Book 1

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 37

‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬

‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬

‫أوالً ‪ :‬تعريف املصاحل واملفاسد ‪:‬‬


‫املصالح لغة ‪ :‬تطلق ويراد منها الفعل الذي فيه صالح ونفع ‪.‬‬
‫ويف االصطالح ‪ :‬هي عند مجهور األصوليني ‪ :‬الثمرة املرتتبة عىل األحكام التي رشعها اهلل لعباده ‪.‬‬
‫‪ « :‬املصلحة ‪ :‬عبارة عن جلب منفعة أو دفع مرضة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ونعني‬ ‫وكام عرفها اإلمام الغزايل‬
‫باملصلحة ‪ :‬املحافظة عىل مقصود الرشع ‪ ،‬ومقصود الرشع من اخللق مخسة ‪ :‬وهو أن حيفظ عليهم دينهم ‪،‬‬
‫ونفسهم ‪ ،‬وعقلهم ‪ ،‬ونسلهم ‪ ،‬وماهلم ‪ ،‬فكل ما يتضمن هذه األصول فهو مصلحة ‪ ،‬وكل ما يفوت هذه‬
‫األصول فهو مفسدة ودفعه مصلحة » (‪. )1‬‬
‫دائام أو غال ابا للجمهور أو‬
‫املفسدة ‪ :‬ما قابل املصلحة وهي وصف للفعل حيصل به الفساد أي الرض ا‬
‫لآلحاد ‪.‬‬
‫وعرفها ابن عاشور بقوله ‪ :‬املفسدة ما يف وجوده فساد ورضر وليس يف تركه نفع زائد عىل السالمة‬
‫من رضره ‪.‬‬
‫أنواع املصاحل ‪:‬‬
‫تنقسم املصلحة إىل قسمني ‪:‬‬
‫‪ -1‬مصلحة عامة ويقصد هبا ما فيه صالح عموم األمة أو اجلمهور ‪.‬‬
‫‪ -2‬مصلحة خاصة ويقصد هبا ما فيه نفع آلحاد الناس مثل احلجر عىل السفينة حلفظ ماله ‪.‬‬
‫وكذلك املفاسد تنقسم إىل مفاسد عامة يعم رضرها ‪ ،‬ومفاسد خاصة يقترص رضرها عىل فرد أو‬
‫أفراد قالئل ‪.‬‬

‫مراعاة املصاحل واملفاسد مطلب شرعي‬


‫اس رد َو َت بقلريلر َها ‪.‬‬
‫يل املَ َف ر‬
‫يل املَ َصال ر ر َو َتك ربم ريل َها َو َت بعطر ر‬
‫الرشي َع َة َجا َت بت برت بَح رص ر‬‫وذلك ألن َ ر‬
‫اس رد َو َت بق رليلر َها‬‫يل املَ َف ر‬
‫يل املَ َصال ر ر َو َتك ربميلر َها َو َت بعطر ر‬ ‫الرشي َع َة َجا َت بت برت بَح رص ر‬ ‫‪ َ «:‬ر‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫َاُها َوتَدب َف ُع َأ بع َظ َم املَ بف َسدَ َت ب ر‬ ‫ر‬ ‫يل َأ بع َظ رم املَ بص َل َحت ب ر‬‫الرش بي رن َو َ بْ رص ر‬
‫ني‬ ‫َني بر َت بف روي َأ بدن ُ َ‬ ‫رش َ َ‬ ‫اخلَ ب َري بي رن َو َ َ‬
‫َو َأ ََّنَا ت َُر ِّج ُ َخري ب‬
‫بر ب ر ر‬
‫احت َامل َأ بدن ُ َ‬
‫َاُها » ‪.‬‬

‫(‪ )1‬املستصفى (‪. )171/1‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫وكذلك فإن املوازنة بني املصال واملفاسد مما اتفق عليه الرشائع ووافق العقل فيه الرشع ‪.‬‬
‫اج رة ريف الدُّ بن َيا ؛‬ ‫حل َ‬
‫ر‬
‫اح ُة ا ُمل َح َر رم َ‬ ‫رضة ريف الدُّ بن َيا ؛ َوإر َب َ‬
‫ب َملر َ ر‬
‫َ‬ ‫اج ر‬ ‫وط ا بل َو ر‬ ‫‪ « :‬وأ َما ُس ُق ُ‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫َخ ُر‬ ‫الص َال رة رألَ بج رل املَ َر ر َف َه َذا َبا آ َ‬ ‫ر‬
‫اإل بح َرا رم َو َأ بركَان َ‬ ‫ات ب ر‬ ‫وط ََم ب ُظور ر‬
‫َ‬
‫وط الصيا رم رألَج رل الس َف رر ؛ وس ُق ر‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِّ َ‬
‫كَس ُق ر‬
‫ُ‬
‫ف ا بل َبا ر باألَ َو رل ؛ َفإر َن رجن َبس ُه رممَا ََل‬ ‫خ َال ر‬ ‫الرش رائع ؛ بر ر‬
‫ف فيه َ َ ُ‬
‫َتتَلر ُ ر ر‬ ‫احل َر رج ا َل رذي َقدب َ ب‬
‫ين َو َر بف رع ب َ‬ ‫َيدب ُخ ُل ريف رس َع رة الدِّ ر‬
‫اق ُل ا َل رذي‬ ‫اخ َت َل َف ب ريف َأ بعيانر ره ب بل َذل ر َك َثابر آ ريف ا بلع بق رل كَام ي َق ُال ‪َ :‬ليس ا بلع ر‬
‫ب َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫الرش رائ رع فر ريه َوإر بن ب‬ ‫ف ََ‬ ‫اختر َال ُ‬ ‫ُي بمكر ُن ب‬
‫يب إ َذا َبدَ ا رم بن رج بس رم ره‬ ‫إن ال َلبر َ‬ ‫الرش بي رن َو َين ُبشدُ ‪َ :‬‬ ‫رش َ َ‬ ‫اق ُل ا َل رذي َي بع َل ُم َخ ب َري ب‬
‫اخلَ ب َري بي رن َو َ َ‬
‫الرش وإرنَام ا بلع ر‬
‫اخلَ ب َري م بن َ ِّ َ َ َ‬
‫يع َلم ب ر‬
‫َب ُ‬
‫َاج َإىل َت بق رو َي رة ا بل ُق َو رة َو َد بف رع‬
‫حيت ُ‬ ‫يب َم َث اال َ ب‬ ‫ور ؛ َفإر َن ال َطبر َ‬ ‫ان َد َاوى باألَ بخ َط َرا َو َه َذا َثابر آ ريف َس رائ رر باألُ ُم ر‬ ‫ان ُُمبتَلر َف ر‬
‫مر َض ر‬
‫ََ‬
‫ف ا بل ُق َو رة‬‫إضعا افا لر بلمر ر و رعنبدَ َضع ر‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ر‬
‫ور ا بل ُق َوة ت بَر ُك ُه ب َ‬ ‫ُها َم اعا ؛ َفإر َن ُه ُي َر َج ُ رعنبدَ ُو ُف ر‬ ‫املَ َر ر ؛ َوا بل َف َسا ُد َأدا آة ت رَزيدُ ُ َ‬
‫ات ا بل ُق َو رة َواملَ َر ر َأ بو َىل رم بن إ بذ َه راهبر َام َمجري اعا ؛ َفإر َن َذ َها َ ا بل ُق َو رة ُم بس َت بل رز آم ل ر بل َه َال رك » ‪.‬‬ ‫فرع ُله رألَ َن منب َفع َة إب َق ر‬
‫َ َ ب‬ ‫ب ُ‬
‫فاملصلحة ‪ :‬مطلب رشعي ألن رشع اهلل مصلحة كله ‪ ،‬وهي هدف أسمى يف الرشيعة اإلسالمية إَل‬
‫مطلقة وهي َتتلف من حالة إىل حالة ‪ ،‬ومن يشت إىل يشت ‪ ،‬ومن زمان‬ ‫أن املصلحة مسألة نسبية وليس‬
‫إىل زمان ‪ ،‬وما من يشت فيه مصلحة إَل فيه يف الغالب مرضة إىل جانب تلك املصلحة ‪.‬‬
‫قول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱﯲ ﯳﯴ ﯵﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [البقرة ‪. ]212 :‬‬
‫إ اذا َل بد من الرجوع إىل الرشع احلنيف ملعرفة املصال واملفاسد حتى نعمل بام فيه مصلحة غالبة‬
‫ونبتعد عام فيه مرضة ‪.‬‬
‫‪ « :‬لكن اعتبار مقادير املصال واملفاسد هو بميزان الرشيعة فمتى‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫قدر اإلنسا ن عىل اتباع النصوص مل يعدل عنها وإَل اجتهد برأيه ملعرفة األشباه والنظائر ‪ ،‬وقل أن تعوز‬
‫خبريا هبا وبدَلَلهتا عىل األحكام » ‪.‬‬
‫النصوص من يكون ا‬
‫‪ « :‬إن الرشيعة مبناها وأساسها العدل وْقيق مصال العباد يف املحاسن واملعاد‬ ‫وقال ابن القيم‬
‫وهي عدل كلها ورمحة كلها ومصال وحكمة كلها فكل مسألة خرج عن العدل إىل اجلور وعن الرمحة إىل‬
‫ضدها وعن املصلحة إىل املفسدة وعن احلكمة إىل العبث فليس من الرشيعة وإن أدخل فيها بالتأويل » ‪.‬‬

‫تعارض املصاحل واملفاسد‬


‫يف « رشح مسلم » تعلي اقا عىل حديث ‪ « :‬لوال أن قومك حديث عهدهم بكفر‬ ‫قال النووي‬
‫لنقضت الكعبة فجعلت هلا بابني يدخل الناس منه وباب منه خيرجون » ‪ « :‬ويف احلديث دليل لقواعد من‬
‫مصلحة ومفسدة وتعذر اجلمع بني فعل املصلحة وترك‬ ‫املصال أو تعارض‬ ‫األحكام منها إذا تعارض‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫مصلحة ‪ ،‬ولكن‬ ‫عليه من قواعد إبراهيم‬ ‫املفسدة بدأ باألهم ألن نقض الكعبة وردها إىل ما كان‬
‫مفسدة أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قري ابا ‪ ،‬وذلك ملا كانوا يعتقدون من فضل‬ ‫تعارض‬
‫»‪.‬‬ ‫الكعبة فريون عدم تغريها فرتكها‬
‫يف « فت الباري » ‪ « :‬ويستفاد منه ترك املصلحة َل من الوقوع يف املفسدة‬ ‫وقال احلافظ ابن حجر‬
‫ومنه ترك إنكار املنك ر خشية الوقوع يف أنكر منه وأن اإلمام يسوس رعيته بام فيه صالحهم ولو كان‬
‫ا‬
‫مفضوَل ما مل يكن َمر اما » ‪.‬‬
‫‪ « :‬إذا ثب أن احلسنات هلا منافع وإن كان واجبة ‪ :‬كان يف تركها مضار ‪،‬‬ ‫وقال شيخ اإلسالم‬
‫إما بني حسنتني َل يمكن اجلمع بينهام ‪ ،‬فتقدم‬ ‫والسيئات منها مضار وىف املكروه بعض حسنات فالتعار‬
‫املرجوح ‪ ،‬وإما بني سيئتني َل يمكن اخللو منهام ‪ ،‬فيدفع أسوأُها باحتامل أدناُها ‪ .‬وإما‬ ‫أحسنهام بتفوي‬
‫بني حسنة وسيئة َل يمكن التفريق بينهام ‪ ،‬بل فعل احلسنة مستلزم لوقوع السيئة وترك السيئة مستلزم لرتك‬
‫احلسنة ‪ ،‬فريج األرج من منفعة احلسنة ومرضة السيئة » (‪. )1‬‬
‫املصال‬ ‫املصال واملفاسد وتعارض‬ ‫أيضا ‪ « :‬ومجاع ذلك داخل يف القاعدة إذا ازدمح‬
‫وقال ا‬
‫له ‪ ،‬فإن‬ ‫واملفاسد فإن األمر والنهي ـ وإن كان متضمناا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة ـ فينظر يف املعار‬
‫مأمورا به ‪ ،‬بل يكون َمر اما إذا كان‬
‫ا‬ ‫كان الذي يفوت من املصال أو حيصل من املفاسد أكثر مل يكن‬
‫مفسدته أكثر من مصلحته » ‪.‬‬
‫مصال ومفاسد فإن أمكن ْصيل املصال ودرت‬ ‫‪ « :‬إذا اجتمع‬ ‫قال العز بن عبد السالم‬
‫امتثاَل ألمر اهلل تعاىل ‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن ‪ ، ]11 :‬وإن تعذر الدرت والتحصيل‬
‫ا‬ ‫املفاسد فعلنا ذلك‬
‫فإن كان املفسدة أعظم من املصلحة درأنا املفسدة وَل نبايل بفوات املصلحة ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫املصلحة أعظم من املفسدة‬ ‫ﯱ﴾ [البقرة ‪ ، ]212 :‬حرمهام ألن مفسدهتام أكرب من منفعتهام ‪ ،‬وإن كان‬
‫حصلنا املصلحة مع التزام املفسدة ‪ ،‬وإن استوي املصال واملفاسد فقد يتخري بينهام وقد يتوقف فيهام ‪.‬‬
‫‪ « :‬وإن تأمل رشائع دينه التي وضعها بني عباده وجدهتا َل َترج عن ْصيل‬ ‫ويقول ابن القيم‬
‫قدم أُهها وأجلها وإن فات أدناها ‪ ،‬وتعطيل‬ ‫املصال اخلالصة أو الراجحة بحسب اإلمكان وإن تزامح‬
‫املفاسد اخلالصة أو الراجحة بحسب اإلمكان وإن تزامح عطل أعظمها فسا ادا باحتامل أدناها » (‪. )2‬‬
‫‪ « :‬املعلوم من الرشيعة أَّنا رشع ملصال العباد فالتكليف كله إما لدرت‬ ‫وقال اإلمام الشاطبي‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (‪. )77/2‬‬


‫(‪ )2‬مفتاح دار السعادة (‪. )2/22‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫مفسدة أو جللب مصلحه أو هلام م اعا » (‪. )1‬‬

‫العمل عند التعارض بني املصاحل واملفاسد‬


‫اجل بم ُع َب بين َُه َام ؛ َف ُت َقدَ ُم َأ بح َسن ُُه َام‬ ‫ر‬ ‫ني َح َسنَت ب ر‬
‫َني ََل ُي بمك ُن ب َ‬ ‫عار ُ إ َما َب ب َ‬ ‫‪َ « :‬فال َت ُ‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫ني َح َسن ٍَة‬ ‫َاُها ‪َ .‬وإر َما َب ب َ‬ ‫اخلُ ُل ُّو رمن ُبهام ؛ َف َيدب َف ُع َأس َو َأ ُُها بر ب ر ر‬
‫احت َامل َأ بدن ُ َ‬ ‫ب َ‬ ‫َ‬ ‫َني ََل ُي بم رك ُن ب‬ ‫ني َس ِّي َئت ب ر‬ ‫وح َوإر َما َب ب َ‬ ‫بر َت بف روي ر املَ بر ُج ر‬
‫احل َسن رَة ؛‬ ‫رتك ب َ‬
‫احلسن رَة مس َت بل رزم لرو ُقو رع السي َئ رة ؛ وتَر ُك السي َئ رة مس َت بل رزم ل ر َ ر‬
‫َ ِّ ُ ب آ ب‬ ‫َ ب‬ ‫َ ِّ‬
‫ر‬
‫َو َس ِّي َئة ََل ُي بمك ُن ال َت بف رر ُيق َب بين َُه َام ؛ َب بل ف بع ُل ب َ َ ُ ب آ ُ‬
‫ر‬ ‫ٍ‬

‫الس ِّي َئ رة ‪.‬‬‫رضة َ‬


‫احلسن رَة وم َ ر‬ ‫ر‬
‫َف ُ َري َج ُ باألَ بر َج ُ م بن َمنب َف َعة ب َ َ َ َ َ‬
‫ر‬

‫ب بر ره‬ ‫ني و َفر ر ا بلكر َفاي رة ؛ رم بث َل َت بق ردي رم َقض ر‬ ‫َف باألَ َو ُل كَا بل َو ر‬
‫ات الدَ بي رن املُ َطا َل ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب ؛ َو َك َف بر ر ا بل َع ب ر َ ب‬ ‫ب َواملُ بست ََح ِّ‬ ‫اج ر‬
‫َع َىل َصدَ َق رة ال َت َط ُّو رع ‪.‬‬
‫احل رد ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫اد ا َل رذي َمل ب َي َت َع َ ب‬ ‫اجله ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يث‬ ‫ني ؛ َو َت بقدي رم َن َف َقة ا بل َوالدَ بي رن َع َل بيه ك ََام ريف ب َ‬ ‫َوال َث راِن َك َت بقدي رم َن َف َقة باألَ به رل َع َىل َن َف َقة بر َ‬
‫الص اال ُة اع اَل ام او ِاقيتِ اها » ‪ُ ،‬ق بل ‪ُ :‬ث َم َأ ُّي ؟ َق َال ‪ُ « :‬ث َّم بِ ُّر ا ْل اوالِدا ْي ِن » ‪،‬‬ ‫الصحي ر ‪َ :‬أ ُّي ا بل َع َم رل َأ بف َض ُل ؟ َق َال ‪َّ « :‬‬
‫ر‬
‫َ‬
‫ني َع َىل‬ ‫السن رَة ُم َت َع َ آ‬ ‫ر‬
‫احل ِّج ك ََام ريف ا بلكتَا ر َو ُّ‬ ‫اجل َهاد َع َىل ب َ‬
‫يل اهلل » ‪ ،‬و َت بق رديم بر ر‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اْل اها ُد ِيف اسبِ ِ‬ ‫ُق بل ‪ُ :‬ث َم َأ ُّي ؟ َق َال ‪ُ « :‬ث َّم ِْ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ني ومستَحب َع َىل مستَحب و َت بق رديم رقرات رة ا بل ُقر ر‬
‫يم‬ ‫ب َوال ِّل َسان َو َت بقد ُ‬ ‫است ََو َيا ريف َع َم رل ا بل َق بل ر‬ ‫الذك ربر إ َذا ب‬ ‫َن َع َىل ِّ‬ ‫ب‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ ب َ ٍّ َ‬ ‫ُم َت َع َ ٍ َ ُ ب َ ٌّ‬
‫الذك ُبر برا بل َف به رم َوا بل َو َج رل َع َىل ا بل رق َرا َت رة ا َلتري ََل‬ ‫رت َج ُ ِّ‬ ‫ب َوإر ََل َف َقدب َي َ َ‬ ‫الص َال رة َع َل بي ره َام إ َذا َش َار َكت ُبه َام ريف َع َم رل ا بل َق بل ر‬ ‫َ‬
‫َاجر وه َذا با و ر‬
‫اس آع ‪.‬‬ ‫احلن ر َ َ َ َ آ َ‬ ‫او ُز ب َ‬ ‫ُ َُت ر‬
‫احل بر ر ك ََام َف َع َل ب ُأ ُّم ُك بل ُثو ٍم ا َلتري‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر ر‬
‫َوال َثال ُث َك َت بقدي رم ا َمل بر َأة ا ُمل َهاج َرة ل َس َف رر باهل بج َرة بر َال ََم ب َر ٍم َع َىل َب َقائ َها بدَ رار ب َ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬

‫ان ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [املمتحنة ‪َ ، ]11 :‬و َك َت بق ردي رم َقت ربل‬ ‫اَلمترح ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫َأن َبز َل اهلل ف َيها َ َي َة ب َ‬
‫وس ا َلتري َ بْ ُص ُل‬ ‫س َع َىل ا بل ُك بف رر ك ََام َق َال َت َع َاىل ‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [البقرة ‪َ ، ]217 :‬ف ُت بقت َُل النُّ ُف ُ‬ ‫النَ بف ر‬
‫الز راِن َو َج بل رد‬ ‫السا رر رق َو َر بج رم َ‬ ‫ر‬
‫س َو َك َت بقدي رم َق بط رع َ‬ ‫رض رر َقت ربل النَ بف ر‬ ‫ر‬
‫رض َر ا بل ُك بفر َأ بع َظ ُم م بن َ َ‬
‫ر‬
‫اإل َيامن ألَ َن َ َ‬
‫رهبا ا بل رف بتنَ ُة َعن ب ر ر ر‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ور ر َهبا َفإرن ََام َأ َم َر ر َهبا َم َع َأ ََّنَا ريف‬ ‫ات ا َمل بأ ُم ر‬ ‫الرش ر و َك َذل ر َك س رائر ا بلع ُقوب ر‬ ‫الَّس َق رة َو ِّ‬ ‫رض رة َ ر‬ ‫َ ر‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫الزنَا َو ُّ ب‬ ‫الشار ر َع َىل َم َ َ‬
‫باألَص رل سي َئ آة وفريها َرضر ؛ لردَ بف رع ما هو َأ بع َظم َرضرا رمنبها ؛ و رهي جر رائمها ؛ إ بذ ََل يمكرن د بفع َذل ر َك ا بل َفس ر‬
‫اد‬ ‫َ‬ ‫ُب ُ َ ُ‬ ‫ُ َ ا َ َ َ ََ َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ب َ ِّ َ َ َ آ‬
‫ات والصبي ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫اجله ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ان‬ ‫َان َقت ُبل َم بن َمل ب ُي َقات بل م بن الن َِّس َ ِّ ب َ‬ ‫اد » َوإر بن ك َ‬ ‫الصغ رري ‪َ .‬وك ََذل َك ريف « َبا ر بر َ‬ ‫ا بلكَبر رري َإَل ر َهب َذا ا بل َف َساد َ‬
‫َال َقدب َي ُع ُّم ُه بم رم بث ُل ‪ :‬ا َلر بم ُي براملَن َبجن ر ريق َوال َت بب ريي ُ برال َل بي رل َج َاز َذل ر َك ك ََام َجا َت بت‬ ‫يج َإىل رقت ٍ‬ ‫ر‬
‫َو َغ ب رريه بم َح َرا اما َف َمتَى ُا بحت َ‬
‫ر‬

‫اد ا بل رف بتن رَة‬ ‫ُون وهو د بفع ل ر َفس ر‬


‫ني َيبريت َ َ ُ َ َ آ َ‬ ‫رش رك َ‬‫ف َو َر بم ري ره بم براملَن َبجن ر ريق َو ريف َأ به رل الدَ رار رم بن املُ ب ر‬ ‫فريها السنَ ُة ريف رحصا رر ال َط رائ ر‬
‫َ‬ ‫َ ُّ‬
‫اجل َها َد ُه َو َد بف ُع فر بتن رَة‬ ‫س » ا َلتري َذك ََر َها ا بل ُف َق َها ُت ؛ َفإر َن بر‬ ‫َرت ر‬ ‫ر‬
‫وز َق بصدُ َقتبله ‪َ .‬وك ََذل َك « َم بس َأ َل ُة الت َ ُّ‬
‫رر‬ ‫َي ُ‬ ‫َأ بي اضا بر َقت ربل َم بن ََل َ ُ‬

