Professional Documents
Culture Documents
Screenshot 2023-12-07 at 12.56.13 AM
Screenshot 2023-12-07 at 12.56.13 AM
أن الحديث عن الدولة اخذ في جانب منه يتمحور حول اإلجابة عن تساؤل مهم وأساسي هو :هل يؤمن اإلسالم
بوجود الدولة؟
ولإلجابة عن هذا التساؤل هنالك تياران :األول أنكر وجود دولة في اإلسالم بكل ما تعني الدولة من اطر قانونية مؤسساتية
أو عناصر ومقومات طبيعية وقدم أدلة على ذلك ،والتيار الثاني :أكد على وجود الدولة في اإلسالم مقدما ً أدلة وبراهين
على ذلك .وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث.
ينطلقون أصحاب هذا التيار من فهم عقائدي ورؤية خاصة لقضية اإليمان في اإلسالم مفادها أن اإليمان .1
هو تجربة شخصية قائمة على االعتقاد والتسليم وانه ال ينطوي على بُعد مجتمعي حتى يحتاج إلى الدولة إلجرائه أو
تنظيمه ،ابرز ممثلي هذا االتجاه هو الشيخ (علي عبد الرازق) مؤكدا ً أن القران الكريم وضح بأن الرسول "ص" لم يكن
له حق على األمة غير حق الرسالة ولم يكن له شأن في الملك السياسي ،ويستشهد بعدة آيات قرآنية كقوله تعالى " وما
أرسلناك عليهم وكيالً " و" وما أرسلناك إال مبشرا ً ونذيرا ً " و" فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر".
يستندون إلى الدليل القرآني مؤكدين أن القران الكريم قد خال من أية إشارة إلى الدولة لفظا ً أو مفهوماً. .2
أن الدين عبارة عن حقائق خالدة ال تتغير ،بينما الدولة تنظيم يخضع لعوامل التطور والتحول الدائم ،كما .3
أن الدين مقدس ومنزه من الخطأ فعندما يتم تحويله إلى دولة فسوف تسلب منه القداسة؛ الن الدولة عند ممارسة السلطة
فهي البد أن تتالزم مع الخطأ سواء أكان عمدا ً أو سهواً ،وهذا يعني بالنتيجة أما إضفاء القداسة على الخطأ أو سلب
القداسة من الدين وهو أمر يتعارض مع فكرة قدسية الدين .
يستند هذا التيار للتاريخ ليتشهد به ويثبت فشل الحكومات التي حكمت باسم الدين ،وان ادعى رجالها .4
أنهم يطبقون التعاليم الدينية والكتب المقدسة ،والتأكيد على أن التاريخ يبين أن الحكومات الدينية تقوم على أساس من
الطاعة العمياء فهي ال تفسر وجودها بأكثر من أنها ظل "هللا" في األرض ،وهذا يعني أن الحكومة الدينية في اغلب
حاالتها تنتج دولة فوضى ألنها تلغي دور المواطن فيها وتنقل مفهوم العبودية من العالقة مع "هللا" إلى العالقة مع الحاكم
ولو مجازا ً .
الشك أن في اإلسالم أحكام البد من إجراءها في المجتمع ،وان احد وظائف الدولة تطبيق هذه األحكام، .5
ولو أن األمة اتفقت على أجرائها دون الحاجة إلى وجود الدولة النتفت فكرة وجود الدولة في اإلسالم .
الدليل األول يقوم على أساس الربط بين وظيفة الدولة وبين وجودها ،وهو صحيح لو كانت الوظيفة •
مختصرة بالتبشير والتنذير ،إال أنها أعظم من ذلك بكثير ،باإلضافة لذلك أن اإليمان واالعتقاد باهلل وإن كان شيء فردي
وشخصي إال انه يستلزم تحمل المسؤوليات االجتماعية كالزكاة والحج والصوم ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والجهاد ،وباقي المسؤوليات اإلسالمية وهذه أمور تتطلب وجود دولة.
بهذا الطرح فصل التيار الرافض لوجود الدولة بين البعد الفردي واالجتماعي ،فاإلسالم يتضمن أحكام •
فردية ال حاجة للدولة لتنفيذها ،وأحكام مجتمعية تحتاج إلى وجود الدولة ،وإمكانية إقامة األحكام الفردية ال يعني عدم
إقامة األحكام المجتمعية.
إذا كان اإليمان باإلسالم قضية عقلية فردية ،فان هذا االلتزام يفرض على المؤمن واجبات ذات طابع •
مجتمعي ،ومن هنا تنبع الحاجة للدولة إلقامة البعد المجتمعي وتفسيره وتطبيق أحكام اإلسالم في المجاالت المختلفة.
وفي ضوء هذا الفهم يرى البعض ضرورة أن يتوجه السؤال عن حقيقة سياسة اإلسالم وقدرته على حل •
مشكالت األمة في العصر الراهن بدالً من البحث في قضية ُيعتقد أنها من بديهيات اإلسالم وهي الدولة اإلسالمية وهذا ما
يطرحه أنصار التيار الثاني في المحاضرة القادمة أن شاء هللا.
1
ثانياً :التيار المؤمن بوجود دولة في اإلسالم
يؤؤؤمن أنصؤؤار هؤؤذا التيؤؤار بؤؤأن الدولؤؤة واجبؤؤة وليسؤؤت جؤؤائزة فؤؤتذا لؤؤم تقؤؤم فؤؤان األمؤؤة تكؤؤون مسؤؤؤولة عؤؤن عؤؤدم
قيامهؤؤا بتنشؤؤاء الدولؤؤة ،كمؤؤا أن الجمؤؤع بؤؤين مصؤؤالح الؤؤدنيا واصخؤؤرة هؤؤو أصؤؤل مؤؤن أصؤؤول اإلسؤؤالم ،أي ال عزلؤؤة بؤؤين
الدين والدنيا ،أما األدلة التي يقدمها فهي على بعدين أساسيين:
2
الثانيؤؤؤة :المسؤؤؤؤولية الجماعيؤؤؤة ذات األبعؤؤؤاد السياسؤؤؤية كالؤؤؤدفاع عؤؤؤن األمؤؤؤة وطريقؤؤؤة توزيؤؤؤع الثؤؤؤروة والتكافؤؤؤل
االجتماعي وغيرها من التكاليف.
لم يبحث الفقهاء موضؤوع ارض الدولة إال في إطار العالقة مع اصخر تحت عنوان دار اإلسؤالم ،ففي زمن الرسؤول
"ص" وما بعده ،حيث كانت األمة كلها في دولة واحدة ،في تلك الحالة كانت دار اإلسؤؤالم هي ارض الدولة وارض األمة
أيضاً ،والكل يشكل سيادة واحدة وال يمكن وضع حدود جغرافية لها من جهة ارتباطها بنمو األمة واتساعها.
المشكلة الثانية :عالج الفكر اإلسالمي المعاصر هذه القضية من خالل تطبيق المفاهيم التي اعتمدها الفكر اإلسالمي في
تجربته التاريخية مثل عهد الذمة والجزية ،وحاول أخرين أكثر فهما للواقع إضفاء ألفاظ حديثة على مفهوم أهل الذمة
4
حيث أجيز استخدام لفظ المواطنة والمواطنين بدال عنه .ولكن مع إقرار البعض بالمواطنة لنقليات الدينية ،إال أن اإلجماع
منعقد على عدم السماح لهم بالترشيح لقيادة الدولة اإلسالمية على اعتبار أن هذه الدولة ذات خاصية عقائدية تحتاج إلى
المؤمن بها والمتمثل لما يصدر عنها ،وغير المسلم ال تنطبق عليه هذه األوصاف ،ويذهب البعض إلى رفض مشاركة غير
المسلم في االنتخابات الختيار رئيل الدولة اإلسالمية بدعوى قد تكون المصالح الخاصة معيار االختيار لديهم ،في حين
يذهب األغلبية إلى الرأي القائل بانتفاء عقد الذمة والتعامل مع غير المسلمين على أساس المواطنة ،أي المساواة في
الحقوق والواجبات مع منعهم تولي الوالية على المسلمين.
وبهذا الصدد يمكن القول إن معالجة القضية في الدولة اإلسالمية باعتبار العالقة بين المسلم وغيره عالقة دينية أوال ،أما
من الناحية السياسية فهي عالقة مساواة من حيث المشاركة السياسية والمعارضة السلمية والقضاء ،السيما وأن الفلسفة
العامة لإلسالم تقوم على تحقيق العدالة وان الدولة إحدى أدواتها ،فعلى الدولة توفير الحماية والحقوق الدينية لغير
المسلم ،وبالمقابل عليه احترام حق األكثرية في اختيار النظام السياسي المناسب.
العنصر الثالث -:السلطة السياسية
تعد السلطة السياسية عنصر ثالث من عناصر الدولة ،وحجر الزاوية بالنسبة لكل تنظيم سياسي ،وتكمن حقيقتها في
اعتقاد المحكومين أنها قادرة على توفير ما يحتاجون إليه من أمن مادي ونفسي ،على تنوع صور األمن وتعددها ،وعرف
البعض السلطة بأنها القدرة التي تمتلكها الهيئة القائمة على إدارة المجتمع وتنظيمه والتي تقوم على رضا األفراد وتوجيه
الجماعة وفق قواعد المرجعية الشرعية ،وعلى هذا األساس تمنح الحقوق وتفرض الواجبات وبالشكل الذي يضمن تحقيق
مصالح األفراد من جهة ،ومقتضيات الشرع من جهة أخرى.
-٢العالمية :أن عالمية التصور اإلسالمي للسلطة فرض على السلطة أن تتحرك في ضوء هذا التصور من اجل بناء
جسور من العالقة الوثيقة بين جميع المسلمين في العالم بحيث ال تكون ضيقة التصور أو التفكير أو التخطيط.
-٣الغائية :تنزع السلطة اإلسالمية إلى أن تكون ذات غاية بالشكل الذي يمكنها من حمل عبء الرسالة والقيام بالدعوة
وتتضح غائية السلطة في اإلسالم من كونها ضرورة اجتماعية اقتضتها سنن االجتماع السياسي الستحالة عيش
المجتمعات دون جماعة سياسية ،وحاجة الشريعة إلى أداة لتنفيذها.
- 4الوسطية :السلطة في اإلسالم وسطية تجمع بين مصالح الناس في الدنيا واصخرة ،وتوازن في ممارستها بين احتياجات
اإلنسان الروحية والمادية ،وان فلسفتها أو المبادع التي تتأسل عليها تتماشى مع هذه الحقيقة.
-5المدنية :فالسلطة اإلسالمية مدنية من حيث سيادة (الشرع أو القانون وليست ثيوقراطية كالتي سادت في أوربا خالل
القرون الوسطى ،بل هي سلطة مؤسسة وليست شخصية ،فاإلسالم عقيدة وثقافة وحضارة وال يمكن اختزاله في دولة أو
سلطة سياسية.
5
أما شرعية السلطة فقد انقسم الفكر اإلسالمي بشأنها إلى تيارين؛ يذهب األول إلى اعتبار الشرعية مستمدة من هللا تعالى
وأعطاها بذلك بعدة دينية ،بينما ينسب التيار الثاني الشرعية إلى األمة من خالل وضع آليات معينة تمكن األمة من إضفاء
الشرعية على السلطة كالبيعة والشورى وغيرها .
-مظهر داخلي :ويتمثل في حرية الدولة في التصرف في شؤونها الداخلية وفي تنظيم مرافقها والعامة ،وفي فرض
سلطانها على كافة أجزاء إقليمها من أشخاص وممتلكات.
-مظهر خارجي :ويتمثل في استقالل الدولة بتدارة عالقتها الخارجية بدون أن تخضع في ذلك ألية سلطة عليا وتتجسد
خصائص السيادة في االطالقية والشمولية والدوام وعدم االنقسام.
6
.3أن نظرية السيادة بتطارها الحديث لم تظهر إال بعد انتصار السلطة الزمنية على السلطة الدينية ممثلة بالكنيسة فأوجدت
فكرة العلمانية عندما فصل الدين عن الدولة وأصبحت السلطة السياسية في الغرب تتمتع بحرية مطلقة في وضع
التشريعات ،أما في اإلسالم فالنظام سابق على الدولة وهي ملزمة به حتما في كل أمورها.
.4أن الدعوة إلى نفي السيادة لدى الفكر اإلسالمي المعاصر مبعثه أيضا وجود نظرية متكاملة في السلطة تقوم أسسها
من التصور االعتقادي اإلسالمي الذي ال يجيز الخضوع المطلق إال (هلل) ويؤكد على وحدة األصل البشري ،وان الحاكم
ليل مشرعا بل هو منفذا للشريعة اإللهية باستثناء التشريعات التي توضع لمواجهة المتغيرات التي اجتاحت الحياة بجميع
جوانبها.
.٥أن ما تعرضت له نظرية السيادة من انتقادات من قبل الغربيين أنفسهم ،جعل بعض اإلسالميين ال يهتمون بها وال
يعدوها ركن من أركان الدولة وعناصرها .
مصدر السيادة.
يطرح في الفكر اإلسالمي المعاصر سؤال مهم عن مصدر السيادة ،أو من هو صاحب السيادة بالمعنى الدستوري الحديث
في الدولة اإلسالمية؟ إذ اإلجابة عن هذا التساؤل أفرزت أراء إسالمية عديدة منها:
-1ذهب الرأي األول إلى أن السيادة هي "هللا" تعالى فتليه يستند القانون اإللهي الذي يحكم سلوك األمة ،فان "هللا" هو
مصدر السلطة وإرادته المتجلية في القران الكريم هي الحاكمة .أن القول بان هللا سبحانه هو مصدر السيادة ألنه ينفرد
باأللوهية والربوبية ،ويستوجب التحقيق حاكمية هللا "آليات وسبل تؤمن تنفيذ الشرع بأحكامه وتطبيق قواعده والعمل
بتمكانه.
-٢يؤكد الرأي الثاني أن السيادة في الدولة اإلسالمية يعود لنمة مادام رئيل الدولة يستمد سلطانه من األمة ممثلة بأهل
الحل والعقد ،ويعتمد في بقاء هذا السلطان على ثقتهم به ونظره في مصالحهم كما أن لنمة حق خلعه ،ويؤكد احد الباحثين
أن المسلمين هم أول أمة قالت بان األمة هي مصدر السلطات".
وقد ترد بعض المالحظات على هذه اصراء ،فالقول بان األمة هي مصدر السلطات يجعل لنمة السلطة واإلرادة العليا وهذا
األمر يتنافى مع طبيعة النظام السياسي القائم على علوية سلطة الشريعة ،كما أن هذه النظرية تستند إلى المرجعية الغربية
والتي جعلت قرارات السلطة وأفعالها خاضعة لميول األفراد ،بعكل اإلسالم حيث أن الخطاب اإلسالمي هو الذي ينظم
العالقة بين الحاكم والمحكوم.
-٣الرأي الثالث يقول بالسيادة المزدوجة ،فمن جهة يقرر ثبوت السيادة هلل سبحانه ،إال أنه وبموجب عهد االستخالف قد
جعل األمة هي المكلفة بتحقيق هذه السيادة ضمن إطار الشرع فتكون السيادة التي تمتلكها األمة هي سيادة مقيدة بالشرع
أي أن صاحب السيادة في الدولة اإلسالمية هي األمة فضال عن القانون أو الشريعة اإلسالمية.
أن هذا الرأي ينطلق ليعبر عن االعتراف بالسيادة اإللهية ،إال أنه وطبقا لعهد االستخالف فقد جعل البشر مستخلفين في
األرض لعمارتها وإقامة شريعة هللا" فيها وتنظيم أمور الناس عليها.
