ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وأهم المقاربات المفسرة لها المقاربات الوظيفية والتفاعلية والصراعية نموذجا.

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬

‫ظاهرة العنف في الوسط املدرس ي وأهم املقاربات املفسرة لها‬


‫املقاربات الوظيفية والتفاعلية والصراعية نموذجا‬
‫‪The phenomenon of violence in school and the main approaches explaining it .‬‬
‫‪The functional, interactive and conlifctual approaches as models‬‬

‫الباحث‪ :‬محمد سليماني‬


‫‪slimanimohamed471@gmail.com‬‬
‫املغرب‬
‫تاريخ النشر‪1132/31/13 :‬‬ ‫تاريخ القبول‪1132/31/12 :‬‬ ‫تاريخ إلارسال‪1132/10/31 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫هتدف هذه الدراسة إىل مقاربة ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬وذلك بتسليط الضوء على مفهوم العنف بصفة عامة ومفهوم‬
‫العنف املدرسي بصفة خاصة‪ ،‬وحتديد أشكال العنف يف األوساط الرتبوية والتعليمية‪ ،‬وكذلك الوقوف على أهم املقاربات السوسيولوجية‬
‫اليت تناولت الظاهرة يف سوسي ولوجيا الرتبية‪ ،‬مع توضيح العوامل االجتماعية اليت فسرت هبا كل مقاربة ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪،‬‬
‫والكشف عن أوجه االختالف بينها‪ ،‬كما رصدت بعض املقاربات السوسيولوجية املفسرة لظاهرة العنف يف املدرسة العربية‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬املقاربة السوسيولوجية‪ ،‬العنف‪ ،‬العنف املدرسي‪ ،‬املدرسة‪ ،‬التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫‪Abstract:This study aims to address the phenomenon of violence in schools, explaining to concept‬‬
‫‪of violence in general, and then address this cocept more specifically in school,and identify the‬‬
‫‪forms of violence in the educational community.‬‬
‫‪In addition we have studied the most important sociological approaches of the phenomenon‬‬
‫‪in sociology of educatin, with an explantion of the social factors in which each sociological‬‬
‫‪approach has been interpreted the phenomenon of violence in school, and to identify the differences‬‬
‫‪betwen them. The study also based on explantion of the phenomenon of violence iv the Arab school.‬‬
‫‪Key words : the sociological approach, violence, school violence, school, sociology of education,‬‬
‫‪sociolizition.‬‬

‫كما هو معلوم‪ ،‬حتتل املدرسة العمومية مكانة اجتماعية بارزة يف اجملتمعات املعاصرة‪ ،‬باعتبارها مؤسسة التنشئة‬
‫االجتماعية الثانية بعد األسرة‪ ،‬تنهض بالع ديد من الوظائف االجتماعية والرتبوية والتعليمية‪ ،‬فتكسب الفرد القيم الثقافية‬
‫للمجتمع الذي ينتمي إليه‪ ،‬وتكسبه مهارات متكنه من االندماج االجتماعي مستقبال‪ ،‬كما تقوم املدرسة يف إطار الوظيفة‬
‫الرتبوية املسندة إليها بتعديل السلوكات اخلاطئة اليت تصدر عن املتعلمني‪ ،‬دون أن نغفل دورها املهم يف تلقينهم جمموعة‬
‫من املبادئ األخالقية العمومية اليت جيب عليهم أن يسلكوها‪ ،‬إذ أوكلت إىل املدرسة يف اجملتمعات املتقدمة احلداثية‬
‫مسؤولية بناء السلوك القومي لألفراد وصقل شخصيتهم االجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫بيد أن املدرسة العمومية يف ظل التحوالت االجتماعية واالقتصادية اليت أصبحت تشهدها اجملتمعات اإلنسانية‬
‫يف وقتنا الراهن‪ ،‬أصبحت تعاين من العديد من املشكالت الرتبوية واالجتماعية‪ ،‬مما أثر سلبا على أداء وظائفها الرتبوية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وعلى سعيها الدؤوب إىل حتقيق أهدافها التعليمية‪ ،‬ويف هذا اإلطار تعترب ظاهرة العنف من املشكالت‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪57‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫احلادة واملزمنة اليت أصبحت تعاين منها معظم الفضاءات املدرسية‪ ،‬ومست هذه الظاهرة يف استفحاهلا خمتلف األطوار‬
‫الرتبوية واملستويات التعليمية‪.‬‬
‫لقد ظهرت أمناط وأشكال جديدة من العنف يف الوسط املدرسي أمهها العنف الرمزي‪ ،‬العنف اجلسدي‪ ،‬العنف‬
‫الثقايف‪ ،‬العنف اللفظي‪ ،....‬وتعدد الفاعلون واملمارسون هلذا العنف‪ :‬املتعلمون‪ ،‬الرتبويون‪ ،‬اإلداريون‪ ،‬املدرسون‪ .‬يف حني‬
‫كان هذا العنف سابقا حسب معظم الدراسات يأخذ يف الغالب اجتاها واحدا‪ ،‬أي من املدرس املتسلط‬
‫إىل املتعلم‪ ،‬وبالتايل كان املتعلم هو املفعول به‪ ،‬ونادرا ما كان ميارس املتعلم‪ /‬التلميذ العنف يف االجتاه املعاكس‪ ،‬بينما‬