‫(‪ )1‬املوافقات (‪. )122/1‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫الرض رر َع بن‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ا بل ُك بف رر َفيحص ُل فريها رمن املَ َ ر‬
‫وَّنَا ؛ َوهل َ َذا ا َت َف َق ا بل ُف َق َها ُت َع َىل َأ َن ُه َمتَى َمل ب ُي بمك بن َد بف ُع َ َ‬ ‫رضة َما ُه َو ُد َ‬ ‫َ‬ ‫َ ب‬ ‫َ ب ُ‬
‫اجل َها ُد َإَل بر َام‬ ‫الرض َر َلكر بن َمل ُي بمكر بن بر‬ ‫س رهبر بم َج َاز َذل ر َك ؛ َوإر بن َمل ب ََي ب‬ ‫َرت ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ني َإَل بر َام ُي بف ي َإىل َقت ربل ُأو َلئ َك املُت َ َ‬ ‫املُ بسلر رم َ‬
‫ب‬ ‫َف َ َ‬
‫ني‬ ‫اجل َال رد رم بث َل َقت ربل املُ بسلر رم َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ول ‪َ :‬ق بت ُل ُه بم ألَ بج رل َم بص َل َحة ب َ‬ ‫ُي بف ر ي َإىل َقتبلر ره بم َف رفي ره َق بو ََل رن ‪َ .‬و َم بن ُي َس ِّو ُغ َذل ر َك َي ُق ُ‬
‫اح ُة نركَاحر‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫َال ا بل ُب َغاة َو َغ ب رري َذل َك َوم بن َذل َك إ َب َ‬ ‫اذ رل ؛ َو رقت ر‬ ‫احلدِّ َع َىل ا َملب ر‬
‫َ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ُون ُش َهدَ ا َت َوم بث ُل َذل َك إ َقا َم ُة ب َ‬ ‫ني َيكُون َ‬ ‫املُ َقاترلر َ‬
‫اس آع َأ بي اضا ‪.‬‬ ‫باألَم رة َخ بشي َة ا بلعنَ ر ‪ .‬وه َذا با و ر‬
‫َ َ َ آ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الس ِّي َئ رة‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫بل املَ بيتَة عنبدَ املَ بخ َم َصة ؛ َفإر َن باألَك َبل َح َسنَ آة َواج َب آة ََل ُي بمك ُن َإَل ر َهبذه َ‬
‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫الرابر ُع ‪َ :‬ف رم بث ُل َأك ر‬ ‫َو َأ َما َ‬
‫اج َح آة َع َىل َم بص َل َحتر ره رم بن َمنب َف َع رة ا بل رع َال رج ل ر رق َيا رم َغ ب رري ره‬ ‫يث ؛ َفإر َن م َرض َت ُه ر ر‬
‫َ َ َ‬ ‫اخلبر ُ‬‫اج َح آة َو َعك ُبس ُه الدَ َوا ُت ب َ‬ ‫َوم بص َل َحت َُها ر ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ني َد بف رع َما ُه َو‬ ‫الس ِّي َئ َة ُ بْت ََم ُل ريف َم بو رض َع ب ر‬‫ني َأ َن َ‬ ‫اخلَ بم رر لرلدَ َوات ‪َ .‬ف َت َب َ َ‬
‫رش ُ ب‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫رب َت ََل ُي َت َي َق ُن بره َوك ََذل َك ُ ب‬
‫ر‬
‫َم َقا َم ُه ؛ َوألَ َن ا بل ُ ب‬
‫ُرت ُك ريف َم بو رض َع ب ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ني إ َذا‬ ‫احل َسنَ ُة ت ب َ‬‫َأ بس َو ُأ من َبها إ َذا َمل ب تُدب َف بع َإَل ر َهبا َو َ بْ ُص ُل بر َام ُه َو َأ بن َف ُع م بن ت بَرك َها إ َذا َمل ب َ بْ ُص بل َإَل ر َهبا َو ب َ‬
‫احل َسن رَة ‪.‬‬ ‫ر‬
‫رض ُ َهتا َع َىل َمنب َف َعة ب َ‬ ‫ر ر ٍ ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫كَا َن ب ُم َف ِّو َت اة َملا ُه َو َأ بح َس ُن من َبها ؛ َأ بو ُم بس َت بلز َم اة ل َس ِّي َئة تَزيدُ َم َ َ‬
‫وقال ‪ :‬فإذا ازدحم واجبان َل يمكن مجعهام فقدم أوكدُها ؛ مل يكن اآلخر يف هذه احلال واج ابا ‪ ،‬ومل‬
‫يكن تاركه ألجل فعل األوكد تارك واجب يف احلقيقة ‪.‬‬
‫وكذلك إذا اجتمع َمرمان َل يمكن ترك أعظمهام إَل بفعل أدناُها ؛ مل يكن فعل األدنى يف هذه احلال‬
‫َمر اما يف احلقيقة ‪ ،‬وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل َمرم باعتبار اإلطالق مل يرض ‪ ،‬ويقال يف‬
‫مثل هذا ‪ :‬ترك الواجب لعذر وفعل املحرم للمصلحة الراجحة أو للرضورة أو لدفع ما هو أحرم ‪ ،‬وهذا‬
‫با‬ ‫التعار‬ ‫املطلق قضا ات وهذا با‬ ‫كام يقال ملن نام عن صالة أو نسيها ‪ :‬أنه صالها يف غري الوق‬
‫واسع جدا ‪َ ،‬ل سيام يف األزمنة واألمكنة التي نقص فيها َثار النبوة وخالفة النبوة ‪ ،‬فإن هذه املسائل تكثر‬
‫الفتنة بني األمة ‪ ،‬فإنه إذا‬ ‫فيها ‪ ،‬وكلام ازداد النقص ازدادت هذه املسائل ‪ ،‬ووجود ذلك من أسبا‬
‫احلسنات بالسيئات وقع اَلشتباه والتالزم ؛ فأقوام قد ينظرون إىل احلسنات فريجحون هذا‬ ‫اختلط‬
‫اجلانب وإن تضمن سيئات عظيمة ‪ ،‬وأقوام قد ينظرون إىل السيئات فريجحون اجلانب اآلخر وإن ترك‬
‫حسنات عظيمة ‪ ،‬واملتوسطون الذين ينظرون األمرين قد َل يتبني هلم أو ألكثرهم مقدار املنفعة واملرضة ‪،‬‬
‫أو يتبني هلم ؛ فال َيدون من يعنيهم العمل باحلسنات وترك السيئات لكون األهوات قارن اآلرات » (‪. )1‬‬

‫(‪ )1‬املنتخب من كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية (ج‪. )172/1‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬

‫أدلة اعتبار املصاحل واملفاسد‬

‫الدليل األول ‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬


‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [األنعام ‪. ]111 :‬‬
‫‪ « :‬يقول تعاىل ناه ايا لرسوله واملؤمنني سب َهلة املرشكني وإن كان فيه‬ ‫أ‪ -‬يقول اإلمام ابن كثري‬
‫مصلحة إَل أنه يرتتب عليه مفسدة أعظم منها وهي مقابلة املرشكني بسب إله املؤمنني وهو اهلل َل إله إَل‬
‫هو » كام قال عيل بن أيب طلحة عن ابن عباس يف هذه اآلية قالوا ‪( :‬يا َممد لتنتهني عن سبك َهلتنا أو‬
‫لنهجون ربك) ‪ ،‬فنهاهم اهلل أن يسبوا أوثاَّنم ﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ » (‪. )1‬‬
‫أيضا رض من املوادعة ‪ ،‬ودليل عىل وجو احلكم‬
‫‪ « :‬يف هذه اآلية ا‬ ‫‪ -‬قال اإلمام القرطبي‬
‫بسد الذرائع ‪ ،‬وفيها دليل عىل أن املحق قد يكف عن حق له إذا أدى إىل رضر يكون يف الدين » (‪. )2‬‬
‫‪ « :‬ويف هذه اآلية دليل عىل أن الداعي إىل احلق والناهي عن الباطل‬ ‫ج‪ -‬وقال اإلمام الشوكاِن‬
‫إذا خيش أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم وُمالفة حق ووقوع يف باطل أشد كان الرتك‬
‫أوىل به بل كان واج ابا عليه وما أنفع هذه اآلية وأجل فائدهتا ملن كان من احلاملني حلجج اهلل املتصدين‬
‫لبياَّنا للناس » ‪.‬‬
‫ون رمن د ر‬
‫ون اهلل َف َي ُس ُّبوا اهلل وذلك‬ ‫‪َ « :‬وَلَ ت َُس ُّبوا (اآلهلة) ا َل رذي َن َيدب ُع َ‬ ‫د‪ -‬وقال اإلمام الزُمرشي‬
‫ُ‬
‫أَّنم قالوا عند نزول قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [األنبيات ‪، ]21 :‬‬
‫َ‬
‫لنهجون إَلهك ‪ .‬وقيل ‪ :‬كان املسلمون يسبون َهلتهم فنهوا لئال يكون سبهم‬ ‫سب َهلتنا أو‬
‫تهني عن ِّ‬
‫لتن َ‬
‫لسب اهلل تعاىل ‪ .‬فإن قل ‪ :‬سب اآلهلة حق وطاعة ‪ ،‬فكيف ص َ النهي عنه ‪ ،‬وإنام يص النهي عن‬ ‫ِّ‬ ‫سب ابا‬
‫املعايص ‪ ،‬قل ‪ :‬ر َ طاعة علم أَّنا تكون مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة ‪ ،‬فيجب النهي عنها ألَّنا‬
‫معصية ‪َ ،‬ل ألَّنا طاعة كالنهي عن املنكر هو من ِّ‬
‫أجل الطاعات ‪ ،‬فإذا علم أنه يؤ ِّدي إىل زيادة الرش انقلب‬
‫معصية ‪ ،‬ووجب النهي عن ذلك النهي كام َيب النهي عن املنكر » (‪. )3‬‬
‫‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫الدليل الثاني ‪ :‬ما ورد يف سورة الكهف من خرق اخلرض للسفينة ‪ ،‬قال‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [الكهف ‪. ]71 :‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري (‪. )211/2‬‬


‫(‪ )2‬تفسري القرطبي (‪. )11/7‬‬
‫(‪ )7‬تفسري الكشاف (ج‪. )37/2‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫وكان تعليل اخلرض خلرق السفينة كام أخرب ربنا‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [الكهف ‪. ]72 :‬‬
‫‪ « :‬وكان (أي امللك) يأخذ كل سفينة جيدة غص ابا فلذلك عاهبا اخلرض وخرقها ‪،‬‬ ‫قال القرطبي‬
‫ففي هذا من الفقه العمل باملصال إذا ْقق وجهها ‪ ،‬وجواز إصالح كل املال بإفساد بعضه ‪ ،‬وقد تقدم ‪.‬‬
‫ويف « صحي مسلم » وجه احلكمة بخرق السفينة وذلك قوله ‪ :‬فإذا جات الذي يسخرها وجدها‬
‫منخرقة فتجاوزها ‪ ،‬فأصلحوها بخشبة ‪ ،‬احلديث » (‪. )1‬‬
‫فاخلرض هنا أفسد بعض املال بيده لينجو املال كله ‪ ،‬فإن قال قائل ‪ :‬كيف يقاس عىل فعل اخلرض‬
‫؟‬ ‫واخلرض كان عنده من العلم يف هذه املسألة ما ليس عند نبي اهلل موسى‬
‫اْلواب ‪ :‬إن الذي َل يقاس عليه هو طريق العلم بمآل األمر فإذا علم بالتجربة والواقع أن مآل املال‬
‫اسا عىل فعل اخلرض الذي أفسد بعض املال‬
‫كله إىل الفساد ويمكن استنفاذه بإفساد بعضه رشع ذلك قي ا‬
‫َلستنقاذ الكل ‪.‬‬
‫‪ « :‬وقصة ر‬
‫اخل برض مع موسى مل تكن ُمالفة لرشع اهلل وأمره ‪ ،‬وَل فعل اخلرض‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫مقدرا كام يظنه بعض الناس ‪ ،‬بل ما فعله اخلرض هو مأمور به يف الرشع ‪ ،‬برشط أن يعلم من‬
‫ا‬ ‫ما فعله لكونه‬
‫مصلحته ما علمه اخلرض ؛ فإنه مل يفعل َمر اما مطل اقا ‪ ،‬ولكن خرق السفينة وقتل الغالم وأقام اجلدار ؛ فإن‬
‫دائام ‪ ،‬وكذلك قتل اإلنسان الصائل حلفظ دين غريه أمر‬
‫إتالف بعض املال لصالح أكثره هو أمر مرشوع ا‬
‫مرشوع ‪ ،‬وصرب اإلنسان عىل اجلوع مع إحسانه إىل غريه أمر مرشوع ‪.‬‬
‫فهذه القضية تدل عىل أنه يكون من األمور ما ظاهره فساد ‪ ،‬فيحرمه من مل يعرف احلكمة التي‬
‫ألجلها فعل ‪ ،‬وهو مباح يف الرشع باطناا وظاه ارا ملن علم ما فيه من احلكمة التي توجب حسنه وإباحته » (‪. )2‬‬
‫ض املَ ر‬ ‫ر‬
‫ال‬ ‫اع ال َط رر ريق َفإر بن َمل ب ُي بر ُض ُ‬
‫وه بم بر َب بع ر‬ ‫وقال ‪َ « :‬ف ُه َو بر َمن ربز َلة َم بن كَانُوا ريف َط رر ٍيق َو َخ َر َج َع َل بي ره بم ُق َط ُ‬
‫وهم ‪َ .‬فم بن َق َال لرتر بل َك ا بل َقافر َل رة ‪ََ :‬ل َحير ُّل َلكُم َأ بن ُت بع ُطوا رهل ُؤ ََل رت َش بي ائا رم بن باألَم َو ر‬
‫ال ا َلتري‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َأ َخ ُذوا َأ بم َو َاهل ُ بم َو َق َت ُل ُ ب‬
‫ر‬ ‫رر ر‬ ‫َاس َفإر َنه ي بق رصدُ رهب َذا رح بف َظ َذل ر َك ا بل َقلر ر ر‬ ‫ر‬
‫ب‬‫يل ا َلذي َين َبهى َع بن َد بفعه َو َلك بن َل بو َعم ُلوا بر َام َق َال َهل ُ بم َذ َه َ‬ ‫َ‬ ‫َم َعك بُم للن ر ُ َ‬
‫الرش رائ ُع َفإر َن اهلل َت َع َاىل َب َع َث‬
‫ِت بره َ َ‬
‫اق آل َف بض اال َأ بن َت بأ ر ر‬
‫َ‬
‫ا بل َقلر ُيل وا بلكَثرري وسلربوا مع َذل ر َك َفه َذا رمما ََل ي رشري بر ره َع ر‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫َان » (‪. )3‬‬ ‫اإلمك ر‬
‫ب برب‬ ‫اس رد َو َت بقلريلر َها بر َح َس ر‬
‫يل املَ َف ر‬
‫يل املَ َصال ر ر َو َتك ربميلر َها َو َت بعطر ر‬ ‫الر ُس َل لرت بَح رص ر‬ ‫ُّ‬
‫الدليل الثالثُ ‪ :‬قول اهلل تعاىل ‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬

‫(‪ )1‬تفسري القرطبي (ج‪. )71/11‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى (‪. )211/ 7‬‬
‫(‪ )7‬جمموع الفتاوى (‪. )737-732/71‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ﴾ [البقرة ‪. ]212 :‬‬
‫‪ « :‬قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ وزر عظيم من املخاصمة واملشامتة وقول‬ ‫قال البغوي‬
‫الفحش ‪ ،‬قرأ محزة والكسائي ‪﴿ :‬إثم كثري﴾ بالثات املثلثة ‪ ،‬وقرأ الباقون بالبات ‪ ،‬فاإلثم يف اخلمر وامليَّس ما‬
‫ذكره اهلل يف سورة املائدة ﴿ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [املائدة ‪. ]21 :‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ﴾ فمنفعة اخلمر اللذة عند رشهبا والفرح واستمرات الطعام وما يصيبون من الرب‬
‫بالتجارة فيها ‪ ،‬ومنفعة امليَّس إصابة املال من غري كد وَل تعب وارتفاق الفقرات به ‪ .‬واإلثم فيه أنه إذا ذهب‬
‫ساته ذلك فعادى صاحبه فقصده بالسوت » (‪. )1‬‬ ‫ماله من غري عو‬
‫‪ « :‬قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ أخرب سبحانه بأن اخلمر وامليَّس‬ ‫قال الشوكاِن‬
‫وإن كان فيهام نفع فاإلثم الذي يلحق متعاطيهام أكثر من هذا النفع ألنه َل خري يساوي فساد العقل‬
‫احلاصل باخلمر فإنه ينشأ عنه من الرشور ما َل يأِت عليه احلرص وكذلك َل خري يف امليَّس يساوي ما فيها من‬
‫للفقر واستجال العداوات املفضية إىل سفك الدمات وهتك احلرم » (‪. )2‬‬ ‫املخاطرة باملال والتعر‬
‫وقد ورد هنا التفصيل يف اآليات املتعلقة باخلمر وامليَّس وقد كان يكفي املنع منهام ليمتنع الصحابة‬
‫ينهى عن الفساد وأن الفساد ليس‬ ‫إَل أن هذا التفصيل ورد ليقرر قاعدة الرشع املطردة أن اهلل‬
‫أيضا ما كان حيتوي عىل بعض املنافع واملصال لكن‬
‫مفسدته خالصة بل يشمل ا‬ ‫مقترصا عىل ما كان‬
‫ا‬
‫مفسدته أغلب فيمنع ألجل ذلك ‪.‬‬
‫الدليل الرابع ‪ :‬ما ورد يف سورِت القصص والشعرات يف شأن قتل نبي اهلل موسى للرجل املرصي‬
‫﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [القصص ‪. ]12-13 :‬‬

‫(‪ )1‬تفسري البغوي (‪. )237/1‬‬


‫(‪ )2‬فت القدير (‪. )773/1‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫يقيم املوقف فهناك ظامل ‪ :‬هو ذلك الرجل املرصي ‪ ،‬ومظلوم ‪:‬‬ ‫انظر كيف كان نبي اهلل موسى‬
‫هو ذلك الرجل الذي هو من بني إرسائيل الذين هم شيعة موسى والذين استعبدهم فرعون وملؤه‬
‫وأذاقوهم الويالت ‪ ،‬فانحاز موسى للدفاع عن املظلوم ودفع عدوه لكن الدفع جات بأكثر مما يلزم فامت‬
‫مفاسد ‪ ،‬منها ‪ :‬أن هؤَلت األعدات سيتخذون هذا األمر ذريعة لقتل موسى نفسه الذي‬ ‫الظامل وهنا ترتب‬
‫يعد سندا ا قويا لبنى إرسائيل يف ظل هذه الدولة الظاملة وبالفعل بدأت َماولة القتل مما اضطر موسى‬
‫للفرار إىل مدين وبقي فيها عرش سنني ‪.‬‬
‫أيضا ‪ :‬أن هؤَلت القوم الظاملني سيتخذون هذا األمر تكأة لتربير بطشهم وظلمهم‬
‫ومن هذه املفاسد ا‬
‫لبني إرسائيل ‪.‬‬
‫أيضا ‪ :‬أن فرعون ومأله لن ينسوا هذا احلادث ملدة عرشات السنني ويتخذونه ذريعة‬
‫ومن هذه املفاسد ا‬
‫الصد عن سبيل اهلل ومنع الدعوة وسيشنع فرعون هبا عىل موسى ﴿ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﭑﭒﭓﭔﭕﭖ﴾ [الشعرات ‪. ]21-11 :‬‬
‫بإقراره بأن هناك خطأ وسيظل يذكر هذا إىل قيام الساعة ‪.‬‬ ‫ولك أن تعجب من إنصاف موسى‬
‫يقول حني يأتيه الناس يستشفعون به ‪ « :‬إين قتلت نفسا مل أؤمر‬ ‫ففي حديث الشفاعة أن موسى‬
‫بقتلها » ‪.‬‬
‫كان معه ألف وأربعامئة مقاتل بايعوه عىل‬ ‫الدليل اخلامس ‪ :‬صل احلديبية ‪ ،‬فمع أن النبي‬
‫هناك اعتبارات كثرية من أجلها مل يقدم‬ ‫املوت وكان يمكنه هبم أن َيتاح مكة ويدخل احلرم إَل أنه كان‬
‫عىل هذا ووافق عىل صل ظنه الفاروق عمر من با إعطات الدنية يف ديننا ‪.‬‬

