محاضرة 2 ـ الخلفية الفلسفية للنقد الموضوعاتي ورواده ـ س 2 ماستر ـ نقد حديث ومعاصر ـ 2020 ـ 2021

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 8

‫سكي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ كدة‬

‫جامـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عة ‪ 20‬أوت ‪ – 1955‬ـ ـ‬

‫واللـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ غات‬
‫كليـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ة اآلداب ـ‬
‫ــ‬

‫العـ ـ ـ ـربي‬
‫قسم اللغة واألدب ـ‬

‫األستاذ‪ :‬حسين زروال‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫المادة‪ :‬النقد الموضوعاتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫المستوى المستهدف‪ :‬السنة الثانية ماستر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التخصص‪ :‬نقد حديث ومعاصر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫المـــــحاضـــــرة الثـــــــانيــــــــة‬
‫‪ -‬العنوان‪ :‬الخلفية الفلسفية للنقذ الموضوعاتي‪ ،‬ورواده‪.‬‬
‫‪ -1‬الخلفية الفلسفية للمنهج الموضوعاتي‪:‬‬

‫تُعد الموضوعاتية منهجا نقديا نشأ في أحضان الفلسفة الظاىراتية ابتداء من سـتينيات القرن العشرين في بيئة‬
‫الفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ رنسـي غاسـتون باشالر ‪ Gaston Bachelard‬على‬
‫أفـ ـ ـ ـ كار الفيلسـوف ـ ـ ـ‬
‫نقدية فرنسية أساسا‪ ،‬وعلى ـ ـ ـ‬
‫النـ ـقد‬
‫أغلب اآلراء‪ ،‬باعتباره المنبع األول والرئيسي للنقد الموضوعاتي كمـا أنّـو " المصدر النظري لمفهوم ومصطلح ـ‬
‫الموضوعاتي‪ ".‬وقد تأثّر النقد الموضوعاتي بجملة من الخلفيات الفكرية الفلسفية على رأسها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الفلسفة الظاىراتية‪:‬‬
‫تعد فلسفة ادموند ىوسرل ‪ Edmund Husserl‬الظاىراتية منطلقـا أساسـيا للمـنهج الموضوعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اتي‬
‫فعليا‬
‫بتركيزىا على العالقة الدينامية بين الفكر اإل نساني واألشياء "فاألنا المفكرة ال تكون إالّ عندما تدخل دخوال ـ ـ‬
‫في عالقات وارتباطـات باألشـيا ء "‪ ،‬كمـا تتحدث الظاىراتية عن التوازن في العمل الفني وىو ‪ ":‬تظافر عناصر العمل‬
‫الفني بنسب متسـاوية حول ما يسمى بمركز القوى داخل العمل " ‪ ،‬وبهذا فالعمل الفني كما تعرضو النظرية الظاىراتية‬
‫يبدو بقطبين"أحدىما فني واآلخـر جمالي‪ ،‬أما األول فيشير إلى النص كما أبدعو مؤلفو وأما الثاني فيشير إلى التحقـق‬
‫الّـذي أنجزه القارئ‪ ،‬والنص ال تبعث فيو الحياة إالّ إذا تحقـق‪ ،‬وال يتحقـق إالّ بالتقـاء الـنص والقارئ ألن ىذا االلتقاء‬
‫ىو الّذي يخرج العمل األدبي إلى الوجود"‪.‬‬