.١الوحدة اإلسالمية :أي المحافظة على المجتمع من ألوان الضعف واالنحالل وإصدار التعليمات والقوانين التي تمنع
التمزق في صفوف المسلمين وتشجيع التقارب بين المذاهب اإلسالمية ودرء الفتن عن المسلمين واعتبار ذلك واجب
شرعي ال يمكن التفريط به السيما وان اإلسالم يعد النزاعات الداخلية خطرا كبيرا على األمة لكونها تؤدي إلى إهدار
الطاقات وتبديد اإلمكانات والفشل والخذالن وسقوط الهيبة السياسية أمام الخصوم ،وإذا كانت جملة الخطابات القرآنية
الواردة في هذا الشأن موجهة إلى األمة وكأنها المطالبة والمكلفة أوال بالمحافظة على وحدتها وتماسكها والحيلولة
دون نشوء النزاعات كما جاء في قوله تعالى "واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا"،
فأن الدولة ومن خالل سياستها وأجهزتها تمثل الجزء األخر من مسؤولية حفظ األمن وضمان وحدة األمة الن العالقات
االجتماعية المتعددة والمعقدة والسائدة بين أفراد مختلفين في الميول واألهواء واألفكار تنتج نوعا من الفوضى إذا لم تكن
محمية بقانون ومبادع تمنعها من االنفالت وهذا ما ال يمكن أن يوفره إال جهاز حاكم يتولى هذه المهمة.
.٢اعتماد سياسة إعالمية للدولة وتعبئة مختلف المؤسسات الفاعلة في بيان أهمية الوحدة الوطنية واالبتعاد عن لغة
اإلقصاء والتخوين والتكفير وحصر العقوبات بالدولة والعمل على خلق الفرص لتعزيز التالحم الديني والمذهبي مع األديان
األخرى ،مع التركيز على أن غاية األديان إزالة التوترات االجتماعية الناجمة عن سياسة االستحواذ على مصادر القوة.
.٣الحرية الدينية :اعتماد سياسة الدعوة بالربط بينهما وبين حقائق العلم واعتماد الموضوعية في تحليل ونقد بعض
اصراء وان تكون الحقيقة الهدف انطالق من مبدأ حرية االعتقاد واالبتعاد عن الرؤية االختزالية للدين والتاريخ في صورة
تفسير معين ،واالنفتاح على معطيات ونتاج اصخر في المجاالت التي ترك اإلسالم للدولة واألمة حرية معالجتها وفق
متغيرات العصر
. 4إشاعة وترسيخ روح المواطنة التي تفضي إلى تمتع المواطن بالحقوق السياسية التي يساهم من خاللها في إدارة
شؤون الدولة انطالقا من كون األمة نائبة عن هللا تعالی تمارس مهام الخالفة في اإلطار السياسي مثلما تمارسه في
المجاالت األخرى.
.5اعتماد وسائل سياسية وقانونية للمحافظة وحماية حقوق اإلنسان وفق التطور اإلسالمي السيما الحقوق ذات األبعاد
السياسية واالقتصادية ،والسماح لنمة بالمشاركة في صنع القرار السياسي أو معارضته وفق األساليب السليمة مع
المحافظة على الحريات العامة كحرية العمل والسكن والتنقل وغيرها ضمن أطرها القانونية.
.٦على الدولة ضمان إقامة العدل طبقا للدستور وإعادة الحقوق إلى مستحقيها وتحقيق مبدأ مساواة الناس أمام القضاء
والقانون بغض النظر عن أي اعتبارات ،الن إقرار مبدأ المساواة في التقاضي والترافع من شأنه التسوية بين المواطنين
ويتطابق مع اعتقاد اإلسالم بوحدة بني اإلنسان جميعا في المنشأ والمصير والخلق.
.۷عد المنصب تكليفا شرعيا يحتاج إلى قدرة معينة وان على الفرد غير القادر عليه االبتعاد عن المسؤولية واالعتزال
عن القيام بها ،وان ال تكون الغاية التنافل المالي واإلداري الن اإلسالم يعد المناصب أمانة تتطلب حمايتها مع مالحظة
أن أكثر التوترات الداخلية تحصل من جراء السياسات االقتصادية للدولة والموقف من الشعب ومعاملته بروح التعالي
والتفضل.
8
ثانيا :الوظائف االجتماعية-: -
تعد الدولة مؤسسة ال غنى عنها طالما أن االنسان اجتماعي بطبيعته ،وبما أن االسالم نظام شامل للحياة ،فأنه كفيل بتيجاد
بيئة اجتماعية تتيح ألكبر عدد ممكن من افرادها أن يعيشوا روحيا ومادية في توافق مع القانون الفطري ،ولقد اعطى
الفكر اإلسالمي المعاصر اهتماما واضحا بالوظائف األجتماعية للدولة لما لها من صلة بأسل الحياة الخاصة لكل فرد من
أفراد األمة ،ووضع على عاتق القيادة االسالمية مهمات عدة اهمها:
.1ضمان حق العمل :عد العمل مقدسة ألنه الوسيلة التي تؤمن للفرد رزقه ورزق عائلته ،ولقد أولى القران الكريم والسنة
النبوية هذا الموضوع اهتماما كبيرة من خالل مستويين اولهما :الحث على العمل وتقديسه وثانيهما :محاربة البطالة
والعيش عالة على األخرين ولو كان من اجل التفرغ للعبادة ،وللمواطن في الدولة االسالمية أن يباشر ما يراه مناسبة من
تجارة وصناعة وزراعة ،وال يوجد اال مبدأ التعارض مع المحرمات االسالمية في مجال العمل وفي وسائل اكتسابه ،كالربا
والغش ونحوهما ،وان يالحظ المعاني األخالقية كأن ال يلحق بالغير ضرر او اذی "فال ضرر وال ضرار"
ومن واجبات الدولة أن تلتزم بتوفير العمل في القطاع العام لكل المواطنين ،مع بذل الجهد التربوي واألخالقي إلزالة
العوائق النفسية ورفع مكانة العمل وعلى الدولة ايضا توفير ادوات العمل للقادرين عليه فواجب الحاكم تجاه مواطنيه ان
يسد جوعهم ويستر عورتهم ويوفر لهم حرفتهم).
.٢تحقيق الضمان االجتماعي على الدولة أن توفر الكفاية االستهالكية لكل مواطن من مواطنيها ،والكفاية تشمل المأكل
والملبل والمسكن ووسائل النقل والتعليم والعالج وادوات الحرفة وقضاء الديون وغيرها من السلع والخدمات عندما
يعجز المواطن عن تحصيلها بنفسه او من كلف بتعالته ،أن ضمان هذه القدرة من االستهالك لكل مواطن له فوائد عديدة
في المجرى العام للتنمية فهي:
• تعد استثمارا من رأس المال البشري الذي هو مادة التنمية وهدفها األول والذي يعطي أفضل عائد على المدى الطويل.
• ان ضمان هذا المستوى من قبل المجتمع لنفراد ،يؤدي الى االستقرار النفسي والذي يساهم في زيادة انتاجيتهم وتحسين
سلوكهم االجتماعي بشكل عام.
• ان شمول هذا المستوى لكل المواطنين من مسلمين وغيرهم يؤدي الى تماسك المجتمع و شيوع روح األخوة والتنافل
الشريف بدال من الصراع القائم على اساس االنتماءات الفرعية طائفية كانت أم عرقية ام طبقية ،وفي التاريخ االسالمي
صفحات مشرقة تبنى فيها االسالم اشباع حاجات الفقراء والمستضعفين سواء كانوا مسلمين ام غير مسلمين ما داموا
يعيشون في ظل الدولة االسالمية وضمن لغير المسلمين حقوقهم االقتصادية والمالية وحرم االعتداء على اموالهم.
• ان الكفاية االقتصادية للمواطن تدفعه الى االستقرار في البلد في حين أن عدم ا الكفاية االقتصادية تدفع به الى الهجرة
وان لم يفعل ذلك فأنه سيعيش في حالة اغتراب عن المجتمع "فالغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة ".
ولم يكتف الفكر االسالمي بالتأكيد على مفهوم الكفاية الذي يجب أن توفره الدولة للمواطنين بل ال بد ان يأخذ هذا المفهوم
منحني تطورية من الناحية الكمية والنوعية بحسب ظروف المجتمع ويدخل في ذلك سائر الحاجات السائدة في المجتمع
االسالمي تبعا لمستوى المعيشة العام ،وفي حال عجز الدولة عن تحقيق العدالة كقلة الموارد البشرية وعدم قابلية المال
العام والخاص على تلبية توقعات المواطنين ،ففي هذه الحالة ينتقل االسالم بالمسؤولية من دائرة العدالة الى دائرة التكافل
االجتماعي ،ففي حالة االضطرار ولضمان االمن يتوجب على الدولة ان تأخذ في االعتبار ما يوفر الحاجات الضرورية
لينتقل جزء من المال الى وظيفة اجتماعية بدال من الوظيفة الفردية انطالقا من أن حق الحياة مقدم على حق الملكية ،وقد
وضع االسالم ادوات تحصيل المال لتلبية الحاجات األساسية للمحتاجين عبر اموال الزكاة والضرائب فضال عن األرباح
التي تكسبها الدولة منه جراء االستثمار ويستند التكافل االجتماعي الى قيم االخوة االنسانية كما أنه يشمل كل مواطني
الدولة االسالمية على اختالف انتماءاتهم ويوفر بيئة تمتص حالة االحتقان الناجمة عن الفوارق في المستوى المعيشي
بين الفقراء واالغنياء ويقضي على احتماالت التوتر ويجنب الدولة والمجتمع ازمات كثير ،تضر باألمن واالستقرار .ولكن
9
ال بد من توضيح مسألة مهمة في هذا المجال وهي أن مهمة الدولة تشمل فئتين من الناس هما :من لديه القدرة على
العمل لكن تعجز الدولة عن ايجاد فرص عمل مالئمة له ،واالخرى التي تعمل ولكن قيمة األجر ال تناسب مع حاجاتها
الضرورية ،ويمكن للدولة أن تسهم في هذا المجال وتلعب دور الوسيط بين المنفق والمحتاج ويمكن لها أن تؤسل كيانات
تابعة لها وبأشرافها لممارسة دور الوساطة والفعل ايضا في التكافل االجتماعي.
اوجب الفكر االسالمي المعاصر على الدولة ضمان حقوق المواطن االقتصادية كحق التملك وضمان حرية المواطن في
النشاط االقتصادي والملكية الخاصة له ،على أن يتم ذلك وفق ما يقرره االسالم لتحقيق التنمية والصالح العام في اطار
حق المجتمع االنتفاع بثرواته وبما يتفق واحتياجاته ،وقد وضع االسالم من األصول والقواعد العامة االقتصادية ،ما يكفل
تحريك هذا النظام في كل عصر بما يناسب طبيعته ويحقق مصلحته ،وللدولة أن تتخذ عدد من االجراءات االقتصادية فقد
حدد االسالم للدولة وظيفة الوقاية من االنحراف وعبر اساليب المنع والردع حيث تقوم هذه السياسية على منع بعض
الممارسات الخاطئة ومنها:
-١منع تحول وظيفة المال والثروة في عملية البناء الى عملية االدخار مما يفقد القدرة على التطور وكذلك منع االحتكار
ألنه يضعف من قدرة الفرد على المعيشة من جانب ويمثل ربحا بال جهد مبذول من جانب اخر.
-٢رفض االسالم قضية كنز المال وادخاره ألنه تعطيل للثروة االقتصادية وحرف المال عن وظيفة االعمار والتنمية
واعطى للدولة حق تنقيته عبر مفهوم الزكاة والخمل.
كما رفض البطالة مهما كانت الدعاوي وربط بينها وبين مكانة الشخص في المجتمع عبر التأكيد على األحاديث النبوية
المؤكدة على "ان اليد العليا خير من اليد السفلى".
-٣يرى الفكر االسالمي ان على الدولة أن تعمل على محاربة الرشوة لمضارها االدارية واالقتصادية وألنها تدخل في
إطار التعاون المجتمعي ويكون ذلك عبر االجراءات الوقائية.
-4تحريم الربا ومتابعة الدولة للمرابين ألنه يخالف الطبيعة االقتصادية ويمنع االنسان من التطور ويقلل من مساحة
الفاعلين في الوسط االقتصادي ،ويمكن للدولة بدال من ذلك تشجيع االقراض لحل قضية الفقر وخلق فرص عمل للعاطلين.
.5على الدولة منع التعرض للمال الخاص والمال العام والدولة مكلفة بمالحقة ومعاقبة عمليات التالعب بالمال وتطبيق
أحكام االسالم التي يرى الشرع االسالمي الحاجة الى تطبيقها للحد من التعرض للمال العام والخاص.
.٦يحارب االسالم االثراء عن طريق استغالل المنصب الحكومي تحت اي عنوان بعده بابا لم يبذل فيه الجهد مع انه تلقي
األجر عن طريق الراتب على ما يبذله من جهد وبذلك يسعى االسالم الى منع استغالل المنصب الذي هو صورة من صور
الفساد المالي واالداري.
ولمواجهة كل تلك االمراض االقتصادية والحد منها ،على الدولة أن ترعى تنمية اقتصادية شاملة لعمارة األرض واحياؤها
وتشجيع العمل على مختلف مجاالته والوسطية واالعتدال باإلنفاق التأكيد على وجوب العمل والسعي لكسب الرزق وقيام
الدولة بدورها في مراقبة السوق ومنع االحتكار ،وجاء االهتمام بالتنمية االقتصادية بوصفها جزءا مهما من التنمية
االنسانية الشاملة التي تقوم على وفق المنهج االسالمي على أسل فلسفية تتمثل في عقيدة التوحيد التي تحكم العالقة
بين االنسان وخالقه ،وبين االنسان وأخيه االنسان.
الدولة هي المؤسسة التي تتولى عملية تنظيم هذه العالقات وهذه السياسات:
10
اوال :اسل ومبادع العالقات الخارجية -
ان الوظيفة الخارجية للدولة االسالمية وتطبيقها في العالقات الدولية انما تنطلق من اسم ومبادع أكد عليها اغلب المفكرون
اإلسالميون من خالل طرحهم لنظرية السلم مع االخر حيث تفترض هذه النظرية أن األساس في العالقات االنسانية هو
السلم ،ويعتمدون في التدليل عليها وجملة معطيات ومبادع منها عقلية واخرى دينية منها:
.١تكريم االنسان وهذا التكريم االلهي لإلنسان والذي اكدت عليه اصية الكريمة "ولقد کرمنا بني ادم ليل تكريما خاصا
بعنصر دون عنصر اخر وال جنل دون جنل وال قوم دون قوم بل الناس جميعا سواسية في حق التكريم ،واعتبر االسالم
الناس جميعا أمة واحده تجمعها االنسانية وال يفرقها االختالف في اللغة او الجنل.
. ٢السلم :حيث يتبنى االسالم هذا المنطق فهو مشتق من السلم ،والذي يعني عدم العنف والحرب ضد االخرين بل يسعى
االسالم الى تقليل الصراع والنزاع مع االخرين اال في حاالت الضرورة التي تقتضيها الرؤيا العقلية كوجوب الدفاع عن
النفل ورد العدوان ،وحتى في حالة الحرب فأنه يغتنم الفرص للعودة إلى منطق السلم والحوار في حل القضايا المختلف
عليها.
.٣مبدأ التعارف :أن التعارف الذي حددته اصية القرآنية الكريمة "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند هللا اتقاكم" ،يقوم على فكرة السالم ،والدولة االسالمية محكومة بهذا المبدأ في
عالقاتها مع الدول األخرى ،ويراد من التعارف التأثير المتبادل بما يخدم الحركة االنسانية عموما من خالل اكتشاف األخر
فكرية أو ثقافية أو التأثير عليه فكريا وسلوكيا ،ويؤمن دعاة الحوار من المفكرين االسالميين أن االختالف سنة كونية
لما فيه من ثمار ايجابية واثراء لمسيرة اإلنسانية ودعوة للتنافل االيجابي في عملية اصالح األرض واالستفادة من
ثرواتها .
