Professional Documents
Culture Documents
دروس في فلسفة القانون
دروس في فلسفة القانون
إعداد :
1
تمهيد
الجزاء هو النتيجة أو األثر الذي يـترتب على مخالفـة القاعـدة القانونيـة ,و تتفـق القواعـد
القانونية مع غيرها من القواعـد االجتماعيـة كقواعـد الـدين و األخالق في أنهـا جميعـا تقـترن
بجــزاء ,و الغــرض من الجــزاء هــو حمــل الشــخص على طاعــة و احــترام القاعــدة القانونيــة
2
قهــرا ال طوعــا ,فــالخوف من الجــزاء الــذي يــترتب عنــد مخالفــة القاعــدة القانونيــة هــو الــذي
يجعله يطيع القاعدة ولو لم يكن راضيا بحكمها .
لقد عرف ارسطو الفلسفة بأنها علم العموميات و معرفة األصول األولى و العلل
.المؤدية إلى األشياء
تعــني فلســفة القــانون شــأن كــل فلســفة بالقــانون في جوانبــه العالميــة و نواحيــه العامــة ,
فهي ال تقتصر على قـانون وطــني معين بــل تمتــد إلى مــا هــو مشـترك بين األنظمــة القانونيــة
المختلفة .
وعليه تتمثل وظيفة فلسفة القانون؛ إبراز في القواعد و النظريات التي تســديها
الفلس ـ ــفة للق ـ ــانون وللفك ـ ــر الق ـ ــانوني من أج ـ ــل تط ـ ــوير وترقي ـ ــة القواع ـ ــد واألحك ـ ــام
القانونيــة لجعــل القــانون أداة لتطــور المجتمــع و اســتقراره وتنظيمــه في إطــار القيم
االجتماعية العالية.
3
المحور األول :مذاهب فلسفة القانون
لقد تعرضت مذاهب فلسفية عديدة لتحديد جوهر القانون أو محتوى القاعدة القانونية
ومصادره من منطلقات فكرية فلسفية شكلت تيارات ومذاهب فلسفية مختلفة ,صنفها
الفالسفة والفقهاء إلى مدرستين رئيسيتين وتيار مختلط ,يتم توضيحهم على النحو التالي:
تعتبر المذاهب الشكلية هي التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية فال تنظر
إّال إلى الشكل الذي تخرج به هذه القاعدة إلى الوجود في صورة ملزمة و لذلك فهي ترجع
تكوين القاعدة القانونية إلى السلطة التي اكتست هذه القاعدة عن طريقها قوة اإللزام ,و قد
نادى بهذه المذاهب الشكلية كثير من الفقهاء و الفالسف ـ ـ ــة منهم :أوستن ،هيجل ،
كلسن ....الخ
الفيلسوف أوستن انجليزي ،استمد مذهبه من الفالسفة اليونانيين الذين يرون أن
القانون مبدأ للقوة و الفكرة التي يقوم عليها هذا المذهب حيث عرف القانون بأنه أمر و
نهي يصدره الحاكم استنادا إلى سلطة سياسية و يوجه إلى المحكومين و يتبعه جزاء .
و من هذا التعريف يتبين أنه لكي يوجد قانون البد من توفر هاته الشروط :
- 1وجود أمـــر و نهي :وجب حسب أوستن أن تكون القاعدة القانونية آمرة أو ناهية
فالقانون ليس نصيحة يستطيع األفراد األخذ بها أو تركها متى شاءوا و هذا ليترتب على
عنصر اإللزام .
4
- 2وجود حاكم سياسي :فالقانون في نظر أوستن ال يقوم إال في مجتمع سياسي يستند
في تنظيمه إلى وجود هيئة عليا حاكمة لها السيادة السياسية في المجتمع و هيئة أخرى
خاضعة لها تصدره الهيئة الحاكمة من أوامر و نهي .
- 3و جود جزاء :فكرة الجزاء لدي أوستن هي فكرة جوهرية في القاعدة القانونية
بتغيرها ال توجد قاعدة قانونية .
/ 1أخلط بين القانون و الدولة عندما قال أن القانون ال يوجد إال في المجتمع السياسي
بينما في الحقيقة أن القانون ظاهرة اجتماعية .