‫صفحة ‪ 1‬من ‪8‬‬


‫س ـ ـواء‬
‫فكل وعـي ىـو وعي بشيء ما ـ‬
‫ومن المفاىيم الظاىراتية الّتي تقبلها النقد الموضوعاتي ىي القصدية " ّ‬
‫الـ ـ ـ ذات‬
‫كان بالذات أم بعالم األشياء الّذي يحيط بنا " ‪ ،‬والوعي عند ىوسـرل ىو‪" :‬وعي الذات بموضوعها‪ ،‬وتوجو ـ ـ‬
‫نحو الشيء الّذي تريد أن تعيو وىو ما نسـميو بالقصدية " ؛ ومن ىنا أخذ ستاروبنسكي المقاربة الظاىراتية من خ ـ ـ ـالل‬
‫مقولة الوجود فـي العالم من خالل دراستو لروسو ومونتين ‪ ،‬فاألنا يؤسس ذاتو من خـالل عالقتـو بنفسـو وباآلخرين ‪.‬‬
‫وتدين فلسفة العالقة المؤسسة ىذه بالكثير لتطور الظاىراتية‪ ،‬فلقد تأثّر باشالر بهوسرل وتأثّر أتباع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ه ـ ـمن‬
‫فـ ـ ـ ي‬
‫بعده بميرلو بونتي ‪ Merleau Ponty‬الّذي يعـرف الظاىراتيـة بأنّهـا ‪ " :‬الفلسفة الّتي تعيد وضع الجواىر ـ ـ ـ‬
‫الوجود‪ ،‬وترى أنّو ال يمكن فهم العـالم واإلنسـان إالّ انطالقا من وجودىما العرضي "‪.‬‬
‫وىناك مفهوم آخر تجددت معو الظاىراتية‪ ،‬وا ستفاد من طرحو النقد الموضـوعاتي وىو الخيال الّذي ينظم‬
‫ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ طة‪ ،‬إن كانت جديدة لقادرة على الكشف عن عالم‬
‫العالم الخاص للفنان ألنّو ظاىرة وجود بحيث "الصورة بس ـ ـ‬
‫بأكملو‪ ،‬فالعالم متغير إن أطللنا عليو مـن نوافـذ الخيال الّتي ال حصرلها "؛ وىو بالتالي يجدد المسألة الظاىراتية من‬
‫خالل ارتباطو بحلـم اليقظة الّذي يحافظ على الشعور في بعض المستويات الفعالية ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفلسفة الوجودية‪:‬‬
‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وجود بمعناىا الخاص ىـي ‪ " :‬أىم ما يميز‬
‫يعتبر مبحث الوجود أحد أىم مباحث الفلسفة‪ ،‬وخاصية ـ ـ‬
‫اإلنسان عن غيره من المخلوقات الّتي تعيش وال توجد "؛ وكأن الوجود ىنـا مرتبط بالتفكير ألن ما يج ـ ـ ـ ـعل اإلنسان‬
‫كل ما يحيط بنا ‪.‬‬
‫مختلف عن سائر الكائنـات والمخلوقـات ‪ -‬خاصـة الحيوانات – ىو العقل ال ّذي نفكر بو في ّ‬
‫ولعل الّذي جسد الفهم أكثر الفهم الباشالري في حقل النقد الموضوعاتي ىـو جـورج بولي "الّذي عمد إلى‬
‫ّ‬
‫تحليل الوعي األدبي ببعدي الديمومة واللحظة حيث حلّل فـي مؤلفـو "دراسات حول الزمن اإلنساني" مشاعر الكتاب‬
‫الفرنسيين حول الزمن مـن مونـت إلـى بروست براعة "‪.‬‬
‫أضاف‬
‫ا‬ ‫حيـن‬
‫كل من مارتن ىايدجر ‪ Martin Heidegger‬وجـان بـول سـارتر بتطـوير الظاىراتية ـ ـ‬
‫ثم قام ّ‬
‫لها بعدا وجوديا ميتافيزيقيا أي البعد الخارجي للوعي‪ " ،‬فالوعي إنّما يحدث في أبعاد زمنية ومكانية وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ودية على‬
‫العموم "؛ أي توسع الوعي ليشـمل الـوعي والشعور بالوجود‪.‬‬
‫الموض ـ ـوعاتي‬
‫ــ‬ ‫ومن ىنا "اعتبر بعض الدارسين جان بول سارتر من النقاد الموضوعاتيين " ومـا استمده النقد‬
‫من الفلسفة الوجودية ىو مفهوم الوصف " الّذي يستطيع تحريض الفهم من الداخل " ‪ ،‬باإلضافة إلى مفهوم الخ ـ ـيار‬
‫يبدع في‬
‫البدئي " الّذي يقود إلى الموضوع الّذي ش ّكل ىاجسا للمبدع ‪ /‬الكاتب "؛ أي أن المبدع لو خيار في أن ـ ـ ـ ـ‬
‫موضوع ما يشكل ىاجسا لو‪.‬‬