‫اليوم تشري البحوث والدراسات إىل تعدد وتشابك األطراف املمارسة للعنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬إذ أصبح املتعلم أحد‬
‫أبرز هذه األطراف الفاعلة املمارسة هلذا العنف‪ ،‬إذ صار ميارس عنفا ضد مدرسه على غرار عنفه ضد زمالئه وضد‬
‫أعضاء طاقم مؤسسته اإلداري والرتبوي‪ ،‬وهذا ما استدعى البحث والتقصي عن اجلذور املشكلة هلذه الظاهرة‪ ،‬وحماولة‬
‫إعطاء تفسريات عقالنية وموضوعية هلا‪ ،‬بغية الوصول إىل حلول هلا تواكب شىت التحوالت اليت أصبحت تعرفها‬
‫اجملتمعات اإلنسانية يف الوقت املعاصر‪.‬‬
‫إن جتذر املدرسة كفضاء ومؤسسة اجتماعية يف الفضاء اجملتمعي يضعها يف وضعية تأثري وتأثر دائمني‪ ،‬فاملدرسة‬
‫نسق اجتماعي فرعي يف حالة تبادلية مع بقية األنساق االجتماعية الفرعية األخرى املشكلة للبناء االجتماعي‬
‫الكلي‪ ،‬فإذا عرفت األنساق الفرعية القريبة منه حالة تغري اجتماعي أو اختالل وظيفي‪ ،‬فإن هذا التغري يتسرب إىل النسق‬
‫املدرسي بشكل آيل‪ ،‬وأول املؤسسات االجتماعية اليت هلا صلة اجتماعية قريبة من مؤسسة املدرسة هي مؤسسة‬
‫األسرة‪ ،‬وحنن نعلم طبعا حجم التغريات اليت عرفتها األسرة يف اجملتمعات الراهنة‪ ،‬حيث تبدلت فيها األدوار والوظائف‬
‫وقلبت رأسا على عقب‪ ،‬وتقلصت معدالت التواصل وأشكال احلوار بني أفرادها بسبب طغيان التقنية‪ ،‬هذه األخرية اليت‬
‫أتلفت العالقات االجتماعية‪ ،‬فأصبح العنف األسري من الظواهر اليت صارت من نتائجها‪.‬‬
‫وهكذا ومع بقية األنساق الفرعية األخرى‪ ،‬كدور النسق اإلعالمي يف إيصال مشاهد العنف وانتشارها‬
‫على أوسع نطاق‪ ،‬كذا دور النسق االقتصادي يف العنف االجتماعي من خالل اإلقصاء االجتماعي لألفراد من سوق‬
‫العمل وتفاقم ظاهرة البطالة‪ ،‬وانعكاسات ذلك بشكل سليب على احلياة االجتماعية للمتعلمني‪ ،‬وعليه فالعنف يف الوسط‬
‫املدرسي يتخذ من الفضاء املدرسي مكان جغرايف للممارسة‪ ،‬لكنه من الناحية السوسيوليوجية رمبا تكون متثالته وتصوراته‬
‫بنيت واكتملت يف أمكنة جغرافية بعيدة عن جغرافية املدرسة‪.‬‬
‫وعلى ضوء ذلك‪ ،‬ويف إطار البحث عن تفسريات عقالنية لظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬جند العديد من‬
‫املقاربات العلمية اليت تناولت الظاهرة من زوايا نظر معرفية خمتلفة‪ ،‬كعلم النفس وعلم النفس االجتماعي وعلوم‬
‫الرتبية‪ ،‬وجند من أبرز هذه املقاربات املقاربات السوسيولوجية‪ ،‬إذ حاولت سوسيولوجيا الرتبية أن تقدم تفسريات موضوعية‬
‫هلذه الظاهرة انطالقا من احملددات والشروط االجتماعية لتشكل ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬ونقف يف هذا الصدد‬
‫على العديد من املقاربات السوسيولوجية الرتبوية‪ ،‬إذ تركز كل مقاربة على أسس منهجية ومعطيات واقعية يف تفسريها‬
‫لظاهرة العنف يف الوس ط املدرسي‪ ،‬ولإلحاطة بكل مناحي هذه الظاهرة الدخيلة على املدرسة العمومية‪ ،‬نعتمد يف دراستنا‬
‫هاته على حمورين أساسني‪:‬‬
‫محمد سليماني‬ ‫‪58‬‬
‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫المحور األول‪ :‬تعريف مفهوم العنف‪ ،‬والعنف في الوسط المدرسي‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬إبراز أهم المقاربات التي تناولت ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وطرق تفسيرها ومعالجتها‬
‫لهذه الظاهرة‪.‬‬
‫تكمن أمهية هذه الدراسة يف كون ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي أصبحت أكثر استفحاال وانتشارا بشكل‬
‫ملفت للنظر يف خمتلف املؤسسات الرتبوية يف اجملتمعات املعاصرة‪ ،‬مما استلزم واستدعى من كل الفاعلني الرتبيون‬
‫والسوسيولوجيون البحث يف إثراء ا ملقاربات التنظريية هلذه الظاهرة‪ ،‬وحماولة إجياد تفسريات سوسيولوجية هلا ومقاربتها‬
‫يف سياقاهتا االجتماعية هبدف التخفيف من حدهتا على األقل على املدى املتوسط‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬تعريف مفهوم العنف‪ ،‬والعنف في الوسط المدرسي‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريف مفهوم العنف‪ :‬يعد مفهوم العنف من أكثر املفاهيم تداوال على األلسن يف زماننا املعاصر‪،‬حيث أصبح هذا‬
‫املفهوم حاليا يشغل مساحات واسعة يف خطابات العلوم االجتماعية املعاصرة نظرا جلملة من العوامل االجتماعية اليت‬
‫أدت إىل انتشاره وذيع صيته يف أوساط اجملمع‪ ،‬فالعنف يف أبسط مدلوالته يقصد به " اإليذاء باليد أو اللسان أو الفعل‬
‫أو الكلمة في الحقل التصادمي مع اآلخر‪ ...‬إن العنف سلوك إيذائي قوامه إنكار اآلخر كقيمة مماثلة لألنا أو‬
‫نحن كقيمة تستحق الحياة واالحترام‪ ،‬ومرتكزه استبعاد اآلخر عن حلبة التغالب إما بخفضه إلى تابع‪ ،‬وإما بنفيه‬
‫خارج الساحة (أي إخراجه من اللعبة)‪ ،‬وإما بتصفيته معنويا أو جسديا"(خليل أمحد خليل‪ ،)4891 ،‬ويشري األصل‬