/ 2اخلط بين القانون و القوة فالقوة تتمثل في الجزاء حيث جعله األساس الوحيد للقانون
و ربطه بإرادة الحاكم .
/ 3التشريع المصدر الوحيد للقانون حسب أوستن أي؛ ال تكون القاعدة القانونية إال إذا
صدرت من الحاكم .
/ 4إنكار حق القانون على القانون الدولي العام فحسب أوستن ال يوجد سلطة عليا في
المجتمع الدولي و في الحقيقة هي موجودة فالقانون الدولي قانون بالمعنى الفنـ ــي
الصحيح.
/ 5جّر د القانون الدستوري من صفة القانون فرد الفقهاء على أوستن بأن الدستور ال
يصنعه الحاكم و أنما لجنة تمثل األم ـ ــة ،و مصدر السلطات هو األمــة و تستطيع تنحيته
أذا خالف القانون الدستوري .
5
ســاهم في تكوينهــا عــدة فقهــاء كــانت معتمــدة منــذ القــرن ، 12و يرجــع أســم هــذا المــذهب
إلى الطريقة التي يعتمدها أصحاب هذا المنهج في تفسير و شرح تقنين نـابليــون نصــا مــع
الحفـاظ على الـترتيب الـذي جـاءت فيـه نصـوص هـذا التقـنين لـذا أطلـق عليـه مـذهب االلـتزام
بالنص ــوص نظ ــرا الل ــتزامهم بتق ــنين ن ــابليون دون غ ــيرهم العتب ــار ه ــذا التق ــنين حم ــل ك ــل
األحكام .
أ /تقــديس النصــوص التشــريعية :لقــد احــدث تقــنين نــابليون جــوا من اإلبهــار و اإلعجــاب
دفــع برجــال القــانون إلى قصــر مفهــوم القــانون على التقــنين فهــو الوجــه المعــبر للقــانون ،و
إرادة المشرع ما هي إال ترجمة لإلرادة الدولة ،كما أن هذا التقنين كان شامال كامال لجميع
القواعد بعد أن وجد القانون السائد في شمال فرنسا و القانون السائد في الجنوب .
ب /اعتبــار التشــريع هــو المصــدر الوحيــد للقــانون :مف ــاده ه ــو أن الفقه ــاء يق ــرون ب ــأن
التشريع المصدر الوحيد و األوحد للنظــام القــانوني حيث ال يمكن األخــذ بالمصــادر األخــرى
ذلك أن القانون يعتمد أساسا على النصوص المكتوبة و المتمثلة في التشريع .
ـ يعت ــبر أن التش ــريع ه ــو المص ــدر الوحي ــد للق ــانون و ه ــذا خط ــا ف ــا للق ــانون مص ــادر أخ ــرى
متعددة.
ـ تغــير إرادة المشــرع أثنــا البحث عن اإلرادة المفترضــة لــذا أصــبحت المحــاكم تــرفض كــل
طلب ال يستند لنص صريح .
ـ المذهب يخدم الديكتاتورية و يجسد فكرة " الحاكم ظل اهلل في األرض " .
6
ـ أن فكرة الخطأ الناجم عن التفسير و الـذي يرجـع على المفسـر دون المشـرع مبـالغ فيهـا إذ
أن المشرع بشر يمكنه أن يخطأ مثله مثل المفسر و المشرع .
يــرى الفيلســوف األلماني هيجل بــأن الدولــة تنشــأ حينمــا تظهــر عامــة حقيقيــة معــترف بهــا
قـ ــادرة على توحيـ ــد األمـ ـ ــة في تحقيـ ــق مهمتهـ ــا التاريخيـ ــة ،كمـ ــا أنـ ــه يـ ــرفض فكـ ــرة العقـ ــد
االجتماعي كأساس لنشأة الدولة ،فالقانون يستمد شرعيته و أساس قوته عن طريق صدوره
عن الحاكم.
• تدعيم و تبرير االستبدادي المطلق بما أن إرادة الحاكم هي القانون الواجب النفاذ .
• عدم اعتراف هيجل بالقانون الدولي ،فالقوة هي التي تحكم العالقات بين الدول .