‫صفحة ‪ 2‬من ‪8‬‬


‫ج ‪ -‬التحليل النفسي‪:‬‬
‫باشـ ـالر‬
‫إن الفهم الموضوعاتي للظواىر أفاد بص ورة عامة من التحليل النفسي‪ ،‬وقد برز ذلـك عند غاستون ـ‬
‫حيث يعتبر أول من استعملو في تفسيره للظواىر‪ ،‬ورغم ىذا يعترف باشالر بأنّو ‪":‬ليس محلال نفسيا غير أنّو يستخدم‬
‫أدوات التحليل النفسي ومقوالتو ومفاىيمـو على امتداد أعمالو‪ ،‬وإذا كان التحليل لنفسي الفرويدي يتجو إلى منـ ـ ـ ـ طقة‬
‫ال ـ ـ ـوعي‪ ،‬وىي‬
‫الالوعي للبحث عن الصور والرموز الّتي يحللها‪ ،‬يتجو التحليل الباشالري إلى أعمق منطقة من مناطق ـ‬
‫المنطقة األصلية‪ ،‬منطقة االحتكاك البدئي بالعالم "‪.‬‬
‫حليل‬
‫التـ ـ ـ ـ ـ‬
‫والغاية من البحث عن العالم البدئي ىو الوصول إلى مصـادر اإلبـداع وعناصـره ‪ ،‬وبالتالي يبحث ـ ـ ـ ـ‬
‫الباشالري "عن الصور في أصولها البشرية العامة فيراىا ماثلة فـي العناصر األربعة الماء‪ ،‬الهواء‪ ،‬النار‪ ،‬التراب "‪ ،‬ونجد‬
‫ىذا التوجو النفسي للنقد الموضوعاتي أيضا عند جورج بولي عندما تجلى النقـد الموضوعاتي عنده على أ ّـن ـ ـ ـ ه "قبض‬
‫واع أو فهم لوعي اآلخرين" ؛ أي طريقة لكشف وفهـم اآلخرين ‪ ،‬وبهذا يحدد وظيفة النقد في إبراز بعض الم ـ ـ ـ ـ خاوف‬
‫الشخصية وإجالئها باعتبارىـا منطلقا أللف فكرة أو صورة تشع من مركز تفكيري فرويدي ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الميراث الرومانسي‪:‬‬
‫األل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ماني‬
‫النقد الموضوعاتي ىو إيديولوجيا ابن الرومانسية‪ ،‬ففي بداية القرن ‪19‬م طور التيـار الرومانسي ـ ـ‬
‫ي ـ ـ ـ ينا‬
‫بشكل خاص نظرية امتد أثرىا بعد قرن مـن الـزمن بفضـل النقـد الموضوعاتي‪ " ،‬فالعمل الفني وفق جم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اعة ـ ـ ـ‬
‫كل العناصر الشكلية والمحدثة للعـ ـ ـ ـمل‬
‫‪ groupe d'Iéna‬يرجعنا على وعي المبـدع إلى باطنية شخصية تطوع ّ‬
‫الفني كاإللهـام والكيفيـة والتركيب‪".‬‬
‫كما يظهر أثر الفكر األلماني أيضا عند نقاد مدرسة جنيف و " ىي عبارة عـن جماعـة نقدية ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ملت لواء‬
‫تخيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لي‬
‫النقد الجديد‪ ،‬وسمت نفسها مدرسة جنيف ‪ Ecole de Genèv‬وآمنـت بأن النص األدبي عالم ـ‬
‫كانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ت لهم‬
‫‪ univers imaginaire‬مستقل عن الواقع المعـيش‪ ،‬يجسـد وعي الناص ‪ ،‬ومن روادىا الّذين ـ‬
‫كتابات إسهامات في النقد الموضوعاتي نذكر باإلضافة إلى جان بيار ريشار وجورج بولي‪ :‬جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـان ستاروبنسـكي‬
‫‪ ، Jean Starobinski‬ومارسيل ريمون ‪ ،Marcel Raymond‬وألبيرت بيغان ‪Albert Béguin‬‬
‫وجون روسي‪.Jean Rousset‬‬
‫ـكـ ـ ـ ـ ال مـن أشكال الوعي‪ ،‬وفي‬
‫وتدور مشاغل ىذه المدرسة حول محور مفاده " أن نتصور األدب بوصفو ش ـ‬
‫مقابل النظرة إلى األدب بوصفو وسيطا لعالم آخر أو لموضوعات يعبر عنها المؤلف ‪ ، "3‬وبهذا فنقاد م ـ ـدرسة جنيف‬
‫يغلب عليهم تصور األدب بوصفو تجليا لـوعي المؤلف يحاول النقاد أن يفهموه ؛ ومن ىنا فليس م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ن الغريب أن‬
‫يجعل النقد الموضـوعاتي مـن الرومنسـية عصـره المفضل‪ ،‬فقد خصص لو بيغان وريمون وريشار وبولي عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ددا من‬
‫صفحة ‪ 3‬من ‪8‬‬
‫الوحيـ ـ ـ ـ ـ ـ دة‬
‫ـ‬ ‫الدراسات‪ ،‬وىم يرون فيو انتصارا ألدب وعي الذات ينسجم مع إجرائهم الخاص وعليو "نقطة االنطالق‬
‫الرومانسية ىي‬
‫ــ‬ ‫عنـد جميع الرونسيين ومهما تنوعت نقاط وصولهم كما يرى بولي ىي حتما فعل وعي الذات ‪ " ،‬إ ًذا‬
‫نظ ـ ـ ـ ـرت إلى‬
‫بمثابة التطور واالرتقاء والتجدد ورفض التقليد ومن ىنا كانت أكثر بروزا في تطور العمل الفني‪ " ،‬التي ـ‬
‫العمل الفني بحد ذاتو على أنّو ثمرة إبداعية أصيلة بفعل الوعي الوجداني الشخصي ‪ ."2‬فالعمل الفني ينشأ من عالم‬
‫كيبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ىـا فـي‬
‫متخيل خاص بالفنان‪ " ،‬والموضوعات ىي عالمات آثار أو بصمات يتكفل العمل النقدي بإعـادة تر ـ ـ ـ‬
‫ت ـؤثر على‬
‫المنظور الرومانسي ال ينظر إلى الخصائص الشكلية للعمل في حد ذاتها " ‪ ،‬فالمنتوج الفنـي يقدم داللة ـ ـ ـ ـ‬
‫الحياة وىذه الظاىرة تعلق بالقارئ والمؤلف معا‪ ،‬إنّها مزيج بين شكل وتجربة يتوحد تكوينها وميالدىا أي أن "العمل‬
‫الفني حسب ستاروبنسكي تزامن لبنيـة مـا ولفكر ما مزيج من شكل وتجربة يتضامن تكونهما " ‪ ،‬إنّنا إذا أم ـ ـ ـ ـ ـ ام تصور‬
‫روحاني وديناميكي لفعل الخلق واإلبداع‪ ،‬وعليو فالنقد الموضوعاتي يسند حقيقة العمـل األدبـي إلـى وعـي ديناميكي ‪.‬‬
‫وىكذا ساىمت جميع ىذه الجذور الفكرية في نشأة المنهج الموضوعاتي النقدي لـألدب والذي أفاد من‬
‫الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ عوري‪ ،‬ثم في بعـده الوجـودي حينما أفاد من الوجودية‪ ،‬ثم في بعده‬
‫الظاىراتية حينما طرح الوعي في بعده ـ‬
‫الالشعوري حينما أفاد من التحليل النفسـي الفرويـدي إضافة إلى ما أفاده من اإلرث الرومانسي ‪.‬‬
‫‪ -2‬رواد المنهج الموضوعاتي ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬غاستون باشالر ‪: Gaston Bachelard‬‬

‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ واقع أنّو قد مر بمرحلتين في حياتـو العلميـة ‪ .‬وما يهمنا منو ما‬
‫يعد الرائد األول للنقد الموضوعاتي‪ ،‬ـ‬
‫المرحلة الثانية‪ ،‬فقد انتقل فيها إلى تلمس الموضوعات الظاىراتية في العـالم المادي مناقشا إياىا من منظور الخيال‬
‫متحوال من دراسة فلسفة العلم إلى دراسة فلسفة الفن والجمال حيث يرى – وىو الّذي مهد الطريق أمام ج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ميع‬
‫النقاد الموضو عاتيين مـن بعـده ‪ -‬أن‪ " :‬الخيال دينامية منظمة‪ ...‬فالخيال ينظم العالم الخاص للفنان‪ ،‬ألنّو ظـ ـ ـاىرة‬
‫وجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ود"‪.‬‬
‫موضـ ـ ـ ـ وع دون ذات‪ ،‬وأن‬
‫وقد وظّف باشالر ظاىريتو في دراسة موضوع الخيال حيث يـرى أنّـو ‪ " :‬ال يوجـد ـ ـ‬
‫وظيفة الظاىراتية ليست وصف األشياء كما ىي في الطبيعة فهذه مهمة عالم الطبيعة‪ ،‬وإنّما في القـ ـ ـدرة على استعادة‬
‫الدىشة الساذجة حـين رؤيتنـا ألشـياء الطبيعة وذلك أنّنا حين نحلم فنحن ظاىراتيون دون أن ـن ـ ـ ـ ـ ـ علم " ‪ ،‬فالموضـوع‬
‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ناك موضوع وذات واعية وحلم ينشأ بالتقـاء الذات‬
‫يتحـدد مـن خالل غيابو و من خالل معايشتنا لو‪ ،‬أي أن ـ‬
‫بالموضوع ‪.‬‬
‫كما درس باشالر الصورة الشعرية مستخلصا إياىا من العناصـر الماديـة األربعـة ‪:‬الماء‪ ،‬الهواء‪ ،‬التراب‪،‬النار‬

