ف ّّعالة أيضًاً لدى تناول قصة معقدة‪ .‬حاول أن ترتب اإلجابات‬
‫عن األسئلة بالتسلسل الذي سيسأل به القارئ املفرتض الذي يقف بجانبك‪.‬‬

‫هذا ال يعين بأي حال أن يحرص الصحفي بحثه ضمن األسئلة الخمسة‪ ،‬ويغلق‬
‫بابه أمام املفاجأة‪ ،‬كما ذكرنا آنفًاً‪.‬‬

‫***‬

‫‪77‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يتطّلب ُ‬
‫تعُّلم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وطرح األسئلة‬

‫املقابالت‬

‫ً‬
‫أصًال «توقعات»‪ .‬ولبناء التوقعات‬ ‫لن تصادف «املفاجآت» إال إذا كان لديك‬
‫تحتاج إىل بعض التحضري‪ .‬حرّضر قائمة باألسئلة اليت ّ‬
‫توّد طرحها على مصدرك‬
‫أو الشخص الذي تجري معه املقابلة‪ .‬هذا سيضمن أنك لن تنىس شيئًاً‪،‬‬
‫وسيمنحك الثقة يف أثناء الحديث يف املقابلة‪.‬‬

‫ال ينبغي أن تنخرط يف املقابلة فورًاً وتقرأ األسئلة مبارشة من الورقة بني يديك‪.‬‬
‫ِ‬
‫محِّدثك‪ ،‬ارشح ما تنوي فعله‪ ،‬وما إذا كان لديه أسئلة‬ ‫ابدأ ً‬
‫أوًال بكرس الجليد مع‬
‫لك‪ .‬دعه يسرتسل ويبدأ الحديث من النقطة اليت تريحه‪ ،‬ثم دع فضولك‬
‫يقدك‪ .‬عد إىل قائمتك لتتأ كد من أنك سألت كل األسئلة اليت أردت طرحها‪،‬‬
‫َ‬
‫متوَّقع‪.‬‬ ‫وأرشع أبوابك ملا هو غري‬

‫عاّمًاً قد تبدو بسيطة وسطحية‪ ،‬لكنها تساعد للتعرف‬


‫ّ‬ ‫ً‬
‫سؤاًال‬ ‫وإليك ‪30‬‬
‫إىل الشخصية‪ ،‬وقد تستفيد منها‪ .‬تحتفظ الصحفية لني ديغريغوري بهذه‬
‫القائمة‪ 18‬دائمًاً يف حقيبتها‪:‬‬

‫أسئلة تساعد على فهم أفضل للشخصية‬

‫‪ .1‬لكل إنسان قصة‪ ،‬فما قصة حياتك؟‬

‫‪ .2‬ما أقدم ذكرى ال تزال تحفظها يف ذاكرتك؟‬

‫‪18‬‬
‫‪DeGregory, Lane “The Girl in the Window” and Other True Tales”, University of Chicago‬‬
‫‪Press, 2023.‬‬

‫‪78‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .3‬كيف تصف عائلتك؟ بيتك؟ ما ترتيبك بني أفراد أرستك؟ وأين تضع نفسك ضمن‬

‫ديناميكية العالقات داخل أرستك (كيف ينظر إليك أفراد أرستك)؟ إن كان لديك‬

‫حيوان أليف؛ ما اسمه؟ ِص ْْف ُُه‪ .‬كيف تتعامل معه؟‬


‫ِ‬

‫‪ .4‬طقوس العائلة‪ ،‬عاداتها وتقاليدها؛ أيها تحب وأيها تكره؟‬

‫‪ .5‬يف الصغر (أو الصبا) ماذا كنت تود أن تصبح عندما تكرب (أو ما كان حلمك)؟ هل‬

‫كنت دائمًاً ترى نفسك مزتوجًاً أم أعزب؟ هل كنت تتخيل أن يكون لديك أطفال أم ال؟‬

‫‪ .6‬كيف كانت شخصيتك يف الطفولة؟ هل كان أقرانك يتوددون إليك؟ كيف كانت‬

‫عالقاتك يف املدرسة؟ ما أبرز األنشطة اليت كنت تمارسها؟‬

‫‪ََ .7‬م ْْن هو (هم) مثلك األعلى (أبطالك)؟ وملاذا؟ ومن هم اآلن؟‬

‫‪ .8‬كيف كانت أول تجربة لك مع املوت (قد يكون موت شخص عزيز‪ ،‬أو أحد أفراد‬

‫األرسة‪ ،‬أو هو نفسه مّرّ بالتجربة يف حادث أو مرض)؟‬

‫‪ .9‬كيف التقيت بزوجتك‪ /‬بزوجك؟ أو كيف بدأت عالقتك مع أفضل صديق لك؟‬

‫‪ .10‬ما أصعب قرار اتخذته يف حياتك؟ كيف كان ذلك؟‬

‫‪ .11‬بماذا تحلم اآلن؟‬

‫حّقًاً؟ بمن تثق؟‬


‫‪ََ .12‬م ْْن هو الشخص الذي تظن بأنه يعرفك ّ‬

‫‪79‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .13‬هل أنت من املؤمنني بالخالق؟ هل تذهب إىل املسجد‪ /‬الكنيسة؟ ما أ كرث دعاء‬

‫تردده يف صالتك؟‬

‫‪ .14‬هل تنشط يف املجال السيايس؟ إىل أي حد؟ وملاذا؟‬

‫أسئلة تساعد يف تكوين نظرة أعمق عن الشخصية‬

‫‪ .15‬بماذا تحتفظ دائمًاً يف محفظتك‪ ،‬أو حقيبتك‪ ،‬أو سيارتك‪ ،‬أو الثالجة؟‬

‫‪ .16‬ما أ كرث يشء يسبب لك القلق على املستوى الشخيص؟ وعلى مستوى العائلة؟‬

‫وعلى مستوى مدينتك أو بلدك أو العامل؟‬

‫‪ .17‬ما أ كرث يشء تتمناه يف الحياة؟‬

‫‪ .18‬ما الذي تريد أن تفهمه بشكل أفضل؟ ما األسئلة اليت ال تزال تطرحها على نفسك‬

‫وتبحث عن إجابات لها؟‬

‫‪ .19‬ما اليشء الذي ال تزال تندم عليه؟ وملاذا؟‬

‫‪ .20‬إذا كان لديك خيار أن تبدأ الحياة من جديد‪ ،‬كيف تتخيل أن تكون هذه الحياة‬

‫الجديدة؟ هل ترغب يف تغيري حياتك الحالية؟‬

‫‪ .21‬إذا كنت ستختار كلمة واحدة فقط لتصف شخصيتك‪ ،‬فما هي؟‬

‫‪ .22‬هل ييسء الناس فهمك؟ بماذا يسيئون فهمك؟ أو ما الذي يفرتضونه عنك؟‬

‫‪80‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .23‬ما اليشء الذي ال يعرفه الناس عنك؟‬

‫‪ .24‬ما أ كرث يشء يزعجك يف نفسك؟ ويف اآلخرين؟‬

‫‪ .25‬هل ترغب يف أن يصبح أطفالك مثلك عندما يكربون؟ ملاذا؟ أو مل ال؟‬

‫‪ .26‬ما األمر الذي يشعرك بالفخر تجاه نفسك؟‬

‫‪ .27‬باعتقادك‪ ،‬ماذا يحدث لنا بعد املوت؟‬

‫‪ .28‬ملاذا أنت هنا‪ ،‬على هذه األرض‪ ،‬يف هذا الوقت؟‬

‫‪ََ .29‬م ْْن سيتأثر أ كرث برحيلك؟‬

‫‪ .30‬كلنا سرنحل يومًاً عن هذه الحياة‪ ،‬ما الذي تأمل أن ُُيذكر عنك بعد رحيلك؟‬

‫***‬

‫تتطّلب ُ‬
‫تعُّلم‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫واملقابالت‪،‬‬

‫تدوين املالحظات‬

‫كتابة قصة محورها الرسد تختلف عن كتابة تقرير محوره نقل معلومات‪ .‬يف‬
‫القصة ‪-‬إضافة إىل املعلومات وخلفياتها وسياقاتها‪ -‬تحتاج إىل ََمشاهد‪ ،‬إىل‬
‫مكان لألحداث وزمان‪ ،‬تحتاج إىل تفاصيل محددة‪ ،‬ورؤية الصورة األكرب‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وفيما يلي ترشح ديغريغوري كيف تد ّّون مالحظاتها‪ .‬ديغريغوري هذه‪ُُ ،‬تعد‬
‫جيمي بريسلني وقتنا الحايل‪ ،‬يمكنها أن تكتب عن أي يشء‪ ،‬وستأرسك‬
‫بقصصها‪.‬‬

‫لتدوين مالحظاتك‪ِ ،‬‬


‫خِّصص لكل مشهد صفحة‪.‬‬

‫ِ‬
‫سِّجل التاريخ والوقت‪.‬‬ ‫يف الزاوية اليمىن العليا‪،‬‬

‫يف الهامش العلوي‪ ،‬اكتب ما تستشعره بحواسك‪ :‬البرص‪ ،‬الشم‪ ،‬املذاق‪،‬‬


‫اللمس‪.‬‬

‫ٌ‬
‫شخٌص ما بيشٍء‪ ،‬وترغب‬ ‫يف الهامش األيمن‪ ،‬ضع سهمًاً عندما يخربك‬
‫ٍ‬
‫بالعودة وطرح أسئلة تتعلق بذلك اليشء‪.‬‬

‫بهذه الطريقة لن تقاطع تسلسل حديثه وأفكاره؛ ففي نهاية اللقاء يمكنك‬
‫العودة إىل تلك األسهم لتسأله عنها‪.‬‬

‫أسفل الصفحة ّ‬
‫رّقم املشهد يك يسهل العودة إليه‪.‬‬

‫قِّسمه إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫وسط الصفحة هو للمالحظات األساسية؛ ِ‬

‫القسم األول ملا يقوله الشخص‪ :‬ال تكتب ما يقوله حرفًاً بحرف‪ ،‬بل أعد‬
‫صياغته باختصار ود ّّون رؤوس األقالم فقط‪.‬‬

‫القسم الثاين لالقتباسات‪ :‬عندما تسمع جملة أو عبارة حسنة‪ ،‬اكتبها كما هي‬
‫بكامل ُ‬
‫ُح ْْسنها‪ .‬وضع حولها عالمات االقتباس‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫القسم الثالث ملالحظاتك وتعليقاتك الشخصية‪ :‬األفضل أن تضعها بني‬


‫أقواس كبرية يك ال تختلط بما يقوله الشخص‪.‬‬

‫***‬

‫‪83‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪84‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تحرير الجملة‬

‫يف هذا القسم‪ ،‬نلقي نظرة فاحصة على النحو واللغة واألسلوب‪.‬‬

‫ْ‬
‫اعرْف‪:‬‬ ‫ً‬
‫قصًة‪،‬‬ ‫َك‪ ،‬سواء أ كان تقريرًاً أو‬
‫نَّص َ‬
‫وأنت تكتب َ‬

‫• ما تقوله كل جملة‪.‬‬

‫• وما ال تقوله‪.‬‬

‫تلّمح إليه ضمنًاً‪.‬‬


‫• وما الذي ّ‬

‫األصعب بني النقاط الثالث هذه‪ ،‬معرفة ما تقوله كل جملة فعلّيًّاً‪ ،‬وليس ما‬
‫يتخيل عقلك أنها تقوله‪.‬‬

‫الُج ََمل‪ ،‬وليس على التقرير أو القصة ككل؟ ألن عملك بصفتك‬
‫ملاذا الرتكزي على ُ‬
‫كاتبًاً هو بناء الجمل؛ معظم وقتك ستقضيه يف إنشاء الجمل يف عقلك‪ .‬هذه‬
‫هي حياة الكاتب‪.‬‬

‫اجعل جملك قصرية‪ .‬قصرية بما يكفي لخلق التنوع يف أطوالها‪ .‬واترك‬
‫مساحة بينها‪ ،‬لتفسح املجال ملا ال تستطيع الكلمات التعبري عنه‪ .‬فالقارئ يعرف‬
‫ما ال تستطيع الكلمات قوله‪ .‬وأقصد باملساحة ذاك الفراغ األبيض بني فقرة‬
‫وأخرى‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫أوًال وأخريًاً‪.‬‬
‫انتبه إىل اإليقاع ً‬

‫ثم تخّيّل الجملة تلو األخرى‪ ،‬تظهر على خشبة املرسح (أحداث تقريرك أو‬
‫قصتك)‪.‬‬

‫كل جملة تقول اليشء ذاته الذي ُأُنِش ْ‬


‫ئْت من أجله‪.‬‬
‫ِ‬

‫ال ترفع من شأن الجملة اليت تليها‪ ،‬وال تقلل من قدر اليت سبقتها‪.‬‬

‫ال ّ‬
‫تّلوح للجمهور‪ ،‬وال تقول بافتخار‪ :‬ها أنا هنا‪.‬‬

‫ال تقف على الخشبة تنتظر عرفان الجمهور أو ثناءه عليها‪.‬‬

‫ال تتحدث ّ‬
‫عّما تقوله؛ تكتفي بقول ما عليها قوله‪.‬‬

‫ببساطة‪ ،‬تقول املعلومة املنوطة بها وتغادر‪.‬‬

‫الرابط الوحيد بينك وبني القارئ هو الجمل اليت تنشئها؛ فليس َ‬


‫ثَّمة ما يدل‬
‫على ما تقصده غريها‪.‬‬

‫وتستقل كل جملة بدوافعها والزتاماتها برصف النظر عما تقصده يف ذهنك‪.‬‬

‫والَّن ْْظم‪ ،‬وتاريخ اللغة وأعرافها؛‬


‫َ‬ ‫فهي تلزتم مجموعة من القواعد‪ :‬النحو‬
‫عامل من األصداء والتلميحات واإلشارات االجتماعية‪ ،‬ال تعري ً‬
‫باًال ملقاصدك‬
‫الشخصية‪ ،‬ما مل تلزتم هذه القواعد‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫األّخاذ‪:‬‬ ‫يستفيض الكاتب والصحفي فريلني كلينكنبورج بشأن ذلك يف كتابه‬
‫‪.Several Short Sentences About Writing‬‬

‫من‬ ‫انظر كيف تؤدي كل جملة دورها وتغادر الخشبة يف هذا التقرير‬
‫‪19‬‬

‫ً‬
‫مثيًال لها يف تاريخها‬ ‫«واشنطن بوست»‪ ،‬الذي أَّرَخ للحظة مل تشهد أمريكا‬
‫الحديث‪ .‬التقرير فاز بجائزة «بوليزتر» لعام ‪.2022‬‬

‫أّال يقبل الهزيمة أبدًاً‪،‬‬


‫بينما كان الرئيس ترامب يقول للحشد الهائم أمام البيت األبيض ّ‬
‫أَم ً‬
‫ًال‬ ‫اقتحم أنصاره باملئات مبىن الكونغرس األمرييك يف خطوة ترىق إىل محاولة انقالب َ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫امرأٌة بطلق ناري‬ ‫يف إبطال نتائج االنتخابات اليت خرس فيها‪ .‬يف معمعة الفوىض‪ُ ،‬أصيبت‬
‫بحسب املسؤولني‪ُ ،‬‬
‫وُقتلت على يد رشطة حماية الكونغرس‪.‬‬

‫مشهد العنف هذا الذي أثارته إىل حد كبري لهجة الرئيس التحريضية‪ ،‬كان غري مسبوق‬

‫يف التاريخ األمرييك الحديث‪ ،‬ما أوقف فجأة عملية إقرار الكونغرس فوز جو بايدن يف‬

‫االنتخابات الرئاسية‪.‬‬

‫ِبسارياٍت تحمل أعالم ترامب الزرقاء‪ ،‬اقتحم الحشد الهائج الذي تزايدت أعداده مع‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫وشّقوا طريقهم بالقوة‪،‬‬ ‫أبواَب مبىن الكونغرس ونوافذه‪،‬‬
‫َ‬ ‫الوقت ليصل إىل اآلالف‬

‫متجاوزين رجال الرشطة الذين كانوا غري مستعدين لهجوم كهذا‪ .‬النواب كانوا قد‬
‫ُ‬
‫ُأ ْْخِرجوا من املكان قبل وقت قليل من مواجهة مسلحة جرت عند مدخل قاعة مجلس‬
‫ِ‬
‫النواب‪ .‬املرأة املصابة ُُنقلت برسعة إىل سيارة إسعاف‪ ،‬بحسب الرشطة‪ ،‬وتوفيت يف‬
‫ُ‬
‫وقت الحق‪ُ .‬أطلقت قذائف الغاز املسيل للدموع على األرضية الرخامية البيضاء للقاعة‬

‫الكبرية املستديرة‪ ،‬وعلى درجات املبىن‪ ،‬رفع مثريو الشغب أعالم الكونفدرالية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪Tan، Rebecca “Trump supporters storm U.S. Capitol, with one woman killed and tear gas‬‬
‫‪fired”, Washingtonpost 2021.‬‬

‫‪87‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«يو إس إيه! يو إس إيه!» أنشد الحشد الذي أراد تخريب ديمقراطية عمرها ‪244‬‬

‫عامًاً‪.‬‬

‫‪Washington post‬‬

‫بوليزتر ‪Public Service - 2022‬‬

‫تاريخ النرش ‪ 7‬يناير‪/‬كانون الثاين ‪2021‬‬

‫وهنا تحليل النص السابق‪:20‬‬

‫أّال يقبل الهزيمة أبدًاً‪،‬‬


‫بينما كان الرئيس ترامب يقول للحشد الهائم أمام البيت األبيض ّ‬
‫أَم ً‬
‫ًال‬ ‫اقتحم أنصاره باملئات مبىن الكونغرس األمرييك يف خطوة ترىق إىل محاولة انقالب َ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫امرأٌة بطلق ناري‬ ‫يف إبطال نتائج االنتخابات اليت خرس فيها‪ .‬يف معمعة الفوىض‪ُ ،‬أصيبت‬
‫بحسب املسؤولني‪ُ ،‬‬
‫وُقتلت على يد رشطة حماية الكونغرس‪.‬‬

‫الجملة األوىل ُُتعد طويلة بالنسبة إىل مطلع تقرير؛ ‪ 34‬كلمة‪ .‬تتبعها جملة‬
‫قصرية بـ ‪ 15‬كلمة‪ .‬هذا النمط واإليقاع يف الجمل‪ :‬طويل‪ /‬قصري‪ ،‬يجده كثري‬
‫من ُ‬
‫الُك ّّتاب أداة فعالة إلضفاء الحيوية على النص‪.‬‬

‫تكاد ال تالحظ التسلسل الزمين لألحداث؛ ترامب يقول شيئًاً‪ ،‬أنصاره يفعلون‬
‫شيئًاً‪ ،‬مقتل شخص ما‪.‬‬

‫هذا التسلسل مهم يف كتابة التقارير اإلخبارية‪ .‬لكن انظر إىل كيفية بناء الفقرة‬
‫كاملة‪ :‬يبدأ بشبه جملة (بينما كان الرئيس‪ )..‬وهذا غري معهود يف كتابة األخبار‬
‫عاملّيًّاً رغم انتشاره عربّيًّاً‪ .‬بهذه الرتكيبة يجعل «لهجة ترامب التحريضية»‬
‫أقل أهمية من الفوىض والعنف اللذين أفضت إليهما‪ .‬وتجد أن الخرب‬

‫‪20‬‬
‫‪Clark, Roy Peter “Tell It Like It Is: A Guide to Clear and Honest Writing”, 2023.‬‬

‫‪88‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫املهم (الهجوم) جاء يف الجملة الرئيسية (اقتحم أنصاره‪ .)..‬مقتل املرأة ‪-‬رغم‬
‫أهميته‪ -‬مل يأِت يف الجملة الرئيسية‪ ،‬لكن الكاتب استطاع أن يضعها يف موقع‬
‫ِ‬
‫بارز‪ :‬يف نهاية الفقرة‪.‬‬

‫انتبه أيضًاً كيف يستخدم الكاتب كلمات‪ :‬اقتحم‪ ،‬محاولة انقالب‪ ،‬إبطال نتائج‬
‫االنتخابات‪ .‬ويظهر انحيازه للمؤسسات اليت بناها الشعب األمرييك بالعرق‬
‫والدم أمام أولئك الذين يريدون تخريبها اآلن‪.‬‬

‫مشهد العنف هذا الذي أثارته إىل حد كبري لهجة الرئيس التحريضية‪ ،‬كان غري مسبوق‬

‫يف التاريخ األمرييك الحديث‪ ،‬ما أوقف فجأة عملية إقرار الكونغرس فوز جو بايدن يف‬

‫االنتخابات الرئاسية‪.‬‬

‫ثمة كثري يجري يف الفقرة الثانية اليت هي أيضًاً جملة واحدة طويلة ‪ 30‬كلمة‪،‬‬
‫َ‬
‫وبها كل عنارص الخرب‪ .1 :‬مشهد عنف يف الكونغرس‪َ .2 ،‬أثاَرَه الرئيس‪.3 ،‬‬
‫حدث غري مسبوق‪ .4 ،‬خلفيات‪ :‬وقف إقرار فوز بايدن‪.‬‬

‫ِبسارياٍت تحمل أعالم ترامب الزرقاء‪ ،‬اقتحم الحشد الهائج الذي تزايدت أعداده مع‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫وشّقوا طريقهم بالقوة‪،‬‬ ‫أبواَب مبىن الكونغرس ونوافذه‪،‬‬
‫َ‬ ‫الوقت ليصل إىل اآلالف‬

‫متجاوزين رجال الرشطة الذين كانوا غري مستعدين لهجوم كهذا‪ .‬النواب كانوا قد‬
‫ُ‬
‫ُأ ْْخِرجوا من املكان قبل وقت قليل من مواجهة مسلحة جرت عند مدخل قاعة مجلس‬
‫ِ‬
‫النواب‪ .‬املرأة املصابة ُُنقلت برسعة إىل سيارة إسعاف‪ ،‬بحسب الرشطة‪ ،‬وتوفيت يف‬
‫ُ‬
‫وقت الحق‪ُ .‬أطلقت قذائف الغاز املسيل للدموع على األرضية الرخامية البيضاء للقاعة‬

‫الكبرية املستديرة‪ ،‬وعلى درجات املبىن‪ ،‬رفع مثريو الشغب أعالم الكونفدرالية‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة تتكون من أربع جمل مليئة باألحداث‪ .‬ومن وجهة نظر تقنية‪،‬‬

‫‪89‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تشكل هذه الجمل نوعًاً من رسد ِ‬


‫يحِّلق بالقارئ فوق املكان ويجعله يرى بعني‬
‫عقله ما كان يجري هناك‪.‬‬

‫ورغم النصيحة الدائمة باعتماد صيغة املبين للمعلوم واالبتعاد عن املبين‬


‫ُ‬
‫للمجهول اليت ال تبدو مريحة يف اللغة العربية‪ ،‬فإن األفعال‪ُ :‬أ ْْخِرجوا‪ُُ ،‬نقلت‪،‬‬
‫ِ‬
‫أطلقت‪ ،‬تضفي حيوية على النص ال تقل أهمية عن األفعال املبنية للمعلوم‪:‬‬
‫اقتحم‪ ،‬شقوا طريقهم‪ ،‬رفع‪.‬‬

‫«يو إس إيه! يو إس إيه!» أنشد الحشد الذي أراد تخريب ديمقراطيٍة عمرها ‪244‬‬
‫ٍ‬
‫عامًاً‪.‬‬

‫لعل هذ الجملة األخرية هي األقوى‪ ،‬ربما بسبب إيجازها‪ .‬إنها جملة رسدية‬
‫بنوع من املقابلة تنشأ عند تجاور شيئني ال يتناسبان مع بعضهما «تخريب‬
‫ديمقراطية»‪ .‬وعبارة «يو إس إيه!» (الواليات املتحدة األمريكية) لديها تأثري‬
‫الحوار؛ فهي ليست اقتباسًاً مبارشًاً‪ ،‬بل عبارة منطوقة يسمعها القارئ‪ ،‬لتنقله‬
‫إىل املكان والزمان املعنيني‪.‬‬

‫***‬

‫مخطط تحر ير الجملة‬

‫كثريًاً ما نجد قصصًاً حبكاتها جيدة وشخصياتها قوية وقادرة على إثارة‬
‫املشاعر‪ ،‬ولكن صياغة الجمل غري متقنة؛ تدفن األكشن والصور الحية بني‬
‫ركام الحشو‪ ،‬واإلسهاب‪ ،‬والجمل الفضفاضة اليت توقف عجلة دوران القصة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يقوم تحرير الجملة على التحقق من بناء الجملة لغوّيًّاً‪ ،‬ومن حيث األسلوب‪.‬‬

‫تغطي األسئلة يف مخطط «تحرير الجملة» خمسة مجاالت‪:‬‬

‫• بنية الجملة الديناميكية‪.‬‬

‫• الكلمات القوية‪ :‬األسماء واألفعال‪.‬‬

‫• اللغة‪.‬‬

‫• النربة‪ ،‬األسلوب‪ ،‬الصوت‪.‬‬

‫• الحوار الجيد‪.‬‬

‫بنية الجملة الديناميكية‬

‫• هل جملك متنوعة؟ حيوية؟ واضحة؟ تختلف يف الطول؟ بها إيقاع؟ موسيقى؟‬

‫• هل تتضمن تفاصيل ملموسة؟ تفاصيل متغايرة؟ وثيقة الصلة بموضوع قصتك؟‬

‫• هل تصف جملك الشخصية؟ املكان أو املحيط الذي تدور فيه القصة؟ العواطف؟‬

‫تحرك األكشن؟ تقود القصة؟‬

‫• هل تجعل القارئ يرى بعني عقله؟‬

‫• تحقق من األخطاء اإلمالئية والنحوية وعالمات الرتقيم‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫هل جملك متنوعة من حيث الطول؟ بها إيقاع؟ موسيقى؟‬

‫ّ‬
‫الشّد والتوتر‪:‬‬ ‫الجمل القصرية تخلق‬

‫• ُُفِتح الباب‪.‬‬
‫ِ‬

‫• نار!‬

‫• موت يف ثوب أحمر‪.‬‬

‫الجمل األطول ترسم الحالة النفسية‪ ،‬تخلق الصور‪ ،‬وتضبط اإليقاع‪:‬‬

‫داخل السيارة‪ ،‬كانت جو روجرز وبناتها يف طريقهن للنجاة بأنفسهن‪ .‬غادرن املزرعة‬

‫خلفهّن ن ّّواب الرشيف واملستشارين واملحامني‪ ،‬بحثًاً عن مكان دائف وآمن؛‬


‫ّ‬ ‫تاركات‬

‫مكان يمكنهم االختباء فيه والنسيان والعثور مجددًاً على ذواتهن املفقودة‪.21‬‬

‫ً‬
‫مثًال مكتبة «الشخصية الرئيسية»‬ ‫هل تكشف ُ‬
‫الُجمل التفاصيل؟ أن تصف‬
‫يف قصتك بأنها تعوم بالفوىض‪ ،‬سيكون وصفًاً مجردًاً وغامضًاً‪ً .‬‬
‫بدًال من ذلك‪،‬‬
‫استخدم تفاصيل محددة‪ :‬مثل أوراق مك ّّورة مبعرثة هنا وهناك‪ ،‬أو منفضة‬
‫تطفح بأعقاب السجائر‪ ،‬أو مسدس على املكتبة؛ فهذه األشياء تكشف عن‬
‫الشخصية‪ ،‬وتشد اهتمام القارئ‪.‬‬

‫***‬

‫‪21‬‬
‫‪French, Thomas “Angels & Demons”, Tampa Bay, 1997.‬‬

‫‪92‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الجملة الطويلة‬

‫توم وولف‪ ،‬الصحفي األمرييك‪ ،‬صاحب البذلة البيضاء صيف شتاء‪ ،‬كان أحد‬
‫أ كرث من أتقنوا كتابة الجملة الطويلة‪ ،‬بخاصة يف مقالته املعنونة بـ ‪A Sunday‬‬
‫‪:Kind of Love‬‬

‫الحب! عطر الشهوة معلقًاً يف الهواء! الساعة ‪ 8:45‬من صباح الخميس يف محطة‬

‫مرتو ‪ ،IRT‬عند تقاطع شـارعي الخمسني وبرودواي‪ ،‬وثمة صيب وصبية يتعانقان‪ ،‬وقد‬

‫تشـابكت أيديهما وأرجلهما كنسيج «هارينغبورن» الصويف‪ ،‬مما يثبت‪ ،‬من دون شك‪،‬‬

‫أن الحـب فـي نيويورك ال يقترص على يوم األحد فقط‪.‬‬

‫على عكس التوقعات كلها! تنبثق الوجـوه فـي كتل خارجـة مـن محطة قطار الجادة‬

‫السابعة‪ ،‬مـرورًاً بماكينة اآليس كريم ذات الحجم الكبري‪ ،‬والبوابات الد ّّوارة تصفق‬

‫بعنـف‪ ،‬كمـا لـو كان العامل يتكسـر كاألمواج فوق الشعاب املرجانية‪ .‬أربع خطوات بعد‬

‫البوابات الد ّّوارة‪ ،‬يتدافع الجميع متالصقني لتسلق السالمل إىل الشارع‪ ،‬كِق ْْمٍع كبري‬
‫ِ ٍ‬
‫من اللحم والصوف واللباد والجلد واملطاط واأللومكرون الحراري‪ ،‬بينمـا ُُيعترص الدم‬

‫‪93‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بصعوبة عرب الشـرايني املتصلبة لدى الجميع يف دفقات متوثبة‪ ،‬بسبب اإلفراط يف رشب‬

‫القهـوة والجهـد املبذول للخروج من محطة املرتو سـاعة الذروة‪ .‬مع ذلك‪ ،‬هناك على‬
‫الرصيف‪ ،‬صيب وصبية يف الثامنة عشـرة تقريبًاً‪ ،‬كانا مندمجني يف عناق أبدي ُُم ْ‬
‫ْجِهد‬
‫ِ‬
‫كـ«عشق ممنوع»‪.‬‬

‫حولهمـا عشـرة‪ ،‬عشـرات‪ ،‬بل يبـدو كأن مئات الوجوه واألجساد املتعرقة املزتاحمة‬

‫املندفعة عرب السالمل‪ ،‬اليت تعلوها تكشرية املصاب بتصلب الرشايني‪ ،‬مـرورًاً بواجهة‬

‫زجاجيـة ُُتعـَرَض فيهـا رصعات السلع‪ ،‬مثل «جوي بازر» و«سكويرتنغ نيكلز» و«فينجر‬

‫راتس» و«سكريي تارانتـوالس» ومالعـق ُُلِص ََق عليها ذبـاب يبدو حقيقّيًّاً‪ ،‬مرورًاً بصـالـون‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫حالقة «ِفِر ْْد»‪ ،‬الذي يقع بمحاذاة الرصيف‪ ،‬ويعرض صورًا براقة لشبان بقصات شعر‬
‫ِ ِ‬
‫ً‬
‫باروكية يمكن للمرء الحصول عليها هناك‪ ،‬فصعودًا نحو شـارع الخمسني‪ ،‬ومنه إىل‬

‫جنون زحمـة السري واملتاجـر التـي تـعـرض فـي الواجهـات قطع النجري غريبة الشكل‪،‬‬

‫ومستحرضات صبغ الشعر األبيض‪ ،‬والفتات عن قراءة الطالع مجانًاً‪ ،‬وأخرى عن‬

‫مباراة فـي لـعـب البليـاردو بـيـن فتيات البالي بـوي وعارضات داوين‪ ،‬ثم يطرق الجميع‬

‫نحو مبان «تايم – اليف» أو «بريل» أو «إن يب يس»‪.‬‬

‫***‬

‫عالمات الرتقيم وديناميكية الجملة‬

‫فهي ترسم بداية الجملة ونهايتها وتضبط إيقاعها وموسيقاها ومساحتها‪،‬‬


‫وكثريًاً ما ُُيساء فهمها واستخدامها‪.‬‬

‫أول من صك تعبري «الرتقيم» يف العربية‪ ،‬واستحدث عالماته اليت نعرفها‬


‫اليوم‪ ،‬ووضع لها القواعد مستلهمًاً اللغات األجنبية كان أحمد زيك باشا يف‬
‫كتابه «الرتقيم وعالماته يف اللغة العربية» عام ‪ .1911‬هذا يعين ضمنًاً أن‬

‫‪94‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ُ‬
‫والُعرف‬ ‫هذه العالمات والقواعد «اعتباطية»‪ ،‬يستند استعمالها إىل التوافق‬
‫والثقافة‪.‬‬

‫عالمات الرتقيم هي باألساس ترمزي للوقفات والسكتات اليت يجريها املتحدث‬


‫شفاهًاً لتسهيل الفهم واإلدراك‪ ،‬وإضفاء الوقع الدرامي على الحديث‪ ،‬ومن‬
‫ثم هي محاولة إلظهار صوت الكاتب يف النص املكتوب؛ مىت يسحب ََن ََف َ‬
‫َسه‪،‬‬
‫مىت يحبسه‪ ،‬ومىت يتوقف ليخرج الهواء من رئتيه‪.‬‬

‫ورغم أنها إجبارية‪ ،‬فإن بعض هذه العالمات اختيارية ترتك للكاتب مساحة‪،‬‬
‫كما يقول ‪ Roy Peter Clark‬يف كتابه ‪ .Writing Tools‬ولعل الفاصلة هي‬
‫واحدة من عالمات الرتقيم األكرث تنوعًاً يف االستعمال واألقرب لتجسيد صوت‬
‫الكاتب وصورته أمام القارئ‪ ،‬ومع ذلك فهي األقل اهتمامًاً بها من قبل‬
‫الصحفيني‪.‬‬

‫وعالمات الرتقيم إرشادات للطريق‪ ،‬وملساعدة القارئ على سلك هذا الطريق‬
‫نستخدم هذه العالمات لـ‪:‬‬

‫• ضبط إيقاع النص ورسعة القراءة‪.‬‬

‫• تقسيم الكلمات والعبارات واألفكار إىل مجموعات متناغمة‪.‬‬

‫ستتعلم وضع عالمات الرتقيم بقوة لتصل للغاية اليت تريدها عندما تبدأ‬
‫بأخذ إيقاع أو رسعة ‪ pace‬الجملة ومساحتها ‪ space‬بعني االعتبار‪ .‬فقد‬
‫ً‬
‫مثًال يف تخفيف رسعة اإليقاع ألسباب اسرتاتيجية‪ :‬لتحقيق الوضوح‪ ،‬أو‬ ‫ترغب‬
‫إيصال املشاعر أو خلق اإلثارة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وال يهم طول الجملة أو قرصها‪ ،‬مكتوبة أو مسموعة‪ ،‬ما دمت تستطيع ضبط‬
‫إيقاعها ورسعتها وفقًاً لغرضها‪.‬‬

‫انظر كيف يستخدم توماس فرينش عالمات الرتقيم لخلق التنويع‪،‬‬


‫والديناميكية بني الجمل‪ ،‬حيث تتضافر معًاً لبناء نص ممتع‪:‬‬

‫مالئكة وشياطني‬

‫مّرّ عام على جرائم القتل‪ ،‬ثم آخر‪ ،‬واآلن قطع املحققون َر َْْدحًاً من العام الثالث‪ .‬عملوا‬

‫ليًال ونهارًاً‪ ،‬عملوا يف العطالت األسبوعية‪ ،‬ألغوا اإلجازات‪ ،‬نحفوا‪ ،‬سمنوا‪ ،‬أصبحوا‬
‫ً‬

‫شاحبني وناحلني ومنهكني‪ ،‬يستيقظون يف الثالثة صباحًاً بصدمة وخربشات على‬

‫دفاتر املالحظات امللقاة بجانب أ َِتِهم‪.‬‬


‫َّرِس� ِ ِ‬

‫مل يعرف الرقيب املرشف عليهم ما إذا كانوا سيجدون اإلجابة يومًاً‪ .‬على حد معلوماته‪،‬‬

‫مل يمسكوا حىت طرف الخيط يف القضية‪.‬‬

‫يف نهاية األمر‪ ،‬كان يعتقد أن األمر بيد هللا ما إذا كانوا سيعتقلون أحدًاً‪.‬‬

‫يعُّد نفسه مسيحّيًّاً بوالدة جديدة [*أحد املفاهيم الدينية]‪ ،‬يحمل كتابًاً‬
‫الرقيب الذي ُ‬

‫مقدسًاً يف حقيبته‪ .‬مل يكن لديه شك يف أن الجنة والجحيم حقيقيان‪ .‬مل ي ََر الخري والرش‬
‫آَم َ‬
‫َن‬ ‫فكرتني نظريتني أو فلسفيتني‪ ،‬بل حقائق مطلقة تميش منتصبة القامة عرب العامل‪َ .‬‬

‫بمّس الشيطان‪ .‬لقد اعترب أمرًاً واقعًاً أن الشيطان وأتباعه‬


‫ّ‬ ‫آَم َ‬
‫َن‬ ‫بقوى النور والظالم‪َ .‬‬

‫يسودون حالّيًّاً على األرض‪.‬‬

‫ثّمة شياطني يف كل مكان حولنا»‪ ،‬قال‪« :‬تمامًاً كما أؤمن بأن ّ‬


‫ثّمة مالئكة‬ ‫«أؤمن بأن ّ‬

‫يف كل مكان حولنا»‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وعندما نظر يف أدلة القضية املعروضة أمامهم اآلن‪ ،‬درس صور الجثث والحبال والكتل‬
‫الخرسانية‪ ،‬مل يكن لدى الرقيب شك يف أنه هو واملحققون اآلخرون يطاردون شخصًاً‬

‫مدفوعًاً بقوى شيطانية‪.‬‬

‫بالتأ كيد كانت الشياطني حقيقية‪ .‬اآلن‪ ،‬كانوا يطاردون واحدًاً‪.‬‬

‫‪Tampabay‬‬
‫جائزة بوليزتر عام ‪ 1998‬عن فئة ‪Feature Writing‬‬

‫وضع العرب فصل الجمل ووصلها باكرًاً يف مرتبة عالية؛ فقد ُُسِئل‪ :‬ما البالغة؟‬
‫ِ‬
‫قيل‪ :‬معرفة «الفصل من الوصل»‪ .‬وذهبوا يف تفصيل ذلك مذاهب شىّتى ‪،‬‬
‫حىت أصبح بابًاً انشغلوا به أّيّما انشغال‪.‬‬

‫لسبٍب ما‪ ،‬فقد النرث الصحفي الشغف بهذه األداة‪ ،‬فباتت الكتابات ّ‬
‫مّملة‬
‫ٍ‬
‫رتيبة بسيادة حرف العطف «و» على غريه يف مواضع «الفصل الوصل»‪،‬‬
‫وأمست أجزاء الجملة ّ‬
‫كّلها ُُتكال بمزيان واحد‪.‬‬

‫انظر إىل هذا البناء الدرامي الذي أدخله «عبد الحميد الكاتب» قبل ‪1300‬‬
‫عام يف تركيب الجملة العربية املمتدة‪ ،‬ومواضع «الفصل الوصل» يف رسالة‬
‫وجهها إىل ويل العهد عبد هللا بن مروان قبيل انهيار الدولة األموية‪:‬‬

‫وليكن أ ّّول ما ََت ْْقدم به يف التهّيّؤ لعدوك‪ ،‬واالستعداد للقائه‪ ،‬انتخابك من فرسان‬
‫والَج ََلد والرّصر امة‪ّ ،‬‬
‫مّمن قد اعتاد ِطَرَاد‬ ‫َ‬ ‫عسكرك وحماة جندك‪ ،‬ذوي البأس والحنكة‬
‫ِ‬
‫وَكَرَّش� َ عن ََناِجِذه يف الحرب‪ ،‬وقام على ساق يف منازلة األقران‪ ،‬ثقف الفروسية‪،‬‬ ‫الكماة‪َ ،‬‬
‫ِ ِ‬
‫مستجمع القوة‪ُُ ،‬مستحصد املريرة‪ ،‬صبورًاً على أهوال الليل‪ ،‬ناهزًاً للفرص‪ ،‬مل تمهنه‬
‫َ‬
‫ً‬
‫جهًال‪ ،‬وال أبطرته نجدة‬ ‫كالًال وال َأ ْْس ََكَر َْْته غّرّة الحداثة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫السّن‬ ‫الحنكة ضعفًاً‪ ،‬وال أبلغت به‬

‫‪97‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الّتلف‪ ،‬مقدمًاً على أذراع املوت‪ ،‬مكابرًاً ملرهوب‬


‫األغمار صلفًاً‪ ،‬جريئًاً على مخاطرة ّ‬

‫الحُتوف‪ ،‬خائضًاً ََغ ََمرات املهالك‪ ،‬برأي يؤيده الحزم‪ ،‬ونّيّة ال‬
‫ُ‬ ‫الهول‪ُُ ،‬متقحمًاً ََم ْ‬
‫ْخَّيِش� َ‬
‫يخالجها الشك‪.‬‬

‫ارتبطت «العربية» من حيث التطور بداية بلغة الشعر‪ .‬كانت حياة العرب تدور‬
‫حول الشعر؛ الجملة املوزونة موسيقّيًّاً‪.‬‬

‫لذلك تجد التقديم والتأخري واإلضمار والتقدير والحذف‪ ،‬وأن حرفًاً واحدًًا‬

‫يحل محل جملة بأ كملها‪ ،‬وأن الزمن «مطاط» فيمكن لصيغة املضارع أن‬
‫تشري إىل الزمن املايض أو العكس‪ .‬فقد احتاج الشعراء إىل هذه املرونة لإلبداع‬
‫يف أبياتهم‪.‬‬

‫الحق أن هذه «املرونة» تصبح تحديًاً يف لغة النرث الصحفية‪.‬‬

‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬أمر‬ ‫‪22‬‬
‫فكيفية بناء «الجملة الواضحة» يف اللغات الحية األخرى كاألملانية‬
‫مفروغ منه وله قاعدة؛ يف العربية ال توجد هذه القاعدة‪.‬‬

‫انظر إىل هذا التنوع يف الجمل اليت أوردها د‪ .‬فاضل السامرايئ يف كتابه «النحو‬
‫العريب‪ :‬أحكام ومعان»‪ ،‬من دون أن يحصل لبس بني املعطي واآلخذ‪ .‬فاملعطي‬
‫ثّمة تغيريًاً طفيفًاً‬
‫يف كل هذه الجمل هو دمحم واآلخذ خالد‪ .‬وعلى الرغم من أن ّ‬
‫على معىن كل جملة‪ّ ،‬‬
‫فإّن ذلك ال يؤثر يف معناها العام‪.‬‬

‫مثًال قاعدة يف األملانية تسمى ‪ ،TEKAMOLO‬وهي اختصار (‪،)TEmporal, KAusal, MOdal, LOkal‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 22‬ثمة‬
‫ومفادها أن الجملة يتم ترتيبها بعد الفعل والفاعل دائمًاً بهذا الرتتيب‪ :‬الزمنية‪ ،‬السببية‪ ،‬الرشطية‪ ،‬املكانية‪:‬‬
‫‪.Peter ist am Montag wegen eines Meetings mit dem Zug nach München gefahren‬‬
‫بيرت (فاعل) ‪ -‬يسافر (فعل) ‪ -‬االثنني (الزمنية) ‪ -‬لحضور اجتماع (السببية) ‪ -‬بالقطار (الرشطية) ‪ -‬إىل ميونخ (املكانية)‬

‫‪98‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وكل واحدة مختلفة عن األخرى من حيث إزالة اللبس يف ذهن املخاطب‪،‬‬


‫بطريقة أو بأخرى‪:‬‬

‫• أعطى ٌدمحم ٌ خالدًاً كتابًاً‪.‬‬

‫املخاطب ال يعلم شيئًاً عن املوضوع بأ كمله‪.‬‬

‫• ٌدمحم ٌ أعطى خالدًاً كتابًاً‪.‬‬

‫املخاطب يعلم أن شخصًاً ما أعطى خالدًاً كتابًاً‪ ،‬ولكنه ال يعلم تمامًاً من هو‪.‬‬
‫لذلك تقدم «دمحم» إلزالة اللبس‪.‬‬

‫• خالدًاً أعطى ٌدمحم ٌ كتابًاً‪.‬‬

‫املخاطب يعلم أن دمحمًاً أعطى كتابًاً لشخص ما‪ ،‬لكنه يجهل من هو‪ ،‬فتقدم‬
‫«خالدًاً» إلزالة اللبس‪.‬‬

‫• كتابًاً أعطى ٌدمحم ٌ خالدًاً‪.‬‬

‫املخاطب يعلم أن دمحمًاً أعطى خالدًاً شيئًاً ما‪ ،‬لكنه ال يعلم ما هو‪ ،‬فتقدم‬
‫«كتابًاً» إلزالة اللبس‪.‬‬

‫• كتابًاً خالدًاً أعطى ٌدمحمٌ‪.‬‬

‫املخاطب يعلم أن دمحمًاً أعطى شيئًاً ما شخصًاً ما‪ ،‬لكنه ال يعلم اليشء وال‬
‫الشخص‪ ،‬فتقدم «كتابًاً» و«خالدًاً» إلزالة اللبس‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وهكذا‪ ..‬خلق الشعر هذه «املرونة» يف اللغة‪ .‬لكن يف «النرث»‪ ،‬ومع عدم وجود‬
‫قاعدة لـ«الوضوح» يف اللغة العربية‪ ،‬يعتمد الصحفي على مهاراته يف بناء‬
‫الجمل‪ ،‬ما يفيض يف كثري من األحيان إىل االلتباس يف املعىن‪ ،‬بغري ما يقصده‪.‬‬
‫وهذا يتناىف مع وظيفة اللغة يف «إزالة َ‬
‫الَّلبس»‪.‬‬

‫***‬

‫أمن الّلّبس‬

‫يعد أمن َ‬
‫الَّلبس من املقاصد الكربى يف الدراسات النحوية؛ ألن اللبس يف الكالم يخل‬

‫بالفائدة املرجوة منه‪.‬‬

‫وقد أدرك العرب هذا املعىن‪ ،‬وكانوا أشد حرصًاً على اإلبانة والوضوح‪ ،‬وعدم الخلط بني‬
‫املعاين املختلفة‪ ،‬وإزالة اللبس عن اللفظة أو الرتكيب َ‬
‫الَّلذين يحتمالن معاين متعارضة‪.‬‬

‫يف «البيان والتبيني»‪ ،‬يقول الجاحظ‪« :‬يكفي من حظ البالغة أال يؤىت السامع من سوء‬

‫إفهام الناطق وال يؤىت الناطق من سوء فهم السامع»‪.‬‬

‫فالوظيفة األوىل للغة هي تحقيق الفهم واإلفهام‪ ،‬يقول د‪ .‬تمام حسان يف «النظام‬

‫النحوي» إن «اللغة العربية‪ -‬وكل لغة أخرى يف الوجود‪ -‬تنظر إىل أمن اللبس باعتباره‬

‫غاية ال يمكن التفريط فيها ألن اللغة امللبسة ال تصلح واسطة لإلفهام والفهم‪ .‬وقد‬

‫خلقت اللغات أساسًاً لإلفهام وإن أعطاها النشاط اإلنساين استعماالت أخرى فنية‬

‫ونفسية»‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫لكن كيف أعرف أن الجمل اليت أ كتبها «واضحة»؟‬

‫َ‬
‫وجدَت أن جملة ما تستعيص عليك‪ ،‬استخدم مبدأي الوضوح هذين‪:‬‬ ‫إذا‬

‫أساسًاً‪ ،‬القصة رسد عن «شخصيات» تقوم بـ«أ كشن» معني‪.‬‬

‫• املبدأ األول‪ :‬اجعل الشخصيات الرئيسية بصيغة «الفاعل» يف الجملة‪.‬‬

‫• املبدأ الثاين‪ :‬اجعل الـ«أ كشن» األسايس بصيغة «الفعل» يف الجملة‪.‬‬

‫دعنا نطبق هذين املبدأين على الجملة التالية‪:‬‬

‫استندت حجة املعارضني للثورة فيما يتعلق بزعزعة استقرار الدولة بسبب الديمقراطية‪،‬‬

‫إىل اعتقادهم بأنه ثمة ميل لدى «الث ّّوار» الذين استلموا سدة الحكم‪ ،‬إىل تعزيز‬

‫مصالحهم الذاتية على حساب الصالح العام‪.‬‬

‫كما ترى‪« :‬الشخصيات» (وهي يف الجملة «املعارضني») ليست «الفاعل»؛‬


‫فالفاعل يف الجملة هو «حجة»‪.‬‬

‫أيضًاً‪« ،‬األكشن» األسايس (وهو يف الجملة «حجة»‪« ،‬زعزعة»‪« ،‬تعزيز») مل‬


‫يأِت بصيغة «الفعل»‪ .‬ثم إن الجملة تفتقر إىل فعل رئييس به «أ كشن»‪ .‬كما‬
‫ِ‬
‫فعًال رئيسّيًّاً يف الجملة وليس به «أ كشن»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ترى جاء «استند»‬