• عدم االعتراف بالقانون الدستوري فالحاكم له السلطة المطلقة في عالقته مع األفراد .
اكتفى هيج ــل بـ ــالمظهر الخ ــارجي للقـ ــانون و لم يبحث في ج ــوهره و أثـ ــر العوامـ ــل في •
نشأته.
فلس ــفة هيج ــل نزع ــة متطرف ــة ت ــدعو الش ــعب األم ــاني للس ــيطرة على الع ــالم و هي ال ــتي •
طورتها النازية الحقا .
• ال يعــترف هيجــل بالقــانون الــدولي و يــرى أن الحــرب هي الوســيلة الوحيــدة لتنفيــذ إرادة
الدولة على المستوى الدولي و هذا ما يترتب عنه اضطراب العالقات الدولية .
7
• االدعاء بوجود مصدر وحيد للقانون هو التشريع .
استخدم المنطق و استبعاد الواقع و هــو مــا قــامت عليــه فلســفة القــانون في حقبــة كلسن حيث
كان يدرس القانون مثل الرياضيات و العلــوم المنطقيــة كمــا اســتبعدا جــوهر القــانون و ُد ِر س
الشكل فقط .
أ /استبعاد العناصـر الغـير قانونيـة و منهـا المثاليـة مثـل العدالـة ،كمـا اسـتبعدا كلسـن فمـرة
القانون الطبيعي فهو حس غير علمي فقواعد الطبيعـة إمـا من وضـع اهلل أو هي مسـتمدا من
العق ــل البش ــري ،فالق ــانون حس ــب كلس ــن يش ــكل هرم ــا يجب أن يح ــترم األدنى من ــه األعلى
مرتبة.
ب ) وحـ ــدة القـ ــانون و الدولـ ــة فحسـ ــب كلسـ ــن ال يوجـ ــد هنـ ــاك أشـ ــكال حـ ــول عالقـ ــة الدولـ ــة
بالقـ ــانون ،فهمـ ــا شـ ــئ واحـ ــد فالدولـ ــة ليسـ ــت شخصـ ــا معنويـ ــا و أنمـ ــا هي مجموعـ ــة القواعـ ــد
القانونية علة شكل هرم .
• وضــع القــانون على شــكل هــرم أعاله الدســتور و أغفــل عن القاعــدة القانونيــة ال على و
التي ستمد منها الدستور شرعية اذ سلم بوجود قاعدة أعلى من الدستور .
8
• ال يمكن اعتب ــار االل ــتزام و المع ــامالت الفردي ــة مص ــدر للق ــانون ألنه ــا تفتق ــد العمومي ــة و
التجريد
• أهمــل قواعــد القــانون الــدولي العــام حيث ســلم بخضــوع كــل الــدول لدســاتيرها و هــذا مــا
يصلح لتنظيم العالقات داخل الدول .
أن دراسة المدرسة الموضوعية للقاعدة القانونية ينحصر أساسا في الظروف و العوامــل
االجتماعية و المثالية و البيئة التي تؤثر في تكوين القاعدة القانونيـة و تطورهـا من ثم فأنهـا
تربط بين هذه العوامل و القانون .
إن هذا التيار يؤمن بأن القاعــدة القانونيــة هي المثــل األعلى للعــدل الــذي يسـتنتجه الفــرد
وحــده ،و قــد ســادت أفكــار هــذا التيــار حــتى مطلــع القــرن 19و ينقســم هــذا التيــار إلى مـ ــا
يلي :
و هـ ــو مجموعـ ــة القـ ــوانين العامـ ــة و الثابتـ ــة ال تختلـ ــف و ال تتغـ ــير بتغـ ــير الزم ـ ـ ــان و
المكان و هي من وضع اهلل أودعها في الكون و يكشف عنها اإلنسان بعقلـ ـ ــه .
9
إن القانون الطبيعي يمثل صورة من صور الطبيعــة و هــو من وضــع الخــالق و من هنــا
فهو عادل أو باألحرى مقياسـا لمـدى العـدل للقـوانين الوضـعية إذ كلمـا اقـتربت هـذه القـوانين
الوضعية و تطابقت و تشابهت مع القانون الطبيعي كلما أصبحت عادية ،لذا نــادى اليونــان
إلى وجوب التقيد بقواعــد القــانون الطــبيعي و التحـرر من إرادة الدولــة ألن القــانون الطــبيعي
أسمى من هذه اإلرادة .