‫اللغوي لكلمة العنف يف اللغة الالتينية إىل استخدام القوة لتحقيق هدف ما‪ ،‬فكلمة "العنف" مشتقة من الكلمة الالتينية‬
‫(‪ )vis‬وهو ما يعين القوة والسلطة والعنف واستخدام القوة املادية‪ ،‬وقلب الطابع األساسي لشيء ما‪ ،‬كما تشري كلمة‬
‫(‪ )vis‬الالتينية أيضا إىل فكرة القوة‪ ،‬وبشكل خاص القوة احليوية)‪.(Yves Montoya, Hervé Benoit, 2011‬‬
‫كما ترتبط إشكالية حتديد مفهوم العنف باملعايري اليت يعتمدها كل باحث يف تصنيف سلوك ما على أنه يدخل‬
‫يف دائرة ا لعنف أم ال‪ ،‬فلتحديد الوقائع على أهنا عنيفة أم ال‪ ،‬فيجب أن يكون املرء قد حدد مرجعية معيارية‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فالعنف خيتلف وفقا لألفراد واألزمنة واألماكن واهلياكل االجتماعية)‪ ،(Joing Isabelle, 2010‬دون أن نغفل أن هذه‬
‫املعايري حتدها يف الغالب األعم اجملتمعات اإلنسانية‪ ،‬باإلضافة إىل املؤسسات واهليئات الدولية‪ ،‬وكذلك املتطلبات‬
‫الدراسية لكل باحث‪ ،‬وكذا موقفه من منط وشكل العنف موضوع الدراسة‪.‬‬
‫ملن هذا املفهوم أصبح أكثر اتساعا مع السوسيولوجي الغريب "بورديو" سواء يف دالالته اإلحيائية أو عناصره‬
‫البنائية‪ ،‬إذ نقل مفهوم العنف من الع لم احلسي املتعلق باإليذاء اجلسدي إىل العنف غري املرئي الذي يكون خمفي ويتجلى‬
‫يف شكل رمزي‪ ،‬وأصبح بالتايل عنف غري مرئي تسهم فيه املؤسسات الرتبوية يف تثبيته وتكريسه‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫استخدام الدالالت والرموز واملعاين للسيطرة على اآلخر وفرض اهليمنة عليه‪ ،‬ويأخذ هذا النوع من العنف صورة رمزية‬
‫خفية ملتبسة متكن ممارسها من الوصول إىل غايته وحتقيق ما يصبو إليه من سيطرة وهيمنة دون اللجوء إىل القوة الواضحة‬
‫واملعلنة‪ ،‬ويتغلغل هذا النوع من العنف يف خمتلف جماالت احلياة السياسية واالجتماعية والفكرية(الوطفة علي أسعد‪)8009 ،‬‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪59‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫‪ ،‬وأصبح اليوم احلديث بشكل كبري عن العنف االجتماعي الذي ميارس داخل اجملتمع‪ ،‬ويتعلق األمر بنوع من اإلقصاء‬
‫واإلكراهات االجتماعية(هاليل حممد‪ -‬بعزيز لزرق‪.)8008 ،‬‬
‫ب‪ -‬مفهوم العنف في الوسط المدرسي‪ :‬إذا كان العنف كما أشرنا سابقا على أنه كل استخدام للقوة أو غريها‬
‫من الوسائل من طرف األفراد لتحقيق غرض ما‪ ،‬فإن العنف يتشكل حبسب الوسط االجتماعي‪ ،‬إذ جند من بني أنواع‬
‫العنف املمارس يف اجملتمعات املعاصرة " العنف في الوسط المدرسي"‪ ،‬فمسائلة العنف يف املدرسة يتمثل يف إحساس‬
‫خمتلف الفاعلني سواء الرتبويون أو غريهم بتطور هذه الظاهرة‪ ،‬وإن املقاربة الفينومينولوجية لظواهر العنف املدرسي تبني أن‬
‫هناك شكل من العنف غري املرئي‪ ،‬كدور املناخ السليب الذي ينتشر يف بعض املؤسسات املدرسية يف منو وتغلغل ظاهرة‬
‫العنف)‪.(Joing Isabelle, 2010‬‬
‫ويذهب بورديو بعيدا يف معاجلة ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬حينما يعترب أن الفعل البيداغوجي أيا كانت‬
‫طبيعته وموضوعه نوعا من العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬ونستشف ذلك بوضوح يف قوله‪ " :‬يتعين النشاط التربوي‬
‫موضوعيا في حيثيته األولى كعنف رمزي‪ ،‬وهي كون عالقات القوة بين الجامعات والطبقات التي تتألف منها‬
‫التشكيلة االجتما عية تساهم في نمو العنف التعسفي باعتباره شرطا النعقاد عالقات االتصال التربوي‪ ،‬أي لفرض‬
‫وترسيخ نموذج ثقافي تعسفي وفق نمط تعسفي من الفرض والترسيخ (التربية)"(بورديو بيار‪.)4881 ،‬‬
‫كما ينقسم العنف يف املدرسة إىل فئات متنوعة‪ ،‬إذ يتحدث التالميذ املراهقون عن ضربات وإهانات بشكل‬
‫أساسي‪ ،‬ويتحدث املدرسون عن حوادث نوعا ما عنيفة مع طالهبم وأهاليهم‪ ،‬كما يتحدث الرتبويون عن العنف‬
‫املؤسسايت كالعقاب اجلسدي الذي حيصل داخل املدارس ويف املمارسات املهنية(رايو‪ ،‬باتريك‪ -‬إغنيس‪ ،‬فان زاننت‪.)8042 ،‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬إبراز أهم المقاربات التي تناولت ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وطرق تفسيرها‬
‫ومعالجتها لهذه الظاهرة‪.‬‬
‫تعد ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي من أبرز املشكالت السوسيوتربوية وأعقدها على اإلطالق‪ ،‬والسيما أهنا‬
‫متس اجلانب السلوكي للفاعلني الرتبويني يف الوسط املدرسي‪ ،‬ويف ظل تعقد هذه الظاهرة وتعدد مسبباهتا وأيضا تعدد‬
‫العوامل االجتماعية املؤدية النتشارها‪ ،‬تباينت املقاربات املفسرة هلا‪ ،‬حيث اختلفت باختالف ميادين التخصص وحقول‬
‫املعارف الدارسة للعنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬إذ " ينشأ العنف في المدرسة بسبب العديد من العوامل‪ ،‬وله أوجه‬