‫اآلن دعنا نغري النص بوضع «الشخصيات» يف صيغة «الفاعل» والـ«أ كشن»‬
‫يف صيغة «الفعل»‪ ،‬وستجد أن النص أصبح أ كرث وضوحًاً وسهل القراءة‪:‬‬

‫‪101‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫جادل املعارضون للثورة يف أن الديمقراطية تزعزع استقرار الدولة؛ فُهُ م يرون أن‬

‫«الث ّّوار» الذين استلموا سدة الحكم‪ ،‬يعّزّ زون مصالحهم الذاتية على حساب الصالح‬

‫العام‪.‬‬

‫عالقة «األكشن» باألفعال‬

‫املبدأ إذًاً يقول‪ :‬الجملة تكون واضحة عند التعبري عن الـ«أ كشن» باستخدام‬
‫األفعال‪.‬‬

‫ً‬
‫مثاًال‪ ،‬انظر كيف أن األكشن (بالحروف العريضة) يف املثال أدناه ال ُُيعرَّبر‬ ‫لنأخذ‬
‫عنه بأفعال‪ ،‬إنما بصيغة املصدر االسمية اليت ال ترتبط بزمن له بداية ونهاية‪:‬‬

‫خالل أعوامها الثالثني‪ ،‬تمكنت جهينة من إعادة صياغة صناعة األلبان والعصائر يف‬

‫مرص‪ ،‬والتوسع والتنوع يف إنتاجها‪ ،‬لتبدأ يف العام الجاري تصنيع ألبان نباتية‪ ،‬لــتصل‬

‫بمنتجاتها إىل إجمايل ‪ 200‬منتج يتم توز يعــها يف مرص وتصديرها لعدد من الدول‬
‫‪23‬‬
‫اإلفريقية والعربية واألوروبية‪( .‬صياغة املصدر)‬

‫ثم انظر إىل التعديل‪ ،‬كيف يستخدم األفعال للتعبري عن األكشن‪:‬‬

‫مّرّت ثالثون عاما أعادت «جهينة» خاللها صياغة صناعة األلبان والعصائر يف مرص‪،‬‬

‫وتصّنع هذا العام ألبانًاً نباتية‪ ،‬لــيصل عدد‬


‫ّ‬ ‫وحققت أرباحًاً متصاعدة‪ ،‬ون ّّوعت يف اإلنتاج‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتصّدرها إىل دول عربية وإفريقية وأوروبية‪.‬‬ ‫منتجاتها إىل ‪ 200‬نوع‪ ،‬توّزّعــها يف مرص‬

‫‪« 23‬مل يعد عند جهينة الخرب اليقني»‪ ،‬مدى مرص‪.2021 ،‬‬

‫‪102‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫أو انظر إىل هذه الصيغة‪:‬‬

‫ستمّرّ ثالثون عامًاً ستعيد «جهينة» خاللها صياغة صناعة األلبان والعصائر يف مرص‪،‬‬

‫وستحقق أرباحًاً متصاعدة‪ ،‬وستن ّّوع يف اإلنتاج‪ ،‬وتصّنّع هذا العام ألبانًاً نباتية‪ ،‬لــيصل‬
‫ّ‬
‫وتصّدرها إىل دول عربية وإفريقية‬ ‫عدد منتجاتها إىل ‪ 200‬نوع‪ ،‬توّزّعــها يف مرص‬

‫وأوروبية‪.‬‬

‫كثري�ا ما تزخر الكتابة الصحفية بـ أن املصدرية أو ّ‬


‫أّن ّ‬
‫‪/‬إّن املشبهة بالفعل‬
‫(الناسخة)‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫قال املتحدث باسم املكتب السيايس لحركة طالبان سهيل شاهني إنه يجب على‬

‫الرئيس السابق أرشف غين أن يعيد أموال الشعب األفغاين‪ ،‬مؤكدًاً أنه ال يملك تلك‬

‫األموال‪ ،‬وأنه هرب بها دون وجه حق‪.‬‬

‫غري أنه أوضح أن مالحقة غين الستعادة أي أموال قد يكون استحوذ عليها ليست‬

‫ّب اآلن على موضوع الحكومة‪ ،‬ولن تجري تلك‬ ‫َ‬


‫منَص ّ‬ ‫أولوية‪ ،‬وأن اهتمام الحركة‬
‫‪24‬‬
‫املالحقة قبل تشكيل الحكومة الجديدة‪( .‬صياغة املصدر)‬

‫ويف أغلب األحيان يمكن التخلص منها‪ ،‬ما يضفي الحيوية على النص‪:‬‬

‫قال سهيل شاهني‪ ،‬املتحدث باسم املكتب السيايس لحركة طالبان‪ ،‬إنه يجب على‬

‫الرئيس األفغاين السابق أرشف غين إعادة أموال الشعب؛ ألنها ليست ملكًاً له‪ ،‬وقد‬

‫هرب بها من دون وجه حق‪.‬‬

‫‪ 24‬متحدث باسم طالبان‪ :‬على أرشف غين أن يعيد أموال الشعب األفغاين‪ ،‬الجزيرة نت‪.2021 ،‬‬

‫‪103‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وأوضح شاهني أن حركة طالبان ال تهتم اآلن بأمر استعادة األموال املستوىل عليها‪،‬‬

‫وتنصب جهودها على تشكيل حكومة جديدة ستالحق الرئيس غين‪.‬‬

‫األكشن قد يكون أحيانًاً مدفونًاً يف الجار واملجرور‪ ،‬أو يف الصفات‪ ،‬أو الصفة‬
‫املشبهة‪ ،‬أو الحال‪ ...‬إلخ‪ ،‬كل ما عليك هو إخراجه إىل النور بتحويله إىل صيغة‬
‫الفعل‪:‬‬

‫حالت قلة البيانات لدى منظمات املجتمع املدين دون تقييم إجراءات األمم املتحدة يف‬

‫أمِّس الحاجة إىل املساعدات‪.‬‬


‫ِ‬ ‫توجيه األموال إىل املناطق اليت هي يف‬

‫التعديل‪:‬‬

‫ألن منظمات املجتمع املدين كانت تفتقد البيانات‪ ،‬مل تستطع تقييم ما إذا كانت األمم‬

‫املتحدة قد وجهت األموال إىل املناطق اليت تحتاج إىل املساعدات العاجلة‪.‬‬

‫عالقة «الشخصية» بالفاعل‬

‫ّ‬
‫يتطّلع أ كرث إىل أن‬ ‫َ‬
‫ستخَدم األفعال للتعبري عن األكشن‪ ،‬لكنه‬ ‫يتوقع القارئ أن ُُت‬
‫ً‬
‫فاعًال‬ ‫تكون الشخصيات هي الفاعل يف الجملة‪ .‬إن استخدام األسماء املجردة‬
‫يف الجملة من دون سبب وجيه‪ ،‬غالبًاً يتسبب يف تشويش القارئ‪ .‬من املهم‬
‫التعبري عن األكشن بأفعال‪ ،‬لكن املبدأ األهم يف الوضوح‪ :‬اجعل الشخصيات‬
‫َ‬
‫الفاعَل يف جملك الرئيسية‪.‬‬ ‫األساسية‬

‫لنأخذ هذه الرتكيبة املألوفة يف األخبار؛ فقد جاء الفاعل (تحته خط) مجَّرَدًاً‪،‬‬
‫وليس الشخصية الرئيسية (بالخط العريض) يف الجملة‪:‬‬

‫‪104‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫كانت املخاوف تتصاعد ‪-‬باألخص يف أوروبا‪ -‬من الزيادة النسبية يف عدد املساجد‬

‫الضخمة اليت شَّيَدتها الحكومة الرتكية يف السنوات املاضية يف القارة السمراء‪( .‬صياغة‬
‫‪25‬‬
‫املصدر)‬

‫لنضع الفاعل يف مكانه الصحيح باستخدام مبدأ «الشخصيات» يف الجملة‪،‬‬


‫ّ‬
‫ونوّفر عليه أي تشويش محتمل‪:‬‬ ‫ونسّهّل على القارئ فهم الجملة‬

‫أبدت أوروبا مخاوفها‪ ،‬بسبب تزايد أعداد املساجد الضخمة اليت تشّيّدها الحكومة‬

‫الرتكية أخريًاً يف إفريقيا‪.‬‬

‫وهنا مثال آخر‪:‬‬

‫عند الحديث عن الوجود الرتيك املتصاعد يف غرب إفريقيا‪ ،‬تحرض املنافسة الرتكية‬

‫الفرنسية إىل الواجهة‪ ،‬حيث ُُي ََع ُُّد الوجود الرتيك ُُمزعجًاً لباريس الساعية ملزيد من‬
‫ُ‬
‫التمُّدد‪( .‬صياغة املصدر السابق)‬

‫التعديل‪:‬‬

‫عادت املنافسة بني باريس وأنقرة إىل الواجهة بعد أن أبدت فرنسا‪ ،‬اليت تسعى إىل‬

‫التمدد يف غرب إفريقيا‪ ،‬انزعاجها من تزايد نفوذ تركيا هناك‪.‬‬

‫وآخر اقتصادي‪:‬‬

‫التدخالت الحكومية الخاطئة يف سوق التكنولوجيا رسيعة التغيري أدت إىل تشويه نمو‬

‫السوق وإعاقة تطوير منتجات جديدة‪.‬‬

‫‪ 25‬ملاذا يخىش الفرنسيون األتراك يف غرب أفريقيا؟‪ ،‬ميدان‪.2022 ،‬‬

‫‪105‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫التعديل‪:‬‬

‫عندما تتدخل الحكومة يف سوق التكنولوجيا رسيعة التغيري‪ ،‬فــإنها تش ّّوه الكيفية اليت‬

‫تنمو بها هذه السوق‪ ،‬وتعيق قدرتها على تطوير منتجات جديدة‪.‬‬

‫***‬

‫حىت اآلن‪ ،‬تحدثت عمليًاً عن الجملة الفعلية يف اللغة العربية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫لغة األخبار‪ ،‬هي لغة أفعال؛ لغة ما يطرأ من أحداث جديدة تتطلب إبالغًاً عن‬
‫انتقالها من حال إىل حال‪ .‬علمًاً أن األمر ال يختلف كثريًاً مع الجملة االسمية‪.‬‬

‫يناقش عامل اللغويات املغريب عبد القادر الفايس الفهري يف كتابه «اللسانيات‬
‫واللغة العربية»‪ ،1985 ،‬دار توبقال‪ ،‬قضية ترابط الجملتني الفعلية واالسمية‬
‫يف اللغة العربية ببنية عميقة واحدة (مسند ومسند إليه)‪ ،‬رغم اختالف‬
‫شكليهما يف البنية السطحية‪ .‬من ََث ّّم‪ ،‬فإن التميزي الذي يضعه النحو التقليدي‬
‫بني الجملتني ال يغطي دالالتهما الفعلية‪.‬‬

‫إذًاً‪ ،‬املبدأ العام للجملة الفعلية الواضحة‪ :‬اجعل الشخصية‪ /‬الشخصيات‬


‫َ‬
‫الفاعَل يف الجملة‪ .‬اجعل األكشن األسايس الذي تقوم به هذه‬ ‫الرئيسية‬
‫ً‬
‫أفعاًال يف الجملة‪.‬‬ ‫الشخصيات‬

‫ذهنّيًّاً‪ ،‬يتكامل مستويان من بناء الجملة يف دماغ القارئ‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مستوى النحو‪ :‬وهذا املستوى ثابت نسبّيًّاً‪:‬‬

‫مفعول به‬ ‫فاعل‬ ‫فعل‬

‫مستوى القصة‪ :‬وهذا املستوى متغرّير ‪:‬‬

‫(ما تقوم به من) أ كشن‪.‬‬ ‫الشخصية‪ /‬الشخصيات‬

‫ّ‬
‫يتوّقع القارئ أن يتكامل مستوى القصة مع مستوى النحو؛ أي أن يتطابق‬
‫األكشن مع صيغة «الفعل»‪ ،‬والشخصية مع صيغة «الفاعل»‪.‬‬

‫عندما ُُتخّيّب توقعات القارئ يف تكامل مستوى النحو مع مستوى القصة‪،‬‬


‫فإنك تجعله يبذل جهدًاً أ كرب من الالزم يف عملية الفهم؛ لذلك تجده يقول‪:‬‬
‫الجملة غامضة‪ ،‬غري مفهومة‪ ،‬ومعقدة‪.‬‬

‫***‬

‫ولكن‪ ،‬أال يفيض ذلك إىل أن تصبح الكتابة مملة وسطحية؟‬

‫الوضوح ال السذاجة‬

‫تجّليًاً‪ ،‬أو مسألة مفردات‪،‬‬


‫ّ‬ ‫الكتابة ليست قضية موهبة‪ ،‬وليست تفانيًاً‪ ،‬أو‬
‫أو أسلوب‪ .‬الكتابة عملية استكشاف عرب اللغة‪ .‬استكشاف ما ينبغي لك أن‬
‫تعرفه‪ ،‬وما تشعر به حيال ما تعرفه‪ ،‬من خالل اللغة‪ .‬يف الكتابة نستخدم اللغة‬

‫‪107‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫للتعرف إىل العامل‪ ،‬ولتقييم ما نعرفه عن العامل‪ ،‬ولنقل ما نعرفه عن العامل‪ ،‬كما‬
‫يقول كتاب ‪ The Essential Don Murray‬عن الكاتب والصحفي دون‬
‫موري‪.‬‬

‫ً‬
‫جمًال ساذجة؛ فالعامل‬ ‫َب‬ ‫َب بوضوح‪ ،‬لكنه ال يريد أن ُ‬
‫تكُت َ‬ ‫القارئ يريد أن ُ‬
‫تكُت َ‬
‫مليء بأشياء معقدة ال يمكن التعبري عنها بإيجاز وسطحية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬يمكنك‬
‫كتابة جمل معقدة عن أشياء معقدة‪ ،‬لكنها تبقى واضحة وقابلة للقراءة‪.‬‬

‫نظام الجملة العربية‬

‫َ‬
‫يحَظ نظام الجملة العربية بالدراسة الكافية لدى نحاة «عصور االحتجاج» الذين‬ ‫مل‬
‫ً‬
‫فصوًال‬ ‫أرسوا قواعد اللغة‪ .‬فال تجد بني كتبهم الكثرية كتابًاً عن الجملة العربية‪ ،‬أو حىت‬

‫من كتاب‪ .‬كل ما لدينا إشارات رسيعة متناثرة‪ ،‬إىل أن جاء عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬بعد‬

‫انقضاء «عصور االحتجاج»‪ ،‬ليويل ـوأل ّّول مّرّة‪« -‬نظام بناء الجملة» كامل عنايته يف‬

‫كتابه «دالئل اإلعجاز»‪ ،‬ويتناول نظام الجملة يف التقديم والتأخري مع االستفهام والنفي‬

‫والخرب املثبت‪ ،‬ويف الفصل والوصل‪ ،‬ويف القرص واالختصاص‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫ّ‬
‫يتحّدث يف يشء آخر غري قواعد اللغة‪ ،‬فجاء من ّ‬
‫كّمل عمله‬ ‫لكن الجرجاين ُُفِه ََم خطأ بأّنّه‬
‫ِ‬
‫كالسكايك والخطيب القزويين والسبيك وأيب هشام األنصاري‪ ،‬ليؤسسوا ما أسموه‬

‫«ُح ْْسن الجملة» شيئًاً ما خارج قواعد‬


‫بـ«علوم البالغة»‪ .‬ومنذ ذلك الحني أصبح ُ‬

‫اللغة؛ إلهامًاً غامضًاً‪ ،‬وحّيًّاً يمتاز به كاتب دون آخر من دون سبب معلوم‪.‬‬

‫ليس ذلك فحسب؛ فقد لجأ البالغيون إىل تفسري الظواهر اللغوية خارج نظام اللغة‪،‬‬
‫ً‬
‫مثًال تقديم املسند إليه أو تأخري املسند إىل شواهد معينة كالتمكن يف ذهن‬ ‫وعزوا‬

‫‪108‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫السامع‪ ،‬والتعجيل باملّرسّة أو املساءة‪ ،‬أو االستلذاذ والتعظيم والتحقري وغري ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حياٌة خارج اللغة؛ يف أذهان السامعني أو يف مقاصد املتكلمني‪.‬‬ ‫وباتت لـ«املعاين»‬

‫ُح ْْسن وجمال ينبغي دراستها لغوّيًّاً‪ ،‬وال يأيت ذلك‬


‫والحق‪ ،‬أنه إلدراك ما يف اللغة من ُ‬

‫دائمًاً من اللغويني‪ .‬إن أفضل تقنيات الكتابة وأدواتها اللغوية يف اإلنكلزيية‪ ،‬جاءت من‬
‫ُ‬
‫الُك ّّتاب أنفسهم بالرتكزي على األساليب املختلفة يف بناء الجملة أ ّّو ًًال‪ .‬الجرجاين نفسه يف‬

‫كتابه «دالئل اإلعجاز»‪ ،‬بانشغاله يف بناء الجملة‪ ،‬كان ُُمتكِّلّمًاً‪ ،‬فيلسوفًاً‪ ،‬أديبًاً ناقدًاً‪،‬‬

‫أ كرث من كونه لغوّيًّاً‪.‬‬

‫ظواهر لغوية‬

‫لننظر إىل هذه الظواهر اللغوية‪:‬‬

‫استخدام صيغة املايض للتعبري عن حدث مستقبلي‪:‬‬

‫َ َ‬
‫• (َأٰٓىَت� � ٓ َأ ْْم ُُر ٱلَّلِّه َفَاَلا ََت ْْس ََت ْْعِج ُُلو ُُه)؛ أي سيأيت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫وهنا استخدام صيغة املايض للتعبري عن الحال‪:‬‬

‫ٱلَّلُّه ََغ ُُفورًاً َّرِّحيمًاً)؛ أي ال يزال‪.‬‬


‫اَن ُ‬ ‫• ( ََو ََك َ‬
‫ِ‬

‫وهنا استخدام صيغة الحارض للتعبري عن حدث ماٍض‪:‬‬


‫ٍ‬

‫• ( ََواَّتَّب َُُعوا ََما ََت ْْت ُُلو الَّشَّيَاِط ُ‬


‫ُني)‪ ،‬أي ما تلت‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪109‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫والالفت هنا توايل فعلني أحدهما يف صيغة املايض واآلخر يف صيغة املضارع لحدث‬

‫واحد‪.‬‬

‫وهنا‪:‬‬

‫َني)‪ ،‬أي قتلتم‪.‬‬ ‫ُْل ِإن ُُك ُ‬


‫نُتم ُُّم ْْؤِمِن َ‬ ‫وَن َأَنِبَيَا ََء ّ‬
‫الّلـِه ِمن ََقْب ُ‬ ‫ْل ََفِل ََم ََت ْْق ُُت ُُل َ‬ ‫ُ‬
‫(ُق ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫وبمجرد أن نبدأ بفصل صيغة الفعل عن الزمن‪ ،‬وكيفية ترتيب الكلمات يف الجملة‪،‬‬

‫رسيعًاً ما ندرك مواطن الحسن والجمال يف اللغة العربية‪.‬‬

‫ّ‬
‫ولعّل التعريف‬ ‫يسهب الدكتور إبراهيم أنيس يف رشح ذلك يف كتابه «من أرسار اللغة»‪.26‬‬

‫الذي وضعه للجملة؛ األمر الذي اختلف فيه األقدمون‪ ،‬هو األكرث نضجًاً‪ :‬الجملة يف‬

‫أقرص صورها هي أقل قدر من الكالم يفيد السامع معىن مستقال بنفسه‪ ،‬سواء تركب‬
‫ً‬
‫قائًال‪ََ :‬م ْْن كان معك‬ ‫هذا القدر من كلمة واحدة أو أ كرث‪ .‬فإذا سأل القايض أحد املتهمني‬

‫وقت ارتكاب الجريمة؟ فأجاب‪ :‬زي ٌٌد‪ ،‬فقد نطق املتهم بكالم مفيد يف أقرص صورة‪.‬‬

‫***‬

‫إذًاً‪ ،‬لفهم املقصود بـ«الوضوح» و«البساطة»‪ ،‬دعنا ندرس مطلع قصة‬


‫بعنوان ‪( Poisoned27‬مسموم)‪ ،‬وحازت جائزة «بوليزتر» عام ‪ 2022‬عن فئة‬
‫التحقيقات‪:‬‬

‫داخل ََم ْْصَهَ ر الرصاص الوحيد يف فلوريدا‪ ،‬تتكاثر السموم‪.‬‬

‫‪ 26‬أنيس‪ ،‬إبراهيم «من أرسار اللغة»‪ ،‬مكتبة األنجلو املرصية‪.1966 ،‬‬


‫‪27‬‬
‫‪Poisoned, Tampa Bay, 2021.‬‬

‫‪110‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الكادميوم‪ .‬الزرنيخ‪ .‬ثاين أ كسيد الكربيت‪.‬‬

‫تفّشيًاً‪.‬‬
‫لكن الرصاص هو األكرث ّ‬

‫فالغبار املحَّمّ ل به يخّيّم كضباب كثيف مخرتقًاً مبىن املصنع حيث يفتح العمال بطاريات‬

‫السيارات املستهلكة بشِّقّ ها‪ ،‬يستخرجون الرصاص ويصهرونه يف فرن تصل حرارته إىل‬

‫نحو ‪ 1500‬درجة‪ .‬الرصاص املصهور ُُيعاد تشكيله وبيعه للرشكات اليت تصنع بطاريات‬

‫جديدة ومنتجات أخرى‪.‬‬

‫ّ‬
‫السّم املخِّرّب لألعصاب‪.‬‬ ‫مئات العمال تعَّرّضوا لكميات هائلة من‬

‫والعواقب كانت وخيمة‪.‬‬

‫‪:28‬‬
‫وإليك التعليق‬

‫داخل ََم ْْصَهَ ر الرصاص الوحيد يف فلوريدا‪ ،‬تتكاثر السموم‪.‬‬

‫الُج ََمل قوانني الفزيياء‪ ،‬ويمكن إضفاء الحسن بوضع مركز الثقل يف‬
‫تتحدى ُ‬
‫بداية الجملة أو نهايتها‪ .‬انتبه كيف أعاد الكاتب ترتيب الكلمات بوضع «تتكاثر‬
‫السموم» يف نهاية الجملة‪.‬‬

‫الكادميوم‪ .‬الزرنيخ‪ .‬ثاين أ كسيد الكربيت‪.‬‬

‫ّ‬
‫املواّد الكيميائية ال تحتاج إىل رشح؛ فأسماؤها وحدها كافية لبث‬ ‫هذه‬

‫‪28‬‬
‫‪Clark, Peter Roy “The best Pulitzer Prize leads of 2022”, Poynter.org, 2022.‬‬

‫‪111‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫القشعريرة يف األجساد‪ .‬كل كلمة مكتفية بذاتها‪ .‬جملة بحد ذاتها‪ .‬انتبه أيضًاً‬

‫أنها جاءت يف فقرة وحدها‪.‬‬

‫«فالغبار املحَّمّ ل به يخّيّم كضباب كثيف مخرتقًاً مبىن املصنع حيث يفتح العمال‬

‫بطاريات السيارات املستهلكة بشِّقّ ها‪ ،‬يستخرجون الرصاص ويصهرونه يف فرن تصل‬

‫حرارته إىل نحو ‪ 1500‬درجة‪ .‬الرصاص املصهور ُُيعاد تشكيله وبيعه للرشكات اليت تصنع‬

‫بطاريات جديدة ومنتجات أخرى»‪.‬‬

‫مهمة الصحفي أن يجعل األشياء غري املألوفة مألوفة‪ ،‬وهذا ما تفعله هذه‬
‫الفقرة‪ ،‬تكشف الوقائع املخفية واملخيفة‪ .‬انظر أيضًاً إىل األفعال‪ /‬املصادر‪:‬‬
‫يخيم‪ ،‬محَّمّ ل‪ ،‬مخرتق‪ ،‬يستخرج‪ ،‬يصهر‪ ،‬يعيد تشكيل‪.‬‬

‫ّ‬
‫السّم املخِّرّب لألعصاب»‪.‬‬ ‫«مئات العمال تعَّرّضوا لكميات هائلة من‬

‫تقديم املسند إليه «مئات العمال» جاء يف مكانه الصحيح حيث مركز الثقل يف‬
‫بداية الجملة؛ إّنّهم العنرص اإلنساين يف القصة‪ ،‬وهم الضحايا‪.‬‬

‫«والعواقب كانت وخيمة»‪.‬‬

‫الجمل القصرية وقعها أقوى من الجمل الطويلة؛ فأهم األفكار تأيت عادة يف‬
‫أقرص الجمل‪ .‬وهذه الجملة األخرية تخترص كل يشء بثالث كلمات‪.‬‬

‫اللغات يف العامل تنقسم إىل قسمني‪:‬‬

‫اللغات ذات «الجملة املستقرة» كاألملانية والفرنسية واإلنكلزيية؛ فليس‬


‫للمتكلم بهذه اللغات أن ينتقل بالكلمة من مكانها املعني يف الجملة‪ .‬هذا ال‬

‫‪112‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يعين أنها جامدة‪ ،‬فأي لغة ال تكاد تخلو من نوع من املرونة يف ترتيب كلماتها‪.‬‬

‫واللغات ذات «الجملة الحرة» كاإلغريقية والالتينية؛ فهما ال تكادان تخضعان‬


‫لنظام معني يف ترتيب الكلمات‪ .‬ومع ذلك فهي ليست حرة بشكل مطلق؛‬
‫فانتقال الكلمات داخل الجملة يخلق اختالفًاً يف املعىن‪.‬‬

‫العربية أقرب لهذه املجموعة األخرية‪ .‬لذلك؛ على الصحفي الجّيّد أاّلا يكتفي‬
‫بالعثور على أفضل الكلمات‪ ،‬بل عليه ترتيبها داخل الجملة أفضل ترتيب‪.‬‬
‫فَن ْْظم الكالم وترتيب الكلمات‪ ،‬كما يقول الجرجاين‪ ،‬أشبه بنظم اللؤلؤ‬
‫َ‬
‫والجواهر يف سمط نفيس‪.‬‬

‫***‬

‫الكلمات القوية‪ :‬األسماء واألفعال‬

‫• هل أفعالك مبنية للمعلوم‪ ،‬وليست مبنية للمجهول إال عندما يتطلب األمر ذلك؟‬
‫ّ‬
‫الشّد والتوتر؟‬ ‫هل تعرب عن األكشن؟ عن الحركة؟‬

‫• هل األسماء حيوية وملونة ومحددة؟ هل تصف الشخصية؟ مكان القصة أو‬

‫محيطها؟ تخلق صورًاً يف ذهب القارئ؟‬

‫• استبدل األفعال الضعيفة والعبارات الحالية والظرفية بأفعال أ كشن قوية‪ ،‬كلما‬

‫أمكن ذلك‪.‬‬

‫• استبدل األسماء املجردة والغامضة بأسماء وصفية ملموسة‪.‬‬

‫دع األسماء واألفعال تفعل فعلها‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫األسماء امللموسة تساعد القارئ على تصوير ‪ Visualize‬القصة‪.‬‬

‫األفعال املبنية للمعلوم تقود القصة‪ ،‬وتمنحها الحياة‪.‬‬

‫األلفاظ املقّيّدة ‪ Modifiers‬غري الرضورية‪ ،‬أو يف غري سياقها الصحيح‪ ،‬تش ّّوش‬
‫على الجملة؛ ألنها تغرّير معناها‪ ،‬كالظروف والصفات واألحوال‪.‬‬

‫يعّلم الصحفيني الكتابة جيدًاً‪ .‬يف‬


‫يمكن أن يكون األطفال هم أفضل من ّ‬

‫البداية‪ ،‬يتعلمون األسماء‪ ،‬ومن ثم الضمائر واألفعال‪ ،‬ومن ثم يتعلمون‬


‫حروف الجر‪ ...‬إلخ‪ .‬يف مرحلة الحقة‪ ،‬عندما يصبحون أ كرث مهارة يف اللغة‪،‬‬
‫يبدؤون بـ«فذلكة» كرثة استخدام األلفاظ املقيدة كالظروف والصفات‬
‫واألحوال‪ .‬لذا؛ قد تحتاج أن تعود مرة أخرى ‪-‬ربما إىل طفولتك‪ -‬لتتعلم كيف‬
‫تستخدم األسماء واألفعال‪ ،‬وتستكشف القوة اليت تكمن فيها؛ وتتجنب قدر‬
‫اإلمكان «فذلكات» األطفال‪.‬‬

‫َ‬
‫ولعَّل الصحفي األمرييك ماير بريغر هو أفضل من أتقن ذلك؛ فحيوية األفعال‬
‫واألسماء اليت يستخدمها‪ ،‬وعدم استخدام الظروف والصفات إال يف مكانها‬
‫املناسب‪ ،‬أ كرث ما يمزّيز أسلوبه الكتايب‪ .‬ويعد بحق سّيّد الرسد الحيوي الذي‬
‫يصف بالتفصيل مشاهد األحداث وأصواتها‪ .‬وال يهم «ما إذا كان ذلك مجرد‬
‫موكب‪ ،‬أو كسوف شمس أو مجرم قاتل يهيم على وجهه يف الشوارع» كما‬
‫جاء يف نعوته‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫بريغر مات يف الـ ‪ 60‬من عمره‪ ،‬وفاز عام ‪ 1950‬بجائزة «بوليزتر» عن قصة‬
‫ُُك ِِّلف بها الساعة الـ ‪ 11‬صباحًاً‪ ،‬فسافر بالقطار‪ ،‬وأجرى عرشات املقابالت‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫‪Berger، Meyer Veteran Kills 12 in Mad Rampage on Camden Street, New York Times,‬‬
‫‪1949.‬‬

‫‪114‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وُتنرش يف صباح‬ ‫ّ‬


‫وسّلمها يف الـ ‪ 9:20‬مسا ًًء لتلحق املطبعة‪ُ ،‬‬ ‫وكتب قصته‪،‬‬
‫اليوم التايل‪.‬‬

‫كانت القصة عن جريمة سبتمرب‪/‬أيلول ‪ .1949‬حينئذ‪ ،‬ارتكب هوارد أونريه‪،‬‬


‫املحارب القديم يف الحرب العاملية الثانية‪ ،‬أعمال عنف مروعة استمرت نحو ‪20‬‬
‫دقيقة باستخدام مسدس «لوجر»‪ ،‬ما أسفر عن مقتل ‪ 12‬شخصًاً‪ ،‬وفيما‬
‫بعد تويف أحد املصابني األربعة‪ .‬وكان من ضمن ضحاياه ثالثة أطفال تحت‬
‫سن العارشة وعرشة بالغني ترتاوح أعمارهم بني ‪ 24‬و‪ 68‬عامًاً‪.‬‬

‫بعد جريمة «كامدن»‪ُُ ،‬و ِ‬


‫ِّجهت ألونريه ‪ 13‬تهمة قتل‪ ،‬لكن تشخيصه باالنفصام‬
‫يف الشخصية أنقذه من اإلعدام‪ُ ،‬‬
‫فُحِجز يف مستشفى لألمراض النفسية يف‬
‫ِ‬
‫غرفة منعزلة ملدة ‪ 60‬عامًاً إىل أن تويف عام ‪.2008‬‬

‫وإليك مطلع القصة‪:‬‬

‫هوارد يب‪ .‬أونريه‪ 28 ،‬عامًاً‪ ،‬محارب قديم‪ ،‬هادئ ولبق‪ ،‬خاض العديد من معارك‬
‫املدفعية املدّرّعة يف إيطاليا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬والنمسا‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬وأملانيا‪ََ ،‬ق ََت َ‬
‫َل هذا الصباح‬

‫اثين عرش شخصًاً بمسدس «لوجر» حصل عليه كتذكار حرب‪ ،‬وذلك يف حِّيِه برشق‬

‫«كامدن» بوالية نيو جريس‪ .‬وأصاب أربعة آخرين‪.‬‬

‫ّ‬
‫بخّدين بارزين‪ ،‬وبطول ‪ 183‬سم‪ ،‬شغوف بقراءة‬ ‫مل يكن لدى أونريه‪ ،‬وهو رجل نحيل‬
‫ّ‬
‫يدّل على إصابته‬ ‫الكتاب املقدس والتدريب املستمر على استخدام األسلحة النارية‪ ،‬ما‬

‫بمرض عقلي‪ ،‬لكن االختصاصيني أشاروا هذه الليلة إىل أنه ال شك مريض نفسّيًّاً‪ ،‬وأنه‬
‫كان يعاين ُ‬
‫ُخفية «جنون االضطهاد» على مدار عامني أو أ كرث‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ُ‬
‫املحارب القديم ُأصيب برصاصة يف فخذه األيرس أطلقها صاحب حانة محلية‪ ،‬لكنه‬

‫أبقى هذه الواقعة أيٍضا ٍّرسٍا‪ ،‬بينما كان رجال الرشطة وميتشل كوهني (مدعي مقاطعة‬
‫ٍ‬
‫«كامدن») يستجوبونه يف مركز الرشطة ألكرث من ساعتني مبارشة بعد أن اضطرته‬

‫قذائف الغاز املسيل للدموع إىل الخروج من غرفة نومه واالستسالم‪.‬‬

‫ُُب ََقع الدم اليت ّ‬


‫خّلفها على املقعد الذي كان يجلس عليه يف أثناء االستجواب‪ ،‬أظهرت‬
‫إصابته‪ .‬عند اكتشاف ذلك‪ُُ ،‬نقل إىل مستشفى «كوبر» يف «كامدن»‪ ،‬بوصفه سجينًاً‬

‫مّتهمًاً بالقتل العمد‪.‬‬


‫ّ‬

‫كان هادئًاً خالل التحقيق معه‪ ،‬كهدوئه خالل العرشين دقيقة اليت قضاها يف إطالق‬
‫النار على الرجال والنساء واألطفال‪ .‬فقط ّ‬
‫تأّل ُُق عينيه الداكنتني على نحو مفرط بني‬

‫الحني واآلخر‪ ،‬كان يشري إىل أنه ليس شخصًاً عادّيًّاً‪.‬‬

‫قال للمدعي العام إنه منذ أمد بعيد كان يكتنف الغيظ تجاه الجريان وأصحاب املتاجر‬

‫يف الحي‪« .‬كانوا يتحدثون بألفاظ مهينة عن شخصييت»‪ ،‬قال‪ .‬بدا استياؤه منصّبًّاً على‬

‫نحو أ كرب تجاه السيد موريس كوهني وزوجته‪ ،‬اللذين كانا يعيشان يف مزنل مجاور له‪.‬‬

‫وهما من بني القتلى‪.‬‬

‫ً‬
‫مثاًال‪:‬‬ ‫لننظر إىل هاتني الجملتني‬

‫ََق ََت َ‬
‫َل هذا الصباح اثين عرش شخصًاً بمسدس «لوجر» حصل عليه كتذكار حرب‪.‬‬

‫َل» كما هو من دون إضافة ألفاظ مقيدة‪ ،‬كان‬ ‫فعَل َ‬


‫«َق ََت َ‬ ‫َ‬ ‫فقد استخدم بريغر‬
‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬لكنه مل يفعل‪.‬‬ ‫َل بدم بارد»‬ ‫َ‬
‫بمقدرته أن يقول‪َ« :‬ق ََت َ‬

‫‪116‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وهنا أيضًاً‪:‬‬

‫وأصاب أربعة آخرين‪.‬‬

‫ً‬
‫مثًال‬ ‫يكتفي بالفعل «أصاب» من دون إضافة مقيدات؛ فقد كان بمقدرته‬
‫قول‪« :‬وأصاب أربعة آخرين بجروح بليغة»؛ ذلك ألنه يف النهاية تويف شخص‬
‫واحد منهم‪.‬‬

‫ما ينبغي أن تعرفه عن األلفاظ املقيدة‪ ،‬هي أنها تقيد املعىن‪:‬‬

‫فـ‪:‬‬

‫• وردة‪ ،‬قد تكون أي وردة بالعموم‪.‬‬

‫• وردة حمراء‪ ،‬أصبحت الوردة مقيدة باللون األحمر‪.‬‬

‫• وردة حمراء قانية‪ ،‬أصبحت الوردة من ذات اللون األحمر القاين‪ ،‬وليس‬
‫أي أحمر‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ََك ّّمًاً‪ ،‬ستالحظ أن عدد الورود عمومًاً أ كرث من عدد الورود الحمراء‪ ،‬وهذه‬
‫عددها أ كرث من عدد الورود الحمراء القانية؛ ذلك ألنك تقّيّد املعىن بـ«األحمر»‪،‬‬
‫َّهم عند استخدام‬ ‫كّمًاً‪ ،‬وليس ََك ََما ُُيت ََو َ‬
‫ثم «القاين»‪ .‬وتقييد املعىن يعين أنه أقل ّ‬
‫األلفاظ املقيدة بأنها «إضافة» إىل املعىن أو زيادة عليه‪ .‬عندما تدرك ذلك‪ ،‬فإن‬
‫استخدام األلفاظ املقيدة عن إدراك ومعرفة‪ ،‬سيضفي الحيوية على نصك‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫لنقرأ ما كتبه حازم صاغية وكيف يستثمر قوة استخدام األسماء وحيوية‬
‫األفعال يف الرسد يف مقالته «إيطاليا‪ :‬مشكلتا الشمال والجنوب»‪:‬‬

‫حني رشقين بائع البوظة (اآلي سكريم) يف بالريمو‪ ،‬بسيل من كالمه اإليطايل الرسيع‪،‬‬

‫قلُت إنين لست إيطالّيًّاً‪ ،‬تجنبًاً ملزيد من الحرج‪ .‬لكن جوابه القصري واملرفق بابتسامة‬
‫ُ‬

‫ودية‪ ،‬جاء بالغ الوضوح والبساطة يف آن‪« :‬وأنا أيضًاً لست إيطالّيًّاً‪ .‬أنا صقلي»‪.‬‬

‫فالصقلية عند الصقليني ُ‬


‫ُهوّيّة قائمة بذاتها‪ ،‬تجسدها تفاصيل صغرية وعادات يومية؛‬

‫منها بعض األطعمة‪ ،‬وبعض الكالم‪ ،‬وبعض العالقات الشائعة‪ .‬فالناس يف بالريمو‪،‬‬

‫عاصمة الجزيرة‪ ،‬يتفاخرون بأن البيزتا الصقلية هي البيزتا الحقيقية وما عداها تقليد‬

‫كاذب‪ .‬وعلى األقل أتيح يل أن أملس أن البيزتا يف فلورنسا الشمالية ‪ -‬الوسطى‪ ،‬ويف‬

‫البندقية الشمالية‪ ،‬يشء آخر يختلف عن املأ كل الجنويب الذي ُُص ّّدر إىل أمريكا‪ ،‬ومن‬

‫نيويورك كان شيوعه العاملي‪.‬‬

‫كذلك يختص الصقليون دون سواهم بمآ كل كسندويش البوظة امللفوفة بالخزب‪،‬‬

‫وحلوى كانويّلي اليت رأينا أحد القتلة يف فيلم «العّرّاب ‪ »١ -‬يحمل معه الوعاء الذي‬
‫طلبت زوجته ََمأله بها‪ ،‬بينما هو ّ‬
‫ينّفذ إحدى جرائم آل كورليوين‪.‬‬

‫أما الضجيج الذي ُُيسمع يف شوارع بالريمو‪ ،‬آتيًاً من زمامري السيارات وأصوات‬

‫فضًال عن أصوات الناس أنفسهم‪ ،‬فأشد تذكريًاً باملدن‬


‫ً‬ ‫املوتورات والعربات والدراجات‪،‬‬

‫العربية والرشقية منه بالبندقية والشمال اإليطايل‪ .‬والواقع أن البعد عن أوروبا هو ما ال‬
‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬الذي أصبح من سمات املجتمعات‬ ‫ّ‬
‫يكّف املرء عن اكتشافه يف صقلية‪ .‬فالتدخني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫متفٍّش فيها‪ ،‬ال يرتدد يف ممارسته بعض الباعة وموظفي اإلدارات واملعامالت‬ ‫ِ‬
‫املتخِّلفة‪،‬‬
‫‪30‬‬
‫العامة وبعض سائقي أدوات النقل‪.‬‬

‫‪ 30‬صاغية‪ ،‬حازم «إيطاليا” مشكلتا الشمال والجنوب»‪ ،‬مجلة أبواب‪ ،‬العدد ‪.1997 ،11‬‬

‫‪118‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫أّن صاغّيّة ال يحاول تجنب صيغة املبين للمجهول؟ وال يستخدم‬ ‫أالحظَت ّ‬
‫َ‬
‫تركيبة «تم»‪ ،‬اليت ُُتستخدم بكرثة يف الصحافة‪.‬‬

‫الشخصيات واملبين للمجهول‬

‫ربما كانت النصيحة األكرث شيوعًاً اليت تعلمناها يف الصحافة هي أن نبتعد‬


‫عن صيغة املبين للمجهول؛ ألنها تجعل القارئ يتساءل عن فاعل الفعل يف‬
‫الجملة‪ ،‬ومهمتك بصفتك صحفّيًّاً أن تجيب عن سؤال‪ََ :‬م ْْن؟ ال أن تطرحه‬
‫ً‬
‫تركيبًة‬ ‫على القارئ‪ .‬النصيحة بحد ذاتها جيدة‪ ،‬لكنها يف صحافتنا اتخذت‬
‫«تّم» استريادها من اللغة اإلنجلزيية‪ ،‬هربًاً من صيغة املبين للمجهول الثقيلة‬
‫ّ‬
‫على اللسان العريب أحيانًاً‪ ،‬وأخذًاً بالنصيحة الغامضة بالكتابة بصيغة املبين‬
‫للمعلوم‪.‬‬

‫تظّل قائمة عملّيًّاً؛ فال يزال الفاعل يف الجمل أدناه (تحتها خط)‬
‫ّ‬ ‫لكن املشكلة‬
‫غري معروف‪ ،‬رغم أنها جاءت بصيغة املبين للمعلوم‪:‬‬

‫قال محافظ الخليل جربين البكري إنه على إثر صدور مذكرة إحضار من النيابة العامة‬

‫العتقال نزار خليل دمحم بنات‪ ،‬قامت فجر الخميس قوة من األجهزة األمنية باعتقاله‪،‬‬

‫وخالل ذلك تدهورت حالته الصحية‪ ،‬وفورًاً تم تحويله إىل مشفى الخليل الحكومي‪،‬‬

‫وتم معاينته من قبل األطباء‪ ،‬وتبني أن املذكور متوىف‪ ،‬وعلى الفور تم إبالغ النيابة‬
‫‪31‬‬
‫العامة اليت حرضت وبارشت بإجراءاتها وفق األصول‪( .‬صياغة املصدر)‬

‫ولفهم سبب شعورنا بأن هذه الجمل مبنية للمجهول‪ ،‬علينا أن نمزي بني‬
‫املبين للمجهول نحوّيًّاً‪ ،‬واملبين للمجهول مجازًاً من حيث املعىن‪ .‬وفيما يلي‬
‫سأتحدث عن املبين للمجهول نحوّيًّاً‪.‬‬

‫‪ 31‬من هو نزار بنات؟ وكيف توىف بعد اعتقاله من األمن الفلسطيين؟‪ ،‬الجزيرة نت ‪.2021‬‬

‫‪119‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مىت تقرر املبين للمجهول من املبين للمعلوم؟‬

‫ّ‬
‫تحّل املشكلة اليت يثريها‬ ‫إن تركيبة ّ‬
‫«تّم» اليت يلجأ إليها الصحفيون بإفراط ال‬
‫عادًة الداعون إىل تجنب صيغة املبين للمجهول بدعوى أنها تحذف «فاعل»‬ ‫ً‬

‫الفعل‪ .‬ال بل إن املبين للمجهول هو الخيار األفضل يف كثري من األحيان‪:‬‬

‫يّفي‬
‫وفورًاً ُُنقل إىل مشفى الخليل الحكومي‪ ،‬وعاينه األطباء الذين وجدوا أنه قد ُُتو ‪،‬‬
‫ُ‬
‫وُأبلغت النيابة العامة اليت حرضت‪ ،‬وبارشت إجراءاتها وفق األصول‪.‬‬

‫لالختيار بني املبين للمعلوم واملبين للمجهول عليك أن تجيب عن ثالثة أسئلة‪:‬‬

‫• هل على القارئ أن يعرف ََم ْ‬


‫ْن املسؤول عن األكشن؟‬

‫غالبًاً‪ ،‬ال نذكر ََم ْْن قام بأ كشن ما ألننا ال نعرفه وألن القارئ ال يهتم بمعرفته‪.‬‬

‫• أي صيغة ستساعد القارئ على االنتقال بسالسة من جملة إىل‬


‫أخرى‪ ،‬املبين للمعلوم أم املبين للمجهول؟‬

‫لدى طرح فكرة ما‪ ،‬سيسهل على القارئ وضع سياق قبل إيراد املعلومة‬
‫ّ‬
‫متوّقعة تربك القارئ‪ .‬يف‬ ‫الجديدة‪ .‬الجملة اليت تبدأ بمعلومة جديدة غري‬
‫الفقرة أدناه‪ ،‬تقدم الجملة الثانية معلومات جديدة (باألصفر) قبل أن تورد‬
‫سياقها (تحته خط)‪:‬‬

‫نحّسن التعليم يف املواد العلمية وحدها أم نرفع مستوى كامل املنهاج الدرايس؟‬
‫ّ‬ ‫هل‬

‫إن األهمية اليت نعطيها للقدرة التنافسية يف مجال الصناعة مقابل القيمة اليت نع ّّول‬
‫ً‬
‫فاصًال يف اتخاذ القرار‪.‬‬ ‫عليها يف العلوم اإلنسانية ستكون‬

‫‪120‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫كما تلحظ‪ ،‬جاء «اتخاذ القرار» مبنّيًّاً للمعلوم‪ ،‬لكن الجملة ستكون أسهل يف‬
‫القراءة إذا استخدمنا املبين للمجهول وقدمنا السياق (تحته خط) إىل بداية‬
‫الجملة‪:‬‬

‫نحّسن التعليم يف املواد العلمية وحدها أم نرفع مستوى كامل املنهاج الدرايس؟‬
‫ّ‬ ‫هل‬

‫سُيُبىن القرار استنادًاً إىل األهمية اليت نعطيها للقدرة التنافسية يف مجال الصناعة‬

‫مقابل القيمة اليت نعلقها على العلوم اإلنسانية‪.‬‬

‫• أي صيغة ستقدم للقارئ وجهة نظر أ كرث اتساقًاً‪ ،‬املبين للمعلوم أم‬
‫املبين للمجهول؟‬

‫يف املقطع التايل عن نهاية الحرب العاملية الثانية‪ ،‬يكتب الصحفي تقريره من‬
‫َ‬
‫واستخَد ََم‬ ‫وجهة نظر الحلفاء؛ لذلك جاءت دول الحلفاء بصيغة الفاعل‬
‫ً‬
‫أفعاًال مبنية للمعلوم‪:‬‬

‫بحلول أوائل عام ‪ ،1945‬كان الحلفاء قد هزموا أملانيا أساسًاً‪ .‬وما تال ذلك مل يكن سوى‬

‫ذروة دموية للمعارك؛ فقد اخرتقت القوات األمريكية والفرنسية والربيطانية والروسية‬

‫حدود أملانيا‪ ،‬وقصفتها على مدار الساعة‪ .‬مع ذلك‪ ،‬مل يدمروا أملانيا إىل درجة نزع قدرتها‬

‫على املقاومة‪.‬‬

‫لو أراد الصحفي رشح ما حدث من وجهة نظر أملانيا الستخدم املبين للمجهول‪،‬‬
‫وجعل من أملانيا نائب الفاعل‪:‬‬

‫ُهزمت أساسًاً‪ .‬وما تال ذلك مل يكن سوى ذروة‬


‫بحلول أوائل عام ‪ ،1945‬كانت أملانيا قد ُ‬

‫دّمر أملانيا‬ ‫انُتهكت‪ُ ،‬‬


‫وُقصفت على مدار الساعة‪ .‬مع ذلك‪ ،‬مل ُُت ّ‬ ‫دموية للمعارك‪ .‬فحدودها ُ‬

‫إىل درجة نزع قدرتها على املقاومة‪.‬‬

‫***‬
‫‪121‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫اللغة‬

‫• هل اللغة محددة؟ زاهية؟ برصية؟ سهلة القراءة؟ تروق للحواس؟ للعواطف؟‬

‫• هل اختيار الكلمات واختيار التفاصيل يساعدان القارئ على تخيل مكان القصة‬
‫ومحيطها؟ على فهم الشخصية؟ على التعاطف مع الشخصية الرئيسية؟ على تخيل‬
‫األكشن ومشاهدته بعني العقل؟‬