اعتبر الرمانيين أن القانون مستمد من الطبيعــة و ينطبــق على كافــة الشــعوب بحيث أن
الطبيعة و العقل هما اللذان يفرضانه ،غـير أن الفقهـاء الرم ــان جعلـوا فكـرة قـانون الطبيعـة
فكرة القانون .
لقد حاول " طوماس األكوني " التوفيق و اإليجاد العالقة بين العقل و القــانون فالقــانون
يجــد أســاس في العقــل؛ فالعقــل هــو المبــدأ األول لألفعــال البشــرية ألن اإلنســان ال يمكنــه أن
يتصرف ككائن ذكي دون سلطة العقل و قد قسم طوماس األكوني القانون إلى :
القانون الطبيعي :يشمل القواعد التي تمثـل منتهي مـا يسـتطيع اإلنسـان أن يدركـه بعقلـه من
القانون األزلي .
القانون الوضعي :هو القانون الذي يصيغه العقل اإلنساني من أجل تحقيق الصالح العام .
ـ ال بــد للمشــرع من مثــل عليــا للعــدل يهتــدي بــه ،و هــو مــذهب خــال في فكرتــه و متغــير في
مضمونه .
10
ـ العدل يستند إلى القانون الطبيعي فكرة خالدة و مضمونة و طرق تحقيق متغيرة و مختلفــة
.
ـ يتفــق في المضــمون مــع المــذهب التقليــدي في أمــر أن القــانون الطــبيعي يستخلصــه اإلنســان
بعقله .
ـ فكرة القانون الطبيعي لم تلق قبول لدى كثـير من الفقهـاء في العصـر الحـديث ألنهم رأوا
أنها تؤدي إلى إنكار الفكرة القانونية الطبيعية ذاتها ( ثبات العدل ).
ه ــذه المدرس ــة نابع ــة من فلس ــفة الم ــادة ال ــتي ت ــرى أن المعرف ــة ال ــتي تق ــوم على الواق ــع و ال
تؤكدها مشاهدة أو تجربة هي معرفة حدسية ال يقينية ،فهذه المدرســة تعتــبر القــانون علم و
عليه يجب إخضاعه للمناهج العلمية في الدراسة على غرار العلوم األخرى .
أســـاســـه :
• إنكار و جود القانون الطبيعي؛ فالقانون يتكون بمــرور الــزمن و ال توجــد قواعــد ثابتــة و
خالدة بل القانون وليد البيئة االجتماعية .
• القانون و ليـد الحاجـة االجتماعيـة ،فالقـانون ليس من خلـق إرادة إنسـانية و ال مثـل عليـا
بل هو وليد الحـاجة االجتماعية يتطور مع الجماعة .
11
القـ ــانون يتكـ ــون و يتطـ ــور آليـ ــا ،ألن القـ ــانون من صـ ــنع الـ ــزمن فهـ ــو بمثابـ ــة الضـ ــمير •
االجتماعي للوطن ساهم في تكوينه أجيال السابقة و المشرع له دور التجميع فقط .
• ادعائهم بأن القانون وليد البيئة و الظروف لنشأته الخاصة لكل مجتمع .
مذهــب الغايـ ــة االجتماعية هو مــذهب واقعي ينتمي إلى المدرســة الموضــوعية ،أقــترن
بصــاحب و مؤســس فكرتــه الفقيــه األلمانــــي اهــريج و جــاء هــذا المــذهب النتقــاد رواد فكــرة
المذهب التاريخي .
• القانون ال يتطور آليــا :يرى هــذا ال ــذهب أن القــانون ال يتطــور بــإرادة اإلنسـان فـالظواهر
الطبيعية هي التي تتطور تلقائيا .
• خضوع الظــواهر االجتماعيــة لقــانون الغايــة :غايــة القــانون الحفــاظ على المجتمــع و بــذلك
يخضع لإلرادة اإلنسان من توجيه و تشريع و إلغاء .