‫صفحة ‪ 4‬من ‪8‬‬


‫ىتـ ـ مام‬ ‫وتـ ـ ـ ـ حت تأثير التحليل النفسي‪ِ ،‬‬
‫واال ـ ـ ـ‬ ‫وىذا بهدف اكتشاف الرابط الّذي يجمع الصورة الشعرية إلى الواقع‪ .‬ـ ـ ـ‬
‫الـ ـ ـتعاطف ىو‬
‫بالعناصر المادية األربعة وضـع غاسـتون دراساتو‪ " :‬التحليل النفسي للنار سنة ‪ ، 1938‬ورأى فيو أن ـ ـ‬
‫أساس المنهج‪ ،‬الماء واألحالم ‪ ،1942‬الهواء واألوىام ‪ ،1944‬األرض وىواج ـ ـ ـ ـ ـ س اإلرادة ‪ ،1948‬األرض وحلم‬
‫السكينة‪.‬‬
‫ولكن في مرحلتو التالية وضع مؤلفات تنتمي إلى الظاىراتية أكثر م ـ ـ ـن انتمائهـا إلـى التحليل النفسي منها ‪:‬‬
‫تطـ ـ ـ ـ ـ ور تفكيـره بكاملو من خالل الموضوعات األساسية‬
‫جماليات المكان‪ ،‬والّذي يقول فيو ‪ ":‬إن الفيلسوف الّذي ـ‬
‫ويتخلى‬
‫لفلسفة العلم‪ ،‬والذي تابع الخط الرئيسـي لعقالنيـة العلم المعاصر النشطة النامية‪ ،‬عليو أن ينسى ما تعلّمو‪ ،‬ـ ـ ـ‬
‫عن عاداتـو فـي البحـث الفلسفي إذا كان يرغب في دراسة المسائل الّتي يطرحها الخيال الشعري " و‪ ،‬كأنّو م ـ ـ ـن قولو‬
‫ىذا يعترف بأنّو من المستحيل وضع مبادئ عامة ومترابطة تنظّم فلسفة الشعر‪ ،‬ويقول في كتابو شاعرية أحالم اليقظة ‪:‬‬
‫" الظاىراتية تفرض علينا عودة دائمة إلى ذاتنا وبذل جهد استيضاحي في عملية الوعي حول صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ورة معينة قدمها‬
‫شاعر‪ ،‬مما يـدفعنا إلـى محاولة االتصال مع الوعي المبدع لهذا الشاعر فتغدو الصورة الشاعرية ببسـاطة أصـال للوعي‬
‫الـ ـ صورة‬
‫وعند االكتشافات الكبرى يمكن أن تصبح صورة معينة بداية كون تخيلو شاعر في تأملو الشارد " ‪ ،‬فدراسة ـ ـ‬
‫انبـ ـ ـ ـ ثاقها باعتبارىا‬
‫األدبية عنده ال تقوم على أساس نفسي ال شـعوري بـل على أسس ظاىراتية‪ ،‬بدراسة الصورة عند ـ ـ ـ‬
‫نتاجا مباشرا لكيان اإلنسان في واقعو ‪.‬‬
‫ومن أىم النقاط الّتي ميزت حركة غاستون باشالر العلمية والنقدية نذكر أنّو كان عالما ومنظرا للشعر حيث‬
‫االعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ قاد بأن النفس ىي المبدأ‬
‫ـــ‬ ‫" اتجو نحو تاريخ العلوم بتعريف الروح العلمية تعريفا عقالنيا بعيـدا عن اإلحيائية‬
‫الفكر والحياة العضوية في وقت واحد كما أن الشعور عنده وحده فعل أنساني " ألن الشعور فيو التظاىرة األكـ ـ ـ ـ ـ ـ ثـر‬
‫سـموا فـي األدب‪ ،‬خاصة في الشعر ‪.‬كما اىتم باشالر بعلم الظاىرات وانطولوجيا الخيال "الّذي يشتمل ـعـ ـ ـنده على‬
‫‪ ‬وريثا وتابعـا للفكـر الرومـ ـ ـانسي األلماني‬
‫مجمـوع الوظائف النفسية لإلنسان‪ ،‬كان لو وظيفة إبداعية فاعلة " وبهذا يعد‬
‫والـ ـ ـ ـ ـ يد تعرفها‬
‫الصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـورة عنـده جوىر وشكل‪ ،‬النظر يسميها ـ‬
‫ثم انتقل من الخيال المادي إلى الخيال الحركي ألن ـ‬
‫وعليو فباشالر يهدف إلى "التعريف بأنماط حلـم اليقظة اإلنساني ح ـ ـ ـ ـ ـ ول المادة‪ ،‬وإظهار كيف أن يحكم الكتابة مثل‬
‫التجربة الحساسـة للعـالم خاصة عند الشعراء " وبقولو ‪ " :‬إن الخيال فعالية منظمة " أفصح مباشـرة ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن النقـد‬
‫الموضوعاتي‪ ،‬فالصورة ال قيمة لها بذاتها ولكن من خالل مجموع المعاني الّتي تستعملها أو تنشرىا‪ .‬وه ـ ـ ـذه النتيجة‬
‫الّتي استخلصها كان لها تأثير في الّذين جاءوا من بعده ‪.‬‬