‫• هل تضيف األلفاظ املقّيّدة الحيوية على نصك؟ هل يتم استخدامها باعتدال؟‬

‫• هل االنتقاالت سلسة؟ واضحة؟ تدفع القارئ إىل األمام؟‬

‫• هل العبارات ّ‬
‫امللّطفة‪ :‬الرطانة واإلطناب‪ ،‬املرتادفات‪ ،‬الكليشيهات‪ ،‬تشوش النرث؟‬

‫• ّ‬
‫تخّلص من اإلسهاب‪ ،‬والحشو‪ ،‬والكتابة املنمقة‪ ،‬والكتابة املذَّيَلة بالحوايش‪.‬‬

‫اكتب بلغة واضحة‪ ،‬وآرسة‪ ،‬وملموسة‬

‫اللغة هي لوح ألوان الكاتب‪ .‬هي مكان إجراء التجارب واختبارها‪ .‬مكان‬
‫كْن ملموسًاً‪ ،‬واضحًاً‪ ،‬آرسًاً‪.‬‬
‫لالستمتاع باللعب بالكلمات‪ .‬لكن ْ‬

‫تتغذى القصص على التفاصيل امللموسة‪ ،‬وليس على اللغة املجَّرَدة فقط‪.‬‬

‫أوضح جورج أورويل املثال الكالسييك للغة اليت تروق الحواس والعواطف‬
‫بالضد من اللغة املعارصة املبهمة‪ ،‬وذلك بإعادة صياغة اآلية ‪ 11‬من اإلصحاح‬
‫‪ 9‬سفر «الجامعة»‪:‬‬

‫َزب‬ ‫َْب لألقِوياِء‪ ،‬وال ُ‬


‫الُخ َ‬ ‫الَّسعَيَ ليس للخفيِف‪ ،‬وال الحْر َ‬ ‫ُت ورَأَ ْْي ُ‬
‫ُت تحت الشمِس‪َ :‬‬
‫أَّن َ‬ ‫ََف ُُع ْْد ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪122‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫والَعَر َُُض يالِقَيَاِنِه ْْم‬


‫َ‬ ‫لَذِوي املعِرفِة‪ََ ،‬أل ََن ُُه ال ََو ُ‬
‫قُت‬ ‫مَة َ‬
‫الِّن ْْع َ‬ ‫للحَك ََماِء‪ ،‬وال الِغىن ُ‬
‫للُفَهَ ََماِء‪ ،‬وال ِ‬ ‫َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫كاَّف ًًة‪.‬‬

‫أما النسخة اليت أعاد صياغتها أورويل يف مقالت ه �‪Politics and the En‬‬
‫‪ ،glish Language‬باملصطلحات الحديثة‪:‬‬

‫َ‬
‫الفشَل يف‬ ‫َ‬
‫النجاَح أو‬ ‫تفرُض استنتاجًاً مفاده َ‬
‫أَّن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫املوضوعيَة للظواهِر املعارصِة‬ ‫َ‬
‫النظرَة‬ ‫َ‬
‫إَّن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَدَىَ األشخاص‪،‬‬ ‫األنشطِة التنافسيِة ال ََيظهران بأّنُّهُ ما متكافئان مع القدراِت الفطريِة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫بْل ينبغي أخُذ عوامل كثرية ال يمكن التنبؤ بها بعِني االعتباِر‪.‬‬‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫أي نسخة تروق القراءة؟ بالتأ كيد نسخة «ِس ْْفر الجامعة»‪.‬‬
‫ِ‬

‫تخلص من الحشو يف نصك‪ .‬كن واضحًاً‪ .‬المس العواطف‪ .‬ارسم صورة‪.‬‬


‫اجعل لكل كلمة قيمة‪.‬‬

‫ُُسَّلَم التجر يد‬

‫«ُس ََّلم التجريد» الذي قال به عام ‪ 1939‬عامل اللغويات األمرييك صموئيل‬
‫إن ُ‬
‫إيشيا هاياكاوا يف كتابه ‪ ،Language in Action‬هو من أعظم االبتكارات‬
‫وُس ََّلم هاياكاوا ُُيستخدم بمئات الطرق للمساعدة على‬
‫يف الكتابة والتفكري‪ُ .‬‬
‫التأمل يف اللغة والتعبري عن املعاين‪ .‬ولتبسيط الفكرة سألجأ إىل مثل مرصي‬
‫الُّس ََّلم»‪.‬‬
‫شارح يقول‪« :‬زي إللي رقصوا على ُ‬

‫فليَكي تكون كاتبًاً جيدًاً‪ ،‬عليك صعود ُُس ََّلم اللغة وهبوطه باستمرار‪ ،‬إياك‬
‫الُّس ََّلم تكون اللغة مجّرّدة كالحرية‬
‫والوقوف يف منتصفه للرقص‪ .‬يف أعلى ُ‬
‫واملعرفة‪ ،‬ويف أسفله تكون اللغة مادية مرتبطة بالحواس كالشجرة والصخرة‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ليس للغة املجردة طعم وال رائحة‪ ،‬وال يمكن قياسها؛ إنها تحتكم إىل العقل‪،‬‬
‫أما اللغة املادية فتحتكم إىل الحواس‪ْ .‬‬
‫أْن تقف يف املنتصف فال «إللي فوق»‬
‫سَري َْْونك‪ ،‬وال «إللي تحت» سيصفقون لك‪ .‬هناك تتوارى اللغة الرتيبة‬
‫نّصًاً وال يستطيع القارئ أن يراه أو‬
‫والروتينية للدوائر الحكومية‪ .‬عندما تكتب ّ‬
‫الُّس ََّلم‪ ،‬ولغتك لغة صحفي خائف مرتبك‪ ،‬غري‬ ‫ٌ‬
‫عالٌق يف منتصف ُ‬ ‫يفهمه‪ ،‬فأنت‬
‫واثق من أدواته ومعلوماته‪.‬‬

‫لتبسيط الفكرة‪ ،‬اقرأ هذا النص من مادة‪ 32‬نرشتها «واشنطن بوست»‬


‫َ‬
‫الُّسَّّلم ويهبطه برشاقة‪.‬‬ ‫للصحفي الريايض‪ ،‬توماس بوزويل‪ .‬ستجد أنه يصعد‬

‫عند منتصف الليل‪ ،‬يأيت عمال التنظيف متسللني تحت األضواء الشبحية ملثلث‬
‫ّ‬
‫بمقّشاتهم اليت تكنس ببطء‪ ،‬وخراطيم املياه املتدفقة‬ ‫مالعب البيسبول الفارغة‪،‬‬

‫املرتاخية‪ .‬طوال املوسم‪ ،‬يزيلون قمامة ال حياة فيها‪ .‬اآلن‪ ،‬مع (نهاية موسم املباريات)‬

‫وتقارص األيام يف سبتمرب وأ كتوبر‪ ،‬يأتون لجمع أرواح البيسبول‪.‬‬

‫ّ‬
‫مقّشته‪.‬‬ ‫الُع ْْمر ز ّبّ ٌ‬
‫اٌل‪ ،‬واإلصابة‬ ‫ُ‬

‫بني مزيج أ كواب الجعة املبعوجة‪ ،‬واألغلفة امللطخة بالخردل املتجهة إىل كومة النفايات‪،‬‬

‫نجد أصدقاء قدامى ُُي َ‬


‫رَسلون إىل سلة مهمالت تاريخ البيسبول‪.‬‬

‫فاملعىن املجرد لـ«قمامة ال حياة فيها» يتجسد يف «أ كواب الجعة املبعوجة»‬


‫ّ‬
‫بمقّشاتهم وخراطيم‬ ‫و«األغلفة امللطخة بالخردل»‪ .‬كما أن عمال التنظيف‬
‫املياه يتحولون إىل حاصدين ألرواح البيسبول‪ .‬ستلحظ أيضًاً يف النص السابق‬
‫أن شخصيات عمال التنظيف تمنح القصة الحيوية؛ فمن دونها يخاطر الكاتب‬
‫بأن تكون كتابته باهتة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪Boswell, Thomas Losing It: Careers Fall Like Autumn Leaves, Washington Post 1980.‬‬

‫‪124‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بصفتك صحفّيًّاً‪ ،‬ال تستهن بالشخصيات مهما بدت لك ضئيلة‪.‬‬

‫ً‬
‫مثاًال آخر‪:‬‬ ‫لنأخذ‬

‫يف هذا النص البديع من مادة‪ 33‬نرشتها «نيويورك تايمز» للصحف ََّينْين مايكل‬
‫بولسن ‪ Michael Paulson‬وكارا باكلي ‪ ،Cara Buckley‬ستجد أنهما‬
‫الُّس ََّلم ويهبطانه برشاقة‪ .‬أحيانًاً حىت العبارة املؤلفة من كلمتني‪،‬‬
‫يصعدان ُ‬
‫كلمة يف األعلى‪ ،‬واألخرى يف األسفل‪ .‬وال وجود حىت لعبارة واحدة يف منتصف‬
‫الُّس ََّلم‪.‬‬
‫ُ‬

‫انتبه إىل هذه الكلمات‪..‬‬

‫الُّس ََّلم (املجردات)‪ :‬شهرة‪ ،‬قوة‪ ،‬سمعة‪ ،‬وضاعة‪ ،‬ذوق‪ ،‬موهبة‪ ،‬الرتويع‪،‬‬
‫أعلى ُ‬
‫ثورات الغضب‪ ،‬اإلساءة‪ ،‬االنتقام‪ ،‬القساوة (معنوّيًّاً)‪ ،‬املعاناة‪ ،‬األمل‪ ،‬يوم‬
‫الحساب‪ ،‬التنمر‪ ،‬اعتذار‪ ،‬شهية‪ ،‬تبعات‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫الُّس ََّلم (املحسوسات)‪ :‬جوائز إيمي وغرامي وأوسكار وتوين‪ ،‬املرؤوسون‪،‬‬


‫أسفل ُ‬
‫اَسات‪ ،‬رشكة تأمني‪ ،‬مرسح‪ ،‬رسطان الثدي‪ ،‬رابطة‬ ‫األكواب‪ ،‬أجهزة الجوال‪َ ،‬‬
‫الَّدَّبَ َ‬
‫(مجّسد)‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫برودواي‪ ،‬األعمال الفنية‪ ،‬سلوك‬

‫ً‬
‫وقوًة يف هوليوود‪ ،‬وبخاصة يف‬ ‫ً‬
‫شهرًة‬ ‫لطاملا كان سكوت رودين أحد أ كرث املنتجني‬

‫برودواي؛ فقد فاز الرجل بجوائز إيمي وغرامي وأوسكار و‪ 17‬جائزة توين‪ ،‬كل ذلك بينما‬
‫ً‬
‫ضاعًة تزدهر يف الوسط الفين باطراد‪.‬‬ ‫كانت ُُسمعته كأحد أ كرث املديرين ََو‬

‫‪33‬‬
‫‪Paulson, Michael and Buckley, Cara Volatile “Vengeful: How Scott Rudin Wielded Power‬‬
‫‪in Show Business”, NYTimes, 2021.‬‬

‫‪125‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫حظي ذوقه وموهبته بالتقدير يف أفالم مثل «‪ ،»The Social Network‬و«‪No‬‬

‫‪ ،»Country for Old Men‬والعروض املرسحية «‪،»To Kill a Mockingbird‬‬

‫و«‪ ،»The Book of Mormon‬و ُُعِر ََف أيضًاً يف عامل الرتفيه برتويعه مرؤوسيه‪ ،‬ورميهم‬
‫ِ‬
‫باألكواب وأجهزة الجوال والدّبّاسات‪ ،‬وكل ما كانت تطاله يده يف ثورات الغضب‪.‬‬

‫ولكن إساءة معاملة املساعدين ليست سوى جزٍء صغري من الطريقة اليت مارس بها‬
‫ٍ‬
‫نفوذه‪.‬‬

‫لديه سمعة انتقامية؛ فبعد نزاع مع وكيل رشكة طريان على سعر تذكرة‪ ،‬قيل إنه ضغط‬

‫على بعض زبائنه لرتكه‪ .‬وهو مولع باملنازعات القضائية؛ فقد رفع دعوى على رشكة‬
‫تأمني للمطالبة بتعويضات هائلة‪ ،‬ملقيًاً مسؤولية إلغاء عرض موسيقي على َ‬
‫َح ْْمل‬

‫املمثلة أودرا مكدونالد‪ .‬وبمقدرته أن يكون قاسيًاً؛ فعندما أبلغته املمثلة ريتا ويلسون‬

‫اليت كانت تؤدي دور البطولة يف إحدى مرسحياته‪ ،‬بأنها مصابة برسطان الثدي‪ ،‬أعرب‬

‫عن أسفه ألن عليها التوقف عن العمل يف أثناء موسم التصويت على جائزة «توين»‬

‫املرموقة للعروض املرسحية‪.‬‬

‫ت ساقه‪ ،‬فعلى اآلخرين معاناة األمل»‪ ،‬قال الكاتب‬ ‫«إنه مثل زعيم املافيا‪ .‬إذا ُُك‬
‫رِسر‬
‫املرسحي آدم راب الذي ألغى سكوت رودين إحدى مرسحياته بطريقة فظة عندما رفض‬

‫قطع العالقة مع وكيل كان يف نزاع معه‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬يبدو أن املنتج ذا الـ‪ 62‬عامًاً يواجه يوم الحساب؛ فقد أثار مقال نرشته مجلة‬
‫ً‬
‫ضجًة بتفصيل تاريخه الطويل يف التنمر على املساعدين‪،‬‬ ‫«هوليوود ريبورتر» هذا الشهر‬

‫ما قاد سكوت رودين إىل إعالن استنكافه عن «املشاركة النشطة» يف مشاريعه يف‬

‫برودواي وهوليوود ومسارح ويست إند بلندن‪ .‬ويف رٍّدّ مكتوب على أسئلة هذا املقال‪،‬‬

‫قال إنه يشعر بـ«عميق األسف» لسلوكه‪ ،‬وكشف أنه سيستقيل من رابطة «برودواي»‬

‫اليت ُُتعىن باملنتجني وماّلا ك املسارح‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وقال‪« :‬أعلم أن االعتذار ليس كافيًاً بأي حال‪ .‬أنا عازم على إيجاد حل ملشكاليت‬

‫جّدًاً»‪.‬‬
‫جّدًاً ومتأخر ّ‬
‫باالستنكاف‪ ،‬وأدرك تمامًاً أن كثريين سيشعرون بأن هذا قليل ّ‬

‫طوال عقود‪َ ،‬‬


‫فَل َ‬
‫َت سكوت رودين إىل حد بعيد من تبعات سلوكه‪ .‬توافد عليه الفنانون‪،‬‬

‫كبريهم وصغريهم‪ ،‬جزئّيًّاً بسبب شهيته لألعمال الفنية الطموحة (اليت غالبًاً كانت‬
‫تحصد الجوائز)‪ .‬كثريون ممن ترضروا من سخطه كانوا يخشون االنتقام ْ‬
‫إْن جاهروا‬

‫بذلك‪.‬‬

‫***‬

‫النربة‪ ،‬األسلوب‪ ،‬الصوت‬

‫• هل اختيار الكلمات والتفاصيل املساعدة‪ /‬الداعمة يضفي ِقوامًاً ‪ Texture‬وج ّّوًًا‬


‫ِ‬
‫ممزيًاً على القصة؟‬

‫• هل النربة متسقة (ساخرة‪ ،‬فكاهية‪ ،‬رسمية‪ ،‬غري رسمية‪ ...‬إلخ)؟ هل هي مناسبة‬


‫للقارئ املقصود؟‬

‫• هل يف «صوت الرسد»‪ Narrative Voice‬قوة إقناع؟ هل يتدفق بسهولة؟ هل‬


‫يأرس خيال القارئ؟‬

‫• هل هناك انتقاالت غري مناسبة يف النربة أو األسلوب أو الصوت؟‬

‫• تحقق من عدم وجود أخطاء يف األسلوب مثل اإلسهاب‪ ،‬والحشو‪ ،‬والكتابة َ‬


‫املنَّمقة‪،‬‬
‫أو املذَّيَلة بالحوايش‪.‬‬

‫وَن ََف ُ‬
‫ُسها‪.‬‬ ‫«النربة» و«األسلوب» و«الصوت» هي قلب الكتابة الجيدة وروحها َ‬

‫‪127‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫اختيار التفاصيل‪ ،‬وانتقاء الكلمات‪ ،‬والوترية واإليقاع‪ ،‬وأسلوب الرسد‪ ،‬كل‬


‫هذه العنارص مجتمعة تتضافر لتضفي ِقوامًاً‪ ،‬وج ّّوًاً‪ ،‬وقوة إقناع‪ ،‬وأصالة‪،‬‬
‫ِ‬
‫على قصتك‪.‬‬

‫فهي تجعل الشخصيات يف قصتك مركبة‪ ،‬وتمنح القارئ اإلشباع العاطفي‪،‬‬


‫وترسم حبكة مقنعة‪ .‬استخدم األسئلة يف هذا القسم بعني عقلك‪.‬‬

‫***‬
‫لفهم «النربة»‪ ،‬و«األسلوب» و«الصوت»‪ ،‬دعنا نتحدث عن مثال نموذجي‬
‫ال يتكرر كثريًاً‪.‬‬

‫يوم األحد ‪ 21‬فرباير ‪/‬شباط‬


‫‪ ،2021‬كان يوم�ا مختلفًاً‬

‫للصفحة الرئيسية لصحيفة‬


‫نيويورك تايمز‪ .‬نقاط سوداء‬
‫مبعرثة تبدأ يف مستطيل‬
‫على طول الصفحة مع مؤرش‬
‫زمين‪ ،‬ثم تزداد كثافة حىت‬
‫تكاد تغطي املساحة باللون‬
‫األسود تمام�ا قرب نهاية‬
‫الصفحة‪ .‬نحو ‪500,000‬‬
‫نقطة‪ .‬وكل نقطة كانت تمثل‬
‫حالة وفاة ناتجة عن فريوس‬
‫كورونا منذ ‪ 29‬فرباير‪ /‬شباط‬
‫‪ ،2020‬وحىت ‪ 3‬فرباير‪/‬‬
‫شباط ‪.2021‬‬

‫‪128‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بدا املستطيل كِم ّ‬


‫سّلة‪ ،‬أو ََم ْْنليٍث‪ ،‬أو شاهد قرب‪ ،‬يخلد أرواح الضحايا‪ .‬ومل يكن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الـ«َم ْْنليث» الضخم؛ فالصحفية جويل بوسمان‬ ‫َ‬ ‫التقرير املرفق بأقل بها ًًء من‬
‫الَف ْْقد‪ ،‬تتجاوز حدود اللغة اليومية‪ ،‬وتحِّرِر‬
‫لغًة هي لغة َ‬ ‫استخدمت أيضًاً ً‬

‫الحقائق املدهشة عن الجائحة من قيود زخرف اللغة‪ ،‬وتجعلها تتحدث عن‬


‫نفسها بنفسها‪.‬‬

‫والَف ْْقد‪ ،‬رقمًاً ال يزال قادرًاً على إثارة الصدمة‪.500,000 :‬‬


‫َ‬ ‫تواجه أمة أنهكها البؤس‬

‫مّرّ عام تقريبًاً منذ أول حالة وفاة معروفة بفريوس كورونا يف الواليات املتحدة‪ ،‬وثمة‬

‫الَغور يقرتب من ََف ْْقِد نصف مليون شخص‪.‬‬


‫ثمن باهظ بعيد َ‬
‫ِ‬

‫مل يشهد أي بلد آخر هذا العدد الضخم من الوفيات يف الجائحة‪ .‬لقد مات أمريكيون‪،‬‬

‫بسبب كوفيد‪ -19‬أ كرث من الذين هلكوا يف ساحات معارك الحرب العاملية األوىل‬

‫والحرب العاملية الثانية وحرب فيتنام مجتمعة‪.‬‬

‫ويأيت اجتياز هذه العتبة يف أوقات يملؤها األمل‪ :‬اإلصابات الجديدة بالفريوس يف‬
‫تراجع حاد‪ ،‬ووترية الوفيات يف تباطؤ‪ ،‬واللقاحات ُُت َ‬
‫وَّزع بخطى متسارعة‪.‬‬

‫لكن هناك مخاوف من سالالت جديدة من الفريوس‪ ،‬وقد يستغرق األمر أشهرًاً قبل‬

‫السيطرة على الجائحة‪.‬‬

‫كل وفاة تركت وراءها أعدادًاً ال ُُتحىص من املفجوعني‪ ،‬سلسلة مصائب رضبت املدن‬

‫والبلدات؛ فكل وفاة تركت وراءها مساحة فارغة يف املجتمعات املحلية عرب أمريكا‪:‬‬

‫كريس يف البار حيث كان يجلس فيه زبون دائمًاً‪ ،‬طرف رسير مل ينم فيه صاحبه‪ ،‬مطبخ‬

‫فارغ من دون طاهيه‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫األحياء يجدون أنفسهم يف مساحات فارغة كان يشغلها أزواجهم‪ ،‬آباؤهم‪ ،‬جريانهم‪،‬‬

‫أصدقاؤهم؛ ما يقارب ‪ 500,000‬شخص فقدوا حياتهم‪ ،‬بسبب فريوس كورونا‪.‬‬

‫‪« ...‬يشعر الناس بفراغ نفيس وروحي»‪ ،‬قال بادي لينش‪ ،‬املسؤول عن الجنازات يف‬

‫ميشيغان‪ ،‬ويعمل مع العائالت اليت فقدت أقاربها بسبب فريوس كورونا‪.‬‬

‫جز ٌٌء من هذا الفراغ‪ ،‬أضاف‪ ،‬يأيت من غياب طقوس العزاء؛ تلك الحاجة إىل املواساة‬

‫بعد الوفاة‪.‬‬

‫***‬

‫لنقرأ هذا التعليق‪:34‬‬

‫والَف ْْقد‪ ،‬رقمًاً ال يزال قادرًاً على إثارة الصدمة‪.»500,000 :‬‬


‫َ‬ ‫«تواجه أمة أنهكها البؤس‬

‫كثريًاً ما يتجاهل الصحفيون األرقام بوصفها عنارص مهمة يف األخبار والرسد‪.‬‬


‫ولكن‪ ،‬يف هذا النص الذي أمامك‪ ،‬تجد أن الرقم ‪ 500,000‬يشغل مكانًاً‬

‫بارزًاً يف نهاية الجملة‪ /‬الفقرة األوىل‪ ،‬وهو موضع ال يستطيع أي قارئ تجاهله‪.‬‬

‫«مر عام تقريبًاً منذ أول حالة وفاة معروفة بفريوس كورونا يف الواليات املتحدة‪ ،‬وثمة‬

‫الَغور يقرتب من ََف ْْقِد نصف مليون شخص»‪.‬‬


‫ثمن باهظ بعيد َ‬
‫ِ‬

‫يف نهاية الفقرة الثانية‪ ،‬يتكرر الرقم‪ ،‬ولكن هذه املرة مع إضافة عنرص إنساين‪:‬‬
‫«َف ْْقِد نصف مليون شخص»‪ .‬حقًاً‪ ،‬تتكرر كلمة «فقد» يف الفقرة األوىل ثم‬ ‫َ‬
‫ِ‬

‫‪34‬‬
‫‪Clark, Roy Peter “Tell It Like It Is: A Guide to Clear and Honest Writing”, 2023.‬‬

‫‪130‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الثانية‪ ،‬وفيما بعد يف فقرات أخرى‪ ،‬ويف كل مرة بطريقة مختلفة مبتكرة‪،‬‬
‫وكلها تجيب عن السؤال الذي طرحناه يف بداية هذا املسار‪ :‬بكلمة واحدة‪ّ ،‬‬
‫عّم‬
‫تتحدث قصتك؟ تتحدث القصة عن «الفقد»‪.‬‬

‫تكتسب القصة زخمًاً يف الفقرات اليت تلي‪:‬‬

‫«كل وفاة تركت وراءها أعدادًاً ال ُُتحىص من املفجوعني‪ .‬سلسلة مصائب رضبت املدن‬

‫والبلدات»‪.‬‬

‫«كل وفاة تركت وراءها مساحة فارغة يف املجتمعات املحلية عرب أمريكا‪ :‬كريس يف البار‬

‫حيث كان يجلس فيه زبون دائمًاً‪ ،‬طرف رسير مل ينم فيه صاحبه‪ ،‬مطبخ فارغ من دون‬

‫طاهيه»‪.‬‬

‫«األحياء يجدون أنفسهم يف مساحات فارغة كان يشغلها أزواجهم‪ ،‬آباؤهم‪ ،‬جريانهم‪،‬‬

‫أصدقاؤهم؛ ما يقارب ‪ 500,000‬شخص فقدوا حياتهم‪ ،‬بسبب فريوس كورونا»‪.‬‬

‫انظر إىل اللغة املستخدمة‪ :‬وفاة‪ ،‬مساحات فارغة‪ ،‬كان يجلس فيه‪ ،‬مل ينم فيه‪،‬‬
‫من دون‪ ...‬تستمر القصة باستخدام هذه اللغة على نحو أعمق فأعمق‪.‬‬

‫تقوم الكاتبة بالطريان افرتاضّيًّاً‪ ،‬وتنظر إىل األمة من األعلى‪ ،‬ثم تهبط هنا‪،‬‬
‫وهناك‪ ،‬لتجد الفقد العميق الذي يعانيه الناجون من املوت‪ ،‬وتؤنسن بعض‬
‫املتوفني؛ خالقة تلك اللحظة اليت نشعر فيها بمعاناة اآلخرين بغض النظر ََم ْْن‬
‫هم وأين هم‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫قبيل نهاية القصة‪ ،‬تورد بوسمان اقتباسًاً عن مسؤول الجنازات‪ ،‬وهو أيضًاً‬

‫يستخدم اللغة ذاتها لوصف ما يمر به الناس يف الجائحة‪:‬‬

‫«يشعر الناس بفراغ نفيس وروحي»‪ ،‬قال بادي لينش‪ ،‬املسؤول عن الجنازات يف‬

‫ميشيغان‪ ،‬ويعمل مع العائالت اليت فقدت أقاربها بسبب فريوس كورونا‪.‬‬

‫جز ٌٌء من هذا الفراغ‪ ،‬أضاف‪ ،‬يأيت من غياب شعائر العزاء؛ تلك الحاجة إىل املواساة بعد‬

‫الوفاة»‪.‬‬

‫انظر إىل اللغة؛ إنها أشبه ما تكون بـ«تكبريات» صالة الجنازة‪ ،‬أو بجرس كنيسة‬
‫يدق‪ :‬الفراغ‪ ،‬الفقدان‪ ،‬غياب‪ ،‬الحاجة‪ ،‬املواساة‪ ،‬الوفاة‪.‬‬

‫يف هذه القصة على األقل‪ ،‬مل تكن صحيفة «نيويورك تايمز» تقدم مجرد‬
‫معلومات للقارئ‪ .‬كان هنالك ما يتجاوز ذلك‪ّ .‬‬
‫لعّلها كانت تستلهم نظرية‬
‫الباحث والصحفي جيمس كاري يف كتابه ‪،Communication as Culture‬‬
‫يف أن دور اإلعالم ليس فقط نقل املعلومات؛ بل هو أيضًاً بناء الرموز داخل‬
‫ثقافة املجتمع بمساعدة الناس على فهم عاملهم‪ ،‬وإقامة األوارص االجتماعية‬
‫وتعزيزها‪ ،‬واملشاركة يف املمارسات الثقافية ملجتمع معني‪.‬‬

‫كاري كان يرى أن لألخبار وظيفة «شعائرية» بجمع الناس معًاً بعد الفوز يف‬
‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬أو إبان األوبئة‪ ،‬أو الحداد‪.‬‬ ‫مباراة‬

‫‪132‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫سياق‬

‫طوال تاريخنا منذ الزمن األول عندما كنا نتجمع حول النريان لتبادل القصص‪ ،‬إىل يومنا‬

‫هذا حيث نشاهد لساعات مسلسالت نتفليكس‪ ،‬كان البرش منتجني ومستهلكني‬

‫مدمنني للقصص‪.‬‬

‫ً‬
‫آليًة لنرش املعرفة من خالل بث‬ ‫ونظرًاً النتشار القصص يف كل مكان‪ ،‬فهي تعمل‬

‫األعراف االجتماعية لتنسيق السلوك االجتماعي‪ ،‬وهذا ما توصلت إليه دراسة‬


‫‪35‬‬

‫ُُنرشت يف ‪ .Nature Communications‬فرواة القصص مثل األنبياء‪ ،‬ولكن على‬

‫نطاق ضيق‪ .‬وجدت الدراسة أن املجتمع ال يكائف رواة القصص املهرة بمكانة اجتماعية‬

‫عالية فحسب‪ ،‬بل يحظون بمكانة مفضلة لدى الجنس اآلخر أيضًاً‪.‬‬

‫أ ّّدت بوسمان يف قصتها دور رجال الدين‪ ،‬والكهنة‪ ،‬والحاخامات‪ ،‬والشعراء‪،‬‬


‫والخطباء‪ ،‬واملعّزّ ين؛ فهي مل تكتب تقريرًاً فقط‪ ،‬ولكن أيضًاً تعزية ومواساة؛‬
‫رؤية مشرتكة لإلنسانية‪.‬‬

‫بوصفنا برشًاً‪ ،‬نحن ننجذب إىل الشعائر‪ .‬نحتاج إليها ألنها توايس‪ ،‬وتعرب عن‬
‫قيمنا املشرتكة‪ ،‬وتبين مجتمعًاً يمكن الركون إليه‪.‬‬

‫يف ظل «التباعد االجتماعي»‪ ،‬جاءت قصة بوسمان لتجمع الناس معًاً للقيام‬
‫بشعائر دفن تليق بآالف الضحايا الذين فقدوا حياتهم يف الجائحة‪ ،‬بشاهد‬
‫قرب على طول الصفحة‪.‬‬

‫***‬
‫‪35‬‬
‫‪Cooperation and the evolution of hunter-gatherer storytelling, Nature Communications,‬‬
‫‪2017‬‬

‫‪133‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الحوار الجيد‬

‫• هل يكشف الحوار عن الشخصية؟ ينقل معلومات؟ يمِّهِ د ملا سيأيت تاليًاً؟‬

‫• هل ينطوي على معىن ضمين أو مجازي؟ إشارات فطنة؟ ظالل معاٍن؟ بمعىن آخر‪:‬‬
‫ٍ‬
‫هل يخدم الحوار أ كرث من هدف؟‬

‫• هل الحوار دقيق أ كرث من الالزم؟ فالشخصيات املثرية لالهتمام‪ ،‬كحال الناس جميعًاً‪،‬‬
‫تكذب وتتهرب وتيسء الفهم‪ ،‬وذكرياتها انتقائية وتختئب وراء الكلمات‪ ،‬وتقول شيئًاً‬

‫وتعين شيئًاً آخر‪.‬‬

‫• هل تتحدث الشخصيات بواقعية‪ ،‬تقاطع بعضها بعضًاً‪ ،‬وتتحدث لغايات متقاطعة‪،‬‬

‫وتكرر الكلمات املفتاحية‪ ،‬وتقول أنصاف الجمل‪ ...‬إلخ؟ هل يبدو الحوار طبيعّيًّاً؟‬

‫وتحادثّيًّاً؟‬

‫• هل لدى الشخصيات انتقاالت غري مناسبة يف طريقة الحديث؟‬

‫• هل يمكن إحكام الحوار؟ جعله أ كرث فعالية؟ أ كرث إثارة لالهتمام؟‬

‫• هل من املمتع قراءته؟‬

‫نحن البرش يأرسنا اآلخرون عندما يكشفون عن مكنوناتهم الداخلية‪ .‬هذه هي‬
‫وظيفتنا بوصفنا رواة للقصة‪ :‬أن نأرس القارئ‪.‬‬

‫ووجود حوار واقتباسات هو املفتاح لذلك‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫يشّخصان‪ ،‬ويظهران‬ ‫الحوار واالقتباس الجيدان يضطلعان بأ كرث من أمر‪ :‬فهما‬
‫ّ‬
‫الشّد والتوتر‪ ،‬وينقالن املعلومات يف القصة‪ ،‬ويحددان‬ ‫الرصاع‪ ،‬ويخلقان‬
‫خلفياتها‪ ،‬ويدفعان بالحبكة والشخصيات إىل األمام داخل الزمان واملكان‪.‬‬

‫استخدم األسئلة يف هذا القسم لتنمية سمعك للحوار الجيد‪.‬‬

‫***‬

‫ثّمة «تقارير» ََتستخِدم‪،‬‬


‫يف الصحافة العربية ال توجد كثري من القصص‪ ،‬بل ّ‬
‫ِ‬
‫بعَض أدوات الرسد‪ .‬وإن وجدت القصص‪ ،‬فإنها ستخلو على‬ ‫على ندرتها‪َ ،‬‬

‫األغلب من الحوارات‪ .‬ارتبطت الحوارات يف مخيلتنا بالروايات؛ بـ«االختالق»‪،‬‬


‫وليس بالصحافة اليت «تورد الحقائق»‪.‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬تجد أن هذه األداة تكتسب شعبية بني الناس‪ ،‬على األقل لدى‬
‫بعض أولئك الذين ينقلون مشاهد من حياتهم على السوشال ميديا‪.‬‬

‫الحوار الجيد يستطيع أن يجّرّ القصة وراءه؛ فهو ُُيدخل القارئ إىل داخل‬
‫املشهد‪ ،‬ويجعله يرتقب ما سيحدث تاليًاً‪.‬‬

‫يف أثناء القراءة‪ ،‬قد تقفز من فقرة إىل أخرى‪ ،‬وال سيما إذا كانت فقرة ما‬
‫مزدحمة‪ ،‬ليس بها مساحات بيضاء كافية للتنفس‪ .‬لكن نادرًاً ما يستطيع‬
‫القارئ تجاهل الحوار الجيد‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫انظر إىل هذا الحوار‪:‬‬

‫كانت والدة «شاينا» قد وصلت إىل املزنل‪ ،‬عندما عادت يف عرص ذلك اليوم‪.‬‬

‫«كيف كان يومك يف العمل؟» قالت شاينا وهي تتجه نحو غرفتها‪ ،‬وحقيبة من ماركة‬
‫ّ‬
‫متدّلية من ذراعها‪.‬‬ ‫«مارشالز» تتأرجح‬

‫«يف الواقع‪ ،‬مل يكن يومًاً سيئًاً تمامًاً» قالت والدة شاينا؛ كايث يونغ (‪ 47‬عامًاً)‪« .‬ما الذي‬

‫تحملينه؟»‪.‬‬

‫كانت شاينا قد ّ‬
‫حّدثت والدتها عن دروس اإلتيكيت‪ ،‬وكيف أنها تتعلم العناية ببرشة‬

‫وجهها‪ ،‬والجلوس على نحو صحيح‪ ،‬ولكنها مل ترغب يف أن تفسد مفاجأة الفستان‪.‬‬

‫«َسَرَت� َ ْْين‪ »،‬قالت شاينا‪.‬‬


‫َ‬

‫أمضت شاينا بضع دقائق يف غرفتها بعد أن أغلقت الباب‪ ،‬ثم خرجت مرة أخرى‪.‬‬

‫«هل أعجبك؟» سألت‪ ،‬وهي تدور حول نفسها على طول املمر الضيق‪ .‬القوس‬

‫معوّجًاً‪ ،‬وكانت ترتنح يف حذائها العايل‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الذهيب على ظهرها كان‬

‫كانت والدة شاينا تجلس على األريكة وظهرها باتجاه ابنتها‪ .‬عندما التفتت ورأتها‪،‬‬
‫ً‬
‫باكيًة‪.‬‬ ‫لهثت‪ .‬ثم انهارت‬

‫«يا إلهي‪ ،‬يا ابنيت! يا إلهي‪ ،‬لقد اقشعّرّ بدين»‪.‬‬

‫«يا لجمالك!» قالت والدة شاينا‪« .‬لقد كربت»‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«آمل أن أتمكن من الحضور‪ ،‬وأن أراك هناك يف حفل الغداء» قالت‪ ،‬وهي تمسح‬

‫دموعها‪.‬‬

‫مل تحرض والدة شاينا ّ‬


‫قّط مناسبات املدرسة‪ ،‬ومل تشارك يف أي حفل غداء مدريس من‬

‫قبل‪.‬‬

‫يف هذا الحوار‪ ،‬على بساطته‪ ،‬ينتقل قارئ قصة‪ 36‬الصحفية لني ديغريغوري‪،‬‬
‫إىل مزنل شاينا‪ ،‬ويرى بأم عينيه ردة فعل والدتها‪ ،‬وهي ترى ابنتها اليت تمر‬
‫بصعوبات جمة يف التكيف مع الحياة‪ ،‬قد صارت أ كرث نضجًاً بفضل مدرسة‬
‫قررت إخضاع الفتيات اللوايت يعانني صعوبات التعلم إىل مسار يف اإلتيكيت‪.‬‬

‫ليسهل عليك استخدم الحوار يف قصتك القادمة‪ ،‬اعلم أن الحوارات يف‬


‫القصص الصحفية ال تقود األكشن‪ ،‬إنما ترشحه‪ ،‬تلقي عليه الضوء‪ ،‬وتضعه‬
‫يف سياق‪.‬‬

‫فالحوار مثل «االقتباس»‪:‬‬

‫• يقدم صوتًاً آدمّيًّاً يف القصة‪.‬‬

‫• يفرس شيئًاً عن األمر الذي تتحدث عنه القصة‪.‬‬

‫• يضع إطارًاً للمشكلة أو املعضلة املطروحة‪.‬‬

‫• يضيف معلومات‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪Degregory, Lane The Swan Project, Tampa Bay 2010.‬‬

‫‪137‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫• يكشف شخصية املتحدث‪.‬‬

‫• وقد يمِّهِ د ملا سيأيت تاليًاً يف القصة‪.‬‬

‫لكنه يختلف عن االقتباسات يف أن‪:‬‬

‫االقتباس يقدم معلومات ورشحًاً‪ ،‬بينما الحوار يضفي عمقًاً على القصة‪.‬‬
‫االقتباس هو ما يسمعه الصحفي قاصدًاً وبعلم املتحدث‪ ،‬الحوار قد يسمعه‬
‫الصحفي ََعَرَضًاً‪ ،‬وربما من دون علم املتحدثني‪ .‬الحوار يحمل القارئ إىل داخل‬
‫املشهد ليصبح جزءًاً منه‪ ،‬يسمع ويرى بعني عقله‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬يستطيع الصحفي استخدام الحوارات إىل جانب االقتباسات إلحداث‬


‫تأثريات مختلفة داخل قصته‪.‬‬

‫«الحوار» يعيدنا مجددًاً إىل فكرة الشخصية‪.‬‬

‫الشخصية يف «القصة» و«التقر ير»‬

‫ثمة ثقافة سائدة بأن يخفي الصحفي شخصيته لدى كتابة «قصة» صحفية‪،‬‬
‫لكن قبل الحديث عن ذلك أريد التميزي بتفصيل أ كرب بني «القصة» و«التقرير»‪.‬‬

‫ُُيستخدم تعبري «القصة» بمزيج من السحر والغموض لدى الحديث عن‬


‫ُ‬
‫رواُة قصص‪،‬‬ ‫التقرير الخربي؛ فالصحفيون ينظرون إىل أنفسهم على أنهم‬
‫وهم ليسوا كذلك يف كثري من األحيان‪ .‬فمعظم ما ينرشونه تقارير‪ ،‬وليس‬
‫ً‬
‫«قصصًاً» كما تسمى خطًأ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫مهّم ملا يتوقعه القارئ ولألسلوب‬ ‫إن التميزي بني «التقرير» و«القصة» أمٌر ٌ‬
‫الذي يكتب به الصحفي‪.‬‬

‫وإليك الفرق‪:‬‬

‫القراء يقرؤون ألحد سببني؛ فُهُ ْْم إما يريدون الحصول على معلوما ت �‪Infor‬‬
‫‪ ،mation‬أو يريدون التعّرّض لتجربة ‪.Experience‬‬

‫وهنا الفرق‪ :‬التقارير توصل املعلومات‪ ،‬والقصص تخلق التجربة‪.‬‬

‫ً‬
‫عابرًة الزمان واملكان‪.‬‬ ‫التقارير تنقل املعرفة‪ ،‬والقصص تنقل القارئ نفسه‪،‬‬

‫التقارير ّ‬
‫تدّلنا على الحدث‪ ،‬بينما القصص تضعنا داخل الحدث‪.‬‬

‫التقر ير‪ :‬يجتمع أعضاء املجلس البلدي اليوم ملناقشة خطة جديدة لتوزيع‬
‫أجهزة التنفس على مستشفيات املدينة‪.‬‬

‫القصة‪ :‬وقف إحسان أحمد أمام مبىن املجلس البلدي والدموع تتساقط‬
‫من عينيه‪ ،‬رافعًاً صورة والدته احتجاجًاً على وفاتها أمس نتيجة نقص حاد يف‬
‫أجهزة األوكسجني‪.‬‬

‫ما الذي حدث هنا؟‬

‫يف كلتا الحالتني‪ ،‬يلجأ الصحفي إىل جمع املعلومات عن طريق األسئلة الستة‬
‫(َم ْْن وماذا وأين ومىت وملاذا وكيف) وإيصالها إىل القراء‪.‬‬
‫املعروفة َ‬

‫‪139‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف التقارير تكون اإلجابات عن هذه األسئلة بمعلومات ثابتة‪ ،‬جامدة‪.‬‬

‫فَم ْْن‪ ،‬يصبح شخصية‬ ‫ّ‬


‫فيبّث الرسد الحياة يف هذه املعلومات‪َ .‬‬ ‫أما يف القصة‪،‬‬
‫يف القصة‪ .‬وماذا‪ ،‬يصبح األكشن يف القصة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫طبيعة املوضوع املتناول تفرض ما إذا كان تقريرًاً‪ ،‬أو قصة‪ ،‬أو مزيجًاً بني االثنني‬
‫باستخدام تقنيات الرسد يف إيصال املعلومة الجامدة‪.‬‬

‫األول ُُيسمى صحافة «قال وأضاف»‪ ،‬وهو السائد من دون منازع يف‬
‫الصحافة العربية‪ ،‬والثاين كثريًاً ما ُُيستخدم يف الرسد الصحفي يف الفيترشات‪،‬‬
‫أما الثالث فهو األقرب إّيلّ؛ ألن الكاتب يستطيع مخاطبة القلب والعقل معًاً‪،‬‬
‫قادرًاً على خلق التعاطف وإفهام القارئ يف آن واحد‪.‬‬

‫ً‬
‫ممًال ما دام ليس قصة‪ ،‬كما ال يعين أن‬ ‫هذا ال يعين بأي حال أن يكون التقرير‬
‫تكون القصص ممتعة ملجرد كونها كذلك‪.‬‬

‫لنأخذ هذا املثال‪ 37‬من «نيويورك تايمز» عن رسطان «هودجكني»‪:‬‬

‫حّل عندما بدأت املرأة ذات الـ ‪ 41‬عامًاً رحلتها الطويلة من شقة والدها‬
‫كان الظالم قد ّ‬

‫يف واشنطن إىل مزنلها يف ويستشسرت‪ .‬كانت ت ّّواقة للعودة إىل زوجها وأطفالها الثالثة‪.‬‬
‫ُ‬
‫عند نقطة ما‪ ،‬بعد أن عربت الحدود إىل والية مريالند‪ُ ،‬أصيبت بحكة شديدة يف كامل‬

‫جسدها‪ .‬قبل بضعة أسابيع شعرت بحكة خفيفة‪ ،‬لكنها عزت األمر إىل جفاف برشتها‬

‫اليت أصبحت فاتحة بعد أن كانت داكنة‪ ،‬بسبب شمس الصيف‪ .‬لكن الحكة هذه‬

‫املرة بدت مختلفة تمامًاً؛ فهي أقوى وأعمق‪ ،‬ويف كل مكان من جسدها‪ ،‬وكل ذلك يف‬

‫وقت واحد‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪Sanders, Lisa “Nothing Could Make Her Body Stop Itching. Would It Ever End?” NY-‬‬
‫‪Times, 2021.‬‬

‫‪140‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف هذه املادة تمزج الكاتبة لزيا ساندرز‪ ،‬وهي باألصل طبيبة‪ ،‬تقنيات القصة‬
‫والتقرير إليصال معلومات طبية جامدة بطريقة بديعة‪ .‬والعنارص كلها يف‬
‫رسدها تدفع القارئ لالنتقال من فقرة إىل أخرى‪ ،‬من دون أن يشعر بذلك‪.‬‬

‫أصًال عند بناء الجملة‪ ،‬ال اسمًاً‬


‫ً‬ ‫لكن ماذا لو كانت الشخصيات غري موجودة‬
‫ظاهرًاً وال حرفًاً وال ضمريًاً مسترتًاً؟‬

‫كيف تعيد بناء الشخصيات املفقودة؟‬

‫يصدف أحيانًاً أن هنالك معلومة ترد يف النص ليس بها شخصية تؤ ّّدي دور‬
‫الفاعل‪ ،‬كما هو الحال مع هذه الجملة اليت أوردتها ت ّّوًاً‪:‬‬

‫يصدف أحيانًاً أن هنالك معلومة ترد يف النص ليس بها شخصية ّ‬


‫تؤّدي دور الفاعل‪.‬‬

‫فالشخصية اليت تورد املعلومة يف النص غري معروفة‪ .‬قد يكون املقصود كاتب‬
‫هذه السطور‪ ،‬أو قد يكون أنت‪ ،‬أو ربما أي صحفي أو كاتب آخر‪ .‬ونلجأ إىل‬
‫هذه الطريقة لدى إيراد معلومات عامة‪.‬‬

‫لكن عندما تكون املعلومات مجردة معقدة‪ ،‬كما يف املثال أدناه‪ ،‬فقد نحتاج إىل‬
‫اختالق شخصية لجعل املعلومات سهلة الهضم لدى القارئ‪.‬‬

‫األوراَق املالية والسندات‪ُ .‬‬


‫وُتطبق‬ ‫َ‬ ‫تشمل املمتلكات غري امللموسة الخاضعة للرضيبة‬

‫الرضيبة على هذه األصول ملرة واحدة‪ ،‬وقدرها ‪ 2%‬من قيمتها‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫التعديل‪:‬‬

‫يتعني عليك دفع رضيبة على ممتلكاتك غري امللموسة‪ ،‬بما يف ذلك أوراقك املالية‬

‫وسنداتك‪ .‬وستدفع على هذه املمتلكات رضيبة ملرة واحدة قدرها ‪ 2%‬من قيمتها‪.‬‬

‫ً‬
‫مثًال‪« :‬يتعني‬ ‫يمكنك أيضًاً استبدال الضمري «ــــــك»‪ ،‬بشخصية أ كرث وضوحًاً؛‬
‫على دافعي الرضائب‪.»..‬‬

‫تحدثنا حىت اآلن عن الشخصيات‪ ،‬وكأنها يجب أن تكون شخصيات حية من‬
‫لحم ودم‪ ،‬لكن األمر ليس كذلك دائمًاً‪.‬‬

‫الشخصيات املجردة‬

‫لننظر يف هذا املثال‪:‬‬

‫يمكن لألفراد الذين يعانون مشكالت يف الصحة العقلية أن يصبحوا خطرين على‬

‫الناس‪ .‬من املهم التعامل مع هذا األمر بمجموعة متنوعة من اإلسرتاتيجيات‪ ،‬بما يف‬

‫ذلك مساعدة املرىض‪ ،‬وإنفاذ القانون إن تطلب ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫تستخدَم املجّرّدات بوصفها شخصيات يف الجملة‪،‬‬ ‫كما تلحظ يف املثال‪ْ ،‬‬
‫أْن‬
‫فإنك تخلق مشكلة لدى القارئ‪ .‬بعض املجردات يمكن فهمها واستيعابها؛‬
‫ألنها واضحة بما فيه الكفاية؛ مثل «أشارت املصادر» أو «قالت دراسة»‪ .‬ولكن‬
‫عندما تكون الفقرة بأ كملها قائمة على املجردات من دون سبب‪ ،‬سيحتاج‬
‫القارئ إىل الرتكزي‪ ،‬وقد يشعر بأن كتابتك معقدة وصعبة الفهم‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫إليك التعديل‪:‬‬

‫قد يصبح األشخاص املصابون بأمراض عقلية خطرين على الناس‪ .‬عند ذلك ينبغي لنا‬

‫استشارة الطبيب املختص‪ ،‬أو إبالغ الرشطة عند الرضورة‪.‬‬

‫وال يقترص هذا األمر على لغة دون أخرى؛ فأدمغتنا نحن البرش هي ذاتها بغض‬
‫النظر عن اختالف اللغات‪.‬‬

