Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 58

‫سلسلة من مقاالت الفتح‬

‫جريدة ‪ ..‬أسبوعية ‪ ..‬مستقلة‬

‫يحة‬
‫َ‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫النَّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ت‬‫ل‬‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫تَ ُّ‬
‫أ‬

‫بقلم‪ -‬د‪ .‬ياسر برهامي‬


‫حفظه الله‬

‫سلسلة مقاالت نشرت بجريدة الفتح في األعداد من ‪329 -320‬‬

‫‪1‬‬
±

2
‫دوائر االنتماء وتقاطع المصالح‬

‫تج ُّم َعــات؛ وهــذا يســتلزم وجــو َد ِعــدَّ ة دوائــر مــن‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫اإلنســان َمدَ ن ًّيــا ب َط ْبعــه‪ ،‬يعيــش يف َ‬ ‫اهلل‬
‫ــق ُ‬ ‫َخ َل َ‬
‫أول إلــى َن ْف ِســه‪ ،‬ثــم إلــى ُأ ْسـ َـرتِه‪ ،‬ثــم إلــى عائلتِـ ِـه وقبيلتــه‪ ،‬ثــم إلــى‬ ‫االنتمــاء بالنســبة لــه؛ فهــو ينتمــي ً‬
‫وو َطنِــه‪ ،‬ثــم إلــى ُأ َّمتِــه‪ ،‬ثــم إلــى اإلنســانِ َّية ُك ِّل َهــا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وج َما َعتــه‪ ،‬ثــم إلــى َب َلــده َ‬
‫ِ ِ‬
‫طائ َفتــه َ‬
‫ـع ‪-‬وهــذا َشـ ْـأ ُن النـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاس‬ ‫وقــد َت َت َطابـ ُـق المصالــح بيــن هــذه الدوائــر ‪-‬وهــذا َنــاد ٌر‪ ،-‬وكثيـ ًـرا مــا تتقاطـ ُ‬
‫ـب أحوال ِ ِهــم‪ ،-‬وقــد تتباعــدُ المصالــح وال تلتقــي‪.‬‬ ‫يف أغلـ ِ‬

‫ـاس َقــدْ ًرا عنــد اهلل ‪-‬وعنــد النــاس‪ -‬مــن ينصــح لل َب َشـ ِـر َّي ِة و ُي َقــدِّ ُم مص َل َحتَهــم يف آخرهتــم‬
‫ـم النـ ِ‬ ‫وأعظـ ُ‬
‫الر ُس ـ ِل الكِـ َـرا ِم‬ ‫ِ ِ‬
‫ودنياهــم علــى مصلحــة نفســه الدنيويــة‪ ،‬ويصــل األمــر إلــى أعلــى ُصـ َـور الم َثال َّيــة يف ُّ‬
‫ات اهللِ َع َل ْي ِهــم َو َسـ َـا ُم ُه‪.-‬‬
‫‪-‬ص َلـ َـو ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب َع ـ ْن إِ ْب َراهيـ َ‬
‫ـم الـ َّـر ْو ُع َو َجا َء ْت ـ ُه ا ْل ُب ْشـ َـرى‬ ‫َت َأ َّمـ ْـل َقـ ْـو َل اهلل ‪َ -‬ت َعا َلــى‪ -‬عــن إبراهيــم ‪َ { :é‬ف َل َّمــا َذ َهـ َ‬
‫{وإِ ْذ َق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ــال‬ ‫أيضــا‪َ :‬‬ ‫يــب}(((‪ ،‬و َق ْو َلــ ُه ‪َ -‬ت َعا َلــى‪ -‬عنــه ً‬ ‫يــم َأ َّوا ٌه ُمن ٌ‬ ‫ــو ِم ُلــوط * إِ َّن إِ ْب َراه َ‬
‫يــم َل َحل ٌ‬ ‫ُي َجاد ُلنَــا فــي َق ْ‬
‫اجنُ ْبنِــي َو َبنِـ َّـي َأ ْن َن ْع ُبــدَ ْالَ ْصنَــا َم * َر ِّب إِن َُّه ـ َّن َأ ْض َل ْل ـ َن كَثِيـ ًـرا مِـ َن‬ ‫ِ‬
‫اج َعـ ْـل َهـ َـذا ا ْل َب َلــدَ آمنًــا َو ْ‬‫ـم َر ِّب ْ‬
‫ِ‬
‫إِ ْب َراهيـ ُ‬
‫ـم}(((‪ ،‬وحديـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ـاس َف َمـ ْن َتبِ َعنِــي َفإِ َّنـ ُه مِنِّــي َو َمـ ْن َع َصانِــي َفإِ َّنـ َ‬
‫النَّـ ِ‬
‫ـث النبــي § وهــو يحكــي‬ ‫ـور َرحيـ ٌ‬ ‫ـك َغ ُفـ ٌ‬
‫ـم ا ْغ ِفـ ْـر‬ ‫ِ‬ ‫َنبِيــا مــن األنبيـ ِ‬
‫ـح الــد َم عــن َو ْج ِهــه ويقــول‪ُ :-‬‬
‫«اللهـ َّ‬ ‫يمسـ ُ‬ ‫‪-‬ض َر َب ـ ُه َق ْو َم ـ ُه حتــى َأ ْد َمـ ْـو ُه‪ ،‬وهــو َ‬ ‫ـاء َ‬ ‫ًّ‬
‫ـار َاأل ْخ َشـ َب ْين‬‫ـال ‪-‬وقــد اسـت َْأ َذ َن ُه أن ُي ْطبِـ َـق علــى ال ُك َّفـ ِ‬ ‫الج َبـ ِ‬ ‫ـك ِ‬ ‫ـون»(((‪ ،‬و َقو َلــه لم َلـ ِ‬ ‫ل ِ َق ْومِــي َفإِن َُّهــم َل َي ْع َل ُمـ َ‬
‫َ‬
‫ـن َأ ْص َلبِ ِهــم َم ـ ْن‬ ‫اهلل أن ُي ْخـ ِـر َج مِ ـ ْن َب ْيـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ ِ‬
‫بعــد رحلــة معانــاة عظيمــة لل َّطائــف‪َ « :-‬بـ ْـل َأ ْس ـت َْأني بِ ِهــم؛ َل َعـ َّـل َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫َي ْع ُبــدُ ُه َل ُي ْشـ ِـر ُك بِـ ِـه َش ـ ْي ًئا» (((‪.‬‬

‫ار َظ َلمـ ٍـة ا َّت َه ُمــوه يف ِع ْر ِض ِه‬ ‫الملِــك ون ََصــح فيهــا ل ِ َقـ ْـو ٍم ُك َّف ٍ‬
‫ـف ‪-‬حيـ َن َأ َّو َل ُرؤيــا َ‬ ‫وسـ َ‬ ‫َو َت َأ َّمـ ْـل يف قصــة ُي ُ‬
‫ـط َل ُهــم‬ ‫ـع ِســنِي َن‪ ،‬ثــم هــو ُي َخ ِّطـ ُ‬ ‫ـجنُو ُه علــى هــذه التهمــة المكذوبــة بِ ْضـ َ‬ ‫ـئ منــه ثــم َسـ َ‬ ‫ـون َأ َّنـ ُه َب ِريـ ٌ‬
‫بمــا َي ْع َل ُمـ َ‬
‫ـم َفـ َـذ ُرو ُه فِي ُسـنْ ُبلِ ِه إِ َّل‬ ‫ِ ِ‬
‫ـون َسـ ْب َع ســني َن َد َأ ًبــا َف َما َح َصدْ ُتـ ْ‬ ‫مــا يصنعــون يف َخمسـ ِـة َع َشـ َـر عا ًمــا‪َ { :-‬قـ َ‬
‫ـال َت ْز َر ُعـ َ‬
‫((( [هود‪]75 ،74 :‬‬
‫((( [إبراهيم‪]36 ،35 :‬‬
‫[متـََّف ٌق َعلَ ِيه]‬
‫((( ُ‬
‫[متـََّف ٌق َعلَ ِيه]‬
‫((( ُ‬
‫‪3‬‬
‫ـم َل ُهـ َّن إِ َّل َقلِيـ ًـا مِ َّمــا ُت ْح ِصن َ‬
‫ُون‬ ‫ِ‬
‫ـك َسـ ْب ٌع شــدَ ا ٌد َي ْأ ُك ْلـ َن َمــا َقدَّ ْم ُتـ ْ‬‫ـم َي ْأتِــي مِـ ْن َب ْعـ ِـد َذلِـ َ‬ ‫َقلِيـ ًـا مِ َّمــا َت ْأ ُك ُلـ َ‬
‫ـون * ُثـ َّ‬
‫محبوســا‬
‫ً‬ ‫ون} (((‪ ،‬وهــو ال يـ ُ‬
‫ـزال َب ْعــدُ‬ ‫ـاس َوفِيـ ِـه َي ْع ِصـ ُـر َ‬ ‫ـك َعــا ٌم فِيـ ِـه ُي َغـ ُ‬
‫ـاث النَّـ ُ‬ ‫ـم َي ْأتِــي مِ ـ ْن َب ْعـ ِـد َذلِـ َ‬ ‫* ُثـ َّ‬
‫ـان و ُظلـ ٍ‬
‫ـم‬ ‫ـي و ُط ْغيـ ٍ‬ ‫ل ْخ َوتِــه ‪-‬الذيــن باعــوه رقي ًقــا‪ ،‬بعــد َح َسـ ٍـد و َب ْغـ ٍ‬ ‫يف الســجن مظلومــا‪َ ،‬و َت َأمـ ْـل دعــاءه ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ـان َأبِيـ ِـه مِنْ ـ ُه‪َ { :-‬قـ َ‬
‫وحرمـ ِ‬ ‫ـان لــه مــن َأبِيــه ِ‬ ‫وحرمـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ـم‬‫ـم َو ُهـ َـو َأ ْر َحـ ُ‬ ‫اهَّلل َل ُكـ ْ‬
‫ـم ا ْل َيـ ْـو َم َي ْغفـ ُـر ُ‬ ‫ـب َع َل ْي ُكـ ُ‬‫ـال َل َت ْث ِريـ َ‬
‫ـم َأ ْج َم ِعيـ َن}(((‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الراحميـ َن * ا ْذ َه ُبــوا بِ َقميصــي َهـ َـذا َف َأ ْل ُقــو ُه َع َلــى َو ْجــه َأبِــي َيـ ْـأت َبصيـ ًـرا َو ْأ ُتونــي بِ َأ ْهل ُكـ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َّ‬
‫وعشــري َن َسـن ٍَة‪« :-‬ا ْذ َه ُبــوا َف َأ ْن ُتــم ال ُّط َل َقــاء»(((‪.‬‬ ‫و َت َأمـ ْـل قــول النبــي § ألهـ ِل م َّكـ َة ‪-‬بعــد أذى إِحــدَ ى ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ـك؛ َأ ْد َر ْكـ َ‬
‫ـت هــذه النوعي ـ َة العظيم ـ َة مــن ال َب َشــر التــي شــرح اهلل لهــا صدورهــا‬ ‫إذا َت َأ َّم ْلـ َ‬
‫ـت ك َُّل ذلـ َ‬
‫تنصــح لِلعا َلــم مــع شــدة أذى النـ ِ‬
‫ـاس َل ُهــم‪.‬‬ ‫ـت أن َ‬ ‫حتــى َت َح َّم َلـ ْ‬

‫ـاس مــن ُي َقــدِّ ُم مص َل َح َتـ ُه علــى مص َل َحـ ِـة ُأ ْسـ َـرتِه وعائِ َلتِــه و َقبي َلتِــه‪ ،‬ومنهم مــن ُي َض ِّحي‬ ‫ـاك مــن النـ ِ‬ ‫وهنَـ َ‬ ‫ُ‬
‫مــن َأ ْجلِ ِهــم ولــو أتــى ذلــك علــى َمص َل َحـ ِـة َن ْف ِســه ‪-‬بــل وعلــى حياتــه‪ ،-‬ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم َمص َل َحـ َة عائلتِه‬
‫علــى َمص َل َحـ ِـة طائفتِــه‪ ،‬ومنهــم مــن يجعــل طائف َتــه فــوق عائلتِــه‪ ،‬ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مص َل َح ـ َة َجما َعتِــه‬
‫علــى عائلتِــه‪ ،‬ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مص َلحـ َة عائلتِــه علــى جماعتِــه‪ ،‬ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مصلحـ َة أهـ ِل َب َلـ ِـد ِه‬
‫ـط‪ ،-‬ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مص َل َحـ َة ُأ َّمتِـ ِـه علــى أهـ ِل َب َلـ ِـد ِه ‪-‬بــل‬ ‫ِ ِ‬
‫علــى مص َل َحــة ُأ َّمتــه ُ‬
‫‪-‬ور َّب َمــا لــم َي ْع َبــأ هبــا َقـ ّ‬
‫ـاس وأشــبههم بأنبيـ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـاء‬ ‫ُ‬ ‫ـرب النـ ِ‬ ‫يــرى أن مص َلحـ َة أهـ ِل َب َلــده ال تتح َّقـ ُـق إال مــع مص َل َحــة ُأ َّمتــه‪ ،-‬وهــؤالء أقـ ُ‬
‫اهللِ َو ُر ُســلِ ِه‪.‬‬

‫الم َصالِــح ‪-‬حتــى ُر َّب َمــا بِ َم ْص َل َحـ ِـة‬ ‫ـال و َأ ْض َي ُق ُهــم َصــدْ ًرا‪ :‬مــن ُي َض ِّحــي بجميـ ِع َ‬ ‫أمــا َأ ْسـ َـو ُأ النـ ِ‬
‫ـاس َحـ ً‬
‫ـراب الدُّ ْنيــا والبـ ِ‬ ‫ـم مــن َعــدُ ِّو ِه ‪-‬بتضيي ـ ِع مص َل َحتِــه‪ -‬بِـ َـأ ِّي َث َمـ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـاد‬ ‫َ‬ ‫ـن‪ ،‬ولــو بخـ ِ‬ ‫َن ْفســه‪ -‬مــن َأ ْج ـ ِل أن ينتقـ َ‬
‫ـاد‪ ،‬مثــل عبــارة «شمشــون» المشــهورة يف هــدم المعبــد‪َ « :‬ع َلـ َّـي َو َع َلــى َأعْدَ ائِــي»‪.‬‬ ‫والعبـ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬

‫ــت كذلــك أدلــة‬ ‫الم َصالِــحِ و َت َص ُار ِع َهــا و َتنَا ُف ِســها‪َ ،‬و َت َأ َّم ْل َ‬
‫ــك مــن تقا ُطــ ِع َ‬ ‫وإذا َت َأ َّم ْل َ‬
‫ــت مــا َح ْو َل َ‬
‫ـس وال َغ ْيـ ِـر ‪-‬عــن‬ ‫ِ‬
‫المفاســد عــن النَّ ْفـ ِ‬ ‫الشــريعة اإلســامية التــي ال نظيـ َـر لهــا يف ِر َعايـ ِـة المصالِــح و َد ْف ـ ِع‬
‫ـم مص َلحـ ِـة‬ ‫ـب ‪-‬بتقديـ ِ‬ ‫ـط معــاين المصالِــح بأحسـ ِ‬
‫ـن ترتيـ ٍ‬ ‫ال َفــر ِد والجما َعـ ِـة‪ ،‬عــن الدو َلـ ِـة واألُمـ ِـة‪ -‬وضبـ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫((( [يوسف‪]49 - 47 :‬‬
‫((( [يوسف‪]93 ،92 :‬‬
‫((( [رواه البيهقي يف السنن الكربى‪]6603 :‬‬
‫‪4‬‬
‫ـال‪-‬؛ علِ ْمــت نعمـ َة اهللِ عليـ َ‬
‫ـك باإلســا ِم‪ ،‬و َب ِقـ َـي أن‬ ‫ض‪ ،‬ثــم ال َع ْقـلِ‪ ،‬ثــم المـ ِ‬
‫َ‬
‫ـس‪ ،‬ثــم ِ‬
‫العـ ْـر ِ‬ ‫الدِّ يـ ِ‬
‫ـن‪ ،‬ثــم النَّ ْفـ ِ‬
‫ُت َط ِّبـ َـق ذلــك َع َملِ ًّيــا يف حياتِـ َ‬
‫ـك‪.‬‬

‫ـارات ك َُّل يــو ٍم ‪-‬بــل ك َُّل َســا َع ٍة‪ ،-‬وهــذه طبيعــة الحيــاة‬ ‫ـارات واختيـ ٍ‬ ‫وكل واحـ ٍـد مِنَّــا ي َتعــر ُض الختبـ ٍ‬
‫َ َ َّ‬
‫ـص على مص َل َح ِة َن ْف ِســه؛ ولكــن حين ينتمي‬ ‫ِ ِ‬
‫ـم َأ ْح َسـ ُن َع َمـ ًـا} [هــود‪ ،]7 :‬وهــو بِ َط ْبعــه َح ِريـ ٌ‬ ‫ـم َأ ُّي ُكـ ْ‬
‫ِ‬
‫{ل َي ْب ُل َو ُكـ ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يح ـةُ‪ُ .‬قلنــا‪:‬‬ ‫إلــى كيــان ومجتم ـ ٍع و ُأ َّمــة‪ ،‬وحيــن يكــون صاد ًقــا يف تطبيــق قــول النبــي §‪« :‬الدِّ ي ـ ُن النَّص َ‬
‫الم ْســلِ ِمي َن َو َعا َّمتِ ِهــم‪[ ».‬رواه مســلم]‪ ،‬وحيــن ُيـ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـدر ُك أنــه‬ ‫ل َمــن؟ قــال‪ :‬ل َّلــه‪ ،‬ولكتابِــه‪ ،‬ول َر ُســوله‪َ ،‬ولَئ َّمــة ُ‬
‫مصلحـ َة ُم ْجت ََم ِعـ ِـه‬
‫َ‬ ‫حــه‪ ،‬وكذلــك البــد وأن يراعــي‬ ‫قــد يســع الفــرد مــا ال يســع الجما َعـ َة ‪-‬يف رعايـ ِـة مصال ِ ِ‬
‫ََ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬
‫والم َو َاز َنــة ‪-‬بيــن المصالِــح‬ ‫ـار ُ‬ ‫ـاد واالختيـ ِ‬‫ـدر ُك مــدى صعوبـ ِـة االجتهـ ِ‬
‫ُ‬ ‫ـك‪ُ :‬يـ ِ‬ ‫و ُأ َّمتِـ ِـه‪-‬؛ حيــن يــدرك كل ذلـ َ‬
‫ــت‪ -‬حتــى ُي َقــدِّ م‬ ‫اجتم َع ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫والمفاســد بعضهــا البعــض إذا َ‬ ‫والمصالــح َ‬ ‫والمفاســد وبعضهــا‪َ ،‬‬ ‫وبعضهــا‪َ ،‬‬
‫أدناهمــا‪ ،‬و َيدْ َفــع أكــر المفســدتين ولــو احتمــل أدناهمــا‪ ،‬ويــوازن بيــن‬ ‫أكــر المصلحتيــن ولــو فا َتــت ُ‬
‫وتالز َمــت‪ ،‬و ُيــدْ ِرك مــدى حاجتــه إلــى توفيــق اهلل وإعانَتِــه؛ فيخلــص‬ ‫َ‬ ‫اجتم َعــت‬
‫المصالــح والمفاســد إذا َ‬
‫ـداد مــع قِ َّلـ ِـة‬
‫ـتقيم وأن ي ِعينَــه علــى السـ ِ‬
‫ُ‬ ‫ـراط المسـ ِ‬ ‫الهدَ ايـ ِـة إلــى الصـ ِ‬ ‫ـب ِ‬ ‫هلل القصــد والنِّ َّيــة‪ ،‬ويت ََضـ َّـرع لــه ب َط َلـ ِ‬
‫ـن‪ ،‬كمــا يبــذل جهــده يف تحصيــل الشــورى مــع إخوانــه ا َّل ِذيــن يتحملــون مســئولية‬ ‫البِ َضا َعـ ِـة و َك ْثــر ِة ِ‬
‫الف َتـ ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ــر ِد‪ ،‬وا َّل ِذيــن ينظــرون بالعينيــن وليــس‬
‫بواحــدة‪ ،‬ويلتفتــون إلــى جوانــب األمــر‬ ‫الج ْمــ ِع وليــس ال َف ْ‬ ‫َ‬
‫ـول الســليم ُة بِ َصوابِ َهــا‬ ‫واحـ ٍـد و ُي ْه ِم ُلــون َأ ِد َّلــة الشــر ِع التــي َشـ ِـهدَ ت ال ُع ُقـ ُ‬
‫ـب ِ‬ ‫المختلفــة وليــس إلــى جانـ ٍ‬
‫ِ‬
‫ـاس و َثنَا َء ُهــم وال الفـ َ‬
‫ـرار‬ ‫ـال ال َعاطِ َفــة‪ ،‬ويرجــون َو ْج ـ َه اهللِ والــدَّ َار اآلخــرةَ‪ ،‬ليــس َمــدْ َح النـ ِ‬ ‫وليــس إعمـ َ‬
‫مِــن َذ ِّم ِهــم و َط ْعن ِ ِهــم‪.‬‬

‫ـراد ‪-‬يف ِدينِهــم‬ ‫ـون جميعــا أن األمــر ســيتعلق بم ِصيــر ُأمـ ٍـة وب َلـ ٍـد وطائفـ ٍـة وجماعـ ٍـة وأفـ ٍ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وحيــن َي ْع َل ُمـ َ‬
‫اختيــارا عشــوائ ًيا‬‫ً‬ ‫ــن‬ ‫اختيارهــم ِلَ ْم ٍ‬
‫ــر ُم َع َّي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اض ِهــم و َأ ْموال ِ ِهــم‪-‬؛ ال ُي ْمكِن ُُهــم أن يكــون‬ ‫ودمائِ ِهــم و َأ ْعر ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬

‫الخطِيئــة‪ -‬يف ذلــك قــد‬ ‫الخ َطـ َـأ ‪َ -‬ف ْضـ ًـا عــن َ‬ ‫خاص ـ ًة أن َ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬فضـ ًـا عــن أن يكــون انتقام ًّيــا أو َتدْ م ِير ًّيــا‪َّ -‬‬
‫قــول شــعيب ‪{ é‬إِ ْن ُأ ِريــدُ إِ َّل‬ ‫ِ‬ ‫والتأ ُّخــر؛ عنــد ذلــك َيع َلمــون عظمــ َة‬ ‫اإلخفــاق َ‬ ‫ِ‬ ‫أجيــال مــن‬‫ً‬ ‫ُي َك ِّلــف‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب}(((‪.‬‬ ‫اس ـ َت َط ْع ُت َو َمــا َت ْوفِ ِيقــي إِ َّل بِــاهَّلل َع َل ْيـ ِـه َت َو َّك ْلـ ُ‬
‫ـت َوإِ َل ْيــه ُأنيـ ُ‬ ‫ِ‬
‫ْال ْصـ َـا َح َمــا ْ‬

‫((( [هود‪]88 :‬‬


‫‪5‬‬
‫ـك‪َ ،‬و ُي ْهــدَ ى فيـ ِـه َأ ْهـ ُـل َم ْع ِص َيتِــك‪ ،‬و ُيؤ َمـ ُـر فيـ ِـه‬ ‫ـئ ألُ َّمتِنــا َأ ْمـ َـر ُر ْشـ ٍـد ُي َعـ ُّـز فيــه َأ ْهـ ُـل َطا َعتِـ َ‬
‫ـم َه ِّيـ ْ‬
‫لهـ َّ‬‫فا َّل ُ‬
‫ـئ َلنَــا مِـ ْن َأ ْم ِر َنــا َر َشــدً ا»‪.‬‬ ‫«ر َّبنَــا آتِنَــا مِــن َّلدُ نـ َ‬
‫ـك َر ْح َم ـ ًة َو َه ِّيـ ْ‬ ‫المنْ َكـ ِـر‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫بالم ْعـ ُـروف و ُين َْهــى فيــه عــن ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ـعي َن * ا َّل ِذي ـ َن َي ُظنُّـ َ‬
‫ـون َأن َُّهــم ُّم َل ُقــو‬ ‫اشـ ِ‬
‫«واس ـت َِعينُوا بِالصبـ ِـر والصـ َـا ِة ۚ وإِنَّهــا َل َكبِيــر ٌة إِ َّل َع َلــى ا ْل َخ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ْ َ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ر ِّب ِهــم َو َأن َُّهــم إِ َل ْيـ ِـه ر ِ‬
‫اج ُعـ َ‬
‫ـون»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫مصلحة‬ ‫هــذا بالنســبة إلــى دائــرة المصالــح التــي يجــب علــى المســلم فيهــا النصــح للنــاس‪ ،‬ما بيــن‬
‫َن ْف ِســه‪ ،‬إلــى مصلحــة ُأ ْس َــرتِه إلــى مصلحــة عائلتِــه‪ ،‬إلــى مصلحــة جماعتِــه وطائفتِــه‪ ،‬إلــى مصلحــة‬
‫مجتمعــه ووطنِــه‪ ،‬إلــى مصلحــة ُأ َّمتِــه‪ ،‬إلــى مصلحــة البشــر عمو ًمــا‪..‬‬
‫ِ‬

‫وأمــا عــن أنــواع المصالــح التــي يجــب النصــح فيهــا لهــؤالء‪ ،‬والتــي يلــزم أن نضعهــا نصــب أعيننــا‬
‫عنــد اختيــار المواقــف وحســاب المصالــح؛ خاصــة أن المصالــح المحضــة والمفاســد المحضــة ال‬
‫ـادرا؛ فيلــزم البحــث يف أنواعهــا لتقديــم المصلحــة األكــر علــى المصلحــة األدنــى‪.‬‬
‫تــكاد توجــد إال نـ ً‬

‫*******‬

‫‪6‬‬
‫أنواع المصالح التي يجب النصح فيها‬

‫أول‪ :‬مصلحــة الديــن‪ :‬وهــي أعظــم المصالــح والضــرورات لإلنســان‪ ،‬بالنظــر إلــى جملــة حياتــه‬ ‫ً‬
‫ووجــوده؛ فليســت حيا ُتــه فــوق األرض هــي فقــط حياتــه‪ ،‬قــال ‪-‬تعالــى‪ -‬عــن يــوم القيامــة‪َ { :‬ي ْو َمئِـ ٍـذ‬
‫ـت ل ِ َح َياتِــي } (((؛ فــكأن حياتــه فــوق األرض‬ ‫ـول َيا َل ْيتَنِــي َقدَّ ْمـ ُ‬ ‫ـان َو َأ َّنــى َل ـ ُه ِّ‬
‫الذ ْكـ َـرى * َي ُقـ ُ‬ ‫َيت ََذ َّكــر ْ ِ‬
‫الن َْسـ ُ‬ ‫ُ‬
‫ــه ُك ْف ُــر ُه ۖ َو َمــ ْن َع ِم َــل َصال ِ ًحــا‬
‫معتــرة بالنســبة لآلخــرة‪ ،‬وقــال تعالــى‪{ :‬مــن َك َفــر َفع َلي ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحيــاة‬ ‫ليســت‬
‫ـوية مــن فــراش‬ ‫ـداد والتسـ ِ‬ ‫فالمهــاد يف القـرِ أولــى باإلعـ ِ‬ ‫ون} (((‪ ،‬قــال مجاهــد‪ :‬يف القــر؛ ِ‬ ‫َف ِلَن ُف ِسـ ِـه ْم َي ْم َهــدُ َ‬
‫حجــرة النــوم‪.‬‬

‫ــرتِه وعائلتِــه وجماعتِــه‬ ‫ِ‬


‫فالواجــب علــى الناصــح أن يقــدم مــا فيــه تحقيــق إيمــان َن ْفســه و ُأ ْس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـح ‪-‬تمــا َم النصــحِ ‪ -‬مــن ينصــح للكفــار ويضحــي بنفســه مــن‬ ‫ومجتمعــه وأهــل بلــده و ُأ َّمتــه؛ بــل الناصـ ُ‬
‫للملِــك‪:‬‬ ‫أجــل أن يؤمنــوا‪ ،‬ولــو بفــوات نفســه ونفوســهم‪ ،‬كمــا فعــل غــا ُم «أصحــاب األخــدود» إذ قــال َ‬
‫ـاس يف َصعيـ ٍـد َواحـ ٍـد‬ ‫ـع النَّـ َ‬ ‫ـال‪َ :‬ت ْج َمـ ُ‬ ‫ـال‪َ :‬مــا ُهـ َـو؟ َقـ َ‬ ‫ـت ب َقاتلــي َح َّتــى َت ْف َعـ َـل َمــا آ ُمـ ُـر َك بِـ ِـه‪َ .‬قـ َ‬ ‫ـك َل ْسـ َ‬ ‫(إ َّنـ َ‬
‫بســم‬ ‫ـم ُقـ ْـل‪ْ :‬‬ ‫السـ ْـه َم يف كَبـ ِـد ال َقـ ْـو ِ‬
‫س ُثـ َّ‬ ‫ـم َض ـ ِع َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ـم ُخـ ْـذ َسـ ْـهمًا م ـ ْن كنَانَتــي‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ِ‬
‫و َت ْص ُل ُبنــي َع َلــى جـ ْـذعٍ‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـاس يف َصعيــد واحـ ٍـد‪َ ،‬و َص َل َب ـ ُه‬ ‫ـع النَّـ َ‬‫ـك َقتَلتَنــي‪َ .‬ف َج َمـ َ‬ ‫ـت ذلِـ َ‬ ‫ـم ْارمِنــي؛ َفإ َّنـ َ‬
‫ـك إِ َذا َف َع ْلـ َ‬ ‫رب ال ُغ ـاَ ِم‪ُ ،‬ثـ َّ‬ ‫اهلل ِّ‬
‫ـال‪ :‬بِسـ ِ ِ‬ ‫السـ ْـه َم يف َكبِـ ِـد ال َقـ ْـو ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫رب‬ ‫ـم اهلل ِّ‬ ‫ـم َقـ َ‬
‫س‪ُ ،‬ثـ َّ‬ ‫ـع َّ‬ ‫ـم َو َضـ َ‬ ‫ـم َأ َخـ َـذ َسـ ْـهمًا م ـ ْن كنَانَتــه‪ُ ،‬ثـ َّ‬ ‫َع َلــى جـ ْـذعٍ‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـاس‪ :‬آ َمنَّــا بِـ َـر ِّب ال ُغــا ِم‪،‬‬ ‫ـال النَّـ ُ‬ ‫ـات‪َ ،‬ف َقـ َ‬ ‫ـع َيــدَ ُه يف ُصدْ ِغـ ِـه َف َمـ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـع يف ُصدْ غــه‪َ ،‬ف َو َضـ َ‬ ‫ـم َر َمــا ُه َفو َقـ َ‬‫ال ُغــا ِم‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫الملِـ ُ‬ ‫ِ‬
‫ـاس) [رواه‬ ‫ـك َحـ َـذ ُر َك‪َ .‬قــدْ آ َم ـ َن النَّـ ُ‬ ‫ـت َت ْحـ َـذ ُر؛ َقــدْ واهلل َنـ َـز َل بـ َ‬ ‫ـت َمــا ُكنْـ َ‬ ‫ـك فقيـ َـل َل ـ ُه‪َ :‬أ َر َأ ْيـ َ‬ ‫َف ُأتـ َـي َ‬
‫ـرك والكفـ ِـر ُم َقــدَّ ٌم علــى حيــاة النفــوس يف الدنيــا‪.‬‬ ‫مســلِم]؛ فرتكُهــم للشـ ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ـب ذلــك؛ وال ُيلقــي بيــده إلــى التهلكــة‪ ،‬وال‬ ‫ـن مــع حفــظ النفــس َو َجـ َ‬ ‫أمــا إذا أمكــن ِح ْفـ ُ‬
‫ـظ الديـ ِ‬
‫ــة؛ إذ أن بقــاء الديــن يف‬ ‫ــرع العــذر عنــد اإلكــراه إلبقــاء المهج ِ‬ ‫ُيلقــي بالنــاس إلــى التهلكــة؛ وإنمــا ُش ِ‬
‫ُْ َ‬
‫القلــب مــع الطمأنينــة باإليمــان حاصـ ٌـل مــع النطــق بكلمــة الكفــر عنــد اإلكــراه‪ ،‬وإن كان هــذا ال َي ْلـ َـزم؛‬
‫لمــا يف إظهــار الديــن بالصــر علــى القتــل وعــدم النطــق بكلمــة الكفــر مــن مصلحـ ِـة تعظيــم اإليمــان يف‬
‫النفــس وعنــد النــاس‪ ،‬وتحصيــل الشــهادة‪.‬‬
‫((( [الفجر‪]24 ،23 :‬‬
‫((( [الروم‪]44 :‬‬
‫‪7‬‬
‫أمــا إذا كان األمــر ُم َت َعدِّ ًيــا إلــى غيــره مــن المســلمين فيلزمــه ِحف ُظهــم وعــدم تعريضهــم للهــاك‪،‬‬
‫إذا أمكــن بقاؤهــم علــى الديــن بنطقــه لكلمــة الكفــر أو مــا دون ذلــك‪ ،‬كمــا َق َّبـ َـل عبــداهلل بــن حذافــة رأس‬
‫ملــك الــروم لكــي يطلــق ســراح مــن معــه مــن أســرى المســلمين؛ فللمــرء أن يســامح يف حــق نفســه‪،‬‬
‫الم َت َعدِّ َيـ ِـة بــرك‬
‫وليــس لــه أن يســامح يف حــق غيــره؛ ولــذا قــال أهــل العلــم بوجــوب دفــع المفســدة ُ‬
‫ِ‬
‫الح ْس ـ َبة مــع اســتحباب االحتســاب اذا كانــت المفســدة مقتصــرة علــى المحتســب‪.‬‬

‫أمــا مــا يمكــن فيــه بقــاء الديــن والنفــس ‪-‬بتفويــت مــا دون ذلــك مــن المصالــح لمجمــوع األمــة أو‬
‫ـب بــا شــك وال نــزاع‪.‬‬
‫المجتمــع أو الجماعــة‪ ،‬أو حتــى العائلــة واألســرة‪ -‬فذلــك واجـ ٌ‬
‫بالســن َِّة‪ :‬الطريقــة‬ ‫ِ‬
‫بالســنَّة وتركهــم البــدع‪ ،‬ونعنــي ُ‬
‫ومــن مصلحــة الديــن كذلــك التــزا ُم النــاس ُ‬
‫والمنهــج‪ ،‬وخاصــة يف االعتقــاد‪ ،‬ونعنــي بالبــدع يف المقــام األول‪ :‬بــدع الضاللــة يف العقائــد كالرفــض‬
‫(التشــيع) والخــوارج (التكفيــر) واالعتــزال ونحوهــا؛ فمهمــا كان أمامنــا مــن اختيــار بيــن أمــور أحدهــا‬
‫بالســنَّة أكثــر مــن غيــره َل ِ‬
‫ــز َم ذلــك االختيــار‪ ،‬ومــا كان أبقــى لوجــود مــن‬ ‫يــؤدي إلــى التــزام النــاس ُ‬
‫الس ـنَّة وينهاهــم عــن البدعــة و ُي َع ِّل ُمهــم مــا يلزمهــم يف دينهــم لــزم اختيــاره‪.‬‬
‫يدعوهــم إلــى ُ‬
‫وليــس ‪-‬عنــد أهــل العلــم‪ -‬الخيــار الصفـ ِـر ِّي ‪-‬الــذي ُيعـ ِـدم الدعــاة أو يســجنهم ويمنعهــم مــن‬
‫صــور الدعــوة إلــى اهلل‪ ،‬أو يضطرهــم للســفر والهجــرة‪ ،‬مــع العجــز عــن الدعــوة بيــن النــاس بعيــدً ا‬
‫عنهــم‪ -‬بخيـ ٍ‬
‫ـار ُم ْع َت َبـ ٍـر‪ ،‬مــا لــم يكــن يف ذلــك النطــق بالكفــر أو الشــرك أو البدعــة الضاللــة مثـ ًـا؛ بــل كل‬
‫وســيلة ُت ِبقــي الدعــوة قائمــة بصــورة مــن الصــور ‪-‬ولــو َق َّلـ ْ‬
‫ـت‪ -‬فهــي مشــروعةٌ‪ ،‬وهــي خيـ ٌـر مــن إعدامهــا‬
‫الس ـنَّة قائمــة‬ ‫بال ُك ِّليــة؛ ُّ‬
‫وكل هــذا مــن حفــظ ديــن المجتمــع ومــا دونــه‪ ،‬بــل الحفــاظ علــى طائفــة أهــل ُ‬
‫بمنهجهــا داعيــة إلــى شــرع اهلل خيــر لمجمــوع األمــة بــا شــك‪.‬‬

‫وكذلــك مــن مصلحــة الديــن التــزام النــاس بفعــل الطاعــات والواجبــات وتــرك المحرمــات؛‬
‫فمــا كان أقــرب إلــى أن ُيحافِــظ النــاس علــى الصلــوات وتعميــر المســاجد وإيتــاء الــزكاة وإيصالهــا‬
‫إلــى مســتحقيها والتمكــن مــن تعليــم النــاس ذلــك ومعاونتهــم عليــه‪ ،‬وســد حاجــات فقرائهــم‬
‫وصــوم رمضــان وحــج البيــت واالعتمــار إليــه؛ كان الزم االختيــار‪ً ،‬‬
‫بــدل ممــا يجعــل شــباهبم‬
‫ورجالهــم ونســاءهم وأطفالهــم يفقــدون الطريــق إلــى المســاجد ويضيعــون الفرائــض والوجبــات‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وكــذا أداء الواجبــات الباطنــة ‪-‬بــل هــي ُم َقدَّ َمــة علــى الظاهــرة‪ -‬مــن حــب اهلل تعالــى والخــوف منــه‪،‬‬
‫ورجــاء رحمتــه‪ ،‬وشــكر نِعمتــه‪ ،‬والصــر واالخــاص والصــدق‪ ،‬وغيرهــا مــن عبــادات القلــوب‪.‬‬

‫وأمــا تــرك المحرمــات‪ :‬فهــو يشــمل تــرك المحرمــات الباطنــة ‪-‬كالكِ ْبــر وال ُع ْجــب والريــاء‬
‫ِ‬
‫والسـ ْـم َعة والغـ ِّـل َ‬
‫والح َســد وســائر أمــراض القلــوب‪ ،-‬والمحرمــات الظاهــرة مــن الكبائــر ‪-‬كالزنــا‬ ‫ُّ‬
‫واللــواط والســرقة وشــرب الخمــر والربــا والميســر‪ ،-‬وخيانــة األمانــة ‪-‬خاصــة الغلــول‪ ،-‬ونحوهــا‪،‬‬
‫والصغائــر التــي هــي دون ذلــك‪.‬‬

‫فــكل مــا كان أقــرب إلــى اســتصالح النــاس ‪-‬بــرك ذلــك ووجــود مــن ُي َع ِّل ُمهــم ُح ْر َمــ َة ذلــك‬
‫ويدعوهــم إلــى َت ْركِــه‪ -‬كان يلــزم اختيــاره‪.‬‬

‫وص َلـ ِـة‬


‫وكذلــك كل مــا كان أقــرب إلــى التــزام األخــاق الواجبــة والمســتحبة ‪َ -‬كبِــر الوالديــن‪ِ ،‬‬
‫ِّ‬
‫األرحــام‪ ،‬واإلحســان إلــى الجيــران‪ ،‬والصــدق واألمانــة‪ -‬والبعــد عــن ســيئ األخــاق ‪-‬كالكــذب‪،‬‬
‫الم َح َّرمــات‪ ،‬والغيبــة والنميمــة‪ ،‬وســوء الظــن‪ ،‬وال ُف ْح ِ‬
‫ــش‬ ‫وإخــاف الوعــد‪ ،‬وإطــاق البصــر إلــى ُ‬
‫ـب وال َّل ْعـ ِ‬
‫ـن وال َبـ َـذاء‪ -‬كان واج ًبــا أن ُن َقدِّ َمــه علــى مــا يــؤدي إلــى ضيــا ِع ذلــك الخيــر يف النــاس‪.‬‬ ‫والسـ ِّ‬
‫َّ‬
‫وعمو ًمــا‪ :‬فــكل خيــار يــؤدي إلــى قــرب الدعــوة مــن النــاس ووجودهــا فيهــم ‪-‬لحفــظ الديــن‬
‫واختيــاره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الم ْمكِــن‪-‬؛ كان واج ًبــا علــى المســلم فِ ْع ُلــه‬
‫بال َقــدْ ِر ُ‬
‫ويجــب أن ننتبــه يف هــذه النقطــة إلــى أن خيــار الفوضــى يف بلــد مــن البــاد هــو مــن أســوأ الخيارات‬
‫التــي تعــود علــى ديــن المجتمــع بالضــرر‪ ،‬وليــس فقط حفــظ دنياهــم وأرواحهــم وأعراضهــم وأموالهم‪،‬‬
‫الســدَّ ْي ِن َو َجــدَ مِــن ُدونِ ِه َمــا َق ْو ًمــا َّل َيـ َكا ُد َ‬
‫ون‬ ‫ـى إِ َذا َب َلـ َ‬
‫ـغ َب ْيـ َن َّ‬ ‫{ح َّتـ ٰ‬
‫ألــم تســمع قــول اهلل عــن ذي القرنيــن‪َ :‬‬
‫ـون َقــو ًل}(((؛ فلــم يذكــر ِ‬
‫اهلل َعنْـ ُه‪ -‬مــا ذكــر عنــد مغــرب الشــمس ومشــرقها مــن بيــان خطــر‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬
‫َ‬ ‫َي ْف َق ُهـ َ ْ‬
‫الظلــم وعقوبتــه‪ ،‬والرتغيــب يف اإليمــان والعمــل الصالــح ومثوبتــه؛ بــل بــدأ ببنــاء الســد مــع إشــارات‬
‫ـم َر ْد ًمــا * آ ُتونِــي‬ ‫ـم َو َب ْين َُهـ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـال َمــا َم َّكنِّــي فيــه َر ِّبــي َخ ْيـ ٌـر َف َأعينُونــي بِ ُقـ َّـوة َأ ْج َعـ ْـل َب ْينَ ُكـ ْ‬ ‫لمعــاين التوحيــد‪َ { ،‬قـ َ‬
‫ـال آ ُتونِــي ُأ ْفـ ِـر ْغ َع َل ْيـ ِـه‬
‫ـارا َقـ َ‬ ‫ـى إِ َذا َج َع َلـ ُه َنـ ً‬ ‫ـن َقـ َ‬
‫ـال ان ُف ُخــوا ۖ َح َّتـ ٰ‬ ‫الصدَ َف ْيـ ِ‬
‫ـاو ٰى َب ْيـ َن َّ‬ ‫ـى إِ َذا َسـ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ُز َبـ َـر ا ْل َحديــد ۖ َح َّتـ ٰ‬
‫ِ‬
‫اس ـ َت َطا ُعوا َل ـ ُه َن ْق ًبــا} [الكهــف‪ ،]97-95 :‬حتــى إذا انتهــى منــه‬ ‫اس ـ َطا ُعوا َأن َي ْظ َهـ ُـرو ُه َو َمــا ْ‬ ‫ق ْطـ ًـرا * َف َمــا ْ‬
‫((( [الكهف‪]93 :‬‬
‫‪9‬‬
‫ـاس بــأن هــذا مــن فضــل اهلل‪ ،‬و َذك ََّرهــم باآلخــرة { َفــإِ َذا َجــا َء َو ْعــدُ َر ِّبــي َج َع َلـ ُه َدكَّا َء ۖ َوك َ‬
‫َان َو ْعــدُ‬ ‫َذ َّكـ َـر النـ َ‬
‫َر ِّبــي َح ًّقــا} (((؛ ألن النــاس عنــد الفســاد والفوضــى ال يفقهــون شــي ًئا‪ ،‬وتــكاد تنعــدم عندهــم أدوات‬
‫االســتقبال للدعــوة‪.‬‬

