Professional Documents
Culture Documents
تأملات_فى_النصيحة
تأملات_فى_النصيحة
يحة
َ ص
ِ النَّ ي فِ تلَ م َ
تَ ُّ
أ
1
±
2
دوائر االنتماء وتقاطع المصالح
تج ُّم َعــات؛ وهــذا يســتلزم وجــو َد ِعــدَّ ة دوائــر مــن ِ َ ِ
اإلنســان َمدَ ن ًّيــا ب َط ْبعــه ،يعيــش يف َ اهلل
ــق ُ َخ َل َ
أول إلــى َن ْف ِســه ،ثــم إلــى ُأ ْسـ َـرتِه ،ثــم إلــى عائلتِـ ِـه وقبيلتــه ،ثــم إلــى االنتمــاء بالنســبة لــه؛ فهــو ينتمــي ً
وو َطنِــه ،ثــم إلــى ُأ َّمتِــه ،ثــم إلــى اإلنســانِ َّية ُك ِّل َهــا. ِ ِ
وج َما َعتــه ،ثــم إلــى َب َلــده َ
ِ ِ
طائ َفتــه َ
ـع -وهــذا َشـ ْـأ ُن النـ ِ ِ
ـاس وقــد َت َت َطابـ ُـق المصالــح بيــن هــذه الدوائــر -وهــذا َنــاد ٌر ،-وكثيـ ًـرا مــا تتقاطـ ُ
ـب أحوال ِ ِهــم ،-وقــد تتباعــدُ المصالــح وال تلتقــي. يف أغلـ ِ
ـاس َقــدْ ًرا عنــد اهلل -وعنــد النــاس -مــن ينصــح لل َب َشـ ِـر َّي ِة و ُي َقــدِّ ُم مص َل َحتَهــم يف آخرهتــم
ـم النـ ِ وأعظـ ُ
الر ُس ـ ِل الكِـ َـرا ِم ِ ِ
ودنياهــم علــى مصلحــة نفســه الدنيويــة ،ويصــل األمــر إلــى أعلــى ُصـ َـور الم َثال َّيــة يف ُّ
ات اهللِ َع َل ْي ِهــم َو َسـ َـا ُم ُه.-
-ص َلـ َـو ُ
َ
ِ ِ
ـب َع ـ ْن إِ ْب َراهيـ َ
ـم الـ َّـر ْو ُع َو َجا َء ْت ـ ُه ا ْل ُب ْشـ َـرى َت َأ َّمـ ْـل َقـ ْـو َل اهلل َ -ت َعا َلــى -عــن إبراهيــم َ { :éف َل َّمــا َذ َهـ َ
{وإِ ْذ َق َ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
ــال أيضــاَ : يــب}((( ،و َق ْو َلــ ُه َ -ت َعا َلــى -عنــه ً يــم َأ َّوا ٌه ُمن ٌ ــو ِم ُلــوط * إِ َّن إِ ْب َراه َ
يــم َل َحل ٌ ُي َجاد ُلنَــا فــي َق ْ
اجنُ ْبنِــي َو َبنِـ َّـي َأ ْن َن ْع ُبــدَ ْالَ ْصنَــا َم * َر ِّب إِن َُّه ـ َّن َأ ْض َل ْل ـ َن كَثِيـ ًـرا مِـ َن ِ
اج َعـ ْـل َهـ َـذا ا ْل َب َلــدَ آمنًــا َو ْـم َر ِّب ْ
ِ
إِ ْب َراهيـ ُ
ـم}((( ،وحديـ َ ِ ـاس َف َمـ ْن َتبِ َعنِــي َفإِ َّنـ ُه مِنِّــي َو َمـ ْن َع َصانِــي َفإِ َّنـ َ
النَّـ ِ
ـث النبــي § وهــو يحكــي ـور َرحيـ ٌ ـك َغ ُفـ ٌ
ـم ا ْغ ِفـ ْـر ِ َنبِيــا مــن األنبيـ ِ
ـح الــد َم عــن َو ْج ِهــه ويقــولُ :-
«اللهـ َّ يمسـ ُ -ض َر َب ـ ُه َق ْو َم ـ ُه حتــى َأ ْد َمـ ْـو ُه ،وهــو َ ـاء َ ًّ
ـار َاأل ْخ َشـ َب ْينـال -وقــد اسـت َْأ َذ َن ُه أن ُي ْطبِـ َـق علــى ال ُك َّفـ ِ الج َبـ ِ ـك ِ ـون»((( ،و َقو َلــه لم َلـ ِ ل ِ َق ْومِــي َفإِن َُّهــم َل َي ْع َل ُمـ َ
َ
ـن َأ ْص َلبِ ِهــم َم ـ ْن اهلل أن ُي ْخـ ِـر َج مِ ـ ْن َب ْيـ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
بعــد رحلــة معانــاة عظيمــة لل َّطائــفَ « :-بـ ْـل َأ ْس ـت َْأني بِ ِهــم؛ َل َعـ َّـل َ
ٍ ِ
ار َظ َلمـ ٍـة ا َّت َه ُمــوه يف ِع ْر ِض ِه الملِــك ون ََصــح فيهــا ل ِ َقـ ْـو ٍم ُك َّف ٍ
ـف -حيـ َن َأ َّو َل ُرؤيــا َ وسـ َ َو َت َأ َّمـ ْـل يف قصــة ُي ُ
ـط َل ُهــم ـع ِســنِي َن ،ثــم هــو ُي َخ ِّطـ ُ ـجنُو ُه علــى هــذه التهمــة المكذوبــة بِ ْضـ َ ـئ منــه ثــم َسـ َ ـون َأ َّنـ ُه َب ِريـ ٌ
بمــا َي ْع َل ُمـ َ
ـم َفـ َـذ ُرو ُه فِي ُسـنْ ُبلِ ِه إِ َّل ِ ِ
ـون َسـ ْب َع ســني َن َد َأ ًبــا َف َما َح َصدْ ُتـ ْ مــا يصنعــون يف َخمسـ ِـة َع َشـ َـر عا ًمــاَ { :-قـ َ
ـال َت ْز َر ُعـ َ
((( [هود]75 ،74 :
((( [إبراهيم]36 ،35 :
[متـََّف ٌق َعلَ ِيه]
((( ُ
[متـََّف ٌق َعلَ ِيه]
((( ُ
3
ـم َل ُهـ َّن إِ َّل َقلِيـ ًـا مِ َّمــا ُت ْح ِصن َ
ُون ِ
ـك َسـ ْب ٌع شــدَ ا ٌد َي ْأ ُك ْلـ َن َمــا َقدَّ ْم ُتـ ْـم َي ْأتِــي مِـ ْن َب ْعـ ِـد َذلِـ َ َقلِيـ ًـا مِ َّمــا َت ْأ ُك ُلـ َ
ـون * ُثـ َّ
محبوســا
ً ون} ((( ،وهــو ال يـ ُ
ـزال َب ْعــدُ ـاس َوفِيـ ِـه َي ْع ِصـ ُـر َ ـك َعــا ٌم فِيـ ِـه ُي َغـ ُ
ـاث النَّـ ُ ـم َي ْأتِــي مِ ـ ْن َب ْعـ ِـد َذلِـ َ * ُثـ َّ
ـان و ُظلـ ٍ
ـم ـي و ُط ْغيـ ٍ ل ْخ َوتِــه -الذيــن باعــوه رقي ًقــا ،بعــد َح َسـ ٍـد و َب ْغـ ٍ يف الســجن مظلومــاَ ،و َت َأمـ ْـل دعــاءه ِ ِ
َّ ً
ِ ـان َأبِيـ ِـه مِنْ ـ ُهَ { :-قـ َ
وحرمـ ِ ـان لــه مــن َأبِيــه ِ وحرمـ ٍ ِ
ـمـم َو ُهـ َـو َأ ْر َحـ ُ اهَّلل َل ُكـ ْ
ـم ا ْل َيـ ْـو َم َي ْغفـ ُـر ُ ـب َع َل ْي ُكـ ُـال َل َت ْث ِريـ َ
ـم َأ ْج َم ِعيـ َن}(((، ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
الراحميـ َن * ا ْذ َه ُبــوا بِ َقميصــي َهـ َـذا َف َأ ْل ُقــو ُه َع َلــى َو ْجــه َأبِــي َيـ ْـأت َبصيـ ًـرا َو ْأ ُتونــي بِ َأ ْهل ُكـ ْ
ِ ِ
َّ
وعشــري َن َسـن ٍَة« :-ا ْذ َه ُبــوا َف َأ ْن ُتــم ال ُّط َل َقــاء»(((. و َت َأمـ ْـل قــول النبــي § ألهـ ِل م َّكـ َة -بعــد أذى إِحــدَ ى ِ
ْ َ َ َّ
ـك؛ َأ ْد َر ْكـ َ
ـت هــذه النوعي ـ َة العظيم ـ َة مــن ال َب َشــر التــي شــرح اهلل لهــا صدورهــا إذا َت َأ َّم ْلـ َ
ـت ك َُّل ذلـ َ
تنصــح لِلعا َلــم مــع شــدة أذى النـ ِ
ـاس َل ُهــم. ـت أن َ حتــى َت َح َّم َلـ ْ
ـاس مــن ُي َقــدِّ ُم مص َل َح َتـ ُه علــى مص َل َحـ ِـة ُأ ْسـ َـرتِه وعائِ َلتِــه و َقبي َلتِــه ،ومنهم مــن ُي َض ِّحي ـاك مــن النـ ِ وهنَـ َ ُ
مــن َأ ْجلِ ِهــم ولــو أتــى ذلــك علــى َمص َل َحـ ِـة َن ْف ِســه -بــل وعلــى حياتــه ،-ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم َمص َل َحـ َة عائلتِه
علــى َمص َل َحـ ِـة طائفتِــه ،ومنهــم مــن يجعــل طائف َتــه فــوق عائلتِــه ،ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مص َل َح ـ َة َجما َعتِــه
علــى عائلتِــه ،ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مص َلحـ َة عائلتِــه علــى جماعتِــه ،ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مصلحـ َة أهـ ِل َب َلـ ِـد ِه
ـط ،-ومنهــم مــن ُي َقــدِّ ُم مص َل َحـ َة ُأ َّمتِـ ِـه علــى أهـ ِل َب َلـ ِـد ِه -بــل ِ ِ
علــى مص َل َحــة ُأ َّمتــه ُ
-ور َّب َمــا لــم َي ْع َبــأ هبــا َقـ ّ
ـاس وأشــبههم بأنبيـ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ـاء ُ ـرب النـ ِ يــرى أن مص َلحـ َة أهـ ِل َب َلــده ال تتح َّقـ ُـق إال مــع مص َل َحــة ُأ َّمتــه ،-وهــؤالء أقـ ُ
اهللِ َو ُر ُســلِ ِه.
الم َصالِــح -حتــى ُر َّب َمــا بِ َم ْص َل َحـ ِـة ـال و َأ ْض َي ُق ُهــم َصــدْ ًرا :مــن ُي َض ِّحــي بجميـ ِع َ أمــا َأ ْسـ َـو ُأ النـ ِ
ـاس َحـ ً
ـراب الدُّ ْنيــا والبـ ِ ـم مــن َعــدُ ِّو ِه -بتضيي ـ ِع مص َل َحتِــه -بِـ َـأ ِّي َث َمـ ٍ ِ ِ
ـاد َ ـن ،ولــو بخـ ِ َن ْفســه -مــن َأ ْج ـ ِل أن ينتقـ َ
ـاد ،مثــل عبــارة «شمشــون» المشــهورة يف هــدم المعبــدَ « :ع َلـ َّـي َو َع َلــى َأعْدَ ائِــي». والعبـ ِ
َ
ِ
ــت كذلــك أدلــة الم َصالِــحِ و َت َص ُار ِع َهــا و َتنَا ُف ِســهاَ ،و َت َأ َّم ْل َ
ــك مــن تقا ُطــ ِع َ وإذا َت َأ َّم ْل َ
ــت مــا َح ْو َل َ
ـس وال َغ ْيـ ِـر -عــن ِ
المفاســد عــن النَّ ْفـ ِ الشــريعة اإلســامية التــي ال نظيـ َـر لهــا يف ِر َعايـ ِـة المصالِــح و َد ْف ـ ِع
ـم مص َلحـ ِـة ـب -بتقديـ ِ ـط معــاين المصالِــح بأحسـ ِ
ـن ترتيـ ٍ ال َفــر ِد والجما َعـ ِـة ،عــن الدو َلـ ِـة واألُمـ ِـة -وضبـ ِ
َّ َ َ ْ
((( [يوسف]49 - 47 :
((( [يوسف]93 ،92 :
((( [رواه البيهقي يف السنن الكربى]6603 :
4
ـال-؛ علِ ْمــت نعمـ َة اهللِ عليـ َ
ـك باإلســا ِم ،و َب ِقـ َـي أن ض ،ثــم ال َع ْقـلِ ،ثــم المـ ِ
َ
ـس ،ثــم ِ
العـ ْـر ِ الدِّ يـ ِ
ـن ،ثــم النَّ ْفـ ِ
ُت َط ِّبـ َـق ذلــك َع َملِ ًّيــا يف حياتِـ َ
ـك.
ـارات ك َُّل يــو ٍم -بــل ك َُّل َســا َع ٍة ،-وهــذه طبيعــة الحيــاة ـارات واختيـ ٍ وكل واحـ ٍـد مِنَّــا ي َتعــر ُض الختبـ ٍ
َ َ َّ
ـص على مص َل َح ِة َن ْف ِســه؛ ولكــن حين ينتمي ِ ِ
ـم َأ ْح َسـ ُن َع َمـ ًـا} [هــود ،]7 :وهــو بِ َط ْبعــه َح ِريـ ٌ ـم َأ ُّي ُكـ ْ
ِ
{ل َي ْب ُل َو ُكـ ْ
ِ ٍ ٍ
يح ـةُُ .قلنــا: إلــى كيــان ومجتم ـ ٍع و ُأ َّمــة ،وحيــن يكــون صاد ًقــا يف تطبيــق قــول النبــي §« :الدِّ ي ـ ُن النَّص َ
الم ْســلِ ِمي َن َو َعا َّمتِ ِهــم[ ».رواه مســلم] ،وحيــن ُيـ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ـدر ُك أنــه ل َمــن؟ قــال :ل َّلــه ،ولكتابِــه ،ول َر ُســولهَ ،ولَئ َّمــة ُ
مصلحـ َة ُم ْجت ََم ِعـ ِـه
َ حــه ،وكذلــك البــد وأن يراعــي قــد يســع الفــرد مــا ال يســع الجما َعـ َة -يف رعايـ ِـة مصال ِ ِ
ََ ُ َ َ ََ ُ
والم َو َاز َنــة -بيــن المصالِــح ـار ُ ـاد واالختيـ ِـدر ُك مــدى صعوبـ ِـة االجتهـ ِ
ُ ـكُ :يـ ِ و ُأ َّمتِـ ِـه-؛ حيــن يــدرك كل ذلـ َ
ــت -حتــى ُي َقــدِّ م اجتم َع ْ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
والمفاســد بعضهــا البعــض إذا َ والمصالــح َ والمفاســد وبعضهــاَ ، وبعضهــاَ ،
أدناهمــا ،و َيدْ َفــع أكــر المفســدتين ولــو احتمــل أدناهمــا ،ويــوازن بيــن أكــر المصلحتيــن ولــو فا َتــت ُ
وتالز َمــت ،و ُيــدْ ِرك مــدى حاجتــه إلــى توفيــق اهلل وإعانَتِــه؛ فيخلــص َ اجتم َعــت
المصالــح والمفاســد إذا َ
ـداد مــع قِ َّلـ ِـة
ـتقيم وأن ي ِعينَــه علــى السـ ِ
ُ ـراط المسـ ِ الهدَ ايـ ِـة إلــى الصـ ِ ـب ِ هلل القصــد والنِّ َّيــة ،ويت ََضـ َّـرع لــه ب َط َلـ ِ
ـن ،كمــا يبــذل جهــده يف تحصيــل الشــورى مــع إخوانــه ا َّل ِذيــن يتحملــون مســئولية البِ َضا َعـ ِـة و َك ْثــر ِة ِ
الف َتـ ِ َ
ٍ ــر ِد ،وا َّل ِذيــن ينظــرون بالعينيــن وليــس
بواحــدة ،ويلتفتــون إلــى جوانــب األمــر الج ْمــ ِع وليــس ال َف ْ َ
ـول الســليم ُة بِ َصوابِ َهــا واحـ ٍـد و ُي ْه ِم ُلــون َأ ِد َّلــة الشــر ِع التــي َشـ ِـهدَ ت ال ُع ُقـ ُ
ـب ِ المختلفــة وليــس إلــى جانـ ٍ
ِ
ـاس و َثنَا َء ُهــم وال الفـ َ
ـرار ـال ال َعاطِ َفــة ،ويرجــون َو ْج ـ َه اهللِ والــدَّ َار اآلخــرةَ ،ليــس َمــدْ َح النـ ِ وليــس إعمـ َ
مِــن َذ ِّم ِهــم و َط ْعن ِ ِهــم.
ـراد -يف ِدينِهــم ـون جميعــا أن األمــر ســيتعلق بم ِصيــر ُأمـ ٍـة وب َلـ ٍـد وطائفـ ٍـة وجماعـ ٍـة وأفـ ٍ
َّ َ َ ً وحيــن َي ْع َل ُمـ َ
اختيــارا عشــوائ ًياً ــن اختيارهــم ِلَ ْم ٍ
ــر ُم َع َّي ٍ ُ اض ِهــم و َأ ْموال ِ ِهــم-؛ ال ُي ْمكِن ُُهــم أن يكــون ودمائِ ِهــم و َأ ْعر ِ
َ
ِ
الخطِيئــة -يف ذلــك قــد الخ َطـ َـأ َ -ف ْضـ ًـا عــن َ خاص ـ ًة أن َ ِ
-فضـ ًـا عــن أن يكــون انتقام ًّيــا أو َتدْ م ِير ًّيــاَّ -
قــول شــعيب { éإِ ْن ُأ ِريــدُ إِ َّل ِ والتأ ُّخــر؛ عنــد ذلــك َيع َلمــون عظمــ َة اإلخفــاق َ ِ أجيــال مــنً ُي َك ِّلــف
ِ ِ ِ
ـب}(((. اس ـ َت َط ْع ُت َو َمــا َت ْوفِ ِيقــي إِ َّل بِــاهَّلل َع َل ْيـ ِـه َت َو َّك ْلـ ُ
ـت َوإِ َل ْيــه ُأنيـ ُ ِ
ْال ْصـ َـا َح َمــا ْ
وأمــا عــن أنــواع المصالــح التــي يجــب النصــح فيهــا لهــؤالء ،والتــي يلــزم أن نضعهــا نصــب أعيننــا
عنــد اختيــار المواقــف وحســاب المصالــح؛ خاصــة أن المصالــح المحضــة والمفاســد المحضــة ال
ـادرا؛ فيلــزم البحــث يف أنواعهــا لتقديــم المصلحــة األكــر علــى المصلحــة األدنــى.
تــكاد توجــد إال نـ ً
*******
6
أنواع المصالح التي يجب النصح فيها
أول :مصلحــة الديــن :وهــي أعظــم المصالــح والضــرورات لإلنســان ،بالنظــر إلــى جملــة حياتــه ً
ووجــوده؛ فليســت حيا ُتــه فــوق األرض هــي فقــط حياتــه ،قــال -تعالــى -عــن يــوم القيامــةَ { :ي ْو َمئِـ ٍـذ
ـت ل ِ َح َياتِــي } (((؛ فــكأن حياتــه فــوق األرض ـول َيا َل ْيتَنِــي َقدَّ ْمـ ُ ـان َو َأ َّنــى َل ـ ُه ِّ
الذ ْكـ َـرى * َي ُقـ ُ َيت ََذ َّكــر ْ ِ
الن َْسـ ُ ُ
ــه ُك ْف ُــر ُه ۖ َو َمــ ْن َع ِم َــل َصال ِ ًحــا
معتــرة بالنســبة لآلخــرة ،وقــال تعالــى{ :مــن َك َفــر َفع َلي ِ
َ َ ْ َ
ٍ ٍ
بحيــاة ليســت
ـوية مــن فــراش ـداد والتسـ ِ فالمهــاد يف القـرِ أولــى باإلعـ ِ ون} ((( ،قــال مجاهــد :يف القــر؛ ِ َف ِلَن ُف ِسـ ِـه ْم َي ْم َهــدُ َ
حجــرة النــوم.
أمــا مــا يمكــن فيــه بقــاء الديــن والنفــس -بتفويــت مــا دون ذلــك مــن المصالــح لمجمــوع األمــة أو
ـب بــا شــك وال نــزاع.
المجتمــع أو الجماعــة ،أو حتــى العائلــة واألســرة -فذلــك واجـ ٌ
بالســن َِّة :الطريقــة ِ
بالســنَّة وتركهــم البــدع ،ونعنــي ُ
ومــن مصلحــة الديــن كذلــك التــزا ُم النــاس ُ
والمنهــج ،وخاصــة يف االعتقــاد ،ونعنــي بالبــدع يف المقــام األول :بــدع الضاللــة يف العقائــد كالرفــض
(التشــيع) والخــوارج (التكفيــر) واالعتــزال ونحوهــا؛ فمهمــا كان أمامنــا مــن اختيــار بيــن أمــور أحدهــا
بالســنَّة أكثــر مــن غيــره َل ِ
ــز َم ذلــك االختيــار ،ومــا كان أبقــى لوجــود مــن يــؤدي إلــى التــزام النــاس ُ
الس ـنَّة وينهاهــم عــن البدعــة و ُي َع ِّل ُمهــم مــا يلزمهــم يف دينهــم لــزم اختيــاره.
يدعوهــم إلــى ُ
وليــس -عنــد أهــل العلــم -الخيــار الصفـ ِـر ِّي -الــذي ُيعـ ِـدم الدعــاة أو يســجنهم ويمنعهــم مــن
صــور الدعــوة إلــى اهلل ،أو يضطرهــم للســفر والهجــرة ،مــع العجــز عــن الدعــوة بيــن النــاس بعيــدً ا
عنهــم -بخيـ ٍ
ـار ُم ْع َت َبـ ٍـر ،مــا لــم يكــن يف ذلــك النطــق بالكفــر أو الشــرك أو البدعــة الضاللــة مثـ ًـا؛ بــل كل
وســيلة ُت ِبقــي الدعــوة قائمــة بصــورة مــن الصــور -ولــو َق َّلـ ْ
ـت -فهــي مشــروعةٌ ،وهــي خيـ ٌـر مــن إعدامهــا
الس ـنَّة قائمــة بال ُك ِّليــة؛ ُّ
وكل هــذا مــن حفــظ ديــن المجتمــع ومــا دونــه ،بــل الحفــاظ علــى طائفــة أهــل ُ
بمنهجهــا داعيــة إلــى شــرع اهلل خيــر لمجمــوع األمــة بــا شــك.
وكذلــك مــن مصلحــة الديــن التــزام النــاس بفعــل الطاعــات والواجبــات وتــرك المحرمــات؛
فمــا كان أقــرب إلــى أن ُيحافِــظ النــاس علــى الصلــوات وتعميــر المســاجد وإيتــاء الــزكاة وإيصالهــا
إلــى مســتحقيها والتمكــن مــن تعليــم النــاس ذلــك ومعاونتهــم عليــه ،وســد حاجــات فقرائهــم
وصــوم رمضــان وحــج البيــت واالعتمــار إليــه؛ كان الزم االختيــارً ،
بــدل ممــا يجعــل شــباهبم
ورجالهــم ونســاءهم وأطفالهــم يفقــدون الطريــق إلــى المســاجد ويضيعــون الفرائــض والوجبــات.
8
وكــذا أداء الواجبــات الباطنــة -بــل هــي ُم َقدَّ َمــة علــى الظاهــرة -مــن حــب اهلل تعالــى والخــوف منــه،
ورجــاء رحمتــه ،وشــكر نِعمتــه ،والصــر واالخــاص والصــدق ،وغيرهــا مــن عبــادات القلــوب.
وأمــا تــرك المحرمــات :فهــو يشــمل تــرك المحرمــات الباطنــة -كالكِ ْبــر وال ُع ْجــب والريــاء
ِ
والسـ ْـم َعة والغـ ِّـل َ
والح َســد وســائر أمــراض القلــوب ،-والمحرمــات الظاهــرة مــن الكبائــر -كالزنــا ُّ
واللــواط والســرقة وشــرب الخمــر والربــا والميســر ،-وخيانــة األمانــة -خاصــة الغلــول ،-ونحوهــا،
والصغائــر التــي هــي دون ذلــك.
فــكل مــا كان أقــرب إلــى اســتصالح النــاس -بــرك ذلــك ووجــود مــن ُي َع ِّل ُمهــم ُح ْر َمــ َة ذلــك
ويدعوهــم إلــى َت ْركِــه -كان يلــزم اختيــاره.