12
• المبالغة في اعتماد إرادة اإلنسان كمصدر و إهمـال المصـادر األخـرى من دين و أخالق
و قانون طبيعي .
• لقد أقر هذا المذهب الكفـاح و الصـراع من أجـل بنـاء نظـام قـانوني و هـذا مـا يجعـل نشـأة
القوانين تلجأ إلى القوة ال إلى مصطلح الحق الذي يعتبر مقياس للعدل .
يس ــعى الفقي ــه " ديجي " على رب ــط الق ــانون بالتض ــامن االجتم ــاعي انطالق ــا من تع ــاليم
المحلــل االجتمــاعي ،أمــا مضــمون نظريــة " ديجي " في التضــامن االجتمــاعي فمحتواهــا " :
أن اإلنسان قد عـاش في الماضـي كمـا يعيش اآلن مـع غـيره في حيـاة اجتماعيـة ،و المجتمـع
بالنسبة له يعتبر حقيقة واقعية " .
أن القاعدة القانونية ال تقوم على أسـاس إجبـار الدولـة كافـة احترامهـا كمـا تنـادي بـذلك
المدرسة الشكيلية التي ترجع القانون إلى مشـيئة الدولــة و ال تلجـأ القاعــدة القانونيــة إلى مثــل
أعلى كم ــا ين ــادي التي ــار المث ــالي لكن القاع ــدة ال ــتي تش ــعر األف ــراد المجتم ــع أنه ــا ض ــرورية
للحفاظ على التضامن االجتماعي و أن من العدل استعمال الجبر و القوة لكفالة احترامهــا و
االنصياع لها.
• العلوم الطبيعية تهدف إلى ما هــو كــائن عكس العلــوم االجتماعيــة الــتي تهــدف إلى مــا هــو
كائن وما سكون .
لق ــد نش ــأت المدرس ــة المختلط ــة لتواف ــق بين فك ــرتين أساس ــيتين هم ــا فك ــرة ش ــكل القاع ــدة
القانونيــة و جوهرهــا ،و أن نــدرس هــا هنــا الوســطية الــتي اســتطاعت المدرســة المختلطــة أن
توفق ما بين المدرسة الشكلية و المدرسة الموضوعية .
لقد أطلق على مذهب جيني مذهب العلم و الصياغة أو اتجـاه البحث العلمي الـذي لم
يأتي بشئ جديد سـوى التوفيـق مـا بين فكـرتي المدرسـة الشـكلية و المدرسـة الموضـوعية و
هذا ما أقره الفقيه الفرنسي " فرانسوا جيني " إذ تـأثر بالمدرسـة الشـكلية من حيث أن شـكل
القاعــدة القانونيــة القــالب ,كمــا تجلى تــأثر جيــني بالمدرســة الموضــوعية من حيث أن أصــل
القاعدة القانونية مستمد من جملة الحقائق الواقعية التي تؤكدها المالحظـة و تحققهـا التجربـة
.
أ /عنصر الــعلــم :العلم عند جيني ليس ذلك المفهوم القائم على المالحظة و التجربة بل
يضيف له التفكير و التأمل لذا فهو يجمع بين فلسفة المادة و فلسفة المثالية في تفسـير أصـل
و غاية القانون ،و يقوم القانون على مجموعة من الحقائق :
ـ حقائق طبيعية (واقعية) :هي الظروف المحيطة بالفرد سواء كانت مادية أو معنوية .
14
ـ حقائق تاريخية :استفادة القاعدة القانونية من الماضي فهي تراث إنساني مشترك.
ـ حقـ ــائق عقليـ ــة :و تعتـ ــبر الجـ ــوهر األساسـ ــي للقـ ــانون الطـ ــبيعي و بواسـ ــطتها يتم اسـ ــتنباط
الحقوق.
ـ حقائق مثالية :أساسها العاطفة و ليس العقل أي مـا يتمنـاه العقـل من سـمو و تحقيـق العـدل
و هي مثل أخالقية تعبر عن الغاية السامية للقانون .