‫فــا َي َس ـ ُعنَا أبــدا أن ندفــع مجتم ًعــا إلــى الفوضــى وبــا ًدا إلــى الخــراب ظنًــا منّــا أن ذلــك يمكــن‬
‫معــه إقامــة الديــن أو الدنيــا؛ وال ُي ْقـ ِـدم علــى ذلــك إال َغـ ٌّ‬
‫ـاش خائ ـ ٌن غيـ ُـر ناصــحٍ ‪ ،‬أو مــن يعتقــد كفــر‬
‫ـدل مــن هدايتــه‪ ،‬بــل هــذا ليــس هــدى األنبيــاء والدعــاة إلــى الخيــر‬ ‫المجتمــع ويريــد االنتقــام منــه بـ ً‬
‫ـب الهدايــة لهــم مغــروز يف الفطــرة الســليمة كمــا قــال‬ ‫‪-‬عــر الزمــان‪ -‬مــع المجتمعــات الكافــرة؛ فــإن ُحـ َّ‬
‫ـع لــه الرايــة‪{ :-‬ا ْن ُفـ ْـذ َع َلــى ِر ْســلِ َك‪َ ،‬ح َّتــى َتنْـ ِـز َل‬ ‫النبــي § ل َعلِـ ِّـي بــن أبــي طالــب يف فتــح َخ ْي َبــر ‪-‬حيــن َد َفـ َ‬
‫ـم مِـ ْن َحـ ِّـق اهَّللِ فِيـ ِـه؛ َفـ َـواهَّللِ َلَ ْن َي ْهـ ِـد َي‬
‫ـب َع َل ْي ِهـ ْ‬‫جـ ُ‬ ‫السـ َـا ِم‪َ ،‬و َأ ْخبِر ُهــم بِمــا َي ِ‬
‫ْ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ـم إِ َلــى ْ ْ‬
‫بِسـ ِ‬
‫ـاحت ِه ْم‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـم ا ْد ُع ُهـ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ـم»(((‪.‬‬‫ـك ُح ْمـ ُـر النَّ َعـ ِ‬ ‫ـك مِـ ْن َأ ْن َي ُكـ َ‬
‫ـون َلـ َ‬ ‫احــدً ا َخ ْيـ ٌـر َلـ َ‬ ‫ـك رجـ ًـا و ِ‬
‫اهَّلل بِـ َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ولــذا كان ِخيــار الســ ْل ِم يف «الحدَ يبِي ِ‬
‫‪{-‬و َل ْ‬
‫ــو‬ ‫خيــار الحــرب يف صالــحِ أهــ ِل اإليمــان َ‬ ‫َ‬ ‫ــة»؛ مــع أن‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جــدُ َ ِ‬ ‫َقا َت َل ُكــم ا َّل ِذيـ َن َك َفــروا َل َو َّلـ ُـوا ْالَ ْد َبــار ُثــم َل َي ِ‬
‫تحــا ُمبينًــا‪.‬‬ ‫السـ ْل ِم َف ً‬
‫ـار ِّ‬ ‫ون َول ًّيــا َو َل نَصيـ ًـرا} (((‪ ،-‬كان خيـ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نفســه و ُأ ْسـ َـرتِه‪ ،‬وعائلتِــه‬
‫ـخص ِ‬
‫ِ‬ ‫ـرة الشـ‬‫وهــذا ك ُّلــه يدُ ُّلنــا علــى وجــوب الحفــاظ علــى الديــن‪ ،‬يف دائـ ِ‬
‫َ‬
‫ومجتم ِعــه وبلـ ِـده و ُأ َّمتِــه ُك ِّلهــا‪ ،‬و َبـ ْـذ ِل ك ُِّل جهــد لدعــوة البشــرية ُك ِّلهــا‬
‫َ‬ ‫أو قبيلتِــه‪ ،‬وطائفتِــه وجماعتِــه‪،‬‬
‫أجــ ِل هــذه الغايــة العظيمــة النبيلــة بالنفــس‬
‫للدخــول يف هــذا الديــن وااللتــزام بــه‪ ،‬والتضحيــة مــن ْ‬
‫والمــال‪.‬‬

‫ثان ًيــا‪ :‬الــذي َيلِــي أمـ َـر الدِّ يــن ‪-‬الــذي هــو ِع ْص َمـ ُة األَ ْمـ ِـر‪[ -‬مــن أنــواع المصالــح التــي يجــب علــى‬
‫ولم ْجت ََمعــه و ُأ َّمتِــه]‪ِ :‬ح ْفـ ُ‬
‫ـظ النفــوس التــي خلقهــا اهلل‬ ‫المســلم أن يعمــل علــى حفظهــا؛ ن ُْص ًحــا لنفســه ُ‬
‫زهقهــا ‪-‬إال بمــا شــرعه هــو ســبحانه‪ -‬ألنــه هــو مالكهــا‪،‬‬ ‫‪َ -‬عـ َّـز وجـ َّـل‪ -‬لعبادتــه‪ ،‬ولــم يــأذن ألَحـ ٍـد أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اهَّلل إِ َّل بِا ْل َحـ ِّـق}(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ـس ا َّلتــي َحـ َّـر َم ُ‬
‫{و َل َت ْق ُت ُلــوا النَّ ْفـ َ‬
‫قــال تعالــى‪َ :‬‬
‫((( [الكهف‪]98 :‬‬
‫((( [رواه البخاري]‬
‫((( [الفتح‪]22 :‬‬
‫((( [اإلسراء‪]33 :‬‬
‫‪10‬‬
‫ــل فِ َيهــا َمــن ُي ْف ِســدُ‬
‫ســفك الدمــاء‪ ،‬فقالــوا‪َ { :‬أ َت ْج َع ُ‬‫فســد يف األرض وي ِ‬
‫َ‬
‫َتعجــب المالئكــ ُة ممــن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َّ َ‬
‫أمــر‬ ‫ــف ُك الدِّ مــاء ونَحــن نُســبح بِحم ِ‬
‫ــد َك َو ُن َقــدِّ ُس َل َ‬ ‫فِيهــا ويس ِ‬
‫ــك} (((؛ ومــا ذاك إال ألن ســفك الدمــاء ٌ‬ ‫َ َ َ ْ ُ َ ِّ ُ َ ْ‬ ‫َ ََْ‬
‫ـم ‪-‬غايــة التعظيــم‪ -‬يف اإلجــرام‪ ،‬وهــو وإن كان مــن ضمــن الفســاد يف األرض إال أنــه ُعطِــف عليــه‬ ‫ُم َع َّظـ ٌ‬
‫الشـ ْـر ِك بــاهلل‪.‬‬
‫تخصيصــا لــه‪ ،‬ألنــه أعظــم أنــواع الفســاد بعــد ِّ‬
‫ً‬
‫ـار‬
‫ـص المؤمنــة منهــا والربيئــة‪ -‬إال َج َّبـ ٌ‬ ‫وال يتجــرأ علــى خيــار ســفك الدمــاء المعصومــة ‪-‬وباألخـ ِّ‬
‫ـان و َتسـبب َق ِ‬
‫اصــدً ا‪ ،‬و َمــن‬ ‫اشـ َـر‪ ،‬و َمــن َأ َمـ َـر أو َأ ْكـ َـر َه‪ ،‬و َمــن َأ َعـ َ َ َّ َ‬
‫يف األرض‪ ،‬ويشــرك يف الجــروت‪َ :‬مــن َب َ‬
‫َر ِضـ َـي بذلــك‪.‬‬

‫ـض المنتســبين إلــى العمــل اإلســامي ســفك دمــاء‬ ‫والعجــب أن يكــون مــن ضمــن خيـ ِ‬
‫ـارات بعـ ِ‬ ‫َ َ ُ‬
‫المالييــن مــن النــاس ‪-‬بــل المســلمين!‪ ،-‬وتحويــل البــاد إلى فوضــى بزعم ن ُْصـ َـرة الدين‪ ،‬بــل ويعلنون‬
‫مــا َسـ ّـموه‪« :‬إدارة الت ََو ُّحـ ِ‬
‫ـش» يف هــذا البــاب؛ لكــي ينشــروا الرعــب والخــراب يف البــاد؛ تمهيــدً ا إلقامــة‬
‫الدولــة اإلســامية ‪-‬يف زعمهــم‪.!-‬‬

‫و َمــن َتدَ َّبـ َـر ســيرة النبــي § َعلِــم أنــه مــا أقامهــا [نعنــي الدولــة اإلســامية] َ‬
‫‪-‬و َو َّسـ َعها أصحا ُبــه‪-‬‬
‫«التو ُّحـ ِ‬
‫ـش» يف ذلــك‪ ،‬ســوا ًء المســلمين والمعاهديــن‪،‬‬ ‫علــى ســفك الدمــاء المعصومــة قــط‪ ،‬فضـ ًـا عــن َ‬
‫بــل وغيـ ِـر المعاهديــن ممــن ال يشــارك يف القتــال وأعمــال الحــرب ‪-‬كالنســاء والصبيــان‪ ،‬واألُ َجـ َـراء‪،‬‬
‫والشــيوخ الفانيــن والرهبــان المعتزليــن‪ ،-‬لقــول النبــي § لمــا رأى امــرأة مقتولــة‪« :‬مــا كانــت هــذه‬
‫ل ِ ُت َقاتِــل»(((‪ ،‬وقــال § ألميـ ِـر ِه علــى جيشــه‪« :‬وال تقتلــوا امــرأ ًة وال َولِيــدً ا» [رواه مســلم]‪ ،‬وكمــا قــال‬
‫ور ِّي‪« :‬فــا تقتــل الغلمــان‪ ،‬فــإن رســول اهلل § هنــى عــن‬ ‫الحـ ُـر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ابــن عبــاس ِ‬
‫اهلل َعنْـ ُه‪ -‬لن َْجــدَ ة َ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬ ‫َ‬
‫ـم الخضــر مــن الغــام» ‪-‬أي‪ :‬وهــذا مسـ ٌ‬ ‫ِ‬
‫ـتحيل بــا وحــي وقــد‬ ‫قتــل الغلمــان‪ ،‬إال أن َت ْع َلــم منهــم مــا َعلـ َ‬
‫انقطــع‪ ،-‬وقــال النبــي § لبعــض أصحابــه(((‪ِ :‬‬
‫«أدرك خالــدً ا ف ُقــل َلــه‪ :‬ال يقتــل امــرأة وال عســيفا» ‪-‬أي‪:‬‬
‫أجيرا‪ ،‬كالفالحين يف حقولهم‪ ،‬ونحوهم من المدنيين الذين ال يشاركون يف القتال بأي صورة‪.-‬‬
‫ً‬

‫((( [البقرة‪]30 :‬‬


‫((( [رواه أمحد‪ ،‬وابن حبان يف صحيحه]‬
‫((( [كما أخرجه ابن حبان يف صحيحه]‬
‫‪11‬‬
‫فالواجــب علــى ك ُِّل ناصــحٍ لنفســه وألُ َّمتِــه ‪-‬يف الخيــارات المعروضــة عليــه‪ -‬أن َيمنَــع عنهــم‬
‫ســفك الدمــاء و ُي َجنِّبهــم إزهــاق النفــوس‪.‬‬

‫واز َنــة يف هــذا واجبــة؛ فــإن كان يف بعــض الخيــارات قتــل المالييــن أو مئــات األلــوف ويف‬
‫والم َ‬
‫ُ‬
‫غيرهــا قتــل العشــرات أو المئــات مــع بقــاء الديــن‪ :‬كان الواجــب دفــع ِ‬
‫الخيــار األول ورفضــه‪ ،‬واحتمـ ُ‬
‫ـال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الخيــار الثــاين‪.‬‬

‫وتــأيت منافــع النفــوس ضمــن هــذا البــاب ‪-‬وإن كانــت دوهنــا يف المنزلة‪ ،-‬فمنهــا‪ :‬األَ َلــم والتعذيب‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ـب ً‬‫ـع ذلك واجـ ٌ‬
‫الجســدي‪ ،‬والســجن والحبــس؛ فمنـ ُ‬
‫ـس‪ ،‬أو بيــن القتـ ِل والضـ ِ‬
‫ـرب‪ :‬كان اختيــار الحبــس أو الضــرب أهــون‬ ‫وإن ُخ ِّيـ َـر بيــن القتـ ِل والحبـ ِ‬
‫الشــرور‪..‬‬
‫القصــة المشــهورة ‪-‬و َأ ُظنُّهــا علــى ســبيل التمثيــل‪ -‬أن َعالِمــا َت َش ـ َّفع عنــد ملِـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ـك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ويف هــذا ُتــروى َّ‬
‫ِ‬
‫بض ْربِــه أمــام النــاس؛ فقــا َم ال َعالـ ُ‬
‫ـم‬ ‫مــن الملــوك َأ َمـ َـر ب َق ْتـ ِل َر ُجـ ٍل مظلــو ٍم‪ ،‬ف َقبِـ َـل شــفاعتَه علــى أن يقــوم َ‬
‫للملِــك الظالــم؛ صــار مــن‬ ‫بإيقافــه وضربــه؛ فقــال النــاس‪ :‬ســبحان اهلل‪ ،‬يضربــه ُظ ً‬
‫لمــا و ُعدوا ًنــا إرضــا ًء َ‬
‫ـح للمظلــو ِم ُمن ِْقـ ٌـذ لــه‪ ،‬ضمــن مــن يدخلــون يف قولــه تعالــى‪:‬‬ ‫أعــوان الظلمــة!‪ ،‬وهــو يف الحقيقــة ناصـ ٌ‬
‫ـاس َج ِمي ًعــا} (((‪.‬‬
‫اهــا َف َك َأن ََّمــا َأ ْح َيــا النَّـ َ‬
‫{و َم ـ ْن َأ ْح َي َ‬
‫َ‬
‫اهلل النطـ َـق بِ َكلِ َمـ ِـة ال ُكفــر عنــد اإلكــراه‪ ،‬قــال تعالــى‪َ { :‬مــن‬ ‫ومــن َأ ْجـ ِل الحفــاظ علــى النفــوس َشـ َـرع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َك َفــر بِــاهَّللِ مِــن بعـ ِـد إِ ِ ِ‬
‫يمانــه إِ َّل َمـ ْن ُأ ْكـ ِـر َه َو َق ْل ُبـ ُه ُم ْط َمئـ ٌّن بِ ْ َ‬
‫يمــان َو َٰلكــن َّمــن َشـ َـر َح بِا ْل ُك ْفـ ِـر َصــدْ ًرا َف َع َل ْي ِهـ ْ‬
‫ـم‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم} (((‪ ،‬ليــس ذلــك ألن النفــس ُم َقدَّ َمــة علــى الديــن‪ ،‬بــل ألن الديــن‬ ‫اب َعظيـ ٌ‬ ‫ـم َعـ َـذ ٌ‬ ‫ـب ِّم ـ َن اهَّلل َو َل ُهـ ْ‬‫َغ َضـ ٌ‬
‫وحفــظ الديـ ِ‬
‫ـن‬ ‫ـس ِ‬ ‫ُي ْمكِــن ِح ْف ُظــه بطمأنينــة القلــب باإليمــان وإن نطــق بكلمــة الكفــر؛ ف ُي ْمكِــن ِحفــظ النفـ ِ‬
‫م ًعا ‪.‬‬
‫ِ‬
‫النفوس يف هذا الباب حسب األدلة الشرعية‪..‬‬ ‫وقد تتفاوت مسألة ِحفظ مناف ِع‬

‫((( [املائدة‪]32 :‬‬


‫((( [النحل‪]106 :‬‬
‫‪12‬‬
‫ـج ُن‬‫السـ ْ‬
‫ـال َر ِّب ِّ‬ ‫فــا يصــح اإلكــراه بالســجن علــى الزنــا‪ ،‬قــال تعالــى‪ :‬عن يوســف عليه الســام‪َ { :‬قـ َ‬
‫ِّ َ َ‬ ‫ْ َّ ْ ُ ْ َّ َ‬ ‫ـب إِ َلـ َّـي مِ َّمــا َيدْ ُعونَنِــي إِ َل ْيـ ِـه َوإِ َّل َت ْصـ ِـر ْ‬
‫ف َعنِّــي َكيدَ ُهـن َأصــب إِ َلي ِهـن و َأ ُكــن مـن ا ْلج ِ‬
‫اهلِيـ َن} (((؛ فــدَ َّل‬ ‫َأ َحـ ُّ‬
‫ـال إلــى مثــل هــذا األمــر كان مــن الجاهليــن‪.‬‬ ‫علــى أن مــن َص َبــا و َمـ َ‬
‫َن َقـ َـل ال ُقر ُطبِــي اإلجمــاع علــى عــدم صحــة اإلكـ ِ‬
‫ـراه علــى الزنــا بالســجن‪ ،‬يف حيــن اختلــف العلمــاء‬ ‫َ‬ ‫ْ ُّ‬
‫يف اإلكــراه علــى الزنــا بالضــرب الشــديد والتهديــد بالقتــل؛ الصحيــح جــواز اإلقــدام عليــه إذا لــم يكــن‬
‫فيــه انتهــاك حرمــة معصــوم أو معصومــة قــال تعالــى {و َل ُت ْك ِرهــوا َف َتياتِ ُكــم َع َلــى ا ْلبِ َغـ ِ‬
‫ـاء إِ ْن َأ َر ْد َن َت َح ُّصنًــا‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم}(((‪.‬‬ ‫اهَّلل مــن َب ْعــد إِك َْراه ِهـ َّن َغ ُفـ ٌ‬
‫ـور َّرحيـ ٌ‬ ‫ههـ َّن َفــإِ َّن َ‬
‫ِّل َت ْب َت ُغــوا َعـ َـر َض ا ْل َح َيــاة الدُّ ْن َيــا َو َمــن ُي ْك ِر ُّ‬
‫ــر ِه َأنَّــ ُه‬
‫ْــر َه َع َلــى َقتْــ ِل َغ ْي ِ‬ ‫ــع ا ْل ُع َل َمــا ُء َع َلــى َأ َّن َمــ ْن ُأك ِ‬ ‫قــال القرطبــي يف تفســيره(((‪َ ( :‬أ ْج َم َ‬
‫ــا ِء‬ ‫ــر َع َلــى ا ْل َب َ‬ ‫ــره‪َ ،‬و َي ْصبِ ُ‬
‫ــد َأو َغي ِ ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ــه بِج ْل ٍ‬
‫َ‬
‫ــاك حرمتِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ــوز َلــ ُه ْال ْقــدَ ا ُم َع َلــى َقتْلــه َو َل ا ْنت ََه ُ ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫َل َي ُج ُ‬
‫اهَّلل ا ْل َعافِ َيــ َة يف الدنيــا واآلخــرة‪..‬‬ ‫ــأ ُل ُ‬ ‫ــر ِه‪َ ،‬و َي ْس َ‬
‫ــد َي َن ْف َســ ُه بِ َغ ْي ِ‬ ‫ــل َلــه َأ ْن ي ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫َــز َل بِــه‪َ ،‬و َل َيح ُّ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ــذي ن َ‬ ‫ا َّل ِ‬

‫ــل َأ َحــدٌ‬ ‫اج ُش ِ‬ ‫ــم َوا ْبــ ُن ا ْلم ِ‬ ‫ــغ وابــن َعب ِ‬ ‫واختُلِــف يف الزنــى‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ــون‪َ :‬ل َي ْف َع ُ‬ ‫َ‬ ‫ــد ا ْل َح َك ِ‬ ‫ف َو َأ ْص َب ُ َ ْ ُ ْ‬ ‫ــر ٌ‬‫ــال ُم َط ِّ‬
‫ــو ٍر َوا ْل َح َســ ُن‪َ .‬ق َ‬ ‫ــك‪ ،‬وإِ ْن ُقتِ َــل َلــم ي ْفع ْلــه‪َ ،‬فــإِ ْن َفع َلــه َفهــو آثِــم وي ْل َزمــه ا ْلحــدُّ ‪ ،‬وبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ــال‬ ‫ــال َأ ُبــو َث ْ‬ ‫ــه َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ َ ٌ ََ ُ ُ َ‬ ‫ْ َ َ ُ‬ ‫َذل َ َ‬
‫ــك‪.‬‬ ‫ــه‪ِ ،‬خ َل ًفــا ل ِ َمــ ْن َأ ْل َز َمــ ُه َذل ِ َ‬ ‫ال ْقــدَ ام َع َلــى الزنــى و َل حــدَّ َع َلي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ــوز ْ ِ‬
‫يــح َأنَّــ ُه َي ُج ُ‬ ‫الصح ُ‬
‫ِ‬
‫ــي‪َّ :‬‬ ‫ْ ِ‬
‫ا ْبــ ُن ال َع َرب ِّ‬
‫ـال‬ ‫ـف َأ ْص َحا ُبنَــا متــى ُأ ْكـ ِـره الرجــل علــى الزنــى‪َ ،‬ف َقـ َ‬ ‫ـال ا ْبـ ُن ُخ َو ْيـ ِـز َمنْــدَ ا َد فِــي َأ ْح َكامِـ ِـه‪ْ :‬‬
‫اخ َت َلـ َ‬ ‫ثــم قــال‪َ :‬و َقـ َ‬
‫ـال ا ْبـ ُن ُخ َو ْيـ ِـز‬ ‫ـم‪َ :‬ل َحــدَّ َع َل ْيـ ِـه‪َ .‬قـ َ‬ ‫ـال َب ْع ُض ُهـ ْ‬‫ـار ِه‪َ .‬و َقـ َ‬
‫اختِ َيـ ِ‬‫ـك بِ ْ‬ ‫ـم‪َ :‬ع َل ْيـ ِـه ا ْل َحــدُّ ‪ِ ،‬لَ َّنـ ُه إِن ََّمــا َي ْف َعـ ُـل َذلِـ َ‬ ‫َب ْع ُض ُهـ ْ‬
‫ـح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصحيـ ُ‬ ‫َمنْــدَ ا َد‪َ :‬و ُهـ َـو َّ‬
‫ـاس َأ ْن ُي َحــدَّ ‪َ ،‬و َلكِـ ْن‬ ‫ان حــدَّ ‪ ،‬وإِ ْن َأكْر َهـه السـ ْل َط ُ ِ‬
‫ان َفا ْلق َيـ ُ‬ ‫َ ُ ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السـ ْل َط ُ‬
‫ِ‬
‫ـال َأ ُبــو َحني َفـةَ‪ :‬إِ ْن َأك َْر َهـ ُه َغ ْيـ ُـر ُّ‬
‫َو َقـ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـال‪َ :‬ل َحــدَّ َع َل ْيـ ِـه فِــي ا ْل َو ْج َه ْيـ ِ‬ ‫َأستَح ِسـن َأ َّل يحــدَّ ‪ .‬و َخا َل َفـه ص ِ‬
‫ـار [يعنــي‬ ‫ـن‪َ ،‬و َلـ ْ‬
‫ـم ُي َرا ُعــوا النْت َشـ َ‬ ‫اح َبــا ُه َف َقـ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ْ ُ ُ َ َ‬
‫ـاز َأ ْن َينْت َِشـ َـر‪.‬‬
‫ـص مِـ َن ا ْل َق ْتـ ِل بفعــل الزنــى َجـ َ‬ ‫َخ َّلـ ُ‬ ‫ـم َأ َّنـ ُه َيت َ‬ ‫ِ‬
‫انتشــار َذ َكـ ِـره قبــل اإليــاج]‪َ ،‬و َقا ُلــوا‪َ :‬م َتــى َعلـ َ‬
‫ـك و َغيـ ِـر السـ ْل َط ِ‬‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪ ).‬انتهــى‪[ .‬وهــذا‬ ‫ـال ا ْبـ ُن ا ْل ُمنْــذ ِر َل َحــدَّ َع َل ْيــه‪َ ،‬و َل َفـ ْـر َق َب ْيـ َن ُّ‬
‫السـ ْل َطان فــي َذلـ َ َ ْ ُّ‬ ‫َقـ َ‬
‫هــو الصحيح]‪.‬‬
‫((( [يوسف‪]33 :‬‬
‫((( [النور‪]33 :‬‬
‫((( [ج‪/10‬ص‪]184-183‬‬
‫‪13‬‬
‫ـدت اإلكــرا َه‬
‫ـب فوجـ ُ‬ ‫ـت المذاهـ َ‬ ‫وقــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة يف مجمــوع الفتــاوى(((‪( :‬تأ َّم ْلـ ُ‬
‫الم ْع َت َبــر يف ِ‬
‫اله َبــة‬ ‫الم ْكـ َـره عليــه؛ فليــس اإلكــرا ُه ُ‬
‫المع َت َبــر يف كلمــة الكفــر كاإلكــراه ُ‬ ‫يختلــف باختــاف ُ‬
‫ـص يف غيــر موضـ ٍع علــى أن اإلكــراه علــى الكفــر ال يكــون إال بتعذيــب مــن‬ ‫ونحوهــا؛ فــإن أحمــد قــد َنـ َّ‬
‫إكراها)‪.‬انتهــى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ـرب أو قيـ ٍـد‪ ،‬وال يكــون الــكال ُم‬ ‫ضـ ٍ‬

‫الم َح َّقـ�ق إكـ�را ٌه‪ ،‬كمـ�ا قـ�ال مالـ�ك ‪-‬رحمـ�ه اهلل‪« :-‬‬ ‫وإن كان قـ�د ورد مـ�ا يـ�دل علـ�ى أن الوعيـ�د ُ‬
‫ـك ا ْل ُم ْع َتـ ِـدي َوإِ ْن َفــا َذ ُه ل ِ َمــا َيت ََو َّعــدُ بِـ ِـه‪.((( ».‬‬
‫ـم َذلِـ َ‬
‫ـع‪ ،‬إِ َذا َت َح َّقـ َـق ُظ ْلـ َ‬ ‫َوا ْل َو ِعيــدُ ا ْل ُم َخـ ِّـو ُ‬
‫ف إِ ْكـ َـرا ٌه َوإِ ْن َلـ ْ‬
‫ـم َي َقـ ْ‬
‫َان‬ ‫ـج ِن َت ْوقِيـ ٌ‬
‫ـت‪ ،‬إِن ََّمــا ُهـ َـو َمــا ك َ‬ ‫السـ ْ‬
‫ب َو َّ‬ ‫ـك َو َأ ْص َحابِـ ِـه فِــي َّ‬
‫الضـ ْـر ِ‬ ‫قــال القرطبــي(((‪( :‬و َليــس ِعنْــدَ مالِـ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ان َو َغ ْيـ ِـر ِه‬
‫الضيـ ُـق َع َلــى ا ْلم ْكــر ِه‪ .‬وإِ ْكــراه الس ـ ْل َط ِ‬
‫ُ َ َ َ ُ ُّ‬ ‫ـج ٍن َيدْ ُخـ ُـل مِنْ ـ ُه ِّ‬ ‫ب‪ ،‬ومــا ك َ ِ ِ‬
‫َان م ـ ْن سـ ْ‬ ‫الضـ ْـر ِ َ َ‬ ‫ـم مِ ـ َن َّ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْؤلـ ُ‬
‫ِعنْــدَ مالِـ ٍ‬
‫ـك إِ ْكـ َـرا ٌه)‪ .‬انتهــى‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـج ِن‪َ ،‬و َأ َقــا َم َخ ْم َس ـ َة‬ ‫الس ـاَ ُم َع َلــى ا ْل َفاح َشــة بِ ِّ‬
‫السـ ْ‬ ‫ـف َع َل ْيــه َّ‬ ‫وسـ ُ‬ ‫أيضــا(((‪ُ ( :‬أ ْكـ ِـر َه ُي ُ‬ ‫وقــال القرطبــي ً‬
‫يف َقــدْ ِر ِه‪َ ،‬و َلـ ْـو ُأ ْكـ ِـر َه َر ُجـ ٌـل بالســجن علــى الزنــى َمــا‬ ‫ـم من ِْز َلتِـ ِـه و َشـ ِـر ِ‬
‫َ‬
‫َأ ْعــوا ٍم‪ ،‬ومــا ر ِضــي بِ َذلِـ َ ِ ِ‬
‫ـك ل َعظيـ ِ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫اخ َت َلـ َ ِ ِ‬ ‫ب َف َقـ ِـد ْ‬
‫فادحــا فإنــه‬‫ـح َأ َّن ـ ُه إِ َذا كان ً‬ ‫الصحيـ ُ‬ ‫ـف فيــه ا ْل ُع َل َمــا ُء‪َ ،‬و َّ‬ ‫الضـ ْـر ِ‬ ‫ـاز َل ـ ُه إِ ْج َما ًعــا‪َ .‬فــإِ ْن ُأ ْكـ ِـر َه بِ َّ‬
‫َجـ َ‬
‫ـض ُع َل َمائِنَــا‪ :‬إِ َّنـ ُه َل َي ْسـ ُق ُط َعنْـ ُه ا ْل َحــدُّ ‪َ ،‬و ُهـ َـو َض ِعيـ ٌ‬
‫ـف‪َ ،‬فــإِ َّن‬ ‫ـال َب ْعـ ُ‬‫يســقط عنــه إثــم الزنــى َو ْحــدُّ ُه‪َ .‬و َقــدْ َقـ َ‬
‫ـن‪.‬‬ ‫ـم ا ْل َحـ َـرجِ فِــي الدِّ يـ ِ‬
‫ـن‪َ ،‬فإِ َّنـ ُه مِـ ْن َأ ْع َظـ ِ‬
‫ـن‪َ ،‬و َل ُي َص ِّر ُفـ ُه َب ْيـ َن َب َل َء ْيـ ِ‬ ‫ـع َع َلــى َع ْبـ ِـد ِه ا ْل َع َذا َب ْيـ ِ‬
‫اهَّلل َت َعا َلــى َل َي ْج َمـ ُ‬
‫َ‬
‫ـن مِـ ْن َحـ َـرجٍ }‪ .).(((.‬انتهــى‪.‬‬ ‫ـم فِــي الدِّ يـ ِ‬ ‫{ومــا َج َعـ َـل َع َل ْي ُكـ ْ‬‫َ‬
‫ثال ًثــا‪ :‬يــأيت الحفــاظ علــى األعــراض والفــروج ومــا يتعلــق هبــا يف ضــرورات اإلنســان التــي يلــزم‬
‫الحفــاظ عليهــا‪ ،‬والنصــح لألهــل والمجتمــع والبــاد واألُم ـ َّة يف الحفــاظ علــى ذلــك؛ فالدعــو ُة إلــى‬
‫الم َحـ َّـرم و ُم َقدِّ مــات الفواحــش ُك ِّلهــا‪ ،‬وعقوب ـ ُة مرتكبيهــا‪ ،‬والتحذيـ ُـر مــن‬
‫ـع االختــاط ُ‬
‫الحجــاب‪ ،‬ومنـ ُ‬
‫الزنــا واللــواط‪ ،‬وإقام ـ ُة الحــدود علــى فاعــل ذلــك مــن النصيحــة الواجبــة لألمــة يف هــذا البــاب‪.‬‬

‫((( [ج‪]094/5‬‬
‫((( نقله القرطيب يف تفسريه [ج‪/10‬ص‪]190‬‬
‫((( [ج‪/10‬ص‪]190‬‬
‫((( [ج‪/9‬ص‪]187‬‬
‫((( [احلج‪]78 :‬‬
‫‪14‬‬
‫نصــح ألهلــه و ُأ ْسـ َـرتِه و َمــن َتحــت واليتــه نصيحـ ًة واجبـ ًة يف ذلــك؛‬
‫والواجــب علــى المســلم أن َي َ‬
‫لمجتمعــه ووطنِــه؛ إذ أن األعــداء إنمــا‬
‫أيضــا ُ‬‫ـح ً‬ ‫ِ‬
‫ليمنــع الفواحــش و ُم َقدِّ َماتهــا‪ ،‬وهــو يف الحقيقــة ناصـ ٌ‬
‫ــرها واختــال العالقــة بيــن الرجــل‬ ‫ِ‬
‫أفرادهــا و ُأ َس ِ‬ ‫ِ‬
‫أخــاق‬ ‫يتمكنــون مــن اخــراق األوطــان بتدميــر‬
‫والمــرأة؛ ولذلــك وضعــوا قِ َي َم ُهــم الفاســدة يف نشــر الفســاد يف األعــراض علــى أولــى أولوياهتــم يف‬
‫حرهبــم ضــد اإلســا ِم وأهلِــه‪.‬‬
‫رابعــا‪ :‬بعــد الحديــث عــن النُّصــح إلــى الفــرد والجماعــة والوطــن واألمــة‪ ،‬ل ِ ِ‬
‫حفــظ الديــن والنَّ ْفــس‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫والعـ ْـرض‪ ،‬يــأيت الــكالم عــن ِحفــظ العقــل‪.‬‬
‫ِ‬

‫ـب للعق ـلِ‪ ،‬قــال تعالــى‪َ { :‬يــا َأ ُّي َهــا ا َّل ِذي ـ َن آ َمنُــوا إِن ََّمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر‬ ‫ـرع ك َُّل ُم ْســكِ ٍر ُمذهـ ٍ‬ ‫فقــد َحـ َّـرم الشـ ُ‬
‫ــم ُت ْفلِ ُح َ‬ ‫ان َف ِ‬ ‫الشــي َط ِ‬ ‫ِ‬
‫ــون * إِن ََّمــا ُي ِريــدُ‬ ‫اجتَن ُبــو ُه َل َع َّل ُك ْ‬‫ْ‬ ‫ــس ِّمــ ْن َع َمــ ِل َّ ْ‬ ‫ــاب َو ْالَ ْز َل ُم ِر ْج ٌ‬ ‫نص ُ‬ ‫َوا ْل َم ْيس ُــر َو ْالَ َ‬
‫الصـ َـا ِة‬ ‫ـن َّ‬‫ـم َعــن ِذ ْكـ ِـر اهَّللِ َو َعـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم ا ْل َعــدَ َاو َة َوا ْل َب ْغ َضــا َء فــي ا ْل َخ ْمـ ِـر َوا ْل َم ْيسـ ِـر َو َي ُصدَّ ُكـ ْ‬
‫ِ‬
‫ان َأن ُيوقـ َ‬
‫ـع َب ْينَ ُكـ ُ‬ ‫الشـ ْي َط ُ‬ ‫َّ‬
‫ـون} (((‪ ،‬وقــال النبــي §‪ « :‬ك ُُّل ُم ْســكِ ٍر َخ ْمـ ٌـر‪َ ،‬وك ُُّل َخ ْمـ ٍـر َحـ َـرا ٌم»(((‪.‬‬ ‫ۖ َف َهـ ْـل َأن ُتــم ُّمنت َُهـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وصـ َـور اإلدمــان ُك ِّلهــا نصيحـ ٌة للفــرد والجماعــة ُ‬
‫والمجت ََمـعِ‪ ،‬وإقامـ ُة‬ ‫الخمـ ِـر ُ‬
‫والم َخــدِّ رات ُ‬ ‫ـع َ‬‫فمنْـ ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫الحــدِّ علــى شـ ِ‬
‫والم َخــدِّ رات هــو أعظــم صــور اإلصــاح لهــذه الفئــة المريضــة؛ ن ً‬
‫ُصحــا‬ ‫الخمـ ِـر ُ‬‫ـاربِي َ‬ ‫َ‬
‫بيعهــا‪ ،‬كمــا هــو ُمحـ َّـر ٌم شــر ًعا فهــو‬ ‫رات وتجريــم ِ‬ ‫الخمـ ِـر والم َخــدِّ ِ‬ ‫لهــم ولغيرهــم‪ ،‬ومحاربـ ُة اال ِّتجــار يف َ‬
‫ُ‬
‫الخ ْمـ ِـر َع ْشـ َـرة‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخ ْمـ َـر‪،‬‬ ‫اهلل يف َ‬ ‫ـاظ علــى عقــول أفــراده مــن هــذا الفســاد‪ ،‬قــال النبــي §‪َ « :‬ل َع ـ َن ُ‬ ‫حفـ ٌ‬
‫اص َر َهــا‪َ ،‬و ُم ْعت َِص َر َهــا‪َ ،‬و َحامِ َل َهــا‪َ ،‬وا ْل َم ْح ُمو َلـ َة إِ َل ْيـ ِـه‪َ ،‬وآكِ َل‬
‫ـاربها‪ ،‬وســاقِيها‪ ،‬وبائِعهــا‪ ،‬ومبتَا َعهــا‪ ،‬و َع ِ‬
‫َو َشـ ِ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ‬
‫َث َمن ِ َهــا‪.(((».‬‬

‫الخ ْمـ ِـر‪ ،‬والعقوبـ ُة عليــه‪ ،‬كمــا ُت َحـ ِّـرم اال ِّتجــار‬
‫ـع اال ِّتجــار يف َ‬
‫ـب علــى الدولــة المســلمة‪ :‬منـ ُ‬
‫والواجـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫المســلمي َن‪ ،‬حتــى‬ ‫ـح التصاريــحِ ل َب ْيعهــا عالنيـ ًة يف أســواق ُ‬ ‫الم َخــدِّ َرات و ُتعاقــب عليــه‪ ،‬وال يجــوز منـ ُ‬
‫يف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمــا َبينَهــم‪ ،‬وال يجــوز إقامــة مصانــع الخمــور‪ ،‬وال‬ ‫ألهــل الذ َّمــة وال َع ْهــد‪ ،‬بــل إن باعوهــا واشــروها َفف َ‬
‫زراعــة المخــدرات وتصنيعهــا وال اســتيرادها وال تصديرهــا وال هتريبهــا‪ ،‬وال يجــوز الســماح هبــا علــى‬
‫((( [املائدة‪]91-90 :‬‬
‫((( [رواه ُم ْسلِم]‬
‫((( [صحيح‪ ،‬رواه الرتمذي وابن ماجة]‬
‫‪15‬‬
‫السـ ْكر‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الطائــرات واألماكــن الســياحية‪ ،‬بــل مــن أراد مــن الكفــار ُشـ ْـر َبها ففــي بيتــه سـ ًّـرا‪ ،‬وبشــرط عــدم ُّ‬
‫وح َما َيتِ ِهــم مِــن َأ ْض َر ِار َهــا‪.‬‬ ‫ـول أبنـ ِ‬
‫ـاء األُمـ ِـة ِ‬ ‫يف الطريـ ِـق العــام؛ وكل ذلــك للحفــاظ علــى عقـ ِ‬
‫َّ‬
‫اض م ًعا؛ فيلــزم من ُعــه و ُمحار َبتُه‪،‬‬ ‫ـان النَّ َظـ ِـر إلــى المواقــع اإلباحيــة‪ ،‬هو فســا ٌد لل ُع ُقـ ِ‬
‫ـول واألَ ْعـ َـر ِ‬ ‫وإدمـ ُ‬
‫َ‬
‫والدعــو ُة إلــى مقاطعتهــا؛ آلثارهــا التدميرية على ســلوك االنســان‪.‬‬

‫َ‬
‫إدمــان‬ ‫ِ‬
‫األلعــاب َصــار ُي َؤ ِّثــر يف العقــل والســلوك إفســا ًدا يضاهــي تما ًمــا‬ ‫ِ‬
‫بعــض‬ ‫ُ‬
‫إدمــان‬ ‫بــل‬
‫الم َخــدِّ َرات؛ فيجــب المنــع مــن ذلــك كلــه والنصيحــة للتحذيــر منــه‪.‬‬
‫ُ‬

‫األمــوال بتحريــم الســرقة والغصــب واالنتهــاب واالختــاس والغلــول‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خامســا‪ :‬يــأيت ِح ُ‬
‫فــظ‬ ‫ً‬
‫والم ْي ِســر والبيــوع المنهــي عنهــا‪ ،‬كال َغ َــرر‪،‬‬
‫الر َبــا َ‬
‫واالعتــداء علــى المــال العــام والخــاص‪ ،‬وتحريــم ِّ‬
‫والبيــوع التــي ُتعيــن علــى الحــرام أو َت ُقــوم عليــه‪ ،‬وكــذا اإلجــارات التــي تعيــن علــى الحــرام‪ ،‬كح ْلـ ِ‬
‫ـوان‬ ‫ُ‬
‫ـب‪ ،‬و َث َمـ ِ‬
‫ـن الــد ِم‪ ،‬وقــد ثبــت النهــي عــن ذلــك كلــه يف األحاديــث‬ ‫ـن‪ ،‬و َم ْهـ ِـر البغــي‪ ،‬و َث َمـ ِ‬
‫ـن الكلـ ِ‬ ‫الكاهـ ِ‬
‫الصحيحــة‪.‬‬

‫ومحار َبتُــه‪ ،‬ويجــب علــى الدعــاة‬


‫َ‬ ‫ويجــب علــى الدولــة المســلمة والمجتمــع ك ِّلــه َمن ُ‬
‫ْــع ذلــك‬
‫التحذيــر مــن هــذه الخصــال‪.‬‬