فــا َي َس ـ ُعنَا أبــدا أن ندفــع مجتم ًعــا إلــى الفوضــى وبــا ًدا إلــى الخــراب ظنًــا منّــا أن ذلــك يمكــن
معــه إقامــة الديــن أو الدنيــا؛ وال ُي ْقـ ِـدم علــى ذلــك إال َغـ ٌّ
ـاش خائ ـ ٌن غيـ ُـر ناصــحٍ ،أو مــن يعتقــد كفــر
ـدل مــن هدايتــه ،بــل هــذا ليــس هــدى األنبيــاء والدعــاة إلــى الخيــر المجتمــع ويريــد االنتقــام منــه بـ ً
ـب الهدايــة لهــم مغــروز يف الفطــرة الســليمة كمــا قــال -عــر الزمــان -مــع المجتمعــات الكافــرة؛ فــإن ُحـ َّ
ـع لــه الرايــة{ :-ا ْن ُفـ ْـذ َع َلــى ِر ْســلِ َكَ ،ح َّتــى َتنْـ ِـز َل النبــي § ل َعلِـ ِّـي بــن أبــي طالــب يف فتــح َخ ْي َبــر -حيــن َد َفـ َ
ـم مِـ ْن َحـ ِّـق اهَّللِ فِيـ ِـه؛ َفـ َـواهَّللِ َلَ ْن َي ْهـ ِـد َي
ـب َع َل ْي ِهـ ْجـ ُ السـ َـا ِمَ ،و َأ ْخبِر ُهــم بِمــا َي ِ
ْ ْ َ
ِ
ـم إِ َلــى ْ ْ
بِسـ ِ
ـاحت ِه ْمُ ،ثـ َّ
ـم ا ْد ُع ُهـ ْ َ َ
ـم»(((.ـك ُح ْمـ ُـر النَّ َعـ ِ ـك مِـ ْن َأ ْن َي ُكـ َ
ـون َلـ َ احــدً ا َخ ْيـ ٌـر َلـ َ ـك رجـ ًـا و ِ
اهَّلل بِـ َ َ ُ َ ُ
ِ ولــذا كان ِخيــار الســ ْل ِم يف «الحدَ يبِي ِ
{-و َل ْ
ــو خيــار الحــرب يف صالــحِ أهــ ِل اإليمــان َ َ ــة»؛ مــع أن ُ َ ُ ِّ
ِ ِ جــدُ َ ِ َقا َت َل ُكــم ا َّل ِذيـ َن َك َفــروا َل َو َّلـ ُـوا ْالَ ْد َبــار ُثــم َل َي ِ
تحــا ُمبينًــا. السـ ْل ِم َف ً
ـار ِّ ون َول ًّيــا َو َل نَصيـ ًـرا} ((( ،-كان خيـ ُ َ َّ ُ ُ
نفســه و ُأ ْسـ َـرتِه ،وعائلتِــه
ـخص ِ
ِ ـرة الشـوهــذا ك ُّلــه يدُ ُّلنــا علــى وجــوب الحفــاظ علــى الديــن ،يف دائـ ِ
َ
ومجتم ِعــه وبلـ ِـده و ُأ َّمتِــه ُك ِّلهــا ،و َبـ ْـذ ِل ك ُِّل جهــد لدعــوة البشــرية ُك ِّلهــا
َ أو قبيلتِــه ،وطائفتِــه وجماعتِــه،
أجــ ِل هــذه الغايــة العظيمــة النبيلــة بالنفــس
للدخــول يف هــذا الديــن وااللتــزام بــه ،والتضحيــة مــن ْ
والمــال.
ثان ًيــا :الــذي َيلِــي أمـ َـر الدِّ يــن -الــذي هــو ِع ْص َمـ ُة األَ ْمـ ِـر[ -مــن أنــواع المصالــح التــي يجــب علــى
ولم ْجت ََمعــه و ُأ َّمتِــه]ِ :ح ْفـ ُ
ـظ النفــوس التــي خلقهــا اهلل المســلم أن يعمــل علــى حفظهــا؛ ن ُْص ًحــا لنفســه ُ
زهقهــا -إال بمــا شــرعه هــو ســبحانه -ألنــه هــو مالكهــا، َ -عـ َّـز وجـ َّـل -لعبادتــه ،ولــم يــأذن ألَحـ ٍـد أن ي ِ
ُ َ َ َ
اهَّلل إِ َّل بِا ْل َحـ ِّـق}(((. ِ
ـس ا َّلتــي َحـ َّـر َم ُ
{و َل َت ْق ُت ُلــوا النَّ ْفـ َ
قــال تعالــىَ :
((( [الكهف]98 :
((( [رواه البخاري]
((( [الفتح]22 :
((( [اإلسراء]33 :
10
ــل فِ َيهــا َمــن ُي ْف ِســدُ
ســفك الدمــاء ،فقالــواَ { :أ َت ْج َع ُفســد يف األرض وي ِ
َ
َتعجــب المالئكــ ُة ممــن ي ِ
ُ َ َّ َ
أمــر ــف ُك الدِّ مــاء ونَحــن نُســبح بِحم ِ
ــد َك َو ُن َقــدِّ ُس َل َ فِيهــا ويس ِ
ــك} (((؛ ومــا ذاك إال ألن ســفك الدمــاء ٌ َ َ َ ْ ُ َ ِّ ُ َ ْ َ ََْ
ـم -غايــة التعظيــم -يف اإلجــرام ،وهــو وإن كان مــن ضمــن الفســاد يف األرض إال أنــه ُعطِــف عليــه ُم َع َّظـ ٌ
الشـ ْـر ِك بــاهلل.
تخصيصــا لــه ،ألنــه أعظــم أنــواع الفســاد بعــد ِّ
ً
ـار
ـص المؤمنــة منهــا والربيئــة -إال َج َّبـ ٌ وال يتجــرأ علــى خيــار ســفك الدمــاء المعصومــة -وباألخـ ِّ
ـان و َتسـبب َق ِ
اصــدً ا ،و َمــن اشـ َـر ،و َمــن َأ َمـ َـر أو َأ ْكـ َـر َه ،و َمــن َأ َعـ َ َ َّ َ
يف األرض ،ويشــرك يف الجــروتَ :مــن َب َ
َر ِضـ َـي بذلــك.
ـض المنتســبين إلــى العمــل اإلســامي ســفك دمــاء والعجــب أن يكــون مــن ضمــن خيـ ِ
ـارات بعـ ِ َ َ ُ
المالييــن مــن النــاس -بــل المســلمين! ،-وتحويــل البــاد إلى فوضــى بزعم ن ُْصـ َـرة الدين ،بــل ويعلنون
مــا َسـ ّـموه« :إدارة الت ََو ُّحـ ِ
ـش» يف هــذا البــاب؛ لكــي ينشــروا الرعــب والخــراب يف البــاد؛ تمهيــدً ا إلقامــة
الدولــة اإلســامية -يف زعمهــم.!-
و َمــن َتدَ َّبـ َـر ســيرة النبــي § َعلِــم أنــه مــا أقامهــا [نعنــي الدولــة اإلســامية] َ
-و َو َّسـ َعها أصحا ُبــه-
«التو ُّحـ ِ
ـش» يف ذلــك ،ســوا ًء المســلمين والمعاهديــن، علــى ســفك الدمــاء المعصومــة قــط ،فضـ ًـا عــن َ
بــل وغيـ ِـر المعاهديــن ممــن ال يشــارك يف القتــال وأعمــال الحــرب -كالنســاء والصبيــان ،واألُ َجـ َـراء،
والشــيوخ الفانيــن والرهبــان المعتزليــن ،-لقــول النبــي § لمــا رأى امــرأة مقتولــة« :مــا كانــت هــذه
ل ِ ُت َقاتِــل»((( ،وقــال § ألميـ ِـر ِه علــى جيشــه« :وال تقتلــوا امــرأ ًة وال َولِيــدً ا» [رواه مســلم] ،وكمــا قــال
ور ِّي« :فــا تقتــل الغلمــان ،فــإن رســول اهلل § هنــى عــن الحـ ُـر ِ ِ ابــن عبــاس ِ
اهلل َعنْـ ُه -لن َْجــدَ ة َ
-رضـ َـي ُ َ
ـم الخضــر مــن الغــام» -أي :وهــذا مسـ ٌ ِ
ـتحيل بــا وحــي وقــد قتــل الغلمــان ،إال أن َت ْع َلــم منهــم مــا َعلـ َ
انقطــع ،-وقــال النبــي § لبعــض أصحابــه(((ِ :
«أدرك خالــدً ا ف ُقــل َلــه :ال يقتــل امــرأة وال عســيفا» -أي:
أجيرا ،كالفالحين يف حقولهم ،ونحوهم من المدنيين الذين ال يشاركون يف القتال بأي صورة.-
ً
واز َنــة يف هــذا واجبــة؛ فــإن كان يف بعــض الخيــارات قتــل المالييــن أو مئــات األلــوف ويف
والم َ
ُ
غيرهــا قتــل العشــرات أو المئــات مــع بقــاء الديــن :كان الواجــب دفــع ِ
الخيــار األول ورفضــه ،واحتمـ ُ
ـال ُ ُ
ِ
الخيــار الثــاين.
وتــأيت منافــع النفــوس ضمــن هــذا البــاب -وإن كانــت دوهنــا يف المنزلة ،-فمنهــا :األَ َلــم والتعذيب
أيضا.
ـب ًـع ذلك واجـ ٌ
الجســدي ،والســجن والحبــس؛ فمنـ ُ
ـس ،أو بيــن القتـ ِل والضـ ِ
ـرب :كان اختيــار الحبــس أو الضــرب أهــون وإن ُخ ِّيـ َـر بيــن القتـ ِل والحبـ ِ
الشــرور..
القصــة المشــهورة -و َأ ُظنُّهــا علــى ســبيل التمثيــل -أن َعالِمــا َت َش ـ َّفع عنــد ملِـ ٍ ِ
ـك َ َ ً َ ويف هــذا ُتــروى َّ
ِ
بض ْربِــه أمــام النــاس؛ فقــا َم ال َعالـ ُ
ـم مــن الملــوك َأ َمـ َـر ب َق ْتـ ِل َر ُجـ ٍل مظلــو ٍم ،ف َقبِـ َـل شــفاعتَه علــى أن يقــوم َ
للملِــك الظالــم؛ صــار مــن بإيقافــه وضربــه؛ فقــال النــاس :ســبحان اهلل ،يضربــه ُظ ً
لمــا و ُعدوا ًنــا إرضــا ًء َ
ـح للمظلــو ِم ُمن ِْقـ ٌـذ لــه ،ضمــن مــن يدخلــون يف قولــه تعالــى: أعــوان الظلمــة! ،وهــو يف الحقيقــة ناصـ ٌ
ـاس َج ِمي ًعــا} (((.
اهــا َف َك َأن ََّمــا َأ ْح َيــا النَّـ َ
{و َم ـ ْن َأ ْح َي َ
َ
اهلل النطـ َـق بِ َكلِ َمـ ِـة ال ُكفــر عنــد اإلكــراه ،قــال تعالــىَ { :مــن ومــن َأ ْجـ ِل الحفــاظ علــى النفــوس َشـ َـرع ُ
ِ ِ
ال ِ ِ ِ ِ َك َفــر بِــاهَّللِ مِــن بعـ ِـد إِ ِ ِ
يمانــه إِ َّل َمـ ْن ُأ ْكـ ِـر َه َو َق ْل ُبـ ُه ُم ْط َمئـ ٌّن بِ ْ َ
يمــان َو َٰلكــن َّمــن َشـ َـر َح بِا ْل ُك ْفـ ِـر َصــدْ ًرا َف َع َل ْي ِهـ ْ
ـم َ َْ َ
ِ ِ
ـم} ((( ،ليــس ذلــك ألن النفــس ُم َقدَّ َمــة علــى الديــن ،بــل ألن الديــن اب َعظيـ ٌ ـم َعـ َـذ ٌ ـب ِّم ـ َن اهَّلل َو َل ُهـ َْغ َضـ ٌ
وحفــظ الديـ ِ
ـن ـس ِ ُي ْمكِــن ِح ْف ُظــه بطمأنينــة القلــب باإليمــان وإن نطــق بكلمــة الكفــر؛ ف ُي ْمكِــن ِحفــظ النفـ ِ
م ًعا .
ِ
النفوس يف هذا الباب حسب األدلة الشرعية.. وقد تتفاوت مسألة ِحفظ مناف ِع
ــل َأ َحــدٌ اج ُش ِ ــم َوا ْبــ ُن ا ْلم ِ ــغ وابــن َعب ِ واختُلِــف يف الزنــىَ ،ف َق َ
ــونَ :ل َي ْف َع ُ َ ــد ا ْل َح َك ِ ف َو َأ ْص َب ُ َ ْ ُ ْ ــر ٌــال ُم َط ِّ
ــو ٍر َوا ْل َح َســ ُنَ .ق َ ــك ،وإِ ْن ُقتِ َــل َلــم ي ْفع ْلــهَ ،فــإِ ْن َفع َلــه َفهــو آثِــم وي ْل َزمــه ا ْلحــدُّ ،وبِ ِ ِ
ــال ــال َأ ُبــو َث ْ ــه َق َ َ َ ُ ُ َ ٌ ََ ُ ُ َ ْ َ َ ُ َذل َ َ
ــك. ــهِ ،خ َل ًفــا ل ِ َمــ ْن َأ ْل َز َمــ ُه َذل ِ َ ال ْقــدَ ام َع َلــى الزنــى و َل حــدَّ َع َلي ِ
ْ َ َ ُ
ــوز ْ ِ
يــح َأنَّــ ُه َي ُج ُ الصح ُ
ِ
ــيَّ : ْ ِ
ا ْبــ ُن ال َع َرب ِّ
ـال ـف َأ ْص َحا ُبنَــا متــى ُأ ْكـ ِـره الرجــل علــى الزنــىَ ،ف َقـ َ ـال ا ْبـ ُن ُخ َو ْيـ ِـز َمنْــدَ ا َد فِــي َأ ْح َكامِـ ِـهْ :
اخ َت َلـ َ ثــم قــالَ :و َقـ َ
ـال ا ْبـ ُن ُخ َو ْيـ ِـز ـمَ :ل َحــدَّ َع َل ْيـ ِـهَ .قـ َ ـال َب ْع ُض ُهـ ْـار ِهَ .و َقـ َ
اختِ َيـ ِـك بِ ْ ـمَ :ع َل ْيـ ِـه ا ْل َحــدُّ ِ ،لَ َّنـ ُه إِن ََّمــا َي ْف َعـ ُـل َذلِـ َ َب ْع ُض ُهـ ْ
ـح. ِ
الصحيـ ُ َمنْــدَ ا َدَ :و ُهـ َـو َّ
ـاس َأ ْن ُي َحــدَّ َ ،و َلكِـ ْن ان حــدَّ ،وإِ ْن َأكْر َهـه السـ ْل َط ُ ِ
ان َفا ْلق َيـ ُ َ ُ ُّ َ
ِ
السـ ْل َط ُ
ِ
ـال َأ ُبــو َحني َفـةَ :إِ ْن َأك َْر َهـ ُه َغ ْيـ ُـر ُّ
َو َقـ َ
ِ ِ ـالَ :ل َحــدَّ َع َل ْيـ ِـه فِــي ا ْل َو ْج َه ْيـ ِ َأستَح ِسـن َأ َّل يحــدَّ .و َخا َل َفـه ص ِ
ـار [يعنــي ـنَ ،و َلـ ْ
ـم ُي َرا ُعــوا النْت َشـ َ اح َبــا ُه َف َقـ َ ُ َ ْ ْ ُ ُ َ َ
ـاز َأ ْن َينْت َِشـ َـر.
ـص مِـ َن ا ْل َق ْتـ ِل بفعــل الزنــى َجـ َ َخ َّلـ ُ ـم َأ َّنـ ُه َيت َ ِ
انتشــار َذ َكـ ِـره قبــل اإليــاج]َ ،و َقا ُلــواَ :م َتــى َعلـ َ
ـك و َغيـ ِـر السـ ْل َط ِِ ِ ِ ِ ِ
ان ).انتهــى[ .وهــذا ـال ا ْبـ ُن ا ْل ُمنْــذ ِر َل َحــدَّ َع َل ْيــهَ ،و َل َفـ ْـر َق َب ْيـ َن ُّ
السـ ْل َطان فــي َذلـ َ َ ْ ُّ َقـ َ
هــو الصحيح].
((( [يوسف]33 :
((( [النور]33 :
((( [ج/10ص]184-183
13
ـدت اإلكــرا َه
ـب فوجـ ُ ـت المذاهـ َ وقــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة يف مجمــوع الفتــاوى(((( :تأ َّم ْلـ ُ
الم ْع َت َبــر يف ِ
اله َبــة الم ْكـ َـره عليــه؛ فليــس اإلكــرا ُه ُ
المع َت َبــر يف كلمــة الكفــر كاإلكــراه ُ يختلــف باختــاف ُ
ـص يف غيــر موضـ ٍع علــى أن اإلكــراه علــى الكفــر ال يكــون إال بتعذيــب مــن ونحوهــا؛ فــإن أحمــد قــد َنـ َّ
إكراها).انتهــى.
ً ـرب أو قيـ ٍـد ،وال يكــون الــكال ُم ضـ ٍ
الم َح َّقـ�ق إكـ�را ٌه ،كمـ�ا قـ�ال مالـ�ك -رحمـ�ه اهلل« :- وإن كان قـ�د ورد مـ�ا يـ�دل علـ�ى أن الوعيـ�د ُ
ـك ا ْل ُم ْع َتـ ِـدي َوإِ ْن َفــا َذ ُه ل ِ َمــا َيت ََو َّعــدُ بِـ ِـه.((( ».
ـم َذلِـ َ
ـع ،إِ َذا َت َح َّقـ َـق ُظ ْلـ َ َوا ْل َو ِعيــدُ ا ْل ُم َخـ ِّـو ُ
ف إِ ْكـ َـرا ٌه َوإِ ْن َلـ ْ
ـم َي َقـ ْ
َان ـج ِن َت ْوقِيـ ٌ
ـت ،إِن ََّمــا ُهـ َـو َمــا ك َ السـ ْ
ب َو َّ ـك َو َأ ْص َحابِـ ِـه فِــي َّ
الضـ ْـر ِ قــال القرطبــي(((( :و َليــس ِعنْــدَ مالِـ ٍ
َ َ ْ َ
ان َو َغ ْيـ ِـر ِه
الضيـ ُـق َع َلــى ا ْلم ْكــر ِه .وإِ ْكــراه الس ـ ْل َط ِ
ُ َ َ َ ُ ُّ ـج ٍن َيدْ ُخـ ُـل مِنْ ـ ُه ِّ ب ،ومــا ك َ ِ ِ
َان م ـ ْن سـ ْ الضـ ْـر ِ َ َ ـم مِ ـ َن َّ ِ
ُي ْؤلـ ُ
ِعنْــدَ مالِـ ٍ
ـك إِ ْكـ َـرا ٌه) .انتهــى. َ
ِ ِ ِ
ـج ِنَ ،و َأ َقــا َم َخ ْم َس ـ َة الس ـاَ ُم َع َلــى ا ْل َفاح َشــة بِ ِّ
السـ ْ ـف َع َل ْيــه َّ وسـ ُ أيضــا(((ُ ( :أ ْكـ ِـر َه ُي ُ وقــال القرطبــي ً
يف َقــدْ ِر ِهَ ،و َلـ ْـو ُأ ْكـ ِـر َه َر ُجـ ٌـل بالســجن علــى الزنــى َمــا ـم من ِْز َلتِـ ِـه و َشـ ِـر ِ
َ
َأ ْعــوا ٍم ،ومــا ر ِضــي بِ َذلِـ َ ِ ِ
ـك ل َعظيـ ِ َ َ َ َ َ َ
ِ اخ َت َلـ َ ِ ِ ب َف َقـ ِـد ْ
فادحــا فإنــهـح َأ َّن ـ ُه إِ َذا كان ً الصحيـ ُ ـف فيــه ا ْل ُع َل َمــا ُءَ ،و َّ الضـ ْـر ِ ـاز َل ـ ُه إِ ْج َما ًعــاَ .فــإِ ْن ُأ ْكـ ِـر َه بِ َّ
َجـ َ
ـض ُع َل َمائِنَــا :إِ َّنـ ُه َل َي ْسـ ُق ُط َعنْـ ُه ا ْل َحــدُّ َ ،و ُهـ َـو َض ِعيـ ٌ
ـفَ ،فــإِ َّن ـال َب ْعـ ُيســقط عنــه إثــم الزنــى َو ْحــدُّ ُهَ .و َقــدْ َقـ َ
ـن. ـم ا ْل َحـ َـرجِ فِــي الدِّ يـ ِ
ـنَ ،فإِ َّنـ ُه مِـ ْن َأ ْع َظـ ِ
ـنَ ،و َل ُي َص ِّر ُفـ ُه َب ْيـ َن َب َل َء ْيـ ِ ـع َع َلــى َع ْبـ ِـد ِه ا ْل َع َذا َب ْيـ ِ
اهَّلل َت َعا َلــى َل َي ْج َمـ ُ
َ
ـن مِـ ْن َحـ َـرجٍ } .).(((.انتهــى. ـم فِــي الدِّ يـ ِ {ومــا َج َعـ َـل َع َل ْي ُكـ َْ
ثال ًثــا :يــأيت الحفــاظ علــى األعــراض والفــروج ومــا يتعلــق هبــا يف ضــرورات اإلنســان التــي يلــزم
الحفــاظ عليهــا ،والنصــح لألهــل والمجتمــع والبــاد واألُم ـ َّة يف الحفــاظ علــى ذلــك؛ فالدعــو ُة إلــى
الم َحـ َّـرم و ُم َقدِّ مــات الفواحــش ُك ِّلهــا ،وعقوب ـ ُة مرتكبيهــا ،والتحذيـ ُـر مــن
ـع االختــاط ُ
الحجــاب ،ومنـ ُ
الزنــا واللــواط ،وإقام ـ ُة الحــدود علــى فاعــل ذلــك مــن النصيحــة الواجبــة لألمــة يف هــذا البــاب.
((( [ج]094/5
((( نقله القرطيب يف تفسريه [ج/10ص]190
((( [ج/10ص]190
((( [ج/9ص]187
((( [احلج]78 :
14
نصــح ألهلــه و ُأ ْسـ َـرتِه و َمــن َتحــت واليتــه نصيحـ ًة واجبـ ًة يف ذلــك؛
والواجــب علــى المســلم أن َي َ
لمجتمعــه ووطنِــه؛ إذ أن األعــداء إنمــا
أيضــا ُـح ً ِ
ليمنــع الفواحــش و ُم َقدِّ َماتهــا ،وهــو يف الحقيقــة ناصـ ٌ
ــرها واختــال العالقــة بيــن الرجــل ِ
أفرادهــا و ُأ َس ِ ِ
أخــاق يتمكنــون مــن اخــراق األوطــان بتدميــر
والمــرأة؛ ولذلــك وضعــوا قِ َي َم ُهــم الفاســدة يف نشــر الفســاد يف األعــراض علــى أولــى أولوياهتــم يف
حرهبــم ضــد اإلســا ِم وأهلِــه.
رابعــا :بعــد الحديــث عــن النُّصــح إلــى الفــرد والجماعــة والوطــن واألمــة ،ل ِ ِ
حفــظ الديــن والنَّ ْفــس ْ ً
والعـ ْـرض ،يــأيت الــكالم عــن ِحفــظ العقــل.
ِ
ـب للعق ـلِ ،قــال تعالــىَ { :يــا َأ ُّي َهــا ا َّل ِذي ـ َن آ َمنُــوا إِن ََّمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر ـرع ك َُّل ُم ْســكِ ٍر ُمذهـ ٍ فقــد َحـ َّـرم الشـ ُ
ــم ُت ْفلِ ُح َ ان َف ِ الشــي َط ِ ِ
ــون * إِن ََّمــا ُي ِريــدُ اجتَن ُبــو ُه َل َع َّل ُك ْْ ــس ِّمــ ْن َع َمــ ِل َّ ْ ــاب َو ْالَ ْز َل ُم ِر ْج ٌ نص ُ َوا ْل َم ْيس ُــر َو ْالَ َ
الصـ َـا ِة ـن َّـم َعــن ِذ ْكـ ِـر اهَّللِ َو َعـ ِ ِ ِ
ـم ا ْل َعــدَ َاو َة َوا ْل َب ْغ َضــا َء فــي ا ْل َخ ْمـ ِـر َوا ْل َم ْيسـ ِـر َو َي ُصدَّ ُكـ ْ
ِ
ان َأن ُيوقـ َ
ـع َب ْينَ ُكـ ُ الشـ ْي َط ُ َّ
ـون} ((( ،وقــال النبــي § « :ك ُُّل ُم ْســكِ ٍر َخ ْمـ ٌـرَ ،وك ُُّل َخ ْمـ ٍـر َحـ َـرا ٌم»(((. ۖ َف َهـ ْـل َأن ُتــم ُّمنت َُهـ َ
ِ ِ ِ
وصـ َـور اإلدمــان ُك ِّلهــا نصيحـ ٌة للفــرد والجماعــة ُ
والمجت ََمـعِ ،وإقامـ ُة الخمـ ِـر ُ
والم َخــدِّ رات ُ ـع َفمنْـ ُ
َ
ِ الحــدِّ علــى شـ ِ
والم َخــدِّ رات هــو أعظــم صــور اإلصــاح لهــذه الفئــة المريضــة؛ ن ً
ُصحــا الخمـ ِـر ُـاربِي َ َ
بيعهــا ،كمــا هــو ُمحـ َّـر ٌم شــر ًعا فهــو رات وتجريــم ِ الخمـ ِـر والم َخــدِّ ِ لهــم ولغيرهــم ،ومحاربـ ُة اال ِّتجــار يف َ
ُ
الخ ْمـ ِـر َع ْشـ َـرةَ : ِ ِ
الخ ْمـ َـر، اهلل يف َ ـاظ علــى عقــول أفــراده مــن هــذا الفســاد ،قــال النبــي §َ « :ل َع ـ َن ُ حفـ ٌ
اص َر َهــاَ ،و ُم ْعت َِص َر َهــاَ ،و َحامِ َل َهــاَ ،وا ْل َم ْح ُمو َلـ َة إِ َل ْيـ ِـهَ ،وآكِ َل
ـاربها ،وســاقِيها ،وبائِعهــا ،ومبتَا َعهــا ،و َع ِ
َو َشـ ِ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ
َث َمن ِ َهــا.(((».