‫صفحة ‪ 5‬من ‪8‬‬


‫ب ‪ -‬جان بيار ريشار ‪: Jean-Pierre Richard‬‬
‫تألقا ودقة‬
‫يعد ىذا الفيلسوف المنبع أو الرائد الثاني للنقد الموضوعاتي بأعمالو الّتي تمثل النموذج األكثر ـ ـ ـ‬
‫يتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ولد فيها العمل‬
‫لهذا المنهج النقدي‪ ،‬حيث ين طلق من مفهوم " الوجود في العالم ليتحدث عن اللحظة الّتي ـ ـ‬
‫ولعل العبارة‬
‫األدبي من الصمت الّذي يسبقو ويحملو والّتـي يتشـكل فيهـا العمل األدبي انطالقا م ـ ـ ـ ـ ن تجربة إنسانية " ّ‬
‫الّتي علّق فيها على مجم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وعة مـن الشعراء والّتي قال فيها "جميع ىؤالء الشعراء قد تمت معاينتهم عند مستوى‬
‫اتصالهم البدئي باألشياء"‪.‬‬

‫وىذا ما يكشف عن شيئين اثنين أولهما ‪ :‬كون الفكرة المسيطرة علـى الـنص األدبي‪ ،‬والّتي تمثل موضوع‬
‫النـ ـ ـ ـ ـ ص تحمل تعبيرا‬
‫الكاتب في النص ىي تلك الّتي تركزت في قلبو عند الطفولة‪ ،‬والثاني كون العبارة األولى في ـ‬
‫مكثّفا لتحديد موضوعو ‪.‬‬

