Professional Documents
Culture Documents
شرف العبودية لله تعالى
شرف العبودية لله تعالى
حنمده ،ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن احلمد هلل ُ إن َ َّ
هادي له، َ وم ْن يُضلِ ْل فال مضل لهَ ،هده اهللُ فال َّ سيئات أعمالنا ،من ي ِ
َْ َ
عبده ورسولُه، حممدا ُ أن ً أشهد َّ
يك له ،و ُ أشهد َّأَّل إلهَ َّإَّل اهللُ َ
وحده َّل شر َ و ُ
ين َآمنُوا اتَّ ُقوا اللَّهَ َح َّق تُ َقاتِِه َّ ِ
صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم( ،يَا أَيُّ َها الذ َ
َوََّل ََتُوتُ َّن إََِّّل َوأَنْتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن)[ ِآل ِع ْمَرا َن.]102 :
2من 13
كما جيب أن تكون حياةُ املؤمن كلُّها هلل -تعاىل ،-كما قال -سبحانه:-
ّي)[ ْاألَنْ َع ِام]162 :؛ ِ اي َوَمََ ِاِت لِلَّ ِه َر ِّ
ب الْ َعالَم َ
ِ (قُل إِ َّن َ ِ
ص َالِت َونُ ُسكي َوَْحميَ َ ْ
مجيعا ،وَّل تكو ُن
وتستوعب حياتَه ً ُ فالعبادةُ تشمل شؤو َن اْلنسان كلَّها،
فعبد اهللِ َم ْن يُرضيه ما يُرضي
وحتليال وحترَيًاُ ، أمرا وهنيًا ً إَّل بالتزام شرِع اهلل؛ ً
أحب اهللُ ورسولُه ،ويُبغِض ما ب ما َّ سخط اهللُِ ،
وُي ُّ َ
سخطه ما ي ِ
ُ
اهلل ،وي ِ
َ ُ
ضه اهللُ ورسولُه ،ويوايل َم ْن واىل اهللَ ورسولَه ،ويُعادي َم ْن عادى اهللَ أبغَ َ
ورسولَه.
هما بلغتوَّل تسقط العبادةُ عن أحد من العبيد ،يف دار التكليفَ ،م َ
احلِ ْج ِر]99 :؛ ِ
ّي)[ ْ ك َح َّىت يَأْتِيَ َ
ك الْيَق ُ (و ْاعبُ ْد َربَّ َ
منزلتُه ،و َّأما قوله -تعاىلَ :-
(ح َّىت
ين ،وهو املعىن الذي يف قوله -تعاىلَ :- بإمجاع املفسر َ
ِ فاملراد به املوت
4من 13
كل َم ْن أتى هبا على وشرف ،يستحقُّه ُّ ٌ إن العبوديةَ هلل ِعٌّز أيها اإلخوةَُّ :
أشرف وَّل أمتَّ للمؤمن من الوصف َ وجه التمام والكمال ،وليس شيءٌ
ف بالعبودية؛ فقد وصف اهلل هبا نبيَّه -صلى اهلل عليه وسلم -يف أَ ْشر ِ
َ ُ َ
َسَرى بِ َعْب ِدهِ لَْي ًال ِم َن ِ أَحوالِِه؛ وِهي لَي لَةُ ِْ ِ
(سْب َحا َن الَّذي أ ْ اْل ْسَراء ،فَ َق َالُ : َْ َ َ ْ
اْل ْسَر ِاء،]1 : صى الَّ ِذي بَارْكنَا َح ْولَهُ)[ ِْ
َ
ِِ
احلََرام إِ َىل الْ َم ْسجد ْاألَقْ َ
الْمس ِج ِد ْ ِ
َْ
يدا له عباد اهللِ َّل يَأْنَ ُفو َن وَّل يفرفَّعون أَ ْن يَ ُكونُوا َعبِ ً واألصفياء األخيار ِمن ِ
ُ ْ ُ
ِ ِ
صى َمرات ِ
ب الشََّرف؛ كما قال تعاىل( :لَ ْن -تعاىل ،-بل عبوديتُهم لرِّهبم أَقْ َ
يح أَ ْن يَ ُكو َن َعْب ًدا لِلَّ ِه َوََّل الْ َم َالئِ َكةُ الْ ُم َقَّربُو َن َوَم ْن ِ
ف الْ َمس ُ
ِ
يَ ْستَ ْنك َ
ِّس ِاء،]172 : ِِ ِ
ِْب فَ َسيَ ْح ُش ُرُه ْم إلَْيه َمج ًيعا)[الن َ