الخ ْمـ ِـر ،والعقوبـ ُة عليــه ،كمــا ُت َحـ ِّـرم اال ِّتجــار
ـع اال ِّتجــار يف َ
ـب علــى الدولــة المســلمة :منـ ُ
والواجـ ُ
ِ ِ ِ ِ
المســلمي َن ،حتــى ـح التصاريــحِ ل َب ْيعهــا عالنيـ ًة يف أســواق ُ الم َخــدِّ َرات و ُتعاقــب عليــه ،وال يجــوز منـ ُ
يف ُ
ِ ِ ِ
يمــا َبينَهــم ،وال يجــوز إقامــة مصانــع الخمــور ،وال ألهــل الذ َّمــة وال َع ْهــد ،بــل إن باعوهــا واشــروها َفف َ
زراعــة المخــدرات وتصنيعهــا وال اســتيرادها وال تصديرهــا وال هتريبهــا ،وال يجــوز الســماح هبــا علــى
((( [املائدة]91-90 :
((( [رواه ُم ْسلِم]
((( [صحيح ،رواه الرتمذي وابن ماجة]
15
السـ ْكر ِ ِ ِ
الطائــرات واألماكــن الســياحية ،بــل مــن أراد مــن الكفــار ُشـ ْـر َبها ففــي بيتــه سـ ًّـرا ،وبشــرط عــدم ُّ
وح َما َيتِ ِهــم مِــن َأ ْض َر ِار َهــا. ـول أبنـ ِ
ـاء األُمـ ِـة ِ يف الطريـ ِـق العــام؛ وكل ذلــك للحفــاظ علــى عقـ ِ
َّ
اض م ًعا؛ فيلــزم من ُعــه و ُمحار َبتُه، ـان النَّ َظـ ِـر إلــى المواقــع اإلباحيــة ،هو فســا ٌد لل ُع ُقـ ِ
ـول واألَ ْعـ َـر ِ وإدمـ ُ
َ
والدعــو ُة إلــى مقاطعتهــا؛ آلثارهــا التدميرية على ســلوك االنســان.
َ
إدمــان ِ
األلعــاب َصــار ُي َؤ ِّثــر يف العقــل والســلوك إفســا ًدا يضاهــي تما ًمــا ِ
بعــض ُ
إدمــان بــل
الم َخــدِّ َرات؛ فيجــب المنــع مــن ذلــك كلــه والنصيحــة للتحذيــر منــه.
ُ
األمــوال بتحريــم الســرقة والغصــب واالنتهــاب واالختــاس والغلــول، ِ خامســا :يــأيت ِح ُ
فــظ ً
والم ْي ِســر والبيــوع المنهــي عنهــا ،كال َغ َــرر،
الر َبــا َ
واالعتــداء علــى المــال العــام والخــاص ،وتحريــم ِّ
والبيــوع التــي ُتعيــن علــى الحــرام أو َت ُقــوم عليــه ،وكــذا اإلجــارات التــي تعيــن علــى الحــرام ،كح ْلـ ِ
ـوان ُ
ـب ،و َث َمـ ِ
ـن الــد ِم ،وقــد ثبــت النهــي عــن ذلــك كلــه يف األحاديــث ـن ،و َم ْهـ ِـر البغــي ،و َث َمـ ِ
ـن الكلـ ِ الكاهـ ِ
الصحيحــة.
وكذلــك يجــب الحــذر ممــن يدمــر البيــوت والمصانــع والمتاجــر والمــزارع ،يف المــدن والقــرى،
النــاس ــب ُ تخريــب البِ َ ِ
ِ
ُ الحقــوق و َين َْه ُ المدَ ِّم َــرة التــي تضيــع فيهــا
ــاد بالفوضــى ُ ويحــرم التســبب يف
بعضــا فيهــا.
بعضهــم ً
ُ
*******
16
ضرورة الموازنة عند التعارض
الم َو َاز َنـ ُة ـب تحصي ُلهــا َو َد ْفـ ُ يف كل هــذه المصالــح [والضــرورات] التــي َي ِ
ـع الفســاد عنهــا تجــب ُ جـ ُ
الشـ َّـر و ُيكثـ ُـر َ
الخ ْيـ َـر ،يف قــدر كل واحــدة منهــا ،ويف المفاضلــة بيــن أنــواع ـار ِ
ض -بمــا ُي َق ِّلـ ُـل َ -عنــد التعـ ُ
المصالــح والمفاســد.
ـح مِـ ْن الدَّ َل َلـ ِـة َع َل ْيـ ِـهَ ،والنَّ َظـ ُـر إ َلــى ْالَ ْجنَبِ َّيـ ِـة ُم َحـ َّـر ٌم ل ِ َك ْونِـ ِـه َو ِســي َل ًة ِ
َاو َلـ ُة آ َلــة ا ْل َق ْتـ ِل َأ ْق َبـ ُ
ـك ُمن َ َوك ََذلِـ َ
ِ الز َنــا ،وا ْل َخ ْلــو ُة بِهــا َأ ْقبــح مِـن النَّ َظـ ِـر إ َليهــا ،و ِعنَا ُقهــا فِــي ا ْل َخ ْلــو ِة َأ ْقبـ ِ
ـوس ـح مـ ْن ا ْل َخ ْلـ َـوة بِ َهــاَ ،وا ْل ُج ُلـ ُ َ َ ُ َ َْ َ َ َ َ ُ ْ إ َلــى ِّ َ
�م. �ك ُك ِّلـ ِ�ه ،ل ِ ُقـ َّ�و ِة َأ َدائِـ ِ�ه إ َلـ�ى ا ْل َم ْف َسـ�دَ ِة ا ْل َم ْق ُصـ�و َد ِة بِالت َّْح ِريـ ِ
�ح مِـ� ْن َذلِـ َ ِ
َب ْيـ� َن ِر ْج َل ْي َهـ�ا بِ َغ ْيـ ِ�ر َحائـ� ٍل َأ ْق َبـ ُ
ـاق الشـ ْـه َو َة َت ْشـتَدُّ بِا ْل ِعنَـ ِاسـ ِـدَ ،فــإِ َّن َّ ف ُقــو ِة َأدائِهــا إ َلــى ا ْلم َف ِ
َّ َ َ
اختِـ َـا ِ
ـب ا ْل َو َســائِ ِل بِ ْـف ُر َتـ ُ َو َه َكـ َـذا َت ْختَلِـ ُ
َ
ـك ُك ِّلـ ِـه ل ِ ُقـ َّـو ِة َأ َدائِـ ِـه إ َلــى ِّ
الز َنــاَ ،و ُك َّل َمــا ـح مِـ ْن َذلِـ َ ـير َأ ْق َبـ ُ
ِ
ـك النَّ َظـ ُـرَ ،وال َّت ْفسـ ُ ـس ك ََذلِـ َ ـاقَ ،و َل ْيـ َ
ـث َل ُت َطـ ُ بِ َح ْيـ ُ
ـاغ ُل َع ْن الشـ ِ ـع َّ ـص َعن َْهــاَ ،وا ْل َب ْيـ ُ ـم َمــا َن َقـ َ ـم مِـ ْن إ ْثـ ِ ـت ا ْل َو ِســي َل ُة فِــي ْالَ َد ِاء إ َلــى ا ْل َم ْف َســدَ ِة ك َ
َان إ ْث ُم َهــا َأ ْع َظـ َ َق ِو َيـ ْ
ف وال َّطا َعـ ِ ِ ـاغ ًل َعـ ْن ا ْل ُج ُم َعـ ِـةَ ،فــإِ ْن ُر ِّت َبـ ْ ا ْلجمعـ ِـة حــرام َل ِلَ َّنـه بيــع ،بـ ْـل ل ِ َكونِـ ِـه َشـ ِ
ـات ـت َم ْص َل َحـ ُة الت ََّصـ ُّـر َ ْ ُ َْ ٌ َ ُ ُ َ َ َ ٌ
ــة َأ َد ِاء
ــه َع َلــى مص َلح ِ
َ ْ َ
ــة .ل ِ َف ْضــ ِل مص َلحتِ ِ
َ ْ َ
ف َع َلــى ا ْلجمع ِ
ُ ُ َ ــةُ ،قــدِّ َم َذل ِ َ
ــك الت ََّص ُّــر ُ ــة ا ْلجمع ِ
ُ ُ َ
َع َلــى مص َلح ِ
َ ْ َ
ا ْل ُج ُم َعـ ِ�ةَ ،ف ُي َقـ�دَّ ُم إ ْن َقـ�ا ُذ ا ْل َغ ِريـ ِ�قَ ،وإِ ْط َفـ�ا ُء ا ْل َح ِريـ ِ�قَ ،ع َلـ�ى َصـ َلا ِة ا ْل ُج ُم َعـ ِ�ة.
ـوس َو ْالَ ْب َضــا ِع َع َلــى َصـ َـا ِة ا ْل ُج ُم َعـ ِـة مِ ـ ْن َغ ْيـ ِـر َت ْخيِيـ ٍـر َب ْي ـ َن َهـ ِـذ ِه ـع َع ـ ْن النُّ ُفـ ِ َوك ََذلِـ َ
ـك ُي َقــدَّ ُم الدَّ ْفـ ُ
ـوب ا ْل ُج ُم َعـ ِـة َفإِن ََّهــا َت ْخيِيـ ٌـر َب ْي ـ َن
ف ْالَ ْعـ َـذ ِار ا ْل َخ ِفي َفـ ِـة ا ْل ُم ْسـ ِـق َط ِة ل ِ ُو ُجـ ِ
خـ َـا ِ
ـات وبي ـن ا ْلجمعـ ِـة ،بِ ِ
َ َْ َ ُ ُ َ
اجبـ ِ
ا ْل َو ِ َ
ال ُّظ ْه ِ��ر َوا ْل ُج ُم َعـ ِـة .).انتهــى.
ـع َب ْين َُه َمــا ل ِ َمــا ِ َف َمـ ْن َقــدَ َر َع َلــى ا ْل َج ْمـ ِع َب ْيـ َن َد ْر ِء َأ ْع َظـ ِ
ـم ا ْل ِف ْع َل ْيـ ِ
ـن َم ْف َســدَ ًة َو َد ْرء َأ ْدن ُ
َاه َمــا َم ْف َســدَ ًة َج َمـ َ
ـن َأ ْو ُمت ََسـ ِ
ـاو َي ْي ِن َف َمــا اسـ ِـد ،مِ ْثـ َـل َأ ْن َين َْهــى َعـ ْن ُمنْ َك َر ْيـ ِ
ـن ُم َت َف ِ
او َت ْيـ ِ ـوب ا ْلجمـ ِع بيـن ِرد ِء ا ْلم َف ِ ِ
َذك َْر َنــا ُه مـ ْن ُو ُجـ ِ َ ْ َ ْ َ ْ َ
احــدَ ٍة.
َزاد ،بِ َكلِمـ ٍـة و ِ
َ َ َ
ـول َل ُه َمــا ُك َّفــا َع َّمــا ـال إنْسـ ٍ
ـانَ ،ف َي ُقـ ُ ب َمـ َ َ ـن َأ ْن َيـ َـرى إن َْســانًا َي ْق ُتـ ُـل َر ُجـ ًـا َو َ
آخـ َـر َي ْس ـ ُل ُ مِ َثـ ُ
ـال ا ْل ُم َت َف ِ
او َت ْيـ ِ
َتصنَعـ ِ
ـان. ْ َ
ب َمالِـ ِـه َف َي ُقـ ُ
ـول َل ُه َمــا ُك َّفــا ـن َقــدْ اجتَمعــا َع َلــى َق ْتـ ِل إنْسـ ٍ
ـان َأ ْو َسـ ْل ِ َ ْ َ َ ـاو َي ْي ِن َأ ْن َيـ َـرى ا ْثنَ ْيـ ِ َومِ َثـ ُ
ـال ا ْل ُمت ََسـ ِ
ـول ل ِ ْل َج َما َعـ ِـة ُك ُّفــوا َع َّمــا َت ْصنَ ُعـ َ
ـون. ـك َي ُقـ َُع�� ْن َقتْلِ ِ�هـ َأ ْو َس ْ�لـبِ ِهَ .وك ََذلِـ َ
ـكَ ،وإِ ْن َقــدَ َر َع َلى َد ْفـ ِع َأ َح ِد ِه َما َد َف َع ْالَ ْف َســدَ احــدَ ًة َل ِز َمـ ُه َذلِـ َ
ـن د ْفعـ ًة و ِ
َوإِ ْن َقــدَ َر َع َلــى َد ْفـ ِع ا ْل ُمنْ َك َر ْيـ ِ َ َ
ـازي مِـ ْن ـك بِ َيـ ِـد ِه َأ ْو بِلِ َســانِ ِه ،مِ ْثـ َـل َأ ْن َيت ََم َّكـ َن ا ْل َغـ ِ
ـالَ ْر َذ َل َسـ َـوا ٌء َقــدَ َر َع َلــى َد ْفـ ِع َذلِـ َ
َف ْالَ ْف َســدَ َ ،و ْالَ ْر َذ َل َفـ ْ
ـمَ ،فإِ َّنـ ُه ُي َقــدِّ ُم َر ْمـ َـي ِ ِ ِ ٍ ِ ٍ ٍ ِ ِ ِ ٍ ِ
َق ْتـ ِل َواحــد مـ ْن ا ْل ُم ْشـ ِـركي َن بِ َسـ ْـه ٍم َومـ ْن َق ْتـ ِل َع ْشـ َـرة بِ َر ْم َيــة َواحــدَ ة َتنْ ُفـ ُـذ فــي َجميع ِهـ ْ
ال ْسـ َـا ِمَ ،ح َسـ َن التَّدْ بِيـ ِـر فِــي احــدُ َب َطـ ًـا َعظِيــم النِّ َكا َيـ ِـة فِــي ْ ِ
َ
ـون ا ْلو ِ ِ ِ
ـي ا ْل َواحــدَّ ،إل َأ ْن َي ُكـ َ َ ا ْل َع َشـ َـر ِة َع َلــى َر ْمـ ِ
وبَ :فيبـ�دَ ُأ بِرميِـ ِ�ه د ْفعـ�ا لِم ْفسـ�دَ ِة ب َقائِـ ِ�هِ ،لَنَّهـ�ا َأ ْع َظـ�م مِـ�ن م ْفسـ�دَ ِة ب َقـ ِ
�اء ا ْل َع َشـ َ�ر ِة. ُ ْ َ َ َ َ ا ْل ُحـ ُ�ر ِ َ ْ َ ْ َ ً َ َ َ
ـم مِن َْهــا َو َقــدَ َر َع َلــى
ـار َل ن ََجــا َة َل ُهـ ْ ـف مِـ ْن ا ْل ُك َّفـ ِـك َلــو َقــدَ ر َع َلــى َأ ْن ي ْف َتــح ُفو َهـ َة نَهـ ٍـر َع َلــى َأ ْلـ ٍ
ْ َ َ َّ
ِ
َوك ََذلـ َ ْ َ
ـح ُف َّو َهـ ِـة الن َّْهـ ِـر َأ ْو َلــى مِ ـ ْن َق ْت ـ ِل ا ْل ِما َئـ ِـة ل ِ َمــا فِيـ ِـه مِ ـ ْن ِع َظـ ِ ت ا ْل ِق َتـ ِ
ـال َل ـ َك َ َق ْت ـ ِل مِا َئـ ٍـة بِ َشــي ٍء مِ ـن َآل ِ
ـم ان َف ْتـ ُ ْ ْ
ِ ِ َان َف ْتـ�ح ا ْل ُفو َهـ ِ�ة َأ َخـ َّ ِ ِ
السـ َلاحِ . �ف مـ� ْن َق ْتـ� ِل ا ْلما َئـ�ة بِ ِّ ا ْل َم ْص َل َحـ�ةَ ،وإِ ْن ك َ ُ َّ
ت ُر َتبِـ ِـه،
ـان بِ َت َفــاو ِ
ُ
ار ِه بِا ْليـ ِـد وال ِّلسـ ِ ـك َت َت َفــاو ُت كَر َاهـ ُة ا ْلمنْ َكـ ِـر بِا ْل ُق ُلـ ِ ِ
ـوب عنْــدَ ا ْل َع ْجـ ِـز َعـ ْن إ ْنـ َك ِ َ َ َ ُ َ َ َوك ََذلِـ َ
��م مِـ ْن ك ََر َاه ِ��ة َم��ا ُدو َنـ ُه .).انتهــى. ــن ك ََر َاهةـ ُـ ْالَ ْق َبـ�حِ َأ ْع َظ َ
َف َت ُكو ُ
((( (ص)129
((( (ص )131 – 130
((( [املائدة]32 :
20
ت منَافِــ ِع مــا جنَــى َع َلي ِ ــه ي َت َفــاو ُت إ ْثمهــا بِ َت َف ِ ِ ِ ِ ِ َوك ََذل ِ َ
ــك ِجنَا َيــ ُة ْ ِ
ــه، ْ َ َ ــاو َ ُ َُ الن َْســان َع َلــى َأ ْع َضــاء َن ْفس َ َ
ــس يــنَ ،و َل ْي َ ــه لِلدِّ ِ
ــه ونُصرتِ ِ ِ ِ
ــره َوإِن َْصاف َ ْ َ
ــه وإِ ْقســاطِ ِه وبِ ِ
َ ِّ
ِ ِ
َّــاس مــ ْن عَدْ ل َ َ
ت مــا َفو َتــه َع َلــى الن ِ ِ
ــاو َ َّ ُ
ِ
َوبِ َت َف ُ
ــس ِ ِ
ــك ُك ِّلــه ُم ْشــت ََر ٌك َب ْينَــ ُه َو َب ْيــ َن َر ِّبــهَ ،و َل ْي َ ــق فِــي َذل ِ َ ــهِ ،لَ َّن ا ْل َح َّ ــك مِــن َن ْف ِس ِ
ْ ــف َذل ِ َ ــد َأ ْن ُيتْلِ َِلَح ٍ
َ
ـ�ع بِلِ َسـ�انِ ِه. ِ ـ�م لِس َ ِ ِ
ـ�ان َن ْفسـ�ه َك َق ْطـ� ِع َمـ� ْن َل َينْتَف ُ ِ ِ
ـ�م َأ ْو ا ْل ُم ْفتـ�ي َأ ْو ْال َمـ�ا ِم ْالَ ْع َظ ِ َ ـ�م َأ ْو ا ْل َحاكِ ِ
ـ�ع ا ْل َعال ِ ِ
َق ْط ُ
الض ِعيـ ِ ـم مِـ ْن َق ْطـ ِع َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ـك َق ْطــع ا ْلب َطـ ِل َّ ِ ِ َوك ََذلِـ َ
ـف الشــديد النِّ َكا َيــة فــي ا ْلج َهــاد َيــدَ َن ْفســه َأ ْو ِر ْجـ َـل َن ْفســه َأ ْع َظـ ُ ُ َ
ـاء فِــي ْالَ ْبــدَ ِ ـاوي ْالَ ْع َضـ ِ ـاد َيــدَ َن ْف ِسـ ِـه َأ ْو ِر ْجـ َـل َن ْف ِسـ ِـهَ ،و َل َي ْلـ َـز ُم مِ ـ ْن َت َسـ ِجهـ ِ ِ ِ
ال ا َّلــذي َل َأ َثـ َـر َل ـ ُه فــي ا ْل ِ َ
�اوي َت ْف ِويتِ َهـ�ا فِـ�ي ْال َثـ�ا ِم. َت َسـ ِ
ـار بِت َْضيِيـ ِع ـظ تِ ْسـ َع ِة ْالَ ْع َشـ ِـك ِلَ َّن ِح ْفـ َ ـوز َت ْول ِ َيـ ُة َمـ ْن ُي َفـ ِّـر ُط فِــي ا ْل ُع ْشـ ِـرَ ،وإِن ََّمــا َج َّو ْز َنــا َذلِـ َ َزا َد َع َل ْيـ ِـهَ ،و َي ُجـ ُ
ـس َأ ْي ًضــاَ ،ف َي ُكـ ُ
ـون ال ْسـ َـا ِم مِ ـ ْن َت ْضيِي ـ ِع ا ْل َج ِمي ـعَِ ،ومِ ـ ْن َت ْضيِي ـ ِع ا ْل ُخ ُمـ ِ ـح ل ِ ْلَ ْي َتــا ِم َو ِلَ ْه ـ ِل ْ ِ
ا ْل ُع ْشـ ِـر َأ ْص َلـ ُ
ـاب َد ْفـ ِع َأ َشــدِّ ا ْل َم ْف َســدَ َت ْي ِن بِ َأ َخ ِّف ِه َمــا. َهـ َـذا مِـ ْن َبـ ِ
ـت ا ْل َحـ َّـق ـور َع َل ْيـ ِـه بِال َّت ْب ِذيـ ِـر ُن ِّف َ
ــذ ْت َت َص ُّر َفا ُت ـ ُه ا ْل َعا َّم ـ ُة إ َذا َوا َف َقـ ْ َو َلـ ْـو َت َو َّلــى ْالَ ْمـ َـو َال ا ْل َعا َّم ـ َة َم ْح ُجـ ٌ
صالِ ِح اَلْنَِم» (ص )86 – 85 ِ ِ
((( يف «قـََواع ُد َاأل ْح َكام ِف َم َ
21
ــوص مص َلحتِ ِ وجــب ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ور ِةَ ،و َل ُينَ َّف ُ ل ِ َّ
ــه. ِ َ ْ َ ل ْن َقــاذه َم َ
ــع ُخ ُص ــذ َت َص ُّر ُفــ ُه لنَ ْفســه ،إ ْذ َل ُم ِ َ لض ُــر َ
ـع إ َلــى َر ْأ ِي ا ْل ُع َقـ َـا ِء َف َهـ ْـل ُينَ َّفـ ُـذ َت َص ُّر ُف ُه َمــا ٍ ِ ِ
َو َلـ ْـو ُا ْبتُلِـ َـي النَّـ ُ
ـاس بِت َْول َيــة ا ْمـ َـر َأة َأ ْو َصبِـ ٍّـي ُم َم ِّيـ ٍـز َي ْر ِجـ ُ
�ك َو ْق َفـ�ةٌ. �اة َوا ْلـ ُ�و َل ِة؟ َف ِفـ�ي َذلِـ َ�اد و َتولِيـ ِ�ة ا ْل ُق َضـ ِ ِ ِ ِ ِ
يمـ�ا ُي َوافـ ُ�ق ا ْل َحـ َّ�ق َكت َْجنيـ�د ْالَ ْجنَـ َ ْ َ
ِ
ا ْل َعـ�ا ُّم ف َ
ـم َف َو َّلـ ْـوا ا ْل َق َضــا َء ل ِ َم ـ ْن َي ُقــو ُم بِ َم َصالِــحِ ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن ا ْل َعا َّمـ ِـة،
ـم َعظِيـ ٍ
ـار َع َلــى إ ْقلِيـ ٍ
اس ـت َْو َلى ا ْل ُك َّفـ َُو َلـ ْـو ْ
الشــامِ َل ِة ،إ ْذ َي ْب ُعــدُ َع ـ ْن َر ْح َمـ ِـة
اسـ ِـد َّ ـك ُك ِّلـ ِـه ج ْلبــا ل ِ ْلمصالِــحِ ا ْلعامـ ِـة ود ْفعــا ل ِ ْلم َف ِ
َ َ َّ َ َ ً َ ً َ َ َف َا َّلـ ِـذي َي ْظ َهـ ُـر إ ْن َفــا ُذ َذلِـ َ
ات ا ْل َكمـ ِ الشــامِ َل ِة ،ل ِ َفــو ِ
اسـ ِـد َّـاد ِه َتعطِيـ ُـل ا ْلمصالِــحِ ا ْلعامـ ِـة و َتحمـ ُـل ا ْلم َف ِ الشــر ِع و ِر َعايتِـ ِـه لِمصالِــحِ ِعبـ ِ
ـال َ َ َ َ َّ َ َ ُّ َ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ َ
�ال َب ِعيــدٌ .).انتهــى.