‫وكذلــك يجــب الحــذر ممــن يدمــر البيــوت والمصانــع والمتاجــر والمــزارع‪ ،‬يف المــدن والقــرى‪،‬‬
‫النــاس‬ ‫ــب‬ ‫ُ‬ ‫تخريــب البِ َ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الحقــوق و َين َْه ُ‬ ‫المدَ ِّم َــرة التــي تضيــع فيهــا‬
‫ــاد بالفوضــى ُ‬ ‫ويحــرم التســبب يف‬
‫بعضــا فيهــا‪.‬‬
‫بعضهــم ً‬
‫ُ‬

‫*******‬

‫‪16‬‬
‫ضرورة الموازنة عند التعارض‬

‫الم َو َاز َنـ ُة‬ ‫ـب تحصي ُلهــا َو َد ْفـ ُ‬ ‫يف كل هــذه المصالــح [والضــرورات] التــي َي ِ‬
‫ـع الفســاد عنهــا تجــب ُ‬ ‫جـ ُ‬
‫الشـ َّـر و ُيكثـ ُـر َ‬
‫الخ ْيـ َـر‪ ،‬يف قــدر كل واحــدة منهــا‪ ،‬ويف المفاضلــة بيــن أنــواع‬ ‫ـار ِ‬
‫ض‪ -‬بمــا ُي َق ِّلـ ُـل َ‬ ‫‪-‬عنــد التعـ ُ‬
‫المصالــح والمفاســد‪.‬‬

‫الس َل ِم ¬ (((‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫قال اإلما ُم الع ُّز ب ُن عبد َّ‬
‫ــذ َر َد ْر ُء ا ْل َج ِميــ ِع َد َر ْأنَــا‬
‫اســدُ ا ْل َم ْح َضــةُ‪َ :‬فــإِ ْن َأ ْم َكــ َن َد ْر ُؤ َهــا َد َر ْأنَــا‪َ ،‬وإِ ْن َت َع َّ‬ ‫ــت ا ْلم َف ِ‬
‫اجت ََم َع ْ َ‬ ‫(إ َذا ْ‬
‫ـاوي‬ ‫ـف فِــي الت ََّسـ ِ‬ ‫َخ َّيـ ُـر َو َقــدْ َي ْختَلِـ ُ‬
‫ـف َو َقــدْ َيت َ‬ ‫ـالَ ْر َذ َل‪َ ،‬فــإِ ْن َت َسـ َ‬
‫ـاو ْت َف َقــدْ َيت ََو َّقـ ُ‬ ‫ْالَ ْف َســدَ َف ْالَ ْف َســدَ َو ْالَ ْر َذ َل َفـ ْ‬
‫وهـ ِ‬ ‫ـات َوا ْل َم ْك ُر َ‬ ‫اسـ ِـد ا ْلمحرمـ ِ‬ ‫ـك بي ـن م َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال َّت َفـ ِ‬
‫ـات‪..‬‬ ‫ُ َ َّ َ‬ ‫ـاوت‪َ ،‬و َل َفـ ْـر َق فــي َذلـ َ َ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ـع مِنْـ ُه ُقتِـ َـل‪َ ،‬ف َي ْل َز ُمـ ُه‬ ‫و ِلجتِمــا ِع ا ْلم َف ِ‬
‫اسـ ِـد َأ ْمثِ َلـةٌ‪َ :‬أ َحدُ َهــا‪َ :‬أ ْن ُي ْكـ َـر َه َع َلــى َق ْتـ ِل ُم ْســلِ ٍم بِ َح ْيـ ُ‬
‫ـث َلـ ْـو ا ْم َتنَـ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫الص ْبـ ِـر َع َلــى ا ْل َق ْتـلِ‪ِ ،‬لَ َّن َص ْبـ َـر ُه َع َلــى ا ْل َق ْتـ ِل َأ َقـ ُّـل َم ْف َســدَ ًة مِـ ْن إ ْقدَ امِـ ِـه َع َل ْيـ ِـه‪َ ،‬وإِ ْن‬
‫َأ ْن َيــدْ َر َأ َم ْف َســدَ َة ا ْل َق ْتـ ِل بِ َّ‬
‫ـك ل ِ ُقدْ َرتِـ ِـه َع َلــى َد ْر ِء ا ْل َم ْف َســدَ ِة‪َ ،‬وإِن ََّمــا ُقــدِّ َم َد ْر ُء‬‫اب َل ِز َمـ ُه َذلِـ َ‬‫ب مِـ ْن ْالَ ْسـ َب ِ‬ ‫وه بِ َسـ َب ٍ‬ ‫َقــدَ ر َع َلــى د ْفـ ِع ا ْلم ْكــر ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اختِ َلفِ ِهـ ِ ِ ِ‬ ‫لجمــا ِع ا ْلع َلمـ ِ‬
‫ـاء َع َلــى َت ْح ِريـ ِ‬ ‫ا ْل َق ْتـ ِل بِ َّ ِ ِ‬
‫ـم‬‫ـب َت ْقديـ ُ‬ ‫ـم فــي ال ْست ْسـ َـا ِم ل ْل َق ْتـلِ‪َ ،‬ف َو َجـ َ‬ ‫ْ‬ ‫ـم ا ْل َق ْتـ ِل َو ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫الص ْبـ ِـر ْ َ‬
‫ـوب َد ْرئِ َهــا َوك ََذلِـ َ‬ ‫ـف فِــي ُو ُجـ ِ‬ ‫ـوب درئِهــا‪َ ،‬ع َلــى در ِء ا ْلم ْفســدَ ِة ا ْلم ْخ َت َلـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـك‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َد ْرء ا ْل َم ْف َســدَ ة ل ْل َج ْمـ ِع َع َلــى ُو ُجـ ِ َ ْ َ‬
‫الز َنـ�ا وال ِّلـ�و ِ‬ ‫ف فِـ�ي َت ْح ِريـ ِ‬ ‫�ف فِـ�ي َجـ َ�و ِاز ِه َو َل ِخـ َلا َ‬ ‫ِ‬
‫اط‪.‬‬ ‫�م ِّ َ َ‬ ‫الز َنـ�ا َوال ِّلـ َ�واط َفـ�إِ َّن َّ‬
‫الص ْبـ َ�ر ُم ْخ َت َلـ ٌ‬ ‫َلـ ْ�و ُأ ْكـ ِ�ر َه َع َلـ�ى ِّ‬

‫الشـ َـها َد ِة‬ ‫ـم بِ َباطِـ ٍل َفــإِ ْن ك َ‬


‫َان ا ْل ُم ْكـ َـر ُه َع َلــى َّ‬ ‫ور َأ ْو َع َلــى ُح ْكـ ٍ‬ ‫ـك َلـ ْـو ُأ ْكـ ِـر َه بِا ْل َق ْتـ ِل َع َلــى َشـ َـها َد ِة ُز ٍ‬‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ــم؛ ِلَ َّن‬ ‫ــها َد ُة َو َل ا ْل ُح ْك ُ‬
‫الش َ‬‫ــز َّ‬ ‫ــم َت ُج ْ‬ ‫ــا َل بِ ْضــ ٍع ُم َح َّ‬
‫ــر ٍم َل ْ‬ ‫ــع ُع ْض ٍ‬
‫ــو َوإِ ْح َ‬ ‫ْــا َأ ْو َق ْط َ‬ ‫ــه َقت ً‬ ‫ــم بِ ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫ــه َأ ْو ا ْل ُح ْك ِ‬
‫ـب‪َ ،‬أو َق ْطـ ِع ُع ْضـ ٍـو بِ َغيـ ِـر جــر ٍم‪َ ،‬أو إ ْتيـ ِ‬
‫ـان‬ ‫ْ ُ ْ ْ َ‬ ‫ب إ َلــى َق ْتـ ِل ُم ْســلِ ٍم بِ َغ ْيـ ِـر َذ ْنـ ٍ ْ‬ ‫ِال ْستِ ْسـ َـا َم ل ِ ْل َق ْتـ ِل َأ ْو َلــى مِـ ْن الت ََّسـ ُّب ِ‬
‫ـم ِح ْف ًظــا ل ِ ُم ْه َجتِـ ِـه‬
‫الشـ َـها َد ِة َأ ْو بِا ْل ُح ْكـ ِ‬ ‫الشـ َـها َد ُة َأ ْو ا ْل ُح ْكــم بِمـ ٍ‬
‫ـال َل ِز َم ـ ُه إ ْت َل ُف ـ ُه بِ َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ـت َّ‬ ‫بِ ْض ـ ٍع ُم َحـ َّـر ٍم َوإِ ْن كَا َنـ ْ‬
‫كَمـ�ا َي ْلـ َ�زم ِح ْف ُظ ُهمـ�ا بِـ َ�أ ْك ِل مـ ِ‬
‫�ال ا ْل َغ ْيـ ِ�ر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ـيغ بِـ ِـه ا ْل ُغ َّصـ َة ِسـ َـوى ا ْل َخ ْمـ ِـر‪،‬‬
‫جــدْ َمــا َي ِسـ ُ‬
‫ـص َو َلــم َي ِ‬
‫ْ‬ ‫ب ا ْل َخ ْمـ ِـر‪َ ،‬أ ْو ُغـ َّ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ـك َمـ ْن ُأ ْكـ ِـر َه َع َلــى ُشـ ْـر ِ‬
‫�ات ا ْلم ْذ ُكـ�ور ِ‬ ‫الشـ�ر ِع مِـ�ن ِر َعايـ ِ�ة ا ْلمحرمـ ِ‬ ‫�اة َأ ْع َظـ ِ‬ ‫�ظ ا ْلحيـ ِ‬ ‫َفإِ َّنـ�ه ي ْل َزمـ�ه َذلِـ َ ِ ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫�م فـ�ي َن َظـ ِ�ر َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫�ك؛ لَ َّن ح ْفـ َ َ َ‬ ‫َُ ُ ُ‬

‫صالِ ِح اَلْنَِم» (‪94 – 93‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫((( يف كتابِه «قـََواع ُد َاأل ْح َكام ِف َم َ‬
‫‪17‬‬
‫ـف مِ ـ ْن ُح ْر َمـ ِـة‬ ‫ـال ا ْل َغ ْيـ ِـر َأ َك َل ـ ُه‪ِ ،‬لَ َّن ُحرم ـ َة مـ ِ‬
‫ـال ا ْل َغ ْيـ ِـر َأ َخـ ُّ‬ ‫ـال ال َّثانِــي‪ :‬إ َذا ُا ْض ُطــر إ َلــى َأ ْك ِل مـ ِ‬
‫ا ْل ِم َثـ ُ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـس َأ ْع َظـ ِ‬
‫إحــدَ ى‬ ‫ـال ا ْل َغ ْيـ ِـر بِ َبــدَ ٍل‪َ ،‬و َهـ َـذا م ـ ْن َقاعــدَ ة ا ْل َج ْم ـ ِع َب ْي ـ َن ْ‬
‫ف مـ ِ‬
‫ـم م ـ ْن إ ْتـ َـا َ‬ ‫ُ‬ ‫ات النَّ ْفـ ِ‬
‫ـس‪َ ،‬و َفـ َـو َ‬ ‫النَّ ْفـ ِ‬
‫الشـ ْـرعِ‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫ـن َو َبـ ْـذ ِل ا ْل َم ْص َل َحـ ِـة ْالُ ْخـ َـرى‪َ ،‬و ُهـ َـو كَثِيـ ٌـر فِــي َّ‬ ‫ا ْل َم ْص َل َح َت ْيـ ِ‬
‫اس ِ‬ ‫ــد وم َف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــات بِ ْ ِ ِ‬ ‫ــف و ْز ُن وســائِ ِل ا ْلم َخا َل َف ِ‬
‫ــد َها؛‬ ‫اختــاَف َر َذائــ ِل ا ْل َم َقاص َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫وقــال ¬(((‪َ ( :‬ي ْختَلِ ُ َ‬
‫ات اهَّللِ َو ِص َفاتِـ ِـه‪،‬‬ ‫اصـ ِـد َأر َذ ُل مِ ـن ســائِ ِر ا ْلوســائِلِ‪َ ،‬فالتَّوسـ ُـل إ َلــى ا ْلجه ـ ِل بِـ َـذ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫َفا ْلو ِســي َل ُة إ َلــى َأر َذ ِل ا ْلم َق ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َأ ْر َذ ُل مِـ ْن الت ََّو ُّسـ ِل إ َلــى ا ْل َج ْهـ ِل بِ َأ ْح َكامِـ ِـه‪َ ،‬والت ََّو ُّسـ ُـل إ َلــى ا ْل َق ْتـ ِل َأ ْر َذ ُل مِـ ْن الت ََّو ُّسـ ِل إ َلــى ِّ‬
‫الز َنــا‪َ ،‬والت ََّو ُّسـ ُـل‬
‫ـح مِ ـ ْن الدَّ َل َلـ ِـة‬ ‫ِ‬
‫ال ْم َســاك َأ ْق َبـ ُ‬ ‫ـح مِ ـ ْن الت ََّوس ـ ِل إ َلــى َأ ْك ٍل بِا ْل َباطِ ـلِ‪َ ،‬و ْ ِ‬
‫ال َعا َن ـ ُة َع َلــى ا ْل َق ْت ـ ِل بِ ْ ِ‬
‫ُّ‬ ‫الز َنــا َأ ْق َبـ ُ‬
‫إ َلــى ِّ‬
‫َع َل ْيـ ِـه‪،‬‬

‫ـح مِـ ْن الدَّ َل َلـ ِـة َع َل ْيـ ِـه‪َ ،‬والنَّ َظـ ُـر إ َلــى ْالَ ْجنَبِ َّيـ ِـة ُم َحـ َّـر ٌم ل ِ َك ْونِـ ِـه َو ِســي َل ًة‬ ‫ِ‬
‫َاو َلـ ُة آ َلــة ا ْل َق ْتـ ِل َأ ْق َبـ ُ‬
‫ـك ُمن َ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ِ‬ ‫الز َنــا‪ ،‬وا ْل َخ ْلــو ُة بِهــا َأ ْقبــح مِـن النَّ َظـ ِـر إ َليهــا‪ ،‬و ِعنَا ُقهــا فِــي ا ْل َخ ْلــو ِة َأ ْقبـ ِ‬
‫ـوس‬ ‫ـح مـ ْن ا ْل َخ ْلـ َـوة بِ َهــا‪َ ،‬وا ْل ُج ُلـ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ‬ ‫إ َلــى ِّ َ‬
‫�م‪.‬‬ ‫�ك ُك ِّلـ ِ�ه‪ ،‬ل ِ ُقـ َّ�و ِة َأ َدائِـ ِ�ه إ َلـ�ى ا ْل َم ْف َسـ�دَ ِة ا ْل َم ْق ُصـ�و َد ِة بِالت َّْح ِريـ ِ‬
‫�ح مِـ� ْن َذلِـ َ‬ ‫ِ‬
‫َب ْيـ� َن ِر ْج َل ْي َهـ�ا بِ َغ ْيـ ِ�ر َحائـ� ٍل َأ ْق َبـ ُ‬
‫ـاق‬ ‫الشـ ْـه َو َة َت ْشـتَدُّ بِا ْل ِعنَـ ِ‬‫اسـ ِـد‪َ ،‬فــإِ َّن َّ‬ ‫ف ُقــو ِة َأدائِهــا إ َلــى ا ْلم َف ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫اختِـ َـا ِ‬
‫ـب ا ْل َو َســائِ ِل بِ ْ‬‫ـف ُر َتـ ُ‬ ‫َو َه َكـ َـذا َت ْختَلِـ ُ‬
‫َ‬
‫ـك ُك ِّلـ ِـه ل ِ ُقـ َّـو ِة َأ َدائِـ ِـه إ َلــى ِّ‬
‫الز َنــا‪َ ،‬و ُك َّل َمــا‬ ‫ـح مِـ ْن َذلِـ َ‬ ‫ـير َأ ْق َبـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـك النَّ َظـ ُـر‪َ ،‬وال َّت ْفسـ ُ‬ ‫ـس ك ََذلِـ َ‬ ‫ـاق‪َ ،‬و َل ْيـ َ‬
‫ـث َل ُت َطـ ُ‬ ‫بِ َح ْيـ ُ‬
‫ـاغ ُل َع ْن‬ ‫الشـ ِ‬ ‫ـع َّ‬ ‫ـص َعن َْهــا‪َ ،‬وا ْل َب ْيـ ُ‬ ‫ـم َمــا َن َقـ َ‬ ‫ـم مِـ ْن إ ْثـ ِ‬ ‫ـت ا ْل َو ِســي َل ُة فِــي ْالَ َد ِاء إ َلــى ا ْل َم ْف َســدَ ِة ك َ‬
‫َان إ ْث ُم َهــا َأ ْع َظـ َ‬ ‫َق ِو َيـ ْ‬
‫ف وال َّطا َعـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـاغ ًل َعـ ْن ا ْل ُج ُم َعـ ِـة‪َ ،‬فــإِ ْن ُر ِّت َبـ ْ‬ ‫ا ْلجمعـ ِـة حــرام َل ِلَ َّنـه بيــع‪ ،‬بـ ْـل ل ِ َكونِـ ِـه َشـ ِ‬
‫ـات‬ ‫ـت َم ْص َل َحـ ُة الت ََّصـ ُّـر َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َْ ٌ َ‬ ‫ُ ُ َ َ َ ٌ‬
‫ــة َأ َد ِاء‬
‫ــه َع َلــى مص َلح ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ــة‪ .‬ل ِ َف ْضــ ِل مص َلحتِ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ف َع َلــى ا ْلجمع ِ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ــة‪ُ ،‬قــدِّ َم َذل ِ َ‬
‫ــك الت ََّص ُّــر ُ‬ ‫ــة ا ْلجمع ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫َع َلــى مص َلح ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ا ْل ُج ُم َعـ ِ�ة‪َ ،‬ف ُي َقـ�دَّ ُم إ ْن َقـ�ا ُذ ا ْل َغ ِريـ ِ�ق‪َ ،‬وإِ ْط َفـ�ا ُء ا ْل َح ِريـ ِ�ق‪َ ،‬ع َلـ�ى َصـ َلا ِة ا ْل ُج ُم َعـ ِ�ة‪.‬‬

‫ـوس َو ْالَ ْب َضــا ِع َع َلــى َصـ َـا ِة ا ْل ُج ُم َعـ ِـة مِ ـ ْن َغ ْيـ ِـر َت ْخيِيـ ٍـر َب ْي ـ َن َهـ ِـذ ِه‬ ‫ـع َع ـ ْن النُّ ُفـ ِ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ـك ُي َقــدَّ ُم الدَّ ْفـ ُ‬
‫ـوب ا ْل ُج ُم َعـ ِـة َفإِن ََّهــا َت ْخيِيـ ٌـر َب ْي ـ َن‬
‫ف ْالَ ْعـ َـذ ِار ا ْل َخ ِفي َفـ ِـة ا ْل ُم ْسـ ِـق َط ِة ل ِ ُو ُجـ ِ‬
‫خـ َـا ِ‬
‫ـات وبي ـن ا ْلجمعـ ِـة‪ ،‬بِ ِ‬
‫َ َْ َ ُ ُ َ‬
‫اجبـ ِ‬
‫ا ْل َو ِ َ‬
‫ال ُّظ ْه ِ��ر َوا ْل ُج ُم َعـ ِـة‪ .).‬انتهــى‪.‬‬

‫((( (ص ‪)721 – 621‬‬


‫‪18‬‬
‫وقــال ¬(((‪َ .....( :‬و َكـ َـذا الن َّْهـ ُـي َع ـ ْن ا ْل ُمنْ َكـ ِـر َو ِســي َل ٌة إ َلــى َد ْف ـ ِع َم ْف َســدَ ِة َذلِـ َ‬
‫ـك ا ْل ُمنْ َكـ ِـر ا ْل َمن ِْهـ ِّـي‬
‫اسـ ِـد‪،‬‬ ‫ـاب ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َعنْـه‪ ،‬ور ْتب ُتـه فِــي ا ْل َف ْضـ ِل وال َّثــو ِ ِ‬
‫اب َم ْبن َّيـ ٌة َع َلــى ُر ْت َبــة َد ْرء َم ْف َســدَ ة ا ْلف ْعـ ِل ا ْل َمن ِْهـ ِّـي َعنْـ ُه فــي َبـ ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َُ َ ُ‬
‫اسـ ِـد إ َلــى َأ ْن َتنْت َِهــي إ َلــى َأص َغـ ِـر الص َغائِـ ِـر‪َ ،‬فالنَّهــي ع ـن ا ْل ُك ْفـ ِـر بِ ـ َاهَّللِ‬ ‫ـب ا ْلم َف ِ‬
‫ْ ُ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ـب ُر َت ُب ـ ُه َع َلــى ُر َتـ ِ َ‬
‫ـم َتت ََر َّتـ ُ‬
‫ُثـ َّ‬
‫ـي َع ـ ْن ا ْل ُمنْ َكـ ِـر‪.‬‬ ‫ـي فِــي َبـ ِ‬
‫ـاب الن َّْهـ ِ‬ ‫َأ ْف َضـ ُـل مِـ ْن ك ُِّل ن َْهـ ٍ‬

‫ـع َب ْين َُه َمــا ل ِ َمــا‬ ‫ِ‬ ‫َف َمـ ْن َقــدَ َر َع َلــى ا ْل َج ْمـ ِع َب ْيـ َن َد ْر ِء َأ ْع َظـ ِ‬
‫ـم ا ْل ِف ْع َل ْيـ ِ‬
‫ـن َم ْف َســدَ ًة َو َد ْرء َأ ْدن ُ‬
‫َاه َمــا َم ْف َســدَ ًة َج َمـ َ‬
‫ـن َأ ْو ُمت ََسـ ِ‬
‫ـاو َي ْي ِن َف َمــا‬ ‫اسـ ِـد‪ ،‬مِ ْثـ َـل َأ ْن َين َْهــى َعـ ْن ُمنْ َك َر ْيـ ِ‬
‫ـن ُم َت َف ِ‬
‫او َت ْيـ ِ‬ ‫ـوب ا ْلجمـ ِع بيـن ِرد ِء ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬
‫َذك َْر َنــا ُه مـ ْن ُو ُجـ ِ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫احــدَ ٍة‪.‬‬
‫َزاد‪ ،‬بِ َكلِمـ ٍـة و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ـول َل ُه َمــا ُك َّفــا َع َّمــا‬ ‫ـال إنْسـ ٍ‬
‫ـان‪َ ،‬ف َي ُقـ ُ‬ ‫ب َمـ َ َ‬ ‫ـن َأ ْن َيـ َـرى إن َْســانًا َي ْق ُتـ ُـل َر ُجـ ًـا َو َ‬
‫آخـ َـر َي ْس ـ ُل ُ‬ ‫مِ َثـ ُ‬
‫ـال ا ْل ُم َت َف ِ‬
‫او َت ْيـ ِ‬
‫َتصنَعـ ِ‬
‫ـان‪.‬‬ ‫ْ َ‬
‫ب َمالِـ ِـه َف َي ُقـ ُ‬
‫ـول َل ُه َمــا ُك َّفــا‬ ‫ـن َقــدْ اجتَمعــا َع َلــى َق ْتـ ِل إنْسـ ٍ‬
‫ـان َأ ْو َسـ ْل ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ـاو َي ْي ِن َأ ْن َيـ َـرى ا ْثنَ ْيـ ِ‬ ‫َومِ َثـ ُ‬
‫ـال ا ْل ُمت ََسـ ِ‬
‫ـول ل ِ ْل َج َما َعـ ِـة ُك ُّفــوا َع َّمــا َت ْصنَ ُعـ َ‬
‫ـون‪.‬‬ ‫ـك َي ُقـ ُ‬‫َع�� ْن َقتْلِ ِ�هـ َأ ْو َس ْ�لـبِ ِه‪َ .‬وك ََذلِـ َ‬

‫ـك‪َ ،‬وإِ ْن َقــدَ َر َع َلى َد ْفـ ِع َأ َح ِد ِه َما َد َف َع ْالَ ْف َســدَ‬ ‫احــدَ ًة َل ِز َمـ ُه َذلِـ َ‬
‫ـن د ْفعـ ًة و ِ‬
‫َوإِ ْن َقــدَ َر َع َلــى َد ْفـ ِع ا ْل ُمنْ َك َر ْيـ ِ َ َ‬
‫ـازي مِـ ْن‬ ‫ـك بِ َيـ ِـد ِه َأ ْو بِلِ َســانِ ِه‪ ،‬مِ ْثـ َـل َأ ْن َيت ََم َّكـ َن ا ْل َغـ ِ‬
‫ـالَ ْر َذ َل َسـ َـوا ٌء َقــدَ َر َع َلــى َد ْفـ ِع َذلِـ َ‬
‫َف ْالَ ْف َســدَ ‪َ ،‬و ْالَ ْر َذ َل َفـ ْ‬
‫ـم‪َ ،‬فإِ َّنـ ُه ُي َقــدِّ ُم َر ْمـ َـي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َق ْتـ ِل َواحــد مـ ْن ا ْل ُم ْشـ ِـركي َن بِ َسـ ْـه ٍم َومـ ْن َق ْتـ ِل َع ْشـ َـرة بِ َر ْم َيــة َواحــدَ ة َتنْ ُفـ ُـذ فــي َجميع ِهـ ْ‬
‫ال ْسـ َـا ِم‪َ ،‬ح َسـ َن التَّدْ بِيـ ِـر فِــي‬ ‫احــدُ َب َطـ ًـا َعظِيــم النِّ َكا َيـ ِـة فِــي ْ ِ‬
‫َ‬
‫ـون ا ْلو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـي ا ْل َواحــد‪َّ ،‬إل َأ ْن َي ُكـ َ َ‬ ‫ا ْل َع َشـ َـر ِة َع َلــى َر ْمـ ِ‬
‫وب‪َ :‬فيبـ�دَ ُأ بِرميِـ ِ�ه د ْفعـ�ا لِم ْفسـ�دَ ِة ب َقائِـ ِ�ه‪ِ ،‬لَنَّهـ�ا َأ ْع َظـ�م مِـ�ن م ْفسـ�دَ ِة ب َقـ ِ‬
‫�اء ا ْل َع َشـ َ�ر ِة‪.‬‬ ‫ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل ُحـ ُ�ر ِ َ ْ َ ْ َ ً َ َ َ‬
‫ـم مِن َْهــا َو َقــدَ َر َع َلــى‬
‫ـار َل ن ََجــا َة َل ُهـ ْ‬ ‫ـف مِـ ْن ا ْل ُك َّفـ ِ‬‫ـك َلــو َقــدَ ر َع َلــى َأ ْن ي ْف َتــح ُفو َهـ َة نَهـ ٍـر َع َلــى َأ ْلـ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ِ‬
‫َوك ََذلـ َ ْ َ‬
‫ـح ُف َّو َهـ ِـة الن َّْهـ ِـر َأ ْو َلــى مِ ـ ْن َق ْت ـ ِل ا ْل ِما َئـ ِـة ل ِ َمــا فِيـ ِـه مِ ـ ْن ِع َظـ ِ‬ ‫ت ا ْل ِق َتـ ِ‬
‫ـال َل ـ َك َ‬ ‫َق ْت ـ ِل مِا َئـ ٍـة بِ َشــي ٍء مِ ـن َآل ِ‬
‫ـم‬ ‫ان َف ْتـ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫َان َف ْتـ�ح ا ْل ُفو َهـ ِ�ة َأ َخـ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫السـ َلاحِ ‪.‬‬ ‫�ف مـ� ْن َق ْتـ� ِل ا ْلما َئـ�ة بِ ِّ‬ ‫ا ْل َم ْص َل َحـ�ة‪َ ،‬وإِ ْن ك َ ُ َّ‬
‫ت ُر َتبِـ ِـه‪،‬‬
‫ـان بِ َت َفــاو ِ‬
‫ُ‬
‫ار ِه بِا ْليـ ِـد وال ِّلسـ ِ‬ ‫ـك َت َت َفــاو ُت كَر َاهـ ُة ا ْلمنْ َكـ ِـر بِا ْل ُق ُلـ ِ ِ‬
‫ـوب عنْــدَ ا ْل َع ْجـ ِـز َعـ ْن إ ْنـ َك ِ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫��م مِـ ْن ك ََر َاه ِ��ة َم��ا ُدو َنـ ُه‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫ــن ك ََر َاهةـ ُـ ْالَ ْق َبـ�حِ َأ ْع َظ َ‬
‫َف َت ُكو ُ‬

‫((( (ص ‪)128 – 127‬‬


‫‪19‬‬
‫ــد؛‬‫اس ِ‬ ‫ف ر َتبِهــا فِــي ا ْلم َف ِ‬ ‫ــف بِ ْ ِ ِ‬ ‫ــم َت ْختَلِ ُ‬ ‫ل َيــ ُة ا ْل َم َظال ِ ِ‬
‫ــك ِو َ‬‫(وك ََذل ِ َ‬
‫َ‬ ‫اختــاَ ُ َ‬ ‫وقــال ¬‪َ :((( :‬‬
‫ـ�ق َأ ْقبـ�ح مِـ�ن ا ْل ِو َلي ِ‬
‫ـ�ق‪.‬‬ ‫ـ�ر َح ٍّ‬‫ب بِ َغ ْي ِ‬
‫ـ�ر ِ‬ ‫ـ�ة َع َلـ�ى َّ‬
‫الض ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ـ�ر َح ٍّ َ ُ‬ ‫ـ�ب بِ َغ ْي ِ‬
‫الص ْل ِ‬‫َفا ْل ِو َل َيـ� ُة َع َلـ�ى ا ْل َقتْـ� ِل َوا ْل َق ْطـ� ِع َو َّ‬
‫ـك ْ ِ‬
‫ال َعا َن ـ ُة‬ ‫ـور َو ْالَ ْب َضــاعِ‪َ ،‬وك ََذلِـ َ‬ ‫ال‪َ ،‬و َت ْض ِميـ ِ‬
‫ـن ا ْل ُخ ُمـ ِ‬ ‫ـب ْالَمـ َـو ِ‬
‫ـوس َو َغ ْصـ ِ ْ‬ ‫ـك ا ْل ِو َل َي ـ ُة َع َلــى ا ْل ُم ُكـ ِ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ـوق و ِعصيـ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـان‪.‬‬ ‫ـم َو ُعــدْ َوان َو ُف ُسـ ٍ َ ْ َ‬ ‫َع َلــى إ ْثـ ٍ‬

‫ـان َل مِـ ْن ِج َهـ ِـة ك َْونِـ ِـه َم ْع ِص َيـةً‪َ ،‬بـ ْـل‬


‫ـوق وا ْل ِعصيـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم َوا ْل ُعــدْ َوان َوا ْل ُف ُسـ ِ َ ْ َ‬ ‫او َنـ ُة َع َلــى ْ ِ‬
‫ال ْثـ ِ‬ ‫ـوز ا ْل ُم َع َ‬
‫َو َقــدْ َت ُجـ ُ‬
‫ـارى َفإِ َّنـ ُه َحـ َـرا ٌم َع َلــى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫مـ ْن ج َهــة ك َْونــه َوســي َل ًة إ َلــى َم ْص َل َحــة َو َلـ ُه َأ ْمث َلـ ٌة من َْهــا َمــا ُي ْبـ َـذ ُل فــي ا ْفتـ َكاك ْالَ َسـ َ‬
‫اذلِيـ ِـه‪ .).‬انتهــى‪.‬‬
‫آخ ِذيـ ِـه مبــاح لِب ِ‬
‫َُ ٌ َ‬
‫ِ‬

‫ف َمــا ُت َف ِّو ُتــ ُه‬ ‫اختِــاَ ِ‬ ‫ــر َوا ْلكِ َب ِ‬


‫ــر‪َ ،‬وبِ ْ‬ ‫الص َغ ِ‬ ‫ــد بِ ْ ِ ِ ِ‬ ‫اس ِ‬‫ــف إ ْثــم ا ْلم َف ِ‬
‫وقــال ¬(((‪َ ( :‬ي ْختَلِ ُ‬
‫اختلَف َهــا فــي ِّ‬ ‫ُ َ‬
‫ـوس وإِ َزا َلـ ِـة منَافِـ ِع ْالَ ْع َضـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِـ ْن ا ْلمنَافِـ ِع َوا ْلم َصالِــحِ ‪َ ،‬ف َي ْختَلِـ ُ ِ‬
‫ال ْثـ ِ‬
‫ـاء‬ ‫َ‬ ‫ـم فــي َق ْط ـ ِع ْالَ ْع َضــاء َو َق ْت ـ ِل النُّ ُفـ ِ َ‬‫ـف ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ــم مــن َق َطــع ا ْل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اختِ َ ِ‬
‫خن َْص َــر‬ ‫َ‬ ‫الر ْجــ ِل كَإِ ْث ِ َ ْ‬‫ــع ا ْلخن َْص َــر َوا ْلبِنْص ُــر مــ ْن ِّ‬
‫ــم َمــ ْن َق َط َ‬ ‫ــاف ا ْل َمنَافــعِ؛ َف َل ْي َ‬
‫ــس إ ْث ُ‬ ‫بِ ْ‬
‫ـك مِ ـ ْن َن ْف ِسـ ِـه َأ ْو مِ ـ ْن‬‫ـع َذلِـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوا ْلبِنْصـ َـر م ـ ْن ا ْل َيــد‪ ،‬ل َمــا َف َّو َت ـ ُه م ـ ْن َمنَافع َهــا الدِّ ين َّيــة َوالدُّ ْن َي ِو َّيــة‪َ ،‬و َسـ َـوا ٌء َق َطـ َ‬
‫ـان ْ‬ ‫ـان‪ ،‬لِمــا س ـن َْذكُره مِ ـن منَافِ ـ ِع ال ِّلسـ ِ‬ ‫ـم فِــي َق ْط ـ ِع ال ِّلسـ ِ‬ ‫ال ْثــم فِــي َق ْط ـ ِع ْالُ ُذ ِن ك ْ ِ‬
‫َال ْثـ ِ‬ ‫َغ ْيـ ِـر ِه‪َ ،‬و َل ْيـ َ ِ‬
‫‪-‬إن‬ ‫َ‬ ‫ُُ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ـس ْ ُ‬
‫اهَّلل َت َعا َلــى‪.-‬‬
‫َشــا َء ُ‬
‫ـاق ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن بِ َم َثا َبـ ِـة َم ـ ْن َق َتـ َـل إ َما ًمــا َعــدْ ًل‪َ ،‬أ ْو َحاكِ ًمــا‬ ‫اس ـ ًقا َظالِمــا مِ ـ ْن ُفسـ ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫و َليــس م ـن َق َتـ َـل َف ِ‬
‫َ ْ َ َ ْ‬
‫النْصـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاف‪َ .‬و َع َلــى َهـ َـذا َح َمـ َـل َب ْع ُض ُه ْم‬ ‫ُم ْقسـ ًطا‪َ ،‬أ ْو َول ًّيــا ُمنْص ًفــا‪ ،‬ل َمــا َف َّو َتـ ُه َع َلــى ا ْل ُم ْســلِمي َن مـ ْن ا ْل َعــدْ ِل َو ْ ِ َ‬
‫ـاس َج ِمي ًعــا َو َمـ ْن َأ ْح َي َ‬
‫اهــا‬ ‫ـاد فِــي األَ ْر ِ‬
‫ض َف َك َأن ََّمــا َق َتـ َـل النَّـ َ‬
‫ـس َأو َفسـ ٍ‬
‫َق ْولــه َت َعا َلــى‪َ { :‬مـ ْن َق َتـ َـل َن ْف ًســا بِ َغ ْيـ ِـر َن ْفـ ٍ ْ َ‬
‫ـاس‬‫ـم َمـ ْن َق َتـ َـل النَّـ َ‬ ‫ـت ا ْل َم ْف َســدَ ُة فِــي َق ْتـ ِل َن ْفـ ٍ‬
‫ـس َج َعـ َـل إ ْث َم َهــا كَإِ ْثـ ِ‬ ‫ـاس َج ِمي ًعــا} ((( َل َّمــا َع َّمـ ْ‬ ‫َف َك َأن ََّمــا َأ ْح َيــا النَّـ َ‬
‫ال ْقسـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج ِميعــا لِمــا َفو َت ـه َع َلــى النَّـ ِ ِ‬
‫ـاط‬ ‫ـت ا ْل َم ْف َســدَ ُة فــي إ ْن َقــاذ ُو َلة ا ْل َعــدْ ل َو ْ َ‬ ‫ـح َو َل َّمــا َع َّمـ ْ‬ ‫ـاس م ـ ْن َم َصالـ َ‬ ‫َ ً َ َّ ُ‬
‫اب ا ْل َهـ َـا ِك َج ِمي ًعــا ل ِ ُع ُمــو ِم‬ ‫ـاس مِـ ْن َأ ْسـ َب ِ‬ ‫ـك‪َ ،‬ج َعـ َـل َأ ْجـ َـر ُمن ِْق ِذ َهــا ك ََأ ْجـ ِـر ُمن ِْقـ ِـذ النَّـ ِ‬ ‫ـاف مِـن ا ْلمهالِـ ِ‬
‫ْ ََ‬
‫النْصـ ِ‬
‫َو ْ ِ َ‬
‫َمــا َسـ َعى فِيـ ِـه مِـ ْن ا ْل َم َصالِــحِ ‪.‬‬

‫((( (ص‪)129‬‬
‫((( (ص ‪)131 – 130‬‬
‫((( [املائدة‪]32 :‬‬
‫‪20‬‬
‫ت منَافِــ ِع مــا جنَــى َع َلي ِ‬ ‫ــه ي َت َفــاو ُت إ ْثمهــا بِ َت َف ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوك ََذل ِ َ‬
‫ــك ِجنَا َيــ ُة ْ ِ‬
‫ــه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ــاو َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫الن َْســان َع َلــى َأ ْع َضــاء َن ْفس َ َ‬
‫ــس‬ ‫يــن‪َ ،‬و َل ْي َ‬ ‫ــه لِلدِّ ِ‬
‫ــه ونُصرتِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ــره َوإِن َْصاف َ ْ َ‬
‫ــه وإِ ْقســاطِ ِه وبِ ِ‬
‫َ ِّ‬
‫ِ ِ‬
‫َّــاس مــ ْن عَدْ ل َ َ‬
‫ت مــا َفو َتــه َع َلــى الن ِ ِ‬
‫ــاو َ َّ ُ‬
‫ِ‬
‫َوبِ َت َف ُ‬
‫ــس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــك ُك ِّلــه ُم ْشــت ََر ٌك َب ْينَــ ُه َو َب ْيــ َن َر ِّبــه‪َ ،‬و َل ْي َ‬ ‫ــق فِــي َذل ِ َ‬ ‫ــه‪ِ ،‬لَ َّن ا ْل َح َّ‬ ‫ــك مِــن َن ْف ِس ِ‬
‫ْ‬ ‫ــف َذل ِ َ‬ ‫ــد َأ ْن ُيتْلِ َ‬‫ِلَح ٍ‬
‫َ‬
‫ـ�ع بِلِ َسـ�انِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ـ�م لِس َ ِ ِ‬
‫ـ�ان َن ْفسـ�ه َك َق ْطـ� ِع َمـ� ْن َل َينْتَف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـ�م َأ ْو ا ْل ُم ْفتـ�ي َأ ْو ْال َمـ�ا ِم ْالَ ْع َظ ِ َ‬ ‫ـ�م َأ ْو ا ْل َحاكِ ِ‬
‫ـ�ع ا ْل َعال ِ ِ‬
‫َق ْط ُ‬
‫الض ِعيـ ِ‬ ‫ـم مِـ ْن َق ْطـ ِع َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـك َق ْطــع ا ْلب َطـ ِل َّ ِ ِ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ـف‬ ‫الشــديد النِّ َكا َيــة فــي ا ْلج َهــاد َيــدَ َن ْفســه َأ ْو ِر ْجـ َـل َن ْفســه َأ ْع َظـ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ـاء فِــي ْالَ ْبــدَ ِ‬ ‫ـاوي ْالَ ْع َضـ ِ‬ ‫ـاد َيــدَ َن ْف ِسـ ِـه َأ ْو ِر ْجـ َـل َن ْف ِسـ ِـه‪َ ،‬و َل َي ْلـ َـز ُم مِ ـ ْن َت َسـ ِ‬‫جهـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫ا َّلــذي َل َأ َثـ َـر َل ـ ُه فــي ا ْل ِ َ‬
‫�اوي َت ْف ِويتِ َهـ�ا فِـ�ي ْال َثـ�ا ِم‪.‬‬ ‫َت َسـ ِ‬

‫ـم ِو ْز ًرا مِ ـ ْن‬ ‫الر ْج َل ْيـ ِ‬


‫ـن َأ ْع َظـ ُ‬ ‫ـك َق ْطـ ُ‬
‫ـع ِّ‬ ‫ـن‪َ ،‬وك ََذلِـ َ‬ ‫ـن َأ َشــدُّ إ ْث ًمــا مِ ـ ْن َص ْلـ ِ‬
‫ـم ْالُ ُذ َن ْيـ ِ‬ ‫َوك ََذلِـ َ‬
‫ـك َفـ ْـق ُء ا ْل َع ْينَ ْيـ ِ‬
‫ـن َأ ْع َظــم ِو ْزرا مِـن َق ْط ـ ِع ا ْل ِ‬
‫خن َْصـ ِـر‬ ‫إحــدَ ى ا ْل َيدَ ْيـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـك َق ْطـ ُ ِ‬ ‫َق ْط ـ ِع َأ َصابِ ِع ِه َمــا‪َ ،‬وك ََذلِـ َ‬
‫ُ ً ْ‬ ‫الس ـ َّبا َبة م ـ ْن ْ‬ ‫ـع ْال ْب َهــا ِم َو َّ‬
‫َوا ْلبِن ِْصـ ِـر مِن ُْه َمــا‪.‬‬
‫اس ِ‬
‫يــق ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــذا ُك ِّل ِ‬‫َوا ْل َمــدَ ُار فِــي َه َ‬
‫َــت‬
‫ــو كَان ْ‬ ‫ــد؛ َفــ ُك ُّل ُع ْض ٍ‬ ‫ــب َت ْف ِويــت ا ْل َم َصالــحِ َو َت ْحق ِ َ‬ ‫ــه َع َلــى ُر َت ِ‬
‫جنَا َيـ ِـة َع َلــى‬ ‫جنَاي ـ ُة َع َلــى ا ْلع ْق ـ ِل وال ِّلسـ ِ‬
‫ـان كَا ْل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ـت ا ْل ِ َ‬
‫ـم ِو ْز ًرا؛ َف َل ْي َسـ ْ‬ ‫ِ‬ ‫منْ َف َع ُت ـ ُه َأ َتــم كَا َنـ ْ ِ‬
‫ـت ا ْلجنَا َي ـ ُة َع َل ْيــه َأ ْع َظـ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫��ر و ْال َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫ا ْل َخنَاص ِ َ‬
‫ان الع َلم ِ‬
‫أيضا(((‪:‬‬
‫اء ¬ ً‬ ‫و َق َال ُس ْل َط ُ ُ َ‬