‫م ختلفة بحسب السياقات الثقافية‪ ،‬وكذلك العوامل االجتماعية واالقتصادية والحياة االجتماعية للتلميذ والبيئة‬
‫المدرسية‪ ،‬إن مفهوم العنف كفعل أو كبيئة محرضة على العنف‪ ،‬يختلف بحسب الثقافات والمجتمعات‪ ،‬وأيا كان‬
‫السياق الثقافي والسوسيواقتصادي الذي يوجد فيه المدرسة‪ ،‬فأن العنف يأخذ أشكاال جسدية ونفسية" ‪.‬‬
‫)‪(Guide l’intention des enseignants, 2012‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬تشابكت وتعددت وجهات النظر حول هذه الظاهرة‪ ،‬ومن املهم اإلشارة هنا إىل األمهية‬
‫العلمية للمدخل السوسيولوجي يف تفسري ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬وذلك لعدة اعتبارات معرفية أمهها مشولية‬
‫الرؤية السوسيولوجية يف مقاربة الظواهر االجتماعية‪ ،‬وهو ما يربز لنا التوجه الذي يتميز به حقل السوسيولوجيا يف مناولته‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪60‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫الظواهر السوسيولوجية عامة والظواهر السوسيوتربوية بصفة خاصة‪ ،‬وتنطلق حماولة حتليلي لظاهرة العنف يف الوسط‬
‫املدرسي من املقاربات السوسيولوجية املفسرة له‪ ،‬وذلك باستقراء الدالالت واملضامني السوسيولوجية ملفهوم العنف لدى‬
‫أصحاب كل مقاربة‪ ،‬وحتديدهم لطبيعة العوامل االجتماعية املسببة هلذه الظاهرة يف األوساط املدرسية‪ ،‬ومن أهم وأبرز‬
‫هذه املقاربات‪:‬‬
‫‪ -1‬المقاربة الوظيفية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي‪:‬‬
‫تعترب املقاربة الوظيفية للظواهر االجتماعية من أهم املقاربات السوسيولوجية يف علم االجتماع‪ ،‬وتنتمي املقاربة‬
‫الوظيفية إىل النوع املعريف الذي يهتم بدراسة الظواهر االجتماعية يف إطارها الكلي‪ ،‬ويرى أصحاب هذه املقاربة أن اجملتمع‬
‫عبارة عن جمموعة من األنساق االجتماعية واليت تقع يف حالة تبادلية وتكاملية فيما بينها‪ ،‬ففي تصور "بارسونز" فالنسق‬
‫االجتماعي يتمثل يف شبكة من األنساق الفرعية املستقرة التفاعل‪ ،‬وتساهم التنشئة االجتماعية يف حتقيق التوازن‬
‫بينها‪ ،‬واملدرسة تسعى يف النهاية حسب هذا التصور إىل تلبية جمموعة من احلاجات االجتماعية‪ ،‬وال تتوقف عند نقل‬
‫املعارف واملهارات‪ ،‬ولكن تقوم باإلعداد غري الرمسي لألدوار االجتماعية يف املستقبل( ‪.)Nathalie Bulle, 2005‬‬
‫يتبني إذن أن املقاربة الوظيفية لظاهرة العنف يف الوسط املدرسي ال خترج عن الرؤية النسقية للوظائف واألدوار‪،‬‬
‫إذ العنف أساسه فكرة انعكاس األجزاء يف كل واحد‪ ،‬واالعتماد املتبادل بني العناصر املختلفة للمجتمع‪ ،‬لذلك فإن أي‬
‫تغيري يف اجلزء يتبعه تغيري يف الكل‪ ،‬وقد تبىن هذا االجتاه العديد من علماء الرتبية الغربيني منهم‪ :‬روبرت مريتون‬
‫)‪ ،(Merton‬ديفيز )‪ ،(Davis‬بارسونز )‪ ،(Barson‬كروز )‪ ،(Cruese‬وآخرون(بركات‪ ،‬علي‪.)8044،‬‬
‫لقد مت النظر يف هذه املقاربة إىل ظاهرة العنف من زاوية االحنراف االجتماعي‪ ،‬إذ العنف ترمجة فعلية لظاهرة‬
‫االحنراف القيمي‪ ،‬فاألعمال األوىل يف هذا اجملال جندها ضمن نظريات االحنراف االجتماعي ذات التوجيه‬
‫الوظيفي‪ ،‬وتقوم هذه النظرية حسب علماء االجتماع والرتبية الربيطانيني واألمريكيني على فرضية احنراف الشباب يف‬
‫الوسط اجملتمعي‪ ،‬والذي يظهر جبالء يف املؤسسات املدرسية‪ ،‬مما يظهر خلال كبريا يف النظام املدرس ‪Peignard‬‬
‫)‪ ،)Emmanuel, Roussier-Fusco Elena, Henriot-Vanzanten, 1998‬وترجع أسباب هذا االحنراف‬
‫يف تصور الوظيفيني إىل اخللل يف بناء القيم لدى األفرد‪ ،‬واعتبار التحوالت اهليكلية لألسرة أهم أسباب تفسري العنف‬
‫املدرسي‪ ،‬إذ السلوكيات العنيفة لظاهرة العنف هي نتاج مادي وعالئقي لألسرة وأمهها (انفصال الوالدين‪ ،‬غياب‬
‫العالقات العاطفية بني أفرادها‪ ،‬عدم وجود أخوة‪ ،‬التعليم أكثر صرامة أو أكثر تراخيا‪ ،‬غياب الرقابة‪ ،‬غياب اآلباء‬
‫عن أنشطة أبنائهم‪ ،‬القلق‪ ،...‬وهي كلها عوامل تسهم يف بناء شخصية عنيفة )‪.(Cecile Carra, 2009‬‬
‫والعنف يف الوسط املدرسي ما هو إال جتلي لالختالالت الوظيفية اليت أصايب عملية التنشئة االجتماعية‬
‫والتعليمية للتالميذ‪ ،‬وتبدو الوظيفة التكاملية للنسق الثقايف واالجتماعي على درجة كبرية من األمهية يف النظرية‬
‫الوظيفية‪ ،‬ويتحقق ذلك من خالل تعزيز القيم والسلوك املقبول اجتماعيا‪ ،‬وهي وظائف مألوفة للكنيسة واملدرسة‪ ،‬وخترتق‬
‫قيم النسق بأكمله‪ ،‬وهي أيضا أساس اإلمجاع االجتماعي الذي يدعم النظام االجتماعي(دونال‪ ،‬مايك‪.)8008 ،‬‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪61‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫كما تربز أيضا يف ميدان الدراسات السوسيولوجية‪ ،‬النظرية البنائية الوظيفية كأحد أهم املداخل املفسرة للواقع‬
