Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 21

‫املصرفــــية اإلســـالمية‬

‫فـي فــكـــر املـؤسســــني الــــرواد‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ياسرعبد الكريم الحوراني‬
‫جامع ـ ـ ـة العلوم اإلسالمي ـة العامليـة اململك ـ ــة األردنيـ ـ ـ ـ ــة الهاشمي ـ ـ ــة‬
‫‪yasirhorani@yahoo.com‬‬

‫حبث مقدم للمؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي‬


‫( املصارف االسالمية بني فكر املؤسسني وواقع التطبيق )‬

‫‪ 17-16‬أبريل ‪ 2018‬م – اسطنبول تركيا‬


‫لت‬ ‫ياسركـرـالمؤسسي‬ ‫لم‬
‫احلورانينـوواقـعـا طبيق‬ ‫ميةـ‬
‫أ‪.‬دنيبـف‬
‫‪...........‬سال‪ ‬ـ‬
‫ارفـاال‬ ‫ص‬
‫الرواد ـ‬
‫‪.......‬‬ ‫املؤسسني‪ ......‬ا‬ ‫يف فكر‬
‫واالقتصاد االسالمي‬ ‫االسالمية‬
‫للتمويل‬ ‫املصرفيةاألوربية‬
‫املؤمتر األول لألكادميية‬

‫املل ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فقد شهدت انطالقة املصرفية اإلسالمية منعطفات حادة طيلة مسيرتها التي وصلت إلى نحو نصف‬
‫ً‬
‫قرن‪ ،‬خصوصا في مجال الفكر واملمارسة‪ ،‬ودخلت فيها بعض املؤسسات املالية ٍ‬
‫اإلسالمية للعمل في إطار‬
‫ً‬
‫صيغ تمويلية مغطاة بفتاوى متساهلة‪ ،‬ومدعومة ضمنيا‪ ،‬في بعض األحيان‪ ،‬من تيار فكري يميل للدفاع‬
‫عن الحجج التبريرية لنظريات الفائدة‪.‬‬
‫يركز هذا البحث على التجربة املصرفية اإلسالمية في إطار محاولة تستجمع معالم بدايات التكوين‪،‬‬
‫والتي يمكن وصفها بمدرسة الرواد األوائل‪ ،‬إلى جانب محاولة إبراز الخصائص والسمات العامة لهذه‬
‫املدرسة‪ ،‬ومعرفة أهم مفكريها‪ ،‬والبيئة الفكرية الحاضنة لها‪ ،‬واإلسهامات املنجزة فيها‪.‬‬
‫وتأتي أهمية هذا البحث من خالل التنقيب في األصول التي تشكل مرجعية شرعية واجتماعية‬
‫لألنشطة املصرفية اإلسالمية الالحقة‪ ،‬حيث تمهد لإلفادة منها كأدوات قياس يحكم بها على كل القضايا أو‬
‫التجارب املستحدثة‪.‬‬
‫ويفترض البحث وجود عملية تشكيل جديد للخصائص الفطرية التي تميز بها طور الوالدة‪ ،‬أخذت‬
‫باالتساع عبر طور النشأة‪ ،‬وامتدت في تطور متسارع‪ ،‬أدى بعد فترة وجيزة لالنتقال من القطاع الثالث‪ ،‬إلى‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬والعمل في منظومة مؤسسات تمويلية تسعى لتعظيم األرباح مع وجود فاقد في الفرص‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪.‬‬
‫وربما تتمثل أهم اإلشكاالت التي تصاحب البحث في كيفية الوصول للتجربة التاريخية‪ ،‬باعتبار أن ما‬
‫يمكن الوقوف عليه ال يعكس سمات الوالدة‪ ،‬وال يكفي للحكم على خصائص النشأة‪ ،‬إذ أن كل تجربة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تاريخية تتضمن مكنوزا ثمينا ال يسبر غوره‪ ،‬على نحو أدق‪ ،‬إال بالشواهد الحاضرة‪ ،‬وكثرة األخبار‬
‫املتواترة‪.‬‬
‫ومع وجود دراسات سابقة مكثفة في صناعة التمويل اإلسالمي‪ ،‬لكن هناك إخفاق في تحري األفكار‬
‫والتيارات التي أدت‪ ،‬وأودت‪ ،‬بالتكوين الحقيقي ملدرسة الرواد‪ ،‬والتأثير في سالمة الوالدة وقوة النشأة لهذه‬
‫املدرسة‪ ،‬التي لم تمكث في العمل واملساندة االجتماعية في القطاع الخيري الثالث إال برهة يسيرة ما لبثت‬
‫أن انطفأت جذوتها‪.‬‬
‫املصرفية اإلسالمية في فكراملؤسسين الرواد‬
‫ينقسم البحث إلى ثالثة محاور تغطي مراحل بروز العمل املصرفي اإلسالمي‪ ،‬ومنعطفاته في التحول‬
‫من القطاع الثالث إلى القطاع الخاص‪ ،‬مع اإلشارة إلى أهم االستنتاجات التي تولدت بفعل التحوالت‬
‫الجذرية في الخصائص واألهداف‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫احملور األول‪:‬‬
‫مقدمة يف تاريخ العمل املصريف وعالقته بالتجارة يف اإلسالم‬

‫ً‬
‫غالبا ما تشير الكتابات التاريخية‪ ،‬في حقل التمويل عامة‪ ،‬إلى أن بداية العمليات املصرفية تنسب إلى‬
‫الجهود التي بذلت في التواصل التجاري بين البلدان‪ ،‬ومع صحة هذا االفتراض يميل نفر من الباحثين إلى‬
‫االعتقاد بأن العمل املصرفي أخذ يتشكل في طور البداية والتكوين في إيطاليا‪ ،1‬ألنها تشكل منطقة‬
‫التواصل بين التجار في مدن إيطالية عريقة؛ مثل البندقية وفلورنسا وجانوا‪ ،‬وتعود إليها في اشتقاق‬
‫املصطلح‪ ،‬وهو )‪ ،(Banco‬والذي يدل في اإليطالية على معنى املصرف‪ .‬كما أن هناك اتجاهات أخرى تشير‬
‫إلى دور اليونان‪ ،‬وأهمية املعابد فيها كبيوت مصرفية يأنس إليها الناس في معامالتهم املالية‪ ،‬ملا تتمتع به من‬
‫القداسة واألمانة ورد الحقوق ألصحابها‪.‬‬
‫ولكن يشكك آخرون بهذه املزاعم جميعها‪ ،‬ألن تحديد بداية العمل املصرفي يرتبط بتاريخ الحضارات‪،‬‬
‫وهذا التاريخ هو الفضاء الوحيد في حياة البشرية الذي ال يبدأ من نقطة البداية‪ ،‬مما يعني صعوبة تحديد‬
‫الفترة التي شهدت والدة العمل املصرفي بشكل دقيق‪ ،‬وحتى لو أشارت بعض الوثائق والحفريات التاريخية‬
‫إلى ذلك‪ .2‬ومن جانب آخر يزعم بعضهم أن النشاط املصرفي ربما بدأ بشكل أولي في فترة ما قبل التاريخ‪،‬‬
‫باستخدام أسلوب املداينة في نظام اقتصادي قائم على املقايضة‪.3‬‬
‫ولكن رغم هذا االختالف في تحديد اإلطار التاريخي الذي شهد صناعة الصيرفة‪ ،‬بات من املؤكد أن‬
‫ً‬
‫حاجة اإلنسان إلى التعامل املصرفي تزامنت مع ظهور النقود في املبادالت‪ ،‬وتحديدا مع نمو األنشطة‬
‫املعاشية التي يمارسها اإلنسان في مجاالت الزراعة والتجارة والحرف وغيرها‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫ومع ظهور اإلسالم في القرن السابع امليالدي‪ ،‬شهد النشاط املصرفي‪ ،‬منعطفا جديدا في صقل‬
‫العالقات اإلنسانية على أسس إيمانية لم تعرف من قبل‪ ،‬وأصبح دور التجار في هذا النشاط أكثر أهمية‪،‬‬
‫وهو ما يؤكده ليبر بأنه "من القرن السابع امليالدي وما بعده‪ ،‬استطاع املسلمون تطوير التجارة ذات‬
‫املسافات الطويلة والدولية‪ ،‬إلى حد فاق كل ما عرف من قبل‪ ،‬ربما ألن اإلسالم هو أحد األديان العظيمة‬
‫التي تمنح التاجر مكانة مرموقة في املجتمع"‪.4‬‬
‫ولعل دور التجار املسلمين يكتسب أهميته في صناعة الصيرفة بسبب األحكام التشريعية الجديدة‪،‬‬
‫والتي بثها الرسول ‪ ‬في تعزيز عالقتهم باملجتمع‪ ،‬وتأدية الحقوق‪ ،‬وقد روي أن الرسول ‪ ‬خاطب التجار‬

‫‪ .1‬شاش ي‪ ،‬عبد القادر حسين‪ ،‬أصل وتطور العمليات املصرفية التجارية واإلسالمية‪ ،‬مجلة جامعة امللك عبد العزيز‪ :‬االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬جدة‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬مج‪ ،21‬ع‪ ،2‬ص‪.3‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.Orsingher, R. (1967) Banks of the World, Macmillan, London, P1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪. Homer, S. (1963) A History of Interest Rates, Reutgers University Press New Brunswick, NewJersey, P17.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Lieber, A.E. (1968) “Eastern Business Practices and Medieval European Commerce”, Economic History Review, 21, P 230.‬‬
‫‪17‬‬
‫لت‬ ‫‪  ..................‬أ‪.‬د ياسر لم سس‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫احلوراني‬ ‫ـ‬
‫الرواد‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫وصلى َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ‬
‫وأدى األمانة"‪ ،1‬وقد زكى هذه الحرفة بقوله‬ ‫القيامة ف َّجا ًرا إال من صدق‬
‫ِ‬
‫باعثكم َ‬
‫يوم‬ ‫بقوله "إن اَّلل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫"عليك ْم بالتجارة‪َّ ،‬‬
‫الرزق"‪ .2‬وال شك أن هنالك ضوابط تشريعية للعمل بالتجارة‬‫ِ‬ ‫أعشار‬
‫ِ‬ ‫فإن فيها تسعة‬ ‫ِ‬
‫تقوم على معرفة األساسيات الفقهية في هذا الجانب‪ ،‬قال عمر بن الخطاب‪" :‬ال يبع في سوقنا إال من تفقه‬
‫في الدين"‪ ،3‬وروي عن علي رض ي هللا عنه قوله "الفقه قبل التجارة‪ ،‬إنه من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم في‬
‫الربا ثم ارتطم"‪ ،4‬وهناك فضائل كثيرة في التجارة حتى عدها بعض الفقهاء أنها أفضل املهن‪.‬‬
‫وقد ساعد موقع مكة املكرمة على تنشيط العمل بالتجارة‪ ،‬وورد أن العمليات املصرفية في مكة‬
‫املكرمة بدأت تتشكل على وجه التحديد مع ازدياد عمليات التبادل‪ ،‬وتطورها عبر التجار املحليين‪ ،‬عن‬
‫طريق اإلقراض واالقتراض‪ ،‬والكفالة‪ ،‬وحفظ األمانات‪ ،‬وغيرها من املعامالت التي تجسد الصورة األولية‬
‫ً‬
‫لصناعة الصيرفة‪ .‬واتسع نطاق دور التجار املسلمين في حركة التعامل التجاري الدولي‪ ،‬خصوصا مع توافد‬
‫الحجاج واملعتمرين للبيت الحرام‪ ،‬وهم يجلبون إليها ما يمكن إنفاقه من السلع مقابل ما يحملون من‬
‫هدايا ومنتوجات أخرى إلى بالدهم‪.‬‬
‫ويتضح أثناء هذه الفترة‪ ،‬أنه من املمكن وجود صرافين من غير وجود مصارف‪ ،‬ويطلق على هؤالء‬
‫الصرافين أو الصيارفة أيضا وصف الجهابذة‪ ،‬وهم يقومون باألعمال الحقيقية ألعمال الصيرفة‪ ،‬ولكن‬
‫دون وجود مؤسسات مستقلة تراعي هذه األعمال‪.‬‬