‫وجــدُ َعــدْ ٌل‪َ :‬و َّل ْينَــا َأ َق َّل ُهـ ْ‬


‫ـم‬ ‫اصـ ِـة بِ َح ْيـ ُ‬
‫ـث َل ُي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( َقاعــدَ ةٌ‪ :‬إ َذا َت َعـ َّـذ َر ْت ا ْل َعدَ ا َلـ ُة فــي ا ْل ِو َل َيــة ا ْل َعا َّمــة َوا ْل َخ َّ‬
‫ُف ُســو ًقا‪َ ..‬و َلـ ُه َأ ْمثِ َلـةٌ‪:‬‬

‫ان‪َ ،‬فــإِ َذا ك َ‬


‫َان ْالَ َقـ ُّـل ُف ُســو ًقا ُي َفـ ِّـر ُط‬ ‫المـ َك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم ُف ُســو ًقا عنْــدَ ْ ْ‬ ‫‪َ -‬أ َحدُ َهــا‪ :‬إ َذا َت َعـ َّـذ َر فــي ْالَئ َّمــة َف ُي َقــدَّ ُم َأ َق ُّل ُهـ ْ‬
‫ـس َف َمــا‬‫ـم َت ُجـ ْـز َت ْول ِ َيـ ُة َمـ ْن ُي َفـ ِّـر ُط فِــي ا ْل ُخ ُمـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فــي ُع ْشـ ِـر ا ْل َم َصالــحِ ا ْل َعا َّمــة َم َثـ ًـا َو َغ ْيـ ُـر ُه ُي َفـ ِّـر ُط فــي ُخ ُمسـ َـها َلـ ْ‬
‫ِ‬

‫ـار بِت َْضيِيـ ِع‬ ‫ـظ تِ ْسـ َع ِة ْالَ ْع َشـ ِ‬‫ـك ِلَ َّن ِح ْفـ َ‬ ‫ـوز َت ْول ِ َيـ ُة َمـ ْن ُي َفـ ِّـر ُط فِــي ا ْل ُع ْشـ ِـر‪َ ،‬وإِن ََّمــا َج َّو ْز َنــا َذلِـ َ‬ ‫َزا َد َع َل ْيـ ِـه‪َ ،‬و َي ُجـ ُ‬
‫ـس َأ ْي ًضــا‪َ ،‬ف َي ُكـ ُ‬
‫ـون‬ ‫ال ْسـ َـا ِم مِ ـ ْن َت ْضيِي ـ ِع ا ْل َج ِمي ـعِ‪َ ،‬ومِ ـ ْن َت ْضيِي ـ ِع ا ْل ُخ ُمـ ِ‬ ‫ـح ل ِ ْلَ ْي َتــا ِم َو ِلَ ْه ـ ِل ْ ِ‬
‫ا ْل ُع ْشـ ِـر َأ ْص َلـ ُ‬
‫ـاب َد ْفـ ِع َأ َشــدِّ ا ْل َم ْف َســدَ َت ْي ِن بِ َأ َخ ِّف ِه َمــا‪.‬‬ ‫َهـ َـذا مِـ ْن َبـ ِ‬

‫ـت ا ْل َحـ َّـق‬ ‫ـور َع َل ْيـ ِـه بِال َّت ْب ِذيـ ِـر ُن ِّف َ‬
‫ــذ ْت َت َص ُّر َفا ُت ـ ُه ا ْل َعا َّم ـ ُة إ َذا َوا َف َقـ ْ‬ ‫َو َلـ ْـو َت َو َّلــى ْالَ ْمـ َـو َال ا ْل َعا َّم ـ َة َم ْح ُجـ ٌ‬
‫صالِ ِح اَلْنَِم» (ص ‪)86 – 85‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((( يف «قـََواع ُد َاأل ْح َكام ِف َم َ‬
‫‪21‬‬
‫ــوص مص َلحتِ ِ‬ ‫وجــب ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ور ِة‪َ ،‬و َل ُينَ َّف ُ‬ ‫ل ِ َّ‬
‫ــه‪.‬‬ ‫ِ َ ْ َ‬ ‫ل ْن َقــاذه َم َ‬
‫ــع ُخ ُص‬ ‫ــذ َت َص ُّر ُفــ ُه لنَ ْفســه‪ ،‬إ ْذ َل ُم ِ َ‬ ‫لض ُــر َ‬
‫ـع إ َلــى َر ْأ ِي ا ْل ُع َقـ َـا ِء َف َهـ ْـل ُينَ َّفـ ُـذ َت َص ُّر ُف ُه َمــا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َلـ ْـو ُا ْبتُلِـ َـي النَّـ ُ‬
‫ـاس بِت َْول َيــة ا ْمـ َـر َأة َأ ْو َصبِـ ٍّـي ُم َم ِّيـ ٍـز َي ْر ِجـ ُ‬
‫�ك َو ْق َفـ�ةٌ‪.‬‬ ‫�اة َوا ْلـ ُ�و َل ِة؟ َف ِفـ�ي َذلِـ َ‬‫�اد و َتولِيـ ِ�ة ا ْل ُق َضـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يمـ�ا ُي َوافـ ُ�ق ا ْل َحـ َّ�ق َكت َْجنيـ�د ْالَ ْجنَـ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ا ْل َعـ�ا ُّم ف َ‬
‫ـم َف َو َّلـ ْـوا ا ْل َق َضــا َء ل ِ َم ـ ْن َي ُقــو ُم بِ َم َصالِــحِ ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن ا ْل َعا َّمـ ِـة‪،‬‬
‫ـم َعظِيـ ٍ‬
‫ـار َع َلــى إ ْقلِيـ ٍ‬
‫اس ـت َْو َلى ا ْل ُك َّفـ ُ‬‫َو َلـ ْـو ْ‬
‫الشــامِ َل ِة‪ ،‬إ ْذ َي ْب ُعــدُ َع ـ ْن َر ْح َمـ ِـة‬
‫اسـ ِـد َّ‬ ‫ـك ُك ِّلـ ِـه ج ْلبــا ل ِ ْلمصالِــحِ ا ْلعامـ ِـة ود ْفعــا ل ِ ْلم َف ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ً‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫َف َا َّلـ ِـذي َي ْظ َهـ ُـر إ ْن َفــا ُذ َذلِـ َ‬
‫ات ا ْل َكمـ ِ‬ ‫الشــامِ َل ِة‪ ،‬ل ِ َفــو ِ‬
‫اسـ ِـد َّ‬‫ـاد ِه َتعطِيـ ُـل ا ْلمصالِــحِ ا ْلعامـ ِـة و َتحمـ ُـل ا ْلم َف ِ‬ ‫الشــر ِع و ِر َعايتِـ ِـه لِمصالِــحِ ِعبـ ِ‬
‫ـال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ َ‬
‫�ال َب ِعيــدٌ ‪ .).‬انتهــى‪.‬‬
‫احتِ َمـ ٌ‬ ‫يمـ ْن َي َت َعا َطــى َت ْول ِ َيت ََهــا ل ِ َمـ ْن ُهـ َـو َأ ْهـ ٌـل َل َهــا‪َ ،‬وفِ��ي َذلِـ َ‬
‫ـك ْ‬
‫ِ‬
‫ف َ‬
‫إن‬‫ــم ُف ُســو ًقا‪ ،‬مِ ْث َــل ْ‬ ‫ــوق فِــي ح ِّ ِ ِ‬
‫ــق ا َلْئ َّمــة‪َ :‬قدَّ ْمنَــا َأ َق َّل ُه ْ‬ ‫َ‬ ‫ــب ا ْل ُفس ِ‬
‫ُ‬ ‫ــت ُر َت ُ‬‫او َت ْ‬‫وقــال ¬(((‪...( :‬إ َذا َت َف َ‬
‫ـاك ُح ْر َمـ ِـة ْالَ ْب َضــاعِ‪َ ،‬وفِ ْسـ ُـق ْال َخـ ِـر بِالت ََّضـ ُّـر ِع‬‫ـوس وفِسـ ُـق ْال َخـ ِـر بِانْتِهـ ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َان ف ْسـ ُـق َأ َحــد ْالَئ َّمــة بِ َق ْتـ ِل النُّ ُفـ ِ َ ْ‬
‫ك َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ــاء َو ْالَ ْب َضــاعِ‪َ ،‬فــإِ ْن َت َع َّ‬ ‫ال َع َلــى ا ْلمت ََضــر ِع لِلدِّ م ِ‬‫ــو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ــو ِ‬ ‫ِ‬
‫يمــ ُه َقدَّ ْمنَــا‬
‫ــذ َر َت ْقد ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪َ ،‬قدَّ ْمنَــا ا ْل ُمت ََض ِّــر َع ل ْلَ ْم َ‬ ‫ل ْلَ ْم َ‬
‫لب َضــا ِع َع َلــى م ـن ي َتعــر ُض لِلدِّ مـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ‬ ‫ا ْل ُمت ََضـ ِّـر َع ل ْ َ ْ‬
‫ــر َع َلــى‬ ‫يــر مِن َْهــا َو ْالَ ْص َغ ِ‬ ‫الص ِغ ِ‬ ‫ــر َو َّ‬ ‫ُــوب َو ْالَ ْك َب ِ‬
‫الذن ِ‬ ‫يــر مِــ ْن ُّ‬
‫يــم َع َلــى ا ْل َكبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ــب ال َّت ْقد ُ‬ ‫َوك ََذل ِ َ‬
‫ــك َيت ََر َّت ُ‬
‫ف ُر َتبِ َهـ�ا‪.‬‬‫ـلا ِ‬‫اختِ َ‬
‫ْ‬

‫ـع إ َعانَتِـ ِـه َع َلــى َم ْع ِص َيتِـ ِـه؟‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـال مــع َأح ِد ِهمــا ِ ِ ِ‬ ‫َفــإِ ْن قِيـ َـل‪َ :‬أيجـ ُ ِ‬
‫ل َقا َمــة ِو َل َيتــه َوإِ َدا َمــة َت َص ُّرفــه َمـ َ‬ ‫ـوز ا ْلق َتـ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ل ْف َسـ ِـد َف ْالَ ْف َسـ ِـد‪.‬‬ ‫ت‪َ ،‬و َد ْر ًءا ل ِ ْ َ‬ ‫ُق ْلنَــا‪َ :‬نعــم؛ د ْفعــا لِمــا بيـن م ْفســدَ َتي ا ْل ُفســو َقي ِن مِـن ال َّت َفــاو ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ْ َ ً َ َْ َ َ َ ْ‬
‫ال َد ْف ًعــا ل ِ َم ْف َســدَ ِة ْالَ ْب َضــا ِع‬ ‫ـاد ْالَمـ َـو ِ‬
‫ْ‬
‫وفِــي َهـ َـذا و ْق َفـ ٌة وإِ ْشـ َك ٌال مِـن ِجهـ ِـة َأ َّنــا ن ُِعيـن ال َّظالِــم َع َلــى َفسـ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ـاد ْالَب َضــا ِع د ْفعــا لِم ْفســدَ ِة الدِّ مـ ِ‬
‫ـاء َو ِهـ َـي َم ْع ِص َيـةٌ‪.‬‬ ‫ـك ن ُِعيـن ْال َخــر َع َلــى إ ْفسـ ِ‬
‫َو ِهـ َـي َم ْع ِص َيـةٌ‪َ ،‬وك ََذلِـ َ‬
‫َ‬ ‫َ ً َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ال َعا َن ـ ُة َع َلــى ا ْل َم ْع ِص َيـ ِـة َل ل ِ َك ْونِ َهــا َم ْع ِص َي ـ ًة َبـ ْـل ل ِ َك ْونِ َهــا َو ِســي َل ًة إ َلــى َت ْح ِصي ـ ِل‬ ‫َو َلكِ ـ ْن َقــدْ َي ُجـ ُ‬
‫ـوز ْ ِ‬

‫ـت ا ْل َم ْف َســدَ ِة؛ ك ََمــا‬


‫ال َعا َنـ ِـة مص َلحـ ٌة َتربــو َع َلــى مص َلحـ ِـة َت ْف ِويـ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬ ‫ـك إ َذا َح َصـ َـل بِ ْ ِ‬ ‫اج َحـ ِـة‪َ ،‬وك ََذلِـ َ‬
‫ا ْلم ْص َل َحـ ِـة الر ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُت ْبذ َــ ُل ْالَ ْم َ��و ُال فِ��ي فِــدَ ى ْالَ ْسـ َـرى ْالَ ْح َ��ر ِار ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن مِ�� ْن َأ ْيد ِــي ا ْل َك َف َ��ر ِة َوا ْل َف َج َ�رـ ِة‪ .).‬انتهــى‪.‬‬

‫((( (ص ‪)87 – 86‬‬


‫‪22‬‬
‫ــات وم ْقطــ ٍع إ ْق َطا َع ٍ‬ ‫لي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ــات‬ ‫َ ُ‬ ‫َــو ٍّل ِو َ َ‬‫وقــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة ¬((( إذ ُســئ َل َع ْن َر ُجــ ٍل ُمت َ‬
‫ـم ُك َّل ـ ُه َو َي ْجت َِهــدَ فِــي‬ ‫ِ‬
‫ـار َأ ْن ُي ْســق َط ال ُّظ ْلـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس ـ ْل َطان َّية َمــا َجـ َـر ْت بِــه ا ْل َعــا َدةُ‪َ ،‬و ُهـ َـو َي ْخ َتـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َع َل ْي َهــا م ـ ْن ا ْل ُك َلــف ُّ‬
‫ـك َو َأ ْق َط َع َهــا َغ ْيـ َـر ُه َو َو َّلــى َغ ْيـ َـر ُه َفــإِ َّن ال ُّظ ْلـ َ‬
‫ـم َل‬ ‫إن َتـ َـر َك َذلِـ َ‬
‫ـم َأ َّنـ ُه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ـك بِ َح َسـ ِ‬
‫ـب َمــا َقــدَ َر َع َل ْيــه‪َ ،‬و ُهـ َـو َي ْع َلـ ُ‬ ‫َذلِـ َ‬
‫اعـ ِـه َف ُي ْسـ ِـق َط‬
‫ـك ا ْلم ُكــوس ا َّلتِــي فِــي إ ْق َط ِ‬
‫َ‬ ‫ـف ت ْلـ َ ُ‬
‫ي ْتــر ُك مِنْ ـه َشــيء؛ بـ ْـل ربمــا يـ ْـزداد‪ ،‬و ُهــو يمكِنُ ـه َأ ْن ي َخ ِّفـ َ ِ‬
‫ُ ْ ٌ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ ْ ُ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫ــار ِ‬
‫ــك ا ْل َم َص ِ‬ ‫ــب مِنْــ ُه لِتِ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ــر ِج َهــ َة َم َص ِ‬
‫ف‬ ‫إســ َقا ُط ُه؛ َفإِنَّــ ُه ُي ْط َل ُ‬
‫ف َل ُي ْمكنُــ ُه ْ‬ ‫ــار َ‬ ‫ــف ْال َخ ُ‬ ‫ــف‪َ ،‬والن ِّْص ُ‬‫الن ِّْص َ‬
‫ـك َل ُي ْمكِنُ ـ ُه َر ُّد َهــا‪.‬‬
‫اجـ ٌـز َع ـ ْن َذلِـ َ‬
‫ِع َو َض َهــا‪َ ،‬و ُهـ َـو َع ِ‬

‫اجتِ َهــا ُد ُه َو َمــا َر َف َعـ ُه مِـ ْن‬ ‫اعـ ِـه‪ ،‬و َقــدْ ُع ِر َفـ ْ ِ‬
‫ـت ن َّي ُتـ ُه َو ْ‬ ‫َ‬
‫ـاؤه َع َلــى ِو َليتِـ ِـه وإِ ْق َط ِ‬
‫َ َ‬
‫َفهـ ْـل يجـ ُ ِ ِ‬
‫ـوز لم ْثـ ِل َهـ َـذا َب َقـ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ول‬ ‫ـع َيــدَ ُه َل َيـ ُـز ُ‬ ‫ال ْق َطــاعِ‪َ ،‬و ُهـ َـو إ َذا َر َفـ َ‬ ‫ـع َيــدَ ُه َعـ ْن َهـ ِـذ ِه ا ْل ِو َل َيـ ِـة َو ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـب إ ْم َكانــه؟ َأ ْم َع َل ْيــه َأ ْن َي ْر َفـ َ‬ ‫ـم بِ َح َسـ ِ‬ ‫ال ُّظ ْلـ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـم‬‫ـوز َل ـ ُه ا ْل َب َقــا ُء َع َلــى ا ْل ِو َل َيــة َو ْال ْق َطــا ِع ك ََمــا ُذكـ َـر؟ َو َهـ ْـل َع َل ْيــه إ ْثـ ٌ‬ ‫ـم َبـ ْـل َي ْب َقــى َو َيـ ْـز َدا ُد؟‪َ .‬ف َهـ ْـل َي ُجـ ُ‬ ‫ال ُّظ ْلـ ُ‬
‫ـن َخ ْيـ ٌـر‬ ‫ـك؟ َأ ْم َل؟ َو َأ ُّي ْالَ ْم َر ْيـ ِ‬ ‫ـب َع َلــى َذلِـ َ‬ ‫ـم؛ َف َهـ ْـل ُي َطا َلـ ُ‬
‫ِ‬
‫ـم َي ُكـ ْن َع َل ْيــه إ ْثـ ٌ‬
‫ِ‬
‫فــي َهـ َـذا ا ْلف ْعـلِ؟ َأ ْم َل؟ َوإِ َذا َلـ ْ‬
‫ِ‬

‫ـم َو ِز َيــا َد ِة؟ َوإِ َذا كَا َنـ ْ‬ ‫ـم و َت ْقلِيلِـ ِـه‪َ ،‬أم ر ْفــع يـ ِـد ِه مــع ب َقـ ِ‬
‫ـاء ال ُّظ ْلـ ِ‬ ‫َلـه‪َ :‬أ ْن يسـت َِمر مــع ِ ِ ِ ِ‬
‫ـت‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫اجت َهــاده فــي َر ْفـ ِع ال ُّظ ْلـ ِ َ‬ ‫َ ْ َّ َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ـم؛ َف َهـ ْـل ْالَ ْو َلــى َلـ ُه‬ ‫ـك مِـ ْن ا ْل َمنْ َف َعـ ِـة بِـ ِـه َو َر ْفـ ِع َمــا َر َف َعـ ُه مِـ ْن ال ُّظ ْلـ ِ‬ ‫ـار َب َقــا َء َيـ ِـد ِه ل ِ َمــا َل َهــا فِــي َذلِـ َ‬ ‫ِ‬
‫الرع َّيـ ُة َت ْخ َتـ ُ‬ ‫َّ‬
‫�م َي ْب َقـ�ى َو َيـ ْ�ز َدا ُد بِ َر ْفـ� ِع َيـ ِ�د ِه‪.‬‬ ‫َأ ْن يوافِـ َ�ق الر ِعيـ�ةَ‪َ ،‬أم ير َفـ�ع يـ�دَ ه؟ والر ِعيـ� ُة َت ْكـ�ره َذلِـ َ ِ ِ ِ‬
‫�ك لع ْلم َهـ�ا َأ َّن ال ُّظ ْلـ َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ َّ ْ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َّ‬ ‫َُ‬

‫َف َأ َج َ‬
‫اب‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َان ُم ْجت َِهــدً ا فِــي ا ْل َعــدْ ِل َو َر ْفـ ِع ال ُّظ ْلـ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـح‬ ‫ـب إ ْم َكانــه َو ِو َل َيتــه َخ ْيـ ٌـر َو َأ ْص َلـ ُ‬ ‫ـم بِ َحسـ ِ‬ ‫ـم إ َذا ك َ‬ ‫ا ْل َح ْمــدُ ل َّلــه‪َ ،‬ن َعـ ْ‬
‫يل ِء َغ ْيـ ِـر ِه ك ََمــا َقــدْ ُذكِـ َـر‪َ :‬فإِ َّن ـ ُه‬‫اســتِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل ُؤ ُه َع َلــى ْال ْق َطــا ِع َخ ْيـ ٌـر م ـ ْن ْ‬ ‫اســتِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ل ْل ُم ْســلمي َن م ـ ْن ِو َل َيــة َغ ْيـ ِـره َو ْ‬
‫ِ‬

‫ـك َأ ْف َضـ ُـل مِ ـ ْن‬ ‫ـاؤ ُه َع َلــى َذلِـ َ‬ ‫ـك؛ َبـ ْـل َب َقـ ُ‬‫ـم َع َل ْيـ ِـه فِــي َذلِـ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـوز َل ـ ُه ا ْل َب َقــا ُء َع َلــى ا ْل ِو َل َيــة َو ْال ْق َطــا ِع َو َل إ ْثـ َ‬ ‫َي ُجـ ُ‬
‫ـم َي ْش ـت َِغ ْل إ َذا َت َر َك ـ ُه بِ َمــا ُهـ َـو َأ ْف َضـ ُـل مِنْ ـ ُه‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َت ْركــه إ َذا َلـ ْ‬
‫اد ًرا َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫اجبا إ َذا َلم ي ُقم بِ ِه َغيره َق ِ‬
‫ُْ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫و َقدْ ي ُك ُ ِ‬
‫ون َذل َك َع َل ْيه َو ِ ً‬ ‫َ َ‬
‫ان‪َ -‬فـ ْـر ٌض َع َلــى ا ْلكِ َفا َيـ ِـة؛ َي ُقــو ُم‬ ‫المـ َك ِ‬ ‫ـم ‪-‬بِ َحسـ ِ ِ‬
‫ـب ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ـع ال ُّظ ْلـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ْمـ َكان‪َ -‬و َر ْفـ ُ‬ ‫ـب ْ ِ‬‫َفن َْشـ ُـر ا ْل َعــدْ ِل ‪-‬بِ َح َسـ ِ‬
‫ـب َوا ْل َحا َلـ ُة َهـ ِـذ ِه بِ َمــا‬ ‫ـم َغ ْيـ ُـر ُه فِــي َذلِـ َ‬
‫ـك َم َقا َمـ ُه‪َ ،‬و َل ُي َطا َلـ ُ‬ ‫ـان بِ َمــا َي ْقـ ِـد ُر َع َل ْيـ ِـه مِـ ْن َذلِـ َ‬
‫ـك إ َذا َلـ ْ‬
‫ـم َي ُقـ ْ‬
‫ك ُُّل إنْسـ ٍ‬
‫َ‬
‫جـ ُـز َعنْـ ُه مِـ ْن َر ْفـ ِع ال ُّظ ْلـ ِ‬
‫ـم‪.‬‬ ‫َي ْع ِ‬
‫((( الفتاوى (‪)360 - 356/30‬‬
‫‪23‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ومــا ي َقــرره ا ْلم ُلـ ُ ِ‬
‫ـم‬‫ـم َون َُّوا ُب ُهـ ْ‬ ‫ـب بِ َهــا‪َ ،‬وإِ َذا كَا ُنــوا ُهـ ْ‬ ‫ـوك مـ ْن ا ْل َو َظائــف ا َّلتــي َل ُي ْمكنُـ ُه َر ْف ُع َهــا َل ُي َطا َلـ ُ‬ ‫َ َ ُ ِّ ُ ُ ُ‬
‫ـك‬ ‫ـم َأ ْع َطـ ْـوا تِ ْلـ َ‬ ‫ـع إ َل ْي ِهـ ْ‬
‫ـم ُيدْ َفـ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ـك ا ْل َو َظائــف َوإِ َذا َلـ ْ‬ ‫ـض تِ ْلـ َ‬
‫ـون َأ ْمـ َـو ًال َل ُي ْمكِ ـ ُن َد ْف ُع َهــا َّإل بِإِ ْقـ َـر ِار َب ْعـ ِ‬ ‫َي ْط ُل ُبـ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َان َأ ْخـ ُـذ تِ ْلـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم‬ ‫ـك ا ْل َو َظائــف َو َد ْف ُع َهــا إ َل ْي ِهـ ْ‬ ‫ـم َأ ْو َي ِزيــدُ ُه َو َل ُي َخ ِّف ُفـ ُه ك َ‬ ‫ْال ْق َطا َعــات َوا ْل ِو َل َيـ َة ل َمـ ْن ُي َقـ ِّـر ُر ال ُّظ ْلـ َ‬
‫ـان َف ُهـ َـو َأ ْقـ َـر ُب مِ ـ ْن‬ ‫الحسـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف م ـ ْن َهــذه إ َلــى ا ْل َعــدْ ل َو ْ ْ َ‬
‫َخيــرا ل ِ ْلمســلِ ِمين مِ ـن إ ْقر ِار َهــا ُك ِّلهــا‪ ،‬وم ـن صـ ِـر َ ِ‬
‫َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ً ُ ْ‬
‫ـان مِـ ْن َغ ْيـ ِـر ِه‪.‬‬
‫الحسـ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َاو َلـ ُه مـ ْن َهـ َـذا َشـ ْـي ٌء أبعــدَ َعـ ْن ا ْل َعــدْ ل َو ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َغ ْيـ ِـره َو َم ـ ْن َتن َ‬
‫الشـ ِّـر ِير‬ ‫ـع َشـ َّـر ِّ‬ ‫ـم‪َ ،‬و َيدْ َفـ ُ‬ ‫ـع َعـ ْن ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن َمــا َأ ْم َكنَـ ُه مِـ ْن ال ُّظ ْلـ ِ‬ ‫وا ْلم ْق َطـ ِ‬
‫ـع ا َّلــذي َي ْف َعـ ُـل َهـ َـذا ا ْل َخ ْيـ َـر َي ْر َفـ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ـم‪-‬‬ ‫ـم َل ُهـ ْ‬‫‪-‬و ُهـ َـو ُم ْح ِس ـ ٌن إ َلــى ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن َغ ْيـ ُـر َظالِـ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ـم؛ َف َمــا َل ُي ْمكنُ ـ ُه َر ْف ُع ـ ُه َ‬
‫ـض مــا ي ْط ُلـ ِ‬
‫ـب من ُْهـ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بِ َأ ْخــذ َب ْعـ ِ َ َ‬
‫يمــا َي ْأ ُخـ ُـذ ُه َع َلــى َمــا َذ َكـ َـر ُه‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ـم َع َل ْيــه ف َ‬ ‫ـاب َو َل إ ْثـ َ‬ ‫ُي َثـ ُ‬
‫َان ُم ْجت َِهــدً ا فِــي ا ْل َعــدْ ِل‬ ‫ــه فِــي الدُّ ْن َيــا َو ْال ِخ َــر ِة إ َذا ك َ‬ ‫ــذه‪ ،‬و َل إ ْثــم َع َلي ِ‬
‫َ ْ‬ ‫يمــا َأ َخ َ ُ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ــان َع َل ْيــه ف َ‬ ‫َو َل َض َم َ‬
‫المــ َك ِ‬ ‫ــان بِ َحس ِ ِ‬ ‫الحس ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪.‬‬ ‫ــب ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َو ْ ْ َ‬
‫يك‪َ ،‬و َغ ْيـ ِـر َهـ ُـؤ َل ِء مِ َّم ـ ْن‬ ‫الشـ ِـر ِ‬ ‫ـف‪َ ،‬وا ْل َعامِـ ِل فِــي ا ْل ُم َض َار َبـ ِـة‪َ ،‬و َّ‬ ‫ـم‪ ،‬ونَاظِـ ِـر ا ْلو ْقـ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َهـ َـذا ك ََوصـ ِّـي ا ْل َيتيـ ِ َ‬
‫ــه مِــ ْن‬‫ــأد ِاء بع ِض ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان َل ُي ْمكِنُــ ُه فِ ْع ُ‬ ‫ــة َأو ا ْل ِوكَا َل ِ‬‫ِ‬ ‫ــر ِه بِ ُح ْك ِ‬ ‫ف ل ِ َغ ْي ِ‬
‫ــم َّإل بِ َ َ َ ْ‬ ‫ــل َم ْص َل َحت ِه ْ‬ ‫ــة إ َذا ك َ‬ ‫ــم ا ْل ِو َل َي ْ‬ ‫ــر ُ‬
‫َيت ََص َّ‬
‫ـك مِ ْثـ ُـل مــا يعطِــي َهـ ُـؤ َل ِء الم َّك ِ‬ ‫ـيء‪َ ،‬و َذلِـ َ‬‫ـك َغيــر م ِسـ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ـاد ِر ال َّظالِـ ِ‬ ‫َأموال ِ ِهــم ل ِ ْل َقـ ِ‬
‫اســي َن‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ـم؛ َفإِ َّنـ ُه ُم ْحسـ ٌن فــي َذلـ َ ْ ُ ُ‬ ‫َْ ْ‬
‫ـف ا ْل ُم َر َّت َبـ ِـة َع َلــى‬
‫ال ا َّلتِــي ُا ْؤ ُت ِمنُــوا؛ كَمــا يع ُطو َنـه مِـن ا ْلو َظائِـ ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ال َو ْالَمـ َـو ِ‬
‫ْ‬
‫ـات َو ْالَ ْشـ َـو ِ‬ ‫و َغير ُهــم فِــي ال ُّطر َقـ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫ف ل ِ َغ ْيـ ِـر ِه َأ ْو لِنَ ْف ِسـ ِـه فِــي َهـ ِـذ ِه‬ ‫ـاع َو ُي ْش ـت ََرى؛ َفــإِ َّن ك َُّل َم ـ ْن َت َصـ َّـر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـار َوا ْل َو َظائــف ا ْل ُم َر َّت َبــة َع َلــى َمــا ُي َبـ ُ‬ ‫ا ْل َع َقـ ِ‬
‫ـوز ِلَ َحـ ٍـد َأ ْن‬ ‫ـك َل َي ُجـ ُ‬ ‫َان َذلِـ َ‬ ‫ـف؛ َف َلـ ْـو ك َ‬ ‫ـات مِـ ْن َهـ ِـذ ِه ا ْلبِـ َـا ِد َون َْح ِو َهــا َفـ َـا ُبــدَّ َأ ْن ُيـ َـؤ ِّد َي َهـ ِـذ ِه ا ْل َو َظائِـ َ‬ ‫ْالَو َقـ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـك َفســاد ا ْل ِعبـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يتَصــر َ ِ ِ‬
‫ـم‪.‬‬‫ات َم َصالح ِهـ ْ‬ ‫ـاد َو َفـ َـو ُ‬ ‫ف ل َغ ْيـ ِـره َلـ ِـز َم م ـ ْن َذلـ َ َ ُ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ـم َوا ْل َف َســا ُد‬
‫ـف ال ُّظ ْلـ ُ‬ ‫ـاس مِنْ ـ ُه َت َضا َعـ َ‬ ‫ـم َقلِيـ ٌـل‪َ :‬لـ ْـو َقبِـ َـل النَّـ ُ‬ ‫ـع ُظ ْلـ ٌ‬
‫و َا َّلـ ِـذي ينْهــى َع ـن َذلِـ َ ِ‬
‫ـك ل َئـ َّـا َي َقـ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـض‬‫ـم بِ َب ْعـ ِ‬ ‫وهـ ْ‬
‫ـم ُي ْر ُض ُ‬ ‫ـاع ال َّط ِريـ ِـق َفــإِ ْن َلـ ْ‬
‫ـم ُق َّطـ ُ‬ ‫ـم؛ َف ُهـ َـو بِ َمن ِْز َلــة َم ـ ْن كَا ُنــوا فــي َط ِريـ ٍـق َو َخـ َـر َج َع َل ْي ِهـ ْ‬ ‫َع َل ْي ِهـ ْ‬
‫ـم َأ ْن ُت ْع ُطــوا ل ِ َهـ ُـؤ َل ِء َشـ ْي ًئا مِـ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـك ا ْل َقاف َلــة‪َ :‬ل َيحـ ُّـل َل ُكـ ْ‬ ‫ـال لِتِ ْلـ َ‬‫ـم‪َ .‬ف َمـ ْن َقـ َ‬ ‫وهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ا ْل َمــال َأ َخـ ُـذوا َأ ْم َوا َل ُهـ ْ‬
‫ـم َو َق َت ُل ُ‬
‫ـك ا ْل َقلِيـ ِل ا َّلـ ِـذي َين َْهــى َعـ ْن َد ْف ِعـ ِـه‪َ ،‬و َلكِـ ْن َلـ ْـو‬ ‫ـظ َذلِـ َ‬ ‫ـاس؛ َفإِ َّنـ ُه َي ْق ِصــدُ بِ َهـ َـذا ِح ْفـ َ‬
‫ـم لِلنَّـ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْالَ ْمـ َـوال ا َّلتــي َم َع ُكـ ْ‬
‫ـك!‪.‬‬ ‫ـع َذلِـ َ‬ ‫ِ‬
‫ـب ا ْل َقلِيـ ُـل َوا ْل َكثيـ ُـر‪َ ،‬و ُســلِ ُبوا َمـ َ‬ ‫ـم َذ َهـ َ‬ ‫ـال َل ُهـ ْ‬ ‫َع ِم ُلــوا بِ َمــا َقـ َ‬

‫‪24‬‬
‫الر ُسـ َـل لِت َْح ِصيـ ِل‬
‫ـث ُّ‬
‫َفهـ َـذا مِمــا َل ي ِشــير بِـ ِـه َعاقِـ ٌـل‪َ ،‬ف ْضـ ًـا َأ ْن َت ْأتِــي بِـ ِـه َّ ِ‬
‫الشـ َـرائ ُع؛ َفــإِ َّن َ‬
‫اهَّلل َت َعا َلــى َب َعـ َ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫المـ َك ِ‬‫اسـ ِـد َو َت ْقلِيلِ َهــا بِ َحسـ ِ ِ‬‫ا ْلمصالِــحِ و َت ْك ِميلِهــا و َتعطِيـ ِل ا ْلم َف ِ‬
‫ان‪.‬‬ ‫ـب ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ف إ َلــى َم ـ ْن ن ََس ـ ُب ُه ُم ْس ـت َِق ًّرا‬ ‫ـف َو َي ْصـ ِـر ُ‬ ‫َفهـ َـذا ا ْلمتَو ِّلــي ا ْلم ْقطــع ا َّلـ ِـذي يدْ َفــع بِمــا يوجــدُ مِـن ا ْلو َظائِـ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ـك؛‬ ‫ـك‪َ ،‬و َل ُي ْمكِنـ ُه َد ْف ُعـ ُه َّإل بِ َذلِـ َ‬ ‫ـم مِـ ْن َذلِـ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع َلــى ِو َل َيتــه َوإِ ْق َطاعــه ُظ ْل ًمــا َو َشـ ًّـرا كَثيـ ًـرا َعـ ْن ا ْل ُم ْســلمي َن َأ ْع َظـ ُ‬
‫ـك‬ ‫ـم َع َل ْيـ ِـه فِــي َذلِـ َ‬ ‫ـك َو َل إ ْثـ َ‬ ‫ـاب َع َلــى َذلِـ َ‬ ‫ِ‬
‫ـص منْ ـ ُه َش ـ ْي ًئا؛ ُهـ َـو ُم َثـ ٌ‬
‫ِ‬
‫ـع َيــدَ ُه َت َو َّلــى َم ـ ْن ُيقـ ُّـر ُه َو َل َينْ ُقـ ُ‬ ‫إ َذا َر َفـ َ‬
‫ـف ا َّلـ ِـذي َل ُي ْمكِنُ ـ ُه إ َقا َم ـ ُة‬ ‫ـم ونَاظِـ ِـر ا ْلو ْقـ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـان فــي الدُّ ْن َيــا َو ْالخـ َـرة‪َ .‬و َهـ َـذا بِ َمن ِْز َلــة َوصـ ِّـي ا ْل َيتيـ ِ َ‬
‫و َل َضمـ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـم َّإل بِدَ ْفـ ِع َمــا ُي َو ِّصـ ُـل مِـ ْن ا ْل َم َظالِـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم؛‬ ‫ـور َو ُي ِريــدُ ال ُّظ ْلـ َ‬ ‫ـع َيــدَ ُه َت َو َّلــى َمـ ْن َي ُجـ ُ‬ ‫السـ ْل َطان َّية إ َذا َر َفـ َ‬
‫ـم ُّ‬ ‫َم ْص َل َحت ِهـ ْ‬
‫ـب َع َل ْيـ ِـه َهـ ِـذ ِه ا ْل ِو َل َي ـةُ‪.‬‬
‫جـ ُ‬ ‫َف ِو َل َي ُت ـ ُه َجائِـ َـز ٌة َو َل إ ْثــم َع َل ْيـ ِـه فِيمــا َيدْ َف ُع ـ ُه؛ َبـ ْـل َقــدْ َت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ــا ِد ِه َو َل ُي ْمكِنُــ ُه َد ْف ُع َهــا ُك ِّل َهــا؛ ِلَنَّــ ُه‬ ‫ــف َعــ ْن بِ َ‬ ‫ــف ا ْل َو َظائِ َ‬ ‫ــذي ُي َخ ِّف ُ‬ ‫ْــدي ا ْلم ْق َطــع ا َّل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ــك ا ْل ُجن ُّ ُ‬ ‫َوك ََذل ِ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـض تِ ْلـ َ‬ ‫ـب مِنْـ ُه َخ ْيـ ٌـل َو ِسـ َـا ٌح َو َن َف َقـ ٌة َل ُي ْمكِنُـ ُه إ َقا َمت َُهــا َّإل بِـ َـأ ْن َي ْأ ُخـ َـذ َب ْعـ َ‬
‫ـع َهـ َـذا‬ ‫ـك ا ْل َو َظائــف َو َهـ َـذا َمـ َ‬ ‫َي ْط ُلـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينْ َفــع ا ْلمســلِ ِمين فِــي ا ْل ِ ِ‬
‫ـع َيــدَ ك َعـ ْن‬ ‫ج َهــاد‪َ .‬فــإِ َذا قيـ َـل َلـ ُه‪َ :‬ل َيحـ ُّـل َلــك َأ ْن َت ْأ ُخـ َـذ َشـ ْي ًئا مـ ْن َهـ َـذا؛ َبـ ْـل ْار َفـ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬
‫َان َهـ َـذا ا ْل َقائِـ ُـل م ْخطِ ًئــا ج ِ‬ ‫ـع ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن‪ :‬ك َ‬ ‫ِ‬
‫اهـ ًـا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ـم َو َل َينْ َفـ ُ‬ ‫َهـ َـذا ْال ْق َطــا ِع َفت ََر َك ـ ُه َو َأ َخـ َـذ ُه َم ـ ْن ُي ِريــدُ ال ُّظ ْلـ َ‬
‫ـع ل ِ ْل ُم ْســلِ ِمي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم َخ ْيـ ٌـر م ـ ْن َغ ْي ِرهـ ْ‬
‫ـم َو َأ ْن َفـ ُ‬
‫ـن؛ بـ ْـل ب َقــاء ا ْل َخي ـ ِل مِـن ال ُّتــر ِك وا ْلعــر ِ ِ‬
‫ب ا َّلذي ـ َن ُهـ ْ‬ ‫ْ ْ َ َ َ‬ ‫بِ َح َقائـ ِـق الدِّ يـ ِ َ َ ُ ْ‬
‫ِ‬

‫ان َخ ْيـ ٌـر ل ِ ْل ُم ْســلِ ِمي َن مِ ـ ْن َأ ْن َي ْأ ُخـ َـذ‬ ‫الم ـ َك ِ‬ ‫ـم بِ َحسـ ِ ِ‬
‫ـب ْ ْ‬ ‫ـع َت ْخفيــف ال ُّظ ْلـ ِ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ـم َمـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْقـ َـر ُب ل ْل َعــدْ ل َع َلــى إ ْق َطاع ِهـ ْ‬
‫ال ْق َطا َعـ ِ‬
‫ـات َم ـ ْن ُهـ َـو َأ َقـ ُّـل َن ْف ًعــا َو َأ ْك َثـ ُـر ُظ ْل ًمــا‪.‬‬ ‫ـك ْ ِ‬ ‫تِ ْلـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـان بِ َحسـ ِ ِ‬ ‫الحسـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وا ْلمجت َِهــدُ مِـن َهـ ُـؤ َل ِء ا ْلم ْق َط ِعيـن ُك ِّل ِهـ ِ‬
‫ـب ْال ْمـ َكان َي ْج ِزيــه ُ‬
‫اهَّلل َع َلــى‬ ‫ـم فــي ا ْل َعــدْ ل َو ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫مــا َفعـ َـل مِـن ا ْل َخيـ ِـر و َل يعاقِب ـه َع َلــى مــا َعجـ َـز َعنْ ـه‪ ،‬و َل ي َؤ ِ‬
‫اخـ ُـذ ُه بِ َمــا َي ْأ ُخـ ُـذ َو َي ْصـ ِـر ُ‬
‫ـم َي ُك ـ ْن َّإل‬ ‫ف إ َذا َلـ ْ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َُ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫وج��ب َشــرا َأ ْع َظ ِ‬ ‫َان َتـ ْ�ر ُك َذل ِ َ‬
‫��ك ُي ِ‬ ‫َذل ِ َ‬
‫هَّلل َأ ْع َلـ ُ‬
‫ـم‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫��م منْ�� ُه‪َ .‬و َا ُ‬
‫َ‬ ‫ُ ًّ‬ ‫[و] ك َ‬
‫��ك َ‬
‫ـاب إقــرار النبــي § لعبـ ِـداهلل بــن ُأبــي وأمثالِــه مــن أئمـ ِـة النِّفـ ِ‬
‫ـاق‬ ‫وقــال ¬ يف(((‪( :‬ومــن هــذا البـ ِ‬
‫َ ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ان؛ فإزالــة منْ َكـ ِـره بنــو ٍع مــن ِع َقابِـ ِـه مســتلزمة إزال ـ َة معـ ٍ‬‫ـور‪ِ ،‬لمــا َلهــم مــن األَ ْعــو ِ‬
‫ـروف أك ـرَ مــن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وال ُفجـ ِ َ ُ‬
‫حمــدً ا َي ْق ُتـ ُـل َأ ْص َحا َبــه)‪ .‬انتهــى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ـور النـ ِ‬‫ـب َقومِـ ِـه َو َح ِم َّيتِ ِهــم‪ ،‬وبِنُ ُفـ ِ‬
‫ذلــك‪ ،‬بِ َغ َضـ ِ‬
‫ـاس إذا َســم ُعوا أن ُم َّ‬