‫ويظهر من خالل أعمال ج ‪.‬ب‪ .‬ريشار أن مقارباتو الموضوعاتية ذات بعد ظـاىراتي‪ ،‬وقد رسم في دراساتو‬
‫النقدية عالمات دالة على منهجية ىذا المبدأ النقدي حيـث اعتبـره " ‪:‬مسح الحقول الحسية من أجل تح ـ ـ ـ ـ ـ ديد أىم‬
‫مستـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وى من ىذه‬
‫كل ـ ـ‬
‫الخيارات الشخصية الفاعلة فيهـا‪ ،‬وبيـان كيفيـة ارتسام دالالت األشياء المرغوب فيها على ّ‬
‫المستويات المنقودة‪ ،‬وبيـان كيفية ارتسام دالالت األشياء المرغوب عنها والمستبعدة " ومبدأ ريشار ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ و "التجربة‬
‫ـل التنوع الظاىر فيها بنظرة متفحصة " ‪ ،‬وكتابو الّذي خصصو‬
‫كل االتجاىـات واكتشـاف ك ّ‬
‫المؤسسة الّتي يسبرىا في ّ‬
‫لمالرميو ‪ " :‬العالم الخيالي عند مالرميو"‪ ،‬وحديثو عن تجربتو في قصائده عن طفولتو ىو األكثر تم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ثيال لقراءتو‬
‫النقدية الّتي " لم تعد نظاما معينا يجب إتباعو ‪...‬إنّها تضع ثقتها بالجزئي الذي يشكل لب النقد " ‪ ،‬إذًا تقوم القراءة‬
‫عنده على األساس الشفهي لألعمال األد بية‪ ،‬وعلى األشكال الموضوعاتية الغريزيـة في الوقت ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ فسو والتي من‬
‫خاللها يظهر عالم متميز ينظم في مشاىد ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬جورج بولي ‪: George Poulet‬‬
‫يعتبر ىذا الناقد أحد أقرب النقاد من غاستون باشالر إذ توجو اىتمامو كلّو ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ حو وعـي المبدع‪ ،‬من خالل‬
‫خيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الية‪ ،‬كمـا أنّو عمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ق أيضا وجهة النظر الروحية‬
‫أشكال الوجود في العالم والتي ينشرىا العمل في مجموعات ـ ـ‬
‫لمؤسسي مدرسة جنيف من خالل تعريـف عقالنـي وحساس للكوجيتو ‪.‬‬
‫كان تجديد الكوجيتو في عمق الكاتب بأن "يوجد طريقتو في اإلحساس والتفكير ورؤية كيف تُولد وتتشكل‬
‫ويتـ ـ ـ ـ ضح من ىنا أن النشاط‬
‫وىو أن يعيد كشف معنى الحياة الّتي تنتظم انطالقا من الـوعي الّـذي نأخذه عن ذاتها ‪ ،‬ـ ـ ـ‬