‫ومع انتشار الدولة اإلسالمية وتوسعها‪ ،‬أخذ دور التجار يزداد في تطبيق أعمال الصيرفة اإلسالمية‪،‬‬
‫ً‬
‫خصوصا أن الدولة اإلسالمية تحتضن مسلمين من أصول جديدة‪ ،‬إضافة إلى األصول العربية‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى اكتساب خبرات ومهارات جديدة في فن الصيرفة‪ ،‬وال يخفى هنا أيضا دور الطبقات أو الشرائح‬
‫االجتماعية األخرى التي تعيش في الدولة اإلسالمية؛ مثل الفرس والبربر واليهود والنصارى واألرمن‪.5‬‬
‫ومن الشواهد في ذلك ما يرويه الجاحظ‪" :‬ما عظم النصارى في قلوب العوام أن منهم كتاب‬
‫السالطين‪ ،‬وأطباء األشراف‪ ،‬والصيارفة"‪ ،6‬وقال املقدس ي وهو يتناول إقليم الشام‪" :‬وأكثر الجهابذة‬
‫والصباغين والصيارفة بهذا اإلقليم يهود"‪.7‬‬

‫‪ .1‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬الآللئ املصنوعة‪ ،‬دار املعرفة‪1975 ،‬م‪ ،١٤١/٢ ،‬حديث صحيح‪.‬‬
‫‪ .2‬السبكي‪ ،‬عبد الوهاب بن علي‪ ،‬طبقات الشافعية الكبرى‪.٣١١/٦ ،‬‬
‫‪ .3‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيس ى‪ ،‬سنن الترمذي‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪1998 ،‬م‪ .٤٨٧ ،‬وقال‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫‪ .4‬ابن رجب‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد‪ ،‬ورثة األنبياء‪ :‬شرح حديث أبي الدرداء‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفاروق‪1423 ،‬هـ‪ ،٢٣/١.‬وإسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪ .5‬شاش ي‪ ،‬عبد القادر حسين‪ ،‬أصل وتطور العمليات املصرفية التجارية واإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪ .6‬الدوري‪ ،‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي‪ ،‬بغداد‪ ،1948 ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ .7‬املقدس ي‪ ،‬محمد‪ ،‬أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم‪ ،‬بيروت‪1909 ،‬م‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫‪18‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫وانتشرت املصارف في شتى أطراف الدولة اإلسالمية حتى أصبح في كل مدينة مصرف‪ ،‬وقامت أسواق‬
‫مختصة للصيارفة‪ ،‬وازداد أعداد الصرافين في هذه األسواق‪ ،‬ويروي ناصر خسرو فيما شاهد من ذلك أنه‬
‫ً‬
‫كان بسوق الصرافين بمدينة أصفهان مائتا صراف‪ ،‬وكانوا جميعا يجلسون في سوق واحدة تسمى سوق‬
‫الصرافي‪ .1‬وربما ساعد على قوة هذا االنتشار انتقال األموال وتدفق العمالت من الخارج‪ ،‬والتي ترسل من‬
‫األقاليم إلى مركز الدولة اإلسالمية‪ ،‬إضافة إلى ما يحمله التجار من عمالت غير متداولة إلى األسواق‬
‫املحلية‪.2‬‬
‫ومن املعروف أن الصيارفة في تلك الفترة كانوا يقومون بأنشطة مصرفية عديدة؛ مثل املراطلة؛ وتعني‬
‫ً‬
‫بيع الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة بمثله وزنا‪ ،‬وكذلك يقومون ببيع الصرف مثل بيع الذهب بالفضة‬
‫ً‬
‫متفاضال‪ ،‬ولكن بضوابط فقهية تقوم على التقابض في مجلس العقد‪ ،‬وشاع استخدام السفتجة في‬
‫الدولة اإلسالمية وهي من أدوات التحوط واألمان‪ ،‬كما أن املصارف في هذه الفترة كانت تزاول أعمال قبول‬
‫الودائع‪ ،‬وائتمان األموال‪ ،‬وتسديد السلف‪ .‬وال شك أن توسع هذه األعمال كان يرتبط بشكل كبير باتساع‬
‫رقعة األنشطة التجارية والزراعية‪.‬‬
‫ومن جانب آخر‪ ،‬كان الصيارفة يحتلون مكانة عظيمة في املجتمع‪ ،‬ويقترض منهم وجهاء الدولة‪،‬‬
‫وأصحاب الرأي فيها؛ كالوالة‪ ،‬والقضاة‪ ،‬والشرطة‪ ،‬واملحتسبون‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وبخاصة عندما يضيق بيت‬
‫املال عن الوفاء باحتياجات الناس بسبب زيادة النفقات عن اإليرادات‪ .3‬وال شك أن العجز في بيت املال‬
‫ً‬
‫كان ينتج في بعض األقاليم بسبب ظروف خاصة بها‪ ،‬ولعل ذلك كان متزامنا مع تراجع في األوضاع‬
‫السياسية واالقتصادية‪.‬‬
‫وقد برز دور الجهابذة بشكل أكبر في الخالفة العباسية‪ ،‬عن طريق استخدام أدوات مالية مهمة‪ ،‬مثل‬
‫صكوك السفتجة (الكمبيالة)‪ ،‬إضافة إلى مكانتهم االجتماعية بالعمل في ديوان الجهابذة‪ ،‬ودورهم من‬
‫خالله في منح الخلفاء والوزراء تسهيالت ائتمانية من غير فوائد‪ ،4‬وهذا يعني إمكانية وجود صيغ تشاركية‬
‫مبنية على املضاربة واملزارعة‪ ،‬وأية صيغة أخرى تتجاوز التعامل بالربا‪ .‬وهذا يشير في الوقت نفسه إلى قدرة‬
‫املجتمع اإلسالمي على تكوين نظام مالي قادر على تجاوز التعامل املصرفي الربوي‪ .‬وقد ساعد ذلك على‬
‫تمدد التجارة اإلسالمية العابرة حتى وصلت إلى الصين والهند وماليزيا‪.‬‬

‫‪ .1‬متز‪ ،‬آدم‪ ،‬الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري‪ ،‬ترجمة محمد عبد الهادي‪ ،‬بيروت‪.1967 ،‬‬
‫‪ .2‬السعدي‪ ،‬أمل‪ ،‬الصيرفة والجهبذة في العراق‪ ،‬أطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ .3‬الجهشياري‪ ،‬محمد بن عبدوس‪ ،‬الوزراء والكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبع البابي الحلبي‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.25-23‬‬
‫‪ .4‬متولي‪ ،‬أبو بكر الصديق عمر‪ ،‬وشحاتة‪ ،‬شوقي إسماعيل‪ ،‬اقتصاديات النقود في إطار الفكر اإلسالمي‪ ،‬دار التوفيق النموذجية‪ ،‬القاهرة‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫لت‬ ‫كـرـالمؤسسي‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫احلورانينـوواقـعـا طبيق‬ ‫ياسر‬ ‫ميةـ‬
‫أ‪.‬دنيبـف‬ ‫صارفـاال‬
‫‪..................‬سال‪ ‬ـ‬
‫الرواد ـ‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫احملور الثاني‪:‬‬
‫نشأة الصريفة اإلسالمية وبدايات التكوين‬

‫فقد شهد املجتمع اإلسالمي تحوالت جذرية عصفت به عبر عشرة قرون‪ ،‬كان من أهمها انقسام‬
‫الخالفة اإلسالمية إلى دويالت صغيرة متصارعة‪ ،‬وتغلغل األعداء من مغول وتتار وصليبيين في املجتمع‪،‬‬
‫ودورهم في تقسيمه إلى طبقات إقطاعية وعسكرية‪ ،‬وتراجع دور بيت املال في التنمية‪ ،‬وتوظيفه لخدمة‬
‫ً‬
‫الوالة والوزراء والقادة العسكريين ومحصلي الضرائب‪ ،‬بدال من االهتمام بالفقراء وتعزيز طاقات اإلنتاج‬
‫في املجتمع‪1‬؛ وتدهور األداء االجتماعي في جميع مفاصل الحياة‪ ،‬وشيوع الظلم والفقر والجهل وما يتعلق‬
‫بالحياة اإلنسانية الكريمة‪ ،‬وسيطرة االحتالل األجنبي الذي تزامن معه ظهور البنوك الربوية‪ ،‬والذي أسهم‬
‫في تعميق التناقض في املجتمع‪ ،‬وهدم املبادئ التي اعتاد عليها املسلمون‪.‬‬
‫كما نتج عن كل ذلك انتقال التجارة وصناعة الصيرفة إلى األوروبيين‪ ،‬إضافة إلى تدني كفاءة القطاع‬
‫ً‬
‫الزراعي الذي لم يشهد تطورا إزاء املنتج األوروبي‪ ،‬الذي أفرزته الثورة الصناعية‪ ،‬مما دفع باتجاه تبني‬
‫محاوالت جديدة إلعادة تنظيم املجتمع‪ ،‬بكل قطاعاته ومكوناته وأطيافه‪ ،‬ومنها تحديث النظام املالي‬
‫وعالقته باملجتمع‪.‬‬
‫وفي بدايات القرن العشرين‪ ،‬بالتزامن مع اقتراب أفول الهيمنة االستعمارية‪ ،‬برزت بداية املحاوالت‬
‫اإلصالحية على صعيد املصرفية اإلسالمية‪ ،‬وكان رائدها الشيخ إبراهيم أبو اليقظان بمقالة متخصصة‬
‫بعنوان "حاجة الجزائر إلى مصرف أهلي"‪ ،2‬نشرها عام ‪1928‬م‪ .‬ويشير بلعباس في معرض إيراده لهذه‬
‫الورقة التي انفرد بالوقوف عليها‪ ،‬أن هذا ينفي بوضوح أن بدايات االهتمام باملصرفية اإلسالمية تعود إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األربعينيات استنادا إلى كتابات املودودي‪ ،‬أو الخمسينيات استنادا إلى كتابات تيمور كوران كما يزعمه أو‬
‫يتوهمه البعض‪.3‬‬
‫وتتضمن ورقة أبو اليقظان دعوة إلنشاء مصرف يقوم على مبادئ التمويل اإلسالمي‪ ،‬وقد لقيت هذه‬
‫الدعوة استجابة قوية لدى رجال األعمال في الجزائر‪ ،‬وتم وضع قانون أساس ي للبنك‪ ،‬وتوفير رأس املال‬
‫الالزم لذلك‪.‬‬
‫ولكن في الوقت نفسه الذي انطلقت فيه هذه الدعوة‪ ،‬بدأت سلطات االحتالل الفرنس ي بفرض‬
‫ً‬
‫محاوالت إللغاء املشروع‪ ،‬وقد تحقق ذلك فعليا بإيقاف املشروع‪ ،‬ووأد الفكرة التي قام عليها منذ بدايتها‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن نافلة القول توضيح هذا املوقف بأن االحتالل االستعماري الفرنس ي قام بهذه الخطوة دفاعا عن‬