‫وكان من هذه االعتبارات ‪:‬‬


‫‪ -1‬اعتبار تعظيم حرمات اهلل ففي قصه الغزوة أن اجليش حني بلغ احلديبية برك الناقة ومل تتحرك‬
‫‪ « :‬ما خألت القصواء ‪ ،‬وما ذاك هلا بخلق ولكن‬ ‫فقال بعض الصحابة ‪ :‬خألت القصوات ‪ ،‬فقال النبي‬
‫حبسها حابس الفيل » ‪ ،‬ثم قال ‪ « :‬والذي نفيس بيده ال يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات اهلل إال‬
‫أعطيتهم إياها » ‪ ،‬ثم زجرها فوثب به ‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتبار وجود بعض من َيفي إسالمه من املستضعفني يف مكة ولعل بعضهم يقتل بسيوف‬
‫‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫املسلمني وهم َل يعلمون ‪ ،‬قال‬
‫ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [الفت ‪ ، ]23 :‬وهذا من أرقى وأعىل‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫درجات تعظيم أمر الدمات ‪.‬‬
‫وهو استهجاَّنم أن َيتاح رجل قومه ويستأصلهم ‪ ،‬ولذلك قال‬ ‫‪ -7‬اعتبار أمر يعظمه العر‬
‫قومك هل‬ ‫لو استأصل‬ ‫‪ :‬أرأي‬ ‫مع النبي‬ ‫عروة بن مسعود وهو أحد مبعوثي قريش للتفاو‬
‫سمع بأحد من العر اجتاح أهله قبلك ؟‬
‫للخزاعي ‪ « :‬فإن‬ ‫‪ -1‬ا عتبار احلفاظ عىل حياة من معه ليواصل هبم الدعوة إىل اهلل ‪ ،‬ولذلك قال‬
‫شاءوا ماددهتم مدَّ ة ‪ ،‬وخي ُّلوا بيني وبني الناس ‪ ،‬فإن أظهر عليهم فإن شاءوا أن يدخلوا فيام دخل فيه الناس‬
‫فعلوا » ‪.‬‬
‫‪ -3‬اعتبار تأمني جبهة رشسة وهي جبهة قريش التي تعد رأس احلربة عىل اإلسالم فتأمينها ولو‬
‫لفرتة يعطي الفرصة لالنطالق يف الدعوة إىل اإلسالم يف مجيع أنحات اجلزيرة العربية ويوفر ا‬
‫مناخا يمكن‬
‫للخزاعي ‪ « :‬فإن شاءوا‬ ‫فيه أن يستمعوا إىل صوت العقل واحلكمة ‪ ،‬ولذلك قال النبي‬ ‫للعر‬
‫ماددهتم وخيلوا بيني وبني الناس » ‪.‬‬
‫فتحا مبيناا مع أنه أحاط به من األمور التي‬
‫الصل الذي حيافظ عليها ا‬ ‫كل هذه اَلعتبارات جعل‬
‫بسببها ‪ « :‬ألسنا عىل احلق فلم نعط الدنية يف ديننا ؟ » ‪.‬‬ ‫قال عمر الفاروق‬
‫يقول الدكتور يارس برهامي ‪:‬‬
‫فال بد من النظر إىل املآَلت ‪ ،‬وهل فيم نفعله تعظيم حلرمات اهلل أم تضييع هلا ‪ ،‬وهل يف ذلك‬
‫رشو اطا ظاملة جائرة ليتمم الصل الذي قال عنه عمر ـ‬ ‫مصلحة للدين أم تضييع له ؟ وقد قبل‬
‫‪ :‬ألسنا عىل احلق وهم عىل الباطل ؟ أليس قتالنا يف اجلنة ‪،‬‬ ‫باجتهاده اخلاطئ يف تلك اللحظة ـ للنبي‬
‫وقتالهم يف النار ؟ قال ‪ « :‬بَل ‪ ،‬حق حمض وباطل ليس معه حق ‪ ،‬ليس معهم من احلق حتى ال إله إال اهلل‬
‫حممد رسول اهلل » ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬ففيم نعطي الدنية يف ديننا ونرجع ‪ ،‬وملا حيكم اهلل بيننا ؟ فقال رسول اهلل‬
‫أن يرد أبا جندل بن‬ ‫‪ « :‬يا ابن اخلطاب إين رسول اهلل ولن يضيعني اهلل أبدا » [متفق عليه] ‪ ،‬ويقبل‬
‫رتا يرسف يف قيوده ‪ ،‬وهو‬
‫سريا ‪ 171‬كيلو م ا‬ ‫ا‬
‫تنفيذا للعهد ـ رغم أَّنم قد يفتنونه يف دينه ـ وقد أتى ا‬ ‫سهيل‬
‫مسجون مظلوم ينادي عىل املسلمني ‪ :‬يا معارش املسلمني أتردونني إىل أهل الرشك ‪ ،‬فيفتنوِن يف ديني ؟‬
‫جاعل لك وملن معك من املستضعفني فرجا‬ ‫‪ « :‬يا أبا جندل اصرب واحتسب ‪ ،‬فإن اهلل‬ ‫فيقول النبي‬
‫وخمرجا » [رواه أمحد بسند حسن] ليكون الفت املبني ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [الفت ‪. ]1 :‬‬
‫رشكر َ‬
‫ني‬ ‫احل َة املُ ب ر‬ ‫ر‬
‫يف معر الكالم عن فوائد صل احلديبية ‪َ « :‬ومن َبها ‪َ :‬أ َن ُم َص َ َ‬ ‫قال ابن القيم‬
‫اج َح رة َو َد بف رع َما ُه َو َرش رمنب ُه َف رف ريه َد بف ُع َأ بع َىل املَ بف َسدَ ت ب ر‬
‫َني‬ ‫ني َج رائ َز آة ل ر بلم بص َل َح رة الر ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض َما فر ريه َض بي آم َع َىل املُ بسلر رم َ‬‫بر َب بع ر‬
‫ّ‬
‫بر ب ر ر‬
‫احت َامل َأ بدن ُ َ‬
‫َاُها ‪.‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫وقال فمنها ‪ :‬أَّنا كان مقدمة بني يدي الفت األعظم الذي أعز اهلل به رسوله وجنده ودخل الناس‬
‫ومفتاحا ومؤذ انا بني يديه وهذه عادة اهلل سبحانه يف األمور‬
‫ا‬ ‫هذه اهلدنة با ابا له‬ ‫أفواجا فكان‬
‫ا‬ ‫به يف دين اهلل‬
‫قدرا ورش اعا أن يوطئ هلا بني يدهيا مقدمات وتوطئات تؤذن هبا وتدل عليها ‪.‬‬
‫العظام التي يقضيها ا‬
‫بعضا واختلط املسلمون‬
‫من أعظم الفتوح فإن الناس أمن بعضهم ا‬ ‫ومنها ‪ :‬أن هذه اهلدنة كان‬
‫بالكفار وبادؤوهم بالدعوة وأسمعوهم القرَن وناظروهم عىل اإلسالم جهرة َمنني وظهر من كان ُمتف ايا‬
‫فتحا مبيناا ‪.‬‬
‫باإلسالم ودخل فيه يف مدة اهلدنة من شات اهلل أن يدخل وهلذا سامه اهلل ا‬
‫عظيام ‪.‬‬
‫قال ابن قتيبة ‪ :‬قضي لك قضا ات ا‬
‫وقال جماهد ‪ :‬هو ما قىض اهلل له باحلديبية » (‪. )1‬‬
‫‪ « :‬فإن قيل ‪ :‬مل التزم يف صل احلديبية إدخال الضيم عىل املسلمني‬ ‫قال العز بن عبد السالم‬
‫وإعطات الدنية يف الدين ؟ قلنا ‪ :‬التزم ذلك دف اعا ملفاسد عظيمة وهي قتل املؤمنني واملؤمنات الذين كانوا‬
‫املصلحة إيقاع الصل عىل‬ ‫بمكة َل يعرفهم أهل احلديبية ويف قتلهم معرة عظيمة عىل املؤمنني ‪ ،‬فاقتض‬
‫علم أن‬ ‫أن يرد إىل الكفار من جات منهم إىل املؤمنني وذلك أهون من قتل املؤمنني اخلاملني ‪ ،‬مع أن اهلل‬
‫يف تأخري القتال مصلحة عظيمة وهي إسالم مجاعة من الكافرين وكذلك قال ‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ﴾ [الفت ‪ ]23 :‬؛ أي يف ملته التي هي أفضل رمحته ‪ ،‬وكذلك قال ‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾‬
‫[الفت ‪ ]23 :‬؛ أي لو تفرق بني املؤمنني والكافرين ومتيز بعضهم من بعض لعذبنا الذين كفروا بالقتل‬
‫أليام » (‪. )2‬‬
‫والسبي منهم عذا ابا ا‬
‫َق َال َهلَا ‪ « :‬ايا اعائِ اش ُة‬ ‫َأ َن النَبر َي‬ ‫الدليل السادس ‪ :‬ما رواه البخاري َع بن ُع بر َو َة َع بن َع رائ َش َة‬
‫ض‬ ‫يه اما ُأ ْخ ِر اج ِمنْ ُه او اأ ْل از ْق ُت ُه بِ ْاَلا ْر ِ‬ ‫ت فِ ِ‬
‫ت اف ُه ِد ام اف اأ ْد اخ ْل ُ‬‫اهلِي ٍة اَلامر ُت بِا ْلبي ِ‬
‫اْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يث اع ْهد بِ اج َّ ا ْ‬ ‫ال ْو اال اأ َّن اق ْو ام ِك اح ِد ُ‬
‫ِ‬ ‫ني بابا اَش ِقيا وبابا غاربِيا افب الغ ُ ِ‬
‫يم » ‪.‬‬ ‫اس إِ ْب اراه ا‬‫ْت بِه اأ اس ا‬ ‫ْ ًّ ا‬ ‫ْ ًّ ا ا‬ ‫ت ال ُه ابا اب ْ ِ ا‬
‫او اج اع ْل ُ‬
‫مجا هلذا احلديث ‪ « :‬با من ترك بعض اَلختيار ُمافة أن يقرص فهم بعض الناس‬ ‫وقال البخاري مرت ا‬
‫عنه فيقع يف أشد منه » ‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫قال ابن حجر ‪ « :‬و ريف ب ر‬
‫احلديث َم بعنَى َما ت بَر َج َم َل ُه ألَ َن ُق َر بي اشا كَا َن ب ُت َع ِّظم َأ بمر ا بل َك بع َبة جدا ‪َ ،‬ف َخ َ‬
‫يش‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإل بس َال رم َأ َن ُه َغ َ َري برنَا َت َها ل ر َينب َف ررد برا بل َف بخ رر َع َل بي ره بم ريف َذل ر َك ‪َ ،‬و ُي بس َت َفاد رمنب ُه ت بَرك‬
‫دهم بر ب ر‬ ‫ر‬
‫َأ بن َي ُظنُّوا ألَ بج رل ُق بر َع به ب‬
‫اإل َمام َي ُسوس‬ ‫املَ بص َل َحة رألَ بم رن ا بل ُو ُقوع ريف املَ بف َسدَ ة ‪َ ،‬و رمنب ُه ت بَرك إر بنكَار املُنبكَر َخ بش َية ا بل ُو ُقوع ريف َأ بنكَر رمنب ُه ‪َ ،‬و َأ َن ب ر‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد (‪. )273 ، 271/7‬‬


‫(‪ )2‬قواعد األحكام يف مصال األنام (‪. )112 ، 111/1‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫ر ر‬ ‫ر‬
‫َان َم بف ُض ا‬
‫وَل َما َمل ب َي ُك بن َُم َ َر اما » (‪. )1‬‬ ‫َرع َيته بر َام فيه إر بص َال ب‬
‫حهم َو َل بو ك َ‬
‫يضا ‪َ « :‬و ريف َح رديث برنَات ا بل َك بع َبة رم بن ا بل َف َو رائد َغ بري َما َت َقدَ َم َما ت بَر َج َم َع َل بي ره املُ َصنِّف ريف ا بل رع بلم َو ُه َو‬ ‫وقال أ ا‬
‫ب ‪َ ،‬وفر ريه‬ ‫اَل بختري ر ر‬
‫ار ريف ع َب َارته ا ُمل بست ََح ّ‬ ‫َ‬
‫اَل بختريار َُمَا َفة َأ بن ي بقرص َعنبه َفهم بعض النَاس » ‪ ،‬واملُراد بر ر‬
‫َ َ‬ ‫ُ ب َب‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫« تَرك بعض ر‬
‫ب َب‬
‫ف‬ ‫الرضر َع َل بي ره بم ريف ردين َأ بو ُد بن َيا ‪َ ،‬و َت َأ َل َ‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬
‫ََّسع النَاس إ َىل إ بنكَاره َو َما َُي َبشى منب ُه ت ََو ُّلد َ َ‬ ‫ا بجتنَا َو ر ّيل باألَ بمر َما َيت َ َ‬
‫ر ر‬

‫رتك فر ريه َأ بمر َوا رجب ‪َ .‬وفر ريه َت بق رديم باألَ َه ّم َف باألَ َه ّم رم بن َد بفع ا َمل بف َسدَ ة َو َج بلب املَ بص َل َحة ‪َ ،‬و َأ ََّن ُ َام إر َذا‬ ‫وهبم بر َام ََل ُي ب َ‬
‫ُق ُل ب‬
‫َت َع َار َضا ُب رد َئ بردَ بف رع املَ بف َسدَ ة ‪َ ،‬و َأ َن املَ بف َسدَ ة إر َذا ُأ رم َن ُو ُقوع َها َعا َد ار بستر بح َبا َع َمل املَ بص َل َحة » (‪. )2‬‬
‫‪ « :‬ويف هذا احلديث دليل لقواعد من األحكام ‪ ،‬منها ‪ :‬إذا تعارض املصال‬ ‫قال اإلمام النووي‬
‫مصلحة ومفسدة وتعذر اجلمع بني فعل املصلحة وترك املفسدة بدئ باألهم ألن النبي‬ ‫أو تعارض‬
‫مصلحة ولكن تعارضه مفسدة‬ ‫عليه من قواعد إبراهيم‬ ‫أخرب أن نقض الكعبة وردها إىل ما كان‬
‫أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قري ابا وذلك ملا كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فريون تغيريها‬
‫‪ ،‬ومنها ‪ :‬فكر ويل األمر يف مصال رعيته واجتنابه ما َياف منه تولد رضر عليهم يف دين‬ ‫عظيام فرتكها‬
‫ا‬
‫الرعية وحسن‬ ‫أو دنيا إ َل األمور الرشعية كأخذ الزكاة وإقامة احلدود ونحو ذلك ‪ ،‬ومنها ‪ :‬تألف قلو‬
‫حياطتهم وأن َل ينفروا وَل يتعر ملا َياف تنفريهم بسببه ما مل يكن فيه ترك أمر رشعي كام سبق » (‪. )3‬‬
‫ول ‪:‬‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫َار َق َال ‪َ :‬س رم بع ُ َجابر َر بب َن َع بب رد اهلل‬ ‫الدليل السابع ‪ :‬ما رواه البخاري عن َع بم ررو بب رن ردين ٍ‬
‫اج رر ُّي ‪:‬‬ ‫ألن َبص رار ‪َ ،‬و َق َال ا ُمل َه ر‬ ‫اج رري َن َر ُج اال رم بن باألَن َبص رار ‪َ ،‬ف َق َال باألَن َبص رار ُّي ‪َ :‬يا َل ب َ‬ ‫ُكنَا ريف َغ َز ٍاة َفكَس َع ر ُج آل رم بن املُ َه ر‬
‫َ َ‬
‫اج رري َن َر ُج اال رم بن‬ ‫‪َ ،‬ق َال ‪ « :‬ما اه اذا ؟ » ‪َ ،‬ف َقا ُلوا ‪ :‬كَس َع ر ُج آل رم بن املُ َه ر‬
‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫ين ‪َ ،‬ف َس َم َع َها اهللُ َر ُسو َل ُه‬ ‫َيا َل بلم َه ر‬
‫اج رر َ‬ ‫ُ‬
‫وها افإِ ََّّناا‬ ‫‪ « :‬اد ُع ا‬ ‫ين ‪َ ،‬ف َق َال النَبر ُّي‬ ‫اج رر َ‬ ‫اج رر ُّي ‪َ :‬يا َل بلم َه ر‬ ‫ار ‪َ ،‬و َق َال املُ َه ر‬ ‫ألن َبص ر‬ ‫ار ‪َ ،‬ف َق َال باألَن َبص ر‬
‫ار ُّي ‪َ :‬يا َل ب َ‬ ‫باألَن َبص ر‬
‫ُ‬
‫يب ‪:‬‬ ‫ون َب بعدُ ‪َ ،‬ف َق َال َع ببدُ اهلل بب ُن ُأ َ ٍّ‬ ‫اج ُر َ‬ ‫َأ بك َثر ُثم َك ُثر ا ُمل َه ر‬
‫َ َ َ‬ ‫ني َق رد َم النَبر ُّي‬
‫ُمنْتِناة » ‪َ ،‬ق َال َجابر آر ‪َ :‬وكَا َن ب باألَن َبص ُار رح َ‬
‫‪َ :‬د بعنري‬ ‫َأ َو َقدب َف َع ُلوا َواهلل َل رئ بن َر َج بعنَا إر َىل املَ ردين رَة َل ُي بخ رر َج َن باألَ َع ُّز رمن َبها باألَ َذ َل ‪َ ،‬ف َق َال ُع َم ُر بب ُن ب‬
‫اخلَ َطا ر‬
‫حم َّمدا اي ْقت ُُل اأ ْص احا اب ُه » ‪.‬‬ ‫َّاس اأ َّن ُ ا‬
‫ث الن ُ‬ ‫‪ « :‬اد ْع ُه اال ايت ااحدَّ ُ‬ ‫رض ب ُعن َُق َه َذا املُنَافر رق ‪َ ،‬ق َال النَبر ُّي‬ ‫ول اهلل َأ ب ر‬‫َيا َر ُس َ‬
‫يف « َماسن التأويل » ‪ « :‬واستند ـ غري واحد من األئمة ـ يف احلكمة عن كفه‬ ‫قال القاسمي‬
‫‪ « :‬أكره أن يتحدث العرب أن حممدا‬ ‫قال لعمر‬ ‫يف الصحيحني أنه‬ ‫عن قتل املنافقني ‪ ،‬بام ثب‬
‫ٍ‬
‫لكثري من األعرا عن الدخول يف اإلسالم ‪ ،‬وَل‬ ‫تنفري‬
‫يقتل أصحابه » ‪ .‬ومعناه خشية أن يقع بسبب ذلك آ‬
‫يعلمون حكمة قتلهم ـ بأنه ألجل كفرهم ـ فإَّنم إنام يأخذونه بمجرد ما يظهر هلم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬إن َممدا ا‬

‫(‪ )1‬فت الباري (ج‪. )211/1‬‬


‫(‪ )2‬فت الباري (ج‪. )277/3‬‬
‫(‪ )7‬رشح مسلم (ج‪. )12/2‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫يقتل أصحابه » ‪.‬‬
‫َان َع َل بي ره‬
‫حم َّمدا اي ْقتُل اأ ْص احابه » فر ريه َما ك َ‬ ‫‪ « :‬اد ْع ُه اال ايت ااحدَّ ث النَّاس اأ َّن ُ ا‬ ‫‪َ « :‬ق بوله‬ ‫وقال النووي‬
‫َرتتَب َع َىل َذل ر َك‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الص برب َع َىل َب بعض املَ َفاسد َخ بو افا م بن َأ بن ت َ َ‬
‫ر ر‬
‫احل بلم ‪َ ،‬وفيه ت بَرك َب بعض باألُ ُمور املُ بخت ََارة ‪َ ،‬و َ‬
‫رمن بر‬
‫ب‬
‫هم ل ر َت بق َوى َش بوكَة‬‫ني َو َغ بري ب‬ ‫َي َت َأ َلف النَاس ‪َ ،‬و َي بص ررب َع َىل َج َفات باألَ بع َرا َواملُنَافر رق َ‬ ‫َم بف َسدَ ة َأ بع َظم رمنب ُه ‪َ ،‬وك َ‬
‫َان‬
‫هم ريف ب ر‬ ‫ر‬ ‫ني ‪َ ،‬وتَتر ّم َد بع َوة ب ر‬
‫اإل بس َالم ‪َ ،‬و َيت ََمكَن ب ر‬ ‫املُ بسلر رم َ‬
‫اإل بس َالم » (‪. )1‬‬ ‫اإل َيامن م بن ُق ُلو املُ َؤ َل َفة ‪َ ،‬و َي بر َغب َغ بري ب‬
‫خو افا من حدوث مفسدة أعظم من مصلحة ذلك‬ ‫‪ « :‬ومنها ‪ :‬الرتك للمطلو‬ ‫قال الشاطبي‬
‫‪ ،‬كام جات يف احلديث عن عائشة ‪ « :‬لوال أن قومك حديث عهدهم باْلاهلية ؛ فأخاف أن تنكر‬ ‫املطلو‬
‫قلوهبم أن أدخل اْلدر يف البيت ‪ ،‬وأن ألصق بابه باَلرض » ‪ ،‬ويف رواية ‪َ « :‬لسست البيت عَل قواعد‬
‫إبراهيم » ‪ ،‬ومنع من قتل أهل النفاق ‪ ،‬وقال ‪ « :‬ال يتحدث الناس أن حممدا يقتل أصحابه » » (‪. )2‬‬
‫لعبد اهلل بن ُأيب وأمثاله من أئمة النفاق‬ ‫‪ « :‬ومن هذا البا إقرار النبي‬ ‫قال شيخ اإلسالم‬
‫والفجور ملا هلم من األعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكرب من ذلك بغضب‬
‫قومه ومحيتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن َممدا ا يقتل أصحابه » (‪. )3‬‬
‫الدليل الثامن ‪ :‬ما ورد يف الصحيحني ‪ :‬أن أعرابيا بال يف طائفة من املسجد ‪ ،‬فزجره الصحابة‬
‫‪ « :‬ال ُتز ِْر ُموه ـ أي ‪َ :‬ل تقطعوا بوله ـ دعوه » ؛ فرتكوه حتى بال ‪،‬‬ ‫وقالوا ‪َ :‬م به َم به ! قال رسول اهلل‬
‫دعاه فقال له ‪ « :‬إن هذه املساجد ال تصلح ليشء من هذا البول وال القذر ‪ ،‬إنام هي‬ ‫ثم إن رسول اهلل‬
‫رجال من القوم فجات بد بل ٍو من مات فشنَه ـ صبه ـ عليه ‪.‬‬
‫لذكر اهلل والصالة وقراءة القرآن » ‪ ،‬فأمر ا‬
‫يف « فت الباري » ‪:‬أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة ؛ وهو دفع أعظم‬ ‫قال ابن حجر‬
‫املفسدتني باحتامل أيَّس أيَّسُها ‪ ،‬وْصيل أعظم املصلحتني برتك أيَّسُها ‪.‬‬
‫‪ « :‬دعوه » ‪.‬‬ ‫يف « رشح مسلم » ‪ :‬فيه دفع أعظم الرضرين باحتامل أخفهام لقوله‬ ‫وقال النووي‬
‫‪ « :‬دعوه » ملصلحتني ‪:‬‬
‫قال العلامت ‪ :‬كان قوله‬
‫إحدامها ‪ :‬أنه لو ُقطرع عليه البول ترضر وأصل التنجيس قد حصل ‪ ،‬فكان احتامل زيادته َأ بوىل من‬
‫إيقاع الرضر به ‪.‬‬
‫ثيابه‬ ‫لتنجس‬
‫الثانية ‪ :‬أن التنجيس قد حصل يف جزت يسري من املسجد ‪ ،‬فلو أقاموه يف أثنات بوله َ‬
‫وبدنه ومواضع كثرية من املسجد ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رشح مسلم (ج‪. )722/1‬‬