‫اال جتماعي على مستوى اجتماعي كلي ماكرو سوسيولوجي‪ ،‬حيث تعترب أن البناء االجتماعي املتمثل يف املؤسسة‬
‫املدرسية قد ينتج أمناطا سلوكية تعترب وظائف ولكنها منحرفة(فوزي‪ ،‬أمحد بن دريدي‪.)8002 ،‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن جل السلوك الذي نسميه سلوكا منحرفا يعكس احنرافا يف القيم االجتماعية‪ ،‬ومن مث‬
‫فإن العنف هو نتاج لظروف اجتماعية تتمثل يف األوضاع العائلية وظروف العمل وضغوطه وحاالت البطالة والتفرقة على‬
‫أشكاهلا املختلفة‪ ،‬وغري ذلك من عوامل اجتماعية واقتصادية(رشوان‪ ،‬حسني عبد احلميد‪.)8004 ،‬‬
‫‪ -2‬المقاربة التفاعلية الرمزية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي‪:‬‬
‫ينطلق أصحاب املنظور التفاعلي يف دراستهم للنظام التعليمي من جزئية الفصل الدراسي‪ ،‬فالعالقات داخل‬
‫الفصل الدراسي بني املتعلمني واملدرسني عالقات اسرتاتيجية وحامسة‪ ،‬ألنه خالل الفصل ميكن التفاوض‬
‫عن احلقيقة‪ ،‬حيث يدرك التالميذ حقيقة أهنم "ماهرين" أو "أغبياء" أو "كساىل"‪ ،‬ويف ضوء هذه املقوالت يتفاعل‬
‫التالميذ واملدرسون بعضهم مع بعض‪ ،‬ومن مث ينجزون يف النهاية "جناحا" أو "فشال" تعليميا‪ ،‬وعليه يصبح من الضروري‬
‫كما يؤكد أصحاب منظور التفاعل أن نقوم بدراسة الكيفية اليت تتم بالعملية‪ ،‬والطرق اليت يعطي هبا املدرسون واملتعلمون‬
‫معىن للمواقف التعليمية(محدي‪ ،‬علي أمحد‪.)8002 ،‬‬
‫ويركز أصحاب هذه املقاربة يف حتليالهتم على الصورة الفعلية اليت توجد داخل املؤسسات التعليمية‪ ،‬وحتليل‬
‫العالقة بني التالميذ ونوعية هذه املؤسسات‪ ،‬باإلضافة إىل دراسة العالقة بني التالميذ واملدرسني وإدارهتم‬
‫التعليمية‪ ،‬و" تفسير السلوك الدراسي وانعكاساته على عمليات التنشئة االجتماعية‪ ،‬ومستويات االستيعاب‬
‫ودرجات الذكاء‪ ،‬وعالقتها بنوعية المناهج والمقررات الدراسية والفئات العمرية‪ ،‬وكذلك المشكالت األسرية‬
‫من العوامل الداخلية التي تشكل أنماط‬ ‫ونوع ية البناء الطبقي واألسري‪ ،‬عالوة على تحليل مجموعة‬
‫السلوك‪ ،‬ونوعية الحياة المدرسية‪ ،‬والثقافات العامة والفرعية داخل المدرسة‪ ،‬وتأثيرا واتجاهات وميول المدرسين‬
‫نحو تالميذهم‪ ،‬ومستوى إعداد المدرسين ونوعية مهارتهما التعليمية والتدريسية‪ ،...‬باإلضافة إلى العوامل األخرى‬
‫التي تشكل الحياة التعليمية والتربوية داخل الفصول واألبنية الدراسية "(عبد اهلل‪ ،‬حممد عبد الرمحان(دون سنة)‪.‬‬
‫كما يرى أصحاب هذه املقاربة التفاعلية الرمزية أيضا أن ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬هي نتاج لعملية‬
‫ال تعلم االجتماعي‪ ،‬فمع التنشئة االجتماعية املبكرة يتعلم األطفال العنف سواء من اآلباء أو األقارب أو األصدقاء‪،‬‬
‫ومبالحظتهم للعامل وللحياة االجتماعية من حوهلم يبدو العنف هلم وكأنه أداة ضرورية للبقاء والنجاح‪ ،‬فاألفراد إذن‬
‫يتعلمون العنف بنفس الطريقة اليت يتعلمون هبا أي نوع آخر من أنواع السلوك‪ ،‬والعنف هنا يتم تعلمه داخل املنزل‬
‫(معتوق مجال‪.)8048 ،‬‬
‫إن األسرة هي املؤسسة االجتماعية األوىل املسؤولة عن تكوين شخصية الطفل من النواحي العقلية واألخالقية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬وقد اهتم العديد من الباحثني باألسرة ملا هلا من دور مؤثر وفعال يف االحنراف والسلوك العنيف‪ ،‬وذلك ملا‬
‫حتتله األسرة من أمهية حيوية يف عملية التنشئة االجتماعية للفرد‪ ،‬فعن طريقها تغرس يف نفس الصغري خالل سنوات‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪62‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫طفولته املبكرة أمناط ومناذج أفعاله واستجاباته جتاه التفكري واإلحساس والقيم واملعايري‬
‫(السعايدة‪ ،‬جهاد علي‪ ، )8041 ،‬وتسهم شبكة العالقات االجتماعية اليت يقيمها الفرد مع أقرانه يف مقاومة القواعد‬
‫املدرسية‪ ،‬إذ " املناخ العالئقي يسهم يف فهم تصورات عالقة التالميذ مع أقراهنم‪ ،‬وبني التالميذ مدرسيهم‪ ،‬وهذا املناخ‬
‫العالئقي يسمح بإنتاج القواعد وإعادة إنتاج القواعد املدرسية (املدرسة والصف) وتطبيقاته من خالل املشاركة ‪(Cecile‬‬
‫)‪ ،Carra, 2009‬وتتطور هذه التمثالت البيداغوجية مع تطور املؤسسة (املدرسة) لتستجيب حلاجات اجملتمع‪ ،‬مع‬
‫استقاللية نسبية للمدرسة‪ ،‬وتعطي املعارف املدرسية طرائق جديدة للتفكري‪ ،‬وتعترب املدرسة أداة رئيسية للتقدم االجتماعي‬
‫من أجل التطور حنو اجملتمعات العقالنية ‪.‬‬
‫‪ -3‬المقاربة الصراعية لظاهرة العنف في الوسط المدرسي‪:‬‬