احتِ َمـ ٌ يمـ ْن َي َت َعا َطــى َت ْول ِ َيت ََهــا ل ِ َمـ ْن ُهـ َـو َأ ْهـ ٌـل َل َهــاَ ،وفِ��ي َذلِـ َ
ـك ْ
ِ
ف َ
إنــم ُف ُســو ًقا ،مِ ْث َــل ْ ــوق فِــي ح ِّ ِ ِ
ــق ا َلْئ َّمــةَ :قدَّ ْمنَــا َأ َق َّل ُه ْ َ ــب ا ْل ُفس ِ
ُ ــت ُر َت ُاو َت ْوقــال ¬(((...( :إ َذا َت َف َ
ـاك ُح ْر َمـ ِـة ْالَ ْب َضــاعَِ ،وفِ ْسـ ُـق ْال َخـ ِـر بِالت ََّضـ ُّـر ِعـوس وفِسـ ُـق ْال َخـ ِـر بِانْتِهـ ِ
َ
ِ ِ ِ
َان ف ْسـ ُـق َأ َحــد ْالَئ َّمــة بِ َق ْتـ ِل النُّ ُفـ ِ َ ْ
ك َ ِ
ِ ــاء َو ْالَ ْب َضــاعَِ ،فــإِ ْن َت َع َّ ال َع َلــى ا ْلمت ََضــر ِع لِلدِّ م ِــو ِ ِ ــو ِ ِ
يمــ ُه َقدَّ ْمنَــا
ــذ َر َت ْقد ُ َ ِّ ُ الَ ،قدَّ ْمنَــا ا ْل ُمت ََض ِّــر َع ل ْلَ ْم َ ل ْلَ ْم َ
لب َضــا ِع َع َلــى م ـن ي َتعــر ُض لِلدِّ مـ ِ ِ
ـاء. َ َ ْ َ َ َّ ا ْل ُمت ََضـ ِّـر َع ل ْ َ ْ
ــر َع َلــى يــر مِن َْهــا َو ْالَ ْص َغ ِ الص ِغ ِ ــر َو َّ ُــوب َو ْالَ ْك َب ِ
الذن ِ يــر مِــ ْن ُّ
يــم َع َلــى ا ْل َكبِ ِ ِ
ــب ال َّت ْقد ُ َوك ََذل ِ َ
ــك َيت ََر َّت ُ
ف ُر َتبِ َهـ�ا.ـلا ِاختِ َ
ْ
ـع إ َعانَتِـ ِـه َع َلــى َم ْع ِص َيتِـ ِـه؟ ِ ِ ِ ِ ِ ـال مــع َأح ِد ِهمــا ِ ِ ِ َفــإِ ْن قِيـ َـلَ :أيجـ ُ ِ
ل َقا َمــة ِو َل َيتــه َوإِ َدا َمــة َت َص ُّرفــه َمـ َ ـوز ا ْلق َتـ ُ َ َ َ َ َ ُ
ل ْف َسـ ِـد َف ْالَ ْف َسـ ِـد. تَ ،و َد ْر ًءا ل ِ ْ َ ُق ْلنَــاَ :نعــم؛ د ْفعــا لِمــا بيـن م ْفســدَ َتي ا ْل ُفســو َقي ِن مِـن ال َّت َفــاو ِ
ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ً َ َْ َ َ َ ْ
ال َد ْف ًعــا ل ِ َم ْف َســدَ ِة ْالَ ْب َضــا ِع ـاد ْالَمـ َـو ِ
ْ
وفِــي َهـ َـذا و ْق َفـ ٌة وإِ ْشـ َك ٌال مِـن ِجهـ ِـة َأ َّنــا ن ُِعيـن ال َّظالِــم َع َلــى َفسـ ِ
َ َ ُ ْ َ َ َ َ
ـاد ْالَب َضــا ِع د ْفعــا لِم ْفســدَ ِة الدِّ مـ ِ
ـاء َو ِهـ َـي َم ْع ِص َيـةٌ. ـك ن ُِعيـن ْال َخــر َع َلــى إ ْفسـ ِ
َو ِهـ َـي َم ْع ِص َيـةٌَ ،وك ََذلِـ َ
َ َ ً َ َ ْ َ َ ُ
ال َعا َن ـ ُة َع َلــى ا ْل َم ْع ِص َيـ ِـة َل ل ِ َك ْونِ َهــا َم ْع ِص َي ـ ًة َبـ ْـل ل ِ َك ْونِ َهــا َو ِســي َل ًة إ َلــى َت ْح ِصي ـ ِل َو َلكِ ـ ْن َقــدْ َي ُجـ ُ
ـوز ْ ِ
اجتِ َهــا ُد ُه َو َمــا َر َف َعـ ُه مِـ ْن اعـ ِـه ،و َقــدْ ُع ِر َفـ ْ ِ
ـت ن َّي ُتـ ُه َو ْ َ
ـاؤه َع َلــى ِو َليتِـ ِـه وإِ ْق َط ِ
َ َ
َفهـ ْـل يجـ ُ ِ ِ
ـوز لم ْثـ ِل َهـ َـذا َب َقـ ُ ُ َ َ ُ
ول ـع َيــدَ ُه َل َيـ ُـز ُ ال ْق َطــاعَِ ،و ُهـ َـو إ َذا َر َفـ َ ـع َيــدَ ُه َعـ ْن َهـ ِـذ ِه ا ْل ِو َل َيـ ِـة َو ْ ِ ِ ِ ِ
ـب إ ْم َكانــه؟ َأ ْم َع َل ْيــه َأ ْن َي ْر َفـ َ ـم بِ َح َسـ ِ ال ُّظ ْلـ ِ
ِ ِ ِ ِ
ـمـوز َل ـ ُه ا ْل َب َقــا ُء َع َلــى ا ْل ِو َل َيــة َو ْال ْق َطــا ِع ك ََمــا ُذكـ َـر؟ َو َهـ ْـل َع َل ْيــه إ ْثـ ٌ ـم َبـ ْـل َي ْب َقــى َو َيـ ْـز َدا ُد؟َ .ف َهـ ْـل َي ُجـ ُ ال ُّظ ْلـ ُ
ـن َخ ْيـ ٌـر ـك؟ َأ ْم َل؟ َو َأ ُّي ْالَ ْم َر ْيـ ِ ـب َع َلــى َذلِـ َ ـم؛ َف َهـ ْـل ُي َطا َلـ ُ
ِ
ـم َي ُكـ ْن َع َل ْيــه إ ْثـ ٌ
ِ
فــي َهـ َـذا ا ْلف ْعـلِ؟ َأ ْم َل؟ َوإِ َذا َلـ ْ
ِ
ـم َو ِز َيــا َد ِة؟ َوإِ َذا كَا َنـ ْ ـم و َت ْقلِيلِـ ِـهَ ،أم ر ْفــع يـ ِـد ِه مــع ب َقـ ِ
ـاء ال ُّظ ْلـ ِ َلـهَ :أ ْن يسـت َِمر مــع ِ ِ ِ ِ
ـت ْ َ ُ َ َ َ َ اجت َهــاده فــي َر ْفـ ِع ال ُّظ ْلـ ِ َ َ ْ َّ َ َ ْ ُ
ـم؛ َف َهـ ْـل ْالَ ْو َلــى َلـ ُه ـك مِـ ْن ا ْل َمنْ َف َعـ ِـة بِـ ِـه َو َر ْفـ ِع َمــا َر َف َعـ ُه مِـ ْن ال ُّظ ْلـ ِ ـار َب َقــا َء َيـ ِـد ِه ل ِ َمــا َل َهــا فِــي َذلِـ َ ِ
الرع َّيـ ُة َت ْخ َتـ ُ َّ
�م َي ْب َقـ�ى َو َيـ ْ�ز َدا ُد بِ َر ْفـ� ِع َيـ ِ�د ِه. َأ ْن يوافِـ َ�ق الر ِعيـ�ةََ ،أم ير َفـ�ع يـ�دَ ه؟ والر ِعيـ� ُة َت ْكـ�ره َذلِـ َ ِ ِ ِ
�ك لع ْلم َهـ�ا َأ َّن ال ُّظ ْلـ َ َُ َّ َّ ْ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َّ َُ
َف َأ َج َ
اب:
ِ ِ ِ ِ َان ُم ْجت َِهــدً ا فِــي ا ْل َعــدْ ِل َو َر ْفـ ِع ال ُّظ ْلـ ِ ِ ِ
ـح ـب إ ْم َكانــه َو ِو َل َيتــه َخ ْيـ ٌـر َو َأ ْص َلـ ُ ـم بِ َحسـ ِ ـم إ َذا ك َ ا ْل َح ْمــدُ ل َّلــهَ ،ن َعـ ْ
يل ِء َغ ْيـ ِـر ِه ك ََمــا َقــدْ ُذكِـ َـرَ :فإِ َّن ـ ُهاســتِ َ ِ ِ
يل ُؤ ُه َع َلــى ْال ْق َطــا ِع َخ ْيـ ٌـر م ـ ْن ْ اســتِ َ ِ ِ ِِ ِ
ل ْل ُم ْســلمي َن م ـ ْن ِو َل َيــة َغ ْيـ ِـره َو ْ
ِ
ـك َأ ْف َضـ ُـل مِ ـ ْن ـاؤ ُه َع َلــى َذلِـ َ ـك؛ َبـ ْـل َب َقـ ُـم َع َل ْيـ ِـه فِــي َذلِـ َ ِ ِ
ـوز َل ـ ُه ا ْل َب َقــا ُء َع َلــى ا ْل ِو َل َيــة َو ْال ْق َطــا ِع َو َل إ ْثـ َ َي ُجـ ُ
ـم َي ْش ـت َِغ ْل إ َذا َت َر َك ـ ُه بِ َمــا ُهـ َـو َأ ْف َضـ ُـل مِنْ ـ ُه. ِ ِ
َت ْركــه إ َذا َلـ ْ
اد ًرا َع َل ْي ِه.
اجبا إ َذا َلم ي ُقم بِ ِه َغيره َق ِ
ُْ ُ ْ َ ْ
ِ و َقدْ ي ُك ُ ِ
ون َذل َك َع َل ْيه َو ِ ً َ َ
انَ -فـ ْـر ٌض َع َلــى ا ْلكِ َفا َيـ ِـة؛ َي ُقــو ُم المـ َك ِ ـم -بِ َحسـ ِ ِ
ـب ْ ْ َ ـع ال ُّظ ْلـ ِ ِ
ال ْمـ َكانَ -و َر ْفـ ُ ـب ْ َِفن َْشـ ُـر ا ْل َعــدْ ِل -بِ َح َسـ ِ
ـب َوا ْل َحا َلـ ُة َهـ ِـذ ِه بِ َمــا ـم َغ ْيـ ُـر ُه فِــي َذلِـ َ
ـك َم َقا َمـ ُهَ ،و َل ُي َطا َلـ ُ ـان بِ َمــا َي ْقـ ِـد ُر َع َل ْيـ ِـه مِـ ْن َذلِـ َ
ـك إ َذا َلـ ْ
ـم َي ُقـ ْ
ك ُُّل إنْسـ ٍ
َ
جـ ُـز َعنْـ ُه مِـ ْن َر ْفـ ِع ال ُّظ ْلـ ِ
ـم. َي ْع ِ
((( الفتاوى ()360 - 356/30
23
ِ ِ ِ ِ ومــا ي َقــرره ا ْلم ُلـ ُ ِ
ـمـم َون َُّوا ُب ُهـ ْ ـب بِ َهــاَ ،وإِ َذا كَا ُنــوا ُهـ ْ ـوك مـ ْن ا ْل َو َظائــف ا َّلتــي َل ُي ْمكنُـ ُه َر ْف ُع َهــا َل ُي َطا َلـ ُ َ َ ُ ِّ ُ ُ ُ
ـك ـم َأ ْع َطـ ْـوا تِ ْلـ َ ـع إ َل ْي ِهـ ْ
ـم ُيدْ َفـ ُ
ِ ِ
ـك ا ْل َو َظائــف َوإِ َذا َلـ ْ ـض تِ ْلـ َ
ـون َأ ْمـ َـو ًال َل ُي ْمكِ ـ ُن َد ْف ُع َهــا َّإل بِإِ ْقـ َـر ِار َب ْعـ ِ َي ْط ُل ُبـ َ
ِ ِ َان َأ ْخـ ُـذ تِ ْلـ َ ِ ِ ِ
ـم ـك ا ْل َو َظائــف َو َد ْف ُع َهــا إ َل ْي ِهـ ْ ـم َأ ْو َي ِزيــدُ ُه َو َل ُي َخ ِّف ُفـ ُه ك َ ْال ْق َطا َعــات َوا ْل ِو َل َيـ َة ل َمـ ْن ُي َقـ ِّـر ُر ال ُّظ ْلـ َ
ـان َف ُهـ َـو َأ ْقـ َـر ُب مِ ـ ْن الحسـ ِ ِ ِ ِ ِ
ف م ـ ْن َهــذه إ َلــى ا ْل َعــدْ ل َو ْ ْ َ
َخيــرا ل ِ ْلمســلِ ِمين مِ ـن إ ْقر ِار َهــا ُك ِّلهــا ،وم ـن صـ ِـر َ ِ
َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ً ُ ْ
ـان مِـ ْن َغ ْيـ ِـر ِه.
الحسـ ِ ِ ِ
َاو َلـ ُه مـ ْن َهـ َـذا َشـ ْـي ٌء أبعــدَ َعـ ْن ا ْل َعــدْ ل َو ْ ْ َ
ِ ِ
َغ ْيـ ِـره َو َم ـ ْن َتن َ
الشـ ِّـر ِير ـع َشـ َّـر ِّ ـمَ ،و َيدْ َفـ ُ ـع َعـ ْن ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن َمــا َأ ْم َكنَـ ُه مِـ ْن ال ُّظ ْلـ ِ وا ْلم ْق َطـ ِ
ـع ا َّلــذي َي ْف َعـ ُـل َهـ َـذا ا ْل َخ ْيـ َـر َي ْر َفـ ُ َ ُ ُ
ـم- ـم َل ُهـ ْ-و ُهـ َـو ُم ْح ِس ـ ٌن إ َلــى ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن َغ ْيـ ُـر َظالِـ ٍ ِ
ـم؛ َف َمــا َل ُي ْمكنُ ـ ُه َر ْف ُع ـ ُه َ
ـض مــا ي ْط ُلـ ِ
ـب من ُْهـ ْ ُ
ِ
بِ َأ ْخــذ َب ْعـ ِ َ َ
يمــا َي ْأ ُخـ ُـذ ُه َع َلــى َمــا َذ َكـ َـر ُه. ِ ِ
ـم َع َل ْيــه ف َ ـاب َو َل إ ْثـ َ ُي َثـ ُ
َان ُم ْجت َِهــدً ا فِــي ا ْل َعــدْ ِل ــه فِــي الدُّ ْن َيــا َو ْال ِخ َــر ِة إ َذا ك َ ــذه ،و َل إ ْثــم َع َلي ِ
َ ْ يمــا َأ َخ َ ُ َ
ِ ِ
ــان َع َل ْيــه ف َ َو َل َض َم َ
المــ َك ِ ــان بِ َحس ِ ِ الحس ِ ِ
ان. ــب ْ ْ َ َو ْ ْ َ
يكَ ،و َغ ْيـ ِـر َهـ ُـؤ َل ِء مِ َّم ـ ْن الشـ ِـر ِ ـفَ ،وا ْل َعامِـ ِل فِــي ا ْل ُم َض َار َبـ ِـةَ ،و َّ ـم ،ونَاظِـ ِـر ا ْلو ْقـ ِ
َ
ِ ِ
َو َهـ َـذا ك ََوصـ ِّـي ا ْل َيتيـ ِ َ
ــه مِــ ْنــأد ِاء بع ِض ِ ِ َان َل ُي ْمكِنُــ ُه فِ ْع ُ ــة َأو ا ْل ِوكَا َل ِِ ــر ِه بِ ُح ْك ِ ف ل ِ َغ ْي ِ
ــم َّإل بِ َ َ َ ْ ــل َم ْص َل َحت ِه ْ ــة إ َذا ك َ ــم ا ْل ِو َل َي ْ ــر ُ
َيت ََص َّ
ـك مِ ْثـ ُـل مــا يعطِــي َهـ ُـؤ َل ِء الم َّك ِ ـيءَ ،و َذلِـ َـك َغيــر م ِسـ ٍ ِ ِ ِ ـاد ِر ال َّظالِـ ِ َأموال ِ ِهــم ل ِ ْل َقـ ِ
اســي َن َ َ ُْ ـم؛ َفإِ َّنـ ُه ُم ْحسـ ٌن فــي َذلـ َ ْ ُ ُ َْ ْ
ـف ا ْل ُم َر َّت َبـ ِـة َع َلــى
ال ا َّلتِــي ُا ْؤ ُت ِمنُــوا؛ كَمــا يع ُطو َنـه مِـن ا ْلو َظائِـ ِ
ُ ْ َ َ ُْ ال َو ْالَمـ َـو ِ
ْ
ـات َو ْالَ ْشـ َـو ِ و َغير ُهــم فِــي ال ُّطر َقـ ِ
ُ َ َْ ْ
ف ل ِ َغ ْيـ ِـر ِه َأ ْو لِنَ ْف ِسـ ِـه فِــي َهـ ِـذ ِه ـاع َو ُي ْش ـت ََرى؛ َفــإِ َّن ك َُّل َم ـ ْن َت َصـ َّـر َ ِ ِ ِ
ـار َوا ْل َو َظائــف ا ْل ُم َر َّت َبــة َع َلــى َمــا ُي َبـ ُ ا ْل َع َقـ ِ
ـوز ِلَ َحـ ٍـد َأ ْن ـك َل َي ُجـ ُ َان َذلِـ َ ـف؛ َف َلـ ْـو ك َ ـات مِـ ْن َهـ ِـذ ِه ا ْلبِـ َـا ِد َون َْح ِو َهــا َفـ َـا ُبــدَّ َأ ْن ُيـ َـؤ ِّد َي َهـ ِـذ ِه ا ْل َو َظائِـ َ ْالَو َقـ ِ
ْ
ِ ِ ـك َفســاد ا ْل ِعبـ ِ ِ ِ يتَصــر َ ِ ِ
ـم.ات َم َصالح ِهـ ْ ـاد َو َفـ َـو ُ ف ل َغ ْيـ ِـره َلـ ِـز َم م ـ ْن َذلـ َ َ ُ َ َ َ َّ
ـم َوا ْل َف َســا ُد
ـف ال ُّظ ْلـ ُ ـاس مِنْ ـ ُه َت َضا َعـ َ ـم َقلِيـ ٌـلَ :لـ ْـو َقبِـ َـل النَّـ ُ ـع ُظ ْلـ ٌ
و َا َّلـ ِـذي ينْهــى َع ـن َذلِـ َ ِ
ـك ل َئـ َّـا َي َقـ َ ْ َ َ َ
ِ ِ
ـضـم بِ َب ْعـ ِ وهـ ْ
ـم ُي ْر ُض ُ ـاع ال َّط ِريـ ِـق َفــإِ ْن َلـ ْ
ـم ُق َّطـ ُ ـم؛ َف ُهـ َـو بِ َمن ِْز َلــة َم ـ ْن كَا ُنــوا فــي َط ِريـ ٍـق َو َخـ َـر َج َع َل ْي ِهـ ْ َع َل ْي ِهـ ْ
ـم َأ ْن ُت ْع ُطــوا ل ِ َهـ ُـؤ َل ِء َشـ ْي ًئا مِـ ْن ِ ِ ِ
ـك ا ْل َقاف َلــةَ :ل َيحـ ُّـل َل ُكـ ْ ـال لِتِ ْلـ َـمَ .ف َمـ ْن َقـ َ وهـ ْ
ِ
ا ْل َمــال َأ َخـ ُـذوا َأ ْم َوا َل ُهـ ْ
ـم َو َق َت ُل ُ
ـك ا ْل َقلِيـ ِل ا َّلـ ِـذي َين َْهــى َعـ ْن َد ْف ِعـ ِـهَ ،و َلكِـ ْن َلـ ْـو ـظ َذلِـ َ ـاس؛ َفإِ َّنـ ُه َي ْق ِصــدُ بِ َهـ َـذا ِح ْفـ َ
ـم لِلنَّـ ِ ِ ِ
ْالَ ْمـ َـوال ا َّلتــي َم َع ُكـ ْ
ـك!. ـع َذلِـ َ ِ
ـب ا ْل َقلِيـ ُـل َوا ْل َكثيـ ُـرَ ،و ُســلِ ُبوا َمـ َ ـم َذ َهـ َ ـال َل ُهـ ْ َع ِم ُلــوا بِ َمــا َقـ َ
24
الر ُسـ َـل لِت َْح ِصيـ ِل
ـث ُّ
َفهـ َـذا مِمــا َل ي ِشــير بِـ ِـه َعاقِـ ٌـلَ ،ف ْضـ ًـا َأ ْن َت ْأتِــي بِـ ِـه َّ ِ
الشـ َـرائ ُع؛ َفــإِ َّن َ
اهَّلل َت َعا َلــى َب َعـ َ
َ ُ ُ َّ َ
المـ َك ِاسـ ِـد َو َت ْقلِيلِ َهــا بِ َحسـ ِ ِا ْلمصالِــحِ و َت ْك ِميلِهــا و َتعطِيـ ِل ا ْلم َف ِ
ان. ـب ْ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ
ف إ َلــى َم ـ ْن ن ََس ـ ُب ُه ُم ْس ـت َِق ًّرا ـف َو َي ْصـ ِـر ُ َفهـ َـذا ا ْلمتَو ِّلــي ا ْلم ْقطــع ا َّلـ ِـذي يدْ َفــع بِمــا يوجــدُ مِـن ا ْلو َظائِـ ِ
ْ َ َ ُ َ ُ َ ُ ُ ُ َ َ
ـك؛ ـكَ ،و َل ُي ْمكِنـ ُه َد ْف ُعـ ُه َّإل بِ َذلِـ َ ـم مِـ ْن َذلِـ َ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
َع َلــى ِو َل َيتــه َوإِ ْق َطاعــه ُظ ْل ًمــا َو َشـ ًّـرا كَثيـ ًـرا َعـ ْن ا ْل ُم ْســلمي َن َأ ْع َظـ ُ
ـك ـم َع َل ْيـ ِـه فِــي َذلِـ َ ـك َو َل إ ْثـ َ ـاب َع َلــى َذلِـ َ ِ
ـص منْ ـ ُه َش ـ ْي ًئا؛ ُهـ َـو ُم َثـ ٌ
ِ
ـع َيــدَ ُه َت َو َّلــى َم ـ ْن ُيقـ ُّـر ُه َو َل َينْ ُقـ ُ إ َذا َر َفـ َ
ـف ا َّلـ ِـذي َل ُي ْمكِنُ ـ ُه إ َقا َم ـ ُة ـم ونَاظِـ ِـر ا ْلو ْقـ ِ
َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ـان فــي الدُّ ْن َيــا َو ْالخـ َـرةَ .و َهـ َـذا بِ َمن ِْز َلــة َوصـ ِّـي ا ْل َيتيـ ِ َ
و َل َضمـ َ ِ
َ َ
ِ ِ ـم َّإل بِدَ ْفـ ِع َمــا ُي َو ِّصـ ُـل مِـ ْن ا ْل َم َظالِـ ِ ِ
ـم؛ ـور َو ُي ِريــدُ ال ُّظ ْلـ َ ـع َيــدَ ُه َت َو َّلــى َمـ ْن َي ُجـ ُ السـ ْل َطان َّية إ َذا َر َفـ َ
ـم ُّ َم ْص َل َحت ِهـ ْ
ـب َع َل ْيـ ِـه َهـ ِـذ ِه ا ْل ِو َل َي ـةُ.