‫نّصًاً كتبه توماس هرني هكسلي الذي كان طبيبًاً من القرن التاسع‬
‫لنأخذ ّ‬
‫عرش‪ ،‬و ُُينسب إليه الفضل يف نرش أفكار داروين واألفكار العلمية األخرى شعبّيًّاً‬

‫يف عرصه‪ .‬وهذه الفقرة االفتتاحية ملقاله الشهري «منهج البحث العلمي»‪:‬‬

‫إن منهجية البحث العلمي ليست سوى تعبري عن الطريقة الرضورية لعمل العقل‬
‫البرشي‪ .‬إنها ببساطة الطريقة اليت ُُت ْْدَرَس بها الظواهر جميعها‪ُ ،‬‬
‫وُتعالج بعناية ودقة‪.‬‬

‫لَعاِلم‪ ،‬وتلك اليت يجريها الشخص العادي‪،‬‬ ‫وليس ثمة فرق بني العمليات العقلية َ‬
‫ِ‬
‫بقدر وجود فرق بني العمليات اليت يجريها الخّبّاز أو الجزار بوزن بضاعته باستخدام‬
‫ّ‬
‫ومعّقد عن طريق‬ ‫مقاييس عادية والعمليات اليت يجريها الكيميايئ يف تحليل صعب‬

‫مزيانه واستخراج األوزان املتدرجة بدقة‪ .‬ذلك ال يعين أن استخدام املقاييس يف الحالة‬

‫األوىل واملزيان يف الحالة الثانية يختلفان يف مبادئ بنائهما أو طريقة عملهما‪ ،‬ولكن‬

‫شعاع أحدهما يتم ضبطه على محور أدق بكثري مقارنة باآلخر‪ ،‬وبطبيعة الحال يتغري‬

‫بإضافة وزن أصغر بكثري‪.‬‬

‫إن مقالة هكسلي هذه كانت ال تزال ُُتدّرّس نموذجًاً يف بعض الكتب املدرسية‬
‫ملّطفة‪ ،‬نموذجًاً على‬
‫ّ‬ ‫اإلنجلزيية حىت عهد قريب‪ ،‬رغم أنها ليست‪ ،‬بعبارة‬
‫الوضوح‪ ،‬ومن املؤكد أنها ليست ممتعة للقراءة‪ .‬لنلِق نظرة كيف صاغ كاتب‬
‫ِ‬

‫‪143‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫آخر املعلومات ذاتها بطريقة مختلفة‪:‬‬

‫البحث العلمي طريقة دقيقة‪ ،‬ال بل مألوفة‪ ،‬يف فحص املعلومات‪ .‬فالخّبّاز أو الجّزّار‬
‫تحليًال صعبًاً‬
‫ً‬ ‫يزن بضاعته بطريقة التفكري ذاتها اليت يستخدمها الكيميايئ الذي يجري‬

‫ومعّقدًاً باستخدام أوزان متدرجة بدقة‪.‬‬


‫ّ‬

‫شخصية الصحفي‬

‫بالعودة إىل شخصية الصحفي‪ ،‬فإن النصيحة الدائمة هي أن يتجنب الحديث‬


‫عن تفكريه أو عن القارئ‪ ،‬ويشار إىل ذلك أ كاديمّيًّاً باالسم املفزع «امليتا‪-‬خطاب»‬
‫‪ .Metadiscourse‬وإليك أمثلة عن ذلك‪:‬‬

‫• اإلشارة إىل تفكري الصحفي‪ :‬سأرشح أو سنرشح‪ ،‬سأناقش‪ ،‬وأضيف أن‪ ،..‬كما‬
‫ذكرُت آنفًاً‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ُ‬

‫فِّكر يف‪ ،..‬انظر إىل‪ ،..‬وإليك‪ ،..‬تذّكّر‪ ..‬أريدك اآلن أن‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫• اإلشارة إىل القارئ‪ِ :‬‬

‫أوًال‪ ،‬ثانيًاً‪ ،‬بالعودة إىل‪ ،‬ومن ََث ّّم‪ ...‬إلخ‪.‬‬


‫• اإلشارة إىل الكتابة‪ً :‬‬

‫علمًاً بأن «اإلشارة إىل الكتابة» ليس حولها جدل‪ ،‬لكنها تندرج ضمن «امليتا‪-‬‬
‫خطاب»‪.‬‬

‫املشكلة تكمن يف أن كثريًاً من الصحفيني‪ ،‬بنا ًًء على نصيحة باتت من تقاليد‬
‫الكتابة الصحفية‪ ،‬يتجنبون اإلشارة إىل تفكريهم‪ ،‬أو إىل أنفسهم‪ ،‬ويلجؤون‬
‫ً‬
‫بدًال من ذلك إىل صيغة املجهول (و ُُيذكر أن‪ ،‬و ُُيعد‪ ،‬ويقال‪ ..‬إلخ) لتبدو كتابتهم‬

‫‪144‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫موضوعية ومحايدة‪ .‬إال أن القارئ لديه ما يكفي من الذكاء ليعرف أن شخصًاً‬

‫من لحم ودم يقف وراء النص‪.‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬جاءت النصيحة‪ ،‬ليس ألن إشارة الصحفي إىل نفسه بها خطأ‪،‬‬
‫ً‬
‫عادًة فريسة الحشو باإلشارة إىل نفسه أو‬ ‫بل ألن الصحفي غري املتمرس يقع‬
‫تفكريه بمناسبة‪ ،‬ومن دون مناسبة‪.‬‬

‫أما الصحفي املتمرس الذي يشارك بشخصيته يف القصة وينخرط فيها‪ ،‬فإنه‬
‫يضفي ُُبعدًاً جديدًاً عليها‪ .‬وإليك هذا املقطع الذي جاء يف نهاية قصة «أحمد‬
‫ماركزي أربريي»‪:‬‬

‫يف ‪ 23‬فرباير‪/‬شباط ‪ ،2020‬أعِدم شاب خرج للجري يف مقاطعة «جلني» بوالية‬


‫ِ‬
‫جورجيا‪.‬‬

‫كان اسمه أحمد ماركزي أربريي‪ ،‬كان ُُيدعى «كويز» من قبل محبيه‪ ،‬و«مود» من‬

‫قبل معظم الناس اآلخرين‪ .‬وأريدك أن تعرف أن «مود» كانت لديه موهبة يف ترك‬

‫االنطباعات الجيدة‪ ،‬ولديه موهبة خاصة يف تقليد «مارتن لورانس»‪ .‬إن «مود» كان‬
‫«الَف ْْدج» من والدته يف حفالت أعياد امليالد‪ ،‬وغالبًاً‬
‫َ‬ ‫مولعًاً بالحلويات‪ ،‬وكان يطلب كعكة‬

‫كان يشارك الكعكة مع أخته الكربى‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» كان يوقع البطاقات‬

‫اليت يشرتيها لوالدته باسم «الطفل املدلل»‪ ،‬وأن «مود» وشقيقه كانا يرتديان الخوذات‬

‫اليت يستخدمانها يف لعبة سيارات «الكارتينغ»‪ ،‬ويلعبان بحذر على «الرتامبولني»‪ ،‬وأنه‬
‫مل يخذل ّ‬
‫قّط شقيقه األكرب‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» هرس خنرصه‪ ،‬وهو يلعب‬
‫ً‬
‫وبدًال من معالجة اإلصبع كما نصحت «ياسمني»‪ ،‬تركه‬ ‫بالطوق يف املدرسة الثانوية‪،‬‬

‫ُُي ْْش ََفى من تلقاء ذاته‪ ،‬وظل ملتويًاً إىل األبد‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» مل يكن يتأفف‬
‫ً‬
‫قائًال‪« :‬ال تبتئس يا رجل‪.‬‬ ‫كلما بدأ شيئًاً جديدًاً‪ ،‬وعندما يتأفف اآلخرون كان يوبخهم‬

‫افعل ما عليك فعله للتعامل مع األمر»‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الحظ كيف تداخلت شخصية الصحفي مع شخصية القارئ مع شخصية‬


‫الضحية‪ ،‬مع شخصيات كل أولئك املنخرطني يف القصة بطريقة أو بأخرى‪.‬‬

‫***‬

‫‪146‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تحرير النص‬

‫يف هذا القسم‪ ،‬نركز على جعل النص متماسكًاً‪ ،‬بحذف ما قد يثقله‪ .‬وسنتناول‪:‬‬
‫مواطن الحسن يف ترتيب الكلمات يف الجملة‪ ،‬وبعض االستخدامات اللغوية‪.‬‬

‫حىت اآلن‪ ،‬تحدثنا عن مبدأين رئيسني للوضوح‪:‬‬

‫• اجعل الشخصيات الرئيسية بصيغة «الفاعل» يف الجملة‪.‬‬

‫• اجعل األكشن بصيغة «الفعل» يف الجملة‪.‬‬

‫بالتأ كيد‪ ،‬لن يجلس الكاتب أو الصحفي‪ ،‬ويطبق هذه املبادئ على كل جملة‪.‬‬
‫مع املمارسة‪ ،‬ستصبح جزءًاً من مهاراته‪ ،‬ويف ال وعيه؛ سيحتاج إىل استحضارها‬
‫فقط عندما تستغلق عليه جملة ما‪.‬‬

‫إضافة للمبدأين السابقني‪ ،‬ثمة مبدأ ثالث؛ وهو أيضًاً يتعلق بالجملة‪ ،‬لكنه‬
‫يرشح انسيابية الجمل‪:‬‬

‫• ضع املعلومات املألوفة قبل املعلومات الجديدة‪ ،‬أو مِّهِ د لها‪ .‬ال تذكرها‬
‫فجأة‪.‬‬

‫وللحديث عن ذلك‪ ،‬نحتاج ً‬


‫أوًال إىل فهم‪:‬‬

‫‪147‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫التماسك واالتساق‬

‫التماسك ‪ Cohesive‬يكون بني الجمل‪ :‬كيف تنتهي جملة وتبدأ األخرى‪.‬‬

‫االتساق ‪ Coherent‬يكون يف الفقرة بأ كملها‪ :‬كيف تتسق الجمل مع بعضها‬


‫يف فقرة كاملة‪ .‬وكيف تتسق الفقرات مع بعضها‪.‬‬

‫لنأخذ هذا املثال‪:‬‬

‫بعض األسئلة املذهلة بشأن طبيعة الكون‪ ،‬طرحها علماء يدرسون الثقوب السوداء‬
‫يف الفضاء‪ .‬فانهيار نجم ميت إىل نقطة ربما ال تتجاوز حجم «الِب ْْلية»‪ ،‬يك ّّون ثقبًاً‬
‫ِ‬
‫جّدًاً‪ُُ ،‬تحِدث تغيريًاً محرّيرًاً يف‬
‫أسود‪ .‬عندما ُُت ْْض ََغط كمية كبرية من املادة يف حجم صغري ّ‬
‫ِ‬
‫نسيج الفضاء املحيط بها‪.‬‬

‫اآلن انظر إىل التعديل‪:‬‬

‫(‪ )1‬بعض األسئلة املذهلة بشأن طبيعة الكون‪ ،‬طرحها علماء يدرسون الثقوب السوداء‬

‫يف الفضاء‪ )2( .‬يتك ّّون الثقب األسود لدى انهيار نجم ميت إىل نقطة ربما ال تتجاوز‬
‫حجم «الِب ْْلية»‪ )3( .‬عندما ُُت ْْض ََغط كمية كبرية من املادة يف حجم صغري ّ‬
‫جّدًاً‪ُُ ،‬ت ْ‬
‫ْحِدث‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تغيريًاً محرّيرًاً يف نسيج الفضاء املحيط بها‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬أصبح النص أ كرث سالسة‪ .‬لكن‪ ،‬ماذا حدث؟‬

‫الجمل تصبح متماسكة عندما تكون بها «إحالة» ََب ْْعِدّيّة‪ :‬آخر بضع كلمات‬
‫ِ‬
‫يف نهاية جملة ما‪ ،‬تظهر يف بداية الجملة التالية بمزيد من العمق أو الرشح‪،‬‬
‫ما يخلق انسيابية يف القراءة‪ .‬وبسبب ذلك‪ ،‬قد تلجأ أحيانًاً إىل صيغة املبين‬

‫‪148‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫للمجهول كما يف الجملة (‪ )3‬يف املثال السابق‪ .‬يف الواقع‪ ،‬أحد أسباب وجود‬
‫صيغة املبين للمجهول يف اللغات عمومًاً‪ ،‬هو لتمكني الجمل من التدفق بُيُرس‬
‫وسهولة‪.‬‬

‫ّ‬
‫إّن ذكر يشء ما يف نهاية جملة من دون تفاصيل هو تنبيه للقارئ أن «ها هنا‬
‫يشء ما» نوع من اإلضمار‪ ،‬من دون الدخول يف تفاصيله‪ .‬وتأيت بداية الجملة‬
‫التالية بمزيد من املعلومات عن هذا اليشء «املضمر» إذا جاز التعبري‪.‬‬

‫ُ‬
‫ليس ذلك فحسب؛ لغوّيًّاً‪ ،‬يف العربية إذا ُأضِمر اليشء ثم ُُفرِّسر ‪ ،‬كان ذلك‬
‫ِ‬
‫ذَكر من غري تقدمة وإضمار‪ .‬وهذه من عجائب ضمري الشأن‪.‬‬ ‫أفخَم له من أن ُُي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫«الشأَن» واملكانة على ما يحيل إليه‪.‬‬ ‫وُس ِِّمَيَ كذلك ألنه ُُي ْْضِفي‬
‫ُ‬
‫ِ‬

‫لتوضيح ذلك‪ ،‬انظر إىل هذه اآلية‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿َفِإَّنََهَ ا ََال ََت ْْع ََمى اَأْل� ْْب ََصاُرُ﴾ [الحج‪.]٤٦ :‬‬
‫ِ‬

‫فـ «ـها» يف َ‬
‫«َفِإَّنََهَ ا» تعود إىل «األبصار» وإضماٌر ٌ لها‪ ،‬وإضفاء مكانة وفخامة‬
‫ِ‬
‫عليها‪ .‬انظر كيف تذهب هذه الفخامة والروعة إذا حذفنا «ـها»‪« :‬فإن األبصا ََر‬
‫ال ََت ْْعمى»‪.‬‬

‫وهنا مثال آخر‪:‬‬

‫﴿ِإَّنَ ُُه ََال ُُي ْْفِل ُُح ْاْل ََكاِفُر َ‬


‫ُوَن﴾ [املؤمنون‪.]١١٧ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫َ‬
‫«إَّن الكافرين ال‬ ‫انظر كيف أن ْاْل ُ‬
‫ُح ْْسن كله يذهب بمجرد إزالة اإلضمار‪:‬‬
‫يفلحون»‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وفحوى األمر أن ذكر يشء جديد فجأة ليس مثل ذكره بعد التنبيه عليه‪،‬‬
‫ِ‬
‫وتوِّطد‪ ،‬ثم‬ ‫والتقدمة له‪ .‬فبالتنبيه والتقدمة‪ ،‬تجعل اليشء مألوفًاً‪ ،‬ثم تعيد‪،‬‬
‫تبين‪ ،‬ثم تِّرصِح بالجديد يف هذا اليشء‪.‬‬

‫(بمعىن الجديد)‬ ‫َ‬


‫األلفَة والفضول‬
‫‪38‬‬
‫سبق أن تناولت بمزيد من التفصيل‬
‫نفسّيًّاً وجمالّيًّاً يف الصحافة‪ .‬أن تبدأ الجمل باملعلومات املألوفة‪ ،‬فإنك تمّهّد‬
‫مستعّدًاً لتلقي املعلومات الجديدة بُيُرس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الطريق للقارئ؛ تجعله‬

‫القارئ يحصل على تلك املعلومات املألوفة من مصدرين‪:‬‬

‫أوًال‪ ،‬هو يتذكر كلمات الجمل اليت قرأها ت ّّوًاً‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬يف مثالنا عن الثقوب‬
‫ً‬
‫السوداء‪ ،‬بداية (‪ )2‬ترتافق مع نهاية (‪ ،)1‬وبداية (‪ )3‬ترتافق مع نهاية (‪.)2‬‬

‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬لن يتفاجأ إذا وجد‬ ‫ثانيًاً‪ ،‬لدى قارئ الجملة معرفة عامة عن موضوعها‪.‬‬
‫الجملة التالية (‪ )4‬تبدأ بهذا الشكل‪:‬‬

‫ْحِدث تغيريًاً محرّيرًاً يف نسيج الفضاء املحيط بها‪ )4( .‬أظهر علماء الفلك أن‪...‬‬ ‫ُ‬
‫‪ُ...‬ت ْ‬
‫ِ‬

‫فكلمات «علماء الفلك» مل تظهر يف الجمل السابقة‪ ،‬مع ذلك لن يتفاجأ‬


‫القارئ باإلشارة إليها نظرًاً ألن النص يتحدث عن الفضاء‪ ،‬وعنده‪ ،‬على األقل‪،‬‬
‫معرفة عن هذا املوضوع‪.‬‬

‫املشكلة اليت قد تواجهها‪ ،‬هي أنك عملّيًّاً عندما تكتب‪ ،‬تصبح املعلومات‬
‫مألوفة لديك‪ ،‬وال تعود تعرف ما الجديد‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬عليك أن تحاول؛ مع‬
‫املمارسة ستتعلم التميزي بني املألوف والجديد عند القارئ‪.‬‬

‫‪ 38‬عبد القادر‪ ،‬رشاد “األلفة والفضول يف الصحافة”‪ ،‬املحرر نت‪.2020 ،‬‬

‫‪150‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ستلجأ أيضًاً يف كثري من األحيان إىل استخدام أسماء اإلشارة أو األسماء‬


‫«أوًال‪ ،‬ثانيًاً»‪،‬‬
‫ً‬ ‫املوصولة‪ ،‬أو أدوات أخرى مثل «من ََث ّّم»‪« ،‬بالعودة إىل»‪،‬‬
‫فعلُت يف الفقرة السابقة‬‫ُ‬ ‫«أخرى»‪ ...‬إلخ‪ ،‬لإلشارة إىل الجملة السابقة‪ ،‬كما‬
‫باستخدام «رغم ذلك»‪ .‬عند استخدام هذه األدوات‪ ،‬حاول أن تضعها يف‬
‫بداية الجملة أو قربها‪:‬‬

‫إن حساب اعتمادات الدروس يف كليات الجامعة مسألة أخرى يجب النظر فيها‪.‬‬

‫التعديل‬

‫مسألة أخرى يجب النظر فيها‪ ،‬هي حساب اعتمادات الدروس يف كليات الجامعة‪.‬‬

‫إذًاً‪ ،‬الجمل تتماسك عندما «تحتك» نهاية األوىل ‪-‬بأن تمهد ملا سيأيت‪ -‬مع‬
‫بداية الجملة التالية‪.‬‬

‫فمتعة القراءة ليست يف الوصول إىل ما تقوله الجمل لفظًاً فقط‪ ،‬إنما يف‬
‫استكشاف ديناميكيات التفاعل بينها‪ ،‬تلك الحرارة بسبب االحتكاك بينها يف‬
‫أثناء توليد املعىن‪ .‬هذا ما سنتناوله تاليًاً‪.‬‬

‫***‬

‫وتوُّسِع الدولة اإلسالمية‪ ،‬ظهرت تيارات‬


‫ُ‬ ‫ابتداء من عهد الخلفاء الراشدين‪،‬‬
‫ِ‬
‫الُفْرْس أساسًاً) مقاومة للغة العربية‪ ،‬ولهيمنة العرب على‬
‫شعوبية (قادها ُ‬

‫مفاصل الدولة‪ .‬وسيظهر منهم ََم ْْن يقول إن املهم هو «املعىن»‪ ،‬وليس‬
‫«املبىن»؛ تمامًاً‪ ،‬مثلما قد تسمع اآلن ممن يعملون يف الصحافة ّ‬
‫أّن املهم‬
‫«وصول الفكرة»‪ ،‬وليس صياغتها يف ألفاظ حسنة‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫لغوّيًّاً‪ ،‬أدت هذه الحركة إىل نقاش ال يزال محتدمًاً حىت اآلن عن عالقة اللفظ‬
‫«َت ََو ُُّلد» املعىن من «االحتكاك» النائش‬
‫باملعىن‪ .‬وهو ما أسميه يف هذا الكتاب َ‬
‫بني الجمل والعبارات‪.‬‬

‫اللفظ واملعىن‬

‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫وسيخرج الجاحظ ويقول‪« :‬املعاين مطروحٌة يف الطريِق ََي ْْعرُفها العجمُّيُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وسهوَلة‬ ‫وَتخرُّير اللفِظ‪،‬‬‫الشأُن يف إقامِة الوزِن َ‬
‫ُ‬ ‫والعرُّيبُ‪ ،‬والقروُّيُ والبدوُّيُ‪ ،‬وإنما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّسْبْك»‪.39‬‬ ‫الَّطْبِْع‪َ ،‬‬
‫وَكرْثرِة املاِء‪ ،‬وجودِة َ‬ ‫وصَّحِة َ‬
‫َ‬ ‫ْخرج‪،‬‬‫اَملَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ً‬
‫تفضيًال للفظ‪ ،‬لكنه سيعود‪ ،‬ويوضح يف رسائله‬ ‫وسُي ُْْفَهَ م من كالم الجاحظ‬
‫ٌ‬
‫بدٌن‪،‬‬ ‫أن «األسماء يف معىن األبدان‪ ،‬واملعاين يف معىن األرواح‪ ،‬اللفظ للمعىن‬
‫واملعىن للفظ روح»‪.‬‬

‫لكن العالقة بني اللفظ واملعىن‪ ،‬لن تنضج إال مع عبد القاهر الجرجاين الذي‬
‫«الَّت َ‬
‫َخرُّير » و«التوخي»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قال بنظرية «النظم» يف‬

‫الَّتَ َ‬
‫َخ ررُّي والَّتَ ََوخي‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬


‫يكوُن‬ ‫مزيٌة على اُألخرى‪ ،‬إال إذا كان لها يف املعىن تأثٌري ٌ ال‬ ‫ومفاده‪ :‬ليس لعبارة ما‬
‫لصاحبتها‪.‬‬

‫‪ 39‬الجاحظ‪« ،‬كتاب الحيوان» الجزء ‪ ،3‬ص ‪.131-132‬‬

‫‪152‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«الَّت ََوخي» يتطلب عبارتني صائبتني لغوّيًّاً ونحوّيًّاً‪ ،‬و ُُيراد بهما الغرض‬
‫َ‬ ‫إذًاً‪،‬‬
‫ً‬
‫مثًال‪:‬‬ ‫ذاته‪ .‬وتختار إحداهما ألن تأثريها يف املعىن يختلف عن تأثري األخرى‪.‬‬

‫• زي ٌٌد كاألسد‪.‬‬

‫ُ‬
‫األسُد‪.‬‬ ‫• كأن زيدًاً‬

‫فالعبارتان صائبتان لغوّيًّاً‪ ،‬وكلتاهما تريد تشبيه زيد باألسد‪ ،‬إال أن «كأن زيدًًا‬
‫زيادًة مل ََت ُُك ْْن يف العبارة األوىل‪ ،‬وهي ْ‬
‫أْن ََتجعله‬ ‫ً‬ ‫زيُد يف معىن تشبيِهِه به‬ ‫األسُد» ََت ُ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫من ََفْرْط شجاعته وقوة قلبه‪ ،‬وأنه ال يروعه يشء‪ ،‬بحيث ال يتمزَّيز عن األسِد‪،‬‬
‫ِ‬
‫َّهم أنه أسد يف صورة آدمٍّيٍ‪.‬‬ ‫وال ُُي ََقرِّصر عنه‪ ،‬حىت ُُي ََتو َ‬

‫ِّخي» واالختيار يف نظِم‬ ‫ثم تجد أن هذه الزيادة وهذا الفرق مل يأتيا إال بـ «الت ََو ِ‬
‫ِ‬
‫بْت مع َ‬
‫«أَّن»‪ ،‬وما كان‬ ‫اللفظ وترتيبه؛ إذ ُُق ِِّدمت «الكاف» ِإىل صدر الكالم‪ ،‬وُر ُِِّك ْ‬
‫ِ‬
‫ذلك إال بالنظم الذي يخلق «احتكاكًاً» بني العبارات‪ ،‬مو ِِّلدًاً زيادة يف املعىن‪.‬‬

‫عن االختيار والصواب‬

‫يف هذا الكتاب نظرنا إىل بناء الجملة من زاوية االختيار وليس الصواب؛‬
‫ً‬
‫مثًال‪،‬‬ ‫فالكاتب الجيد يضع األولوية دائمًاً لالختيار‪ ،‬وال يشء يفوق ذلك أهمية‪.‬‬
‫لنأخذ هذه الجمل البسيطة‪ ،‬أي واحدة ستختار‪ ،‬إذا أردت أن تكون كتابتك‬
‫واضحة؟ علمًاً أن الجملتني صائبتان لغوّيًّاً‪:‬‬

‫• نقص الدعم اإلعالمي كان السبب وراء خسارتنا لالنتخابات‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫• خرسنا االنتخابات؛ ألن اإلعالم مل يدعمنا‪.‬‬

‫الغالبية ستختار الجملة الثانية‪.‬‬

‫لكن على عكس الوضوح‪ ،‬يبدو أن الصواب ليس مسألة اختيار‪ ،‬بل مسألة‬
‫وَم ََلكة يف التميزي‪.‬‬
‫الزتام بالقواعد‪ .‬االختيار يتطلب محاكمة عقلية سليمة‪َ ،‬‬
‫بينما الصواب يتطلب ذاكرة جّيّدة يف حفظ القواعد‪.‬‬

‫وكثٌري ٌ مما ُُينرش عن الكتابة الصحفية يرّكّز على «الصواب»‪ .‬والنصيحة الدائمة‬
‫الجاهزة والغامضة‪« :‬إذا أردت أن ترى جالل اللغة العربية يف بساطتها وسريها‬
‫ُُق ُُدمًاً نحو الغرض‪ ،‬فاقرأها عند الفالسفة واملؤرخني والشعراء العرب»‪ ،‬من‬
‫دون تقديم التوضيح ملاذا لغتهم حسنة؟! والحال أن األمر أ كرث تعقيدًاً من‬
‫فأْن يقّيّد الكاتب نفسه بـ«الصواب» فقط‪ ،‬فإنه عملّيًّاً يجازف بوضوح‬
‫ذلك؛ ْ‬
‫كتابته‪.‬‬

‫***‬

‫عن اإلعراب وعالماته‬

‫وإليك الفكرة‪ :‬قبل نحو ‪ 1200‬سنة‪ ،‬خرج أحد تالمذة سيبويه‪ ،‬وهو قطرب (دمحم‬

‫بن املستنري البرصي‪ ،‬تويف سنة ‪ 206‬هجرية)‪ ،‬عن الرأي السائد لدى النحاة يف النظر‬

‫إىل الحركات واإلعراب‪ .‬ورأى أن اإلعراب يف اللغة العربية ليس للداللة على املعاين‪،‬‬

‫وأن الحركات جيء بها فقط للفصل بني الحروف والكلمات ومنعًاً اللتقاء الصوامت‪.‬‬

‫وقطرب بهذا‪ ،‬طعن يف أصول اآلراء اللغوية؛ إذ إن دور الحركات يف اإلعراب‪ ،‬وداللتها‬

‫عّد أمرًاً من املسلمات اليت ال يداخلها شك بني النحويني العرب‪ .‬وأحدث‬


‫على املعىن‪ُُ ،‬ي ّ‬

‫‪154‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بذلك حركة حجاج لغوي ال يزال الجدال بشأنها محتدمًاً بني املؤيدين واملعارضني حىت‬

‫يومنا هذا‪.‬‬

‫وكان عبد القاهر الجرجاين قد أرىس يف القرن الخامس الهجرّيّ ما ُُسمي فيما بعد‬

‫بـ«علم املعاين» يف كتابه «دالئل اإلعجاز»‪ ،‬وعلم البيان يف «أرسار البالغة»‪ ،‬وكان ابن‬

‫املعزت قد وضع قبله علم البديع‪ .‬ثم يف القرن السادس الهجري‪ ،‬جاء أبو يعقوب‬

‫«فّنًاً» إىل «علم» له قواعده‪،‬‬


‫ّ‬ ‫السكايك بـ«مفتاح العلوم» الذي ح ّّول ما اعتربه سابقوه‬

‫مهّمًاً منذ ذلك الحني‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وبدأ معه طور الجمود يف املفاهيم النحوية اليت مل تشهد تغيريًاً‬

‫رغم تغرّير استخداماتها عملّيًّاً شأن أّيّ لغة حية‪.‬‬

‫***‬

‫لنأخذ أمثلة كيف ّ‬


‫يوّلد «احتكاك» األلفاظ املعىن‪ ،‬أوردها الجرجاين يف كتابه‬
‫«دالئل اإلعجاز»‪:‬‬

‫تقديم املفعول‬

‫َ‬ ‫َج ََع ُُلوا ِل ََّلِه َرُش� َََكا ََء ْاْلِج َ‬


‫﴿ ََو َ‬
‫َّن﴾ [اَألنعام‪]١٠٠ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫َ‬
‫الجَّن رشكاء هللا»‪ ،‬لكن‬ ‫َ‬
‫«وجَعلوا‬ ‫كما ترى‪ ،‬فإن األصل يف هذه الجملة هو‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫قَّدمت «َرُش� َََكاَءَ» على ْ‬
‫«اْلِج َ‬
‫َّن»‪ ،‬فأحدثت فرقًا وزيادة وحسنًا يف املعىن‪،‬‬ ‫اآلية َ‬
‫ِ‬
‫ومفاده أن جملة‪:‬‬

‫َ‬
‫الجَّن رشكاء هللا»‬ ‫َ‬
‫«وجَعلوا‬

‫‪155‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫الجّن (وحدهم) رشكاء هللا‪.‬‬ ‫تفيد معىن مقّيّدًاً؛ وهو أنهم جعلوا‬

‫بينما اآلية تقول‪:‬‬

‫َج ََع ُُلوا ِل ََّلِه َرُش� َََكا ََء ْاْلِج َ‬


‫َّن﴾‬ ‫﴿ ََو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫ً‬
‫مفعوًال‬ ‫أي الرشكاء إطالقًاً وليس الجن فقط‪ .‬فكما ترى أن «َرُش� َََكاَءَ» جاءت‬
‫أوًال لـ«جعلوا»‪ ،‬و«ِل ََّلِه» جاءت يف موضع املفعول الثاين‪ .‬وبذلك يكون ْ‬
‫«اْلِج َ‬
‫َّن»‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شبيهًاً باالستئناف البياين الذي يكون ما قبله موضع استرشاف وسؤال‪،‬‬
‫فيجيب االستئناف عليه؛ وكأنه جواب على سؤال‪« :‬فمن جعلوا رشكاء لله‬
‫َّن» ألنه منصوب‪ .‬ويصبح معىن الجملة أنه ال ينبغي‬ ‫تعاىل؟» فقيل‪ْ :‬‬
‫«اْلِج َ‬
‫ِ‬
‫اتخاذ رشكاء لله ال من الجن وال من غريهم‪ ،‬ألن الصفة اليت وقع عليها اإلنكار‬
‫وهي «َرُش� َََكاَءَ»‪ُُ ،‬ذِكَرَت مجردة غري مجراة على يشء ‪-‬فقد جاءت قبل النطق‬
‫ِ‬
‫عاّمًاً ألي نوع من الرشكاء‪.‬‬
‫بالجن‪ -‬لتكون إنكارًاً ونفيًاً ّ‬

‫وهكذا ترى أن إعادة ترتيب الكلمات يف النظم خلقت احتكاكًاً مختلفًاً بني‬
‫الكلمات‪ ،‬ما و ََّلد زيادة يف املعىن وفرقًاً فيه‪.‬‬

‫حذف مفعول الفعل املتعدي‬

‫يف املثال السابق حَّرَكنا املفعول به من مكانه‪ ،‬اآلن انظر هنا‪ ،‬ماذا سيحدث إذا‬
‫كان الفعل متعديا وحذفنا مفعوله‪:‬‬

‫لتسهيل الفكرة‪ ،‬ينبغي ً‬


‫أوًال التميزي بني الفعل الالزم الذي ال يحتاج إىل مفعول‬

‫‪156‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫به‪ ،‬والفعل املتعدي الذي يحتاج إىل مفعول به؛ فإذا دخل «ـه» أو «ـك» على‬
‫الفعل‪ ،‬كان متعديًاً‪ ،‬وإذا مل يدخل كان الزمًاً‪.‬‬

‫مثًال‪َ :‬رَض� َ‬
‫ََب‪.‬‬ ‫ً‬

‫ّ‬
‫متعّد‪.‬‬ ‫يمكنك قول‪ :‬رضبـ«ـه» أو رضبـ«ـك»؛ فهو‬

‫لكن‪ََ :‬ن َ‬
‫اَم‬

‫ال تستطيع قول‪ :‬نامـ«ـه» أو نامـ«ك»؛ فهو الزم‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬انظر إىل املثال‪:‬‬

‫يُح ُ‬
‫ُّل و ََي ْْعِق ُُد‪ ،‬ويأمر وينهى‪ ،‬ويرض وينفع‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫فالٌن ُ‬
‫ِ‬

‫ٌ‬
‫«فالٌن يحل األمور‬ ‫وُحِذ ََف مفعولها‪ ،‬واألصل‬
‫األفعال هنا كلها متعدية ُ‬
‫ِ‬
‫ويعقدها‪ ،‬يأمر بها وينهى عنها‪ ،‬وبيده أن يرضك وبيده أن ينفعك»‪.‬‬

‫إال أن ذكر املفعول يذهب ُ‬


‫الُح ْْسن كله الذي كان يف الجملة؛ لكن كيف ذلك؟‬
‫من أين جاء ذاك الحسن الذي كان يف حالة حذف املفعول؟ وملاذا ذهب‬
‫ً‬
‫مفعوًال به؟‬ ‫ً‬
‫أصًال‬ ‫بذكره؟ أليس الفعل املتعدي يتطلب‬

‫إليك التفسري‪ :‬الفعل املتعدي به طاقة يرصفها عادة يف املفعول عندما َ‬


‫يحَت ّ‬
‫ّك‬
‫ُحذف املفعول‪ ،‬يوجه الفعل املتعدي طاقته إىل الفاعل ويرصفها فيه‪،‬‬‫به‪ .‬إذا ُ‬
‫ّ‬
‫فـ«الحّل» بمطلقه يف يد «فالن»‪ ،‬والعقد‬ ‫ً‬
‫زيادًة يف معىن الفاعل؛‬ ‫و ُُي ْ‬
‫ْحِدث‬
‫ِ‬

‫‪157‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بمطلقه‪ ،‬وكذلك األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والرض‪ ،‬والنفع‪.‬‬

‫وعلى ذلك قوله تعاىل‪:‬‬

‫يَن ََال ََي ْْع ََل ُُم َ‬


‫وَن﴾ [الزمر‪.]٩ :‬‬ ‫وَن ََوا ََّلِذ َ‬
‫يَن ََي ْْع ََل ُُم َ‬
‫ْل ََي ْْس ََتِوي ا ََّلِذ َ‬
‫َه ْ‬ ‫ُ‬
‫﴿ُق ْ‬
‫ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫واملعىن‪ :‬هل يستوي ََمن له علم ومن ال علم له؟ من غري أن يقصد شخصًاً‬

‫بعينه‪.‬‬

‫وكذلك ُ‬
‫قوُله‪:‬‬

‫ْح ََو ُُيِم ُ‬


‫يُت﴾ [غافر‪.]٦٨ :‬‬ ‫ُه ََو ا ََّلِذي ُُي ْ‬
‫﴿ ُ‬
‫ِ‬ ‫يِيي‬ ‫ِ‬

‫وقوله‪:‬‬

‫َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْىَكى َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ‬
‫اَت ََوَأ ْْحَيَا﴾ [القمر‪.]٤٤ ،٤٣ :‬‬ ‫﴿َوَأَّنُه ُهَو َأْضَحَك َوَأْب ‪َ ،‬وَأَّنُه ُهَو َأَم‬

‫وقوله‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ ََ ُ ُ َ‬
‫ُه ََو َأ ْْغىَنى ََوَأ ْْقىَنى ﴾‪[ ،‬القمر‪.]٤٨ :‬‬ ‫﴿َوَأَّنُه‬

‫واملعىن هو الذي منه اإلحياء واإلماتة والغناء واإلقناء‪.‬‬

‫فعًال لليشء‪َ ،‬‬


‫فإَّن‬ ‫ً‬ ‫كّل موضع كان القصد فيه أن تثبت املعىن يف نفسه‬ ‫وهكذا ّ‬
‫ألّن تعديته ََت ْْن ُُقض الغرض ُ‬
‫وُتغرِّير املعىن‪.‬‬ ‫عَّدى هناك ويحذف مفعوله‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫الفعَل ال ُُي َ‬

‫‪158‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ما تتمزي به «إن» على «الفاء»‬

‫لنأخذ حالة أ كرث تعقيدًاً من السابقتني‪ ،‬ون ََر ما سيحدث إذا استبدلنا «إن»‬
‫بـ«فـ»‪:‬‬

‫يقول بشار بن برد‪:‬‬

‫جاَح يف َ‬
‫الَّتْبْكِري‬ ‫ذاَك َ‬
‫الَّن َ‬ ‫إَّن َ‬ ‫بِّكرا صاِحَّيَب� َ ََقْب َ‬
‫َْل ْاْلَهَ ِجِري *** َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫كما ترى‪ ،‬استخدم بن برد تركيبًاً غري مألوف‪ ،‬وأول ما يخطر بالذهن لو أنه قال‪:‬‬
‫َ‬
‫فالَّن ُ‬
‫جاُح يف التبكري‪.‬‬

‫ما تتمزي به «إن» على «الفاء»‪ ،‬هو أنه‪:‬‬

‫وُتفيد من‬ ‫«إَّن» على هذا الوجه‪ ،‬فإنها تغين عن «الفاء» العاطفة‪ُ ،‬‬ ‫إذا جاءت َ‬
‫«مستأَنفًاً غري‬
‫َ‬ ‫ربط الجملة بما قبلها أمرًاً عجيبًاً‪ .‬كما ََترى قد صار الكالم بها‬
‫«إَّن» من قوله‪َ :‬‬
‫«إَّن ذاك‬ ‫أسقطَت َ‬
‫َ‬ ‫موصوًال معًاً»‪ .‬فلو‬
‫ً‬ ‫مستأَنف‪ ،‬ومقطوعًاً‬
‫َ‬
‫النجاح يف التبكري»‪ ،‬ستجد أن العبارة ال تلتِئم‪ ،‬وسرتى أن الجملة الثانية ال‬
‫ِ‬
‫«بِّكرا صاحَّيبَ ََقْب َ‬
‫َْل الهجري‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫تَّتصل باألوىل‪ ،‬ستضطر أن تجيء بالفاء‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫ُ‬
‫النجاُح يف التبكري» ومثل ذلك قول بعِض العرب‪:‬‬ ‫فذاك‬
‫ِ‬

‫لَك الِفدا ُُء *** َ‬


‫إَّن ِغنا ََء اِإلبِل ُ‬
‫الُحدا ُُء‬ ‫َ‬
‫فَغ ِِّنَهَ ا ْ‬
‫وْهي َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫«إَّن ِغنا ََء اإلبِل الحداُءُ»‪ ،‬وِإىل مالءمته للجملة َ‬


‫قبَله‪ ،‬وحسن تشبِثه‬ ‫فانظر إىل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫فقلَت‪:‬‬ ‫َ‬
‫«إَّن»‬ ‫ُحسن عطف الجملة األوىل عليه‪ .‬ثم انظر إذا تركت‬ ‫به‪ ،‬وِإىل ُ‬
‫ِ‬

‫‪159‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ُ‬
‫تكوُن الصورة؟ وكيف‬ ‫ِ‬
‫«فغِّنها وهَيَ لك الفداُءُ‪ ،‬غنا ُُء اِإلبِل الحداُءُ»‪ ،‬كيف‬
‫ً ِ ِ‬
‫ِ‬
‫«فغِّنها وهَيَ‬ ‫يتخلخل البيت؟ ولن تجد ُُب ّّدًا من استخدام «الفاَءَ» فتقول‪:‬‬
‫الُحداء»‪ .‬مع ذلك ستجد ّ‬
‫أّن األلفة بني الجملتني‪،‬‬ ‫َ‬
‫لَك الفداُءُ‪ ،‬فغنا ُُء اإلبِل ُ‬
‫ّ ِ‬
‫َ‬
‫«إَّن» بسبب االحتكاك بني الجملتني‪ ،‬قد ذهبت‬ ‫تلك الحرارة اليت وّلدتها‬
‫لدى استخدام «فـ» يف موقع َ‬
‫«إَّن»‪.‬‬

‫ترك العطف‬

‫دعنا نزد االحتكاك بني الجمل والعبارات‪ ،‬بعدم وضع أي يشء بينها‪ ،‬وترك‬
‫َرن ما يحدث؟‬
‫العطف‪ ،‬ول َ‬

‫انظر إىل هذا املثال الذي سبق أن أوردته أ كرث من مرة من قصة الصحفي‬
‫توماس فرينش «مالئكة وشياطني»‪:‬‬

‫مّرّ عام على جرائم القتل‪ ،‬ثم آخر‪ ،‬واآلن قطع املحققون َر َْْدحًاً من العام الثالث‪ .‬عملوا‬

‫ليًال ونهارًاً‪ ،‬عملوا يف العطالت األسبوعية‪ ،‬ألغوا اإلجازات‪ ،‬نحفوا‪ ،‬سمنوا‪ ،‬أصبحوا‬
‫ً‬

‫شاحبني وناحلني ومنهكني‪ ،‬يستيقظون يف الثالثة صباحًاً بصدمة وخربشات على‬

‫دفاتر املالحظات امللقاة بجانب أ َِتِهم‪.‬‬


‫َّرِس� ِ ِ‬

‫ُ‬
‫ليًال ونهارًاً‪ ،‬وعملوا‬
‫مثًال‪ :‬عملوا ً‬
‫ً‬ ‫ستجد أن حرف العطف «و» قد ُأ ْْسِق ََط كثريًاً‪.‬‬
‫ِ‬
‫يف العطالت األسبوعية‪ ،‬وألغوا اإلجازات‪ ،‬ونحفوا‪ ،‬وسمنوا‪ ،‬وأصبحوا شاحبني‬
‫وناحلني ومنهكني‪ ،‬ويستيقظون يف الثالثة صباحًاً‪...‬‬

‫ترى أن ُ‬
‫الُحسن كله قد ذهب مع استخدام العطف‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫انظر إىل هذه اآلية‪:‬‬

‫َك ْاْلِك ََت ُ‬


‫اُب ال ََر ْْي َ‬
‫َب ِفيِه﴾ [البقرة‪]٢ ،١ :‬‬ ‫﴿آمل‪ََ ،‬ذِل َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫إّن «ال ريب فيه»‪ ،‬بيان وتوكيد وتحقيق لقوله‪:‬‬ ‫مل يقل «وال ريب فيه»‪ ،‬إذ ّ‬
‫الكتاُب‪ ،‬هو‬
‫ُ‬ ‫أْن تقول‪« :‬هو ذلك‬ ‫َك ْاْلِك ََت ُ‬
‫اُب﴾‪ ،‬وزيادة تثبيت له‪ ،‬وبمزنلة ْ‬ ‫َ‬
‫﴿َذِل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُري الخرب‪ ،‬ال يحتاج‬
‫َرب غ ُ‬
‫ذلك الكتاب»‪ ،‬فتعيده مرة ثانية لتثبته‪ ،‬وليس يثبت الخ َ‬
‫ضاٍّم ََي ُُض ُُّمه إليه‪ ،‬وعاطٍف يعطفه عليه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إىل‬
‫ٍ‬

‫وقوله‪:‬‬

‫َخ ََت ََم ُهَّللا�ُ ََع ََلى ُُق ُُلوِبِه ْْم‬ ‫يَن ََك ََفُرُوا ََس ََوا ٌٌء ََع ََلْيِْه ْْم َأََأَ ْْن ََذْر ََْتُهُ ْْم َأَ ْْم ََل ْْم ُُت ْْنِذ ْْر ُ‬
‫ُه ْْم ال ُُي ْْؤِم ُُن َ‬
‫وَن‪َ ،‬‬ ‫﴿ِإ ََّن ا ََّلِذ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يٌم﴾ [البقرة‪]٧ ،٦ :‬‬ ‫اٌب ََعِظ ٌ‬ ‫َشا ََو ٌٌة ََو ََلُهُ ْْم ََع ََذ ٌ‬ ‫ََو ََع ََلى ََس ْْمِعِه ْْم ََو ََع ََلى َأَ ْْب ََصاِرِه ْْم ِغ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫﴿َس ََوا ٌٌء ََع ََلْيِْه ْْم َأََأَ ْْن ََذْر ََْتُهُ ْْم َأَ ْْم ََل ْْم ُُت ْْنِذ ْْر ُ‬
‫ُه ْْم﴾‪،‬‬ ‫ُ‬
‫قوُله‪﴿ :‬ال ُُي ْْؤِم ُُن َ‬
‫وَن﴾‪ ،‬تأ كيد لقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿َخ ََت ََم ُهَّللا�ُ ََع ََلى ُُق ُُلوِبِه ْْم ََو ََع ََلى ََس ْْمِعِه ْْم﴾‪ ،‬تأ كي ٌٌد ثاٍن أبلغ من األول؛ َ‬
‫ألَّن‬ ‫ُ‬
‫وقوُله‪َ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الجهل‪ ،‬وكان مطبوعًاً‬ ‫كاَن يف غاية‬ ‫ََمن كان حاله إذا أنذر مثل حاله إذا مل ينذر‪َ ،‬‬
‫على قلبه ال محالة‪.‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫َخاِد ُُع َ‬
‫وَن َهَّللا�َ﴾‬ ‫الَّلِه ََوِب ْاْلَي َْْوِم اآْلآِخِر ََو ََما ُ‬
‫ُه ْْم ِب ُُم ْْؤِمِن َ‬
‫َني‪ُُ ،‬ي َ‬ ‫آَم ََّنا ِب َ‬ ‫الَّناِس ََم ْْن ََي ُُق ُ‬
‫وُل َ‬ ‫َن َ‬‫﴿ ََوِم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[البقرة‪.]٩ ،٨ :‬‬

‫إنما قال «يخادعون» ومل يقل‪« :‬ويخادعون» ألنه هذه املخادعة ليست شيئًاً‬

‫‪161‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ٌ َ‬
‫كالٌم َأ َّكَ ََد به كالمًاً آخر‬ ‫غري قولهم‪« :‬آمنا»‪ ،‬من غري أن يكونوا مؤمنني‪ ،‬فهو إذن‬
‫هو يف معناه‪ ،‬وليس شيئًاً سواه‪.‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫اُت ََنا ََوىَّلى ُُم ْْس ََت ْْكرِبرًاً ََكَأ ْْن ََل ْْم ََي ْْس ََم ْْعَهَ ا ََكَأ ََّن ُأ ُُذ ََنْيِْه ََو ْْقرًاً﴾ [لقمان‪:‬‬
‫﴿ ََوِإ ََذا ُُت ْْت ََلى ََع ََلْيِْه آ ََي ُ‬
‫ِ‬ ‫يِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.]٧‬‬

‫«وَكَأَ ََّن ُأُ ُُذ ََنْيِْه ََو ْْقرًاً» َ‬


‫ألَّن املقصو ََد من التشبيه ِب ََم ْْن يف‬ ‫َ‬ ‫مل يأت معطوف نحو‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يِفي‬
‫ُه ََو بعينه املقصود من التشبيه ِب ََمن مل يسمع‪ ،‬إاَّلا ّ‬
‫أّن الثاين أبلغ وآ ََك ُُد‬ ‫أذنيه ْ‬
‫وْقٌر ٌ‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫من األول‪.‬‬

‫مفهوم االحتكاك‬

‫متعة القراءة ليست يف الوصول إىل ما تقوله الجملة لفظًاً‪ ،‬إنما يف استكشاف‬
‫ديناميكيات التفاعل بني مك ّّوناتها؛ فتنفصل أحيانًاً‪ ،‬وترتابط أو ترتبط أحيانًاً‬

‫أخرى يف طريقها لتوليد «املعىن»‪.‬‬

‫«َخ َ‬
‫اَتم»‬ ‫انظر إىل الديناميكيات اليت تنشأ من خاللها عالقة االرتباط بني َ‬
‫و«ِفَّضّ ة» يف الجمل التالية‪:‬‬
‫ِ‬