‫‪ .1‬شاش ي‪ ،‬عبد القادر حسين‪ ،‬أصل وتطور العمليات املصرفية التجارية واإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ .2‬وتم نشر هذه املقالة في صحيفة "وادي ميزاب" بتاريخ ‪ 29‬يونيو ‪1928‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬بلعباس‪ ،‬عبد الرزاق سعيد‪ ،‬صفحات من تاريخ املصرفية اإلسالمية‪ :‬مبادرة مبكرة إلنشاء مصرف إسالمي في الجزائر في أواخر عشرينات القرن املاض ي‪،‬‬
‫دراسات اقتصادية إسالمية‪ ،‬مج‪ ،19‬ع‪2013 ،2‬م‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪20‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫ً‬
‫وجوده االقتصادي‪ ،‬وخصوصا النظام الربوي الذي يستند إليه‪ ،‬إضافة إلى الخوف من تهديد مصالحه‬
‫ً‬
‫العامة‪ ،‬وخصوصا أنه ورد عن أبي اليقظان في مقالته ما يعزز مثل هذا املوقف‪.‬‬
‫وأبرز ما ورد في مقالة أبي اليقظان حول هذا املعنى قوله "فإنه يجب على قادة األمة‪ ،‬ومفكريها‪،‬‬
‫وعلمائها‪ ،‬أن يتبادلوا الرأي في وجه الحل لهذا املشكل‪ .‬وال يسوغ الجرم والسكوت عنه‪ ،‬واألمة كما نراها‬
‫مرتطمة في حريق الربا‪ ،‬مرتمية في أحضان املصارف األجنبية‪ .‬وال يقتصر الضرر على بعض منها دون‬
‫ّ‬
‫بعض‪ ،‬وإنما يصيب الكل‪ ،‬وينال الجميع؛ الجاني والبريء‪ ،‬مباشرة أو بواسطة‪ .‬وأن أدلي برأي هنا‪ ،‬عله‬
‫يكون فاتحة البحث‪ ،‬ونواة التفكير‪ ،‬أمام الباحثين واملفكرين"‪.‬‬
‫وتبرز أهم السمات للمشروع املصرفي اإلسالمي في طرح أبي اليقظان أن هذا املصرف يأخذ صفة‬
‫البنك الذي تعم منافعه جميع الشرائح‪ ،‬على نطاق شعبي‪ ،‬يحقق املردود االجتماعي قبل تعظيم األرباح‬
‫ً‬
‫املادية‪ ،‬مع أن رجال األعمال اقترحوا بدال من ذلك "البنك اإلسالمي الجزائري"‪ .‬ومن جانب آخر يركز أبو‬
‫اليقظان على تمويل املشروعات اإلنتاجية التي ينخرط فيها الضعفاء‪ ،‬ألن الهدف األساس ي هو تحسين‬
‫الواقع املعيش ي في املجتمع الجزائري‪.‬‬
‫وبعد خطوة أبي اليقظان في طرح مبادرة مبكرة إزاء املصرف األهلي اإلسالمي‪ ،‬برزت اهتمامات بعض‬
‫العلماء في مناقشة املصرفية اإلسالمية من خالل كتابات محددة‪ ،‬تبحث في املؤسسة املصرفية اإلسالمية‬
‫من جوانب متعددة‪ ،‬ومن ذلك الورقة التي كتبها محمد حميد هللا عام ‪1944‬م‪ ،‬واملوسومة "مؤسسات‬
‫القرض الخالية من الفوائد"‪ ،1‬وكتاب أنور إقبال قريش ي عام ‪1946‬م حول "اإلسالم ونظرية الفائدة"‪،2‬‬
‫وورقة نعيم صديقي عام ‪1948‬م بعنوان "املصرفية بناء على املبادئ اإلسالمية"‪.3‬‬
‫وفي هذا السياق ال بد من اإلشارة إلى أهمية كتابات املودودي (‪ )1979 -1903‬التي بدأت في منتصف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬في ظل املد الرأسمالي وتراكم رأس املال‪ ،‬والذي أعقبه فيما بعد بروز الفكر االشتراكي‪،‬‬
‫على أساس إلغاء التملك الفردي‪ ،‬وتقييد الحرية الشخصية‪ ،‬وإعادة توزيع الثروات‪.‬‬
‫وقد تبنى املودودي في كتاباته توجيه هدف النظام االقتصادي اإلسالمي على أساس تحقيق العدالة‪،‬‬
‫ً‬
‫وعدم تركز الثروة‪ ،‬وتحديدا يؤكد في كتابه "الربا"‪ ،‬وكتابه "اإلسالم والنظم االقتصادية املعاصرة"‪ ،‬على‬
‫أهمية وجود النظام االقتصادي واملصرفي اإلسالمي الذي يمنع أي زيادة على رأس املال في مجال االقتراض‪.‬‬
‫وهنا تبدو طروحات املودودي على درجة كبيرة من األهمية‪ ،‬في تجديد العمل املصرفي على أسس تكافلية‬
‫ً‬
‫بين األفراد‪ ،‬وقد أشار إلى أن الزيادة الربوية تمهد لفرض ضرائب مستقبال‪ ،‬من أجل الوفاء بالتزامات‬
‫القرض‪ ،‬أي أن القرض ما هو إال ضريبة مؤجلة‪ .‬باإلضافة إلى أن الربا يؤدي إلى تعميق الفجوة االجتماعية‬
‫‪1‬‬
‫‪. Hamidullah, Muhammad (1944). Anjumanha-e qarda-e be-sud (Interest free loan societies), in Urdu, Ma'arif , 53(3), March, pp. 211-‬‬
‫‪216.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪. Qureshi, Anwar Iqbal (1946), Islam and the theory of interest, Lahore: Shaikh M. Ashraf.‬‬
‫‪3‬‬
‫& ‪. Siddiqi, Naeim (1948), Islami usual par banking (Banking according to Islamic principles), in Urdu, Chiragh-e-Rah, 1 (11&12), Nov.‬‬
‫‪Dec., 24-8 and 60-64.‬‬
‫‪21‬‬
‫لت‬ ‫‪ ‬أ‪.‬د فك لم سس‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫احلورانيـوواقـعـا طبيق‬ ‫ميةـنيبـ ـ‬
‫ياسررـا ؤ ين‬ ‫صارفـاالسال‬
‫‪ ..................‬ـ‬ ‫الرواد ـ‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫بين ال فقراء واألغنياء‪ ،‬ألن الزيادة الربوية هي استقطاع من طرف ملصلحة طرف آخر‪ ،‬وبالتالي ال يستحق‬
‫رأس املال املودع أية زيادة نقدية‪ ،‬بل يجب فيه الزكاة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من هنا ظهر البديل اإلسالمي في صناعة املصرفية اإلسالمي‪ ،‬بوصفه نمطا جديدا في ظل السيادة‬
‫الوطنية‪ ،‬بعد وأد الفكرة املصرفية األولى التي نادى بها أبو اليقظان‪ ،‬في ظل النفوذ االستعماري‪ ،‬وقد دفع‬
‫بهذا البديل الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي يعيشها املجتمع في ظل املخطط‬
‫ً‬
‫االستعماري‪ ،1‬كما أن اليقظة أو الصحوة اإلسالمية لعبت دورا في تحديد معالم هذا النمط‪ ،‬والبحث في‬
‫أساليبه وطرقه وأدواته‪ ،‬كبديل استراتيجي يؤثر في جميع مفاصل ومناشط الحياة االجتماعية‪.‬‬
‫كما أن عهد االستقالل في الدول اإلسالمية‪ ،‬في ظل التحرر من الوجود األجنبي وتحقيق السيادة‬
‫ا لوطنية‪ ،‬ساعد في تأميم البنوك األجنبية‪ ،‬وإنشاء بنوك وطنية محلية‪ ،‬وساعد في تقلص النفوذ املصرفي‬
‫األجنبي‪ ،‬ولكن دون إحداث تغيير في بنية النظام النقدي القائم‪ ،‬والذي تم استعارته من النموذج الغربي‬
‫املبني على استحالل الفوائد الربوية‪.‬‬

‫وفي هذه اآلونة‪ ،‬وبعد التحرر من سلطة املحتل‪ ،‬بدأ مفهوم االقتصاد اإلسالمي يأخذ مكانه في الواقع‬
‫االجتماعي‪ ،‬ومن خالله بزغ مفهوم املؤسسة املصرفية اإلسالمية أو البنك اإلسالمي‪ ،‬وهو يعني باختصار‬
‫قيام مؤسسة مصرفية على أسس مستمدة من الفقه اإلسالمي‪ ،‬سواء في أهدافها أو البنى الداخلية‪ ،‬وفي‬
‫عالقاتها مع غيرها من املؤسسات واألفراد‪ .2‬ومع أن هذا املفهوم ال يعنى بجانب تعظيم الربحية‪ ،‬لكنه يركز‬
‫بشكل كبير على أهمية العائد االجتماعي‪.‬‬
‫وربما كانت التجربة الباكستانية هي أولى التجارب التي خاضها املشروع املصرفي اإلسالمي‪ ،‬في‬
‫خمسينيات هذا القرن‪ ،‬بالتطبيق على الوحدات الزراعية للفئات الفقيرة‪ ،‬أو التي ال تملك الرصيد الكافي‬
‫إلحياء األرض الزراعية‪ .3‬وواضح أن هذا املشروع ينطوي على وجود مخاطر مرتفعة جراء توظيف الودائع‬
‫في القطاع الزراعي‪ ،‬وبسبب ذلك تراجع املشروع في ظل سياسات تمويل غير مستوعبة ألثر هذه املخاطر‪،‬‬
‫ً‬
‫وربما ساعد على توقف املشروع كليا عدم وجود عوائد تعود على املودعين‪ ،‬ألن الفالحين ال يدفعون‬
‫مقابل رأس املال إال تكلفة خدمات االقتراض‪ ،‬أو ما يسمى عائد الخدمات املصرفية‪ ،‬أي أنه مع كون‬
‫ً‬
‫أنشطة املشروع خالية تماما من الربا‪ ،‬لكن ال يوجد طرح فكرة العمل من خالل مفهوم املؤسسة‬
‫املصرفية اإلسالمية الكلية‪ ،‬التي تجسد معنى التعاون التكافلي‪ ،‬أو العمل وفق صيغ تشاركية‪.‬‬