‫انطالقا من التحليل املاركسي لظاهرة الصراع االجتماعية يف اجملتمعات احلديثة‪ ،‬يرى أصحاب املقاربة الصراعية‬
‫أن املدرسة تعترب أحد األدوات اإليديولوجية اليت توظفها الطبقات االجتماعية الربجوازية لتعيد إنتاج هيمنتها وسيطرهتا‬
‫على باقي الطبقات االجتماعية يف اجملتمع‪ ،‬لذلك ينشب العنف يف فضاء املدرسة للتعبري عن حالة االغرتاب اليت يشعر‬
‫هبا التالميذ ذووا األصول االجتماعية الربوليتارية داخل فضائهم املدرسي‪ ،‬وكشكل من أشكال املقاومة االجتماعية حلالة‬
‫تزييف الوعي الذي يتعرضون له باستمرار داخل املدرسة‪ ،‬إذ " المدرسة هي مكان النضال بين الطبقات االجتماعية‬
‫المتناقضة‪ ،‬فسلوكيات تالميذ الطبقة البروليتاريا تعبر عن طبقتهم االجتماعية‪ ،‬بينما تفرز الطبقة االجتماعية‬
‫البرجوازية إيديولوجيتها المهيمنة التي التي تتجه نحو الهيمنة واالستفزاز‪ ،‬فيتولد عن هذا الصراع حاالت‬
‫من العنف المدرسي‪ ،‬معارضة سلبية وإيجابية") ‪.) Debarbieux Eric, Montoya Yves, 1998‬‬
‫كما جند العديد من الباحثني املعاصرين الذين طوروا املقاربة السوسيولوجية الصراعية يف دراسة ظاهرة العنف‬
‫يف الوسط املدرسي‪ ،‬من أبرزهم بيار بورديو الذي حتدث عنه بشكل مفصل ضمن احلقل املدرسي‪ ،‬إذ انطلق من مقاربته‬
‫للعنف يف الوسط املدرسي من فكرة مفادها أن ‪ ":‬كل فعل بيداغوجي إنما هو موضوعيا عنف رمزي‪ ،‬على اعتبار أنه‬
‫فرض بواسطة سلطة اعتباطية العتباط ثقافي "(بورديو‪ ،‬بيار‪ ،)8002 ،‬ومن هنا " يتعبر النشاط التربوي موضوعيا‬
‫في حيثية أولى عنف رمزي‪ ،‬وهي كون عالقات القوة بين الجماعات والطبقات التي تتألف منها التشكيلة‬
‫االجتماعية تؤصل النفوذ التعسفي باعتباره شرطا النعقاد عالقة االتصال التربوي‪ ،‬أي لفرض وترسيخ نموذج ثقافي‬
‫تعسفي وفق نمط تعسفي من الفرض والترسيخ التربوي "( بورديو‪ ،‬بيار‪ ،)4881 ،‬وهبذا املعىن فإن أي نشاط يقوم‬
‫على العنف الرمزي يتوصل إىل فرض نفسه (أي إىل فرض اجلهل حبقيقته املوضوعية بوصفه عنفا) يفرتض موضوعيا وجود‬
‫تفويض للصالحية(بورديو‪ ،‬بيار‪ ، )4881 ،‬أي عملية إضفاء الشرعية على العنف الرمزي‪ ،‬حيث يتم قبوله دون مقاومة‬
‫وهو ما ميكن أن نطلق عليه مصطلح تزييف الوعي‪.‬‬
‫يشري بورديو يف نفس السياق‪ ،‬إىل أنه ال تتمع املرجعية الرتبوية بالسلطة الرتبوية اليت تعطيها القدرة على شرعنة‬
‫الت عسف الرتبوي الذي ترسخه‪ ،‬إال ضمن حدود يرمسها هذا التعسف الرتبوي سواء من حيث منطها يف الفرض (منط‬
‫الفرض الشرعي)‪ ،‬أو من حيث حتديدها ملا تفرضه وللمؤهلني لفرضه ( املربني الشرعيني) وملن يفرض عليهم (املرسل‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪63‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫عليهم الشرعيني) إنتاج املبادئ األساسية اخلاصة بنموذج التعسف الثقايف الذي تنتجه مجاعة أو طبقة بوصفه أهال ألن‬
‫ينتج‪ ،‬وذلك بفعل وجودها نفسه أو من خالل تفويض تعطيه هذه اجلماعة أو الطبقة ملرجعية معينة يؤمن هلا سلطة‬
‫معاودة إنتاجه(بورديو‪ ،‬بيار‪ ،)4881 ،‬وهذا يعين أن ثقافة املؤسسات الرتبوية ترمز إىل ثقافة الطبقة اليت هتيمن‪ ،‬وهي‬
‫ثقافة غري مربرة منطقيا عندما يتم اختيارها و فرضها بصورة اعتباطية تعسفية(الوطفة علي أسعد‪.)8009 ،‬‬
‫ويف هذا اإلطار جند العديد من الباحثني املعاصرين من ربط بني العنف املدرسي واالستبعاد االجتماعي يف املدن‬
‫املعاصرة‪ ،‬فانطالقا من التوزيع اجلغرايف لظاهرة العنف احلضري‪ ،‬تبني للباحثني أن املدارس اليت تقع يف املناطق احلضرية‬
‫املتخلفة تشهد منسوبا عاليا من العنف باملقارنة مع غريها من املدارس اليت توجد يف مناطق حضرية راقية‪ ،‬وبالتايل فأحد‬
‫املشكالت اليت تواجهها املدارس اليوم‪ ،‬تتمثل يف إشكال مقاومة النظام املدرسي‪ ،‬اليت تصنف يف خانة‪:‬‬
‫(قلة األدب) ‪ ،‬ويف منط من العنف يدخل يف رفض التغيب املتكرر‪ ،‬أو ما يعرف بالتسرب املدرسي‪ ،‬لتصبح أكثر تكرارا‬
‫ومتاديا )‪.(Payet Jean-Paul, 1998‬‬
‫وبناءا على هذا‪ ،‬تصبح ظاهرة العنف املدرسي تعرب من جهة على التفاوتات االجتماعية بني األفراد‬
‫املتمدرسني‪ ،‬وتعكس من جهة أخرى أزمة على مستوى الرابط االجتماعي‪ ،‬إذ " العنف في الوسط المدرسي هو نتيجة‬
‫لعدم قدرة المجتمع ومؤسساته في تحديد المعايير المتفق عليها‪ ،‬فضعف الرابط المدرسي يعكس بشكل مباشر‬
‫ضعف أدوار ووظائف الجهات الفاعلة في المجتمع "(‪.)Marc Barthélémy, 2007‬‬
‫ويرى أصحاب هذا التوجه يف مقاربة ظاهرة العنف يف الوسط املدرسي‪ ،‬أن هناك عوامل اجتماعية تغذي هذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬وهي تقع خارج الفضاء املدرسي‪ ،‬خاصة " ونحن نعلم دور البطالة في انحطاط الحياة األسرية‪ ،‬إذ كيف‬
