Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 45

‫الفصل األول‪ :‬الدولة في الفكر اإلسالمي المعاصر‬

‫أن الحديث عن الدولة اخذ في جانب منه يتمحور حول اإلجابة عن تساؤل مهم وأساسي هو‪ :‬هل يؤمن اإلسالم‬
‫بوجود الدولة؟‬
‫ولإلجابة عن هذا التساؤل هنالك تياران‪ :‬األول أنكر وجود دولة في اإلسالم بكل ما تعني الدولة من اطر قانونية مؤسساتية‬
‫أو عناصر ومقومات طبيعية وقدم أدلة على ذلك‪ ،‬والتيار الثاني‪ :‬أكد على وجود الدولة في اإلسالم مقدما ً أدلة وبراهين‬
‫على ذلك‪ .‬وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬التيار الرافض لوجود الدولة‪:‬‬


‫ينطلق هذا التيار م ن فهمه للعقيدة اإلسالمية‪ ،‬ومن دراسة التجربة اإلسالمية في الحكم ليعزز رأيه الرافض لوجود دولة‬
‫إسالمية‪ ،‬ومن أدلته‪:‬‬

‫ينطلقون أصحاب هذا التيار من فهم عقائدي ورؤية خاصة لقضية اإليمان في اإلسالم مفادها أن اإليمان‬ ‫‪.1‬‬
‫هو تجربة شخصية قائمة على االعتقاد والتسليم وانه ال ينطوي على بُعد مجتمعي حتى يحتاج إلى الدولة إلجرائه أو‬
‫تنظيمه‪ ،‬ابرز ممثلي هذا االتجاه هو الشيخ (علي عبد الرازق) مؤكدا ً أن القران الكريم وضح بأن الرسول "ص" لم يكن‬
‫له حق على األمة غير حق الرسالة ولم يكن له شأن في الملك السياسي‪ ،‬ويستشهد بعدة آيات قرآنية كقوله تعالى " وما‬
‫أرسلناك عليهم وكيالً " و" وما أرسلناك إال مبشرا ً ونذيرا ً " و" فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"‪.‬‬
‫يستندون إلى الدليل القرآني مؤكدين أن القران الكريم قد خال من أية إشارة إلى الدولة لفظا ً أو مفهوماً‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أن الدين عبارة عن حقائق خالدة ال تتغير‪ ،‬بينما الدولة تنظيم يخضع لعوامل التطور والتحول الدائم‪ ،‬كما‬ ‫‪.3‬‬
‫أن الدين مقدس ومنزه من الخطأ فعندما يتم تحويله إلى دولة فسوف تسلب منه القداسة؛ الن الدولة عند ممارسة السلطة‬
‫فهي البد أن تتالزم مع الخطأ سواء أكان عمدا ً أو سهواً‪ ،‬وهذا يعني بالنتيجة أما إضفاء القداسة على الخطأ أو سلب‬
‫القداسة من الدين وهو أمر يتعارض مع فكرة قدسية الدين ‪.‬‬
‫يستند هذا التيار للتاريخ ليتشهد به ويثبت فشل الحكومات التي حكمت باسم الدين‪ ،‬وان ادعى رجالها‬ ‫‪.4‬‬
‫أنهم يطبقون التعاليم الدينية والكتب المقدسة‪ ،‬والتأكيد على أن التاريخ يبين أن الحكومات الدينية تقوم على أساس من‬
‫الطاعة العمياء فهي ال تفسر وجودها بأكثر من أنها ظل "هللا" في األرض‪ ،‬وهذا يعني أن الحكومة الدينية في اغلب‬
‫حاالتها تنتج دولة فوضى ألنها تلغي دور المواطن فيها وتنقل مفهوم العبودية من العالقة مع "هللا" إلى العالقة مع الحاكم‬
‫ولو مجازا ً ‪.‬‬
‫الشك أن في اإلسالم أحكام البد من إجراءها في المجتمع‪ ،‬وان احد وظائف الدولة تطبيق هذه األحكام‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ولو أن األمة اتفقت على أجرائها دون الحاجة إلى وجود الدولة النتفت فكرة وجود الدولة في اإلسالم ‪.‬‬

‫التقييم للموقف الرافض لوجود الدولة‬

‫الدليل األول يقوم على أساس الربط بين وظيفة الدولة وبين وجودها‪ ،‬وهو صحيح لو كانت الوظيفة‬ ‫•‬
‫مختصرة بالتبشير والتنذير‪ ،‬إال أنها أعظم من ذلك بكثير‪ ،‬باإلضافة لذلك أن اإليمان واالعتقاد باهلل وإن كان شيء فردي‬
‫وشخصي إال انه يستلزم تحمل المسؤوليات االجتماعية كالزكاة والحج والصوم‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫والجهاد‪ ،‬وباقي المسؤوليات اإلسالمية وهذه أمور تتطلب وجود دولة‪.‬‬
‫بهذا الطرح فصل التيار الرافض لوجود الدولة بين البعد الفردي واالجتماعي‪ ،‬فاإلسالم يتضمن أحكام‬ ‫•‬
‫فردية ال حاجة للدولة لتنفيذها‪ ،‬وأحكام مجتمعية تحتاج إلى وجود الدولة‪ ،‬وإمكانية إقامة األحكام الفردية ال يعني عدم‬
‫إقامة األحكام المجتمعية‪.‬‬
‫إذا كان اإليمان باإلسالم قضية عقلية فردية‪ ،‬فان هذا االلتزام يفرض على المؤمن واجبات ذات طابع‬ ‫•‬
‫مجتمعي‪ ،‬ومن هنا تنبع الحاجة للدولة إلقامة البعد المجتمعي وتفسيره وتطبيق أحكام اإلسالم في المجاالت المختلفة‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا الفهم يرى البعض ضرورة أن يتوجه السؤال عن حقيقة سياسة اإلسالم وقدرته على حل‬ ‫•‬
‫مشكالت األمة في العصر الراهن بدالً من البحث في قضية ُيعتقد أنها من بديهيات اإلسالم وهي الدولة اإلسالمية وهذا ما‬
‫يطرحه أنصار التيار الثاني في المحاضرة القادمة أن شاء هللا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ثانياً‪ :‬التيار المؤمن بوجود دولة في اإلسالم‬

‫يؤؤؤمن أنصؤؤار هؤؤذا التيؤؤار بؤؤأن الدولؤؤة واجبؤؤة وليسؤؤت جؤؤائزة فؤؤتذا لؤؤم تقؤؤم فؤؤان األمؤؤة تكؤؤون مسؤؤؤولة عؤؤن عؤؤدم‬
‫قيامهؤؤا بتنشؤؤاء الدولؤؤة‪ ،‬كمؤؤا أن الجمؤؤع بؤؤين مصؤؤالح الؤؤدنيا واصخؤؤرة هؤؤو أصؤؤل مؤؤن أصؤؤول اإلسؤؤالم‪ ،‬أي ال عزلؤؤة بؤؤين‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬أما األدلة التي يقدمها فهي على بعدين أساسيين‪:‬‬

‫❖ البعد النظري‪ :‬وينطوي بدوره على عناوين عدة أبرزها‪:‬‬


‫‪ .1‬أن القؤؤران الكؤؤريم تحؤؤدل عؤؤن السؤؤلطة هبعؤؤدها المفهؤؤوم األساسؤؤي للدولؤؤة ألنهؤؤا البعؤؤد المتغيؤؤر تحؤؤت عنؤؤوان‬
‫الواليؤؤة كمؤؤا فؤؤي قولؤؤه تعؤؤالى " وأطيعؤؤوا هللا وأطيعؤؤوا الرسؤؤول وأولؤؤي األمؤؤر مؤؤنكم "‪ ،‬كمؤؤا حؤؤدد موقفؤؤه مؤؤن بعؤؤض‬
‫الؤؤنظم السياسؤؤية القائمؤؤة بطريقؤؤة ابتعؤؤد فيهؤؤا عؤؤن شخصؤؤية الحؤؤاكم وركؤؤز علؤؤى سياسؤؤته وانعكاسؤؤاتها علؤؤى الشؤؤعب‬
‫أو األمؤؤة‪ ،‬رافضؤؤا ً التمييؤؤز علؤؤى أسؤؤاس العؤؤرق أو الؤؤدينا كمؤؤا رفؤؤض السياسؤؤة العدوانيؤؤة لفرعؤؤون تجؤؤاه طائفؤؤة مؤؤن‬
‫األمؤؤة‪ ،‬كمؤؤؤا ربؤؤط فؤؤؤي بعؤؤض اصيؤؤؤات القرآنيؤؤة بؤؤؤين نتيجؤؤة السياسؤؤؤة المتبعؤؤة والوضؤؤؤع االقتصؤؤادي‪ ،‬فؤؤؤالظلم يمثؤؤؤل‬
‫عنصؤؤرا ً مؤؤن عناصؤؤر التؤؤدهور المعيشؤؤي لنمؤؤم‪ ،‬كمؤؤا أن القؤؤران تحؤؤدل عؤؤن طبيعؤؤة العالقؤؤة بؤؤين الحؤؤاكم والشؤؤعب‬
‫دون أن يبؤؤين موقؤؤف الؤؤرفض مؤؤن قيؤؤام الدولؤؤة‪ ،‬كمؤؤا هؤؤو الحؤؤال فؤؤي قضؤؤية ملكؤؤة سؤؤبأ وموقفهؤؤا مؤؤن دعؤؤوة سؤؤليمان‬
‫"عليه السالم" وكيفية إدارتها‪.‬‬
‫‪ .2‬تعؤؤد الدولؤؤة المظهؤؤر األسؤؤمى لتوحؤؤد األمؤؤة اإلسؤؤالمية والتؤؤي سؤؤعى اإلسؤؤالم إليهؤؤا وحؤؤث علؤؤى تحقيقهؤؤا لمؤؤا‬
‫للدولة من قابلية للدفاع عن وحدة األمة ومواجهة محاوالت تفرقتها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬أن اإلسؤؤالم ال يعنؤؤى بشؤؤؤون اصخؤؤرة فقؤؤط وإنمؤؤا يعنؤؤى كؤؤذلك بشؤؤؤون الؤؤدنيا‪ ،‬وكؤؤان طبيعيؤؤا أن يهؤؤتم بالدولؤؤة‬
‫إلؤؤى جانؤؤب عنايتؤؤه بشؤؤؤون الؤؤدين‪ ،‬فقؤؤد جؤؤاء اإلسؤؤالم بشؤؤريعة وأحكؤؤام قانونيؤؤة تؤؤنظم شؤؤؤون الؤؤدنيا مؤؤن أحكؤؤام مدنيؤؤة‬
‫وجنائية وأحوال شخصية‪ ،‬ولذلك البد من قيام دولة وحكومة تعنى بتنفيذ أحكام الشريعة‪.‬‬
‫‪ .4‬اشؤؤتملت الشؤؤريعة واألحكؤؤام القانونيؤؤة التؤؤي جؤؤاء بهؤؤا اإلسؤؤالم علؤؤى قواعؤؤد ومبؤؤادع عامؤؤة تتعلؤؤق بشؤؤؤون‬
‫الحكم وتصلح لكل زمان ومكان كمبادع الشورى والعدل والحرية والمساواة والتعاون‪.‬‬
‫‪.5‬‬
‫❖ البعد العملي‪ :‬تعد الدولة من الضروريات العقلية واالجتماعية ويتم التأكيد عليها من خالل‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الرسؤؤؤول األكؤؤؤرم (ص) أقؤؤؤام دولؤؤؤة فؤؤؤي المدينؤؤؤة المنؤؤؤورة وان افتقؤؤؤرت إلؤؤؤى األجهؤؤؤزة الخاصؤؤؤة بالدولؤؤؤة‬
‫الحديثؤؤة؛ الن الدولؤؤة ظؤؤاهرة اجتماعيؤؤة تتطؤؤور وتتعقؤؤد طبقؤؤا ً للتطؤؤور العلمؤؤي واالقتصؤؤادي واالجتمؤؤاعي ألفرادهؤؤا‪،‬‬
‫وقؤؤد وضؤؤع الرسؤؤول "الخطؤؤوط العريضؤؤة للدولؤؤة اإلسؤؤالمية مؤؤن نظؤؤام جزائؤؤي ونظؤؤام قؤؤانوني وأنظمؤؤة عسؤؤكرية‬
‫وإدارية وهذه األنظمة كانت تنطوي على نواة أو جذور الدولة ومالئمتها مع ظروف البيئة المتغيرة ‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كانؤؤت البيعؤؤة تمثؤؤل عنؤؤوان الؤؤوالء للدولؤؤة مؤؤن حيؤؤث االلتؤؤزام بؤؤالقوانين والؤؤدفاع عؤؤن الدولؤؤة عنؤؤد تعرضؤؤها‬
‫للعؤؤدوان‪ ،‬فؤؤان البيعؤؤة تعؤؤد المقؤؤوم األول لدولؤؤة الرسؤؤول "ص" فضؤؤالً عؤؤن الشؤؤورى التؤؤي يعؤؤدها الؤؤبعض مقؤؤوم‬
‫ثاني وفق تفسيرهم صيتي الشورى في القران الكريم‪.‬‬
‫‪ .3‬يسؤؤتعرض أنصؤؤار هؤؤذا التيؤؤار األعمؤؤال السياسؤؤية التؤؤي قؤؤام بهؤؤا الرسؤؤول "ص" والتؤؤي تعؤؤد مؤؤن ابؤؤرز مهؤؤام‬
‫الدولة؛‬
‫• منها عقد وثيقة المدينة التي تعد أول دستور للحكومة اإلسالمية‪.‬‬
‫• جهز الجيوش وبعث البعثات العسكرية إلى مختلف المناطق في الجزيرة العربية‪ ،‬وقاتل المشركين‪.‬‬
‫• بعث السفراء والمندوبين السياسيين إلى الملوك والزعماء‪.‬‬
‫• نصب القضاة وعين الوالة وأعطاهم برامج لإلدارة السياسية‪.‬‬
‫• عمل على جباية الضرائب اإلسالمية كالخراج والزكاة وإنفاقها على مستحقيها‪.‬‬
‫• فصل في الحقوق بين الناس وحل مشاكلهم‬
‫‪ .4‬وعليؤؤؤه يوصؤؤؤف الرسؤؤؤول "ص" بأنؤؤؤه أول رئؤؤؤيل للدولؤؤؤة اإلسؤؤؤالمية فجمؤؤؤع برئاسؤؤؤة الدولؤؤؤة بؤؤؤين صؤؤؤفتين؛‬
‫أولهمؤؤؤا صؤؤؤفة الرسؤؤؤول والثانيؤؤؤة صؤؤؤفة الحؤؤؤاكم الؤؤؤذي يؤؤؤرأس الدولؤؤؤة ويؤؤؤديرها ويعقؤؤؤد الصؤؤؤلح ويبؤؤؤرم المعاهؤؤؤدات‬
‫ويصرف الشؤون اإلدارية والمالية والسياسية‪.‬‬
‫❖ وعنؤؤد التؤؤرجيح بؤؤين التيؤؤارين السؤؤابقين‪ ،‬نجؤؤد أن التيؤؤار الثؤؤاني هؤؤو االوفؤؤق فؤؤي تحديؤؤد فهؤؤم مؤؤراد اإلسؤؤالم‬
‫من الدولة‪ ،‬الن اإلسالم يحدد نوعين من المسؤوليات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬المسؤولية الفردية والتي ترتبط بالتكاليف الفردية‬

‫‪2‬‬
‫الثانيؤؤؤة‪ :‬المسؤؤؤؤولية الجماعيؤؤؤة ذات األبعؤؤؤاد السياسؤؤؤية كالؤؤؤدفاع عؤؤؤن األمؤؤؤة وطريقؤؤؤة توزيؤؤؤع الثؤؤؤروة والتكافؤؤؤل‬
‫االجتماعي وغيرها من التكاليف‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم الدولة‬


‫تعرف الدولة اإلسؤالمية بأنها " قوة مقيدة التصؤرف بالشؤرع ووسؤيلة ضؤرورية دائميه توجدها األمة لتنفيذ أحكام الشؤرع‬
‫في المجتمع الذي تحكمه أفرادا ً وجماعات وتحمل الدعوة اإلسؤالمية إلى العالم"‪ ،‬كما تعرف بأنها " تجمع بشؤري مرتبط‬
‫بتقليم يسؤوده نظام سؤياسؤي وقانوني موجه لمصؤلحتهم المشؤتركة وتحرص على المحافظة على هذا التجمع سؤلطة مزودة‬
‫بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة "‪.‬‬

‫عناصر الدولة اإلسالمية‬


‫العنصر األول‪ :‬اإلقليم‬

‫لم يبحث الفقهاء موضؤوع ارض الدولة إال في إطار العالقة مع اصخر تحت عنوان دار اإلسؤالم‪ ،‬ففي زمن الرسؤول‬
‫"ص" وما بعده‪ ،‬حيث كانت األمة كلها في دولة واحدة‪ ،‬في تلك الحالة كانت دار اإلسؤؤالم هي ارض الدولة وارض األمة‬
‫أيضاً‪ ،‬والكل يشكل سيادة واحدة وال يمكن وضع حدود جغرافية لها من جهة ارتباطها بنمو األمة واتساعها‪.‬‬

‫❖ حدود الدولة اإلسالمية‬


‫أما في الوقت الحاضر فانه يمكن تصور مجموعة من الحاالت ألرض الدولة اإلسالمية‪:‬‬
‫أ‪ -‬التطابق بين الدولة واألمة وهذه الحالة صعبة التحقيق اصن في ظل األوضاع الدولية وتشتت المسلمين في بقاع‬
‫مختلفة من األرض‪.‬‬
‫ب‪ -‬توزع األرض الخاصة باألمة اإلسالمية إلى دول متعددة كما هو حاصل اصن‪.‬‬
‫ج‪ -‬وجود ارض إسالمية محتلة أو مسلوبة من قبل غير المسلمين‪.‬‬
‫د‪ -‬وجود ارض يقطنها غالبية مسلمة ولكنها جزء من دولة غير إسالمية ‪.‬‬
‫ولؤذا يمكن القول أن التطؤابق بين األرض واألمؤة لم يعؤد لؤه وجود في الواقع‪ ،‬فؤالؤدولؤة ترتبط بؤاألرض‪ ،‬واألمؤة ترتبط‬
‫بالعقيدة وما زال يتردد في اغلب الفكر اإلسؤالمي المعاصؤر نظرية الحدود المرنة‪ ،‬الن الدولة اإلسؤالمية ال تعرف بنفسؤها‬
‫بحدود ألنها قائمة على أسؤؤاس فكري‪ ،‬والفكر يتوسؤؤع طبقا ً صليات انتشؤؤاره ولذلك يرفض البعض فكرة الحدود الجغرافية‬
‫والواقع الذي تعيشؤه البلدان اإلسؤالمية من قيام الحدود السؤياسؤية الحالية ويقول احد اإلسؤالميين" الظروف والضؤرورة‬
‫هي التي جعلت من الشؤريعة اإلسؤالمية إقليمية وان كانت الشؤريعة في أصؤلها عالمية "‪ ،‬وعليه يرفض بعض اإلسؤالميين‬
‫فكرة الحدود الجغرافية والواقع الذي تعيشه البلدان اإلسالمية من قيام الحدود السياسية الحالية‪.‬‬

‫❖ شكل الدولة اإلسالمية‬


‫وفي هذا اإلطار طرحت نظريات عديدة حول شؤؤؤكل الدولة اإلسؤؤؤالمية منها نظرية الدولة البسؤؤؤيطة على اعتبار أن‬
‫الدولة هي المظهر السؤياسؤي لوحدة األمة‪ ،‬مع التأكيد على عدم وجود ما يمنع شؤرعا ً من اإلدارة الالمركزية شؤريطة أن ال‬
‫يصؤؤؤل إلى االسؤؤؤتقالل السؤؤؤياسؤؤؤي‪ ،‬والنظرية الثانية تؤمن بالتعدد أي يمكن أن تكون دول متعددة وليل دولة واحدة‪ ،‬أما‬
‫النظرية الثالثة فترى أن اإلسؤالم لم يحدد شؤكل معينا ً للدولة اإلسؤالمية‪ ،‬وان مسؤألة شؤكلها من المواضؤيع المتغيرة‪ ،‬تركها‬
‫اإلسؤالم لنمة لتحدد شؤكلها المناسؤب للظروف االجتماعية والسؤياسؤية لنمة ولكنه جعل التحديد خاضؤعا ً لعوامل عدة هي‬
‫الوحدة اإلسؤالمية‪ ،‬والمصؤلحة اإلسؤالمية‪ ،‬والحدود التي تفصؤل المجتمع اإلسؤالمي عن باقي المجتمعات غير اإلسؤالمية‪،‬‬
‫ويبدو أن النظرية األخيرة هي األقدر على المزاوجة بين ثوابت اإلسالم في الوحدة ورفض االنقسام وبين متطلبات الواقع‬
‫وما تفرضه الظروف‪.‬‬

‫العنصر الثاني ‪ :‬األمة‬


‫وهي العنصر الثاني من عناصر الدولة‪ ،‬هنالك من يستخدم مصطلح الشعب للتعبير عن أبناء الدولة اإلسالمية‪ ،‬في حين‬
‫البعض اصخر تعامل مع الشعب بمصطلح األمة‪ ،‬ولكن هنالك فرق بين التعبيرين؛ فمعيار انتماء الفرد إلى الشعب هو‬
‫االنتماء إلى حقيقة جغرافية معينة‪ ،‬لذلك تتمايز الشعوب في هويتها طبقا للتسمية التي تطلق على تلك البقعة الجغرافية‬
‫‪3‬‬
‫فنقول هناك شعب عراقي‪ ،‬شعب جزائري‪ ،‬بينما معيار األمة هو العقيدة‪ ،‬فاألمة اإلسالمية تضم جميع المؤمنين باإلسالم‬
‫الخاضعين لحكمه مهما تكن أصولهم العرقية وانتماءاتهم‪ ،‬فالرابطة بينهم رابطة عقيدة وفكرة ومبدأ‪ ،‬وليست رابطة دم‬
‫وال شعب وال ارض‪.‬‬
‫وتعرف ا ألمة بأنها (تجمع بشري ناجم من التفاعل بين اإلنسان والرسالة المنزلة)‪ ،‬وتمتاز األمة بخاصية النسبية في‬
‫الحاضر والمستقبل ألن األمر يرتبط بحركة الدعوة اإلسالمية في الواقع‪ ،‬وكذلك بخاصية الدوام وعدم الزوال‪ ،‬ولكن يمكن‬
‫أن تتطور من شكل ألخر‪ ،‬ولذلك يرى البعض أن مفهوم األمة ليل االنتماء إلى اإلسالم فقط بل البد من األخذ باإلسالم‬
‫والعمل به؛ ألنه بمعزل عن اإلسالم عقيدة وشريعة ونظام حكم لن يكون بمقدور أحد من الناس إحياء مفهوم األمة‬
‫اإلسالمية‪ .‬وبناء عليه يطرح مفهوم األمة من الناحية السياسية قضيتي المواطنة واألقليات الدينية‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬المواطنة ‪:‬‬


‫إحدى المشاكل التي ينتجها مفهوم األمة اإلسالمية في إطار الدولة الحديثة هو مفهوم المواطنة‪ ،‬والمواطنة هي مفهوم‬
‫سياسي‪ ،‬قانوني‪ ،‬اجتماعي‪ ،‬يقوم على أساس انتماء الفرد إلى وطن معين بالسكني‪ ،‬مما يعزز مجموعة من الحقوق‬
‫والواجبات السياسية كحق الترشيح واالنتخاب والمشاركة السياسية ضمن األحزاب ومنظمات المجتمع المدني‪ ،‬كما أن‬
‫من مظاهر انتماء الفرد إلى الوطن حصوله على جنسية ذلك البالد وكذلك تمتعه بحق السكن واإلقامة الدائمة في الوطن‪،‬‬
‫وهذا المفهوم من المفاهيم التي تعززت في ظل الدولة القومية الحديثة التي قامت على أساس االنتماء الجغرافي وهو أكثر‬
‫ارتباطا بالشعب منه باألمة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للفكر اإلسالمي المعاصر فتطرح نظريتان حول المواطنة‪.‬‬


‫النظرية األولى ‪ :‬ترى تمتع الفرد في الدولة اإلسالمية بحق المواطنة بغض النظر االنتماء الديني‪ ،‬وتستند هذه النظرية‬
‫على وثيقة المدينة والتي يؤسل عليها الرأي القائل (أن اإلسالم تقبل فكرة تأسيل مجتمع متنوع في دولة واحدة‪ ،‬ونظام‬
‫حكم واحد على أساس اإلسالم وتمتع الجميع فيها بحق المواطنة الكاملة‪ .‬أي إعطاء غير المسلم الساكن في دولة اإلسالم‬
‫حق المواطنة؛ ألن دو لة المدينة تأسست على دستور مكتوب اعترف بحقوق المواطنة لجميع المكونات الدينية والعرقية‬
‫للسكان)‪.‬‬
‫النظرية الثانية‪ :‬تعتمد هذه النظرية الدين أساسا للمواطنة دون أن تلغي وجود أديان أخرى في الدولة؛ أي أنها ترى‬
‫اختصاص المواطنة بالمسلم دون غيره‪ ،‬وطبقا لهذه النظرية فان قضية المواطنة تواجه مشكلة مزدوجة تكمن في حق‬
‫المسلم غير الساكن في الدولة اإلسالمية بالمواطنة‪ ،‬والمشكلة الثانية تكمن بحق غير المسلم الساكن في الدولة بالمواطنة‪.‬‬

‫قضية المواطنة في الفكر اإلسالمي المعاصر تواجه مشكلتين‪:‬‬


‫المشكلة األولى‪ :‬عالج الفكر اإلسالمي قضية تمتع المسلم الساكن في دولة غير إسالمية بالمواطنة من خالل اشتراط‬
‫شروط عديدة؛ منها التوطن في البلد اإلسالمي‪ ،‬أي يهاجر إلى البلد اإلسالمي ويتوطن فيه فترة‪ ،‬وال يكفي الهجرة والتوطين‬
‫وحده‪ ،‬البد من انضمام ما يشبه العقد يلتزم به الفرد باحترام سيادة واستقالل وإرادة الدولة اإلسالمية‪ ،‬كما يتضمن حق‬
‫الطاعة للدولة عليه في أمور الدفاع والنصرة‪ ،‬على أن يكون هذا العقد مكتوبا وملزما للطرفين‪ ،‬للمقيم وللدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫وهكذا ينتهي أمر المواطنة إلى ما يعرف عنه في القانون الخاص بالتجنل‪ ،‬وقد قيد هذا األمر بموافقة الدولة المسلمة؛‬
‫ألنه عقد يلزم توفر الحرية لدى طرفي العقد‪ ،‬وهذا إجراء إداري متبع في أغلب دول العالم‪.‬‬

‫المشكلة الثانية‪ :‬عالج الفكر اإلسالمي المعاصر هذه القضية من خالل تطبيق المفاهيم التي اعتمدها الفكر اإلسالمي في‬
‫تجربته التاريخية مثل عهد الذمة والجزية‪ ،‬وحاول أخرين أكثر فهما للواقع إضفاء ألفاظ حديثة على مفهوم أهل الذمة‬
‫‪4‬‬
‫حيث أجيز استخدام لفظ المواطنة والمواطنين بدال عنه‪ .‬ولكن مع إقرار البعض بالمواطنة لنقليات الدينية‪ ،‬إال أن اإلجماع‬
‫منعقد على عدم السماح لهم بالترشيح لقيادة الدولة اإلسالمية على اعتبار أن هذه الدولة ذات خاصية عقائدية تحتاج إلى‬
‫المؤمن بها والمتمثل لما يصدر عنها‪ ،‬وغير المسلم ال تنطبق عليه هذه األوصاف‪ ،‬ويذهب البعض إلى رفض مشاركة غير‬
‫المسلم في االنتخابات الختيار رئيل الدولة اإلسالمية بدعوى قد تكون المصالح الخاصة معيار االختيار لديهم‪ ،‬في حين‬
‫يذهب األغلبية إلى الرأي القائل بانتفاء عقد الذمة والتعامل مع غير المسلمين على أساس المواطنة‪ ،‬أي المساواة في‬
‫الحقوق والواجبات مع منعهم تولي الوالية على المسلمين‪.‬‬
‫وبهذا الصدد يمكن القول إن معالجة القضية في الدولة اإلسالمية باعتبار العالقة بين المسلم وغيره عالقة دينية أوال‪ ،‬أما‬
‫من الناحية السياسية فهي عالقة مساواة من حيث المشاركة السياسية والمعارضة السلمية والقضاء‪ ،‬السيما وأن الفلسفة‬
‫العامة لإلسالم تقوم على تحقيق العدالة وان الدولة إحدى أدواتها‪ ،‬فعلى الدولة توفير الحماية والحقوق الدينية لغير‬
‫المسلم‪ ،‬وبالمقابل عليه احترام حق األكثرية في اختيار النظام السياسي المناسب‪.‬‬
‫العنصر الثالث‪ -:‬السلطة السياسية‬
‫تعد السلطة السياسية عنصر ثالث من عناصر الدولة‪ ،‬وحجر الزاوية بالنسبة لكل تنظيم سياسي‪ ،‬وتكمن حقيقتها في‬
‫اعتقاد المحكومين أنها قادرة على توفير ما يحتاجون إليه من أمن مادي ونفسي‪ ،‬على تنوع صور األمن وتعددها‪ ،‬وعرف‬
‫البعض السلطة بأنها القدرة التي تمتلكها الهيئة القائمة على إدارة المجتمع وتنظيمه والتي تقوم على رضا األفراد وتوجيه‬
‫الجماعة وفق قواعد المرجعية الشرعية‪ ،‬وعلى هذا األساس تمنح الحقوق وتفرض الواجبات وبالشكل الذي يضمن تحقيق‬
‫مصالح األفراد من جهة‪ ،‬ومقتضيات الشرع من جهة أخرى‪.‬‬