.٤التعاون االنساني :أن التعاون في االسالم مبدأ عام في كل الجماعة االنسانية كما قرره القران الكريم الذي حث على
التعاون المطلق على البر ،ومنع التعاون على االثم والعدوان.
.٥الحرية :ان الشخصية االنسانية ال تتوافر اال في ظل الحرية الحقيقية التي تبدأ بتحرير النفوس وجعلها خاضعة لسلطات
العقل وااليمان ،ولذلك أكد االسالم على احترام العقيدة احتراما كامال وضمن حرية الرأي وحرية االقامة وضمن حرية
تقرير المصير.
.٦الفضيلة :أن العالقات الدولية سواء أكانت في حال الحرب ام السلم يجب ان يؤيدها قانون االخالق الذي يشمل الناس
جميعا ،ويتفق مع هذا المبدأ مبدأ اخر هو المعاملة بالمثل ،منها قانون العدالة في التعامل االنساني بين األفراد والجماعات،
وهذا المبدأ يجري العمل به في عصرنا الحاضر في العالقات الدولية بين مختلف دول العالم.
11
.1اعداد القوة الالزمة لمواجهة تهديدات االمن الداخلي وامن الحدود انطالقا من دعوات القران الكريم الى أعداد القوة
اإلرهاب العدو ،فالسالح في التصور االسالمي يمارس مهمة الردع بالمفهوم االستراتيجي اي خلق حالة الخوف في عقلية
العدو لكيال يقوم باالعتداء على الدولة االسالمية لقناعة أنه ال يحقق اهدافه ،وهذا االعداد يتطلب تهيئة لكل الفروع ذات
الصلة بالقوة فالقوة االقتصادية وخل فالقوة الذاتية للمواطن فهذا األعداد يقوم على اساس برامج مخطط لها بصورة
منظمة وبأهداف واضحة.
.٢ان االسالم في موضوع األمن الخارجي بطرح رؤية تقوم على التكامل بين العناصر األساسية في المشروع االسالمي
من خالل األخالق -االنسان -المنهج ،ولكن ما يميز االسالم في هذا الجانب هو ربطه القوة باألخالق وهي حالة سبق
اإلسالم فيها كل المواثيق الخاصة الحروب.
.٣توظيف وسائل التربية والتعليم واالسالم ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز النظرة االيجابية لنمن المجتمعي في ذهنية
المواطن عبر القيام بمهمة االعداد المعنوي للشعب .والربط بين االخر وخاصة الفرد ،وحاجات المجتمع االساسية لنقل
الوظيفة األمنية من دائرة الحصر بالدولة إلى مساحة المشاركة الفردية والمجتمعية وهنا تبرز اهمية التفاعل بين أجهزة
الدولة وبين افراد المجتمع لمواجهة األخطار المحدقة بالدولة.
.٤التواصل وبناء العالقات :وذلك من خالل اعتماد لغة الحوار التي يركز عليها القران الكريم من خالل اشارته الى نماذج
الحوار مع االخر ،وهذا الحوار ال يقتصر على المجال العقيدي ،بل يمكن استخدامه في مختلف المستويات ومنها الحوار
في المجال السياسي والعلمي من اجل حل القضايا وتبادل الخيرات .وان التطور العلمي في الوقت الحاضر قد ولد قضايا
ذات صبغة عالمية يتجاوز تأثيرها البعد الوطني وتحتاج الى الحوار بوضع الحلول المناسبة لها وتحديدا مسؤوليات كل
دولة تجاهها كقضايا التلول البيئي ومكافحة الجريمة المنظمة واالرهاب وباقي القضايا العالمية.
.٥المحافظة على الهوية الثقافية والحضارية للدولة االسالمية ومنع ذوبانها في محيط الثقافة األخرى التي هي من أهم
افرازات العدالة ،اذ يهدف الغرب الى عولمة ثقافته وقيمه على بقية شعوب العالم مما يفقد تلك الدول اصالتها و عناصر
قوتها في مواجهة التحديات لذلك البد من العمل على تقديم انموذج اسالمي يعكل مواصفات الحضارة االسالمية ال سيما
التوازن بين البعد الروحي (األخالقي ،القيمي) ،والبعد المادي والربط بين المنظومة القيمية االسالمية وافرازات العلوم
المعاصرة.
.6خلق اجواء التعايش السلمي :السيما وان التعايش يمثل ركيزة من ركائز االستقرار العالمي ألنه يقوم على فكرة رفض
القوة المسلحة والعنف ،كما انه يخلق االجواء االيجابية للحوار البناء من خالل الثقة المتبادلة والرغبة المشتركة
لالستمرار حالة العيش المستقر ،كما أنه يدفع باتجاه تحقيق تنمية عالمية تقوم على مبدأ المساواة في الحصول على
الحاجات األساسية لإلنسان لدوام وجوده مع التأكيد على مفهوم التنمية العادلة التي تقوم على مبدأ العدالة لتوزيع
الثروة واالنتاج كوسيلة لتحقيق العيش المشترك.
ان ما تمتاز به الدولة في االسالم عن سائر التكوينات السياسية ،هو أنها دولة عقائدية ترتكز على االسالم ،وتتطلق منه
في تحقيق الرسالة التي تتمسك بها ،فهي دولة ذات فكرة شاملة وفلسفة عامة تشمل كل نواحي الحياة االنسانية ،كونها
12
تتطلق من دين کامل وشامل وتقوم على عقيدة ومنهج بحسب ما يطرحه المفكرون اإلسالميون المعاصرون ،على ذلك ال
تكون الدولة او الحكومة بذاتها هدف االسالم بل الهدف هو تنفيذ األحكام والقوانين وضمان االهداف االسالمية العليا في
نشر التوحيد وبسط العدل واشاعة الفضيلة ،وهذه االمور ال تتحقق دون اجهزة سياسية وسلطات حكومية ،وبما انها دولة
عقائدية رسالية ،فان القائمين بها والعاملين على تحقيقها ليسوا محدودي التوجه واألهداف ،او خاضعين لضغوط االنتماء
القومي او العنصري أو الطبقي ،بل هي دولة انسانية تتجاوز كل االنتماءات الضيقة لتكون دولة االنسان الرسالي المنفتح
على مجتمعه والعالم.
أن الخصوصية األخالقية في الدولة االسالمية هي من أهم ما يميز هذه الدولة عن سائر الدول والتكوينات السياسية ،ومن
جملة ما يدل على هذه الحقيقة أن الرسول (ص) لم يقل انما بعثت ألقيم دولة او حكومة بل قال" :انما بعثت ألتمم مكارم
األخالق" .وبما أن عقيدة االسالم تقتضي أن يكون له دولة وحكومة ،فأنه ال يعقل أن توسع دولة وحكومة باإلسالمية ما
لم تكن األخالق قاعدة ومرتكز هذه الدولة ،ولهذا يرى االسالميين انه إذا وصفنا نظام حكم بأنه اسالمي ،فال بد أن يشترط
فيه توفر العنصر األخالقي الن االسالم ومكارم األخالق ال يفترقان.
وإذا كان هناك ثمة اهتمامات واهداف للدولة االسالمية في السياسة واالقتصاد واالجتماع والدفاع ،فان الهدف األخالقي
االنساني يبقى متقدمة على سائر ما عداه من اهداف؛ ألن االسالم بما يتضمنه من قوانين وانظمة سياسية واجتماعية
واقتصادية يستهدف بالدرجة األولى تكوين المجتمع المثالي القادر على تحقيق الرسالة ،وإذا لم يتوفر العنصر األخالقي
في المجتمع والدولة فلن تكون هناك ثمة امكانية لتحقيق التوازن الروحي والمادي الذي يسمح ببناء المجتمع المثالي.
يؤكد الفكر االسالمي المعاصر على أن مبرر وجود المجتمع اإلسالمي في التاريخ والزمان هو انه مجتمع يتجاوز ضرورة
االجتماع والتعاون ليكون مجتمعة رسالية ملتزمة ذا رسالة ومهمة حضارية وان هللا سبحانه وتعالى اراد للمجتمع العربي
ان يكون متميزة ومتجاوزة لذاته وواقعه بما وفره له من عوامل االنطالق وبما من عليه من نعمة النبوة والرسالة وجعله
تجسيدا العقيدة ورسالة حضارية .وما ورد في القران في وصف المجتمع االسالمي وفيما ينبغي أن يكون عليه هذا
المجتمع من انفتاح وشهادة ووسطية واستخالف وغير ذلك ،ما يدل على الدور الحضاري واالنساني للمجتمع المسلم،
كما يشير الى ضرورة أن تكون الدولة االسالمية حضارية مفتوحة على العالم خالفا لكل المجتمعات المغلقة التي عرفتها
البشرية.
وتتجسد عالمية وحضارية الدولة االسالمية في معاني عدة منها:
* انها دولة قادرة على التفاعل مع نفسها ومع العالم
* انها مالكة لثقافتها وخصوصيتها ومبادئها التي تشكل مضمونها ومعناها.
* انها دولة تنشئ في اطارها حضارة من نوع خاص تتسم بالنشاط والتطور في جميع مجاالت الحياة البشرية مع احتفاظها
الكامل باألسل والمبادع والقيم التي تأسست عليها
أن وصف الدولة االسالمية بالحضارية يعني انها تتجاوز القومية والوطنية والطبقية وتذوب فيها فوارق األجناس
واألوطان وااللسن وااللوان حيث يوجد بين أبنائها االيمان باهلل خالق الكون واإلنسان ،فحضارية الدولة ال تنحصر
بالمسلمين وحدهم وانما تتعداهم الى سائر األمم والشعوب كونها منطلقة من طبيعة االسالم باعتباره رسالة لكل الناس
وتحرص على إطالق الطاقات االنسانية في إطار االهداف والمبادع والقيم التي تأسست عليها؛ ألن ذلك يعود بالنفع على
جميع الناس.
13
من خصائص الدولة االسالمية انها دولة متطورة األشكال وهذا يعني أن الدولة ليست مقدسة طالما انها مؤسسة من
المؤسسات التي تنتجها األمة من خالل التزامها اإلسالم وتطبيقها لقوانينه وأحكامه ،وعلى ذلك فأن الدولة االسالمية
ليست مؤسسة جامدة وانما هي تتطور وفقا لتطور المجتمع السياسي االسالمي مع االلتزام في الوقت نفسه باألسل
والمبادع الثابتة في االسالم من قبل االلتزام بمبدأ الشورى والمبادع األخالقية واالنسانية التي بينها االسالم كاألمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما هو ثابت في النص االسالمي.
وبما أن اإلسالم لم يحدد شكل الدولة االسالمية بأن تكون جمهورية أو رئاسية او برلمانية ،فأن هذا األمر متروك لالمة
كي تحدد ما ينبغي أن تكون عليه الدولة أو الحكومة من حيث الشكل .فشكل الدولة يبقى خاضعا لطبيعة المجتمع وتحوالته
وتركيباته االجتماعية وكذلك لمستواه السياسي والفكري.
من مميزات المجتمع االسالمي انه مجتمع العدل ومحكوم لهذا المبدأ في جميع عالقاته الخارجية والداخلية ،فالتشريع
االسالمي جعل العدل اساسا لكل شيء ،ويرى المفكرون االسالميون ان االنسان جزء من هذا العالم ،والبد أن يكون له
نظامه الخاص القائم على أساس العدل؛ ألن العدل هو ضمانة استمرار الحياة االنسانية مثلما هو ضمانة استمرار
العالم ،بكل ما فيه من جماد ونبات وحيوان ،وللعدل اشارت جملة من اصيات القرآنية كقوله تعالی والسماء رفعها ووضع
الميزان" ،وقوله تعالى أن هللا يأمر بالعدل واإلحسان" ،وقوله تعالى "واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" ،أما
الدولة االسالمية فأنها اذا حققت العدالة فأنها بذلك تكون منسجمة مع طبيعة تكوينها ومع األساس والمبادع التي تتبناها،
وكذلك مع الرسالة التي تحملها وتعمل على تطبيقها وحمايتها وبمجرد أن تخرج الدولة عن األساس الذي تقوم عليه وعن
الرسالة التي تحملها فأنها تفقد شرعيتها ومبرر وجودها وتصبح دولة ظالمة.
وال بد أن يكون مبدأ العدل حاكما على االنسان في عالقته باهلل وعالقته بالناس في جميع األحوال ولهذا قيل ان العدل
اساس الملك والظلم مؤذن بالخراب" وإذا كان االسالم قد نهى عن الظلم وامر بالعدل في الكثير من اصيات القرآنية ،فنن
الظلم تترتب عليه مفاسد وشرور واضطرابات سياسية ونفسية واجتماعية تمنع من تكامل االنسان وتحول دون بلوغه
الكمال الروحي.
ومما تجدر االشارة اليه ان العدالة ال تقوم على فكرة المساواة في اإلسالم ،بل على اساس اعطاء كل ذي حق حقه ،ولذلك
فأن الدولة االسالمية اقرت بالتفاوت االقتصادي وانه حقيقه واقعه .وان التفاوت واالختالف نتيجة لطبيعة تكوين االنسان
وظروف البيئة حتى وان تساوت الشروط الموضوعية ،ولذلك فأن الدولة انطلقت من الحرية االنسانية لتضع لها أهدافا
فرعية في مجال العدالة االقتصادية واالجتماعية منها توفير وحماية حق العمل والتعلم للجميع ويذهب البعض إلى جعل
التعليم والصحة مجانية تتكفل الدولة بها ،على األقل في المستويات األولى من التعليم لتحقيق العدالة في هذا الجانب،
والعدالة مثلما هي مطلوبة في عالقة الدولة مع شعبها،
فأنها أساس من اسل العالقات الدولية من وجهة النظر اإلسالمية .ولذا يتطلب من الدولة العمل على عدة مستويات في
عالقاتها الدولية انطالقا من مبدأ العدالة االسالمي وهذه المستويات:
.١اعتماد المواقف التي تتبع من مفهوم العدالة تجاه الدول األخرى وهي االعتراف بحق االخرين مثلما مطلوب من
االخرين االعتراف بحق الدولة ،واالعتراف يعني تطبيق ما يترتب عليه من التزامات.
14
.٢االبتعاد عن سياسة المحاور التي تهدف إلى االستغالل والسيطرة على االخرين ورفض االتفاقات السرية التي يراد
منها سلب حقوق الدول األخرى.
.3رفض اعتماد الغذاء اسلوبا من اساليب السياسة للضغط على الدول لتحقيق اهداف الدول الضاغطة ،بل يمكن اعتماد
مبدأ الحاجة اساسا لحركة الثروة انطالقا من مبدأ التكامل بين الموارد االولية وبين السلع والخدمات.
.٤اعتماد سياسة عادلة في مجال شراء المواد األولية بحيث ال تبخل حق الدولة األخرى وردم الفجوة بين سعر المنتج
وسعر المواد األولية.
.5التأكيد على مبدأ العدالة في توزيع الثروة في المجال الدولي ومحاربة اية مظاهر لالستغالل سواء كانت بأسلوب
االستعمار المباشر أو وسائل االقتصاد األخرى.
كل هذه القضايا يمكن أن تكون مبادع في سياسة الدولة االسالمية الخارجية ،لتقدم بذلك نموذجا جديدا من التعامل الدولي
وفق معايير الحق والعدل.
من جملة أهداف الدولة االسالمية ،أن تحقق التوازن المادي والروحي في حياة االنسان فال يطغى جانب على اخر فليل
من أهداف الدولة االسالمية أن تعتني فقط بالجانب الروحي دون المادي من االنسان او العكل ،أو أن تكتفي بالسيادة
والثروة والمجد ،بل يجب أن يكون هدفها كرامة االنسان وحمايته من الظلم والجور .من هنا فأن الحضارة االسالمية لم
تشهد الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي وانما انطلقت من النظرة الموحدة للوجود كله باعتباره مجموعة السنن
االلهية تتعاون لتنتج نظرة واحدة متكاملة تقود االنسان الى طريق الخير والحق.