ب /عنصر الصيـــاغة :الصياغة تعني تحويل المادة التي يتكون منهــا القــانون إلى قواعــد
عامة مجردة صالحة للتطبيق في الحياة العملية ،و هناك نوعين من الصياغة :
ـ صياغـة مـاديـة :يستعمل فيه المشرع الكم أو الرقم الحسابي مثل ســن الرشد 19سنة .
ـ صيـ ـ ــاغة معنويـ ــة :عمـ ــل ذهـ ــني يأخـ ــذ بعين االعتبـ ــار القـ ــرائن لتحقيـ ــق مبـ ــدأ اسـ ــتقرار
معامالت في المجتمع.
.أن الحقـ ــائق الـ ــتي ذكرهـ ــا جيـ ــني في عنصـ ــر العلم ال يسـ ــلم لـ ــه بأنهـ ــا كلهـ ــا حقـ ــائق علميـ ــة
بالمعنى الصحيح.
• يص ــعب إيج ــاد ف ــرق بين الحق ــائق التاريخي ــة و الحق ــائق المثالي ــة و العقلي ــة ألن الحق ــائق
المثالية تستنبط من العقل و بالتالي هي نفسها حقائق عقلية .
اتجه الفقه الحديث بعد نقد مذهب جيني إلى جمع الحقائق و تقسيمها إلى طائفتين ،
ـ ال بد من تقويم هذه الحقائق بالقياس إلى مثل عليا بفرض العقل .
ـ التكيف يكون فقط على ما يرافق المثل األعلى الذي يقبله العقل منها العدل .
ـ الع ــدل الع ــام :ه ــو ال ــذي يس ــود العالق ــات بين األف ــراد و الجماع ــة و ته ــدف إلى تحقي ــق
المصالح العامة و له صورتان :
عدل توزيعي :م ــا يجب على الجمــاعة تجاه األفراد .
ــاعــة .
16
المحور الثاني :تفسير القانون
المفهوم الواسع للتفسير :يقصد بالتفسير االستدالل على ما تتضمنه القاعدة القانونية
من حكم و تحديد المعنى الذي تتضمنه هذه القاعدة حتى يمكن مطابقتها على الظروف
.الواقعية
المفهوم الضيق للتفسير :يقصد بالتفسير بالمفهوم الضيق تفسير التشريع و هو
استخالص الحكم القانوني من النصوص التشريعية المعمول بها ,و عليه يقتصر التفسير
وفق هذا المفهوم علة تفسير التشريع دون غيره اعتبارا لمكانته بين المصادر األخرى
.للقاعدة القانونية ,و لغموضه في كثير من األحيان
17
.IIأهمية التفسير:
سبق البيان عند الحديث عن خصائص القاعدة القانونية أنها؛ عامة ومجردة و تطبيقها
على الحاالت الخاصة أمر تعترضه صعوبات كثيرة ،إذا ينبغي قبل تطبيق النص الوقوف
على المعنى الحقيقي له ،و الكشف عن مضمونه ومقصد المشرع من خالله ،و تبرز
:أهمية التفسير خاصة من النواحي التالية
أن التفسير عمل يسبق التطبيق وعليه يتعذر تطبيق القاعدة القانونية قبل تفسيرها خاصة *
.إذا كانت ذات مدلول غامض من الصعب االهتداء إليه
تتحكم عملية التفسير فيتضح تطبيق القاعدة القانونية و مجال امتدادها؛ فإذا فسرت *
بمفهوم واسع مثال فإنها ستحوي بين ثناياها وقائع كثيرة ،و خالف ذلك إذا تم تفسيرها
تفسيرا ضيقا محدودا فإنها ستقتصر على وقائع دون أخرى ,هذا طبعا يكون حسب األلفاظ
.التي يستعملها المشرع
إن التفسير و إن كان بحسب وجهة نظر كثير من رجال الفقه يقتصر على التشريع *
انطالقا من فكرة أن القواعد التشريعية عادة ما تأتي بأسلوب مختصر قد يؤثر على المعنى
.المقصود ،إال أنه أيضا يفتقد لتفسير قواعد العرف و أحكام القضاء
18
التفسير التشريعي :هو التفسير الذي يقوم به المشرع نفسه أي الجهة التي سنت