ِ ِ ِِ
ف َع ْن عبَ َادته َويَ ْستَك ْ يَ ْستَ ْن ِك ْ
ين يَ ْستَكِِْبُو َن َع ْن ِ َّ ِ ِ ِِ ِِ
ين َع ْن عبَ َادته فَ َقال( :إ َّن الذ َ َوقَ ْد ذَ َّم اهللُ الْ ُم ْستَكِْب َ
كل م ِن استكِب عن ِعبادةِ ِ ِعبادِِت سي ْدخلُو َن جهن ِ
َ َْ َ َ ين)[ َغاف ٍر ،]60 :و ُّ َ َّم َداخ ِر َ َ َ ََ ُ َ َ َ
اد لِعِبَ ٍاد
ف َذ َّل ِعبَ ٌظَ ،كْي َ ض َع َويَ ِذ َّل لِغَ ِْْيهَِ ،وَه َذا أ َْمٌر ُم َال َح ٌ ِ
اهلل َفال بُ َّد أَ ْن َخيْ َ
5من 13
الر ِّق
يجةُ أَ ْن َوقَعُوا يف ِّ ِ ِ مثلِهم ،وأَنْزلُوهم مْن ِزلَةَ ر ِّ ِ ِ
ب الْعبَادَ ،وَكانَت النَّت َ َ َ ُْ َ َ
وعابدا لغْيه؛ (أَفَ َم ْن ً عابدا هللالعبودية هلم ،وشتا َن بّي حياة اْلنسان ً ِ و
اطَيَْ ِشي م ِكبًّا علَى وج ِه ِه أَه َدى أَم من َيَْ ِشي س ِويًّا علَى ِصر ٍ
َ َ َ ْ َْ ْ َ َْ ُ
يعبد هواه ،كما قال تعاىل: الناس َم ْن ُ فم َن ِ كِ ،]22 : مستَ ِقي ٍم)[الْم ْل ِ
ُ ُْ
َضلَّهُ اللَّهُ َعلَى ِع ْل ٍم َو َختَ َم َعلَى مسَْعِ ِه َوقَ ْلبِ ِه ت َم ِن َّاَّتَ َذ إِ َهلَهُ َه َواهُ َوأ َ (أَفَ َرأَيْ َ
ص ِرهِ ِغ َش َاوًة فَ َم ْن يَ ْه ِد ِيه ِم ْن بَ ْع ِد اللَّ ِه أَفَ َال تَ َذ َّك ُرو َن)[ ْ
اْلَاثِيَ ِة: َو َج َع َل َعلَى بَ َ
ِ
قبيحا
فعلَه ،وما رآه ً العبد الذي يأَتر بأم ِر َه َواهُ فما رآه حسنًا َ ]23؛ فهذا ُ
بد
نفسه يَْتبَع ما تَدعُو إليه ،فكأنَّه يَعبُ ُده كما يع ُ ترَكه ،فهو مطيع هلوى ِ
ٌ َ
الرجل إهلَه.
ُ
ِ
احلقيقة- الر ُّق والعبوديةُ -يف
رقيق له؛ إذ ِّ أهو ِاء ِ
عبد ما يهواهٌ ،
نفسه ،فهو ُ
رق ِ
القلب وعبوديتُه. هو ُّ
ِ
ومالكه وحده ،مل يستعب ْد َّإَّل هللِ ِ
خالقه ِ ِّ ِ
ُ ََ فم ْن عبَد اهللَ َ لكل ما سوى اهللَ ،
واملهانةُ ِ
املتصرف فيه ،والعزةُ والكرامةُ والرفعةُ كلُّها يف عبادة اهلل ،والذلةُ و
واخلسارةُ كلُّها يف عبادةِ غ ِْي اهللِ.
ات املتَحت ِ
وإن ِمن امل ِه َّم ِ
َّ
يلتزم املرءُ عبوديةَ ربِّه ،من الذل واخلضوعِّمات أَ ْن َ ََُ ُ َ
اجتناب هنيه ،ودوِام اَّلفتقا ِر إليه ،واللَّ َجأ
خالقه ،و ِ امتثال أم ِر ِ
واْلنابة ،و ِ
ِ ِ
إليه ،واَّلستعانة به ،والتوكل عليه ،وعياذ العبد به ،ولياذه به ،وأَ ْن َّل َ
يتعلق
قلبُه بغْيه حمبةً وخوفًا ورجاءً ،ولْنَ ْعلَ ْم أن َم ْن غ َفل عن هذه املهمة يف حياته
وخسارا َم ْن تعلَّق قلبُه
ً ضالَّل أعظم ِ
الناس ً أن َ فقد غ َفل عن كل شيء ،و َّ
بغ ِْي اهللِ -تعاىل.-
ِ
العبودية له ،وأَ ْن جيعلَنا من ِ
بكمال مجيعا
نسأله -تعاىل -أن َيَُ َّن علينا ً
املقربّي ،أقول قويل هذا و ِ
أستغفر اهللَ يل ولكم، ِ
عباده املخلَصّي ،وأوليائه َّ
وْلميع املسلمّي.