‫َخ ُ‬
‫اتُم ِفَّضٍّة‪ :‬عالقة إضافة‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ‬

‫اتٌم ِف ً‬
‫َّضًّة‪ :‬عالقة تميزي‪.‬‬ ‫َ‬
‫َخ ٌ‬
‫ِ‬

‫‪162‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫اتٌم ِف ٌ‬
‫َّضٌّة‪ :‬عالقة وصفية‪.‬‬ ‫َ‬
‫َخ ٌ‬
‫ِ‬

‫اتٌم من ِفَّضٍّة‪ :‬اصطناع عالقة ََر ْْبط بأداة «من»‪.‬‬


‫َخ ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ‬

‫ستلحظ أن االرتباط يف «‪ »3 ،2 ،1‬عضوّيّ؛ أي إن الجملة ال تحتاج إىل أداة‬


‫إضافية لخلق االرتباط‪ ،‬وهذا هو األصل يف اللغة العربية‪ ،‬ومفهوم «االحتكاك»‬
‫بني الجمل هو بهذا املعىن‪ .‬بينما «‪ »4‬احتاجت إىل حرف «من» لخلق الربط؛‬
‫لهذا فهو اصطناعي‪.‬‬

‫عندما تكتب‪ ،‬استكشف الديناميكيات الداخلية ملكونات الجملة‪.‬‬

‫***‬

‫بناء الجملة يف اللغة العربية‬

‫ُ‬
‫فاألصُل‬ ‫لسبب ما‪ ،‬تتجاذب ق ّّوتان متضادتان بنا ََء ُ‬
‫الُجملِة يف اللغات جميعها؛‬
‫ِ‬
‫الُج ََمل االنفصال واالستقالل‪ ،‬واألصل يف املفردات االرتباط والرتكيب‪.‬‬
‫يف ُ‬

‫َ‬
‫نزعَة‬ ‫أْر َ‬
‫ْجَع األملاين جوتهلف برجشرتارس يف كتابه «التطور النحوي للغة العربية»‪،‬‬
‫االستغناء عن ربط الجمل بعضها ببعض‪ ،‬إىل خصائص اللغات عمومًاً‪ ،‬وأنها‬
‫من بقايا حاِلها األ ّّولية البسيطة عندما كان ال يزال معجم البرش حفنة مفردات‬
‫ِ‬
‫ال تساعد على اإلسهاب‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫انظر‪:‬‬

‫• جاء أبو عبد هللا و دمحم‪.‬‬

‫فهذه الجملة ‪-‬على بساطتها‪ -‬هي باألصل جملتان‪:‬‬

‫• جاء أبو عبد هللا‪.‬‬

‫• جاء دمحم‪.‬‬

‫ّ‬
‫وألّن الجملتني السابقتني تزنعان إىل االنفصال‪ُ ،‬رُِبطتا بأداة ربط (حرف‬
‫ِ‬
‫«أْمن الَّلّبس»‬ ‫ّ‬
‫لتجّنب تكرار الفعل‪ .‬والربط هنا ُُيسميه النحويون ْ‬ ‫العطف (و)‬
‫يف فهم االنفصال بني الجملتني؛ ْ‬
‫إْذ ال نستطيع القول‪ :‬جاء أبو عبد هللا دمحم‪.‬‬
‫والربط اصطناعّيّ؛ ألنه ليس من أصل الجملة؛ فهي باألصل جملتان‪ ،‬وليس‬
‫جملة واحدة‪.‬‬

‫الجملة‪ ،‬بسيطة كانت أم مركبة‪ ،‬دائمًاً لها معًىنً داليل واحد‪ ،‬وليس عدة معاٍن‬
‫ٍ‬
‫(قد يكون لها أ كرث من تفسري؛ لكنها كلها تندرج ضمن املعىن الداليل الواحد)‪.‬‬
‫الَّداَلاّيلّ ائتالف املعاين الجزئية داخل ُ‬
‫الُجملة بطريق‬ ‫ُ‬
‫وحدُة املعىن َ‬ ‫وتقتيض‬
‫الوظيفة النحوية اليت تؤديها ّ‬
‫كّل مفردة‪ .‬لكن الوظائف (العالقات) النحوّيّة ال‬
‫وثيٌق كعالقة اليشء بنفسه‪ ،‬وتسمى «االرتباط»‪ ،‬وبعضها‬ ‫ٌ‬ ‫تستوي؛ فبعضها‬
‫ٌ‬
‫واهٌن كعالقة اليشء بغريه‪ ،‬ويحتاج دائما إىل أداة‪ ،‬وتسمى أداة «ال ْ‬
‫َّرّْبط»‪.‬‬

‫ويرشح اللغوي د‪ .‬مصطفى حميدة ذلك يف كتابه «نظام االرتباط والربط»‬


‫‪40‬‬

‫أْن ََيبقى‬ ‫ٌ‬


‫وثيٌق‪ ،‬وال ُُبَّدّ ْ‬ ‫َحّبّاِته ِس ٌ‬
‫لٌك‬ ‫الُجملة كالِع ْْقد الذي ََي ْ‬
‫ْج ََمع بني َ‬ ‫بقوله إن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ 40‬حميدة‪ ،‬د‪ .‬مصطفى «نظام االرتباط والربط يف تركيب الجملة العربية»‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪.1997 ،‬‬

‫‪164‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫أْن ََيفَهَ ََم من ََشكِلِه معىن الِع ْْقد‪،‬‬ ‫لُك ُُمَّتّ ً‬


‫صًال‪ ،‬وإال ما استطاع الَّرّايئ ْ‬ ‫ذلك الِّسّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وهذا هو «االرتباط»‪ ،‬فإذا انقطع الِّسّ لك‪ ،‬وكنا نريد له أن يتصل وأن ُُي ْْفَهَ م‬
‫ً‬
‫صاًال أشبه‬ ‫صًال اِّتّ‬
‫َّرّْبط‪ ،‬حىت يعود مَّتّ ً‬ ‫منه معىن الِع ْْقد‪ ،‬عالجنا انقطاعه بطريق ال ْ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫وقرينًة‬ ‫يظّل واضحًاً للَّرّايئ‪ ،‬ويظُّلّ ََم ْْعلمًاً‬ ‫ّ‬ ‫بما كان عليه‪ ،‬إاّلا أن ََم ْْعِقد الَّرّبط‬
‫ِ‬
‫صاًال‪ ،‬وإّنّما هو‬
‫ً‬ ‫مادَّيًّة على أن ما اصطنعناه ال ُُيعُّدّ ارتباطًاً‪ ،‬كما أَّنّه ال ُُي ُ‬
‫عُّد انِف‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫ََمْرْتبة وسطى بني االرتباط واالنفصال‪ ،‬ويسمى «ال ْ‬
‫َّرّْبط»‪.‬‬

‫وإليك توضيح مفهومي االرتباط (إسناد‪ ،‬تعدية‪ ،‬إضافة‪ ...‬إلخ) والربط‬


‫(باستخدام أداة ربط ‪-‬و‪ -‬يف املثال) يف هذه الجملة‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫والعربية تلجأ إىل الّرّبط بأداة لفظية ظاهرة ‪-‬حرف (و) يف املثال أعاله‪ -‬حني‬
‫ََت ْ‬
‫ْخىش الَّلّْبْس يف فهم االنفصال بني ََم ْْع ََنَيَني‪ ،‬أو الَّلّْبْس يف فهم االرتباط بني‬
‫ََم ْْع ََنَيَني‪.‬‬

‫كّلما وجدت‬‫ليس ذلك فحسب‪« ،‬العربية» تط ّّورت بخصائصها يف اإليجاز ّ‬

‫ّل»‪ ،‬فمىت ما أمكن أن‬ ‫«َخُرْي� ُ الكالم ما ََق ّ‬


‫ّل و ََد ّ‬ ‫سبيًال‪ .‬لذلك قالت العرب َ‬
‫ً‬ ‫إليه‬
‫َ َ‬
‫كاَن َأ ْْوىَلى من جعله جملتني «من غري فائدة»‪.‬‬ ‫ً‬
‫جملًة واحدة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الكالُم‬ ‫يكون‬
‫أّن «الكالم إنما ُُوِض ََع للفائدة» فـ «الفائدة ال ُُتجىن من الكلمة الواحدة‪،‬‬
‫ذلك ّ‬
‫ِ‬
‫الُج ََمل ومدارج القول؛ فلذلك كانت حال الوصل عند العرب‬ ‫وإنما ُُتجىن من ُ‬
‫أرشف‪ ،‬وأقوم وأعدل من حال الوقف»‪.‬‬

‫كما ترى‪ ،‬ثمة نزعتان متناقضتان هنا‪ :‬نزعة متأصلة يف الجملة العربية نحو‬
‫االنفصال‪ ،‬ونزعة نقيضة يف ميل مستخدميها إىل اإليجاز والوصل‪ ،‬وقد َ‬
‫َخلقتا‬
‫ً‬
‫وداللًة يف كل‬ ‫بضع عرشات من أدوات الّرّبط االصطناعية‪ُُ ،‬ت ْْضفي معىن جديدًاً‬
‫ثقًال معنوّيًّاً‬
‫سَتخدم فيه‪ ،‬بخاصة إذا علمنا أن اإلعراب بذاته ال ُُيضفي ً‬ ‫سياق ُُت َ‬
‫على الجملة‪ .‬فأفعال املايض والحارض واألمر والفاعل واملفعول به واملبتدأ‬
‫والخرب‪ ...‬إلخ‪ ،‬هي هي‪ ،‬ال يتغري سلوكها ومعناها من كالم إىل كالم‪.‬‬

‫لفهم ذلك‪ ،‬دعنا نفكك هذه اآلية لغوّيًّاً إىل مكوناتها‪ ،‬لرنى ما يحدث‪:‬‬

‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫( ََوَأَ ْْو َ‬


‫ْاْلَيَِّمّ ََوال ََتخا ََوال ََت ْ‬
‫ْح ََز‬ ‫َحْيْنا ِإىل ُأِّمّ ُُموىس َأ ْْن َأْرِْضِعيِه ََفِإذا ِخ ْْفِت ََع ََلْيِْه ََفَأ ْْلِقيِه‬
‫يِني‬ ‫يِفي‬ ‫ِ ِ يِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َن ْاْل ُُمْر ََْسِل َ‬
‫َني)‪.‬‬ ‫ِإَّنّا َرَاُّدّ و ُُه ِإ ََلْيِْك ََوجاِع ُُلو ُُه ِم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫بداية‪ ،‬الحظ يف «َأْرِْضِعيِه» و«َأ ْْلِقيِه» أنها تجمع الفعل والفاعل واملفعول به يف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫كلمة واحدة بطريق االرتباط وليس الربط‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫إذًاً‪ ،‬أصل الكالم‪:‬‬

‫• أوحى هللا إىل أم موىس‪.‬‬

‫• قال هللا‪ :‬أرضعي يا أم موىس موىس‪.‬‬

‫• قال هللا‪ :‬يا أم موىس إذا كنت تخافني على موىس‪ ،‬فألقي موىس يف‬
‫اليم‪.‬‬

‫كما ترى‪ ،‬ال يزال الفعل والفاعل واملفعول به كلها موجودة‪ ،‬ومل يتغري سلوكها أو‬
‫الُج ََمل أصبحت ال تطاق لركاكتها‪.‬‬
‫معناها‪ ،‬ولكن ُ‬

‫ُج ََم ً‬
‫ًال مثقلة باملعىن‪،‬‬ ‫الُج ْْملة العربية يف كل أحوالها‪ ،‬ويجعلها ُ‬
‫ما يحكم بناء ُ‬
‫سّماه الجرجاين «الفصل والوصل»‪ُ .‬‬
‫الُجملة العربية تزدهر‪،‬‬ ‫هو القانون الذي ّ‬
‫وتنتعش بالوصل والفصل؛ باالرتباط والّرّبط‪ ،‬فهي ََت ُ‬
‫حُكم العالقات السياقّيّة‬
‫ُجزئيات املعاين داخل الجملة الواحدة‪ ،‬كما ََت ُ‬
‫حُكم تلك العالقات‬ ‫النحوية بني ُ‬
‫الّنص‪ .‬وال ُُتبىن هذه العالقات فقط بحرف العطف «و»‬ ‫الُجمل داخل ّ‬
‫بني ُ‬
‫املسترشي يف الكتابة الصحفية‪.‬‬

‫دع الكلمات والجمل تتصادم‬

‫يف املرة القادمة‪ ،‬عندما تنهي كتابة جملة‪ ،‬وتبدأ بأخرى‪ ،‬اضبط نفسك‪ .‬ال‬
‫َ‬
‫تخَش‬ ‫تستخدم «و»‪« ..‬لكن»‪« ..‬إال أن»‪« ..‬كيما»‪« ..‬ال بد أن»‪ ...‬إلخ‪ .‬ال‬
‫الفجوة بني الجملتني؛ ذاك اإلحساس بأن هناك جرسًاً ناقصًاً؛ بأن القارئ‬
‫ً‬
‫مجاًال للجمل والعبارات يك تحتك مع‬ ‫سيقع يف «الفراغ»‪ .‬لن يحدث‪ .‬اترك‬
‫بعضها كحجري الرحى‪ ،‬كلما أمكن ذلك‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫هل أنت قارئ من هذا النوع؟ هل تتعرث بني الجمل‪ ،‬وتتلعثم بني الفقرات؟‬
‫فاعًال مسترتًاً‪ ،‬أو ضمريًاً محذوفًاً‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫هل يحتبس عليك الفهم عندما تجد‬
‫نّصًاً؟ إذا كتبت‬ ‫ً‬
‫مؤوًال؟ هل تحتاج إىل ََم ْْن يرشدك عندما تقرأ ّ‬ ‫ً‬
‫مفعوًال به‬
‫بوضوح‪ ،‬وكنت متأ كدًاً مما َ‬
‫قلَته وما مل تقله‪ ،‬لن يضيع القارئ‪ْ .‬‬
‫إْن كان ثمة‬
‫سبب للتشويش‪ ،‬فهو كرثة أدوات الربط اليت ِ‬
‫تقِّلل من عملية االحتكاك‪.‬‬

‫يكفي أن تفتح أي موقع أخبار عريب‪ ،‬لتجد ُ‬


‫الُجمل مثقلة بأ كرث من ‪ 90‬أداة‬
‫ربط‪ .‬أحيانًاً ستجد ثالث أدوات ربط متتالية يف بداية الجملة الواحدة كما‬
‫الحال هنا‪:‬‬

‫«لكن يف املقابل‪ ،‬فقد حصل الفلسطينيون‪»..‬‬

‫الهوس بأدوات الربط واالنتقال ينفي حقيقة أساسية عن الكتابة؛ حقيقة‬


‫سحرية‪ ،‬وهي أن الكتابة ليست مثل حزام ناقل األمتعة‪ ،‬تحمل القارئ إىل‬
‫ّ‬
‫يتكّشف «املعىن»‪ .‬للكتابة الجيدة مغزى يف كل‬ ‫النقطة عند نهاية النص حيث‬
‫جملة‪ ،‬وهي ممتعة بسبب ذاك االحتكاك بني الجمل يف أثناء توليد املعىن‪.‬‬

‫ّ‬
‫تعّلمنا يف املدارس والجامعات أن ما يهم يف القراءة هو اكتشاف «املعىن» الذي‬
‫َ‬
‫لحظَة إدراك يف الدماغ‪.‬‬ ‫ً‬
‫تاركًة وراءها‬ ‫ّ‬
‫تتبّخر‬ ‫َّث يف ّ‬
‫الّنص؛ فالكلمات‬ ‫ُُب َ‬

‫تعّلمنا أن الكتابة ليست سوى ِإيداع «املعىن» الذي يستخلصه القارئ الحقًاً‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬

‫ٌ‬
‫استنساٌخ للفكرة؛ مجرد قرشة خارجية‪ ،‬قيمتها تكمن فيما تنقله‬ ‫الُج ْْملة‬
‫وأن ُ‬
‫أو تحتويه‪ ،‬ال يف كونها جملة‪ .‬ال يهم شكلها‪ ،‬املهم املعىن الكامن فيها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫تعّلمنا أن نفكر‪ ،‬ونقرأ ونكتب كما لو أن التوافق بني اللغة واملعىن تقريّيبّ؛‬
‫فاألشكال املختلفة لكتابة الجملة الواحدة‪ ،‬تعين اليشء عينه‪ ،‬ال فرق بينها‪.‬‬

‫مل يرشح لنا أح ٌٌد االرتباطات بني بقع الحرب على الصفحة اليت نقرؤها‪ .‬مل يقل لنا‬
‫أحد إن اللغة تعيش داخل متانة الجملة‪.‬‬

‫ماذا لو مل يكن «املعىن» هو الغرض الوحيد من بناء الجملة؟‬

‫ماذا لو كانت الفضيلة والقيمة هي الجملة ذاتها‪ ،‬ال «املعىن» الكامن فيها؟‬

‫ماذا لو كانت كل سمة من سمات الجملة ‪-‬املفردات‪ ،‬اإليقاع‪ ،‬الصوت‪،‬‬


‫ً‬
‫ولغًة‪ ...‬إلخ‪ -‬لها قيمتها؟‬ ‫ً‬
‫داللًة‬ ‫الرتابطات‪ ،‬الرتكيب‬

‫إذا كنت أبًاً مثالّيًّاً‪ ،‬وتروي القصص لطفلك‪ ،‬هل انتبهت أنه قد يطلب منك‬
‫عند لحظات معينة‪ ،‬إعادة جملة بعينها كلمة بكلمة ومرة بعد أخرى؟‬

‫ً‬
‫بديًال عن الجملة ذاتها‪.‬‬ ‫إذا كان «معىن» الجملة ليس‬

‫إذا كان الغرض من الجملة أن تقول ما ينبغي لها قوله‪ ،‬وأن تكون هي ذاتها‬
‫أيضًاً‪ ،‬وليست مجرد «وعاء» الستخالص املعىن‪.‬‬

‫إذا كانت الكلمات لها تاريخها املعقد‪ ،‬وتشكلت عرب قرون من نطقها وكتابتها‬
‫يف سياقات األدب والثقافة والعمل‪ .‬إذا كان صداها يرتدد مع أشباح أشكالها‬
‫السابقة‪.‬‬

‫إذا كان للجملة ذاتها إيقاع ورسعة حركة‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫إذا كانت تستخدم املجاز والتشبيه‪ ،‬أو الجناس أو واحدة من عرشات املحسنات‪.‬‬

‫إذا كانت تحدد اإليماءات الدرامية اليت تصنعها بها بصفتك كاتبًاً‪.‬‬

‫إذا كانت تثري توقعات القارئ وتطلعاته على مستويات عدة‪.‬‬

‫إذا كانت تسمي األشياء الفعلية يف العامل‪ ،‬أو ربما تعيد تسمية العامل‪.‬‬

‫إذا كنت بصفتك كاتبًاً حارسًاً على كل هذه الصفات يف الجمل اليت تنشئها‪،‬‬
‫فلماذا ترتكها هناك‪ ،‬مركونة يف زاوية مهملة؟ مل هذه النظرة االستعالئية إىل‬
‫القارئ‪ ،‬وأن «املعىن» ََسَيَفُّرُ منه ما مل تكّبّله بأدوات الربط؟‬

‫أليس استخدام أدوات الربط‪ ،‬هو محاولة متوترة لرتقيع الجمل القصرية مع‬
‫بعضها يف جملة طويلة؟ وكأن «املعىن» سيضيع ما مل يأِت قبل نقطة النهاية‬
‫ِ‬
‫يف الجملة‪.‬‬

‫ّ‬
‫وتعّلم‬ ‫أليس حذف أدوات الربط‪ ،‬هو طريقك إىل ّ‬
‫تعّلم كتابة الجملة القصرية‪،‬‬
‫نّصك مفهومًاً للقارئ؟‬
‫كيف يكون ّ‬

‫أليس الفراغ الذي تشعره بني الجمل‪ ،‬هو على األغلب أدوات الربط واالنتقال‬
‫اليت ينبغي لك حذفها؟‬

‫أليست الجملة الطويلة املزدحمة بأدوات الربط‪ ،‬هي عملّيًّاً إقصاء للعالقات‬
‫ّ‬
‫والشّد‪ ،‬والتوتر‬ ‫كلها اليت قد تتكون بني الجمل القصرية؟ ذاك االحتكاك‪،‬‬
‫يف الكهرباء الساكنة فيما بينها‪ ،‬مثل الـ«بيمول» والـ«ديزي» بني العالمات‬

‫‪170‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫املوسيقية‪.‬‬

‫دع الكلمات والجمل تتصادم‪ ،‬كلما أمكن ذلك‪ ،‬عوضًاً عن عقد صلح وسالم‬
‫مصطنع بينها باستخدام أدوات الربط‪.‬‬

‫ال تصادم = ال احتكاك‪.‬‬

‫ال احتكاك = ال حرارة‪.‬‬

‫ال حرارة = ال نور‪.‬‬

‫ال نور = ال رؤية‪.‬‬

‫ال رؤية = ال معىن‪.‬‬

‫***‬

‫لنقرأ هذه القصة‪ 41‬لـ«ديف باري»‪ ،‬أحد أ كرث الصحفيني املعارصين فكاهة‪،‬‬
‫وقد حاز جائزة «بوليزتر» عام ‪ .1988‬وذكرت اللجنة أن الجائزة جاءت تقديرًًا‬

‫الستخدامه املستمر والف ّّعال للفكاهة بوصفها وسيلة لتقديم رؤى جديدة عن‬
‫ّ‬
‫جاّدة‪.‬‬ ‫مسائل‬

‫انظر إىل جمله؛ إنه ال يستخدم أدوات الربط إال عندما يتطلب األمر ذلك‪ ،‬ما‬
‫يخلق احتكاكًاً بني الجمل مو ِِّلدة املعىن والعمق‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪Barry, Dave “Lost In America”, 1987.‬‬

‫‪171‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تائهة يف أمر يكا‬

‫أقود السيارة مع والديت عرب مدينة «هارتفورد»‪ ،‬بكونتيكت‪ ،‬يف طريقنا إىل بلدة تسمى‬

‫«إسكس»‪ .‬مل يسبق لكلينا زيارة «إسكس»‪ ،‬لكن كالنا يأمل بشدة أن توافق والديت‬

‫على االستقرار هناك‪.‬‬

‫منذ عدة أشهر‪ ،‬وهي من دون مزنل‪ ،‬تنتقل من ابن إىل ابن عرب البلد‪ ،‬بعد أن باعت‬

‫املزنل الذي عاشت فيه مدة ‪ 40‬عامًاً؛ املزنل الذي ربتنا فيه‪ ،‬املزنل الذي بناه والدي‪.‬‬

‫املزنل الذي مات فيه‪ ،‬يف ‪ 4‬أبريل‪/‬نيسان ‪ .1984‬كانت تد ِِّون مالحظة بهذا التاريخ كل‬

‫عام على التقويم يف املطبخ‪.‬‬

‫«تويف ديف‪ »1984 ،‬تقول املالحظة‪ُُ « .‬ع ْْد إلينا‪ ،‬يا ديف»‪.‬‬

‫يف ‪ 5‬يوليو‪/‬تموز‪ ،‬ذكرى زواجهما‪ ،‬كانت تد ِِّون مالحظة أخرى‪« :‬تز ّّوجت ديف عام‬

‫‪ .1942‬لقد كان أفضل ما صنعته يف حيايت»‪.‬‬

‫املزنل كان أ كرب من أن تعتين به والديت وحدها؛ نصحناها جميعًاً ببيعه‪ .‬يف نهاية األمر‪،‬‬
‫فعلت ذلك‪ ،‬وشحنت كل أثاثها إىل «سانيفيل» بكاليفورنيا‪ ،‬حيث يعيش أخي «ِف ْ‬
‫ْل»‪.‬‬
‫ِ‬
‫مزنًال مناسبًاً هناك‪.‬‬
‫ً‬ ‫كانت تنوي اإلقامة معه إىل أن تجد‬

‫إاّلا أنها كرهت «سانيفيل»‪ .‬يف أول األمر‪ ،‬بدا ذلك مضحكًاً نوعًاً ما‪ ،‬حىت بالنسبة إليها‪.‬‬

‫كانت تقول باستغراب‪« :‬كل ممتلكايت الدنيوية‪ ،‬يف مستودع ببلدة سانيفيل‪ ،‬اليت‬

‫أ كرهها»‪ .‬كان دائمًاً لديها حس دعابة رائع‪.‬‬

‫بعد فرتة‪ ،‬مل يعد األمر مضحكًاً‪ .‬غادرت والديت «سانيفيل» لتقيم بعض الوقت مع أخي‬

‫«سام»‪ ،‬يف سان فرانسيسكو‪ ،‬ثم معي‪ ،‬يف فلوريدا؛ لكنها مل ترغب يف اإلقامة معنا‪ .‬ما‬

‫‪172‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ً‬
‫مزنًال‪.‬‬ ‫أرادته كان‬

‫الحق‪ ،‬ما أرادته‪ ،‬كان استعادة مزنلها القديم‪.‬‬

‫مع والدي فيه‪.‬‬

‫َري يف أمر آخر تريده‪،‬‬


‫بالتأ كيد كانت تدرك عدم إمكانية تحقيق ذلك‪ ،‬وكلما حاولِت التفك َ‬
‫ِ‬
‫كان ذهنها يتجمد فجأة‪ .‬بدأت تقيض كثريًاً من الوقت يف مشاهدة املسلسالت الدرامية‪.‬‬

‫«عليِك أن تميض يف حياتك‪ »،‬كنت أقول لها بصوت أبوي جديد بدأت أ كتسبه عندما‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫أتحادث معها‪ .‬من دون تردد‪ ،‬كانت تطفئ التلفزيون وُتْخِرج خريطة للواليات املتحدة‪،‬‬
‫ِ‬
‫اشرتيتها لها ملساعدتها على التفكري‪.‬‬

‫«قد تكون بلدة بولدر خيارًاً جيدًاً» كانت تقول‪ ،‬وهي تنظر إىل كولورادو‪« .‬لقد ولدت‬

‫بالقرب من بولدر»‪.‬‬

‫«أمي‪ »،‬أقول ذلك بصويت الجديد‪« .‬لقد تحدثنا عن بولدر ‪ 50‬مرة‪ ،‬وكنِت دائمًاً يف‬
‫ِ‬
‫حّقًاً ال تر يدين اإلقامة هناك»‪.‬‬
‫نهاية األمر تقولني إنِك ّ‬
‫ِ‬

‫تشعر بالندم؛ تعود إىل النظر إىل الخريطة‪ ،‬لكن أستطيع أن أقول بثقة إنها حقيقة مل‬

‫تكن ُُتبرص الخر يطة‪.‬‬

‫«عليِك أن تكون واقعية» أقول ذلك بصوت الحكيم‪.‬‬


‫ِ‬

‫عندما بلغت املماحكة فيما بيننا حد الجنون‪ ،‬عادت إىل كاليفورنيا‪ ،‬وكررت العملية ذاتها‬

‫مع إخواين االثنني‪ .‬ثم يف ليلٍة‪ ،‬اتصلت لتسأل‪ ،‬بكثري من الحرج‪ ،‬ما إذا كنت سأذهب‬
‫ٍ‬

‫‪173‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫معها للبحث عن مزنل يف «إسكس»‪ ،‬بكونتيكت؛ سِم ََع ْ‬


‫ْت أنها بلدة لطيفة‪ .‬كنت أمر‬
‫ِ‬
‫بفرتة سيئة‪ ،‬لكن بالتأ كيد قلت لها «نعم»‪ ،‬فأمك هي أمك‪ .‬قابلتها يف «هارتفورد»‪،‬‬

‫واستأجرت سيارة‪.‬‬

‫أقود السيارة‪ ،‬ووالديت تنظر عرب النافذة‪.‬‬

‫تقول‪« :‬مررت بـهارتفورد العام املايض مع فرانك وِمل‪ ،‬يف طريقنا إىل ماين‪« .»،‬فرانك»‬
‫ِ‬
‫هو شقيق والدي؛ لقد تويف قبل أيام‪ .‬كانت والديت تحب رؤيته‪ .‬كان يذكرها بوالدي‪.‬‬

‫ّ‬
‫«كّنا نغين‪ »،‬تقول والديت‪ .‬ثم تبدأ يف الغناء‪.‬‬

‫أنفخ أبدًاً الفقاعات‪،‬‬

‫فقاعات جميلة يف الهواء‪.‬‬

‫أستشعر أنها تريدين أن أغين أيضًاً‪ .‬أعرف الكلمات؛ كنا نغين هذه األغنية يف الصغر‪.‬‬

‫تطري إىل األعايل‪ ،‬لتصل إىل حد السماء‪.‬‬

‫ثم مثل أحالمي‪ ،‬تتالىش وتذهب أدراج الرياح‪.‬‬

‫لكنين ال أغين معها‪ .‬أتظاهر باالنشغال‪.‬‬

‫«أشتاق إىل فرانك»‪ ،‬تقول والديت‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تبنّين أن «إسكس» بلدة صغرية جميلة‪ ،‬ورأينا فيها شقتني جميلتني بسعر جيد‪ .‬لكنين‬
‫ّ‬
‫تظّل هناك‪ .‬ال تريد قول ذلك‪ ،‬بعد أن جرجرتين‬ ‫أستشعر تمامًاً أن والديت ال تريد أن‬

‫بالطائرة من ميامي؛ كالنا يعرف ذلك‪.‬‬

‫صباح اليوم التايل‪ ،‬يف مقهى املوتيل‪ ،‬تناولنا وجبة إفطار مشحون‪.‬‬

‫«انظري‪ ،‬أمي» قلت لها‪« ،‬عليِك أن تتخذي قرارًاً»‪ ،‬تحدثت باملنطق‪.‬‬


‫ِ‬

‫َْت إىل خريطتها‪ .‬بدَأَ ْ‬


‫ْت تتحدث مجددًاً عن «بولدر»‪ .‬أثار هذا غضيب‪ .‬ألقيت عليها‬ ‫نظَر ْ‬

‫محارضة‪ ،‬وأخربتها أنها تترصف كاألطفال‪ .‬كانت تنظر إىل خريطتها‪ ،‬وتمسك بها بقوة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أعدُتها إىل «هارتفورد»‪ ،‬بالكاد تحدثنا يف الطريق‪ .‬وضعتها على منت طائرة؛ ستذهب‬

‫إىل «ميل ََو ْْويك» لزيارة شقيقة والدي‪ ،‬ثم ستعود إىل أخي يف «سانيفيل» بكاليفورنيا‪،‬‬

‫اليت تكرهها‪.‬‬

‫الحق‪ ،‬شعرت بارتياح عند مغادرتها‪.‬‬

‫يمكنَك مساعدتها» قلت يف نفيس‪« ،‬إىل أن تقرر هي ما تريد» كان موقفًاً سليمًاً‪.‬‬
‫َ‬ ‫«ال‬

‫بعد أسبوع تقريبًاً‪ ،‬تلقينا أنا وزوجيت بطاقة من والديت‪.‬‬

‫جّدًاً»‪ ،‬كتَب ْ‬
‫َْت على البطاقة‪،‬‬ ‫«هذه ألقول لكما عيد ميالد سعيد يف هذا العام الخاص ّ‬

‫«وشكرًاً لكما على كل يشء»‪.‬‬

‫عيد ميالدنا ال يزال أمامه أسابيع‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بعد يومني تقريبًاً‪ ،‬اتصل أخي «ِفل»‪ ،‬باكيًاً‪ ،‬من املستشفى‪ .‬تناولت والديت جرعة كبرية‬
‫ِ‬
‫من الفاليوم والكحول‪ .‬األطباء يطلبون اإلذن لزنع األجهزة اليت تبقيها على قيد‬
‫الحياة‪ .‬قالوا ْ‬
‫أْن ليس ثمة أمل‪.‬‬

‫حّقًاً‪ ،‬ال خيارات لدينا‪ .‬منحناهم اإلذن‪.‬‬


‫تحدثنا عن ذلك‪ ،‬لكن ّ‬

‫إنه الخيار الوحيد املنطقي‪.‬‬

‫آخر يشء فعلته والديت‪ ،‬قبل أن تذهب عرب النفق نحو طائرتها‪ ،‬كان التفاتة نحوي‪ ،‬ثم‬

‫ابتسمت يل ابتسامة عريضة‪ .‬مل تكن ابتسامة سعادة؛ إنها االبتسامة ذاتها اليت أغدقها‬

‫على ابين عندما يزعجه االستماع إىل األخبار‪ ،‬وأقول له‪« :‬ال تقلق‪ ،‬لن تنشب حرب‬

‫نووية قط»‪.‬‬

‫ال يزال يمكنين رؤية تلك االبتسامة يف أي وقت أريد‪ .‬أغلق عيين‪ ،‬وها هي هناك‪ُ .‬‬
‫أُّم‬
‫تحاول أن تطمنئ ابنها ّ‬
‫أّن كل يشء سيكون على ما يرام‪.‬‬

‫أردت تقديم هذه القصة‪ ،‬ليس ألنها تستخدم أدوات الربط عندما يتطلب‬
‫األمر ذلك‪ ،‬وليس ألنها تعتمد على االرتباطات بني مكونات الجملة لخلق ذاك‬
‫االحتكاك الذي يو ِِّلد املعىن‪ ،‬بل أيضًاً بسبب نهايات الجمل فيها‪ .‬أرشت إليها‬
‫بالخط العريض‪ .‬تكاد تستطيع معرفة القصة من الكلمات والعبارات اليت‬
‫وردت يف نهايات الجمل‪.‬‬

‫كيف تنهي الجمل‬

‫إذا كتبت دائمًاً جملك بحيث تكون صيغة «الفاعل» هي الشخصيات‬


‫األساسية يف القصة‪ ،‬وربطت األكشن الذي تقوم به بـ«أفعال» قوية‪ ،‬فعلى‬

‫‪176‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫األرجح سيكون ما تبقى من مكونات الجملة واضحًاً أيضًاً‪ .‬وبالنتيجة تحصل‬


‫على نص متماسك ومتسق‪ .‬لكن‪ ،‬إذا كانت بداية الجملة تستحق انتباهًاً‬

‫خاّصًاً‪ ،‬فإن نهايتها هي اليت تظل يف ذاكرة القارئ‪ ،‬وتؤثر فيما يشعر به تجاه‬
‫ّ‬
‫النص ككل‪.‬‬

‫القارئ يريدك أن تساعده على تخطي نوعني من الصعوبات‪:‬‬

‫• الجمل والعبارات املعقدة والطويلة‪.‬‬

‫• املعلومات الجديدة‪ ،‬وال سيما املصطلحات التقنية غري املألوفة‪.‬‬

‫بوجه عام‪ ،‬األفضل أن تبدأ جملك بعنارص قصرية نسبّيًّاً‪ :‬عبارة أو جملة‬
‫تمهيدية قصرية‪ ،‬يليها «فاعل» مخترص وواضح‪ ،‬ويليه «فعل» يعرب عن أ كشن‬
‫محدد‪ .‬بعد الفعل‪ ،‬يمكن بناء الجملة الجّيّدة مهما امتد طولها‪.‬‬

‫املبدأ العام هو أن تقود القارئ ليس من التعقيد إىل البساطة‪ ،‬ولكن من‬
‫البساطة إىل التعقيد‪.‬‬

‫انظر‪ ،‬كيف تبدأ هذه الجملة اليت تتحدث عن مفاهيم معقدة نوعًاً ما‪ ،‬بعبارة‬
‫تمهيدية «يف هذه الدراسة»‪:‬‬

‫يف هذه الدراسة‪ ،‬نحلل إيرادات الضمان االجتماعي ونفقاته على مدار العقود الستة‬

‫األخرية‪ ،‬باستخدام معايري اجتماعية وتأمينية لتحديد املتغريات يف العجز املستقبلي‪.‬‬

‫ّ‬
‫فإّن القارئ‬ ‫اآلن‪ ،‬انظر إىل هذا النص‪ .‬على الرغم من أنه نص اختصاّيصّ‪،‬‬
‫العادي سيستطيع فهم الفكرة العامة بال مشقة‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫عندما تتقلص عضلة ما‪ ،‬فإنها تستخدم الكالسيوم‪ .‬إذا استطعنا معرفة اآللية اليت‬

‫يؤثر بها الكالسيوم على تقلص العضالت‪ ،‬سيمكننا فهم اآللية اليت تستخدمها أدوية‬

‫«مثبطات الكالسيوم» يف إعادة ضبط اضطرابات ُُن ُُظم القلب‪ .‬إن الوحدة األساسية‬

‫لتقلص العضلة تسمى «الساركومري»‪ .‬يتكون «الساركومري» من رشيطني‪ ،‬رش يط‬

‫فاتح ورش يط دا كن‪ .‬تتكون هذه الرشائط بدورها من أربعة بروتينات تنظم عملية‬

‫تقلص العضلة‪« :‬األكتني» والـ«تروبوميوز ين» والـ«تروبونني» يف الرش يط الفاتح‬

‫والـ«ميوز ين» يف الرش يط الدا كن‪ .‬تتقلص العضالت عندما يتفاعل بروتني يف الرشيط‬

‫الفاتح‪ ،‬وهو الـ«أ كتني»‪ ،‬مع بروتني يف الرشيط الداكن‪ ،‬وهو الـ«ميوز ين» الذي ينتج‬

‫طاقة تسمى إنز يم األدينوسني ثاليث الفوسفات‪ ،‬ويشار إليه اختصارًاً بـ«أتيباز»‪.‬‬

‫الحظ كيف أن املصطلحات االختصاصية (بالخط العريض) جاءت يف نهاية‬


‫الجمل‪.‬‬

‫مفهوم «النربة»‬

‫إذًاً‪ ،‬الكلمات األوىل يف الجملة مهمة؛ ألنها تحدد الفكرة اليت تتحدث عنها‬
‫الجملة‪ .‬والكلمات األخرية يف الجملة مهمة أيضًاً؛ ألنها تحدد «نربة» الجملة‪.‬‬

‫انتبه عندما تتحدث مع اآلخرين‪ ،‬كيف أنك تشدد على بعض الكلمات أو‬
‫نّصًاً ما بصمت‪ ،‬فإنك يف قراءتك‬
‫املقاطع أ كرث من غريها‪ .‬حىت عندما تقرأ ّ‬
‫تشدد على بعض الكلمات أ كرث من غريها‪ .‬هذا التشديد يسمى «النربة»‪.‬‬
‫وهي مهمة ألن القارئ يشعر بصوتك بصفتك كاتبًاً إذا وضعت «النربة» يف‬
‫مكانها الصحيح لدى كتابة جملك‪.‬‬

‫انظر إىل هذه الجملة‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫قد تتسبب ظاهرة االحتباس الحراري يف ارتفاع مستوى مياه البحر إىل درجة ُُت َ‬
‫غَمر فيها‬

‫املناطق الساحلية املنخفضة يف العامل‪ ،‬ومن ثم اختفاؤها‪ ،‬وفقًاً لعلماء الغالف الجوي‪.‬‬

‫التعديل‪:‬‬

‫وفقًاً لعلماء الغالف الجوي‪ ،‬قد تتسبب ظاهرة االحتباس الحراري يف ارتفاع مستوى‬

‫مياه البحر إىل درجة تغمر فيها املناطق الساحلية املنخفضة يف العامل‪ ،‬ومن ثم اختفاؤها‪.‬‬

‫الحق‪ ،‬يمكنك خلق تأثريات أسلوبية مختلفة من خالل الطريقة اليت تنهي بها‬
‫جملك‪.‬‬

‫تضِّحي بأي مك ِِّون يف الجملة لخلق ذاك‬


‫ِ‬ ‫والعربية‪ ،‬إحدى اللغات اليت قد‬
‫التأثري الذي ترتكه النربة‪.‬‬

‫انظر‪:‬‬

‫اُك ْْم َأَ ْْج ََمِع َ‬


‫َني﴾ [النحل‪.]٩ :‬‬ ‫َ‬
‫﴿َف ََل ْْو ََشا ََء ََلَهَ ََد ُ‬
‫ِ‬

‫َ‬
‫أجمعَني لَهَ داكم‪ .‬وترى كيف أن الجملة ذهب‬ ‫األصل‪ :‬لو شا ََء ْ‬
‫أْن ََيهِد ََيكم‬
‫ِ‬
‫الُحسن الذي كان فيها بذكر ْ‬
‫«أْن ََيهِد ََيكم»‪ ،‬وكيف أصبحت «أجمعني»‬ ‫منها ُ‬
‫ِ‬
‫أضعف مما هي عليه يف اآلية‪.‬‬

‫وهنا حذف مفعول الفعل «شاء» يف قوله‪:‬‬

‫َشْأْ ََي ْ‬
‫ْج ََع ْْل ُُه ََع ََلى َاٍط ُُم ْْس ََتِقيٍم﴾ [األنعام‪.]٣٩ :‬‬ ‫َشِأ ُهَّللا�ُ ُُي ْْضِل ْْل ُُه ََو ََم ْْن ََي َ‬
‫﴿َم ْْن ََي َ‬
‫َ‬
‫ِ ٍ‬ ‫َرِص� ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪179‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وكذلك يف قوله‪:‬‬

‫ُ ْ َ‬ ‫الَّناِس ََي ْْس ُُق َ‬ ‫َج ََد ََع ََلْيِْه ُأُ ََّم ًًة ِم َ‬ ‫﴿ ََو ََل ََّما ََوَر َََد ََما ََء ََم ْْد ََي َ‬
‫اْمَرََأ ََتِنْي�‬ ‫َج ََد ِم ْْن ُُدوِنِهُم‬ ‫وَن ََو ََو َ‬ ‫َن َ‬ ‫َن ََو َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َس ََقى ََلُهُ ََما‬ ‫َ‬
‫ٌْخ ََكِبٌري ٌ‪َ ،‬ف َ‬ ‫َحىَّتى ُُي ْْصِد ََر ال ِِّر ََعا ُُء ََوَأَ ُُب َ‬
‫وَنا ََشْي ٌ‬ ‫اَل ََتا ََال ََن ْْسِقي َ‬ ‫َخ ْْطُب ُُُك ََما ََق َ‬
‫اَل ََما َ‬ ‫وَداِن ََق َ‬ ‫ََت ُُذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّل﴾ [القصص‪.]٢٤ ،٢٣ :‬‬ ‫ِ‬
‫الِّظ ِ‬ ‫ُُث ََّم ََت ََوىَّلى ِإىَلى‬
‫ِ‬

‫مَن‬ ‫َ‬
‫وجَد عليه أمة َ‬ ‫كما ترى‪ُ ،‬‬
‫ُحذف املفعول هنا يف أربعة مواضع‪ ،‬واملعىن‪:‬‬
‫الناس ََي ْْسقون أغنامهم أو مواشيهم وامرأتني تذودان غنمهما‪ ،‬وقالتا ال‬
‫ََن ْْسِقي َ‬
‫غنَم ََنا‪ ،‬فسقى لهما َ‬
‫غنَمَهَ م‪ ..‬وهكذا‪ .‬بحذف املفعول به‪ ،‬بات تركزي املعىن‬
‫ِ‬
‫كله على األفعال‪ :‬يسقون‪ ،‬تذودان‪ ،‬نسقي‪ ،‬فسقى‪.‬‬

‫ثم انظر يف هذا البيت‪:‬‬

‫َ َ‬ ‫رماُحُهُ ْْم *** ََن ََط ْْق ُ‬ ‫أَّن ََق ْْومي َأَ َ‬
‫الرماَح َأجَّرَِت‬ ‫ُت ولكَّنّ‬ ‫ُ‬ ‫نَط ََق ْْتين‬ ‫فلْو َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬

‫كما ترى‪ ،‬فاألصل‪ :‬لكن الرماح أجَّرَتين‪ ،‬فحذف «ين»‪ ،‬حىت ترتكز القوة و«النربة»‬
‫على «أجّرّت»‪ .‬ومعىن البيت أن عدم صرب قومه‪ ،‬وخذلناهم يف مقارعة األعداء‬
‫شّقت لسانه ومل يعد يستطيع مدحهم‪ .‬ويقال‪ :‬أجررت‬‫بالرماح «أجَّرَت»‪ ،‬أي ّ‬
‫شققَت لسانه لئال َ‬
‫يرَض ََع من أمه‪ ،‬يك ينفصل عنها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الفصيل‪ ،‬إذا‬

‫ومن ذلك أيضًاً‪:‬‬

‫ويْس ََم ََع واِع‬ ‫َّساِدِه َ‬


‫وَغْي ُُْظ ِعدا ُُه *** أن ََيرى ُُم ْْب ٌ ْ‬ ‫ََش ْ‬
‫ْج ُُو ُ‬
‫ُح َ‬
‫ِ‬ ‫ٌرِص�‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫َ‬
‫وأوصاَفه‪ ،‬ومل يذكر‬ ‫األصل‪ :‬أن ََيرى ُُمبٌرص ٌ ََمحاِس ََنه‪ ،‬و ََي ْْس َ‬
‫مَع واٍع أخباَرَه‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫«املحاسن» و«األخبار» إذ ال داعي لهما‪ ،‬فبمجرد أن تكون مبرصًاً سرتى‬

‫‪180‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫محاسنه‪ ،‬وبمجرد أن تكون واعيًاً ستسمع أخباره‪ .‬ولو ذكرهما‪ ،‬لذهب الرتكزي‬
‫الذي تضعه الجملة على «مبرص» و«واع»‪.‬‬

‫عندما تقرتب الجملة من نهايتها‪ ،‬يتوقع القارئ أن يجد كلمات استحقت‬


‫العناء‪ ،‬وسيشعر أن الجملة ليس لها «نربة» إذا انتهت بكلمات ذات وزن‬
‫داليل أو نحوي خفيف‪ .‬إيقاع الجملة يجب أن يحمل القراء أ كرث فأ كرث نحو‬
‫فمثًال‪ ،‬الصفات والظروف أثقل من حروف الجر‪ ،‬ولكنها أخف من‬ ‫ً‬ ‫القوة‪.‬‬
‫األسماء‪ ،‬وصيغة املصدر هي أثقل األسماء‪ .‬صيغة املصدر عادة تكون إشكالية‬
‫ً‬
‫بديًال للفعل؛ فهي تدل على حدث من دون زمن أو أ كشن‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اسُتخدمت‬ ‫إذا‬
‫ولكن يف نهاية الجملة يكون لها وزنها‪ ،‬فهي ‪-‬رغم أن بعض اآلراء تذهب إىل‬
‫غري ذلك‪ُُ -‬تعد أصل املشتقات جميعها‪.‬‬

‫لننظر كيف أنهى ونستون ترششل الكلمة اليت ألقاها يف مجلس العموم يف ‪4‬‬
‫يونيو ‪1940‬؛ وهو اليوم ذاته الذي انتهت فيه عملية سحب الجنود العالقني‬
‫يف خليج «دنكرك»‪ .‬وقتئذ‪ ،‬مل تكن أمريكا‪ ،‬ويشري إليها ترششل يف كلمته بـ«العامل‬
‫الجديد»‪ ،‬قد انحازت إىل أي طرف يف الحرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫قال ترششل‪:‬‬

‫‪ ...‬إىل أن يتقدم‪ ،‬بمشيئة هللا‪ ،‬العامل الجديد بكامل قوته وجربوته‪ ،‬إلنقاذ العامل القديم‬

‫وتحريره‪.‬‬

‫الطريف أنه غالبًاً ُُتقتطع هذه الجملة من كلمته لدى االستشهاد بها‪ .‬والعامل‬
‫القديم هي أوروبا‪ .‬ولكن انظر كيف أنه يحمل القارئ (أو املستمع) إىل الذروة‬
‫ُ‬
‫والُح ْْسن يف نهاية الجملة بذكر مصدرين اثنني «إنقاذ» و«تحرير»‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«الُح ْْسن» مراوغًاً‪ ،‬فما هو باألصل؟ وهل يمكن تعلمه؟‬


‫ُ‬ ‫ال يزال مفهوم‬

‫ْسن‪ :‬محاولة للفهم‬ ‫ُ‬


‫الُح ْ‬

‫إذا كنت قد استفدت من هذا الكتاب‪ ،‬وأصبحت قادرًاً على الكتابة بجالء‬
‫وترتيب‪ ،‬أو كنت باألصل قادرًاً على ذلك‪ ،‬فعليك أن ََت ْْسعد؛ لقد أنجزت الكثري‪.‬‬
‫وفيما سيفضل القراء معظمهم الوضوح والبساطة على رطانة اللغة‪ ،‬يمكن‬
‫ّ‬
‫جاّفة‪ ،‬عقيمة ال حياة فيها‪ ،‬نادرًاً ما‬ ‫للبساطة املبالغ فيها‪ ،‬أن تتحول إىل لغة‬
‫الُح ْْسن يف جملك‪ ،‬لن تجعل فكرتها واضحة يف‬ ‫دفقًة من ُ‬ ‫ً‬ ‫تعلق بالذاكرة‪ّ .‬‬
‫إّن‬
‫األذهان فقط‪ ،‬بل يف كل مّرّة ُُت َ‬
‫سَت ْْدعى فيها إىل الذاكرة‪ ،‬ستبث املتعة واإلشباع‪.‬‬