‫(‪ )2‬املوافقات (ج‪. )177/2‬‬
‫(‪ )7‬اَلستقامة (ج‪. )212/2‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫َخ َو ُلنَا براملَ بو رع َظ رة ريف باألَ َيا رم‬
‫َيت َ‬ ‫َان النَبر ُّي‬
‫الدليل التاسع ‪ :‬ما رواه البخاري عن ابن مسعود َق َال ‪ :‬ك َ‬
‫السآ َم رة َع َل بينَا ‪.‬‬
‫ك ََر َاه َة َ‬
‫قال يف « عمدة القاري » ‪ « :‬قوله كراهية السآمة أي ألجل كراهة املاللة وكان ذلك رف اقا من النبي‬
‫ألصحابه فيجب أن يقتدى به ألن التكرار يسقط النشاط ويمل القلب وينفره » (‪. )1‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫قال النووي ‪ « :‬و ريف ه َذا ب ر‬
‫احلديث ‪ :‬اَل بقت َصاد ريف ا َمل بوع َظة ‪ ،‬ل َئ َال َمت َ ّل َها ا بل ُق ُلو َف َي ُفوت َم بق ُص َ‬
‫ودها » (‪. )2‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫خريا من الكثري املنقطع ألن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر‬
‫وقال ‪ « :‬وإنام كان القليل الدائم ا‬
‫ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد عىل الكثري املنقطع‬ ‫واملراقبة والنية واإلخالص واإلقبال عىل اخلالق‬
‫أضعا افا كثرية » (‪. )3‬‬
‫قال للنبي‬ ‫أن عمر‬ ‫الدليل العاشر ‪ :‬ما أخرجه مسلم من حديث طويل عن أيب هريرة‬
‫‪ :‬قال يا رسول اهلل بأيب أن وأمي أبعث أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن َل إله إَل اهلل مستيقناا هبا‬
‫قلبه برشه باجلنة ؟ قال ‪ « :‬نعم » ‪ ،‬قال ‪ :‬فال تفعل فإِن أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون ‪ ،‬قال‬
‫‪ « :‬فخلهم » ‪.‬‬ ‫رسول اهلل‬
‫َان َب بعد رق َصة َأ ريب ُه َر بي َرة ‪َ ،‬فك َ‬
‫َان‬ ‫اذ ‪ « :‬اأ اخاف اأ ْن ايتَّكِ ُلوا » ك َ‬ ‫ُمل رع ٍ‬
‫َ‬ ‫‪َ « :‬ف َك َأ َن َق بوله‬ ‫قال ابن حجر‬
‫رب بر ره ُم َعاذ ل ر ُع ُمو رم باآل َية برال َت بب رلي رغ ‪َ .‬واهلل َأ بع َلم » (‪. )4‬‬ ‫ر ر‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬
‫الن بَهي ل بل َم بص َل َحة ََل للت بَح رري رم ‪َ ،‬فل َذل َك َأ بخ َ َ‬
‫ثانيًا ‪ :‬قواعد هلا عالقة باملصاحل واملفاسد واملوازنة بينهما ‪:‬‬
‫‪ -1‬قاعدة اعتبار القدرة والعجز ‪.‬‬
‫‪ -2‬قاعدة تفوي أدنى املصلحتني لتحصيل أعالُها ‪.‬‬
‫‪ -7‬قاعدة ارتكا أخف املفسدتني لتفوي أشدُها ‪.‬‬
‫‪َ -1‬يتار أهون الرشين ‪.‬‬
‫‪ -3‬قاعدة اعتبار املآَلت ‪.‬‬
‫‪ -1‬قاعدة درت املفاسد مقدم عىل جلب املصال ‪.‬‬
‫‪ -7‬قاعدة (َل رضر وَل رضار) ‪.‬‬
‫‪ -1‬الرضر يدفع بقدر اإلمكان ‪.‬‬

‫(‪ )1‬عمدة القاري رشح صحي البخاري (ج‪. )171/77‬‬


‫(‪ )2‬رشح مسلم (ج‪. )217/2‬‬
‫(‪ )7‬رشح مسلم (ج‪. )71/1‬‬
‫(‪ )1‬فت الباري (ج‪. )213/1‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫‪ -2‬الرضر يزال ‪.‬‬
‫‪ -11‬الرض َل يزال بمثله ‪.‬‬
‫‪ -11‬الرضر األشد يزال بالرضر األخف ‪.‬‬
‫‪ْ -12‬مل الرضر اخلاص لدفع رضر عام ‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬قاعدة اعتبار القدرة والعجز ‪:‬‬


‫خالصة القاعدة أن املطالبة بالتكاليف الرشعية منوطة بالقدرة عىل أدائها وأن العاجز عنها غري‬
‫مطالب هبا ‪.‬‬
‫‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن ‪. ]11 :‬‬ ‫قال‬
‫‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة ‪. ]211 :‬‬ ‫وقال‬
‫‪ « :‬إذا أمرتكم بيشء فأتوا منه ما استطعتم » ‪.‬‬ ‫وقال النبي‬
‫عجزا حسيا كالعاجز عن النطق بالنهي‬
‫ا‬ ‫واملعجوز عنه َل يطالب به املكلف ‪ ،‬والعجز إما أن يكون‬
‫قادرا حسيا لكن يغلب عىل ظنه حدوث‬
‫عجزا معنويا كأن يكون ا‬
‫ا‬ ‫عن املنكر ألنه أبكم ‪ ،‬وإما أن يكون‬
‫مفسدة أعظم فيمتنع عن النهي ‪ ،‬ومن هنا كان عالقة هذه القاعدة باملوازنة بني املصال واملفاسد ‪.‬‬
‫والسنة تبني أن التكليف مرشوط بالقدرة‬ ‫‪ :‬من استقرأ ما جات به الكتا‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫نفسا إَل وسعها ‪ ،‬فال بد‬
‫عاجزا عن أحدُها سقط عنه ما يعجزه وَل يكلف اهلل ا‬
‫ا‬ ‫عىل العلم والعمل فمن كان‬
‫من أمرين ليتحقق التكليف ‪ :‬األول ‪ :‬التمكن من العلم ‪ ،‬والثاِن ‪ :‬القدرة عىل العمل ‪ ،‬وبنات عىل هذا فإن‬
‫املعجز عنه ساقط الوجو واملضطر إليه غري َمظور ‪.‬‬
‫‪ :‬فلم يوجب اهلل ما يعجز عنه العبد (َل تكليف إَل بمقدور) ‪﴿ :‬ﯗ ﯘ‬ ‫قال شيخ اإلسالم‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة ‪﴿ ، ]211 :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [الطالق ‪. ]7 :‬‬
‫‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ‪.‬‬ ‫وقوله‬
‫‪ « :‬صل قائام فإن مل تستطع فقاعدا فإن مل تستطع فعَل جنب » ‪.‬‬ ‫وقوله‬

‫ثانيًا ‪ :‬قاعدة تفويت أدنى املصلحتني لتحصيل أعالهما ‪:‬‬


‫بحيث َل يمكن اجلمع بينهام ‪ ،‬ر ر‬ ‫املصلحتني وتفوي ر األُ بخ َرى ‪،‬‬
‫بر‬
‫وع َي‬ ‫ُ َُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بني ر‬
‫فعل إحدى‬ ‫أي إر َذا َ‬
‫دار األَ بم ُر َ‬
‫عالُها َف ُف رع َل ب ‪ .‬فهنا توجد القدرة لكن أمامه مصلحتان وَل يقدر إَل عىل ْصيل‬
‫رب املصلحتني و َأ ُ َ‬ ‫َأك ُ‬
‫واحدة منهام وَل يستطيع اجلمع بينهام فمع أن األص ل ْصيل مجيع املصال وتكميلها إَل أنه عند التعار‬
‫فإنه يفوت أدنى املصلحتني ليتمكن من ْصيل أعالُها ‪.‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫املصال‬ ‫يف اجتامع املصال املجردة عن املفاسد ‪ « :‬إذا اجتمع‬ ‫قال العز بن عبد السالم‬
‫األخروية اخلالصة فإن أمكن ْصيلها حصلناها ‪ ،‬وإن تعذر ْصيلها حصلنا األصل فاألصل واألفضل‬
‫فاألفضل ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الزمر ‪. ]11 ، 17 :‬‬
‫واألصل يف هذا البا قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‬
‫[األنعام ‪ ، ]111 :‬حيث أرشدت اآلية إىل أن املصلحة العظيمة يف ترك سب املرشكني تفوق ما حيصله املسلمون‬
‫من سب َهلة املرشكني ‪.‬‬
‫سب َهلة املرشكني مع كون السب غي اظا ومحية هلل وإهانة‬
‫‪ « :‬فحرم اهلل تعاىل َ‬ ‫قال ابن القيم‬
‫مصلحة ترك مسبته تعاىل أرج من مصلحة سبنا‬ ‫آلهلتهم ؛ لكونه ذريعة إىل سبهم هلل تعاىل ‪ ،‬وكان‬
‫آلهلتهم ‪ .‬وهذا كالتنبيه بل الترصي عىل املنع من اجلائز ‪ ،‬لئال يكون سب ابا يف فعل ما َل َيوز » ‪.‬‬
‫‪ « :‬فإذا ازدحم واجبان َل يمكن مجعهام ؛ فقدم أوكدُها مل يكن اآلخر يف‬ ‫وقال شيخ اإلسالم‬
‫َمرمان‬
‫هذه احلالة واج ابا ‪ ،‬ومل يكن تاركه ألجل فعل األوكد تارك واجب يف احلقيقة ‪ .‬وكذلك إذا اجتمع َ‬
‫َل يمكن ترك أعظمهام إَل بفعل أدناُها ؛ مل يكن فعل األدنى يف هذه احلال َمر اما يف احلقيقة ‪ ...‬وهذا با‬
‫با واسع جدا » ‪.‬‬ ‫التعار‬

‫ثالثًا ‪ :‬قاعدة ارتكاب أخف املفسدتني لتفويت أشدهما ‪:‬‬


‫فريتكب املك َل ُ‬
‫ف أدنى‬ ‫بعضها ‪،‬‬ ‫بحيث َل بدَ من وقو رع املك َل ر‬
‫ف يف ر‬ ‫تعار َض‬
‫ُ‬ ‫يعني ‪ :‬أن املفاسدَ إذا َ‬
‫ويدفع أعالها وأقواها ‪ .‬فإذا تزامح املفاسد بحيث َل يتمكن املرت من ترك املفسدتني م اعا ‪،‬‬ ‫ر‬
‫املفاسد وأق َلها ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يرتكب املفسدة األقل من أجل درت املفسدة‬ ‫وإنام يتمكن من ترك إحداُها برشط ارتكا األخرى ‪،‬‬
‫األعىل ‪.‬‬
‫ومن أدلة هذه القاعدة ‪ :‬قوله جل وعال ‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [البقرة ‪، ]177 :‬‬
‫فهنا تعارض مفسدتان ‪:‬‬
‫املفسدة اَلوىل ‪ :‬تلف النفس ‪.‬‬
‫واملفسدة الثانية ‪ :‬األكل من امليتة ‪.‬‬
‫فيتجنب املكلف املفسدة األشد ‪ ،‬ولو كان يف ذلك ارتكا املفسدة األقل بأكل امليتة ‪.‬‬
‫فاملسلم يوازن يف األمور املختلطة التي َل تصفوا جلانب واحد ويرج خري اخلريين وَيتار أهون‬
‫ُمريا‬
‫كثريا ما َيد نفسه ا‬
‫اختيارا بني خري خالص ورش خالص بل إن اإلنسان ا‬
‫ا‬ ‫دائام‬
‫ا‬ ‫الرشين ألن احلياة ليس‬
‫بني خري وخري أو رش ورش أو بني يشت فيه بعض اخلري وبعض الرش بل اإلنسان قد َيد نفسه يف ظرف غري‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫عادي تكون عاقبة فعل ما هو يف العادة خري رشا فامذا يفعل ؟‬
‫نقول ‪ :‬عليه أن َيتار أقل األمرين رشا ألنه إذا كان غرضه اخلري فإن أقل األمرين رشا هو األقر إىل‬
‫اخلري ‪ ،‬والدليل عىل ذلك ‪ :‬قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [النحل ‪ ، ]111 :‬فإن‬
‫اهلل أباح للمؤمن التفوه بكلمة الكفر إذا ُهدد بالقتل أو بغريه من األمور التي يصعب عليه ْملها فهاهنا‬
‫رأى أن‬ ‫يكون قد اختار أهون الرشين وحديث الرجل الذي بال يف املسجد يدل عىل ذلك فإن النبي‬
‫رضرا أشد كتنجيس بدنه وثيابه‬
‫رضرا أخف من قطع بوله عليه ألنه يف قطع البول ا‬
‫يف تركه حتى يكمل بوله ا‬
‫واملسجد واحتباس بوله ‪.‬‬
‫‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ [يوسف ‪ ، ]77 :‬فاختار السجن ا‬
‫بدَل من‬ ‫وقول يوسف‬
‫الوقوع يف الفاحشة ‪.‬‬
‫‪ « :‬وكذلك إذا اجتمع َمرمان َل يمكن ترك أعظمهام إَل بفعل‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫أدناُها ‪ ،‬مل يكن فعل األدنى يف هذا احلال َمر اما يف احلقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل‬
‫حرام باعتبار اإلطالق مل يرض ويقال يف مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل املحرم للمصلحة الراجحة أو‬
‫للرضورة أو لدفع ما هو أحرم » ‪.‬‬
‫يضا ‪ « :‬وقد يتعقد أو يتعَّس عىل السالك سلوك الطريق املرشوعة املحضة إَل بنوع من‬ ‫وقال أ ا‬
‫ا‬
‫وعمال فإذا مل حيصل النور الصايف بأن مل يوجد إَل النور الذي‬ ‫علام‬
‫املحدث لعدم القائم بالطريقة املرشوعة ا‬
‫ليس بصاف وإَل بقي اإلنسان يف ظلمة فيه فال ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة إَل إذا‬
‫حصل نور َل ظلمة فيه وإَل فكم ممن عدل عن ذلك َيرج عن النور بالكلية » ‪.‬‬
‫وهذا الكالم َل يعني إقرار الرش أو الرضا به بل ينكر ما أمكن ذلك ويوض األمر للناس لكن َل‬
‫ينبغي التفريط فيام هو متاح لطلب أمر َل قتل لنا به ‪.‬‬
‫وهذا مثل قضية الدستور فإن إقرار دستور موافق للرشع من كل جانب يف بلد كمرص يف هذه اآلونة‬
‫غري ممكن واإلرصار عليه يؤدي إىل فتنة أكرب ويفوت مصال كثرية ممكنة ‪.‬‬
‫‪ « :‬والنجايش ما كان يمكنه أن حيكم بحكم القرَن فإن قومه َل‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫وكثريا ما يتوىل الرجل بني املسلمني والتتار قاض ايا بل وإما اما وىف نفسه أمور من العدل‬
‫ا‬ ‫يقرونه عىل ذلك‬
‫نفسا إَل وسعها ‪ ،‬وينبغي أن يعلم‬
‫يريد أن يعمل هبا فال يمكنه ذلك بل هناك من يمنعه ذلك وَل يكلف اهلل ا‬
‫أنه َل تالزم بني املشاركة يف النظم التي تقوم عىل َليات الديمقراطية وبني الرضا هبا بكل ما تعنيه من فلسفة‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫وَليات » ‪.‬‬

‫رابعًا ‪ :‬قاعدة اعتبار املآالت ‪:‬‬


‫حكام‬
‫قال يف القاموس القويم يف اَلصطالحات األصولية ‪ « :‬مآَلت األفعال معناها أن يأخذ الفعل ا‬
‫يتفق مع ما يؤول إليه سوات أكان الفاعل يقصد ذلك الذي َل إليه الفعل أم َل يقصده » ‪.‬‬
‫‪ « :‬النظر يف مآَلت األفعال معترب مقصود رش اعا كان األفعال موافقة أو‬ ‫يقول اإلمام الشاطبي‬
‫ُمالفة وذلك أن املجتهد َل حيكم عىل فعل من األفعال الصادرة عن املكلفني باإلقدام أو باإلحجام إَل بعد‬
‫نظره إىل ما يؤول إليه ذلك الفعل فقد يكون مرشو اعا ملصلحة فيه تستجلب أو ملفسدة تدرأ ولكن له مآل‬
‫عىل خالف ما قصد فيه وقد يكون غري مرشوع ملفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل عىل‬
‫املصلحة فيه إىل مفسدة تساوي‬ ‫خالف ذلك فإذا أطلق القول يف األول باملرشوعية فربام أ َدى استجال‬
‫املصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مان اعا من إطالق القول باملرشوعية وكذلك إذا أطلق القول يف الثاِن‬
‫بعدم املرشوعية ربام أ َدى استدفاع املفسدة إىل مفسدة تساوى أو تزيد فال يص إطالق القول بعدم املرشوعية‬
‫الغب جار عىل مقاصد الرشيعة » (‪. )1‬‬
‫وهو جمال للمجتهد صعب املورد إَل أنه عذ املذاق َممود ّ‬
‫فعال إَل بعد أن ينظر يف مآله‬ ‫أن املجتهد َل يقوم باحلكم عىل الترصف ا‬
‫قوَل كان ذلك الترصف أو ا‬ ‫أي َ‬
‫ونتائجه ويقدر ما سيتمخض عنه تطبيق ذلك الترصف من املصال واملفاسد واخلري والرش وبعد ذلك‬
‫يصدر احلكم عىل الترصف باملرشوعية أو عدم املرشوعية ‪.‬‬

‫خامًسا ‪ :‬درء املفاسد مقدم على جلب املصاحل ‪:‬‬


‫أكرب من املصال فإن الواجب دفعها قدر اإلمكان وَل ينظر‬ ‫تدل القاعدة عىل أن املفاسد متى كان‬
‫املصلحة أعظم من املفسدة فالقول الراج هو‬ ‫يف ْقيق املصلحة لكوَّنا مغمورة يف املفسدة أما إذا كان‬
‫اإلثبات بتلك املصلحة ألن املفسدة مغمورة يف تلك املصلحة وإن تساوت املفاسد واملصال وهو أمر قد‬
‫متعذرا فقد اختلف فيه عىل ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫ا‬ ‫يكون‬
‫‪ -1‬دفع املفسدة أوىل من جلب املصلحة ‪.‬‬
‫‪ -2‬جلب املصلحة أوىل من دفع املفسدة ‪.‬‬
‫‪ -7‬التوقف أو بالتخيري يف كل حالة بحسبها وما يالبسها ‪.‬‬
‫يف املنهيات‬ ‫وىف هذه القاعدة اعتنات الشارع باملنهيات مثل اعتنائه باملأمورات ألنه أطلق اَلجتنا‬

‫(‪ )1‬املوافقات (‪. )171 ، 177/3‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫ولو مع املشقة يف الرتك وقيد يف املأمورات بقدر الطاقة وذلك ألن للمفاسد رسيا انا وتوس اعا كاحلريق‬
‫والوبات فمن احلكمة واحلزم القضات عليها يف مهدها ولو ترتب عىل ذلك حرمان من منافع أو تأخرها ‪.‬‬
‫‪ « :‬ما َّنيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم » [رواه مسلم] ‪.‬‬ ‫قال رسول اهلل‬

‫سادسًا ‪ :‬قاعدة (ال ضرر وال ضرار) ‪:‬‬


‫الرضر أن يلحق األذى بمن مل يؤذه ‪ ،‬والرضار أن يلحق األذى بمن َذاه عىل وجه غري مرشوع ‪.‬‬
‫‪ :‬الرضر ‪ :‬ما كان عن غري قصد ‪ ،‬والرضار ما كان عن قصد ألن رضار‬ ‫وقال الشيخ العثيمني‬
‫رضارا ‪ ،‬أو معناه ليس كل رضر يكون حرا اما فإيقاع احلدود عىل السارق والزاِن ليس‬
‫ا‬ ‫مصدر ضار يضار‬
‫َمرم بل هو مرشوع وقد يكون واج ابا إذا استوىف الرشوط ‪.‬‬

‫سابعًا ‪ :‬الضرر يدفع بقدر اإلمكان ‪:‬‬


‫هذه القاعدة تتضمن دفع الرضر قبل وقوعه وعند وقوعه وبعد وقوعه فإن أمكن إزالة الرضر‬
‫بالكلية فبها ونعم وإن مل يمكن إزالة الرضر بالكلية فإنه يزال الرضر بالقدر املستطاع ‪.‬‬
‫ومثال دفع الرضر قبل وقوعه ‪ :‬قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنفال ‪. ]11 :‬‬
‫وهذا فيه دفع رضر إغارة العدو عىل بالد املسلمني إذا علم بقوة املسلمني وأما إزالة الرضر عند‬
‫إن جات رجل يريد أخذ‬ ‫قال ‪ :‬جات رجل فقال ‪ :‬يا رسول اهلل أرأي‬ ‫وقوعه ففيه حديث أيب هريرة‬
‫إن قتلني ؟ قال ‪:‬‬ ‫إن قاتلني ؟ قال ‪ « :‬قاتله » ‪ ،‬قال ‪ :‬أرأي‬ ‫مايل ‪ ،‬قال ‪ « :‬ال تعطه مالك » ‪ ،‬قال ‪ :‬أرأي‬
‫« فأنت شهيد » ‪ ،‬قال ‪ :‬أرأي إن قتلته ؟ قال ‪ « :‬هو يف النار » [رواه مسلم] ‪.‬‬
‫وأما إزالة الرضر بعد وقوعه وهو كام يف قاعدة (من أتلف شي ائا فعليه إصالحه) ‪.‬‬
‫ومن أمثلة الوسائل التي تزيل الرضر بالكلية ‪ :‬احلجر عىل السفيه َل حيسن املعاملة مع الناس وربام‬
‫أخذ بنفسه أو بغريه وهذا احلجر فيه رفع الرضر بالكلية أن يبيع أو يشرتي أو يتعاقد فينتفي الرضر الذي قد‬
‫يتسبب هذا السفيه يف احلافة بنفسه أو بغريه ‪.‬‬
‫ومن أمثلة الوسائل التي تزيل الرضر بالقدر املستطاع ‪ :‬مرشوع احلجر عىل املفلس ثم َماصة الغرمات‬
‫مال املفلس عىل قدر ديوَّنم فإن الغريم َل يزول رضره بالكلية إَل يأخذ دينه ا‬
‫كامال ولكن ملا كان ذلك غري‬
‫ممكن بسبب إفالس املدين رضر الغريم بالقدر املمكن وهو أخذه حلصته من مال املدين ‪.‬‬
‫مثل أن يكون املدين عليه مائة ألف جنيه لعرشة غرمات وكل واحد له عرشة ََلف جنيه فأفلس املدين‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫وليس عنده عند احلجز عليه إَل مخسون أل افا فتقسم عىل الغرمات كل واحد مخسة ََلف فهم َل يرتفع الرضر‬
‫عنهم بالكلية ولكنه رفع للرضر بالقدر املستطاع ‪.‬‬

‫ثامنًا ‪ :‬الضرر يزال ‪:‬‬


‫وتعني القاعدة أن الرضر إذا وقع َيب أن يزال ‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ‪ :‬لو سلط إنسان ميزا بيته عىل الطريق بحيث يرض باملارين فإنه ُتب عليه إزالته ‪،‬‬
‫لو بنى اإلنسان بي اتا ومكان لوضع دوابه أو سيارته يف الطريق فإنه َيب أن يزال ‪ ،‬لو طال أغصان شجرة‬
‫فتدل عىل بي جاره وصارت تؤذيه فإنه َيب عليه أن يزيل هذه األغصان ‪.‬‬

‫تاسعًا ‪ :‬الضرر ال يزال مبثله ‪:‬‬


‫وهذه القاعدة هلا عالقة بالتي قبلها (الرضر يزال) وهي أن الرضر وإن كان يزال فإنه َل يزال برضر‬
‫مثله وأكرب فهذه القاعدة قيد للقاعدة التي قبلها الرضر يزال بال رضر إن أمكن أو بام هو أخف منه إذا مل‬
‫يمكن إزالته بال رضر واملعنى أن الرضر ُتب إزالته ولكنه َل يزال بمثله ومن با أوىل َل يزال بام هو أشد‬
‫منه بل َيب أن يزال الرضر بال إرضار إن أمكن ذلك وإن مل يمكن ذلك فإنه يزال برضر أقل منه فيكون‬
‫إلزالة الرضر ثالثة أحوال ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يزال بال رضر فيجب إزالته ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يزال برضر أقل منه فيجب أن يزال ‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يزال برضر أشد منه فإنه َل يزال الرضر حينئذ ‪.‬‬
‫ومن األمثلة عىل ذلك ‪ :‬لو أكره إنسان عىل قتل معصوم الدم وإَل قتل هو فإنه َل َيوز له اإلقدام عىل‬
‫القتل ألنه يستبق نفسه بقتل غريه والرضران متامثالن والرضر َل يزال بمثله ‪.‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬

‫عاشرًا ‪ :‬الضرر األشد يزال بالضرر األخف ‪:‬‬


‫واملعنى أنه إذا كان أحد الرضرين أعظم وأشد من الرضر اآلخر يف نفسه فإن الرضر األشد يزال‬
‫بالرضر األخف ‪ ،‬ومعنى ذلك أننا نرتكب الرضر األخف من أجل أن ندفع الرضر األشد ‪ ،‬واستدل هلذه‬
‫القاعدة بحديث األعرايب الذي بال يف املسجد ‪ ،‬فقد روى البخاري يف صحيحه أن أعرابيا جات وبال يف‬
‫بذنو من مات فأهريق عليه ‪.‬‬ ‫فلام قىض بوله أمر النبي‬ ‫طائفة املسجد فنهره الناس فنهاهم النبي‬
‫رضرا أخف من قطع بوله عليه فإن قطع البول يتضمن‬
‫ا‬ ‫ووجه الدَللة ‪ :‬أن ترك األعرايب يكمل بوله‬
‫رضارا كثرية أشد من البول يف املسجد ومن هذه األرضار احتباس البول يف بدنه بام يؤذيه تقاطر البول يف‬
‫ا‬ ‫أ‬
‫دفع هذه األرضار بالرضر‬ ‫أماكن أخرى من املسجد وعىل ثيابه وبدنه بام يوسع دائرة النجاسة فالنبي‬
‫األخف وهو تركه يكمل بوله يف موضع معني من املسجد ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬جواز فدات األسري املسلم باملال إذا كان لدى الكفار ألن رضر أرس املسلم عند الكفار‬
‫أشد من رضر دفع املال إليهم ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬إذا غصب اإلنسان خشبة ثم وضعها يف بنات له فإنه َل َيب عىل الغاصب نقض بنائه‬
‫إلخراج اخلشبة بل َيب عليه أن يدفع قيمتها لصاحبها ألن رضر نقض البنات أشد من دفع القيمة‬
‫ملحوظة ‪ :‬الفرق بني قاعدة احتامل أدنى املفسدتني لتفوي أشدها وبني قاعدة (الرضر األشد يدفع‬
‫رضر أخف كام يف األمثلة السابقة ‪،‬‬ ‫بالرضر األخف) أن الرضر األشد قد وقع بالفعل فيدفع بارتكا‬
‫املفسدتني فإنه مل يقع أحدُها بعد ‪.‬‬ ‫وأما تعار‬
‫ومثاله ‪ :‬شق بطن املرأة احلامل إذا احتيج إليه وكان حياة اجلنني مرجوة ألَّنا عىل حاهلا قد يؤدي إىل‬
‫موهتا أو موت اجلنني أو موهتام م اعا وشق البطن مع أنه مفسدة أخف من مفسدة موهتا أو موت الولد أو‬
‫موهتام ‪.‬‬

‫حادي عشر ‪ :‬يتحمل الضرر اخلاص لدفع ضرر عام ‪:‬‬


‫املعنى إذا وجد يف أمر من األمور رضران أحدُها عام واآلخر خاص فإنه يرتكب الرضر اخلاص‬
‫لدفع الرضر العام ألن الرضر اخلاص أهون من الرضر العام ‪.‬‬
‫مثاله ‪ :‬إجبار املحتكر للطعام عىل بيعه من أجل رفع الرضر عن املسلمني وإن ترتب عليه رضر عىل‬
‫رضرا خاص به ‪.‬‬
‫املحتكر ألن َيرب عىل أن يبيع الطعام بسعر املثل مما يسبب له ا‬
‫ومن ذلك ‪ :‬منع إقامة الورش يف األحيات السكنية ‪.‬‬

‫ثاني عشر ‪ :‬الضرورات تبيح احملظورات ‪:‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫ومعنى ذلك أن املمنوع رش اعا يباح عند الرضورة ‪.‬‬
‫ومثال ذلك ‪ :‬إباحة أكل امليتة عند املجاعة ‪.‬‬
‫إساغة اللقمة باخلمر ملن غص ومل َيد غريها ‪.‬‬
‫إباحة كلمة الكفر للمكره عليها بقتل أو تعذيب شديد ‪.‬‬
‫والرضورة هي احلالة التي تطرأ عىل العبد من احلظر واملشقة الشديدة بحيث َياف حدوث رضر أو‬
‫أو بالعقل أو باملال فيجوز للمضطر املنوع رش اعا كارتكا‬ ‫أذى بالنفس أو بعضو من أعضائه أو بالعر‬
‫احلرام أو ترك واجب أو تأخري عن وقته دف اعا للرضر عنه غالب ظنه وذلك ضمن قيود وضوابط تتمثل فيام‬
‫ييل ‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون الرضورة قائمة بالفعل َل متوُهة وَل منتظرة وَل متوقعة ‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون الرضورة ملجئة بحيث َيشى تلف نفسه أو تضييع املصال الرضورية اخلمس ‪ :‬الدين ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫النفس ‪ ،‬املال ‪ ،‬العقل ‪ ،‬العر‬
‫‪ -‬أَل تكون للمضطر وسيلة أخرى مباحة لدفع الرضر ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يقترص املضطر فيام يباح للرضورة عىل القدر الالزم لدفع الرضر أي احلد األدنى فيه ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون وق الرتخيص للمضطر مقيدا ا بزمن بقات العذر فإذا زال العذر زال الرتخيص ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون الرضر يف املحظور الذي حيل اإلقدام عليه أنقص من رضره حالة الرضورة فإن كان‬
‫الرضر أنقص أو يساويه فال يباح له كاإلكراه عىل القتل ‪.‬‬
‫‪ -‬أن َل يكون اَلضطرار سب ابا يف إسقاط حقوق اآلدميني ‪.‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬

‫أمور جيب توافرها فيمن يوازن بني املصاحل واملفاسد‬

‫أوالً ‪ :‬العلم بالشرع ‪:‬‬


‫املصال‬ ‫‪ « :‬ومجاع ذلك داخل يف « القاعدة العامة » ‪ :‬فيام إذا تعارض‬ ‫قال شيخ اإلسالم‬
‫املصال‬ ‫‪ ،‬فإنه َيب ترجي الراج منها فيام إذا ازدمح‬ ‫واملفاسد واحلسنات والسيئات أو تزامح‬
‫املصال واملفاسد ‪ .‬فإن األمر والنهي وإن كان متضمناا لتحصيل مصلحة ودفع‬ ‫واملفاسد ‪ ،‬وتعارض‬
‫مأمورا به ‪،‬‬
‫ا‬ ‫له ‪ ،‬فإن كان الذي يفوت من املصال أو حيصل من املفاسد أكثر مل يكن‬ ‫مفسدة فينظر يف املعار‬
‫مفسدته أكثر من مصلحته ‪ ،‬لكن اعتبار مقادير املصال واملفاسد هو بميزان‬ ‫بل يكون َمر اما إذا كان‬
‫الرشيعة ‪ ،‬فمتى قدر اإلنسان عىل اتباع النصوص مل يعدل عنها ‪ ،‬وإَل اجتهد برأيه ملعرفة األشباه والنظائر ‪،‬‬
‫خبريا هبا وبدَللتها عىل األحكام » (‪. )1‬‬
‫وقل أن تعوز النصوص من يكون ا‬
‫وقال ‪ « :‬وأصل هذا أن تكون َمبة اإلنسان للمعروف وبغضه للمنكر ‪ ،‬وإرادته هلذا ‪ ،‬وكراهته هلذا ‪:‬‬
‫موافقة حلب اهلل وبغضه ‪ ،‬وإرادته وكراهته الرشعيني ‪ .‬وأن يكون فعله للمحبو ودفعه للمكروه بحسب‬
‫نفسا إَل وسعها ‪ ،‬وقد قال ‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن ‪. ]11 :‬‬
‫قوته وقدرته ‪ ،‬فإن اهلل َل يكلف ا‬
‫فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهيته فينبغي أن تكون كاملة جازمة ‪َ ،‬ل يوجب نقص ذلك إَل‬
‫إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل‬ ‫نقص اإليامن ‪ .‬وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته ‪ ،‬ومتى كان‬
‫الفاعل الكامل ‪ ،‬كام قد بيناه يف غري هذا املوضع ‪ ،‬فإن من‬ ‫العبد معها بحسب قدرته ‪ :‬فإنه يعطى ثوا‬
‫الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب َمبة نفسه وبغضها ‪َ ،‬ل بحسب َمبة اهلل ورسوله‬
‫وبغض اهلل ورسوله ‪ ،‬وهذا من نوع اهلوى ‪ ،‬فإن اتبعه اإلنسان فقد اتبع هواه ‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [القصص ‪. )2( » ]31 :‬‬
‫العلم بالرشع من أهم عوامل التوفيق يف املوازنة بني املصالح واملفاسد ‪:‬‬
‫يف معر الكالم عن األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪َ « :‬أ بق َوا آم َقدب‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫ون َإىل السي َئ ر‬ ‫ٍ ر‬ ‫ون ه َذا ب ر‬ ‫ر‬
‫ات‬ ‫َ ِّ‬ ‫ب َوإر بن ت ََض َم َن َس ِّي َئات َعظ َ‬
‫يم اة َو َأ بق َوا آم َقدب َينب ُظ ُر َ‬ ‫اجلان َ‬‫َ‬ ‫احل َسنَات َف ُ َري ِّج ُح َ َ‬ ‫ون َإىل ب َ‬ ‫َينب ُظ ُر َ‬
‫يم اة واملتوسطون ا َل رذي َن َينب ُظ ُر َ‬
‫ون باألَ بم َر بي رن َقدب ََل َي َت َب َ ُ‬
‫ني َهل ُ بم َأ بو‬ ‫ٍ ر‬
‫ب باآل َخ َر َوإر بن ت ََر َك َح َسنَات َعظ َ‬
‫ون ب ر‬
‫اجلان َ‬ ‫َف ُ َري ِّج ُح َ َ‬
‫ات ؛ لرك بَو رن‬ ‫َات وتَر َك السي َئ ر‬
‫َ ِّ‬
‫ر‬
‫احل َسن َ ب‬
‫ر‬
‫ون َم بن ُيعين ُُه بم ا بل َع َم َل بر ب َ‬ ‫ني َهل بم َف َال َ ر‬
‫َيدُ َ‬ ‫رألَ بك َث رر رهم رم بقدَ ار ا َملنب َفع رة واملَ َ ر‬
‫رضة َأ بو َي َت َب َ ُ ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬

‫(‪ )1‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر (ج‪. )1/1‬‬


‫(‪ )2‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر (ج‪. )7/1‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫ِ ِ‬ ‫هلل ُِحِب ا ْلبَر النَّافِ اذ ِعنْدا ور ِ‬ ‫احل رد ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ب ا ْل اع ْق ال‬ ‫الش ُب اهات او ُِح ُّ‬ ‫ود ُّ‬ ‫ُُ‬ ‫إن ا ا ُّ ا ا ا‬ ‫يث ‪َّ « :‬‬ ‫باألَ به َوات َق َار َن ب باآل َرا َت َوهل َ َذا َجا َت ريف ب َ‬
‫ب ريف َب بع رض َها‬ ‫اج ُ‬ ‫ُون ا بل َو ر‬‫اع َه رذ ره املَ َس رائ رل َو َقدب َيك ُ‬ ‫ر ر ر‬
‫الش اه اوات » ‪َ .‬ف َينب َبغي ل بل َعاملر َأ بن َيتَدَ َب َر َأن َبو َ‬
‫ِ‬ ‫ول َّ‬ ‫اام ال ِعنْدا ُح ُل ِ‬ ‫ا ْلك ِ‬

‫ُون ريف‬ ‫اط ‪ .‬رم بث َل َأ بن َيك َ‬ ‫اإل بس َق َ‬ ‫ات ؛ ََل الت بَحلر َيل َو ب ر‬ ‫ض باألَ بشي ر‬ ‫ـ ك ََام َب َينبته فر َيام َت َقدَ َم ـ ‪ :‬ا بل َع بف َو رعنبدَ باألَ بم رر َوالن بَه ري ريف َب بع ر‬
‫َ‬
‫رت ُك باألَ بم َر ر َهبا َد بف اعا ل ر ُو ُقو رع تر بل َك املَ بع رص َي رة رم بث َل َأ بن ت بَر َف َع ُم بذنر ابا َإىل رذي‬ ‫َأم رر ره بر َطا َع رة فرع اال ملَ رع رصي رة َأك ر‬
‫برب من َبها َف َي ب ُ‬ ‫ب َ ََ‬ ‫ب‬ ‫ب‬
‫ر‬
‫ون ريف ََّن ب ريه َع بن َب بع ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫رض ارا م بن َذنببره َوم بث َل َأ بن َي ُك َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫املٍ َف َي بعتَدي َع َل بيه ريف ا بل ُع ُقو َبة َما َيك ُ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬
‫س بل َطان َظ ر‬
‫ض‬ ‫ُون َأ بع َظ َم َ َ‬ ‫ُ‬
‫ات َف َي بس ُك ُ َع بن الن بَه ري َخ بو افا َأ بن َي بس َت بل رز َم ت بَر َك َما َأ َم َر‬ ‫وف هو َأ بع َظم منب َفع اة رمن تَر رك املُنبكَر ر‬ ‫ات تَركاا ملَ رعر ر‬ ‫املُنبكَر ر‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ ب ب‬ ‫ُ َ‬ ‫بُ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ر ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫َار اة ُيبري ُ َوت َ‬
‫َار اة‬ ‫َار اة َين َبهى َوت َ‬ ‫اهللُ بره َو َر ُسو ُل ُه ممَا ُه َو عنبدَ ُه َأ بع َظ ُم م بن ُجم َ َرد ت بَرك َذل َك املُنبك رَر ‪َ .‬فا بل َعامل ُ ت َ‬
‫َار اة َي بأ ُم ُر َوت َ‬
‫ص َأ بو‬ ‫اخلَال ر ر‬ ‫اد ب‬ ‫اج ر َأو النَه ري َعن ا بل َفس ر‬
‫ب َ‬ ‫الر ر ب ب‬ ‫ص َأ بو َ‬ ‫اخلَال ر ر‬ ‫الص َال رح ب‬ ‫اح رة ك ب‬
‫َاألَ بم رر بر َ‬ ‫َي بس ُك ُ َع بن باألَ بم رر َأ بو الن بَه ري َأ بو ب ر‬
‫اإل َب َ‬
‫ور َواملَن ربه ُّي ََل َي َت َق َيدُ‬ ‫اإلمك ر‬ ‫اج ر َو رعنبدَ ال َت َعار ر ُير َج ُ الر ر‬ ‫الر ر‬
‫َان املَ بأ ُم ُ‬
‫َان َف َأ َما إ َذا ك َ‬ ‫ب برب‬ ‫اج ُ ـ ك ََام َت َقدَ َم ـ بر َح َس ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اك َع بن َأ بم رر ره‬ ‫اإل بم َس َ‬‫َف َو ب ر‬ ‫َان باألَ بص َل ُ ا بلك َ‬ ‫جل بهلر ره َوإر َما لر ُظ بل رم ره َو ََل ُي بمكر ُن َإزا َل ُة َج به رل ره َو ُظ بل رم ره َف ُر َب َام ك َ‬ ‫ر‬
‫براملُ بمك رن ‪ :‬إ َما ر َ‬
‫ار ُع ريف َأ َو رل باألَ بم رر َع بن باألَ بم رر بر َأ بش َيا َت‬ ‫الش ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫وَّن ري ره كَام رق َيل ‪ َ :‬ر‬
‫ُوت ك ََام َس َك َ َ‬ ‫السك ُ‬ ‫إن م بن املَ َسائ رل َم َسائ َل َج َوا ُ َهبا ُّ‬ ‫َ َب َ‬
‫اإل بس َال ُم َو َظ َه َر » ‪.‬‬ ‫َوالن بَه ري َع بن َأ بش َيا َت َحتَى َع َال ب ر‬

‫ثانيًا ‪ :‬حتصيل أسباب البصرية من التقوى والعمل الصاحل ‪:‬‬


‫قال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ﴾ [البقرة ‪. ]212 :‬‬
‫وقال اهلل ‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬
‫[يوسف ‪. ]111 :‬‬
‫وقال تعاىل ‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [النسات ‪. ]17 :‬‬
‫يف كتابه « قواعد األحكام يف مصال األنام » ‪ « :‬ومن تتبع مقاصد‬ ‫يقول العز بن عبد السالم‬
‫الرشع يف جلب املصال ودرت املفاسد ‪ ،‬حصل له من جمموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأن هذه املصلحة َل‬
‫َيوز إُهاهلا ‪ ،‬وأن هذه املفسدة َل َيوز قرباَّنا ‪ ،‬وإن مل يكن فيها إمجاع وَل نص وَل قياس خاص ‪ ،‬فإن فهم‬
‫نفس الرشع يوجب ذلك ‪ .‬ومثل ذلك أن من عارش إنسا انا من الفضالت احلكامت العقالت وفهم ما يؤثره‬
‫له مصلحة أو مفسدة مل يعرف قوله فإنه يعرف بمجموع ما‬ ‫ويك رهه يف كل ورد وصدر ثم سنح‬
‫عهده من طريقته وألفه من عادته أنه يؤثر تلك املصلحة ويكره تلك املفسدة ‪ .‬ولو تتبعنا مقاصد ما يف‬
‫الكتا والسنة ‪ ،‬ولعلمنا أن اهلل أمر بكل خري دقه وجله ‪ ،‬وزجر عن كل رش دقه وجله ‪ ،‬فإن اخلري يعرب به‬
‫عن جلب املصال ودرت املفاسد ‪ ،‬والرش يعرب به عن جلب املفاسد ودرت املصال ‪ ،‬وقد قال تعاىل ‪:‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫﴿ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [الزلزلة ‪ ، ]1 ، 7 :‬وهذا‬
‫ظاهر يف اخلري اخلالص والرش املحض ‪ .‬وإنام اإلشكال إذا مل يعرف خري اخلريين ورش الرشين أو يعرف‬
‫ترجي ا ملصلحة عىل املفسدة أو ترجي املفسدة عىل املصلحة أو جهلنا املصلحة واملفسدة ‪ ،‬ومن املصال‬
‫واملفاسد ما َل يعرف إَل كل ذي فهم سليم وطبع مستقيم يعرف هبام دق املصال واملفاسد وجلهام ‪،‬‬
‫وأرجحهام من مرجوحهام ‪ ،‬وتفاوت الناس يف ذلك عىل قدر تفاوهتم فيام ذكرته » ‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬العلم بالتطبيقات العملية لقواعد السياسة الشرعية على مر التاريخ اإلسالمي ‪:‬‬
‫وذلك ألن اجلمع بني العلم بالرشع وقواعد السياسة الرشعية واإلملام بتاريخ األمة بمراحله املختلفة‬
‫يسهل عىل صاحبه قراتة الواقع قراتة صحيحة ويصقل ملكة مقايسة النظري عىل نظريه خاصة وأن التاريخ‬
‫غال ابا ما يعيد نفسه ‪.‬‬

‫رابعًا ‪ :‬العلم بالواقع ‪:‬‬


‫ويشمل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإلملام بتاريخ احلركات اإلسالمية يف العرص احلديث ما هلا وما عليها ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلملام بحقيقة موازين القوى العاملية واإلقليمية والعالقات فيام بينها وتوجهاهتا السياسية‬
‫واَلقتصادية واأليدولوجية ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬العلم بموازين القوى الداخلية وتركيبة املجتمع وتوجهاته ‪.‬‬
‫د‪ -‬اإلملام بجميع العوامل احلالية اآلنر َية املؤثرة يف القضية َمل البحث وْديد مجيع البدائل التي‬
‫يمكن تطبيق القواعد عليها للوصول إىل أعظم هذه البدائل مصلحة وأقلها مفسدة ‪.‬‬

‫خامسًا ‪ :‬تطبيق قواعد الشورى ‪:‬‬


‫ألن اَتاذ قرار لتبني موقف يتعلق بأمر العامة َل يمكن أن يعامل معاملة فتوى تتعلق بمسألة جزئية‬
‫تتعلق بفرد أو أفراد بل إن الفتوى نفسها املتعلقة بفرد أو أفراد َل غنى لصاحبها عن الشورى خاصة إذا‬
‫تشعب األمور الواقعية املتعلقة هبا ‪.‬‬
‫‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [الشورى ‪ ، ]71 :‬وقال ‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [َل عمران ‪. ]132 :‬‬ ‫قال‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬

‫تطبيقات عملية للموازنات بني املصاحل واملفاسد‬

‫أوالً ‪ :‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف إقامة األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪:‬‬
‫ب َوإر بن ت ََض َم َن‬ ‫ون ه َذا ب ر‬ ‫ر‬ ‫‪َ « :‬أ بق َوا آم َقدب َينب ُظ ُر َ‬
‫اجلان َ‬ ‫َ‬ ‫احل َسنَات َف ُ َري ِّج ُح َ َ‬ ‫ون َإىل ب َ‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ون ب ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬
‫يم اة‬ ‫ب باآل َخ َر َوإر بن ت ََر َك َح َسنَات َعظ َ‬ ‫اجلان َ‬ ‫الس ِّي َئات َف ُ َري ِّج ُح َ َ‬ ‫ون َإىل َ‬ ‫يم اة َو َأ بق َوا آم َقدب َينب ُظ ُر َ‬ ‫َس ِّي َئات َعظ َ‬
‫ني َهل ُ بم َف َال‬ ‫رض رة َأ بو َي َت َب َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ر ر ر ر‬
‫ني َهل ُ بم َأ بو ألَ بك َثره بم م بقدَ ُار املَنب َف َعة َواملَ َ َ‬ ‫ون باألَ بم َر بي رن َقدب ََل َي َت َب َ ُ‬ ‫واملتوسطون ا َل رذي َن َينب ُظ ُر َ‬
‫احل رد ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يث ‪:‬‬ ‫الس ِّي َئات ؛ لك بَون باألَ به َوات َق َار َن ب باآل َرا َت َوهل َ َذا َجا َت ريف ب َ‬ ‫احل َسنَات َوت بَر َك َ‬ ‫ون َم بن ُيعين ُُه بم ا بل َع َم َل بر ب َ‬ ‫ََيردُ َ‬
‫ات » ‪َ .‬فينبب رغي ل ر بلع ر‬
‫املر‬ ‫الشهو ِ‬ ‫اام ال ِعنْدا ُح ُل ِ‬ ‫ات و ُِحِب ا ْلع ْق ال ا ْلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن اهللا ُِحِب ا ْلبَر ال َّنافِ اذ ِعنْدا ور ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ول َّ ا ا‬ ‫الش ُب اه ا ُّ ا‬ ‫ود ُّ‬ ‫ُُ‬ ‫ُّ ا ا ا‬ ‫« َّ‬
‫ب ريف َب بع رض َها ـ َك َام َب َينبته فر َيام َت َقدَ َم ـ ‪ :‬ا بل َع بف َو رعنبدَ باألَ بم رر َوالن بَه ري ريف‬ ‫اج ُ‬ ‫ُون ا بل َو ر‬‫اع َه رذ ره ا َمل َس رائ رل َو َقدب َيك ُ‬ ‫َأ بن َيتَدَ َب َر َأن َبو َ‬
‫رت ُك باألَ بم َر ر َهبا‬ ‫ُون ريف َأم رر ره بر َطا َع رة فرع اال َمل رع رصي رة َأك ر‬ ‫اط ‪ .‬رم بث َل َأ بن َيك َ‬ ‫ات ؛ ََل الت بَحلر َيل َو ب ر‬ ‫ض باألَ بشي ر‬ ‫َب بع ر‬
‫برب من َبها َف َي ب ُ‬ ‫ب ب َ ََ‬ ‫ب‬ ‫اإل بس َق َ‬ ‫َ‬
‫ُون َأ بع َظ َم‬ ‫املٍ َف َي بعت رَدي َع َل بي ره ريف ا بل ُع ُقو َب رة َما َيك ُ‬ ‫ان َظ ر‬‫د بفعا لرو ُقو رع تر بل َك املَع رصي رة رم بث َل َأ بن تَر َفع م بذنربا َإىل رذي س بل َط ٍ‬
‫ُ‬ ‫ب َ ُ ا‬ ‫ب َ‬ ‫َ ا ُ‬
‫ات‬ ‫وف هو َأ بع َظم منب َفع اة رمن تَر رك املُنبكَر ر‬ ‫ات تَركاا ملَ رعر ر‬ ‫ض املُنبكَر ر‬ ‫ُون ريف ََّن ب ري ره َع بن َب بع ر‬ ‫رض ارا رم بن َذنببر ره َو رم بث َل َأ بن َيك َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ ب ب‬ ‫ُ َ‬ ‫بُ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫هلل بر ره َو َر ُسو ُل ُه رممَا ُه َو رعنبدَ ُه َأ بع َظ ُم رم بن ُجم َ َر رد ت بَر رك َذل ر َك املُنبك رَر ‪.‬‬ ‫َف َي بس ُك ُ َع بن الن بَه ري َخ بو افا َأ بن َي بس َت بل رز َم ت بَر َك َما َأ َم َر ا ُ‬
‫الص َال رح‬ ‫َاألَ بم رر بر َ‬ ‫اح رة ك ب‬ ‫َار اة َي بس ُك ُ َع بن باألَ بم رر َأ بو الن بَه ري َأ بو ب ر‬
‫اإل َب َ‬ ‫َار اة ُيبري ُ َوت َ‬ ‫َار اة َين َبهى َوت َ‬ ‫َار اة َي بأ ُم ُر َوت َ‬
‫ر‬
‫َفا بل َعامل ُ ت َ‬
‫اج ر َو رعنبدَ ال َت َعار ر ُير َج ُ الر ر‬ ‫ص َأ بو الر ر‬ ‫اخلَال ر ر‬ ‫اج ر َأو النَه ري َعن ا بل َفس ر‬
‫الر ر ب ب‬ ‫اخلَال ر ر‬
‫اج ُ ـ ك ََام َت َقدَ َم ـ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اد ب‬ ‫ب َ‬ ‫ص َأ بو َ‬ ‫ب‬
‫ور َواملَن ربه ُّي ََل َي َت َق َيدُ براملُ بمكر رن ‪ :‬إ َما رجلَ بهلر ره َوإر َما لر ُظ بل رم ره َو ََل ُي بمكر ُن َإزا َل ُة َج بهلر ره‬ ‫َان املَ بأ ُم ُ‬
‫اإلمك ر‬
‫َان َف َأ َما إ َذا ك َ‬ ‫ب برب‬ ‫بر َح َس ر‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫اك َعن َأم رر ره وَّن ري ره كَام رق َيل ‪ َ :‬ر‬ ‫َف َو ب ر‬ ‫َان باألَ بص َل ُ ا بلك َ‬ ‫َو ُظ بل رم ره َف ُر َب َام ك َ‬
‫اهبا‬‫إن م بن املَ َسائ رل َم َسائ َل َج َو ُ َ‬ ‫اإل بم َس َ ب ب َ َ ب َ‬
‫إل بس َال ُم َو َظ َه َر » ‪.‬‬ ‫ار ُع ريف َأ َو رل باألَ بم رر َع بن باألَ بم رر بر َأ بش َيا َت َوالن بَه ري َع بن َأ بش َيا َت َحتَى َع َال ا ب ر‬ ‫الش ر‬
‫ُوت ك ََام َس َك َ َ‬ ‫السك ُ‬ ‫ُّ‬
‫وسمع شيخ اإلسالم ابن تيمية قدس اهلل روحه ونور رضحيه‬ ‫ومن هذا البا ما قاله ابن القيم‬
‫يقول ‪ « :‬مررت أنا وبعض أصحايب يف زمن التتار بقوم منهم يرشبون اخلمر فأنكر عليهم من كان معي‬
‫له ‪ :‬إنام حرم اهلل اخلمر ألَّنا تصد عن ذكر اهلل وعن الصالة وهؤَلت يصدهم اخلمر‬ ‫فأنكرت عليه وقل‬
‫عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ األموال فدعهم » ‪.‬‬
‫‪ :‬واعلم أن النهي عن املنكر وسيلة إىل دفع مفسدة ذلك املنكر املنهي‬ ‫يقول العز بن عبد السالم‬
‫والفضل مبنية عىل رتبة درت مفسدة الفعل املنهي عنه يف با املفاسد إىل أن تنتهي‬ ‫عنه ‪ ،‬ورتبته يف الثوا‬
‫إىل أصغر الصغائر فالنهي عن الكفر باهلل أفضل من كل َّني يف با النهي عن املنكر ‪ ،‬ومن استطاع اجلمع‬
‫قادرا عىل دفع املنكر دفعة واحدة لزمه‬
‫بني درت أعظم املفسدتني ودرت أدناُها مجع بينهام ‪ ،‬ألنه متى كان ا‬
‫ذلك وإن دفع أحدُها دفع األفسد ‪.‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫وإن علم اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر أن أمره وَّنيه َل يفيدان شي ائا أو غلب عىل ظنه سقط‬
‫يدخل املسجد احلرام‬ ‫الواجب ‪ ،‬ويبقى اَلستحبا ‪ ،‬ألن الوسائل تسقط بسقوط املقاصد ‪ ،‬وقد كان‬
‫واألوثان ومل يكن ينكر ذلك كلام رَه ‪ ،‬وكذلك مل يكن كلام رأى املرشكني أنكر عليهم ‪،‬‬ ‫وفيه األنصا‬
‫وكذلك كان السلف َل ينكرون عىل الظلمة والفسقة كلام رأوهم ‪ ،‬لعلمهم أنه َل َيدي إنكارهم ‪ ،‬وقد‬
‫يكون من الفسقة من إذا قل له ‪ :‬اتق اهلل أخذته العزة باإلثم فيزداد يف فسوقه وفجوره ‪.‬‬
‫وعىل هذا فإذا كان الشخص أو الطائفة جامعة بني معروف ومنكر بحيث َل يفرقون بينهام بل إما‬
‫يفعلوُها مجي اعا أو يرتكوُها مجي اعا ‪ ،‬مل َيز أن يؤمروا بمعروف وَل ينهوا عن منكر ينظر إذا كان املعروف‬
‫أكثر أمروا به وإن استلزم ما دونه من املنكر ‪ ،‬ومل ينه عن منكر يستلزم تفوي معروف أعظم منه ‪ ،‬بل يكون‬
‫وزوال فعل احلسنات ‪.‬‬ ‫النهي حينئذ من با الصد عن سبيل اهلل والسعي يف زوال طاعته وطاعة رسوله‬
‫وإن كان املنكر أغلب َّني عنه وإن استلزم فوات ما دونه من املعروف ويكون األمر بذلك املعروف‬
‫مرا بمنكر وسع ايا يف معصية اهلل ورسوله ‪.‬‬
‫املستلزم للمنكر الزائد عليه أ ا‬
‫وإن تكافأ املعروف واملنكر املتالزمان مل يؤمر هبا ومل ينه عنهام ‪ ،‬فتارة يصل األمر وتارة يصل النهي‬
‫وتارة َل يصل أمر وَل َّني حيث كان املعروف واملنكر متالزمني وذلك يف األمور املعنية الواقعة ‪.‬‬
‫يضا ‪ :‬التقرير عىل املعايص كلها مفسدة لكن َيوز التقرير عليها عند العجز عن إنكارها‬
‫أو يقول أ ا‬
‫باليد واللسان ‪ ،‬ومن قدر عىل إنكارها مع اخلوف عىل نفسه كان إنكاره مندو ابا إليه وَمثو اثا عليه ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫إذا كان إنكار املنكر يؤدي إىل منكر أعظم منه مثل أن ينهى عن رش اخلمر فيؤدى َّنيه عن ذلك إىل‬
‫قتل النفس فهذا حيرم يف حقه ‪.‬‬
‫أو يرتتب عليه رضر يصيب غريه من أهله أو جريانه يف أنفسهم أو يف حرماهتم ‪.‬‬
‫‪ « :‬مررت أنا وبعض أصحايب يف زمن التتار بقوم منهم يرشبون اخلمر فأنكر‬ ‫وقال شيخ اإلسالم‬
‫له ‪ :‬إنام حرم اهلل اخلمر ألَّنا تصد عن ذكر اهلل وعن الصالة‬ ‫عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقل‬
‫وهؤَلت يصدهم اخلمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ األموال فدعهم » ‪.‬‬
‫‪ « :‬ومع هذا متى خاف عىل نفسه أو السوط أو احلبس أو القيد أو النفي‬ ‫قال احلافظ ابن رجب‬
‫أو أخذ املال أو نحو ذلك من األذى سقط أمرهم وَّنيهم وقد نص األئمة عىل ذلك منهم مالك وأمحد‬
‫وإسحاق وغريهم » ‪.‬‬
‫‪ « :‬وأما الصحة والسالمة ففواهتام بالرض ‪ ،‬فكل من علم أنه يرض رض ابا‬ ‫وقال اإلمام الغزايل‬
‫مؤملاا يتأذى به يف احلسبة مل تلزمه احلسبة وإن كان يستحب له ذلك كام سبق ‪ ،‬وإذا فهم هذا يف اإليالم‬
‫بالرض فهو يف اجلرح والقطع والقتل أظهر وأما الثروة فهو بأن يعلم أنه تذهب داره وَير بيته وتسلب‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫منكرا أعظم من املنكر الذي يتم إنكاره سقط التغري‬
‫يضا يسقط عنه الوجو يف حالة حصول ا‬
‫ثيابه فهذا أ ا‬
‫ألن مقصد الشارع هو إزالة املنكر احلاصل َل إَياد منكر أكرب منه وذلك ْمال أليَّس الرضرين » ‪.‬‬
‫‪ « :‬إنكار املنكر أربع حاَلت ‪:‬‬ ‫قال ابن القيم‬
‫اَلوىل ‪ :‬أن يزول وَيلفه ضده ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يقل وإن مل يزل بجملته ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أن َيلفه ما هو مثله ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬أن َيلفه ما هو رش منه ‪.‬‬
‫فالدرجتان األوليان مرشوعتان ‪ ،‬والثالثة موضع اجتهاد ‪ ،‬والرابعة َمرمة » ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف الدعوة و البيان ‪:‬‬


‫ار ُع ريف‬ ‫الش ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫‪ « :‬كَام رق َيل ‪ َ :‬ر‬
‫ُوت ك ََام َس َك َ َ‬ ‫السك ُ‬ ‫اهبا ُّ‬ ‫إن م بن املَ َسائ رل َم َسائ َل َج َو ُ َ‬ ‫َ‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫ان َوا بل َب َال رغ ك ََذل ر َك ؛ َقدب‬ ‫امل ريف ا بلبي ر‬
‫ََ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫أ َول باأل بمر َع بن باأل بمر بأ بش َيا َت َوالن بَه ري َع بن أ بش َيا َت َحتَى َع َال باإل بس َال ُم َو َظ َه َر َفا بل َع ُ‬
‫َ ر رَ‬ ‫َ ر َ ر‬
‫ان َأ بحكَا ٍم َإىل َو بق ر َمتَك ر‬
‫ُّن‬ ‫ات َو َب َي َ‬ ‫ُّن كَام َأ َخر اهللُ سبحا َنه إن َبز َال َي ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ ب َ ُ‬
‫ر‬
‫ان َوا بل َب َال َغ ألَ بش َيا َت َإىل َو بق الت ََمك ر َ َ‬
‫ر‬ ‫ُي َؤ ِّخ ُر ا بل َب َي َ‬
‫ول ‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾‬ ‫هلل َي ُق ُ‬ ‫ال ريف َه َذا َأ َن ا َ‬ ‫احل ر‬ ‫اَّنا ‪ .‬يب ُ ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫رس ر‬
‫ني َحقي َق َة ب َ‬ ‫ت بَسل ايام َإىل َب َي َ ُ َ ِّ‬ ‫ول اهلل‬ ‫َ ُ‬
‫ُّن رم بن ا بل رع بل رم بر َام َأ بن َز َل اهللُ َوا بل ُقدب َر رة َع َىل‬ ‫ط الت ََمك ر‬ ‫ني ‪ :‬بر َرش ر‬
‫ب‬
‫اد إن ََام َت ُقو ُم بر َش بي َئ ب ر‬ ‫احلج ُة َع َىل ا بل رعب ر‬
‫َ‬ ‫[اإلرسات ‪َ ، ]13 :‬و ب ُ َ‬
‫اج رز َع بن ا بل َع َم رل َف َال َأ بم َر َع َل بي ره َو ََل ََّنب َي َوإر َذا ا بن َق َط َع ا بل رع بل ُم‬ ‫ُون َأ بو ا بل َع ر‬ ‫اج ُز َعن ا بل رع بل رم كَاملَجن ر‬
‫ب‬ ‫ب‬ ‫ا بل َعم رل بر ره ‪َ .‬ف َأما ا بل َع ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اج رز َع بن ا بل رع بل رم َأ بو ا بل َع َم رل بر َق بول ر ره ك ََم بن ا بن َق َط َع‬ ‫َان َذل ر َك ريف َح ِّق ا بل َع ر‬ ‫ين َأ بو َح َص َل ا بل َع بج ُز َع بن َب بع رض ره ‪ :‬ك َ‬ ‫ض الدِّ ر‬ ‫بر َب بع ر‬
‫ات َفإر َذا َح َص َل َم بن َي ُقو ُم برالدِّ ر‬ ‫ات ا بل َف َرت ر‬ ‫ُون َم َث اال َو َه رذ ره َأ بو َق ُ‬ ‫َاجلن ر‬ ‫ر رر‬ ‫َع بن ا بل رع بل رم بر َج رمي رع الدِّ ر‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫ين َأ بو َع َج َز َع بن َمجيعه ك ب ُ‬
‫ول َمل را ُب رع َث بر ره‬ ‫ان الرس ر‬ ‫ول َشي ائا َف َشي ائا برمن ربز َل رة بي ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫وع ره َام ك َ‬ ‫رمن ا بلع َلام رت َأو باألُمر رات َأو َجمبم ر‬
‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ب َ‬ ‫الر ُس ُ ب‬ ‫َان َب َيا ُن ُه َملا َجا َت بره َ‬ ‫ب ُ َ ب ََ ب ُ‬
‫ت َر‬ ‫ول ََل يب ِّل ُغ َإَل ما َأم َكن رع بلمه وا بلعم ُل بر ره و َمل َت بأ ر‬
‫مج َل اة ك ََام ُي َق ُال ‪ :‬إ َذا‬ ‫الرشي َع ُة ُ ب‬ ‫َ ب‬ ‫َ ب َ ُُ َ ََ‬ ‫َُ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫َش بي ائا َف َش بي ائا َو َم بع ُلو آم َأ َن َ‬
‫اع ‪َ .‬فك ََذل ر َك املُ َجدِّ ُد ل ر ردينر ره َواملُ بح ريي ل ر ُسنَتر ره ََل ُي َبال ر ُغ َإَل َما َأ بم َك َن رع بل ُم ُه َوا بل َع َم ُل بر ره‬ ‫اع َف بأ ُم بر بر َام ُي بس َت َط ُ‬
‫َأ َر بدت َأ بن ُت َط َ‬
‫ب رم بن‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫رشائعه َو ُي بؤ َم َر ر َهبا ُك ِّل َها ‪َ .‬وك ََذل َك التَائ ُ‬
‫ني د ُخول ر ره َأ بن ي َل َقن َمجريع َ ر ر ر‬
‫ُ َ َ َ‬
‫ر ر‬
‫اإل بس َال رم ََل ُي بمك ُن ح َ ُ‬ ‫اخ َل ريف ب ر‬ ‫كَام َأ َن الدَ ر‬
‫َ‬
‫يع ا بل رع بل رم َفإر َن ُه ََل‬ ‫ر‬
‫ين َو ُي بذك ََر َل ُه َمج ُ‬ ‫رت رشدُ ََل ُي بمكر ُن ريف َأ َو رل باألَ بم رر َأ بن ُي بؤ َم َر بر َج رمي رع الدِّ ر‬ ‫الذنُو ر ؛ َواملُ َت َع ِّل ُم َواملُ بس َ ب‬ ‫ُّ‬
‫املر َو باألَ رم رري َأ بن ُي ر‬ ‫اجبا َمل ي ُكن ل ر بلع ر‬
‫ال َوإر َذا َمل ب َي ُك بن َو ر ا ب َ ب َ‬ ‫احل ر‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫وج َب ُه‬ ‫ُيط ُيق َذل َك َوإر َذا َمل ب ُيط بق ُه َمل ب َي ُك بن َواج ابا َع َل بيه ريف َهذه ب َ‬
‫ول َع َام َع َفا‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫ر‬
‫اإل بمكَان ك ََام َع َفا َ‬ ‫َمجري َع ُه ا ببتردَ ا ات َب بل َي بع ُف َو َع بن باألَ بم رر َوالن بَه ري بر َام ََل ُي بمكر ُن رع بل ُم ُه َو َع َم ُل ُه َإىل َو بق ر ب ر‬
‫ر ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َعنبه َإىل و بق ر بيانر ره و ََل يك ُ ر ر‬
‫يم‬ ‫ُون َذل َك م بن َبا ر إ بق َر رار املُ َح َر َمات َوت بَرك باألَ بم رر برا بل َواج َبات ألَ َن ا بل ُو ُجو َ َوالت بَح رر َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫الرش ر‬ ‫ر‬ ‫م برش آ ر ر ر‬
‫ط‪.‬‬ ‫وط برإ بمكَان ا بلع بل رم َوا بل َع َم رل َو َقدب َف َر بضنَا انبت َفا َت َه َذا َ ب‬ ‫َ ُ‬
‫وط كَثر ٍري رمن ه رذ ره باألَ بشي ر‬
‫ات َوإر بن كَا َن ب َو ر‬
‫اج َب اة َأ بو َُم َ َر َم اة‬ ‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫ني ُس ُق ُ‬ ‫َفتَدَ َب بر َه َذا باألَ بص َل َفإر َن ُه نَافر آع ‪َ .‬و رم بن ُهنَا َي َت َب َ ُ‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫َان ا بل َب َال رغ ا َل رذي َت ُقو ُم بر ره ُح َج ُة اهلل ريف ا بل ُو ُجو ر َأ بو الت بَح رري رم َفإر َن ا بل َع بج َز ُم بس رق آط ل ر ب َ‬
‫أل بم رر‬ ‫ريف باألَص رل لرعدَ رم إمك ر‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫َان َو ر‬
‫اج ابا ريف باألَ بص رل َو َاهللُ َأ بع َل ُم » (‪. )1‬‬ ‫َوالن بَه ري َوإر بن ك َ‬