‫صفات وخصائص السلطة في اإلسالم‬


‫‪ -1‬التكاملية‪ :‬ترتكز السلطة في اإلسالم إلى فكر متكامل ذي مبادع وغايات معينة واضحة فهي تتصف بالشمول بحيث ال‬
‫يمكن فك االرتباط بين جوانب الحياة الروحية والمادية‪ ،‬كما حددت للسلطة وظائف عدة شملت مجاالت الحياة المختلفة‬
‫من تشريع وتنفيذ وقصاء‬

‫‪ -٢‬العالمية‪ :‬أن عالمية التصور اإلسالمي للسلطة فرض على السلطة أن تتحرك في ضوء هذا التصور من اجل بناء‬
‫جسور من العالقة الوثيقة بين جميع المسلمين في العالم بحيث ال تكون ضيقة التصور أو التفكير أو التخطيط‪.‬‬

‫‪ -٣‬الغائية‪ :‬تنزع السلطة اإلسالمية إلى أن تكون ذات غاية بالشكل الذي يمكنها من حمل عبء الرسالة والقيام بالدعوة‬
‫وتتضح غائية السلطة في اإلسالم من كونها ضرورة اجتماعية اقتضتها سنن االجتماع السياسي الستحالة عيش‬
‫المجتمعات دون جماعة سياسية‪ ،‬وحاجة الشريعة إلى أداة لتنفيذها‪.‬‬

‫‪ - 4‬الوسطية‪ :‬السلطة في اإلسالم وسطية تجمع بين مصالح الناس في الدنيا واصخرة‪ ،‬وتوازن في ممارستها بين احتياجات‬
‫اإلنسان الروحية والمادية‪ ،‬وان فلسفتها أو المبادع التي تتأسل عليها تتماشى مع هذه الحقيقة‪.‬‬

‫‪ -5‬المدنية‪ :‬فالسلطة اإلسالمية مدنية من حيث سيادة (الشرع أو القانون وليست ثيوقراطية كالتي سادت في أوربا خالل‬
‫القرون الوسطى‪ ،‬بل هي سلطة مؤسسة وليست شخصية‪ ،‬فاإلسالم عقيدة وثقافة وحضارة وال يمكن اختزاله في دولة أو‬
‫سلطة سياسية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أما شرعية السلطة فقد انقسم الفكر اإلسالمي بشأنها إلى تيارين؛ يذهب األول إلى اعتبار الشرعية مستمدة من هللا تعالى‬
‫وأعطاها بذلك بعدة دينية‪ ،‬بينما ينسب التيار الثاني الشرعية إلى األمة من خالل وضع آليات معينة تمكن األمة من إضفاء‬
‫الشرعية على السلطة كالبيعة والشورى وغيرها ‪.‬‬

‫العنصر الرابع‪ :‬السيادة‬


‫تعد السيادة عنصر رابع من عناصر الدولة اإلسالمية وتعني االستقالل في اتخاذ القرارات وبانتفاء أية مؤثرات خارجية‬
‫أو داخلية على السلطة‪.‬‬
‫وتشير السيادة بمفهومها العام إلى مجموعة االختصاصات التي تتفرد بها السلطة السياسية في الدولة وتجعل منها سلطة‬
‫أمره عليا‪ ،‬ومن بين هذه االختصاصات قدرتها على فرض إرادتها على غيرها من الهيئات واألفراد‪ .‬وهناك من يقرن‬
‫السيادة بصاحب السلطة التي يراها تتجسد في األمة فيعرفها على أنها السلطة التي تمتلكها األمة في سن ما تشاء من‬
‫القوانين وتنفيذها وتنظيم شؤونها الداخلية على أن ال ت كون خاضعة في شؤونها الخارجية لغير القيود التي ارتضتها‬
‫بمحض إرادتها‪.‬‬

‫وتتميز السيادة بمظاهر وخصائص عديدة‪ ،‬يمكن تحديدها بمظهرين بارزين‪:‬‬

‫‪ -‬مظهر داخلي‪ :‬ويتمثل في حرية الدولة في التصرف في شؤونها الداخلية وفي تنظيم مرافقها والعامة‪ ،‬وفي فرض‬
‫سلطانها على كافة أجزاء إقليمها من أشخاص وممتلكات‪.‬‬

‫‪ -‬مظهر خارجي‪ :‬ويتمثل في استقالل الدولة بتدارة عالقتها الخارجية بدون أن تخضع في ذلك ألية سلطة عليا وتتجسد‬
‫خصائص السيادة في االطالقية والشمولية والدوام وعدم االنقسام‪.‬‬

‫موقف الفكر اإلسالمي المعاصر من السيادة‪.‬‬


‫انقسم الفكر اإلسالمي في معالجته لفكرة السيادة إلى تيارين رفض األول األخذ بها معتقدة أن لها كباقي األفكار الوافدة‪،‬‬
‫سمات وحقائق الفكر الغربي التي تتعارض مع المنظومة الفكرية والقيمية اإلسالمية‪ ،‬بينما أكد التيار الثاني بتمكانية‬
‫االستعانة بهذه الفكرة وإدراجها في سياق الدعوة إلى اإلسالم وتقديمها بأطر التصورات اإلسالمية لتكون أداة تعبير عن‬
‫المعنى المقصود بكل أبعاده اإلسالمية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الرافضون لفكرة السيادة‪ :‬واستند في رفضه لحجج عديدة منها‪:‬‬


‫‪ .1‬تباين الظروف التي أدت إلى ظهور السلطة لدى كل من المجتمع اإلسالمي والغربي‪ ،‬الن األفكار والنظريات حول‬
‫السلطة والسيادة لدى الغرب وضعية وليست دينية خالفا للرؤية اإلسالمية للسلطة‪.‬‬
‫‪ .٢‬أن نظرية السيادة نظرية حديثة استنبطها رجال الفقه الفرنسي القدامى أثناء فترة كفاح الملوك من اجل استقاللهم‬
‫الخارجي إزاء اإلمبراطور والبابا‪ ،‬بينما السلطة اإلسالمية ظهرت عقب الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة التي أصبحت‬
‫قاعدة الدولة اإلسالمية الجديدة والتي ترأسها رسول هللا (ص) فهو قائد المسلمين ونبيهم ورسول هللا إليهم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ .3‬أن نظرية السيادة بتطارها الحديث لم تظهر إال بعد انتصار السلطة الزمنية على السلطة الدينية ممثلة بالكنيسة فأوجدت‬
‫فكرة العلمانية عندما فصل الدين عن الدولة وأصبحت السلطة السياسية في الغرب تتمتع بحرية مطلقة في وضع‬
‫التشريعات‪ ،‬أما في اإلسالم فالنظام سابق على الدولة وهي ملزمة به حتما في كل أمورها‪.‬‬
‫‪ .4‬أن الدعوة إلى نفي السيادة لدى الفكر اإلسالمي المعاصر مبعثه أيضا وجود نظرية متكاملة في السلطة تقوم أسسها‬
‫من التصور االعتقادي اإلسالمي الذي ال يجيز الخضوع المطلق إال (هلل) ويؤكد على وحدة األصل البشري‪ ،‬وان الحاكم‬
‫ليل مشرعا بل هو منفذا للشريعة اإللهية باستثناء التشريعات التي توضع لمواجهة المتغيرات التي اجتاحت الحياة بجميع‬
‫جوانبها‪.‬‬
‫‪ .٥‬أن ما تعرضت له نظرية السيادة من انتقادات من قبل الغربيين أنفسهم‪ ،‬جعل بعض اإلسالميين ال يهتمون بها وال‬
‫يعدوها ركن من أركان الدولة وعناصرها ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المؤيدون لفكرة السيادة‪.‬‬


‫يرى هذا التيار انه ال بأس باألخذ بمفهوم السيادة شرط عدم تطبيق هذا المفهوم وفق التصور الغربي وبكل مفاهيمه‬
‫وتصوراته بل النظر إليه بقيم اإلسالم ومعاييره فالسمة الربانية التي اتسم بها الدين اإلسالمي والتي انطلقت من حاكمية‬
‫"هللا" في الوجود قد استهدفت انصراف البشر إلى تفاصيل أعمال الحضارة وتكوين مؤسساتها بكفاءة ودراية في التطبيق‪.‬‬
‫ومن تلك األعمال اإلطار السياسي الذي تكامل بعد الهجرة عندما توفر عنصر اإلقليم وأصبح للمسلمين ارض يأمنون لها‪،‬‬
‫وبروز عنصر السلطة السياسية التي يرأسها النبي (ص) والتي كانت مستقلة تمام االستقالل عن كل القوى السياسية‬
‫الخارجية آنذاك كاإلمبراطوريتين الفارسية والرومية والرومانية‪ ،‬أن طابع االستقالل الذي اتسمت به الدولة اإلسالمية‬
‫كتطار ذاتي له سلطته المستقلة‪ ،‬حفز المفكرين اإلسالميين بادراك النظرية اإلسالمية لفكرة السيادة وان اختلفوا في مصدر‬
‫هذه السيادة‪.‬‬

‫مصدر السيادة‪.‬‬
‫يطرح في الفكر اإلسالمي المعاصر سؤال مهم عن مصدر السيادة‪ ،‬أو من هو صاحب السيادة بالمعنى الدستوري الحديث‬
‫في الدولة اإلسالمية؟ إذ اإلجابة عن هذا التساؤل أفرزت أراء إسالمية عديدة منها‪:‬‬

‫‪ -1‬ذهب الرأي األول إلى أن السيادة هي "هللا" تعالى فتليه يستند القانون اإللهي الذي يحكم سلوك األمة‪ ،‬فان "هللا" هو‬
‫مصدر السلطة وإرادته المتجلية في القران الكريم هي الحاكمة‪ .‬أن القول بان هللا سبحانه هو مصدر السيادة ألنه ينفرد‬
‫باأللوهية والربوبية‪ ،‬ويستوجب التحقيق حاكمية هللا "آليات وسبل تؤمن تنفيذ الشرع بأحكامه وتطبيق قواعده والعمل‬
‫بتمكانه‪.‬‬

‫‪ -٢‬يؤكد الرأي الثاني أن السيادة في الدولة اإلسالمية يعود لنمة مادام رئيل الدولة يستمد سلطانه من األمة ممثلة بأهل‬
‫الحل والعقد‪ ،‬ويعتمد في بقاء هذا السلطان على ثقتهم به ونظره في مصالحهم كما أن لنمة حق خلعه‪ ،‬ويؤكد احد الباحثين‬
‫أن المسلمين هم أول أمة قالت بان األمة هي مصدر السلطات"‪.‬‬
‫وقد ترد بعض المالحظات على هذه اصراء‪ ،‬فالقول بان األمة هي مصدر السلطات يجعل لنمة السلطة واإلرادة العليا وهذا‬
‫األمر يتنافى مع طبيعة النظام السياسي القائم على علوية سلطة الشريعة‪ ،‬كما أن هذه النظرية تستند إلى المرجعية الغربية‬
‫والتي جعلت قرارات السلطة وأفعالها خاضعة لميول األفراد‪ ،‬بعكل اإلسالم حيث أن الخطاب اإلسالمي هو الذي ينظم‬
‫العالقة بين الحاكم والمحكوم‪.‬‬

‫‪ -٣‬الرأي الثالث يقول بالسيادة المزدوجة‪ ،‬فمن جهة يقرر ثبوت السيادة هلل سبحانه‪ ،‬إال أنه وبموجب عهد االستخالف قد‬
‫جعل األمة هي المكلفة بتحقيق هذه السيادة ضمن إطار الشرع فتكون السيادة التي تمتلكها األمة هي سيادة مقيدة بالشرع‬
‫أي أن صاحب السيادة في الدولة اإلسالمية هي األمة فضال عن القانون أو الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫أن هذا الرأي ينطلق ليعبر عن االعتراف بالسيادة اإللهية‪ ،‬إال أنه وطبقا لعهد االستخالف فقد جعل البشر مستخلفين في‬
‫األرض لعمارتها وإقامة شريعة هللا" فيها وتنظيم أمور الناس عليها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬وظائف الدولة في الفكر اإلسالمي المعاصر‬


‫‪7‬‬
‫هنالك عدة وظائف للدولة اإلسالمية منها داخلية وخارجية‬

‫المطلب األول‪ :‬الوظائف الداخلية للدولة‬

‫أوال‪ :‬الوظائف السياسية‬ ‫‪-‬‬


‫أن الهدف األساسي من قيام الدولة اإلسالمية هو إيجاد البناء السياسي الذي يحقق وحدة األمة اإلسالمية والتعاون بين‬
‫أفرادها‪ ،‬وإذا توفرت للحاكم والقيادة السياسية هذه الصفات فتنها تستطيع أن تؤدي مهامها المتمثلة باألمور التالية على‬
‫الوجه األكمل‪:‬‬

‫‪ .١‬الوحدة اإلسالمية‪ :‬أي المحافظة على المجتمع من ألوان الضعف واالنحالل وإصدار التعليمات والقوانين التي تمنع‬
‫التمزق في صفوف المسلمين وتشجيع التقارب بين المذاهب اإلسالمية ودرء الفتن عن المسلمين واعتبار ذلك واجب‬
‫شرعي ال يمكن التفريط به السيما وان اإلسالم يعد النزاعات الداخلية خطرا كبيرا على األمة لكونها تؤدي إلى إهدار‬
‫الطاقات وتبديد اإلمكانات والفشل والخذالن وسقوط الهيبة السياسية أمام الخصوم‪ ،‬وإذا كانت جملة الخطابات القرآنية‬
‫الواردة في هذا الشأن موجهة إلى األمة وكأنها المطالبة والمكلفة أوال بالمحافظة على وحدتها وتماسكها والحيلولة‬
‫دون نشوء النزاعات كما جاء في قوله تعالى "واعتصموا بحبل هللا جميعا وال تفرقوا"‪،‬‬
‫فأن الدولة ومن خالل سياستها وأجهزتها تمثل الجزء األخر من مسؤولية حفظ األمن وضمان وحدة األمة الن العالقات‬
‫االجتماعية المتعددة والمعقدة والسائدة بين أفراد مختلفين في الميول واألهواء واألفكار تنتج نوعا من الفوضى إذا لم تكن‬
‫محمية بقانون ومبادع تمنعها من االنفالت وهذا ما ال يمكن أن يوفره إال جهاز حاكم يتولى هذه المهمة‪.‬‬

‫‪ .٢‬اعتماد سياسة إعالمية للدولة وتعبئة مختلف المؤسسات الفاعلة في بيان أهمية الوحدة الوطنية واالبتعاد عن لغة‬
‫اإلقصاء والتخوين والتكفير وحصر العقوبات بالدولة والعمل على خلق الفرص لتعزيز التالحم الديني والمذهبي مع األديان‬
‫األخرى‪ ،‬مع التركيز على أن غاية األديان إزالة التوترات االجتماعية الناجمة عن سياسة االستحواذ على مصادر القوة‪.‬‬
‫‪ .٣‬الحرية الدينية‪ :‬اعتماد سياسة الدعوة بالربط بينهما وبين حقائق العلم واعتماد الموضوعية في تحليل ونقد بعض‬
‫اصراء وان تكون الحقيقة الهدف انطالق من مبدأ حرية االعتقاد واالبتعاد عن الرؤية االختزالية للدين والتاريخ في صورة‬
‫تفسير معين‪ ،‬واالنفتاح على معطيات ونتاج اصخر في المجاالت التي ترك اإلسالم للدولة واألمة حرية معالجتها وفق‬
‫متغيرات العصر‬

‫‪ . 4‬إشاعة وترسيخ روح المواطنة التي تفضي إلى تمتع المواطن بالحقوق السياسية التي يساهم من خاللها في إدارة‬
‫شؤون الدولة انطالقا من كون األمة نائبة عن هللا تعالی تمارس مهام الخالفة في اإلطار السياسي مثلما تمارسه في‬
‫المجاالت األخرى‪.‬‬

‫‪.5‬اعتماد وسائل سياسية وقانونية للمحافظة وحماية حقوق اإلنسان وفق التطور اإلسالمي السيما الحقوق ذات األبعاد‬
‫السياسية واالقتصادية‪ ،‬والسماح لنمة بالمشاركة في صنع القرار السياسي أو معارضته وفق األساليب السليمة مع‬
‫المحافظة على الحريات العامة كحرية العمل والسكن والتنقل وغيرها ضمن أطرها القانونية‪.‬‬

‫‪.٦‬على الدولة ضمان إقامة العدل طبقا للدستور وإعادة الحقوق إلى مستحقيها وتحقيق مبدأ مساواة الناس أمام القضاء‬
‫والقانون بغض النظر عن أي اعتبارات‪ ،‬الن إقرار مبدأ المساواة في التقاضي والترافع من شأنه التسوية بين المواطنين‬
‫ويتطابق مع اعتقاد اإلسالم بوحدة بني اإلنسان جميعا في المنشأ والمصير والخلق‪.‬‬
‫‪.۷‬عد المنصب تكليفا شرعيا يحتاج إلى قدرة معينة وان على الفرد غير القادر عليه االبتعاد عن المسؤولية واالعتزال‬
‫عن القيام بها‪ ،‬وان ال تكون الغاية التنافل المالي واإلداري الن اإلسالم يعد المناصب أمانة تتطلب حمايتها مع مالحظة‬
‫أن أكثر التوترات الداخلية تحصل من جراء السياسات االقتصادية للدولة والموقف من الشعب ومعاملته بروح التعالي‬
‫والتفضل‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ثانيا‪ :‬الوظائف االجتماعية‪-:‬‬ ‫‪-‬‬
‫تعد الدولة مؤسسة ال غنى عنها طالما أن االنسان اجتماعي بطبيعته‪ ،‬وبما أن االسالم نظام شامل للحياة‪ ،‬فأنه كفيل بتيجاد‬
‫بيئة اجتماعية تتيح ألكبر عدد ممكن من افرادها أن يعيشوا روحيا ومادية في توافق مع القانون الفطري‪ ،‬ولقد اعطى‬
‫الفكر اإلسالمي المعاصر اهتماما واضحا بالوظائف األجتماعية للدولة لما لها من صلة بأسل الحياة الخاصة لكل فرد من‬
‫أفراد األمة‪ ،‬ووضع على عاتق القيادة االسالمية مهمات عدة اهمها‪:‬‬
‫‪.1‬ضمان حق العمل‪ :‬عد العمل مقدسة ألنه الوسيلة التي تؤمن للفرد رزقه ورزق عائلته‪ ،‬ولقد أولى القران الكريم والسنة‬
‫النبوية هذا الموضوع اهتماما كبيرة من خالل مستويين اولهما‪ :‬الحث على العمل وتقديسه وثانيهما‪ :‬محاربة البطالة‬
‫والعيش عالة على األخرين ولو كان من اجل التفرغ للعبادة‪ ،‬وللمواطن في الدولة االسالمية أن يباشر ما يراه مناسبة من‬
‫تجارة وصناعة وزراعة‪ ،‬وال يوجد اال مبدأ التعارض مع المحرمات االسالمية في مجال العمل وفي وسائل اكتسابه‪ ،‬كالربا‬
‫والغش ونحوهما‪ ،‬وان يالحظ المعاني األخالقية كأن ال يلحق بالغير ضرر او اذی "فال ضرر وال ضرار"‬
‫ومن واجبات الدولة أن تلتزم بتوفير العمل في القطاع العام لكل المواطنين‪ ،‬مع بذل الجهد التربوي واألخالقي إلزالة‬
‫العوائق النفسية ورفع مكانة العمل وعلى الدولة ايضا توفير ادوات العمل للقادرين عليه فواجب الحاكم تجاه مواطنيه ان‬
‫يسد جوعهم ويستر عورتهم ويوفر لهم حرفتهم)‪.‬‬

‫‪ .٢‬تحقيق الضمان االجتماعي على الدولة أن توفر الكفاية االستهالكية لكل مواطن من مواطنيها‪ ،‬والكفاية تشمل المأكل‬
‫والملبل والمسكن ووسائل النقل والتعليم والعالج وادوات الحرفة وقضاء الديون وغيرها من السلع والخدمات عندما‬
‫يعجز المواطن عن تحصيلها بنفسه او من كلف بتعالته‪ ،‬أن ضمان هذه القدرة من االستهالك لكل مواطن له فوائد عديدة‬
‫في المجرى العام للتنمية فهي‪:‬‬
‫• تعد استثمارا من رأس المال البشري الذي هو مادة التنمية وهدفها األول والذي يعطي أفضل عائد على المدى الطويل‪.‬‬
‫• ان ضمان هذا المستوى من قبل المجتمع لنفراد‪ ،‬يؤدي الى االستقرار النفسي والذي يساهم في زيادة انتاجيتهم وتحسين‬
‫سلوكهم االجتماعي بشكل عام‪.‬‬
‫• ان شمول هذا المستوى لكل المواطنين من مسلمين وغيرهم يؤدي الى تماسك المجتمع و شيوع روح األخوة والتنافل‬
‫الشريف بدال من الصراع القائم على اساس االنتماءات الفرعية طائفية كانت أم عرقية ام طبقية‪ ،‬وفي التاريخ االسالمي‬
‫صفحات مشرقة تبنى فيها االسالم اشباع حاجات الفقراء والمستضعفين سواء كانوا مسلمين ام غير مسلمين ما داموا‬
‫يعيشون في ظل الدولة االسالمية وضمن لغير المسلمين حقوقهم االقتصادية والمالية وحرم االعتداء على اموالهم‪.‬‬
‫• ان الكفاية االقتصادية للمواطن تدفعه الى االستقرار في البلد في حين أن عدم ا الكفاية االقتصادية تدفع به الى الهجرة‬
‫وان لم يفعل ذلك فأنه سيعيش في حالة اغتراب عن المجتمع "فالغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة "‪.‬‬
‫ولم يكتف الفكر االسالمي بالتأكيد على مفهوم الكفاية الذي يجب أن توفره الدولة للمواطنين بل ال بد ان يأخذ هذا المفهوم‬
‫منحني تطورية من الناحية الكمية والنوعية بحسب ظروف المجتمع ويدخل في ذلك سائر الحاجات السائدة في المجتمع‬
‫االسالمي تبعا لمستوى المعيشة العام‪ ،‬وفي حال عجز الدولة عن تحقيق العدالة كقلة الموارد البشرية وعدم قابلية المال‬
‫العام والخاص على تلبية توقعات المواطنين ‪ ،‬ففي هذه الحالة ينتقل االسالم بالمسؤولية من دائرة العدالة الى دائرة التكافل‬
‫االجتماعي‪ ،‬ففي حالة االضطرار ولضمان االمن يتوجب على الدولة ان تأخذ في االعتبار ما يوفر الحاجات الضرورية‬
‫لينتقل جزء من المال الى وظيفة اجتماعية بدال من الوظيفة الفردية انطالقا من أن حق الحياة مقدم على حق الملكية‪ ،‬وقد‬
‫وضع االسالم ادوات تحصيل المال لتلبية الحاجات األساسية للمحتاجين عبر اموال الزكاة والضرائب فضال عن األرباح‬
‫التي تكسبها الدولة منه جراء االستثمار ويستند التكافل االجتماعي الى قيم االخوة االنسانية كما أنه يشمل كل مواطني‬
‫الدولة االسالمية على اختالف انتماءاتهم ويوفر بيئة تمتص حالة االحتقان الناجمة عن الفوارق في المستوى المعيشي‬
‫بين الفقراء واالغنياء ويقضي على احتماالت التوتر ويجنب الدولة والمجتمع ازمات كثير‪ ،‬تضر باألمن واالستقرار ‪ .‬ولكن‬
‫‪9‬‬
‫ال بد من توضيح مسألة مهمة في هذا المجال وهي أن مهمة الدولة تشمل فئتين من الناس هما‪ :‬من لديه القدرة على‬
‫العمل لكن تعجز الدولة عن ايجاد فرص عمل مالئمة له‪ ،‬واالخرى التي تعمل ولكن قيمة األجر ال تناسب مع حاجاتها‬
‫الضرورية‪ ،‬ويمكن للدولة أن تسهم في هذا المجال وتلعب دور الوسيط بين المنفق والمحتاج ويمكن لها أن تؤسل كيانات‬
‫تابعة لها وبأشرافها لممارسة دور الوساطة والفعل ايضا في التكافل االجتماعي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الوظائف االقتصادية‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫اوجب الفكر االسالمي المعاصر على الدولة ضمان حقوق المواطن االقتصادية كحق التملك وضمان حرية المواطن في‬
‫النشاط االقتصادي والملكية الخاصة له‪ ،‬على أن يتم ذلك وفق ما يقرره االسالم لتحقيق التنمية والصالح العام في اطار‬
‫حق المجتمع االنتفاع بثرواته وبما يتفق واحتياجاته‪ ،‬وقد وضع االسالم من األصول والقواعد العامة االقتصادية‪ ،‬ما يكفل‬
‫تحريك هذا النظام في كل عصر بما يناسب طبيعته ويحقق مصلحته‪ ،‬وللدولة أن تتخذ عدد من االجراءات االقتصادية فقد‬
‫حدد االسالم للدولة وظيفة الوقاية من االنحراف وعبر اساليب المنع والردع حيث تقوم هذه السياسية على منع بعض‬
‫الممارسات الخاطئة ومنها‪:‬‬
‫‪ -١‬منع تحول وظيفة المال والثروة في عملية البناء الى عملية االدخار مما يفقد القدرة على التطور وكذلك منع االحتكار‬
‫ألنه يضعف من قدرة الفرد على المعيشة من جانب ويمثل ربحا بال جهد مبذول من جانب اخر‪.‬‬
‫‪ -٢‬رفض االسالم قضية كنز المال وادخاره ألنه تعطيل للثروة االقتصادية وحرف المال عن وظيفة االعمار والتنمية‬
‫واعطى للدولة حق تنقيته عبر مفهوم الزكاة والخمل‪.‬‬
‫كما رفض البطالة مهما كانت الدعاوي وربط بينها وبين مكانة الشخص في المجتمع عبر التأكيد على األحاديث النبوية‬
‫المؤكدة على "ان اليد العليا خير من اليد السفلى"‪.‬‬
‫‪ -٣‬يرى الفكر االسالمي ان على الدولة أن تعمل على محاربة الرشوة لمضارها االدارية واالقتصادية وألنها تدخل في‬
‫إطار التعاون المجتمعي ويكون ذلك عبر االجراءات الوقائية‪.‬‬
‫‪ -4‬تحريم الربا ومتابعة الدولة للمرابين ألنه يخالف الطبيعة االقتصادية ويمنع االنسان من التطور ويقلل من مساحة‬
‫الفاعلين في الوسط االقتصادي‪ ،‬ويمكن للدولة بدال من ذلك تشجيع االقراض لحل قضية الفقر وخلق فرص عمل للعاطلين‪.‬‬
‫‪ .5‬على الدولة منع التعرض للمال الخاص والمال العام والدولة مكلفة بمالحقة ومعاقبة عمليات التالعب بالمال وتطبيق‬
‫أحكام االسالم التي يرى الشرع االسالمي الحاجة الى تطبيقها للحد من التعرض للمال العام والخاص‪.‬‬
‫‪ .٦‬يحارب االسالم االثراء عن طريق استغالل المنصب الحكومي تحت اي عنوان بعده بابا لم يبذل فيه الجهد مع انه تلقي‬
‫األجر عن طريق الراتب على ما يبذله من جهد وبذلك يسعى االسالم الى منع استغالل المنصب الذي هو صورة من صور‬
‫الفساد المالي واالداري‪.‬‬
‫ولمواجهة كل تلك االمراض االقتصادية والحد منها‪ ،‬على الدولة أن ترعى تنمية اقتصادية شاملة لعمارة األرض واحياؤها‬
‫وتشجيع العمل على مختلف مجاالته والوسطية واالعتدال باإلنفاق التأكيد على وجوب العمل والسعي لكسب الرزق وقيام‬
‫الدولة بدورها في مراقبة السوق ومنع االحتكار‪ ،‬وجاء االهتمام بالتنمية االقتصادية بوصفها جزءا مهما من التنمية‬
‫االنسانية الشاملة التي تقوم على وفق المنهج االسالمي على أسل فلسفية تتمثل في عقيدة التوحيد التي تحكم العالقة‬
‫بين االنسان وخالقه‪ ،‬وبين االنسان وأخيه االنسان‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الوظائف الخارجية‬

‫الدولة هي المؤسسة التي تتولى عملية تنظيم هذه العالقات وهذه السياسات‪:‬‬
‫‪10‬‬
‫اوال‪ :‬اسل ومبادع العالقات الخارجية‬ ‫‪-‬‬

‫ان الوظيفة الخارجية للدولة االسالمية وتطبيقها في العالقات الدولية انما تنطلق من اسم ومبادع أكد عليها اغلب المفكرون‬
‫اإلسالميون من خالل طرحهم لنظرية السلم مع االخر حيث تفترض هذه النظرية أن األساس في العالقات االنسانية هو‬
‫السلم‪ ،‬ويعتمدون في التدليل عليها وجملة معطيات ومبادع منها عقلية واخرى دينية منها‪:‬‬