القاعدة القانونية أو جهة أخرى مفوضة من قبلها للقيام بهذا األمر ،وعادة يصدر التفسير
التشريعي لحسم الخالف الذي قد يثور بين المحاكم بخصوص تطبيق نص معين ،فإزالة
لهذا الغموض يتدخل المشرع ليكشف عن مضمون القاعدة لذلك استقر األمر لدى
المجتمعات القديمة أن التفسير عمل معقود للمشرع وليس للقاضي و يذكر المؤرخون في
هذا المجال " أن اإلمبراطور جستنيان عندما وضع تقنياته أعلن أن تشريعاته كاملة وجب
".على القضاء تطبيقاتها بطريقة شبه آلية
هو التفسير الذي يقوم به القضاء نظرا لدعاوي التي ترفع إليه حتى يتوصل
بذلك إلى معرفة حكم القانون ويجسده على الوقائع التي بين أيديه ويعد تفسير القضاء
للقانون من صميم عمله ويقومون بذلك من تلقاء أنفسهم حتى ولو لم يطلب منهم الخصوم
ألن مهمته بيان حكم القانون إذا ما عرض عليه الخصوم وقائع الدعوى ونجد أن التفسير
.القضائي يحصل دائما ألن القاضي ال يمكنه أن يطبق القانون قبل تفسيره
و التفسير القضائي يمتاز بصيغته العملية ألن القاضي هو الذي يفصل في
المنازعات المعروضة عليه يواجه وقائع خاصة وحاالت عملية قد تختلف في موضوعها
وقد تتشابه ويطلب منه الفصل فيما تقره قواعد القانون ,أما من حيث مدى قوة التفسير
19
القضائي في اإللزام فإنه من الناحية القانونية غير ملزم بالنسبة للمحكمة نفسها الذي صدر
منها التفسير في مناسبة معينة..ذلك نجد الدستور الجزائري أعترف صراحة للمحكمة
العليا ومجلس الدولة بالدور الريادي في توحيد االجتهاد القضائي لتفسير القانون و السهر
.على احترامه
إن التفسير الفقهي يعبر عن الجهد الذي يبذله شّر اح القانون والفقهاء في تفسير
القواعد التشريعية وأحكام القضاء والتعليق عليها و انتقادها ويستعين في تفسيرهم بقواعد
المنطق السليم واعتماد ما يؤدي إليه دون النظر إلى النتائج العملية التي يؤدي إليها تطبيق
التشريع على الحاالت الواقعية ألن مهمة الفقه ال تعرض عليه حاالت واقعية يطلب منه
فالتفسير الفقهي يعتبر غاية في ذاته وليس وسيلة ولذلك فهو يغلب عليه الفصل فيها
الطابع النظري ,و إن كان يالحظ أن الفقه الحديث يراعي بقدر اإلمكان أن يصوغ تفسيره
بشكل ال يبتعد عن واقع الحياة االجتماعية سواء كان يشهدها بنفسه أو كما يستخلصها من
أحكام القضاء ،وذلك بعد أن أدرك حقيقة أال جدوى من صياغة أفكار ال تحتويها نصوص
.التشريع وال يستجيب لها القضاء
إذا كان النص سليما أقتصر دور المفسر على استخالص المعنى من األلفاظ
الواردة فيه أو في فحواه ،و ال يجوز للقاضي أن يمتنع عن تطبيق النص بحجة
عدم صالحيته ،و حتى إن كان سليما فإن طريقة تفسيره تختلف بحسب درجة
وضوح النص ,و إن كان النص غامضا فإنه يختلف من حيث درجة الغموض
:وذلك فيما يلي
20
استخالص النص من خالل ألفاظه :قد يهتدي القاضي إلى معنى النص من خالل ألفاظ *
التي يحملها أما المقصود بألفاظ النص صيغته المكونة من مفرداته و جمله ,و هذا ما
يطلق عليه بالمعنى الحرفي للنص أو منطوق النص وال يشترط التقيد بألفاظ النص لفظا و
.إنما العبرة بالمعنى الذي يستفاد من مجموع عباراته
استخالص معنى النصوص عن طريق اإلشارة :قد ال يفهم المعنى الذي قصده المشرع *