‫ثالثًا ‪ :‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف تولي الواليات العامة واخلاصة ‪:‬‬
‫فقد تكون املوازنة بني الصال واألصل وقد تكون بني الظامل واألظلم أو الفاسد واألفسد ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬ينبغي أن يعلم أن الدولة وقوهتا يف ظل سلطان ظامل خري من اَّنيارها بال سلطان ‪.‬‬
‫ول املَ َط رر َهل ُ بم َر ب َ‬ ‫اجلدب ر َيك ُ‬ ‫ر‬ ‫‪َ « :‬و رهل َذا اس َت َقر ريف ُع ُق ر‬
‫مح اة‬ ‫ُون ن ُُز ُ‬ ‫َاس َأ َن ُه عنبدَ ب َ‬
‫ول الن ر‬ ‫َ ب َ‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫ون وجود الس بل َط ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َوإر بن ك َ‬
‫ان َم َع‬ ‫رض ارا َع َل بي ره بم َو ُي َر ِّج ُح َ ُ ُ َ ُّ‬ ‫َان َي َت َق َوى بر َام ُينببر ُت ُه َأ بق َوا آم َع َىل ُظ بلم ره بم َلك َن َعدَ َم ُه َأ َشدُّ َ َ‬
‫احدَ ٍة بر َال س بل َط ٍ‬ ‫املٍ َخري رمن َلي َل ٍة و ر‬
‫ان َظ ر‬ ‫ُّون سنَ اة رمن س بل َط ٍ‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫رر‬
‫ان ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بآ ب ب َ‬ ‫ب ُ‬ ‫الس بل َطان ك ََام َق َال َب بع ُض ا بل ُع َق َالت ست َ َ‬ ‫ُظ بلمه َع َىل عَدَ رم ُّ‬
‫وق َم َع الت ََمك ر‬ ‫ان َو ُي َفر ُط فر ريه رم بن بحل ُق ر‬
‫اخ ُذ َع َىل ما ي بفع ُله رمن ا بلعدب و ر‬ ‫الس بل َط ُ‬
‫ُّن » ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ َ ُ ب ُ َ‬ ‫ان ُي َؤ َ‬ ‫ُث َم ُّ‬
‫ثانيا ‪ :‬جواز تويل الواليات مع عدم التمكن من أداء بعض الواجبات وترك املحرمات إذا كان يف‬
‫تركها متكني غريه ممن يضيع من الواجبات ويرتكب من املحرمات ما هو أكثر ‪.‬‬
‫َاإل َم َار رة‬ ‫وع ره ك ب ر‬ ‫ان ا بلعام َأو بع َض ُفر ر‬
‫ُ‬ ‫َ َ ب َب‬
‫َان املُتَو ِّيل لرلس بل َط ر‬
‫ُّ‬ ‫ول ُهنَا ؛ إ َذا ك َ َ‬ ‫‪َ « :‬لكر بن َأ ُق ُ‬ ‫يقول شيخ اإلسالم‬
‫اج َباتر ره َوت بَر ُك َُم َ َر َماتر ره َو َل رك بن َي َت َع َمدُ َذل ر َك َما ََل َي بف َع ُل ُه‬ ‫َان ََل ُيمكرنُ ُه َأ َدات َو ر‬ ‫ات َون بَح ُو َذل ر َك إ َذا ك َ‬ ‫وا بل رو ََلي رة وا بل َقض ر‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َي ُ‬‫ات ا َلتري َ ر‬ ‫اجب ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬
‫َغ ب ُري ُه َق بصدا ا َو ُقدب َر اة ‪َ :‬ج َاز بت َل ُه ا بل رو ََل َي ُة َو ُر َب َام َو َج َب ب َو َذل َك ألَ َن ا بل رو ََل َي َة إ َذا كَا َن ب م بن ا بل َو ر َ‬
‫اج ابا َفإر َذا ك َ‬ ‫َان فر بع ُل َها َو ر‬ ‫السبر ر‬ ‫اد ا بلعدُ و و َقس رم ا بل َفي رت وإر َقام رة ب ر‬ ‫احلها رمن رجه ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫َان‬ ‫يل ‪ :‬ك َ‬ ‫احلدُ ود َو َأ بم رن َ‬ ‫ب َ َ ُ‬ ‫َ ِّ َ ب‬ ‫َ بْص ُيل َم َص َ ب َ‬
‫ض َم بن ََل َينب َب رغي ؛ َو ََل ُي بمكرنُ ُه‬ ‫ات َب بع ر‬ ‫ض ما ََل حير ُّل وإرع َط ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َذل ر َك ُم بس َت بل رز اما لرت بَول ر َي رة َب بع ر‬
‫َ َ ب‬ ‫ض َم بن ََل َي بستَح ُّق َو َأ بخذ َب بع ر َ‬
‫اج ابا َأ بو ُم بست ََحبا إ َذا كَا َن ب‬ ‫ُون َو ر‬ ‫ب َإَل بر ره َف َيك ُ‬ ‫ب َأ بو املُ بست ََح ُّ‬ ‫اج ُ‬ ‫تَر ُك َذل ر َك ‪َ :‬صار َه َذا رم بن َبا ر ما ََل َيترم ا بل َو ر‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫اج َب ٍة َو ره َي ُم بشت رَم َل آة َع َىل ُظ بل ٍم ؛‬ ‫ب َب بل َل بو كَا َن ب ا بل رو ََل َي ُة َغري َو ر‬
‫بَ‬ ‫ب َأ بو املُ بست ََح ِّ‬ ‫اج ر‬ ‫ون م بص َل َح رة َذل ر َك ا بل َو ر‬
‫َم بف َسدَ ُت ُه ُد َ َ‬
‫َّس ره ‪:‬‬ ‫احتر َام رل َأ بي َ ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يف ال ُّظ بل رم ف َيها ‪َ .‬و َد بف ُع َأ بك َث رره بر ب‬ ‫ص َق بصدُ ُه بر َذل ر َك ََت ربف ُ‬ ‫َو َم بن ت ََو ََل َها َأ َقا َم ال ُّظ بل َم َحتَى ت ََو ََل َها َش بخ آ‬
‫ر‬ ‫ر ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫َان َذل ر َك حسناا مع ه رذ ره النِّي رة وك َ ر‬
‫الس ِّي َئة برن َية َد بف رع َما ُه َو َأ َشدُّ من َبها َج ِّيدا ا ‪َ .‬و َه َذا َبا آ‬ ‫َان ف بع ُل ُه َملا َي بف َع ُل ُه م بن َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫ك َ‬
‫اد آر َو َأ بل َز َم ُه َم ااَل َفت ََو َس َط َر ُج آل َب بين َُه َام ل ر َيدب َف َع َع بن‬ ‫امل َق ر‬ ‫ر‬
‫ب منب ُه َظ آ‬
‫اص رد َفمن َط َل ر‬
‫َ‬ ‫َ ب‬
‫ات واملَ َق ر‬
‫َ‬
‫ف النِّي ر‬
‫َ‬
‫اختر َال ر‬ ‫ف بر ب‬ ‫َيتَلر ُ‬ ‫َب‬
‫َان َُم ب رسناا َو َل بو‬ ‫ار ره َأ بن ََل َي بظلر َم َو َد بف َع ُه َذل ر َك َل بو َأ بم َك َن ‪ :‬ك َ‬ ‫اختر َي ر‬ ‫امل َ َم َع ب‬ ‫املَ بظ ُلو رم َك بثر َة ال ُّظ بل رم و َأ َخ َذ رمنبه و َأ بع َطى ال َظ ر‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫املر ك َ ر‬ ‫تَوس َط إ َعا َن اة لرل َظ ر‬
‫ان‬ ‫الس بل َط َ‬ ‫ب ريف َهذه باألَ بش َيات َف َسا ُد النِّ َية َوا بل َع َم رل َأ َما النِّ َي ُة َفبر َق بصده ‪ُّ .‬‬ ‫َان ُمسي ائا ‪َ .‬وإرن ََام ا بل َغال ُ‬ ‫َ َ‬
‫ات ََل رألَ بج رل ال َت َع ُار ر َو ََل ل ر َق بص رد باألَ بن َف رع َو باألَ بص َل ر ‪.‬‬ ‫اجب ر‬
‫رتك ا بل َو ر َ‬
‫ات وبر َ ر‬
‫َ ب‬
‫وا َمل َال و َأما ا بلعم ُل َفبر رفع رل ا ُملحرم ر‬
‫ََ َ‬ ‫ب‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ب ‪َ .‬أ بو َأ َح ُّ‬ ‫ني َغ ب ُري َها َأ بو َج ُ‬ ‫الر ُج رل املُ رع ر‬
‫ُون ريف َح ِّق َ‬ ‫اج َب اة َف َقدب َيك ُ‬ ‫ُثم ا بل رو ََل َي ُة َوإر بن كَا َن ب َج رائ َز اة َأ بو مست ََح َب اة َأ بو َو ر‬
‫ُ ب‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (ج‪21‬ص‪. )11-11‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫الصدِّ َيق َع َىل َخ َز رائ رن‬
‫ف ِّ‬
‫ر‬ ‫اخلريي رن وجوبا تَار اة و ر‬
‫است بح َبا ابا ُأ بخ َرى ‪َ .‬وم بن َه َذا ا بل َبا ر ت ََو ِّيل ُي ُ‬
‫وس َ‬ ‫َف ُي َقدَ ُم حينَئذ َخ ب ُري ب َ ب َ ب ُ ُ ا َ َ ب‬
‫ر رٍ‬

‫َي َع َل ُه َع َىل َخ َز رائ رن باألَ بر ر َوك َ‬


‫َان ُه َو َو َق بو ُم ُه ُك َف اارا ك ََام َق َال َت َع َاىل ‪﴿ :‬ﭑ‬ ‫رص َب بل َو َم بس َأ َل ُت ُه َأ بن َ ب‬
‫رر ر ر‬
‫باألَ بر ر َمللك م ب َ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [غافر ‪ ]71 :‬باآل َي َة ‪َ ،‬و َق َال َت َع َاىل َعنب ُه ‪:‬‬
‫﴿ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ﴾ [يوسف ‪. ]11 ، 72 :‬‬
‫الس بل َطانر َي رة َما‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬
‫‪َ :‬ع بن َر ُج ٍل ُمت ََو ٍّل رو ََل َيات َو ُم بقط رع إ بق َطا َعات َو َع َل بي َها م بن ا بل ُك َلف ُّ‬
‫ٍ‬ ‫الش بي ُخ‬ ‫َو ُس رئ َل َ‬
‫إن ت ََر َك‬ ‫ب َما َقدَ َر َع َل بي ره َو ُه َو َي بع َل ُم َأ َن ُه ب‬ ‫َيت رَهدَ ريف َذل ر َك بر َح َس ر‬ ‫ر‬
‫َيت َُار َأ بن ُي بسق َط ال ُّظ بل َم ُك َل ُه َو َ ب‬ ‫َج َر بت بر ره ا بل َعا َد ُة َو ُه َو َ ب‬
‫ف تر بل َك‬ ‫يش آت ؛ َب بل ُر َب َام َي بز َدا ُد َو ُه َو ُي بمكرنُ ُه َأ بن ُ َ‬
‫َي ِّف َ‬ ‫َذل ر َك و َأ بق َطعها َغريه وو َىل َغريه َفإر َن ال ُّظ بلم ََل ي ب ر‬
‫رت ُك منب ُه َ ب‬ ‫َ ُ َ‬ ‫بَ ُ‬ ‫َ َ َ بَُ َ َ‬
‫ر‬ ‫ف باآل َخ ُر رج َه َة َم َص ر‬ ‫اع ره َف ُي بس رق َط الن بِّص َ‬ ‫املُكُوس ا َلتري ريف إ بق َط ر‬
‫ف ََل ُي بمكنُ ُه ب‬
‫إس َقا ُط ُه ‪.‬‬ ‫ار َ‬ ‫ف َوالن بِّص ُ‬ ‫َ‬
‫رر‬ ‫رر‬ ‫َان ُجمبت رَهدا ا ريف ا بل َعدب رل َو َر بف رع ال ُّظ بل رم بر َح َس ر‬
‫ب إ بمكَانه َو رو ََل َيته َخ ب آري َو َأ بص َل ُ‬ ‫احل بمدُ هلل ‪َ ،‬ن َع بم إ َذا ك َ‬ ‫َف َأ َجا َ ‪ :‬ب َ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫اإل بق َطا رع َخري رمن ر ر‬ ‫استر َيال ُؤ ُه َع َىل ب ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ل ر بلمسلر رم َ ر‬
‫وز َل ُه ا بل َب َقا ُت َع َىل‬ ‫َي ُ‬ ‫است َيالت َغ ب رريه ك ََام َقدب ُذك َر ‪َ :‬فإر َن ُه َ ُ‬ ‫بآ ب ب‬ ‫ني م بن رو ََل َية َغ ب رريه َو ب‬ ‫ُ ب‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اؤ ُه َع َىل َذل َك َأ بف َض ُل م بن ت بَركه إ َذا َمل ب َي بشتَغ بل إ َذا ت ََر َك ُه بر َام ُه َو‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اإل بق َطا رع َو ََل إ بث َم َع َل بيه ريف َذل َك ؛ َب بل َب َق ُ‬ ‫ر‬
‫ا بل رو ََل َية َو ب ر‬
‫اإلمك ر‬ ‫َرش ا بل َعدب رل ـ بر َح َس ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫َأ بف َض ُل رمنبه ‪ .‬و َقدب يك ُ ر‬
‫َان َو َر بف ُع‬ ‫ب برب‬ ‫ُون َذل َك َع َل بيه َواج ابا إ َذا َمل ب َي ُق بم بره َغ ب ُري ُه َقاد ارا َع َل بيه ‪َ .‬فن ب ُ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ان بر َام َي بق رد ُر َع َل بي ره رم بن َذل ر َك إ َذا َمل ب َي ُق بم َغ ب ُري ُه ريف َذل ر َك‬ ‫َان ـ َفر آ َع َىل ا بلكر َفاي رة ي ُقوم ك ُُّل إنبس ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ب‬
‫اإلمك ر‬
‫ب برب‬ ‫ال ُّظ بل رم بر َح َس ر‬
‫ف ا َلتري ََل ُي بم ركنُ ُه‬ ‫وك رمن ا بلو َظ رائ ر‬ ‫ر‬
‫احلا َل ُة َهذه بر َام َي بع رج ُز َعنب ُه م بن َر بف رع ال ُّظ بل رم ‪َ .‬و َما ُي َق ِّر ُر ُه املُ ُل ُ ب َ‬
‫رر‬
‫ب َو ب َ‬ ‫َم َقا َم ُه َو ََل ُي َطا َل ُ‬
‫ض تر بل َك ا بلو َظ رائ ر‬ ‫ون َأ بم َو ااَل ََل ُي بمكر ُن َد بف ُع َها َإَل برإر بق َر رار َب بع ر‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫اهب بم َي بط ُل ُب َ‬ ‫ب ر َهبا َوإر َذا كَانُوا ُه بم َون َُو ُ ُ‬ ‫َر بف ُع َها ََل ُي َطا َل ُ‬
‫َان َأ بخ ُذ تر بل َك‬ ‫َي ِّف ُف ُه ك َ‬ ‫ات َوا بل رو ََل َي َة َمل ر بن ُي َق ِّر ُر ال ُّظ بل َم َأ بو َي رزيدُ ُه َو ََل ُ َ‬ ‫اإل بق َطا َع ر‬ ‫َوإر َذا َمل ُيدب َف ُع إ َل بي ره بم َأ بع َط بوا تر بل َك ب ر‬
‫ب‬
‫ر‬
‫اإل بح َسان َف ُه َو‬ ‫ر‬
‫ف م بن َهذه َإىل ا بل َعدب ل َو ب ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫رص َ‬ ‫ني م بن إ بق َر رار َها ُك ِّل َها َو َم بن ُ ر‬ ‫ر‬ ‫ا بل َو َظ رائف َو َد بف ُع َها إ َل بي ره بم َخ ب اريا ل بل ُم بسلم َ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫يش آت ُأ بب رعدَ َع بن ا بل َعدب رل َو ب ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اإل بح َسان م بن َغ ب رريه َواملُ بق َط ُع ا َلذي َي بف َع ُل َه َذا ب َ‬
‫اخل ب َري‬ ‫َاو َل ُه م بن َه َذا َ ب‬ ‫َأ بق َر ُ م بن َغ ب رريه َو َم بن َتن َ‬
‫ب رمن ُبه بم َف َام ََل ُي بمكرنُ ُه َر بف ُع ُه ُه َو‬ ‫ض َما َي بط ُل ُ‬ ‫الرش رير بر َأ بخ رذ َب بع ر‬ ‫رش ِّ ِّ‬
‫ر‬
‫ني َما َأ بم َكنَ ُه م بن ال ُّظ بل رم َو َيدب َف ُع َ َ‬ ‫َي بر َف ُع َع بن املُ بسلر رم َ‬
‫املٍ َهل ُ بم ُي َثا ُ َو ََل إ بث َم َع َل بي ره فر َيام َي بأ ُخ ُذ ُه َع َىل َما َذك ََر ُه َو ََل َض َام َن َع َل بي ره فر َيام َأ َخ َذ ُه َو ََل إ بث َم‬ ‫ني َغري َظ ر‬ ‫رر‬
‫َُمبس آن َإىل املُ بسلم َ ب ُ‬
‫ر‬

‫يص ا بل َيتري رم َونَاظر رر‬ ‫ر‬


‫اإل بمكَان ‪َ .‬و َه َذا ك ََو ِّ‬
‫ر‬ ‫ب بر‬ ‫ان بر َح َس ر‬ ‫اإلحس ر‬ ‫ر‬
‫َان ُجمبت رَهدا ا ريف ا بل َعدب ل َو ب ر ب َ‬ ‫َع َل بي ره ريف الدُّ بن َيا َو باآل رخ َر رة إ َذا ك َ‬
‫َان ََل‬ ‫ف ل ر َغ ب رري ره بر ُح بك رم ا بل رو ََل َي رة َأ بو ا بل روكَا َل رة إ َذا ك َ‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ف وا بلع رام رل ريف املُ َضارب رة و َ ر ر‬ ‫ر‬
‫َرص ُ‬‫الرشيك َو َغ بري َه ُؤ ََلت مم َ بن َيت َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ا بل َو بق َ َ‬
‫املر ‪َ :‬فإر َن ُه َُم ب رس آن ريف َذل ر َك َغ ب ُري ُم رِس ٍت َو َذل ر َك رم بث ُل‬ ‫اد رر ال َظ ر‬ ‫اهلم ل ر بل َق ر‬ ‫ر‬ ‫ر ر ر ر‬
‫ُي بمكنُ ُه ف بع ُل َم بص َل َحت ره بم َإَل بر َأ َدات َب بعضه م بن َأ بم َو ب‬
‫ر‬ ‫ر ر‬

‫ف‬ ‫ال ا َلتري ُا بؤ ُمترنُوا ؛ كَام يع ُطو َنه رمن ا بلو َظ رائ ر‬ ‫ال َو باألَم َو ر‬ ‫ات َو باألَ بش َو ر‬ ‫ما يعطري ه ُؤ ََل رت املكاسني و َغريهم ريف ال ُّطر َق ر‬
‫َ ُب ُ ب َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َ بَ ُ ب‬ ‫َ‬ ‫َ ُب‬
‫ف ل ر َغ ب رري ره َأ بو لرنَ بف رس ره ريف َه رذ ره‬ ‫َرص َ‬‫رتى ؛ َفإ َن ك َُل َم بن ت َ َ‬
‫ر‬ ‫اع َو ُي بش َ َ‬
‫ر‬
‫ار َوا بل َو َظائف املُ َر َت َبة َع َىل َما ُي َب ُ‬
‫ر ر‬ ‫املُ َر َت َب رة َع َىل ا بل َع َق ر‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫َان َذل ر َك ََل ََي ُ ر ر‬ ‫ات رم بن َه رذ ره ا بلبر َال رد َون بَح رو َها َف َال ُبدَ َأ بن ُي َؤ ِّد َي َه رذ ره ا بل َو َظ رائ َ‬ ‫باألَو َق ر‬
‫ف‬ ‫رص َ‬ ‫وز ألَ َحد َأ بن َي َت َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ف َف َل بو ك َ‬ ‫ب‬
‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ل ر َغ رري ره َل رزم رمن َذل ر َك َفساد ا بل رعب ر‬
‫َاس‬ ‫ات َم َصاحل ره بم ‪َ .‬و َا َلذي َين َبهى َع بن َذل َك ل َئ َال َي َق َع ُظ بل آم َقل آيل َل بو َقبر َل الن ُ‬ ‫اد َو َف َو ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ب‬ ‫ب‬
‫ر‬ ‫رمنب ُه ت ََض َ‬
‫ر ر ر‬
‫اع ال َطريق َفإ بن َمل ب‬ ‫ف ال ُّظ بل ُم َوا بل َف َسا ُد َع َل بي ره بم َف ُه َو بر َمن ربز َلة َم بن كَانُوا ريف َط رر ٍيق َو َخ َر َج َع َل بي ره بم ُق َط ُ‬ ‫اع َ‬
‫وه بم ‪َ .‬ف َم بن َق َال لرتر بل َك ا بل َقافر َل رة ‪ََ :‬ل َحير ُّل َلك بُم َأ بن ُت بع ُطوا رهل َ ُؤ ََل رت َش بي ائا‬ ‫ض املَ ر‬
‫ال َأ َخ ُذوا َأ بم َو َاهل ُ بم َو َق َت ُل ُ‬ ‫وه بم بر َب بع ر‬ ‫ُي بر ُض ُ‬
‫يل ا َل رذي َين َبهى َع بن َد بف رع ره َو َلكر بن َل بو َع رم ُلوا بر َام‬ ‫اس َفإر َن ُه َي بق رصدُ ر َهب َذا رح بف َظ َذل ر َك ا بل َقلر ر‬ ‫ال ا َلتري َم َعك بُم لرلنَ ر‬ ‫رم بن باألَم َو ر‬
‫ب‬
‫الرش رائ ُع َفإر َن ا َ‬
‫هلل‬ ‫اق آل َف بض اال َأ بن َت بأ ر ر‬
‫ِت بره َ َ‬ ‫َ‬
‫َق َال َهلم َذهب ا بل َقلر ُيل وا بلكَثرري وسلربوا مع َذل ر َك َفه َذا رمما ََل ي رشري بر ره َع ر‬
‫َ َ ُ ُ‬ ‫ُ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُب َ َ‬
‫َان » (‪. )1‬‬‫اإلمك ر‬
‫ب برب‬ ‫اس رد َو َت بق رليلر َها بر َح َس ر‬ ‫يل املَ َف ر‬
‫يل املَ َصال ر ر َو َتك ربميلر َها َو َت بع رط ر‬ ‫الر ُس َل لرت بَح رص ر‬
‫َت َع َاىل َب َع َث ُّ‬
‫‪ :‬قاعدة ‪ :‬يف تعذر العدالة يف الوَليات ‪ :‬إذا تعذرت العدالة يف الوَلية‬ ‫يقول العز بن عبد السالم‬
‫العامة واخلاصة بحيث َل يوجد عدل ‪ ،‬ولينا أقلهم فسو اقا وله أمثلة ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬إذا تعذر يف األئمة فيقدم أقلهم فسو اقا عند اإلمكان ‪ ،‬فإذا كان األقل فسو اقا يفرط يف عرش‬
‫املصال العامة ا‬
‫مثال وغريه يفرط يف مخسها مل ُتز تولية من يفرط يف اخلمس فام زاد عليه ‪ ،‬وَيوز تولية من‬
‫يفرط يف العرش ‪ ،‬وإنام جوزنا ذلك ألن حفظ تسعة األعشار بتضييع العرش أصل لأليتام وألهل اإلسالم‬
‫أيضا ‪ ،‬فيكون هذا من با دفع أشد املفسدتني بأخفهام ‪.‬‬
‫من تضييع اجلميع ‪ ،‬ومن تضييع اخلمس ا‬
‫املثال الثاين ‪ :‬احلكام إذا تفاوتوا يف الفسوق قدمنا أقلهم فسو اقا ‪ ،‬ألنا لو قدمنا غريه لفات مع املصال‬
‫ما لنا عنه مندوحة ‪ ،‬وَل َيوز تفوي مصال اإلسالم إَل عند تعذر القيام هبا ‪ ،‬ولو مل َيوز هذا وأمثاله لضاع‬
‫أموال األيتام كلها ‪ ،‬وأموال املصال بأرسها ‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل ‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن ‪. ]11 :‬‬
‫املثال الثالث ‪ :‬إذا تعذرت العدالة يف وَلية األيتام فيختص هبا أقلهم فسو اقا فأقلهم ‪ ،‬ألن حفظ‬
‫البعض أوىل من تضييع الكل ‪ ،‬فإذا كان مال اليتيم أل افا وأقل وَلية فسو اقا َيون يف مائة من األلف وحيفظ‬
‫الباقي مل َيز أن يدفع إىل من َيون يف أكثر ‪.‬‬