‫لألسف‪ ،‬ليس ثمة طريق واحد إىل ُ‬


‫الُح ْْسن‪ ،‬وال يمكن تعلمه بإتقان هذا‬
‫األسلوب أو ذاك‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ثمة أدوات ستساعد على استكشاف الطريق إليه‪.‬‬
‫وقد تحدثنا عن العديد من هذه األدوات فيما تقدم‪ .‬لكن كتابتك لن تصبح‬
‫حسنة بمجرد معرفة هذه األدوات‪ ،‬تمامًاً مثل معرفتك بمكونات وصفة ما‪،‬‬
‫لن تجعلك طاهيًاً ماهرًاً‪ .‬ستحتاج أحيانًاً إىل نسيان بعض تلك األدوات؛ إىل‬
‫تجاوزها يك تجد صوتك بصفتك كاتبًاً‪ .‬ال ترتدد؛ افعل ذلك‪ .‬الكتابة الحسنة قد‬
‫تكون هبة؛ الهبات أيضًاً تحتاج إىل املمارسة والتعلم‪ .‬وأفضل أنواع ْاْل ُ‬
‫ُح ْْسن‪،‬‬
‫هو ذاك الذي يساعد على التفكري‪ .‬وأهم تلك األدوات‪:‬‬

‫التوازن والتناظر‬

‫فما يجعل جملة ما حسنة هو بشكل رئييس ذاك التوازن والتناظر بني أجزائها؛‬
‫إذ يردد كل جزء صدى األجزاء األخرى من حيث الصوت‪ ،‬واإليقاع‪ ،‬والرتكيب‪،‬‬

‫‪182‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫واملعىن‪ .‬الكاتب الجيد يستطيع تقريبًاً تحقيق التوازن بني أجزاء الجملة أّيًّاً‬

‫كانت‪ ،‬ولكن التوازن األكرث شيوعًاً يعتمد على التناظر املتوازن‪.‬‬

‫إليك أمثلة أوردها كتاب يف غاية األهمية‪ ،‬واعتمدت عليه كثريًاً‪ ،‬لجوزيف‬
‫وليامز وجوزيف بزيآب بعنوان‪،Style: Lessons in Clarity and Grace :‬‬
‫هذا النص املتناظر الذي كتبه الصحفي والكاتب والرت ليبمان‪:‬‬

‫إن الوحدة الوطنية لشعٍب ح ٍٍّر تعتمد على توازن يف السلطة السياسية بمقدار يكفي أن‬
‫ٍ‬
‫يجعل من املستحيل على الحكومة أن تكون تعسفية‪ ،‬وعلى املعارضة أن تكون متطرفة‬

‫ومعاندة‪ .‬حيثما يختل هذا التوازن‪ ،‬تفىن الديمقراطية‪ .‬ألنه‪ ،‬ما مل ُُتج الظروف جميع‬
‫رِبر‬
‫مواطين الدولة على عقد تسوية‪ ،‬ما مل يشعروا أن بمقدرتهم التأثري يف السياسة‪ ،‬وأنه‬
‫ً‬
‫كامًال‪ ،‬ما مل يأخذوا ويعطوا بحكم العادة واالضطرار‪ ،‬فإن‬ ‫ليس ألحٍد الهيمنة عليها‬
‫ٍ‬
‫الحرية ال يمكن صونها‪.‬‬

‫يف نص ليبمان‪ ،‬نجد أن كل عبارة تردد صدى األخرى من حيث الرتتيب‪،‬‬


‫معّقدًاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والصوت‪ ،‬واملعىن‪ ،‬بما يضفي على النص ككل تناظرًاً معمار ّيًّاً‬

‫دعنا نعمل على ترشيح نص ليبمان‪:‬‬

‫انظر كيف ُُت ِ‬


‫رِّدد كل كلمة مهمة يف عبارة‪ ،‬ما يقابلها يف العبارة األخرى (أبرزت‬
‫الكلمة األساسية يف كل عبارة بالخط العريض‪ ،‬وبوضع خط تحت النربة)‪.‬‬
‫الحظ كيف أن «متطرفة» و«معاندة» تردد صدى «تعسفية»‪:‬‬

‫إن الوحدة الوطنية لشعٍب ح ٍٍّر تعتمد على توازن يف السلطة السياسية بمقدار يكفي‬
‫ٍ‬
‫أن يجعل من املستحيل‪..‬‬

‫‪183‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ليبمان يخلق توازنا بني الكلمتني «الحكومة» و«املعارضة»‪ ،‬ويختم بتوازن‬


‫األصوات واملعاين يف النربات «تعسفية‪ ،‬متطرفة‪ ،‬ومعاندة»‪ .‬ثم يتبع ذلك‬
‫بجملة استنتاجية قصرية ال تنطوي على تناظر بني الكلمات‪ ،‬لكنها ال تزال‬
‫متوازنة‪:‬‬

‫ثم بعد ذلك‪ ،‬يبدع تركيبًاً معقدًاً‪ ،‬بثالث عبارات تمهيدية قبل الجملة الرئيسية‪،‬‬
‫على عكس بعض النصائح اليت جاءت يف هذا الكتاب‪ ،‬خالقًاً التوازن بني‬
‫العديد من األصوات واملعاين‪ ،‬وقد أرشت إليها بالخط العريض وبوضع خط‬
‫تحت العبارات‪:‬‬

‫‪184‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫انظر إىل االحتكاكات اليت تخلقها «ما مل» يف ثالث عبارات متتالية‪ ،‬ثم املقابلة‬
‫بني «التأثري» و«الهيمنة»‪ ،‬ثم ذاك التوازن يف املعىن بني «يأخذوا» و«يعطوا»‪،‬‬
‫وبني «العادة» و«االضطرار»‪ ،‬ثم يف العبارة األخرية «فإن الحرية ال يمكن‬
‫صونها» يردد صدى «حيثما يختل هذا التوازن‪ ،‬تفىن الديمقراطية»‪ ،‬من‬
‫حيث طريقة بنائها‪.‬‬

‫إذًاً‪ ،‬إحدى مزيات النرث الحسن هو البناء املتوازن‪ .‬وقد يكون هذا التوازن بني‬
‫أي جزأين من الجملة‪ ،‬أو الجمل‪ ،‬ويمكنك بسهولة خلق التوازن باستخدام‬
‫أدوات العطف أو االستدراك‪ ،‬أو العديد من أدوات الربط‪ .‬ليس بالرضورة أن‬
‫تكون كل جملة متوازنة‪ .‬ال بل إن االستخدام املفرط لهذه األداة سيبدو تحاذقًاً‪.‬‬
‫إذا استخدمت هذه األداة بحكمة وروّيّة داخل نصك لتختتم سلسلة أفكار‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫أو عندما تريد تسليط الضوء على نقطة مهمة‪ ،‬فإن القارئ النبيه سيلحظ‬
‫ّ‬
‫ويقّدره‪.‬‬ ‫الجهد املبذول يف بناء الجملة‬

‫التشويق‬

‫قد يلجأ الكاتب الجيد‪ ،‬إذا أراد إضفاء الحسن على كتابته‪ ،‬إىل البدء بسلسلة‬
‫من العبارات والجمل املتوازية‪ ،‬لتأخري الوصول إىل ذروة الجملة‪ ،‬ومن ََث ّّم خلق‬
‫التشويق‪ .‬انظر إىل هذا النص للصحفي جيمس فالوز‪:‬‬

‫َرب الصحفيون أنفسهم مسؤولني عن تزايد الريبة لدى الناس‪ ،‬بالقدر ذاته الذي‬
‫إذا اعت َ‬
‫ِ‬
‫يحِّملون فيه املسؤولية على السياسيني «الفاسدين» والجمهور «األناين»؛ إذا اعتربوا‬

‫أن الرخصة اليت يمتلكونها لالنتقاد والتشهري‪ ،‬تنطوي ضمنًاً على مسؤولية خدمة‬

‫الجمهور؛ إذا فعلوا ما ذكر جميعه أو أّيًّاً منه‪ ،‬فإنهم سيجعلون الصحافة أ كرث فائدة‪،‬‬

‫والحياة العامة أ كرث قوة‪ ،‬وسيجعلون أنفسهم أ كرث جدارة باالحرتام‪.‬‬

‫كما ترى‪ ،‬يفتتح فالوز جملته الطويلة هذه‪ ،‬بثالث عبارات رشطية‪ ،‬واألخرية منها‬
‫هي أطولها‪ .‬أيضًاً‪ ،‬عليك أن تنتبه أن هذه األداة مثل غريها؛ كرثة استخدامها‬
‫تقلل من تأثريها‪ .‬كلما ُ‬
‫اسُتخِدمت على نحو أقل‪ ،‬كان تأثريها أ كرب‪.‬‬
‫ِ‬

‫إليك الفكرة‪ :‬الجملة الحسنة األنيقة تنتهي دائمًاً بقوة‪ .‬يمكن تحقيق هذه‬
‫القوة بأربع طرق‪:‬‬

‫• الجملة اليت تنتهي بكلمة قوية‪ ،‬أو األفضل‪ ،‬بكلمتني قويتني‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫• الجملة اليت تنتهي بعبارة تردد صدى عبارة سابقة‪.‬‬

‫• الجملة اليت تنتهي بعبارة تتقاطع مع عبارة أخرى‪.‬‬

‫• ابِن الجملة بحيث تتصاعد فيها الدراما تدريجّيًّاً إىل أن تصل ذروتها يف‬
‫ِ‬
‫نهاية الجملة‪.‬‬

‫وهنا جملة للروائية األمريكية جويس كارول أوتس‪ ،‬من كتابه ا �‪New Heav‬‬
‫‪:en and New Earth‬‬

‫هيهات أن نكون محتجزين داخل جلودنا‪ ،‬داخل «زنزانات» أجسادنا‪ ،‬بمقدرتنا اآلن‬

‫إدراك أن عقولنا تنتمي‪ ،‬بطبيعتها‪ ،‬إىل «عقل» جماعي‪ ،‬عقل نتشارك فيه بما هو‬

‫ذهين؛ اللغة ذاتها كأوضح تجلياته‪ ،‬وأن تلك التخوم القديمة لِج ْْلِد اإلنسان ليست‬
‫ِ ِ‬
‫تخومًاً إطالقًاً‪ ،‬بل غشاء يربط بني تجربة الوجود الداخلية والخارجية‪ .‬ذكاؤنا‪ ،‬فطنتنا‪،‬‬

‫ِح ْْذ ََقنا‪ ،‬شخصياتنا الفريدة‪ ،‬هي كلها يف اآلن ذاته «ملكيتنا» وملكية العامل‪.‬‬
‫ِ‬

‫وإليك ترشيح هذا النص‪:‬‬

‫هيهات أن نكون محتجزين داخل جلودنا‪،‬‬

‫داخل «زنزانات» أجسادنا‪،‬‬

‫‪187‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫***‬

‫معّقدة‪ .‬أنا‬‫ّ‬ ‫ً‬


‫هندسيًة‬ ‫ال تبتئس إذا وجدت هذه األشكال يف بناء الجملة‬
‫أيضًاً‪ ،‬مل تكن عالقيت جيدة يومًاً مع الرياضيات‪ .‬وأحسب أن معظم ُ‬
‫الُك ّّتاب‬
‫والصحفيني مثلي؛ ى‬
‫فأىّن لنا أن نستطعم ذلك املعىن الصويف‪ ،‬الكوين فيها؛ نحن‬
‫الذين هربنا من الجرب‪ ،‬والتفاضل والتكامل‪ ،‬وعلم الهندسة إىل دراسة الفروع‬
‫األدبية؟! لكن يف السنوات األخرية‪ ،‬بدأت أستكشف تلك العالقة بني الكتابة‬
‫والرياضيات؛ فاملنطق الريايض منطق متعاٍل‪ ،‬متساٍم ‪ ،Transcendental‬ال‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُُيفهم معناه إال بعمل «زووم آوت» ومشاهدة تلك الخيوط اليت تربط ما بني‬

‫‪188‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مكوناته‪ .‬تمامًاً مثلما فعلنا بترشيح الجمل السابقة بالرسوم البيانية‪ ،‬لفهم‬
‫الصورة األكرب لها‪.‬‬

‫قبل نحو ‪ 800‬عام‪ ،‬نرش اإليطايل ليوناردو فيبوناتيش كتابًاً سماه «ليرب‬
‫أباتيش» (كتاب الحساب) مستلهمًاً األرقام العربية اليت تعّرّف إليها يف مدينة‬
‫«بجاية» الجزائرية حيث كان لوالده تجارة هناك‪ .‬وأورد فيه متتالية ُُعرفت‬
‫فيما بعد بـ«متتالية فيبوناتيش»‪ ،‬ومفادها أن كل ٍ‬
‫حٍّد يف هذه املتتالية هي‬
‫َ‬
‫الحَّدين اللذين يسبقانه‪ .0-1-1-2-3-5-8-13-21 :‬استخدمت‬ ‫مجموع‬
‫هذه املتتالية فيما بعد يف األسواق املالية وخوارزميات الكمبيوتر‪ ،‬وحىت يف‬
‫ً‬
‫فمثًال الزهور جميعها تتبع هذه املتتالية يف عدد أوراقها‪،‬‬ ‫العلوم البيولوجية؛‬
‫ً‬
‫مثًال‪ ،‬وأشياء أخرى كثرية يف الكون الفسيح‪.‬‬ ‫ال تجد زهرة بـ‪ 4‬أو ‪ 6‬أو ‪ 9‬أوراق‬

‫ويكاد املرء يقف صامتًاً يف حرضة ذلك الهارموين الذي تتحرك فيه أرساب الطيور‬
‫أو األسماك‪ ،‬أو تلك اإلضاءة املتناغمة اليت تطلقها عرشات آالف حرشات الرياع‬
‫من بطونها يف إيقاع كوين يضاهي بجماله لوحات فان كوخ ورنوار ومونيه‪.‬‬
‫حسنًاً‪ ،‬لقد وجد العلماء أن كل ذلك يسري بحسب أنساق ومعادالت رياضية‪،‬‬
‫من حركة الذرات إىل تشكل املجرات‪.‬‬

‫نحن البرش أيضًاً لدينا هذه األنساق ومعرفة ال واعية بالرياضيات تتحكم يف‬
‫ّ‬
‫املعّقدة اليت تستخدمها من دون أن‬ ‫سلوكنا‪ .‬ويمكنك تخّيّل املعادلة الرياضية‬
‫تدرك ذلك‪ ،‬اللتقاط كرة بقدميك يف املكان والزمان الصحيحني‪y = (v/u) x :‬‬
‫‪ .- (x^2/2u^2) x^2‬هذه املعادلة تسمى «خطية تربيعية»‪ ،‬وعلى األرجح‪،‬‬
‫سيصعب عليك فهمها حىت‪ ،‬وإن رُشر حت‪ ،‬مع ذلك فأنت ال تزال تلتقط برباعة‬
‫الكرة بقدميك‪ ،‬تمامًاً مثلما قد تكتب بُيٍُرس جمل يحكمها منطق ريايض حسن‪.‬‬
‫ٍ‬

‫‪189‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الكتابة الجيدة‪ ،‬مثل الرياضيات‪ ،‬تنطوي على ذاك االمتنان الفطري لإليقاع‬
‫واألنماط والرتاكيب؛ ذاك اإلحساس الذي نشعر به عند قراءة رواية عظيمة أو‬
‫قصة شائقة‪ ،‬أو ربما قصيدة رائعة‪ ،‬بأن ما قرأناه يشء جميل‪ ،‬فأجزاؤه ترتاكب‬
‫معًاً‪ ،‬لتك ّّون ُُكًاّل� ً واحدًاً ال تنفصم ُُعراه‪ ،‬تمامًاً مثل البهاء والحسن الذي شعر‬
‫بمعادلة‬ ‫‪43‬‬
‫عندما اكتشف‬ ‫‪42‬‬
‫به عام ‪ 1980‬عامل الرياضيات بينوا ماندلربوت‬
‫بسيطة ‪ ،Zn+1 = Zn2 + C‬ما بات ُُيعرف اآلن بمعادلة ماندلربوت‪ .‬وال بد‬
‫الكمبيوتر وقضيت وقتًاً‬ ‫‪44‬‬
‫أنك قد شاهدت تجسيدها يف شاشات توقف‬
‫تتأمل اإلبداع الذي فيها‪.‬‬

‫وجدَت كتابة جيدة‪ ،‬ستجد معها الرياضيات؛ فرواية «مويب ديك» مليئة‬‫َ‬ ‫أينما‬
‫َ‬
‫ستكَتشف‬ ‫َ‬
‫قرأَت أ كرث لكاتبها هرمان ملفيل‪،‬‬ ‫باالستعارات الرياضية‪ ،‬ال بل ّ‬
‫كّلما‬
‫الرياضيات أ كرث فأ كرث‪ .‬وليس ملفيل وحده‪ ،‬ليو تولستوي كتب عن التفاضل‬
‫والتكامل‪ ،‬وجيمس جويس كتب عن الهندسة‪ ،‬ومثلثات قطرب أيب علي دمحم‬
‫بن املستنري‪ ،‬النحوي الذي سار بعكس التيار‪ ،‬ورباعيات عامل الفلك والريايض‬
‫والفيلسوف والشاعر عمر الخيام‪ ...‬إلخ‪ .‬هذا ما تستكشفه عاملة الرياضيات‬
‫سارة هارت يف كتابها الصادر حديثًاً ‪.Once Upon a Prime‬‬

‫الكتابة الحسنة والرياضيات ليستا مرتابطتني فحسب‪ ،‬بل إن استكشاف هذا‬


‫الربط يزيد متعة القراءة‪ ،‬كما فعلنا يف ترشيح نص ليبمان وأوتس‪.‬‬

‫وثمة سبب أعمق يفرس وجد الرياضيات يف قلب األدب والكتابة الحسنة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪Mandelbrot , Benoit, Wikipedia.org.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪Clarke , Arthur C. Fractals - The Colors Of Infinity, YouTube 2011.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪Eye of the Universe - Mandelbrot Fractal Zoom, YouTube.‬‬

‫‪190‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الرياضيات تجعل «العبث» الكوين منتظمًاً‪ :‬الكون مليء‪ ،‬بما يبدو وكأنه‬
‫«عبث» محض‪ ،‬بمليارات النجوم والكواكب اليت تدور أبدًاً‪ ،‬وتتقاطع‪ ،‬ثم‬
‫ٌ‬
‫نجوٌم وكواكب جديدة‪ ،‬وأفضل أداة لفهم هذا‬ ‫تتصادم‪ ،‬وتموت‪ ،‬ثم تولد‬
‫«العبث» هي الرياضيات؛ «لغة الكون»‪ ،‬اليت اكتشفت أن وراء كل ذلك تراكيب‬
‫وأشكاًال منتظمة وأنماطًاً متناسقة‪ ،‬تمامًاً كما فعلت معادلة ماندلربوت اليت‬
‫ً‬
‫ترى أن وراء عدم االنتظام هذا نظامًاً دقيقًاً يجد فيه كثري من البرش البصمة‬
‫اإللهية يف خلق الكون‪.‬‬

‫ً‬
‫قابًال للعيش؛ كما تجعل الرياضيات‬ ‫القصص‪ ،‬بدورها‪ ،‬تجعل «عبث» الحياة‬
‫الكوَن مفهومًاً لدينا‪ ،‬فإن أدمغتنا نحن البرش تساعدنا‬
‫َ‬ ‫بمنطقها ومعادالتها‬
‫على خوض «عبث» الحياة بالقصص‪ .‬من دون القصص ما كنا قادرين على‬
‫تقبل املوت والفناء‪ .‬أدمغتنا تلهينا عن هذه الحقيقة املروعة‪ ،‬بأن تمأل حياتنا‬
‫بأهداف نسعى إىل تحقيقها‪ .‬والصعوبات اليت نمر بها يف أثناء السعي لتحقيق‬
‫تلك األهداف‪ ،‬هي قصتنا‪ .‬إنها تمنح وجودنا معًىنً‪ .‬ال يمكن فهم عامل اإلنسان‬
‫من دون القصص‪ .‬نحن نعيش حياتنا اليومية داخل قصة‪ .‬عقولنا تخلق عاملًاً‬

‫نعيش فيه؛ تك ّّون الصداقات‪ ،‬وتكتسب العداوات‪ ،‬وتضع األهداف لتصنع‬


‫الحبكة؛ حبكة حياتنا‪ .‬إن ما يفعله العقل هو خلق قصة تح ّّول «عبث» الحياة‬
‫إىل «أمل»‪ .‬فأدمغتنا مربمجة فطر ّيًّاً على «معالجة» القصص‪ ،‬وليس املنطق‪.‬‬
‫تولد القصة يف الدماغ كما يتدفق الهواء بني الشفتني‪ .‬وكل ما فعلته يف هذا‬
‫الكتاب هو مساعدتك بأدوات‪ ،‬قد تستخدمها أو تتجاوزها‪ ،‬للنظر بعني عقلك‬
‫إىل داخلك لتكتشف الكاتب الكامن فيك‪ ،‬وتخرجه إىل النور‪.‬‬

‫انتهى‬

‫‪191‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪192‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫امللحق األول‬

‫نافذة على القصة‬

‫فازت قصة «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة» بفارق ساعات‪ ،‬بالجائزتني املرموقتني‬
‫«بوليزتر» و«جائزة ناشيونال ماجازين» عن فئة «الفيترش» لعام ‪ .2020‬القصة ُُنرشت‬
‫يف يونيو‪/‬حزيران ‪ ،2020‬يف مجلة «‪ »Runner’s World‬اليت تنرش عن األحذية‬
‫ّ‬
‫ولعّل هاتني الجائزتني هما أوىل جوائز املجلة‬ ‫الرياضة أ كرث مما تنرش قصصًاً إنسانية‪.‬‬
‫اليت تصدر منذ عام ‪.1966‬‬

‫قبل النرش بشهر تقريبًاً‪ ،‬كان ميتشل جاكسون قلقًاً‪ .‬يف مايو‪/‬أيار ‪ 2020‬كان قد أرسل‬
‫ت ّّوًاً الفصل األول من روايته األخرية إىل وكيله‪ .‬بانتظار استجابته‪ ،‬أراد أن ُُيشغل نفسه‬
‫بالكتابة الصحافية‪ .‬فجاكسون أيضًاً كاتب مساهم يف مجلة ‪ Esquire‬الرجالية اليت‬
‫تصدرها رشكة «هريست» إىل جانب ‪ Runner’s World‬ومطبوعات أخرى‪.‬‬

‫عندما اتصل به مدير تحرير مشاريع رشكة «هريست» ليكتب ملجلة ‪Runner’s World‬‬
‫قصة عن مقتل أحمود ماركزي أربريي يف فرباير‪/‬شباط ‪ ،2020‬كان جاكسون مرتددًاً؛‬
‫عّدا ًًء حقيقّيًّاً‪ ،‬كيف يكتب إذًًا‬
‫فعلى الرغم من ممارسته لرياضة الجري‪ ،‬مل يكن يومًاً ّ‬

‫بالعّدائني؟! بعد أخذ ورد‪ ،‬اقتنع أخريًاً‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ملجلة متخصصة‬

‫مل يخرج جاكسون من مزنله يف «هارمل» بنيويورك؛ كانت جائحة كورونا قد بدأت تتجه إىل‬
‫الذروة‪ .‬مل يكن يعرف «مود» أو عائلته‪ ،‬ومل يذهب ويقابل أحدًاً وجهًاً لوجه‪ .‬مل ي ََر مزنل‬
‫«مود»‪ ،‬ومل يجِر جولة يف الشارع الذي ُُقِت َ‬
‫َل فيه‪ .‬لكن بعد ثالثة أسابيع‪ ،‬وساعات طويلة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪193‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫من العمل؛ من ‪ 10‬إىل ‪ 14‬ساعة يومّيًّاً‪ ،‬ومقابالت ال نهائية عن ُُبعد‪ ،‬أنتج «حياة يف‬
‫اثنيت عرشة دقيقة» يف ‪ 5900‬كلمة باللغة اإلنجلزيية‪.‬‬

‫جمع جاكسون املعلومات من مصادر متنوعة‪ .‬أجرى مقابالت عن ُُبعد مع عائلة أربريي‬
‫وأصدقائه وصديقته ومدرب كرة القدم‪ ،‬ما ساعده على إعادة بناء شخصية «مود»‬
‫بأبعادها املتعددة‪.‬‬

‫كان قد مىض ‪ 4‬أشهر على مقتل «مود»‪ ،‬وبمساعدة مراسل متمِّرِس يف جورجيا‪،‬‬
‫تمكن من دراسة تقارير الرشطة والطبيب الرشعي‪ .‬درس األخبار اليت ُُنرشت عنه طوال‬
‫تلك الفرتة‪ .‬قىض ساعات يف مشاهدة تحقيق مص ّّور لجريمة القتل ّ‬
‫أعّدته صحيفة‬
‫نيويورك تايمز‪ ،‬ومقاطع فيديو أخرى على الشبكات االجتماعية‪ ،‬حىت استطاع صياغة‬
‫صورة دقيقة ومرعبة للجريمة‪.‬‬

‫تتناوب القصة يف ثالثة مسارات‪ :‬الحياة اليت عاشها أربريي‪ ،‬وتسلسل أحداث الجريمة‪،‬‬
‫رجًال أسود‪ .‬فهو مثل أربريي‪ُُ ،‬قبض‬
‫ً‬ ‫ومنظور الراوي‪ :‬حياة جاكسون الشخصية بصفته‬
‫عليه يف قضية حيازة سالح مع املخدرات يف بداية العرشينيات من أعمارهما‪ .‬وبينما كان‬
‫الحكم على أربريي بوضعه تحت املراقبة‪ ،‬أمىض جاكسون ‪ 16‬شهرًاً يف سجن بوالية‬
‫أوريغون‪.‬‬

‫حياة يف اثنيت عرشة دقيقة‬

‫‪194‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫العَب «ركض خلفّيّ‬


‫َ‬ ‫ْل الشاب أحمود «مود» أربريي‪ ،‬الذي بدأ مسريته‬ ‫تخ ّّي ْ‬
‫احتياطّيًّاً» وأصبح العب «ظهري الخط»‪ ،‬يف ملعب لتدريب فريق «برونزويك‬
‫قّسم‬
‫هاي بايرتز» [قراصنة مدرسة برونزويك الثانوية] لكرة القدم األمريكية‪ّ .‬‬
‫املدرب الفريق إىل مهاجمني ومدافعني‪ ،‬وجعل املهاجمني يتدربون على خطتهم‬
‫للمباراة التالية مع الفريق الخصم‪ .‬املدرب‪ ،‬كعادته‪ ،‬كان يسخر من املدافعني‪.‬‬
‫يقول لهم‪« :‬لستم جاهزين»‪« .‬ال يمكنكم إيقافنا»‪« .‬ماذا ستفعلون؟» يف‬
‫أثناء املباراة‪ ،‬يندفع «مود» بطوله البالغ ‪ 178‬سنتيمرتًاً ووزنه الذي يصل إىل‬
‫‪ 75‬كغ‪ ،‬نحو الالعبني الذين يشكلون حائط الصد‪ ،‬وبووووم! فَي ُ‬
‫َصُدر صوت‬
‫أشبه ما يكون باصطدام السيارات‪ ،‬يرتدد صداه يف امللعب ثم يف املدرجات‪،‬‬
‫ويصل حىت غرفة خلع املالبس‪ .‬إنها مأثرة يريدها املراهق «مود» أن تكون‬
‫رسالة إىل مدربيه‪ ،‬وزمالئه يف الفريق‪ ،‬للقايص والداين‪ ،‬ومفادها‪ :‬ال تختربوا‬
‫قوة قليب‪ .‬رفع بعض هؤالء الزمالء قبضاتهم إىل أفواههم وهم يصيحون‪:‬‬
‫أوووه‪ .‬آخرون َرَبتوا اللبادات على أ كتاف زمالئهم وهم يشريون إىل «مود»‪.‬‬
‫أحد مساعدي املدرب جفل‪ ،‬وركض ملساعدة العب آخر سقط أرضًاً‪ .‬واملدرب‬
‫ّ‬
‫«وّفر ذلك ليوم الجمعة‪ .‬دعنا‬ ‫نفخ يف ّ‬
‫صّفارته‪ .‬ورصخ‪« :‬ملاذا رضبته هكذا؟»‬
‫نرك تفعل ذلك الجمعة»‪.‬‬

‫يف تلك الجمعة‪ ،‬يف ملعب مقاطعة «جلني» (أحد أ كرب مالعب املدارس الثانوية‬
‫يف والية جورجيا املحبة لكرة القدم األمريكية)‪ ،‬كان «القراصنة» يتجمعون‬
‫بقمصانهم البيضاء املزركشة باللون األزرق والذهيب‪ ،‬يف غرفة خلع املالبس‪.‬‬
‫«مود» الذي يرتدي ُُلّبّادات كتف مرتفعة وقناعًاً واقيًاً للوجه بقياس ‪X 4 2‬‬
‫«باّك» ولاّلا عب الشهري شون تايلور‪ ،‬تباهى وسط‬
‫ّ‬ ‫والرقم ‪ 21‬تكريمًاً ألخيه‬
‫زمالئه‪ّ ،‬‬
‫ورّدد ترتيلة ما قبل بدء املباراة‪.‬‬

‫«هل أنتم جاهزون؟» يصيح‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«إي نعم جاهزون!» يصيحون‪.‬‬


‫«هل أنتم جاهزون؟» يصيح‪.‬‬
‫«إي نعم جاهزون!» يصيحون‪.‬‬
‫«لستم جاهزين؟!» يصيح‪.‬‬
‫«شيييييييت!» يصيحون‪.‬‬

‫كيف أعاد بناء املشهد االفتتاحي؟‬

‫كان قد مىض على املباراة يف املشهد االفتتاحي ما ال يقل عن ‪ 7‬سنوات‪ ،‬فكيف استطاع‬
‫جاكسون أن يعيد بناءه بهذه الطريقة القوية والحيوية؟ هذا النوع من الكتابة ُُيعد مزجًاً‬

‫بني الخيال والواقع؛ فالكاتب يستخدم أداة الخيال لرسد قصة حقيقية‪ .‬يف الكتابة‬

‫اإلبداعية‪ ،‬يدخل الكاتب يف عقل الشخص الذي يكتب عنه ويستلهم أحاسيسه‪.‬‬

‫جاكسون عرف من أصدقاء «مود» قوة إرادته وعزيمته‪ ،‬وعرف الوقائع األساسية‬

‫للمباراة من «أ كيم» صديق «مود»‪ ،‬ومن مدربه «جيسون»‪ .‬وجاكسون نفسه كان‬

‫العبًاً هاويًاً‪ ،‬وقد سبق أن مّرّ بهذه التجارب‪ .‬ثم تحقق من وقائع املباراة من الناس‬

‫واملدربني الذين شاهدوها بأنفسهم‪ ،‬لذلك بقدر الخيال يف املشهد االفتتاحي‪ ،‬كانت‬

‫دقة وقائعه األساسية‪.‬‬

‫وسط تصفيق حا ّّد أشبه بالرعد‪ ،‬اندفع الفريق من فتحة النفق الذي يؤدي إىل‬
‫أرضية امللعب‪ ،‬وقد تصاعد منه الضباب يف ثورة غضب‪ .‬فرقة املدرسة تعزف‬
‫ّ‬
‫صّف أمام الفرقة‬ ‫أغنية القتال‪ ،‬واملشجعات يلوحن بالـ «بوم بومس» يف‬
‫املوسيقية‪ .‬بحر صاخب من األزرق والذهيب يف املدرجات‪ ،‬بينهم كثري من معارف‬
‫«مود»‪ .‬يف أثناء اللعب‪ ،‬بدأ الفريق الخصم بالتمرير يف املباراة‪ ،‬فلجأ «مود» إىل‬
‫قوته املدمرة‪ ،‬وتحت وهج أضواء مصابيح الهاليد املعدين الكاشف بما تشكله‬
‫ٍ‬
‫تحٍّد‪ ،‬اندفع «مود» برسعة فائقة نحو العب الركض الخلفي وبووووم! يف‬ ‫من‬
‫ارتطام أشبه باصطدام الشاحنات‪ .‬ترددت الضجة عرب امللعب ثم املدرجات‪،‬‬

‫‪196‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بل ربما يف كامل مدينة «برونزويك»‪ .‬صدر هدير من املشجعني‪ ،‬لكن «مود»‬
‫هرول إىل الخطوط الجانبية بعدم اكرتاث تقريبًاً‪« .‬جيسون فون»؛ مساعد‬
‫املدرب وكان قد أرشف أيضًاً على تدريب «مود» يف فريق الناشئني‪ ،‬مسكه من‬
‫كيَف َ‬
‫أَّن‬ ‫َ‬
‫دهشَة َ‬ ‫القناع الوايق لوجهه‪« .‬هكذا تكون الرضبة» قال له‪ ،‬وهو يكتم‬
‫صبّيًّاً بحجمه يستطيع أن يرضب بتلك القوة‪.‬‬

‫لكن هذا هو الشاب «مود»‪ ،‬صغري يف الحجم‪ ،‬كبري يف القلب‪.‬‬

‫شاعر ية النص‬

‫ُ‬
‫ذكرُت أن «اذبح‬ ‫لست من محيب الجمل الشاعرية‪ .‬يف النصيحة السابعة يف هذا الكتاب‬

‫الجمل العزيزة على قلبك»‪ .‬يف املشهد السابق من «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة»‪ ،‬تمر‬

‫جملة مل أستطع تجاهلها‪ .‬ليس ألنها شاعرية؛ فهي كذلك‪ ،‬بل ألن «شاعريتها» تصل‬

‫حد اإلدهاش؛ تلك املتعة يف إحداث «الفهم» يف أذهان اآلخرين‪.‬‬

‫الجمل الحسنة تتنازعها قوتان‪ُ :‬‬


‫ُح ْْسن الرتكيب والقدرة على اإلدهاش‪ .‬إذا طغى‬
‫ُح ْْسن الرتكيب على القدرة على اإلدهاش‪ ،‬تح ّّولت الجملة إىل ّ‬
‫تكّلف‪ ،‬وباتت «عزيزة‬ ‫ُ‬

‫وجَب ذبحها‪ .‬وإذا طغى اإلدهاش على ُ‬


‫الُح ْْسن‪ ،‬احتفظت الجملة‬ ‫َ‬ ‫على القلب»؛‬

‫بديناميكيتها‪ ،‬بكونها جملة «صحفية»‪ ،‬بها أ كشن‪ .‬أي تظل الجملة حسنة الرتكيب‪،‬‬

‫لكنها ديناميكية؛ تدفعك لتفكر‪ ،‬لتفهم‪ ،‬تجعلك ترى بعني عقلك‪ ،‬وتستشعر بحواسك‪.‬‬

‫الجملة الحسنة؛ الكاملة الحسن‪ ،‬تسافر عرب الزمان واملكان‪ .‬تجعلك‪ ،‬بأبهى صورها‪،‬‬

‫تحلف بأغلظ األيمان إنك كنت على وشك قولها لو مل يسبقك إليها‪ .‬فقد كانت على‬
‫ّ‬
‫األخّف‪ ،‬تشعر بالغرية ألنك لست بقائلها‪.‬‬ ‫طرف لسانك‪ .‬أو تجعلك‪ ،‬بالبهاء‬

‫‪197‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫وجمل جاكسون الحسنة‪ ،‬هي من هذا النوع‪ .‬تثري الدهشة من دون ّ‬


‫تكّلف‪.‬‬

‫رصفُت كثريًاً من الوقت على ترجمتها‪ ،‬ولكن أعرتف بأنين‬


‫ُ‬ ‫ففي املشهد أعاله‪ ،‬تمّرّ جملة‬

‫أخفقت يف نقل كم الدهشة الهائل فيها بلغتها األصل؛ اإلنجلزيية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫“‪”.Beneath a metal-halide glare that’s also a gauntlet‬‬

‫وترجميت‪« :‬تحت وهج أضواء مصابيح الهاليد املعدين الكاشف بما تشكله من تحٍّدّ »‬

‫املشكلة يف كلمة ‪ gauntlet‬اليت تعين بمعناها املعارص التحديات أو الصعاب‪ ،‬ولكن‬

‫بمعناها القديم تعين القفاز املعدين‪.‬‬

‫(الحظ هنا أن الضوء والقفاز يتشاركان يف كونهما معدنيني)‪.‬‬

‫تاريخّيًّاً‪ gauntlet ،‬تشري إىل ّ‬


‫قّفاز واٍق معدين كان يرتديه الفارس ليحمي بها ّ‬
‫كّفه‬
‫ٍ‬
‫بوصفه جزءًاً من الدرع الذي يغطي به جسده‪ .‬يف العصور الوسطى‪ ،‬عندما يتحدى‬

‫فارس ما آخَرَ‪ ،‬كان يرمي بقفازه املعدين يف داللة على التحدي‪ .‬إذا التقطه الفارس اآلخر‬

‫فهذا يعين أنه قبل التحدي‪ .‬ثم يتبارزان إىل أن يقتل أحدهما اآلخر‪.‬‬

‫مع مرور الوقت‪ُ ،‬‬


‫اسُتخدم تعبري «‪ »gauntlet‬بمعىن أ كرث عمومية‪ ،‬ليشري إىل التحديات‬

‫اليت ينبغي للمرء التغلب عليها‪ .‬و ُُيستخدم تعبري ‪ run the gauntlet‬لوصف سلسلة‬

‫املصاعب اليت يجب أن يمر بها املرء لبلوغ هدف معني‪ .‬لكن الكلمة ال تزال تحمل بقايا‬

‫آثار عهود الفروسية‪.‬‬

‫يف سياق الجملة «‪،»beneath a metal-halide glare that›s also a gauntlet‬‬

‫‪198‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يستخدم جاكسون التعبري بمعىن مجازي لوصف ما تسِّبِبه األضواء الكاشفة من ضيق‬
‫َ‬
‫صورَة الفروسية‪ :‬على‬ ‫يف الرؤية لدى الالعبني يف امللعب‪ .‬ما يستحرض‪ ،‬ولو من بعيد‪،‬‬

‫ظهر حصانه‪ ،‬وتحت ثقل درعه املعدين‪ ،‬يغري «مود» على األعداء‪ ،‬وعليه أن يتحمل‬

‫مشاق اإلغارة‪.‬‬

‫جاكسون مل ينسج الجملة من بنات خياله‪ .‬بحث عن امللعب‪ ،‬وتعّرّف على نوع اإلضاءة‬
‫ألّن املباراة جرت ً‬
‫ليًال‪ .‬هو نفسه كان العب كرة‬ ‫فيه‪ ،‬وعرف أن األضواء ستكون ساطعة ّ‬

‫سلة متمزيًاً يف مرحلة الثانوية‪ .‬اخترب األضواء الكاشفة وما تشكله من تحِّدّ لالعبني يف‬

‫كرة القدم األمريكية أو كرة السلة‪ ،‬واخترب أيضًاً مدى كثافة الجمهور يف املدرجات يف‬

‫مباريات كهذه‪.‬‬

‫األحد ‪ 23‬فرباير ‪ 2020 | 13:04‬لقطات فيديو مراقبة من مزنل مجاور تظهر‬


‫بالدقيقة «مود» الذي خرج للجري يف منطقة «ساتيال شورز» بـ«برونزويك»‪،‬‬
‫يتجول يف رقعة مشمسة من الطريق الضيقة‪ ،‬ويتوقف عند املرج ّ‬
‫املبّقع لبيت‬
‫من طابق واحد بلون الرمال ال يزال تحت اإلنشاء يف العنوان‪« 220 :‬ساتيال‬
‫درايف»‪ .‬ثمة تواليت أحمر متنقل يف الفناء األمامي‪ .‬املرأب مفتوح على‬
‫مرصاعيه‪.‬‬

‫الخط الدرامي‬

‫يف هذا املشهد‪ ،‬ينحرف الخط الدرامي للقصة عن الخلفيات اليت أىت منها «مود»‪ ،‬إىل‬

‫التسلسل الزمين لألحداث اليت أفضت إىل مقتله‪.‬‬

‫سيتابع جاكسون القصة حىت نهايتها بهذا البناء الدرامي‪ :‬قصة داخل قصة‪ .‬قصة‬

‫‪199‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مقتل «مود» داخل قصة «مود» اإلنسان‪ :‬مولده‪ ،‬نشأته‪ ،‬دراسته‪ ،‬عالقته مع أرسته‬

‫وأصدقائه‪ ،‬شغفه بكرة القدم األمريكية‪ ،‬حبه األول‪ ،‬خططه لتكوين أرسة‪ ،‬أحالمه‬

‫وإحباطاته‪.‬‬

‫خالل رسد القصتني‪ ،‬سيتدخل جاكسون أيضًاً بصوت الراوي‪ ،‬وسيسـرد جزءًاً من‬
‫ً‬
‫إضافًة‬ ‫قصته الشخصية ‪-‬فهو أيضًاً‪ ،‬مثل «مود»‪ ،‬كان قد ُ‬
‫اعُتقل بتهمة حيازة سالح‬

‫إىل مخدرات‪ -‬وسيتحدث عن رؤيته‪ ،‬وتأمالته‪ ،‬وتفسريه ملا جرى لـ«مود»‪.‬‬

‫عندما بارش جاكسون يف كتابة القصة بعد مقتل «مود» بثالثة أشهر‪ ،‬كانت ال تزال‬

‫القضية طازجة‪ .‬الشـرطة مل توقف الرجال البيض الثالثة املتورطني يف الجريمة إال بعد‬

‫أشهر من الحادث‪ .‬وستنتظر املحكمة سنتني ونصفًاً قبل أن تنطق بالحكم النهايئ‪.‬‬

‫لفهم ما جرى‪ ،‬كان رضور ّيًّاً بناء السياقات؛ الصورة األكرب‪ .‬وما كان ذلك ممكنًاً من دون‬

‫التضحية بالخط الدرامي‪ ،‬فلجأ جاكسون إىل هذا البناء‪ :‬قصة داخل قصة‪ ،‬ليحافظ‬

‫على الزخم الدرامي‪ .‬كان قد استخدم التكنيك ذاته يف روايته ‪ John of Watts‬اليت‬

‫كان قد فرغ من كتابتها قبل أيام‪.‬‬

‫ورسواًال قصريًًا‬
‫ً‬ ‫مرتديًاً حذاء «ناييك» بعنق قصري ولون فاتح‪ ،‬وتيشريتًاً أبيض‪،‬‬
‫كاكّيًّاً‪ ،‬يتسكع أحمود على املرج للحظة قبل أن يتجه إىل داخل البناء‪ .‬كامريا‬
‫املراقبة تسجل داخل البناء‪ ،‬وتظهر أعمدة خشبية وألواح خشبية معاكسة‬
‫وأ كوام من ألواح الـ«شيرتوك» الجصية‪ ،‬وأنابيب وأسالك‪ .‬هنالك صناديق‬
‫مبعرثة ورافعة شوكية صغرية محشورة يف الزاوية‪ .‬ال يلمس «مود» أّيًّاً من‬
‫هذه األشياء‪ .‬ينظر حوله‪ ،‬يحدق خارج إطار تسجيل الكامريا باتجاه النهر خلف‬
‫املزنل‪ .‬ربما يتساءل كيف سيبدو املزنل عندما ينتهي بناؤه‪ .‬ربما يستحرض صورة‬
‫أرسة يمكنها دفع تكاليف العيش يف مكان كهذا قريب من املياه‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫كتابة قصة من املزنل‬

‫أمىض جاكسون ساعات طويلة يف مشاهدة وإعادة مشاهدة مقاطع كامريا املراقبة‬

‫اليت انترشت على اإلنرتنت‪ ،‬كما شاهد مرارًاً الفيديو الذي أنتجته صحيفة نيويورك تايمز‬

‫وتسلسل وقوع الحدث‪ .‬من املهم هنا االنتباه إىل أن الكاتب كتب القصة كاملة من‬

‫دون أن يخرج من مزنله‪.‬‬

‫«مود» ليس أول شخص يتجول يف املوقع‪ .‬سجلت كامريات املراقبة آخرين‬
‫منهم زوجان من الِبْيِْض يف إحدى األمسيات وزوج من األوالد البيض يف‬
‫ِ ِ‬
‫يوم آخر‪ .‬يف أربع مناسبات‪ ،‬سجلت أيضًاً ما يبدو أنه الشخص نفسه‪ :‬شاب‬
‫أسود نحيل ذو شعر طبيعي جامح ووشوم على كتفيه وذراعيه‪ ،‬رجل‪ ،‬ال يشبه‬
‫«مود» يف نظري‪ .‬اسمح يل أن أضيف أن صاحب املزنل سيؤكد أنه مل ُُيرسق أو‬
‫ُُيتلف أي يشء خالل تلك الزيارات جميعها‪.‬‬

‫«اسمح يل أن أضيف»‬

‫يستخدم جاكسون هنا ضمري املخاطب يف قوله‪« :‬اسمح يل أن أضيف»‪ ،‬ليتقّرّب من‬

‫القارئ‪ ،‬ويتحدث إليه مبارشة‪ ،‬ألن ما يقول يستدعي التأمل‪ .‬ففي مثل هذه الصيغة‪،‬‬

‫يعرف القارئ أن الكاتب موجود هنا اآلن‪ ،‬والكاتب يعرف أن القارئ موجود هنا أيضًاً‪.‬‬

‫القارئ يصبح رشيكًاً‪ ،‬وينخرط يف فعل القراءة على نحو أعمق‪.‬‬

‫ً‬
‫أفروًال يرصد «مود» يف أثناء تجواله يف‬ ‫يف هذه األثناء‪ ،‬أحد الجريان يرتدي‬
‫املوقع‪ ،‬ويتصل بالرقم ‪ .9-1-1‬يقول‪« :‬هناك رجل يف املزنل اآلن»‪« .‬إنه مزنل‬

‫‪201‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫قيد اإلنشاء‪ 219 .‬أو ‪ 220‬ساتيال درايف»‪ .‬الرجل الجار ينتظر عند تقاطع‬
‫شارعي «جونز» و«ساتيال درايف»‪ .‬تقول املرأة اليت تلقت البالغ‪« :‬أريد فقط‬
‫أن أعرف ما الخطأ الذي يرتكبه؟»‪.‬‬

‫مصدر املعلومات‬

‫اعتمد جاكسون على ما ُُنرش بكثافة عن مقتل «مود» آنذاك‪ .‬ثم إَّنَه تعاون مع صحايف‬

‫من مدينة «برونزويك» لزتويده بالتقارير األصلية للرشطة والطبيب الرشعي‪.‬‬

‫يقول املتصل‪« :‬سبق أن التقطته الكامريا مرات عديدة‪ .‬هذه الحوادث تتكرر‬
‫هنا»‪ .‬وهذه إفادة ال يستطيع التأ كيد عليها‪ ،‬رغم أنه يصف «مود» على نحو‬
‫صحيح‪« :‬رجل أسود‪ ،‬تيشريت أبيض»‪.‬‬

‫استخدام صيغة املضارع‬

‫اختار جاكسون استخدام صيغة املضارع للحوار الذي دار بني الجار واملرأة اليت تلقت‬

‫البالغ‪ ،‬ويف لحظات مطاردة مود وقتله؛ ألنه أراد أن يكون القارئ حارضًاً ليشعر‬

‫باألحداث لحظة وقوعها‪ ،‬وكأنه يشاهد مقطع فيديو‪ .‬صيغة املايض ما كانت لتفي‬

‫بهذا الغرض‪.‬‬

‫***‬

‫‪202‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫لسرب أغوار ما يعنيه الخروج للجري لـ«مود» يف مقاطعة «جلني»‪ ،‬عليك أن‬
‫تعرف أمرًاً أو اثنني عن ممارسة الجري الرتفيهية‪ .‬قبل الستينيات‪ ،‬كانت فكرة‬
‫الهرولة ‪ Jogging‬غريبة لدى الجميع تقريبًاً ما عدا الرياضيني الجادين‪،‬‬
‫وكان لسان حال الناس يقول‪ :‬ما جدوى الجري؟ لكن يف عام ‪ ،1962‬زار‬
‫«بيل باورمان»‪ ،‬مدرب املضمار األسطوري واملؤسس املشارك لرشكة «ناييك»‬
‫نيوزيلندا والتقى زميله املدرب «آرثر ليديارد» الذي ط ّّور برنامج تدريب عرب‬
‫البالد‪ .‬عاد «باورمان» إىل الواليات املتحدة متحمسًاً ملا رآه‪ .‬أطلق برنامجًاً‬
‫َ‬
‫مشابهًاً يف «يوجني» (موطن دراسته ومكان عمله‪ ،‬جامعة أوريغون)‪ ،‬وَأ ََّلف‬
‫كتّيّبًاً عن هذا املوضوع يف عام ‪ ،1966‬ويف العام التايل نرش كتابًاً مشرتكًاً بعنوان‬
‫«الهرولة‪ :‬برنامج لياقة بدنية مجاز طبّيًّاً لألعمار جميعها من إعداد اختصايص‬
‫قلبية ومدرب ريايض مشهور»‪ .‬أصبح الكتاب األكرث مبيعًاً‪ ،‬وبدأت الهرولة‬
‫باعتبارها هواية أمريكية‪.‬‬