‫‪ .١‬تكريم االنسان وهذا التكريم االلهي لإلنسان والذي اكدت عليه اصية الكريمة "ولقد کرمنا بني ادم ليل تكريما خاصا‬
‫بعنصر دون عنصر اخر وال جنل دون جنل وال قوم دون قوم بل الناس جميعا سواسية في حق التكريم‪ ،‬واعتبر االسالم‬
‫الناس جميعا أمة واحده تجمعها االنسانية وال يفرقها االختالف في اللغة او الجنل‪.‬‬
‫‪ . ٢‬السلم‪ :‬حيث يتبنى االسالم هذا المنطق فهو مشتق من السلم‪ ،‬والذي يعني عدم العنف والحرب ضد االخرين بل يسعى‬
‫االسالم الى تقليل الصراع والنزاع مع االخرين اال في حاالت الضرورة التي تقتضيها الرؤيا العقلية كوجوب الدفاع عن‬
‫النفل ورد العدوان‪ ،‬وحتى في حالة الحرب فأنه يغتنم الفرص للعودة إلى منطق السلم والحوار في حل القضايا المختلف‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ .٣‬مبدأ التعارف‪ :‬أن التعارف الذي حددته اصية القرآنية الكريمة "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم‬
‫شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند هللا اتقاكم"‪ ،‬يقوم على فكرة السالم‪ ،‬والدولة االسالمية محكومة بهذا المبدأ في‬
‫عالقاتها مع الدول األخرى‪ ،‬ويراد من التعارف التأثير المتبادل بما يخدم الحركة االنسانية عموما من خالل اكتشاف األخر‬
‫فكرية أو ثقافية أو التأثير عليه فكريا وسلوكيا‪ ،‬ويؤمن دعاة الحوار من المفكرين االسالميين أن االختالف سنة كونية‬
‫لما فيه من ثمار ايجابية واثراء لمسيرة اإلنسانية ودعوة للتنافل االيجابي في عملية اصالح األرض واالستفادة من‬
‫ثرواتها ‪.‬‬
‫‪.٤‬التعاون االنساني‪ :‬أن التعاون في االسالم مبدأ عام في كل الجماعة االنسانية كما قرره القران الكريم الذي حث على‬
‫التعاون المطلق على البر‪ ،‬ومنع التعاون على االثم والعدوان‪.‬‬
‫‪.٥‬الحرية‪ :‬ان الشخصية االنسانية ال تتوافر اال في ظل الحرية الحقيقية التي تبدأ بتحرير النفوس وجعلها خاضعة لسلطات‬
‫العقل وااليمان‪ ،‬ولذلك أكد االسالم على احترام العقيدة احتراما كامال وضمن حرية الرأي وحرية االقامة وضمن حرية‬
‫تقرير المصير‪.‬‬
‫‪.٦‬الفضيلة‪ :‬أن العالقات الدولية سواء أكانت في حال الحرب ام السلم يجب ان يؤيدها قانون االخالق الذي يشمل الناس‬
‫جميعا‪ ،‬ويتفق مع هذا المبدأ مبدأ اخر هو المعاملة بالمثل‪ ،‬منها قانون العدالة في التعامل االنساني بين األفراد والجماعات‪،‬‬
‫وهذا المبدأ يجري العمل به في عصرنا الحاضر في العالقات الدولية بين مختلف دول العالم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ ،‬مهام الدولة االسالمية‬


‫لقد اعتمد اإلسالم ثنائية (السلم القوة) في توازن دقيق وان كان السلم أكثر حضورا في مفاهيم االسالم‪ ،‬وان القوة انما‬
‫يراد منها دفع العدوان وايقاف المعتدي عند الضرورة‪ ،‬ولذلك يرفض االسالم البدء بالقتال‪ ،‬وتمثل القوة حالة الردع في‬
‫مجاالت معينة تمنع العدو من التفكير باالعتداء فضال على أن القوة تمثل حالة االستثناء في العالقات مع االخر‪ ،‬ومنطق‬
‫السالم هو القاعدة التي البد من استثمارها‪.‬‬
‫ويحدد الفكر االسالمي المعاصر مهام عديدة على الدول االسالمية التي تقوم بها ألداء وظيفتها على الصعيد الخارجي‬
‫منها‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫‪.1‬اعداد القوة الالزمة لمواجهة تهديدات االمن الداخلي وامن الحدود انطالقا من دعوات القران الكريم الى أعداد القوة‬
‫اإلرهاب العدو‪ ،‬فالسالح في التصور االسالمي يمارس مهمة الردع بالمفهوم االستراتيجي اي خلق حالة الخوف في عقلية‬
‫العدو لكيال يقوم باالعتداء على الدولة االسالمية لقناعة أنه ال يحقق اهدافه‪ ،‬وهذا االعداد يتطلب تهيئة لكل الفروع ذات‬
‫الصلة بالقوة فالقوة االقتصادية وخل فالقوة الذاتية للمواطن فهذا األعداد يقوم على اساس برامج مخطط لها بصورة‬
‫منظمة وبأهداف واضحة‪.‬‬

‫‪.٢‬ان االسالم في موضوع األمن الخارجي بطرح رؤية تقوم على التكامل بين العناصر األساسية في المشروع االسالمي‬
‫من خالل األخالق ‪ -‬االنسان ‪ -‬المنهج‪ ،‬ولكن ما يميز االسالم في هذا الجانب هو ربطه القوة باألخالق وهي حالة سبق‬
‫اإلسالم فيها كل المواثيق الخاصة الحروب‪.‬‬

‫‪ .٣‬توظيف وسائل التربية والتعليم واالسالم ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز النظرة االيجابية لنمن المجتمعي في ذهنية‬
‫المواطن عبر القيام بمهمة االعداد المعنوي للشعب‪ .‬والربط بين االخر وخاصة الفرد‪ ،‬وحاجات المجتمع االساسية لنقل‬
‫الوظيفة األمنية من دائرة الحصر بالدولة إلى مساحة المشاركة الفردية والمجتمعية وهنا تبرز اهمية التفاعل بين أجهزة‬
‫الدولة وبين افراد المجتمع لمواجهة األخطار المحدقة بالدولة‪.‬‬

‫‪.٤‬التواصل وبناء العالقات‪ :‬وذلك من خالل اعتماد لغة الحوار التي يركز عليها القران الكريم من خالل اشارته الى نماذج‬
‫الحوار مع االخر‪ ،‬وهذا الحوار ال يقتصر على المجال العقيدي‪ ،‬بل يمكن استخدامه في مختلف المستويات ومنها الحوار‬
‫في المجال السياسي والعلمي من اجل حل القضايا وتبادل الخيرات‪ .‬وان التطور العلمي في الوقت الحاضر قد ولد قضايا‬
‫ذات صبغة عالمية يتجاوز تأثيرها البعد الوطني وتحتاج الى الحوار بوضع الحلول المناسبة لها وتحديدا مسؤوليات كل‬
‫دولة تجاهها كقضايا التلول البيئي ومكافحة الجريمة المنظمة واالرهاب وباقي القضايا العالمية‪.‬‬

‫‪ .٥‬المحافظة على الهوية الثقافية والحضارية للدولة االسالمية ومنع ذوبانها في محيط الثقافة األخرى التي هي من أهم‬
‫افرازات العدالة‪ ،‬اذ يهدف الغرب الى عولمة ثقافته وقيمه على بقية شعوب العالم مما يفقد تلك الدول اصالتها و عناصر‬
‫قوتها في مواجهة التحديات لذلك البد من العمل على تقديم انموذج اسالمي يعكل مواصفات الحضارة االسالمية ال سيما‬
‫التوازن بين البعد الروحي (األخالقي‪ ،‬القيمي)‪ ،‬والبعد المادي والربط بين المنظومة القيمية االسالمية وافرازات العلوم‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫‪.6‬خلق اجواء التعايش السلمي‪ :‬السيما وان التعايش يمثل ركيزة من ركائز االستقرار العالمي ألنه يقوم على فكرة رفض‬
‫القوة المسلحة والعنف‪ ،‬كما انه يخلق االجواء االيجابية للحوار البناء من خالل الثقة المتبادلة والرغبة المشتركة‬
‫لالستمرار حالة العيش المستقر‪ ،‬كما أنه يدفع باتجاه تحقيق تنمية عالمية تقوم على مبدأ المساواة في الحصول على‬
‫الحاجات األساسية لإلنسان لدوام وجوده مع التأكيد على مفهوم التنمية العادلة التي تقوم على مبدأ العدالة لتوزيع‬
‫الثروة واالنتاج كوسيلة لتحقيق العيش المشترك‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬خصائص الدولة االسالمية‬


‫اوال‪ -:‬دولة عقائدية‬ ‫‪-‬‬

‫ان ما تمتاز به الدولة في االسالم عن سائر التكوينات السياسية‪ ،‬هو أنها دولة عقائدية ترتكز على االسالم‪ ،‬وتتطلق منه‬
‫في تحقيق الرسالة التي تتمسك بها‪ ،‬فهي دولة ذات فكرة شاملة وفلسفة عامة تشمل كل نواحي الحياة االنسانية‪ ،‬كونها‬
‫‪12‬‬
‫تتطلق من دين کامل وشامل وتقوم على عقيدة ومنهج بحسب ما يطرحه المفكرون اإلسالميون المعاصرون‪ ،‬على ذلك ال‬
‫تكون الدولة او الحكومة بذاتها هدف االسالم بل الهدف هو تنفيذ األحكام والقوانين وضمان االهداف االسالمية العليا في‬
‫نشر التوحيد وبسط العدل واشاعة الفضيلة‪ ،‬وهذه االمور ال تتحقق دون اجهزة سياسية وسلطات حكومية‪ ،‬وبما انها دولة‬
‫عقائدية رسالية‪ ،‬فان القائمين بها والعاملين على تحقيقها ليسوا محدودي التوجه واألهداف‪ ،‬او خاضعين لضغوط االنتماء‬
‫القومي او العنصري أو الطبقي‪ ،‬بل هي دولة انسانية تتجاوز كل االنتماءات الضيقة لتكون دولة االنسان الرسالي المنفتح‬
‫على مجتمعه والعالم‪.‬‬

‫ثانيا‪ -:‬دولة أخالقية‬ ‫‪-‬‬

‫أن الخصوصية األخالقية في الدولة االسالمية هي من أهم ما يميز هذه الدولة عن سائر الدول والتكوينات السياسية‪ ،‬ومن‬
‫جملة ما يدل على هذه الحقيقة أن الرسول (ص) لم يقل انما بعثت ألقيم دولة او حكومة بل قال‪" :‬انما بعثت ألتمم مكارم‬
‫األخالق"‪ .‬وبما أن عقيدة االسالم تقتضي أن يكون له دولة وحكومة‪ ،‬فأنه ال يعقل أن توسع دولة وحكومة باإلسالمية ما‬
‫لم تكن األخالق قاعدة ومرتكز هذه الدولة‪ ،‬ولهذا يرى االسالميين انه إذا وصفنا نظام حكم بأنه اسالمي‪ ،‬فال بد أن يشترط‬
‫فيه توفر العنصر األخالقي الن االسالم ومكارم األخالق ال يفترقان‪.‬‬
‫وإذا كان هناك ثمة اهتمامات واهداف للدولة االسالمية في السياسة واالقتصاد واالجتماع والدفاع‪ ،‬فان الهدف األخالقي‬
‫االنساني يبقى متقدمة على سائر ما عداه من اهداف؛ ألن االسالم بما يتضمنه من قوانين وانظمة سياسية واجتماعية‬
‫واقتصادية يستهدف بالدرجة األولى تكوين المجتمع المثالي القادر على تحقيق الرسالة‪ ،‬وإذا لم يتوفر العنصر األخالقي‬
‫في المجتمع والدولة فلن تكون هناك ثمة امكانية لتحقيق التوازن الروحي والمادي الذي يسمح ببناء المجتمع المثالي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬دولة حضارية‬ ‫‪-‬‬

‫يؤكد الفكر االسالمي المعاصر على أن مبرر وجود المجتمع اإلسالمي في التاريخ والزمان هو انه مجتمع يتجاوز ضرورة‬
‫االجتماع والتعاون ليكون مجتمعة رسالية ملتزمة ذا رسالة ومهمة حضارية وان هللا سبحانه وتعالى اراد للمجتمع العربي‬
‫ان يكون متميزة ومتجاوزة لذاته وواقعه بما وفره له من عوامل االنطالق وبما من عليه من نعمة النبوة والرسالة وجعله‬
‫تجسيدا العقيدة ورسالة حضارية‪ .‬وما ورد في القران في وصف المجتمع االسالمي وفيما ينبغي أن يكون عليه هذا‬
‫المجتمع من انفتاح وشهادة ووسطية واستخالف وغير ذلك‪ ،‬ما يدل على الدور الحضاري واالنساني للمجتمع المسلم‪،‬‬
‫كما يشير الى ضرورة أن تكون الدولة االسالمية حضارية مفتوحة على العالم خالفا لكل المجتمعات المغلقة التي عرفتها‬
‫البشرية‪.‬‬
‫وتتجسد عالمية وحضارية الدولة االسالمية في معاني عدة منها‪:‬‬
‫* انها دولة قادرة على التفاعل مع نفسها ومع العالم‬
‫* انها مالكة لثقافتها وخصوصيتها ومبادئها التي تشكل مضمونها ومعناها‪.‬‬
‫* انها دولة تنشئ في اطارها حضارة من نوع خاص تتسم بالنشاط والتطور في جميع مجاالت الحياة البشرية مع احتفاظها‬
‫الكامل باألسل والمبادع والقيم التي تأسست عليها‬
‫أن وصف الدولة االسالمية بالحضارية يعني انها تتجاوز القومية والوطنية والطبقية وتذوب فيها فوارق األجناس‬
‫واألوطان وااللسن وااللوان حيث يوجد بين أبنائها االيمان باهلل خالق الكون واإلنسان‪ ،‬فحضارية الدولة ال تنحصر‬
‫بالمسلمين وحدهم وانما تتعداهم الى سائر األمم والشعوب كونها منطلقة من طبيعة االسالم باعتباره رسالة لكل الناس‬
‫وتحرص على إطالق الطاقات االنسانية في إطار االهداف والمبادع والقيم التي تأسست عليها؛ ألن ذلك يعود بالنفع على‬
‫جميع الناس‪.‬‬

‫رابعا‪ -:‬المرونة‬ ‫‪-‬‬

‫‪13‬‬
‫من خصائص الدولة االسالمية انها دولة متطورة األشكال وهذا يعني أن الدولة ليست مقدسة طالما انها مؤسسة من‬
‫المؤسسات التي تنتجها األمة من خالل التزامها اإلسالم وتطبيقها لقوانينه وأحكامه‪ ،‬وعلى ذلك فأن الدولة االسالمية‬
‫ليست مؤسسة جامدة وانما هي تتطور وفقا لتطور المجتمع السياسي االسالمي مع االلتزام في الوقت نفسه باألسل‬
‫والمبادع الثابتة في االسالم من قبل االلتزام بمبدأ الشورى والمبادع األخالقية واالنسانية التي بينها االسالم كاألمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما هو ثابت في النص االسالمي‪.‬‬
‫وبما أن اإلسالم لم يحدد شكل الدولة االسالمية بأن تكون جمهورية أو رئاسية او برلمانية‪ ،‬فأن هذا األمر متروك لالمة‬
‫كي تحدد ما ينبغي أن تكون عليه الدولة أو الحكومة من حيث الشكل‪ .‬فشكل الدولة يبقى خاضعا لطبيعة المجتمع وتحوالته‬
‫وتركيباته االجتماعية وكذلك لمستواه السياسي والفكري‪.‬‬

‫أهداف الدولة اإلسالمية‬ ‫‪-‬‬


‫أن خصائص ومميزات الدولة االسالمية يجعلها تتجه صوب اهداف معينة عليها أن تحققها وتنقسم االهداف التي تتوخاها‬
‫الدولة الى اهداف وجودية بمعنى الضرورات التي ينبغي ان تقوم ألجلها الدولة‪ ،‬واهداف تنموية وهي االهداف التي ينبغي‬
‫على الدولة أن ترعاها للمجتمع الذي تحكمه حتى تتسم بالشرعية الكاملة ومن تلك األهداف‪:‬‬

‫اوال‪ :‬العدالة‪-:‬‬ ‫‪-‬‬

‫من مميزات المجتمع االسالمي انه مجتمع العدل ومحكوم لهذا المبدأ في جميع عالقاته الخارجية والداخلية‪ ،‬فالتشريع‬
‫االسالمي جعل العدل اساسا لكل شيء‪ ،‬ويرى المفكرون االسالميون ان االنسان جزء من هذا العالم‪ ،‬والبد أن يكون له‬
‫نظامه الخاص القائم على أساس العدل؛ ألن العدل هو ضمانة استمرار الحياة االنسانية مثلما هو ضمانة استمرار‬
‫العالم‪ ،‬بكل ما فيه من جماد ونبات وحيوان‪ ،‬وللعدل اشارت جملة من اصيات القرآنية كقوله تعالی والسماء رفعها ووضع‬
‫الميزان"‪ ،‬وقوله تعالى أن هللا يأمر بالعدل واإلحسان"‪ ،‬وقوله تعالى "واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"‪ ،‬أما‬
‫الدولة االسالمية فأنها اذا حققت العدالة فأنها بذلك تكون منسجمة مع طبيعة تكوينها ومع األساس والمبادع التي تتبناها‪،‬‬
‫وكذلك مع الرسالة التي تحملها وتعمل على تطبيقها وحمايتها وبمجرد أن تخرج الدولة عن األساس الذي تقوم عليه وعن‬
‫الرسالة التي تحملها فأنها تفقد شرعيتها ومبرر وجودها وتصبح دولة ظالمة‪.‬‬
‫وال بد أن يكون مبدأ العدل حاكما على االنسان في عالقته باهلل وعالقته بالناس في جميع األحوال ولهذا قيل ان العدل‬
‫اساس الملك والظلم مؤذن بالخراب" وإذا كان االسالم قد نهى عن الظلم وامر بالعدل في الكثير من اصيات القرآنية‪ ،‬فنن‬
‫الظلم تترتب عليه مفاسد وشرور واضطرابات سياسية ونفسية واجتماعية تمنع من تكامل االنسان وتحول دون بلوغه‬
‫الكمال الروحي‪.‬‬
‫ومما تجدر االشارة اليه ان العدالة ال تقوم على فكرة المساواة في اإلسالم‪ ،‬بل على اساس اعطاء كل ذي حق حقه‪ ،‬ولذلك‬
‫فأن الدولة االسالمية اقرت بالتفاوت االقتصادي وانه حقيقه واقعه‪ .‬وان التفاوت واالختالف نتيجة لطبيعة تكوين االنسان‬
‫وظروف البيئة حتى وان تساوت الشروط الموضوعية‪ ،‬ولذلك فأن الدولة انطلقت من الحرية االنسانية لتضع لها أهدافا‬
‫فرعية في مجال العدالة االقتصادية واالجتماعية منها توفير وحماية حق العمل والتعلم للجميع ويذهب البعض إلى جعل‬
‫التعليم والصحة مجانية تتكفل الدولة بها‪ ،‬على األقل في المستويات األولى من التعليم لتحقيق العدالة في هذا الجانب‪،‬‬
‫والعدالة مثلما هي مطلوبة في عالقة الدولة مع شعبها‪،‬‬
‫فأنها أساس من اسل العالقات الدولية من وجهة النظر اإلسالمية‪ .‬ولذا يتطلب من الدولة العمل على عدة مستويات في‬
‫عالقاتها الدولية انطالقا من مبدأ العدالة االسالمي وهذه المستويات‪:‬‬
‫‪ .١‬اعتماد المواقف التي تتبع من مفهوم العدالة تجاه الدول األخرى وهي االعتراف بحق االخرين مثلما مطلوب من‬
‫االخرين االعتراف بحق الدولة‪ ،‬واالعتراف يعني تطبيق ما يترتب عليه من التزامات‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪ .٢‬االبتعاد عن سياسة المحاور التي تهدف إلى االستغالل والسيطرة على االخرين ورفض االتفاقات السرية التي يراد‬
‫منها سلب حقوق الدول األخرى‪.‬‬
‫‪.3‬رفض اعتماد الغذاء اسلوبا من اساليب السياسة للضغط على الدول لتحقيق اهداف الدول الضاغطة‪ ،‬بل يمكن اعتماد‬
‫مبدأ الحاجة اساسا لحركة الثروة انطالقا من مبدأ التكامل بين الموارد االولية وبين السلع والخدمات‪.‬‬
‫‪ .٤‬اعتماد سياسة عادلة في مجال شراء المواد األولية بحيث ال تبخل حق الدولة األخرى وردم الفجوة بين سعر المنتج‬
‫وسعر المواد األولية‪.‬‬
‫‪ .5‬التأكيد على مبدأ العدالة في توزيع الثروة في المجال الدولي ومحاربة اية مظاهر لالستغالل سواء كانت بأسلوب‬
‫االستعمار المباشر أو وسائل االقتصاد األخرى‪.‬‬
‫كل هذه القضايا يمكن أن تكون مبادع في سياسة الدولة االسالمية الخارجية‪ ،‬لتقدم بذلك نموذجا جديدا من التعامل الدولي‬
‫وفق معايير الحق والعدل‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬التوازن‬ ‫‪-‬‬

‫من جملة أهداف الدولة االسالمية‪ ،‬أن تحقق التوازن المادي والروحي في حياة االنسان فال يطغى جانب على اخر فليل‬
‫من أهداف الدولة االسالمية أن تعتني فقط بالجانب الروحي دون المادي من االنسان او العكل‪ ،‬أو أن تكتفي بالسيادة‬
‫والثروة والمجد‪ ،‬بل يجب أن يكون هدفها كرامة االنسان وحمايته من الظلم والجور‪ .‬من هنا فأن الحضارة االسالمية لم‬
‫تشهد الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي وانما انطلقت من النظرة الموحدة للوجود كله باعتباره مجموعة السنن‬
‫االلهية تتعاون لتنتج نظرة واحدة متكاملة تقود االنسان الى طريق الخير والحق‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التنظيم االداري‬ ‫‪-‬‬

‫على الدولة االسالمية مراعاة النظام وتنظيم امور المجتمع وحسن التدبير ودقة االدارة التي توصف في االنظمة الحالية‬
‫بأنها ((الحارس لبوابة النظام السياسي)‪ ،‬ومع ضرورة وضع القانون العادل وتطبيقه على الدوائر الرسمية‪ ،‬اال أن ذلك ال‬
‫يعد كافيا لسير النظام على ما يرام ومراعاة حقوق المواطنين‪ ،‬بل ال بد من حسن التدبير في االدارة وضع جهاز المراقبة‬
‫والتنسيق والكفاءة‪.‬‬
‫السيما ان وسائل التدبير والتنظيم لم ينص عليها المبدأ التشريعي‪ ،‬ولم يحددها‪ ،‬بل ترك للناس حرية االختيار والتعرف‬
‫في ضوء ادلة التشريع العليا والقواعد العامة للشريعة‪ ،‬وبما يضمن مواكبة الزمن واختيار الصيغة المالئمة لنوضاع‬
‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫فمرونة الشريعة تتجلى في عدم النص على األمور التنظيمية والتدبيرية‪ ،‬حيث انها تركت للناس أن يختاروا ما يناسب‬
‫عصرهم انطالقا من القواعد العامة للشريعة ومن مبادع الحكم في االسالم‪ .‬ويسترشد المفكرون المعاصرون بكنوز الترال‬
‫االسالمي في زمن الخالفة والتي تؤكد على ضرورة بناء جهاز اداري كفوء وبناء كادر وظيفي قادر على انجاز عمله على‬
‫الوجه األكمل من خالل اعتماد المبادع االدارية االساسية منها‪:‬‬

‫‪ .١‬الكفاءة واالمانة اساسية للتوظيف األداري‪ :‬فأهم مميزات المجتمع والحكومة االسالمية سيادة العدل واعتماد المساواة‬
‫دون تحيز او تمييز لجانب على حساب جانب اخر فضال عن تغييب الوساطة واألهداف الشخصية في اختيار الموظفين‬
‫واعتماد بدل ذلك شرط الكفاءة واألمانة والنزاهة ((ثم انظر في عمالك فأستعملهم اختبارا وال تولهم محاباة واثرة))‪.‬‬

‫‪ .٢‬تفعيل جهاز المراقبة واالشراف‪ :‬وذلك ادراكا ألثر المراقبة والمحاسبة في تطبيق العدالة وبغية الحيلولة دون استغالل‬
‫بعض األفراد لمناصبهم ومسؤولياتهم لمصالحهم الخاصة‪ .‬والبد أن يتصف هذا الجهاز بالصدق واألمانة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .٣‬اعتماد مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الموظفين ‪ :‬اذا كان العدل القيمة االساسية والمبدأ الجوهري الذي قام عليه‬
‫االسالم فهو يعني وضع الشيء في موضعه‪ ،‬وبناء عليه فان االدارة الصحيحة المنسجمة مع االسالم هي االدارة التي‬
‫تفرق في نظرتها بين العامل المحسن والعامل المسيء فتكافئ االول وتعاقب الثاني‪ ،‬والبد أن تكون هذه السياسة متوازنة‬
‫وفي ظل سياقات تحقق أهدافه مزدوجة فثواب المحسن يدفعه للعمل واالستمرار بالعطاء‪ ،‬بينما معاقبة المسيء ومحاسبته‬
‫ستكون رادع له عن االستمرار في الخطأ‪.‬‬

‫‪ .4‬تأمين الحاجات المادية للموظفين‪ :‬فاإلسالم بوصفه مدرسة انسانية ودينا الهيا قد اولى اهمية قصوى لتغطية الحاجات‬
‫المادية لنفراد واكد على ضرورة أن تقوم الدولة بتلبيتها واشباعها ووضع بعض الضوابط والمبادع بهذا الخصوص‬
‫والتزام الدولة بتلك الضوابط سيحقق اكثر من هدف منها‪ ،‬أنها ستمثل قوة لموظفي الدولة يستعينون بها على استصالح‬
‫انفسهم وتقويم تصرفاتهم‪ ،‬وتشكل حصانة من الرشوة ومن اختالس األموال العامة‪ ،‬فضال على انها ستكون حجة بيد‬
‫الدولة لمعاقبة المعتدين على المال العام أو الخائنين ألمانتهم (ثم اسبغ عليهم االرزاق فان ذلك قوة لهم على استصالح‬
‫انفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت ايديهم وحجة عليهم أن خالفوا امرك واثلموا أمانتك)‪.‬‬
‫اذ تلك األسل والمبادع من شأنها بناء جهاز اداري مقتدر وكفء‪ ،‬أما الصالحيات الممنوحة للدولة في التنظيم االداري‬
‫فأنها ستمنح الجهاز اإلداري في المجتمع مرونة كبيرة تجعله األحدال وما يتجدد من الحاجات والظروف التغيير‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬السلطة في الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫‪-‬‬

‫المبحث األول‪ ،‬مصدر شرعية السلطة في الفكر اإلسالمي المعاصر‬


‫المحاضرة السابقة تحدثنا عن مصدرية السلطة وهناك اتجاهين يذهب األول إلى أن البعد الجماهيري أي األمة مصدر‬
‫السلطة بينما يذهب االتجاه الثاني إلى أن البعد الديني أي هللا مصدر السلطة‪.‬‬

‫االتجاه األول‪ ،‬البعد الجماهيري‬


‫بناء على هذا االتجاه عد األمة مصدرا لشرعية السلطة ولهذا يكون الحاكم مسؤوال أمام األمة ويعتمد هذا االتجاه على‬
‫دليلين؛ األول أن اإلنسان مستخلف من هللا تعالى حساب أية االستخالف في القران الكريم‪ ،‬أي أن جزءا من االستخالف‬
‫يتمثل بأحقيته في إدارة شؤون نفسه باألسلوب الذي يحقق مصالحه االجتماعية وحتى الشخصية كاألمن والمعيشة‪ .‬فاألمة‬
‫بناء على ذلك عندما تمارس سلطاتها‪ ،‬فهي تتصرف بوصفها خليفة هللا وليست صاحبة سلطان‪ ،‬فمصدريتها للسلطات‬
‫تأتي نتيجة التفويض اإللهي لها‪.‬‬
‫والدليل الثاني هو التجربة التاريخية خاصة بعد وفاة الرسول (ص) ويقصد بفترة الخالفة فبالرغم من تعدد آليات اختبار‬
‫الخليفة إال أن األصل فيها حق األمة في االختيار واعتماد أهل الحل والعقد إليه لتعيين الحاكم أوال ثم إعالن الموافقة عن‬
‫طريق البيعة ثانية‪.‬‬

‫واالتجاه الثاني البعد الديني‬


‫هذا االتجاه يحصر مشروعية السلطة باهلل تعالى كونه مصدر السلطات‪ ،‬ويستند على مجموعة أدلة منها‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ .1‬األصل في اإلسالم أن الوالية عامة طبقا لقوله تعالى‪" :‬المؤمنون بعضهم أولى ببعض"‪ ،‬وهذه الوالية متساوية؛ ألنها‬
‫ال تجعل ألحد حق الفرض على اصخرين ما لم تكن هناك جهة تفويض من خارج دائرة الوالية العامة‪ ،‬وجهة التفويض هذه‬
‫هي هللا تعالی‪.‬‬
‫‪ .٢‬أشار هللا سبحانه إلى السلطة بعنوان اعم من خالل اصيات القرآنية بحيث تكون السلطة من مصادقيها كاإلمامة والرسالة‪،‬‬
‫إذ لم يترك هللا تعالى حق اختيار الرسول أو اإلمام بل جعله من مختصات الربوبية‪ ،‬وعلى األمة أن تطيع وتلتزم بهذا‬
‫االختيار‪ ،‬كما منع القران الكريم التفكير باالختيار حين استخدم لفظة (الجعل في االستخالف واإلمامة)‪ ،‬وركز على عملية‬
‫الجعل هذه جاءت بعد توافر شروط الجعل في المختار من الصبر والقدرة على التحمل وكذلك التسليم والتيقن بالمنهج‬
‫الرباني‪.‬‬
‫‪ .3‬تناولت اصيات القرآنية موضوع اختيار الحاكم من هللا تعالى دون تأويل أو تحليل‪ ،‬حيث حصرت عملية الجعل باهلل تعالى‬
‫كما جاء في قصة طالوت وجالوت‪ ،‬عندما تصور الناس بان اختيار الملك هو من لديه الثروة‪ ،‬وجاء الرد الرباني بان‬
‫مواصفات الحاكم هي يستطيع بها اتخاذ القرار وتنفيذه‪ ،‬ويتصف بالعلم المفضي إلى اختيار األصلح لنمة‪ ،‬أم المعايير‬
‫األخرى كالمال والجاه فهي زائلة ومتغيرة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ ،‬وسائل اختيار السلطة في الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫‪-‬‬