‫رابعًا ‪ :‬املصاحل واملفاسد يف اختيار مرشحي الرئاسة ‪:‬‬


‫يف « السياسة الرشعية » ‪ :‬ليس عليه أن يستعمل إال أصلح‬ ‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫املوجود وقد ال يكون يف املوجود من هو أصلح لتلك الوالية فيختار اَلمثل فاَلمثل يف كل منصب بحسبه‬
‫وإذا فعل ذلك بعد االجتهاد التام وأخذه للوالية بحقها فقد أدى اَلمانة وقام بالوجب فيها وصار عند اهلل‬
‫من أئمة العدل املقسطني وإذا اختل بعض األمور لسبب من غريه إذا مل يكن إَل ذلك فإن اهلل يقول ‪:‬‬
‫﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التغابن ‪ ، ]11 :‬ويقول ‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة ‪ ، ]211 :‬قال يف‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (ج‪. )732-737/71‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل ‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ﴾ [النسات ‪ ، ]11 :‬وقال تعاىل ‪﴿ :‬ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [املائدة ‪ ، ]113 :‬فمن أدى الواجب املقدور عليه فقد‬
‫‪ « :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ‪ ،‬لكن إن كان منه عجز بال حاجة أو‬ ‫اهتدى ‪ ،‬وقال النبي‬
‫خيانة عوقب عىل ذلك وينبغي أن يعرف األصل يف كل منصب فإن الوَلية هلا ركنان ‪ :‬القوة واألمانة ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [القصص ‪ ، ]21 :‬وقال صاحب مرص ليوسف‬
‫‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [يوسف ‪ ، ]31 :‬والقوة يف كل وَلية بحسبها ‪.‬‬
‫يقول ‪ « :‬اللهم‬ ‫‪ :‬اجتامع القوة واألمانة يف الناس قليل وهلذا كان عمر‬ ‫وقال شيخ اإلسالم‬
‫إِن أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة » ‪ ،‬فالواجب يف كل وَلية األصل بحسبها فإن تعني رجالن‬
‫رضرا فيها فيقدم يف احلرو‬
‫ا‬ ‫أحدُها أعظم أمانة واآلخر أعظم قوة قدم أنفعهام لتلك الوَلية وأقلهام‬
‫الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور عىل الرجل الضعيف العاجز وإن كان أميناا كام سئل اَلمام أمحد ‪:‬‬
‫عن الرجلني يكونان أمريين يف الغزو وأحدُها قوي فاجر واآلخر صال ضعيف مع أهيام يغزى ؟ فقال ‪:‬‬
‫أما الفاجر القوي فقوته للمسلمني وفجوره عىل نفسه وأما الصال الضعيف فصالحه لنفسه وضعفه عىل‬
‫‪ « :‬إن اهلل يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر » ‪ ،‬وإن مل‬ ‫املسلمني فيغزى مع القوي الفاجر ‪ ،‬وقد قال النبي‬
‫فمن هو أصل منه يف الدين إذا مل يسد مسده وهلذا كان النبي‬ ‫فاجرا كان أوىل بإمارة احلر‬
‫ا‬ ‫يكن‬
‫يستعمل خالد بن الوليد عىل احلر منذ أسلم وقال ‪ « :‬إن خالد سيف سله اهلل عَل املرشكني » ‪ ،‬ومع أن‬
‫‪ « :‬يا أبا ذر إين أراك ضعيفا وإين‬ ‫أصل منه يف األمانة والصدق ومع هذا قال له النبي‬ ‫أبو ذر‬
‫أحب لك ما أحب لنفيس ‪ :‬ال تأمرن عَل اثنني وال تولني ‪َّ ، » ...‬نى أبا ذر عن اإلمارة والوَلية ألنه رَه‬
‫ضعي افا مع أنه قد روى ‪ « :‬ما أظلت اخلرضاء وال أقلت الغرباء أصدق هلجة من أيب ذر » ‪ ،‬وأمر النبي‬
‫عمرو بن العاص يف غزوة ذات السالسل استعطا افا ألقاربه الذين بعثه إليهم عىل من هو أفضل منه ‪ ،‬وأمر‬
‫أسامه بن زيد ألجل طلب ثأر أبيه كذلك كان يستعمل الرجل ملصلحة راجحة مع أنه قد يكون مع األمري‬
‫من هو أفضل منه يف العلم والديانة ‪.‬‬
‫خامسًا ‪ :‬تطبيق قواعد املوازنة بني املصاحل واملفاسد على مسألة اخلروج على احلاكم‬
‫اجلائر ‪:‬‬
‫اخلروج عىل احلاكم اجلائر من أخطر األمور التي َل يمكن ُتاهل ما قد ينتج عنها من فتنة وقتال‬
‫واحلديث يف هذا األمر وُتد‬ ‫وسفك دمات ‪ ،‬ولذلك فقد توقف الكثري من فقهات اإلسالم عن اخلو‬
‫كثريا يف إبدات الرأي أو الفتاوى حول هذا احلاكم أو ذاك حتى يف حالة ظهور انحراف‬
‫الكثري منهم يتحرج ا‬
‫احلاكم عن قواعد الرشع وظلمه وجوره عىل الرعية ‪ .‬وليس معنى ذلك إجازة احلاكم اجلائر لفعله هذا أو‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫تأييدهم له ملا يفعله باألمة وما يرتكب من ُمالفات ملبادئ وقواعد الرشيعة اإلسالمية ولكن رجع األمر إىل‬
‫قواعد الرشع واملوازنة بني األرضار التي قد تنتج عن اخلروج وبني األرضار واملفاسد الناُتة من لقات‬
‫احلاكم اجلائر برأس الدولة ‪.‬‬
‫مبدأ اخلروج عىل احلاكم اجلائر متفق عليه عند مجيع فقهات اإلسالم باعتبار أن هذا املبدأ با ابا من‬
‫أبوا األمر باملعروف والنهي عن املنكر ألن جور احلاكم نوع من أنواع املنكر َيب إزالته ‪.‬‬
‫يف تفسري قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫يقول اإلمام القرطبي‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [َل عمران ‪ : ]111 :‬أن جوار احلكام أمر منكر ا‬
‫رشعا فإزالته ولو باخلروج عليه‬
‫يعترب من با إزالة املنكر ‪.‬‬
‫‪ « :‬إن الناس إذا رأوا الظامل ومل يأخذوا عَل يديه أوشك أن يعمهم اهلل بعقاب من‬ ‫وكذلك لقوله‬
‫عنده » ‪ ،‬واملشهور عند مجيع الفقهات مقاومة الظلم أيا كان مصدره ‪.‬‬
‫وقد قال باخلروج عند توافر رشوطه التامة اإلمام الشافعي والشعبي واإلمام الغزايل والقايض‬
‫وابن حزم والشهرستاِن واجلويني واجلصاص والصنعاِن والشوكاِن ‪.‬‬ ‫عيا‬
‫األدلة التي ذكره ا القائلون بعدم جواز اخلروج عىل احلاكم اجلائر بالسيف َل يقصدون هبا ْريم‬
‫ومنع اخلروج أو اإلقرار بمرشوعية الظلم وإنام هو موقف فرضته اخلشية من الفتنة ولذلك دعوا اىل الصرب‬
‫عىل احلاكم اجلائر خشية أن ْدث الفتنة واملوازنة بني الرضر القائم من وجود الظلم ووقوعه وبني الرضر‬
‫بقوله ‪َ :‬ل ينبغي إضاعة رأس املال طل ابا‬ ‫املتوقع من اخلروج وهذا ما عرب عنه شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫للرب وهي عبارة تستند إىل قاعدة (درت املفاسد مقدم عىل جلب املصال ) ‪ ،‬فاخلروج َل َيوز عند عدم‬
‫التمكن والقدرة أو عند حصول رضر أعظم أو فوات مصلحة أكرب ‪.‬‬
‫وينبغي أن يعلم أن حسا الرضر القائم والرضر املتوقع من اخلروج عىل احلكام اجلائرين بعد مسألة‬
‫تقديريه َتضع للحال والعوامل التي تساعد عىل نجاح اخلروج من عدمه ‪.‬‬
‫هو فيها مستضعف أو يف وق هو‬ ‫‪ « :‬فمتى كان من املؤمنني بأر‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫واملرشكني ‪،‬‬ ‫فيه مستضعف فليعمل بآية الصرب والصف عمن يؤذي اهلل ورسوله من الذين أوتوا الكتا‬
‫وأما أهل القوة فإنام يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون يف الدين ‪ ،‬وبآية قتال الذين أوتوا الكتا‬
‫حتى يعطوا اجلزية عن يد وهم صاغرون » ‪.‬‬
‫بواحا‬
‫كفرا ا‬
‫حول مسألة اخلروج عىل احلاكم الكافر ‪ « :‬إَل إذا رأى املسلمون ا‬ ‫وقال الشيخ ابن باز‬
‫عندهم من اهلل فيه برهان ‪ :‬فال بأس أن َيرجوا عىل هذا السلطان إلزالته إذا كان عندهم قدرة أما إذا مل‬
‫يكن عندهم قدرة فال َيرجوا ‪.‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫وكان اخلروج يسبب رشا أكثر فليس هلم اخلروج رعاية للمصال العامة والقاعدة الرشعية املجمع‬
‫عليها أنه َل َيوز إزالة الرش بام هو أرش منه ‪ ،‬بل َيب درت الرش بام يزيله أو حيققه أما درت الرش برش أكثر فال‬
‫َيوز بإمجاع املسلمني » (‪. )1‬‬
‫ا‬
‫نقال عن ابن التني عن الداودي قال ‪ « :‬الذي عليه العلامت يف‬ ‫وىف « فت الباري » ذكر ابن حجر‬
‫أمرات اجلور أنه إن قدر عىل خلعه بغري فتنة وَل ظلم وجب وإَل فالواجب الصرب » ‪.‬‬
‫‪ « :‬فالصرب عىل طاعة اإلمام اجلائر أوىل من اخلروج عليه ألن يف منازعته‬ ‫قال ابن عبد الرب‬
‫واخلروج عليه استبدال األمن باخلوف وإراقة الدمات وانطالقة أيدي الدُهات وتبيني الغارات عىل املسلمني‬
‫وهذا أعظم من الصرب عىل جور اجلائر » ‪.‬‬ ‫والفساد يف األر‬
‫عىل ذي سلطان إَل وكان يف‬ ‫‪ « :‬ولعله َل يكاد يعرف طائفة خرج‬ ‫وقال شيخ اإلسالم‬
‫خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزلته » ‪.‬‬
‫والتحقيق من األرضار الناُتة عن اخلروج وَماولة ُتنبها قدر اإلمكان وفق قاعدة (ْمل الرضر‬
‫األخف لدرت رضر أكرب) وقاعدة (الرضر َل يزال برضر مثله) ‪.‬‬
‫وبعد التدرج يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر كتعريف احلاكم باملنكر املطلو إزالته عن طريق‬
‫أهل احلل والعقد وأهل العلم من علامت األمة بالرفق واللني دون عنف أو ُتري مع وعظه وتذكريه‬
‫‪ « :‬يكون آخر الزمان أمراء‬ ‫باآلخرة وعدم مساعدته وإعانته وكذلك مقاطعته وعدم العمل معه لقوله‬
‫ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة كذبة فمن أدرك ذلك فال يكن هلم حابيا وال عريفا وال َشط ًّيا » ‪ ،‬وذلك‬
‫برشط أن َل يؤدي العصيان إىل مفاسد كتعطيل مصال الناس واإلرضار هبم ثم يأِت استخدام إزالة املنكر ‪.‬‬
‫َشوط اخلروج عَل احلاكم اْلائر ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون اخلروج بقيادة أهل احلل والعقد وعلامت األمة الذين يرجع إليهم يف احلاجات واملصال‬
‫العامة ألَّنم هم الذين يقدرون مصال األمة ويسعون لتحقيقها ويتصنعون بالتقوى والصالح وحسن‬
‫الرأي أما اجلهلة والغوغات فإنه َل يوجد منهم سوى الفوىض واَلضطرا وزياده الظلم واجلور ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون اخلارجون قد استنفذوا كل الوسائل والطرق السلمية ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم اإلقدام عىل تنفيذ اخلروج إَل بعد املوازنة الدقيقة تبني الرضر القائم واملتوقع فإذا كان الرضر‬
‫املتوقع أكثر فإنه َل َيوز اخلروج ألن مفسدته أكرب من مصلحته ‪.‬‬
‫‪ -‬وجود خطة مدروسة إلحالل الصال مكان الفساد حتى َل َترج إىل الفوىض ‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتاوى الشيخ ابن باز (ج‪. )217/1‬‬


‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫سادسًا ‪ :‬اعتبار املصاحل واملفاسد يف قتال البغاة واخلوارج إذا استفحل أمرهم ‪:‬‬
‫فمن ذلك ما ذكر شيخ اإلسالم يف حكم قتال الطائفة الباغية من أن قتاهلم منوط بالقدرة واإلمكان‬
‫عاجزا عن ردعهم مل يقاتلهم بل يصانعهم ويسايسهم ‪.‬‬
‫ا‬ ‫فإن كان‬
‫فإن ظن اإلمام أنه قادر عىل مواجهتهم فدخل يف ذلك ورأى بعض الرعية أن مفسدة هذا القتال‬
‫أرج كان هذا القتال بالنسبة هلم قتال فتنة َل طاعة لإلمام عليهم فيه ‪.‬‬
‫‪ « :‬األمر بقتال الطائفة الباغية مرشوط بالقدرة واإلمكان ‪ ،‬إذ ليس قتاهلم‬ ‫قال شيخ اإلسالم‬
‫بأوىل من قتال املرشكني والكفار ومعلوم أن ذلك مرشوط بالقدرة واإلمكان ‪ ،‬فقد تكون املصلحة‬
‫غري مرة ‪ ،‬واإلمام إذا اعتقد وجود‬ ‫املرشوعة أحيا انا هي التآلف باملال واملساملة واملعاهدة كام فعله النبي‬
‫القدرة ومل تكن حاصلة كان الرتك يف نفس األمر أصل ‪.‬‬
‫ومن رأى أن هذا القتال مفسدته أكثر من مصلحته علم أنه قتال فتنة فال ُتب طاعة اإلمام فيه ‪ ،‬إذ‬
‫طاعته إنام ُتب يف ما مل يعلم املأمور أنه معصية بالنص فمن علم أن هذا هو قتال الفتنة ـ الذي تركه خري من‬
‫فعله ـ مل َيب عليه أن يعدل عن نص معني خاص إىل نص عام مطلق يف طاعة أويل األمر » انتهى ‪.‬‬
‫وب َني اإلمام اجلويني أن اإلمام َل يدخل يف صدام غري متكافئ مع البغاة ولو وصل األمر إىل سقوط‬
‫فيمن خرج عن اإلمام ‪ « :‬وإن علم أَّنم لكثرهتم وعظم شوكتهم َل يطاقون ؛‬ ‫إمامته بالكلية فقال‬
‫فالقول فيهم كالقول يف الباغي إذا استفحل شأنه ‪ ،‬ومتادى زمانه ‪ ،‬وغلب عىل ظن اإلمام أنه لو صادمه‬
‫ودافعه بمن معه َلصطلم الباغي أتباعه وأشياعه ‪ ،‬ومل يستفد بلقائه إَل فرط عنائه واستئصاله أولياته ‪،‬‬
‫فالوجه أن يداري ويستنفد جهده ‪ ،‬فإن سقط منه اإلمامة بالكلية فهذا إمام سقط طاعته » ‪.‬‬
‫يف رشحه للسفارينية ْ « البي ‪ « : » 171‬فلو استوىل عليهم كافر بالقهر‬ ‫قال الشيخ العثيمني‬
‫وعندهم فيه من اهلل برهان أنه كافر بأن كان يعلن أنه هيودي أو نرصاِن ا‬
‫مثال ‪ ،‬فإن وَليته عليهم َل تنفذ‬
‫وَل تص وعليهم أن ينابذوه ‪ .‬ولكن َل بد من رشط مهم وهو القدرة عىل إزالته ‪ ،‬فإن كان َل متكن إزالته‬
‫إَل بإراقة الدمات والفوىض فليصربوا حتى يفت اهلل هلم با ابا ألن منابذة احلاكم بدون القدرة عىل إزالته َل‬
‫يستفيد منها الناس إَل الرش والفساد والتنازع وكون كل طائفة تريد أن تكون السلطة حسب أهوائها » ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫سابعًا ‪ :‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد يف إقامة احلدود الشرعية ‪:‬‬


‫‪ « :‬فصل ‪ :‬النهي عن قطع األيدي يف الغزو ‪.‬‬ ‫قال ابن القيم‬
‫‪َّ « :‬نى أن تقطع األيدي يف الغزو » [رواه أبو داود] ‪ ،‬فهذا حد من حدود اهلل‬ ‫املثال الثاِن ‪ :‬أن النبي‬
‫تعاىل وقد َّنى عن إقامته يف الغزو خشية أن يرتتب عليه ما هو أبغض إىل اهلل من تعطيله أو تأخريه من‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫حلوق صاحبه باملرشكني محية وغض ابا كام قاله عمر وأبو الدردات وحذيفة وغريهم وقد نص أمحد وإسحاق بن‬
‫العدو وذكرها أبو القاسم‬ ‫راهويه واألوزاعي وغريهم من علامت اإلسالم عىل أن احلدود َل تقام عىل أر‬
‫العدو وقد أتى برش بن أرطاة برجل من الغزاة‬ ‫اخلرقي يف ُمترصه فقال ‪َ :‬ل يقام احلد عىل مسلم يف أر‬
‫يدك‬ ‫يقول ‪ « :‬ال تقطع اَليدي يف الغزو » لقطع‬ ‫رسول اهلل‬ ‫قد رسق جمنة فقال ‪ :‬لوَل أِن سمع‬
‫[رواه أبو داود] ‪ ،‬وقال أبو َممد املقديس ‪ :‬وهو إمجاع الصحابة » (‪. )1‬‬

‫ثامنًا ‪ :‬املوازنة بني املصاحل واملفاسد وقضية اجلهاد ‪:‬‬


‫‪ « :‬التويل يوم الزحف مفسدة كبرية ‪ ،‬لكنه واجب إن علم أنه يقتل يف‬ ‫قال العز بن عبد السالم‬
‫غري نكاية يف الكفار ألن التغرير يف النفوس جاز ملا فيه من مصلحه إعزاز الدين بالنكاية يف املرشكني فإن مل‬
‫ْصل النكاية وجب اَلَّنزام ملا يف الثبوت من فوات النفوس مع شفات صدور الكفار وإرغام أهل اإلسالم‬
‫وقد صار الثبوت هنا مفسدة َمضة ليس يف حيلها مصلحة » (‪. )2‬‬
‫يف تفسري قوله تعاىل ‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [البقرة ‪ « : ]123 :‬واحلق اَلعتبار‬ ‫وقال الشوكاِن‬
‫بعموم اللفظ َل بخصوص السبب فكل ما صدق عليه أن هتلكه يف الدين أو الدنيا فهو داخل يف هذا وبه‬
‫فيحمل مع اجليش مع‬ ‫اآلية أن يقتحم الرجل يف احلر‬ ‫قال ابن جرير الطربي ومن مجلة ما يدخل ْ‬
‫عدم قدرته عىل التخلص وعدم تأثريه ألثر ينفع املجاهدين » ‪.‬‬
‫ملصال العباد وكان‬ ‫أن األحكام رشع‬ ‫يف « املوافقات » ‪ « :‬ملا ثب‬ ‫ويقول اإلمام الشاطبي‬
‫األعامل معتربة بذلك ألنه مقصود الشارع فإذا كان األمر يف ظاهره وباطنه عىل املرشوعية بال إشكال وإن‬
‫كان الظاهر مواف اقا واملصلحة ُمالفة فالعمل غري صحي وغري مرشوع ألن األعامل الرشعية ليس مقصودة‬
‫لنفسها وإنام قصد هبا أمور أخرى هي معانيها وهي املصال والتي رشع ألجلها » اهـ ‪.‬‬
‫كفة مفاسد القتال‬ ‫وعىل ذلك إذا مل حيقق اجلهاد واملصال املرجوة منه بل حقق مفاسد أو رجح‬
‫َمظورا ‪.‬‬
‫ا‬ ‫عىل مصاحله كان القتال ممنو اعا‬
‫املصال واملفاسد واحلسنات والسيئات‬ ‫‪ « :‬إذا تعارض‬ ‫ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫‪ ،‬فإنه َيب ترجي الراج منها فإن األمر والنهي وإن كان متضمناا لتحصيل مصلحة ودفع‬ ‫وتزامح‬
‫مورا به‬
‫مفسدة فينظر يف املعارضة له فإن كان الذي يفوت من املصال أو حيصل من املفاسد أكثر مل يكن مأ ا‬
‫بل يكون َمر اما إذا كان مفسدته أكثر من مصلحته » اهـ ‪.‬‬

‫(‪ )1‬إعالم املوقعني عن ر العاملني (ج‪. )3 ، 1/7‬‬


‫(‪ )2‬قواعد األحكام (ج‪. )112 ، 111/1‬‬
‫املوازنات بني املصاحل واملفاسد يف السياسة الشرعية‬
‫فاجلهاد مع عدم ْقيق الغاية منه َل َيوز ألن اجلهاد يف سبيل اهلل رشع ﴿ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األنفال ‪ ، ]72 :‬فإذا أصب اجلهاد نفسه َمد اثا للفتنة يف الدين ومان اعا من تعبيد‬
‫الناس هلل وصدا للناس عن دعوة احلق صار حرا اما ألنه مل حيقق مقصوده ‪.‬‬
‫صورة اإلسالم ونفرت الناس من الدين‬ ‫أما أفعال التكفرييني فإَّنا كلها فساد وإفساد شوه‬
‫الذريعة ألعدائنا للتدخل يف شئوننا وأشغلوا الدولة والدعاة والعلامت بمواجهتهم ا‬
‫بدَل من‬ ‫وأعط‬
‫اَللتفات إىل ما هو أهم وأوىل ا‬
‫فضال عن إزهاق األرواح املعصومة وزعزعة استقرار البالد وترويع الناس ‪.‬‬

‫تاسعًا ‪ :‬املصاحل واملفاسد واملظاهرات واالعتصامات ‪:‬‬


‫املظاهرة ‪ :‬إعالن رأي أو إظهار توجه بصورة مجاعية ‪.‬‬
‫من مقرات صنع القرار أو يف‬ ‫وهي خروج جمموعة من الناس والسري يف طرقات املدينة وبالقر‬
‫أماكن َمددة هبدف اإلعالن عن موقف معني بإزات واقع موجود بقصد لف األنظار وتنبيه األذهان حلثها‬
‫عىل اَتاذ موقف معني إزات الواقع أو لتنبيه السلطة احلاكمة وإعالمها بموقف جمموع الشعب من الواقعة‬
‫املوجودة ‪.‬‬
‫وهي وسيلة مستجدة من وسائل اَلحتجاج عىل احلكام وهي من األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬
‫سلمية َل يصاحبها أي اعتدات من سب أو رمي باحلجارة أو إيذات لسكان األحيات التي تتم هبا‬ ‫فإن كان‬
‫وَل يرتتب عليها مفاسد من قبل املتظاهرين أو الطرف اآلخر تزيد عىل مصاحلها فهي حينئذ مرشوعة لرفع‬
‫الظلم وإزالة املنكر خاصة أن احلكام قد قرروا يف دساتريهم مرشوعية املظاهرات حتى ولو كان ضدهم‬
‫وعليه فإن انضبط بقاعدة (َل رضر وَل رضار) فهي جائزة ‪.‬‬
‫واملظاهرات من الوسائل ‪ ،‬والوسائل هلا حكم املقاصد والوسائل يف األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر غري توقيفية فإن كان القصد إزالة املنكر ورفع الظلم وهذا مقصد مرشوع فإن الوسائل املؤدية إليه‬
‫تكون مرشوعة ما مل يكن فيها ُمالفة من جهة أخرى ‪.‬‬

You might also like