على الدولة االسالمية مراعاة النظام وتنظيم امور المجتمع وحسن التدبير ودقة االدارة التي توصف في االنظمة الحالية
بأنها ((الحارس لبوابة النظام السياسي) ،ومع ضرورة وضع القانون العادل وتطبيقه على الدوائر الرسمية ،اال أن ذلك ال
يعد كافيا لسير النظام على ما يرام ومراعاة حقوق المواطنين ،بل ال بد من حسن التدبير في االدارة وضع جهاز المراقبة
والتنسيق والكفاءة.
السيما ان وسائل التدبير والتنظيم لم ينص عليها المبدأ التشريعي ،ولم يحددها ،بل ترك للناس حرية االختيار والتعرف
في ضوء ادلة التشريع العليا والقواعد العامة للشريعة ،وبما يضمن مواكبة الزمن واختيار الصيغة المالئمة لنوضاع
السياسية واالجتماعية واالقتصادية.
فمرونة الشريعة تتجلى في عدم النص على األمور التنظيمية والتدبيرية ،حيث انها تركت للناس أن يختاروا ما يناسب
عصرهم انطالقا من القواعد العامة للشريعة ومن مبادع الحكم في االسالم .ويسترشد المفكرون المعاصرون بكنوز الترال
االسالمي في زمن الخالفة والتي تؤكد على ضرورة بناء جهاز اداري كفوء وبناء كادر وظيفي قادر على انجاز عمله على
الوجه األكمل من خالل اعتماد المبادع االدارية االساسية منها:
.١الكفاءة واالمانة اساسية للتوظيف األداري :فأهم مميزات المجتمع والحكومة االسالمية سيادة العدل واعتماد المساواة
دون تحيز او تمييز لجانب على حساب جانب اخر فضال عن تغييب الوساطة واألهداف الشخصية في اختيار الموظفين
واعتماد بدل ذلك شرط الكفاءة واألمانة والنزاهة ((ثم انظر في عمالك فأستعملهم اختبارا وال تولهم محاباة واثرة)).
.٢تفعيل جهاز المراقبة واالشراف :وذلك ادراكا ألثر المراقبة والمحاسبة في تطبيق العدالة وبغية الحيلولة دون استغالل
بعض األفراد لمناصبهم ومسؤولياتهم لمصالحهم الخاصة .والبد أن يتصف هذا الجهاز بالصدق واألمانة.
15
.٣اعتماد مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الموظفين :اذا كان العدل القيمة االساسية والمبدأ الجوهري الذي قام عليه
االسالم فهو يعني وضع الشيء في موضعه ،وبناء عليه فان االدارة الصحيحة المنسجمة مع االسالم هي االدارة التي
تفرق في نظرتها بين العامل المحسن والعامل المسيء فتكافئ االول وتعاقب الثاني ،والبد أن تكون هذه السياسة متوازنة
وفي ظل سياقات تحقق أهدافه مزدوجة فثواب المحسن يدفعه للعمل واالستمرار بالعطاء ،بينما معاقبة المسيء ومحاسبته
ستكون رادع له عن االستمرار في الخطأ.
.4تأمين الحاجات المادية للموظفين :فاإلسالم بوصفه مدرسة انسانية ودينا الهيا قد اولى اهمية قصوى لتغطية الحاجات
المادية لنفراد واكد على ضرورة أن تقوم الدولة بتلبيتها واشباعها ووضع بعض الضوابط والمبادع بهذا الخصوص
والتزام الدولة بتلك الضوابط سيحقق اكثر من هدف منها ،أنها ستمثل قوة لموظفي الدولة يستعينون بها على استصالح
انفسهم وتقويم تصرفاتهم ،وتشكل حصانة من الرشوة ومن اختالس األموال العامة ،فضال على انها ستكون حجة بيد
الدولة لمعاقبة المعتدين على المال العام أو الخائنين ألمانتهم (ثم اسبغ عليهم االرزاق فان ذلك قوة لهم على استصالح
انفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت ايديهم وحجة عليهم أن خالفوا امرك واثلموا أمانتك).
اذ تلك األسل والمبادع من شأنها بناء جهاز اداري مقتدر وكفء ،أما الصالحيات الممنوحة للدولة في التنظيم االداري
فأنها ستمنح الجهاز اإلداري في المجتمع مرونة كبيرة تجعله األحدال وما يتجدد من الحاجات والظروف التغيير.
16
.1األصل في اإلسالم أن الوالية عامة طبقا لقوله تعالى" :المؤمنون بعضهم أولى ببعض" ،وهذه الوالية متساوية؛ ألنها
ال تجعل ألحد حق الفرض على اصخرين ما لم تكن هناك جهة تفويض من خارج دائرة الوالية العامة ،وجهة التفويض هذه
هي هللا تعالی.
.٢أشار هللا سبحانه إلى السلطة بعنوان اعم من خالل اصيات القرآنية بحيث تكون السلطة من مصادقيها كاإلمامة والرسالة،
إذ لم يترك هللا تعالى حق اختيار الرسول أو اإلمام بل جعله من مختصات الربوبية ،وعلى األمة أن تطيع وتلتزم بهذا
االختيار ،كما منع القران الكريم التفكير باالختيار حين استخدم لفظة (الجعل في االستخالف واإلمامة) ،وركز على عملية
الجعل هذه جاءت بعد توافر شروط الجعل في المختار من الصبر والقدرة على التحمل وكذلك التسليم والتيقن بالمنهج
الرباني.
.3تناولت اصيات القرآنية موضوع اختيار الحاكم من هللا تعالى دون تأويل أو تحليل ،حيث حصرت عملية الجعل باهلل تعالى
كما جاء في قصة طالوت وجالوت ،عندما تصور الناس بان اختيار الملك هو من لديه الثروة ،وجاء الرد الرباني بان
مواصفات الحاكم هي يستطيع بها اتخاذ القرار وتنفيذه ،ويتصف بالعلم المفضي إلى اختيار األصلح لنمة ،أم المعايير
األخرى كالمال والجاه فهي زائلة ومتغيرة.
17
وعندما ظهر الخالف الفكري حول وجود أهل الحل والعقد ومن هم؟ کون اغلبهم من رجال الدين وأصحاب النفوذ والمنزلة
القريبة من الحاكم ،وهي الظاهرة التي حذر منها الرسول (ص) عندما منع العلماء من التردد على أبواب السلطان لما في
و ذلك من تأثير على قراراتهم ،والمعروف ب(وعاظ السالطين).
ونتيجة صعوبة حل هذه اإلشكالية البعض منهم ألغي شورى أهل الحل والعقد ونادوا بالخيار الثاني هو اختيار األمة
بالطريق المباشر عن طريق االنتخاب.
إال أن البعض اصخر أبقى على شورى أهل الحل والعقد ولكن يتم اختيار الحاكم عبر مرحلتين األولى يتم فيها اختيار أهل
الحل والعقد عن طريق االنتخاب الشعبي المباشر أو االستفتاء أو أية طريقة أخرى ويناط بهذه المجموعة (أهل الحل
والعقد) اختيار الحاكم (السلطة التنفيذية).
وإذا كان دعاة الشورى قد تجاوزوا عقدة أهل الحل والعقد إال أن هذه الطريقة تواجه مشكالت واقعية في الوقت الحاضر
تتطلب إعادة النظر في بعض تفاصيلها ،وهذه المشكالت هي:
اوال :مسألة تمثيل الشعب غير المتجانل دينية ومذهبية ،إذ أن الشوری تفترض في أهل الحل والعقد أن يكونوا مسلمين
لكي يتم اختيار المسلم في السلطة التنفيذية وربما يحصل هذا في بلد غالبيته المطلقة من المسلمين ،أما في بلد تكون فيه
أقليات دينية فال يمكن اعتماد هذه الوسيلة ،الن الشوری ترتكز على اإلسالم أساسا للروابط واالنتماء ،في حين المجتمعات
غير المتجانسة ترتكز على مفهوم المواطنة الذي يتعارض مع مبدأ الشورى اإلسالمي كون المواطنة تقوم على مبدأ
المساواة الحقوقية بين أفراد الشعب وهذا ما ال يقبله بعض إتباع الشوری.
ثانيا :الشورى والتداول السلمي للسلطة ،فالشورى ال تقيد الحاكم بمدة زمنية معينة ،كل ما تفعله الشورى هو تقييد الحاكم
بالوصف وفقدانه لبعض األوصاف يجعل حكومته غير شرعية ،بل أن األمة وعم بمبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مأمورة بتوجيه النصح وعدم الطاعة (إعالن العصيان) ،وبناء على ما ذهب إليه البعض من أن الحاكم تجب له السمع
والطاعة مهما حصل منه من مخالفة ال تصل إلى حد الكفر ،فان حكمه سيكون ابديا ،ألنه من الصعب جدا إثبات كفر الحاكم
مهما فعل .
ثالثا :أن الشورى لم تعد آلية الختيار الحاكم السيما العامة منها ،ألنها بحد ذاتها تحتاج إلى أسلوب لتطبيقها ،ولذا فان
آلية التعبير عنها تعد آلية اختيار السلطة وأصبحت الشوری القاعدة التي ترتكز عليها السلطة.).
ومن خالل العرض السابق يتبين أن االتجاه اإلسالمي العام وان استعمل لفظة الشوری فانه يقترب من االنتخاب ،ويذهب
باتجاه ممارسة األمة لحقها المباشر في اختيار الحاكم اإلسالمي.
ثالثا :انتخاب الهيئة التي تتولى اختيار السلطة :وهي أهل الحل والعقد وقد تم التحديث عنها في موضوع الشورى ،وحاول
بعض أصحاب هذا االتجاه التماس أدلة شرعية عن طريق االنتخاب إذ حصروها باالتي
.1التكليف الشرعي :وفي اإلسالم هنالك مواضيع ترك تحديدها إلى المكلف هذه المواضيع اختيار السلطة ،فاإلسالم وطبقا
ألدلة نقلية وعقلية يذهب إلى وجوب اختيار السلطة التي حددها في عصر انتهاء حكم المعصوم بالوصف دون الشخص
وترك لنمة تحديد مصداق هذا الوصف عند الترشح سواء أكان المرشح واحدا أم جماعة ،وعملية االختيار تتم وفق مبدأ
االنتخاب إذا كان الوسيلة األفضل في تحديد األصلح إلدارة الدولة مع إيمان هؤالء بان االنتخاب وسيلة متغيرة يمكن
التخلي عنها عند اكتشاف وسيلة أخرى تتالءم مع تحقيق هذا الهدف.
.٢البيعة :عدت عند بعض الباحثين الوجه اصخر لالنتخاب إذ أنها تعني إعالن الموافقة على ترشح شخص ما للقيادة،
ولعل في تجربة الخالفة خير دليل على الممارسة العملية لها فضال عن الجذور القرآنية لها ،والشتهار البيعة في عصور
الخالفة وما تالها من السلطة االموية والعباسية علت مصدرا الختيار الحاكم.
ولكن من الواضح أن عملية االختيار تركها اإلسالم لنمة طبقا ألحوالها الزمانية والمكانية وهي من المتغيرات وال تحتاج
إلى أدوات إسالمية سوى كون اختيار األمة للوسيلة مقيد بما ال يتعارض مع ثوابت اإلسالم األساسية ومع هذا ترد على
أسلوب االنتخابات وفق ما طرحه اغلب مفكري اإلسالم المعاصرين لنمور اصتية:
أوال :الشمولية:
ويراد بها شمول أبناء الشعب باالنتخابات إذ تذهب بعض االتجاهات الفكرية اإلسالمية إلى منع المرأة من حق الترشيح
بصورة عامة أو منعها من الترشح لبعض المناصب الحكومية ،فضال من منعها عن االنتخاب وان كان هذا االتجاه بدا
باالنحسار التدريجي بفعل ضغط الواقع وإعادة قراءة الموقف من حق المرأة في المشاركة في االنتخابات بما
يتالءم مع مكانتها االجتماعية والدينية وعطائها العلمي ،كما أن هناك من يحصر االنتخاب بالمسلم دون غيره من أصحاب
الديانات األخرى إذ تذهب إلى اعتماد العقيدة عنصرا للوالء في حين أن االنتخابات تعتمد الجغرافية عنصر الوالء المواطنة)
وان كانت هناك أراء تذهب إلى حق األديان األخرى في اختيار ممثليهم في البرلمان
19
انطالقا من تأكيد الفكر اإلسالمي المعاصر أن االنتخاب تكليف شرعي يتوجب على الفرد المكلف أداؤه في حين أن البعض
يذهب إلى عده حقا له يتمتع باالختيار في القيام به أو االمتناع عنه ،وطبعا للتصور اإلسالمي فان التكليف يتحدد بالنسبة
16-15سنة من عمر اإلنسان ،في حين أن اهليه االنتخاب تحددها اغلب دساتير العالم ب ( )١۸سنة ،وتكون المسالة
أكثر وضوحا في حالة المرأة اذ أن سن البلوغ الشرعي يكون على النصف من سن األهلية القانونية مما يحرم اإلنال من
االنتخابات ما تصل إلى سن ( )١۸سنة .وهذه المفارقة تتطلب حال من الفكر اإلسالمي المعاصر أما بتعادة النظر في سن
التكليف أو سن القوانين التي تسمح الممارسة هذا التكليف في سن أقل من السن القانوني.
ومع اإلقرار بوجود االختالف في الشمولية واألهلية فان االنتخاب في الفكر اإلسالمي المعاصر ال يختلف في جوهره عن
االنتخاب في الديمقراطية الغربية.
ويقصد به طريقة تعيين الحاكم الفعلي الذي يتولى هو اختيار وتعيين باقي السلطات ،والتعيين طبقا لهذا االتجاه نوعان
هما:
.1النص المباشر :وهو الذي شمل الرسالة عند مدرسة الخالفة والرسالة واإلمامة عند مدرسة اإلمامة وهو ما يسمى
بالتعيين الشخصي) أي النص على شخص بوصفه المشهور كما حصل مع الرسول (ص) الذي أشارت إليه الكتب السماوية
السابقة بوصف (احمد) ألنه الموصوف بكثرة الحمد هللا تعالى وهو المحمود أيضا عند السماء.
.٢التعيين بالوصف :وهذا االختيار هو السائد في عصر الغيبة عند الشيعة األمامية وكذلك عند عموم أهل السنة إذ توجد
صفات معينة اشترطها الشارع فيمن يتولى القيادة في األمة اإلسالمية البد من توافرها وتكون األمة مسؤولة عن اختيار
األصلح فيمن تتوافر فيه هذه الصفات ،وهذه الصفات بعضها محل اتفاق كاإلسالم والذكورة والقدرة البدنية والعقلية على
اإلدارة إال أن بعضها مثل االجتهاد في النوازل والقرشية والعدالة محل خالف بين المفكرين المعاصرين .ويطلق عليه
(التعيين النوعي) أي شام" للنوع اإلسالمي ولكن دون تحديد االسم الشخص) تمييزا له عن التعيين الشخصي .وهناك
طريقتان لتحديد انطباق المواصفات على الشخص المرشح لتولى منصب اإلداري في الدولة اإلسالمية هما:
20
أ .التصدي :أي يقوم شخص ما تتوافر فيه هذه الصفات بالتصدي للمهمة وتقبل األمة بهذا التصدي عن طريق التزامها
بتدارته للدولة وهذا موجود في األدبيات الشيعية المعاصرة الشتراطهم الفقاهة في توني القيادة االجتهاد) وغالبا يكون
المتصدي (مرجع) طبقا لنظرية الحسبة أو الوالية العامة للفقيه ويحصل القبول فيه من األمة كما هو مع قيادة اإلمام
الخميني اإليران.