‫((( (االستقامة‪)115/2 :‬‬


‫‪25‬‬
‫المنْكِـ ُـر أنــه ُيضـ َـرب‬ ‫ـم ُ‬
‫ِ‬
‫ـن بــن قدامــة ¬ يف(((‪ ..... ( :‬وإن َعلـ َ‬ ‫عبدالرحمـ ِ‬ ‫اإلمــام أحمــدُ بــن ِ‬ ‫و َقـ َ ِ‬
‫ـال َ ُ‬
‫المن َكــر إِ ّل بإِ ْف َضائِـ ِـه إلــى ُمنْ َكـ ٍـر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معــه غيــره مــن أصحابِــه‪َ :‬لـ ْ‬
‫ـم َت ُجـ ْـز َل ـ ُه الح ْســبة؛ ألنــه َع َجـ َـز َعــن َد ْف ـ ِع ُ‬
‫آخــر‪ ،‬وليــس ذلــك مــن القــدرة يف شــيء)‪ .‬انتهــى‪.‬‬

‫ـع ا َلْ ْيـ ِـدي فِــي ا ْل َغـ ْـز ِو»‬ ‫اإل َمــا ُم اب ـ ُن ال َق ِّيــم ¬ (((‪«( :‬هنــى النبــي § َأ ْن ُت ْق َطـ َ‬ ‫ومــن ذلــك‪ :‬مــا قا َل ـ ُه ِ‬

‫ـب َع َل ْيـ ِـه‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫َر َوا ُه َأ ُبــو َد ُاود؛ َف َهـ َـذا َحــدٌّ مـ ْن ُحــدُ ود اهَّلل َت َعا َلــى‪َ ،‬و َقــدْ ن ََهــى َعـ ْن إ َقا َمتــه فــي ا ْل َغـ ْـز ِو َخ ْشـ َي َة َأ ْن َيت ََر َّتـ َ‬
‫احبِـ ِـه بِا ْل ُم ْشـ ِـركِي َن َح ِم َّيـ ًة َو َغ َض ًبــا ك ََمــا َقا َلـ ُه‬ ‫ـوق ص ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـض إ َلــى اهَّلل مـ ْن َت ْعطيلِــه َأ ْو َت ْأخيـ ِـره مـ ْن ُل ُحـ ِ َ‬ ‫َمــا ُهـ َـو َأ ْب َغـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم‬‫اق ْب ـ ُن َر ْاه َو ْيــه َو ْالَ ْو َزاعـ ُّـي َو َغ ْي ُر ُهـ ْ‬ ‫ـص َأ ْح َمــدُ َوإِ ْسـ َ‬
‫ـح ُ‬ ‫ُع َمـ ُـر َو َأ ُبــو الــدَّ ْر َداء َو ُح َذ ْي َف ـ ُة َو َغ ْي ُر ُهـ ْ‬
‫ـم‪َ ،‬و َقــدْ َنـ َّ‬
‫خ َرقِـ ِّـي فِــي‬ ‫ـم ا ْل ِ‬ ‫ض ا ْلعــدُ و‪ ،‬و َذكَر َهــا َأبــو ا ْل َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اسـ ِ‬ ‫ُ‬ ‫م ـ ْن ُع َل َمــاء ْال ْسـ َـا ِم َع َلــى َأ َّن ا ْل ُحــدُ و َد َل ُت َقــا ُم فــي َأ ْر ِ َ ِّ َ َ‬
‫ض ا ْل َعــدُ ِّو‪َ ،‬و َقــدْ « َأ َتــى بِ ْشـ ُـر ْب ـ ُن َأ ْر َطــا َة بِ َر ُج ـ ٍل مِـ ْن‬ ‫ـال‪َ :‬ل ُي َقــا ُم ا ْل َحــدُّ َع َلــى ُم ْســلِ ٍم فِــي َأ ْر ِ‬ ‫ُم ْخت ََصـ ِـر ِه َف َقـ َ‬
‫ـع ْالَ ْيـ ِـدي فِــي ا ْل َغـ ْـز ِو‬ ‫ـول‪َ :‬ل ُت ْق َطـ ُ‬ ‫ـول اهَّللِ § َي ُقـ ُ‬ ‫ـم ْعت َر ُسـ َ‬ ‫ـال‪َ :‬لــو َل َأ ِّنــي سـ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ا ْل ُغـ َـزاة َقــدْ َسـ َـر َق م َجنَّ ـ ُه َف َقـ َ ْ‬
‫ِ‬

‫الص َحا َبـ ِـة‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫ـاع َّ‬‫إج َمـ ُ‬


‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ـال َأ ُبــو ُم َح َّمــد ا ْل َم ْقدسـ ُّـي‪َ :‬و ُهـ َـو ْ‬ ‫َل َق َط ْعــت َيــدَ ك» ‪َ ،‬ر َوا ُه َأ ُبــو َد ُاود‪َ ،‬و َقـ َ‬

‫*******‬

‫((( (خمتصر منهاج القاصدين‪ :‬ص ‪)118‬‬


‫ِ‬
‫((( «إعالم اُمل َوقّعني عن َر ِّ‬
‫ب العالَمني» (ج ‪ / 3‬ص ‪)13‬‬
‫‪26‬‬
‫والموازَ نَ ة بينها‬
‫ُ‬ ‫االجتهاد في تقدير األمور‬

‫إن مــن أهــم المســائل يف هــذا البــاب ‪-‬بــاب الموازنــة بيــن المصالــح والمفاســد‪ ،‬ومعرفــة‬
‫مقاديرهــا‪ -‬هــي مســألة كيفيــة معرفــة وقــوع الضــرر والمفســدة ووقــوع فــوات مصلحــة مــن المصالــح‪،‬‬
‫ثــم بعــد ذلــك الموازنــة بينهمــا؛ كيــف نعــرف ذلــك؟‬

‫هــذه المســألة مبنيــة علــى االجتهــاد ب َغ َل َبــة الظــن‪ ،‬ال يجــوز أن يكون ذلــك بمجرد التوهم والشــك‪،‬‬
‫وال يشــرط يف ذلــك اليقيــن التــام والعلم‪ ،‬فــإن الغيــب ال يعلمه إال اهلل‪.‬‬
‫ِ‬
‫و َغ َل َبــة الظــن تعــرف بجريــان العــادة ‪-‬مــن َت َصـ ُّـرف وســلوك الطــرف ُ‬
‫المتعا َمــل معــه يف ذلــك‪-‬؛‬
‫ـع الضــرر علــى ُمخال ِ ِفــه‪ ،‬والنــاس عاجــزون عــن أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فــإذا ُعــرف أنــه كلمــا ُأمــر أو ن ُِهــي أو ُخولــف َأو َقـ َ‬
‫حجــة يف هــذا البــاب‪.‬‬
‫يدفعــوا ‪-‬بالنظــر إلــى مــا يف أيديهــم‪ -‬فــإن ذلــك يكــون ّ‬
‫قــال العــز بــن عبــد الســام ‪-‬رحمــه اهلل‪( :-‬أكثــر المصالــح والمفاســد ال وقــوف علــى مقاديرهــا‬
‫وتحديدهــا؛ وإنمــا ُتعــرف تقري ًبــا ل ِ ِعـ َّـزة الوقــوف علــى تحديدهــا‪.((( .).‬‬

‫وهــذا األمــر يحتــاج إلــى توفيــق مــن اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ ،-‬لتقديــر أدنــى المفســدتين أو أقــوى وأكــر‬
‫المصلحتيــن‪ ،‬فهــذا يحتــاج إلــى لجــوء إلــى اهلل‪ ،‬وتضـ ُّـر ٍع إليــه‪ ،‬واســتخارة واستشــارة‪ ،‬ودراســة تامــة‬
‫نفســا إال وســعها‪ ،‬وإنمــا علينــا أن نبــذل الجهــد يف معرفــة واقعنــا‪،‬‬
‫للواقــع قــدر اإلمــكان‪ ،‬فــا يكلــف اهلل ً‬
‫ـورا ال يمكــن أن تقبــل‪ ،‬أو نغفــل‬
‫وال يجــوز أن نعيــش يف الخيــال والبعــد عــن الواقــع حتــى نصــف أمـ ً‬
‫عــن قــوى وموازنــات يشــهدها الجميــع‪ ،‬إال مــن يتكلــم يف هــذا البــاب بغيــر توفيــق مــن اهلل!‪.‬‬

‫لذلــك نقــول‪ :‬هــذه المســألة مــن أخطــر المســائل‪ ،‬البــد فيهــا مــن اللجــوء إلــى اهلل لتحصيــل‬
‫التوفيــق‪ ،‬والتشــاور‪ ،‬ودراســة جيــدة للواقــع حســب المتــاح مــن المعلومــات‪.‬‬

‫السـ َـا ِم ً‬
‫أيضــا ‪-‬رحمــه اهلل‪( :-‬والوقــوف علــى تســاوي المفاســد وتفاوهتــا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقــال العـ ُّـز ب ـ ُن َع ْبــد َّ‬
‫ِع َّــزة‪ ،‬ال يهتــدي إليهــا إال مــن َو َّف َقــه اهلل تعالــى‪ ،‬والوقــوف علــى التســاوي أعــز مــن الوقــوف علــى‬
‫التفــاوت؛ وال يمكــن ضبــط المصالــح والمفاســد إال بالتقريــب‪ .).‬انتهــى (((‪.‬‬
‫((( [قواعد األحكام ص‪]100-‬‬
‫((( قواعد األحكام ص‪]20-‬‬
‫‪27‬‬
‫ــي؛ فقــد كان يقــول للنــاس‪« :‬إذا ُ‬
‫قلــت‬ ‫ومــن األمثلــة يف ذلــك أيــام الحجــاج بــن يوســف ال َّث َق ِ‬
‫ف‬
‫ِّ‬ ‫َ َّ‬
‫ـت عنقــه»!‪ ،‬وكان يخطــب النــاس حتــى يحيــن‬ ‫ِ‬
‫ألحدكــم اخـ ُـرج مــن هــذا البــاب وخــرج مــن غيــره؛ ضربـ ُ‬
‫وقــت صــاة العصــر ال يقــول لــه أحــدٌ «الصــا َة أيهــا الرجــل»!‪( ،‬حتــى قــال ا ْل َح َسـ ُن ‪-‬رحمــه اهلل‪َ -‬ل َّمــا‬
‫ـع َعنَّــا ُسـنَّ َت ُه‪َ -‬وفِــي ِر َوا َيـ ٍـة َشـ ْينَ ُه‪َ -‬فإِ َّنـ ُه َأ َتا َنــا ُأ َخ ْي ِفـ َـش ُأ َع ْي ِمـ َـش‪،‬‬
‫ـت َأ َم َّتـ ُه َفا ْق َطـ ْ‬
‫ـم َأ ْنـ َ‬
‫ـاج‪« :‬ال َّل ُهـ َّ‬
‫ـات ا ْل َح َّجـ ُ‬
‫َمـ َ‬
‫ـار فِــي َس ـبِي ِل اهَّللِ‪ُ ،‬ي َر ِّجـ ُـل ُج َّم َت ـ ُه َو َي ْخطِـ ُـر فِــي مِ ْش ـ َيتِ ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬
‫َي ُمــدُّ بِ َيــد َقصيـ َـرة ا ْل َبنَــان‪َ ،‬واهَّلل َمــا َعـ ِـر َق ف َيهــا ُغ َبـ ٌ‬
‫اهَّلل َو َت ْح َتـ ُه‬ ‫ِ‬
‫ـاس َي ْسـتَحي‪َ ،‬ف ْو َقـ ُه ُ‬ ‫الصـ َـاةُ‪َ .‬ل مِـ َن اهَّللِ َيت َِّقــي‪َ ،‬و َل مِـ َن النَّـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َي ْص َعــدُ ا ْلمنْ َبـ َـر َف َي ْهــد ُر َح َّتــى َت ُفو َتـ ُه َّ‬
‫ِ‬ ‫ـف َأ ْو َي ِزيــدُ َ‬ ‫مِا َئـ ُة َأ ْلـ ٍ‬
‫ون‬‫ـال ُد َ‬ ‫ـات! َحـ َ‬‫ـول ا ْل َح َسـ ُن‪َ :‬ه ْي َهـ َ‬ ‫ـم َي ُقـ ُ‬ ‫الصـ َـا ُة َأ ُّي َهــا َّ‬
‫الر ُجـ ُـل‪ُ .‬ثـ َّ‬ ‫ـول َلـ ُه َقائـ ٌـل‪َّ :‬‬ ‫ون‪َ ،‬ل َي ُقـ ُ‬
‫السـ ْـو ُط»)‪ .((( .‬وهــذا يدلنــا علــى مســألة العمــل ب َغ َل َبــة الظـ ّن‪.‬‬ ‫ف َو َّ‬ ‫السـ ْي ُ‬
‫ـك َّ‬ ‫َذلِـ َ‬

‫وال يشــرط أن َ‬
‫يباشــر جــز ٌء مــن العقوبــة‪ ،‬بالضــرب أو التعذيــب‪ ،‬قبــل أن يجــوز لإلنســان اعتبــار‬
‫فعــل المفســدة األدنــى أو تــرك المصلحــة األدنــى لدفــع مفســدة أكــر وجلــب المصلحــة األعظــم؛ بــل‬
‫غلبــة الظــن بنــاء علــى مشــاهدة األمــر الواقــع وتكــرر العــادة وجرياهنا هــو الــذي كان عليه الســلف‪ ،‬حتى‬
‫ثبــت عــن عطــاء وســعيد بــن جبيــر أهنــم كانــوا ُي َص ُّلــون الجمعــة ظهـ ًـرا باإليمــاء والحجــاج يخطــب‪ ،‬ال‬
‫يســتطيعون أن يقومــوا‪ ،‬وال يســتطيعون أن يركعــوا ويســجدوا‪ ،‬وال يســتطيعون أن يقيمــوا الجماعــة وال‬
‫أن يذهبــوا إلــى مــكان آخــر؛ فلذلــك َص ُّلوهــا ظهـ ًـرا باإليمــاء كمــا ذكــره البخــاري ُم َع َّل ًقــا يف صحيحــه‪.‬‬

‫*******‬

‫((( القرطيب يف تفسريه (‪)339 /16‬‬


‫‪28‬‬
‫ضرورة مراعاة النصيحة لمجموع الناس أو أكثرهم‬

‫مــن المســائل الخطيــرة يف هــذا البــاب‪ :‬ضــرورة مراعــاة النصيحــة لمجمــوع النــاس أو ألكثرهــم‪،‬‬
‫وليــس إهــدار ذلــك مــن أجــل مراعــاة مصلحــة جماعــة مــن الجماعــات خاصــة‪ ،‬وهــذا البــاب مــن‬
‫أخطــر مــا تتعــرض لــه كثيــر مــن الجماعــات يف واقعنــا المعاصــر؛ إذ تبنــي عملهــا علــى رعايــة مصلحتهــا‬
‫دون النظــر إلــى مصالــح باقــي مجتمعهــا‪..‬‬

‫وذلــك عنــد جماعــات التكفيــر راجــع إلــى أهنــم يحكمــون علــى المجتمــع كلــه بالكفــر‪ ،‬وعنــد‬
‫جماعــات «التوقــف والتبيــن» والجماعــات التــي تســمي نفســها «الســلفية الجهاديــة» ‪-‬وهــي ليســت‬
‫ســلفية وال جهاديــة‪ -‬وإنمــا تنتمــي إلــى «الفكــر ال ُق ْطبِـ ّـي» الــذي يــرى معظــم المجتمعــات مــن «الطبقــة‬
‫المت ََم ِّي َعــة» التــي ال يشــغل نفســه بالحكــم عليهــا؛ فــا يحكــم عليهــا بإســام وال بكفــر بنــاء علــى وصــف‬
‫ُ‬
‫المجتمــع بأنــه مجتمــع جاهلــي‪ ،‬وأن ذلــك تفســيره كــدار الحــرب أو دار الكفــر ‪-‬وإن لــم يحكــم علــى‬
‫المت ََم ِّي َعــة» يف دينهــا وأنفســها وأعراضهــا‬
‫عمــوم النــاس بالكفــر‪ -‬لكنــه ال يعبــأ بمصالــح هــذه «الطبقــة ُ‬
‫وعقولهــا وأموالهــا‪ ،‬وليبنــي المصلحــة علــى مصلحــة ُم َتو َّه َمــة لجماعتــه فقــط‪ ،‬إضافــة إلــى ذلــك أنــه‬
‫ليــس مــن أهــل الموازنــة بيــن رتــب المصالــح المختلفــة؛ وإنمــا قــد يفعــل األفعــال التــي ترتتــب عليهــا‬
‫المضــار العظيمــة مــن أجــل توصيــل رســالة ‪-‬للغــرب مثــا أو لألعــداء‪ ،‬أو للموافقيــن لهــم‪ -‬أهنــم‬
‫موجــودون قائمــون!‪ ،‬أو توصيــل رســالة بــأن مخالفيهــم يســفكون الدمــاء وينتهكــون حقــوق اإلنســان؛‬
‫ومثــل هــذه ليســت بمصالــح معت َبــرة بالموازنــة مــع حفــظ الديــن والنفــس والعــرض والعقــل والمــال‪.‬‬

‫ال‪ :‬إذا جــاء رجــل وقــال إنــه ســيقتل عشــرة أبريــاء مــن أجــل قتــل رجــل‬ ‫ولنضــرب علــى ذلــك مثــا ً‬
‫يعتقــد القاتــل أنــه كافــر‪ ،‬مــع أن هــذا لــم يتــم فيــه إثبــات ارتــكاب الكفــر األكــر الناقِــل عــن ِ‬
‫الم َّلــة علــى‬
‫وجـ ٍـه ال يحتمــل الظــن واالحتمــال والتخميــن واالســتنتاج ومجــرد التحليــات السياســية؛ وإنمــا علــى‬
‫ٍ‬ ‫وح َكــم علــى شـ‬
‫ـخص‬ ‫وجــه البينــات وبعــد أن ُتســتو َفى الشــروط وتنتفــي الموانــع؛ فــإذا لــم يقــع ذلــك َ‬
‫أنــه كافــر‪ ،‬ثــم يريــد أن يقتلــه دون أن يكــون لــه وظيفــة بذلــك ال مــن أهــل العلــم وال مــن الحــكام‬
‫‪-‬وهــذان الصنفــان هــم أئمــة المســلمين‪-‬؛ فــإذا كان ُم ْق ِد ًمــا علــى مثــل هــذا ظا ًّنــا أن هــذا فيــه مصلحــة‪:‬‬
‫فهــي مصالــح ُم َتو َّهمــة؛ بــل مفاســد مجـ َّـردة‪ ،‬ليــس فيهــا موازنــة بيــن المصالــح والمفاســد؛ حتــى لــو‬
‫‪29‬‬
‫افرتضنــا أنــه كافــر قط ًعــا‪ ،‬فهــل يجــوز قتــل المســلمين األبريــاء ل ُي َتو َّصــل بذلــك إلــى قتــل كافـ ٍـر واحــد؟‬
‫والمــراد مــن ذلــك كلــه عمــل دعايــة يف العالــم أننــا نقــوم بالمهــام التــي أعلنــا القيــام هبــا وهددنــا هبــا؟!‬
‫ال ْسـ َـا ِم‬ ‫ـاس إِ َلــى اهَّللِ َث َل َثـةٌ‪ :‬م ْل ِ‬
‫حــدٌ فِــي ا ْل َحــر ِم‪َ ،‬وم ْب َتـ ٍغ فِــي ْ ِ‬ ‫نعــوذ بــاهلل‪ .‬والنبــي § يقــول‪َ « :‬أ ْب َغـ ُ‬
‫ـض النَّـ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ـب َد ِم ا ْمـ ِـر ٍئ بِ َغ ْيـ ِـر َحـ ٍّـق ل ِ ُي َه ِريـ َـق َد َمـ ُه» (((‪ ،‬وقــال §‪َ « :‬لـ َـز َو ُال الدُّ ْن َيــا َأ ْهـ َـو ُن َع َلــى‬ ‫ِ ِ‬
‫ُسـنَّ َة ا ْل َجاهلِ َّيــة‪َ ،‬و ُم َّطلِـ ُ‬
‫ـن بِ َغيـ ِـر حـ ٍّـق»(((‪ ،‬وقــال‪َ « :‬ل ـن يـ َـز َال ا ْلم ْؤمِـن فِــي ُفســح ٍة مِـن ِدينِـ ِـه‪ ،‬مــا َلـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـب َد ًمــا‬
‫ـم ُيصـ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫اهَّلل م ـ ْن َق ْت ـ ِل ُم ْؤمـ ٍ ْ َ‬
‫ٌ‬
‫ورجــال‬ ‫أطفــال أبريــاء ونســا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫َح َرا ًمــا» [رواه البخــاري]؛ وهــذا بــا شــك مصيبــة عظيمــة‪ ،‬أن ُي ْقتَــل‬
‫وجــب َق ْت َلهــم حتــى ُتثبِــت هــذه الجماعــات أهنــا موجــودة علــى‬ ‫مســلمون ومعاهــدون لــم َيرتكبــوا مــا ُي ِ‬
‫ُ‬
‫الســاحة!‪.‬‬

‫بــأي ميــزان للمصالــح والمفاســد ُي َض ّحــى بالمســلمين األبريــاء أو بواحــد منهــم‪ ،‬أو بمعاهديــن قــد‬
‫غلــظ النبــي § يف َقتْلِ ِهــم بغيــر حــق‪ ،‬حتــى يتــم َق ْتـ ُـل رج ـ ٍل واحــد لــو ثبــت ُك ْفـ ُـره؟! كيــف و ُك ْفـ ُـره لــم‬
‫ور َّد ُتــه لــم تقــم عليهــا البينــة‪ ،‬ولــم تســتوىف الشــروط ولــم تنتفــي الموانــع؟! بــل لــم يثبــت أصــا‬ ‫يثبــت‪ِ ،‬‬
‫ارتكابــه لِـ ِـر َّد ٍة أو كفـ ٍـر أكــر؟!!‪.‬‬

‫فأيــن مراعــاة حرمــات المســلمين عمو ًمــا؟ فضـ ًـا عــن أن يكــون بعــض المقتوليــن ذا أمــان فــا‬
‫يصــح قتلــه لمجــرد إثبــات الوجــود!‪ ،‬هــذا الــكالم بعيــد جــدًّ ا عــن الموازنــة الشــرعية؛ فليــس هنــاك‬
‫مصالــح معتــرة تتحقــق مــن وراء ذلــك‪ ،‬بــل ال يحــدث إال تشــويه صــورة اإلســام يف العالــم‪ ،‬وتشــويه‬
‫صــورة االلتــزام يف المجتمعــات المســلمة!‪.‬‬

‫اهلل أن ُي ِع َ‬
‫يذ المسلمين من هذا البالء‪.‬‬ ‫ن ُ‬
‫َسأل َ‬

‫*******‬

‫((( [رواه البخاري]‬


‫((( [سنن ابن ماجة‪]640 :‬‬
‫‪30‬‬
‫العلماء‬
‫الموازَ نات وضرورة َر ِّدها إلى ُ‬
‫ُغموض ُ‬

‫الموازنة بين المصالح والمفاسد إلى أهل العلم‪.‬‬


‫َ‬ ‫َم َر ُّد‬
‫اسـ ِـد ُهــو بِ ِميـ َـز ِ‬
‫ان‬ ‫اديـ ِـر ا ْلمصالِــحِ وا ْلم َف ِ‬ ‫قــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة ¬(((‪َ ( :‬لكِ ـن ا ْعتِبــار م َق ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫اجت ََهــدَ َر ْأ َيـ ُه ل ِ َم ْع ِر َفـ ِـة ْالَ ْشـ َب ِاه‬ ‫ِ‬
‫ـم َي ْعــد ْل َعن َْهــا‪َ ،‬وإِ َّل ْ‬ ‫الشـ ِـري َع ِة؛ َفم َتــى قـ ِ ِ‬
‫النْسـ ٍ‬
‫ـان َع َلــى ا ِّت َبــا ِع الن ُُّصـ ِ‬
‫ـوص َلـ ْ‬ ‫ـدر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َوالنَّ َظائِـ ِـر‪َ ،‬و َقـ َّـل أن ُت ْعـ ِـوز الن ُُّصــوص مــن يكــون َخبِيـ ًـرا هبَــا وبداللتهــا علــى األحــكام‪ .).‬انتهــى‪.‬‬

‫فحقيقــة الرتجيــح بيــن المصالــح والمفاســد هــو مــن أغمــض أمــور االجتهــاد عنــد مــن ال يفهــم‬
‫مقاصــد الشــريعة وأحكامهــا َو ُر َتــب المصالــح ومقاديرهــا؛ مــن أجــل ذلــك كان االجتهــاد هــو بميــزان‬
‫الشــريعة يف تحقيــق هــذا األمــر‪.‬‬
‫ـون محب ـ ُة ا ِلْنْسـ ِ‬
‫ـان‬ ‫َ‬ ‫(و َأ ْصـ ُـل َهـ َـذا َأ ْن َت ُكـ َ َ َ َّ‬ ‫أيضــا‪ ،‬يف مجمــوع الفتــاوى(((‪َ :‬‬ ‫قــال شــيخ اإلســام ¬ ً‬
‫ـب اهَّللِ َو ُب ْغ ِضـ ِـه َوإِ َرا َدتِـ ِـه َوك ََر َاهتِـ ِـه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف َو ُب ْغ ُضـ ُه ل ْل ُمنْ َكـ ِـر‪َ ،‬وإِ َرا َد ُتـ ُه ل َهـ َـذا‪َ ،‬وك ََر َاه ُتـ ُه ل َهـ َـذا‪ُ ،‬م َواف َقـ ًة ل ُحـ ِّ‬
‫ا ْل َم ْعـ ُـر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وه بِحسـ ِ ِ ِ‬ ‫ـوب ود ْفع ـه ل ِ ْلم ْكــر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشــر ِعيين‪ .‬و َأ ْن ي ُكـ َ ِ‬
‫ـف‬ ‫ـب ُق َّوتــه َو ُقدْ َرتــه؛ َفــإِ َّن َ‬
‫اهَّلل َل ُي َك ِّلـ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ـون ف ْع ُل ـ ُه ل ْل َم ْح ُبـ ِ َ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫َّ ْ ِّ َ َ َ‬
‫اس ـ َت َط ْعت ُْم} (((‪..‬‬ ‫َن ْف ًســا َّإل ُو ْس ـ َع َها‪َ ،‬و َقــدْ َقـ َ‬
‫ـال‪َ { :‬فا َّت ُقــوا َ‬
‫اهَّلل َمــا ْ‬
‫ـب َم َح َّبـ ِـة َن ْف ِسـ ِـه َو ُب ْغ ِض َهــا‪َ ،‬ل‬ ‫ـون ُح ُّب ـ ُه َو ُب ْغ ُض ـ ُه َوإِ َرا َد ُت ـ ُه َوك ََر َاه ُت ـ ُه بِ َح َسـ ِ‬
‫ـاس َم ـ ْن َي ُكـ ُ‬ ‫َفــإِ َّن مِ ـ ْن النَّـ ِ‬

‫ـان َف َقــدْ ا َّت َبـ َ‬


‫ـع‬ ‫ـض اهَّللِ َورســول ِ ِه‪َ ،‬و َهـ َـذا مِـ ْن َنـ ْـو ِع ا ْل َهـ َـوى؛ َفــإِ ْن ا َّت َب َعـ ُه ْ ِ‬
‫الن َْسـ ُ‬ ‫ـب َم َح َّبـ ِـة اهَّللِ َو َر ُســول ِ ِه َو ُب ْغـ ِ‬ ‫بِ َح َسـ ِ‬
‫َ ُ‬
‫ـع‬ ‫ـع َهـ َـوا ُه بِ َغ ْيـ ِـر ُهــدً ى مِـ َن اهَّللِ}(((؛ َفــإِ َّن َأ ْصـ َـل ا ْل َهـ َـوى هــو َم َح َّبـ ُة النَّ ْفـ ِ‬
‫ـس َو َي ْت َبـ ُ‬
‫ِ‬
‫{و َمـ ْن َأ َضـ ُّـل م َّمـ َن ا َّت َبـ َ‬ ‫َهـ َـوا ُه َ‬
‫ـس‪َ -‬ل ُيـ َـا ُم [العبــدُ ] َع َل ْيـ ِـه؛ َفــإِ َّن‬ ‫ـض ا َّلـ ِـذي فِــي النَّ ْفـ ِ‬ ‫ـب َوا ْل ُب ْغـ ُ‬
‫‪-‬و ُهـ َـو ا ْل َحـ ُّ‬ ‫ـس ا ْل َهـ َـوى َ‬ ‫ـك ُب ْغ ُض َهــا َو َن ْفـ ُ‬ ‫َذلِـ َ‬
‫ض‬ ‫ـاك َخلِي َفـ ًة فِــي ْالَ ْر ِ‬ ‫ـال َت َعا َلــى‪َ { :‬يــا َد ُاو ُد إ َّنــا َج َع ْلنَـ َ‬ ‫اعـ ِـه‪ ،‬ك ََمــا َقـ َ‬‫ـك؛ وإِنَّمــا يـ َـام َع َلــى ا ِّتب ِ‬
‫َ‬ ‫ـك َقــدْ َل ُي ْم َلـ ُ َ َ ُ ُ‬ ‫َذلِـ َ‬
‫ـك َعـ ْن َسـبِي ِل اهَّللِ} (((‪..‬‬ ‫ـاس بِا ْل َحـ ِّـق َو َل َت َّتبِـ ِع ا ْل َهـ َـوى َف ُي ِض َّلـ َ‬ ‫ـم َب ْيـ َن النَّـ ِ‬ ‫اح ُكـ ْ‬ ‫َف ْ‬
‫ـال ا َّل ِذي ـ َن‬ ‫الشــهو ِ‬
‫ات؛ َفــإِ َّن ْالَ َّو َل َحـ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وا ِّتبــاع ْالَ ْهــو ِاء فِــي الدِّ يا َنـ ِ‬
‫ـات َأ ْع َظـ ِ‬
‫ـم م ـ ْن ا ِّت َبــا ِع ْالَ ْهـ َـواء فــي َّ َ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫((( االستقامة (‪)217 /2‬‬
‫((( (‪)134-131 /28‬‬
‫((( [التغابن‪]16 :‬‬
‫((( [القصص‪]50 :‬‬
‫((( [ص‪]26 :‬‬
‫‪31‬‬
‫ـال اهلل َت َعا َلــى‪َ { :‬فــإِ ْن َلــم َيسـت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َك َفـ ُـروا مِـ ْن َأ ْهـ ِل ا ْلكِ َتـ ِ‬
‫ـم َأن ََّمــا َي َّتبِ ُع َ‬
‫ون‬ ‫ـك َفا ْع َلـ ْ‬
‫َجي ُبوا َلـ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ـاب َوا ْل ُم ْشـ ِـركي َن‪ ،‬ك ََمــا َقـ َ ُ‬
‫ـال َتعا َلــى‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم بِ َمــا‬
‫ـم َب ْين َُهـ ْ‬‫اح ُكـ ْ‬ ‫{و َأن ْ‬‫َ‬ ‫ـع َهـ َـوا ُه بِ َغ ْيـ ِـر ُهــدً ى م ـ َن اهَّلل} (((‪َ ،‬و َقـ َ َ‬
‫ـم َو َم ـ ْن َأ َضـ ُّـل م َّم ـ َن ا َّت َبـ َ‬ ‫َأ ْه َوا َء ُهـ ْ‬
‫اهَّلل َو َل َت َّتبِ ْع َأ ْه َوا َء ُه ْم}(((‪.‬‬
‫َأن َْز َل ُ‬
‫ـاد ُي ْج َع ُل‬ ‫ـاء وا ْل ِعبـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـب ا ْلكِ َتـ ِ‬ ‫وجـ ِ‬‫َان مـ ْن َخــر َج َعـ ْن م ِ‬ ‫ِ‬
‫السـنَّة م ْن [المنســوبين إلــى] ا ْل ُع َل َمـ َ َ‬ ‫ـاب َو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َول َهـ َـذا ك َ َ‬
‫ـم َف َقــدْ‬ ‫إن ك َُّل مـن َلــم ي َّتبِـ ِ‬
‫ـع ا ْلع ْلـ َ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ‬ ‫ـك َّ‬ ‫ف ُي َسـ ُّـمون َُه ْم َأ ْهـ َـل ْالَ ْهـ َـو ِاء؛ َو َذلِـ َ‬ ‫السـ َل ُ‬ ‫مِـ ْن َأ ْهـ ِل ْالَ ْهـ َـو ِاء؛ ك ََمــا ك َ‬
‫َان َّ‬
‫اهلل َع َليـ ِـه َو َسـ َّل َم‪-‬؛‬ ‫ـون َّإل بِهــدَ ى اهَّللِ ا َّلـ ِـذي بعـ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ص َّلــى ُ‬ ‫ـث بِــه َر ُســو َل ُه َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ـن َل َي ُكـ ُ‬ ‫ـم بِالدِّ يـ ِ‬
‫ـع َهـ َـوا ُه‪َ ،‬وا ْلع ْلـ ُ‬
‫ا َّت َبـ َ‬
‫ـس حبـ ِـه وب ْغ ِضـ ِـه‪ .‬ومِ ْقــدَ ِار حبـ ِـه وب ْغ ِضـ ِـه‪ :‬هـ ْـل هــو موافِـ ٌـق ِلَمـ ِـر اهَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفا ْل َو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ َُ‬ ‫ُ ِّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ـب َع َلــى ا ْل َع ْبــد َأ ْن َينْ ُظـ َـر فــي َن ْفـ ِ ُ ِّ َ ُ‬ ‫اجـ ُ‬
‫اهلل َع َليـ ِـه َو َسـ َّل َم‪-‬؛ بِ َح ْيـ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ـورا‬‫ـون َم ْأ ُمـ ً‬ ‫ـث َي ُكـ ُ‬ ‫‪-‬ص َّلــى ُ‬ ‫َو َر ُســوله؟ َو ُهـ َـو ُهــدَ ى اهَّلل ا َّلــذي َأن َْز َلـ ُه َع َلــى َر ُســوله َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِ َذلِـ َ‬
‫ـال‪{َ :‬ل ُت َقدِّ ُمــوا‬ ‫اهلل َقــدْ َقـ َ‬‫ـون ُم َت َقدِّ ًمــا فيــه َب ْي ـ َن َيــدَ ْي اهَّلل َو َر ُســوله؛ َفــإِ َّن َ‬ ‫ـض‪َ .‬ل َي ُكـ ُ‬ ‫ـب َوا ْل ُب ْغـ ِ‬‫ـك ا ْل َحـ ِّ‬
‫اهَّلل َو َر ُســو ُل ُه َف ِفيـ ِـه َنـ ْـو ٌع مِـ ْن ال َّت َقــدُّ ِم َب ْيـ َن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ـض َق ْبـ َـل َأ ْن َي ْأ ُمـ َـر ُه ُ‬ ‫ـب َأ ْو َأ ْب َغـ َ‬
‫َب ْيـ َن َيــدَ ِي اهَّلل َو َر ُســوله}(((؛ َو َمـ ْن َأ َحـ َّ‬
‫َيــدَ ْي اهَّللِ َو َر ُســول ِ ِه‪ .).‬انتهــى‪.‬‬

‫هــذه المســألة مــن أعظــم المســائل أهميـةً؛ ألن كثيـ ًـرا مــن النــاس حيــن ال يــدرك الطريقــة الشــرعية‬
‫يف الرتجيــح بيــن المصالــح والمفاســد والموازنــة بينهــا‪ ،‬و َت َح ُّمــل أدنــى المفســدتين لدفــع أعظمهمــا‪،‬‬
‫وتفويــت أدنــى المصلحتيــن لتحصيــل أعظمهمــا‪ ،‬عندمــا ال يــدرك ذلــك يتبــع هــواه‪ ،‬ويظــن أن أمــر‬
‫النــاس جمي ًعــا يف ذلــك؛ ومــن هنــا يقــول بعــض الجهــال أن المصلحــة والمفســدة «طاغــوت العصــر»!‪،‬‬
‫ومنهــم مــن يقــول أن مصلحــة الدعــوة صــار َصن ًَمــا ُيعبــد مــن دون اهلل‪ ،‬والعيــاذ بــاهلل‪ ،‬وإن ذلــك مــن‬
‫أجــل الجهــل بطريقــة الرتجيــح بيــن المصالــح والمفاســد بموازيــن الشــريعة وبالعلــم ال بالهــوى‪،‬‬
‫وحيــن ظنــوا أن هــذا األمــر كل واحــد فيــه يتبــع هــواه ظنــوا أن هــذا مــن الطغيــان وأنــه يمكــن أن يكــون‬
‫صنمــا ُيعبــد مــن دون اهلل؛ وهــذا مــن الضــال ال َب ِّيــن؛ فــإن مــا شــرعه اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬ال‬
‫طاغو ًتــا أو ً‬
‫يكــون طغيا ًنــا‪ ،‬فضـ ًـا أن يكــون طاغو ًتــا! ‪-‬أي إلهــا يعبــد مــن دون اهلل‪ -‬يف أصــل الكلمــة وظاهرهــا‪،‬‬
‫صنمــا كمــا ســماه البعــض‪ ،‬قــال اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬عــن شــعيب عليــه الســام‪{ :‬إِ ْن ُأ ِريــدُ‬
‫وال أن يكــون ً‬

‫((( [القصص‪]50 :‬‬


‫((( [املائدة‪]49 :‬‬
‫((( [احلجرات‪]1 :‬‬
‫‪32‬‬
‫ِ‬ ‫الصـ َـاح مــا اسـ َت َطع ُت}(((‪ ،‬وقــال ‪َ -‬عـ َّـز وجـ َّـل‪{ :-‬واهلل َ ِ‬
‫{واهلل َل ُيحـ ُّ‬
‫ـب‬ ‫ُ‬ ‫ـب ا ْل َف َســا َد} (((‪ ،‬وقــال‪:‬‬
‫ل ُيحـ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫إِ َّل ْ ِ ْ َ َ ْ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ا ْل ُم ْفســدي َن} (((؛ فكيــف تكــون مراعــاة مــا شــرعه اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬بموازيــن الشــريعة ً‬
‫صنمــا ُيعبــد؟!‪،‬‬
‫صنمــا ُيعبــد إذا َقــدَّ َم اإلنسـ ُ‬
‫ـان‬ ‫نعــوذ بــاهلل مــن ذلــك‪ ،‬إنمــا يكــون ادعــاء رعايــة المصلحــة والمفســدة ً‬
‫ـال الكفـ َـر و َف َع َلــه مــن أجــل مصلحـ ٍـة ُمت ََو َّه َمـ ٍـة يظنهــا للدعــوة أو للمجتمــع أو النــاس؛ ألنــه‬ ‫الكفـ َـر وقـ َ‬
‫ـم المصالــح ‪-‬وهــو التوحيــد‪ ،-‬وال يكــون ذلــك‬ ‫ـع أعظـ َ‬ ‫بذلــك يكــون قــد َقــدَّ َم أعظــم المفاســد َ‬
‫وض َّيـ َ‬
‫أبــدً ا فيمــن يشــهد أن ال إلــه إال اهلل وأن محمــدً ا رســول اهلل ظاهـ ًـرا وباطنًــا‪ ،‬ومــن يحقــق حقائــق اإليمــان‬
‫بــاهلل وبالمالئكــة والكتــب والرســل واليــوم اآلخــر والقــدر خيــره وشــره‪ ،‬واإلســام والشــهادة والصــاة‬
‫والصيــام والــزكاة والحــج‪ ،‬ومــن اإلحســان الــذي هــو أن تعبــد اهلل كأنــك تــراه فــإن لــم تكــن تــراه فإنــه‬
‫يــراك‪.‬‬

‫فــإن مــن يختلــط عليــه مثــل هــذا األمــر حتــى يجعــل مــن لــم يضيــع هــذه المصالــح لكونــه يتكلــم‬
‫صنمــا أو طاغو ًتــا لالختــاف يف المواقــف السياســية!؛ ال شــك أن‬
‫باســم المصلحــة والمفســدة يعبــد ً‬
‫هــذا مــن الجهــل العظيــم‪.‬‬

‫لذلــك نقــول إن الثوابــت التــي لــم تتغيــر يف الشــريعة قــط مــن اإلســام واإليمــان واإلحســان‪ ،‬البــد‬
‫الم َقدَّ َمــة ً‬
‫دائمــا يف المصالــح‪ ،‬ومــا يضا ّدهــا مــن الشــرك والتكذيــب والكفــر والنفــاق‬ ‫وأن تظــل هــي ُ‬
‫المخا َل َفــة يف العقيــدة‪ ،‬هــي أعظــم المفاســد التــي يجــب درؤهــا؛ ُت َقــدَّ م‬
‫والشــك وغيــر ذلــك مــن أنــواع ُ‬
‫يف الدفــع والــدرء علــى غيرهــا‪.‬‬