‫الطريقة األولى الختيار الحاكم في الدولة اإلسالمية هي الشوری ‪:‬‬


‫يحصر أتباع مدرسة الخالفة اختيار الحاكم بالشورى وأضاف إليها البيعة كفرع مترتب على الشوری؛ ألن البيعة إعالن‬
‫الموافقة على االختيار وااللتزام بخط الحاكم‪.‬‬
‫استند هذا االتجاه على مؤتمر السقيفة الذي شهد أول اختيار للحاكم بعد وفاة الرسول (ص)؛ لكون الرسول (ص) کان‬
‫مختارة من هللا تعالى‪ ،‬وان مشاورته ألصحابه كانت ألجل أن يجعل المشاورة منهجا لكل من يقوم مقامه من القادة والدعاة‬
‫واألمراء‪.‬‬
‫إلزامية الشورى للحاكم بعد اختياره‪:‬‬
‫يختار أهل الحل والعقد الحاكم عن طريق المشاورة وذلك يكون ملزما لنمة‪ ،‬ولكن هل الشوری ملزمة للحاكم بعد اختياره؟‬
‫بما معناه هل الحاكم ملزم بالمشاورة بعد أن يتم اختياره‪.‬‬
‫هنالك وجهان لهذا األمر األول مرتبط بمرحلة اختيار الحاكم بعد أن يتشاورون أهل الحل والعقد الختياره ويكون ذلك ملزمة‬
‫لنمة‪.‬‬
‫والوجه الثاني يرتبط بالحاكم بعد اختياره فهو غير ملزم عند أغلبية مفكري هذا التيار‪ ،‬وهو أمر يفتقر إلى الدقة في تحليل‬
‫اصيات القرآنية التي وردت فيها الشورى في سورة ال عمران بان الشوری غير ملزمة للرسول كونه معصوم عن الخطأ‬
‫أوال‪ ،‬وألنها جاءت من اجل المحافظة على النسيج االجتماعي عند حصول حالة من التمرد والعصيان من جماعة من‬
‫الشعب على قرارات الحاكم الشرعي‪ ،‬أما سورة الشورى فتكون ملزمة ألنها امتدحت مجموعة المؤمنين لكونهم جعلوا‬
‫من الشورى أساسا إلدارة أمور المجتمع‪ .‬من زاوية أخرى تذهب هذه اصراء إلى جعل الحاكم مسؤوال أمام األمة وأنه‬
‫يمارس سلطاته بصفته وكي" عنها أو أجيرا عندها‪ ،‬ومن حق األمة محاسبته وعزله عند انحرافه عن خط الصالح‪.‬‬
‫إال أن هناك تيار كبير من إتباع مدرسة الخالفة يرفض عزل الحاكم أو محاسبته بدعوى انه ظل هللا في األرض‪ ،‬حتى عدت‬
‫من يحاسب الحاكم يدعو إلى الفتنة إمعانا في عزل األمة عن ممارسة حقها في النقد والتوجيه واإلصالح‪.‬‬
‫تبين مما سبق أن إتباع مدرسة الخالفة ال يذهبون إلى االختيار المباشر لنمة بل يجعلون االختيار على مرحلتين األولى‬
‫اختيار أهل الحل والعقد والمرحلة الثانية اختيار األمة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وعندما ظهر الخالف الفكري حول وجود أهل الحل والعقد ومن هم؟ کون اغلبهم من رجال الدين وأصحاب النفوذ والمنزلة‬
‫القريبة من الحاكم‪ ،‬وهي الظاهرة التي حذر منها الرسول (ص) عندما منع العلماء من التردد على أبواب السلطان لما في‬
‫و ذلك من تأثير على قراراتهم‪ ،‬والمعروف ب(وعاظ السالطين)‪.‬‬
‫ونتيجة صعوبة حل هذه اإلشكالية البعض منهم ألغي شورى أهل الحل والعقد ونادوا بالخيار الثاني هو اختيار األمة‬
‫بالطريق المباشر عن طريق االنتخاب‪.‬‬
‫إال أن البعض اصخر أبقى على شورى أهل الحل والعقد ولكن يتم اختيار الحاكم عبر مرحلتين األولى يتم فيها اختيار أهل‬
‫الحل والعقد عن طريق االنتخاب الشعبي المباشر أو االستفتاء أو أية طريقة أخرى ويناط بهذه المجموعة (أهل الحل‬
‫والعقد) اختيار الحاكم (السلطة التنفيذية)‪.‬‬
‫وإذا كان دعاة الشورى قد تجاوزوا عقدة أهل الحل والعقد إال أن هذه الطريقة تواجه مشكالت واقعية في الوقت الحاضر‬
‫تتطلب إعادة النظر في بعض تفاصيلها‪ ،‬وهذه المشكالت هي‪:‬‬

‫اوال‪ :‬مسألة تمثيل الشعب غير المتجانل دينية ومذهبية‪ ،‬إذ أن الشوری تفترض في أهل الحل والعقد أن يكونوا مسلمين‬
‫لكي يتم اختيار المسلم في السلطة التنفيذية وربما يحصل هذا في بلد غالبيته المطلقة من المسلمين‪ ،‬أما في بلد تكون فيه‬
‫أقليات دينية فال يمكن اعتماد هذه الوسيلة‪ ،‬الن الشوری ترتكز على اإلسالم أساسا للروابط واالنتماء‪ ،‬في حين المجتمعات‬
‫غير المتجانسة ترتكز على مفهوم المواطنة الذي يتعارض مع مبدأ الشورى اإلسالمي كون المواطنة تقوم على مبدأ‬
‫المساواة الحقوقية بين أفراد الشعب وهذا ما ال يقبله بعض إتباع الشوری‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشورى والتداول السلمي للسلطة‪ ،‬فالشورى ال تقيد الحاكم بمدة زمنية معينة‪ ،‬كل ما تفعله الشورى هو تقييد الحاكم‬
‫بالوصف وفقدانه لبعض األوصاف يجعل حكومته غير شرعية‪ ،‬بل أن األمة وعم بمبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫مأمورة بتوجيه النصح وعدم الطاعة (إعالن العصيان)‪ ،‬وبناء على ما ذهب إليه البعض من أن الحاكم تجب له السمع‬
‫والطاعة مهما حصل منه من مخالفة ال تصل إلى حد الكفر‪ ،‬فان حكمه سيكون ابديا‪ ،‬ألنه من الصعب جدا إثبات كفر الحاكم‬
‫مهما فعل ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن الشورى لم تعد آلية الختيار الحاكم السيما العامة منها‪ ،‬ألنها بحد ذاتها تحتاج إلى أسلوب لتطبيقها‪ ،‬ولذا فان‬
‫آلية التعبير عنها تعد آلية اختيار السلطة وأصبحت الشوری القاعدة التي ترتكز عليها السلطة‪.).‬‬
‫ومن خالل العرض السابق يتبين أن االتجاه اإلسالمي العام وان استعمل لفظة الشوری فانه يقترب من االنتخاب‪ ،‬ويذهب‬
‫باتجاه ممارسة األمة لحقها المباشر في اختيار الحاكم اإلسالمي‪.‬‬

‫الطريقة الثانية الختيار الحاكم في الدولة اإلسالمية هي االنتخاب‬


‫طبقا للفكر اإلسالمي المعاصر فتن االنتخاب له موارد ثالثة ترتبط بالسلطة هي‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬انتخاب السلطتين التشريعية والتنفيذية‬


‫يحاول دعاة االنتخاب التخلص من مقولة (أهل الحل والعقد) في اختيار السلطة مؤكدين أن االختيار المباشر هو الطريق‬
‫األفضل ألن قضية االختيار ترتبط باألمة مباشرة بمعنى أن الوالية عليها ومن اجلها ولذا فمن حقها أن تختار القائد أو‬
‫السلطة التي تراها األصلح‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫إذ إن السلطة التي تنتخبها األمة مباشرة تتفاعل معها ألنها تشعر أنها تعهدت لها بالطاعة بصورة مباشرة‪ ،‬بصورة أكبر‬
‫من السلطة التي ينتخبها (أهل الحل والعقد)‪ ،‬ألن األمة تشعر أنها بعيدة عن مسألة االختيار نسبيا‪.‬‬

‫ثانيا"‪ :‬الفقيه المشرف على السلطة السياسية في البلد‪.‬‬


‫وتتحول فيه السلطة إلى سلطة مركبة إلهية ‪ -‬شعبية إذ يؤكد كال من (السيد محمد باقر الصدر والسيد الخميني والشيخ‬
‫حسين على المنتظري وآخرين على أن الشريعة أقرت سلطة الناس على أنفسهم وما يملكون وأن أي تصرف في ذلك يعد‬
‫غصبه وظلمة‪ .‬ومع ثبوت الوالية للفقيه عند هؤالء إال أن الشعب هو الذي يحدد من تتوافر فيه هذا الصفات‪ ،‬وان هذا‬
‫التحديد يكون باالنتخاب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬انتخاب الهيئة التي تتولى اختيار السلطة‪ :‬وهي أهل الحل والعقد وقد تم التحديث عنها في موضوع الشورى‪ ،‬وحاول‬
‫بعض أصحاب هذا االتجاه التماس أدلة شرعية عن طريق االنتخاب إذ حصروها باالتي‬

‫‪ .1‬التكليف الشرعي‪ :‬وفي اإلسالم هنالك مواضيع ترك تحديدها إلى المكلف هذه المواضيع اختيار السلطة‪ ،‬فاإلسالم وطبقا‬
‫ألدلة نقلية وعقلية يذهب إلى وجوب اختيار السلطة التي حددها في عصر انتهاء حكم المعصوم بالوصف دون الشخص‬
‫وترك لنمة تحديد مصداق هذا الوصف عند الترشح سواء أكان المرشح واحدا أم جماعة‪ ،‬وعملية االختيار تتم وفق مبدأ‬
‫االنتخاب إذا كان الوسيلة األفضل في تحديد األصلح إلدارة الدولة مع إيمان هؤالء بان االنتخاب وسيلة متغيرة يمكن‬
‫التخلي عنها عند اكتشاف وسيلة أخرى تتالءم مع تحقيق هذا الهدف‪.‬‬

‫‪.٢‬البيعة‪ :‬عدت عند بعض الباحثين الوجه اصخر لالنتخاب إذ أنها تعني إعالن الموافقة على ترشح شخص ما للقيادة‪،‬‬
‫ولعل في تجربة الخالفة خير دليل على الممارسة العملية لها فضال عن الجذور القرآنية لها‪ ،‬والشتهار البيعة في عصور‬
‫الخالفة وما تالها من السلطة االموية والعباسية علت مصدرا الختيار الحاكم‪.‬‬
‫ولكن من الواضح أن عملية االختيار تركها اإلسالم لنمة طبقا ألحوالها الزمانية والمكانية وهي من المتغيرات وال تحتاج‬
‫إلى أدوات إسالمية سوى كون اختيار األمة للوسيلة مقيد بما ال يتعارض مع ثوابت اإلسالم األساسية ومع هذا ترد على‬
‫أسلوب االنتخابات وفق ما طرحه اغلب مفكري اإلسالم المعاصرين لنمور اصتية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الشمولية‪:‬‬
‫ويراد بها شمول أبناء الشعب باالنتخابات إذ تذهب بعض االتجاهات الفكرية اإلسالمية إلى منع المرأة من حق الترشيح‬
‫بصورة عامة أو منعها من الترشح لبعض المناصب الحكومية‪ ،‬فضال من منعها عن االنتخاب وان كان هذا االتجاه بدا‬
‫باالنحسار التدريجي بفعل ضغط الواقع وإعادة قراءة الموقف من حق المرأة في المشاركة في االنتخابات بما‬
‫يتالءم مع مكانتها االجتماعية والدينية وعطائها العلمي‪ ،‬كما أن هناك من يحصر االنتخاب بالمسلم دون غيره من أصحاب‬
‫الديانات األخرى إذ تذهب إلى اعتماد العقيدة عنصرا للوالء في حين أن االنتخابات تعتمد الجغرافية عنصر الوالء المواطنة)‬
‫وان كانت هناك أراء تذهب إلى حق األديان األخرى في اختيار ممثليهم في البرلمان‬

‫ثانيا‪ :‬التعارض بين التكليف والحق‬

‫‪19‬‬
‫انطالقا من تأكيد الفكر اإلسالمي المعاصر أن االنتخاب تكليف شرعي يتوجب على الفرد المكلف أداؤه في حين أن البعض‬
‫يذهب إلى عده حقا له يتمتع باالختيار في القيام به أو االمتناع عنه‪ ،‬وطبعا للتصور اإلسالمي فان التكليف يتحدد بالنسبة‬
‫‪ 16-15‬سنة من عمر اإلنسان‪ ،‬في حين أن اهليه االنتخاب تحددها اغلب دساتير العالم ب (‪ )١۸‬سنة‪ ،‬وتكون المسالة‬
‫أكثر وضوحا في حالة المرأة اذ أن سن البلوغ الشرعي يكون على النصف من سن األهلية القانونية مما يحرم اإلنال من‬
‫االنتخابات ما تصل إلى سن (‪ )١۸‬سنة ‪ .‬وهذه المفارقة تتطلب حال من الفكر اإلسالمي المعاصر أما بتعادة النظر في سن‬
‫التكليف أو سن القوانين التي تسمح الممارسة هذا التكليف في سن أقل من السن القانوني‪.‬‬
‫ومع اإلقرار بوجود االختالف في الشمولية واألهلية فان االنتخاب في الفكر اإلسالمي المعاصر ال يختلف في جوهره عن‬
‫االنتخاب في الديمقراطية الغربية‪.‬‬

‫الطريقة الثالثة الختيار الحاكم في الدولة اإلسالمية في التعيين‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫ويقصد به طريقة تعيين الحاكم الفعلي الذي يتولى هو اختيار وتعيين باقي السلطات‪ ،‬والتعيين طبقا لهذا االتجاه نوعان‬
‫هما‪:‬‬

‫أوال‪ :‬التعيين اإللهي‬


‫ال يوجد خالف بين المسلمين قديما وحديثا حول التعيين اإللهي لننبياء والرسل وأن كان هناك خالف حول وظائف الرسالة‬
‫أو النبوة ومدى اتساعها اإلدارة الدولة‪ ،‬ونتيجة النقطاع الوحي فان خيار التعيين اإللهي يواجه مشكلة معرفية تتمثل في‬
‫انقطاع واسطة األخبار والتبليغ بما عرف قرآنية وإسالمية ب (ختم النبوة) والتي تعني انقطاع خط التواصل المباشر مع‬
‫هللا تعالى من الناحية اإلدارية والسياسية‪ ،‬وان ذهبت مدرسة إسالمية إلى انقطاع الوحي ال يعني توقف التعيين (النص)؛‬
‫الن أثناء انتهاء االمتداد اإللهي للرسالة تم النص على مجموعة من األشخاص يتولون اإلمامة الدينية والسياسية وهو ما‬
‫يعرف بالنص على اإلمامة ولعل واقعة (غدير خم) التي ورد ذكرها في اغلب مصادر الحديث تشير إلى االختيار الرباني‬
‫لإلمامة السياسية بعد أن أشارت روايات عدة إلى االختيار الرباني لإلمامة الدينية‪.‬‬
‫واذا كان هذا الخالف يمثل جوهر التمايز بين مدرسة اإلمامة ومدرسة الخالفة فان بعد مضي مدة من الزمن عاشت مدرسة‬
‫اإلمامة مسالة (الفراغ) في القيادة الدينية والسياسية وهو ما اصطلح عليه بمدة (الغيبة)‪ ،‬ولحل مشكلة التواصل فان هناك‬
‫من األراء من حددت النص اإللهي بنوعين‪:‬‬

‫‪ .1‬النص المباشر‪ :‬وهو الذي شمل الرسالة عند مدرسة الخالفة والرسالة واإلمامة عند مدرسة اإلمامة وهو ما يسمى‬
‫بالتعيين الشخصي) أي النص على شخص بوصفه المشهور كما حصل مع الرسول (ص) الذي أشارت إليه الكتب السماوية‬
‫السابقة بوصف (احمد) ألنه الموصوف بكثرة الحمد هللا تعالى وهو المحمود أيضا عند السماء‪.‬‬

‫‪ .٢‬التعيين بالوصف‪ :‬وهذا االختيار هو السائد في عصر الغيبة عند الشيعة األمامية وكذلك عند عموم أهل السنة إذ توجد‬
‫صفات معينة اشترطها الشارع فيمن يتولى القيادة في األمة اإلسالمية البد من توافرها وتكون األمة مسؤولة عن اختيار‬
‫األصلح فيمن تتوافر فيه هذه الصفات‪ ،‬وهذه الصفات بعضها محل اتفاق كاإلسالم والذكورة والقدرة البدنية والعقلية على‬
‫اإلدارة إال أن بعضها مثل االجتهاد في النوازل والقرشية والعدالة محل خالف بين المفكرين المعاصرين‪ .‬ويطلق عليه‬
‫(التعيين النوعي) أي شام" للنوع اإلسالمي ولكن دون تحديد االسم الشخص) تمييزا له عن التعيين الشخصي‪ .‬وهناك‬
‫طريقتان لتحديد انطباق المواصفات على الشخص المرشح لتولى منصب اإلداري في الدولة اإلسالمية هما‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫أ‪ .‬التصدي ‪ :‬أي يقوم شخص ما تتوافر فيه هذه الصفات بالتصدي للمهمة وتقبل األمة بهذا التصدي عن طريق التزامها‬
‫بتدارته للدولة وهذا موجود في األدبيات الشيعية المعاصرة الشتراطهم الفقاهة في توني القيادة االجتهاد) وغالبا يكون‬
‫المتصدي (مرجع) طبقا لنظرية الحسبة أو الوالية العامة للفقيه ويحصل القبول فيه من األمة كما هو مع قيادة اإلمام‬
‫الخميني اإليران‪.‬‬

‫ب‪ .‬اختيار األمة له ‪ -:‬أما بطريق مباشر وهو االنتخاب أو بطريق غير مباشر بتوسط مجلل يتولى اختيار القائد الديني‬
‫السياسي للدولة وحصر الوالية بالفقيه كونها مستمدة من توجيهات األئمة في حال الغيبة الذين أشاروا في عدد من‬
‫الروايات إلى مراجعة ذوي االختصاص الفقهي في النوازل المستجدة ألنهم حجج األمام على األمة‪.‬‬

‫وال بد من بيان أوجه الفرق بين نوعي التعيين النصي اإللهي الشخصي والتعيين النوعي بالوصف كاالتي‪:‬‬

‫عصمة المختار طبقا للتعيين اإللهي‬ ‫‪-‬‬


‫ال يوجد خالف فكري حول عصمة األنبياء والرسل في مجال التطبيق والتبليغ للرسالة بين المسلمين ومن الواضح أن‬
‫االختيار الرباني ينطلق من المعرفة المطلقة بالمختار من ناحية وقدرات المختار على تحقيق الوظائف المكلف بها من‬
‫ناحية أخرى السيما وأن بعض المناصب اإللهية تمت في أعقاب اختبارات صعبة كما في حالة النبي إبراهيم (ع) وكذلك‬
‫بعض أنبياء بني إسرائيل‪.‬‬

‫أما المختار من األمة أو المتصدي للقيادة فال تتوافر فيه صفة العصمة وان كانت بعض المدارس اإلسالمية تشترط فيه‬
‫ملكة العدالة والتي تمثل الحالة الطبيعية في السلوك واالستثناء هو االبتعاد عن خط العدالة سهوا أو قصورا في الفهم‬
‫واإلدراك‪ ،‬ولكن قد تقع األمة في خطأ التشخيص مما يفقدها عصمة االختيار‪ ،‬ولهذا وضعت الشريعة اإلسالمية أساليب‬
‫لمواجهة انحراف الحاكم أو خطأ اختيار األمة تتضمن النصح والمشورة والعزل عند الضرورة‪.‬‬

‫• األسوة‪ :‬ال يمكن عد ممارسة القائد المختار من األمة أسوة يجب االقتداء بها كما هو الحال في االختيار اإللهي (النص)‬
‫النتقاء شرط العصمة (عدم الخطأ في التقدير أو التخطيط وان كانت هناك أراء تؤسل لنظرية االقتداء بهؤالء وما يعرف‬
‫بالسوابق التاريخية السيما في عصر الخالفة الراشدة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعيين البشري ‪ :‬ما زالت بعض األدبيات اإلسالمية المعاصرة تؤمن بوالية العهد‪ ،‬إذ ذهب البعض إلى القول بان‬
‫االختيار يمكن أن يكون من الحاكم ليتولى من بعده إدارة الدولة‪ ،‬وهذا الرأي ينطلق من قدسية الحاكم وتبعية المحكوم‬
‫خالفا للنظرية اإلسالمية التي تقوم على فكرة أن األصل هو اإلنسان والمجتمع وان الحكومة رعاية وتدبير وليل هيمنة‬
‫وتسلط فال يصح اختزال إرادة األمة بشخص هو معارض لمبدأ التكريم اإلنساني والتفويض الرباني الذي قامت عليه‬
‫المدرسة الخالفة‬

‫المبحث الثالث الموقف من الديمقراطية في الفكر اإلسالمي المعاصر‬

‫‪21‬‬
‫أن الفكر اإلسالمي المعاصر ينظر إلى الديمقراطية من زاوية فلسفية وأخرى إجرائية‪ ،‬وهو يرفض الزاوية الفلسفية فيها‪،‬‬
‫ويعتمد في بعض اتجاهاته الزاوية اإلجرائية‪ ،‬وتقوم فكرة الرفض للبعد الفلسفي للديمقراطية على جملة من المسوغات‬
‫هي‪:‬‬
‫‪.1‬أن اإلسالم له رؤيته الفلسفية الخاصة التي تقوم على مركزية اإلنسان في األرض وعبوديته هلل تعالى وان هناك عالقات‬
‫متعددة لإلنسان يتحرك في ضوئها تتصف بالحرية في زاوية العالقة مع الناس والطاعة واالنقياد في هللا تعالى (العبودية‬
‫والبحث والتفكير وعقلنة األشياء في عالقته مع الطبيعة (التسخير) وحتى حريته في المجال اإلنساني تتحدد بعبوديته هللا‬
‫تعالی أي أن هناك حكومة العبودية على الحرية اإلنسانية في مساحات الطاعة خالفا للفلسفة الديمقراطية التي تقوم على‬
‫إلوهية اإلنسان‪.‬‬
‫‪.٢‬أن الديمقراطية تقوم على فكرة الفصل بين الدين والدولة‪ ،‬وتحرير السلطة من الرؤية الدينية ردا على ممارسات‬
‫السلطات الثيوقراطية المسيحية في العصور الوسيطة‪ ،‬ولذا عالقته مع فالديمقراطية لم تكن حيادية إزاء الدين‪ ،‬بل انحازت‬
‫للحرية المطلقة على حساب ثنائية الوجود اإلنساني الروح والجسم)‪.‬‬
‫‪ .3‬أن الديمقراطية نتاج بيئة وزمان وأوضاع اجتماعية وسياسية مغايرة لواقعنا اإلسالمي األمر الذي يجعلها دخيلة على‬
‫الثقافة اإلسالمية كما أنها دخيلة على وعي اإلنساني الشرقي وان محاولة دمجها بالثقافة اإلسالمية تتطلب االعتماد على‬
‫العام وترك الخاص شريطة أن يكون العام منسجما الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫لهذا اتخذ الفكر اإلسالمي من الديمقراطية مواقف ثالل‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬االتجاه الرافض للديمقراطية‬


‫شكل هذا االتجاه خطأ فكريا منطلقا من قراءة معينة لإلسالم تقوم على أساس النظرة التاريخية الماضوية للعقل اإلسالمي‬
‫ولمفاهيم التجديد واالجتهاد وفقه النوازل‪ ،‬ويحظى هذا االتجاه بتأييد بعض المسلمين مستغال العالقة المتوترة بين‬
‫المسلمين والغرب مؤكدا على أصالة الثقافة اإلسالمية‬
‫ورفض الدخيل عليها وينطلق من اعتبارات فكرية وتاريخية وكذلك من النتائج العملية لتطبيق الديمقراطية في الغرب ‪.‬‬
‫أما االعتبارات الفكرية لرفض الديمقراطية فتنطلق من عبودية اإلنسان هللا تعالى والتي تعني في األصل الخضوع مع‬
‫الطاعة ألوامر هللا تعالى أو نواهيه‪ ،‬وان القبول بالديمقراطية يعني الخروج من دائرة العبودية إلى الدائرة األلوهية أي‬
‫إعطاء اإلنسان وظائف هللا في التشريع‬

‫أما االعتبار التاريخي لرفض الديمقراطية فيقوم على فكرة أن اإلسالم ال يخلو من آلية االختيار الحاكم وهي الشورى‬
‫المقرونة بالبيعة‪ ،‬وان هذه اصلية استطاعت أن تحافظ على وحدة األمة وتنتج حكومات مقبولة شعبية على األقل قبل تحول‬
‫الخالفة إلى ملك عضوض‪ ،‬وهذا التبرير يتعارض مع القائلين بان اإلسالم ترك آلية اختيار الحاكم إلى األمة‪.‬‬
‫كما حاولوا الربط بين آلية االختيار واألوامر اإلسالمية وان العدول عنها إلى طريقة الديمقراطية يمثل ابتعادا عن أوامر‬
‫هللا تعالى وقد يدخل اإلنسان في دائرة المحظور الشرعي الذي ينجم عنه عقوبة دنيوية أو أخروية‪.‬‬

‫أما من حيث الممارسة العملية الديمقراطية في الغرب فقد افرزت مجموعة ما أطلق عليه السيد الشهيد محمد باقر الصدر‬
‫ب(مآسي النظام الرأسمالي الديمقراطي والتي يمكن اإلشارة باختصار إلى بعضها‪:‬‬

‫‪ -1‬التعارض بين التشريع ومصالح الشعب الواقعية‪ :‬أن القضية األساسية التي تتمحور حولها الديمقراطية تحقيق مصالح‬
‫الشعب األساسية عبر مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات التي ترمي إلى تحقيق تلك الغاية‪ ،‬ولكن معرفة المصالح الواقعية‬
‫‪22‬‬
‫للشعب قد ال تكون مدركة من الناخب أو المشرع مما قد يؤدي إلى إصدار تشريعات أو القيام بممارسات ال تخدم الشعب‬
‫وان كانت أغلبية أعضاء السلطة التشريعية وافقت عليها مما ينجم عنه أضرارا اجتماعية وسلوكية ال تنفع معها حركة‬
‫التصحيح كما هو الحال مع قوانين اإلجهاض والزواج المثلي وغيرها من القوانين‪.‬‬

‫‪ -٢‬أن الديمقراطية تركز على مبدأ الحرية اإلنسانية كما يزعم منظروها إال أنها تنتهي إلى االستبداد نتيجة هيمنة األكثرية‬
‫على األقلية وينعكل ذلك على هيمنة الشعوب الغربية على الدول النامية والتي تفرض سياسات الهيمنة االقتصادية على‬
‫هذه الدول مستغلة القدرات واإلمكانات المادية العسكرية التي تتمتع بها‪.‬‬

‫‪-٣‬أن الممارسة الديمقراطية انتهت إلى سيطرة األقلية بدال من األكثرية إذ أن نسب المشاركة في االنتخابات ال تتجاوز في‬
‫أحسن األحوال في بعض الدول ‪ %٥۰‬مما يعني النصف و الشعب لم يشارك في االختيار وعندما يفوز مرشح أو حزب ما‬
‫فان نسبة مؤيديه تقل عن ‪٥۰%‬بنسب معينة مما يعني هيمنة األقلية‪.‬‬

‫‪ .4‬أن الشرط األساس لنجاح الديمقراطية هو الرشد الفكري والوعي والبصيرة وهي أمور تكاد تكون مفقودة في أغلب‬
‫الناخبين بل أن تأثير اإلعالم ورؤوس األموال على رؤية الناخب تبدو واضحة في أغلب الدول الديمقراطية وبذا تحولت‬
‫الديمقراطية إلى ما يعرف ب (ديمقراطية النخبة االقتصادية)‬

‫‪ -‬المطلب الثاني‪ :‬االتجاه المؤيد للديمقراطية‬


‫ينطلق هذا االتجاه من كون الديمقراطية وسيلة اجرائية الختيار الحاكم ويحاول أن يذهب بها تاريخيا إلى القران الكريم‬
‫والتجربة النبوية‪ .‬وظهر في األدبيات اإلسالمية مصطلح الديمقراطية اإلسالمية تمييزا لها عن الديمقراطية الغريبة‪.‬‬
‫ولهذا االتجاه مجموعه من األدلة على موقفه هذا كلها تتطلق من فكرة أن اإلسالم ترك لنمة اختيار الوسيلة المناسبة‬
‫وبما يتالءم مع الواقع وبما يحقق المصلحة العليا للدولة وهذه األدلة هي‬