‫‪ .1‬القري‪ ،‬محمد علي القري‪ ،‬البنك اإلسالمي بين فكر املؤسسين والواقع املعاصر‪ ،‬بحث مقدم إلى مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬في منظمة املؤتمر اإلسالمي‪،‬‬
‫جدة‪ ،‬ربيع األول‪1426 ،‬ه ‪2005‬م‪ .‬ص ‪ 7‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬قحف‪ ،‬محمد منذر‪ ،‬االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪. Wilson, R. (1983) Banking and Finance in the Arab Middle East, Macmillan, Surrey, P75.‬‬
‫‪22‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫ثم بدأت فكرة بنوك االدخار املحلية في بداية الستينيات‪ ،‬والتي تعد من أقوى التجارب التطبيقية في‬
‫هذا املجال‪ .‬وهذه الفكرة التي تحولت إلى واقع تطبيقي تشيع فيه عالقات التعاون بين أفراد املجتمع‪،‬‬
‫ً ً‬
‫قادها أحمد النجار‪ ،‬على غرار بنوك االدخار األملانية‪ ،‬وقد وجدت قبوال عاما لدى الريف املصري ألسباب‬
‫عديدة‪ ،‬أهمها تكيف الناس مع فلسفة البنك في عمليات االدخار‪ ،‬والتي تتمثل في األهداف املخططة‬
‫للبنك كما وضحها النجار‪ ،‬وهي تحديد دور البنك كوسيط بين عرض املال وطلبه‪ ،‬ودوره في إرساء دعائم‬
‫التربية االقتصادية للمجتمع الريفي‪ ،‬ودوره في الحيلولة دون تراكم رأس املال‪ ،‬أو تعبئة املوارد املالية‬
‫لالكتناز‪ ،‬وإيجاد الحلول ألية صعوبات محتملة تعترض طريق تكوين رأس املال‪.1‬‬
‫باإلضافة إلى السياق االجتماعي العام في نبذ الطرق الرأسمالية في إدارة رأس املال‪ ،‬وتوظيفه ملصلحة‬
‫الطبقة البرجوازية املالكة‪ ،‬ولهذا السبب ظهر في هذه الفترة العديد من املصادر العلمية التي نادى‬
‫أصحابها باملفاهيم االشتراكية بتأويل إسالمي مستحدث‪ ،‬وتكييف هذه املفاهيم على أسس إنسانية نبيلة‬
‫كالتعاون واملشاركة وااللتزامات االجتماعية بين أفراد املجتمع‪ .2‬ومثلما هو معروف‪ ،‬أن الناس في الريف‬
‫لديهم اعتقادات إيمانية تدعم موقفهم في االبتعاد عن الفائدة‪ ،‬التي كان يأخذها املقرضون بنسب‬
‫فاحشة‪.‬‬
‫ومع نجاح هذه التجربة‪ ،‬وامتداد رقعتها إلى قرى كثيرة تابعة ملنطقة ميت غمر‪ ،‬تصل إلى نحو (‪)53‬‬
‫قرية‪ ،‬ودورها في الحد من البطالة‪ ،‬وتوفير فرص العمل‪ ،‬وتطوير الصناعات الصغيرة‪ ،‬إال أن هذه التجربة‬
‫املصرية‪ ،‬كالتجربة الباكستانية من قبل‪ ،‬لم يقدر لها االستمرار إال لفترة محدودة تصل إلى قرابة ثالث‬
‫سنوات ونيف‪.‬‬
‫وكما يشير النجار إلى أن القرارات املحلية رصدت عمق التجربة‪ ،‬وتأثيرها‪ ،‬ومنافستها للمؤسسات‬
‫الحكومية القائمة‪ ،‬والحماس الشعبي في اإلقبال عليها‪ ،‬لكن تم توجيه القرارات باتجاه توقيفها ومنعها‪،‬‬
‫وربما دفع بهذا االتجاه وجود بعض املؤسسات املنافسة التي تقوم بأدوار مماثلة؛ مثل السلطات‬
‫االجتماعية‪ ،‬والبنوك التجارية‪ ،‬وبعض املنظمات الصناعية والتجارية املركزية‪ ،3‬باإلضافة إلى األسباب‬
‫السياسية املحتملة‪.‬‬
‫وهناك محاوالت أخرى ناجحة تم تصديرها عبر منظومة توزيع العائد االجتماعي على أسس تعاونية‪،‬‬
‫ولعل بدايتها كانت عن طريق الدكتور أنغكو عزيز‪ ،‬والذي يعتبر رائدا في مقترحاته التي قدمها في ورقة‬
‫بعنوان "خطة لتحسين اقتصاد الحجاج الجدد"‪ ،‬والتي تم تطبيقها عام ‪1963‬م‪ ،‬بإنشاء صندوق الحج في‬
‫ماليزيا‪ ،‬واملعروف باسم تبونك حجي )‪ ،(Tabung Haji‬وواضح أن هذه التجربة كانت متزامنة مع تجربة‬

‫‪ . 1‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬املدخل إلى النظرية االقتصادية في املنهج اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪1974 ،‬م‪ ،‬ص‪.247-246‬‬
‫‪ .2‬وقد ثبت فشل هذا املصطلح بتوجيه عالقات املجتمع‪ ،‬وكان أول من تبنى هذا املفهوم رجال العسكر‪ ،‬اللذين أرغموا املجتمعات على العمل به‪ ،‬ومنهم من‬
‫صرح بأن اإلسالم دين اشتراكي ليحملوا الناس عليه وهم له كارهون‪ ،‬فانتهت مجتمعاتهم إلى قاع الهاوية في التخلف والجهل والفوض ى‪.‬‬
‫‪ .3‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬املدخل إلى النظرية االقتصادية في املنهج اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.232-230‬‬

‫‪23‬‬
‫لت‬ ‫كـرـالمؤسسي‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫احلورانينـوواقـعـا طبيق‬ ‫ميةـأ‪.‬دنيبـف‬
‫ياسر‬ ‫صارفـاالس‬
‫‪..................‬ال‪‬ـ‬
‫الرواد ـ‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫بنوك االدخار املحلية التي أطلقها الدكتور النجار‪ .‬وكان يهدف صندوق الحج املاليزي لتمكين األفراد من‬
‫القيام بفريضة الحج‪ ،‬مع مساندة كافية لهم للحفاظ على مصالحهم في اإلفادة من التسهيالت املمنوحة‪،‬‬
‫وتعتمد مصادره املالية على االدخار التدريجي‪ ،‬وتوظيف هذه املصادر في استثمارات اجتماعية واقتصادية‬
‫نافعة‪.‬‬

‫من الواضح أن مبادرة النجار من خالل تجربة بنوك االدخار املحلية تركز على أهمية جودة املنهج‪،‬‬
‫ً‬
‫ودوره في معالجة املشكالت القائمة‪ ،‬موضحا أن سالمة املنهج الذي يستحوذ على قبول أكثر‪ ،‬هو ذلك‬
‫املنهج الذي ينبع من ثقافة األمة‪ ،‬وتاريخها‪ ،‬وثوابتها؛ فالطيبات واملحرمات في اإلسالم هي ثوابت تقوم‬
‫ً‬
‫قناعات الناس على التعامل بها‪ ،‬وفق القبول أو الرفض‪ ،‬استنادا إلى املحركات اإليمانية التي تولد هذه‬
‫القناعات‪ .‬وال شك أن فكرة املصارف اإلسالمية ال يمكن النظر إليها خارج السياق الحضاري والثقافي لألمة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وال يجوز أن تغلف بغطاء النموذج الغربي‪ ،‬الذي يخلط بين الطيبات واملحرمات‪ ،‬بل يتجاوز‬
‫أدنى الشروط املطلوبة فيها‪.‬‬
‫ومن أهم املبادئ التي تقوم عليها تصورات النجار‪ ،‬هي مراعاة األسس النفسية في تشكيل تفضيالت‬
‫األفراد؛ فاالدخار عند النجار يرتبط بجانب سيكولوجي يقوم على الرغبة في تحريك السلوك لفعل ش يء‬
‫ما‪ ،‬وفي العادة يعكس االدخار‪ ،‬من املنظور النفس ي‪ ،‬تصور الفرد في البحث عن األمان‪ ،‬ومواجهة‬
‫احتياجا ت املستقبل‪ ،‬وبالتالي يتفاعل سلوك االدخار مع أنشطة االستثمار‪ ،‬كجزء من التربية االقتصادية‬
‫التي تحدد الوجهة‪ ،‬وترسم االتجاه على نحو دقيق‪.‬‬
‫ومن هنا يشير النجار إلى أهم الواجبات األساسية التي تمكن البنك اإلسالمي من تحقيق أهدافه في‬
‫خدمة املجتمع‪ ،‬ومنها‪:1‬‬
‫االلتزام بعملية النهوض بعبء التربية االدخارية‪ ،‬والتي تكون في العادة موجهة لألفراد نحو طرق‬ ‫‪‬‬

‫اإلنفاق التي تعود عليهم بالخير‪ ،‬وتحقق النفع للمجتمع‪.2‬‬


‫القيام بعبء التربية االئتمانية واالستثمارية‪ ،‬الالزمة لتدريب األفراد على استخدام التمويل‪ ،‬من أجل‬ ‫‪‬‬

‫تحقيق النفع لجميع األطراف ذات العالقة؛ وهي املجتمع والبنك واألفراد‪.‬‬
‫مراعاة املناخ االجتماعي والنفس ي للتكيف مع متطلبات التنمية‪ ،‬وإتاحة األدوات لألفراد لتحقيق‬ ‫‪‬‬

‫األهداف لألفراد بما ال يتعارض مع أهداف املجتمع‪.‬‬


‫إن البنك اإلسالمي في نطاق هذه التصورات يجب أن يراعي التراث الثقافي‪ ،‬واملصالح املشتركة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬
‫والعقائد الراسخة‪ ،‬واملزاج العام للمجتمع‪ .‬ووفقا لهذه املعطيات‪ ،‬يركز النجار على جانبين؛ األول‪:‬‬
‫ويمثل أهمية التكامل بين البنك اإلسالمي واملجتمع‪ ،‬والثاني‪ :‬يتجلى فيه دور البنك في تحقيق العائد‬

‫‪ .1‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬إطار عام لعمل البنوك اإلسالمية‪ ،‬مجلة البنوك اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،20‬ص‪.8‬‬
‫‪ .2‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬البنك اإلسالمي نظريته وخصائصه‪ ،‬مجلة البنوك اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫‪24‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫االجتماعي‪ ،‬ويرى أن هذا العائد ال يتحقق إال في تمويالت املشاركة‪ ،‬ألن هذه التمويالت ينتج عنها مزايا‬
‫إيجابية ومصالح تعود على املجتمع والفرد‪ ،‬ومن أهم املصالح التي يحققها نظام املشاركة‪:1‬‬
‫توظيف البنك لخبرته الفنية في مجاالت استثمارية قائمة على دراسات الجدوى‪ ،‬مما يحقق توجيهات‬ ‫‪‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬ومقاصده في املحافظة على رأس املال‪ ،‬وتفعيله في تنمية املجتمع‪.‬‬


‫املشاركة ال تتضمن الربا‪ ،‬وبالتالي فهي أداة تمويلية فعالة في تحرير الفرد من نزعة السلبية‪ ،‬التي‬ ‫‪‬‬

‫يتسم بها املودع في انتظاره للفائدة الربوية‪.‬‬


‫القدرة على التكيف مع التغيرات الهيكلية لالقتصاد‪ ،‬ويقصد بذلك انسجام مشروعات املشاركة مع‬ ‫‪‬‬

‫خطط التنمية االجتماعية‪.‬‬


‫تحقيق العدالة في توزيع العائد‪ ،‬من جهة عدم تركيز الثروة‪ ،‬والحد من التفاوت في الدخول‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يسهم تمويل املشاركة في إحياء الطاقات البشرية التي تمتلك الخبرة دون القدرة على حيازة رأس املال‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫عائد املشاركة أفضل من سعر الفائدة الثابت بالنسبة للمودع‪ ،‬وهذا يشجع على جذب االستثمارات‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وكلما ازداد هذا العائد فإنه يؤدي إلى محاربة االكتناز‪ ،‬كما أنه يلبي حاجة البنك في زيادة الوعاء‬
‫االدخاري واالستثماري‪ ،‬مثلما يدفع سلوك الفرد باتجاه االدخار‪.‬‬
‫ربط التنمية االجتماعية بالتنمية االقتصادية‪ ،‬مثل تحقيق تنمية املجتمع التي تحقق فرص العمالة‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وتحسين مستويات الرفاه‪ ،‬وهذه تعكس خاصية البنك اإلسالمي الذي يعتبر التنمية االجتماعية‬
‫أساسا تقوم عليه التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫إن متطلبات وجود البنك اإلسالمي ال تنحصر في رسم األهداف‪ ،‬وتحديد مصالح املجتمع‪ ،‬دون النظر‬
‫إلى سياسة البنك التي تلبي اهتمامات األفراد‪ .‬وقد أشار النجار في مواضع عديدة من إسهاماته وبحوثه إلى‬
‫توجيه سياسة البنك للعمل ضمن متطلبات تسهم في تعزيز فرص االنتشار‪ ،‬والقبول لدى الناس‪ ،‬وزيادة‬
‫كفاءة الطلب‪ ،‬ومن أهم هذه املتطلبات؛ عدم التناقض مع معتقدات األفراد‪ ،‬وتحقيق العدالة قدر‬
‫اإلمكان في أساليب التمويل واالستثمار‪ ،‬وتفاعل البنك مع املحيط االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وتوفير‬
‫التمويل لكل من تحقق فيه شروط الخبرة والتأهيل والجهد‪ ،‬وإقامة املشروعات التي تحقق شروط‬
‫التنمية وفرص العمل‪ .‬كما أبرز أهمية املسؤولية االجتماعية للبنك‪ ،‬ودوره في إيجاد حلول ملشكالت‬
‫ً‬
‫املجتمع‪ ،‬خصوصا دور البنك اإلسالمي في جانب التبرعات‪ ،‬ومنها الزكاة وإتاحة القروض الحسنة دون‬
‫فوائد‪ ،‬ويوضح أن البنك يقوم بجمع حصيلة الزكاة‪ ،2‬وتوجيهها في املشروعات التي يتملكها الفقراء‪.3‬‬