ب .اختيار األمة له -:أما بطريق مباشر وهو االنتخاب أو بطريق غير مباشر بتوسط مجلل يتولى اختيار القائد الديني
السياسي للدولة وحصر الوالية بالفقيه كونها مستمدة من توجيهات األئمة في حال الغيبة الذين أشاروا في عدد من
الروايات إلى مراجعة ذوي االختصاص الفقهي في النوازل المستجدة ألنهم حجج األمام على األمة.
وال بد من بيان أوجه الفرق بين نوعي التعيين النصي اإللهي الشخصي والتعيين النوعي بالوصف كاالتي:
أما المختار من األمة أو المتصدي للقيادة فال تتوافر فيه صفة العصمة وان كانت بعض المدارس اإلسالمية تشترط فيه
ملكة العدالة والتي تمثل الحالة الطبيعية في السلوك واالستثناء هو االبتعاد عن خط العدالة سهوا أو قصورا في الفهم
واإلدراك ،ولكن قد تقع األمة في خطأ التشخيص مما يفقدها عصمة االختيار ،ولهذا وضعت الشريعة اإلسالمية أساليب
لمواجهة انحراف الحاكم أو خطأ اختيار األمة تتضمن النصح والمشورة والعزل عند الضرورة.
• األسوة :ال يمكن عد ممارسة القائد المختار من األمة أسوة يجب االقتداء بها كما هو الحال في االختيار اإللهي (النص)
النتقاء شرط العصمة (عدم الخطأ في التقدير أو التخطيط وان كانت هناك أراء تؤسل لنظرية االقتداء بهؤالء وما يعرف
بالسوابق التاريخية السيما في عصر الخالفة الراشدة.
ثانيا :التعيين البشري :ما زالت بعض األدبيات اإلسالمية المعاصرة تؤمن بوالية العهد ،إذ ذهب البعض إلى القول بان
االختيار يمكن أن يكون من الحاكم ليتولى من بعده إدارة الدولة ،وهذا الرأي ينطلق من قدسية الحاكم وتبعية المحكوم
خالفا للنظرية اإلسالمية التي تقوم على فكرة أن األصل هو اإلنسان والمجتمع وان الحكومة رعاية وتدبير وليل هيمنة
وتسلط فال يصح اختزال إرادة األمة بشخص هو معارض لمبدأ التكريم اإلنساني والتفويض الرباني الذي قامت عليه
المدرسة الخالفة
21
أن الفكر اإلسالمي المعاصر ينظر إلى الديمقراطية من زاوية فلسفية وأخرى إجرائية ،وهو يرفض الزاوية الفلسفية فيها،
ويعتمد في بعض اتجاهاته الزاوية اإلجرائية ،وتقوم فكرة الرفض للبعد الفلسفي للديمقراطية على جملة من المسوغات
هي:
.1أن اإلسالم له رؤيته الفلسفية الخاصة التي تقوم على مركزية اإلنسان في األرض وعبوديته هلل تعالى وان هناك عالقات
متعددة لإلنسان يتحرك في ضوئها تتصف بالحرية في زاوية العالقة مع الناس والطاعة واالنقياد في هللا تعالى (العبودية
والبحث والتفكير وعقلنة األشياء في عالقته مع الطبيعة (التسخير) وحتى حريته في المجال اإلنساني تتحدد بعبوديته هللا
تعالی أي أن هناك حكومة العبودية على الحرية اإلنسانية في مساحات الطاعة خالفا للفلسفة الديمقراطية التي تقوم على
إلوهية اإلنسان.
.٢أن الديمقراطية تقوم على فكرة الفصل بين الدين والدولة ،وتحرير السلطة من الرؤية الدينية ردا على ممارسات
السلطات الثيوقراطية المسيحية في العصور الوسيطة ،ولذا عالقته مع فالديمقراطية لم تكن حيادية إزاء الدين ،بل انحازت
للحرية المطلقة على حساب ثنائية الوجود اإلنساني الروح والجسم).
.3أن الديمقراطية نتاج بيئة وزمان وأوضاع اجتماعية وسياسية مغايرة لواقعنا اإلسالمي األمر الذي يجعلها دخيلة على
الثقافة اإلسالمية كما أنها دخيلة على وعي اإلنساني الشرقي وان محاولة دمجها بالثقافة اإلسالمية تتطلب االعتماد على
العام وترك الخاص شريطة أن يكون العام منسجما الثقافة اإلسالمية.
لهذا اتخذ الفكر اإلسالمي من الديمقراطية مواقف ثالل:
أما االعتبار التاريخي لرفض الديمقراطية فيقوم على فكرة أن اإلسالم ال يخلو من آلية االختيار الحاكم وهي الشورى
المقرونة بالبيعة ،وان هذه اصلية استطاعت أن تحافظ على وحدة األمة وتنتج حكومات مقبولة شعبية على األقل قبل تحول
الخالفة إلى ملك عضوض ،وهذا التبرير يتعارض مع القائلين بان اإلسالم ترك آلية اختيار الحاكم إلى األمة.
كما حاولوا الربط بين آلية االختيار واألوامر اإلسالمية وان العدول عنها إلى طريقة الديمقراطية يمثل ابتعادا عن أوامر
هللا تعالى وقد يدخل اإلنسان في دائرة المحظور الشرعي الذي ينجم عنه عقوبة دنيوية أو أخروية.
أما من حيث الممارسة العملية الديمقراطية في الغرب فقد افرزت مجموعة ما أطلق عليه السيد الشهيد محمد باقر الصدر
ب(مآسي النظام الرأسمالي الديمقراطي والتي يمكن اإلشارة باختصار إلى بعضها:
-1التعارض بين التشريع ومصالح الشعب الواقعية :أن القضية األساسية التي تتمحور حولها الديمقراطية تحقيق مصالح
الشعب األساسية عبر مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات التي ترمي إلى تحقيق تلك الغاية ،ولكن معرفة المصالح الواقعية
22
للشعب قد ال تكون مدركة من الناخب أو المشرع مما قد يؤدي إلى إصدار تشريعات أو القيام بممارسات ال تخدم الشعب
وان كانت أغلبية أعضاء السلطة التشريعية وافقت عليها مما ينجم عنه أضرارا اجتماعية وسلوكية ال تنفع معها حركة
التصحيح كما هو الحال مع قوانين اإلجهاض والزواج المثلي وغيرها من القوانين.
-٢أن الديمقراطية تركز على مبدأ الحرية اإلنسانية كما يزعم منظروها إال أنها تنتهي إلى االستبداد نتيجة هيمنة األكثرية
على األقلية وينعكل ذلك على هيمنة الشعوب الغربية على الدول النامية والتي تفرض سياسات الهيمنة االقتصادية على
هذه الدول مستغلة القدرات واإلمكانات المادية العسكرية التي تتمتع بها.
-٣أن الممارسة الديمقراطية انتهت إلى سيطرة األقلية بدال من األكثرية إذ أن نسب المشاركة في االنتخابات ال تتجاوز في
أحسن األحوال في بعض الدول %٥۰مما يعني النصف و الشعب لم يشارك في االختيار وعندما يفوز مرشح أو حزب ما
فان نسبة مؤيديه تقل عن ٥۰%بنسب معينة مما يعني هيمنة األقلية.
.4أن الشرط األساس لنجاح الديمقراطية هو الرشد الفكري والوعي والبصيرة وهي أمور تكاد تكون مفقودة في أغلب
الناخبين بل أن تأثير اإلعالم ورؤوس األموال على رؤية الناخب تبدو واضحة في أغلب الدول الديمقراطية وبذا تحولت
الديمقراطية إلى ما يعرف ب (ديمقراطية النخبة االقتصادية)
.١رفض اإلكراه فاإلسالم يؤمن بالحرية ويحث المسلم على استخدام عقله في مسار حياته الدنيوية لكيال يكون اسيرا
لنخر إذ العبودية هلل تعالى ،لهذا فاإلسالم يرفض أن يتسلط على الناس حاكما من لم يرضوا به وان طريقة التعبير عن
الرضا هي اصليات الديمقراطية االنتخاب والتداول السلمي للسلطة).
.٢تمسك دعاة هذا الرأي باإلجماع الذي هو مصدر من مصادر استنباط الحكم الشرعي ليكون دليال على القبول
بالديمقراطية من خالل الربط بين اإلجماع وبين إرادة األمة ورغبتها ،ولكن يمكن أن يكون اإلجماع مقاربا لفكرة (أهل
الحل والعقد) التي ن تمثل نخبة األمة الفكرية وليل تعبيرا عن إرادة األمة الن هناك فرق بين سيرة األمة وبين اإلجماع،
فاألول يرتبط بقول األمة ألمر ما ،والثاني يمثل رأي فقهاء األمة في قضية ما.
.٣وحول التعارض الشرعي بين سلطة الشعب في المنظور الديمقراطي وسلطة هللا التشريعية يحاول هذا االتجاه وضع
حال لذلك بالقول أن تكليف النخبة دعوة األمة إلى اإلسالم وخلق الوعي لديها لتقبل به اسلوبا للحياة ومنهجا لتنظيم الدولة
حتى تختار األمة هذه النخبة أو غيرها ممن يمتلك مؤهالت إدارة الدولة إسالميا وفي حالة اختيار الشعب غير اإلسالميين
فان هذا يعكل أما فشل اإلسالميين في مهمتهم ولذا عليهم إعادة النظر في المنهج المعتمد أو أن األمة لم تمنحهم الثقة
23
لفقدان عنصر األهلية لديهم أو أن األمة لم تستجب لهم جهال منها أو مكابرة فال يتحمل التيار اإلسالمي المسؤولية عن
ذلك كما هو الحال في رفض أمم األنبياء االستجابة للدعوى والقبول بها.
وانطالقا من قاعدة جلب المصالح ودفع المفاسد تذهب بعض اصراء إلى القبول بالديمقراطية بالعنوان الثانوي ألنها تجلب
المنافع لكمة عبر مشاركة أبنائها في صنع القرار وتفع حالة االستبداد السياسي والديني وما يرافقه من دكتاتورية تكبل
حركة األمة وتوجهها باتجاه الضعف السياسي واالقتصادي .ومع هذا فان أصحاب هذا التيار يقيدون الديمقراطية بقيد إال
يؤدي األخذ بها إلى تجاوز ثوابت اإلسالم األساسية أو تحليل المحرمات الثابتة في الشريعة اإلسالمية إذا جعلوا دائرة
التشريع الخاصة بالشعب مقتصرة على مساحة المباح في الشريعة ،وإلضفاء القبول الذهني والنفسي على ديمقراطية
ذهب أصحاب هذا االتجاه إلى وصفها في اإلسالمية).
وباإلجمال يمكن القول إن القبول بالديمقراطية دون قيود ال يستقيم مع الرؤية اإلسالمية العامة ال من حيث الفلسفة وال
من حيث اإلجراءات لما بينهما من فوارق جوهرية تتعلق بنظرة اإلسالم الفلسفية من جانب والسعة في مفهوم الشعب في
الرؤية الديمقراطية من جانب آخر.
واستند أصحاب هذا االتجاه على مقولة التعارف التي أمر القران الكريم بها إلثبات حق المسلمين في اقتباس ميزات
اصخرين االيجابية وإعادة دمجها بالثقافة اإلسالمية ومنها الديمقراطية وان اخذ بعض الباحثين مقولة السبق اإلسالمي
في تقرير القواعد التي تقوم عليها الديمقراطية كالحرية والمشاركة السياسية وترك التفاصيل الجتهادات المسلمين وفق
أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور حياتهم زمانا ومكانا وان عملية االقتباس هذه األمور الجزئية يمكن أن تأخذ صفة
اإلسالمية لكونها اقتبست باسم اإلسالم وبتجازته.
وعلى الرغم من غرابة هذا االستنتاج الن إسالمية موضوع ما تحددها الركائز الفكرية اإلسالمية وطريقة االستنباط وليل
عملية االقتباس ،والديمقراطية عندما يحتكم إليها الشعب المسلم ال يعني استنباطها من مصادر التشريع المعتبرة وإنما
تدخل في إطار عملية االحتكاك الحضاري والتأثر باصخر ومحاولة إيجاد بيئة مالئمة لها عبر إزالة مكامن االفتراق عن
الثوابت اإلسالمية منها.
أن عملية الجمع هذه تقوم على أساس االستفادة من ركائز الديمقراطية ومنها المواطنة واإلقرار بالتعددية السياسية وحق
المعارضة والتداول السلمي للسلطة والمراقبة البرلمانية وغيرها طالما أن هذه األمور لم تعد محل خالف مع النظرية
السياسية اإلسالمية.
والديمقراطية استطاعت أن تولد حراكا فكريا في الوسط اإلسالمي يقوم على أساس تحديد والية الحاكم بعد أن كانت غير
محددة بوقت ،وكذلك السماح بوجود األحزاب اإلسالمية بل وذهب بعضهم إلى وجود أحزاب غير إسالمية طالما تلتزم
باألطر العامة لإلسالم ،ولكن هناك من يذهب إلى أن اإلسالم وإن قرر حق االنتخاب للمواطن إال أن هذا الحق لو أسفر عن
انتخاب شخص أو مجموعة غير إسالمية فهو غير مسموح به ،مما يعني أن هذا االتجاه يذهب إلى تقييد ركائز الديمقراطية
بما ال يتعارض مع الثوابت اإلسالمية.
24
والحقيقة أن رؤية المفكرين اإلسالميين من الديمقراطية تراوحت بين المحافظة على الشريعة من اإلهمال أو االستبدال
وبين التخلص من الدكتاتورية واالستبداد وضياع كرامة اإلنسان ولذا تباينت المواقف بين الرافض حفاظا على الشريعة
وحق هللا في التشريع وبين القبول التقييد سلطة الحاكم ومنعه من االستبداد والتسلط دون الفوضى في الموقف اإلسالمي
من حقوق األمة مقابل الحاكم ومدى مطابقة المورول اإلسالمي مع المبادع اإلسالمية العامة .وحتى الذين قبلوا بها على
أنها نسخة مطورة من الشورى ينطلقون من كون الديمقراطية ليست مفهوما عاما بل لها دالالت تختلف حسب رؤية
الشعب وطريقة تطبيق الديمقراطية فال مناص من تبني الديمقراطية وفق البيئة اإلسالمية ومزجها بالثقافة اإلسالمية.
25
يستمد مفهوم الرقابة في االسالم مشروعيته من حق األمة في اختيار الحاكم وفق مبدأ االختيار واعالن النصرة والتأييد
لبرنامجه االجتماعي والسياسي ،وأن مفهوم الرقابة في االسالم شامل لكل مظاهر االنحراف في حركة المجتمع االسالمي
أفرادا ً وجماعات وسلطات أيضا ً.
المبحث األول :الرقابة الشعبية
انطالقا ً من إيمان اإلسالم بأن المسؤولية عامة في المجتمع ،فتن الفكر اإلسالمي المعاصر تناغم مع هذا اإليمان عندما أكد
مشروعية الرقابة الشعبية ،وحاول إيجاد صور لها تمثلت في مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودوره الرقابي
على السلطة.
المطلب األول :األمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يمثل هذا المبدأ إحدى صور الرقابة الشعبية بالمفهوم الحديث وهو الضمانة األساسية للمحافظة على خط المجتمع
اإلسالمي ،سيما وأن هدف الرقابة الشعبية حماية المصلحة العامة وتحقيق العدالة االجتماعية.
وحاولت دراسات إسالمية الربط بين الرقابة الشعبية ونظام الحسبة التطوعي وهو ربط يمكن أن يكون سليما ً في جانبه
اإلجرائي ،ولكنه ليل صحيحا ً من حيث البنية التنظيمية .والرقابة الشعبية عبر هذا المبدأ يمكن أن تكون نتيجة تأثير
منظمات المجتمع المدني أو األحزاب السياسية التي تعمل على خلق رأي عام يراقب ويمنع السلطة من االنحراف .ولكن
تعرض إلى االختزال في مدد زمنية ماضية عندما أصبح محصورا ً في مجال العالقات الفردية دون أن يمتد إلى هذا المبدأ ّ
العالقة مع السلطة السياسية.