جـ ُ َف ِو َل َي ُت ـ ُه َجائِـ َـز ٌة َو َل إ ْثــم َع َل ْيـ ِـه فِيمــا َيدْ َف ُع ـ ُه؛ َبـ ْـل َقــدْ َت ِ
َ َ
ــا ِد ِه َو َل ُي ْمكِنُــ ُه َد ْف ُع َهــا ُك ِّل َهــا؛ ِلَنَّــ ُه ــف َعــ ْن بِ َ ــف ا ْل َو َظائِ َ ــذي ُي َخ ِّف ُ ْــدي ا ْلم ْق َطــع ا َّل ِ
ُ
ِ
ــك ا ْل ُجن ُّ ُ َوك ََذل ِ َ
ِ ِ ـض تِ ْلـ َ ـب مِنْـ ُه َخ ْيـ ٌـل َو ِسـ َـا ٌح َو َن َف َقـ ٌة َل ُي ْمكِنُـ ُه إ َقا َمت َُهــا َّإل بِـ َـأ ْن َي ْأ ُخـ َـذ َب ْعـ َ
ـع َهـ َـذا ـك ا ْل َو َظائــف َو َهـ َـذا َمـ َ َي ْط ُلـ ُ
ِ ِ ِ ينْ َفــع ا ْلمســلِ ِمين فِــي ا ْل ِ ِ
ـع َيــدَ ك َعـ ْن ج َهــادَ .فــإِ َذا قيـ َـل َلـ ُهَ :ل َيحـ ُّـل َلــك َأ ْن َت ْأ ُخـ َـذ َشـ ْي ًئا مـ ْن َهـ َـذا؛ َبـ ْـل ْار َفـ ْ َ َ ُ ُ ْ
َان َهـ َـذا ا ْل َقائِـ ُـل م ْخطِ ًئــا ج ِ ـع ا ْل ُم ْســلِ ِمي َن :ك َ ِ
اهـ ًـا َ ُ ـم َو َل َينْ َفـ ُ َهـ َـذا ْال ْق َطــا ِع َفت ََر َك ـ ُه َو َأ َخـ َـذ ُه َم ـ ْن ُي ِريــدُ ال ُّظ ْلـ َ
ـع ل ِ ْل ُم ْســلِ ِمي َن ِ ِ
ـم َخ ْيـ ٌـر م ـ ْن َغ ْي ِرهـ ْ
ـم َو َأ ْن َفـ ُ
ـن؛ بـ ْـل ب َقــاء ا ْل َخي ـ ِل مِـن ال ُّتــر ِك وا ْلعــر ِ ِ
ب ا َّلذي ـ َن ُهـ ْ ْ ْ َ َ َ بِ َح َقائـ ِـق الدِّ يـ ِ َ َ ُ ْ
ِ
ان َخ ْيـ ٌـر ل ِ ْل ُم ْســلِ ِمي َن مِ ـ ْن َأ ْن َي ْأ ُخـ َـذ الم ـ َك ِ ـم بِ َحسـ ِ ِ
ـب ْ ْ ـع َت ْخفيــف ال ُّظ ْلـ ِ َ
ِ ِ
ـم َمـ َ
ِ ِ ِ
َو َأ ْقـ َـر ُب ل ْل َعــدْ ل َع َلــى إ ْق َطاع ِهـ ْ
ال ْق َطا َعـ ِ
ـات َم ـ ْن ُهـ َـو َأ َقـ ُّـل َن ْف ًعــا َو َأ ْك َثـ ُـر ُظ ْل ًمــا. ـك ْ ِ تِ ْلـ َ
ِ ِ ـان بِ َحسـ ِ ِ الحسـ ِ ِ ِ وا ْلمجت َِهــدُ مِـن َهـ ُـؤ َل ِء ا ْلم ْق َط ِعيـن ُك ِّل ِهـ ِ
ـب ْال ْمـ َكان َي ْج ِزيــه ُ
اهَّلل َع َلــى ـم فــي ا ْل َعــدْ ل َو ْ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ْ
مــا َفعـ َـل مِـن ا ْل َخيـ ِـر و َل يعاقِب ـه َع َلــى مــا َعجـ َـز َعنْ ـه ،و َل ي َؤ ِ
اخـ ُـذ ُه بِ َمــا َي ْأ ُخـ ُـذ َو َي ْصـ ِـر ُ
ـم َي ُك ـ ْن َّإل ف إ َذا َلـ ْ ُ َ ُ َ َ ْ َ َُ ُ ُ ْ َ َ
وج��ب َشــرا َأ ْع َظ ِ َان َتـ ْ�ر ُك َذل ِ َ
��ك ُي ِ َذل ِ َ
هَّلل َأ ْع َلـ ُ
ـم .).انتهــى. ��م منْ�� ُهَ .و َا ُ
َ ُ ًّ [و] ك َ
��ك َ
ـاب إقــرار النبــي § لعبـ ِـداهلل بــن ُأبــي وأمثالِــه مــن أئمـ ِـة النِّفـ ِ
ـاق وقــال ¬ يف(((( :ومــن هــذا البـ ِ
َ ّ ِّ ُ
ان؛ فإزالــة منْ َكـ ِـره بنــو ٍع مــن ِع َقابِـ ِـه مســتلزمة إزال ـ َة معـ ٍـورِ ،لمــا َلهــم مــن األَ ْعــو ِ
ـروف أك ـرَ مــن َ ُ َ وال ُفجـ ِ َ ُ
حمــدً ا َي ْق ُتـ ُـل َأ ْص َحا َبــه) .انتهــى. ِ ـور النـ ِـب َقومِـ ِـه َو َح ِم َّيتِ ِهــم ،وبِنُ ُفـ ِ
ذلــك ،بِ َغ َضـ ِ
ـاس إذا َســم ُعوا أن ُم َّ
ـع ا َلْ ْيـ ِـدي فِــي ا ْل َغـ ْـز ِو» اإل َمــا ُم اب ـ ُن ال َق ِّيــم ¬ (((«( :هنــى النبــي § َأ ْن ُت ْق َطـ َ ومــن ذلــك :مــا قا َل ـ ُه ِ
*******
إن مــن أهــم المســائل يف هــذا البــاب -بــاب الموازنــة بيــن المصالــح والمفاســد ،ومعرفــة
مقاديرهــا -هــي مســألة كيفيــة معرفــة وقــوع الضــرر والمفســدة ووقــوع فــوات مصلحــة مــن المصالــح،
ثــم بعــد ذلــك الموازنــة بينهمــا؛ كيــف نعــرف ذلــك؟
هــذه المســألة مبنيــة علــى االجتهــاد ب َغ َل َبــة الظــن ،ال يجــوز أن يكون ذلــك بمجرد التوهم والشــك،
وال يشــرط يف ذلــك اليقيــن التــام والعلم ،فــإن الغيــب ال يعلمه إال اهلل.
ِ
و َغ َل َبــة الظــن تعــرف بجريــان العــادة -مــن َت َصـ ُّـرف وســلوك الطــرف ُ
المتعا َمــل معــه يف ذلــك-؛
ـع الضــرر علــى ُمخال ِ ِفــه ،والنــاس عاجــزون عــن أن ِ ِ
فــإذا ُعــرف أنــه كلمــا ُأمــر أو ن ُِهــي أو ُخولــف َأو َقـ َ
حجــة يف هــذا البــاب.
يدفعــوا -بالنظــر إلــى مــا يف أيديهــم -فــإن ذلــك يكــون ّ
قــال العــز بــن عبــد الســام -رحمــه اهلل( :-أكثــر المصالــح والمفاســد ال وقــوف علــى مقاديرهــا
وتحديدهــا؛ وإنمــا ُتعــرف تقري ًبــا ل ِ ِعـ َّـزة الوقــوف علــى تحديدهــا.((( .).
وهــذا األمــر يحتــاج إلــى توفيــق مــن اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل ،-لتقديــر أدنــى المفســدتين أو أقــوى وأكــر
المصلحتيــن ،فهــذا يحتــاج إلــى لجــوء إلــى اهلل ،وتضـ ُّـر ٍع إليــه ،واســتخارة واستشــارة ،ودراســة تامــة
نفســا إال وســعها ،وإنمــا علينــا أن نبــذل الجهــد يف معرفــة واقعنــا،
للواقــع قــدر اإلمــكان ،فــا يكلــف اهلل ً
ـورا ال يمكــن أن تقبــل ،أو نغفــل
وال يجــوز أن نعيــش يف الخيــال والبعــد عــن الواقــع حتــى نصــف أمـ ً
عــن قــوى وموازنــات يشــهدها الجميــع ،إال مــن يتكلــم يف هــذا البــاب بغيــر توفيــق مــن اهلل!.
لذلــك نقــول :هــذه المســألة مــن أخطــر المســائل ،البــد فيهــا مــن اللجــوء إلــى اهلل لتحصيــل
التوفيــق ،والتشــاور ،ودراســة جيــدة للواقــع حســب المتــاح مــن المعلومــات.
السـ َـا ِم ً
أيضــا -رحمــه اهلل( :-والوقــوف علــى تســاوي المفاســد وتفاوهتــا ِ ِ
وقــال العـ ُّـز ب ـ ُن َع ْبــد َّ
ِع َّــزة ،ال يهتــدي إليهــا إال مــن َو َّف َقــه اهلل تعالــى ،والوقــوف علــى التســاوي أعــز مــن الوقــوف علــى
التفــاوت؛ وال يمكــن ضبــط المصالــح والمفاســد إال بالتقريــب .).انتهــى (((.
((( [قواعد األحكام ص]100-
((( قواعد األحكام ص]20-
27
ــي؛ فقــد كان يقــول للنــاس« :إذا ُ
قلــت ومــن األمثلــة يف ذلــك أيــام الحجــاج بــن يوســف ال َّث َق ِ
ف
ِّ َ َّ
ـت عنقــه»! ،وكان يخطــب النــاس حتــى يحيــن ِ
ألحدكــم اخـ ُـرج مــن هــذا البــاب وخــرج مــن غيــره؛ ضربـ ُ
وقــت صــاة العصــر ال يقــول لــه أحــدٌ «الصــا َة أيهــا الرجــل»!( ،حتــى قــال ا ْل َح َسـ ُن -رحمــه اهللَ -ل َّمــا
ـع َعنَّــا ُسـنَّ َت ُهَ -وفِــي ِر َوا َيـ ٍـة َشـ ْينَ ُهَ -فإِ َّنـ ُه َأ َتا َنــا ُأ َخ ْي ِفـ َـش ُأ َع ْي ِمـ َـش،
ـت َأ َم َّتـ ُه َفا ْق َطـ ْ
ـم َأ ْنـ َ
ـاج« :ال َّل ُهـ َّ
ـات ا ْل َح َّجـ ُ
َمـ َ
ـار فِــي َس ـبِي ِل اهَّللُِ ،ي َر ِّجـ ُـل ُج َّم َت ـ ُه َو َي ْخطِـ ُـر فِــي مِ ْش ـ َيتِ ِه، ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
َي ُمــدُّ بِ َيــد َقصيـ َـرة ا ْل َبنَــانَ ،واهَّلل َمــا َعـ ِـر َق ف َيهــا ُغ َبـ ٌ
اهَّلل َو َت ْح َتـ ُه ِ
ـاس َي ْسـتَحيَ ،ف ْو َقـ ُه ُ الصـ َـاةَُ .ل مِـ َن اهَّللِ َيت َِّقــيَ ،و َل مِـ َن النَّـ ِ ِ ِ
َو َي ْص َعــدُ ا ْلمنْ َبـ َـر َف َي ْهــد ُر َح َّتــى َت ُفو َتـ ُه َّ
ِ ـف َأ ْو َي ِزيــدُ َ مِا َئـ ُة َأ ْلـ ٍ
ونـال ُد َ ـات! َحـ َـول ا ْل َح َسـ ُنَ :ه ْي َهـ َ ـم َي ُقـ ُ الصـ َـا ُة َأ ُّي َهــا َّ
الر ُجـ ُـلُ .ثـ َّ ـول َلـ ُه َقائـ ٌـلَّ : ونَ ،ل َي ُقـ ُ
السـ ْـو ُط») .((( .وهــذا يدلنــا علــى مســألة العمــل ب َغ َل َبــة الظـ ّن. ف َو َّ السـ ْي ُ
ـك َّ َذلِـ َ
وال يشــرط أن َ
يباشــر جــز ٌء مــن العقوبــة ،بالضــرب أو التعذيــب ،قبــل أن يجــوز لإلنســان اعتبــار
فعــل المفســدة األدنــى أو تــرك المصلحــة األدنــى لدفــع مفســدة أكــر وجلــب المصلحــة األعظــم؛ بــل
غلبــة الظــن بنــاء علــى مشــاهدة األمــر الواقــع وتكــرر العــادة وجرياهنا هــو الــذي كان عليه الســلف ،حتى
ثبــت عــن عطــاء وســعيد بــن جبيــر أهنــم كانــوا ُي َص ُّلــون الجمعــة ظهـ ًـرا باإليمــاء والحجــاج يخطــب ،ال
يســتطيعون أن يقومــوا ،وال يســتطيعون أن يركعــوا ويســجدوا ،وال يســتطيعون أن يقيمــوا الجماعــة وال
أن يذهبــوا إلــى مــكان آخــر؛ فلذلــك َص ُّلوهــا ظهـ ًـرا باإليمــاء كمــا ذكــره البخــاري ُم َع َّل ًقــا يف صحيحــه.
*******
مــن المســائل الخطيــرة يف هــذا البــاب :ضــرورة مراعــاة النصيحــة لمجمــوع النــاس أو ألكثرهــم،
وليــس إهــدار ذلــك مــن أجــل مراعــاة مصلحــة جماعــة مــن الجماعــات خاصــة ،وهــذا البــاب مــن
أخطــر مــا تتعــرض لــه كثيــر مــن الجماعــات يف واقعنــا المعاصــر؛ إذ تبنــي عملهــا علــى رعايــة مصلحتهــا
دون النظــر إلــى مصالــح باقــي مجتمعهــا..
وذلــك عنــد جماعــات التكفيــر راجــع إلــى أهنــم يحكمــون علــى المجتمــع كلــه بالكفــر ،وعنــد
جماعــات «التوقــف والتبيــن» والجماعــات التــي تســمي نفســها «الســلفية الجهاديــة» -وهــي ليســت
ســلفية وال جهاديــة -وإنمــا تنتمــي إلــى «الفكــر ال ُق ْطبِـ ّـي» الــذي يــرى معظــم المجتمعــات مــن «الطبقــة
المت ََم ِّي َعــة» التــي ال يشــغل نفســه بالحكــم عليهــا؛ فــا يحكــم عليهــا بإســام وال بكفــر بنــاء علــى وصــف
ُ
المجتمــع بأنــه مجتمــع جاهلــي ،وأن ذلــك تفســيره كــدار الحــرب أو دار الكفــر -وإن لــم يحكــم علــى
المت ََم ِّي َعــة» يف دينهــا وأنفســها وأعراضهــا
عمــوم النــاس بالكفــر -لكنــه ال يعبــأ بمصالــح هــذه «الطبقــة ُ
وعقولهــا وأموالهــا ،وليبنــي المصلحــة علــى مصلحــة ُم َتو َّه َمــة لجماعتــه فقــط ،إضافــة إلــى ذلــك أنــه
ليــس مــن أهــل الموازنــة بيــن رتــب المصالــح المختلفــة؛ وإنمــا قــد يفعــل األفعــال التــي ترتتــب عليهــا
المضــار العظيمــة مــن أجــل توصيــل رســالة -للغــرب مثــا أو لألعــداء ،أو للموافقيــن لهــم -أهنــم
موجــودون قائمــون! ،أو توصيــل رســالة بــأن مخالفيهــم يســفكون الدمــاء وينتهكــون حقــوق اإلنســان؛
ومثــل هــذه ليســت بمصالــح معت َبــرة بالموازنــة مــع حفــظ الديــن والنفــس والعــرض والعقــل والمــال.
ال :إذا جــاء رجــل وقــال إنــه ســيقتل عشــرة أبريــاء مــن أجــل قتــل رجــل ولنضــرب علــى ذلــك مثــا ً
يعتقــد القاتــل أنــه كافــر ،مــع أن هــذا لــم يتــم فيــه إثبــات ارتــكاب الكفــر األكــر الناقِــل عــن ِ
الم َّلــة علــى
وجـ ٍـه ال يحتمــل الظــن واالحتمــال والتخميــن واالســتنتاج ومجــرد التحليــات السياســية؛ وإنمــا علــى
ٍ وح َكــم علــى شـ
ـخص وجــه البينــات وبعــد أن ُتســتو َفى الشــروط وتنتفــي الموانــع؛ فــإذا لــم يقــع ذلــك َ
أنــه كافــر ،ثــم يريــد أن يقتلــه دون أن يكــون لــه وظيفــة بذلــك ال مــن أهــل العلــم وال مــن الحــكام
-وهــذان الصنفــان هــم أئمــة المســلمين-؛ فــإذا كان ُم ْق ِد ًمــا علــى مثــل هــذا ظا ًّنــا أن هــذا فيــه مصلحــة:
فهــي مصالــح ُم َتو َّهمــة؛ بــل مفاســد مجـ َّـردة ،ليــس فيهــا موازنــة بيــن المصالــح والمفاســد؛ حتــى لــو
29
افرتضنــا أنــه كافــر قط ًعــا ،فهــل يجــوز قتــل المســلمين األبريــاء ل ُي َتو َّصــل بذلــك إلــى قتــل كافـ ٍـر واحــد؟
والمــراد مــن ذلــك كلــه عمــل دعايــة يف العالــم أننــا نقــوم بالمهــام التــي أعلنــا القيــام هبــا وهددنــا هبــا؟!
ال ْسـ َـا ِم ـاس إِ َلــى اهَّللِ َث َل َثـةٌ :م ْل ِ
حــدٌ فِــي ا ْل َحــر ِمَ ،وم ْب َتـ ٍغ فِــي ْ ِ نعــوذ بــاهلل .والنبــي § يقــولَ « :أ ْب َغـ ُ
ـض النَّـ ِ
ُ َ ُ
ـب َد ِم ا ْمـ ِـر ٍئ بِ َغ ْيـ ِـر َحـ ٍّـق ل ِ ُي َه ِريـ َـق َد َمـ ُه» ((( ،وقــال §َ « :لـ َـز َو ُال الدُّ ْن َيــا َأ ْهـ َـو ُن َع َلــى ِ ِ
ُسـنَّ َة ا ْل َجاهلِ َّيــةَ ،و ُم َّطلِـ ُ
ـن بِ َغيـ ِـر حـ ٍّـق»((( ،وقــالَ « :ل ـن يـ َـز َال ا ْلم ْؤمِـن فِــي ُفســح ٍة مِـن ِدينِـ ِـه ،مــا َلـ ِ ِ ِ ِ
ـب َد ًمــا
ـم ُيصـ ْ َ ْ ْ ْ َ ُ ُ ْ َ اهَّلل م ـ ْن َق ْت ـ ِل ُم ْؤمـ ٍ ْ َ
ٌ
ورجــال أطفــال أبريــاء ونســا ٌء ٌ َح َرا ًمــا» [رواه البخــاري]؛ وهــذا بــا شــك مصيبــة عظيمــة ،أن ُي ْقتَــل
وجــب َق ْت َلهــم حتــى ُتثبِــت هــذه الجماعــات أهنــا موجــودة علــى مســلمون ومعاهــدون لــم َيرتكبــوا مــا ُي ِ
ُ
الســاحة!.
بــأي ميــزان للمصالــح والمفاســد ُي َض ّحــى بالمســلمين األبريــاء أو بواحــد منهــم ،أو بمعاهديــن قــد
غلــظ النبــي § يف َقتْلِ ِهــم بغيــر حــق ،حتــى يتــم َق ْتـ ُـل رج ـ ٍل واحــد لــو ثبــت ُك ْفـ ُـره؟! كيــف و ُك ْفـ ُـره لــم
ور َّد ُتــه لــم تقــم عليهــا البينــة ،ولــم تســتوىف الشــروط ولــم تنتفــي الموانــع؟! بــل لــم يثبــت أصــا يثبــتِ ،
ارتكابــه لِـ ِـر َّد ٍة أو كفـ ٍـر أكــر؟!!.
فأيــن مراعــاة حرمــات المســلمين عمو ًمــا؟ فضـ ًـا عــن أن يكــون بعــض المقتوليــن ذا أمــان فــا
يصــح قتلــه لمجــرد إثبــات الوجــود! ،هــذا الــكالم بعيــد جــدًّ ا عــن الموازنــة الشــرعية؛ فليــس هنــاك
مصالــح معتــرة تتحقــق مــن وراء ذلــك ،بــل ال يحــدث إال تشــويه صــورة اإلســام يف العالــم ،وتشــويه
صــورة االلتــزام يف المجتمعــات المســلمة!.
اهلل أن ُي ِع َ
يذ المسلمين من هذا البالء. ن ُ
َسأل َ
*******
فحقيقــة الرتجيــح بيــن المصالــح والمفاســد هــو مــن أغمــض أمــور االجتهــاد عنــد مــن ال يفهــم
مقاصــد الشــريعة وأحكامهــا َو ُر َتــب المصالــح ومقاديرهــا؛ مــن أجــل ذلــك كان االجتهــاد هــو بميــزان
الشــريعة يف تحقيــق هــذا األمــر.
ـون محب ـ ُة ا ِلْنْسـ ِ
ـان َ (و َأ ْصـ ُـل َهـ َـذا َأ ْن َت ُكـ َ َ َ َّ أيضــا ،يف مجمــوع الفتــاوى(((َ : قــال شــيخ اإلســام ¬ ً
ـب اهَّللِ َو ُب ْغ ِضـ ِـه َوإِ َرا َدتِـ ِـه َوك ََر َاهتِـ ِـه ِ ِ ِ ِ ِ
وف َو ُب ْغ ُضـ ُه ل ْل ُمنْ َكـ ِـرَ ،وإِ َرا َد ُتـ ُه ل َهـ َـذاَ ،وك ََر َاه ُتـ ُه ل َهـ َـذاُ ،م َواف َقـ ًة ل ُحـ ِّ
ا ْل َم ْعـ ُـر َ
ِ ِ وه بِحسـ ِ ِ ِ ـوب ود ْفع ـه ل ِ ْلم ْكــر ِ ِ الشــر ِعيين .و َأ ْن ي ُكـ َ ِ
ـف ـب ُق َّوتــه َو ُقدْ َرتــه؛ َفــإِ َّن َ
اهَّلل َل ُي َك ِّلـ ُ َ َ ـون ف ْع ُل ـ ُه ل ْل َم ْح ُبـ ِ َ َ ُ ُ َ ُ َّ ْ ِّ َ َ َ
اس ـ َت َط ْعت ُْم} (((.. َن ْف ًســا َّإل ُو ْس ـ َع َهاَ ،و َقــدْ َقـ َ
ـالَ { :فا َّت ُقــوا َ
اهَّلل َمــا ْ
ـب َم َح َّبـ ِـة َن ْف ِسـ ِـه َو ُب ْغ ِض َهــاَ ،ل ـون ُح ُّب ـ ُه َو ُب ْغ ُض ـ ُه َوإِ َرا َد ُت ـ ُه َوك ََر َاه ُت ـ ُه بِ َح َسـ ِ
ـاس َم ـ ْن َي ُكـ ُ َفــإِ َّن مِ ـ ْن النَّـ ِ
هــذه المســألة مــن أعظــم المســائل أهميـةً؛ ألن كثيـ ًـرا مــن النــاس حيــن ال يــدرك الطريقــة الشــرعية
يف الرتجيــح بيــن المصالــح والمفاســد والموازنــة بينهــا ،و َت َح ُّمــل أدنــى المفســدتين لدفــع أعظمهمــا،
وتفويــت أدنــى المصلحتيــن لتحصيــل أعظمهمــا ،عندمــا ال يــدرك ذلــك يتبــع هــواه ،ويظــن أن أمــر
النــاس جمي ًعــا يف ذلــك؛ ومــن هنــا يقــول بعــض الجهــال أن المصلحــة والمفســدة «طاغــوت العصــر»!،
ومنهــم مــن يقــول أن مصلحــة الدعــوة صــار َصن ًَمــا ُيعبــد مــن دون اهلل ،والعيــاذ بــاهلل ،وإن ذلــك مــن
أجــل الجهــل بطريقــة الرتجيــح بيــن المصالــح والمفاســد بموازيــن الشــريعة وبالعلــم ال بالهــوى،
وحيــن ظنــوا أن هــذا األمــر كل واحــد فيــه يتبــع هــواه ظنــوا أن هــذا مــن الطغيــان وأنــه يمكــن أن يكــون
صنمــا ُيعبــد مــن دون اهلل؛ وهــذا مــن الضــال ال َب ِّيــن؛ فــإن مــا شــرعه اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل -ال
طاغو ًتــا أو ً
يكــون طغيا ًنــا ،فضـ ًـا أن يكــون طاغو ًتــا! -أي إلهــا يعبــد مــن دون اهلل -يف أصــل الكلمــة وظاهرهــا،
صنمــا كمــا ســماه البعــض ،قــال اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل -عــن شــعيب عليــه الســام{ :إِ ْن ُأ ِريــدُ
وال أن يكــون ً
فــإن مــن يختلــط عليــه مثــل هــذا األمــر حتــى يجعــل مــن لــم يضيــع هــذه المصالــح لكونــه يتكلــم
صنمــا أو طاغو ًتــا لالختــاف يف المواقــف السياســية!؛ ال شــك أن
باســم المصلحــة والمفســدة يعبــد ً
هــذا مــن الجهــل العظيــم.
لذلــك نقــول إن الثوابــت التــي لــم تتغيــر يف الشــريعة قــط مــن اإلســام واإليمــان واإلحســان ،البــد
الم َقدَّ َمــة ً
دائمــا يف المصالــح ،ومــا يضا ّدهــا مــن الشــرك والتكذيــب والكفــر والنفــاق وأن تظــل هــي ُ
المخا َل َفــة يف العقيــدة ،هــي أعظــم المفاســد التــي يجــب درؤهــا؛ ُت َقــدَّ م
والشــك وغيــر ذلــك مــن أنــواع ُ
يف الدفــع والــدرء علــى غيرهــا.