‫‪ .1‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬البنك اإلسالمي نظريته وخصائصه‪ ،‬مجلة البنوك اإلسالمية‪ ،‬العدد (‪ ،)16‬ص‪.3‬‬
‫‪ .2‬إن دور املصرف اإلسالمي كمؤسسة تقوم بمهام الزكاة ال يعني أنها تتعارض مع كونها تسعى لتحقيق الربحية‪ ،‬بل تتوافق مع كونها مؤسسة تشاركية‪،‬‬
‫ً‬
‫وهذا خالف القول بأنه ال يتناسب مع حقيقة أن املصرف اإلسالمي هو شركة مساهمة تتكون من مجموعة من املساهمين‪ ،‬أو أن فيه تجاهال للمؤسسات‬
‫املختصة في حقل الزكاة‪ ،‬بل يتكامل معها‪ .‬انظر‪ :‬الخلف‪ ،‬محمد عمر‪ ،‬الفكر املصرفي اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ .3‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬إطار عام لعمل البنوك اإلسالمية‪ ،‬مجلة البنوك اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،20‬ص‪ .10‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬الخصائص األساسية للبنك اإلسالمي‪،‬‬
‫مجلة البنوك اإلسالمية‪ ،‬العدد (‪ ،)53‬ص‪.10-9‬‬
‫‪25‬‬
‫لت‬ ‫كـرـالمؤسسي‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫احلورانينـوواقـعـا طبيق‬ ‫ياسر‬ ‫ميةـ‬
‫أ‪.‬دنيبـف‬ ‫صارفـاالس‬
‫‪..................‬ال‪ ‬ـ‬
‫الرواد ـ‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫فالتنمية تقوم على شرطين؛ تحريك ثروة املجتمع‪ ،‬والبحث عن الطاقة اإلنتاجية املتاحة‪ .‬وكل ذلك ال‬
‫يعني أن البنك اإلسالمي يمكنه القيام بمهامه دون محفزات تسويقية؛ مثل نشر مفاهيم الوعي االدخاري‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واالستثماري بين الناس‪ ،‬وإعداد الناس سيكولوجيا واجتماعيا لتقبل التغييرات‪ ،‬في البيئة املحلية‪ ،‬والعمل‬
‫على تذليل عقبات النشاط االستثماري ‪.1‬‬

‫احملور الثالث‪:‬‬
‫البنوك اإلسالمية والتحوالت اجلديدة‬

‫ً‬
‫فقد تمت اإلشارة سابقا‪ ،‬إلى ما يمكن استنتاجه أن نشوء الدولة في حقبة ما بعد االستعمار‪،‬‬
‫ً‬
‫وخصوصا في املنطقة العربية شهد تحوالت كبيرة‪ ،‬وأهمها إعادة تشكيل املجتمع وفق خيارات نابعة من‬
‫الرؤية الرأسمالية أو االشتراكية‪.‬‬
‫وفي تلك الفترة الزمنية التي تغطي منتصف القرن العشرين وحتى نهاية الستينيات‪ ،‬وهي نفس الفترة‬
‫التي ظهرت فيها تجربة أحمد النجار‪ ،‬كانت بعض الدول العربية تدين باملذهب االشتراكي‪ ،‬وفيها برزت‬
‫بعض املقوالت‪ ،‬التي تتبنى فكرة اإلسالم من منظور اشتراكي‪ ،‬وأن اإلسالم دين يدعو لالنصراف لآلخرة‬
‫وترك مباهج الدنيا‪ ،‬وبالتالي يصعب وجود نظام اقتصادي إسالمي يحكم حياة األفراد ويوظف مدخراتهم‬
‫وينمي ثرواتهم‪ ،‬ألنه باإلضافة لدعوته للتقلل من الثروات وعدم اإلكثار منها‪ ،‬يقطع عالقة اإلنسان‬
‫بالثروة‪.2‬‬
‫وبرز االتجاه املقابل لدى بعض الباحثين أنه يؤخذ على التصور اإلسالمي‪ ،‬عدم اعترافه بفائدة رأس‬
‫املال كنتيجة للحد من تعظيم الثروة‪ ،‬وبالتالي ال يتصور وجود اقتصاد بال ثروات يتم تكثيرها على نحو‬
‫مستمر‪ .‬وفي إطار هذه املواقف املتقابلة يمكن القول أنه برزت احتجاجات فكرية بين ثالثة فرق‪:‬‬
‫أحدهما ينادي بأن اإلسالم دين االشتراكية‪ ،‬ألنه يعترف بامللكية الجماعية‪.‬‬
‫والثاني ينادي بأن اإلسالم دين الرأسمالية ألنه يقر حق الفقراء في أموال األغنياء‪ ،‬بمعنى أن اإلسالم‬
‫ً‬
‫يقر وجود األغنياء أصال‪ ،‬كما أن الزمن تتغير معطياته بحسب الوقائع املستجدة‪ ،‬وقد أشار عبد الحميد‬
‫الغزالي إلى أنه ال جدال في أن النظام املصرفي اإلسالمي املعاصر يختلف عن ماضيه‪ ،‬وال شك كذلك أن‬
‫ً‬
‫السياق االجتماعي للتطور في حياة األفراد قد اختلف تماما‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن املجتمع اإلسالمي ليس‬
‫له ثوابت أو أصول‪.‬‬

‫‪ .1‬النجار‪ ،‬أحمد‪ ،‬إمكانية تنمية املدخرات في البنوك اإلسالمية‪ ،‬مجلة البنوك اإلسالمية‪ ،‬العدد (‪ ،)58‬ص‪.4‬‬
‫‪ .2‬امليالد‪ ،‬زكي‪ ،‬املصارف اإلسالمية‪ :‬دراسة في تطور األفكار االقتصادية‪ ،‬مجلة االجتهاد‪ ،‬مج‪ ،9‬ع‪.37‬‬
‫‪26‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫وأما الثالث فيرد على الفريقين بأن اإلسالم دين رباني‪ ،‬وأبرز دعاته املفكر اإلسالمي سيد قطب‪ ،‬الذي‬
‫تبنى موقفه في كتابات عديدة‪ ،‬أهمها كتاب "معركة اإلسالم والرأسمالية"‪ ،‬وكتاب "العدالة االجتماعية في‬
‫اإلسالم"‪ ،‬باإلضافة إلى كتابه املعروف "في ظالل القرآن"‪.‬‬
‫ولعل أول من تصدى ملعالجة قضايا االقتصاد اإلسالمي بشكل علمي موضوعي هو محمد باقر‬
‫الصدر في كتابه "اقتصادنا" ثم كتابه "البنك الالربوي في اإلسالم"‪ ،‬وتبعه محمد املبارك في كتابه نظام‬
‫اإلسالم‪ :‬االقتصاد‪ ،‬والذي أشاد بعمل الصدر‪ ،‬ووصف كتابه "اقتصادنا" بأنه "أول محاولة علمية فريدة‬
‫من نوعها الستخراج نظرية اإلسالم االقتصادية من أحكام الشريعة اإلسالمية بطريقة جمع فيها األصالة‬
‫الفقهية ومفاهيم علم االقتصاد ومصطلحاته"‪.1‬‬
‫ً‬
‫إال أن الصدر يقترح في كتابه "اقتصادنا" صيغة شرعية أكثر قبوال للبنك الالربوي‪ ،‬وتقوم على ثالثة‬
‫عناصر‪:‬‬
‫ً‬
‫أن ال يكون البنك املقترح مخالفا ألحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬
‫أن يكون البنك قادرا على التحرك والنجاح في الجو الفاسد للواقع املعاش‪ ،‬أي أن ال تخلق صيغته‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املتضمنة فيه تعقيدا وتناقضا شديدا‪ ،‬مع واقع املؤسسات الربوية الرأسمالية‪ ،‬وجوها االجتماعي‬
‫العام بالدرجة التي تشله عن الحركة والحياة‪.‬‬
‫ً‬
‫أن تمكنه صيغته اإلسالمية من النجاح بوصفه بنكا‪ ،‬ومن ممارسة الدور الذي تطلبه الحياة‬ ‫‪‬‬

‫االقتصادية والصناعية والتجارية من البنوك‪ ،‬وما تتطلبه ظروف االقتصاد النامي والصناعة‬
‫الناشئة من ضرورة التدعيم والتطوير‪.2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وال شك أن التجارب املصرفية الناجحة لعبت دورا مهما في تحريك املجتمع للسعي نحو تحقيق‬
‫األهداف التعاونية‪ ،‬وعلى إثرها بدأ العمل باملصارف اإلسالمية لتحقيق أهداف النهج االجتماعي في العمل‬
‫التنموي‪ ،‬وفي بداية السبعينيات أخذت تظهر بنوك إسالمية تقترب في أهدافها وخصائصها من النموذج‬
‫الذي وضعه املؤسسون األوائل‪ ،‬ومن ذلك تأسيس بنك ناصر االجتماعي عام ‪1971‬م في مصر‪ ،‬وكان يرعى‬
‫أصحاب الدخول املتدنية عن طريق تمويالت ال يترتب عليها زيادة ربوية‪ ،‬ثم عقبه إنشاء البنك اإلسالمي‬
‫للتنمية‪ ،‬وهو من البنوك العابرة التي تهدف إلى توثيق أواصر التعاون بين الدول اإلسالمية‪ .‬وواضح أن مثل‬
‫هذه التجارب ساعدت بوجه ما في مساندة البرامج املحلية في التنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪ .1‬املبارك‪ ،‬محمد‪ ،‬نظام اإلسالم‪ :‬االقتصاد‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،1980 ،‬ص‪.17‬‬
‫‪ .2‬الصدر‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬البنك الالربوي في اإلسالم‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار التعارف‪1978 ،‬م‪ ،‬ص‪.10-8‬‬
‫‪27‬‬
‫لت‬ ‫كـرـالمؤسسي‬ ‫لم‬
‫احلورانينـوواقـعـا طبيق‬ ‫ياسر‬ ‫ميةـ‬
‫أ‪.‬دنيبـف‬ ‫صارفـاال‬
‫‪..................‬سال‪ ‬ـ‬
‫الرواد ـ‬
‫املؤسسني‪ ......‬ا‬ ‫يف فكر‬
‫واالقتصاد االسالمي‬ ‫االسالمية‬
‫للتمويل‬ ‫املصرفيةاألوربية‬
‫املؤمتر األول لألكادميية‬