ينطلق مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فكرة أن رأي الواحد أقل حصانة من رأي األكثرية ،ولكن لم يترك رأي
األكثرية دون قيود ،بل جعل تحقيق العدالة والتزام القيم محددات أساسية في ممارسة هذا األمر.
أن مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حق للفرد واألمة في حماية نفسها من تجاوزات السلطة السياسية والتي
تعيش في ظل مغريات القوة او المال أو القهر فضالً عن الطبيعة اإلنسانية التي تتحرك احيانا ً في إطار نقصان المعرفة
واعتماد نظرية التعويض عن ذلك النقصان بتيقاع االذى وتجاوز العدالة االجتماعية.
واستعرض اإلسالم السيما في مصدره األساسي (القران الكريم) مغريات السلطة في تاريخ بعض الحكام الى الحد الذي
تجاوز بعضهم حدود اإلنسانية ليصف نفسه بالربوبية وان طاعته مطلقة كما في حالة فرعون والنمرود ،ولذا وضع
اإلسالم مبدأ الرقابة الشعبية أساسا ً لضمان عدم انحراف السلطة أو طريقا ً إلصالح انحرافها .وما دعوات األنبياء
والمرسلين إال لتحقيق غايتين أساسيتين هما إصالح المجتمع عن طريق الدعوة إلى تخلي الحكام عن االستبداد والقهر
للمجتمع ،وتحرير المجتمع من قيود السلطة ليمارس دور الرقابة للتأكد من أن األهداف المرسومة لعمل السلطة قد تمت
فعالً وفق التصورات الشرعية.
حول الحق إلى واجب شرعي إذ أن التخلي عن األمر بالمعروف والنهي عن وبلغ اهتمام اإلسالم بالرقابة الشعبية بأن ّ
المنكر يستتبع عقوبة دنيوية و أخروية .وقد اختلف في نوعية هذا الواجب بأنه فرض كفاية استنادا ً لقوله تعالى "ولتكن
منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" ،إذا أشارت كل التفاسير
اإلسالمية لهذه اصية على أن لفظة منكم يراد منها التبعيض ،فضالً عن أن األمة داخل الجماعة يراد منها جزء من الجماعة.
وال يتعارض األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مبدأ طاعة الحاكم ،ألن البيعة التي تعني نصرة الحاكم في تنفيذ
برنامجه السياسي تتضمن في ذات الوقت االلتزام بأمر هللا تعالى القاضي بالنهي عن المنكر ،فال تعارض بينهما ،بل أحيانا ً
يكون النهي عن المنكر نصرة للحاكم ولنمة هذا أوالً ،ولتقييد طاعة الحاكم كما جاء في الروايات المنسوبة للرسول (ص)
بعدم المعصية ،إذ ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبذلك تكون الطاعة في اإلسالم ليست مطلقة ،بل مشروطة بأن تكون حركة السلطة في إطار الشرع اإلسالمي أوالً ،وأال
تلغي حق األمة في المراقبة واإلشراف على عمل السلطة ثانيا ً.
وهناك َمن ينظر إلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جانبه االجتماعي على أنه ضروري لتحقيق االنسجام بين
النظرية والتطبيق طالما ان هذا المبدأ يمارس وظيفة تطهيرية تمنع من تراكم االخطاء وهو يمثل النقد والنقد الذاتي الذي
26
تتبناه االحزاب السياسية المعاصرة ،وغياب هذا المبدأ يجعل الفاصلة بين النظرية والتطبيق تكبر الى الحد الذي يخرج
التطبيق من دائرة النظرية ويحصل االفتراق بينهما.
وحاول البعض ان يجعل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه ما هو خاص بالعلماء فيما اختصوا بعلمه ،ولكي يكون
هذا المبدأ فعاالً يفترض أال يقف عند حد االنكار ،بل البد من طرح الحلول ،كما ان فاعليته تعتمد على قدرة القائمين به
على استثمار االعالم والصحافة لخلق رأي عام يدفع المسؤولين الى االحجام عن اتخاذ موقف معارض لمطالب الشعب.
وإذا كانت في الماضي تقوم هذه المهمة على أساس اللقاء المباشر مما دفع البعض الى توجيه حديث "أفضل الجهاد كلمة
حق في وجه سلطان جائر" فتن آليات التفعيل يمكن ان تستخدم وسائل االعالم بمختلف اشكالها شريطة ان تكون محكومة
بضوابط الشرع حتى ان الصحافة عدت من أهم الوسائل لتحقيق الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة من خالل التعبير
عن الرأي والنقد ونشر االنباء والمعلومات.
وحتى ال يتم التطرف في استعمال هذا المبدأ فقد وضع الفكر اإلسالمي قواعد عامة لتحديد المعروف والمنكر ،ولعل أهمها
ما وافق الشرع في جعل األمر منكرا ً أو معروفاً ،وان كانت في الدول األخرى غير اإلسالمية اعتمدت ما تسالم عليه العقالء
أو ما حددته القوانين.
واشترط اإلسالم عدة شروط لممارسة هذه المهمة الرقابية-وان كانت من حيث األصل مهمة األمة-وهذه الشروط هي:
العلم وهو شرط سابق على ممارسة هذه الوظيفة ،وهو ينحل أوال إلى العلم بالمسألة كونها معروفا ً أو منكرا ً مما .1
يتطلب من األمة ان تكون مدركة إلحكام اإلسالم ،وثانيا ً العلم القطعي بأن السلطة مارست هذا المنكر.
أال يؤدي القيام بالنهي عن المنكر إلى مفسدة أعظم ،ففي هذه الحالة تسقط هذه الوظيفة. .2
أال يلجأ اصمر أو الناهي إلى البحث والتنقيب والتجسل لمعرفة ارتكاب األمر ،وهذا الشرط تعطيل لدور الصحافة، .3
بل يمكن أن يُعَد شرطا ً نافيا ً للمهمة الرقابية بأكملها ،إذ ال يعقل أن يجاهر الحاكم بارتكاب المنكر أمام األمة ولذا فتن
المتابعة والرصد هما األساس في خلق الوعي أو االدراك بانحراف السلطة عن خط العدالة والقيم اإلسالمية.
اعتماد خطاب عقالني بعيدا ً عن التجريح والتشهير عند المواجهة المباشرة او المواجهة اإلعالمية. .4
أما طرق التغيير ،فقد اعتمد الفكر اإلسالمي المعاصر ما اشار اليه الحديث النبوي الشريف الذي حدد مراتب استخدام األمر
بالمعروف والنهي عن المنكر باستخدام القوة (اليد) ،واإلعالم (اللسان) ،واإلنكار القلبي (المقاطعة).
28
االختصاص توجيه الحاكم وجهة اخرى عن طريق بيان السلبيات المحتملة العتماد مثل هذا القرار او التوجيه ولذلك عدت
الشورى رقابة وقائية تمنع االستبداد وبالرأي والجور.
29
ثانيا ً :المدرسة المؤيدة لوجود األحزاب السياسية
تشدد هذه المدرسة على مسألة وجود األحزاب في المجتمع اإلسالمي؛ الن تكوين االحزاب اإلسالمية واجب شرعي سيما
في هذه المرحلة التي يعاني فيها المجتمع من استبداد الحاكم وسطوته وسلبه لمقومات الحياة اإلنسانية لصالح تعزيز
سلطته .وان هذا الواجب الشرعي يستند الى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،بل أن هذا الموضوع يجب ان يكون من
أولى واجباتها.
كما ترى ان من األحزاب ما هو واجب ،ومنها ما هو محرم وتضع معيارا ً للتفريق بين النوعين يقوم على أساس األهداف
والمنطلقات والوسائل ،فتذا كانت هذه األمور في إطار الشريعة والعقيدة اإلسالمية فهي واجبة ،وان كانت مخالفة فهي
حرام.
وتحاول هذه المدرسة الربط بين وجوب األحزاب ووظيفتها الرقابية من جانب واعتماد القواعد الفقهية في جواز تشكيلها،
كالقول بأنه ال يوجد مانع شرعي من تعدد األحزاب في الدولة االسالمية ،الن األصل هو االباحة ما لم يرد نص يمنع ذلك.
كما ذهبت هذه المدرسة الى استثمار نتائج وجود االحزاب بالقول ان وجودها يمنع من االستبداد والتسلط على رقاب الناس
من قبل الحكومة ولذا فاألحزاب طبقا ً لهذه المدرسة صمام أمان لنمة من استبداد الحاكم ،سيما وان االستبداد السياسي
يؤدي الى الخروج المسلح واراقة الدماء وحصول العداوة مع شيوع النفاق السياسي ،ولذا فتن اعتماد قاعدة سد الذرائع
اساسا ً في مشروعية وجود األحزاب اإلسالمية.
كما ان الحزب المنظم اقوى على المراقبة والنقد من الجهد البشري غير المنظم وأيضا ً أقدر على منع التجاوز وإيقاف
الظلم ،سيما وان وجود االحزاب بتنظيماتها الكبيرة يجعل من الصعوبة على السلطة قهرها او تعطيل حركتها داخل األمة
طالما لها منابرها االعالمية ،وجمهورها المدافع عنها أمام طغيان السلطة.
وذهبت هذه المدرسة إلى القول ان األحزاب وسيلة يتوقف األمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرقابة على وجودها
معززة رأيها بما آل اليه حال المسلمين من رقة الديانة وكثرة االنحراف وضعف الوازع الديني الداعي الى العدل واالنصاف،
فالبد من جهة تمارس هذا الدور ،اذ لم يعد للعلماء مثل هذا الدور كما كان في السابق ولذا تعينّ وجود االحزاب االسالمية
لتقوم بهذه المهمة.
وحاولت هذه المدرسة الرد على اعتراضات المدرسة االخرى بما يعزز مشروعية تشكيل االحزاب ،متهمة تلك المدرسة
بعدم القدرة على مواكبة متغيرات الزمان والمكان وأنها اسيرة تجربة تاريخية وقراءة بشرية احادية لتطبيق االسالم فضالً
عن عدم اعتمادها على قواعد فقهية واصولية لترجيح القبول على الرفض واصفة اياها بأنها مدرسة تحاول الدفاع عن
شخص مقابل أمة ،فهي تهدر كرامة األمة لصالح حاكم فرد انيطت لنمة مهمة اصالح مسيرته سلما ً او عنفا ً في حين ان
القاعدة العامة هو عدم حيادية او المباالة المسلم في حالة الصراع بين الحق والباطل.
وباإلجمال يمكن القول ان مشروعية االحزاب تعد من االمور الضرورية في ظل تنامي استبداد الحاكم وشيوع ثقافة الخنوع
والرضا باالنحراف لدى الشعب ووصف هذه الثقافة باإلسالمية ،وان هذه االحزاب لها وظائف عدة أهمها الوظيفة الرقابية
عندما تشارك في الدولة او عندما تكون في المعارضة.
30
وتتمثل أهمية الرقابة الحزبية بكونها االبرز في تقديم البديل ،فاألحزاب وحدها دون باقي ادوات الرقابة تمتلك رؤية
ومشروع بديل عن مشروع السلطة يتضمن كل جوانب الحياة االجتماعية ،مما يجعلها قادرة على مراقبة العمل الحكومي
ونقده ووضع آليات الحل في حالة انغالق المسار عن تحقيق اهدافه.
والرقابة الحزبية عندما تطرح البديل فتنها تمارس بحكم وظيفتها االساسية التوعية الجماهيرية مما يزيد في حالة واقعية
مشروعها وتأثير خطابها السياسي من خلق حالة المفاصلة الجماهيرية مع السلطة القائمة مما يؤدي الى التعجيل بسقوطها
تخوف الحكومة مما يدفعها الى اصالح الفساد أو االستفادة من برامج االحزاب المعارضة لها في تطوير
وتغيير السلطة أو ّ
آليات العمل الحكومي.
وفاعلية الرقابة الحزبية تتحقق بتوفر شروط عدة منها ان ال تكون الرقابة الحزبية من اجل المعارضة لذاتها ،بل البد من
وجود خلل في االداء والسلوك والمسار الحكومي والعمل على تطويره واصالحه ،الن خلق قناعة لدى الشعب بأن هذه
المعارضة تكون من اجل الوصول الى السلطة يؤدي الى عدم التفاعل معها مما يفقد الرقابة الحزبية فاعليتها التي تقوم
على مدى قدرتها على خلق توازن في القوى لصالح المعارضة سيما في الجانب الجماهيري والذي يمثل الشرط الثاني
لنجاح الرقابة الحزبية في مهمة االصالح والتغيير وهذا يعتمد على نوعية الخطاب الحزبي فكلما المل الخطاب مشاكل
الشعب كانت االستجابة اكبر ،وكلما كانت لغة الخطاب جماهيرية كانت اكثر فاعلية في كسب الجمهور بجانبها.
اما الشرط الثالث لنجاحها فيتمثل في خلق المشروعية الجماهيرية بوجودها ،فالنقد والمطالبة بالتغيير حالة طبيعية في
تكوين االنسان والمجتمع ولكن البد من المواءمة بين وجود الحزب ونظريته من جانب وطبيعة المزاج الجماهيري الثقافي
العام من جانب آخر ،وهذا الشرط يبرر فقدان الكثير من االحزاب السياسية في عالمنا المعاصر جماهيريتها عندما تتحرك
في خط الندية للنظام الثقافي العام كما حصل مع االحزاب الليبرالية والشيوعية في بعض الدول العربية واالسالمية.
ولكي تكون الرقابة الحزبية سواء أكانت داخل العملية الديمقراطية ام خارجها فاعلة عليها االبتعاد عن ما يثير شبهة
الخيانة ،او التآمر او الكفر والخروج عن االسالم والتي هي عادة سالح تستخدمه السلطة الحاكمة االسالمية منها وغيرها
في وصم معارضيها ،ومن اجل تجريد هذا السالح من يد السلطة عليها االتكاء في طرح االفكار والرؤى على آراء العلماء
في مجال الفقه والسياسة وحتى التفسير ،اذ يجب ان ال يغيب عن بال االحزاب المعارضة ان الصراع يدور بين قوة السلطة
وسلطة الشعب ،وان السلطة بما تمتلكه من وسائل التأثير واالغراء المادي والمعنوي أكثر تأثيرا ً من الخطاب الحزبي،
وان قوة المعارضة تقوم على حجم االلتفاف الشعبي حولها.
ان النظام السياسي االسالمي نظام قيمي يعتمد المنظومة االخالقية االسالمية أساسا ً في الضبط االجتماعي والسياسي،
ولذا ال يمكن االعتماد على الكذب او المبالغة في مواجهة السلطة اعالميا ً وجماهيريا ً كما تفعل االحزاب السياسية غير
االسالمية ،اذ ان الغاية خلق مجتمع النقاء والصفاء من ناحية القيم لكي يحل محل مجتمع الفساد او االنحراف الذي
تمارسه السلطة.
وقبل الختام من هذا المبحث البد من االشارة الى قضية الرقابة الحزبية في مجتمع متعدد االديان او المذاهب ،فتن الرأي
يوسع من دائرة الرقابة الحزبية لتشمل هذه االحزاب فيما الذي يسمح بوجود احزاب تمثل التعدديات الدينية والمذهبية ّ
يتعلق بمصالح الفئة او المذهب الديني الذي تمثله انطالقا ً من قاعدة الحرية الدينية المكفولة لمواطني الدولة االسالمية او
من خالل عقود الذمة او دعوة المجادلة التي اوجبها القرآن الكريم في التعامل مع َمن اختلف معك فكريا ً ودينيا ً.