وأمــا المواقــف السياســية ،وطــرق التعامــل مــع المخالفين -ابتــدا ًء من الكفــار والمنافقيــن وانتها ًء
بالفســقة والمبتدعيــن مــن المســلمين ،ومــا بيــن ذلــك ومــا بعــده كذلــك -مــن األمــور االجتهاديــة التــي
يقــع فيهــا الخــاف بيــن أهــل العلــم وبيــن النــاس عمو ًمــا؛ فــإن هــذه تتســم بالمرونــة بــا شــك ،فقــد
اهلل َع َليـ ِـه َو َس ـ َّل َم -مــن ذلــك مــن يعرفــه مــن ا َّط َلــع علــى ُس ـنَّتِه؛ فقــد كان يف مكــة -ص َّلــى ُ فعــل النبــي َ
ِ ِ
الصـ َـا َة َوآ ُتــوا الـ َّـزكَاةَ ،كمــا َب َّيـ َن َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل -ذلــك يف قولــه: ـم َو َأق ُ
يمــوا َّ يقــول ألصحابــهُ :ك ُّفــوا َأ ْيد َي ُكـ ْ
((( [هود]88 :
((( [البقرة]205 :
((( [املائدة]64 :
33
ِ ِ ِ ِ
الصـ َـا َة َوآ ُتــوا الـ َّـزكَاةَ} ((( ،ثــم بعــد ذلــك أنــزل ُ
اهلل يمــوا َّ ـم َو َأق ُ ـم َتـ َـر إِ َلــى ا َّلذيـ َن قيـ َـل َل ُهـ ْ
ـم ُك ُّفــوا َأ ْيد َي ُكـ ْ { َأ َلـ ْ
ِ ِ ـون بِ َأن َُّهـ ِ َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل -عليــهُ { :أ ِذ َن ل ِ َّل ِذيـ َن ُي َقا َت ُلـ َ
ـم َل َقديـ ٌـر}((( ،ثــم أنــزل ُ
اهلل ـى ن َْص ِرهـ ْ ـم ُظل ُمــوا ۚ َوإِ َّن َ
اهَّلل َع َلـ ٰ ْ
ـب ا ْل ُم ْعت َِديـ َن}((( ،ثــم ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اهَّلل َل ُيحـ ُّ ـم َو َل َت ْع َتــدُ وا ۚ إِ َّن َ {و َقات ُلــوا فــي َسـبِي ِل اهَّلل ا َّلذيـ َن ُي َقات ُلو َن ُكـ ْ َ -عـ َّـز َو َجـ َّـلَ :-
ـع ا ْل ُمت َِّقي َن}(((، ـم كَا َّفـ ًة ۚ َوا ْع َل ُمــوا َأ َّن َ
اهَّلل َمـ َ
ِ ِ
{و َقات ُلــوا ا ْل ُم ْشـ ِـركي َن كَا َّفـ ًة ك ََمــا ُي َقات ُلو َن ُكـ ْ
ِ
اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـلَ :- أنــزل ُ
ـح َل َهــا َو َتـ َـوك َّْل َع َلــى اهَّللِ إِ َّن ـ ُه ُهـ َـو اجنَـ ْلس ـ ْل ِم َف ْ
ِ
{وإِ ْن َجن َُحــوا ل َّ اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـلَ :- وفيمــا بيــن ذلــك أنــزل ُ
ـمـم َو َب ْين َُهـ ْل َع َلــى َقـ ْـو ٍم َب ْينَ ُكـ ْ ـم الن َّْصـ ُـر إِ َّـن َف َع َل ْي ُكـ ُ اسـ َتن َْص ُروك ُْم فِــي الدِّ يـ ِ {وإِن ْ
ـزلِ :
ـم} ((( ،وأنـ َ َ ـم ُ ِ
يع ا ْل َعليـ ُ
السـ ِ
َّ
ِ اهدْ ُتـ ِ ـون ب ِصيــر}((( ،وقــال َ -عـ َّـز وجـ َّـل{ :-إِ َّ ِ مِي َثـ ٌ
ـم ـم َلـ ْـم م ـ َن ا ْل ُم ْشـ ِـركي َن ُثـ َّ ل ا َّلذي ـ َن َع َ ْ َ َ اهَّلل بِ َمــا َت ْع َم ُلـ َ َ ٌ ـاق َو ُ
ـب ا ْل ُمت َِّقيـ َن} ِ
ـم إِ َّن َ
اهَّلل ُيحـ ُّ
ِ
ـم إِ َلــى ُمدَّ ت ِهـ ْـم َع ْهدَ ُهـ ْ
ِ
ـم َأ َحــدً ا َف َأت ُّمــوا إِ َل ْي ِهـ ْ
ِ
ـم ُي َظاهـ ُـروا َع َل ْي ُكـ ْ ـم َشـ ْي ًئا َو َلـ َْينْ ُق ُصو ُكـ ْ
[التوبــة ،»] :وقــال -عــز وجـ َّـل{ :-وإِ ْن َأحــدٌ مِ ـن ا ْلم ْشـ ِـركِين اس ـتَجار َك َف َأ ِجــره ح َّتــى يســمع ك ََلم اهَّللِ
َ َْ َ َ ُْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َّ َ َ
ـون}(((.ـم َقـ ْـو ٌم َل َي ْع َل ُمـ َ ـك بِ َأن َُّهـ ْـم َأ ْبلِ ْغـ ُه َم ْأ َمنَـ ُه َذلِـ َ ُثـ َّ
الم َســا َل َمة والهدنــة
إ ًذا أنــت تلحــظ يف هــذه النصــوص مرون ـ ًة واســع ًة مــا بيــن القتــال ومــا بيــن ُ
والصــر والصفــح والعفــو عمــن آذى اهلل ورســوله إلــى حيــن.
وهــذا التنــوع يف المواقــف السياســية والحربيــة والســلمية ممــا يجــب فهمــه وإدراكــه ليســتعمل يف
الموضــوع الالئــق به.
وهــذه الموازنــات َم َر ُّدهــا إلــى معرفــه النصــوص وترجيحاهتــا؛ فــإن اهلل أنــزل الكتــاب ليحكــم
اهَّلل النَّبِ ِّيي ـ َن َان النَّــاس ُأم ـ ًة و ِ
احــدَ ًة َف َب َعـ َ بيــن النــاس فيمــا اختلفــوا فيــه ،كمــا قــال َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل{ :-ك َ
ـث ُ ُ َّ َ
اخ َت َل ُفــوا فِيـ ِـه}((( ،وكذلــك يمــا ْ مب ِّشـ ِـرين ومن ِْذ ِري ـن و َأ ْنـ َـز َل معهــم ا ْلكِ َتــاب بِا ْلحـ ِّـق لِيح ُكــم بي ـن النَّـ ِ ِ
ـاس ف َ َ ْ َ َْ َ َ َ ََُ ُ َ َ َ َ ُ َُ
فالعلمــاء يبحثــون عــن الشــرع ويتقربــون منــه حتــى ينظروا أيــن تكون المصلحــة ،والواقعــة التي ال
نصــا شــرع ًيا يقيســوهنا علــى أقــرب نــص شــرعي؛ وليــس المــراد أهنــم يقرروهنــا بعقولهــم، يعلمــون فيهــا ً
ـان َ ِ اجبـ ِ
ل َخـ ُـرـم َي ُكـ ْن ا ْ ل ُي ْمكـ ُن َج ْم ُع ُه َمــا َف ُقــدِّ َم َأ ْو َكدُ ُه َمــا َلـ ْ ـم َو ِ َ قــال شــيخ اإلســام ¬(((( :فــإذا ْاز َد َحـ َ
ـك إ َذا ـب فِــي ا ْل َح ِقي َقـ ِـةَ .وك ََذلِـ َ اجـ ٍ ـار َك َو ِ ار ُكـ ُه ِلَ ْجـ ِل فِ ْعـ ِل ْالَ ْو َكـ ِـد َتـ ِ ـم َي ُكـ ْن َت ِ ِ ِ ِ ِ
فــي َهــذه ا ْل َحــال َواج ًبــا َو َلـ ْ
ِ
َاهمــا َلــم َي ُك ـ ْن فِ ْعـ ُـل ْالَ ْد َنــى فِــي َهـ ِـذ ِه ا ْل َحـ ِ ِ ِ ِ ِ
ـال ْ ـع ُم َح َّر َمــان َل ُي ْمك ـ ُن َتـ ْـر ُك َأ ْع َظم ِه َمــا َّإل بِف ْع ـ ِل َأ ْدن ُ َ اجت ََمـ َ
ْ
ِ ـب َوســمي َهـ َـذا فِ ْعـ ُـل م َحــر ٍم بِا ْعتِ َبـ ِ ِ ِ ُم َح َّر ًمــا فِــي ا ْل َح ِقي َقـ ِـة َوإِ ْن ُسـ ِّـم َي َذلِـ َ
ـمـار ْال ْطـ َـاق َلـ ْ ُ َّ ـك َتـ ْـر ُك َواجـ ٍ ُ َِّ
ور ِة؛ َأ ْو اج َحـ ِـة َأ ْو ل ِ َّ
لضـ ُـر َ
ـب ل ِ ُعـ ْـذ ِر َوفِ ْعـ ُـل ا ْلم َحــر ِم ل ِ ْلم ْص َل َحـ ِـة الر ِ
َّ َ ُ َّ اجـ ِ ـال فِــي مِ ْثـ ِل َهـ َـذا َتــر ُك ا ْل َو ِ
ْ َي ُضـ َّـرَ .و ُي َقـ ُ
لِدَ ْفـ ِع َمــا ُهـ َـو أحــرم منــه..
اســع ِجــدًّ ا َل ِس ـيما فِــي ْالَ ْزمِنَـ ِـة و ْالَمكِنَـ ِـة ا َّلتِــي َن َقصـ ْ ِ ِ ـار ِ
يهــا ـت ف َ َ َ ْ َّ َ ـاب َو ٌ ض] َبـ ٌ ـاب ال َّت َعـ ُ َو َهـ َـذا [ َبـ ُ
ــذ ِه
ــذ ِه ا ْلمســائِ َل َت ْك ُثــر فِيهــا ،و ُك َّلمــا ْازداد النَّ ْقــص ْازداد ْت َه ِ
َ َ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ
ــة النُّبــو ِة؛ َفــإِ َّن َه ِ
ُ َّ
آ َثــار النُّبــو ِة و ِخ َل َف ِ
ُ ُ َّ َ
ِ اب ا ْل ِف ْتنَـ ِـة َب ْي ـ َن ْالُ َّمـ ِـة؛ َفإِ َّن ـ ُه إ َذا ْ ـك مِـ ْن َأ ْس ـ َب ِ ا ْل َم َســائِ ُلَ ،و ُو ُجــو ُد َذلِـ َ
ـعالس ـ ِّي َئات َو َقـ َ َات بِ َّ ـت ا ْل َح َس ـن ُ اخ َت َل َطـ ْ
ات ـون َهـ َـذا ا ْلجانِــب وإِ ْن َت َضمـن سـي َئ ٍ
َّ َ َ ِّ َ َ َ َات َف ُي َر ِّج ُحـ َ ون إ َلــى ا ْلحسـن ِ
َ َ ِال ْشــتِ َبا ُه َوال َّتـ َـا ُز ُم؛ َف َأ ْقـ َـوا ٌم َقــدْ َينْ ُظـ ُـر َ
ٍ ِ ِ ون إ َلــى الس ـي َئ ِ ِ
يم ـةً، ـب ْال َخـ َـر َوإِ ْن َتـ َـر َك َح َس ـنَات َعظ َ ـون ا ْل َجانـ َ ات َف ُي َر ِّج ُحـ َ َّ ِّ يم ـةًَ ،و َأ ْقـ َـوا ٌم َقــدْ َينْ ُظـ ُـر َ َعظ َ
ــن َقــدْ َل ي َتبيــن َلهــم َأو ِلَ ْك َث ِر ِهــم مِ ْقــدَ ار ا ْلمنْ َفع ِ
ــة َوا ْل َم َض َّــر ِة َأ ْو ون ْالَ ْم َر ْي ِ والمتوســطون ا َّل ِذيــ َن َينْ ُظ ُــر َ
ُ َ َ ْ َ َ َّ ُ ُ ْ ْ
ـت ات ل ِ َكـ ْـو ِن ْالَ ْهـ َـو ِاء َق َار َنـ ْ
َات و َتــر َك السـي َئ ِ
َّ ِّ
ِ
ـم [علــى] ا ْل َع َمـ َـل بِا ْل َح َسـن َ ْ
ِ
ون َمـ ْن ُيعين ُُهـ ْ جــدُ َ َي َت َب َّيـ ُن َل ُهــم َفـ َـا َي ِ
ْ
نســأل اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل -أن يلهمنــا رشــدنا ،ويعيذنــا مــن شــرور أنفســنا وســيئات أعمالنــا وأهــواء
نفوســنا ،وأن يلهمنــا الرشــد يف كل مــا ُأ ْشــكِل علينــا.
*******
36
اسد في موازين الشريعة
والم َف ِ
َ الم َصالِ ح
َ
ــر َد ٌة يف جميــع أحــكام الشــريعة؛ قــال اهلل قاعــدة «المصالــح والمفاســد» قاعــد ٌة ُم ْســت َِق َّر ٌة ُم َّط ِ
اس ـ َت َط ْع ُت ۚ َو َمــا َت ْوفِ ِيقــي ِ
-تعالــى -علــى لســان ُش ـ َعيب -عليــه الســام{ :-إِ ْن ُأ ِريــدُ إِ َّل ْال ْصـ َـا َح َمــا ْ
ـت وإِ َليـ ِـه ُأنِيــب} ((( ،وقــال -ســبحانه وتعالــى{ :-واهَّلل َ ِ ِ ِ
ـب ا ْل َف َســا َد} ((( ،وقــال ل ُيحـ ُّ َ ُ ُ إِ َّل بِــاهَّلل َع َل ْيــه َت َو َّك ْلـ ُ َ ْ
ـب ا ْل ُم ْف ِسـ ِـدي َن }((( .هــذه األدلــة الســمعية تدلنــا علــى لــزوم مراعــاة المصالــح ِ
اهَّلل َل ُيحـ ُّ
{و ُ َ -عـ َّـز َو َجـ َّـلَ :-
والمفاســد.
والبــد أن يكــون ذلــك بميــزان الشــريعة؛ ومــن هنــا يتضــح الفــرق بيــن مــن يقدمــون أهواءهــم
باســم المصلحــة دون أن يتمســكوا بالديــن وأحكامــه ومبادئــه وبيــن مــن يطبقــون هــذه القاعدة الشــرعية
بموازينهــا الشــرعية كذلــك.
فــا يجــوز أن ُيطلِــق أحــد أن مصلحــة الدعــوة أو مصلحــة المجتمــع أو مصلحــة المســلمين
صــارت َصن ًَمــا ُي ْع َبــد مــن دون اهلل! ،وال يجــوز أن يطلــق أن قضيــة «المصلحــة والمفســدة» صــارت
السـنَّة،
ـاب و َب َّينَت َْهــا ُ ـع مــن الجهــل ،وإهــدار لألدلــة الشــرعية التــي َب َّينَهــا الكتـ ُ طاغــوت العصــر! ،هــذا نابـ ٌ
ـون فِــي ا ْل َب ْحـ ِـر َفـ َـأ َر ْد ُت
ـت ل ِ َم َســاكِي َن َي ْع َم ُلـ َ
السـ ِـفينَ ُة َف َكا َنـ ْ
قــال اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل -علــى لســان الخضــرَ { :أ َّمــا َّ
اشـ َـر اإلعابــة مــن أجــل أن يدفــع عــن ـك َي ْأ ُخـ ُـذ ك َُّل َسـ ِـفين ٍَة َغ ْص ًبــا }((( ،فقــد َب َ
ـم َملِـ ٌ َأ ْن َأ ِعي َب َهــا َوك َ
َان َو َرا َء ُهـ ْ
ـررا أشــد.
أصحــاب الســفينة ضـ ً
ـدة ُم ْسـت َِق َّر ٍة
ولهــذا نَقــول :هــذه الكلمــات تخالــف مقتضــى األدلــة الشــرعية ،وإنكارهــا إنــكار لقاعـ ٍ
ٌ
ور َتــب
يف الديــن ،وإن كان هنــاك مــن النــاس مــن يطبقهــا تطبي ًقــا خاط ًئــا بنــا ًء علــى عــدم معرفــة موازيــن ُ
ـب ال ُك ْفـ َـر أو قا َلـ ُه أو َف َع َلـ ُه مِــن أجــل مصلحـ ٍـة َيت ََو َّهمهــا -يف
ودوائــر المصالــح والمفاســد؛ فربمــا ارتكـ َ
منهــي عنــه؛ فهــذا أو كفــر ذلــك أن ــم ل ٍ
دنيويــة -وهــو َي ْع َ ٍ
مصلحــة أي أو ٍ
اقتصــاد أو مــال ٍ
سياســة أو ٍ
ٌّ ٌ ُ
الح َّجــة -أن المصلحــة الموهومــة والمفســدة مــن أعظــم الخلــل ،وقــد ينطبــق عليــه -إذا قامــت عليــه ُ
((( [هود]88 :
((( [البقرة]205 :
((( [املائدة]64 :
((( [الكهف]79 :
37
الموهومــة عنــده صــارت َصن ًَمــا ُي ْع َبــد مــن دون اهلل.
خصوصــا أن مــن النــاس مــن يتصــور أن كل مــن رفــع شــعار ً لكــن ال يجــوز هــذا اإلطــاق؛
«المصلحــة والمفســدة» ينطبــق عليــه هــذا الــكالم ،ويســتنكِر كثيـ ًـرا مــن المواقــف المبن ِ َّيــة علــى األصول
الم ْج َم َلــة بوصــف «المصالح والمفاســد» بأهنــا طاغوت!. الرنَّانــة ُ
ـارا منــه لهــذه الكلمــات َ
الشــرعية اعتبـ ً
ـرع علــى اعتبــاره وأهميتــه بأنــه طاغــوت ،وإنمــا يكــون ذلــك
ـص الشـ ُـف شــي ًئا َنـ َّ ونعــوذ بــاهلل أن ن َِصـ َ
ــدم علــى الكفــر -والعيــاذ بــاهلل -أو علــى البدعــة الضاللــة مــن أجــل مــا يف الموهــوم ،ويف الــذي ي ْق ِ
ُ
يتوهــم مــن مصالــح دنيــاه.
38
منــه مــن أنــواع الخلــل عنــد كثيـ ٍـر مــن النــاس مــا ُيعـ َـرف بــه َف َســاد مواقِ ِفــه ومخالفتهــا لشــرع اهلل -ســبحانه
وتعالــى.-
والــكالم يف هــذه القضيــة «اعتبــار المصالــح والمفاســد والحســنات والســيئات» ُر َّب َمــا ُي َقا َبــل
المخال ِ َفــة ،الذيــن يــرون حتميــة المواجهــة ٍ
بشــيء مــن الســخرية ،ممــن ال َي ْع َتبِــر ذلــك مــن االتجاهــات ُ
ـال بغــض النظــر عمــا يرتتــب علــى ذلــك مــن األضــرار والمفاســد!، وتغييــر مــا ر َأوه منْ َكــرا علــى كل حـ ٍ
ُ ً َ
ـكفاسـ ِـد ،و َي ُعــدُّ ون مــن يعتــر ذلـ َ
بــل ربمــا قــال بعضهــم :ليــس هنــاك شــيء يســمى بالمصالِــحِ والم ِ
َ ٌ ُ َّ
جبا ًنــا أو عميـ ًـا أو خائنًــا أو ُم َخال ِ ًفــا للشــرعية أو ُم َض ِّي ًعــا لهــا؛ ولفــظ الشــرعية البــد أن يكــون مرتب ًطــا
بالشــريعة ،فهــو األصــل يف هــذا البــاب.
ـوس :فالبــد ان يراعــى مصلحة ِ
العـ ْـر ِ
ض والن ََّسـ ِ
ـب ،ثم مصلحة الم َصالِــحِ بعــدَ النُّ ُفـ ِ وبالنســبة ل ِ ُر َتـ ِ
ـب َ
ال ُعقــول ،ثــم مصلحــة األمــوال كمــا تقــدم ذلــك ،ويدْ َفــع بنفــس الرتتيــب ً
أيضــا :انتهــاك األعــراض ،ثــم
فســاد العقــول ،ثــم تخريــب األمــوال أو ضياعهــا ،والبــد أن نجتهــد يف وزن ذلــك بميــزان الشــريعة ،ال
علــى حســب األهــواء.
ـع -الــذي البــد مــن دراســته ومعرفــة ِ ِ وأمــا مــن َي ْسـ َ
ـخ ُرون أو ُينْكــرون هــذا األمــر :فقــد دل الواقـ ُ
موازيــن القــوى فيــه -أهنــم عندمــا َأ ْهم ُلــوا هــذه األمــور ازدادت الم َف ِ
اســد يف الديــن ويف النفــوس ويف َ َ
ظهــورا شــديدً ا ،وضاعــت َم َصالِــح عظيمــة كان مــن
ً ــرتاألعــراض ويف العقــول واألمــوال ،و َظ َه َ
الممكــن أن ُي َح ِّصـ َـل المســلمون قـ ً
ـدرا كبيـ ًـرا منهــا إذا راعــوا قضيــة «المصلحــة والمفســدة».
اهلل ال ُي َك ِّلـ ُ
ـف َن ْف ًســا إال أيضــا إلــى قاعــدة «القــدرة والعجــز»؛ فــإن َ
والبــد أن ننتبــه يف هــذا األمــر ً
ُو ْس ـ َع َها.
ـوع ِح ِّســي :يــزول بــزوال آلــة الفعــل ،وآخــر َم ْعنَـ ِـوي :يكــون بغلبــة الظــن بوقــوع
والعجــز نوعــان :نـ ٌ
ـذرا يف اإلكــراه؛ فــإذا ثبــت اإلكــراه زال الوجــوب والتحريــم
األذى المعتــر شــرعا ،وهــو الــذي يعتــر عـ ً
ـب علــى الظــن قتــل اآلمــر والناهــي الداعــي إلــى اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل،-
عــن اإلنســان ،ومــن ذلــك :إذا َغ َلـ َ
ـان إهانـ ًة شــديد ًة أو ُي َعـ َّـذب تعذي ًبــا
أو ســجنه ُمــدَّ ًة ُم ْع َت َبــرة يضيــق فيهــا الحــال باإلنســان ،أو ثبــت أنــه ُيهـ ُ
39
ـان ال َعــا َد ِة؛ فــإن ال َظ ـ َّن ال َي ْح ُصـ ُـل إال بتكـ ِ
ـرار األمـ ِـر حتــى ُي ْعـ َـرف أن ََ ْ َ
ِ
-والعبــرة يف ذلــك بجريـ ِ شــديدً ا
هــذا هــو المعتــاد ،وليــس أن يكــون بمجــرد االحتمــال أو خــوف الحصــول دون أن يغلــب الظـ ُّن علــى
ذلــك.-
ـب -فضـ ًـا أن يكــون ذلــك ُم َت َعدِّ ًيــا ـس أو تعذيـ ٍ فمــن َغ َلــب علــى َظنِّــه مــا ذكرنــا مــن قت ـ ٍل أو حبـ ٍ
ـان ،بخــاف القلــب فإنــه إلــى غيــره :-فإنــه يكــون معــذورا يف تــرك مــا يجــب عليــه مــن تغييـ ٍـر بِيـ ٍـد أو لسـ ٍ
َ ً
كارهــا للمنكــر يف كل حــال؛ ألنــه ال ســلطان ألَ َحـ ٍـد علــى َق ْلبِـ ِـه إال اهلل. يجــب أن يكــون ً
ومــا كان مِــن ضـ ٍ
ـرر ُم َت َعــدٍّ علــى غيـ ِـره :فإنــه البــد وأن يجتنــب القيــام بمــا يــؤدي إلــى ســفك نفــوس
نفسـ ِـه َو َص َبــر ،ال يجــوز أن ُيلــزم النــاس
اآلخريــن؛ فليــس لــه أن يســامح يف حــق غيـ ِـره ،وإن َتحمـ َـل يف ِ
َ َّ
بــرك الرخصــة يف هــذا البــاب.
أيضــا يف قاعــدة المــآالت؛ فهــذه ثالثــة المســائل التــي نتكلــم فيهــا بعــد المصلحــة
والبــد أن ننظــر ً
أيضــا ب َغ َل َبــة الظـ ِّنً ،
ناتجــا عــن دراســة والمفســدة ،والقــدرة والعجــز :النظــر يف المــأالت ،وهــذا يحصــل ً
الواقــع وموازيــن القــوى فيــه دراسـ ًة صحيحـةً.
فــإن مِــن شــروط األمــر بالمعــروف والنهــي عــن المنكــر :أن ال يرتتــب علــى زوال المنكــر -إن
ـب ُقــدِّ ر زوا ُلــه -منكـ ٌـر َأشــدّ منــه؛ فــإن َمــن َف َعــل ذلــك ليــس بقـ ٍ
ـادر ،أعنــي مــن َغ َّيــر المنكـ َـر لكــن َت َر َّتـ َ
ـدرة؛ ألن الغــرض هــو زوال منكــرات الشــرع مطل ًقــا ال علــى تغييــره منكــر أعظــم ،فــإن هــذا ليــس بقـ ٍ
ٌ
ذاك المنكــر بِ َع ْينِــه دون اآلخــر؛ وإنمــا المقصــود زوالــه بالكليــة ،بخــاف مــا لــو زال المنكـ ُـر َ
وخ َل َفـ ُه مــا
40
أيضــا،
ـب ًـب شــر ًعا ،وإذا لــم يــزل المنكــر بالكليــة وإنمــا َقـ َّـل فقــط فهــذا واجـ ٌ
ـروف فهــذا واجـ ٌ
هــو معـ ٌ
وخ َل َف ـ ُه مــا هــو َشـ ٌّـر منــه ،أو فــات مــا هــو أعظــم منــه مــن المعــروف :فهــذا ُم َحـ َّـر ٌم شــر ًعا،
أمــا إذا زال َ
دون ِع ْلـ ٍ
ـم ودون إدراك ويظــن أنــه ُي َغ ِّيــر المنكــر. وهــذا أمــر يقــع فيــه كثيـ ٌـر مــن النـ ِ
ـاس َ
ونحــب أن ُننَ ِّبــه هنــا علــى مســألة هامــة يف قضيــة الحكــم بغيــر مــا أنــزل اهلل؛ فالبــد أن نعــرف أن
قضيــة تطبيــق الشــريعة يكــون األمــر فيهــا علــى درجتيــن :الدرجــة األولــى :درجــة القبــول ،والدرجــة
ِ
ـرع ،وأنــه الثانيــة :درجــة التطبيــق والتنفيــذ؛ فــإذا ُو ِجــد إنســان ُي َقـ ِّـرر -بــل و ُي ْقســم علــى -أنــه َي ْح َتـ ِـرم الشـ َ
ـرع ال َعا َلــم ولكــن البــد مــن التــدرج؛ نقــول :ال شــك أن هــذا خيـ ٌـر ـم الشـ ُ يريــد أن ُي َط ِّب َقــه ،ويريــد أن َي ُعـ َّ
ور ْج ِع َّيـ ًة بمــا
مــن الــذي يقــول« :أتريــدون أن تردونــا إلــى جهــاالت القــرون الوســطى؟؛ كفاكــم َت َخ ُّل ًفــا َ
تطلبــون مــن تطبيــق الشــريعة»!.