‫تار يخ‬

‫بطريقة أو بأخرى‪ ،‬يحاول ميتشل جاكسون الحديث عن مسقط رأسه يف والية‬

‫أوريغون‪ .‬فمعظم كتاباته تدور حول هذه الوالية‪ ،‬وأراد أن يبين ذاك الرابط بينه وبني‬

‫قصة «مود»‪ .‬أيضًاً‪ ،‬هذه املعلومات التاريخية مهمة لبناء سياق للقصة‪ ،‬كيف ارتبطت‬

‫رياضة الجري يف أمريكا بالنخبة‪.‬‬

‫اسمحوا يل أن أعرتف بأنين أحد أندر األمريكيني‪ ،‬ما ُُيعرف أيضًاً بـ «أسود‬
‫أوريغوين»‪ .‬على هذا‪ ،‬أشعر بأنين مجرب على مشاركة الحقيقة عن الوالية اليت‬
‫أنتمي إليها‪ :‬إنها بيضاء‪ .‬أنا أتحدث عن «حظر السود» يف دستور الوالية األبيض‪.‬‬
‫يف الوقت الذي كان ُُيلهم فيه «باورمان» سكان «يوجني» بوالية «أوريغون»‬

‫‪203‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ً‬
‫أمياًال حول أحيائهم يف رساويل رياضية وأحذية ركض‪ ،‬كانت مدينة‬ ‫للهرولة‬
‫«يوجني» بيضاء بنسبة ‪ 97‬يف املئة‪ .‬يمكن للمرء أن يحاجج يف أن الطابع‬
‫األبيض للهرولة اليوم قد يكون‪ ،‬جزئّيًّاً‪ ،‬نتاج الرتكيبة السكانية لـ «يوجني»‪.‬‬
‫ولكن إذا جعلناها ‪ ،100%‬فيمكن أن ُُتنسب هذه السمة األحادية للجري إىل‬
‫طريقة تسويقها‪ ،‬وإىل ذاك القرس املمنهج الذي وضع الجري يف مكان ما داخل‬
‫سلسلة تربط بني البذخ غري العملي واملجازفة اليت ال يمكن تحملها‪ ،‬بالنسبة‬
‫إىل عرشات األشخاص من غري البيض‪.‬‬

‫والحق‪ ،‬أنه يف الوقت الذي زار فيه «باورمان» نيوزيلندا‪ ،‬ونرش الكتاب األكرث‬
‫مبيعًاً‪ ،‬كان املاليني من السود يعيشون يف الجنوب الذي شهد قوانني «جيم‬
‫كرو» للفصل العنرصي‪ .‬بحلول عام ‪ ،1968‬كان شتات السود الواسع قد‬
‫فجع باغتيال «ميدغار إيفرز»‪ ،‬و«مالكومل إكس»‪ ،‬و«مارتن لوثر كينغ جونيور»‪.‬‬
‫ُح السود الذي ََقِدموا يف أثناء «الهجرة‬ ‫وبحلول نهاية الستينيات وما بعدها‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫رِصر‬
‫الكربى» (نزوح السود من الجنوب)‪ ،‬يف األجزاء األكرث اكتئابًاً من املدن الشمالية‬
‫والغربية‪ ،‬تلك املناطق اليت كانت الشوارع فيها أقل أمانًاً للميش‪ ،‬ناهيك من‬
‫الركض‪ .‬عوامل كثرية ثنت السود عن جين الفوائد الكثرية للهرولة‪ .‬وعلى‬
‫الَع ََّدائني أصبحت أ كرث تنوعًاً على مدار الخمسني عامًاً‬
‫الرغم من أن تركيبة َ‬
‫َ‬
‫موَّجهة للبيض املورسين‪.‬‬ ‫فإّن الهرولة‪ ،‬عمومًاً‪ ،‬ال تزال رياضة وهواية‬
‫املاضية‪ّ ،‬‬

‫الَع ََّدائني؟ اسألوا أنفسكم ََم ْْن يستأهل‬


‫أدعوكم لتسألوا أنفسكم‪ ،‬ما هو عامل َ‬
‫َ‬
‫العَّداء؟ ما عرقهم املزعوم؟ ما جنسهم؟‬ ‫الجري؟ ََم ْْن له الحق؟ اسألوا ََم ْْن هو‬
‫ما طبقتهم؟ اسألوا أنفسكم أين يعيشون‪ ،‬أين يركضون؟ أين ال يمكنهم‬
‫العيش والركض؟ اسألوا ما القوانني اليت تؤكد حقهم يف العيش والركض‬
‫‪-‬اللعنة‪ -‬حقهم يف الوجود يف هذا العامل‪ .‬اسألوا ملاذا؟ اسألوا ملاذا؟ اسألوا ملاذا؟‬

‫‪204‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫القوة اليت يمتلكها رقم ثالثة‬

‫الحق‪ ،‬طرح هذه األسئلة العميقة بهذه الكثافة املتتابعة جاءت فكرتها من مديرة قسم‬

‫إنتاج املحتوى يف رشكة «هريست»‪ ،‬واملحررة املرشفة على «حياة يف اثنيت عرشة دقيقة»‪.‬‬

‫ثم أنهى جاكسون الفقرة بسؤال‪« :‬اسألوا ملاذا؟» ثالث مرات‪ ،‬ألنه يؤمن بالقوة اليت‬

‫يمتلكها هذا الرقم‪ .‬فهو يدل على الكمال يف معظم الثقافات‪ .‬فنحن نحلف بـ«الثالث»‪،‬‬

‫ونطلق بـ«الثالث»‪ ،‬ونعد حىت الثالث لبدأ أمٍر ما‪ ...‬إلخ‪.‬‬


‫ٍ‬

‫أحَّب أحمود أربريي الركض باملقاييس كلها‪ ،‬لكنه مل يطلق على نفسه تسمية‬
‫َ‬
‫العَّداء‪ .‬هذا عيب يف ثقافة الركض‪ .‬أن يكون «مود» هدفًاً للقوى البيضاء‬
‫َ‬
‫املهيمنة بسبب الركض‪ ،‬فهذا فشل مؤكد ألمريكا‪ .‬تحقق من السجالت‬
‫‪-‬تصاريح العبيد‪ ،‬قوانني الترشد‪ ،‬اعتقال سكيب غيتس‪ ،‬الناقد واملؤرخ يف‬
‫جامعة هارفارد‪ ،‬أمام بيته‪ -‬ال يمتلك السود مطلقًاً حرية الحركة اليت يتمتع‬
‫بها البيض‪.‬‬

‫***‬

‫األحد ‪ 23‬فرباير ‪ 2020 | 13:08‬يجوب «مود» خارج املزنل‪ ،‬وبعد بضع‬


‫خطوات فقط يبدأ بالركض‪ .‬ال يعلم بأمر الشاهد الذي اتصل بالرقم ‪،9-1-1‬‬
‫وال يزال يراقبه‪« .‬إنه يركض اآلن‪ .‬ها هو يذهب اآلن»‪ ،‬يقول الشاهد للمرأة‬
‫اليت تتلقى البالغ على الطرف اآلخر من املكاملة الهاتفية‪« .‬حسنًاً‪ ،‬ماذا يفعل؟»‬
‫تقول املرأة‪ .‬يقول الرجل‪« :‬إنه يركض يف الشارع»‪ُُ .‬تظهر اللقطات «مود»‬
‫ً‬
‫مهروًال يف شارع «ساتيال درايف» ويمر أمام مزنل «جريجوري» و«ترافيس‬
‫مكمايكل»‪ ،‬وهما أب وابنه‪« .‬جريجوري مكمايكل»‪ ،‬الرشطي السابق الذي‬
‫ُجِّرِد من حقه يف اعتقال األشخاص؛ بسبب عدم حضوره تدريبًاً على كيفية‬
‫ُ‬

‫‪205‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«استخدام القوة»‪ ،‬يلحظ «مود» وهو يمر أمام مزنله‪ ،‬فيعده مشتَبَهًاً به‪.‬‬
‫رصخ يف ابنه‪« :‬ترافيس‪ ،‬الرجل يجري يف الشارع‪ .‬هّيّا بنا»‪ ،‬ألسباب يجب‬
‫على مكمايكل األب واالبن اآلن تفسريها يف املحكمة (كالهما يواجهان ‪ 9‬تهم‪،‬‬
‫بما يف ذلك القتل العمد واالعتداء الفاضح)‪ّ ،‬‬
‫سّلحا نفسيهما‪-‬االبن ببندقية‬
‫«ريمنجتون» طراز ‪ ،870‬واألب بمسدس «ماغنوم ‪ -»357‬وركبا يف شاحنة‬
‫«فورد» بيضاء‪.‬‬

‫***‬

‫تقع «الجزر الذهبية» على طول الساحل األطليس بني مدينة «سافانا»‬
‫بوالية جورجيا‪ ،‬ومدينة «جاكسونفيل» بوالية فلوريدا‪ .‬تشمل املنطقة جزرًًا‬

‫تسمى جزر الحاجز وهي «سانت سيمونز» و«يس آيالند» و«ليتل سانت‬
‫سيمونز» و«جيكيل»‪ ،‬إضافة إىل مدينيت «دارين» و«برونزويك»‪« .‬ساتيال‬
‫شورز» الذي يعد جزءًاً من الجزر الذهبية‪ ،‬هو حي غري مدمج باألحياء املحيطة‪،‬‬
‫ويضم عائالت من الطبقة العليا واملتوسطة؛ من املتقاعدين ذوي الياقات‬
‫الزرقاء والبيضاء‪ ،‬وأصحاب البيوت املوسمية واملقيمني يف الحي على نحو‬
‫دائم‪ ،‬وأولئك الذين انتقلوا حديثًاً‪ .‬يتمزي الحي الصغري بطرق ضيقة تظللها‬
‫أشجار البلوط املكسوة بالطحالب‪ ،‬وأشجار صنوبر «التايدا» الباسقة‪ ،‬وأشجار‬
‫«التمر حنة»‪ ،‬ومنازل من طابق واحد أو طابقني مع مروج خرضاء ومواقف‬
‫بسيارات من أحدث الطرازات‪ .‬املنازل الواقعة على جانب واحد من «ساتيال‬
‫درايف» ‪-‬وهو الشارع الرئييس يف الحي‪ -‬تتباهى بنهر «ليتل ساتيال» املل ََّون‬
‫بالرواسب‪ ،‬والزاخر بأعشاب الـ«سبارتينا» الحبلية على طول أهواره امللحية‬
‫أمياًال‪ ،‬و ُُي ََع ّّد فنا ًًء خلفّيًّاً َ‬
‫مرَّفهًاً للحي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اليت تمتد‬

‫‪206‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الوصف‬

‫كيف استطاع جاكسون أن يصف املشهد السابق بهذه التفاصيل األَّخّ اذة وهو يف‬

‫الحجر الصحي داخل مزنله؟ لقد قرأ كثريًاً عن املنطقة‪ ،‬وشاهد خرائط جوجل وصورها‪.‬‬

‫مل يكتف بذلك فقط‪ ،‬ساعده صحفي من «برونزويك» وأخربه بأنواع األشجار املوجودة‪،‬‬

‫ووصف نهر «ليتل ساتيال» ولونه‪ ،‬وما إذا كان هذا اللون يتغري على مدار السنة‪.‬‬

‫مزنل عائلة «مود» يف «برونزويك»‪ ،‬حيث كان يعيش حني مقتله‪ ،‬يقع على‬
‫بعد ميلني فقط من «ساتيال شورز»‪ ،‬لكنه يبدو ‪-‬بدقة أ كرب‪ -‬وكأنه يف بلد‬
‫متوِّسط دخل األرسة بمقاطعة «جلني» هو ‪ 51‬ألف دوالر؛ يف‬ ‫ِ‬ ‫آخر تمامًاً‪.‬‬
‫«برونزويك» هذا الرقم هو ‪ 26‬ألف دوالر‪ .‬يف املنطقة اليت يسميها الشباب‬
‫السود ‪« The Wick‬ذا ويك» [فتيل الشمعة]‪ ،‬يبلغ معدل الفقر ‪ 38‬يف املئة‪،‬‬
‫وهي نسبة صاعقة‪.‬‬

‫«ذا ويك» هو املكان الذي ولد فيه أحمود ماركزي أربريي يف ‪ 8‬مايو‪ /‬أيار‬
‫ّ‬
‫املدّلل لـ«واندا كوبر جونز» و«ماركوس أربريي»‬ ‫‪ .1994‬كان الطفل الثالث‬
‫األب‪ .‬وتضم األرسة اليت تنتمي إىل الطبقة العاملة‪ ،‬شقيقه األكرب ماركوس‬
‫ّ‬
‫«باّك جونيور» وأخته ياسمني‪ .‬أطلقت األرسة على أحمود لقب «كويز»‪ ،‬وهي‬
‫نسخة مخترصة من اسمه األوسط‪ ،‬بينما أطلق عليه أصدقاؤه لقب «مود»‪.‬‬
‫كان لدى «مود» ََفَر ٌٌَق طفيف بني أسنانه األمامية‪ ،‬وبرشته الداكنة تلمع لألبد‬
‫بسبب الساعات الطويلة اليت يقضيها يف الخارج تحت الشمس‪ .‬التحق هو‬
‫وأشقاؤه بمدرسة «ألتاما» االبتدائية‪ .‬حينئذ‪ ،‬التقى مود بصديقه املقرب أ كيم‬
‫«كيم بيكر»‪ ،‬وهو زميل يقيم يف مجمع «ليسوود سريكل» للشقق السكنية‪.‬‬
‫يتذكر كيم‪ ،‬وكان يف تلك األيام انطوائّيًّاً بدينًاً‪ ،‬أن «مود» كان أحد األطفال‬
‫املشهورين يف الحي‪ ،‬وقد استحوذ على إعجابه بتقديم «وجبات خفيفة» له‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫رسعان ما أصبح الصديقان الحميمان ال ينفصالن‪ :‬يجلسان معًاً يف الحافلة‬


‫إىل املدرسة‪ ،‬يجوبان الحي بحثًاً عن مكان للعب كرة السلة‪ ،‬أو لعب كرة القدم‬
‫يف لعبة تسمى «‪ »Hot Ball‬أو لعبة لكرة السلة أطلقوا عليها اسم «‪Curb‬‬
‫‪.»Ball‬‬

‫اللغة والرتجمة‬

‫اللغة اليت يستخدمها جاكسون يف كتاباته‪ ،‬هي اللغة اليت يستخدمها السود يف‬

‫أمريكا‪ .‬وهذا فعل مقاومة؛ مقاومة أولئك الذين يعدون لغة السود لغة إنجلزيية غري‬

‫فصيحة‪ .‬لذلك؛ كانت ترجمة هذه القصة صعبة‪ ،‬وتطلبت كثريًاً من الجهد والبحث‬

‫لفهم السياق الصحيح‪.‬‬

‫أحد أقرب أصدقاء أحمود‪ ،‬أ كيم بيكر‪ ،‬كانا يذهبان معًاً أحيانًاً للجري‪.‬‬

‫ّ‬
‫«باّك» الذي يكربه‬ ‫يف تلك األيام‪ ،‬كان «مود» يحتمي تحت جناحي شقيقه‬
‫«باّك» عّرّف «مود» أيضًاً على الرياضة اليت يحبها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بثالث سنوات فقط‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫«باّك» املفضل يف‬ ‫حدث ذلك خالل بطولة ‪ BCS‬الوطنية لعام ‪ .2002‬العب‬
‫ذلك الوقت كان شون تايلور‪ ،‬وعلى الرغم من أن فريق «أوهايو بوكزي» هزم‬
‫فريق تايلور «ميامي هوريكانز» على نحو غري متوقع‪ ،‬فإّنّه أصبح العب «مود»‬
‫املفضل أيضًاً‪ .‬يف العام التايل‪ ،‬بدأ «مود» بلعب كرة القدم‪ ،‬وملع بصفته العب‬
‫ّ‬
‫الخّطّيّ‪.‬‬ ‫الركض الخلفي‪ ،‬والعب الظهري‬

‫ّ‬
‫«باّك»؛ األوالد الذين يكربونه‬ ‫بدأ «مود» أيضًاً لعب كرة القدم مع أصدقاء‬
‫بسنتني أو ثالث سنوات أو أ كرث‪ .‬خالل مسابقة مبكرة يف الحي‪ ،‬أمسك أحد‬
‫ّ‬
‫«باّك» اعتقد أن شقيقه قد أصيب‬ ‫هؤالء األصدقاء «مود» بشدة لدرجة أن‬
‫وتحرك للدفاع عنه‪ .‬قبل أن يفعل ذلك‪ ،‬وثب «مود» واقفًاً‪« .‬حينئذ عرفت‬
‫«باّك»‪« ،‬وسيكون قادرًاً على االعتناء بنفسه»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أنه صلب العزيمة»‪ ،‬يقول‬

‫وقتئذ تقريبًاً‪ ،‬أهدى والدا «مود» شقيقته َ‬


‫كلَب يوركشاير ََت ْْر ََير ّ‬
‫سّمته «فالف»‪.‬‬
‫ربما كان «مود» صعب املراس يف امللعب‪ ،‬لكنه أمىض الساعات يمرح فيها مع‬
‫«فالف» يف الخارج ويساعد أخته يف مهام العناية به‪ّ .‬‬
‫تعّلق «فالف» بـ«مود»‬
‫حىت إنه كان ينام عند قدميه ً‬
‫ليًال عندما تكون «ياسمني» خارج املزنل‪.‬‬

‫انتقلت العائلة إىل مزنل أبيض صغري يف شارع «بويكن ريدج درايف» يف‬
‫«برونزويك» عندما كان مود يف املدرسة اإلعدادية‪ ،‬ويف املزنل الجديد ظل‬
‫«باّك»‪« :‬لقد كنت مهووسًاً‬
‫ّ‬ ‫«مود» يشارك شقيقه غرفة واحدة‪ .‬يقول‬
‫بالرتتيب»‪« .‬لكن أحذية مود كانت مبعرثة هنا وهناك‪ .‬التيشريتات يف مكان‬
‫الغيارات الداخلية‪ ،‬والقمصان يف مكان الجوارب»‪.‬‬

‫يف املدرسة الثانوية‪ ،‬عمل «مود» يف ماكدونالدز لتأمني مرصوف الجيب‪،‬‬


‫ولكن أيضًاً ملساعدة والدته اليت غالبًاً ما كانت تعمل يف وظيفتني‪ .‬بحلول ذلك‬

‫‪209‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الوقت‪ ،‬كان «مود» قد اخترب أول تحول جذري‪ ،‬وتبىن بعض أناقة أخيه‪ ،‬وبات‬
‫يعرف املوضة‪ .‬كان ّ‬
‫يفّضل الجيزن الضيق وقمصان البولو ذات األلوان الزاهية‬
‫وقمصان الركيب‪ ،‬وأبقى شعره قصريًاً بخطوط حا ّّدة عند الجبهة والصدغني‪.‬‬
‫ّ‬
‫ينقّض فجأة على‬ ‫يف بعض األيام‪ ،‬كان «كيم» –وهو أول من يمتلك سيارة‪-‬‬
‫ّ‬
‫ويتّجهان إىل جمعية «الجزر الذهبية للشباب املسيحيني»‪ ،‬ويلعبان‬ ‫«مود»‪،‬‬
‫كرة السلة‪ ،‬أو يمارسان الرياضة لست أو سبع ساعات متواصلة‪ ،‬ويقطعان‬
‫مسافة قصرية عرب الشارع إىل مول «جلني بليس» للحصول على كومبو‬
‫مجّددًاً إىل اللعب‬
‫ّ‬ ‫البطاطس املقلية والجناحات يف «أمريكا ِد ْْيِلي»‪ ،‬ثم يعودان‬
‫ِ ِ‬
‫عّداد البزنين تسمح‬ ‫والتدريب لساعات‪ ،‬أو يتجوالن بالسيارة ما دامت إبرة ّ‬
‫ْْل ََبوزي» أو «وييب» أو «غوتيش‬ ‫ْْل وين» أو «ِلْي ْ‬‫بذلك‪ ،‬ويستمعان إىل الرابر «ِلْي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماين» (فناين «مود» املفضلني) عرب مكربات الصوت يف السيارة‪.‬‬

‫جيسون فون مدرب «مود» يف فريق الناشئني‪.‬‬

‫التقى «جيسون فون»‪ ،‬مدرب فريق الناشئني يف مدرسة برونزويك الثانوية بـ‬
‫«مود» يف سنته الثانية‪ ،‬عندما وعده زميله املدرب بظهري قوي لفريقه‪ .‬عندما‬
‫غادر مود الغرفة‪ ،‬بنحالة جسمه وصغر حجمه‪ ،‬عرّبر «فون» عن شكوكه رسيعًاً‪.‬‬
‫«هل أنت جاد؟»‪ ،‬قال‪« .‬ماذا يستطيع هذا الفىت الصغري فعله؟» جاءته‬

‫‪210‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫اإلجابة رسيعًاً‪ .‬تدريبات الفريق غالبًاً تضمنت تمرينًاً يسمى «أوكالهوما» فيه‬
‫يقف العبان على بعد ثالثة إىل خمس ياردات ثم يتناطحان رأسًاً برأس‪ .‬يتذكر‬
‫«كيم» تف ُُّو ََق «مود» يف التمرين‪ ،‬ليس بسبب قوته العضلية‪ ،‬بل ألنه «مل يكن‬
‫يعرف الخوف يف امللعب»‪.‬‬

‫مّزّق «مود» رباط الساق الصلييب األمامي والغرضوف املفصلي يف أثناء مباراة‬
‫يف السنة الثانية‪ .‬لو كان العبًاً آخر أقل تفانيًاً الستسلم‪ ،‬لكنه أ كمل عملية‬
‫ُ‬
‫إعادة تأهيل شاقة‪ .‬يف الصيف التايل‪ُ ،‬أصيبت ساقه والزتم مجددًاً بإعادة‬
‫بدأَت شيئًاً‪ ،‬فال‬
‫َ‬ ‫تأهيل صعبة‪ .‬تقول أخته «ياسمني»‪« :‬اعتاد والدانا القول‪ :‬إذا‬
‫تستسلم»‪ .‬ارتدى «مود» مق ّّومًاً للساق خالل السنة اإلعدادية مما أعاقه‪ ،‬ومن‬
‫دون شك قلل فرصه يف اللعب يف الكلية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن حقيقة أنه استطاع‬
‫أن يلعب‪ ،‬دليل آخر على الشخصية القوية‪ .‬كانت هذه كرة القدم يف جنوب‬
‫ضّم عددًاً من الالعبني الذين سيصبحون‬
‫ّ‬ ‫جورجيا‪ ،‬ولعب «مود» يف دوري‬
‫محرتفني فيما بعد‪ ،‬كما لعب يف مباراة كانت ضد مدرسة «فالدوستا» الثانوية‪،‬‬
‫أحد أ كرث فرق كرة القدم للمدارس الثانوية فوزًاً يف البالد كلها‪.‬‬

‫***‬

‫عالقة العاطفة برسد الوقائع‬

‫الحظ كيف ينتقل ببساطة من املشاهد السابقة املشحونة عاطفّيًّاً برسم صورة واقعية‬
‫ومحببة لـ«مود»‪ ،‬إىل مشهد الرعب التايل حيث يطارد ثالثة رجال من البيض شاّبًّاً‬

‫ً‬
‫قتيًال يف أحد شوارع «ساتيال شورز»‪ .‬ال ينبغي للكاتب أن‬ ‫أسود‪ ،‬ثم ‪-‬كما سرنى‪ -‬يردونه‬

‫يفصل بني الشحن العاطفي ورسد الوقائع‪ ،‬ولكن عليه أن يعرف كيف ينتقل من هذا‬

‫إىل ذاك‪ ،‬وعليه أن يتعلم أن رسد الوقائع ال ينبغي له أن يتأثر بالعواطف‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫األحد ‪ 23‬فرباير ‪ ،2020 | 13:10‬مكمايكل األب واالبن‪ ،‬ربطا حزام األمان‬


‫يف شاحنتهما البيك‪-‬آب وانطلقا مرسعني خلف «مود»‪ ،‬يطاردانه على طول‬
‫شارع «بورفورد»‪ ،‬وهو شارع ضيق آخر ّ‬
‫تظّلله أشجار البلوط املورقة والصنوبر‬
‫واملغنوليا‪ .‬من الفناء األمامي ملزنله‪ ،‬يرى «ويليام رودي بريان» جا ََر يه يالحقان‬
‫«مود»‪ ،‬وألسباب سيضطر إىل الرد عليها أمام املحكمة (حيث يواجه تسع تهم‪،‬‬
‫بما يف ذلك القتل العمد ومحاولة ارتكاب جريمة االحتجاز التعسفي)‪ ،‬ينطلق‬
‫هو أيضًاً بشاحنته البيك‪-‬آب خلفهما‪ .‬يالحق مكمايكل األب واالبن «مود»‬
‫ويحاوالن قطع الطريق عليه‪ ،‬لكن «مود» استدار راجعًاً مجددًاً ‪-‬ربما تذكر‬
‫تمّلص فيها من مهاجم محتمل‪ -‬لكن هذه املرة وجد نفسه‬ ‫املّرّات كلها اليت ّ‬

‫يف مواجهة بيك‪-‬آب «بريان»‪ .‬يحاول «بريان» قطع الطريق على «مود»‪،‬‬
‫لكن «مود» يتجنب الشاحنة‪ ،‬ويتجاوزها ويتجه نحو املنعطف الذي يؤدي إىل‬
‫طريق «هوملز»‪ .‬مكمايكل األب‪ ،‬جريجوري‪ ،‬يخرج من مقصورة شاحنة ابنه‬
‫مسّلحًاً بمسدس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العّدة‪ ،‬ويصعد يف الخلف‬ ‫بَع ََلِمها االتحادي على صندوق‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫«ماغنوم ‪ .»357‬ثالثتهم يالحقون «مود» وهو يعدو بأقىص رسعة على‬
‫طول طريق «هوملز»‪.‬‬

‫أدوات الرسد الروايئ‬

‫يستخدم جاكسون أدوات الرسد الروايئ؛ فهو ً‬


‫أوًال روايئ ثم صحفي‪ .‬يستخدمها يف بناء‬
‫ً‬
‫مثًال عندما يرسم صوت املسامري السفلى لألحذية الرياضية‬ ‫املشاهد‪ ،‬وخلق الصور‪،‬‬

‫على األرضية الخراسانية‪ ،‬ومشهد غرفة تبديل املالبس كما سرنى فيما بعد‪ .‬الكاتب‬

‫الجيد يدفع باللغة؛ ال يكفي أن تورد الوقائع بدقة‪ ،‬عليك أن تبحث عن جرس الصوت‬

‫يف اللغة‪ .‬كاتب النرث يستخدم أيضًاً أداة «التكرار»‪ ،‬عندما يقول‪« :‬اسألوا ملاذا‪ ،‬اسألوا‬
‫قّلما يستخدمها الصحفي‪ .‬أيضًاً‬
‫ملاذا‪ ،‬اسألوا ملاذا»‪ ،‬ويف مواضع كثرية أخرى‪ ،‬وهي أداة ّ‬

‫‪212‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الفقرة الطويلة اليت تساعد على إيجاد اإليقاع املوسيقي للنص‪ .‬الكاتب الجيد إذا كان‬

‫لديه الوقت الكايف يستطيع أن يحول فقرة طويلة إىل قطعة موسيقى‪.‬‬

‫***‬
‫لعب «مود» يف مباراة النجوم الصاخبة بني فلوريدا وجورجيا بعد موسمه‬
‫األول‪ ،‬لكنه مل يحصل على منحة دراسية لكرة القدم‪ .‬بعد التخرج‪ ،‬التحق‬
‫بكلية جورجيا الجنوبية التقنية يف مدينة «أمرييكوس»‪ ،‬ووضع نصب عينيه‬
‫أن يصبح كهربائّيًّاً‪.‬‬

‫كنُت رياضّيًّاً شغوفًاً يف املدرسة الثانوية (كانت رياضيت الطوق)‬


‫ُ‬ ‫مثل «مود»‪،‬‬
‫اليت مل يتسن إدراجها يف برنامج جامعي رئييس‪ .‬ومثل «مود»‪ ،‬التحقت بكلية‬
‫صغرية (تابعة لجامعة محلية) يف والييت‪ .‬شاهدت أنا و«مود» األصدقاء‬
‫يحصدون املنح الدراسية‪ ،‬وينطلقون إىل البلدات أو املدن يف أماكن أخرى‪،‬‬
‫ويواصلون ممارسة الرياضة اليت أحببناها‪ .‬ترك «مود» الكلية التقنية بعد‬
‫عام‪ ،‬وعاد إىل «برونزويك» ومزنل والدته‪ .‬أنا أيضًاً تركت أول كلية محلية‪ .‬لكن‬
‫على عكس «مود»‪ ،‬مل أ كن مضطرًاً إىل العودة ملزنل والديت؛ ألنين كنت أعيش‬
‫معها بالفعل‪« .‬جيمس جي‪ .‬يت‪ .‬تريمينغز»‪ ،‬زميل آخر لـ«مود» يف الجامعة‪،‬‬
‫يعتقد أن الحنني إىل األرسة كان السبب األسايس يف عودة «مود» املبكرة من‬
‫الكلية‪ .‬لكنين أظن أن «مود» قفل راجعًاً ألن حياته انتهت بصفته رياضّيًّاً‪،‬‬
‫َ‬
‫تطَحن حىت األشخاص أقواهم‪.‬‬ ‫وخيبة األمل قد‬

‫‪213‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫جيمس جي‪ .‬يت‪ .‬تريمينغز يف سيلدن بارك بربونزويك‪.‬‬

‫بعد تخرجه بعام من الثانوية‪ُ ،‬أُلقي القبض على «مود» لحمله بندقية‪ُ ،‬‬
‫وُحِكم‬
‫ِ‬
‫عليه بخمس سنوات من املراقبة اليت انتهكها برسقة معروضات‪ .‬بعد سنوات‬
‫قليلة من تخرجي يف املدرسة الثانوية‪ُ ،‬‬
‫اعُتقلت لحيازة مخدرات وبندقية‪،‬‬
‫وقضيت ‪ 16‬شهرًاً يف سجن الوالية‪.‬‬

‫«مود» مات – يا إلهي‪ ،‬ملاذااا؟ ‪ -‬وأنا‪ ،‬بنعمة من هللا‪ ،‬كاتب وأستاذ جامعي‬
‫مقبل على منتصف العمر‪.‬‬

‫ملاذا أدخل جا كسون نفسه يف القصة؟‬

‫فعل ذلك ليظهر تعاطفه بصفته كاتبًاً وصحفّيًّاً مع «مود»‪ ،‬وأيضًاً ليك يظهر الفرص‬
‫اليت كانت متاحة أمامه‪ .‬فجاكسون ُ‬
‫اعُتِقل مثل «مود» ودخل إىل السجن‪ ،‬بينما‬
‫ِ‬
‫«مود» مل يدخل السجن‪ .‬كان ثمة مسدس بحوزة جاكسون‪ .‬جاكسون أصبح أستاذًًا‬

‫جامعّيًّاً‪ ،‬بينما «مود» ُُقتل‪ .‬كل هذه املقارنات تظهر كيف يمكن قطع الطريق أمام‬

‫الشباب السود يف أمريكا ومنعهم من إظهار أفضل ما لديهم‪ .‬عائلة «مود» كانت‬

‫‪214‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫واثقة أن سبب فشله هو عدم حصوله على منحة لدراسة كرة القدم األمريكية‪ ،‬ما‬

‫سبب له خيبة األمل‪ .‬املقارنات اليت يجريها جاكسون بإدخال نفسه يف القصة‪ُُ ،‬تضفي‬

‫ُُبعدًاً وعمقًاً عليها‪.‬‬

‫حىت لو كان «مود» يفكر يف إعادة التسجيل يف الكلية التقنية‪ ،‬فإّنّه فقد إغراء‬
‫الفكرة بمجرد أن التقى أول عالقة حب جادة يف عام ‪« .2013‬شينيس‬
‫جونسون» رأت «مود» ألول مرة عندما دخل ماكدونالدز ذات يوم‪ ،‬وأقنع‬
‫املدير بإعادته إىل وظيفته السابقة‪ .‬رسعان ما كان الحبيبان‪ ،‬وكالهما خجوالن‪،‬‬
‫يرمق أحدهما اآلخر يف مناوباتهما‪ .‬من غري الواضح ََم ْْن الذي بدأ بالخطوة‬
‫األوىل‪ .‬يقول «كيم» إن «مود» تحدث ألسابيع عن الفتاة الجميلة يف مكان‬
‫ً‬
‫قائًال‪« :‬يا‬ ‫عمله‪ ،‬وكيف كان متوترًاً من االقرتاب منها‪ ،‬إىل أن شجعه كيم‬
‫رجل‪ ،‬أنت مود‪ .‬ما عليك سوى أن تسري إليها وتقدم نفسك»‪ .‬بحسب رواية‬
‫«شينيس»‪ ،‬بدأت عالقتهما اليت دامت خمس سنوات عندما عرضت على‬
‫الصيب الوسيم «ماك فلوري» مجانية‪.‬‬

‫شينيس جونسون يف جلني أوفرلوك بارك يف برونزويك‪ .‬التقى مود بشينيس عندما كانا‬
‫يعمالن معا يف مطعم ماكدونالدز‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف موعدهما األول‪ ،‬أخذها «مود» بسيارة «كامري» ذهبية اللون‪ ،‬اشرتتها‬
‫له والدته‪ ،‬ويقول «يت‪ .‬جي‪ ».‬إنه كان يعاملها وكأنها سيارة مرسيدس‪ ،‬مرتديًاً‬

‫قميصًاً أنيقًاً أبيض الياقة وحذاء «إير فورس وان» متأللئًاً من «ناييك»‪ ،‬دعا‬
‫«شينيس» إىل مأدبة مأ كوالت بحرية‪ ،‬فتح لها األبواب‪ ،‬وسحب الكريس‬
‫لتجلس ودفع الفاتورة بالكامل من دون تردد‪ .‬تقول واالبتسامة ظاهرة يف‬
‫صوتها «عندما كنت معه‪ ،‬مل أ كن أقلق بشأن أي يشء»‪ .‬يف أول عيد فالنتني‬
‫للثنايئ‪ ،‬قاد «مود» سيارته طول الطريق إىل «سافانا»‪ ،‬واشرتى لها ُُدّبًّاً من‬
‫ّ‬
‫وسّماه «كويز»‪ ،‬وسلمه لها جنبا إىل جنب خاتم االلزتام ما قبل‬ ‫«بيلد‪-‬آ‪-‬بري»‬
‫الخطوبة على شكل قلب‪.‬‬

‫***‬

‫األحد ‪ 23‬فرباير ‪ ،2020 | 13:14‬تظهر مشاهد مسجلة بالهاتف «مود»‬


‫على طريق «هوملز»‪ ،‬يفّرّ مبتعدًاً عن شاحنة «بريان» البيك‪-‬آب‪ ،‬لكن باتجاه‬
‫شاحنة «ماكمايكل» البيضاء‪« .‬بريان» يف هذا الوقت تقريبًاً‪ ،‬أخرج هاتفه‬
‫وبدأ يف التصوير‪ .‬يف هذه األثناء‪« ،‬جريجوري مكمايكل» يتصل بالرقم ‪.9-1-1‬‬
‫«آه‪ ،‬أنا هنا يف ساتيال شورز‪ »،‬قال ملتلقي البالغات‪« .‬هناك رجل أسود يجري‬
‫يف الشارع»‪ .‬متلقي البالغات يسأل أين‪ .‬يقول «ال أعرف يف أي شارع نحن»‪.‬‬
‫«توقف عندك‪ .‬اللعنة‪ .‬قف!» التسجيل يظهر رصاخه يف «مود»‪.‬‬

‫«مود»‪ ،‬هاربًاً اآلن ملا ال يقل عن ست دقائق‪ ،‬يركض نحو «ترافيس ماكمايكل»‬
‫ذي الوجه األحمر الذي يقف عند باب شاحنته البيك‪-‬آب املفتوح مصوبًاً‬

‫بندقيته‪ ،‬ونحو «جريجوري مكمايكل» الجاثم يف القسم الخلفي من الشاحنة‬


‫وبيده مسدسه‪ ،‬يشعر وكأنه وقع يف فخ‪ ،‬لكن ربما يشعر وكأن شجاعته ُُت ْ‬
‫ْخترب‬
‫مجددًاً‪ .‬ينعطف «مود» فجأة من اتجاه إىل آخر‪ .‬يندفع حول الجانب األيمن‬

‫‪216‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫من الشاحنة‪ ،‬ثم أمامها‪ .‬يقطع «ترافيس مكمايكل» الطريق عليه أمام‬
‫مقدمة الشاحنة‪ ،‬ويطلق النار على «مود» يف ملح البرص‪ .‬صوت الطلقة يتخلل‬
‫تسجيل املشهد الذي يصوره «بريان» بهاتفه‪« .‬ترافيس!» يرصخ جريجوري‬
‫مكمايكل ويسقط هاتفه يف صندوق الشاحنة‪.‬‬

‫هل يحق وضع االفرتاضات؟‬

‫الحظ هنا‪ ،‬ويف أماكن أخرى مختلفة‪ ،‬يضع جاكسون «افرتاضات» حول ردود فعل‬

‫«مود»‪ ،‬كما يف هذه الجملة‪« :‬يشعر‪ ،‬وكأنه وقع يف فخ‪ ،‬لكن ربما يشعر‪ ،‬وكأن شجاعته‬
‫ُُت ْ‬
‫ْخترَبر مرة أخرى»‪ .‬فمن أين جاءت هذه الثقة لدى جاكسون بأن «مود» شعر كذلك‪،‬‬

‫وهل يحق للصحفي وضع مثل هذه االفرتاضات؟ نعم يحق للصحفي‪ .‬الصحفي‬

‫إنسان وليس آلة‪ ،‬ويستطيع فهم «بطل» قصته‪ ،‬كما يستطيع أي إنسان فهم‬

‫شخص آخر من خالل التحدث مع أقاربه وأصدقائه‪ .‬األمر ال يتعلق بالثقة‪ ،‬بل يتعلق‬

‫يقّدر ردود الفعل واألحاسيس املحتملة للشخصيات‬ ‫ً‬


‫أداًة للرسد‪ .‬الصحفي ّ‬ ‫برضورته‬
‫اليت يكتب عنها استنادًاً إىل املعلومات املتاحة وفهمه للوضع‪ .‬ومن املهم أن ّ‬
‫يوّضح هذه‬

‫االفرتاضات يف النص إذا كانت تؤثر يف التفسري اإلجمايل للقصة‪.‬‬

‫انفجار الطلقة يصيب «مود» يف صدره‪ ،‬مخرتقة رئته اليمىن وأضالعه وعظم‬
‫ّ‬
‫القّص يف منتصف الصدر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بطريقة أو بأخرى‪ ،‬يتصارع مع «ترافيس‬
‫ماكمايكل» ألخذ البندقية من يده‪ ،‬وبطريقة ما‪ ،‬يتمكن من لكمه‪ .‬جريجوري‬
‫يراقب للحظة من مكانه‪ .‬يف هذه األثناء‪ ،‬يواصل «برايان» التصوير‪ .‬يطلق‬
‫«ترافيس» النار من بندقيته مجددًاً‪ ،‬انفجار الطلقة يحدث خارج إطار تسجيل‬
‫خّطًاً من الدخان يتصاعد يف إطار التسجيل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كامريا «بريان»‪ ،‬لكنه يرتك‬
‫«مود» الذي تلطخ قميصه األبيض اآلن ببقعة من الدماء‪ ،‬يواصل التصارع‬

‫‪217‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫مع «ترافيس ماكمايكل»‪ ،‬فهو يقاتل اآلن من أجل حياته‪ .‬يف خضم العراك‪،‬‬
‫يطلق «ترافيس ماكمايكل» رصاصة أخرى من كثب على «مود»‪ ،‬فتخرتق‬
‫صدره العلوي‪ .‬يرمي «مود» لكمة ضعيفة أخرى‪ ،‬يرتنح بضع خطوات‪ ،‬ويسقط‬
‫على وجهه بالقرب من خطوط املرور منتصف الطريق‪ .‬يرتاجع «ترافيس»‬
‫والبندقية يف يده‪ ،‬يشاهد «مود» ينهار‪ ،‬وال يقدم أدىن رعاية له‪ .‬والده الذي ال‬
‫يزال ممسكًاً بمسدسه‪ ،‬يركض إىل حيث يتمدد «مود» على وجهه‪ ،‬والدماء‬
‫تتدفق من جروحه‪.‬‬

‫***‬

‫كان «مود» يركض وحده يوم مقتله‪ .‬ال أحد يعرف على وجه اليقني الطريق‬
‫الذي سلكه قبل أن يصل إىل «ساتيال شورز»‪ ،‬لكنه انطلق من مزنله‪ ،‬ما يعين‬
‫أن ّ‬
‫ثّمة فرصة قوية ملروره يف أثناء الجري بمنازل ترفع علم الكونفدرالية أو علم‬
‫«جادسدن» (ال تطأ على املمتلكات!)‪ ،‬تلك املنازل اليت عليها الفتات «ممنوع‬
‫التعدي على ممتلكات اآلخرين»‪ .‬للوصول إىل «ساتيال شورز» من «بويكني‬
‫ريدج»‪ .‬كان عليه أيضًاً عبور طريق الواليات املتحدة رقم ‪ ،17‬وهو طريق رسيع‬
‫ً‬
‫فاصًال بني مناطق السود والبيض‪.‬‬ ‫حّدًاً‬
‫كان لسنوات وبحكم األمر الواقع ّ‬

‫ظل مود يجري لسنوات‪ ،‬لكن ليس هناك اتفاق يف الرأي كيف بدأ بممارسة‬
‫هذه الرياضة‪ََ .‬وفقًاً لشقيقته «ياسمني» اليت كانت يومًاً ما ّ‬
‫عّداءة طموحة‪،‬‬
‫سألها «مود» مّرّة عام ‪ 2017‬عن عدد األميال اليت قطعتها يف اليوم الواحد‪،‬‬
‫وبعد فرتة وجزية بدأ يفعل ذلك هو نفسه‪ .‬تقول إن ذلك كان طبيعّيًّاً بالنسبة‬
‫ألخيها؛ ألنه أحب الهواء الطلق‪ ،‬وأراد «الرتويح» عن نفسه‪ .‬يؤكد «أ كيم» على‬
‫أن مود استخدم الجري نوعًاً من العالج‪ّ ،‬‬
‫لكّنه يعتقد أن دافعه الرئييس كان‬
‫الحفاظ على لياقته بعد كرة القدم‪ .‬هذه النظرية ستحدد التاريخ الذي بدأ فيه‬
‫بالجري إىل بضع سنوات قبل عام ‪.2017‬‬

‫‪218‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الخلفيات‬

‫ملاذا جاكسون حريص على معرفة تاريخ عالقة «مود» مع رياضة الجري؟‬

‫أوًال كتب القصة ملجلة متخصصة برياضة الجري‪ ،‬وثانيًاً ألن عالقة «مود» مع‬
‫ً‬ ‫ألنه‬

‫الجري كانت استثنائية؛ فليس اعتيادّيًّاً أن يمارس شاب رياضة الجري خارج األنشطة‬

‫الرسمية‪ .‬الشباب عادة يمارسون الجري ألن املدرب يجربهم على ذلك‪ .‬يف حالة «مود»‬

‫كان األمر مختلفًاً‪ ،‬والقارئ يحتاج أن يفهم هذا لبناء الصورة األكرب للقصة‪.‬‬

‫ورسواًال قصريًاً كاكّيًّاً‪ .‬كان يركض من‬


‫ً‬ ‫كان «مود» يركض مرتديًاً قميصًاً أبيض‬
‫دون قميص مرتديًاً شورت كرة السلة‪ .‬كان يركض مرتديًاً قميصًاً من دون‬
‫أ كمام وحذاء كرة سلة‪ .‬أو كما يلخص «كيم» كان «بمقدرته الجري بأي شكل‬
‫كان»‪ .‬يف بعض األحيان‪ ،‬أقنع «مود» صاحبه «جي‪ .‬يت‪ ».‬الذي «ال يحب‬
‫الجري بهذه الطريقة»‪ ،‬واثنني آخرين من زمالء الحارة‪ ،‬يف الذهاب إىل مجمع‬
‫ً‬
‫أمياًال حول البحرية يف املنزته‪ .‬يف‬ ‫«نورث جلني كانرتي» الرتفيهي والركض‬
‫أوقات أخرى‪ ،‬عند عودة «كيم» إىل املزنل من الكلية‪ ،‬كان يتجول هو و«مود»‬
‫إىل أحد طريف جرس «سيدين النيري»‪ ،‬وهو أطول جرس يف كل جورجيا‪ ،‬يؤديان‬
‫بعض تمارين اإلحماء‪ ،‬ويمارسان الجري ذهابًاً وإيابًاً عربه‪ ،‬على بعد مسافة‬
‫أقل بقليل من ثالثة أميال‪ .‬الثنائيان كانا يحافظان على وترية جري ثابتة‪.‬‬
‫«لكن‪ ،‬يف بعض األحيان كان يدفعين» للجري أرسع‪ ،‬يقول «أ كيم»‪.‬‬

‫ال يوجد دليل على أن «مود» كان يتدرب على الجري لعرشات الكيلومرتات‬
‫أو ملاراثون كامل أو نصفه‪ ،‬أو أّنّه كان مهووسًاً بعدد األميال اليت يقطعها أو‬
‫مدى رسعته‪ .‬مع ذلك‪ ،‬من الواضح أنه كان شاّبًّاً يحب الجري‪ ،‬وكان باملقاييس‬
‫عّدا ًًء موهوبًاً‪ .‬من الواضح أيضًاً بالنسبة يل أن القوى نفسها اليت ح ّّولت‬
‫كلها ّ‬

‫‪219‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫الجري من هواية وليدة يف والييت البيضاء إىل صناعة عاملية بمليارات الدوالرات‪،‬‬
‫خّطت أيضًاً ثقافة كانت يف أحسن األحوال ال ترحب بأمثال «مود»‪ ،‬ويف‬ ‫ّ‬
‫أسوأها تقّيّده‪.‬‬

‫***‬

‫األحد ‪ 23‬فرباير ‪ ،2020 | 13:15‬وفقًاً لتقرير الرشطة‪ ،‬قام «جريجوري‬


‫مكمايكل» بقلب «مود» على ظهره للتحقق ما إذا كان يحمل سالحًاً‪ .‬قام‬
‫بتفقده على الرغم من حقيقة أن «مود» مل ُُيشهر السالح‪ ،‬أو يطلق الرصاص‬
‫بني رجلني أبيضني مسلحني‬ ‫يف أثناء أي جزء من رحلته‪ ،‬وال حىت عندما ُ‬
‫ُح‬
‫رِصر‬
‫ورجل أبيض آخر غري مسلح‪ ،‬مل يعرف «مود» بوجوده خلفه‪ .‬سيصل ضباط‬
‫رشطة مقاطعة «جلني» يف غضون ثواٍن من إطالق النار‪ ،‬وصفارات اإلنذار‬
‫ٍ‬
‫تدوي على طول طريق «ساتيال درايف»‪ .‬ولكن قبل أن تصل سيارات الرشطة‬
‫هذه إىل مكان الحادث‪ ،‬فإن «ترافيس ماكمايكل» ‪ -‬وفقًاً لترصيح «بريان»‬
‫للمحققني يف مايو ‪ -‬سيطلق على «مود» اسم «ز*ـجي لعـ*ـن»‪.‬‬

‫***‬

‫الجرس الذي استخدمه «مود» و«كيم» للركض‪ُُ ،‬س ّّمي باسم شاعر القرن‬
‫التاسع عرش الكونفدرايل «سيدين النيري»‪ .‬من الصعب تخيل جورجّيًّاً يضاهي‬
‫«النيري» يف مرتبة الرشف‪ .‬ليس فقط ألن الجرس ُُس ّّمي باسمه‪ ،‬بل هناك أيضًاً‬