‫كما هو معروف‪ ،‬تقوم املصارف اإلسالمية املعاصرة على نظام الشركة املساهمة‪ ،‬التي يجتمع فيها‬
‫رهط كبير من املؤسسين‪ ،‬ويتم االتفاق بينهم على إنشاء هذه الشركة‪ ،‬وفق القوانين املحلية املعمول بها‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد يشير عقد التأسيس والنظام األساس ي لهذه البنوك على أنها شركة مساهمة‪.‬‬
‫وقد بدأ هذا االتجاه مع قيام أول بنك إسالمي في دبي عام ‪1975‬م‪ ،‬وهو بنك دبي اإلسالمي‪ ،‬وحذا‬
‫حذوه جميع البنوك اإلسالمية التي بدأت باالنتشار مثل بيت التمويل الكويتي الذي أسس عام ‪1977‬م‪،‬‬
‫ً‬
‫وكال من بنك فيصل اإلسالمي السوداني‪ ،‬وبنك فيصل اإلسالمي املصري‪ ،‬اللذان تم تأسيسهما في نفس‬
‫العام‪ ،1‬وكل البنوك التي أسست عقب ذلك‪ .‬وقاد هذا املسلك إلى تحوالت جذرية في طبيعة العمل املصرفي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬وأهدافه‪.‬‬
‫وفي سبيل تكييف الواقع املصرفي املعاصر مع الحالة املتوقعة لنموذج البنك اإلسالمي املعاصر‪،‬‬
‫أوردت املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسالمية جملة من الشروط التي تقوم عليها عناصر السالمة‬
‫الشرعية‪ ،‬أي التي تعكس الصورة املثلى في هذا املجال‪ ،‬وتتركز هذه الشروط في أربعة بنود؛ األول‪ :‬أن تكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كيفية املعاملة املالية حالال‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون املنتج حالال‪ ،‬سواء كان سلعة أو خدمة‪ ،‬أو فكرة‪ ،‬والثالث‪:‬‬
‫االلتزام باألولويات‪ ،‬وهي الضروريات‪ ،‬ثم الحاجيات‪ ،‬ثم التحسينيات‪ ،‬بحسب الترتيب األصولي لها‪،‬‬
‫واألخير‪ :‬االلتزام بالسلوك اإلسالمي األخالقي‪ .2‬ومع أن هذه الشروط تحدد الوجهة الشرعية ملصداقية‬
‫التبادل املالي‪ ،‬لكن في الحقيقة ال تعد كافية من وجهة النظر املقاصدية التي قامت عليها فلسفة التمويل‬
‫ً‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وخصوصا تلك الفلسفة التي تجسدت في فكر الرواد األوائل‪.‬‬

‫إن انحراف أهداف التمويل اإلسالمي عن مسار النشاط االقتصادي الحقيقي‪ ،‬الذي يغذي الدورة‬
‫االقتصادية بفرص العمل‪ ،‬وزيادة اإلنتاج‪ ،‬واإلفادة من الطاقات البشرية املعطلة‪ ،‬عبر مشاريع تعاونية‬
‫تستوعب جميع الطاقات عبر آليات املشاركة‪ ،‬أدى في نهاية املطاف إلى تحولها ملؤسسات مساهمة تسعى‬
‫إلى تحقيق الربح املادي وليس العائد االجتماعي‪ ،‬وهذا بحد ذاته خلق انتقادات واسعة‪ ،‬وربما أدى إلى‬
‫تغيير نمط التفكير في حقيقة التمويل اإلسالمي‪.‬‬
‫ومن الباحثين من يقول‪" :‬لقد رسمت كتابات الرواد األوائل للمصرفية اإلسالمية في أذهان الناس‬
‫صورة مثالية ملا ينبغي أن تكون عليه املصارف اإلسالمية‪ ...‬وحقيقة األمر أن املصارف اإلسالمية القائمة‬
‫اآلن هي في التوصيف الفقهي والقانوني شركات أموال مساهمة‪ ،‬تهدف إلى تحقيق ما يطلبه املساهمون منها‬
‫وهو الربح‪ ،‬عبر تلقي األموال من الجمهور‪ ،‬وتنمية هذه األموال مضمومة إلى أموالها الخاصة‪ ،‬وكل ذلك‬

‫‪ .1‬االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة العلمية والعملية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬صفحة ‪ 190‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ .2‬االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة العلمية والعملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.293-292‬‬
‫‪28‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫مشروط بموافقة أنشطتها لألحكام الشرعية كما تتصورها هي ولجان الفتوى والرقابة الشرعية املعتمدة‬
‫لديها"‪ ،1‬وفي موضع آخر‪" :‬بغض النظر عن أي أهداف أخرى تذكر للمصرف اإلسالمي‪ ،‬فإنه شركة‬
‫مساهمة هادفة إلى الربح‪ ،‬لها شخصية معنوية مستقلة‪ ،‬تؤسس بموافقة السلطات العامة"‪ ،2‬ويلحق بهذا‬
‫ما يقال من توصيف ملؤسسة التمويل اإلسالمي بأنها "عبارة عن شركة مساهمة‪ ،‬تتكون من مجموعة من‬
‫املساهمين‪ ،‬وهي هادفة إلى الربح"‪.3‬‬
‫إال أنه من الواضح أن كل هذه املناقشات تقع خارج سياق الرؤية الشمولية لفلسفة التمويل‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والذي تأسس بناء على وجود طلب فعال يستمد قوته من قواعد شعبية عريضة‪ ،‬ويتجاوز‬
‫حدود األهداف الفردية إلى تحقيق املقاصد الشرعية‪ ،‬والتكيف مع األولويات اإلسالمية‪ .‬ومن وجه آخر‪،‬‬
‫ومع التسليم بأن تحقيق الربح جزء ال يتجزأ من جدوى املشروع االقتصادي‪ ،‬لكن نشأة مؤسسة التمويل‬
‫اإلسالمي تبرهن على أهمية تحقيق العائد االجتماعي بوجه عام‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أن الصورة العامة التي صاغها الرواد األوائل ملبادئ مؤسسة التمويل اإلسالمي وأهدافها‬
‫ً‬
‫وخصائصها االجتماعية‪ ،‬يلزم أن تكون مؤسسة تمويل عامة‪ ،‬تملكها الدولة‪ ،‬وتديرها الحكومة‪ ،‬خصوصا‬
‫أن طروحات املؤسسين تركزت على العمل األهلي‪ ،‬الذي ينتمي إلى القطاع الثالث‪ ،‬وهو ما يمكن استنتاجه‬
‫بسهولة من ورقة أبو اليقظان بعنوان "حاجة الجزائر إلى مصرف أهلي"‪ ،‬والتي طالب أرباب املال وأصحاب‬
‫األعمال لتعديلها إلى "املصرف اإلسالمي الجزائري"‪.‬‬
‫ويمكن رصد أهم النتائج التي استتبعت تحول البنوك اإلسالمية باتجاه تعظيم األرباح‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ -‬إن االنتقال من التركيز على العائد االجتماعي إلى التركيز على العائد املادي‪ ،‬وتعظيم األرباح‪ ،‬ينتج‬
‫عنه بطبيعة الحال الدخول في مشروعات أكثر ربحية‪ ،‬وأقل مخاطرة‪ ،‬وبالتالي دفع عمل البنوك اإلسالمية‬
‫باتجاه االستثمار في املشروعات قصيرة األجل قدر اإلمكان‪ ،‬واألهم في هذا اإلطار هو االبتعاد عن‬
‫املشروعات طويلة األجل‪ ،‬والتي تكون في الغالب مشروعات حيوية‪ ،‬تلبي مصالح املجموع العام لألفراد‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ -‬إن انحسار عمل مؤسسات التمويل اإلسالمية في آجال قصيرة‪ ،‬واالبتعاد عن الصيغ التشاركية‬
‫ذات اآلجال الطويلة‪ ،‬ومن ثم الدخول في مشروعات صغيرة الحجم‪ ،‬يقود إلى مشكلة فائض السيولة‬
‫لديها‪ ،4‬وهو ما دفع مؤسسات التمويل اإلسالمية إلى ترحيل سيولتها الفائضة إلى األسواق العاملية‪ ،‬عالوة‬
‫على قصور األسواق املحلية عن استيعاب هذه السيولة‪ ،‬بسبب "عدم اكتمال األدوات املصرفية‬
‫واالستثمارية واملالية داخل البالد اإلسالمية بما يستوعب هذه األموال‪ ،‬وعدم وجود القنوات واألجهزة‬

‫‪ .1‬السبهاني‪ ،‬عبد الجبار حمد عبيد‪ ،‬الوجيز في املصارف اإلسالمية‪ ،‬مطبعة حالوة‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪2014 ،‬م‪ .‬ص ‪.69-68‬‬
‫‪ . 2‬السبهاني‪ ،‬عبد الجبار حمد عبيد‪ ،‬مالحظات في فقه الصيرفة اإلسالمية‪ ،‬مجلة االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬جامعة امللك عبد العزيز‪ ،‬جدة‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬املجلد ‪ ،16‬العدد ‪.2003 ،1‬ص ‪.8‬‬
‫‪ : .3‬الخلف‪ ،‬محمد عمر‪ ،‬الفكر املصرفي اإلسالمي‪ :‬دراسة تقويمية‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪2015 ،‬م‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫‪ .4‬الخاقاني‪ ،‬نوري عبد الرسول‪ ،‬املصرفية اإلسالمية األسس النظرية وإشكاليات التطبيق‪ ،‬دار اليازوري‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة العربية‪ ،‬عام ‪2011‬م‪،‬‬
‫ص‪.282‬‬
‫‪29‬‬
‫لت‬ ‫ياسر لم سس‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫احلورانيـوواقـعـا طبيق‬
‫كـرـا ؤ ين‬ ‫نيبـف‬ ‫مي‬
‫‪‬ةـأ‪.‬د‬ ‫صارفـاالسال‬
‫‪ ..................‬ـ‬
‫الرواد ـ‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫االستثمارية واملالية داخل البالد اإلسالمية بما يستوعب هذه األموال‪ ،‬وعدم مرونة األنظمة املالية في‬
‫البالد اإلسالمية بما يشجع االستثمار املحلي"‪.1‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ -‬من الواضح أن البنوك التي تقوم على مبدأ تعظيم األرباح تكون أقرب إلى نموذج البنوك‬
‫ً‬
‫التجارية‪ ،‬وهذا هو حال البنوك اإلسالمية القائمة‪ ،‬خالفا للحالة املرجعية التي تصورها الرواد األوائل‪،‬‬
‫ألن تلك التصورات كانت قائمة على التنويع في قطاعات تنموية متعددة‪ ،‬فهناك مؤسسات تمويل إسالمية‬
‫مختلفة؛ إسكانية‪ ،‬وزراعية‪ ،‬وصناعية‪ ،‬ومؤسسات ادخار وتسليف حقيقي‪ ،‬وكل هذه املؤسسات أو‬
‫معظمها تعمل وفق صيغ تعاونية‪ ،‬تستقطب طاقات العمل املعطلة في مشروعات تنموية‪ ،‬تعود بالنفع على‬
‫املجتمع بوجه عام‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رابعا‪ -‬ووفقا ألهداف البنوك اإلسالمية املعاصرة التي تعظم األرباح‪ ،‬مع الدخول في صيغ تمويلية شبه‬
‫ً‬
‫خالية من املخاطر‪ ،‬والتي تمثل غالبا صيغة املرابحة‪ ،‬ورغم أن هذه الصيغة موجودة منذ وقت مبكر‪،‬‬
‫لكن لم تحتل أي أهمية في فكر الرواد‪ ،‬وعلى هذا تتسع الفجوة بين التطبيقات الحقيقية التي طرحها‬
‫الرواد املؤسسين‪ ،‬وبين صور التمويل الشكلية التي يتم العمل بها‪ ،‬ألن عقود املشاركات كاملضاربة‬
‫ً‬
‫واملشاركة تحتمل مخاطر حقيقية‪ ،‬تتوزع بين طرفي العقد‪ ،‬وتبعا لذلك يتحقق الربح أو تحصل الخسارة‪،‬‬
‫واملهم أن التطبيقات الحقيقية تدخل في حسابات الدخل القومي‪ ،‬ألنها تعكس وجود إنتاج حقيقي متدفق‬
‫عبر الدورة االقتصادية‪ ،‬التي يستحق فيها كل عنصر من عناصر اإلنتاج املكافأة املناسبة‪.‬‬
‫ً‬
‫خامسا‪ -‬ال شك أن أهداف تعظيم األرباح يقود إلى اختالل العالقة بين مؤسسات التمويل اإلسالمي‬
‫وبين املجتمع‪ ،‬ألن األغنياء يستحوذون على التمويل أكثر من الفقراء‪ ،‬بمعنى أن الفقراء يفتقدون الفرص‬
‫املناسبة للعمل في مشروعات إنتاجية حقيقية‪ ،‬وفيها يتم استبعاد أصحاب الكفاءات واملهارات الحرفية‪،‬‬
‫ً‬
‫عالوة على أنهم ال يملكون الضمانات املطلوبة للتمويل في صور شكلية‪ ،‬وبالتالي يزداد الفقراء فقرا‪ ،‬ويزداد‬
‫ً‬
‫األغنياء غنى‪ ،2‬مما يعارض فلسفة التمويل اإلسالمي‪ ،‬واهتمامه بالشرائح االجتماعية األكثر فقرا‪ ،‬وال شك‬
‫أن هذه السياسات تخدم أهداف النظام الرأسمالي‪ ،‬وليس النظام االقتصادي اإلسالمي‪ ،‬ألن الرأسمالية‬
‫تدعم تراكم رأس املال‪ ،‬وتركيزه في الطبقة املالكة للثروات‪.‬‬