ال شــك أن القبــول يثبــت بــه أصــل اإليمــان وإن لــم يقــع التطبيـ ُـق َب ْعــد؛ فيكــون تــرك التطبيــق يف
رجــع إليــه و ُيـ َـر ُّد مــا َخا َل َفــه ويجــب تعديــل كل مــا
حالــة االلتــزام بالشــريعة يف التشــريع العــام كأص ـ ٍل ُي َ
َخا َل َفــه -كمــا ينــص علــى ذلــك الدســتور الــذي يقســم الرؤســاء والــوزراء وأعضــاء المجالــس النيابيــة
وغيرهــم علــى احرتامــه-؛ مــن يقــول إنــه يقبــل هــذا ويلتــزم بــه لكنــه ال يطبقــه ال يكــون كافـ ًـرا الكفـ َـر
األكــر ،وهــذه مســألة مهمــة يف هــذا البــاب البــد مــن مراعاهتــا؛ فــإن كثيـ ًـرا مــن النــاس يتســارع بالتكفيــر
رغــم وجــود هــذه النصــوص يف الدســتور ورغــم تصريــح القــادة بذلــك يف احرتامهــم للشــرع وتنفيذهــم
لــه ،بــل وإقرارهــم ومعاونتهــم علــى وجــود هــذه المــواد يف الدســاتير المعتــرة.
قصــر فيهــا و َت َأ َّخـ َـر يف ال َتــدَ ُّرجِ الشــرعي -الــذي يبنــى علــى وأمــا مســأل ُة التنفيــذ والتطبيــقَ :
فمــن َّ
مراعــاة المصلحــة والمفســدة ،والقــدرة والعجــز ،أو اســتيفاء الشــروط للحــدود حتــى ُتقام علــى وجهها
41
الشــرعي -مــن َق َّصـ َـر يف ذلــك :فهــو آثــم ،وأمــا مــن لــم ُي َق ِّصــر فعجــز عــن إقامــة بعــض الحقــوق أو
أخــر شــي ًئا مــن الحــدود ألنــه لــم ُتســتو َفى الشــروط الشــرعية يف مرتكبــي مــا يســتوجب
الحــدود ،أو مــن َّ
الحــد أو يف الشــهود الذيــن يشــهدون أو يف القضــاة الذيــن يحكمــون؛ فــإن هــذا ال يكــون ُم َق ِّصـ ًـرا؛ فمــن
مثــا عــن القصــاص وهــو يحكــم بيــن النــاس يف الدمــاء لكنــه اســتطاع أن يحكــم يف مســائل عجــز ً
الديــات وأن يســرضي النــاس حتــى يصلِــح بينهــم؛ فهــذا أمـ ٌـر مشــروع ال يكــون االنســان ُم َق ِّصـ ًـرا يف
فِ ْعلِــه؛ ألنــه ال يحصــل إقامــة الحــدود يف هــذه الحالــة إال بمفســدة أعظــم ،أو أن تحصــل الحــدود و ُتقــام
علــى غيــر مــن يســتحقها ،أو أن يحكــم هبــا مــن َي ْج َهـ ُـل الشـ َ
ـرع وال يعرفــه حتــى يطبقــه ،وكذلــك مــن
يكــون يف إقامتــه لهــا فســا ٌد أعظــم.
اجبـ ِ ِ ِ
ـات [الحقــوق والحــدود] ُت َقــا ُم (وا َلْ ْصـ ُـل َأ َّن َهــذه ا ْل َو ِ َ قــال شــيخ االســام ابــن تيميــة ¬(((َ :
ـم َّإل بِ َعــدَ ِد
ـم َي ُقـ ْ ـج إ َلــى ا ْثنَ ْيـ ِ
ـنَ ،و َم َتــى َلـ ْ ـم ُي ْح َتـ ْ
ِ ِ ِ
ـن ا ْل ُو ُجــوه؛ َف َم َتــى َأ ْم َك ـ َن إ َقا َمت َُهــا م ـ ْن َأميـ ٍـر َلـ ْ
َع َلــى َأ ْح َسـ ِ
ـابإضا َعتِ َهــا َفإِن ََّهــا مِـ ْن « َبـ ِـم َي ُكـ ْن فِــي إ َقا َمتِ َهــا َف َســا ٌد َي ِزيــدُ َع َلــى َ
ـت إ َذا َلـ ْيمـ ْ ٍ ِ ٍ ِ
[و ُعــدَّ ة] َومـ ْن َغ ْيـ ِـر ُسـ ْل َطان ُأق َ
َ
الر ِع َّيـ ِـة ِ ِ ِ َان فِــي َذلِـ َ ِ
ـك مـ ْن َف َســاد ُو َلة ْالَ ْمـ ِـر َّ
[الراعــي] َأ ْو َّ ـي َعـ ْن ا ْل ُمنْ َكـ ِـر»؛ َفــإِ ْن ك َ ْالَمـ ِـر بِا ْلمعــر ِ
وف َوالن َّْهـ ِ َ ْ ُ ْ
ِ مــا ي ِزيــدُ َع َلــى َ ِ
ـم .).انتهــى. ـع َف َســا ٌد بِ َأ ْف َســدَ منْـ ُهَ .و َا ُ
هَّلل َأ ْع َلـ ُ إضا َعت َهــا َلـ ْ
ـم ُيدْ َفـ ْ َ َ
ـدار النُّصــح للمســلمين هــو حفــظ مصالحهــم ،أفــرا ًدا و ُأ َسـ ًـرا وجماعــات،
هــذا كلــه ُيب ِّيــن أن َمـ َ
وبــا ًدا ومجتمعــات ،واألمــة كلهــا ،وهــذه المصالــح تــدور حــول المصالــح الضروريــة الخمســة:
العــرض ،العقــل ،المــال»ِ ،
والعــرض مرتبــط بالنســب.. «الدِّ يــن ،النفــسِ ،
*******
َق َّسم ُ
أهل العلم أنواع المصلحة [من حيث اعتبارها شر ًعا] إلى ثالثة أقسام:
الم ْع َت َبرة:
القسم األول :المصلحة ُ
ـب فِــي ا ْل َم َصالِــحِ .. اتَ ،ف ِهــي َأ ْقـ َـوى ا ْل َم َراتِـ ِ
َ
الضــرور ِ
َ ُ َّ ـةـول ا ْل َخمس ـ ُة ِح ْف ُظهــا واقِــع فِــي ر ْتبـ ِ
َ ُ ٌ َ َ َ ْ َو َهـ ِـذ ِه ْالُ ُصـ ُ
اعــي إ َلــى بِدْ َعتِـ ِـه؛ َفــإِ َّن َهـ َـذا ُي َفـ ِّـو ُت الشــر ِع بِ َق ْت ـ ِل ا ْل َكافِـ ِـر ا ْلم ِضـ ِّـل و ُع ُقوبـ ِـة ا ْلمب َتـ ِـد ِع الدَّ ِ
َ ُْ َ ُ
ِ
َوم َثا ُل ـ ُهَ :ق َضــا ُء َّ ْ
ب؛ إ ْذ الشـ ْـر ِ ـاب َحــدِّ ُّ يجـ ُ ـوسَ ،وإِ َـظ النُّ ُفـ ِ ـاص؛ إِ ْذ بِـ ِـه ِح ْفـ ُـاب ا ْل ِق َصـ ِ يجـ ِـاؤ ُه بِإِ َ ـمَ ،و َق َضـ ُ ِ
َع َلــى ا ْل َخ ْلـ ِـق دين َُهـ ْ
ـاب،ـظ الن َّْس ـ ِل َو ْالَن َْسـ ِ الز َنــا؛ إ ْذ بِـ ِـه ِح ْفـ ُ
ـاب َحــدِّ ِّ يجـ ُ
ِ ـظ ا ْلع ُقـ ِ ِ ِ ِ
ـول ا َّلتــي هـ َـي مـ َـا ُك ال َّت ْكلِيــفَ ،وإِ َ بِــه ح ْفـ ُ ُ
ِ ِ
ــاش ا ْل َخ ْل ِ ال ا َّلتِــي ِــو ِ ــه َي ْح ُص ُــل ِح ْف ُ اق؛ إ ْذ بِ ِ ــاب َوالســر ِ
ــم
ــق َو ُه ْ ــي َم َع ُ َ ه َ مْ ــظ ْالَ ُّ َّ ــر ا ْل ُغ َّص ِ ــاب َز ْج ِ يج ُ َوإِ َ
ون إ َل ْي َهــا.
ُم ْض َطـ ُّـر َ
-وإِن َت َو َّه َ
ــم وهــي :مــا شــهد الشــرع بإلغائهــا .وهــي باطلــة اتفا ًقــا ،وال يجــوز االحتجــاج هبــا َ
صالحــا.-
ً وخ ِّي َــل للعقــ ِل أن فيهــا
البعــض ُ
ُ
وغيــره :مــن أن يحيــى بــن يحيــى الليثــي األندلســي، ُ ومِ َثا ُل َهــا :مــا حــكاه اإلمــام الغزالــي ¬
ِ
الســلطان عبــد الرحمــن الدَّ اخــل [ َل َّمــا َوا َق َ
ــع جاريــ ًة لــه يف هنــار َ صاحــب اإلمــام مالــك ¬ ،أفتــى
ـض الفقهــاء ،وقالــوا اج َعـ ُه بعـ ُ ِ ِِ
المناســب؛ فلمــا خــرج َر َ رمضــان] بصيــام شــهرين متتابعيــن ،نظـ ًـرا لحالــه ُ
رقبــة؛ كيــف يعــدل بــه إلــى الصــوم؛ والصــوم وظيفــة المعســرين؟! فهــذا ٍ لــه« :القــادر علــى إعتــاق
الملــك يملــك عبيــدً ا غيــر محصوريــن» ،فقــال لهــم« :لــو فتحنــا عليــه هــذا البــاب َل َسـ ُـهل أن يخطــأ كل
يــوم ويعتــق رقبــة؛ فــا يزجــره إعتــاق الرقبــة؛ ويزجــره صــوم شــهرين متتابعيــن» ،وهــذا القــول باطـ ٌـل
باتفــاق مــن ُي ْع َتــدُّ بِـ ِـه مــن أهــل العلــم؛ إذ هــذه المصلحــة ُمت ََو َّه َمــة باطلــة ،وليســت مصلحــة يف الحقيقــة.
ِ ـص ا ْلكِ َتـ ِ يقــول اإلمــام الغزالــي ¬(((َ ( :فهـ َـذا َقــو ٌل باطِـ ٌـل وم َخالِـ ٌ ِ
ـح َهـ َـذاـاب بِا ْل َم ْص َل َحــة َو َف ْتـ ُ ـف لنَـ ِّ َ ُ ْ َ َ
ب َت َغ ُّيـ ِـر ْالَ ْحـ َـو ِ الشــرائِ ِع ونُص ِ ِ ِ
ال. وص َهــا بِ َسـ َب ِ ـاب ُيـ َـؤ ِّدي إ َلــى َت ْغيِيـ ِـر َجميـ ِع ُحــدُ ود َّ َ َ ُ ا ْل َبـ ِ
ِ ِ ِ ِ ف َذلِـ َ ِ
ـم إ َذا ُعـ ِـر َ
ـمَ ،و َظنُّــوا َأ َّن ك َُّل َمــا ـم َت ْح ُصـ ْـل ال ِّث َق ـ ُة ل ْل ُم ُلــوك بِ َفت َْو ُاهـ ْ ـك م ـ ْن َصني ـ ِع ا ْل ُع َل َمــاء َلـ ْ ُثـ َّ
ـون بِـ ِـه َفهــو َتح ِريـ ٌ ِ ِ ِ
ـم بِالـ َّـر ْأ ِي .).انتهــى. ـف م ـ ْن ج َهت ِهـ ْ ُ َ ْ ُي ْف ُتـ َ
وال شــك أن تعطيــل النصــوص بزعــم المصلحــة -كمــا يف تحليــل الربــا والخمــور -لمــا يتوهمــه
البعــض مــن تحقيــق مصلحــة اقتصاديــة جــاء النــص بإلغائهــا ،كمــا قــال اهلل ســبحانه وتعالــىَ { :يــا َأ ُّي َهــا
ان َف ِ
الشـي َط ِ ِ ِ
اجتَن ُبــو ُه َل َع َّل ُكـ ْ
ـم ْ ـاب َو ْالَ ْز َل ُم ِر ْجـ ٌ
ـس ِّمـ ْن َع َمـ ِل َّ ْ ا َّلذيـ َن آ َمنُــوا إِن ََّمــا ا ْل َخ ْمـ ُـر َوا ْل َم ْيسـ ُـر َو ْالَ َ
نصـ ُ
وكذلــك ســائر المحرمــات بزعــم المصلحــة ،وكــذا تعطيــل الحــدود؛ هــو مــن هــذا الباطــل الــذي
يــراد بــه هــدم الشــريعة..
ومن هنا نعلم أن نصوص الشريعة هي األصل يف معرفة المصالح ،وليس العكس.
وهي :ما سكت عنها الشارع ،ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها.
ـار ِه
ـم َت ْشـ َـهدْ بِا ْعتِ َبـ ِ
اصـةَُ ،ف َلـ ْ
ـث :مــا سـ َكت َْت َعنْـه َّ ِ
الشـ َـواهدُ ا ْل َخ َّ ُ
ِ
قــال اإلمــام الشــاطبي ¬ (((( :ال َّثالـ ُ َ َ
َو َل بِإِ ْل َغائِـ ِـه .)....انتهــى.
1-1إمــا يكــون موافقــا للقواعــد العامــة للشــريعة والمقاصــد الكليــة لهــا؛ ف ُي ْل َحــق بالمصلحـ ِـة
الم ْع َت َبـ َـرة -وإن لــم يــدل عليــه دليـ ٌـل خــاص..-
ُ
وهــذا مــا يطلــق عليــه عنــد أهــل العلــم« :المصلحــة المرســلة»؛ فهــي مصلحـ ٌة مــن حيــث مالءمتها
اهلل َت َعا َلــى َعنْـ ُه ،-مــع أنــه ومثــال ذلــك :جمــع القــرآن الكريــم يف عهــد أبــي بكــر الصديــق ِ
-رضـ َـي ُ
َ
ال يوجــد دليــل أو نــص خــاص ينــص علــى هــذه المســألة..
اهَّلل َع َل ْيـ ِـه َو َسـ َّل َم ا َّت َف ُقــوا َع َلــى َج ْمـ ِع ِ ِ
ـاب َر ُســول اهَّلل َص َّلــى ُ قــال اإلمــام الشــاطبي ¬(((َ ( :أ َّن َأ ْص َحـ َ
ـم ـف َن ْف َعـ ُـل َش ـ ْي ًئا َلـ ْـمَ :ك ْيـ َ ـال َب ْع ُض ُهـ ْـص َع َلــى َج ْم ِعـ ِـه َو َك ْتبِـ ِـه َأ ْي ًضــاَ ،بـ ْـل َقــدْ َقـ َ ـم َنـ ٌّ ـس َثـ َّ
ِ
ا ْل ُم ْص َحــفَ ،و َل ْيـ َ
ـالَ :أ ْر َسـ َـل إِ َل َّي اهَّلل َعنْـ ُهَ -قـ َ ـت ِ ـن َثابِـ ٍ
اهَّلل َع َل ْيـ ِـه َو َسـ َّل َم؟ َفـ ُـر ِو َي َعـ ْن َز ْيـ ِـد ْبـ ِ ي ْفع ْلـه رسـ ُ ِ
-رضـ َـي ُ َ ـول اهَّلل َص َّلــى ُ َ َ ُ َ ُ
ـال َأ ُبــو َب ْكـ ٍـر( :إِ َّن اهَّلل َعنْـ ُهَ -قـ َ َأبــو ب ْكـ ٍـر -ر ِضــي اهَّلل َعنْـه -م ْق َتـ َـل ( َأ ْهـلِ) ا ْليمامـ ِـة ،وإِ َذا ِعنْــدَ ه ُعمــر ِ
-رضـ َـي ُ ُ َ ُ َ ََ َ َ َ َ ُ ُ َ ُ َ
آن يــوم ا ْليمامـ ِـة ،وإِ ِّنــي َأ ْخ َشــى َأ ْن يس ـت ِ ِ ِ ِ ُع َمـ َـر َأ َتانِــي َف َقـ َ
َح َّر ا ْل َق ْتـ ُـل َْ اس ـت ََح َّر بِ ُقـ َّـراء ا ْل ُقـ ْـر َ ْ َ َ َ َ َ ـال) :إِ َّن ا ْل َق ْتـ َـل َقــد ْ
ـت َل ـ ُه: ـالَ :ف ُق ْلـ ُ
آنَ .قـ َ آن كَثِيــر ،وإِ ِّنــي َأرى َأ ْن َت ْأمــر بِجم ـ ِع ا ْل ُقــر ِ
ْ ُ َ َ ْ َ ٌ َ ـب ُقـ ْـر ٌ ـن ُك ِّل َهــا َف َي ْذ َهـ َ بِا ْل ُقـ َّـر ِاء فِــي ا ْل َم َواطِـ ِ
اج ُعنِــي -واهَّللَِ -خ ْيــرَ ..ف َلــم َيـ َـز ْل ُعمــر ُير ِ ـول اهَّللِ §؟ َف َقـ َ ِ
َ ُ َ ْ ٌ ـال لــيُ :هـ َـو َ ـم َي ْف َع ْلـ ُه َر ُسـ ُ ـف َأ ْف َعـ ُـل َشـ ْي ًئا َلـ ْ
َك ْيـ َ
ـت فِيـ ِـه ا َّلـ ِـذي َر َأى ُع َمـ ُـر. اهَّلل َصــدْ ِري َلـ ُهَ ،و َر َأ ْيـ ُ ـك َح َّتــى َشـ َـر َح ُ فِــي َذلِـ َ
ـب ا ْل َو ْحــي لِرسـ ِ
ـول ـت َت ْك ُتـ ُ ـكَ ،قــدْ ُكنْـ َ ـاب َعاقِـ ٌـل َل َنت َِّه ُمـ َ
ـك َر ُجـ ٌـل َشـ ٌّ ـال َأ ُبــو َب ْكـ ٍـر :إِ َّنـ َ
ـال َز ْيــدٌ َ :ف َقـ َ َقـ َ
َ َ ُ
َان َأ ْث َقـ َـل َع َلـ َّـي
ـال َمــا ك َ ج َبـ ِـال َز ْيــدٌ َ :فـ َـواهَّللِ َلـ ْـو َك َّل ُفونِــي َن ْقـ َـل َج َبـ ٍل مِـ َن ا ْل ِاج َم ْعـ ُهَ .قـ َ آن َف ْ اهَّللِ §َ ،ف َت َت َّبـ ِع ا ْل ُقـ ْـر َ
ِ ـول اهَّللِ §؟ َف َقـ َ مِـ ْن َذلِـ َ
ـم ـال َأ ُبــو َب ْكـ ٍـرُ :هـ َـو َواهَّلل َخ ْيـ ٌـرَ ،ف َلـ ْ ـم َي ْف َع ْلـ ُه َر ُسـ ُ
ـون َشـ ْي ًئا َلـ ْ ـف َت ْف َع ُلـ َـتَ :ك ْيـ َ ـكَ .ف ُق ْلـ ُ
آن َأ ْج َم ُعـ ُه مِـ َن اهَّلل َصــدْ ِري ل ِ َّلـ ِـذي َشـ َـر َح َصدْ َر ْي ِه َمــا؛ َف َت َت َّب ْعـ ُ
ـت ا ْل ُقـ ْـر َ ـك َح َّتــى َشـ َـر َح ُ اج ُعنِــي فِــي َذلِـ َ َيـ َـز ْل ُير ِ
َ
ور الر َجـ ِ ِ ِ الر َقـ ِ
ـال. ـب َوال ِّل َخــافَ ،ومـ ْن ُصــدُ ِ ِّ ـاق َوا ْل ُع ُسـ ِ ِّ
الص َحا َب ِة .).انتهى. ٍ ِ يه ِخ َل ٌ
ف َع ْن َأ َحد م َن َّ
َفه َذا َعم ٌل َلم ينْ َق ْل فِ ِ
َ ْ ُ َ
ـف وإن لــم َيـ ِـرد فيــه دليـ ٌـل خــاص يــدل علــى فِ ْعلِــه أو َت ْركــه ،إال أن
فجمــع القــرآن مــن المصاحـ ِ
َ ْ
أصحــاب رســول اهلل § رأوا مــن المصلحــة فِ ْعــل ذلــك؛ َع َمـ ًـا بالقواعــد العامــة الداعيــة إلــى حفــظ
ـم ُأصولِـ ِـه بــا شــك. ِ
الديــن ،والقــرآن الكريــم م ـ ْن َأ َهـ ِّ
الشــا ِم َو َأ ْهـ َـل ا ْل ِعــر ِ َان ُي َغـ ِ ـن مالِـ ٍ
ـك َأ َّن ح َذي َفـ َة بـن ا ْليمـ ِ
اق َ ـازي َأ ْهـ َـل َّ ـان ك َ ُ ْ ْ َ ََ ـس ْبـ ِ َ
وقــال ¬(((( :و َعـ ْن َأ َنـ ِ
((( (االعتصام )613-612 /2
((( ()613 /2
47
ـانَ :يــا َأمِيـ َـر ا ْل ُم ْؤمِنِيـ َن! َأ ْد ِر ْك ـال ل ِ ُع ْث َمـ َ
آن؛ َف َقـ َاختِ َل ُفهــم فِــي ا ْل ُقــر ِ
ْ ُ ْ ـانَ ،ف َأ ْف َز َعـ ُه ْ
يجـ َ ِ ِ
فــي َف ْتــحِ َأ ْرمين َّيـ َة َو َأ ْذ َربِ َ
ِ
ان إِ َلــى َح ْف َصةَ: ـارى؛ َف َأ ْر َسـ َـل ُع ْث َم ُ ِ َهـ ِـذ ِه ْالُ َّمـ َة َق ْبـ َـل َأ ْن َي ْختَلِ ُفــوا فِــي ا ْلكِ َتـ ِ
اخ َت َل َفــت ا ْل َي ُهــو ُد َوالن ََّصـ َ ـاب ك ََمــا ْ
ـف ُثــم نَرد َهــا َع َليـ ِ احـ ِ ـخها فِــي ا ْلمص ِ ِ ِ
ـان؛ـكَ .ف َأ ْر َسـ َل ْت َح ْف َصـ ُة بِ َهــا إِ َلــى ُع ْث َمـ َ ْ َّ ُ ُّ َ َ الص ُحــف َنن َْسـ ُ َ َأ ْرســلِي إِ َلـ َّـي بِ ُّ
ـنالر ْح َمـ ِ ِ
ـاصَ ،و َع ْبــد َّ ـن ا ْل َعـ ِ يد ْبـ ِ ـع ِ
الزبيـ ِـر ،وسـ ِ
ـن ُّ َ ْ َ َ ـتَ ،وإِ َلــى َع ْبـ ِـد اهَّللِ ْبـ ِ ـن َثابِـ ٍ ـان إِ َلــى َز ْيـ ِـد ْبـ ِ
َف َأ ْر َسـ َـل ُع ْث َمـ ُ
ـط ا ْل ُق َر ِش ـ ِّيي َن
ـال لِلر ْهـ ِ
ـم َقـ َ َّ
ِ ِ
ـف فــي ا ْل َم َصاحــفُ ،ثـ َّ
ـخوا الصحـ َ ِ
ُّ ُ
ث بـ ِ ِ
ـن ه َشــا ٍمَ ،ف َأ َم َر ُهـ ْ
ـم َأ ْن َين َْسـ ُ ـار ْ
ـن ا ْلحـ ِ ِ
ْبـ ِ َ
ـشَ ،فإِ َّنـ ُه َنـ َـز َل بِلِ َســانِ ِه ْم. ـت َفا ْك ُتبــوه بِلِسـ ِ
ـان ُق َر ْيـ ٍ ُ ُ َ
اخ َت َل ْف ُتــم فِيـ ِـه َأ ْن ُتــم و َزيــدُ بـن َثابِـ ٍ
ْ َ ْ ْ ُ ْ ال َّث َل َثـ ِـةَ :مــا ْ
ـان فِــي ك ُِّل ُأ ُفـ ٍـق بِمصحـ ٍ
ـف ـث ُع ْث َمـ ُ احـ ِ
ـفَ ،ب َعـ َ ـف فِــي ا ْلمص ِ الص ُحـ َ ـالَ :ف َف َع ُلــواَ ،ح َّتــى إِ َذا ن ََسـ ُ
َقـ َ
ُ ْ َ َ َ ـخوا ُّ
حي َفـ ٍـة َأو مصح ٍ
وهاُ ،ثــم َأمــر بِمــا ِســوى َذل ِ َك مِـن ا ْل ِقــراء ِة فِــي ك ُِّل ص ِ ـف ا َّلتِــي ن ََسـ ُ احـ ِ
ـك ا ْلمص ِ ِ ِ
ف ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ـخ َ مـ ْن ت ْلـ َ َ َ
َأ ْن ُي ْحـ َـر َق .)..انتهــى.