‫مقاطعة «النيري» اليت تحمل االسم نفسه يف جنوب جورجيا‪ ،‬وبحرية «النيري»‪،‬‬
‫وهي خزان للمياه يف شمال جورجيا‪ .‬بدا «كيم» مندهشًاً عندما ذكرت له‬
‫ارتباطات «النيري» بالكونفدرالية (واليات الرقيق)‪ ،‬ما يجعلين أتساءل عن‬
‫مدى معرفة «مود» بتاريخ موطنه‪ .‬سواء كان الشباب على دراية بالسرية‬

‫‪220‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫(َم ْْن يقف لقراءة لوحة على جرس؟) فإن كل جرٍي‬


‫التقديسية لـ«النيري» أم ال َ‬
‫ٍ‬
‫على هذا الجرس كان إهانة‪ ،‬كان طريقة ماكرة إلذاللهم وإذالل شعبنا‪ .‬نعم‪،‬‬
‫شعلة «تييك» اليت يحملها العنرصيون حليقو الرؤوس تهدد املشهد‪ .‬لكن ماذا‬
‫عن جحافل الرجال املتعصبني غري املرئيني ورموزهم اليت ال تعد وال تحىص؟‬
‫تويف النيري يف عام ‪ ،1881‬ما يعين قرب نهاية عهد «إعادة اإلعمار» وبداية‬
‫قوانني «جيم كرو» يف الفصل العنرصي‪ .‬يف عام ‪ ،1964‬بعد بضعة أشهر‬
‫من إعالن «قانون الحقوق املدنية» الذي مهد للنهاية القانونية لـ«جيم كرو»‪،‬‬
‫الّسلف لـ«يب يب إس»‬
‫قّدم فيلم وثائقي يف التلفزيون الوطين التعليمي (وهو ّ‬‫ّ‬
‫بوبليك برودكاستنغ سريفيس) «برونزويك» بكونها مدينة كانت قادرة على‬
‫االندماج من دون إراقة الدماء اليت سادت يف كل مكان آخر يف الجنوب‪ .‬فاز‬
‫فيلم «ذا كوايت كونفليكت» (الزناع الهادئ) بالعديد من الجوائز وكان سببًاً‬

‫رئيسّيًّاً يف سمعة «برونزويك» باعتبارها «مدينة جنوبية نموذجية»‪.‬‬

‫تار يخ‬

‫استطاع جاكسون عن طريق البحث على جوجل التعرف أ كرث إىل تاريخ املدينة‪ .‬كان‬

‫من الرضوري التحدث عن هذا التاريخ؛ ألن «أ كيم» الذي كان يركض فوق الجرس مع‬

‫«مود»‪ ،‬مل يكن يعرف شيئًاً عن تاريخ الشاعر الذي ُُسِّمّ ي الجرس باسمه‪ .‬ال تزال هنالك‬

‫كثري من رموز «الكونفدرالية» والعبودية والقمع يف أمريكا‪ ،‬واألشخاص السود الذين‬

‫يمرون من جنبها ال يعرفون عنها شيئًاً‪ .‬فهي مثل وحش غري مريئ‪ ،‬ومن املهم إظهاره‬

‫للعلن‪ .‬فالكتابة فعل مقاومة‪.‬‬

‫ربما مل تكن «برونزويك» مثل نظرياتها من مدن الجنوب يف إراقة الدماء‪ ،‬إال أن‬
‫دعاة الفصل العنرصي ال يزالون يقاومون بشدة‪ .‬يف أحد األمثلة‪ ،‬تم استدعاء‬

‫‪221‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«كو كالكس كالن» لتهديد السود الذين يحاولون إدماج صالة بولينغ محلية‪.‬‬
‫عاّمًاً باألوساخ ملنع أطفال سود من السباحة‪.‬‬
‫يف مكان آخر‪ ،‬مأل الِبيض مسبحًاً ّ‬
‫ِ‬
‫أعلن كثٌري ٌ من السكان اندهاشهم من مقتل «مود» والتقليل من أهمية‬
‫العرق‪ .‬أما أولئك الذين يجادلون بأن روح «سيدين النيري» وأنصار الفصل‬
‫يُق ْ‬
‫ْل ما ّ‬
‫اّدعاه «بريان» يف‬ ‫العنرصي قد ّ‬
‫وّلت‪ ،‬أو أن «ماكمايكل» االبن ربما مل ُ‬

‫شهادته لدى الرشطة‪ ،‬ثمة أدلة حديثة ‪-‬بما يف ذلك منشورات «ماكمايكل»‬
‫ً‬
‫ومثاًال آخر‪ ،‬أعيد هنا‬ ‫على الشبكات االجتماعية اليت استشهد بها املحققون‪-‬‬
‫نرش هذا البوست من فيسبوك كتبه «كريس بوتنام»‪ ،‬زميل دراسة سابق‬
‫لـ«ترافيس مكمايكل» يف املدرسة الثانوية‪:‬‬

‫«لن أ كون أحد زمالء ترافيس مكمايكل الذين جلسوا هنا‪ ،‬ومل ينبسوا‬
‫ببنت شفة‪ .‬كان دائمًاً نموذجًاً للمتخلف العنرصي املحب للسالح‪ ،‬وكنا‬
‫جميعًاً نعلم أن شيئًاً كهذا سيحدث يومًاً‪ .‬أتذكر كثريًاً من األشخاص الذين‬
‫كانوا هم أنفسهم عنرصيني على نحو علين للغاية‪ ،‬وكانوا يمزحون كيف‬
‫أنهم «على األقل [ليسوا] ترافيس»‪.‬‬

‫عّرّفت «الجمعية الوطنية للنهوض بامللونني» ذات مرة «اإلعدام من دون‬


‫محاكمة» على أنه حالة وفاة حيث‪ )1 :‬هناك دليل على مقتل شخص‪)2 ،‬‬
‫الوفاة غري قانونية‪ )3 ،‬شاركت مجموعة من ثالثة أشخاص على األقل يف‬
‫القتل‪ .‬وفقًاً لـتقرير «اإلعدام من دون محاكمة يف أمريكا»‪ ،‬الذي صدر عن‬
‫«مبادرة العدالة املتكافئة»‪ ،‬كان هناك ‪ 4084‬حالة إعدام خارج نطاق القانون‬
‫يف الواليات الجنوبية بني عامي ‪ 1877‬و‪ .1950‬من أصل ‪ 594‬عملية إعدام‬
‫ُ‬
‫من دون محاكمة قانونية ُأبِل ََغ عنها يف جورجيا خالل تلك الفرتة – وهي‬
‫ِ‬
‫واحدة من أربع واليات فقط مل تصدر بعد قانونًاً بشأن جرائم الكراهية‪ ،-‬ثالث‬
‫عمليات وقعت يف مقاطعة «جلني»‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫بني عامي ‪ 1920‬و‪ ،1938‬رفع مقر «الجمعية الوطنية للنهوض بامللونني» يف‬
‫نيويورك علمًاً أعلن «مقتل رجل من دون محاكمة قانونية أمس» لإلشارة إىل‬
‫جريمة قتل تناسب معايريهم‪.‬‬

‫ُ‬
‫ُأعِدم اليوم صٌيب ٌ من دون محاكمة؛ ألنه سار مغطى الرأس يف الشارع‪ ،‬ورفض‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫رجٌل من دون محاكمة؛ ألنه كان يبيع‬ ‫أمر حارس الحي املتحمس‪ُ .‬أعِدم اليوم‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫مراهٌق من دون‬ ‫السجائر املفردة [وليس العلبة] خارج محل بقالة‪ُ .‬أعِدم اليوم‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫طفٌل من دون‬ ‫محاكمة؛ بسبب نزاع على سجائر «السيجارلو»‪ُ .‬أعِدم اليوم‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫رجٌل من‬ ‫محاكمة؛ لحمله لعبة خارج مركز لألنشطة الرتفيهية‪ُ .‬أعِدم اليوم‬
‫ِ‬
‫دون محاكمة؛ بسبب تجاوزه إشارة وقوف مرورية‪ ،‬ومل يكن يحمل سالحًاً‪.‬‬
‫بسبب بيع األقراص املدمجة خارج املتجر‪ .‬بسبب ترصيحه بأنه يحمل سالحًاً‬
‫ُ‬
‫مرّخصًاً ومحاولته إخراج الرخصة‪ُ .‬أعِدمت اليوم امرأة من دون محاكمة؛‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ألنها كانت نائمة‪ .‬واليوم ُأعِدم رجل آخر مندون محاكمة؛ لالشتباه بمحاولته‬
‫ِ‬
‫الرشاء بـ‪ 20$‬مزورة‪ .‬مـ ـ ـوـ ت! يف فلوريدا‪ ،‬نيويورك‪ ،‬ميسوري‪ ،‬أوهايو‪ ،‬ساوث‬
‫كارولينا‪ ،‬لويزيانا‪ ،‬مينيسوتا‪ ،‬كنتايك‪ ،‬ومرة أخرى يف مينيسوتا‪.‬‬

‫ملاذا مل يذكر أسماء كل هؤالء؟‬

‫أراد جاكسون أال تطغى قصة أخرى على قصة «مود» ومنحه املكانة الالئقة به‪ ،‬ورسد‬

‫قصته الحقيقية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬مل يكن ممكنًاً تجاهل األرواح الكثرية؛ ألنهم فقط من السود‪.‬‬

‫وثمة ملمح قوي آخر هنا‪ :‬فجاكسون يقول للقارئ‪ :‬ال أحتاج أن أخربك بأسمائهم‪،‬‬

‫فأنت تعرفهم جيدًاً‪ ،‬إنهم يف كل مكان‪.‬‬

‫***‬

‫‪223‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫األحد ‪ 23‬فرباير ‪« ،2020 | 13:16‬شخصان على طريق هوملز‪ .‬إطالق‬


‫أعرية نارية‪ .‬رجل على األرض‪ ،‬يزنف بغزارة» يقول ضابط الرشطة عرب جهاز‬
‫الالسليك‪ .‬يلفظ «مود» أنفاسه األخرية بالقرب من تقاطع طريق «هوملز»‬
‫و«ساتيال درايف»‪ ،‬على بعد ‪ 300‬ياردة فقط من املكان الذي تجول فيه قبل‬
‫‪ 10‬دقائق‪ ،‬ودخل موقع بناء‪ .‬سيط ّّوق الضباط املكان ويبدأان التحقيق‪.‬‬
‫سيستجوبون «مكمايكل» األب واالبن ‪-‬يدا «جريجوري» ملطختان بالدماء‬
‫بسبب قلب «مود» على ظهره‪ -‬و«ويليام بريان»‪ .‬ويف فعل يمثل بحد ذاته‬
‫ممارسة عنف آخر‪ ،‬سيرتكون الثالثة يمضون يف حال سبيلهم كرجال أحرار ملدة‬
‫ثالثة أشهر تقريبًاً‪.‬‬

‫ً ُ‬
‫مرًة ُأعيد تحر ير القصة ومراجعتها؟‬ ‫كم‬

‫رغم شهرة جاكسون بكونه روائّيًّاً حائزًاً على جوائز مرموقة‪ّ ،‬‬
‫فإّن املراجعة وإعادة التحرير‬

‫ال تعرفان الشهرة؛ ال بل هما سبب الشهرة‪ .‬هيكلية القصة من بداياتها كانت قصة‬

‫داخل قصة‪ ،‬ومل يتغري ذلك‪ .‬املشهد االفتتاحي واملشهد الختامي ظال يف مكانيهما‪ ،‬ما‬

‫تبقى أعيد تحريره مرارًاً بنقل هذا املقطع إىل هناك‪ ،‬وإضافة معلومة إىل هنا‪ ،‬وتشذيب‬

‫النص هنا وهناك‪.‬‬

‫***‬

‫يف ‪ 23‬فرباير‪/‬شباط ‪ ،2020‬أعِدم شاب خرج للجري يف مقاطعة «جلني»‬


‫ِ‬
‫بوالية جورجيا‪.‬‬

‫كان اسمه أحمود ماركزي أربريي‪ ،‬كان ُُيدعى «كويز» من قبل محبيه‪ ،‬و«مود»‬
‫من قبل معظم الناس اآلخرين‪ .‬وأريدك أن تعرف أن «مود» كان لديه موهبة‬

‫‪224‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يف ترك االنطباعات الجيدة وموهبة خاصة يف تقليد «مارتن لورانس»‪ .‬أريدك‬
‫َ‬
‫«الَف ْْدج» من‬ ‫أن تعرف أن «مود» كان مولعًاً بالحلويات‪ ،‬وكان يطلب كعكة‬
‫والدته يف حفالت أعياد امليالد‪ ،‬وغالبًاً كان يشارك الكعكة مع أخته الكربى‪.‬‬
‫أريدك أن تعرف أن «مود» كان يوقع البطاقات اليت يشرتيها لوالدته باسم‬
‫«الطفل املدلل»‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» وشقيقه كانا يرتديان الخوذات اليت‬
‫يستخدمانها يف لعبة سيارات «الكارتينج»‪ ،‬ويلعبان بحذر على «الرتامبولني»‪،‬‬
‫قّط شقيقه األكرب‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» هرس خنرصه‬ ‫وأنه مل يخذل ّ‬
‫ً‬
‫وبدًال من معالجة اإلصبع كما نصحت‬ ‫وهو يلعب بالطوق يف املدرسة الثانوية‪،‬‬
‫«ياسمني»‪ ،‬تركه ُُي ْْشفى من تلقاء ذاته‪ -‬وظل ملتويًاً إىل األبد‪ .‬أريدك أن تعرف‬
‫أن «مود» مل يكن يتأفف كلما بدأ شيئًاً جديدًاً‪ ،‬وعندما يتأفف اآلخرون‪ ،‬كان‬
‫ً‬
‫قائًال «ال تبتئس يا رجل‪ .‬افعل ما عليك فعله للتعامل مع األمر»‪.‬‬ ‫يوبخهم‬
‫أريدك أن تعرف ما أخربتين به «شينيس» عن «مود» أنه يف بعض األحيان كان‬
‫يسجل حديثهما ليتمكن من االستماع إىل صوتها عندما تكون بعيدة عنه‪ .‬ما‬
‫ْي أخيه «ماركوس الثالث»‬ ‫َ‬
‫ينبغي أن تعرفه عن «مود» هو أنه كان يعشق طفَل ْ‬
‫و«ميكا أربريي»‪ ،‬وأنه عندما كانا طفلني‪ ،‬كان يأخذهما يف نزهات طويلة يف‬
‫العربة إىل أن يهدآ‪ .‬ما ينبغي أن تعرفه عن «مود» أن «ياسمني» عندما سألتها‬
‫أوًال إذا أّملّت بها مشكلة‪ ،‬قالت إنها‬
‫صديقة يف الجامعة بأي والديها ستتصل ً‬
‫ّ‬
‫متذوّقًاً شغوفًاً‬ ‫ستتصل به وليس بوالديها‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» كان‬
‫بساندويتش «ماك تشيكن» بالجنب‪ .‬أريدك أن تعرف أن «مود» و«كيم» كانا‬
‫جّدًاً لدرجة أن الصدف شاءت أن كليهما كرس قدمه يف اليوم اللعني‬
‫قريبني ّ‬
‫ذاته يف حادثتني منفصلتني يف أثناء رفع األثقال‪ ،‬وأن «مود» كان يمازح بشأن‬
‫ذلك عندما كانا يتعالجان يف غرفة املدرب‪ .‬ينبغي أن تعلم أن «مود» كان يحلم‬
‫بالعمل كهربائّيًّاً وامتالك رشكة إنشاءات‪ .‬ينبغي أن تعلم أن «مود» كان يتحدث‬
‫كثريًاً عن رغبته يف أن يصبح زوجًاً وأبًاً عظيمًاً‪ .‬ينبغي أن تعلم أنه كان سيخرب‬
‫أوالده أن يشرتوا جميعًاً قطعة أرض شاسعة‪ ،‬وأن يبنوا عليها منازلهم‪ ،‬وأن‬

‫‪225‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يعيشوا مع عائالتهم يف مجمع مس ّّور‪ .‬ينبغي أن تعلم أن «مود» مل يسافر قط‬


‫على منت طائرة‪ ،‬مع أنه سافر يف رحالت إىل جامايكا واليابان وإفريقيا‪ .‬ما يجب‬
‫أن تعرفه عن «مود» أنه عندما طارده «ترافيس مكمايكل»‪« ،‬وجريجوري‬
‫مكمايكل»‪ ،‬و«ويليام رودي بريان» وقتلوه قبل أقل من ثالثة أشهر من عيد‬
‫ميالده السادس والعرشين‪ ،‬ترك وراءه والدته «واندا»‪ ،‬ووالده «ماركوس»‪،‬‬
‫ّ‬
‫«باّك»‪ ،‬وشقيقته «ياسمني»‪ ،‬وجدته من ناحية أمه «إيال»‪ ،‬وأبناء‬ ‫وشقيقه‬
‫أخيه‪ ،‬وستة أعمام‪ ،‬و‪ 10‬عمات‪ ،‬ومجموعة من أبناء عمومته‪ ،‬وأن حياتهم‬
‫جميعًاً ستكون أفقر بما ال يقبل الجدال‪ ،‬وما ال يمكن تخيله‪ ،‬وما ال رجعة فيه‪،‬‬
‫بسبب غيابه‪.‬‬

‫تكرار الصدارة‬

‫هذا املقطع أروع مقطع يف القصة‪ ،‬استخدم فيه جاكسون إيقاعًاً بال هوادة‪ :‬أريدك‬

‫أن تعرف‪ ..‬ينبغي أن تعلم‪ ..‬يجب أن تعرف‪ ..‬مستخدمًاً تكرار صدارة الجملة‪ ،‬ما يذكر‬

‫بالنصوص الدينية والكتاب املقدس‪ .‬يكرر الصدارة ليبين نمطًاً‪ ،‬ثم يكرسه بنمط جديد‪.‬‬

‫وأيضًاً هذا االنتقال من أريد‪ ،‬ينبغي‪ ،‬يجب‪ ..‬إذ تزداد كثافة املعىن وأهميته كلما تقدم‬
‫املقطع نحو نهايته‪ .‬ثم بهاء الجملة األخرية باستخدام «ما ال»‪« :‬وأن حياتهم جميعًاً‬

‫ستكون أفقر بما ال يقبل الجدال‪ ،‬وما ال يمكن تخيله‪ ،‬وما ال رجعة فيه‪ ،‬بسبب غيابه»‪.‬‬

‫***‬

‫كان «أحمود ماركزي أربريي» أ كرث من مجرد انتشار مقطع فيديو‪ .‬كان أ كرث من‬
‫هاشتاج أو اسم على قائمة الضحايا املأساويني‪ .‬كان أ كرث من تقرير أو مقال أو‬
‫تأبني‪ .‬كان أ كرث من عنوان‪ ،‬أو افتتاحية‪ ،‬أو حزمة أخبار‪ ،‬أو تغطية خربية‪ .‬كان‬

‫‪226‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫أ كرث من إعادة تغريد أو مشاركة منشور‪ .‬كان‪ ،‬بال جدال‪ ،‬أ كرث من الـ«اليكات» أو‬
‫إيموجي تذرف الدمع‪ ،‬أو على شكل قلب أو أياٍد تتهدج بالصالة‪ .‬كان أ كرث من‬
‫ٍ‬
‫صورة على تيشريت أو الفتة‪ .‬كان أ كرث من ترشيح للجثة‪ ،‬أو سجل للتحقيق‪،‬‬
‫أو تقرير للرشطة‪ ،‬أو جلسة استماع مبارشة‪ .‬إنه‪ ،‬بكل تأ كيد‪ ،‬أ كرث من سورة‬
‫غضب رسيعة الزوال من صديقك الليربايل األبيض‪ .‬كان أ كرب من رمز‪ ،‬أ كرب من‬
‫حركة‪ ،‬أ كرب من قضية‪ .‬كان‪ ..‬محبـوبًاً‪.‬‬

‫كان‪ ..‬محبوبًاً‬

‫يف نهاية املقطع يستخدم جاكسون جملة استلهمها من رواية توين موريسون «نشيد‬

‫وُترجمت للعربية بعنوان «أغنية سليمان»‪ :‬كان محبوبًاً‪ .‬لكن جاكسون‬


‫سليمان» ُ‬

‫تالعب بعالمات الرتقيم واستخدام الحروف املائلة على الشكل التايل‪He. Was. :‬‬

‫‪ .Loved‬فأهم فكرة يف نهاية األمر هي أن هذا الشاب كان «محبوبًاً»‪.‬‬

‫***‬

‫تمكن بعض هؤالء األحباء من مشاهدة «مود» يلعب املباراة األخرية يف‬
‫موسمه األول‪ ،‬وهي مباراة خارج ملعبه يف مدرسة «ليكسايد إيفانز» الثانوية‪.‬‬
‫يف غرفة خلع املالبس‪ ،‬يقدم املدرب حديثًاً حماسّيًّاً يثري الهمم‪ ،‬و«مود» الذي‬
‫يرتدي جوارب طويلة زرقاء بألوان مدرسته ورشيط معصم أبيض متأللئًاً‪ ،‬يقود‬
‫الفريق يف ترتيلة ما قبل املباراة‪ .‬يصيح‪:‬‬

‫«أنتم جميعًاً لستم جاهزين»‪« .‬شـييييييت» يصيحون‪ ،‬ثم يهيمون على‬


‫وجوههم خارج غرفة خلع املالبس‪ ،‬املسامري السفلى ألحذيتهم تصدر القرقعة‬

‫‪227‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫على األرضية الخرسانية‪ ،‬وإىل أرضية امللعب‪ .‬مود كابنت الفريق‪ ،‬يختال متجهًاً‬

‫إىل خط ‪ 50‬ياردة للمشاركة يف القرعة‪.‬‬

‫ملاذا أنهى القصة بمشهد ختامي عن مباراة أيضًاً؟‬

‫ألن كرة القدم كانت حب حياة «مود»‪ ،‬وألن جاكسون أراد لقصته أن تكون على شكل‬

‫دائرة كاملة (بدأ بمباراة وأنهى باملباراة ذاتها)‪ ،‬ليس لها بداية أو نهاية؛ دائرة جهنمية‬

‫من قتل وإعادة قتل إىل ما ال نهاية‪ .‬وساعده على ذلك أن هذه املباراة األخرية كانت‬

‫مغطاة إعالمّيًّاً‪ ،‬ومن ثم كان هنالك معلومات كافية عنها‪ .‬وثمة ملمح مهم آخر‪ ،‬أن‬

‫نهاية مسرية مود مع كرة القدم كانت يف هذه املباراة‪ .‬ومنذ ذلك الحني بدأت األقدار‬

‫تفعل فعلها إىل أن انتهت بمقتله‪.‬‬

‫نادرًاً ما ينهي ريايض املوسم بفوز‪« .‬مود» الذي سيمّكّن الفريق من الحصول‬
‫على جائزة قطع معظم الكرات من الخصم يف ذلك املوسم‪ ،‬يتألق يف جميع‬
‫أنحاء امللعب‪ ،‬ويوقف الهجمة بعد األخرى‪ ،‬مع ذلك «قراصنتـ»ـه يرتكبون‬
‫أربعة ارتدادات يف الشوط األول‪ ،‬ويتخلفون عن الفريق الخصم بـ ‪ 20‬نقطة‪.‬‬
‫لكن الفريق –وسط الهتافات‪ -‬ينجح يف استجماع قواه يف الشوط الثاين‪،‬‬
‫ويحوز على أ كرب فرصة واعدة عندما يقطع «مود» الكرة يف منتصف الربع‬
‫الرابع‪ ،‬وينطلق يف خط متعرج هنا‪ ،‬ويناور هناك‪ ،‬ويهاجم منتصف امللعب‪،‬‬
‫والريح تصفر عرب خوذته‪ ،‬ورشاقة ساقيه تدفعه إىل خط الـ ‪ ،50‬الـ ‪ ،40‬الـ ‪،30‬‬
‫جّدًاً‪ ،‬لكن مل ينجح يف الوصول إىل خط النهاية‪.‬‬
‫وآااه بات قريبًاً ّ‬

‫مل يسجل «القراصنة» نقاطًاً يف الهجمات السابقة‪ .‬يخرسون املباراة ويغيبون‬


‫عن التصفيات ألول مرة منذ نصف عقد‪ .‬بينما يحتفل خصمهم‪ ،‬ويعترص‬

‫‪228‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫ّ‬
‫يتحّلق «مود» وبعض زمالئه يف‬ ‫املعجبون طريقهم للخروج من املدرجات‪،‬‬
‫دائرة يف منتصف امللعب‪ .‬هناك‪ ،‬يقفون يدًاً بيد‪ ،‬بقع العشب تلطخ لباسهم‬
‫الضيق‪ ،‬والدموع تسيل فوق الرشائط السوداء أسفل جفونهم‪ .‬الفتيان الذين‬
‫سيصبحون قريبًاً شبانًاً‪ ،‬يندبون حدادًاً على خسارة نهاية املوسم‪ ،‬فتيان يف‬
‫مخاض الشباب يتفجعون على النهاية األبدية ملوسم كرة القدم‪ .‬كان بإمكان‬
‫«مود» أن يلجأ إىل موهبته يف الفكاهة للتخفيف عنهم‪ ،‬لكنه هذه املرة يمتنع‬
‫ويسّلم بمدى ثقل املوقف‪ .‬نعم‪ ،‬سيستمر بعضهم باللعب يف الكلية‪ .‬آخرون‬ ‫ّ‬

‫سيذهبون يف الواقع إىل الكلية طالبًاً فقط‪ .‬وبالتأ كيد‪ ،‬سيتخلى البعض عن‬
‫الجامعة تمامًاً‪ ،‬وينخرط يف د ّّوامة العمل‪ .‬ولكن ها هي الحقيقة‪ ،‬الحقيقة‬
‫الكاملة‪ ،‬فليساعدين الرب‪ :‬تحت هذا الربيق األخري ألضواء ليلة الجمعة‪ ،‬ال‬
‫«مود» وال أي من زمالئه اآلخرين يعلمون على وجه اليقني ما يخبئه لهم‬
‫املستقبل‪.‬‬

‫الجملة األخرية‬

‫مجددًاً‪ ،‬الجملة األخرية تشري إىل نقطة البداية‪ ،‬والشكل الدائري للقصة‪ ،‬فال أحد يعلم‬

‫من سيكون اآليت يف سلسلة جرائم القتل العنرصية‪.‬‬

‫ََم ْ‬
‫ْن هو ميتشل جا كسون؟‬

‫هو كاتب وروايئ أمرييك‪ ،‬وحظيت روايته ‪ The Residue Years‬بإشادة نقدية واسعة‪ .‬وقد‬

‫فاز جاكسون عن روايته بجائزة وايتنغ ‪ .Whiting Award‬كما فازت بجائزة إرنست ج‪ .‬جيزن‬

‫‪ The Ernest J. Gaines Prize‬للتمزي األديب وكانت من ضمن الروايات املرشحة لجائزة‬

‫‪229‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫فالهرييت‪-‬دونان ألفضل أول عمل روايئ ‪The Center for Fiction Flaherty-Dunnan‬‬

‫‪ ،First Novel Prize‬وجائزة بني ‪ -‬همنجواي ‪ PEN / Hemingway Award‬ألول عمل‬

‫روايئ‪ ،‬وجائزة هورستون ‪ /‬رايت ‪ .Hurston / Wright Legacy Award‬وتشمل تكريمات‬

‫جاكسون زماالت ومنحًاً وجوائز من كرييتيف كابيتال‪ ،‬ومركز كلمان ملكتبة نيويورك العامة‪،‬‬

‫ومؤسسة النان‪ ،‬ومؤسسة فورد‪ ،‬و«بني أمريكا»‪ ،‬وتيد‪ ،‬ومؤسسة نيويورك للفنون‪ ،‬ومركز‬

‫الخيال‪.‬‬

‫وُس ِِّلطت األضواء على كتابات جاكسون يف نيويورك تايمز‪ ،‬وتايم‪ ،‬وإسكوير‪ ،‬وماري كلري‪.‬‬
‫ُ‬
‫إضافة إىل ذلك يف النيويوركر‪ ،‬وهاربرز‪ ،‬ونيويورك تايمز‪ ،‬واملجلة الباريسية‪ ،‬والجارديان‪ ،‬ومجلة‬

‫واشنطن بوست‪ ،‬وهاربرز بازار‪ ،‬وأمكنة أخرى‪ .‬تم نرش كتابه غري الروايئ ‪Survival Math:‬‬
‫َ‬
‫أفضَل كتاب للعام يف‬ ‫‪ Notes on an All-American Family‬يف عام ‪ 2019‬وتم اختياره‬

‫‪ ،NPR‬وتايم‪ ،‬واملجلة الباريسية‪ ،‬وذا روت‪ ،‬وكريكس ريفيوز‪ ،‬وبازفيد‪.‬‬

‫قدم جاكسون محارضات وخطبًاً رئيسية يف جميع أنحاء العامل‪ ،‬بما يف ذلك مؤتمر تيد السنوي‪،‬‬

‫ومهرجان أوبود (بايل) للكتاب والقراء‪ ،‬ومهرجان سيدين للكتاب‪ ،‬إضافة إىل مؤسسات مرموقة‬

‫مثل جامعة ييل‪ ،‬وجامعة براون‪ ،‬وجامعة كورنيل‪ ،‬وجامعة كولومبيا‪.‬‬

‫لكونه سجينًاً سابقًاً‪ ،‬يعمل جاكسون أيضًاً مدافعًاً عن العدالة االجتماعية ويشارك يف التوعية‬

‫يف السجون ومرافق الشباب يف الواليات املتحدة وخارجها‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫امللحق الثاني‬

‫القصة‪ ..‬كيف تصبح قصة؟‬


‫ال رصاع‪ ،‬ال تغيري‪ ،‬ال قصة‬

‫حّقًاً‪ ،‬إال عندما يقرر البطل إحداث تغيري!‬


‫القصة ال تأخذ زخمها ّ‬

‫قد يكون التغيري واقعّيًّاً‪:‬‬

‫الفوز بقلب شخص ما‪ ،‬أو إلحاق الهزيمة بشخص آخر (رشير)‪ ،‬أو ربما تأمني‬
‫لقمة العيش‪ ،‬أو البقاء على قيد الحياة‪ ،‬أو تعلم يشٍء ما‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ٍ‬

‫وقد يكون داخلّيًّاً‪ ،‬أو ذهنّيًّاً‪ ،‬أو نفسّيًّاً‪:‬‬

‫تغيري طبٍع ما‪ ،‬أو التغلب على الكآبة‪ ،‬أو امليول االنتحارية‪ ،‬أو تدريب النفس‬
‫ٍ‬
‫وضبطها‪ ،‬أو عيش قصة حب متكاملة واملحبوب ال يدري عنها شيئًاً‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫القصة تبدأ بشخصية (البطل) تسعى إىل يشء ما‪ ،‬وتصبح الحبكة‪ :‬هل‬
‫سيحصل على ما يريد؟‬

‫قد تكون القصة عن محاولة تغيري فشلت‪ ،‬وكان لهذا الفشل تبعاته‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫والقصة واقعّيًّاً ‪-‬أّيّ قصة‪ -‬يمّرّ بطلها بمراحل‪.‬‬

‫جوزيف كامبل‪ ،‬الباحث يف األساطري‪ ،‬اكتشف يف كتاب ه �‪The Hero’s Jour‬‬


‫‪ ney‬أن القصص جميعها‪ ،‬بغض النظر عن الثقافات‪ ،‬تمر باملراحل ذاتها‪.‬‬

‫البطل الواقعي (الشخصية الرئيسية) لقصتك الصحفية‪ ،‬قد يمر بجميع‬


‫املراحل اليت سنأيت على ذكرها‪ ،‬أو بعضها‪ .‬لكن القصة ال تصبح قصة من دون‬
‫وجود رصاع؛ إذ لن يكون هنالك تغيري (أو محاولة تغيري)‪ ،‬ومن ثم لن تكون‬
‫هنالك قصة أساسًاً‪.‬‬

‫ما يهم إذًاً‪ ،‬هو الرصاع ‪ /‬التغيري‪ ،‬ما تبقى يمكنك استثماره؛ بإيراده أو تجاهله‬
‫وحذفه‪ ،‬بما يخدم قصتك‪.‬‬

‫املراحل اليت يمر بها بطل القصة أو الشخصية الرئيسية‪ ،‬واألسئلة‬


‫األساسية اليت ينبغي أن تكون حارضة يف ذهن الصحفي‪.‬‬

‫‪ .1‬حياة عادية روتينية ‪Ordinary World‬‬

‫املرحلة األوىل يف رحلة البطل هي «عامله العادي الروتيين» الذي يتيح فهم‬
‫شخصيته بالتعرف إىل دوافعها‪ ،‬ورغباتها‪ ،‬ومشكالتها‪ ،‬وعيوبها‪.‬‬

‫يف كل قصة ثمة مشكلة تعكر فجأة صفو العامل العادي الروتيين للبطل؛ مالذه‬
‫اآلمن‪ ،‬وتكرس التوازن فيه‪ .‬وال يجد البطل خيارات أمامه سوى أن يبدأ رحلة‬
‫يغادر فيها عامله الروتيين الذي يعرفه‪ ،‬إىل «عامل خاص» آخر ليس له عهد به‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫يحّلها‪ ،‬ويستعيد‬‫هناك يحاول حلّ ّاملشكلة اليت طرحتها القصة يف بداياتها أو ّ‬

‫التوازن‪« .‬العامل الخاص» ليس بالرضورة أن يكون مادّيًّاً وخارجّيًّاً‪ ،‬قد يكون‬
‫نفسّيًّاً وداخلّيًّاً‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬أين يقيم البطل؟ كيف يبدو عامله يف البدايات؟‬

‫‪ .2‬دعوة للتغيري ‪Call to Action‬‬

‫املرحلة الثانية أو «الدعوة إىل التغيري» هي العجلة اليت تقود القصة‪ ،‬تحّرّك‬
‫املياه الراكدة‪ ،‬وتخلخل التوازن يف عامل البطل‪ ،‬وتضع أمامه تحديًاً عليه إنجازه‪.‬‬
‫عاصفًة مفاجئة‪ ،‬ظهورًاً رشيرًاً‪،‬‬
‫ً‬ ‫«الدعوة إىل التغيري» قد تكون‪ :‬رسالة‪ ،‬إعالنًاً‪،‬‬
‫وفاة‪ ،‬اختطافًاً‪ ...‬إلخ‪ .‬وقد يحتاج البطل إىل سلسلة من «دعوات إىل التغيري»‬
‫قبل أن يدرك أخريًاً أنه ال مفر من مغادرة عامله الروتيين إىل «العامل الخاص»‬
‫ومواجهة التحدي هناك‪« .‬دعوات التغيري» قد تكون متضاربة أحيانًاً‪ ،‬وعلى‬
‫البطل اختيار إحداها‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬ما الذي كرس التوازن والروتني يف حياة البطل؟ من هو رسول‬
‫الدعوة إىل التغيري؟‬

‫‪ .3‬رفض التغيري ‪Refusal of the Call‬‬

‫البطل يرفض التغيري عادة‪ ،‬بسبب املخاوف وعدم اليقني؛ فهو يف هذه املرحلة‬
‫غري مستعد للتغيري‪ ،‬ويفضل البقاء يف عامله الروتيين ومالذه اآلمن‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫«رفض التغيري» يضيف مزيدًاً من التشويق على القصة؛ فهو يجسد األخطار‬
‫اليت تكتنف الرحلة‪.‬‬

‫مستعّدًاً ومتحمسًاً للتغيري‪ ،‬ولكن أصدقاءه وداعميه‬


‫ّ‬ ‫أحيانًاً‪ ،‬قد يكون البطل‬
‫يعربون عن مخاوفهم من الرحلة‪ .‬كلما كان هنالك رفض لالضطالع بدعوة‬
‫التغيري‪ ،‬تزداد الرهانات لدى الجمهور‪ ،‬وينخرط أ كرث يف القصة إىل أن يستنفد‬
‫البطل الخيارات‪ ،‬وال يعود أمامه سوى قبول دعوة التغيري وخوض الرحلة‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬ما هي مخاوف البطل من التغيري؟ ملاذا يرفضه؟ ماذا يتطلب‬
‫لتغيري رأيه؟‬

‫‪ .4‬اللقاء بالناصح ‪Meeting the Mentor‬‬

‫يلتقي البطل بالناصح أو املرشد للتغلب على مخاوفه وكسب بعض الثقة اليت‬
‫ستساعده على اجتياز العتبة األوىل من التغيري‪ .‬الناصح أو املرشد عادة يكون‬
‫شخصًاً سبق أن خاض رحلة التغيري‪ ،‬يعرف أخطارها‪ ،‬ويستطيع نقل معارفه‬
‫للبطل‪ .‬قد يكون الناصح شخصًاً حقيقّيًّاً‪ ،‬وقد يكون مرشدًاً داخلّيًّاً يف العقل‬
‫الباطن للبطل‪ ،‬أو حىت مجرد أداة تساعد البطل على تقبل الدعوة إىل التغيري‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ََ :‬م ْْن يرشد البطل وينصحه؟ كيف يساعده؟‬

‫‪234‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .5‬اجتياز العتبة األوىل ‪Crossing the First Threshold‬‬

‫«اجتياز عتبة العبور األوىل» يشري إىل أن البطل تقّبّل أخريًاً دعوة التغيري‪.‬‬
‫وهو اآلن مستعد لعبور البوابة اليت تفصل عامله العادي الروتيين عن «العامل‬
‫الخاص» بأخطاره ّ‬
‫كاّفة‪.‬‬

‫اجتياز هذه العتبة يتطلب أحيانًاً أ كرث من مجرد التغلب على املخاوف‪ .‬أحيانًاً‬

‫يكون هنالك «حدث» ما يدفع بالبطل رغمًاً عنه إىل اجتياز العتبة األوىل‬
‫والدخول يف «العامل الخاص»‪.‬‬

‫قد يكون هذا الحدث بفعل قوى خارجية‪ ،‬أو دوافع داخلية‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬حىت اآلن‪ ،‬ما الذي كسبه وما الذي خرسه؟‬

‫‪ .6a‬التجارب ‪Trials‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬كيف يتعلم من تجاربه؟ ما الذي يفعله يف العامل الجديد بعد‬
‫اجتياز العتبة األوىل؟‬

‫‪ .6b‬األصدقاء ‪ /‬الحلفاء ‪Allies‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ََ :‬م ْْن هم؟ كيف ّ‬


‫يكّملون البطل؟‬

‫‪235‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .6c‬األعداء ‪Enemies‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬البطل يجابه ََم ْْن وماذا؟ هل األعداء يشبهون البطل يف يشء‬
‫ما؟‬

‫‪ .7‬اإلنجاز ‪ /‬االستعداد ‪Fulfilment‬‬

‫بعد «اجتياز العتبة األوىل» إىل «العامل الخاص»‪ ،‬يخوض البطل التجارب‪،‬‬
‫ويك ّّون األصدقاء‪ ،‬ويصطدم مع األعداء‪ ،‬ويتعلم قوانني العامل الجديد‪.‬‬

‫قد يكون هذا العامل واقعّيًّاً حقيقّيًّاً‪ ،‬وقد يكون خيالّيًّاً داخلّيًّاً‪ .‬مرحلة التجارب‬
‫واألصدقاء واألعداء‪ ،‬هي مرحلة االحتكاك األويل للبطل مع «العامل الخاص»؛‬
‫حيث يك ّّون انطباعاته ونظرته‪ ،‬ويخترب قدراته ومهاراته‪.‬‬

‫قد يكتشف يف هذه املرحلة أيضًاً أنه ال يزال يحتاج إىل مزيد من التدريب‬
‫استعدادًاً لـ«املحنة» القادمة‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬اكتملت التجارب والتدريب‪ .‬البطل مستعد اآلن للتغيري‬


‫الكبري‪ .‬ما الذي تعلمه‪ /‬خرسه حىت اآلن؟‬

‫‪ .8‬الرهبة والرتقب ‪To the Inner Cave‬‬

‫اكتمل استعداد البطل‪ .‬لكن قبل خوض غمار لحظة «التغيري» الكربى‪ ،‬يحتاج‬

‫‪236‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫إىل لحظة يختلي فيها إىل نفسه استعدادًاً‪ ،‬يف لحظة «رهبة وترقب»‪ ،‬ملواجهة‬
‫أعظم مخاوفه يف العامل الجديد؛ «العامل الخاص»‪.‬‬

‫ّ‬
‫يستعّد للمحنة؟‬ ‫أسئلة متعلقة‪ :‬ما الذي يكاد البطل أن يواجهه؟ كيف‬

‫‪ .9‬املحنة ‪The Ordeal‬‬

‫هذه املرحلة هي اللحظة الكربى؛ اللحظة اليت قد يخترب فيها البطل «الحياة»‬
‫و«املوت»‪ ،‬ويواجه فيها أعظم مخاوفه‪ ،‬وأصعب تحدياته‪ .‬قد تكون هذه‬
‫اللحظة‪ ،‬لحظة موت‪ ،‬لحظة انهيار عالقة حب‪ ،‬لحظة اإلقدام على خطوة‬
‫كان البطل يحسب لها ألف حساب‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬هذه مرحلة املواجهة مع العدو (التغيري)‪ .‬كيف جرت؟‬

‫‪ .10‬املكافأة ‪The Reward‬‬

‫يف هذه املرحلة‪ ،‬يكون البطل قد تغلب على أ كرب مخاوفه‪ ،‬وتجاوز األزمة الكربى‬
‫اليت واجهته‪ ،‬واآلن حان وقت االحتفال بالجائزة‪ .‬الجائزة قد تأيت بأشكال‬
‫مختلفة‪ :‬النجاة من موت محقق‪ ،‬عودة الحبيب إىل األحضان‪ ...‬إلخ‪ .‬مع‬
‫ذلك‪ ،‬القصة مل تنته عند هذا الحد‪ .‬ال تزال هنالك قوى‪ ،‬جهات‪ ،‬ظروف‪،‬‬
‫تحاول اختطاف الجائزة من البطل‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬ماذا كسب البطل؟ كيف تغري؟‬

‫‪237‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .11‬العودة ‪ /‬العواقب ‪The Road Back‬‬

‫على البطل اآلن إكمال رحلته واالنتقال من «العامل الخاص» إىل «الحياة‬
‫العادية الروتينية»‪ .‬لكن هذا االنتقال ليس باألمر اليسري‪ ،‬إذ إن نجاحه يف‬
‫«العامل الخاص» قد يحول دون ذلك؛ فهنالك تبعات للنجاح‪ ،‬وينبغي أن‬
‫يدفع ثمنها قبل أن تعود حياته إىل إيقاعها «االعتيادي»‪ ،‬وعليه أن يجتاز عتبة‬
‫أخرى؛ عتبة ينبغي أن يضحي فيها بيشء ما يك تعود الحياة إىل طبيعتها‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬مل تنته القصة بعد‪ .‬ما العواقب‪ /‬التبعات اليت ينبغي أن‬
‫يواجهها؟‬

‫‪ .12‬الوالدة الجديدة ‪Resurrection‬‬

‫يف هذه املرحلة‪ ،‬يدرك البطل أن حياته لن تعود إىل إيقاعها العادي إال إذا ّ‬
‫قّدم‬
‫تضحية كبرية؛ تضحية ستكون بمثابة «والدة جديدة» له‪ ،‬فهو لن يعود إىل‬
‫«الحياة العادية» تمامًاً كما غادرها يف البداية‪ ،‬فثمة يشء ما قد تغرّير ‪ ،‬وإىل‬
‫األبد‪ ،‬وعليه أن يقدم «أضحية التغيري»‪.‬‬

‫قد يكون هذا التغيري واقعّيًّاً‪ ،‬وقد يكون نفسّيًّاً أو عقلّيًّاً‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬ما العتبة األخرية اليت يخوضها؟ كيف غريته إىل األبد؟‬

‫‪238‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫‪ .13‬الخاتمة ‪Conclusion‬‬

‫اكتملت الرحلة‪ .‬قدم البطل «أضحية التغيري» األخرية‪ ،‬وصار من حقه‬


‫العودة إىل روتني حياته العادية‪ ،‬لكنه يعود ومعه «إكسري الحياة»‪ .‬قد يكون‬
‫هذا «اإلكسري» حّبًّاً‪ ،‬أو حكمة‪ ،‬أو حىت مجرد «بقائه على قيد الحياة» خالل‬
‫«املحنة» اليت خاضها يف «العامل الخاص»‪.‬‬

‫قد يستخدم البطل هذا «اإلكسري» لدمل جروحه اليت أصيب بها خالل‬
‫الرحلة‪ ،‬أو قد يكشفه ألشخاص آخرين هم أيضًاً على وشك أن يبدؤوا‬
‫رحلتهم الشخصية يف التغيري‪.‬‬

‫أسئلة متعلقة‪ :‬ما هي تبعات الرحلة بأ كملها؟‬

‫***‬

‫القصص تز يل الغموض عن مستقبل محتمل‪..‬‬

‫ال تفرتض أبدًاً أن الناس يدركون دائمًاً ماذا يريدون أن يفعلوا بحياتهم‪.‬‬

‫معظمنا ال يدري‪ ،‬وإن فعلنا‪ ،‬فال نعرف كيف نغري حياتنا‪.‬‬

‫القصص تخربنا كيف نفعل ذلك‪.‬‬

‫عندما يستمع الناس إىل قصة ترسدها‪ ،‬هم عملّيًّاً يريدونك أن تأخذهم إىل‬
‫مكان ما‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫أدوات كتابة القصة‬

‫تذكر ذلك دائمًاً‪:‬‬

‫القصص تؤثر يف الناس‪ ،‬تفتح عقولهم على االحتماالت‪ ،‬تحذرهم من العقبات‬


‫ومشاق الرحلة‪ ،‬تقدم لهم الخيارات‪ ،‬تهيئهم نفسّيًّاً وعقلّيًّاً على أنهم أيضًاً‬

‫قادرون على التغيري‪ ،‬على اإلنجاز‪ ،‬على تخطي الصعاب‪.‬‬

‫وقبل كل يشء القصص تلهم الناس‪.‬‬

‫تفتح لهم نافذة على ما يمكن تحقيقه يف املستقبل القريب أو ربما البعيد‪ ..‬ال‬
‫يهم‪.‬‬

‫القصص بطبيعتها واضحة ومحددة؛ لذلك هي قصص‪ .‬ألنها تدور حول‬


‫أشياء محددة تحدث ألشخاص محددين‪ .‬إن مل تكن واضحة‪ ،‬فهي ليست‬
‫قصة‪ ،‬إنها مجرد مفاهيم سامية متعالية‪.‬‬

‫القصص هي إزالة الغموض عن مستقبل محتمل‪ ..‬مستقبل يريد الناس أن‬


‫يصلوا إليه‪.‬‬

‫تذكر‪..‬‬

‫الكل يريد أن يتغري‪ ..‬الكل يريد أن يصبح شخصًاً مختلفًاً‪ ،‬شخصًاً أفضل‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫تقبًال لذاته‪.‬‬ ‫ربما ببساطة شخصًاً أ كرث‬

‫قصصك ستساعده على ذلك‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫نبذة عن املؤّلّف‬

‫رشاد عبد القادر‬

‫تماّس مع اللغة العربية يف‬


‫ّ‬ ‫صحفي وكاتب‪ ،‬شاءت الظروف أن تضعه يف‬
‫رحلة ح ّّولته‪ ،‬وتح ّّولت معه إىل هذا الكتاب الذي يحاول فيه االنتصار للغة يف‬
‫الصحافة العربية‪.‬‬

‫بدأ مرتجمًاً‪ ،‬ثم اكتشف شغفه بالصحافة‪ ،‬فأخذته عرشون عامًاً من العمل‬
‫ليتوصل إىل ما قاله الجاحظ قبل نحو ألف ومائيت عام‪ ،‬إن‪« :‬املعاين مطروحة‬
‫ُ‬
‫الشأُن يف إقامة‬ ‫يف الطريق يعرفها العجمي والعريب‪ ،‬والقروي والبدوي‪ ،‬وإنما‬
‫الوزن َ‬
‫وَتخرّير اللفظ‪ ،‬وسهولة ْ‬
‫املْخرج»‪ .‬وقاده الجاحظ إىل عبد القاهر الجرجاين‬
‫ُ‬
‫الحسُن‬ ‫الذي ُُشغل باإلجابة عن سؤال أسايس‪ :‬ما اليشء الذي صار به الكالم‬
‫حسنًاً؟‬

‫وهو منذ ذلك الحني‪ ،‬يكتب‪ ،‬بدوره‪ ،‬عن الكتابة‪ ،‬وعن الصحافة‪ ،‬وعن اللغة‪،‬‬
‫ويحاول اإلجابة عن سؤال‪ :‬كيف تنتقل الجملة من الغموض إىل الوضوح‬
‫والحسن يف الصحافة؟‬

You might also like