‫‪ .١‬رفض اإلكراه فاإلسالم يؤمن بالحرية ويحث المسلم على استخدام عقله في مسار حياته الدنيوية لكيال يكون اسيرا‬
‫لنخر إذ العبودية هلل تعالى‪ ،‬لهذا فاإلسالم يرفض أن يتسلط على الناس حاكما من لم يرضوا به وان طريقة التعبير عن‬
‫الرضا هي اصليات الديمقراطية االنتخاب والتداول السلمي للسلطة)‪.‬‬

‫‪ .٢‬تمسك دعاة هذا الرأي باإلجماع الذي هو مصدر من مصادر استنباط الحكم الشرعي ليكون دليال على القبول‬
‫بالديمقراطية من خالل الربط بين اإلجماع وبين إرادة األمة ورغبتها‪ ،‬ولكن يمكن أن يكون اإلجماع مقاربا لفكرة (أهل‬
‫الحل والعقد) التي ن تمثل نخبة األمة الفكرية وليل تعبيرا عن إرادة األمة الن هناك فرق بين سيرة األمة وبين اإلجماع‪،‬‬
‫فاألول يرتبط بقول األمة ألمر ما‪ ،‬والثاني يمثل رأي فقهاء األمة في قضية ما‪.‬‬

‫‪ .٣‬وحول التعارض الشرعي بين سلطة الشعب في المنظور الديمقراطي وسلطة هللا التشريعية يحاول هذا االتجاه وضع‬
‫حال لذلك بالقول أن تكليف النخبة دعوة األمة إلى اإلسالم وخلق الوعي لديها لتقبل به اسلوبا للحياة ومنهجا لتنظيم الدولة‬
‫حتى تختار األمة هذه النخبة أو غيرها ممن يمتلك مؤهالت إدارة الدولة إسالميا وفي حالة اختيار الشعب غير اإلسالميين‬
‫فان هذا يعكل أما فشل اإلسالميين في مهمتهم ولذا عليهم إعادة النظر في المنهج المعتمد أو أن األمة لم تمنحهم الثقة‬

‫‪23‬‬
‫لفقدان عنصر األهلية لديهم أو أن األمة لم تستجب لهم جهال منها أو مكابرة فال يتحمل التيار اإلسالمي المسؤولية عن‬
‫ذلك كما هو الحال في رفض أمم األنبياء االستجابة للدعوى والقبول بها‪.‬‬

‫وانطالقا من قاعدة جلب المصالح ودفع المفاسد تذهب بعض اصراء إلى القبول بالديمقراطية بالعنوان الثانوي ألنها تجلب‬
‫المنافع لكمة عبر مشاركة أبنائها في صنع القرار وتفع حالة االستبداد السياسي والديني وما يرافقه من دكتاتورية تكبل‬
‫حركة األمة وتوجهها باتجاه الضعف السياسي واالقتصادي‪ .‬ومع هذا فان أصحاب هذا التيار يقيدون الديمقراطية بقيد إال‬
‫يؤدي األخذ بها إلى تجاوز ثوابت اإلسالم األساسية أو تحليل المحرمات الثابتة في الشريعة اإلسالمية إذا جعلوا دائرة‬
‫التشريع الخاصة بالشعب مقتصرة على مساحة المباح في الشريعة‪ ،‬وإلضفاء القبول الذهني والنفسي على ديمقراطية‬
‫ذهب أصحاب هذا االتجاه إلى وصفها في اإلسالمية)‪.‬‬
‫وباإلجمال يمكن القول إن القبول بالديمقراطية دون قيود ال يستقيم مع الرؤية اإلسالمية العامة ال من حيث الفلسفة وال‬
‫من حيث اإلجراءات لما بينهما من فوارق جوهرية تتعلق بنظرة اإلسالم الفلسفية من جانب والسعة في مفهوم الشعب في‬
‫الرؤية الديمقراطية من جانب آخر‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬اتجاه الجمع بين الديمقراطية والشورى‬


‫يحاول هذا االتجاه الربط بين مالزمات الشورى بعدها اصلية اإلسالمية الختيار الحاكم وبين الديمقراطية بكونها آلية من‬
‫آليات اختيار الحاكم وفق الرؤية الوضعية وراجت في مدة من التاريخ المعاصر مفاهيم (الشورقراطية)‪.‬‬

‫واستند أصحاب هذا االتجاه على مقولة التعارف التي أمر القران الكريم بها إلثبات حق المسلمين في اقتباس ميزات‬
‫اصخرين االيجابية وإعادة دمجها بالثقافة اإلسالمية ومنها الديمقراطية وان اخذ بعض الباحثين مقولة السبق اإلسالمي‬
‫في تقرير القواعد التي تقوم عليها الديمقراطية كالحرية والمشاركة السياسية وترك التفاصيل الجتهادات المسلمين وفق‬
‫أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور حياتهم زمانا ومكانا وان عملية االقتباس هذه األمور الجزئية يمكن أن تأخذ صفة‬
‫اإلسالمية لكونها اقتبست باسم اإلسالم وبتجازته‪.‬‬
‫وعلى الرغم من غرابة هذا االستنتاج الن إسالمية موضوع ما تحددها الركائز الفكرية اإلسالمية وطريقة االستنباط وليل‬
‫عملية االقتباس‪ ،‬والديمقراطية عندما يحتكم إليها الشعب المسلم ال يعني استنباطها من مصادر التشريع المعتبرة وإنما‬
‫تدخل في إطار عملية االحتكاك الحضاري والتأثر باصخر ومحاولة إيجاد بيئة مالئمة لها عبر إزالة مكامن االفتراق عن‬
‫الثوابت اإلسالمية منها‪.‬‬

‫أن عملية الجمع هذه تقوم على أساس االستفادة من ركائز الديمقراطية ومنها المواطنة واإلقرار بالتعددية السياسية وحق‬
‫المعارضة والتداول السلمي للسلطة والمراقبة البرلمانية وغيرها طالما أن هذه األمور لم تعد محل خالف مع النظرية‬
‫السياسية اإلسالمية‪.‬‬
‫والديمقراطية استطاعت أن تولد حراكا فكريا في الوسط اإلسالمي يقوم على أساس تحديد والية الحاكم بعد أن كانت غير‬
‫محددة بوقت‪ ،‬وكذلك السماح بوجود األحزاب اإلسالمية بل وذهب بعضهم إلى وجود أحزاب غير إسالمية طالما تلتزم‬
‫باألطر العامة لإلسالم‪ ،‬ولكن هناك من يذهب إلى أن اإلسالم وإن قرر حق االنتخاب للمواطن إال أن هذا الحق لو أسفر عن‬
‫انتخاب شخص أو مجموعة غير إسالمية فهو غير مسموح به‪ ،‬مما يعني أن هذا االتجاه يذهب إلى تقييد ركائز الديمقراطية‬
‫بما ال يتعارض مع الثوابت اإلسالمية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫والحقيقة أن رؤية المفكرين اإلسالميين من الديمقراطية تراوحت بين المحافظة على الشريعة من اإلهمال أو االستبدال‬
‫وبين التخلص من الدكتاتورية واالستبداد وضياع كرامة اإلنسان ولذا تباينت المواقف بين الرافض حفاظا على الشريعة‬
‫وحق هللا في التشريع وبين القبول التقييد سلطة الحاكم ومنعه من االستبداد والتسلط دون الفوضى في الموقف اإلسالمي‬
‫من حقوق األمة مقابل الحاكم ومدى مطابقة المورول اإلسالمي مع المبادع اإلسالمية العامة‪ .‬وحتى الذين قبلوا بها على‬
‫أنها نسخة مطورة من الشورى ينطلقون من كون الديمقراطية ليست مفهوما عاما بل لها دالالت تختلف حسب رؤية‬
‫الشعب وطريقة تطبيق الديمقراطية فال مناص من تبني الديمقراطية وفق البيئة اإلسالمية ومزجها بالثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬رقابة األمة على السلطة في الفكر اإلسالمي المعاصر‬

‫‪25‬‬
‫يستمد مفهوم الرقابة في االسالم مشروعيته من حق األمة في اختيار الحاكم وفق مبدأ االختيار واعالن النصرة والتأييد‬
‫لبرنامجه االجتماعي والسياسي‪ ،‬وأن مفهوم الرقابة في االسالم شامل لكل مظاهر االنحراف في حركة المجتمع االسالمي‬
‫أفرادا ً وجماعات وسلطات أيضا ً‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الرقابة الشعبية‬
‫انطالقا ً من إيمان اإلسالم بأن المسؤولية عامة في المجتمع‪ ،‬فتن الفكر اإلسالمي المعاصر تناغم مع هذا اإليمان عندما أكد‬
‫مشروعية الرقابة الشعبية‪ ،‬وحاول إيجاد صور لها تمثلت في مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودوره الرقابي‬
‫على السلطة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫يمثل هذا المبدأ إحدى صور الرقابة الشعبية بالمفهوم الحديث وهو الضمانة األساسية للمحافظة على خط المجتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬سيما وأن هدف الرقابة الشعبية حماية المصلحة العامة وتحقيق العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫وحاولت دراسات إسالمية الربط بين الرقابة الشعبية ونظام الحسبة التطوعي وهو ربط يمكن أن يكون سليما ً في جانبه‬
‫اإلجرائي‪ ،‬ولكنه ليل صحيحا ً من حيث البنية التنظيمية‪ .‬والرقابة الشعبية عبر هذا المبدأ يمكن أن تكون نتيجة تأثير‬
‫منظمات المجتمع المدني أو األحزاب السياسية التي تعمل على خلق رأي عام يراقب ويمنع السلطة من االنحراف‪ .‬ولكن‬
‫تعرض إلى االختزال في مدد زمنية ماضية عندما أصبح محصورا ً في مجال العالقات الفردية دون أن يمتد إلى‬ ‫هذا المبدأ ّ‬
‫العالقة مع السلطة السياسية‪.‬‬
‫ينطلق مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فكرة أن رأي الواحد أقل حصانة من رأي األكثرية‪ ،‬ولكن لم يترك رأي‬
‫األكثرية دون قيود‪ ،‬بل جعل تحقيق العدالة والتزام القيم محددات أساسية في ممارسة هذا األمر‪.‬‬
‫أن مبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حق للفرد واألمة في حماية نفسها من تجاوزات السلطة السياسية والتي‬
‫تعيش في ظل مغريات القوة او المال أو القهر فضالً عن الطبيعة اإلنسانية التي تتحرك احيانا ً في إطار نقصان المعرفة‬
‫واعتماد نظرية التعويض عن ذلك النقصان بتيقاع االذى وتجاوز العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫واستعرض اإلسالم السيما في مصدره األساسي (القران الكريم) مغريات السلطة في تاريخ بعض الحكام الى الحد الذي‬
‫تجاوز بعضهم حدود اإلنسانية ليصف نفسه بالربوبية وان طاعته مطلقة كما في حالة فرعون والنمرود‪ ،‬ولذا وضع‬
‫اإلسالم مبدأ الرقابة الشعبية أساسا ً لضمان عدم انحراف السلطة أو طريقا ً إلصالح انحرافها‪ .‬وما دعوات األنبياء‬
‫والمرسلين إال لتحقيق غايتين أساسيتين هما إصالح المجتمع عن طريق الدعوة إلى تخلي الحكام عن االستبداد والقهر‬
‫للمجتمع‪ ،‬وتحرير المجتمع من قيود السلطة ليمارس دور الرقابة للتأكد من أن األهداف المرسومة لعمل السلطة قد تمت‬
‫فعالً وفق التصورات الشرعية‪.‬‬
‫حول الحق إلى واجب شرعي إذ أن التخلي عن األمر بالمعروف والنهي عن‬ ‫وبلغ اهتمام اإلسالم بالرقابة الشعبية بأن ّ‬
‫المنكر يستتبع عقوبة دنيوية و أخروية‪ .‬وقد اختلف في نوعية هذا الواجب بأنه فرض كفاية استنادا ً لقوله تعالى "ولتكن‬
‫منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"‪ ،‬إذا أشارت كل التفاسير‬
‫اإلسالمية لهذه اصية على أن لفظة منكم يراد منها التبعيض‪ ،‬فضالً عن أن األمة داخل الجماعة يراد منها جزء من الجماعة‪.‬‬
‫وال يتعارض األمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مبدأ طاعة الحاكم‪ ،‬ألن البيعة التي تعني نصرة الحاكم في تنفيذ‬
‫برنامجه السياسي تتضمن في ذات الوقت االلتزام بأمر هللا تعالى القاضي بالنهي عن المنكر‪ ،‬فال تعارض بينهما‪ ،‬بل أحيانا ً‬
‫يكون النهي عن المنكر نصرة للحاكم ولنمة هذا أوالً‪ ،‬ولتقييد طاعة الحاكم كما جاء في الروايات المنسوبة للرسول (ص)‬
‫بعدم المعصية‪ ،‬إذ ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪.‬‬
‫وبذلك تكون الطاعة في اإلسالم ليست مطلقة‪ ،‬بل مشروطة بأن تكون حركة السلطة في إطار الشرع اإلسالمي أوالً‪ ،‬وأال‬
‫تلغي حق األمة في المراقبة واإلشراف على عمل السلطة ثانيا ً‪.‬‬
‫وهناك َمن ينظر إلى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جانبه االجتماعي على أنه ضروري لتحقيق االنسجام بين‬
‫النظرية والتطبيق طالما ان هذا المبدأ يمارس وظيفة تطهيرية تمنع من تراكم االخطاء وهو يمثل النقد والنقد الذاتي الذي‬
‫‪26‬‬
‫تتبناه االحزاب السياسية المعاصرة‪ ،‬وغياب هذا المبدأ يجعل الفاصلة بين النظرية والتطبيق تكبر الى الحد الذي يخرج‬
‫التطبيق من دائرة النظرية ويحصل االفتراق بينهما‪.‬‬
‫وحاول البعض ان يجعل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه ما هو خاص بالعلماء فيما اختصوا بعلمه‪ ،‬ولكي يكون‬
‫هذا المبدأ فعاالً يفترض أال يقف عند حد االنكار‪ ،‬بل البد من طرح الحلول‪ ،‬كما ان فاعليته تعتمد على قدرة القائمين به‬
‫على استثمار االعالم والصحافة لخلق رأي عام يدفع المسؤولين الى االحجام عن اتخاذ موقف معارض لمطالب الشعب‪.‬‬
‫وإذا كانت في الماضي تقوم هذه المهمة على أساس اللقاء المباشر مما دفع البعض الى توجيه حديث "أفضل الجهاد كلمة‬
‫حق في وجه سلطان جائر" فتن آليات التفعيل يمكن ان تستخدم وسائل االعالم بمختلف اشكالها شريطة ان تكون محكومة‬
‫بضوابط الشرع حتى ان الصحافة عدت من أهم الوسائل لتحقيق الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة من خالل التعبير‬
‫عن الرأي والنقد ونشر االنباء والمعلومات‪.‬‬
‫وحتى ال يتم التطرف في استعمال هذا المبدأ فقد وضع الفكر اإلسالمي قواعد عامة لتحديد المعروف والمنكر‪ ،‬ولعل أهمها‬
‫ما وافق الشرع في جعل األمر منكرا ً أو معروفاً‪ ،‬وان كانت في الدول األخرى غير اإلسالمية اعتمدت ما تسالم عليه العقالء‬
‫أو ما حددته القوانين‪.‬‬
‫واشترط اإلسالم عدة شروط لممارسة هذه المهمة الرقابية‪-‬وان كانت من حيث األصل مهمة األمة‪-‬وهذه الشروط هي‪:‬‬
‫العلم وهو شرط سابق على ممارسة هذه الوظيفة‪ ،‬وهو ينحل أوال إلى العلم بالمسألة كونها معروفا ً أو منكرا ً مما‬ ‫‪.1‬‬
‫يتطلب من األمة ان تكون مدركة إلحكام اإلسالم‪ ،‬وثانيا ً العلم القطعي بأن السلطة مارست هذا المنكر‪.‬‬
‫أال يؤدي القيام بالنهي عن المنكر إلى مفسدة أعظم‪ ،‬ففي هذه الحالة تسقط هذه الوظيفة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫أال يلجأ اصمر أو الناهي إلى البحث والتنقيب والتجسل لمعرفة ارتكاب األمر‪ ،‬وهذا الشرط تعطيل لدور الصحافة‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫بل يمكن أن يُعَد شرطا ً نافيا ً للمهمة الرقابية بأكملها‪ ،‬إذ ال يعقل أن يجاهر الحاكم بارتكاب المنكر أمام األمة ولذا فتن‬
‫المتابعة والرصد هما األساس في خلق الوعي أو االدراك بانحراف السلطة عن خط العدالة والقيم اإلسالمية‪.‬‬
‫اعتماد خطاب عقالني بعيدا ً عن التجريح والتشهير عند المواجهة المباشرة او المواجهة اإلعالمية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أما طرق التغيير‪ ،‬فقد اعتمد الفكر اإلسالمي المعاصر ما اشار اليه الحديث النبوي الشريف الذي حدد مراتب استخدام األمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر باستخدام القوة (اليد)‪ ،‬واإلعالم (اللسان)‪ ،‬واإلنكار القلبي (المقاطعة)‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬النصيحة والمشورة‬


‫تعد كل من النصيحة للحاكم والمشورة ركنا رقابة األمة على أداء السلطات الحكومية في اإلسالم‪ ،‬وهما يمثالن الوجه‬
‫السلمي في المطالبة بالتغيير خالفا ً لمبدأ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الرقابة الحزبية التي قد تحرك الشارع‬
‫لمواجهة انحراف السلطة‪.‬‬
‫اوالً‪ :‬النصيحة‪ :‬يعد هذا المفهوم مسؤولية متبادلة بين الحاكم والمحكوم‪ ،‬وهو اسلوب من اساليب تعزيز الثقة بين الطرفين‬
‫وإدراك الحاكم بان األمة لها من النضج والوعي الذي يؤهلها لممارسة تصحيح مسار السلطة السياسية في البلد‪ ،‬ومن‬
‫حق األمة النصح والمراقبة وتوجيه الحاكم عند ابتعاده عن خط اإلسالم وقيمه؛ الن عملية اختياره تكون مشروطة بالسير‬
‫وفق ما يحقق مصالح األمة‪ ،‬وان طرفي االختيار هما األمة والحاكم‪ ،‬ولنمة حق التخلي عن اختياره بعد استنفاذ وسائل‬
‫التوجيه ومنها النصح‪ ،‬وهنالك مدرستان لمعالجة قضية النصيحة‪.‬‬
‫األولى‪ :‬مدرسة االنحياز إلى الحاكم‪.‬‬
‫وهي تحاول وضع حواجز نفسية بين األمة والحاكم من خالل التخفيف من حق األمة في النصيحة‪ ،‬إذ تذهب إلى أن‬
‫النصيحة هي تذكير الحاكم بالحق وإعالمه بما غفل عنه أو لم يصل إليه من حقوق المسلمين‪ ،‬وطبقا ً لهذه المدرسة يتحول‬
‫حق األمة بالنصح الى التذكير وليل الى النقد واإلصالح بل تحاول ان تجعل موارد النصيحة في األمور التي غفل عنها‬
‫‪27‬‬
‫الحاكم أو لم تصل اليه التقارير الخاصة بممارسات أجهزة الدولة مع المواطنين وحقوقهم في حين ان االسالم أضاف الى‬
‫هذا تعمد الحاكم الخروج على قيم االسالم ومبادئه‪ ،‬وهذه النظرية لم تعالج هذه الحالة‪ .‬وهذه المدرسة تذهب الى ان‬
‫المناصحة يجب ان تكون سرية‪ ،‬وبالتعبير المعاصر ال يجوز النقد في االعالم أو في الكتب أو في المنشورات‪ ،‬وتضع هذه‬
‫المدرسة ثالثة آليات لنصح الحاكم هي‪:‬‬
‫اللقاء المباشر مع الحاكم شريطة التلطف معه والرفق‪ ،‬اي استخدام اللغة اللينة الهادئة التي ال تثير الحاكم مما‬ ‫أ‪.‬‬
‫يؤدي الى استخدامه عناصر القوة التي يمتلكها إليقاع االذى بالناصح‪.‬‬
‫اعتماد الكتابة اسلوبا ً إليصال ما ينبغي تذكير الحاكم به‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫االتصال بمن يتصل بالحاكم من العلماء والوجهاء للقيام بمهمة التوجيه والتذكير والتنبيه‪.‬‬ ‫ج‪.‬‬
‫سها الخطاب السياسي المؤول وسلبها‬‫وكان من ثمار هذه المدرسة أن فقدت األمة القدرة على الدفاع عن نفسها بعد ان طم ّ‬
‫حقها في مواجهة انحراف الحاكم واصبحت غائبة عن الواقع تعيش على هامش االحدال تنتظر بالسلطة ان تقوم بتصالح‬
‫نفسها بنفسها وهو الذي لن يحصل أبدا ً‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬مدرسة االنحياز لنمة‪ :‬وترى أن المناصحة تكون علنية‪ ،‬وان األصل هو اإلعالن واالستثناء هو السرية‪ ،‬الن‬
‫النصيحة ال تعطي ثمارها ما لم تكن علنية‪.‬‬
‫وقدّمت هذه المدرسة مبررات عقلية لوجوب اإلعالن‪:‬‬
‫ان معالجة انحراف الحاكم بصورة سرية سوف لن يجعل من تخليه عن هذا األمر إعالن لنمة كونه قدوة‪ ،‬مما‬ ‫أ‪.‬‬
‫يدفع األمة لالعتقاد بأن مسار الحاكم العلني هو الصحيح‪ ،‬ألنها ال تدرك انه تخلى عن انحرافه‪ ،‬باعتبار اختيار الحاكم كان‬
‫المتالكه ثقافة إسالمية تؤهله تطبيق أحكام اإلسالم‪.‬‬
‫ان االنكار السري لسلوك الحاكم قد يدفعه الى االنتقام من المنكر (الناصح) وتلفيق التهم له لعدم وجود ما يوثق‬ ‫ب‪.‬‬
‫المحاورات التي حصلت بينهما‪ ،‬بينما في حالة النصح العلني فان الخوف من ردة فعل األمة يدفعه إلى االمتناع من االقدام‬
‫على االنتقام‪.‬‬
‫ان من طبيعة السلطة اغراء صاحبها باالستفراد واالستبداد‪ ،‬فتذا ما ترسخت فكرة النصيحة السرية له فتن الطريق‬ ‫ج‪.‬‬
‫تحول الشعب الى كائن مقيد فقط بالدعاء للحاكم وليل الدعاء عليه‬ ‫ً‬
‫يكون أمامه مفتوحا للسير في خط االنحراف بموازاة ّ‬
‫ً‬
‫أو ممارسة حقه في انتزاع السلطة فيما لو لم يجلب النصح نفعا لنمة‪.‬‬
‫ان النصيحة السرية للحاكم تجعل المجتمع متطبعا ً على االنحراف ويتبلّد شعوره تجاه مقاومته‪ ،‬فيصبح الفساد‬ ‫د‪.‬‬
‫تحول السكوت الى عادة تنتقل إلى‬
‫ظاهرة مجتمعية صحية عبر ممارسة السلطة له وسكوت الشعب‪ ،‬مما قد يؤدي إلى ّ‬
‫االجيال الالحقة‪ ،‬ويحصل التعايش مع الفساد وكأنه حالة صحية‪ ،‬بينما النصيحة العلنية تجعل الشعب في حالة يقظة دائمة‬
‫وشديد الحساسية تجاه اي انحراف من السلطة‪.‬‬
‫وعند الموازنة بين الرأيين نجد ان منطق العقل وقواعد االسالم العامة ترجح المدرسة الثانية (مدرسة ممارسة الشعب‬
‫لحقه في مقاومة االنحراف بصورة علنية) وفق ضوابط االسالم‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬المشورة‬
‫يؤمن االسالم بأن المهام الصعبة والكبيرة ال يمكن ادارتها من قبل فرد ما لم يكن له فريق استشارياً‪ ،‬ولذا جاءت فكرة اهل‬
‫الشورى سواء أكانوا من داخل الحكومة كما هو الحال مع بعض مجالل الشورى في البلدان االسالمية أم من ذوي‬
‫االختصاص من خارج السلطة‪ ،‬لذلك وظفت آيات الشورى في القرآن الكريم لتأكيد حق األمة في تقويم الحكومة عند الخطأ‬
‫باعتماد اسلوب الشورى‪.‬‬
‫والشورى ال يقتصر عملها على نقد سياسة السلطة وسوء تطبيق المناهج االسالمية في القضايا الحياتية‪ ،‬بل يمكن ان‬
‫تكون ممارستها قبل اتخاذ القرار عندما يتم عرض رأي الحاكم او السلطة في قضية ما‪ ،‬اذ يمكن ألهل الشورى او ذوي‬

‫‪28‬‬
‫االختصاص توجيه الحاكم وجهة اخرى عن طريق بيان السلبيات المحتملة العتماد مثل هذا القرار او التوجيه ولذلك عدت‬
‫الشورى رقابة وقائية تمنع االستبداد وبالرأي والجور‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الرقابة الحزبية‬