‫وأمــا المواقــف السياســية‪ ،‬وطــرق التعامــل مــع المخالفين ‪-‬ابتــدا ًء من الكفــار والمنافقيــن وانتها ًء‬
‫بالفســقة والمبتدعيــن مــن المســلمين‪ ،‬ومــا بيــن ذلــك ومــا بعــده كذلــك‪ -‬مــن األمــور االجتهاديــة التــي‬
‫يقــع فيهــا الخــاف بيــن أهــل العلــم وبيــن النــاس عمو ًمــا؛ فــإن هــذه تتســم بالمرونــة بــا شــك‪ ،‬فقــد‬
‫اهلل َع َليـ ِـه َو َس ـ َّل َم‪ -‬مــن ذلــك مــن يعرفــه مــن ا َّط َلــع علــى ُس ـنَّتِه؛ فقــد كان يف مكــة‬ ‫‪-‬ص َّلــى ُ‬ ‫فعــل النبــي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصـ َـا َة َوآ ُتــوا الـ َّـزكَاةَ‪ ،‬كمــا َب َّيـ َن ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬ذلــك يف قولــه‪:‬‬ ‫ـم َو َأق ُ‬
‫يمــوا َّ‬ ‫يقــول ألصحابــه‪ُ :‬ك ُّفــوا َأ ْيد َي ُكـ ْ‬
‫((( [هود‪]88 :‬‬
‫((( [البقرة‪]205 :‬‬
‫((( [املائدة‪]64 :‬‬
‫‪33‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصـ َـا َة َوآ ُتــوا الـ َّـزكَاةَ} (((‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك أنــزل ُ‬
‫اهلل‬ ‫يمــوا َّ‬ ‫ـم َو َأق ُ‬ ‫ـم َتـ َـر إِ َلــى ا َّلذيـ َن قيـ َـل َل ُهـ ْ‬
‫ـم ُك ُّفــوا َأ ْيد َي ُكـ ْ‬ ‫{ َأ َلـ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـون بِ َأن َُّهـ ِ‬ ‫‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬عليــه‪ُ { :‬أ ِذ َن ل ِ َّل ِذيـ َن ُي َقا َت ُلـ َ‬
‫ـم َل َقديـ ٌـر}(((‪ ،‬ثــم أنــزل ُ‬
‫اهلل‬ ‫ـى ن َْص ِرهـ ْ‬ ‫ـم ُظل ُمــوا ۚ َوإِ َّن َ‬
‫اهَّلل َع َلـ ٰ‬ ‫ْ‬
‫ـب ا ْل ُم ْعت َِديـ َن}(((‪ ،‬ثــم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهَّلل َل ُيحـ ُّ‬ ‫ـم َو َل َت ْع َتــدُ وا ۚ إِ َّن َ‬ ‫{و َقات ُلــوا فــي َسـبِي ِل اهَّلل ا َّلذيـ َن ُي َقات ُلو َن ُكـ ْ‬ ‫‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪َ :-‬‬
‫ـع ا ْل ُمت َِّقي َن}(((‪،‬‬ ‫ـم كَا َّفـ ًة ۚ َوا ْع َل ُمــوا َأ َّن َ‬
‫اهَّلل َمـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{و َقات ُلــوا ا ْل ُم ْشـ ِـركي َن كَا َّفـ ًة ك ََمــا ُي َقات ُلو َن ُكـ ْ‬
‫ِ‬
‫اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪َ :-‬‬ ‫أنــزل ُ‬
‫ـح َل َهــا َو َتـ َـوك َّْل َع َلــى اهَّللِ إِ َّن ـ ُه ُهـ َـو‬ ‫اجنَـ ْ‬‫لس ـ ْل ِم َف ْ‬
‫ِ‬
‫{وإِ ْن َجن َُحــوا ل َّ‬ ‫اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪َ :-‬‬ ‫وفيمــا بيــن ذلــك أنــزل ُ‬
‫ـم‬‫ـم َو َب ْين َُهـ ْ‬‫ل َع َلــى َقـ ْـو ٍم َب ْينَ ُكـ ْ‬ ‫ـم الن َّْصـ ُـر إِ َّ‬‫ـن َف َع َل ْي ُكـ ُ‬ ‫اسـ َتن َْص ُروك ُْم فِــي الدِّ يـ ِ‬ ‫{وإِن ْ‬
‫ـزل‪ِ :‬‬
‫ـم} (((‪ ،‬وأنـ َ َ‬ ‫ـم ُ ِ‬
‫يع ا ْل َعليـ ُ‬
‫السـ ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫اهدْ ُتـ ِ‬ ‫ـون ب ِصيــر}(((‪ ،‬وقــال ‪َ -‬عـ َّـز وجـ َّـل‪{ :-‬إِ َّ ِ‬ ‫مِي َثـ ٌ‬
‫ـم‬ ‫ـم َلـ ْ‬‫ـم م ـ َن ا ْل ُم ْشـ ِـركي َن ُثـ َّ‬ ‫ل ا َّلذي ـ َن َع َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫اهَّلل بِ َمــا َت ْع َم ُلـ َ َ ٌ‬ ‫ـاق َو ُ‬
‫ـب ا ْل ُمت َِّقيـ َن}‬ ‫ِ‬
‫ـم إِ َّن َ‬
‫اهَّلل ُيحـ ُّ‬
‫ِ‬
‫ـم إِ َلــى ُمدَّ ت ِهـ ْ‬‫ـم َع ْهدَ ُهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـم َأ َحــدً ا َف َأت ُّمــوا إِ َل ْي ِهـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـم ُي َظاهـ ُـروا َع َل ْي ُكـ ْ‬ ‫ـم َشـ ْي ًئا َو َلـ ْ‬‫َينْ ُق ُصو ُكـ ْ‬
‫[التوبــة‪ ،»] :‬وقــال ‪-‬عــز وجـ َّـل‪{ :-‬وإِ ْن َأحــدٌ مِ ـن ا ْلم ْشـ ِـركِين اس ـتَجار َك َف َأ ِجــره ح َّتــى يســمع ك ََلم اهَّللِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ‬
‫ـون}(((‪.‬‬‫ـم َقـ ْـو ٌم َل َي ْع َل ُمـ َ‬ ‫ـك بِ َأن َُّهـ ْ‬‫ـم َأ ْبلِ ْغـ ُه َم ْأ َمنَـ ُه َذلِـ َ‬ ‫ُثـ َّ‬
‫الم َســا َل َمة والهدنــة‬
‫إ ًذا أنــت تلحــظ يف هــذه النصــوص مرون ـ ًة واســع ًة مــا بيــن القتــال ومــا بيــن ُ‬
‫والصــر والصفــح والعفــو عمــن آذى اهلل ورســوله إلــى حيــن‪.‬‬

‫وهــذا التنــوع يف المواقــف السياســية والحربيــة والســلمية ممــا يجــب فهمــه وإدراكــه ليســتعمل يف‬
‫الموضــوع الالئــق به‪.‬‬

‫وهــذه الموازنــات َم َر ُّدهــا إلــى معرفــه النصــوص وترجيحاهتــا؛ فــإن اهلل أنــزل الكتــاب ليحكــم‬
‫اهَّلل النَّبِ ِّيي ـ َن‬ ‫َان النَّــاس ُأم ـ ًة و ِ‬
‫احــدَ ًة َف َب َعـ َ‬ ‫بيــن النــاس فيمــا اختلفــوا فيــه‪ ،‬كمــا قــال ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪{ :-‬ك َ‬
‫ـث ُ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫اخ َت َل ُفــوا فِيـ ِـه}(((‪ ،‬وكذلــك‬ ‫يمــا ْ‬ ‫مب ِّشـ ِـرين ومن ِْذ ِري ـن و َأ ْنـ َـز َل معهــم ا ْلكِ َتــاب بِا ْلحـ ِّـق لِيح ُكــم بي ـن النَّـ ِ ِ‬
‫ـاس ف َ‬ ‫َ ْ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َُ‬

‫((( [النساء‪]77 :‬‬


‫((( [احلج‪]39 :‬‬
‫((( [البقرة‪]190 :‬‬
‫((( [التوبة‪]36 :‬‬
‫((( [األنفال‪]61 :‬‬
‫((( [األنفال‪]72 :‬‬
‫((( [التوبة‪]6 :‬‬
‫((( [البقرة‪]213 :‬‬
‫‪34‬‬
‫حاكمــا يحكــم بيــن النــاس فيمــا اختلفــوا فيــه‪ ،‬وكــذا ُسـنَّتُه مــن بعــده‪ ،‬وقــال تعالــى‪:‬‬ ‫ً‬ ‫بعــث الرســول §‬
‫ــه ْم َح َر ًجــا مِ َّمــا‬
‫جــدُ وا فِــي َأ ْن ُف ِس ِ‬
‫ــجر َب ْين َُهــم ُثــم َل َي ِ‬
‫ْ َّ‬ ‫يمــا َش َ َ‬
‫ُــون حتَّــى يح ِّكم َ ِ‬
‫ــوك ف َ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ــك َل ُي ْؤمن َ َ‬ ‫ــا َو َر ِّب َ‬‫{ َف َ‬
‫ِ‬
‫ـت َو ُي َس ـ ِّل ُموا َت ْســل ً‬
‫يما}(((‪.‬‬ ‫َق َض ْيـ َ‬

‫السـنَّة‪،‬‬ ‫والخطــر يف هــذا المقــام أن يتولــى الرتجيحــات جاهـ ٌـل أو مبتـ ٌ‬


‫ـدع منحــرف عــن منهــج أهــل ُ‬
‫ُي َقــدِّ م هــواه ويظــن أن ذلــك هــو اجتهــاده المشــروع‪ ،‬ليــس كل مــا يــراه اإلنســان يكــون هــو الشــريعة؛ فإن‬
‫مثــل هــذا المعنــي يعــد تطبي ًقــا لقاعــدة المصلحــة والمفســدة علــى غيــر مــا طبقهــا عليــه أهـ ُـل العلــم!‪.‬‬

‫فالعلمــاء يبحثــون عــن الشــرع ويتقربــون منــه حتــى ينظروا أيــن تكون المصلحــة‪ ،‬والواقعــة التي ال‬
‫نصــا شــرع ًيا يقيســوهنا علــى أقــرب نــص شــرعي؛ وليــس المــراد أهنــم يقرروهنــا بعقولهــم‪،‬‬ ‫يعلمــون فيهــا ً‬
‫ـان َ ِ‬ ‫اجبـ ِ‬
‫ل َخـ ُـر‬‫ـم َي ُكـ ْن ا ْ‬ ‫ل ُي ْمكـ ُن َج ْم ُع ُه َمــا َف ُقــدِّ َم َأ ْو َكدُ ُه َمــا َلـ ْ‬ ‫ـم َو ِ َ‬ ‫قــال شــيخ اإلســام ¬(((‪( :‬فــإذا ْاز َد َحـ َ‬
‫ـك إ َذا‬ ‫ـب فِــي ا ْل َح ِقي َقـ ِـة‪َ .‬وك ََذلِـ َ‬ ‫اجـ ٍ‬ ‫ـار َك َو ِ‬ ‫ار ُكـ ُه ِلَ ْجـ ِل فِ ْعـ ِل ْالَ ْو َكـ ِـد َتـ ِ‬ ‫ـم َي ُكـ ْن َت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فــي َهــذه ا ْل َحــال َواج ًبــا َو َلـ ْ‬
‫ِ‬
‫َاهمــا َلــم َي ُك ـ ْن فِ ْعـ ُـل ْالَ ْد َنــى فِــي َهـ ِـذ ِه ا ْل َحـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـال‬ ‫ْ‬ ‫ـع ُم َح َّر َمــان َل ُي ْمك ـ ُن َتـ ْـر ُك َأ ْع َظم ِه َمــا َّإل بِف ْع ـ ِل َأ ْدن ُ َ‬ ‫اجت ََمـ َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ـب َوســمي َهـ َـذا فِ ْعـ ُـل م َحــر ٍم بِا ْعتِ َبـ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم َح َّر ًمــا فِــي ا ْل َح ِقي َقـ ِـة َوإِ ْن ُسـ ِّـم َي َذلِـ َ‬
‫ـم‬‫ـار ْال ْطـ َـاق َلـ ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ـك َتـ ْـر ُك َواجـ ٍ ُ َِّ‬
‫ور ِة؛ َأ ْو‬ ‫اج َحـ ِـة َأ ْو ل ِ َّ‬
‫لضـ ُـر َ‬
‫ـب ل ِ ُعـ ْـذ ِر َوفِ ْعـ ُـل ا ْلم َحــر ِم ل ِ ْلم ْص َل َحـ ِـة الر ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫اجـ ِ‬ ‫ـال فِــي مِ ْثـ ِل َهـ َـذا َتــر ُك ا ْل َو ِ‬
‫ْ‬ ‫َي ُضـ َّـر‪َ .‬و ُي َقـ ُ‬
‫لِدَ ْفـ ِع َمــا ُهـ َـو أحــرم منــه‪..‬‬
‫اســع ِجــدًّ ا َل ِس ـيما فِــي ْالَ ْزمِنَـ ِـة و ْالَمكِنَـ ِـة ا َّلتِــي َن َقصـ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـار ِ‬
‫يهــا‬ ‫ـت ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ـاب َو ٌ‬ ‫ض] َبـ ٌ‬ ‫ـاب ال َّت َعـ ُ‬ ‫َو َهـ َـذا [ َبـ ُ‬
‫ــذ ِه‬
‫ــذ ِه ا ْلمســائِ َل َت ْك ُثــر فِيهــا‪ ،‬و ُك َّلمــا ْازداد النَّ ْقــص ْازداد ْت َه ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ــة النُّبــو ِة؛ َفــإِ َّن َه ِ‬
‫ُ َّ‬
‫آ َثــار النُّبــو ِة و ِخ َل َف ِ‬
‫ُ ُ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫اب ا ْل ِف ْتنَـ ِـة َب ْي ـ َن ْالُ َّمـ ِـة؛ َفإِ َّن ـ ُه إ َذا ْ‬ ‫ـك مِـ ْن َأ ْس ـ َب ِ‬ ‫ا ْل َم َســائِ ُل‪َ ،‬و ُو ُجــو ُد َذلِـ َ‬
‫ـع‬‫الس ـ ِّي َئات َو َقـ َ‬ ‫َات بِ َّ‬ ‫ـت ا ْل َح َس ـن ُ‬ ‫اخ َت َل َطـ ْ‬
‫ات‬ ‫ـون َهـ َـذا ا ْلجانِــب وإِ ْن َت َضمـن سـي َئ ٍ‬
‫َّ َ َ ِّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َات َف ُي َر ِّج ُحـ َ‬ ‫ون إ َلــى ا ْلحسـن ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِال ْشــتِ َبا ُه َوال َّتـ َـا ُز ُم؛ َف َأ ْقـ َـوا ٌم َقــدْ َينْ ُظـ ُـر َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون إ َلــى الس ـي َئ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ـةً‪،‬‬ ‫ـب ْال َخـ َـر َوإِ ْن َتـ َـر َك َح َس ـنَات َعظ َ‬ ‫ـون ا ْل َجانـ َ‬ ‫ات َف ُي َر ِّج ُحـ َ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫يم ـةً‪َ ،‬و َأ ْقـ َـوا ٌم َقــدْ َينْ ُظـ ُـر َ‬ ‫َعظ َ‬
‫ــن َقــدْ َل ي َتبيــن َلهــم َأو ِلَ ْك َث ِر ِهــم مِ ْقــدَ ار ا ْلمنْ َفع ِ‬
‫ــة َوا ْل َم َض َّــر ِة َأ ْو‬ ‫ون ْالَ ْم َر ْي ِ‬ ‫والمتوســطون ا َّل ِذيــ َن َينْ ُظ ُــر َ‬
‫ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ ُ ُ ْ ْ‬
‫ـت‬ ‫ات ل ِ َكـ ْـو ِن ْالَ ْهـ َـو ِاء َق َار َنـ ْ‬
‫َات و َتــر َك السـي َئ ِ‬
‫َّ ِّ‬
‫ِ‬
‫ـم [علــى] ا ْل َع َمـ َـل بِا ْل َح َسـن َ ْ‬
‫ِ‬
‫ون َمـ ْن ُيعين ُُهـ ْ‬ ‫جــدُ َ‬ ‫َي َت َب َّيـ ُن َل ُهــم َفـ َـا َي ِ‬
‫ْ‬

‫((( [النساء‪]65 :‬‬


‫((( جمموع الفتاوى (‪)58-57 /20‬‬
‫‪35‬‬
‫ْال َرا َء‪ .).‬انتهــى‪.‬‬

‫نســأل اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬أن يلهمنــا رشــدنا‪ ،‬ويعيذنــا مــن شــرور أنفســنا وســيئات أعمالنــا وأهــواء‬
‫نفوســنا‪ ،‬وأن يلهمنــا الرشــد يف كل مــا ُأ ْشــكِل علينــا‪.‬‬

‫*******‬

‫‪36‬‬
‫اسد في موازين الشريعة‬
‫والم َف ِ‬
‫َ‬ ‫الم َصالِ ح‬
‫َ‬

‫ــر َد ٌة يف جميــع أحــكام الشــريعة؛ قــال اهلل‬ ‫قاعــدة «المصالــح والمفاســد» قاعــد ٌة ُم ْســت َِق َّر ٌة ُم َّط ِ‬
‫اس ـ َت َط ْع ُت ۚ َو َمــا َت ْوفِ ِيقــي‬ ‫ِ‬
‫‪-‬تعالــى‪ -‬علــى لســان ُش ـ َعيب ‪-‬عليــه الســام‪{ :-‬إِ ْن ُأ ِريــدُ إِ َّل ْال ْصـ َـا َح َمــا ْ‬
‫ـت وإِ َليـ ِـه ُأنِيــب} (((‪ ،‬وقــال ‪-‬ســبحانه وتعالــى‪{ :-‬واهَّلل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـب ا ْل َف َســا َد} (((‪ ،‬وقــال‬ ‫ل ُيحـ ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫إِ َّل بِــاهَّلل َع َل ْيــه َت َو َّك ْلـ ُ َ ْ‬
‫ـب ا ْل ُم ْف ِسـ ِـدي َن }(((‪ .‬هــذه األدلــة الســمعية تدلنــا علــى لــزوم مراعــاة المصالــح‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل َل ُيحـ ُّ‬
‫{و ُ‬ ‫‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪َ :-‬‬
‫والمفاســد‪.‬‬

‫والبــد أن يكــون ذلــك بميــزان الشــريعة؛ ومــن هنــا يتضــح الفــرق بيــن مــن يقدمــون أهواءهــم‬
‫باســم المصلحــة دون أن يتمســكوا بالديــن وأحكامــه ومبادئــه وبيــن مــن يطبقــون هــذه القاعدة الشــرعية‬
‫بموازينهــا الشــرعية كذلــك‪.‬‬

‫فــا يجــوز أن ُيطلِــق أحــد أن مصلحــة الدعــوة أو مصلحــة المجتمــع أو مصلحــة المســلمين‬
‫صــارت َصن ًَمــا ُي ْع َبــد مــن دون اهلل!‪ ،‬وال يجــوز أن يطلــق أن قضيــة «المصلحــة والمفســدة» صــارت‬
‫السـنَّة‪،‬‬
‫ـاب و َب َّينَت َْهــا ُ‬ ‫ـع مــن الجهــل‪ ،‬وإهــدار لألدلــة الشــرعية التــي َب َّينَهــا الكتـ ُ‬ ‫طاغــوت العصــر!‪ ،‬هــذا نابـ ٌ‬
‫ـون فِــي ا ْل َب ْحـ ِـر َفـ َـأ َر ْد ُت‬
‫ـت ل ِ َم َســاكِي َن َي ْع َم ُلـ َ‬
‫السـ ِـفينَ ُة َف َكا َنـ ْ‬
‫قــال اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ -‬علــى لســان الخضــر‪َ { :‬أ َّمــا َّ‬
‫اشـ َـر اإلعابــة مــن أجــل أن يدفــع عــن‬ ‫ـك َي ْأ ُخـ ُـذ ك َُّل َسـ ِـفين ٍَة َغ ْص ًبــا }(((‪ ،‬فقــد َب َ‬
‫ـم َملِـ ٌ‬ ‫َأ ْن َأ ِعي َب َهــا َوك َ‬
‫َان َو َرا َء ُهـ ْ‬
‫ـررا أشــد‪.‬‬
‫أصحــاب الســفينة ضـ ً‬
‫ـدة ُم ْسـت َِق َّر ٍة‬
‫ولهــذا نَقــول‪ :‬هــذه الكلمــات تخالــف مقتضــى األدلــة الشــرعية‪ ،‬وإنكارهــا إنــكار لقاعـ ٍ‬
‫ٌ‬
‫ور َتــب‬
‫يف الديــن‪ ،‬وإن كان هنــاك مــن النــاس مــن يطبقهــا تطبي ًقــا خاط ًئــا بنــا ًء علــى عــدم معرفــة موازيــن ُ‬
‫ـب ال ُك ْفـ َـر أو قا َلـ ُه أو َف َع َلـ ُه مِــن أجــل مصلحـ ٍـة َيت ََو َّهمهــا ‪-‬يف‬
‫ودوائــر المصالــح والمفاســد؛ فربمــا ارتكـ َ‬
‫منهــي عنــه؛ فهــذا‬ ‫أو‬ ‫كفــر‬ ‫ذلــك‬ ‫أن‬ ‫ــم‬ ‫ل‬ ‫ٍ‬
‫دنيويــة‪ -‬وهــو َي ْع َ‬ ‫ٍ‬
‫مصلحــة‬ ‫أي‬ ‫أو‬ ‫ٍ‬
‫اقتصــاد‬ ‫أو‬ ‫مــال‬ ‫ٍ‬
‫سياســة أو ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الح َّجــة‪ -‬أن المصلحــة الموهومــة والمفســدة‬ ‫مــن أعظــم الخلــل‪ ،‬وقــد ينطبــق عليــه ‪-‬إذا قامــت عليــه ُ‬
‫((( [هود‪]88 :‬‬
‫((( [البقرة‪]205 :‬‬
‫((( [املائدة‪]64 :‬‬
‫((( [الكهف‪]79 :‬‬
‫‪37‬‬
‫الموهومــة عنــده صــارت َصن ًَمــا ُي ْع َبــد مــن دون اهلل‪.‬‬

‫خصوصــا أن مــن النــاس مــن يتصــور أن كل مــن رفــع شــعار‬ ‫ً‬ ‫لكــن ال يجــوز هــذا اإلطــاق؛‬
‫«المصلحــة والمفســدة» ينطبــق عليــه هــذا الــكالم‪ ،‬ويســتنكِر كثيـ ًـرا مــن المواقــف المبن ِ َّيــة علــى األصول‬
‫الم ْج َم َلــة بوصــف «المصالح والمفاســد» بأهنــا طاغوت!‪.‬‬ ‫الرنَّانــة ُ‬
‫ـارا منــه لهــذه الكلمــات َ‬
‫الشــرعية اعتبـ ً‬
‫ـرع علــى اعتبــاره وأهميتــه بأنــه طاغــوت‪ ،‬وإنمــا يكــون ذلــك‬
‫ـص الشـ ُ‬‫ـف شــي ًئا َنـ َّ‬ ‫ونعــوذ بــاهلل أن ن َِصـ َ‬
‫ــدم علــى الكفــر ‪-‬والعيــاذ بــاهلل‪ -‬أو علــى البدعــة الضاللــة مــن أجــل مــا‬ ‫يف الموهــوم‪ ،‬ويف الــذي ي ْق ِ‬
‫ُ‬
‫يتوهــم مــن مصالــح دنيــاه‪.‬‬

‫ـوزن بميــزان الشــريعة‪ ،‬وهــذا إنمــا يقــوم بــه إنسـ ٌ‬


‫ـان‬ ‫لذلــك ُن َقـ ِّـرر أن الصـ َ‬
‫ـاح والفســا َد البــد أن ُيـ َ‬
‫خبيـ ٌـر هبــا‪ ،‬خصوصــا يف أوقــات الفتــن؛ فأوقــات الفتــن هــي أشــد األوقــات خطــورةً؛ بســبب اختــاط‬
‫المصالــح والمفاســد؛ فاألمــور إن كانــت خيـ ًـرا َم ْح ًضــا أو َشـ ًّـرا َم ْح ًضــا فإنــه ال خــاف فيهــا‪ ،‬وإنمــا‬
‫دائمــا عنــد اختــاط المصالــح والمفاســد والحســنات والســيئات‪.‬‬
‫يكــون الــكالم ً‬
‫ـب بيــن المصالــح والمفاســد؛ ف ُت َقدّ م مصلحــة اإليمان‪،‬‬ ‫ولذلــك كان الواجــب علينــا أن نعـ ِـرف ُّ‬
‫الر َتـ َ‬
‫ً‬
‫أصــا‪ -‬ثــم يف حفــظ‬ ‫وتدْ َفــع مفســدة الكفــر‪ ،‬و ُت َقــدّ م مصلحــة النفــوس يف حفظهــا ‪-‬حفــظ االرواح‬
‫‪-‬كح ِّر َيـ ِـة اإلنســان و َعــدَ م َح ْب ِســه‪ ،-‬وتدْ َفــع المفاســد المقابلــة لذلــك؛‬
‫ُ‬ ‫األعضــاء ثــم يف حفــظ المنافــع‬
‫تدْ َفــع مفســدة القتــل ‪-‬قتــل النفــوس‪ -‬ثــم تدْ َفــع مفســدة قطــع األعضــاء‪ ،‬ثــم تدفــع مفســدة َح ْبــس‬
‫التحـ ُّـرك ومنافِ ِعــه‪.‬‬
‫اإلنســان عــن َ‬
‫ـت أل َّدى إلــى َم ْوتِـ ِـه؛ فــا شــك أنــه‬ ‫ـان أن ِرج َلــه التــي أصيبــت بـ ٍ‬
‫ـداء قات ـ ٍل لــو ُت ِر َكـ ْ‬ ‫فلــو قيــل إلنسـ ٍ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـع ِر ْجلِــه و َي ْحتَمـ ُـل ذلــك الفســاد دف ًعــا لمفســدة الهــاك والمــوت‪ ،‬وإذا قيــل إلنســان‪ :‬نقطـ ُ‬
‫ـع‬ ‫ُي َقــدِّ م قطـ َ‬
‫ـس َد ْف ًعــا لمفســدة قطــع األعضــاء‪،‬‬ ‫ِر ْج َلـ َ‬
‫ـك أو َيــدَ َك أو َن ْف َقـ ُـأ عينَــك أو ُت ْح َبــس؛ فــا شــك أنــه سـ ُي َقدِّ ُم الحبـ َ‬
‫ـزان المصالــح والمفاســد عنــدَ ه حتــى ُي َقــدِّ م‬ ‫اخ َتـ َّـل ميـ ُ‬ ‫ـب عق ُلــه‪ ،‬أو ْ‬
‫ـت بصير ُتــه أو ذهـ َ‬ ‫ـم إال مــن ُط ِم َسـ ْ‬ ‫اللهـ َّ‬
‫ـكان يف الدولــة‬ ‫ـب يف وظيفـ ٍـة أو ر ْتبـ ٍـة أو مـ ٍ‬ ‫ـف سياســي و ُم َحا َف َظــة علــى كسـ ٍ‬ ‫الهــاك لتحقيـ ِـق مجــر ِد موقـ ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ـم بــا شــك؛ يحصــل‬ ‫زاعمــا أن هــذا هــو الشــرعية!‪ ،‬وهــذا َخ َطـ ٌـر عظيـ ٌ‬ ‫ً‬ ‫َظ ـ َّن أنــه البــد أن ُيحافِــظ عليــه‬

‫‪38‬‬
‫منــه مــن أنــواع الخلــل عنــد كثيـ ٍـر مــن النــاس مــا ُيعـ َـرف بــه َف َســاد مواقِ ِفــه ومخالفتهــا لشــرع اهلل ‪-‬ســبحانه‬
‫وتعالــى‪.-‬‬

‫والــكالم يف هــذه القضيــة «اعتبــار المصالــح والمفاســد والحســنات والســيئات» ُر َّب َمــا ُي َقا َبــل‬
‫المخال ِ َفــة‪ ،‬الذيــن يــرون حتميــة المواجهــة‬ ‫ٍ‬
‫بشــيء مــن الســخرية‪ ،‬ممــن ال َي ْع َتبِــر ذلــك مــن االتجاهــات ُ‬
‫ـال بغــض النظــر عمــا يرتتــب علــى ذلــك مــن األضــرار والمفاســد!‪،‬‬ ‫وتغييــر مــا ر َأوه منْ َكــرا علــى كل حـ ٍ‬
‫ُ ً‬ ‫َ‬
‫ـك‬‫فاسـ ِـد‪ ،‬و َي ُعــدُّ ون مــن يعتــر ذلـ َ‬
‫بــل ربمــا قــال بعضهــم‪ :‬ليــس هنــاك شــيء يســمى بالمصالِــحِ والم ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َّ‬
‫جبا ًنــا أو عميـ ًـا أو خائنًــا أو ُم َخال ِ ًفــا للشــرعية أو ُم َض ِّي ًعــا لهــا؛ ولفــظ الشــرعية البــد أن يكــون مرتب ًطــا‬
‫بالشــريعة‪ ،‬فهــو األصــل يف هــذا البــاب‪.‬‬
‫ـوس‪ :‬فالبــد ان يراعــى مصلحة ِ‬
‫العـ ْـر ِ‬
‫ض والن ََّسـ ِ‬
‫ـب‪ ،‬ثم مصلحة‬ ‫الم َصالِــحِ بعــدَ النُّ ُفـ ِ‬ ‫وبالنســبة ل ِ ُر َتـ ِ‬
‫ـب َ‬
‫ال ُعقــول‪ ،‬ثــم مصلحــة األمــوال كمــا تقــدم ذلــك‪ ،‬ويدْ َفــع بنفــس الرتتيــب ً‬
‫أيضــا‪ :‬انتهــاك األعــراض‪ ،‬ثــم‬
‫فســاد العقــول‪ ،‬ثــم تخريــب األمــوال أو ضياعهــا‪ ،‬والبــد أن نجتهــد يف وزن ذلــك بميــزان الشــريعة‪ ،‬ال‬
‫علــى حســب األهــواء‪.‬‬

‫ـع ‪-‬الــذي البــد مــن دراســته ومعرفــة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأمــا مــن َي ْسـ َ‬
‫ـخ ُرون أو ُينْكــرون هــذا األمــر‪ :‬فقــد دل الواقـ ُ‬
‫موازيــن القــوى فيــه‪ -‬أهنــم عندمــا َأ ْهم ُلــوا هــذه األمــور ازدادت الم َف ِ‬
‫اســد يف الديــن ويف النفــوس ويف‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظهــورا شــديدً ا‪ ،‬وضاعــت َم َصالِــح عظيمــة كان مــن‬
‫ً‬ ‫ــرت‬‫األعــراض ويف العقــول واألمــوال‪ ،‬و َظ َه َ‬
‫الممكــن أن ُي َح ِّصـ َـل المســلمون قـ ً‬
‫ـدرا كبيـ ًـرا منهــا إذا راعــوا قضيــة «المصلحــة والمفســدة»‪.‬‬

‫اهلل ال ُي َك ِّلـ ُ‬
‫ـف َن ْف ًســا إال‬ ‫أيضــا إلــى قاعــدة «القــدرة والعجــز»؛ فــإن َ‬
‫والبــد أن ننتبــه يف هــذا األمــر ً‬
‫ُو ْس ـ َع َها‪.‬‬

‫ـوع ِح ِّســي‪ :‬يــزول بــزوال آلــة الفعــل‪ ،‬وآخــر َم ْعنَـ ِـوي‪ :‬يكــون بغلبــة الظــن بوقــوع‬
‫والعجــز نوعــان‪ :‬نـ ٌ‬
‫ـذرا يف اإلكــراه؛ فــإذا ثبــت اإلكــراه زال الوجــوب والتحريــم‬
‫األذى المعتــر شــرعا‪ ،‬وهــو الــذي يعتــر عـ ً‬
‫ـب علــى الظــن قتــل اآلمــر والناهــي الداعــي إلــى اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪،-‬‬
‫عــن اإلنســان‪ ،‬ومــن ذلــك‪ :‬إذا َغ َلـ َ‬
‫ـان إهانـ ًة شــديد ًة أو ُي َعـ َّـذب تعذي ًبــا‬
‫أو ســجنه ُمــدَّ ًة ُم ْع َت َبــرة يضيــق فيهــا الحــال باإلنســان‪ ،‬أو ثبــت أنــه ُيهـ ُ‬

‫‪39‬‬
‫ـان ال َعــا َد ِة؛ فــإن ال َظ ـ َّن ال َي ْح ُصـ ُـل إال بتكـ ِ‬
‫ـرار األمـ ِـر حتــى ُي ْعـ َـرف أن‬ ‫ََ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫‪-‬والعبــرة يف ذلــك بجريـ ِ‬ ‫شــديدً ا‬
‫هــذا هــو المعتــاد‪ ،‬وليــس أن يكــون بمجــرد االحتمــال أو خــوف الحصــول دون أن يغلــب الظـ ُّن علــى‬
‫ذلــك‪.-‬‬

‫ـب ‪-‬فضـ ًـا أن يكــون ذلــك ُم َت َعدِّ ًيــا‬ ‫ـس أو تعذيـ ٍ‬ ‫فمــن َغ َلــب علــى َظنِّــه مــا ذكرنــا مــن قت ـ ٍل أو حبـ ٍ‬
‫ـان‪ ،‬بخــاف القلــب فإنــه‬ ‫إلــى غيــره‪ :-‬فإنــه يكــون معــذورا يف تــرك مــا يجــب عليــه مــن تغييـ ٍـر بِيـ ٍـد أو لسـ ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫كارهــا للمنكــر يف كل حــال؛ ألنــه ال ســلطان ألَ َحـ ٍـد علــى َق ْلبِـ ِـه إال اهلل‪.‬‬ ‫يجــب أن يكــون ً‬
‫ومــا كان مِــن ضـ ٍ‬
‫ـرر ُم َت َعــدٍّ علــى غيـ ِـره‪ :‬فإنــه البــد وأن يجتنــب القيــام بمــا يــؤدي إلــى ســفك نفــوس‬
‫نفسـ ِـه َو َص َبــر‪ ،‬ال يجــوز أن ُيلــزم النــاس‬
‫اآلخريــن؛ فليــس لــه أن يســامح يف حــق غيـ ِـره‪ ،‬وإن َتحمـ َـل يف ِ‬
‫َ َّ‬
‫بــرك الرخصــة يف هــذا البــاب‪.‬‬

‫ـم لغيــاب مــن يأمــر بالمعــروف وينهــى عــن‬ ‫ِ‬ ‫و َك ْيـ َ‬


‫ـرر عظيـ ٌ‬
‫ـف إذا كان ديــن المجتمــع يحصــل فيــه ضـ ٌ‬
‫المنكــر ويدعــو إلــى الخيــر؟! أو بتدميــر الكيانــات اإلســامية الصحيحــة التــي تمنــع انحــراف النــاس يف‬
‫ـظ الكيانات‬‫عقائدهــم ومعامالهتــم إلــى مناهــج أهــل البــدع ‪-‬فضـ ًـا عــن الكفــر واإللحــاد‪-‬؟!‪ ،‬فــإن ِح ْفـ َ‬
‫ـب ال يشــك يف وجوبــه عاقـ ٌـل‪ ،‬وهــو يــأيت يف المرتبــة تال ًيــا للحفــاظ‬ ‫ِ‬
‫اإلســامية يف ظــروف الف َتــن أمـ ٌـر واجـ ٌ‬
‫ـع‬ ‫ِ‬ ‫علــى العقيــدة والمنهــج ومــا جــاءت بــه النصــوص الشــرعية التــي ال ُي ْخ َت َلـ ُ‬
‫ـف فيهــا وليســت موضـ َ‬
‫االجتهاد‪.‬‬

‫أيضــا يف قاعــدة المــآالت؛ فهــذه ثالثــة المســائل التــي نتكلــم فيهــا بعــد المصلحــة‬
‫والبــد أن ننظــر ً‬
‫أيضــا ب َغ َل َبــة الظـ ِّن‪ً ،‬‬
‫ناتجــا عــن دراســة‬ ‫والمفســدة‪ ،‬والقــدرة والعجــز‪ :‬النظــر يف المــأالت‪ ،‬وهــذا يحصــل ً‬
‫الواقــع وموازيــن القــوى فيــه دراسـ ًة صحيحـةً‪.‬‬

‫فــإن مِــن شــروط األمــر بالمعــروف والنهــي عــن المنكــر‪ :‬أن ال يرتتــب علــى زوال المنكــر ‪-‬إن‬
‫ـب‬ ‫ُقــدِّ ر زوا ُلــه‪ -‬منكـ ٌـر َأشــدّ منــه؛ فــإن َمــن َف َعــل ذلــك ليــس بقـ ٍ‬
‫ـادر‪ ،‬أعنــي مــن َغ َّيــر المنكـ َـر لكــن َت َر َّتـ َ‬
‫ـدرة؛ ألن الغــرض هــو زوال منكــرات الشــرع مطل ًقــا ال‬ ‫علــى تغييــره منكــر أعظــم‪ ،‬فــإن هــذا ليــس بقـ ٍ‬
‫ٌ‬
‫ذاك المنكــر بِ َع ْينِــه دون اآلخــر؛ وإنمــا المقصــود زوالــه بالكليــة‪ ،‬بخــاف مــا لــو زال المنكـ ُـر َ‬
‫وخ َل َفـ ُه مــا‬

‫‪40‬‬
‫أيضــا‪،‬‬
‫ـب ً‬‫ـب شــر ًعا‪ ،‬وإذا لــم يــزل المنكــر بالكليــة وإنمــا َقـ َّـل فقــط فهــذا واجـ ٌ‬
‫ـروف فهــذا واجـ ٌ‬
‫هــو معـ ٌ‬
‫وخ َل َف ـ ُه مــا هــو َشـ ٌّـر منــه‪ ،‬أو فــات مــا هــو أعظــم منــه مــن المعــروف‪ :‬فهــذا ُم َحـ َّـر ٌم شــر ًعا‪،‬‬
‫أمــا إذا زال َ‬
‫دون ِع ْلـ ٍ‬
‫ـم ودون إدراك ويظــن أنــه ُي َغ ِّيــر المنكــر‪.‬‬ ‫وهــذا أمــر يقــع فيــه كثيـ ٌـر مــن النـ ِ‬
‫ـاس َ‬

‫ـس َب ْعــدَ ال ُك ْفـ ِـر َذ ْنـ ٌ‬


‫ـب؛ فالكفــر أفظــع المنكــرات‪ ،‬والحكــم بغيــر مــا‬ ‫وبعــض النــاس يقــول‪َ « :‬ل ْيـ َ‬
‫أنــزل اهلل هــو مــن الكفــر‪ ،‬ومــواالة أعــداء اهلل كذلــك‪ ،‬والصــد عــن ســبيل اهلل مــن ذلــك»؛ فنقــول‪ :‬نعــم‪،‬‬
‫ـخاصها فقــط وأن يــأيت مــن يــؤذون‬
‫ـرات‪ ،‬ولكــن أفظــع منهــا أن تبقــى كمــا هــي ويتغيــر أشـ ُ‬
‫هــذه منكـ ٌ‬
‫المســلمين إضاف ـ ًة إلــى ذلــك؛ فــا شــك أن كافـ ًـرا ال يــؤذي أفضــل مــن كافـ ٍـر يــؤذي المســلمين‪ ،‬البــد‬
‫مــن فهــم هــذه المســألة جيــدً ا‪ ،‬وال ُن ْقـ ِـدم فيهــا علــى قـ ٍ‬
‫ـول أو عم ـ ٍل إال بعلــم‪.‬‬

‫ونحــب أن ُننَ ِّبــه هنــا علــى مســألة هامــة يف قضيــة الحكــم بغيــر مــا أنــزل اهلل؛ فالبــد أن نعــرف أن‬
‫قضيــة تطبيــق الشــريعة يكــون األمــر فيهــا علــى درجتيــن‪ :‬الدرجــة األولــى‪ :‬درجــة القبــول‪ ،‬والدرجــة‬
‫ِ‬
‫ـرع‪ ،‬وأنــه‬ ‫الثانيــة‪ :‬درجــة التطبيــق والتنفيــذ؛ فــإذا ُو ِجــد إنســان ُي َقـ ِّـرر ‪-‬بــل و ُي ْقســم علــى‪ -‬أنــه َي ْح َتـ ِـرم الشـ َ‬
‫ـرع ال َعا َلــم ولكــن البــد مــن التــدرج؛ نقــول‪ :‬ال شــك أن هــذا خيـ ٌـر‬ ‫ـم الشـ ُ‬ ‫يريــد أن ُي َط ِّب َقــه‪ ،‬ويريــد أن َي ُعـ َّ‬
‫ور ْج ِع َّيـ ًة بمــا‬
‫مــن الــذي يقــول‪« :‬أتريــدون أن تردونــا إلــى جهــاالت القــرون الوســطى؟؛ كفاكــم َت َخ ُّل ًفــا َ‬
‫تطلبــون مــن تطبيــق الشــريعة»!‪.‬‬

‫ال شــك أن القبــول يثبــت بــه أصــل اإليمــان وإن لــم يقــع التطبيـ ُـق َب ْعــد؛ فيكــون تــرك التطبيــق يف‬
‫رجــع إليــه و ُيـ َـر ُّد مــا َخا َل َفــه ويجــب تعديــل كل مــا‬
‫حالــة االلتــزام بالشــريعة يف التشــريع العــام كأص ـ ٍل ُي َ‬
‫َخا َل َفــه ‪-‬كمــا ينــص علــى ذلــك الدســتور الــذي يقســم الرؤســاء والــوزراء وأعضــاء المجالــس النيابيــة‬
‫وغيرهــم علــى احرتامــه‪-‬؛ مــن يقــول إنــه يقبــل هــذا ويلتــزم بــه لكنــه ال يطبقــه ال يكــون كافـ ًـرا الكفـ َـر‬
‫األكــر‪ ،‬وهــذه مســألة مهمــة يف هــذا البــاب البــد مــن مراعاهتــا؛ فــإن كثيـ ًـرا مــن النــاس يتســارع بالتكفيــر‬
‫رغــم وجــود هــذه النصــوص يف الدســتور ورغــم تصريــح القــادة بذلــك يف احرتامهــم للشــرع وتنفيذهــم‬
‫لــه‪ ،‬بــل وإقرارهــم ومعاونتهــم علــى وجــود هــذه المــواد يف الدســاتير المعتــرة‪.‬‬