‫ً‬
‫هناك تجارب مصرفية إسالمية تستحق اإلشادة‪ ،‬بسبب تكاملها مع املجتمع‪ ،‬وفقا لطروحات الرواد‪،‬‬
‫ومنها تجربة بنك األسرة في السودان‪ ،‬الذي تأسس عام ‪2007‬م‪ ،‬وهذا البنك يعنى بتقديم التمويل الصغير‬
‫للشرائح الصغيرة‪ ،‬على أساس صيغ التمويل اإلسالمي‪ ،‬وتقديم الخدمات املصرفية لهذ الشرائح‪.3‬‬

‫‪ .1‬محمد عمر الخلف‪ ،‬الفكر املصرفي اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.98‬‬


‫‪ .2‬أبو زيد‪ ،‬محمد عبد املنعم‪ ،‬النشاط االستثماري ومعوقاته‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬عام ‪1991‬م‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪ .3‬بنك األسرة‪2011 ،‬م ‪ :‬تقرير مجلس اإلدارة والقوائم املالية وتقرير املراجع العام وهيئة الرقابة الشرعية‪ ،‬ص‪9-7‬‬
‫‪30‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫ولعل أهم ما ورد في قانون تأسيس البنك هو التركيز على تمويل الشرائح الفقيرة في مشروعات‬
‫منتجة‪ ،‬ومن ذلك‪:1‬‬
‫ً‬
‫تقديم الخدمات املالية للفقراء النشطين اقتصاديا‪ ،‬والخريجين‪ ،‬وصغار املنتجين من الزراع‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫والرعاة‪ ،‬والحرفيين‪ ،‬وتمكينهم من إدارة أنشطة اقتصادية تالئم ظروفهم‪.‬‬


‫املساهمة في خلق فرص عمل للفقراء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬
‫تنشيط الفقراء اقتصاديا‪ ،‬وإدماجهم في حركة التنمية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املساهمة في انسياب املوارد املتكاملة من القطاع غير الرسمي والقطاع الرسمي ملصلحة الفئات‬ ‫‪‬‬

‫املستهدفة‪.‬‬
‫إعداد العنصر البشري بما يتالءم مع متطلبات عمل البنك وتدريبهم على مفاهيم وآليات‬ ‫‪‬‬

‫ممارسة التمويل األصغر‪ .‬إضافة رفع الوعي املصرفي واالدخاري وسط الشرائح املستهدفة‪.‬‬
‫استقطاب املوارد املحلية والخارجية‪ ،‬إلعادة توظيفها لصالح الفئات املستهدفة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬تحويل القطاعات غير املنظمة إلى قطاعات منظمة تساهم في التنمية االقتصادية‪.‬‬
‫ً‬
‫وأهم ما يميز تجربة هذا البنك هو استهداف الفئات األقل حظا‪ ،‬ومساعدة الفقراء في إيجاد فرص‬
‫اإلنتاج املناسبة ملؤهالتهم وخبراتهم‪ ،‬ومساعدتهم في الدخول بمشروعات صغيرة الحجم‪ ،‬تمكنهم من‬
‫التملك الكلي‪ ،‬أو حصص تملك في مشروعات أكبر‪.2‬‬
‫وفي العصر الحديث تم ترجمة فكر الرواد في بعض العمليات املصرفية اإلسالمية العابرة‪ ،‬مع اإلشارة‬
‫إلى أهمية الدور الذي يقوم به املصرف اإلسالمي للتنمية في العصر الحاضر‪ ،‬في تعزيز سبل التعاون‬
‫االقتصادي بين الدول األعضاء‪ ،‬وإحداث تنمية حقيقية على مستوى املجتمعات املحلية‪.3‬‬

‫ً‬
‫وهنا ينبغي اإلشارة أيضا إلى أهمية الدور الذي تقوم به مؤسسات البنية التحتية في مساندة البنوك‬
‫اإلسالمية بحيث تكمل دور البنوك‪ ،‬مثل شركات االستثمار اإلسالمية‪ ،‬ومؤسسات الزكاة‪ ،‬وصناديق‬
‫االستثمار على اختالف أنواعها‪ ،‬ومؤسسات األوقاف‪ ،‬باإلضافة إلى دور البنوك املركزية‪ ،‬وغيرها من‬
‫املؤسسات الداعمة واملساندة للعمل املصرفي اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .1‬الليثي‪ ،‬عصام محمد علي‪" ،‬إنجاح الصيغ اإلسالمية في التمويل األصغر‪ :‬مع اإلشارة إلى تجربة بنك األسرة في السودان"‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر العالمي‬
‫الثاني بعنوان‪ :‬نحو تطوير نظام مالي إسالمي شامل‪ :‬تعزيز الخدمات املالية اإلسالمية للمؤسسات متناهية الصغر‪ ،‬أكاديمية السودان للعلوم املصرفية‬
‫واملالية واملعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب‪ -‬بنك التنمية اإلسالمي‪ ،‬جدة‪ ،‬الخرطوم‪ ،33 -2 :‬أكتوبر‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.301 -300‬‬
‫‪ .2‬ومن األمثلة على هذه املشروعات؛ إنتاج دواجن الحم‪ ،‬وتسمين األبقار‪ ،‬وتصنيع األلبان و منتجات األلبان‪ ،‬إنتاج أشتال الزينة‪ ،‬وتصنيع الطوب‬
‫األسمنتي واملكعبات االسمنتية‪.‬‬
‫‪ .3‬االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪1982 ،‬م‪.158-157 /6 ،‬‬
‫‪31‬‬
‫لت‬ ‫كـرـالمؤسسي‬ ‫لم‬
‫احلورانينـوواقـعـا طبيق‬ ‫ياسر‬ ‫ميةـ‬
‫أ‪.‬دنيبـف‬ ‫صارفـاال‬
‫‪..................‬سال‪ ‬ـ‬
‫الرواد ـ‬
‫املؤسسني‪ ......‬ا‬ ‫يف فكر‬
‫واالقتصاد االسالمي‬ ‫االسالمية‬
‫للتمويل‬ ‫املصرفيةاألوربية‬
‫املؤمتر األول لألكادميية‬

‫النت ـ ـ ـ ـ ـ ـائج‬
‫يمكن استنتاج مالحظات أساسية يقوم عليها فكر الرواد األوائل في املصرفية اإلسالمية‪ ،‬اللذين‬
‫قدموا إسهامات هامة‪ ،‬بحيث تصاغ كمنظومة متكاملة في توجيه العمل املصرفي اإلسالمي‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫ا‬
‫أول‪ -‬يمثل التمويل اإلسالمي خطوة أساسية للعمل بمقتض ى أحكام الشريعة‪ ،‬في سياق حركة إصالح‬
‫شاملة‪ ،‬يتعاظم دورها في إحياء الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وإعادة تنظيم الحياة االجتماعية بعد أن أجهز عليها‬
‫املستعمر األجنبي‪ ،‬وهدم أهم أركانها من خالل إحالل ثقافة جديدة‪ ،‬تم فيها ترسيخ القيم الغربية في‬
‫ً‬
‫الحياة االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬خصوصا إنشاء مؤسسات تمويل ربوية تزيد من فجوة الفقر في املجتمع‪.‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ -‬تتكامل سياسات التمويل اإلسالمي مع األدوات التمويلية األخرى‪ ،‬والتي يمكن تصنيفها في‬
‫أعمال التبرعات‪ ،‬وأهمها أداة الزكاة‪ ،‬حيث توكل مهام جديدة للمؤسسة املصرفية اإلسالمية للقيام بهذا‬
‫الدور‪ ،‬من خالل وحدات إدارية خاصة‪ ،‬تهتم بجمع مستحقات الزكاة وإنفاقها‪ ،‬ويمكن أن تتشكل هذه‬
‫الوحدات من صناديق األمان واملعونة االجتماعية‪ .‬وال يخفى أهمية هذا الدور ألن مؤسسات التمويل‬
‫اإلسالمية لديها إمكانات وخبرات متاحة‪ ،‬تسمح بتوجيه حصيلة الزكاة إلى املستحقين‪ ،‬وبخاصة تطوير‬
‫وتنمية مناطق الريف‪ ،‬وهي من األهداف التي تجسدت في فكر الرواد املؤسسين‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ -‬يهدف عمل املصارف اإلسالمية إلى إحداث تنمية اجتماعية‪ ،‬يسهم فيها املجتمع عبر طاقاته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املعطلة‪ ،‬وخصوصا الشرائح الفقيرة‪ ،‬والقوى العاملة التي تمتلك الخبرة واملهارات‪ ،‬وال تجد فرصا كافية في‬
‫سوق العمل‪.‬‬
‫ا‬
‫رابعا‪ -‬توجه مشروعات التنمية في اتجاه العمل التعاوني املشترك ضمن نطاق مصغر‪ ،‬أو نطاق‬
‫صغير‪ ،‬أو أكبر من ذلك‪ ،‬بحسب طبيعة املشروعات‪ ،‬وخصائص قوة العمل املطلوبة‪ .‬ويمكن إطالق‬
‫مشروعات فردية يتملكها العاملون بعد فترة زمنية محددة‪ ،‬عن طريق إطفاء الحصص التمويلية‬
‫للمشروع‪.‬‬
‫ا‬
‫خامسا‪ -‬ورغم أن هذه املشروعات تسهم في إحداث التنمية للفئات املستهدفة‪ ،‬لكن من وجه آخر‬
‫يمكن توجيهها لالنسجام مع خطط التنمية الوطنية‪ ،‬وتتكامل مع جهود املجتمع املمثلة في القطاع الثالث‬
‫واملؤسسات االجتماعية الرسمية والشعبية‪ .‬وهذا يحقق ميزة إيجابية كلية على مستوى الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫ألن التمويل اإلسالمي في هذه الحالة يتسم بالقدرة على التكيف والتالؤم مع التغييرات الهيكلية لالقتصاد‬
‫القومي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫ـ‬ ‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫ا‬
‫سادسا‪ -‬تعتمد صيغ التمويل في املشروعات التنموية على عقود شرعية؛ تتمثل في عقد املضاربة‪،‬‬
‫ً‬
‫وعقد املشاركة‪ ،‬واملزارعة‪ ،‬وجميع العقود الحيوية التي تستوعب العمل وفقا لقاعدة "الغنم بالغرم"‪ ،‬أو‬
‫"الخراج بالضمان"‪ ،‬وبالتالي تحتمل الربح والخسارة‪.‬‬
‫ا‬
‫سابعا‪ -‬ومع أن املصرفية اإلسالمية تقوم على األنشطة التشاركية التي تحتمل الخسارة‪ ،‬فإنه ينبغي‬
‫صياغة املشروعات على أساس االستثمار الكفء واألمثل‪ ،‬من خالل دراسات جدوى تمويلية تأخذ جميع‬
‫أنواع املخاطر بعين االعتبار‪ ،‬ألن الهدف هو مكافحة الفقر في املجتمع‪ ،‬وإعانة الفقراء‪ ،‬وتفعيل طاقات‬
‫العمل املعطلة للنهوض باملجتمع‪ ،‬وتحقيق مستويات معيشية أفضل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫ثامنا‪ -‬وانطالقا من أهمية دراسة الجدوى خصوصا للمشروعات املشتركة الكبيرة‪ ،‬فإن فكر‬
‫املؤسسين األوائل يضع سياسات تمويل للمصرف اإلسالمي تستبعد الضمانات أو الرهون من عمليات‬
‫التمويل؛ وذلك ألسباب عديدة‪ ،‬أهمها؛ أن الفقراء في العادة ليس بوسعهم عمل ذلك لشدة حاجتهم‪،‬‬
‫ً‬
‫خالفا للقدرة التي يتمتع بها األغنياء‪ ،‬كما أن املشروعات املبنية على دراسات جدوى التمويل تخفف من‬
‫احتماالت التعثر في السداد أو إطفاء حصص التمويل‪ ،‬إضافة إلى أن العمل التشاركي يختلف عن أنشطة‬
‫املداينات‪.‬‬
‫ا‬
‫تاسعا‪ -‬يهدف املصرف اإلسالمي إلى إشاعة العدل بين أفراد املجتمع‪ ،‬على نحو يسمح بإعادة توزيع‬
‫الدخل على أساس توازني نسبي‪ ،‬مما يمنع تراكم رأس املال لدى طبقة دون أخرى‪ ،‬ويحقق مقصد الشريعة‬
‫في إعمار األرض‪ ،‬وحفظ املال‪ ،‬واستثماره وتحريكه في عمليات التبادل االجتماعي‪ ،‬مما ينتج عن ذلك‬
‫ً‬
‫ضمنيا تحرير األنفس من حب الحيازة الفردية للثروات‪ ،‬وتحرير هذه الثروات من اكتنازها أو حبسها عن‬
‫االنتفاع‪.‬‬
‫ا‬
‫عاشرا‪ -‬تبنى الرواد األوائل في املصرفية اإلسالمية سياسات تمويل قائمة على املشاركة وليس‬
‫املداينة‪ ،‬ألن الديون في العادة يدفع ثمنها الفقراء‪ ،‬وتؤدي إلى تراكم رأس املال‪ ،‬وتدفع باتجاه خلق أزمات‬
‫مالية‪ ،‬داخلية وخارجية‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ -‬تؤدي أهداف التمويل اإلسالمي إلى تحقيق نوع من التربية االدخارية بسبب عائد‬
‫املشاركة‪ ،‬وهذا يختلف بطبيعة الحال عن املصارف التقليدية التي تقوم بهذا الدور عبر الفائدة‪ ،‬وهي من‬
‫ً‬
‫األدوات التي ال تتفق مع املزاج العام لسلوك االدخار لدى املسلم‪ ،‬بسبب حرمتها الشرعية‪ ،‬خالفا لعائد‬
‫ً‬
‫املشاركة الذي يعد أكثر تجذرا في القاعدة الشعبية املسلمة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫لت‬ ‫‪  ..................‬أ‪.‬د ياسر لم سس‬ ‫املصرفية االسالمية يف فكر املؤسسني لم‬
‫ميةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫صارفـاالسال ـ‬
‫احلوراني‬
‫ـ‬
‫الرواد‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا‬