‫لنحزاب وظائف المتعددة كالرقابة على أداء الحكومة سواء أكانت هذه األحزاب معترف بها وتمارس نشاطها داخل‬
‫البرلمان أو خارجه أم األحزاب التي لم تعترف بها السلطة‪.‬‬
‫الموقف من األحزاب وفق الرؤية اإلسالمية المعاصرة‪:‬‬
‫هنالك مدرستان إسالميتان تتنازعان حول الموقف من األحزاب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬مدرسة الرفض‬
‫حاولت هذه المدرسة اعتماد العقيدة أساسا ً في رفض الحزبية زيادة في التنظير منها رغم ان الحزبية من الوسائل وليست‬
‫من األهداف‪ ،‬ولكن هذه المدرسة ترى ان الوسائل أيضا ً يجب ان تكون توقيفية‪ ،‬وال يجوز ابتداع وسيلة جديدة‪ .‬وأدلتها‬
‫على الرفض هي‪:‬‬
‫الحزبية والتعصب‪:‬‬ ‫•‬
‫تذهب هذه المدرسة الى القول ان الوالء والبراء يكون هلل تعالى ولرسوله‪ .‬وان الحزبية تجعل من والء العضو او براءته‬
‫موكوال الى الحزب وليل الى االسالم ككل‪ .‬فهذه االحزاب ترى ان االسالم هو الذي تتبناه أو تنظر له‪ ،‬وانه يمثل الحقيقة‬
‫االسالمية‪ .‬ولذا ال تجعل المنتمي لنحزاب منفتحا ً على المدارس االسالمية االخرى‪ ،‬وهذا عين العصبية التي نهى االسالم‬
‫المفرقة لوحدة النسيج االجتماعي اإلسالمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عنها وعدها من اشد االمراض االجتماعية‬
‫الحزبية والوحدة االجتماعية‪:‬‬ ‫•‬
‫أن الحزبية تعني التفرقة بين ابناء المجتمع الواحد‪ ،‬بل تصل إلى ابناء القرية الواحدة وهو مخالف لما ذهب إليه اإلسالم‬
‫على جعل المسلمين أمة واحدة وأنه نهى عن التفرق الى شيع واحزاب‪ ،‬وتحاول االيحاء لنمة بأن الحزبية االسالمية‬
‫تفتت الوحدة االجتماعية غافلة عن ان التعدد في الرؤى واالفكار هو من باب اثراء الفكر االسالمي وليل تفتيته‪.‬‬
‫الحزبية والبدعة‪:‬‬ ‫•‬
‫حاولت أن تضع بين الثقافة االسالمية والوافد االجنبي جدارا ً يصعب اختراقه للمحافظة على ما أطلق عليه باألصالة الثقافية‬
‫والدينية‪ ،‬وتمثل هذا الجدار بمفهوم البدعة ويقصد به إدخال ما ليل من الدين في الدين‪ ،‬أي اضفاء الجانب الديني على‬
‫موضوعات ليست من الدين‪ ،‬ولكن هذه المدرسة توسعت الى حد جعلت من الوسائل المتغيرة بدعة يجب مقاومتها‪ ،‬ومنها‬
‫االحزاب فهي من وجهة نظرها وافد غربي دخل ثقافتنا نتيجة مؤامرة خارجية وادوات داخلية‪.‬‬
‫الحزبية واحتكار الحقيقة‪:‬‬ ‫•‬
‫تنطلق االحزاب من رؤية فكرية معينة تعمل على اشاعتها بين الناس لتكون محور خططها المستقبلية ومنها تشتق‬
‫وسائلها‪ ،‬وهذه الرؤية محل رفض من هذه المدرسة ألنها تعمل على تحجيم االسالم واختزاله بهذه الرؤية‪ ،‬اذ تجعل العضو‬
‫الحزبي ال ينظر الى االسالم اال من خالل تلك الرؤية‪ ،‬مما يخلق حالة من االنفصال الفكري مع المسلم اصخر داخل المجتمع‪.‬‬
‫الحزبية واالختراق‬ ‫•‬
‫تتخوف هذه المدرسة من ان القول بجواز الحزبية من تشكيل احزاب تحمل وصف اإلسالمية إال انها تعمل على محاربته‬
‫مما يمثل اختراقا ً فكريا ً للمنظومة االسالمية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬المدرسة المؤيدة لوجود األحزاب السياسية‬
‫تشدد هذه المدرسة على مسألة وجود األحزاب في المجتمع اإلسالمي؛ الن تكوين االحزاب اإلسالمية واجب شرعي سيما‬
‫في هذه المرحلة التي يعاني فيها المجتمع من استبداد الحاكم وسطوته وسلبه لمقومات الحياة اإلنسانية لصالح تعزيز‬
‫سلطته‪ .‬وان هذا الواجب الشرعي يستند الى األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬بل أن هذا الموضوع يجب ان يكون من‬
‫أولى واجباتها‪.‬‬
‫كما ترى ان من األحزاب ما هو واجب‪ ،‬ومنها ما هو محرم وتضع معيارا ً للتفريق بين النوعين يقوم على أساس األهداف‬
‫والمنطلقات والوسائل‪ ،‬فتذا كانت هذه األمور في إطار الشريعة والعقيدة اإلسالمية فهي واجبة‪ ،‬وان كانت مخالفة فهي‬
‫حرام‪.‬‬
‫وتحاول هذه المدرسة الربط بين وجوب األحزاب ووظيفتها الرقابية من جانب واعتماد القواعد الفقهية في جواز تشكيلها‪،‬‬
‫كالقول بأنه ال يوجد مانع شرعي من تعدد األحزاب في الدولة االسالمية‪ ،‬الن األصل هو االباحة ما لم يرد نص يمنع ذلك‪.‬‬
‫كما ذهبت هذه المدرسة الى استثمار نتائج وجود االحزاب بالقول ان وجودها يمنع من االستبداد والتسلط على رقاب الناس‬
‫من قبل الحكومة ولذا فاألحزاب طبقا ً لهذه المدرسة صمام أمان لنمة من استبداد الحاكم‪ ،‬سيما وان االستبداد السياسي‬
‫يؤدي الى الخروج المسلح واراقة الدماء وحصول العداوة مع شيوع النفاق السياسي‪ ،‬ولذا فتن اعتماد قاعدة سد الذرائع‬
‫اساسا ً في مشروعية وجود األحزاب اإلسالمية‪.‬‬
‫كما ان الحزب المنظم اقوى على المراقبة والنقد من الجهد البشري غير المنظم وأيضا ً أقدر على منع التجاوز وإيقاف‬
‫الظلم‪ ،‬سيما وان وجود االحزاب بتنظيماتها الكبيرة يجعل من الصعوبة على السلطة قهرها او تعطيل حركتها داخل األمة‬
‫طالما لها منابرها االعالمية‪ ،‬وجمهورها المدافع عنها أمام طغيان السلطة‪.‬‬
‫وذهبت هذه المدرسة إلى القول ان األحزاب وسيلة يتوقف األمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرقابة على وجودها‬
‫معززة رأيها بما آل اليه حال المسلمين من رقة الديانة وكثرة االنحراف وضعف الوازع الديني الداعي الى العدل واالنصاف‪،‬‬
‫فالبد من جهة تمارس هذا الدور‪ ،‬اذ لم يعد للعلماء مثل هذا الدور كما كان في السابق ولذا تعينّ وجود االحزاب االسالمية‬
‫لتقوم بهذه المهمة‪.‬‬
‫وحاولت هذه المدرسة الرد على اعتراضات المدرسة االخرى بما يعزز مشروعية تشكيل االحزاب‪ ،‬متهمة تلك المدرسة‬
‫بعدم القدرة على مواكبة متغيرات الزمان والمكان وأنها اسيرة تجربة تاريخية وقراءة بشرية احادية لتطبيق االسالم فضالً‬
‫عن عدم اعتمادها على قواعد فقهية واصولية لترجيح القبول على الرفض واصفة اياها بأنها مدرسة تحاول الدفاع عن‬
‫شخص مقابل أمة‪ ،‬فهي تهدر كرامة األمة لصالح حاكم فرد انيطت لنمة مهمة اصالح مسيرته سلما ً او عنفا ً في حين ان‬
‫القاعدة العامة هو عدم حيادية او المباالة المسلم في حالة الصراع بين الحق والباطل‪.‬‬
‫وباإلجمال يمكن القول ان مشروعية االحزاب تعد من االمور الضرورية في ظل تنامي استبداد الحاكم وشيوع ثقافة الخنوع‬
‫والرضا باالنحراف لدى الشعب ووصف هذه الثقافة باإلسالمية‪ ،‬وان هذه االحزاب لها وظائف عدة أهمها الوظيفة الرقابية‬
‫عندما تشارك في الدولة او عندما تكون في المعارضة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الرقابة الحزبية داخل البرلمان وخارجه‬


‫تعد الرقابة الحزبية من اكثر انواع الرقابة تأثيرا ً في العصر الحالي؛ ألنها تمتلك رؤية تحليلية لسياق االحدال ومساراتها‬
‫من جانب‪ ،‬وبذلك تختلف عن الرقابة الشعبية التي عادة ما تغيب عنها اكثر التفاصيل‪ ،‬وتختلف عن رقابة المجتمع المدني‬
‫بكونها اكثر التصاقا ً بالسياسة‪ ،‬كما انها تمتلك وسائل تأثير في المجتمع كالخطابة والكتابة والبيان واالعالن والندوة وكذا‬
‫وسائل االعالم االخرى‪ ،‬ومع ان لنحزاب وظائف عدة اال ان الوظيفة االكثر اهمية هي الوظيفة الرقابية ألنها وسيلة‬
‫للوصول الى السلطة‪ ،‬وهو هدف تسعى اليه كل االحزاب السياسية االسالمية منها أو غير االسالمية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وتتمثل أهمية الرقابة الحزبية بكونها االبرز في تقديم البديل‪ ،‬فاألحزاب وحدها دون باقي ادوات الرقابة تمتلك رؤية‬
‫ومشروع بديل عن مشروع السلطة يتضمن كل جوانب الحياة االجتماعية‪ ،‬مما يجعلها قادرة على مراقبة العمل الحكومي‬
‫ونقده ووضع آليات الحل في حالة انغالق المسار عن تحقيق اهدافه‪.‬‬
‫والرقابة الحزبية عندما تطرح البديل فتنها تمارس بحكم وظيفتها االساسية التوعية الجماهيرية مما يزيد في حالة واقعية‬
‫مشروعها وتأثير خطابها السياسي من خلق حالة المفاصلة الجماهيرية مع السلطة القائمة مما يؤدي الى التعجيل بسقوطها‬
‫تخوف الحكومة مما يدفعها الى اصالح الفساد أو االستفادة من برامج االحزاب المعارضة لها في تطوير‬
‫وتغيير السلطة أو ّ‬
‫آليات العمل الحكومي‪.‬‬
‫وفاعلية الرقابة الحزبية تتحقق بتوفر شروط عدة منها ان ال تكون الرقابة الحزبية من اجل المعارضة لذاتها‪ ،‬بل البد من‬
‫وجود خلل في االداء والسلوك والمسار الحكومي والعمل على تطويره واصالحه‪ ،‬الن خلق قناعة لدى الشعب بأن هذه‬
‫المعارضة تكون من اجل الوصول الى السلطة يؤدي الى عدم التفاعل معها مما يفقد الرقابة الحزبية فاعليتها التي تقوم‬
‫على مدى قدرتها على خلق توازن في القوى لصالح المعارضة سيما في الجانب الجماهيري والذي يمثل الشرط الثاني‬
‫لنجاح الرقابة الحزبية في مهمة االصالح والتغيير وهذا يعتمد على نوعية الخطاب الحزبي فكلما المل الخطاب مشاكل‬
‫الشعب كانت االستجابة اكبر‪ ،‬وكلما كانت لغة الخطاب جماهيرية كانت اكثر فاعلية في كسب الجمهور بجانبها‪.‬‬
‫اما الشرط الثالث لنجاحها فيتمثل في خلق المشروعية الجماهيرية بوجودها‪ ،‬فالنقد والمطالبة بالتغيير حالة طبيعية في‬
‫تكوين االنسان والمجتمع ولكن البد من المواءمة بين وجود الحزب ونظريته من جانب وطبيعة المزاج الجماهيري الثقافي‬
‫العام من جانب آخر‪ ،‬وهذا الشرط يبرر فقدان الكثير من االحزاب السياسية في عالمنا المعاصر جماهيريتها عندما تتحرك‬
‫في خط الندية للنظام الثقافي العام كما حصل مع االحزاب الليبرالية والشيوعية في بعض الدول العربية واالسالمية‪.‬‬
‫ولكي تكون الرقابة الحزبية سواء أكانت داخل العملية الديمقراطية ام خارجها فاعلة عليها االبتعاد عن ما يثير شبهة‬
‫الخيانة‪ ،‬او التآمر او الكفر والخروج عن االسالم والتي هي عادة سالح تستخدمه السلطة الحاكمة االسالمية منها وغيرها‬
‫في وصم معارضيها‪ ،‬ومن اجل تجريد هذا السالح من يد السلطة عليها االتكاء في طرح االفكار والرؤى على آراء العلماء‬
‫في مجال الفقه والسياسة وحتى التفسير‪ ،‬اذ يجب ان ال يغيب عن بال االحزاب المعارضة ان الصراع يدور بين قوة السلطة‬
‫وسلطة الشعب‪ ،‬وان السلطة بما تمتلكه من وسائل التأثير واالغراء المادي والمعنوي أكثر تأثيرا ً من الخطاب الحزبي‪،‬‬
‫وان قوة المعارضة تقوم على حجم االلتفاف الشعبي حولها‪.‬‬
‫ان النظام السياسي االسالمي نظام قيمي يعتمد المنظومة االخالقية االسالمية أساسا ً في الضبط االجتماعي والسياسي‪،‬‬
‫ولذا ال يمكن االعتماد على الكذب او المبالغة في مواجهة السلطة اعالميا ً وجماهيريا ً كما تفعل االحزاب السياسية غير‬
‫االسالمية‪ ،‬اذ ان الغاية خلق مجتمع النقاء والصفاء من ناحية القيم لكي يحل محل مجتمع الفساد او االنحراف الذي‬
‫تمارسه السلطة‪.‬‬
‫وقبل الختام من هذا المبحث البد من االشارة الى قضية الرقابة الحزبية في مجتمع متعدد االديان او المذاهب‪ ،‬فتن الرأي‬
‫يوسع من دائرة الرقابة الحزبية لتشمل هذه االحزاب فيما‬ ‫الذي يسمح بوجود احزاب تمثل التعدديات الدينية والمذهبية ّ‬
‫يتعلق بمصالح الفئة او المذهب الديني الذي تمثله انطالقا ً من قاعدة الحرية الدينية المكفولة لمواطني الدولة االسالمية او‬
‫من خالل عقود الذمة او دعوة المجادلة التي اوجبها القرآن الكريم في التعامل مع َمن اختلف معك فكريا ً ودينيا ً‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن اجمال القول بأن الرقابة الحزبية تمثل مظهرا ً من مظاهر الرقابة الداخلية لحركة السلطة في االسالم‪ .‬وان‬
‫كانت الحزبية ظاهرة حديثة‪ ،‬فاإلسالم ال يقف في وجه الظواهر التي يفرزها العقل االنساني اذا كانت منسجمة مع الضابط‬
‫العام للحركة المجتمعية‪ .‬بل ويدعوا الى التواصل المعرفي مع اصخر في مساحة إعمال العقل لتحقيق غايات االسالم‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫كما ان الرقابة الحزبية تعد االكثر فاعلية بالقياس الى باقي انواع الرقابة في االسالم لما لها من قدرة على التأثير في‬
‫الوعي السياسي للشعب وقدرتها على استثمار وسائل التواصل الجماهيري بصورة أكثر علمية‪.‬‬
‫وال يحد الرقابة الحزبية االسالمية إ ّال قيد االخالقية التي تمثل الضابط في حركة السلطة والمعارضة واألمة دون النظر‬
‫اليها على أنها حالة نسبية‪ ،‬بل ان االخالقية تمثل جوهر النظام السياسي واالجتماعي االسالمي‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مؤسسات المجتمع المدني ودورها الرقابي‬
‫س‪ /‬ما المقصود بالمجتمع المدني؟‬
‫ان مفهوم المجتمع المدني مفهوم واسع‪ ،‬اذ تعددت التعاريف الى حد التعارض بينها‪ ،‬ولكن هذا التعارض يمكن حله بتحديد‬
‫المصطلح طبقا ً للمراحل الزمنية التي مر بها‪ ،‬والتي يمكن تحديدها بثالل مراحل هي‪:‬‬
‫المرحلة االولى‪:‬‬
‫وفيها كانت المدنية تقابل الطبيعة‪ ،‬فالمجتمع المدني هو المجتمع الذي يحتكم في حركته الى ارادة الشعب‪ ،‬مقابل المجتمع‬
‫الطبيعي والذي يحتكم الى قوانين الطبيعة‪ .‬ونجد هذه التفرقة لدى اصحاب نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬دون تحديد مدة زمنية‬
‫لبداية او نهاية مرحلة الطبيعة‪.‬‬
‫وفي ضوء ذلك فان المجتمع المدني كان يطلق على المجتمع السياسي الذي توجد فيه سلطة سياسية وقوانين مستمدة‬
‫من ارادة الحاكم او ارادة الشعب حسب طبيعة السلطة وطريقة اختيارها‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‬
‫وفيها تم الفصل بين السلطة والمجتمع المدني دون الغاء وصف السياسي على المجتمع المدني‪ ،‬فهو ساحة للصراع‬
‫الطبقي عند كارل ماركل ووسيلة للهيمنة االيديولوجية عند غرامشي‪.‬‬
‫وفي ضوء هذه المرحلة فتن االحزاب السياسية كانت جزءا ً من المجتمع المدني ألنها اشتركت في اركان المجتمع المدني‬
‫من حيث التنظيم والعمل الطوعي وتفضيل المصالح العامة على المصالح الخاصة‪ .‬وهكذا فقد اصبح المجتمع المدني طبقا ً‬
‫لهذه المرحلة يشير الى المجتمع المعارض للسلطة بغض النظر عن طبيعة تلك المعارضة‪ .‬اذ اصبح يتسع للجماعات‬
‫االهلية ومنظمات ذات صفة مهنية واحزاب سياسية‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪:‬‬
‫وهي المرحلة االخيرة في هذا المفهوم والتي تستبعد االحزاب السياسية من مصاديق المجتمع المدني حيث استقر تعريف‬
‫المفهوم على إنها التجمعات ذات الصفة الوظيفية التي تمارس وظائف متعددة منها الرقابة على اداء السلطات الرسمية‬
‫حتى اصبحت جزءا ً من عملية (التوازن السلطوي) في الدولة‪ ،‬اذ يعمل على منع الحكام من االستبداد والتفرد واالنحراف‬
‫من جانب‪ ،‬ويعزز من حق األمة في تحديد مصيرها من جانب آخر‪.‬‬

‫مؤسسات المجتمع المدني ودورها الرقابي‬


‫س‪ /‬ما هو موقف الفكر االسالمي المعاصر من مؤسسات المجتمع المدني؟‬
‫ج‪ /‬تحاول دراسات ان تربط بين الليبرالية ونشوء المجتمع المدني بصيغته النهائية إذ تشير الى قوة وفاعلية المجتمع‬
‫المدني في ظل الديمقراطية قياسا ً الى ضعف تأثيره في النظم االستبدادية‪ .‬وهذا الربط دفع لالعتقاد بان نمو المجتمع‬
‫المدني في المجتمعات العربية واالسالمية عملية فاشلة الفتقار تلك المجتمعات الى الخصائص الثقافية واالقتصادية‬
‫والفكرية التي نشأت فيها منظمات المجتمع المدني‪.‬‬
‫تحددت نظرة االسالميين الى المجتمع المدني في ضوء الفلسفة االسالمية التي يؤمنون بها‪ ،‬السيما في النظرة الى مسألة‬
‫شمولية االسالم ومرونته الفكرية‪ ،‬اذ اعتقدوا ان المجتمع المدني افراز للعقل االنساني من اجل التحكم في مسار السلطة‬
‫السياسية بما يحقق المصلحة العامة للشعب‪ ،‬انطالقا ً من كون الحكومة وكيفية التعامل معها على األقل في الجانب االجرائي‬
‫متروكة للناس‪ ،‬الن الدين رسم القواعد الكلية والضوابط العامة للنظام السياسي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ويعززون رؤيتهم هذه باعتماد نظرية المقاصد المحكومة بالقاعدة الكلية العامة "جلب المصالح ودرء المفاسد"‪ ،‬وان‬
‫طرق الجلب والدرء متغيرة بتغير الزمان وربما المكان خاصة وان االسالم في مجال االحكام آمن بقاعدة التدرج في النزول‬
‫وما رافقها من نسخ لبعض االحكام استجابة لمصالح معينة او دفعا ً لمفاسد معينة‪.‬‬
‫وتنطلق دراسات اسالمية اخرى في قبولها للمجتمع المدني من مقولة (الثابت والمتغير) في الشريعة االسالمية‪ ،‬عندما‬
‫قرروا ان المجتمع المدني من الظواهر االجتماعية المتغيرة والمحكومة بالقاعدتين االساسيتين وهما ان المتغير يخضع‬
‫في تحديد الموقف منه الى القواعد الكلية االسالمية ومنها قاعدة العبودية هلل تعالى‪ ،‬وااللتزام بأحكام االسالم القيمية اوالً‪،‬‬
‫وان االسالم لم يحدد في اغلب الموارد اصليات الموصلة الى الهدف ومنها احقاق الحق واقامة العدالة في المجتمع وهما‬
‫غاية وجود السلطة السياسية‪ ،‬بل ترك لالمة وضع اصليات المناسبة للعمل‪ ،‬وان منظمات المجتمع المدني تعد من‬
‫المتغيرات‪.‬‬
‫ومع ان الموقف الغالب في الفكر االسالمي المعاصر يؤيد المجتمع المدني وال يرى تعارضا ً بينه وبين االسالم‪ ،‬نجد ان‬
‫تيارا ً فكريا ً من السلفية يحارب كل وافد ثقافي واحيانا ً سلعي أجنبي مهما كان شكله انطالقا ً من الحرص على االصالة‬
‫الفكرية االسالمية من جانب واالرتكاز الى مقولة عدم الحاجة الى الوافد الن اسالفنا اقاموا تجربة حياتية كانت خالية من‬
‫هذا الوافد االجنبي‪.‬‬
‫وباإلجمال يمكن القول ان الفكر االسالمي المعاصر يدرك تماما ً ان العالقة بين األمة والسلطة عالقة قائمة على هيمنة قوة‬
‫السلطة على ارادة األمة‪ ،‬ولذلك فتن منظمات المجتمع المدني يمكن ان تحقق نوعين من التوازن احدهما بين الحرية‬
‫االنسانية وقوة السلطة‪ ،‬وتوجيه قوة األمة لمحاربة القوى التي تهدد الحرية المؤطرة اسالمياً‪ ،‬كما انها أيضا ً تنضوي‬
‫تحت عنوان اعادة التوازن بين العبودية هلل تعالى والحرية واالنسانية ألنها سوف تسهم في حصر العبودية باهلل وتحرير‬
‫االنسان من القيود البشرية التي حاولت عبر مفهوم الطاعة النظر الى الحرية على أنها عبودية للحاكم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدور الرقابي لمؤسسات المجتمع المدني‬


‫س‪ /‬ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني الرقابية‬
‫يمكن القول ان الوظيفة االساسية لمنظمات المجتمع المدني هي حماية مصالح الفئة التي تمثلها‪ ،‬وهذه الحماية تتطلب‬
‫اوال مراقبة السلطة تشريعيا ً وتنفيذيا ً وقضائياً‪ ،‬اي القيام بالدور الرقابي من اجل تفعيل دورها كمحامي للدفاع عن حقوق‬
‫اعضائها او الفئة التي اخذت على نفسها الدفاع عن قضاياها‪ ،‬والدور الرقابي لهذه المنظمات تارة يكون بصورة غير‬
‫مباشرة واخرى مباشرة‪.‬‬
‫اوالً‪ :‬الرقابة غير المباشرة باستخدام الشعب‬
‫ان منظمات المجتمع المدني تمثل قناة التوعية السياسية في مختلف قضايا األمة‪ ،‬ولذلك فان هذه التوعية تتطلب تعريف‬
‫المجتمع بأهمية الدور الرقابي له‪ ،‬اي التنبيه على حق األمة الرقابي تجاه السلطة‪.‬‬
‫كما انها تمارس أيضا ً التعريف بالقواعد الحاكمة للممارسة الرقابية‪ ،‬وهي بهذه الوظيفة التوعوية تحقق أمرين أساسيين‪،‬‬
‫التذكير دوما ً بحق األمة الرقابي‪ ،‬وادامة زخم المراقبة الشعبي‪ ،‬اذ تدفع هذه المهمة الشعب الى التحرك لحماية مصالحه‬
‫العامة عند انحراف السلطة‪ ،‬او استبدادها‪.‬‬
‫ولكن فاعلية هذا الدور ترتبط بطبيعة النظام السياسي‪ ،‬اذ ينشط في ظل االنظمة الديمقراطية؛ ألنها توفر اجواء حرية‬
‫التعبير والتجمع مما تدفع منظمات المجتمع المدني الى استخدام ادوات االعالم المسموع والمقروء وربما الندوات‬
‫واالجتماعات والمؤتمرات‪ ،‬ولكن هذا الدور يضعف‪ ،‬بل يتضاءل في ظل نظام يحكم العالقة بين الحاكم والمحكوم قاعدة‬
‫الطاعة العمياء والصبر على الفساد واالنحراف‪ ،‬والدعاء للحاكم بدالً من الدعاء عليه‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬الرقابة المباشرة‬
‫‪33‬‬
‫تمارس هذه المنظمات دورها الرقابي المباشر عبر رصد محاوالت او ممارسات السلطات الثالل التي تتعارض مع مصالح‬
‫مهنة او فئة اجتماعية معينة او تؤدي الى سلب حقوق تلك الفئات والمهن‪.‬‬
‫فالمنظمات الحقوقية تعمل على رصد المخالفات او التشريعات التي تهم حقوق المواطن‪ ،‬ولذا تكون مساحة مراقبتها أكثر‬
‫من منظمات حماية المستهلك او رعاية االرامل وااليتام‪ ،‬أو منظمة الدفاع عن األكاديميين‪ ،‬وباإلجمال يمكن القول ان‬
‫الدور الرقابي لهذه المنظمات يتحدد في ثالثة مراحل من الناحية التشريعية ومرحلتين من الناحية التنفيذية والقضائية‪.‬‬
‫ففي المجال التشريعي تسهم هذه المنظمات في ثالل مراحل اقتراح القوانين ومناقشة مسودتها وكذلك في مرحلة إقرارها‪،‬‬
‫ان عملية االقتراح ال تتم االّ عبر المتابعة التفصيلية لمشاكل الجهة ذات العالقة الناجمة من غياب تشريع قانوني معين او‬
‫عدم قدرة التشريع على استيعاب متغيرات العمل‪ ،‬او كون التشريع جاء لتلبية حاجة معينة اصبحت في عداد الماضي‪.‬‬
‫والقيام بالمهمة الرقابية يعيد رسم العالقة بين األمة والسلطة على قاعدة المسؤولية المتبادلة بدالً من نظرية (الرعوية)‬
‫التي قام عليها الفكر االسالمي القديم‪ ،‬وهي نظرية تحمل في طياتها داللة وجود نقص في وعي األمة والحاجة الى َمن‬
‫يرشدها وهو الحاكم‪ ،‬على الرغم من ان حديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) يشير الى المسؤولية المشتركة بين‬
‫األمة والسلطة‪.‬‬
‫أما ما يرتبط بالوظيفة الرقابية على السلطة التنفيذية‪ ،‬فهي تكون بمرحلتين؛ اثناء اصدار التعليمات أو القرارات التي‬
‫تتعارض مع حقوق الشعب‪ ،‬وكذلك اثناء الممارسة الفعلية ألجهزة السلطة التنفيذية‪ ،‬اذ تمارس دور المحامي في الدفاع‬
‫عن تلك الحقوق‪ ،‬ولكن ليل بصورة فعلية‪.‬‬
‫وتعد هذه المهمة من المهام الصعبة لمنظمات المجتمع المدني من حيث التطبيق‪ ،‬اوالً ألنها تمثل صراع القوى‪ ،‬فالسلطة‬
‫التنفيذية تمتلك القوة المعنوية واالجرائية وسلطة القانون في بعض االحيان‪ ،‬في حين تمتلك منظمات المجتمع المدني قوة‬
‫الشارع التي تزداد فاعليتها كلما كانت القضية المطروحة أكثر التصاقا ً بحاجات الشارع‪.‬‬
‫وثانيا ً ألنها تكمن في الصراع بين المطالبة بالحقوق والحريات (التي تمثل تهديدا ً فعليا ً للسلطة) وانتهاك تلك الحقوق من‬
‫قبل السلطة (ألنها تعتقد انها بهذا االنتهاك تضمن بقائها في السلطة)‪ ،‬فالمنظمات المدنية تمثل صوت القوى المغلوبة‬
‫والضعيفة‪.‬‬
‫ولكي تنجح منظمات المجتمع المدني في مهمتها الرقابية على السلطة التنفيذية تحتاج الى توثيق انتهاكات السلطة لحريات‬
‫الشعب عبر المتابعة التفصيلية وتقصي الحقائق ومراقبة مدى التزام هذه السلطة بالمواثيق االنسانية والدينية الخاصة‬
‫بتلك الحقوق‪.‬‬
‫أما مراقبتها للسلطة القضائية فتتركز على متابعة تطبيق القانون والعمل على الحد من عقوبة االعدام أو العمل على الغائها‬
‫تماشيا ً مع بعض الدول الغربية‪.‬‬
‫وتعمل منظمات المجتمع المدني في دورها الرقابي بآليات السلم حفاظا ً على السلم االهلي مستفيدة من المنجزات العلمية‬
‫في تحقيق هذه الوظيفة المهمة‪ .‬وأهم هذه اصليات هي‪:‬‬
‫استخدام المخاطبات الرسمية كالمذكرات والرسائل‪ ،‬وتعتمد استجابة الحكومة لها على قوة االقناع التي تتمتع بها‬ ‫‪.1‬‬
‫هذه المخاطبات وابتعادها عن لغة التهديد‪ ،‬ومدى تأثيرها على الرأي العام‪.‬‬
‫ممارسة النقد االعالمي ولكن وفق ضوابط الشريعة االسالمية والتي تقوم على جملة من المبادع منها ان تكون‬ ‫‪.2‬‬
‫اللغة بعيدة عن التجريح‪ ،‬واالبتعاد عن لغة السب والتشهير‪ ،‬الن الغاية من النقد االصالح وليل هدم الصالح‪.‬‬
‫استخدام وسائل التعبير الجماعية من اعتصامات واضرابات واالمتناع عن التعامل مع السلطة حتى يتم تنفيذ‬ ‫‪.3‬‬
‫المطالب المرفوعة‪.‬‬
‫اعتماد الوسائل المباشرة في التأثير على الرأي العام مثل عقد الندوات واالجتماعات والمؤتمرات لمناقشة‬ ‫‪.4‬‬
‫الموضوع‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫العمل على خلق رأي عام دولي ضاغط يساند الرأي العام الداخلي‪ ،‬سيما وان حكومات الدول االسالمية تستجيب‬ ‫‪.5‬‬
‫للضغط الدولي اكثر من استجابتها للضغط الداخلي‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬حقوق االنسان في الفكر السياسي اإلسالمي المعاصر‬


‫أولى الفكر اإلسالمي المعاصر أهمية كبيرة لحقوق األنسان في اإلسالم السيما في العقود األخيرة في محاولة منه لمواكبة‬
‫تصاعد وتيرة مبادع حقوق األنسان في الغرب وإعالناتها وتطبيقاتها من جهة‪ ،‬ولدرء االتهامات والشبهات المثارة حول‬
‫مدى اهتمام اإلسالم بتلك الحقوق وتكريسها سواء على مستوى النصوص أو على مستوى الممارسة السياسية‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلطار الفكري لحقوق االنسان في االسالم‬
‫يؤمن الفكر االسالمي المعاصر بان االسالم سبق المذاهب الفكرية االخرى في تعزيز حقوق االنسان وحرياته‪ ،‬كما انه‬
‫اتصف بالواقعية والعملية اذ لم يترك تلك الحقوق لرغبة االفراد والحكومات وانما جعلها فروضا ً تدخل في إطار التكاليف‬
‫اإللهية ورتب عليها مسؤوليات دنيوية واخروية‪ ،‬واعتمد الفكر االسالمي المعاصر على مجموعة من المفاهيم والمبادع‬
‫وذلك في محاولته لبناء رؤية فلسفية لحقوق االنسان في االسالم وسيتم التطرق لتلك القيم والمبادع بعد التعرف على‬
‫مفهوم الحق وأقسامه في المصادر االسالمية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬في مفهوم حقوق االنسان‬
‫ان حقوق االنسان هي الحقوق اللصيقة باإلنسان والمستمدة من تكريم هللا له وتفضيله على سائر مخلوقاته والتي تبلورت‬
‫عبر تراكم تاريخي من خالل الشرائع واالعراف والقوانين الداخلية والدولية‪ ،‬ومنها يستمد وعليها تبنى حقوق الجماعات‬
‫االنسانية في مستوياتها المختلفة شعوبا ً وأمما ً ودوالً‪ ،‬وهذا يعني ان حقوق االنسان واللصيقة بطبيعته البشرية تظل‬
‫موجودة وان لم يتم االعتراف بها‪ ،‬بل حتى لو انتهكت من سلطة ما‪.‬‬
‫وان أبرز نص قرآني يفرض نفسه كنص تأسيسي في إطار تأكيد حقوق االنسان قوله تعالى" ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم‬
‫في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيالً "‪ ،‬وقيل في شرح هذه اصية ان هللا تعالى‬
‫كرم بني آدم بالعقل والنطق والتمييز والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير امر المعاش والمعاد‪ ،‬وقيل بتسليطهم‬
‫على ما في االرض وتسخيره لهم وقيل كل شيء يأكل بفمه اال ابن آدم‪.‬‬
‫فقد اتخذ مفهوم االنسان من خالل هذه اصية بعدين‪ :‬البعد العقلي (العقل والتمييز والنطق) والبعد الحضاري (تدبير المعاش‬
‫واالكل باليد وركوب البر والبحر والتمتع بالطيبات)‪ ،‬ليل هذا فحسب بل ان تكريم االنسان يشمل تفضيل هللا تعالى له على‬
‫المخلوقات االخرى وهي حسب النصوص الدينية (الجماد‪ ،‬النبات‪ ،‬الحيوان‪ ،‬والجن‪ ،‬والمالئكة)‪.‬‬
‫كما يعطي القرآن الكريم لمفهوم تكريم االنسان بعدا ً آخر فقد حرر االنسان من هاجل الخطيئة الذي هيمن على الفكر‬
‫االوربي في القرون الوسطى " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم"‪ .‬فتحرر آدم من الخطيئة‬