‫صفحة ‪ 6‬من ‪8‬‬


‫النقدي يرتكز على امـتالك ذاتـي للعـالم الخاص بالفنان الّذي يسمح بمتابعة عمل المؤلف حتّى في عالمو الخيالي ‪.‬‬
‫تفرد ج ‪.‬بولي باالىتمام بالفئات الكبرى لإلدراك‪ ،‬والزمن والفضـاء إذ تعـد دراسـتو "الزمن اإلنساني " بحـ ـثا‬
‫واسعا حول طرق اإلحساس بالزمن من خـالل التـاريخ األدبـي ‪.‬‬
‫والزمن في فكره‪ ،‬مفهوم مجرد فهو‪ " :‬اللحظة التي تعيد إلى إدراك شامل للعالم‪ ،‬ىي كجوىر مادي ممزوج‬
‫بخيال المبدع الّذي يصنع منها مادة لخدمتو ‪ ،‬ومن ىنا يـأتي التحـول المادي الذي يعرض مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ن خاللو بولي طبيعة‬
‫اللحظة عند بروست والتي تنقسم إلـى لحظـة حاضرة ولحظة تالية فيما بعد ‪.‬‬
‫أما عن تأملو حول الفضاء إلى بروست تح ـ ـ ـ ـ ديدا‪ ،‬كان ذلك في خدمـة الدراسـ ـ ـ ـة حـول الزم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ن اإلنساني‬
‫الفـ ـ ـ ضائية حيث يرى أن " البعد ىو الفضاء ولكن ا لفضاء مجرد من ـكـ ـل‬
‫والتساؤل عن القيمة الرمزية للمخططات ـ ـ ـ‬
‫كل‬
‫إيجابية‪ ،‬فضاء دون فعالية ‪ ..‬ودون تنسيق وتمازج‪ ،‬بدال من أن يصبح شكال من التزامنية العامة الّتي ستتطور في ّ‬
‫بب ـ ـ ساطة عـ ـ ـدم مقدرة‬
‫الفضاء ـ ـ ـ ـ‬
‫االتجاىات من أجل مقاومـة الكائنات واحتوائها ووضعها في اتصال فيما بينها‪ ،‬فإن ـ ـ‬
‫كل الموضو عات في العالم‪ ،‬في عدم قدرتها علـى تكـوين نظـام فـي مجموعها ‪".‬‬
‫كل جانب وفي ّ‬
‫تتبـدى من ّ‬
‫وىكذا يتضاعف عند بروست البحث عن الزمن الضائع بغزو الفضاء الضـائع الّـذي يراه بولي قد " اختفى مع‬
‫الفـكر اإلنساني مدان دون روابط ودون‬
‫فـ يو ـ ـ ـ‬
‫يتشكـل ـ ـ ـ‬
‫ــ‬ ‫الصـ ـغير الّذي‬
‫اللغة الدينية والفلسفية‪ ،‬إلى حد أن الكوكب ـ‬
‫نموذج" ‪،‬فالوحدة الفضائية ليست حقيقة ممتلكة إالّ من خالل " الرحالت واالنتقال‪ ،‬والّتي فيها شيء م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ن السحر‬
‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ نا فبولي‬
‫كل شيء مع المواقع الممكنة الّتي نرى مرورىا من موقع إلى آخر " ؛ ومن ـ‬
‫عن طريق الرحالت يتصل ّ‬
‫يستعين بالتحليل الظاىراتي للزمان والمكان من أجل العثور على التج ـ ـ ـربة األولـى للكاتـب أو مـا يسميو كوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ يتو‬
‫الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ كاتب ‪.‬‬
‫ــ‬
‫د‪ -‬جون بول ويبر‪:Jean-Paul Weber‬‬

‫الّذي كانت لو إسهامات كبيرة في ىذا النقد مـن خالل" إعطاء طفولة المؤلف بذكرياتها أىم ـية كبيرة حـ ـ ـ ـ ـ ـ ين‬
‫اإلقدام على تحليـل آثـاره فـي كليتها "‪ ،‬كما أنّو قد دافع عن أىمية النقد الموضوعاتي في جدال أثير حول ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ذا‬
‫المنهج بعد أن تم ّكنت البنيوية والسيميائية من فرض وجودىما في الساحة النقدية الجديدة الّتـي كانـت الموضوعاتية‬
‫قد سيطرت عليها بفرنسا خالل الستينيات ‪ ،‬وتظهر الدقة والوضوح في أعمالو النقدية من خالل ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ تابو ‪ :‬تكـوين‬
‫العمـل الشـعري الصادر عام ‪ 1961‬إلى كتابو استندال‪ ،‬البنيات الموضوعاتية لألثر وللقـدر عـام ‪1969‬؛ ويقول في‬
‫األدبيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ة‬
‫ـ‬ ‫ىذا األخير ‪ " :‬انتقلنا إلى مرحلة التحليل الموضوعاتي الّذي يتجو نحو استكشـاف األعماق للدراسة‬
‫المخصصة لروائي وليس لشاعر "؛ أي أن الموضوعاتية عنده ستنتقل من دراسة األعمال الشعرية إلى دراسة األعمال‬

‫صفحة ‪ 7‬من ‪8‬‬


‫الروائية من خالل التركيـز علـى أعماق وذوات الروائيين ‪.‬‬
‫ومن ىنا فرواد المنهج الموضوعاتي لم يستندوا إلى مرجعية واحـدة‪ ،‬بـل تعـددت أصولهم الفلسفية وخلفياتهم‬
‫الفكرية التي بنوا عليها دراساتهم الموضوعاتية‪.‬‬

‫***‬ ‫***‬ ‫***‬

‫صفحة ‪ 8‬من ‪8‬‬

You might also like