‫ال ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراجع‬
‫ا‬
‫أول‪ -‬املراجع العربية‪:‬‬
‫‪ )1‬االتحاد الدولي للبنوك اإلسالمية‪ ،‬املوسوعة العلمية والعملية للبنوك اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ )2‬بلعباس‪ ،‬عبد الرزاق سعيد‪ .‬صفحات من تاريخ املصرفية اإلسالمية‪ :‬مبادرة مبكرة إلنشاء مصرف‬
‫إسالمي في الجزائر في أواخر عشرينات القرن املاض ي‪ .‬دراسات اقتصادية إسالمية‪ ،‬مج‪ ،19‬ع‪،2‬‬
‫‪2013‬م‪.‬‬
‫‪ )3‬بنك األسرة‪ .‬تقرير مجلس اإلدارة والقوائم املالية وتقرير املراجع العام وهيئة الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ )4‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيس ى‪ .‬سنن الترمذي‪ .‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )5‬الجهشياري‪ ،‬محمد بن عبدوس‪ .‬الوزراء والكتاب‪ .‬القاهرة‪ ،‬مطبع البابي الحلبي‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )6‬الخاقاني‪ ،‬نوري عبد الرسول‪ .‬املصرفية اإلسالمية األسس النظرية وإشكاليات التطبيق‪ .‬عمان‪ ،‬دار‬
‫اليازوري‪ ،‬الطبعة العربية‪ ،‬عام ‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ )7‬الخلف‪ ،‬محمد عمر‪ .‬الفكر املصرفي اإلسالمي‪ :‬دراسة تقويمية‪ .‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة اليرموك‪،‬‬
‫إربد‪ ،‬األردن‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )8‬الدوري‪ ،‬عبد العزيز‪ .‬تاريخ العراق االقتصادي‪ .‬بغداد‪1948 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )9‬ابن رجب‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد‪ .‬ورثة األنبياء‪ :‬شرح حديث أبي الدرداء‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الفاروق‪،‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫‪ )11‬أبو زيد‪ ،‬محمد عبد املنعم‪ ،‬النشاط االستثماري ومعوقاته‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬عام ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ )11‬السبكي‪ ،‬عبد الوهاب بن علي‪ .‬طبقات الشافعية الكبرى‪.‬‬
‫‪ )12‬السبهاني‪ ،‬عبد الجبار حمد عبيد‪ .‬الوجيز في املصارف اإلسالمية‪ .‬مطبعة حالوة‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )13‬السبهاني‪ ،‬عبد الجبار حمد عبيد‪ .‬مالحظات في فقه الصيرفة اإلسالمية‪ .‬مجلة االقتصاد اإلسالمي‪،‬‬
‫جامعة امللك عبد العزيز‪ ،‬جدة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ )14‬السعدي‪ ،‬أمل‪ .‬الصيرفة والجهبذة في العراق‪ .‬أطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة‬
‫بغداد‪1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )15‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬الآللئ املصنوعة‪ .‬دار املعرفة‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )16‬شاش ي‪ ،‬عبد القادر حسين شاش ي‪ .‬أصل وتطور العمليات املصرفية التجارية واإلسالمية‪ .‬مجلة‬
‫جامعة امللك عبد العزيز‪ :‬االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬جدة‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ )17‬الصدر‪ ،‬محمد باقر‪ .‬البنك الالربوي في اإلسالم‪ .‬بيروت‪ ،‬دار التعارف‪1978 ،‬م‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫لت‬ ‫لم سس‬ ‫لم‬
‫املؤمتر األول لألكادميية األوربية للتمويل واالقتصاد االسالمي ‪ ......‬ا صـارفـاالسالميـةـنيبـفكـرـا ؤ ينـوواقـعـا طبيق‬
‫‪ )18‬القري‪ ،‬محمد علي‪ .‬البنك اإلسالمي بين فكر املؤسسين والواقع املعاصر‪ .‬بحث مقدم إلى مجمع الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬في منظمة املؤتمر اإلسالمي‪ ،‬جدة‪ ،‬ربيع األول‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )19‬قحف‪ ،‬محمد منذر‪ .‬االقتصاد اإلسالمي‪ .‬دار القلم‪ ،‬الكويت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )21‬الليثي‪ ،‬عصام محمد علي‪" .‬إنجاح الصيغ اإلسالمية في التمويل األصغر‪ :‬مع اإلشارة إلى تجربة بنك‬
‫األسرة في السودان"‪ ،‬ورقة مقدمة للمؤتمر العالمي الثاني بعنوان‪ :‬نحو تطوير نظام مالي إسالمي‬
‫شامل‪ :‬تعزيز الخدمات املالية اإلسالمية للمؤسسات متناهية الصغر‪ ،‬أكاديمية السودان للعلوم‬
‫املصرفية واملالية واملعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب‪ -‬بنك التنمية اإلسالمي‪ ،‬جدة‪ ،‬الخرطوم‪-2 :‬‬
‫‪ ،33‬أكتوبر‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )21‬املبارك‪ ،‬محمد‪ .‬نظام اإلسالم‪ :‬االقتصاد‪ .‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )22‬متز‪ ،‬آدم‪ .‬الحضارة اإلسالمية في القرن الرابع الهجري‪ .‬ترجمة‪ :‬محمد عبد الهادي‪ ،‬بيروت‪.1967 ،‬‬
‫‪ )23‬متولي‪ ،‬أبو بكر الصديق عمر‪ ،‬وشحاتة‪ ،‬شوقي إسماعيل‪ .‬اقتصاديات النقود في إطار الفكر‬
‫اإلسالمي‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار التوفيق النموذجية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )24‬املقدس ي‪ ،‬محمد‪ .‬أحسن التقاسيم في معرفة األقاليم‪ .‬بيروت‪1909 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )25‬امليالد‪ ،‬زكي‪ .‬املصارف اإلسالمية ‪ :‬دراسة في تطور األفكار االقتصادية‪ .‬مجلة االجتهاد‪.‬‬
‫‪ )26‬النجار‪ ،‬أحمد‪ .‬املدخل إلى النظرية االقتصادية في املنهج اإلسالمي‪ .‬دار الفكر‪ ،‬القاهرة‪1974 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )27‬النجار‪ ،‬أحمد‪ .‬إطار عام لعمل البنوك اإلسالمية‪ .‬مجلة البنوك اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )28‬النجار‪ ،‬أحمد‪ .‬البنك اإلسالمي‪ :‬نظريته وخصائصه‪ .‬مجلة البنوك اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )29‬النجار‪ ،‬أحمد‪ .‬الخصائص األساسية للبنك اإلسالمي‪ .‬مجلة البنوك اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )31‬النجار‪ ،‬أحمد‪ .‬إمكانية تنمية املدخرات في البنوك اإلسالمية‪ .‬مجلة البنوك اإلسالمية‪.‬‬
‫اثنيا‪ -‬املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪31) Hamidullah, Muhammad (1944). Anjumanha-e qarda-e be-sud (Interest free loan societies), in Urdu,‬‬
‫‪Ma'arif .‬‬
‫‪32) Homer, S. (1963) A History of Interest Rates, Reutgers University Press New Brunswick, New Jersey.‬‬
‫‪33) Lieber, A.E. (1968) “Eastern Business Practices and Medieval European Commerce”, Economic History‬‬
‫‪Review.‬‬
‫‪34) Orsingher, R. (1967) Banks of the World, Macmillan, London.‬‬
‫‪35) Qureshi, Anwar Iqbal (1946), Islam and the theory of interest, Lahore: Shaikh M. Ashraf.‬‬
‫‪36) Siddiqi, Naeim (1948), Islami usual par banking (Banking according to Islamic principles), in Urdu,‬‬
‫‪Chiragh-e-Rah.‬‬
‫‪37) Wilson, R. (1983) Banking and Finance in the Arab Middle East, Macmillan, Surrey.‬‬
‫‪35‬‬

You might also like