ومن هنا يمكن اجمال القول بأن الرقابة الحزبية تمثل مظهرا ً من مظاهر الرقابة الداخلية لحركة السلطة في االسالم .وان
كانت الحزبية ظاهرة حديثة ،فاإلسالم ال يقف في وجه الظواهر التي يفرزها العقل االنساني اذا كانت منسجمة مع الضابط
العام للحركة المجتمعية .بل ويدعوا الى التواصل المعرفي مع اصخر في مساحة إعمال العقل لتحقيق غايات االسالم
االجتماعية.
كما ان الرقابة الحزبية تعد االكثر فاعلية بالقياس الى باقي انواع الرقابة في االسالم لما لها من قدرة على التأثير في
الوعي السياسي للشعب وقدرتها على استثمار وسائل التواصل الجماهيري بصورة أكثر علمية.
وال يحد الرقابة الحزبية االسالمية إ ّال قيد االخالقية التي تمثل الضابط في حركة السلطة والمعارضة واألمة دون النظر
اليها على أنها حالة نسبية ،بل ان االخالقية تمثل جوهر النظام السياسي واالجتماعي االسالمي.
31
المبحث الثالث :مؤسسات المجتمع المدني ودورها الرقابي
س /ما المقصود بالمجتمع المدني؟
ان مفهوم المجتمع المدني مفهوم واسع ،اذ تعددت التعاريف الى حد التعارض بينها ،ولكن هذا التعارض يمكن حله بتحديد
المصطلح طبقا ً للمراحل الزمنية التي مر بها ،والتي يمكن تحديدها بثالل مراحل هي:
المرحلة االولى:
وفيها كانت المدنية تقابل الطبيعة ،فالمجتمع المدني هو المجتمع الذي يحتكم في حركته الى ارادة الشعب ،مقابل المجتمع
الطبيعي والذي يحتكم الى قوانين الطبيعة .ونجد هذه التفرقة لدى اصحاب نظرية العقد االجتماعي ،دون تحديد مدة زمنية
لبداية او نهاية مرحلة الطبيعة.
وفي ضوء ذلك فان المجتمع المدني كان يطلق على المجتمع السياسي الذي توجد فيه سلطة سياسية وقوانين مستمدة
من ارادة الحاكم او ارادة الشعب حسب طبيعة السلطة وطريقة اختيارها.
المرحلة الثانية
وفيها تم الفصل بين السلطة والمجتمع المدني دون الغاء وصف السياسي على المجتمع المدني ،فهو ساحة للصراع
الطبقي عند كارل ماركل ووسيلة للهيمنة االيديولوجية عند غرامشي.
وفي ضوء هذه المرحلة فتن االحزاب السياسية كانت جزءا ً من المجتمع المدني ألنها اشتركت في اركان المجتمع المدني
من حيث التنظيم والعمل الطوعي وتفضيل المصالح العامة على المصالح الخاصة .وهكذا فقد اصبح المجتمع المدني طبقا ً
لهذه المرحلة يشير الى المجتمع المعارض للسلطة بغض النظر عن طبيعة تلك المعارضة .اذ اصبح يتسع للجماعات
االهلية ومنظمات ذات صفة مهنية واحزاب سياسية.
المرحلة الثالثة:
وهي المرحلة االخيرة في هذا المفهوم والتي تستبعد االحزاب السياسية من مصاديق المجتمع المدني حيث استقر تعريف
المفهوم على إنها التجمعات ذات الصفة الوظيفية التي تمارس وظائف متعددة منها الرقابة على اداء السلطات الرسمية
حتى اصبحت جزءا ً من عملية (التوازن السلطوي) في الدولة ،اذ يعمل على منع الحكام من االستبداد والتفرد واالنحراف
من جانب ،ويعزز من حق األمة في تحديد مصيرها من جانب آخر.
32
ويعززون رؤيتهم هذه باعتماد نظرية المقاصد المحكومة بالقاعدة الكلية العامة "جلب المصالح ودرء المفاسد" ،وان
طرق الجلب والدرء متغيرة بتغير الزمان وربما المكان خاصة وان االسالم في مجال االحكام آمن بقاعدة التدرج في النزول
وما رافقها من نسخ لبعض االحكام استجابة لمصالح معينة او دفعا ً لمفاسد معينة.
وتنطلق دراسات اسالمية اخرى في قبولها للمجتمع المدني من مقولة (الثابت والمتغير) في الشريعة االسالمية ،عندما
قرروا ان المجتمع المدني من الظواهر االجتماعية المتغيرة والمحكومة بالقاعدتين االساسيتين وهما ان المتغير يخضع
في تحديد الموقف منه الى القواعد الكلية االسالمية ومنها قاعدة العبودية هلل تعالى ،وااللتزام بأحكام االسالم القيمية اوالً،
وان االسالم لم يحدد في اغلب الموارد اصليات الموصلة الى الهدف ومنها احقاق الحق واقامة العدالة في المجتمع وهما
غاية وجود السلطة السياسية ،بل ترك لالمة وضع اصليات المناسبة للعمل ،وان منظمات المجتمع المدني تعد من
المتغيرات.
ومع ان الموقف الغالب في الفكر االسالمي المعاصر يؤيد المجتمع المدني وال يرى تعارضا ً بينه وبين االسالم ،نجد ان
تيارا ً فكريا ً من السلفية يحارب كل وافد ثقافي واحيانا ً سلعي أجنبي مهما كان شكله انطالقا ً من الحرص على االصالة
الفكرية االسالمية من جانب واالرتكاز الى مقولة عدم الحاجة الى الوافد الن اسالفنا اقاموا تجربة حياتية كانت خالية من
هذا الوافد االجنبي.
وباإلجمال يمكن القول ان الفكر االسالمي المعاصر يدرك تماما ً ان العالقة بين األمة والسلطة عالقة قائمة على هيمنة قوة
السلطة على ارادة األمة ،ولذلك فتن منظمات المجتمع المدني يمكن ان تحقق نوعين من التوازن احدهما بين الحرية
االنسانية وقوة السلطة ،وتوجيه قوة األمة لمحاربة القوى التي تهدد الحرية المؤطرة اسالمياً ،كما انها أيضا ً تنضوي
تحت عنوان اعادة التوازن بين العبودية هلل تعالى والحرية واالنسانية ألنها سوف تسهم في حصر العبودية باهلل وتحرير
االنسان من القيود البشرية التي حاولت عبر مفهوم الطاعة النظر الى الحرية على أنها عبودية للحاكم.
34
العمل على خلق رأي عام دولي ضاغط يساند الرأي العام الداخلي ،سيما وان حكومات الدول االسالمية تستجيب .5
للضغط الدولي اكثر من استجابتها للضغط الداخلي.
35
بالتوبة هو وذريته ويبقى بعد ذلك عمله باألرض التي امر بالهبوط اليها لعمارتها هو وذريته وليحاسبوا على عملهم فيها
ان خيرا فخير وان شرا فشر.
ثانيا :أقسام الحقوق في اإلسالم
تطرق علماء األصول ألقسام الحقوق عند بحثهم في الحكم الشرعي فقسموا المحكوم فيه باعتبار صاحب الحق
أو المنتفع به الى حقوق هللا المحضة ،وحقوق العبد المحضة ،والحقوق المشتركة وعلى النحو التالي:
-1حق هللا تعالى :وهو امره ونهيه ،وقد شرع هللا تعالى حكمه لمصلحة المجتمع ولم يقصد به نفع فرد بعينه ،واضافته
الى هللا تعالى لعظمته وشمول نفعه ،وتسمى حقوق هللا بالمحرمات التي تعني لغةً ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه ،أو
ما ال يمكن انتهاكه ،وتتسع دائرة حقوق هللا في الشريعة اإلسالمية لتتالقى مع دائرة القانون العام وهي تشمل القانون
الجنائي والقانون المالي ،وتنقسم حقوق هللا بدورها الى أقسام ثالثة هي:
أ .المعتقدات :وهي من المغيبات التي كلف بها االنسان وفي مقدمتها االيمان باهلل وتكون من عنصرين ،معنوي وهو
االعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع ،ومادي وهو العمل الصالح والنافع للمجتمع البشري ،وهما صنوان يكمل أحدهما
االخر ومتالزمان ال ينفرد أحدهما عن األخر.
ب .العبادات :العبادة صلة مستمرة بين العبد وربه ،فكلما كانت هذه الصلة متينة لدى األنسان ،تكون صلته وعالقته مع
اخيه االنسان في تنفيذ التزاماته تجاهه قوية ،والعكل بالعكل ،كما أن الممارسة التعبدية تقوم على الوضوح والتعقل
والمنطق وترفض بشدة الدجل والخرافة واألساطير وتسهم مساهمة فعالة في تحرير األنسان.
ج .العقوبات :هي قرارات دنيوية وأخروية ،تنطبق على كل من يعتدي على حقوق األخرين في حياتهم ومالهم وعرضهم
وسمعتهم ،وتعد العقوبات وسائل عالجية في اإلسالم وتأتي بالدرجة الثانية بعد الوسائل الوقائية وهي األيمان باهلل تعالى
وعبادته.
.2حق الفرد :أي مصالحه ،وتسمى في أصول الفقه اإلسالمي المصالح الضرورية أو مقاصد الشريعة اإلسالمية
الضرورية .وهي حماية الدين والمال والحياة والعرض والعقل ،وحفظها يكون بأمرين أحدهما ما يقيم اركانه ويثبت
قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود ،والثاني ما يدرأ عنها الخلل الواقع أو المتوقع وذلك عبارة عن
مراعاتها من جانب العدم؛ وبذلك تصبح الغاية المتصورة من الناحية اإليجابية تحديدا لما ينبغي ان يكون ،ومن الناحية
السلبية تحديدا لما يجب فعله.
.3حق المجتمع :ما أجتمع فيه الحقان حق هللا وحق الفرد ،وتقسم هذه الحقوق المشتركة الى قسمين األول :ما أجتمع في
الحقان وكان حق هللا هو الغالب ،اي أن يكون حق الجماعة فيه أظهر من حق الفرد ،مثل حق القذف كونه يهدف الى
حماية أعراض الناس ومنع العداء بينهم ،لذلك فهو يحقق مصلحة عامة ،أما الثاني :فهو ما أجتمع فيه الحقان وكان حق
الفرد هو الغالب ،فيكون حق الفرد فيه أظهر ويكون اولى بالرعاية ،مثل القصاص فهو يهدف الى رعاية مشاعر أولياء
الدم فيجوز لولي االمر ان يتنازل عن حقه في القصاص.
بعبارة أخرى " أن أفعال المكلفين أذا كان المقصود بها مصلحة المجتمع عامة ،فحكمها خالص هلل وليل للمكلف فيه
خيار وتنفيذه لولي االمر ،وان كان المقصود بها مصلحة المكلف (الفرد) خاصة ،فحكمها حق خالص للمكلف وله في تنفيذ
الخيار ،وأن كان المقصود بها مصلحة المجتمع فيها أظهر فحق هللا فيها الغالب وحكمها حكم ما هو خالص هلل ،وان كانت
مصلحة المكلف فيها أظهر فحق المكلف فيها الغالب وحكمها كحكم ما هو خالص للمكلف.
يتضح بذلك ان التمييز بين حق هللا وحق الفرد تترتب عليه نتائج عديده أبرزها ان حقوق هللا ال يجوز اسقاطها أمام حقوق
االفراد ،أما حقوق االفراد فيجوز للمكلف اسقاطها ألنه صاحب الحق فيها ،اال ان هذه القاعدة يرد عليها استثناء؛ ألن
هناك حقوقا ً شرعت لمصالح خاصة ،ويقتضي ذلك ان تكون حقوقا للفرد ومع ذلك ال يجوز اسقاطها مثل تحريم هللا تعالى
للربا والسرقة صونا لمال االنسان ،والقتل والجرح صونا لنفسه ،والقذف صونا لعرضه.
االساس الفكري الثالث :التوفيق بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة .
ان االنسان في الحياة الدنيا ال يعيش وحده ،وانما يعيش في مجتمع بشري كبير له حقوق على ابناء دينه ومجتمعه ،وعليه
واجبات تجاههم في اطار ضوابط الشريعة االجتماعية التي يبعث بها هللا االنبياء والمرسلين.
وثمن الحياة المشتركة يتطلب ان يتنازل كل فرد عن جزء من حرياته مقابل عدم حرمان االخرين من حرياتهم وحقوقهم،
فالشرع والقانون والعقل ،كلها ال تبيح ان يتمتع االنسان بالحرية وهو مطلق من كل قيد وشرط ،اي ان يفعل ما يشاء متى
يشاء الن الحرية المطلقة في ممارسة الحق البد ان يتمخض عنها اعتداء على حقوق االخرين وحرياتهم.
من هذا المنطلق جاء سعي التصور االسالمي لحقوق االنسان إليجاد التوازن المطلوب بين الفرد والمجتمع ،فالشريعة
تنظم قضايا حقوق االنسان الخاصة في إطار مصلحة المجتمع او الحقوق العامة لالمة حتى ال تفهم الحقوق الخاصة بعدها
كيانا ً منفصالً عن حقوق االخرين.
38
اما كيف توصل االسالم الى خلق التوازن بين مصلحة الفرد وحقوق الجماعة فيجيب عن ذلك الفكر االسالمي المعاصر
بالتالي:
ان تقرير حق الفرد وحق الجماعة بحكم الشارع جعل حق كل منهما مقرونا ً بالواجب ،بل ان ما هو للفرد أو -1
للجماعة هو في نظر الشارع واجب تكليفي مفروض على أحدهما لآلخر فما هو حق هلل ،وما هو حق للعبد ،وما هو
مشترك بينهما كلها احكام تكليفية وواجبات شرعية ،وهكذا تتوازن الحقوق والواجبات ،بل تتالزم في الشريعة اإلسالمية.
اولوية حق الجماعة :من القواعد االساسية التي تنظم داخلها حقوق االنسان وواجباته واسلوب ممارسته لحرياته -2
العامة هو االلتزام بالمصلحة العامة عند التقاطع بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ،فحيثما تكون المصلحة العامة
يكون شرع هللا ،وال يجوز ان يخل فرد بحرية وحق االخرين ،فال ضرر وال ضرار في االسالم.
احترام الحق الفردي :اذ كان جوهر الفلسفة االسالمية هو المناداة بوضوح بتشريع القوانين التي تضع مصلحة -3
الجماعة فوق مصلحة الفرد ،فان مصلحة الفرد ال تذوب وال تزول عند تحقيق المصلحة الجماعية وذلك الن االسالم ينظر
الى المجتمع على انه مجتمع يتكامل افراده في تحقيق المنافع المشتركة في عدالة اجتماعية ترعى حقوق الفرد وتحميه.
يتضح مما تقدم الميزة االساسية للنظام االسالمي الذي يركز على فهم معنوي للحياة ،والخط العريض في هذا النظام هو
اعتبار الفرد والمجتمع معاً ،وتامين الحياة الفردية واالجتماعية بشكل متوازن فالتشريع االسالمي يضمن حالة توازن
محكمة بين الحق الخاص والحق العام وعند التعارض يقدم الحق.
40
للسرخسي ونظرية المقاصد في (الموافقات) للشاطبي ،والموسوعات الفقهية في الحقوق التي جمعت االنجازات الفقهية
في هذا المجال.
41
يتفق الكثير من المفكرين على ان حقوق االنسان كما وردت في االعالن العالمي لحقوق االنسان ،استمدت اصولها
من المذاهب الفلسفية التي ظهرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر حول الفرد المستقل وعن حقوقه الطبيعية والتي
حددت الغاية من كل مجتمع انساني صيانة الحقوق الثابتة لإلنسان ،تلك الحقوق هي الحرية والتملك والطمأنينة ومقاومة
الظلم ،وقد مثلت تلك األفكار تفسيرا ً وتبريرا ً في الوقت نفسه للنظام الرأسمالي الذي يَعتبر الملكية أساسا ً للنزعة االنسانية
البرجوازية والتي تعني تأكيد ذات االنسان ضد عبودية االقطاع باسم الفردية وضد الكنيسة بأسم حرية التفكير.