والمصلحــة المرســلة :كذلــك ال تكــون يف العبــادات؛ إذ األصــل يف العبــادات أهنــا توقيفيــة ،وال
ٍ
ـار
ـدارا معلو ًمــا -كنصيــب الذكــر واألنثــى يف الميــراث؛ فاعتبـ ُ يف شــيء َقــدَّ َره الشـ ُ
ـرع -بــأن جعــل لــه مقـ ً
ـم اهللِ َو َر ُســول ِ ِه §.
ـم الهــوى ،وهــو ُمن ََاز َعـ ٌة ل ِ ُح ْكـ ِ
والسـنَّة مــن تحكيـ ِ
ور ُّد الكتــاب ُ
المصلحــة َ
2-2أو أن يكــون هــذا النــوع مــن المصلحــة غيــر مالئــم لتصرفــات الشــريعة ومقاصدهــا؛
الشــرععلــىإلغائــهوبطالنــه؛ألهنــاتكــونبذلــكمصلحــة ُمت ََو َّه َمــةمرجوحــة.
ُ ف ُي ْل َحــقبمــاشــهد
*******
49
أهمية ُم َر َ
اج َعة أهل العلم والخبرة
إن تحقيــق الموازنــات تحتــاج إلــى ُم َم َارســة طويلــة المــدى ،وتحتــاج إلــى ُمجا َل َســة أهــل العلــم
ومراجعتهــم يف كل أمــر مشــكل؛ حتــى نعلــم كيــف نقــوم بالدعــوة إلــى اهلل علــى الوجــه الصحيــح.
األمــر يحتــاج إلــى علــم وبصيــرة ،ويحتــاج إلــى خــرة وطريقــة صحيحــة؛ وال ُيمكِــن ذلــك إال
الذ ْكـ ِـر إِ ْن ُكنْ ُتـ ْ
ـم َل َت ْع َل ُمـ َ
ـون}((( ،فعنــد وجــود اسـ َـأ ُلوا َأ ْهـ َـل ِّ
بمراجعــة أهــل العلــم قــال اهلل َ -عـ َّـز َو َجـ َّـلَ { :-ف ْ
الجهــل أو الشــبهات ،أو اجتمــاع المصالــح والمفاســد ،أو َت ُ
ــدارؤ المصالــح مــع بعضهــا وضــرورة
االختيــار بيــن أعظمهــا وأ َق ِّلهــا لتحصيــل األعظــم ولــو بفــوات األقــل ،وكــذا إذا تزاحمــت المفاســد
والبــد مــن احتمــال بعضهــا؛ فالبــد مــن معرفــة مقــدار األقــل الحتمالِــه دف ًعــا لألشــد؛ قــال اهلل -ســبحانه
ـى ُأولِــي ِ ِ ِ
ـن َأ ِو ا ْل َخـ ْـوف َأ َذا ُعــوا بِــه ۖ َو َلـ ْـو َر ُّدو ُه إِ َلــى َّ
الر ُســول َوإِ َلـ ٰ {وإِ َذا َجا َء ُهـ ْ
ـم َأ ْمـ ٌـر ِّم ـ َن ْالَ ْمـ ِ وتعالــىَ :-
ِ ِ ِ ِ
ـم} ((( ،فــدَ َّل ذلــك علــى أن أهــل العلــم هــم ُ
الم َقدَّ مــون يف ْالَ ْمـ ِـر من ُْهـ ْ
ـم َل َعل َم ـ ُه ا َّلذي ـ َن َي ْس ـتَنبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ
-ص َّلــى ُ
اهلل ذلــك؛ فالنــاس ُيــردون إلــى أولــي األمــر منهــم ،ومنهــم أمــراء ونقبــاء وعرفــاء أيــام النبــي َ
ِ
ـص -ســبحانه َع َليــه َو َس ـ َّل َم ،-واليــوم يوجــد أنــاس مــن أهــل القــوة يف الوظائــف اإلداريــة ،لكــن َخـ َّ
ِ ِ ِ
ـم» ومــا ذاك إال ألن هــذه المســائلوتعالــى -الذيــن يســتنبطونه ،قــالَ « :ل َعل َم ـ ُه ا َّلذي ـ َن َي ْس ـتَنبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ
-أمــور األمــن والخــوف -كلهــا مــن أمــور السياســة التــي تشــتبك فيهــا المصالــح والمفاســد وقــد
تتعــارض الحســنات والســيئات؛ ولذلــك يكــون هــذا علــى أهــل العلــم مــن َ
أشـ ِّـق األمــور.
-ص َّلــى
ـم} ((( ،وكان النبــي َ
ـورى َب ْين َُهـ ْ {و َأ ْم ُر ُهـ ْ
ـم ُشـ َ الم َشـ َ
ـاو َرة ،قــال تعالــىَ : كمــا يحتاجــون إلــى ُ
ِ
ـاو َر ًة ألصحابــه ،مــع أنــه مؤ َّيــدٌ بالوحــي المعصــوم عــن الزلــل ،ومــع اهلل َع َليــه َو َسـ َّل َم -أكثــر النــاس ُم َشـ َ
ُ
ـم ُأ َّم َتــه كيــف يتخــذون القــرارات. ذلــك ُي َع ِّلـ ُ
بالم َشـ َ
ـاو َرة فيمــا بينهــم لهــذا نَقــول :البــد مــن الرجــوع ألهــل العلــم ،وتحقيــق النظــر يف الواقــع ُ
وبيــن بعضهــم البعــض ،وذلــك أنــه ال يتحقــق اتخــاذ القــرار الصحيــح إال بــأن يكــون هنــاك علــم
وبصيــرة ،وأن يكــون هنــاك دراســة للواقــع وموازيــن القــوى ،وأن يكــون هنــاك تشــاور بيــن أهــل العلــم.
((( [النحل]43 :
((( [النساء]83 :
((( [الشورى]38 :
50
وأعجــب مــا رأينــا وســمعنا أن نســمع مــن يقــول «إن المشــايخ والعلمــاء علــى رؤوســنا وأننــا
نعــرف َقدْ َرهــم لكــن يف أمــور األمــن والخــوف -أعنــي السياســة -فإننــا أعلــم منهــم بذلــك»!؛ َأفِــي
مســائل العقيــدة والعبــادة والمعاملــة والحــال والحــرام واألخــاق وســائر األمــور تعرفــون َقــدْ َر
احتياجــا لالجتهــاد والتشــاور وهــي َخ ِف َّيــة -أشــد
ً العلمــاء ثــم إذا جــاءت المســائل األصعــب واألشــد
خفــا ًء مــن أمــور االختــاف يف األمــور المجــردة التــي ذكرنــا -فعنــد ذلــك ترتكــون رأيهــم وتكونــون
أنتــم أعلــم منهــم بذلــك؟! وتتبعــون يف الحقيقــة دعايــات أهــل البــدع والضــال -التــي هــي يف حقيقــة
ـخ ُروا أهــل البــدع والضــال لكــي ُي َم ِّز ُقــوا األمــة -فتجدهــم يكــون األمــر دعايــات األعــداء الذيــن َسـ َّ
عندهــم مــن المرونــة المزعومــة يف العقائــد حتــى أهنــم ينطقــون بالكفــر أحيا ًنــا وي ِ
ح ُّلــون مــا حــرم اهلل ُ
اهلل و َيسـت َِد ُّلون باآليــات واألحاديــث يف غيــر موضعهــا قط ًعــا
أحـ َّـل ُ
-ســبحانه وتعالــى -أو ُي َح ِّرمــون مــا َ
وباإلجمــاع! ،كمــن يحتــج علــى الحريــات التــي يطلبهــا الغرب يف الشــذوذ الجنســي وانتشــار الفواحش
«ل إِ ْكـ َـرا َه عاشــرة الجنســية وكذلــك يف حمايــة حقــوق الم ْل ِ
حديــن كمــا يســموهنم فيقــول َ ُ الم َ َوالحريــة يف ُ
ِ فِــي الدِّ يـ ِ
الر ْشــدُ م ـ َن ا ْل َغـ ِّـي}((( ،وكذلــك قولــه تعالــىَ :
{و ُق ـ ِل ـن»! ومعلــو ٌم أن تكملــة اآليــة { َقــدْ َت َب َّي ـ َن ُّ
ـاط بِ ِهــم ســر ِ ِ ِِ ِ ِ
اد ُق َها ـارا َأ َحـ َ ْ ُ َـم َف َمـ ْن َشــا َء َف ْل ُي ْؤمـ ْن َو َمـ ْن َشــا َء َف ْل َي ْك ُفـ ْـر إِ َّنــا َأ ْعتَدْ َنــا لل َّظالميـ َن َنـ ً
ا ْل َحـ ُّـق مـ ْن َر ِّب ُكـ ْ
ٍ ِ
اب َو َســا َء ْت ُم ْر َت َف ًقــا}(((؛ شــتان بيــن داللة
الشـ َـر ُ ـس َّ َوإِ ْن َي ْسـتَغي ُثوا ُي َغا ُثــوا بِ َمــاء كَا ْل ُم ْهـ ِل َي ْشـ ِـوي ا ْل ُو ُجــو َه بِ ْئـ َ
هــذه اآليــة علــى مســئولية اإلنســان وعقوبــة مــن َظ َلــم و َك َفــر وبيــن الحريــة الغربيــة التــي ُت َصـ ِّـو ُب الملـ َـل
ض باطِلِهــم ُك َّلهــا وتبيــح هــدم األخــاق وتدميــر قِ َيــم األمــم -خاصــ ًة قِ َيــم األُ َّمــة اإلســامية -ل َف ْــر ِ
وضاللِهــم وانحرافِهــم.
نعجــب ممــن يتابــع إعــام هــؤالء بالليــل والنهــار ،و َي ْق َبــل كل مــا يقولــون ،و َي ِ
جــدُ يف نفســه َح َر ًجــا
ممــا يقولــه أهــل العلــم! ،ويزعــم أهنــم ال يفهمــون يف السياســة ،مــع أن اهلل تعالــى َخ َّص ُهــم -مــن دون
ِ ِ ِ
ُأولــي األمــر -بالفهــم والعلــم فقــالَ « :ل َعل َمـ ُه ا َّلذيـ َن َي ْسـتَنبِ ُطو َن ُه من ُْهـ ْ
ـم»؛ لذلــك َن ُقــول :أهـ ُـل العلــم هــم
الم َقدَّ ُمــون يف بــاب المصالــح والمفاســد. ُ
ويف هــذا دليــل لقاعــدة أدبيــة وهــي أنــه إذا حصــل بحــث يف أمــر مــن األمــور ينبغــي أن ُي َو َّلــى
َمـ ْن هــو أهـ ٌـل لذلــك ،و ُيجعــل إلــى أهلــه ،وال ُي َت َقــدَّ م بيــن أيديهــم ،فإنــه أقــرب إلــى الصــواب وأحــرى
للســامة مــن الخطــأ.
وفيــه النهــي عــن العج َلـ ِـة والتَّســرع لنشــر األمــور مــن حيــن سـ ِ
ـماعها ،واألمــر بالتأمــل قبــل الــكالم َ ُّ َ َ
والنظــر فيــه ،هــل هــو مصلحـ ٌة ف ُي ْقـ ِـدم عليــه اإلنســان؟ أم ال ف ُي ْح ِ
جــم عنــه؟ .).انتهــى(((.
ولهــذا قــال أبــو مســلم الخــوالين ¬« :العلمــاء يف األرض مثــل النجــوم يف الســماء؛ إذا َبــدَ ت
للنــاس اه َتــدوا هبــا ،وإذا َخ ِف َيــت عليهــم َت َح َّيــروا» ،وقــال الحســن البصــريَ « :م َثــل العلمــاء مثــل المــاء؛
حيثمــا َس ـ َق ُطوا َن َف ُعــوا».
*******
53
خاتمة
اصح
أمور مهمة البد أن َي ْستَ ْح ِض َرها النَّ ِ
ٌ
ـون لــه الســام ُة مــن ـرارا مــن ذلــك يــرك مــا ُأمــر بــه مــن النصيحــة والدعــوة إلــى اهلل؛ َف َأ َّنــى تكـ ُ لكنــه فـ ً
ِ
الـ َّـذ ِّم وقــد حصــل لألنبيــاء ،بــل الســب والشــتم ،بــل الضــرب والقتــل ،قــال تعالــىَ { :أ َف ُك َّل َمــا َجا َء ُكـ ْ
ـم
ـع ذلــك مــن ال ُك َّفــار ـون}((( ،وقــد َو َقـ َ ـم َو َف ِري ًقــا َت ْق ُت ُلـ َ
اسـ َت ْك َب ْر ُت ْم َف َف ِري ًقــا ك ََّذ ْب ُتـ ْ
ـول بِ َمــا َل َت ْهـ َـوى َأ ْن ُف ُسـ ُك ُم ْ
َر ُسـ ٌ
والم ْج ِرميــن.
ُ
أمــا مــن ي ْخدَ ُعــه َخـ ِ
ـاد ٌع بــأن ذلــك لرعايــة َه ْي َبــة الداعــي ومصلحــة الدعــوة فــا يريــد أن يتعــرض َ َ
ــذ َّم وال ُي ْشــتَم؛ فيــرك النــاس يهلكــون و ُيقتلــون و ُيحبســون وال َينصحهــم بمــا لذلــك حتــى ال ُي َ
َيحفــظ دينَهــم ودعو َتهــم و ُدنياهــم ،ويزعــم أنــه ُي ْب ِقــي علــى هيبـ ِـة َن ْف ِســه فهــو المخالــف ل ِ ُس ـن َِّة األنبيــاء
والمرســلين..
نصــح ِلُ َّمتِــه وهــل تبقــى الدعــوة أصـ ًـا حتــى تبقــى هيبـ ُة الــذي يزعــم أنــه يحافــظ عليهــا إذا لــم َي َ
ـن ا ْل ُمنْ َكـ ِـر ـم الصـ َـا َة و ْأمــر بِا ْلمعــر ِ
وف َوا ْن ـ َه َعـ ِ ِ
َ ُ ْ َ ْ ُ و ُمجتمعــه؟! ولمــاذا إ ًذا قــال لقمــان البنــهَ { :يا ُبنَـ َّـي َأقـ ِ َّ
ـور}(((؟؛ فمــا العزيمــة يف تــرك النصيحــة التــي يعلــم ـك مِ ـ ْن َعـ ْـز ِم ْالُ ُمـ ِ
ـك إِ َّن َذلِـ َ
اصبِـ ْـر َع َلــى َمــا َأ َصا َبـ َ
َو ْ
فمــن عالمــة الخيــر أنــك ُتت ََّهــم مِــن أهــل الزيــغ والضــال والبــدع؛ فلتفــرح هبدايــا الحســنات
وتكفيــر الســيئات.
ـك أهـ ُـل الضــال بأنــك الظالــم المنافــق المرتــد :ال َت ْعبــأ بِ ِهــم
أيهــا الداعــي المظلــوم الــذي َيت َِّه ُمـ َ
ِ
وسـ ْـر يف طريقــك.
وأقــول إلخــواين :إذا كنتــم َع ِم ْلتُــم هلل مــن أجــل أن تحفظــوا دعــو َة الحــق وأن تحفظــوا دمــا َء
ـراض المســلمين والمســلمات فــا ُتنْت ََهــك يف فتنـ ٍـة دهمــاء،
المســلمين فــا ُتــراق يف فوضــى عميــاء ،وأعـ َ
وبال َدكــم [التــي هــي بــاد المســلمين ،بــل هــي محــور االرتــكاز فيهــا يف زماننــا ولــو َسـ َق َطت ضاعــت
بــاد المســلمين -نســأل اهلل أن يعــايف المســلمين مــن ذلــك ،]-إذا كنتــم حافظتــم علــى ِ
بالدكــم أن
ُت َخـ َّـرب و ُتدَ َّمــر باســم الديــن ،و ُت َشـ َّـوه صــورة الديــن يف العا َلــم وصــورة االلتــزام عنــد المســلمين؛ فــا
ـخ َر ُهم األعــدا ُء لتدميــر ِدينِهــم باســم الدِّ يــن -شــعروا أم لــم يشــعروا.-
َت ْخ َشــوا َذ َّم الشــائنين الذيــن َسـ َّ
وأيضــا :إياكــم أن َتفرحــوا بمــدح الذيــن َذ ُّموكُــم باألمــس ولــم َيعرفــوا ُح ْر َمتَكــم وال َح َّقكــم؛
ً
ــب ،وإن َب ِقيتُــم ال ُتوافِ ُقوهــم علــى باطِلِهــم انطلقــت
الس ِّ أعظــم َّ
َ فإهنــم إن خالفتموهــم غــدً ا َســ ُّبوكُم
بالســوء.
ألســنتُهم وأيديهــم ُّ
فاج َع ُلــوا َع َم َلكــم ُك َّلــه ابتغــاء وجــه اهلل ،ال َتنتظِــروا جــزا ًء مــن أحـ ٍـد ،وال َتفرحــوا بِ ُشـ ْك ِر أحـ ٍـد{َ ،ل
ْ
55
ورا } [اإلنســان ،]9 :وال َتت ََو َّك ُلــوا إال علــى اهلل الــذي ُيدافِــع عــن الذيــن آ َمنــوا ـم َجـ َـزا ًء َو َل ُشـ ُك ً
ِ
ن ُِريــدُ منْ ُكـ ْ
ـن ا َّل ِذي ـ َن آ َمنُــوا } [الحــج]38 :؛ فلســتم بحاجـ ٍـة إلــى َغيـ ِـره ،وإنمــا َأ َخ ْذ ُتــم باألســباب ـع َعـ ِ ِ
{إِ َّن َ
اهَّلل ُيدَ افـ ُ
اس ـت َِع ْن بِــاهَّللِ َو َل َت ْع َجــز)
ـكَ ،و ْ (احـ ِـر ْ
ص َع َلــى َمــا َينْ َف ُعـ َ ولــم ُت َض ِّيعوهــا امتثـ ً
ـال ألمــر رســول اهلل §ْ :
[رواه مســلم].
المـ ِـذ ّل، أمــا القلــب فــا بــد أن ال يتعلــق إال بــاهلل وحــده ،النافــع الضــار ،المعطــي المانِــعِ ،
المعـ ّـز ُ
ُ ُ
ـك ممــن يشــاء ،و ُي ِعـ ّـز مــن يشــاء و ُيـ ِـذ ّل مــن يشــاء،
ـك َمــن يشــاء و َينـ ِـزع الملـ َ
الملـ َ ِ
مالــك الملــك ُيؤتــي ُ
بِيـ ِـده الخيــر وهــو علــى كل شـ ٍ
ـيء َق ِديــر. ُ َ
الل ِز َمـ ُة ِ ِ ِ ِ
الصــدق يف النُّصــح والرغبــة يف هدايــة الخلــق وح ْفــظ مصالحهــم هــي ِّ
السـ َـم ُة َّ ثان ًيــا :ل َي ُكــن ِّ
ـح قو َمــه يف الدنيــا ولمــا قتلــوه ظــل النُّصــح لهــم َغال ِ ًبــا عليــه، َل ُكــم ،كمــا َل ِز َمــت مؤمــن آل ياســين ،فن ََصـ َ
ـت َق ْومِــي َي ْع َل ُمـ َ
ـون ون * قِيـ َـل ا ْد ُخـ ِل ا ْل َجنَّـ َة َقـ َ
ـال َيا َل ْيـ َ ـت بِرب ُكــم َفاســمع ِ
حتــى قــال تعالــى عنــه{ :إِ ِّنــي آ َمنْـ ُ َ ِّ ْ ْ َ ُ
* بِ َمــا َغ َفـ َـر لِــي َر ِّبــي َو َج َع َلنِــي مِـ َن ا ْل ُم ْك َرمِيـ َن } [يــس.]27 - 25 :
ِ
ومادحهــم -فيمــا بيننــا وبيــن اهلل وهــذا هــو اإلخــاص ،والبــد فالبــد أن َن ْعـ ِـز َل النـ َ
ـاس -ذا ّمهــم
أن نعــزل أنفســنا فيمــا بيننــا وبيــن النــاس؛ فــا نســعى لالنتقــام ألنفســنا ممــن آذانــا ،أو نريــد دمــار َمــن
ـول النبــي § وهــو يحكِــي َنبِيــا مِـن ْالَ ْنبِيـ ِ
ـاء َض َر َبـ ُه َخا َل َفنــا؛ بــل نظــل علــى الــدوام نــردد ونســتحضر قـ َ
َ َ ًّ َ ْ
ِ ِ ِ ـح الــدَّ َم َع ـ ْن َو ْج ِهـ ِـهَ ،و َي ُقـ ُ
ـون»ـم َل َي ْع َل ُمـ َ ـم ا ْغفـ ْـر ل َق ْومــي َفإِن َُّهـ ْ ـول« :ال َّل ُهـ َّ َق ْو ُم ـ ُه حتــى َأ ْد َمـ ْـو ُه َو ُهـ َـو َي ْم َسـ ُ
[رواه البخــاري ومســلم] ،وقو َلــه § لمــا َعــر َض عليــه م َلـ ُ ِ ِ
ـم ْالَ ْخ َش ـ َب ْي ِن، ـك الج َبــال أن ُي ْطبِـ َـق َع َل ْي ِهـ ُ َ َ
اهَّلل َو ْحــدَ ُه َل ُي ْشـ ِـر ُك بِـ ِـه َشـ ْي ًئا» [رواه البخــاري ـم َمـ ْن َي ْع ُبــدُ َ
ِ
ـالَ « :بـ ْـل َأ ْر ُجــو َأ ْن ُي ْخـ ِـر َج ُ
اهَّلل مـ ْن َأ ْص َلبِ ِهـ ْ َف َقـ َ
ـول اهَّللِ § ـم َر ُسـ ُ «و َمــا ا ْن َت َقـ َ
اهلل َعن َْهــاَ :- -رضـ َـي ُ
ـال النبــي § الــذي قالــت عنــه عائشـ ُة ِ
َ ومســلم] ،وحـ َ
ـم بِ َهــا ل ِ َّلـ ِـه َ -عـ َّـز َو َجـ َّـل[ »-رواه ِ ِ ِ ِ ـط ،إِ َّل َأ ْن ُتنْت ََهـ َلِنَ ْف ِسـ ِـه فِــي َشــي ٍء َقـ ُّ
ـك ُح ْر َم ـ ٌة م ـ ْن ُح ُر َمــات اهَّلل؛ َف َينْتَقـ َ ْ
ـون الناصحي ـ َن!. ِ
ونصيحتَهــم للنــاس وإن كانــوا ال ُيح ُّبـ َ وص ْبـ َـر األنبيــاء
َ البخــاري ومســلم]َ ،
ِ ِ
وبالدكــم -التــي هــي لمجتمعكــم ثال ًثــا :البــد أن ُت َو ِّطنُــوا َ
أنفســكم علــى االســتمرار يف النصــح
ِ ِ
الســنَّة والجماعــة -يف أي الظــروف، باركــة -دعــوة أهــل ُ بــاد المســلمين -و ُأ َّمتكــم ودعوتكــم ُ
الم َ
ـس ِر َضــى ـتحضروا قــول النبــي §َ « :مـ ِ ر ِضــي النــاس َعنَّــا أم سـ ِ
ـخطوا ،أكرمونــا أم آذونــا ،واسـ ِ
ـن ا ْلت ََمـ َ َ ُ َ َ
56
ط اهَّللِ:
ـخ ِ ـس ِر َضــا النَّـ ِ
ـاس بِ َسـ َ ـاس َعنْ ـ ُهَ ،و َمـ ِ
ـن ا ْلت ََمـ َ
ِ ِ ط النَّـ ِ ِ
ـاسَ :رضـ َـي ال َّلــه َعنْ ـ ُهَ ،و َأ ْر َضــى النَّـ َ
ـخ ِ اهَّللِ بِ َسـ َ
اهلل ـخ َط َع َليـ ِـه النَّــاس» [أخرجــه ابــن حبــان يف صحيحــه عــن عائشــة ِ ـخ َط ال ِ َّلـ ِـه َع َل ْيـ ِـهَ ،و َأ ْسـ َ
َسـ َ
-رضـ َـي ُ َ َ ْ
َعن َْهــا.]-
اهلل أن ُيصلِــح بــا َد المســلمين يف كل مــكان ،وأن َيدفــع عنهــم األذى والســو َء يف كل مــكان،
نســأل َ
ــازم األحــزاب ســريعوه ِ
ــري الســحاب َ نــزل الكتــاب و ُم ْج ِ
ــر ّد عنهــم كيــدَ عَدُ ِّوهــم ،اللهــم ُم ِ
وأن َي ُ
وز ْل ِز ْلهــم وان ُْص ْرنــا عليهــم ،اللهــم أنــت موالنــا ال مولــى لنــا ســواك
الحســاب ،اهـ ِـزم أعــدا َء المســلمين َ
وإنــا مغلوبــون فا ْنت َِصــر ل ِ ِدينِــك وكتابِــك وس ـن َِّة نبيــك § وعبـ ِ
ـادك المؤمنيــن. ِّ ُ ْ
*******
وتوفيقه..
ِ الله
ِ بح ْمد
انتهت مقاالت «تأمالت في النصيحة» َ
فمن اهللِ ،وهو الذي من بِ ِه و َت َف َّض َل؛ فله الحمد ،وما كان فيها من خطأٍ
ٍ ِ
َ َّ َ صواب َ فما كان فيها من
راجع عنه -إذا َعلِ ْمتُه -يف الدنيا واآلخرة. واهلل ورسو ُله منه َبريئان ،وأنا ِ
ٌ وز َل ٍل فمنِّي ومن الشيطان؛ ُ
َ
*******
57
58