‫لتلميذ يعرف أن والده أو أحد إخوته في حالة بطالة أو في منصب عمل غير دائم أن يتواصل معهم‪ ،‬فينتج عن‬
‫ذلك تدمير عميق لالرتباطات األسرية ")‪ ،( Bernard Defrance, 2005‬وبالتايل فالعنف ال عالقة له باالحنراف‬
‫األخالقي‪ ،‬وال عالقة له باختالل وظيفة النسق الرتبوي‪ ،‬وإمنا يرتبط العنف بظواهر اإلقصاء والتهميش‬
‫االجتماعيني‪ ،‬الذي تتعرض له العديد من الفئات االجتماعية داخل اجملتمع‪ ،‬من هنا" تقع المؤسسات الهشة‬
‫في المناطق الحضرية المتخلفة‪ ،‬واألحياء الفقيرة‪ ،‬وفي المناطق التي تعيش فيها الطبقات االجتماعية هي التي‬
‫تعيش صعوبات اقتصادية واجتماعية‪ ،‬لذلك تأخذ هذه االنحرافات المدرسية أشكاال عديدة "‪(Payet Jean-‬‬
‫)‪.Paul, 1998‬‬
‫كما يرى أصحاب النظرية الصراعية يف مقاربتهم لظاهرة العنف يف الوسط املدرسي أن له عالقة جندرية‪ ،‬إذ‬
‫العنف وسيلة بني النوعني (اجلنسني)‪ ،‬فهو يعد وسيلة أساسية لفرض سيطرة الرجل على املرأة‪ ،‬وقد أصبح العنف وسيلة‬
‫أيضا لتأكيد ع دم املساواة بني النوعني‪ ،‬وأداة للضغط على املرأة هبدف العودة إىل األسرة واملنزل‪ ،‬ومن وجهة نظر‬
‫أصحاب نظرية الصراع ميكن حل مشكلة العنف من خالل إتاحة فرص املساواة بني أفراد اجملتمع‪ ،‬وعدم استغالل فئة‬
‫ألخرى‪ ،‬وإتاحة الفرص للمشاركة العادلة يف الثروة والقوة(اخلويل‪ ،‬حممود سعيد‪.)8009 ،‬‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪64‬‬


‫ردمد‪0712-7171:‬‬ ‫المجلد ‪ 6‬العدد ‪ 4‬ديسمبر ‪0272‬‬ ‫التعليمية‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫يستخلص يف هناية هذه الدراسة بأن العنف هو ظاهرة اجتماعية تغذيها جمموعة من العوامل االجتماعية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وتتمظهر يف العديد من السلوكيات واملمارسات اليت تعين يف أبسط مدلوالهتا توظيف القوة لتحقيق هدف‬
‫ما‪ ،‬وينقسم إىل عنف فيزيائي وعنف نفسي غري مرئي‪ ،‬ويعد العنف يف الوسط املدرسي أحد أشكال العنف‬
‫االجتماعي‪ ،‬ويشري إىل جمموعة من املمارسات العنيفة اليت تكون املدرسة مسرحا هلا‪ ،‬وتعترب التنشئة االجتماعية والثقافية‬
‫من أبرز العوامل املغذية له‪ ،‬فحسب تصورات املقاربة الوظيفية فالعنف يف الوسط املدرسي يعرب عن خلل يف النسق‬
‫املدرسي ذاته‪ ،‬كعدم قدرته على أداء أدواره ووظائفه وعدم قدرته على التكيف والتكامل مع بقية األنساق االجتماعية‬
‫املشكلة للبناء االجتماعي للمجتمع‪ ،‬لكن أصحاب املقاربة التفاعلية يرون أن العنف يف الوسط املدرسي يرجع‬
‫إىل أشكال وأمناط التفاعل االجتماعي داخل الوسط املدرسي‪ ،‬إذ التفاعل يتم بطريقة حوارية نتيجة توفر قنوات التواصل‬
‫بني خمتلف الفاعلني‪ ،‬وإذا كانت هناك معوقات أو انسداد يف قنوات التواصل بني الذوات يف الفضاء املدرسي ينتج عنها‬
‫العنف‪ ،‬فتلجأ بالتايل الذوات الفاعلة إىل العنف كوسيلة للتعبري عن رغباهتا وحاجاهتا‪.‬‬
‫أما أصحاب املقاربة الصراعية فريون أن العنف يف الوسط املدرسي يرجع إىل امتداد الصراع االجتماعي بني‬
‫الطبقات االجتماعية من الفضاء اجملتمعي إىل الفضاءات املدرسية‪ ،‬وأن املدرسة هي أحد األدوات اإليديولوجية اليت‬
‫تس تخدمها الطبقات االجتماعية املسيطرة لالستمرار يف هيمنتها على الطبقات الفقرية والعمالية‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن‬
‫العنف يف الوسط املدرسي هو جتلي وتعبري عن الالمساواة االجتماعية يف اجملتمعات احلديثة‪ ،‬ويعرب عن وعي الذات‬
‫اإلنسانية باغرتاهبا داخل املدرسة‪ ،‬وهو ما حيفزها على ممارسة العنف كرد فعل على أشكال اهليمنة اليت تتعرض هلا‪.‬‬
‫قائمة الهوامش‪:‬‬
‫‪ -4‬بركات‪ ،‬علي(‪ ، )8044‬العوامل اجملتمعية للعنف املدرسي‪ ،‬دراسة ميدانية يف مدينة دمشق السورية‪ ،‬منشورات اهليئة العامة السورية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سوريا‪ ،‬ص‪.29 .‬‬
‫‪ -8‬بورديو‪ ،‬بيار(‪ ،)8002‬إعادة اإلنتاج يف سبيل نظرية عامة لنسق التعليم‪ ،‬ترمجة ماهر ترميش‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬منشورات مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ص‪.09 .‬‬
‫‪ -2‬بورديو بيار(‪ ،)4881‬العنف الرمزي‪ :‬حبث يف أصول علم االجتماع‪ ،‬ترمجة مجيل ظاهر‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬نشر املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬باملغرب‪،‬‬
‫ص‪.49 .‬‬
‫‪ -1‬محدي‪ ،‬علي أمحد(‪ ، )8002‬مقدمة يف علم اجتماع الرتبية‪ ،‬منشورات دار املعرفة اجلامعية املصرية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.490 .‬‬
‫‪ -5‬خليل‪ ،‬أمحد خليل(‪ ، )4891‬املفاهيم األساسية يف علم االجتماع‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار احلداثة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.429 .‬‬