9من 13
الخطبة الثانية:
ِ
الشدائد واحمل ِن ،وأن حنذر عند ِ ع بالص ِِب عباد اهللِ -أن َّ
اْلميل َ نتدر َ فعلينا َ -
اض على أقدار اهلل ،وَّل نكن َمَّن إذا أصابتهم ع واَّلعفر َ ط واْلز َ التسخ َ
ُّ
األمل ،وقعدوا عن العمل ،وأصبحوا َّل َه َّم هلم َّإَّل ما
مصيبةٌ يئسوا وف َقدوا َ
تفكروا ونظروا إىل الدنيا بع ِ
ّي َّ
وغْي حا َهلم ،مع أهنم لو ُ شغَل با َهلمَّ ،
ومتعةٌ زائلةٌ مل يفرحوا فيها مبوجود ،ومل ُيزنوا ِ
البصْية ،وأهنا بُلغةٌ فانيةٌُ ،
ملفقود ،ولْنَ ْعتَِ ِْب حب ِال أُويل النُّهى والبصائر يف الدين ،الذين حقَّقوا العبوديةَ
وباد ُروا آجا َهلم بأعماهلم ،وابتاعوا ما يبقى هلم مبا يزول العاملّيَ ،َ لرب
ِّ
ري -رمحه اهلل" :-أدركت أقو ًاما ما كانوا ليفرحوا البص ّ
عنهم ،قال احلسن َ
بشيء من الدنيا أتوه ،وَّل يأسون على شيء منها فاهتم".
أبقت الدنيا على املرء ِدينَه *** فما فاتَه منها فليس بضائ ِر
إذا ِ
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد اهلل ،على من أمركم ربُّكم بالصالة والسالم عليه
صلُّوا َعلَْي ِه َّ ِ ِ
ين َآمنُوا َ
َّيب يَا أَيُّ َها الذ َ فقال( :إِ َّن اللَّهَ َوَم َالئ َكتَهُ يُ َ
صلُّو َن َعلَى النِ ِّ
صل وسلِّم على حممد وعلى َحز ِ ِ
اللهم ِّابَّ ،]56 : يما)[ ْاأل ْ ََو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً
أزواجه وذريته ،كما صليت على آل إبراهيم ،وبارك على حممد وعلى
َّك محي ٌد جمي ٌد.
أزواجه وذريته ،كما باركت على آل إبراهيم ،إن َ
الله َّم احفظ بالد احلرمّي وبالد املسلمّي من شر األشرار ،وكيد الفجار، ُ
ويل الله َّم ِآمنًا يف األوطان والدور ،وأصلِ ِح األئمةَ ووَّلةَ األمورَّ ،
اللهم وفِّق َّ ُ
اللهم وفقه
أمرنا ملا حتب وترضى من األقوال واألعمال ،يا حي يا قيومَّ ،
املستضعفّي من املؤمنّي يف فلسطّي
َ اللهم أنج
وويل عهده هلداك وتقواكَّ ،
اللهم اشف مرضاهم ،وعاف مبتالهم ،وارحم موتاهم، ويف كل مكانَّ ،
اللهم أطعمهم من جوع ،وآمنهم من خوف، وتقبل يف الشهداء قتالهمَّ ،
الله َّم تول أمرهم ،وفرج مههم ،واكشف كرهبم ،وارحم ضعفهم ،واجِب ُ
الله َّم انصرهم
الله َّم أنزل السكينة عليهم ،واربط على قلوهبمُ ،
كسرهمُ ،
فأنت نصْيهم ،واجعل دائرة السوء على من بغى عليهم وعاداهم ،وأنزل
بأسك ورجزك وعذابك على من تسلط عليهم وآذاهم ،يا مسيع الدعاء.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما حتول به بيننا وبّي معاصيك ،ومن طاعتك َّ
الله َّم
ما تبلغنا به جنتك ،ومن اليقّي ما هتون به علينا مصائب الدنياُ ،
متعنا بأمساعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ،واجعله الوارث منا ،واجعل ثأرنا
13من 13
على من ظلمنا ،وانصرنا على من عادانا ،وَّل جتعل مصيبتنا يف ديننا ،وَّل
جتعل الدنيا أكِب مهنا ،وَّل مبلغ علمنا ،وَّل تسلط علينا من َّل يرمحنا.
لّي ،وآله
املرس َ
واحلمد هلل رب العاملّي ،والصالة والسالم على خامت األنبياء و َ
وصحبه أمجعّي.