‫قصــر فيهــا و َت َأ َّخـ َـر يف ال َتــدَ ُّرجِ الشــرعي ‪-‬الــذي يبنــى علــى‬ ‫وأمــا مســأل ُة التنفيــذ والتطبيــق‪َ :‬‬
‫فمــن َّ‬
‫مراعــاة المصلحــة والمفســدة‪ ،‬والقــدرة والعجــز‪ ،‬أو اســتيفاء الشــروط للحــدود حتــى ُتقام علــى وجهها‬
‫‪41‬‬
‫الشــرعي‪ -‬مــن َق َّصـ َـر يف ذلــك‪ :‬فهــو آثــم‪ ،‬وأمــا مــن لــم ُي َق ِّصــر فعجــز عــن إقامــة بعــض الحقــوق أو‬
‫أخــر شــي ًئا مــن الحــدود ألنــه لــم ُتســتو َفى الشــروط الشــرعية يف مرتكبــي مــا يســتوجب‬
‫الحــدود‪ ،‬أو مــن َّ‬
‫الحــد أو يف الشــهود الذيــن يشــهدون أو يف القضــاة الذيــن يحكمــون؛ فــإن هــذا ال يكــون ُم َق ِّصـ ًـرا؛ فمــن‬
‫مثــا عــن القصــاص وهــو يحكــم بيــن النــاس يف الدمــاء لكنــه اســتطاع أن يحكــم يف مســائل‬ ‫عجــز ً‬
‫الديــات وأن يســرضي النــاس حتــى يصلِــح بينهــم؛ فهــذا أمـ ٌـر مشــروع ال يكــون االنســان ُم َق ِّصـ ًـرا يف‬
‫فِ ْعلِــه؛ ألنــه ال يحصــل إقامــة الحــدود يف هــذه الحالــة إال بمفســدة أعظــم‪ ،‬أو أن تحصــل الحــدود و ُتقــام‬
‫علــى غيــر مــن يســتحقها‪ ،‬أو أن يحكــم هبــا مــن َي ْج َهـ ُـل الشـ َ‬
‫ـرع وال يعرفــه حتــى يطبقــه‪ ،‬وكذلــك مــن‬
‫يكــون يف إقامتــه لهــا فســا ٌد أعظــم‪.‬‬
‫اجبـ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـات [الحقــوق والحــدود] ُت َقــا ُم‬ ‫(وا َلْ ْصـ ُـل َأ َّن َهــذه ا ْل َو ِ َ‬ ‫قــال شــيخ االســام ابــن تيميــة ¬(((‪َ :‬‬
‫ـم َّإل بِ َعــدَ ِد‬
‫ـم َي ُقـ ْ‬ ‫ـج إ َلــى ا ْثنَ ْيـ ِ‬
‫ـن‪َ ،‬و َم َتــى َلـ ْ‬ ‫ـم ُي ْح َتـ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـن ا ْل ُو ُجــوه؛ َف َم َتــى َأ ْم َك ـ َن إ َقا َمت َُهــا م ـ ْن َأميـ ٍـر َلـ ْ‬
‫َع َلــى َأ ْح َسـ ِ‬
‫ـاب‬‫إضا َعتِ َهــا َفإِن ََّهــا مِـ ْن « َبـ ِ‬‫ـم َي ُكـ ْن فِــي إ َقا َمتِ َهــا َف َســا ٌد َي ِزيــدُ َع َلــى َ‬
‫ـت إ َذا َلـ ْ‬‫يمـ ْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫[و ُعــدَّ ة] َومـ ْن َغ ْيـ ِـر ُسـ ْل َطان ُأق َ‬
‫َ‬
‫الر ِع َّيـ ِـة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َان فِــي َذلِـ َ ِ‬
‫ـك مـ ْن َف َســاد ُو َلة ْالَ ْمـ ِـر َّ‬
‫[الراعــي] َأ ْو َّ‬ ‫ـي َعـ ْن ا ْل ُمنْ َكـ ِـر»؛ َفــإِ ْن ك َ‬ ‫ْالَمـ ِـر بِا ْلمعــر ِ‬
‫وف َوالن َّْهـ ِ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫مــا ي ِزيــدُ َع َلــى َ ِ‬
‫ـم‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫ـع َف َســا ٌد بِ َأ ْف َســدَ منْـ ُه‪َ .‬و َا ُ‬
‫هَّلل َأ ْع َلـ ُ‬ ‫إضا َعت َهــا َلـ ْ‬
‫ـم ُيدْ َفـ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ـدار النُّصــح للمســلمين هــو حفــظ مصالحهــم‪ ،‬أفــرا ًدا و ُأ َسـ ًـرا وجماعــات‪،‬‬
‫هــذا كلــه ُيب ِّيــن أن َمـ َ‬
‫وبــا ًدا ومجتمعــات‪ ،‬واألمــة كلهــا‪ ،‬وهــذه المصالــح تــدور حــول المصالــح الضروريــة الخمســة‪:‬‬
‫العــرض‪ ،‬العقــل‪ ،‬المــال»‪ِ ،‬‬
‫والعــرض مرتبــط بالنســب‪..‬‬ ‫«الدِّ يــن‪ ،‬النفــس‪ِ ،‬‬

‫ولكن يبقى أن ُن َب ِّين أنواع المصالح من حيث اعتبارها‪.‬‬

‫*******‬

‫((( جمموع الفتاوى (‪)176 /34‬‬


‫‪42‬‬
‫شرعا‬
‫ً‬ ‫أنواع المصالح من حيث اعتبارها‬

‫َق َّسم ُ‬
‫أهل العلم أنواع المصلحة [من حيث اعتبارها شر ًعا] إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫الم ْع َت َبرة‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬المصلحة ُ‬

‫الشرع بِن ٍّ‬


‫َص أو إجماع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وهي المصلحة التي اعتربها‬
‫ار َهــا َف ِ‬ ‫الشــرع ِ‬
‫ل ْعتِ َب ِ‬ ‫قــال إالمــام الغزالــي ¬(((‪َ ( :‬أ َّمــا َمــا َش ِ‬
‫ــي ُح َّجــةٌ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َّ ْ ُ‬ ‫ــهدَ‬
‫ال ْج َمــاعِ‪..‬‬ ‫َّــص َو ْ ِ‬ ‫ــول الن ِّ‬ ‫ــم مِــ ْن م ْع ُق ِ‬ ‫ــاس ا ْل ُح ْك ِ‬ ‫ِ‬
‫ــو ا ْقت َب ُ‬ ‫اص ُل َهــا إ َلــى ا ْل ِق َي ِ‬
‫ــاس‪َ ،‬و ُه َ‬
‫وير ِجــع ح ِ‬
‫َ َْ ُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َومِ َثا ُل ـ ُه‪ُ :‬ح ْك ُمنَــا َأ َّن ك َُّل َمــا َأ ْس ـ َك َر مِـ ْن َم ْشـ ُـر ٍ‬
‫اســا َع َلــى ا ْل َخ ْمـ ِـر؛ لَن ََّهــا ُح ِّر َمـ ْ‬
‫ـت‬ ‫وب َأ ْو َم ْأ ُكــول َف ُي َحـ َّـر ُم ق َي ً‬
‫الشـ ْـر ِع ا ْل َخ ْمـ َـر َدل ِ ٌيل َع َلــى ُم َل َح َظـ ِـة َهـ ِـذ ِه ا ْل َم ْص َل َح ِة‪..‬‬
‫ـم َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ـظ ا ْل َع ْقـ ِل ا َّلـ ِـذي ُهـ َـو َمنَـ ُ‬
‫ـاط ال َّت ْكليــف‪َ ،‬فت َْح ِريـ ُ‬
‫ح ْفـ ِ‬ ‫لِ ِ‬

‫ــق َخ ْم َســةٌ‪:‬‬ ‫ــر ِع مِــ ْن ا ْل َخ ْل ِ‬ ‫ــرعِ‪َ ،‬و َم ْق ُصــو ُد َّ‬


‫الش ْ‬ ‫الش ْ‬ ‫ــود َّ‬ ‫ــة‪ :‬ا ْلمحا َف َظــ َة َع َلــى م ْقص ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫َنعنِــي بِا ْلمص َلح ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ــذ ِه‬
‫ــظ َه ِ‬ ‫ــم‪َ ،‬فــ ُك ُّل َمــا َيت ََض َّمــ ُن ِح ْف َ‬ ‫ــم َون َْســ َل ُه ْم َو َما َل ُه ْ‬ ‫ــه ْم َو َع ْق َل ُه ْ‬ ‫ــم َو َن ْف َس ُ‬
‫ــظ َع َلي ِه ِ‬
‫ــو َأ ْن َي ْح َف َ ْ ْ‬
‫ــم دين َُه ْ‬ ‫َو ُه َ‬
‫ــو َم ْف َســدَ ٌة َو َد ْف ُع َهــا َم ْص َل َحــةٌ‪.‬‬ ‫ــول َف ُه َ‬‫ــذ ِه ْالُ ُص َ‬ ‫ــة َفهــو مص َلحــةٌ‪ ،‬وك ُُّل مــا ي َفــو ُت َه ِ‬
‫َ ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ــول ا ْل َخ ْم َس ُ َ َ ْ َ‬ ‫ْالُ ُص ِ‬

‫ـب فِــي ا ْل َم َصالِــحِ ‪..‬‬ ‫ات‪َ ،‬ف ِهــي َأ ْقـ َـوى ا ْل َم َراتِـ ِ‬
‫َ‬
‫الضــرور ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ـة‬‫ـول ا ْل َخمس ـ ُة ِح ْف ُظهــا واقِــع فِــي ر ْتبـ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َهـ ِـذ ِه ْالُ ُصـ ُ‬
‫اعــي إ َلــى بِدْ َعتِـ ِـه؛ َفــإِ َّن َهـ َـذا ُي َفـ ِّـو ُت‬ ‫الشــر ِع بِ َق ْت ـ ِل ا ْل َكافِـ ِـر ا ْلم ِضـ ِّـل و ُع ُقوبـ ِـة ا ْلمب َتـ ِـد ِع الدَّ ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َوم َثا ُل ـ ُه‪َ :‬ق َضــا ُء َّ ْ‬
‫ب؛ إ ْذ‬ ‫الشـ ْـر ِ‬ ‫ـاب َحــدِّ ُّ‬ ‫يجـ ُ‬ ‫ـوس‪َ ،‬وإِ َ‬‫ـظ النُّ ُفـ ِ‬ ‫ـاص؛ إِ ْذ بِـ ِـه ِح ْفـ ُ‬‫ـاب ا ْل ِق َصـ ِ‬ ‫يجـ ِ‬‫ـاؤ ُه بِإِ َ‬ ‫ـم‪َ ،‬و َق َضـ ُ‬ ‫ِ‬
‫َع َلــى ا ْل َخ ْلـ ِـق دين َُهـ ْ‬
‫ـاب‪،‬‬‫ـظ الن َّْس ـ ِل َو ْالَن َْسـ ِ‬ ‫الز َنــا؛ إ ْذ بِـ ِـه ِح ْفـ ُ‬
‫ـاب َحــدِّ ِّ‬ ‫يجـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ـظ ا ْلع ُقـ ِ ِ ِ ِ‬
‫ـول ا َّلتــي هـ َـي مـ َـا ُك ال َّت ْكلِيــف‪َ ،‬وإِ َ‬ ‫بِــه ح ْفـ ُ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ــاش ا ْل َخ ْل ِ‬ ‫ال ا َّلتِــي ِ‬‫ــو ِ‬ ‫ــه َي ْح ُص ُــل ِح ْف ُ‬ ‫اق؛ إ ْذ بِ ِ‬ ‫ــاب َوالســر ِ‬
‫ــم‬
‫ــق َو ُه ْ‬ ‫ــي َم َع ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ــظ ْالَ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ــر ا ْل ُغ َّص ِ‬ ‫ــاب َز ْج ِ‬ ‫يج ُ‬ ‫َوإِ َ‬
‫ون إ َل ْي َهــا‪.‬‬
‫ُم ْض َطـ ُّـر َ‬

‫َح ُيل َأ ْن َل َت ْش ـت َِم َل َع َل ْيـ ِـه مِ َّل ـ ٌة مِ ـ ْن‬‫الزجـ ِـر َعنْهــا يس ـت ِ‬


‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ـت َهـ ِـذ ِه ْالُ ُصـ ِ‬
‫ـول ا ْل َخ ْم َســة َو َّ ْ‬
‫و َتح ِريــم َت ْف ِويـ ِ‬
‫َ ْ ُ‬
‫ـم‬‫الشـ َـرائِ ُع فِــي َت ْح ِريـ ِ‬ ‫ـف َّ‬ ‫ـم َت ْختَلِـ ْ‬
‫ـك َلـ ْ‬‫إصـ َـا ُح ا ْل َخ ْلـ ِـق‪َ ،‬ول ِ َذلِـ َ‬ ‫ا ْل ِم َلـ ِل و َشـ ِـريع ٌة مِـن َّ ِ ِ‬
‫الشـ َـرائ ِع ا َّلتــي ُأ ِريــد بِ َهــا ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ا ْل ُم ْســكِ ِر)‪ .‬انتهــى‪.‬‬ ‫السـ ِـر َق ِة َو ُشـ ْـر ِ‬ ‫ا ْل ُك ْفـ ِـر َوا ْل َق ْت ـ ِل َو ِّ‬
‫الز َنــا َو َّ‬
‫منصوصــا عليهــا يف كالم الشــارع‪ ،‬وقــد ال تكــون‬
‫ً‬ ‫وإذا َت َق َّ‬
‫ــرر هــذا فــإن المصلحــة قــد تكــون‬

‫((( (املستصفى‪)174-173 :‬‬


‫‪43‬‬
‫منصوصــا عليهــا؛ فيهتــدي إليهــا العالــم بالفهــم الــذي يؤتــاه يف كتــاب اهلل وســنة رســوله §‪ ،‬فــاهلل‬
‫ً‬
‫ســبحانه يــؤيت الحكمــة مــن يشــاء‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك‪:‬‬

‫الص َل َة ل ِ ِذك ِْري} (((‪.‬‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى‪ِ :‬‬


‫{و َأق ِم َّ‬
‫َ‬
‫ون الدِّ ي ُن ُك ُّل ُه ل ِ َّل ِه} (((‪.‬‬
‫ون فِ ْتنَ ٌة َو َي ُك َ‬ ‫{و َقاتِ ُل ُ‬
‫وه ْم َحت َّٰى َل َت ُك َ‬ ‫‪ -2‬وقوله‪َ :‬‬
‫ارمِ َهــا؛ من ًعــا مــن القطيعــة؛ كمــا قــال §‪( :‬إِ َّن ُكــم‬ ‫‪ -3‬هنــي النبــي § عــن الجمـ ِع بيــن المـ ِ‬
‫ـرأة و َم َح ِ‬
‫ـم َأ ْر َحا َم ُكم‪.((().‬‬ ‫إِ َذا َف َع ْل ُتــم َذلِـ َ‬
‫ـك؛ َق َط ْع ُتـ ْ‬
‫{و َي ْسـ َـأ ُلون ََك َعـ ِ‬
‫ـن‬ ‫‪ -4‬ومــن ذلــك‪ :‬وجــوب اعتــزال النســاء يف المحيــض؛ ألنــه أذى؛ لقولــه تعالــى‪َ :‬‬
‫ـى َي ْط ُهـ ْـر َن} (((‪ .‬وإذا ثبــت أن‬ ‫ـض ۖ َو َل َت ْق َر ُب ُ‬ ‫ـض ۖ ُقـ ْـل ُهــو َأ ًذى َفا ْعت َِز ُلــوا النِّســاء فِــي ا ْلم ِ‬
‫حيـ ِ‬ ‫ا ْلم ِ‬
‫حيـ ِ‬
‫وهـ َّن َح َّتـ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قياســا علــى‬
‫حــال النفــاس كحــال الحيــض يف التعــرض لــأذى؛ وجــب اعتــزال النســاء فيــه كذلــك؛ ً‬
‫الحيــض؛ لالشــراك يف العلــة‪.‬‬

‫واألمثلة على ذلك كثيرة جدً ا‪..‬‬

‫السـ ِـو َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫يمة والف َطـ ِـر َّ‬
‫الســل َ‬
‫فالمصلحــة المعتــرة هــي التــي تبنــى عليهــا األحــكام بمقتضــى العقــول َّ‬
‫المح ِّق َقـ ِـة لِمــر ِ‬
‫اد َّ‬
‫الشـ ْـر ِع مــن العبوديــة‪ ،‬وليــس لمجــرد الهــوى والظــن والتخميــن‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اســدُ ا ْل ُم ْسـتَدْ َف َع ُة إِن ََّمــا ُت ْع َت َبـ ُـر مِـ ْن‬
‫قــال اإلمــام الشــاطبي ¬(((‪( :‬ا ْلمصالِــح ا ْلمج َت َلبـ ُة َشــر ًعا وا ْلم َف ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫اد َّيـ ِـة‪،‬‬
‫حهــا ا ْلع ِ‬
‫ـب َم َصال َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ـوس فِــي َج ْلـ ِ‬ ‫ـث َأ ْهـ َـو ِاء النُّ ُفـ ِ‬
‫ـاة ْالُ ْخـ َـرى‪َ ،‬ل مِـ ْن َح ْيـ ُ‬
‫ـث ُت َقــام ا ْلحيــا ُة الدُّ ْنيــا ل ِ ْلحيـ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ‬ ‫َح ْيـ ُ‬
‫اد َّيـ ِـة‪..‬‬
‫اسـ ِـد َها ا ْلع ِ‬‫َأو در ِء م َف ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالدَّ ل ُيل َع َلى َذل َك ُأ ُم ٌ‬
‫ور‪:‬‬

‫ُخـ ِـر َج ا ْل ُم َك َّل ِفيـ َن َعـ ْن‬


‫الشـ ِـري َع َة إِن ََّمــا َجــا َء ْت لِت ْ‬
‫َأ َحدُ َهــا‪َ :‬مــا ســيأيت ذكــره إن شــاء اهلل تعالــى مــن َأ َّن َّ‬

‫((( [طه‪]14 :‬‬


‫((( [األنفال‪]39 :‬‬
‫[متـََّف ٌق َعلَْي ِه]‬
‫((( ُ‬
‫((( [البقرة‪]222 :‬‬
‫((( (املوافقات‪)63 /2 :‬‬
‫‪44‬‬
‫ِ‬ ‫ـم َح َّتــى َي ُكو ُنــوا ِع َبــا ًدا ل ِ َّلـ ِـه؛ َو َهـ َـذا ا ْل َم ْعنَــى إِ َذا َث َبـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـع‬ ‫ض َأ ْن َي ُكـ َ‬
‫ـون َو ْضـ ُ‬ ‫ـع َفـ ْـر ِ‬ ‫ـت َل َي ْجتَمـ ُ‬
‫ـع َمـ َ‬ ‫َد َواعــي َأ ْه َوائ ِهـ ْ‬
‫ـت‪ ،‬وقــد قــال ربنــا‪ -‬ســبحانه‪:‬‬ ‫اج َلـ ِـة َك ْيـ َ‬
‫ـف كَا َنـ ْ‬ ‫ـب منَافِ ِع َهــا ا ْل َع ِ‬
‫ـوس‪َ ،‬و َط َلـ ِ َ‬ ‫الشـ ِـري َع ِة َع َلــى َو ْفـ ِـق َأ ْهـ َـو ِاء النُّ ُفـ ِ‬ ‫َّ‬
‫ات َواألَ ْر ُض َو َمـ ْن فِ ِ‬
‫يهـ َّن} (((‪.‬‬ ‫او ُ‬ ‫ِ‬
‫ـم َل َف َســدَ ت َّ‬
‫السـ َـم َ‬ ‫{و َلـ ِـو ا َّت َبـ َ‬
‫ـع ا ْل َحـ ُّـق َأ ْه َوا َء ُهـ ْ‬ ‫َ‬
‫الم ْل َغاة]‬ ‫ِ‬
‫القسم الثاين‪ :‬مصلحة شهد الشرع ل ُب ْط َلنها [المصلحة ُ‬

‫‪-‬وإِن َت َو َّه َ‬
‫ــم‬ ‫وهــي‪ :‬مــا شــهد الشــرع بإلغائهــا‪ .‬وهــي باطلــة اتفا ًقــا‪ ،‬وال يجــوز االحتجــاج هبــا َ‬
‫صالحــا‪.-‬‬
‫ً‬ ‫وخ ِّي َــل للعقــ ِل أن فيهــا‬
‫البعــض ُ‬
‫ُ‬

‫وغيــره‪ :‬مــن أن يحيــى بــن يحيــى الليثــي األندلســي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ومِ َثا ُل َهــا‪ :‬مــا حــكاه اإلمــام الغزالــي ¬‬
‫ِ‬
‫الســلطان عبــد الرحمــن الدَّ اخــل [ َل َّمــا َوا َق َ‬
‫ــع جاريــ ًة لــه يف هنــار‬ ‫َ‬ ‫صاحــب اإلمــام مالــك ¬‪ ،‬أفتــى‬
‫ـض الفقهــاء‪ ،‬وقالــوا‬ ‫اج َعـ ُه بعـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫المناســب؛ فلمــا خــرج َر َ‬ ‫رمضــان] بصيــام شــهرين متتابعيــن‪ ،‬نظـ ًـرا لحالــه ُ‬
‫رقبــة؛ كيــف يعــدل بــه إلــى الصــوم؛ والصــوم وظيفــة المعســرين؟! فهــذا‬ ‫ٍ‬ ‫لــه‪« :‬القــادر علــى إعتــاق‬
‫الملــك يملــك عبيــدً ا غيــر محصوريــن»‪ ،‬فقــال لهــم‪« :‬لــو فتحنــا عليــه هــذا البــاب َل َسـ ُـهل أن يخطــأ كل‬
‫يــوم ويعتــق رقبــة؛ فــا يزجــره إعتــاق الرقبــة؛ ويزجــره صــوم شــهرين متتابعيــن»‪ ،‬وهــذا القــول باطـ ٌـل‬
‫باتفــاق مــن ُي ْع َتــدُّ بِـ ِـه مــن أهــل العلــم؛ إذ هــذه المصلحــة ُمت ََو َّه َمــة باطلــة‪ ،‬وليســت مصلحــة يف الحقيقــة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ـص ا ْلكِ َتـ ِ‬ ‫يقــول اإلمــام الغزالــي ¬(((‪َ ( :‬فهـ َـذا َقــو ٌل باطِـ ٌـل وم َخالِـ ٌ ِ‬
‫ـح َهـ َـذا‬‫ـاب بِا ْل َم ْص َل َحــة َو َف ْتـ ُ‬ ‫ـف لنَـ ِّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب َت َغ ُّيـ ِـر ْالَ ْحـ َـو ِ‬ ‫الشــرائِ ِع ونُص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪.‬‬ ‫وص َهــا بِ َسـ َب ِ‬ ‫ـاب ُيـ َـؤ ِّدي إ َلــى َت ْغيِيـ ِـر َجميـ ِع ُحــدُ ود َّ َ َ ُ‬ ‫ا ْل َبـ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َذلِـ َ ِ‬
‫ـم إ َذا ُعـ ِـر َ‬
‫ـم‪َ ،‬و َظنُّــوا َأ َّن ك َُّل َمــا‬ ‫ـم َت ْح ُصـ ْـل ال ِّث َق ـ ُة ل ْل ُم ُلــوك بِ َفت َْو ُاهـ ْ‬ ‫ـك م ـ ْن َصني ـ ِع ا ْل ُع َل َمــاء َلـ ْ‬ ‫ُثـ َّ‬
‫ـون بِـ ِـه َفهــو َتح ِريـ ٌ ِ ِ ِ‬
‫ـم بِالـ َّـر ْأ ِي‪ .).‬انتهــى‪.‬‬ ‫ـف م ـ ْن ج َهت ِهـ ْ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫ُي ْف ُتـ َ‬

‫وال شــك أن تعطيــل النصــوص بزعــم المصلحــة ‪-‬كمــا يف تحليــل الربــا والخمــور‪ -‬لمــا يتوهمــه‬
‫البعــض مــن تحقيــق مصلحــة اقتصاديــة جــاء النــص بإلغائهــا‪ ،‬كمــا قــال اهلل ســبحانه وتعالــى‪َ { :‬يــا َأ ُّي َهــا‬
‫ان َف ِ‬
‫الشـي َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتَن ُبــو ُه َل َع َّل ُكـ ْ‬
‫ـم‬ ‫ْ‬ ‫ـاب َو ْالَ ْز َل ُم ِر ْجـ ٌ‬
‫ـس ِّمـ ْن َع َمـ ِل َّ ْ‬ ‫ا َّلذيـ َن آ َمنُــوا إِن ََّمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر َوا ْل َم ْيسـ ُـر َو ْالَ َ‬
‫نصـ ُ‬

‫((( [الْ ُم ْؤِمنُو َن‪]71 :‬‬


‫((( (املستصفى‪)174 :‬‬
‫‪45‬‬
‫ـع ا ْل َخ ْم ِر‬ ‫الر َبــا}(((‪ ،‬وقــول النبــي §‪( :‬إِ َّن َ‬
‫اهلل َحـ َّـر َم َب ْيـ َ‬ ‫{و َأ َحـ َّـل ُ‬
‫اهَّلل ا ْل َب ْيـ َ‬
‫ـع َو َحـ َّـر َم ِّ‬ ‫ـون}(((‪ ،‬وقــال تعالــى‪َ :‬‬ ‫ُت ْفلِ ُحـ َ‬
‫وا ْلمي َتـ ِـة وا ْل ِ‬
‫خن ِْزيـ ِـر َو ْالَ ْصنَــا ِم)‪.((( .‬‬ ‫َ َْ َ‬
‫ـض بالمســاواة بيــن الذكــر واألنثــى يف الميــراث بحجــة األخــوة الجامعــة بينهمــا‪،‬‬ ‫أو أن ينــادي البعـ ُ‬
‫ِ‬
‫وهــذا مــردود بــا شــك؛ لــورود النــص الــذي يــدل علــى إلغائــه‪ ،‬وهــو قولــه ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪ُ { :-‬يوصي ُكـ ُ‬
‫ـم‬
‫لذ َكـ ِـر مِ ْثـ ُـل‬
‫ل َونِ َســا ًء َفلِ َّ‬
‫{وإِن كَا ُنــوا إِ ْخـ َـو ًة ِّر َجــا ً‬ ‫لذ َكـ ِـر مِ ْثـ ُـل َحـ ِّ‬
‫ـظ ْالُن َث َي ْيـ ِ‬
‫ـن} (((‪ .‬وقولــه‪َ :‬‬ ‫ـم ۖ ل ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل فــي َأ ْو َلد ُكـ ْ‬
‫ُ‬
‫ـظ ْالُن َث َي ْيـ ِ‬
‫ـن} (((‪.‬‬ ‫َحـ ِّ‬

‫وكذلــك ســائر المحرمــات بزعــم المصلحــة‪ ،‬وكــذا تعطيــل الحــدود؛ هــو مــن هــذا الباطــل الــذي‬
‫يــراد بــه هــدم الشــريعة‪..‬‬

‫ومن هنا نعلم أن نصوص الشريعة هي األصل يف معرفة المصالح‪ ،‬وليس العكس‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬المصلحة المسكوت عنها‬

‫وهي‪ :‬ما سكت عنها الشارع‪ ،‬ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها‪.‬‬

‫ـار ِه‬
‫ـم َت ْشـ َـهدْ بِا ْعتِ َبـ ِ‬
‫اصـةُ‪َ ،‬ف َلـ ْ‬
‫ـث‪ :‬مــا سـ َكت َْت َعنْـه َّ ِ‬
‫الشـ َـواهدُ ا ْل َخ َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫قــال اإلمــام الشــاطبي ¬ (((‪( :‬ال َّثالـ ُ َ َ‬
‫َو َل بِإِ ْل َغائِـ ِـه‪ .)....‬انتهــى‪.‬‬

‫وهذا النوع من المصلحة‪:‬‬

‫‪1-1‬إمــا يكــون موافقــا للقواعــد العامــة للشــريعة والمقاصــد الكليــة لهــا؛ ف ُي ْل َحــق بالمصلحـ ِـة‬
‫الم ْع َت َبـ َـرة ‪-‬وإن لــم يــدل عليــه دليـ ٌـل خــاص‪..-‬‬
‫ُ‬
‫وهــذا مــا يطلــق عليــه عنــد أهــل العلــم‪« :‬المصلحــة المرســلة»؛ فهــي مصلحـ ٌة مــن حيــث مالءمتها‬

‫((( [املائدة‪]90 :‬‬


‫((( [البقرة‪]275 :‬‬
‫[متـََّف ٌق َعلَْي ِه]‬
‫((( ُ‬
‫((( [النساء‪]11 :‬‬
‫((( [النساء‪]176 :‬‬
‫((( (االعتصام ‪)611 /2 :‬‬
‫‪46‬‬
‫لمقاصــد الشــريعة وتصرفاهتــا‪ ،‬و ُم ْر َسـ َلة مــن حيــث أنــه لــم يشــهد لهــا دليـ ٌـل خاص‪.‬‬

‫اهلل َت َعا َلــى َعنْـ ُه‪ ،-‬مــع أنــه‬ ‫ومثــال ذلــك‪ :‬جمــع القــرآن الكريــم يف عهــد أبــي بكــر الصديــق ِ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬
‫َ‬
‫ال يوجــد دليــل أو نــص خــاص ينــص علــى هــذه المســألة‪..‬‬

‫اهَّلل َع َل ْيـ ِـه َو َسـ َّل َم ا َّت َف ُقــوا َع َلــى َج ْمـ ِع‬ ‫ِ ِ‬
‫ـاب َر ُســول اهَّلل َص َّلــى ُ‬ ‫قــال اإلمــام الشــاطبي ¬(((‪َ ( :‬أ َّن َأ ْص َحـ َ‬
‫ـم‬ ‫ـف َن ْف َعـ ُـل َش ـ ْي ًئا َلـ ْ‬‫ـم‪َ :‬ك ْيـ َ‬ ‫ـال َب ْع ُض ُهـ ْ‬‫ـص َع َلــى َج ْم ِعـ ِـه َو َك ْتبِـ ِـه َأ ْي ًضــا‪َ ،‬بـ ْـل َقــدْ َقـ َ‬ ‫ـم َنـ ٌّ‬ ‫ـس َثـ َّ‬
‫ِ‬
‫ا ْل ُم ْص َحــف‪َ ،‬و َل ْيـ َ‬
‫ـال‪َ :‬أ ْر َسـ َـل إِ َل َّي‬ ‫اهَّلل َعنْـ ُه‪َ -‬قـ َ‬ ‫ـت ِ‬ ‫ـن َثابِـ ٍ‬
‫اهَّلل َع َل ْيـ ِـه َو َسـ َّل َم؟ َفـ ُـر ِو َي َعـ ْن َز ْيـ ِـد ْبـ ِ‬ ‫ي ْفع ْلـه رسـ ُ ِ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬ ‫َ‬ ‫ـول اهَّلل َص َّلــى ُ‬ ‫َ َ ُ َ ُ‬
‫ـال َأ ُبــو َب ْكـ ٍـر‪( :‬إِ َّن‬ ‫اهَّلل َعنْـ ُه‪َ -‬قـ َ‬ ‫َأبــو ب ْكـ ٍـر ‪-‬ر ِضــي اهَّلل َعنْـه‪ -‬م ْق َتـ َـل ( َأ ْهـلِ) ا ْليمامـ ِـة‪ ،‬وإِ َذا ِعنْــدَ ه ُعمــر ِ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ َ‬
‫آن يــوم ا ْليمامـ ِـة‪ ،‬وإِ ِّنــي َأ ْخ َشــى َأ ْن يس ـت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُع َمـ َـر َأ َتانِــي َف َقـ َ‬
‫َح َّر ا ْل َق ْتـ ُـل‬ ‫َْ‬ ‫اس ـت ََح َّر بِ ُقـ َّـراء ا ْل ُقـ ْـر َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ـال)‪ :‬إِ َّن ا ْل َق ْتـ َـل َقــد ْ‬
‫ـت َل ـ ُه‪:‬‬ ‫ـال‪َ :‬ف ُق ْلـ ُ‬
‫آن‪َ .‬قـ َ‬ ‫آن كَثِيــر‪ ،‬وإِ ِّنــي َأرى َأ ْن َت ْأمــر بِجم ـ ِع ا ْل ُقــر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ـب ُقـ ْـر ٌ‬ ‫ـن ُك ِّل َهــا َف َي ْذ َهـ َ‬ ‫بِا ْل ُقـ َّـر ِاء فِــي ا ْل َم َواطِـ ِ‬
‫اج ُعنِــي‬ ‫‪-‬واهَّللِ‪َ -‬خ ْيــر‪َ ..‬ف َلــم َيـ َـز ْل ُعمــر ُير ِ‬ ‫ـول اهَّللِ §؟ َف َقـ َ ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ـال لــي‪ُ :‬هـ َـو َ‬ ‫ـم َي ْف َع ْلـ ُه َر ُسـ ُ‬ ‫ـف َأ ْف َعـ ُـل َشـ ْي ًئا َلـ ْ‬
‫َك ْيـ َ‬
‫ـت فِيـ ِـه ا َّلـ ِـذي َر َأى ُع َمـ ُـر‪.‬‬ ‫اهَّلل َصــدْ ِري َلـ ُه‪َ ،‬و َر َأ ْيـ ُ‬ ‫ـك َح َّتــى َشـ َـر َح ُ‬ ‫فِــي َذلِـ َ‬
‫ـب ا ْل َو ْحــي لِرسـ ِ‬
‫ـول‬ ‫ـت َت ْك ُتـ ُ‬ ‫ـك‪َ ،‬قــدْ ُكنْـ َ‬ ‫ـاب َعاقِـ ٌـل َل َنت َِّه ُمـ َ‬
‫ـك َر ُجـ ٌـل َشـ ٌّ‬ ‫ـال َأ ُبــو َب ْكـ ٍـر‪ :‬إِ َّنـ َ‬
‫ـال َز ْيــدٌ ‪َ :‬ف َقـ َ‬ ‫َقـ َ‬
‫َ َ ُ‬
‫َان َأ ْث َقـ َـل َع َلـ َّـي‬
‫ـال َمــا ك َ‬ ‫ج َبـ ِ‬‫ـال َز ْيــدٌ ‪َ :‬فـ َـواهَّللِ َلـ ْـو َك َّل ُفونِــي َن ْقـ َـل َج َبـ ٍل مِـ َن ا ْل ِ‬‫اج َم ْعـ ُه‪َ .‬قـ َ‬ ‫آن َف ْ‬ ‫اهَّللِ §‪َ ،‬ف َت َت َّبـ ِع ا ْل ُقـ ْـر َ‬
‫ِ‬ ‫ـول اهَّللِ §؟ َف َقـ َ‬ ‫مِـ ْن َذلِـ َ‬
‫ـم‬ ‫ـال َأ ُبــو َب ْكـ ٍـر‪ُ :‬هـ َـو َواهَّلل َخ ْيـ ٌـر‪َ ،‬ف َلـ ْ‬ ‫ـم َي ْف َع ْلـ ُه َر ُسـ ُ‬
‫ـون َشـ ْي ًئا َلـ ْ‬ ‫ـف َت ْف َع ُلـ َ‬‫ـت‪َ :‬ك ْيـ َ‬ ‫ـك‪َ .‬ف ُق ْلـ ُ‬
‫آن َأ ْج َم ُعـ ُه مِـ َن‬ ‫اهَّلل َصــدْ ِري ل ِ َّلـ ِـذي َشـ َـر َح َصدْ َر ْي ِه َمــا؛ َف َت َت َّب ْعـ ُ‬
‫ـت ا ْل ُقـ ْـر َ‬ ‫ـك َح َّتــى َشـ َـر َح ُ‬ ‫اج ُعنِــي فِــي َذلِـ َ‬ ‫َيـ َـز ْل ُير ِ‬
‫َ‬
‫ور الر َجـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الر َقـ ِ‬
‫ـال‪.‬‬ ‫ـب َوال ِّل َخــاف‪َ ،‬ومـ ْن ُصــدُ ِ ِّ‬ ‫ـاق َوا ْل ُع ُسـ ِ‬ ‫ِّ‬
‫الص َحا َب ِة‪ .).‬انتهى‪.‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يه ِخ َل ٌ‬
‫ف َع ْن َأ َحد م َن َّ‬
‫َفه َذا َعم ٌل َلم ينْ َق ْل فِ ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ـف وإن لــم َيـ ِـرد فيــه دليـ ٌـل خــاص يــدل علــى فِ ْعلِــه أو َت ْركــه‪ ،‬إال أن‬
‫فجمــع القــرآن مــن المصاحـ ِ‬
‫َ ْ‬
‫أصحــاب رســول اهلل § رأوا مــن المصلحــة فِ ْعــل ذلــك؛ َع َمـ ًـا بالقواعــد العامــة الداعيــة إلــى حفــظ‬
‫ـم ُأصولِـ ِـه بــا شــك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الديــن‪ ،‬والقــرآن الكريــم م ـ ْن َأ َهـ ِّ‬
‫الشــا ِم َو َأ ْهـ َـل ا ْل ِعــر ِ‬ ‫َان ُي َغـ ِ‬ ‫ـن مالِـ ٍ‬
‫ـك َأ َّن ح َذي َفـ َة بـن ا ْليمـ ِ‬
‫اق‬ ‫َ‬ ‫ـازي َأ ْهـ َـل َّ‬ ‫ـان ك َ‬ ‫ُ ْ ْ َ ََ‬ ‫ـس ْبـ ِ َ‬
‫وقــال ¬(((‪( :‬و َعـ ْن َأ َنـ ِ‬
‫((( (االعتصام ‪)613-612 /2‬‬
‫((( (‪)613 /2‬‬
‫‪47‬‬
‫ـان‪َ :‬يــا َأمِيـ َـر ا ْل ُم ْؤمِنِيـ َن! َأ ْد ِر ْك‬ ‫ـال ل ِ ُع ْث َمـ َ‬
‫آن؛ َف َقـ َ‬‫اختِ َل ُفهــم فِــي ا ْل ُقــر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ـان‪َ ،‬ف َأ ْف َز َعـ ُه ْ‬
‫يجـ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫فــي َف ْتــحِ َأ ْرمين َّيـ َة َو َأ ْذ َربِ َ‬
‫ِ‬

‫ان إِ َلــى َح ْف َصةَ‪:‬‬ ‫ـارى؛ َف َأ ْر َسـ َـل ُع ْث َم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َهـ ِـذ ِه ْالُ َّمـ َة َق ْبـ َـل َأ ْن َي ْختَلِ ُفــوا فِــي ا ْلكِ َتـ ِ‬
‫اخ َت َل َفــت ا ْل َي ُهــو ُد َوالن ََّصـ َ‬ ‫ـاب ك ََمــا ْ‬
‫ـف ُثــم نَرد َهــا َع َليـ ِ‬ ‫احـ ِ‬ ‫ـخها فِــي ا ْلمص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـان؛‬‫ـك‪َ .‬ف َأ ْر َسـ َل ْت َح ْف َصـ ُة بِ َهــا إِ َلــى ُع ْث َمـ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫الص ُحــف َنن َْسـ ُ َ‬ ‫َأ ْرســلِي إِ َلـ َّـي بِ ُّ‬
‫ـن‬‫الر ْح َمـ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاص‪َ ،‬و َع ْبــد َّ‬ ‫ـن ا ْل َعـ ِ‬ ‫يد ْبـ ِ‬ ‫ـع ِ‬
‫الزبيـ ِـر‪ ،‬وسـ ِ‬
‫ـن ُّ َ ْ َ َ‬ ‫ـت‪َ ،‬وإِ َلــى َع ْبـ ِـد اهَّللِ ْبـ ِ‬ ‫ـن َثابِـ ٍ‬ ‫ـان إِ َلــى َز ْيـ ِـد ْبـ ِ‬
‫َف َأ ْر َسـ َـل ُع ْث َمـ ُ‬
‫ـط ا ْل ُق َر ِش ـ ِّيي َن‬
‫ـال لِلر ْهـ ِ‬
‫ـم َقـ َ َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ـف فــي ا ْل َم َصاحــف‪ُ ،‬ثـ َّ‬
‫ـخوا الصحـ َ ِ‬
‫ُّ ُ‬
‫ث بـ ِ ِ‬
‫ـن ه َشــا ٍم‪َ ،‬ف َأ َم َر ُهـ ْ‬
‫ـم َأ ْن َين َْسـ ُ‬ ‫ـار ْ‬
‫ـن ا ْلحـ ِ ِ‬
‫ْبـ ِ َ‬
‫ـش‪َ ،‬فإِ َّنـ ُه َنـ َـز َل بِلِ َســانِ ِه ْم‪.‬‬ ‫ـت َفا ْك ُتبــوه بِلِسـ ِ‬
‫ـان ُق َر ْيـ ٍ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫اخ َت َل ْف ُتــم فِيـ ِـه َأ ْن ُتــم و َزيــدُ بـن َثابِـ ٍ‬
‫ْ َ ْ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ال َّث َل َثـ ِـة‪َ :‬مــا ْ‬
‫ـان فِــي ك ُِّل ُأ ُفـ ٍـق بِمصحـ ٍ‬
‫ـف‬ ‫ـث ُع ْث َمـ ُ‬ ‫احـ ِ‬
‫ـف‪َ ،‬ب َعـ َ‬ ‫ـف فِــي ا ْلمص ِ‬ ‫الص ُحـ َ‬ ‫ـال‪َ :‬ف َف َع ُلــوا‪َ ،‬ح َّتــى إِ َذا ن ََسـ ُ‬
‫َقـ َ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ـخوا ُّ‬
‫حي َفـ ٍـة َأو مصح ٍ‬
‫وها‪ُ ،‬ثــم َأمــر بِمــا ِســوى َذل ِ َك مِـن ا ْل ِقــراء ِة فِــي ك ُِّل ص ِ‬ ‫ـف ا َّلتِــي ن ََسـ ُ‬ ‫احـ ِ‬
‫ـك ا ْلمص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف‬ ‫ْ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ـخ َ‬ ‫مـ ْن ت ْلـ َ َ َ‬
‫َأ ْن ُي ْحـ َـر َق‪ .)..‬انتهــى‪.‬‬