‫‪ -2‬اخلويل‪ ،‬حممود سعيد(‪ ،)8009‬العنف املدرسي‪ :‬األسباب وسبل املواجهة‪ ،‬سلسلة قضايا العنف‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬منشورات املكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ص‪.448 .‬‬
‫‪ -2‬رشوان‪ ،‬حسني عبد احلميد(‪ ،)8004‬العنف واجملتمع‪ :‬دراسة يف علم االجتماع النفسي والسياسي واالتصايل‪ ،‬نشر مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ص‪.422 .‬‬
‫‪ -9‬دونال‪ ،‬مايك(‪ ،)8008‬نظرية علم االجتماع‪ :‬منوذج واحد أو مناذج متعددة"‪ ،‬ترمجة مصطفى خلف عبد اجلواد‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث االجتماعية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ص‪.428 .‬‬
‫‪ -8‬رايو‪ ،‬باتريك‪ -‬إغنيس‪ ،‬فان زاننت(‪ ،)8042‬الرتبية يف مائة كلمة‪ ،‬ترمجة هنوا عز الدين الكايف‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬نشر املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ص‪.88 .‬‬

‫محمد سليماني‬ ‫‪65‬‬


0712-7171:‫ردمد‬ 0272 ‫ ديسمبر‬4 ‫ العدد‬6 ‫المجلد‬ ‫التعليمية‬
‫ دراسة‬:‫ أسباب العنف املدرسي ووسائل احلد منها من وجهة نظر أولياء أمور طلبة املرحلة األساسية العليا يف األردن‬، )8041(‫ جهاد علي‬،‫ السعايدة‬-40
.59 .‫ ص‬،‫ األردن‬،‫ عمان‬،4 ‫ العدد‬،14 ‫ اجمللد‬،‫ جملة دراسات العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬،‫ميدانية يف قضاء عرياويرقا‬
.898 .‫ ص‬،‫ مصر‬،‫ اإلسكندرية‬،‫ منشورات دار املعرفة اجلامعية‬،‫ النشأة التطورية‬:‫ علم اجتماع الرتبية‬،)‫ حممد عبد الرمحان(دون سنة‬،‫ عبد اهلل‬-44
‫ جامعة نايف العربية للعلوم‬،‫ منشورات مركز الدراسات والبحوث‬،‫ العنف لدى التالميذ يف املدارس الثانوية اجلزائرية‬، )8002(‫ أمحد بن دريدي‬،‫ فوزي‬-48
.50 .‫ ص‬،‫ اململكة العربية السعودية‬،‫ الرياض‬،‫األمنية‬
.802 .‫ ص‬،‫ مصر‬،‫ القاهرة‬،‫ منشورات دار الكتاب احلديثة‬،‫ الطبعة األوىل‬،‫ مدخل إىل سوسيولوجيا العنف‬، )8048(‫ معتوق مجال‬-42
.12 .‫ ص‬،‫ املغرب‬،‫ دار توبقال للنشر‬،‫ الطبعة األوىل‬،‫ العنف‬،)8008(‫ بعزيز لزرق‬-‫ هاليل حممد‬-41
.25 .‫ ص‬،‫ سوريا‬،‫ دمشق‬،‫ وزارة الثقافة‬،‫ منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب‬،‫ العنف والعدوانية يف التحليل النفسي‬، )8009(‫ الوطفة علي أسعد‬-45
‫ جملة الشؤون‬،‫ قراءة يف الوظيفة البيداغوجية للعنف الرمزي يف الرتبية املدرسية‬،‫ من الرمز والعنف إىل ممارسة العنف الرمزي‬، )8009(‫ الوطفة علي أسعد‬-42
.82 .‫ ص‬،‫ سوريا‬،‫ دمشق‬،‫ وزارة الثقافة‬،‫ منشورات اهليئة العامة السورية للكتاب‬، 401 .‫ العدد‬،‫االجتماعية‬
17- Bernard Defrance (2005), la violence à l’école, revue de la gendarmerie nationale, Décembre
200, p. 22.
18- Cecile Carra(2009), « pour une approche contextuelle de la violence, le role du climat
d’ecole », international journal of violence and Scool, 8 juin 2009, p. 03.
19- Debarbieux Eric, Montoya Yves(1998), la violence à l’école en France : 30 ans de construction
sociale de l’objet (1967- 1997), revue française de pédagogie, volume 123, Paris, France, p. 97.
20- Guide l’intention des enseignants(2012), avec la violence à l’école, consulté le site web :
www.unesco.org/fr/education.
21- Joing Isabelle(2010),« Violence à l’école, vers une responsabilité fonctionnelle des institutions
scolaires, International journal of violence and School, 11 Septembre 2010, p. 35.
22- Marc Barthélémy(2007), les jeunes et le lien social a propos de la violence scolaire, Corps et
culture, Numéro 3, 1998, mis en ligne le 24 septembre 2007.
23- Nathalie Bulle(2005), sociologie de l’éducation, Dictionnaire de la pensée sociologique, p. 09.
24- Payet Jean-Paul(1998), la ségrégation scolaire : une perspective sociologique sur la violence à
l’école, revue française de pédagogie, volume 123, Paris, France, p. 03.
25- Peignard Emmanuel, Roussier-Fusco Elena, Henriot-Vanzanten(1998), « la violence dans les
établissements scolaires britanniques : approches sociologiques, revue française de pédagogie,
volume 123, Paris, France, p. 22.
26-Yves Montoya, Hervé Benoit(2011), « Les violences à l’école », La nouvelle revue de
l’adaptation et de scolarisation, N° 53, p. 05.

‫محمد سليماني‬ 66

You might also like