‫‪35‬‬
‫بالتوبة هو وذريته ويبقى بعد ذلك عمله باألرض التي امر بالهبوط اليها لعمارتها هو وذريته وليحاسبوا على عملهم فيها‬
‫ان خيرا فخير وان شرا فشر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أقسام الحقوق في اإلسالم‬
‫تطرق علماء األصول ألقسام الحقوق عند بحثهم في الحكم الشرعي فقسموا المحكوم فيه باعتبار صاحب الحق‬
‫أو المنتفع به الى حقوق هللا المحضة‪ ،‬وحقوق العبد المحضة‪ ،‬والحقوق المشتركة وعلى النحو التالي‪:‬‬
‫‪-1‬حق هللا تعالى‪ :‬وهو امره ونهيه‪ ،‬وقد شرع هللا تعالى حكمه لمصلحة المجتمع ولم يقصد به نفع فرد بعينه‪ ،‬واضافته‬
‫الى هللا تعالى لعظمته وشمول نفعه‪ ،‬وتسمى حقوق هللا بالمحرمات التي تعني لغةً ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه‪ ،‬أو‬
‫ما ال يمكن انتهاكه‪ ،‬وتتسع دائرة حقوق هللا في الشريعة اإلسالمية لتتالقى مع دائرة القانون العام وهي تشمل القانون‬
‫الجنائي والقانون المالي‪ ،‬وتنقسم حقوق هللا بدورها الى أقسام ثالثة هي‪:‬‬
‫أ‪ .‬المعتقدات‪ :‬وهي من المغيبات التي كلف بها االنسان وفي مقدمتها االيمان باهلل وتكون من عنصرين‪ ،‬معنوي وهو‬
‫االعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع‪ ،‬ومادي وهو العمل الصالح والنافع للمجتمع البشري‪ ،‬وهما صنوان يكمل أحدهما‬
‫االخر ومتالزمان ال ينفرد أحدهما عن األخر‪.‬‬
‫ب‪ .‬العبادات‪ :‬العبادة صلة مستمرة بين العبد وربه‪ ،‬فكلما كانت هذه الصلة متينة لدى األنسان‪ ،‬تكون صلته وعالقته مع‬
‫اخيه االنسان في تنفيذ التزاماته تجاهه قوية‪ ،‬والعكل بالعكل‪ ،‬كما أن الممارسة التعبدية تقوم على الوضوح والتعقل‬
‫والمنطق وترفض بشدة الدجل والخرافة واألساطير وتسهم مساهمة فعالة في تحرير األنسان‪.‬‬
‫ج‪ .‬العقوبات‪ :‬هي قرارات دنيوية وأخروية‪ ،‬تنطبق على كل من يعتدي على حقوق األخرين في حياتهم ومالهم وعرضهم‬
‫وسمعتهم‪ ،‬وتعد العقوبات وسائل عالجية في اإلسالم وتأتي بالدرجة الثانية بعد الوسائل الوقائية وهي األيمان باهلل تعالى‬
‫وعبادته‪.‬‬
‫‪ .2‬حق الفرد‪ :‬أي مصالحه‪ ،‬وتسمى في أصول الفقه اإلسالمي المصالح الضرورية أو مقاصد الشريعة اإلسالمية‬
‫الضرورية‪ .‬وهي حماية الدين والمال والحياة والعرض والعقل‪ ،‬وحفظها يكون بأمرين أحدهما ما يقيم اركانه ويثبت‬
‫قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود‪ ،‬والثاني ما يدرأ عنها الخلل الواقع أو المتوقع وذلك عبارة عن‬
‫مراعاتها من جانب العدم؛ وبذلك تصبح الغاية المتصورة من الناحية اإليجابية تحديدا لما ينبغي ان يكون‪ ،‬ومن الناحية‬
‫السلبية تحديدا لما يجب فعله‪.‬‬
‫‪.3‬حق المجتمع‪ :‬ما أجتمع فيه الحقان حق هللا وحق الفرد‪ ،‬وتقسم هذه الحقوق المشتركة الى قسمين األول‪ :‬ما أجتمع في‬
‫الحقان وكان حق هللا هو الغالب‪ ،‬اي أن يكون حق الجماعة فيه أظهر من حق الفرد‪ ،‬مثل حق القذف كونه يهدف الى‬
‫حماية أعراض الناس ومنع العداء بينهم‪ ،‬لذلك فهو يحقق مصلحة عامة‪ ،‬أما الثاني‪ :‬فهو ما أجتمع فيه الحقان وكان حق‬
‫الفرد هو الغالب‪ ،‬فيكون حق الفرد فيه أظهر ويكون اولى بالرعاية‪ ،‬مثل القصاص فهو يهدف الى رعاية مشاعر أولياء‬
‫الدم فيجوز لولي االمر ان يتنازل عن حقه في القصاص‪.‬‬
‫بعبارة أخرى " أن أفعال المكلفين أذا كان المقصود بها مصلحة المجتمع عامة‪ ،‬فحكمها خالص هلل وليل للمكلف فيه‬
‫خيار وتنفيذه لولي االمر‪ ،‬وان كان المقصود بها مصلحة المكلف (الفرد) خاصة‪ ،‬فحكمها حق خالص للمكلف وله في تنفيذ‬
‫الخيار‪ ،‬وأن كان المقصود بها مصلحة المجتمع فيها أظهر فحق هللا فيها الغالب وحكمها حكم ما هو خالص هلل‪ ،‬وان كانت‬
‫مصلحة المكلف فيها أظهر فحق المكلف فيها الغالب وحكمها كحكم ما هو خالص للمكلف‪.‬‬
‫يتضح بذلك ان التمييز بين حق هللا وحق الفرد تترتب عليه نتائج عديده أبرزها ان حقوق هللا ال يجوز اسقاطها أمام حقوق‬
‫االفراد‪ ،‬أما حقوق االفراد فيجوز للمكلف اسقاطها ألنه صاحب الحق فيها‪ ،‬اال ان هذه القاعدة يرد عليها استثناء؛ ألن‬
‫هناك حقوقا ً شرعت لمصالح خاصة‪ ،‬ويقتضي ذلك ان تكون حقوقا للفرد ومع ذلك ال يجوز اسقاطها مثل تحريم هللا تعالى‬
‫للربا والسرقة صونا لمال االنسان‪ ،‬والقتل والجرح صونا لنفسه‪ ،‬والقذف صونا لعرضه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األسل الفكرية لحقوق األنسان في اإلسالم‬


‫‪36‬‬
‫تبنى حقوق االنسان في االسالم على مجموعة من المبادع والمفاهيم التي تعطيها ميزة وخاصية تختلف عن الحقوق التي‬
‫اقرتها االعالنات الحديثة والمعاصرة‪ ،‬أبرز هذه األسل‪:‬‬
‫األساس األول‪ :‬هللا سبحانه وتعالى هو مصدر تقرير الحقوق‬
‫إذا كانت حقوق االنسان في الغرب تستند الى شخصية االنسان الفرد‪ ،‬وارتبطت نشأتها بالصراع ضد الكنيسة وحكم الملوك‬
‫المطلق‪ ،‬االمر الذي طبعها بطابع الفردية والروح القومية والالدينية‪ ،‬فان االمر يختلف في التصور االسالمي اذ لم تكن‬
‫نظرية الشريعة االسالمية في مقدمتها العامة لتؤخذ من حوادل محلية طرأت أو ظروف آنية وفنية واجهت مجتمع ما وفي‬
‫زمان ما‪ ،‬حتى تكون صدى لتلك الظروف أو انعكاسا لتلك االحدال‪ ،‬وكما انها لم تكن نتيجة ألهواء انسانية وبما يحرك‬
‫تلك االهواء واإلرادة والرغبات من دوافع النفل او انفعاالتها‪.‬‬
‫ويشير الفكر االسالمي المعاصر الى الخطورة الكامنة في ان تكون حقوق االنسان صادرة من االنسان نفسه؛ وذلك ألنه‬
‫بطبيعته متناقض في حكمه على االشياء‪ ،‬والذين يقومون بتصدار االعالنات العالمية وغيرهم هم اناس لهم خلفياتهم‬
‫الثقافية والحضارية التي ينطلقون منها‪ ،‬ويشير من جهة ثانية الى قصور مناهج الحياة التي اتخذها البشر ألنفسهم من‬
‫مراعاة االعتبارات المتشعبة والمتشابكة المتمخضة عن تفرد االنسان في طبيعته وتركيبته وغاية وجوده‪ ،‬وتنوع اوجه‬
‫نشاطه‪ ،‬وتعقد االرتباطات بينها‪ ،‬وعلى ذلك فان ما يتعلق بالحقوق هو من الدقة والخطورة والتشابك بحيث يحتاج إلى‬
‫"علم اله وحكم وعدل اله ومن ثم ال يضعه اال هللا"‪.‬‬
‫وهكذا توصل الفكر االسالمي المعاصر الى ان المنهج الوحيد الذي راعى كل االعتبارات البشرية هو المنهج الذي وضعه‬
‫لإلنسان خالقه العظيم فتشريعه العدل المطلق الذي ال يحابي وال يتحامل‪ ،‬وبذلك تصبح حقوق االنسان وحرياته االنسانية‬
‫والمساواة بين البشر جميعا ً كلها مقررة على اساس العقيدة وليل على اساس االجتهاد‪ ،‬إال في حدود التفاصيل والتطبيقات‪.‬‬
‫فال يعد الحق حقا ً في نظر الشَرع إال إذا قرره الشارع وتقريره انما يكون بحكم والحكم يستفاد من مصادر الشريعة وبذلك‬
‫تكون مصادر الشريعة هي بعينها مصدر الحقوق‪ ،‬وهذه الشريعة تعنى بحاجات البشر وأمور حياتهم مهما تغير الزمان‬
‫والمكان ومهما تبدل االنسان فهي شريعة ثابتة في اصولها متطورة في فروعها‪.‬‬
‫ان استناد الحقوق في المفهوم االسالمي الى خالق االنسان قد اعطاها بحسب الفكر االسالمي المعاصر ميزات عدة أهمها‪:‬‬
‫‪.1‬القدسية‪ :‬بما ان حقوق االنسان في االسالم حقوق قررها هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وليست منحه من مخلوق‪ ،‬فأنها اصبحت‬
‫حقوق مقدسة تتعالى عن سيطرة ملك او حاكم او حزب يتالعب بها كما يشاء‪ ،‬ويصبح تنفيذ هذه الحقوق وااللتزام بها‬
‫طاعة للخالق وبذلك تكتسب قداسه وحرمة تضمن االلتزام بها‪ ،‬ويترتب على كون الحقوق الهية المصدر‪ ،‬ان يصبح‬
‫االعتداء عليها والتقليل من شأنها اعتداء على شرع هللا ودينه فهي منحة مقررة بفضل من هللا تعالى لإلنسان من اجل ان‬
‫يحقق بها مصالحه الدنيوية واألخروية‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلنسانية‪ :‬لقد اكتسبت حقوق االنسان في االسالم بحكم مصدرها اإللهي بعدا ً انسانيا ً يتجاوز كل الفروقات االجتماعية‬
‫والعقائدية والجغرافية‪ ،‬فقد ألغى االسالم كل الفوارق بين الناس ولم يعترف باي امتياز او تفاضل إلنسان على آخر بسبب‬
‫العنصر او العرق او الطبقة او اللغة او الثروة او النسب وأصبح التفاضل الوحيد بين الناس هو التقوى وهو ايضا ً امره‬
‫الى هللا تعالى "ان اكرمكم عند هللا اتقاكم"‪.‬‬
‫‪ .3‬ينظر االسالم الى الحقوق االنسانية على انها ضرورات فطرية لإلنسان‪ :‬فقد بلغ من تكريم االنسان وتقديل حقوقه‬
‫الى الحد الذي تجاوزت به مرتبته الحقوق لتصبح ضرورات ومن ثم لتدخل في إطار الواجبات‪ ،‬وبهذا المعنى تصبح حقوق‬
‫االنسان في االسالم ليست مجرد حقوق من حق الفرد او الجماعة ان يتنازل عنها او عن بعضها‪ ،‬بل انها ضرورات انسانية‬
‫فردية او اجتماعية ال سبيل الى حياة االنسان بدونها والحفاظ عليها واجب على االنسان المسلم يثاب على فعله ويعاقب‬
‫على تركه‪.‬‬

‫األساس الفكري الثاني لحقوق االنسان في اإلسالم‬


‫االساس الثاني‪ :‬االستخالف في االرض قاعدة للرؤية االسالمية لحقوق االنسان‪:‬‬
‫‪37‬‬
‫ان خالفة االنسان هي حجر الزاوية في البناء الفكري الذي اقامه االسالم على قاعدة المبدأ العام المتضمن في اصية الكريمة‬
‫" ولقد كرمنا بني آدم"‪ ،‬فقد حظي االنسان بمكانه عظيمة ال يرقى اليها انسان في أي نظام آخر وهذه المكانة ناشئة من‬
‫الدور الذي اناطه هللا تعالى والمتمثل بكونه خليفة هللا في ارضه‪ ،‬فاإلنسان في المنظور االسالمي كائن غير الكائنات‬
‫االخرى كرمه هللا بالعمل واالدراك وخصه بالرسالة النبوية والكتب السماوية واصطفاه لعمارة االرض وفق منهج محدد‪.‬‬
‫االنسان وفقا ً لما تقدم أشرف المخلوقات وأعظمها اذ صنعه هللا بيده ونفخ فيه من روحه واسجد له مالئكته‪ ،‬وعلمه‬
‫االسماء كلها‪ ،‬وحمله االمانة والمسؤولية‪ ،‬وجعله مستخلفا ًفي االرض وجعل كل ما في االرض والسماء في خدمته وجعله‬
‫صاحب ارادة ووجهة الى العمل والسعي والكسب لتحقيق ارادة هللا وليقيم المجتمع العادل الكريم على اساس االخوة‬
‫االنسانية والرحمة والكرامة واعالء كلمة هللا ونشرها في العالم‪.‬‬
‫ان استخالف االنسان هو نتيجة لما يتمتع به من طاقات والقدرات واالستعداد للقيام بمهمات المسؤولية والحكم ولما يتميز‬
‫به االنسان من خصائص الروح واالرادة والوجدان والشعور‪.‬‬
‫اما االبعاد والنتائج المترتبة على هذا االستخالف فيطرحها الفكر االسالمي المعاصر على الوجه اصتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬إصالح األرض‪ :‬فالخالفة معناها القيام على شؤون االرض واستثمار خيراتها واكتشاف كنوزها واالستمتاع بطيباتها‬
‫في حدود منهج هللا‪ ،‬مع التوجه هلل بالعبادة واالعتراف بما سخره لإلنسان من طاقاته ومدخراته في هذه االرض‪.‬‬
‫ب‪ .‬المسؤولية تجاه هللا تعالى‪ :‬البد لإلنسان ان يدرك ان حياته في هذه االرض ليست مصادفة وانما هي مسؤولية كبيرة‬
‫وغاية ايجابية‪ ،‬وال بد ان يدرك اهمية تحمله امانة التكليف والمسؤولية‪ ،‬فانه كائن مكلف عبد هللا‪ ،‬وبقدر ما يملك حرية‬
‫أكبر ازاء ذاته والطبيعة والكائنات حوله‪.‬‬
‫ج‪ .‬التفويض المشروط في ادارة االرض‪ :‬ان االستخالف اإللهي لإلنسان ليل استخالفا ً مطلقاً‪ ،‬بل بينت الشريعة اصوله‬
‫وقواعده‪ ،‬فلم يترك امر الناس في االرض دون تنظيم وانما هو مقيد بقيود شرعها هللا سبحانه‪ ،‬وإذا لم يلتزم المستخلفون‬
‫بكل ما شرعه هللا من قواعد واحكام لتنظيم الحياة اإلنسانية‪ ،‬ما لم يعودوا اهالً لالستخالف ألنهم لم يحفظوا شروطه‪ ،‬كما‬
‫ان اإلنسان سيحرم نفسه مما ستحققه هذه القواعد واالحكام من خير ومصلحة في الدنيا واصخرة‪.‬‬
‫د‪ .‬اذا كانت حقوق االنسان في اإلسالم تنطلق من مبدا اعتقادي اساسي يقوم على اساس ان االنسان يحمل في ذاته تكريما ً‬
‫إلهيا ً وانه مستخلف عن هللا في االرض‪ ،‬فان ما يترتب على ذلك حماية إلهية لإلنسان يحفظ حياته من االعتداء‪ ،‬من طرفه‬
‫او طرف غيره وذلك بحفظها من كل ما يعرضها للخطر كالجوع والمرض والتشرد او المهانة واالستعباد‪ ،‬كما يترتب على‬
‫استخالف االنسان االعتراف بكرامته‪ ،‬اثبات حقوقه االجتماعية المفروضة في حق المساواة االنسانية‪ ،‬وتنمية المجتمع‬
‫وترقيته وبناء الحركة االقتصادية وتأكيد حقه في التملك وحماية الملكية وحق الحريات الدينية والمدنية وحرية الرأي‬
‫والفكر وحقوق السالم العالمي‪.‬‬

‫االساس الفكري الثالث‪ :‬التوفيق بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة ‪.‬‬
‫ان االنسان في الحياة الدنيا ال يعيش وحده‪ ،‬وانما يعيش في مجتمع بشري كبير له حقوق على ابناء دينه ومجتمعه‪ ،‬وعليه‬
‫واجبات تجاههم في اطار ضوابط الشريعة االجتماعية التي يبعث بها هللا االنبياء والمرسلين‪.‬‬
‫وثمن الحياة المشتركة يتطلب ان يتنازل كل فرد عن جزء من حرياته مقابل عدم حرمان االخرين من حرياتهم وحقوقهم‪،‬‬
‫فالشرع والقانون والعقل‪ ،‬كلها ال تبيح ان يتمتع االنسان بالحرية وهو مطلق من كل قيد وشرط‪ ،‬اي ان يفعل ما يشاء متى‬
‫يشاء الن الحرية المطلقة في ممارسة الحق البد ان يتمخض عنها اعتداء على حقوق االخرين وحرياتهم‪.‬‬
‫من هذا المنطلق جاء سعي التصور االسالمي لحقوق االنسان إليجاد التوازن المطلوب بين الفرد والمجتمع‪ ،‬فالشريعة‬
‫تنظم قضايا حقوق االنسان الخاصة في إطار مصلحة المجتمع او الحقوق العامة لالمة حتى ال تفهم الحقوق الخاصة بعدها‬
‫كيانا ً منفصالً عن حقوق االخرين‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫اما كيف توصل االسالم الى خلق التوازن بين مصلحة الفرد وحقوق الجماعة فيجيب عن ذلك الفكر االسالمي المعاصر‬
‫بالتالي‪:‬‬
‫ان تقرير حق الفرد وحق الجماعة بحكم الشارع جعل حق كل منهما مقرونا ً بالواجب‪ ،‬بل ان ما هو للفرد أو‬ ‫‪-1‬‬
‫للجماعة هو في نظر الشارع واجب تكليفي مفروض على أحدهما لآلخر فما هو حق هلل‪ ،‬وما هو حق للعبد‪ ،‬وما هو‬
‫مشترك بينهما كلها احكام تكليفية وواجبات شرعية‪ ،‬وهكذا تتوازن الحقوق والواجبات‪ ،‬بل تتالزم في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫اولوية حق الجماعة‪ :‬من القواعد االساسية التي تنظم داخلها حقوق االنسان وواجباته واسلوب ممارسته لحرياته‬ ‫‪-2‬‬
‫العامة هو االلتزام بالمصلحة العامة عند التقاطع بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع‪ ،‬فحيثما تكون المصلحة العامة‬
‫يكون شرع هللا‪ ،‬وال يجوز ان يخل فرد بحرية وحق االخرين‪ ،‬فال ضرر وال ضرار في االسالم‪.‬‬
‫احترام الحق الفردي‪ :‬اذ كان جوهر الفلسفة االسالمية هو المناداة بوضوح بتشريع القوانين التي تضع مصلحة‬ ‫‪-3‬‬
‫الجماعة فوق مصلحة الفرد‪ ،‬فان مصلحة الفرد ال تذوب وال تزول عند تحقيق المصلحة الجماعية وذلك الن االسالم ينظر‬
‫الى المجتمع على انه مجتمع يتكامل افراده في تحقيق المنافع المشتركة في عدالة اجتماعية ترعى حقوق الفرد وتحميه‪.‬‬
‫يتضح مما تقدم الميزة االساسية للنظام االسالمي الذي يركز على فهم معنوي للحياة‪ ،‬والخط العريض في هذا النظام هو‬
‫اعتبار الفرد والمجتمع معاً‪ ،‬وتامين الحياة الفردية واالجتماعية بشكل متوازن فالتشريع االسالمي يضمن حالة توازن‬
‫محكمة بين الحق الخاص والحق العام وعند التعارض يقدم الحق‪.‬‬

‫الؤؤؤمبؤؤؤحؤؤؤؤث الؤؤؤثؤؤؤالث‪ :‬الموقف االسالمي المعاصر من الرؤية الغربية لحقوق االنسان‬


‫من الطبيعي ان يرتبط النقد االسالمي زمنيا ً بالمدة التي اعقبت صدور االعالن العالمي لحقوق االنسان عام ‪ 1948‬والذي‬
‫توج المسيرة الطويلة في حياة اوربا التي ناضلت من اجل هذه الحقوق‪ ،‬كما ان االعالن العالمي قد شكل نقطة ارتكاز‬
‫اساسية لإلعالنات الدولية واالقليمية الالحقة والخاصة بحقوق االنسان سواء اكانت المدنية منها او الطبيعية وصدرت‬
‫منذ ذلك الوقت عدد من البحول والدراسات االسالمية الخاصة بهذا الجانب ولكنها ظلت محدودة ومحصورة في اطار نقد‬
‫الرؤية الغربية مع محاولة طرح البديل موضحة مواطن اللقاء واالختالف بين الرؤية الغربية لحقوق االنسان‪ ،‬ال سيما‬
‫فيما يتعلق باألصول الفكرية والفلسفية لهذه الحقوق عند االسالم والغرب‪.‬‬
‫لقد شهدت بداية الثمانينات من القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر اهتماما ً متصاعدا ً بموضوع حقوق االنسان من قبل‬
‫المفكرين اإلسالميين‪ ،‬وكان وراء هذا االهتمام بواعث فكرية ومعرفية وسياسية وقانونية إذا اصبحت قضايا حقوق االنسان‬
‫تشغل اهتمام العالم وتفرض حضورها وال سيما عندما يحصل انتهاك واضح لها كتضييق بعض االنظمة على الحريات‬
‫العامة للمواطن‪ ،‬فضالً عن مكانة حقوق االنسان في ظل التطورات الدولية المعاصرة وبروز المنظمات العاملة المعنية‬
‫بمراقبة الحقوق والحريات في العالم‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬الرد على شبهات الغربيين حول حقوق االنسان في االسالم‬
‫في اطار معالجته للرؤية الغربية لحقوق االنسان‪ ،‬ركز الفكر االسالمي المعاصر ابتدا ًء في شبهة الغربيين التي حاولوا‬
‫تجريد الدين االسالمي من االهتمام بحقوق االنسان‪ ،‬معولين في اثبات هذه الشبهة على عدم ورود لفظ حقوق االنسان في‬
‫القرآن الكريم وفي مؤلفات المفكرين االسالميين في السابق‪ ،‬فضالً عن اعتماد النظرة التاريخية التجزيئية من خالل تناول‬
‫بعض الحقب التاريخية االسالمية التي غلب عليها طابع الجمود واالنحطاط والتدهور السياسي واالجتماعي وتعميم‬
‫االستنتاج القائل بان ال مكان لحقوق االنسان في الممارسة العملية االسالمية‪ ،‬على باقي حقب التاريخ االسالمي‪ ،‬وتستهدف‬
‫الرؤية الغربية من هذا الطرح تأكيد عدم صالحية االسالم من حيث كونه نظاما ً سياسيا ً واجتماعياً‪ ،‬لقيادة المجتمعات في‬
‫الوقت الراهن‪ ،‬وان االنموذج الغربي وممارساته التطبيقية في مجال حقوق االنسان هو االجدر بالتعميم لكي يصبح نظاما ً‬
‫عالميا ً‪.‬‬
‫وفي معرض الرد على هذه الشبهة‪ ،‬فان الفكر االسالمي المعاصر يرفض فكرة اسبقية الغرب في تبني حقوق االنسان‪،‬‬
‫مؤكدا ً ان الغرب الذي توجه الى تقرير هذه الحقوق في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬لم يكن السباق في هذا‬
‫‪39‬‬
‫الميدان‪ ،‬فقد شرع االسالم وقبل أكثر من اربعة عشر قرناً‪ ،‬حقوق االنسان في شمول وعمق وأحاطها بضمانات كافية‪،‬‬
‫ولم يقتصر امر االسبقية على الجانب التشريعي فقط وانما شمل الممارسة والسلوك ايضاً‪ ،‬فاألمة االسالمية في عهد‬
‫الرسول (ص) والخلفاء الراشدين من بعده كانت سباقة في السير عليها‪ ،‬وان الممارسة الحالية للنظم الغربية في مجال‬
‫حقوق االنسان ال تزال متخلفة بالقياس الى الممارسة االسالمية في تلك العصور‪.‬‬
‫ويعتبر الفكر االسالمي المعاصر بأن معالجات االسالم لقضايا حقوق االنسان ال تندرج تحت هذا المصطلح‪ ،‬ألنه مصطلح‬
‫معاصر إال ان مضمون مبادع هذا المصطلح من االصول البديهية في احكام الشريعة انطالقا ً من الفلسفة االنسانية لإلسالم‬
‫القائمة على مبدأ تكريم االنسان من حيث هو انسان بغض النظر عن دينه او لونه او اقليمه‪.‬‬
‫أما بصدد االرتكاز الى بعض حقب التاريخ االسالمي فان الفكر االسالمي المعاصر ال ينكر وجود حقب في التاريخ سجلت‬
‫امتهانا ً لحقوق االنسان‪ ،‬لعدم تطبيق الشريعة االسالمية بصورتها الصحيحة‪ ،‬أو تقصير بعضهم في تطبيقها‪ ،‬اال ان سلوك‬
‫هؤالء الحكام ال ينبغي ان يحسب على اإلسالم بوصفه دينا ً او تنسب اليه‪ ،‬كما ان تقويم موقف االسالم من حقوق االنسان‬
‫ينبغي ان تقوم على اساس دراسة متكاملة في جوانب الفكر والنظم والرموز والسلوك والتطبيق ودراسة النماذج التاريخية‬
‫السلبية وااليجابية للتوقف عند مكامن القصور في النماذج التاريخية السلبية‪ ،‬وعناصر البناء والتأصيل في النماذج‬
‫االيجابية‪.‬‬
‫في مواجهة ذلك‪ ،‬وفي إطار الجدل اإلسالمي حول حقوق اإلنسان‪ ،‬تبلور في الفكر اإلسالمي اتجاه آخر يؤكد على‬
‫الخصوصية التي تميز الرؤية االسالمية للحقوق‪ ،‬وتحذر من خطورة جعل الغرب هو األساس الذي نقلده ونصوغ أفكارنا‬
‫وفق معاييره وطرازه‪ ،‬وحتى لو كانت مبادع حقوق االنسان في الغرب تتفق مع مبادع اإلسالم وقيمه‪ ،‬فان ذلك ليل‬
‫مدعاة للقياس عليها وليل مبررا ً لجعل اإلطار الغربي أو غيره هو التحليل األخير والمرجعية في هذا الحقل إال بمقدار‬
‫االنفتاح المطلوب حضاريا ً من منطلق التعارف اإلنساني‪.‬‬
‫فضالً عن ذلك فان المحاوالت الساعية الى استيراد المنظومة القيمية الغربية المرتبطة بأسسها الفلسفية المعروفة‪،‬‬
‫سيؤدي الى‪:‬‬
‫‪ .1‬استمرار االعتماد على الغير مما يقود الى حالة من التبعية الثقافية‪.‬‬
‫‪ .2‬الصراع االجتماعي والتفرقة التي ربما يتسبب بها تصادم القيم بفعل اعتماد المنظومة الحقوقية المستوردة ومحاولة‬
‫تبيئتها في المجتمعات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .3‬حرمان المسلمين بناء منظومتهم الخاصة من جهة‪ ،‬وحرمان الغرب من مشعل حضاري هم اليوم في أمل الحاجة اليه‬
‫نتيجة ما وصل اليه من تفسخ اجتماعي من جهة اخرى‪.‬‬
‫وال يفوت هذا االتجاه اإلشارة الى قلة اهتمام الفقهاء والمرجعيات االسالمية بمساحة الفكر المعاصر ويُعد ذلك من أهم‬
‫التحديات التي يتعرض لها فقه الحقوق والحريات في عصرنا‪ ،‬كما ال يفوته تشخيص األسباب التي أدت الى تردي الوضع‬
‫الحقوقي سواء على صعيد البحث أو الواقع حيث تتمثل تلك األسباب بالتفسير الخاطئ أو الناقص لروح االسالم وتعاليمه‪،‬‬
‫والتطبيق الخاطئ لتلك التعاليم وعدم ارتقاء المسلمين فكرا ً وفعالً الى التعاليم االنسانية في االسالم‪ ،‬هذا فضالً عن الدور‬
‫السلبي الذي لعبته الحكومات االستبدادية والمنغلقة على نفسها والتي وقفت عقبة أمام التنظير الحر والتطلع نحو األفضل‪.‬‬
‫إن كل ذلك ال يعني خواء المنظومة االسالمية أو ضعفها‪ ،‬وتتم االشارة بهذا الصدد الى ما تضمنته النصوص القرآنية‬
‫الخالدة وأحاديث السنة النبوية الشريفة وسيرة الرسول صلى هللا عليه وله وسيرة أهل بيته الطاهرين وسيرة أصحابه‬
‫االجالء لتتحول الى تطبيقات رسالية بالبرهان العلمي التجريبي الى حجة خالدة للبشرية وعلى قابليتها العملية للتطبيق‪،‬‬
‫وعلى مرونتها المتحركة مع تطور الزمن‪.‬‬
‫وإذا كانت المكتبة االسالمية قد افتقرت الى كتابات تصب مباشرة في هذا المجال‪ ،‬فان ذلك ال يعني خلو الترال الحضاري‬
‫االسالمي من مؤلفات احتوت على ابواب فقهية وردت فيها مفردات ومواضيع عن حقوق اإلنسان والحريات بالتفضيل‬
‫تارة‪ ،‬وبالعموميات تارة اخرى مثل كتاب (جواهر الكالم) للشيخ محمد حسن النجفي و(الفقه) للسيد محمد الشيرازي‪،‬‬
‫والعروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي‪ ،‬إضافة الى موسوعات لبعض فقهاء السنة تناولت موضوع الحقوق مثل (المبسوط)‬