‫الصنَّــاع دون تفريــط فيــه خــاف بيــن‬‫الصنَّــاع [وتضميــن ُ‬


‫ومــن ذلــك تضميــن ُ‬
‫بالواح ِ‬
‫ــد [وقتــل الجماعــة بالواحــد يحتــج عليــه بالعمــوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجماعــة‬ ‫أهــل العلــم]‪ ،‬و َقت ُ‬
‫ْــل‬
‫وبآثــار الصحابــة التــي ال يعلــم لهــا مخالــف]‪ ،‬وصــك النقــود‪ ،‬وتدويــن الدواويــن‪،‬‬
‫ونحــو هــذا ممــا يالئــم مقاصــد الشــريعة‪ ،‬وال يتعــارض مــع نــص مــن نصوصهــا‪.‬‬
‫وقــال اإلمــام الشــنقيطي ¬‪( :‬واعلــم أن [اإلمــام] مال ـ ًكا يراعــي المصلحــة المرســلة يف الحاجيــات‬
‫والضروريــات كمــا قــرره علمــاء مذهبــه‪ .‬ودليــل مالــك علــى مراعاهتــا‪ :‬إجمــاع الصحابــة عليهــا‪ ،‬كتولية‬
‫أبــي بكــر لعمــر‪ ،‬واتخــاذه الســجون‪ ،‬وكتابــة أســماء الجنــد يف الديــوان‪ ،‬وإحــداث عثمــان ألذان آخــر يف‬
‫الجمعــة‪ ،‬وأمثــال ذلــك كثيــرة جــدا‪ .).‬انتهــى(((‪.‬‬

‫والمصلحــة المرســلة‪ :‬كذلــك ال تكــون يف العبــادات؛ إذ األصــل يف العبــادات أهنــا توقيفيــة‪ ،‬وال‬
‫ٍ‬
‫ـار‬
‫ـدارا معلو ًمــا‪ -‬كنصيــب الذكــر واألنثــى يف الميــراث؛ فاعتبـ ُ‬ ‫يف شــيء َقــدَّ َره الشـ ُ‬
‫ـرع ‪-‬بــأن جعــل لــه مقـ ً‬
‫ـم اهللِ َو َر ُســول ِ ِه §‪.‬‬
‫ـم الهــوى‪ ،‬وهــو ُمن ََاز َعـ ٌة ل ِ ُح ْكـ ِ‬
‫والسـنَّة مــن تحكيـ ِ‬
‫ور ُّد الكتــاب ُ‬
‫المصلحــة َ‬
‫‪2-2‬أو أن يكــون هــذا النــوع مــن المصلحــة غيــر مالئــم لتصرفــات الشــريعة ومقاصدهــا؛‬
‫الشــرععلــىإلغائــهوبطالنــه؛ألهنــاتكــونبذلــكمصلحــة ُمت ََو َّه َمــةمرجوحــة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ف ُي ْل َحــقبمــاشــهد‬

‫((( (مذكرة يف أصول الفقه‪)203 :‬‬


‫‪48‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬ما يراه المالكية ‪-‬على تفصي ٍل عندهم‪ -‬من منع المريض مرض الموت من الزواج‪،‬‬
‫وفسخ نكاحه ‪-‬إن وقع‪-‬؛ ألنه بزواجه هذا ُيدْ ِخل على الورثة وار ًثا جديدً ا‪ ،‬ويف هذا إضرار هبم‪،‬‬
‫الحاضة على‬
‫َّ‬ ‫والقاعدة العامة تقول‪( :‬ال ضرر وال ضرار)؛ فهذه مصلحة غير مالزمة لتفرعات الشريعة‬
‫النكاح والمصححة له ‪-‬إذا وقع بشروطه‪ -‬والعمومات يف مثل هذا ُم َقدَّ َمة على مثل هذه المصالح‪.‬‬

‫*******‬

‫‪49‬‬
‫أهمية ُم َر َ‬
‫اج َعة أهل العلم والخبرة‬

‫إن تحقيــق الموازنــات تحتــاج إلــى ُم َم َارســة طويلــة المــدى‪ ،‬وتحتــاج إلــى ُمجا َل َســة أهــل العلــم‬
‫ومراجعتهــم يف كل أمــر مشــكل؛ حتــى نعلــم كيــف نقــوم بالدعــوة إلــى اهلل علــى الوجــه الصحيــح‪.‬‬

‫األمــر يحتــاج إلــى علــم وبصيــرة‪ ،‬ويحتــاج إلــى خــرة وطريقــة صحيحــة؛ وال ُيمكِــن ذلــك إال‬
‫الذ ْكـ ِـر إِ ْن ُكنْ ُتـ ْ‬
‫ـم َل َت ْع َل ُمـ َ‬
‫ـون}(((‪ ،‬فعنــد وجــود‬ ‫اسـ َـأ ُلوا َأ ْهـ َـل ِّ‬
‫بمراجعــة أهــل العلــم قــال اهلل ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪َ { :-‬ف ْ‬
‫الجهــل أو الشــبهات‪ ،‬أو اجتمــاع المصالــح والمفاســد‪ ،‬أو َت ُ‬
‫ــدارؤ المصالــح مــع بعضهــا وضــرورة‬
‫االختيــار بيــن أعظمهــا وأ َق ِّلهــا لتحصيــل األعظــم ولــو بفــوات األقــل‪ ،‬وكــذا إذا تزاحمــت المفاســد‬
‫والبــد مــن احتمــال بعضهــا؛ فالبــد مــن معرفــة مقــدار األقــل الحتمالِــه دف ًعــا لألشــد؛ قــال اهلل ‪-‬ســبحانه‬
‫ـى ُأولِــي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـن َأ ِو ا ْل َخـ ْـوف َأ َذا ُعــوا بِــه ۖ َو َلـ ْـو َر ُّدو ُه إِ َلــى َّ‬
‫الر ُســول َوإِ َلـ ٰ‬ ‫{وإِ َذا َجا َء ُهـ ْ‬
‫ـم َأ ْمـ ٌـر ِّم ـ َن ْالَ ْمـ ِ‬ ‫وتعالــى‪َ :-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم} (((‪ ،‬فــدَ َّل ذلــك علــى أن أهــل العلــم هــم ُ‬
‫الم َقدَّ مــون يف‬ ‫ْالَ ْمـ ِـر من ُْهـ ْ‬
‫ـم َل َعل َم ـ ُه ا َّلذي ـ َن َي ْس ـتَنبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ‬
‫‪-‬ص َّلــى ُ‬
‫اهلل‬ ‫ذلــك؛ فالنــاس ُيــردون إلــى أولــي األمــر منهــم‪ ،‬ومنهــم أمــراء ونقبــاء وعرفــاء أيــام النبــي َ‬
‫ِ‬
‫ـص ‪-‬ســبحانه‬ ‫َع َليــه َو َس ـ َّل َم‪ ،-‬واليــوم يوجــد أنــاس مــن أهــل القــوة يف الوظائــف اإلداريــة‪ ،‬لكــن َخـ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم» ومــا ذاك إال ألن هــذه المســائل‬‫وتعالــى‪ -‬الذيــن يســتنبطونه‪ ،‬قــال‪َ « :‬ل َعل َم ـ ُه ا َّلذي ـ َن َي ْس ـتَنبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ‬
‫‪-‬أمــور األمــن والخــوف‪ -‬كلهــا مــن أمــور السياســة التــي تشــتبك فيهــا المصالــح والمفاســد وقــد‬
‫تتعــارض الحســنات والســيئات؛ ولذلــك يكــون هــذا علــى أهــل العلــم مــن َ‬
‫أشـ ِّـق األمــور‪.‬‬

‫‪-‬ص َّلــى‬
‫ـم} (((‪ ،‬وكان النبــي َ‬
‫ـورى َب ْين َُهـ ْ‬ ‫{و َأ ْم ُر ُهـ ْ‬
‫ـم ُشـ َ‬ ‫الم َشـ َ‬
‫ـاو َرة‪ ،‬قــال تعالــى‪َ :‬‬ ‫كمــا يحتاجــون إلــى ُ‬
‫ِ‬
‫ـاو َر ًة ألصحابــه‪ ،‬مــع أنــه مؤ َّيــدٌ بالوحــي المعصــوم عــن الزلــل‪ ،‬ومــع‬ ‫اهلل َع َليــه َو َسـ َّل َم‪ -‬أكثــر النــاس ُم َشـ َ‬
‫ُ‬
‫ـم ُأ َّم َتــه كيــف يتخــذون القــرارات‪.‬‬ ‫ذلــك ُي َع ِّلـ ُ‬

‫بالم َشـ َ‬
‫ـاو َرة فيمــا بينهــم‬ ‫لهــذا نَقــول‪ :‬البــد مــن الرجــوع ألهــل العلــم‪ ،‬وتحقيــق النظــر يف الواقــع ُ‬
‫وبيــن بعضهــم البعــض‪ ،‬وذلــك أنــه ال يتحقــق اتخــاذ القــرار الصحيــح إال بــأن يكــون هنــاك علــم‬
‫وبصيــرة‪ ،‬وأن يكــون هنــاك دراســة للواقــع وموازيــن القــوى‪ ،‬وأن يكــون هنــاك تشــاور بيــن أهــل العلــم‪.‬‬
‫((( [النحل‪]43 :‬‬
‫((( [النساء‪]83 :‬‬
‫((( [الشورى‪]38 :‬‬
‫‪50‬‬
‫وأعجــب مــا رأينــا وســمعنا أن نســمع مــن يقــول «إن المشــايخ والعلمــاء علــى رؤوســنا وأننــا‬
‫نعــرف َقدْ َرهــم لكــن يف أمــور األمــن والخــوف ‪-‬أعنــي السياســة‪ -‬فإننــا أعلــم منهــم بذلــك»!؛ َأفِــي‬
‫مســائل العقيــدة والعبــادة والمعاملــة والحــال والحــرام واألخــاق وســائر األمــور تعرفــون َقــدْ َر‬
‫احتياجــا لالجتهــاد والتشــاور وهــي َخ ِف َّيــة ‪-‬أشــد‬
‫ً‬ ‫العلمــاء ثــم إذا جــاءت المســائل األصعــب واألشــد‬
‫خفــا ًء مــن أمــور االختــاف يف األمــور المجــردة التــي ذكرنــا‪ -‬فعنــد ذلــك ترتكــون رأيهــم وتكونــون‬
‫أنتــم أعلــم منهــم بذلــك؟! وتتبعــون يف الحقيقــة دعايــات أهــل البــدع والضــال ‪-‬التــي هــي يف حقيقــة‬
‫ـخ ُروا أهــل البــدع والضــال لكــي ُي َم ِّز ُقــوا األمــة‪ -‬فتجدهــم يكــون‬ ‫األمــر دعايــات األعــداء الذيــن َسـ َّ‬
‫عندهــم مــن المرونــة المزعومــة يف العقائــد حتــى أهنــم ينطقــون بالكفــر أحيا ًنــا وي ِ‬
‫ح ُّلــون مــا حــرم اهلل‬ ‫ُ‬
‫اهلل و َيسـت َِد ُّلون باآليــات واألحاديــث يف غيــر موضعهــا قط ًعــا‬
‫أحـ َّـل ُ‬
‫‪-‬ســبحانه وتعالــى‪ -‬أو ُي َح ِّرمــون مــا َ‬
‫وباإلجمــاع!‪ ،‬كمــن يحتــج علــى الحريــات التــي يطلبهــا الغرب يف الشــذوذ الجنســي وانتشــار الفواحش‬
‫«ل إِ ْكـ َـرا َه‬ ‫عاشــرة الجنســية وكذلــك يف حمايــة حقــوق الم ْل ِ‬
‫حديــن كمــا يســموهنم فيقــول َ‬ ‫ُ‬ ‫الم َ َ‬‫والحريــة يف ُ‬
‫ِ‬ ‫فِــي الدِّ يـ ِ‬
‫الر ْشــدُ م ـ َن ا ْل َغـ ِّـي}(((‪ ،‬وكذلــك قولــه تعالــى‪َ :‬‬
‫{و ُق ـ ِل‬ ‫ـن»! ومعلــو ٌم أن تكملــة اآليــة { َقــدْ َت َب َّي ـ َن ُّ‬
‫ـاط بِ ِهــم ســر ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد ُق َها‬ ‫ـارا َأ َحـ َ ْ ُ َ‬‫ـم َف َمـ ْن َشــا َء َف ْل ُي ْؤمـ ْن َو َمـ ْن َشــا َء َف ْل َي ْك ُفـ ْـر إِ َّنــا َأ ْعتَدْ َنــا لل َّظالميـ َن َنـ ً‬
‫ا ْل َحـ ُّـق مـ ْن َر ِّب ُكـ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اب َو َســا َء ْت ُم ْر َت َف ًقــا}(((؛ شــتان بيــن داللة‬
‫الشـ َـر ُ‬ ‫ـس َّ‬ ‫َوإِ ْن َي ْسـتَغي ُثوا ُي َغا ُثــوا بِ َمــاء كَا ْل ُم ْهـ ِل َي ْشـ ِـوي ا ْل ُو ُجــو َه بِ ْئـ َ‬
‫هــذه اآليــة علــى مســئولية اإلنســان وعقوبــة مــن َظ َلــم و َك َفــر وبيــن الحريــة الغربيــة التــي ُت َصـ ِّـو ُب الملـ َـل‬
‫ض باطِلِهــم‬ ‫ُك َّلهــا وتبيــح هــدم األخــاق وتدميــر قِ َيــم األمــم ‪-‬خاصــ ًة قِ َيــم األُ َّمــة اإلســامية‪ -‬ل َف ْــر ِ‬
‫وضاللِهــم وانحرافِهــم‪.‬‬
‫نعجــب ممــن يتابــع إعــام هــؤالء بالليــل والنهــار‪ ،‬و َي ْق َبــل كل مــا يقولــون‪ ،‬و َي ِ‬
‫جــدُ يف نفســه َح َر ًجــا‬
‫ممــا يقولــه أهــل العلــم!‪ ،‬ويزعــم أهنــم ال يفهمــون يف السياســة‪ ،‬مــع أن اهلل تعالــى َخ َّص ُهــم ‪-‬مــن دون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأولــي األمــر‪ -‬بالفهــم والعلــم فقــال‪َ « :‬ل َعل َمـ ُه ا َّلذيـ َن َي ْسـتَنبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ‬
‫ـم»؛ لذلــك َن ُقــول‪ :‬أهـ ُـل العلــم هــم‬
‫الم َقدَّ ُمــون يف بــاب المصالــح والمفاســد‪.‬‬ ‫ُ‬

‫{وإِ َذا َجا َء ُهـ ْ‬


‫ـم َأ ْمـ ٌـر ِّم ـ َن‬ ‫قــال الشــيخ عبدالرحمــن بــن ناصــر الســعدي ¬ يف تفســير قولــه تعالــى َ‬
‫((( [البقرة‪]256 :‬‬
‫((( [الكهف‪]29 :‬‬
‫‪51‬‬
‫ـم َل َعلِ َمـ ُه ا َّل ِذيـ َن َي ْسـتَنبِ ُطو َن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـن َأ ِو ا ْل َخـ ْـوف َأ َذا ُعــوا بِــه ۖ َو َلـ ْـو َر ُّدو ُه إِ َلــى َّ‬
‫الر ُســول َوإِ َلـ ٰ‬
‫ـى ُأولــي ْالَ ْمـ ِـر من ُْهـ ْ‬ ‫ْالَ ْمـ ِ‬
‫بــاده عــن فِ ْعلِ ِهــم هــذا غيــر الالئــق‪ .‬وأنــه ينبغــي لهــم إذا‬ ‫مِنْهــم}(((‪( :‬هــذا تأديــب مــن اهلل [تعالــى] ل ِ ِع ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬
‫جاءهــم أمـ ٌـر مــن األمــور المهمــة والمصالــح العامــة مــا يتعلــق باألمــن وســرور المؤمنيــن‪ ،‬أو بالخــوف‬
‫الــذي فيــه مصيبــة‪ :‬عليهــم أن يتثبتــوا وال يســتعجلوا بإشــاعة ذلــك الخــر‪ ،‬بــل يردونــه إلــى الرســول‬
‫وإلــى أولــي األمــر منهــم‪ ،‬أهــ ِل الــرأي والعلــم والنصــح والعقــل والرزانــة‪ ،‬الذيــن يعرفــون األمــور‬
‫ويعرفــون المصالــح وضدهــا؛ فــإن رأوا يف إذاعتــه مصلحـ ًة ونشــا ًطا للمؤمنيــن وسـ ً‬
‫ـرورا لهــم وتحـ ُّـر ًزا‬
‫مــن أعدائهــم َف َعلــوا ذلــك‪ .‬وإن رأوا أنــه ليــس فيــه مصلحــة أو فيــه مصلحــة ولكــن مضرتــه تزيــد علــى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم} أي‪ :‬يســتخرجونه بفكرهــم وآرائهم‬ ‫ـال‪َ { :‬ل َعل َمـ ُه ا َّلذيـ َن َي ْسـ َتنْبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ‬
‫مصلحتــه لــم يذيعــوه‪ ،‬ولهــذا قـ َ‬
‫الســديدة وعلومهــم الرشــيدة‪.‬‬

‫ويف هــذا دليــل لقاعــدة أدبيــة وهــي أنــه إذا حصــل بحــث يف أمــر مــن األمــور ينبغــي أن ُي َو َّلــى‬
‫َمـ ْن هــو أهـ ٌـل لذلــك‪ ،‬و ُيجعــل إلــى أهلــه‪ ،‬وال ُي َت َقــدَّ م بيــن أيديهــم‪ ،‬فإنــه أقــرب إلــى الصــواب وأحــرى‬
‫للســامة مــن الخطــأ‪.‬‬
‫وفيــه النهــي عــن العج َلـ ِـة والتَّســرع لنشــر األمــور مــن حيــن سـ ِ‬
‫ـماعها‪ ،‬واألمــر بالتأمــل قبــل الــكالم‬ ‫َ ُّ‬ ‫َ َ‬
‫والنظــر فيــه‪ ،‬هــل هــو مصلحـ ٌة ف ُي ْقـ ِـدم عليــه اإلنســان؟ أم ال ف ُي ْح ِ‬
‫جــم عنــه؟‪ .).‬انتهــى(((‪.‬‬

‫ولهــذا قــال أبــو مســلم الخــوالين ¬‪« :‬العلمــاء يف األرض مثــل النجــوم يف الســماء؛ إذا َبــدَ ت‬
‫للنــاس اه َتــدوا هبــا‪ ،‬وإذا َخ ِف َيــت عليهــم َت َح َّيــروا»‪ ،‬وقــال الحســن البصــري‪َ « :‬م َثــل العلمــاء مثــل المــاء؛‬
‫حيثمــا َس ـ َق ُطوا َن َف ُعــوا»‪.‬‬

‫َــك مــن ا ِّتبــاع أهــل العلــم ويزعمــون أهنــم‬


‫ــذر مــن أهــل البــدع والضــال الذيــن ُي َح ِّذ ُرون َ‬
‫فاح َ‬
‫ْ‬
‫أعلــم منهــم بأمــور السياســة وأهنــم رجــال المرحلــة [ولذلــك البــد ألهــل العلــم أن يطيعوهــم علــى‬
‫خصوصــا إذا ظهــرت‬
‫ً‬ ‫ـم‪،]!-‬‬ ‫َخ َللِهــم! مــع ظهــور آثــار هــذا َ‬
‫الخ َلــل لــكل عاق ـ ٍل ‪-‬ال أقــول لــكل عالـ ٍ‬
‫إمــارات التكفيــر والتخريــب والتدميــر للمجتمعــات‪ ،‬وظهــر ذلــك َجلِ ًّيــا يف تدميرهــم ألنفســهم و َمــن‬

‫((( [النساء‪]83 :‬‬


‫((( من تفسري السعدي = تيسري الكرمي الرمحن (ص‪)190 :‬‬
‫‪52‬‬
‫خصوصــا أهنــم ال يع َبــأون إال بمصلحــة طائفتهــم المحــدودة التــي ليســت مــن مصلحــة األمــة‬
‫ً‬ ‫َتبِعهــم‪،‬‬
‫يف غالِــب األوقــات؛ فالبــد أن ننتبــه إلــى هــذا الخطــر الــذي يــردده البعــض وهــو ال يعــي ‪-‬مِــن أن أهــل‬
‫ستشــارون يف هــذه األمــور‪-‬؛ كيــف وهــم قــد بذلــوا كل مــا يف وســعهم يف دراســة الواقــع‪ ،‬بعــد‬ ‫العلــم ال ُي َ‬
‫اهلل َع َليـ ِـه‬
‫‪-‬ص َّلــى ُ‬ ‫ِعلمهــم بالشــريعة وموازينهــا وكيــف ُتت َ‬
‫َّخــذ المواقــف مــن ســيرة األنبيــاء وســنة النبــي َ‬
‫َو َسـ َّل َم‪ ،-‬ثــم تشــاوروا مــع بعضهــم وتشــاوروا مــع عامــة أهــل الــرأي مــن إخواهنــم‪ ،‬ثــم كانــت مواقفهــم‬
‫‪-‬بفضــل اهلل‪ -‬عــر ســنوات ُت ْثبِــت توفي ًقــا مــن اهلل ‪-‬ســبحانه وتعالــى‪ -‬ورشــا ًدا ِلُ َّمتِهــم وجماعتِهــم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنفســهم يف ذلــك ولــم‬ ‫ودعوتهــم ومنهجهــم المبــارك؛ َأ ُيريــد بعــض األغــرار والشــباب أن ُي َقدِّ مــوا َ‬
‫مقاص ِدهــا‪ -‬واالجتهــاد يف ترتيــب أولوياهتــا وأمــور‬ ‫ِ‬ ‫ُي َح ِّص ُلــوا شــي ًئا مــن العلــم بالشــريعة ‪-‬فضـ ًـا عــن‬
‫رجــع إلــى أهــل العلــم دون‬
‫المصالــح والمفاســد فيهــا ‪-‬التــي هــي أصعــب أمــور االجتهــاد‪-‬؛ فالبــد أن ُي َ‬
‫غيرهــم مــن أهــل الجهــل والثــورة والفــورة التــي ال ُتراعــي فتنـ ًة وال تدفــع فوضــى و َم َضـ َّـر ًة وســو ًءا عــن‬
‫المســلمين‪.‬‬

‫*******‬

‫‪53‬‬
‫خاتمة‬

‫اصح‬
‫أمور مهمة البد أن َي ْستَ ْح ِض َرها النَّ ِ‬
‫ٌ‬

‫بم ِه َّمــة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َت َب َّقــى لنــا أن ُننَ ِّبــه علــى بعــض األمــور المهمــة التــي البــد أن َيسـت َْحض َرها النَّاصــح يف قيامــه ُ‬
‫الن ُّْصــح‪ ..‬نختــم هبــا مقاالتنــا هــذه؛ نســأل اهلل أن ينفــع هبــا يف الدنيــا واآلخــرة‪.‬‬

‫ــق يف عملــه مــن‬ ‫الخ ْل َ‬


‫ــح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫أول‪ :‬أهميــة اإلخــاص يف القيــام هبــذا الواجــب‪ ،‬حتــى ُيســقط الناص ُ‬
‫{و َمــا ِلَ َحـ ٍـد ِعنْــدَ ُه مِـ ْن نِ ْع َمـ ٍـة ُت ْجـ َـزى * إِ َّل ا ْبتِ َغــا َء َو ْجـ ِـه َر ِّبـ ِـه ْالَ ْع َلــى‬
‫حســابِه‪ ،‬فهــو ال يريــد إال وجــه اهلل‪َ ،‬‬
‫ف ير َضــى } (((‪ ،‬فــا يفــرح بمــدْ حِ مـ ِ‬
‫ـادحٍ ‪ ،‬وال يهــرب ويخــاف مــن َذ ِّم َذا ٍّم ممــن يخالفــه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫* َو َل َسـ ْـو َ َ ْ‬
‫الم َخال ِ ِفيــن للدِّ يــن؛ فالبــد‬ ‫وكثيـ ٌـر مــن الناصحيــن قــد تجــده َيفــرح إذا َمدَ َحــه َمــن َمدْ ُحــه َشـ ْي ٌن مــن ُ‬
‫الذا ِّميــن مِ َّمــن َذ ُّمهــم َز ْي ـ ٌن؛‬ ‫ـاة مــن َيضيــق بِـ َـذ ِّم َّ‬ ‫أن يحــذر علــى نفســه مــن ذلــك‪ ،‬ومــن النــاس والدُّ َعـ ِ‬

‫ـون لــه الســام ُة مــن‬ ‫ـرارا مــن ذلــك يــرك مــا ُأمــر بــه مــن النصيحــة والدعــوة إلــى اهلل؛ َف َأ َّنــى تكـ ُ‬ ‫لكنــه فـ ً‬
‫ِ‬
‫الـ َّـذ ِّم وقــد حصــل لألنبيــاء‪ ،‬بــل الســب والشــتم‪ ،‬بــل الضــرب والقتــل‪ ،‬قــال تعالــى‪َ { :‬أ َف ُك َّل َمــا َجا َء ُكـ ْ‬
‫ـم‬
‫ـع ذلــك مــن ال ُك َّفــار‬ ‫ـون}(((‪ ،‬وقــد َو َقـ َ‬ ‫ـم َو َف ِري ًقــا َت ْق ُت ُلـ َ‬
‫اسـ َت ْك َب ْر ُت ْم َف َف ِري ًقــا ك ََّذ ْب ُتـ ْ‬
‫ـول بِ َمــا َل َت ْهـ َـوى َأ ْن ُف ُسـ ُك ُم ْ‬
‫َر ُسـ ٌ‬
‫والم ْج ِرميــن‪.‬‬
‫ُ‬
‫أمــا مــن ي ْخدَ ُعــه َخـ ِ‬
‫ـاد ٌع بــأن ذلــك لرعايــة َه ْي َبــة الداعــي ومصلحــة الدعــوة فــا يريــد أن يتعــرض‬ ‫َ َ‬
‫ــذ َّم وال ُي ْشــتَم؛ فيــرك النــاس يهلكــون و ُيقتلــون و ُيحبســون وال َينصحهــم بمــا‬ ‫لذلــك حتــى ال ُي َ‬
‫َيحفــظ دينَهــم ودعو َتهــم و ُدنياهــم‪ ،‬ويزعــم أنــه ُي ْب ِقــي علــى هيبـ ِـة َن ْف ِســه فهــو المخالــف ل ِ ُس ـن َِّة األنبيــاء‬
‫والمرســلين‪..‬‬

‫نصــح ِلُ َّمتِــه‬ ‫وهــل تبقــى الدعــوة أصـ ًـا حتــى تبقــى هيبـ ُة الــذي يزعــم أنــه يحافــظ عليهــا إذا لــم َي َ‬
‫ـن ا ْل ُمنْ َكـ ِـر‬ ‫ـم الصـ َـا َة و ْأمــر بِا ْلمعــر ِ‬
‫وف َوا ْن ـ َه َعـ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫و ُمجتمعــه؟! ولمــاذا إ ًذا قــال لقمــان البنــه‪َ { :‬يا ُبنَـ َّـي َأقـ ِ َّ‬
‫ـور}(((؟؛ فمــا العزيمــة يف تــرك النصيحــة التــي يعلــم‬ ‫ـك مِ ـ ْن َعـ ْـز ِم ْالُ ُمـ ِ‬
‫ـك إِ َّن َذلِـ َ‬
‫اصبِـ ْـر َع َلــى َمــا َأ َصا َبـ َ‬
‫َو ْ‬

‫((( [الليل‪]21 - 19 :‬‬


‫((( [البقرة‪]87 :‬‬
‫((( [لقمان‪]17 :‬‬
‫‪54‬‬
‫االنســان أهنــا حــق ونصــح صــادق لألمــة والدعــوة وطوائــف المســلمين إذا ُشــتِ ْم َت‪ ،‬والقيــام هبــا حيــن‬
‫ُت َب َّجــل و ُت َقــدَّ م و ُت َع َّظــم؟! ومــن أيــن ُأ ِخــذ هــذا مــن ســيرة األنبيــاء والعلمــاء المليئــة بصــور الصــر علــى‬
‫األذى وأنــواع الت َُّهــم خاصــة إذا كانــت مــن أهــل الكفــر أو أهــل البــدع؟‬

‫ـم أعــداء ُأ َّمتِهــم بالتخلــف والرجعيــة‪ ،‬بــل األنبيــا ُء‬


‫فمــا زال المســلمون علــى الــدوام يتحملــون ُت َهـ َ‬
‫‪-‬إلــى يومنــا هــذا‪ -‬وخا َت ُمهــم محمــد § يتعرضــون للســخرية واالســتهزاء‪ ،‬وأبــو بكــر وعمــر وعثمــان‬
‫اهلل َعنْـ ُه‪ -‬مــا زال ُي َك َّفــر إلــى اآلن‬ ‫‪-‬ر ِضــي اهلل َعنْهــم‪ -‬إلــى اآلن يسـبون مــن الرافضــة‪ ،‬و َعلِــي ِ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬
‫َ ٌّ َ‬ ‫ُ َ ُّ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫اهلل َعن ُْهــم‪ -‬ال يزالــون ُي َسـ ُّبون إلــى اآلن مــن الشــيعة والمستشــرقين‬ ‫مــن الخــوارج‪ ،‬والصحابـ ُة ِ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬ ‫َ‬
‫والتغريبييــن‪.‬‬

‫فمــن عالمــة الخيــر أنــك ُتت ََّهــم مِــن أهــل الزيــغ والضــال والبــدع؛ فلتفــرح هبدايــا الحســنات‬
‫وتكفيــر الســيئات‪.‬‬

‫ـك أهـ ُـل الضــال بأنــك الظالــم المنافــق المرتــد‪ :‬ال َت ْعبــأ بِ ِهــم‬
‫أيهــا الداعــي المظلــوم الــذي َيت َِّه ُمـ َ‬
‫ِ‬
‫وسـ ْـر يف طريقــك‪.‬‬

‫وأقــول إلخــواين‪ :‬إذا كنتــم َع ِم ْلتُــم هلل مــن أجــل أن تحفظــوا دعــو َة الحــق وأن تحفظــوا دمــا َء‬
‫ـراض المســلمين والمســلمات فــا ُتنْت ََهــك يف فتنـ ٍـة دهمــاء‪،‬‬
‫المســلمين فــا ُتــراق يف فوضــى عميــاء‪ ،‬وأعـ َ‬
‫وبال َدكــم [التــي هــي بــاد المســلمين‪ ،‬بــل هــي محــور االرتــكاز فيهــا يف زماننــا ولــو َسـ َق َطت ضاعــت‬
‫بــاد المســلمين ‪-‬نســأل اهلل أن يعــايف المســلمين مــن ذلــك‪ ،]-‬إذا كنتــم حافظتــم علــى ِ‬
‫بالدكــم أن‬
‫ُت َخـ َّـرب و ُتدَ َّمــر باســم الديــن‪ ،‬و ُت َشـ َّـوه صــورة الديــن يف العا َلــم وصــورة االلتــزام عنــد المســلمين؛ فــا‬
‫ـخ َر ُهم األعــدا ُء لتدميــر ِدينِهــم باســم الدِّ يــن ‪-‬شــعروا أم لــم يشــعروا‪.-‬‬
‫َت ْخ َشــوا َذ َّم الشــائنين الذيــن َسـ َّ‬

‫وأيضــا‪ :‬إياكــم أن َتفرحــوا بمــدح الذيــن َذ ُّموكُــم باألمــس ولــم َيعرفــوا ُح ْر َمتَكــم وال َح َّقكــم؛‬
‫ً‬
‫ــب‪ ،‬وإن َب ِقيتُــم ال ُتوافِ ُقوهــم علــى باطِلِهــم انطلقــت‬
‫الس ِّ‬ ‫أعظــم َّ‬
‫َ‬ ‫فإهنــم إن خالفتموهــم غــدً ا َســ ُّبوكُم‬
‫بالســوء‪.‬‬
‫ألســنتُهم وأيديهــم ُّ‬
‫فاج َع ُلــوا َع َم َلكــم ُك َّلــه ابتغــاء وجــه اهلل‪ ،‬ال َتنتظِــروا جــزا ًء مــن أحـ ٍـد‪ ،‬وال َتفرحــوا بِ ُشـ ْك ِر أحـ ٍـد‪{َ ،‬ل‬
‫ْ‬

‫‪55‬‬
‫ورا } [اإلنســان‪ ،]9 :‬وال َتت ََو َّك ُلــوا إال علــى اهلل الــذي ُيدافِــع عــن الذيــن آ َمنــوا‬ ‫ـم َجـ َـزا ًء َو َل ُشـ ُك ً‬
‫ِ‬
‫ن ُِريــدُ منْ ُكـ ْ‬
‫ـن ا َّل ِذي ـ َن آ َمنُــوا } [الحــج‪]38 :‬؛ فلســتم بحاجـ ٍـة إلــى َغيـ ِـره‪ ،‬وإنمــا َأ َخ ْذ ُتــم باألســباب‬ ‫ـع َعـ ِ‬ ‫ِ‬
‫{إِ َّن َ‬
‫اهَّلل ُيدَ افـ ُ‬
‫اس ـت َِع ْن بِــاهَّللِ َو َل َت ْع َجــز)‬
‫ـك‪َ ،‬و ْ‬ ‫(احـ ِـر ْ‬
‫ص َع َلــى َمــا َينْ َف ُعـ َ‬ ‫ولــم ُت َض ِّيعوهــا امتثـ ً‬
‫ـال ألمــر رســول اهلل §‪ْ :‬‬
‫[رواه مســلم]‪.‬‬

‫المـ ِـذ ّل‪،‬‬ ‫أمــا القلــب فــا بــد أن ال يتعلــق إال بــاهلل وحــده‪ ،‬النافــع الضــار‪ ،‬المعطــي المانِــع‪ِ ،‬‬
‫المعـ ّـز ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ـك ممــن يشــاء‪ ،‬و ُي ِعـ ّـز مــن يشــاء و ُيـ ِـذ ّل مــن يشــاء‪،‬‬
‫ـك َمــن يشــاء و َينـ ِـزع الملـ َ‬
‫الملـ َ‬ ‫ِ‬
‫مالــك الملــك ُيؤتــي ُ‬
‫بِيـ ِـده الخيــر وهــو علــى كل شـ ٍ‬
‫ـيء َق ِديــر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الل ِز َمـ ُة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصــدق يف النُّصــح والرغبــة يف هدايــة الخلــق وح ْفــظ مصالحهــم هــي ِّ‬
‫السـ َـم ُة َّ‬ ‫ثان ًيــا‪ :‬ل َي ُكــن ِّ‬
‫ـح قو َمــه يف الدنيــا ولمــا قتلــوه ظــل النُّصــح لهــم َغال ِ ًبــا عليــه‪،‬‬ ‫َل ُكــم‪ ،‬كمــا َل ِز َمــت مؤمــن آل ياســين‪ ،‬فن ََصـ َ‬
‫ـت َق ْومِــي َي ْع َل ُمـ َ‬
‫ـون‬ ‫ون * قِيـ َـل ا ْد ُخـ ِل ا ْل َجنَّـ َة َقـ َ‬
‫ـال َيا َل ْيـ َ‬ ‫ـت بِرب ُكــم َفاســمع ِ‬
‫حتــى قــال تعالــى عنــه‪{ :‬إِ ِّنــي آ َمنْـ ُ َ ِّ ْ ْ َ ُ‬
‫* بِ َمــا َغ َفـ َـر لِــي َر ِّبــي َو َج َع َلنِــي مِـ َن ا ْل ُم ْك َرمِيـ َن } [يــس‪.]27 - 25 :‬‬
‫ِ‬
‫ومادحهــم‪ -‬فيمــا بيننــا وبيــن اهلل وهــذا هــو اإلخــاص‪ ،‬والبــد‬ ‫فالبــد أن َن ْعـ ِـز َل النـ َ‬
‫ـاس ‪-‬ذا ّمهــم‬
‫أن نعــزل أنفســنا فيمــا بيننــا وبيــن النــاس؛ فــا نســعى لالنتقــام ألنفســنا ممــن آذانــا‪ ،‬أو نريــد دمــار َمــن‬
‫ـول النبــي § وهــو يحكِــي َنبِيــا مِـن ْالَ ْنبِيـ ِ‬
‫ـاء َض َر َبـ ُه‬ ‫َخا َل َفنــا؛ بــل نظــل علــى الــدوام نــردد ونســتحضر قـ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ـح الــدَّ َم َع ـ ْن َو ْج ِهـ ِـه‪َ ،‬و َي ُقـ ُ‬
‫ـون»‬‫ـم َل َي ْع َل ُمـ َ‬ ‫ـم ا ْغفـ ْـر ل َق ْومــي َفإِن َُّهـ ْ‬ ‫ـول‪« :‬ال َّل ُهـ َّ‬ ‫َق ْو ُم ـ ُه حتــى َأ ْد َمـ ْـو ُه َو ُهـ َـو َي ْم َسـ ُ‬
‫[رواه البخــاري ومســلم]‪ ،‬وقو َلــه § لمــا َعــر َض عليــه م َلـ ُ ِ ِ‬
‫ـم ْالَ ْخ َش ـ َب ْي ِن‪،‬‬ ‫ـك الج َبــال أن ُي ْطبِـ َـق َع َل ْي ِهـ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهَّلل َو ْحــدَ ُه َل ُي ْشـ ِـر ُك بِـ ِـه َشـ ْي ًئا» [رواه البخــاري‬ ‫ـم َمـ ْن َي ْع ُبــدُ َ‬
‫ِ‬
‫ـال‪َ « :‬بـ ْـل َأ ْر ُجــو َأ ْن ُي ْخـ ِـر َج ُ‬
‫اهَّلل مـ ْن َأ ْص َلبِ ِهـ ْ‬ ‫َف َقـ َ‬
‫ـول اهَّللِ §‬ ‫ـم َر ُسـ ُ‬ ‫«و َمــا ا ْن َت َقـ َ‬
‫اهلل َعن َْهــا‪َ :-‬‬ ‫‪-‬رضـ َـي ُ‬
‫ـال النبــي § الــذي قالــت عنــه عائشـ ُة ِ‬
‫َ‬ ‫ومســلم]‪ ،‬وحـ َ‬
‫ـم بِ َهــا ل ِ َّلـ ِـه ‪َ -‬عـ َّـز َو َجـ َّـل‪[ »-‬رواه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـط‪ ،‬إِ َّل َأ ْن ُتنْت ََهـ َ‬‫لِنَ ْف ِسـ ِـه فِــي َشــي ٍء َقـ ُّ‬
‫ـك ُح ْر َم ـ ٌة م ـ ْن ُح ُر َمــات اهَّلل؛ َف َينْتَقـ َ‬ ‫ْ‬
‫ـون الناصحي ـ َن!‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ونصيحتَهــم للنــاس وإن كانــوا ال ُيح ُّبـ َ‬ ‫وص ْبـ َـر األنبيــاء‬
‫َ‬ ‫البخــاري ومســلم]‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبالدكــم ‪-‬التــي هــي‬ ‫لمجتمعكــم‬ ‫ثال ًثــا‪ :‬البــد أن ُت َو ِّطنُــوا َ‬
‫أنفســكم علــى االســتمرار يف النصــح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الســنَّة والجماعــة‪ -‬يف أي الظــروف‪،‬‬ ‫باركــة ‪-‬دعــوة أهــل ُ‬ ‫بــاد المســلمين‪ -‬و ُأ َّمتكــم ودعوتكــم ُ‬
‫الم َ‬
‫ـس ِر َضــى‬ ‫ـتحضروا قــول النبــي §‪َ « :‬مـ ِ‬ ‫ر ِضــي النــاس َعنَّــا أم سـ ِ‬
‫ـخطوا‪ ،‬أكرمونــا أم آذونــا‪ ،‬واسـ ِ‬
‫ـن ا ْلت ََمـ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫‪56‬‬
‫ط اهَّللِ‪:‬‬
‫ـخ ِ‬ ‫ـس ِر َضــا النَّـ ِ‬
‫ـاس بِ َسـ َ‬ ‫ـاس َعنْ ـ ُه‪َ ،‬و َمـ ِ‬
‫ـن ا ْلت ََمـ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ط النَّـ ِ ِ‬
‫ـاس‪َ :‬رضـ َـي ال َّلــه َعنْ ـ ُه‪َ ،‬و َأ ْر َضــى النَّـ َ‬
‫ـخ ِ‬ ‫اهَّللِ بِ َسـ َ‬
‫اهلل‬ ‫ـخ َط َع َليـ ِـه النَّــاس» [أخرجــه ابــن حبــان يف صحيحــه عــن عائشــة ِ‬ ‫ـخ َط ال ِ َّلـ ِـه َع َل ْيـ ِـه‪َ ،‬و َأ ْسـ َ‬
‫َسـ َ‬
‫‪-‬رضـ َـي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َعن َْهــا‪.]-‬‬

‫اهلل أن ُيصلِــح بــا َد المســلمين يف كل مــكان‪ ،‬وأن َيدفــع عنهــم األذى والســو َء يف كل مــكان‪،‬‬
‫نســأل َ‬
‫ــازم األحــزاب ســريع‬‫وه ِ‬
‫ــري الســحاب َ‬ ‫نــزل الكتــاب و ُم ْج ِ‬
‫ــر ّد عنهــم كيــدَ عَدُ ِّوهــم‪ ،‬اللهــم ُم ِ‬
‫وأن َي ُ‬
‫وز ْل ِز ْلهــم وان ُْص ْرنــا عليهــم‪ ،‬اللهــم أنــت موالنــا ال مولــى لنــا ســواك‬
‫الحســاب‪ ،‬اهـ ِـزم أعــدا َء المســلمين َ‬
‫وإنــا مغلوبــون فا ْنت َِصــر ل ِ ِدينِــك وكتابِــك وس ـن َِّة نبيــك § وعبـ ِ‬
‫ـادك المؤمنيــن‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬

‫*******‬

‫وتوفيقه‪..‬‬
‫ِ‬ ‫الله‬
‫ِ‬ ‫بح ْمد‬
‫انتهت مقاالت «تأمالت في النصيحة» َ‬
‫فمن اهللِ‪ ،‬وهو الذي من بِ ِه و َت َف َّض َل؛ فله الحمد‪ ،‬وما كان فيها من خطأٍ‬
‫ٍ ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫صواب َ‬ ‫فما كان فيها من‬
‫راجع عنه ‪-‬إذا َعلِ ْمتُه‪ -‬يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫واهلل ورسو ُله منه َبريئان‪ ،‬وأنا‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫وز َل ٍل فمنِّي ومن الشيطان؛ ُ‬
‫َ‬

‫*******‬

‫‪57‬‬

58

You might also like