وعليه ارتبطت هذه الحقوق بالحرية الفردية لإلنسان الغربي فقط وليل حقوقا ً لكل البشر وان ادّعى الغرب من
يمثله ثقافة عكل ذلك ،كما ان النظرة الفردية قدمت الحقوق الفردية على أي حقوق اخرى تتعلق بالمجتمع أو حق
الشعوب ،وقدمت الحقوق السياسية والمدنية ،التي أصبحت محور دعوتها ،على الحقوق االجتماعية واالقتصادية
التي أهملها فترة طويلة.
وهذا االخالل يعني ذهاب االنسجام بين الفرد والفرد اصخر وهو الظلم الذي يدعو الى الصراع وهو العلة االساسية
في النزاعات التي ان تفاقمت تحولت الى حروب بين الدول والتي تؤدي بدورها الى انتهاك واضح للحقوق االنسانية ،
فما من فرد أو شعب أو حكومة يتجه نحو الواجبات بدون حقوق ،أو حقوق بال واجبات إال فتح بابا ً للظلم ال يغلقه إال
العدل وهذا ما كرسه االسالم من خالل تأكيده على تالزم وتوازن الحقوق والواجبات ،فتعزيز حق الفرد وحق الجماعة
بحكم الشرع يجعل حق كل منهما مقرونا ً بالواجب ،بل ان ما هو حق للفرد أو الجماعة هو في نفل الوقت واجب تكليفي
مفروض على أحدهما لصالح اصخر.
كما يرى االسالم ان هذه الحقوق المحدودة المنصوص عليها في المواثيق أقل شأنا ً وأضعف خطرا ً من ان تخدم
االنسانية بجميع وجوه سلوكها وعالقاتها حتى وان أولت هذه الحقوق تأويالً صحيحا ً وصرفت عن تفسيرها البرجوازي
،بينما نجد ان االسالم فصل الحقوق بشكل يضمن معالجة مختلف قضايا المجتمع بكافة فئاته الجنسية والعمرية بشكل
يضمن االستمرارية لهذه الحقوق لفترات طويلة عكل القوانين الوضعية الغير قابلة ألن تستمر طويالً واليمكنها أن تثبت
للزمن فسرعان ما يبدو خللها وتحتاج الى إصالح ،ويفسر السيد الصدر ذلك انطالقا ً من قصور العقل البشري على أن
يدرك مصالحه الحقيقية وكماالته النفسية خاصة بعد أن أحاطته عدد من المصالح واالنفعاالت التي تطمل الطريق أمامه
الصحيح الى الحق ،باإلضافة الى المشاكل االجتماعية المعقدة والمتشعبة والتي قد تخفى أكثرها على واضعي القانون.
وال يعني ذلك االنتقاص من قدرة االنسان وشخصيته ،إذ تبقى الدعامة األساسية التي اتخذها االسالم لكل ما شرعه
من عقائد ونظم وقوانين هي حري لعام حفاظا ً على العدل في الحركة االجتماعية واالنسانية عموما ً وقوانين هي حرية
الفرد واالعتراف بقدرته على االختيار بملء إرادته دون حاجة الى وسيط أو وصي إال في حاالت نادرة واستثنائية محدودة
تتعلق بفقدان األهلية .
وبتقرير الحرية الفردية تقررت مجمل الحقوق األساسية المرتبطة بكيان االنسان وآدميته وفي مقدمتها حق التعبير
والتفكير وحق البحث والتأمل .
ضعف الضمانات -3
لم يقتصر النقد االسالمي لحقوق االنسان الغربية على أسسها الفلسفية ،بل امتد الى جوانب اخرى فتنتقد على أنها
سلبية وشكلية تعطي المواطن امكانات نظرية دون ان تمكنه من وسائل بلوغها أو تحميه من القهر.
كما ان تحديد وتفصيل الحقوق يقتصر في كثير من األحيان على مبادع عامة مجردة كالحرية والعدالة ومنع التعذيب دون
بيان التقنيات التفصيلية التي تحدد تنفيذها وصيانتها .فعلى سبيل المثال جاء أشهر إعالن لحقوق االنسان في عام 1948
ويتكون من 30مادة خصصت منه مادتين للضمانات لكنهما اتسمتا بالغموض والعمومية فنصت المادة 28على" أن لكل
فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا االعالن تحقيقا ً
تاما ً " وتضمنت المادة 30من نفل االعالن تحذيرا ً " من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها " دون تحديد جزاء
للمخالفة .
ال شك ان عدم تحديد الوسائل لكفالة تمتع االنسان بحقوقه وحرياته يجعل الحقوق خاضعة العتبارات ذاتية ترتبط بمصلحة
الدولة أو حكامها دون النظر الى االعتبارات الموضوعية المتعلقة بتقرار تلك الحقوق والحريات ،وعلى الرغم من
42
محاولة بعض المواثيق والعهود الدولية التي صدرت بعد االعالن العالمي تدارك موضوع الضمانات عن طريق النص على
تشكيل لجان ومحاكم دولية لهذا الغرض ،اال ان الواقع اثبت ازدواجية المعايير في هذه اصليات ومصادرة القانون لصالح
القوي على حساب الضعيف ،ويمكن االلتفاف عليها ،فعلى سبيل المثال كثيرا ما تنتهك نصوص االتفاقيات في الدول
النامية بشكل خاص وتقنن تلك االنتهاكات بوضعها في نصوص تشريعية نحو قانون الطوارع واالحكام العُرفية والمحاكم
االستثنائية وتصبح االستثناءات االصل في تقرير حقوق االنسان ،هذا بخالف ما تقرره الشريعة االسالمية التي اظهرت
التفضيالت لحقوق االنسان في الجانب االيجابي بالتشريع لضامانات هذه الحقوق ،ومن الجانب السلبي يمنع التجاوزات.
ويعد االيمان باهلل تعالى وتقواه اول ضمانات حقوق االنسان المسلم من ناحية تقريرها ومن ناحية انفاذها وتدعيمها
والنضال صجلها ويصبح دفع العدوان واجبا ً شرعيا وتغدو الحقوق واجبات مقدسة ال يحق للمستخلف ان يفرط او يتهاون
فيها ألنها ليست ملكا له بل هلل سبحانه والمطلوب من االنسان التصرف في وظيفة االستخالف وفقأ إلرادة المالك .وفضال
عن السلطة الداخلية االيمانية هناك السلطة الخارجية المتمثلة بقانون العقوبات وفقه الحدود والقصاص والديات
واستقاللية محاكم القضاء الشرعية وهذا ما تكفله اجهزة الدولة مضافا الى حوافز االجر والثواب ورادع العقاب .وتترتب
على المخالفين للشريعة الذين يعتدون على الحرمات وحقوق الغير عقوبات تحول دون ضياع تلك الحقوق ولتحقيق مقاصد
الشريعة في حفظ الوجود االنساني او ما يطلق عليه الضروريات نحو حفظ الحياة وحفظ الدين والعقل والمال والعرض .
وتبقى المستجدات وتطورات الحياة تفرض رؤية تجديدية وتأكيدية لضمانات الحقوق ويدعو بعض الباحثين الفقه االسالمي
بتقرير الحقوق وضمان مصداقية تطبيقها من خالل الرقابة الدستورية على تشريع القوانين والرقابة الوطنية الشاملة
على اداء وسائل االعالم ومنع الدعاية للتعصب والحروب والكراهية والتطرف او اية دعاية أليديولوجيات التطهير العرفي
والمذهبي والديني الرتباط ذلك كلة بحق الحياة وال بد من تأسيل وتطبيق وتطوير الحقوق في الفكر والدين والمذهب
واالتجاه السياسي والبد من الممازجة بين الحقوق والوعي والتقنيات والهاجل االنساني والتدريب والعقالنية.
43
الناس بعضهم على البعض وحفظ حرية الناس والدفاع عن الدولة فحسب بل يصبح هدفها االسمى هو نظام العدالة
االجتماعية الذي جاءت به الشريعة.
اما من ناحية الغاية :فان حقوق االنسان في الرؤية االسالمية ترتبط بالغاية الكبرى من مقصود التشريع االسالمي وهي
تحقيق عبودية الخلق هلل عز وجل وحفظ مقاصد الشريعة ،في حين ان غاية الرؤية الغربية ترتبط بتحقيق االهداف والقيم
الغربية والتي تختص بها طبقات او شعوب معينة ،كما ان التشريع الغربي أهمل في كثير من االحوال حقوق الشعوب غير
الغربية مما يجعل واقع حقوق االنسان في النظرية الديمقراطية الغربية حقوق االنسان الغربي فقط ،وحقوق من تتركز
لديه الثروة والقدرة المادية وليست حقوقا ً شاملة لكل الناس وان ادعى منظرو الفكر الغربي غير ذلك.
ومن المآخذ االخرى التي يؤشرها الفكر االسالمي المعاصر على التصور الغربي لحقوق االنسان ،ان جملة الحقوق
والحريات الغربية شكلية وسلبية تعطي لإلنسان امكانات نظرية من دون ان تمكنه من وسائل بلوغها ،وال شك ان ال قيمة
لحق ال يتمكن صاحبه من التمتع به وال قيمة له اذا لم تتوافر له ضمانات تحميه من االنتهاك فمن حق االنسان الغربي ان
يفكر ويعبر ويمتلك ،ولكن في الواقع ال يتمكن من ذلك طالما ان السلطة الثروة والثقافة تمتلكها فئة محدودة من المواطنين،
المساوين له نظريا ً في تلك الحقوق.
وفضالً عن ذلك فان التنظير الغربي لحقوق االنسان يقتصر في كثير من االحيان على مبادي عامة مجردة تستند الى مفهوم
الحرية ومفهوم العدالة والمساواة واصخاء من دون بيان التقنيات التفصيلية التي توضح هذه المفاهيم ،اي انها تعاني
نقصا ً وغموضا ً في االسل والمفاهيم بينما فصلت الحقوق في االسالم بغاية الوضوح فجاءت النصوص الشرعية في
القرآن الكريم والسنة النبوية محددة للحقوق محرمة لتجاوزها وانتهاكها ،مثل تحريم القتل لحفظ الحياة االنسانية ،ووجوب
الجهاد إلزالة االستبداد وعبودية االنسان لإلنسان ،وتحريم القذف حماية لنعراض والكرامات ،و تحريم الربا واالحتكار
لضمان ممارسة حق الكسب الحالل.
اما من ناحية الخصائص :فان المفهوم االسالمي للحقوق يختلف عن المفهوم الغربي الذي اهمل ،وبسبب تركيزه في
حقوق الفرد ،جزءا ً كبيرا ً من واجبات الفرد لمجتمعه ،بينما يجعل االسالم حقوق الفرد من واجبات االخرين على الصعيد
الفردي والمجتمعي فاإلنسان في االسالم مستخلف عن هللا وضمن عهد االستخالف تتنزل جملة حقوقه وواجباته ويجري
التالزم والتوفيق بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة اذ قد تضمن كل حق للفرد حقا ً للجماعة مع اولوية حق الجماعة
كلما حدل التصادم وهذا التوازن هو الحلقة المفقودة التي تفقد العالم الغربي روح التطبيق الحقيقي لحقوق االنسان على
كل االصعدة فضالً عما تقدم فالحقوق في االسالم تصبح في الوقت نفسه تكاليف يتحملها المسلم ،فعلى سبيل المثال هناك
ربط بين حق ابداء الرأي وبين ما يجب على المسلم القيام به من واجب االمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يستشعر
قيام أمر مخالف للشرع ومقارنة مع الفهم الغربي لحرية الرأي فانه يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالحرية الشخصية التي تدفع
المرء الى تبنيه أو رفضه.
من جهة اخرى فحتى لو كانت معظم الدساتير الغربية قد نصت على كفالة حرية الرأي للمواطن ،لكن هذه الحرية مقيدة
على صعيد الواقع بقيدين:
يتمثل االول منها بسيطرة االحتكارات الرأسمالية الكبرى على وسائل االعالم وقدرتها على توجيه االعالم والتحكم في
مصادر االخبار والمعلومات.
اما الثاني فيتعلق بالقيود التي تفرضها الدولة بحجة عدم االعتداء على حريات االخرين والمحافظة على االمن الداخلي
والتي غالبا ً ما تستخدم ذريعة للحد من قدرة االفراد على التعبير عن آرائهم.
ان تلك الفروق ال تلغي أرا ًء اخرى في الفكر االسالمي ترى بأن الرؤية الغربية لحقوق االنسان ال تختلف عن المنظور
االسالمي لها :اذ يوجد تشابه بين الجانبين ،وان اختلفت المسميات ،فالحقوق الطبيعية المستندة الى القانون الطبيعي في
الغرب هي نفسها الحقوق الشرعية في االسالم "فما يسميه الغرب بالقانون الطبيعي ال يختلف عن مضمون اإلسالم قانون
هللا الدائم لكل البشرية والذي يعلو على ما عداه ".
ويقدم بعض الباحثين تعليالً لهذا التشابه يرتكز على ما يسمى في علم االنثروبولوجيا باالتصال الحضاري ،وكانت الحروب
الصليبية هي المعبر النتقال مبادع حقوق االنسان في االسالم الى اوربا المسيحية ،اذ دفعت المفكرين والباحثين وحتى
44
بعض رجال الكنيسة الى الدعوة لتمكين حقوق االنسان في المجتمعات االوربية في وقت كانت ترزح تحت نير الحلف
الثالثي الظالم (العرش ،االقطاع ،االكليروس)
ويخمن احد الباحثين بان فقهاء القانون الطبيعي قد اقتبسوا ،من المسلمين في مضمونه اثناء احتكاكهم الثقافي والحضاري
في االندلل.
ولم يغفل اصحاب هذا الرأي مسالة ان الحقوق الغربية قائمة على اساس علماني وأنها لم تكن مستندة الى العبودية
االنسانية هلل تعالى ولم تتمسك بقيم وتعاليم االنبياء والمرسلين وخصوصا ً تعاليم دين اإلسالم ،ومع ذلك تظل هذه الحقوق
مشابهة لحقوق االنسان في اإلسالم ،فال نجد حقا ً جديدا ً اتى به االعالن العالمي لحقوق االنسان زيادة على ما جاء به
االسالم مع امتياز الممارسة االسالمية بانها ممارسة رائعة يمكن ان تشكل انموذجا ً بشريا ً لالقتداء به في هذا المجال.
وطبقا ً ألصحاب هذا الرأي فان االسالم ال يتعارض مع الرؤية الغربية لحقوق االنسان سوى انها تستند الى اساس علماني
في السلوك العملي لها ،ومن ثم فهي تمثل صورة اسالمية عادت الينا بدعوة غربية او هي " بضاعتنا ردت الينا "
ويرى البعض بان" التأسيل لحقوق االنسان الذي قام به فالسفة اوربا في العصر الحديث يتجاوز الخصوصيات الثقافية
وذلك التأسيل يرجع حقوق االنسان الى البداية الى ما قبل كل حضارة او ثقافة ومن ثم يصل الى عالمية الحقوق االنسانية
عالمية االعالن العالمي الذي يمثل وجهة نظر ثقافية أخرى.
يتضح مما تقدم ان الفكر االسالمي المعاصر يؤمن بأسبقية االسالم من المذاهب الفكرية االخرى في تقرير حقوق االنسان
وحرياته ،كما أنه يتصف بالواقعية والعملية اذ لم يترك تلك الحقوق لرغبة االفراد والحكومات ،وانما جعلها فروضا ً تدخل
في أطار التكاليف اإللهية ،ورتب عليها مسؤوليات دينية وأخروية ،كما يؤمن أيضا ً بأن هذه الحقوق تختلف عن الحقوق
بالمفهوم الغربي من ناحية أذ االخيرة نتاج ذهن بشري ،في حين ان الحقوق بالمفهوم االسالمي ذات طابع إلهي مقدس.
45