‫‪40‬‬
‫للسرخسي ونظرية المقاصد في (الموافقات) للشاطبي‪ ،‬والموسوعات الفقهية في الحقوق التي جمعت االنجازات الفقهية‬
‫في هذا المجال‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬انتقادات ومآخذ على حقوق اإلنسان في الرؤية الغربية‬


‫يركز البعض على المرتكزات الفكرية التي بنيت على أساسها حقوق اإلنسان في الغرب‪ ،‬واختالفها بالتأكيد على المعالجة‬
‫االسالمية لقضية الحقوق والواجبات‪ ،‬فالغرب وضع حقوقا ً للناس في مواجهة بعضهم البعض فتحولت العالقة االنسانية‬
‫الى تناقض مصلحي فعلي ومن ثم الى تنافل وصراع وتحولت الحقوق الى عبء يمكن للفرد أن يتخلص منها متى ما‬
‫غابت أعين القانون عنه‪.‬‬
‫كما أجازت التشريعات الغربية والقوانين للفرد مزاولة كل ما يحقق رغباته وحقوقه وفق مفهومه من دون قيد أو شرط‬
‫من دين أو خلق قويم أو عرف صحيح وبهذا اُبيحت العالقات الجنسية دون ضوابط معتبرة كما اُبيح اإللحاد بغض النظر‬
‫عما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة للمجتمع وأفراده‪.‬‬
‫ان ذلك‪ ،‬يختلف عن الرؤية االسالمية‪ ،‬التي صاغت حقوق االنسان في صورة واجبات تقع على عاتق المسلمين‪ ،‬فالحقوق‬
‫في االسالم ليست ضربا ً من االخالق غير الملزمة بل هي تشريعات فيها المحكم وفيها المتشابه وفيها ما ترك تفصيله‬
‫لتطورات وظروف وأوضاع الجماعة المسلمة وبما يتالءم مع النظرة االنسانية‪.‬‬
‫وإذا كان التأسيسي الشرعي االصولي يؤكد على ان كل شيء في األصل مباح وهو االوسع دائرة وان االستثناء هو التحريم‬
‫وهو األضيق دائرة‪ ،‬فأنه أساس اإلباحة والتحريم هو مصلحة االنسان نفسه وال تقف حدود وحرية األفراد وحقوقه إال‬
‫عند حدود وحرية وحقوق اصخرين فال يجوز أن يمل أحد حرية‪ ،‬أو حق الغير (فال ضرر وال ضرار) وال بد في جميع‬
‫الحاالت من االلتزام بفضائل األخالق في ممارسة الحقوق أو في الدفاع عنها‪.‬‬
‫ويطرح الفكر االسالمي المعاصر نقاطا ً عديدة يعدها تمثل تصورا في الرؤية الغربية للحقوق ومنها‪:‬‬
‫تحكم قانون المنفعة‬ ‫‪-1‬‬
‫ومن المنطلقات الفكرية التي يجري التركيز عليها وتوظيفها لبيان الفروق الجوهرية بين المنظومتين االسالمية والغربية‪،‬‬
‫هي تلك الفكرة المحورية في المشروع النهضوي الغربي ‪ ،‬ونقصد فكرة المنفعة التي أدت في تطورها الى اخضاع تحليل‬
‫الظاهرة االجتماعية والسياسية للمفاهيم االقتصادية‪ ،‬فكما يبحث االنسان بشكل عقالني عن تعظيم منفعته في التبادالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬كذلك يسعى الى الوصول الى نقطة التوازن بين منفعته ومنفعة اصخرين في عالقاته االجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫فهو يحترم حقوق اصخرين كي يضمن احترامهم لحقوقه في ظل مجموعة توازنات واقعية وقانون وضعي ينظم هذه‬
‫الحقوق المتبادلة‪ ،‬وتفترض هذه الفكرة نظريا وجود نقطة توازن بين حق الفرد وحقوق اصخرين ومنفعته ومنفعتهم‪ ،‬غير‬
‫ان الواقع العملي يفرض طغيان المنفعة الفردية على العقالنية فكلما اصطفت الحقوق بالصفة التعاقدية والقانون‪ ،‬غلبت‬
‫المنفعة الفردية في العالقات التي ال ينظمها قانون وهي كثيرة كما يسعى الفرد في بعض االحيان الى تطويع القانون ذاته‬
‫واستغالل ثغراته في سبيل منفعته الفردية التي تمثل االولوية وهو ما يمثل إشكالية نظرية ومأزق واقعي لمشروع التنوير‬
‫الغربي الذي يمثل أساس الفكر الغربي المعاصر‪.‬‬
‫أما الشريعة االسالمية فلم يكن هدفها في تنظيمها للمجتمع الوصول الى غاية نفعية خاصة أو إقامة النظام واالستقرار‬
‫فقط كما تفعل القوانين الوضعية‪ ،‬وانما حرصت على خلق مجتمع مثالي في أوضاعه المادية وقيمه الروحية من جهة‪،‬‬
‫وخلق التوازن بين المصلحة الفردية ومصالح المجتمع من جهة أخرى‪ ،‬واعتبرت حقوق االنسان الشاملة في االسالم‬
‫ضمانة للفرد واالسرة والجماعة والدولة على حد سواء‪.‬‬

‫غموض الحقوق الطبيعية‬ ‫‪-2‬‬

‫‪41‬‬
‫يتفق الكثير من المفكرين على ان حقوق االنسان كما وردت في االعالن العالمي لحقوق االنسان ‪ ،‬استمدت اصولها‬
‫من المذاهب الفلسفية التي ظهرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر حول الفرد المستقل وعن حقوقه الطبيعية والتي‬
‫حددت الغاية من كل مجتمع انساني صيانة الحقوق الثابتة لإلنسان ‪ ،‬تلك الحقوق هي الحرية والتملك والطمأنينة ومقاومة‬
‫الظلم ‪ ،‬وقد مثلت تلك األفكار تفسيرا ً وتبريرا ً في الوقت نفسه للنظام الرأسمالي الذي يَعتبر الملكية أساسا ً للنزعة االنسانية‬
‫البرجوازية والتي تعني تأكيد ذات االنسان ضد عبودية االقطاع باسم الفردية وضد الكنيسة بأسم حرية التفكير‪.‬‬
‫وعليه ارتبطت هذه الحقوق بالحرية الفردية لإلنسان الغربي فقط وليل حقوقا ً لكل البشر وان ادّعى الغرب من‬
‫يمثله ثقافة عكل ذلك ‪ ،‬كما ان النظرة الفردية قدمت الحقوق الفردية على أي حقوق اخرى تتعلق بالمجتمع أو حق‬
‫الشعوب ‪ ،‬وقدمت الحقوق السياسية والمدنية ‪ ،‬التي أصبحت محور دعوتها ‪ ،‬على الحقوق االجتماعية واالقتصادية‬
‫التي أهملها فترة طويلة‪.‬‬
‫وهذا االخالل يعني ذهاب االنسجام بين الفرد والفرد اصخر وهو الظلم الذي يدعو الى الصراع وهو العلة االساسية‬
‫في النزاعات التي ان تفاقمت تحولت الى حروب بين الدول والتي تؤدي بدورها الى انتهاك واضح للحقوق االنسانية ‪،‬‬
‫فما من فرد أو شعب أو حكومة يتجه نحو الواجبات بدون حقوق ‪ ،‬أو حقوق بال واجبات إال فتح بابا ً للظلم ال يغلقه إال‬
‫العدل وهذا ما كرسه االسالم من خالل تأكيده على تالزم وتوازن الحقوق والواجبات ‪ ،‬فتعزيز حق الفرد وحق الجماعة‬
‫بحكم الشرع يجعل حق كل منهما مقرونا ً بالواجب ‪ ،‬بل ان ما هو حق للفرد أو الجماعة هو في نفل الوقت واجب تكليفي‬
‫مفروض على أحدهما لصالح اصخر‪.‬‬
‫كما يرى االسالم ان هذه الحقوق المحدودة المنصوص عليها في المواثيق أقل شأنا ً وأضعف خطرا ً من ان تخدم‬
‫االنسانية بجميع وجوه سلوكها وعالقاتها حتى وان أولت هذه الحقوق تأويالً صحيحا ً وصرفت عن تفسيرها البرجوازي‬
‫‪ ،‬بينما نجد ان االسالم فصل الحقوق بشكل يضمن معالجة مختلف قضايا المجتمع بكافة فئاته الجنسية والعمرية بشكل‬
‫يضمن االستمرارية لهذه الحقوق لفترات طويلة عكل القوانين الوضعية الغير قابلة ألن تستمر طويالً واليمكنها أن تثبت‬
‫للزمن فسرعان ما يبدو خللها وتحتاج الى إصالح ‪ ،‬ويفسر السيد الصدر ذلك انطالقا ً من قصور العقل البشري على أن‬
‫يدرك مصالحه الحقيقية وكماالته النفسية خاصة بعد أن أحاطته عدد من المصالح واالنفعاالت التي تطمل الطريق أمامه‬
‫الصحيح الى الحق ‪ ،‬باإلضافة الى المشاكل االجتماعية المعقدة والمتشعبة والتي قد تخفى أكثرها على واضعي القانون‪.‬‬
‫وال يعني ذلك االنتقاص من قدرة االنسان وشخصيته ‪ ،‬إذ تبقى الدعامة األساسية التي اتخذها االسالم لكل ما شرعه‬
‫من عقائد ونظم وقوانين هي حري لعام حفاظا ً على العدل في الحركة االجتماعية واالنسانية عموما ً وقوانين هي حرية‬
‫الفرد واالعتراف بقدرته على االختيار بملء إرادته دون حاجة الى وسيط أو وصي إال في حاالت نادرة واستثنائية محدودة‬
‫تتعلق بفقدان األهلية ‪.‬‬
‫وبتقرير الحرية الفردية تقررت مجمل الحقوق األساسية المرتبطة بكيان االنسان وآدميته وفي مقدمتها حق التعبير‬
‫والتفكير وحق البحث والتأمل ‪.‬‬
‫ضعف الضمانات‬ ‫‪-3‬‬
‫لم يقتصر النقد االسالمي لحقوق االنسان الغربية على أسسها الفلسفية ‪ ،‬بل امتد الى جوانب اخرى فتنتقد على أنها‬
‫سلبية وشكلية تعطي المواطن امكانات نظرية دون ان تمكنه من وسائل بلوغها أو تحميه من القهر‪.‬‬
‫كما ان تحديد وتفصيل الحقوق يقتصر في كثير من األحيان على مبادع عامة مجردة كالحرية والعدالة ومنع التعذيب دون‬
‫بيان التقنيات التفصيلية التي تحدد تنفيذها وصيانتها ‪ .‬فعلى سبيل المثال جاء أشهر إعالن لحقوق االنسان في عام ‪1948‬‬
‫ويتكون من ‪ 30‬مادة خصصت منه مادتين للضمانات لكنهما اتسمتا بالغموض والعمومية فنصت المادة ‪ 28‬على" أن لكل‬
‫فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا االعالن تحقيقا ً‬
‫تاما ً " وتضمنت المادة ‪ 30‬من نفل االعالن تحذيرا ً " من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها " دون تحديد جزاء‬
‫للمخالفة ‪.‬‬
‫ال شك ان عدم تحديد الوسائل لكفالة تمتع االنسان بحقوقه وحرياته يجعل الحقوق خاضعة العتبارات ذاتية ترتبط بمصلحة‬
‫الدولة أو حكامها دون النظر الى االعتبارات الموضوعية المتعلقة بتقرار تلك الحقوق والحريات ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫‪42‬‬
‫محاولة بعض المواثيق والعهود الدولية التي صدرت بعد االعالن العالمي تدارك موضوع الضمانات عن طريق النص على‬
‫تشكيل لجان ومحاكم دولية لهذا الغرض ‪ ،‬اال ان الواقع اثبت ازدواجية المعايير في هذه اصليات ومصادرة القانون لصالح‬
‫القوي على حساب الضعيف‪ ،‬ويمكن االلتفاف عليها ‪ ،‬فعلى سبيل المثال كثيرا ما تنتهك نصوص االتفاقيات في الدول‬
‫النامية بشكل خاص وتقنن تلك االنتهاكات بوضعها في نصوص تشريعية نحو قانون الطوارع واالحكام العُرفية والمحاكم‬
‫االستثنائية وتصبح االستثناءات االصل في تقرير حقوق االنسان‪ ،‬هذا بخالف ما تقرره الشريعة االسالمية التي اظهرت‬
‫التفضيالت لحقوق االنسان في الجانب االيجابي بالتشريع لضامانات هذه الحقوق‪ ،‬ومن الجانب السلبي يمنع التجاوزات‪.‬‬
‫ويعد االيمان باهلل تعالى وتقواه اول ضمانات حقوق االنسان المسلم من ناحية تقريرها ومن ناحية انفاذها وتدعيمها‬
‫والنضال صجلها ويصبح دفع العدوان واجبا ً شرعيا وتغدو الحقوق واجبات مقدسة ال يحق للمستخلف ان يفرط او يتهاون‬
‫فيها ألنها ليست ملكا له بل هلل سبحانه والمطلوب من االنسان التصرف في وظيفة االستخالف وفقأ إلرادة المالك ‪ .‬وفضال‬
‫عن السلطة الداخلية االيمانية هناك السلطة الخارجية المتمثلة بقانون العقوبات وفقه الحدود والقصاص والديات‬
‫واستقاللية محاكم القضاء الشرعية وهذا ما تكفله اجهزة الدولة مضافا الى حوافز االجر والثواب ورادع العقاب ‪.‬وتترتب‬
‫على المخالفين للشريعة الذين يعتدون على الحرمات وحقوق الغير عقوبات تحول دون ضياع تلك الحقوق ولتحقيق مقاصد‬
‫الشريعة في حفظ الوجود االنساني او ما يطلق عليه الضروريات نحو حفظ الحياة وحفظ الدين والعقل والمال والعرض ‪.‬‬
‫وتبقى المستجدات وتطورات الحياة تفرض رؤية تجديدية وتأكيدية لضمانات الحقوق ويدعو بعض الباحثين الفقه االسالمي‬
‫بتقرير الحقوق وضمان مصداقية تطبيقها من خالل الرقابة الدستورية على تشريع القوانين والرقابة الوطنية الشاملة‬
‫على اداء وسائل االعالم ومنع الدعاية للتعصب والحروب والكراهية والتطرف او اية دعاية أليديولوجيات التطهير العرفي‬
‫والمذهبي والديني الرتباط ذلك كلة بحق الحياة وال بد من تأسيل وتطبيق وتطوير الحقوق في الفكر والدين والمذهب‬
‫واالتجاه السياسي والبد من الممازجة بين الحقوق والوعي والتقنيات والهاجل االنساني والتدريب والعقالنية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الفرق بين الصياغتين االسالمية والغربية للحقوق‬


‫ان االختالف ال ينحصر في العناوين العامة انما يمتد ليشمل االسل الفلسفية وكذلك بعض الجوانب التفصيلية لهذه الحقوق‬
‫كما يظهر الفرق بين الصياغتين في التكيف القانوني لهذه الحقوق من حيث مصدرها فضالً عن مقاصد الرؤية االسالمية‬
‫منها مقارنة بمقاصد الرؤية الغربية والى هذا الرأي يذهب جل الباحثين والمفكرين االسالميين المعاصرين‪.‬‬
‫فمن ناحية االساس الفلسفي‪ :‬يرى هذا الرأي بان الرؤية الغربية لحقوق االنسان تستند الى اساس فلسفي وضعي هو‬
‫القانون الطبيعي الذي يرتبط باإلنسان من الناحية الطبيعية له‪ ،‬وهذا الجانب موضع انتقاد الفكر االسالمي استنادا ً الى‬
‫مبررات عديدة منها‪:‬‬
‫الحقوق الطبيعية االزلية امر ال يمكن قياسه والتأكد من وجوده عمليا ً بالعقل المجرد‪ ،‬وبما ان االنسان اجتماعي‬ ‫‪-1‬‬
‫بطبيعته فال يمكن اثبات وجود حقوق طبيعية بمعزل عن الوجود االجتماعي في إطار الجماعة السياسية‪.‬‬
‫ان القانون الطبيعي الذي تستند اليه الحقوق الغربية يعد من االسل الفلسفية الغامضة وهو مفهوم غير محدد‬ ‫‪-2‬‬
‫االمر الذي يحرم تلك الحقوق من العمق والبواعث القوية لاللتزام بها‪.‬‬
‫ما دامت الطبيعية هي أصل الحقوق اإلنسانية‪ ،‬فان الحكم في فصل النزاع عند تضارب الحقوق الطبيعية لنفراد‬ ‫‪-3‬‬
‫او االمم يكون حينها للقوة المادية التي يختص بها الفرد او االمة‪ ،‬ولهذا فمن المشروع في المجتمعات الرأسمالية تركز‬
‫الفقر والبؤس والتخلف لدى االقليات الضعيفة في المجتمع‪.‬‬
‫وبالمقابل يستند تقرير الحقوق في االسالم الى عقيدة االيمان باهلل تعالى وهي في عمقها وشمولها ودوامها ال تقارن بفكرة‬
‫القانون الطبيعي فاستناد الحقوق الى هللا تعالى وشريعته يؤدي الى ان تصبح حقوق االنسان دين وعقيدة للمسلم يحرم‬
‫انتهاكها‪ ،‬فلم يدع االسالم امر تقريرها لإلنسان لكونه مدفوع بتحقيق مصالحه ومصالح قومه بينما الحقوق ميزان هللا ال‬
‫يظلم عرقا ً او فئة او طبقة‪ ،‬كما يتوجب على المسلم االلتزام بتلك الحقوق حتى لو خالفت مصلحته الفردية ورغباته‪ ،‬وتقام‬
‫تلك الحقوق عن طريق الدولة الشرعية التي يصبح لها غاية ايجابية وليل سلبية‪ ،‬اي ليل من مقاصدها منع عدوان‬

‫‪43‬‬
‫الناس بعضهم على البعض وحفظ حرية الناس والدفاع عن الدولة فحسب بل يصبح هدفها االسمى هو نظام العدالة‬
‫االجتماعية الذي جاءت به الشريعة‪.‬‬
‫اما من ناحية الغاية‪ :‬فان حقوق االنسان في الرؤية االسالمية ترتبط بالغاية الكبرى من مقصود التشريع االسالمي وهي‬
‫تحقيق عبودية الخلق هلل عز وجل وحفظ مقاصد الشريعة‪ ،‬في حين ان غاية الرؤية الغربية ترتبط بتحقيق االهداف والقيم‬
‫الغربية والتي تختص بها طبقات او شعوب معينة‪ ،‬كما ان التشريع الغربي أهمل في كثير من االحوال حقوق الشعوب غير‬
‫الغربية مما يجعل واقع حقوق االنسان في النظرية الديمقراطية الغربية حقوق االنسان الغربي فقط‪ ،‬وحقوق من تتركز‬
‫لديه الثروة والقدرة المادية وليست حقوقا ً شاملة لكل الناس وان ادعى منظرو الفكر الغربي غير ذلك‪.‬‬
‫ومن المآخذ االخرى التي يؤشرها الفكر االسالمي المعاصر على التصور الغربي لحقوق االنسان‪ ،‬ان جملة الحقوق‬
‫والحريات الغربية شكلية وسلبية تعطي لإلنسان امكانات نظرية من دون ان تمكنه من وسائل بلوغها‪ ،‬وال شك ان ال قيمة‬
‫لحق ال يتمكن صاحبه من التمتع به وال قيمة له اذا لم تتوافر له ضمانات تحميه من االنتهاك فمن حق االنسان الغربي ان‬
‫يفكر ويعبر ويمتلك‪ ،‬ولكن في الواقع ال يتمكن من ذلك طالما ان السلطة الثروة والثقافة تمتلكها فئة محدودة من المواطنين‪،‬‬
‫المساوين له نظريا ً في تلك الحقوق‪.‬‬
‫وفضالً عن ذلك فان التنظير الغربي لحقوق االنسان يقتصر في كثير من االحيان على مبادي عامة مجردة تستند الى مفهوم‬
‫الحرية ومفهوم العدالة والمساواة واصخاء من دون بيان التقنيات التفصيلية التي توضح هذه المفاهيم‪ ،‬اي انها تعاني‬
‫نقصا ً وغموضا ً في االسل والمفاهيم بينما فصلت الحقوق في االسالم بغاية الوضوح فجاءت النصوص الشرعية في‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية محددة للحقوق محرمة لتجاوزها وانتهاكها‪ ،‬مثل تحريم القتل لحفظ الحياة االنسانية‪ ،‬ووجوب‬
‫الجهاد إلزالة االستبداد وعبودية االنسان لإلنسان‪ ،‬وتحريم القذف حماية لنعراض والكرامات ‪،‬و تحريم الربا واالحتكار‬
‫لضمان ممارسة حق الكسب الحالل‪.‬‬
‫اما من ناحية الخصائص ‪ :‬فان المفهوم االسالمي للحقوق يختلف عن المفهوم الغربي الذي اهمل‪ ،‬وبسبب تركيزه في‬
‫حقوق الفرد‪ ،‬جزءا ً كبيرا ً من واجبات الفرد لمجتمعه‪ ،‬بينما يجعل االسالم حقوق الفرد من واجبات االخرين على الصعيد‬
‫الفردي والمجتمعي فاإلنسان في االسالم مستخلف عن هللا وضمن عهد االستخالف تتنزل جملة حقوقه وواجباته ويجري‬
‫التالزم والتوفيق بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة اذ قد تضمن كل حق للفرد حقا ً للجماعة مع اولوية حق الجماعة‬
‫كلما حدل التصادم وهذا التوازن هو الحلقة المفقودة التي تفقد العالم الغربي روح التطبيق الحقيقي لحقوق االنسان على‬
‫كل االصعدة فضالً عما تقدم فالحقوق في االسالم تصبح في الوقت نفسه تكاليف يتحملها المسلم‪ ،‬فعلى سبيل المثال هناك‬
‫ربط بين حق ابداء الرأي وبين ما يجب على المسلم القيام به من واجب االمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يستشعر‬
‫قيام أمر مخالف للشرع ومقارنة مع الفهم الغربي لحرية الرأي فانه يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالحرية الشخصية التي تدفع‬
‫المرء الى تبنيه أو رفضه‪.‬‬
‫من جهة اخرى فحتى لو كانت معظم الدساتير الغربية قد نصت على كفالة حرية الرأي للمواطن‪ ،‬لكن هذه الحرية مقيدة‬
‫على صعيد الواقع بقيدين‪:‬‬
‫يتمثل االول منها بسيطرة االحتكارات الرأسمالية الكبرى على وسائل االعالم وقدرتها على توجيه االعالم والتحكم في‬
‫مصادر االخبار والمعلومات‪.‬‬
‫اما الثاني فيتعلق بالقيود التي تفرضها الدولة بحجة عدم االعتداء على حريات االخرين والمحافظة على االمن الداخلي‬
‫والتي غالبا ً ما تستخدم ذريعة للحد من قدرة االفراد على التعبير عن آرائهم‪.‬‬
‫ان تلك الفروق ال تلغي أرا ًء اخرى في الفكر االسالمي ترى بأن الرؤية الغربية لحقوق االنسان ال تختلف عن المنظور‬
‫االسالمي لها‪ :‬اذ يوجد تشابه بين الجانبين‪ ،‬وان اختلفت المسميات‪ ،‬فالحقوق الطبيعية المستندة الى القانون الطبيعي في‬
‫الغرب هي نفسها الحقوق الشرعية في االسالم "فما يسميه الغرب بالقانون الطبيعي ال يختلف عن مضمون اإلسالم قانون‬
‫هللا الدائم لكل البشرية والذي يعلو على ما عداه "‪.‬‬
‫ويقدم بعض الباحثين تعليالً لهذا التشابه يرتكز على ما يسمى في علم االنثروبولوجيا باالتصال الحضاري‪ ،‬وكانت الحروب‬
‫الصليبية هي المعبر النتقال مبادع حقوق االنسان في االسالم الى اوربا المسيحية‪ ،‬اذ دفعت المفكرين والباحثين وحتى‬
‫‪44‬‬
‫بعض رجال الكنيسة الى الدعوة لتمكين حقوق االنسان في المجتمعات االوربية في وقت كانت ترزح تحت نير الحلف‬
‫الثالثي الظالم (العرش‪ ،‬االقطاع ‪ ،‬االكليروس)‬
‫ويخمن احد الباحثين بان فقهاء القانون الطبيعي قد اقتبسوا‪ ،‬من المسلمين في مضمونه اثناء احتكاكهم الثقافي والحضاري‬
‫في االندلل‪.‬‬
‫ولم يغفل اصحاب هذا الرأي مسالة ان الحقوق الغربية قائمة على اساس علماني وأنها لم تكن مستندة الى العبودية‬
‫االنسانية هلل تعالى ولم تتمسك بقيم وتعاليم االنبياء والمرسلين وخصوصا ً تعاليم دين اإلسالم‪ ،‬ومع ذلك تظل هذه الحقوق‬
‫مشابهة لحقوق االنسان في اإلسالم‪ ،‬فال نجد حقا ً جديدا ً اتى به االعالن العالمي لحقوق االنسان زيادة على ما جاء به‬
‫االسالم مع امتياز الممارسة االسالمية بانها ممارسة رائعة يمكن ان تشكل انموذجا ً بشريا ً لالقتداء به في هذا المجال‪.‬‬
‫وطبقا ً ألصحاب هذا الرأي فان االسالم ال يتعارض مع الرؤية الغربية لحقوق االنسان سوى انها تستند الى اساس علماني‬
‫في السلوك العملي لها‪ ،‬ومن ثم فهي تمثل صورة اسالمية عادت الينا بدعوة غربية او هي " بضاعتنا ردت الينا "‬
‫ويرى البعض بان" التأسيل لحقوق االنسان الذي قام به فالسفة اوربا في العصر الحديث يتجاوز الخصوصيات الثقافية‬
‫وذلك التأسيل يرجع حقوق االنسان الى البداية الى ما قبل كل حضارة او ثقافة ومن ثم يصل الى عالمية الحقوق االنسانية‬
‫عالمية االعالن العالمي الذي يمثل وجهة نظر ثقافية أخرى‪.‬‬
‫يتضح مما تقدم ان الفكر االسالمي المعاصر يؤمن بأسبقية االسالم من المذاهب الفكرية االخرى في تقرير حقوق االنسان‬
‫وحرياته‪ ،‬كما أنه يتصف بالواقعية والعملية اذ لم يترك تلك الحقوق لرغبة االفراد والحكومات‪ ،‬وانما جعلها فروضا ً تدخل‬
‫في أطار التكاليف اإللهية‪ ،‬ورتب عليها مسؤوليات دينية وأخروية‪ ،‬كما يؤمن أيضا ً بأن هذه الحقوق تختلف عن الحقوق‬
‫بالمفهوم الغربي من ناحية أذ االخيرة نتاج ذهن بشري‪ ،‬في حين ان الحقوق بالمفهوم االسالمي ذات طابع إلهي مقدس‪.‬‬

‫‪45‬‬

You might also like