صراحة من النص و ذلك بسبب عدم التصريح به ,و لكن قراءته باستفاضة و تمعن و
.االجتهاد في تفسيره يؤدي إلى استنباط روحه من خالل ما استعمله المشرع من ألفاظ
استخالص المعنى عن طريق داللة النص :في هذه الحالة ال يظهر المعنى ال من *
منطوق النص و ال من عباراته و ال عن طريق اإلشارة ,إنما عن طريق االستنتاج و
سمي ب :االستدالل بداللة المفهوم قياسا على داللة المنطوق التي أشرنا إليها ,تحتاج هذه
الحالة جهدا ينبغي القيام به من قبل القاضي حتى يهتدي لالستدالل و يستنبط روح النص
.بعد الربط بين مختلف أحكامه و يجري عملية القياس
و حتى يهتدي القاضي للكشف عن معنى النص و يستنبط روحه و يستنتج الحكم
الذي يفصل به في المنازعة التي بين يديه ,يتعين عليه أن يربط بين النصوص خاصة تلك
التي تعالج وضعا مماثال و يقابل العلل ببعضها و يتمعن في األحكام و ال يكون ذلك إال
باالعتماد على أسلوب القياس و هو على نوعان؛ قياس بمفهوم الموافقة و قياس بمفهوم
.المخالفة
21
.أطلق عليه البعض بالخطأ المعنوي
.حالة الغموض :ويكون حين يستعمل المشرع عبارة غامضة لها أكثر من معنى
.حالة النقض :ويكون في حالة إغفال لفظي في النص ال يستقيم الحكم إال به
حالة التناقض أو التعارض :وفي هذه الحالة يصادف القاضي حكمين مختلفين ينظمان
.نفس المسألة وذلك إما في تشريع واحد أو بين تشريع وآخر
النص الفرنسي :لقد تبين لنا من خالل ما سبق؛ أن هناك فائدة كبيرة في الرجــوع -1
للنص بصيغته الفرنسـية و ذلـك بغـرض الوصـول إلى تحديـد معـنى النص و الكشـف
عن طبيع ــة الخط ــأ و س ــر الغم ــوض ,فكث ــيرة هي الح ــاالت ال ــتي يك ــون فيه ــا النص
الفرنس ــي س ــليما غ ــير أن ترجمت ــه ق ــد ت ــؤدي إلى تغي ــير معن ــاه ,فتقتض ــي الض ــرورة
الرجــوع للنص الفرنســي لالهتــداء للمعــنى الحقيقي ,فاالكتفــاء بــالنص العــربي وحــده
دون النظــر إلى منطــوق النص الفرنســي يــترتب عنــه عــدم إدخــال الطوائــف الخمس
المغفل ــة في الم ــادة ( ) 310ق ــانون م ــدني بينم ــا الرج ــوع للنص الفرنس ــي ينجم عن ــه
إدخالها.
األعمال التحضيرية :يقصـد بهـا مجموعـة الوثـائق الـتي تـبين مختلـف المراحـل الـتي -2
م ــر به ــا النص و تتمث ــل في مش ــروع أو اق ــتراح الق ــانون م ــع بي ــان أس ــبابه و مختل ــف
التقارير الالحقة له كالتقرير التمهيدي و التقرير التكميلي .
المصادر التاريخية :و يقصد بها األصل التاريخي الذي استمد منه المشرع النص -3
و قد يكون الشريعة اإلسالمية أو قانون أجنبي .
22
تقــريب النصــوص ( المقابلــة بين النصــوص ) :من الط ــرق ال ــتي تيس ــر للمفس ــر -4
الوص ــول للمع ــنى الحقيقي للنص و رف ــع الغم ــوض ال ــذي يح ــوم حول ــه ه ــو أس ــلوب
المقابلــة بين النصــوص و نعــني بهــا طبعــا النصــوص الــتي تعــالج وضــعا متشــابها أو
متعارضا .
حكمــة أو نيــة المشــرع :و يقصــد بهــا الغايــة الــتي من أجلهــا ســن المشــرع القــانون -5
ألنــه مــتى اتضــحت الغايــة اهتــدى المفســر للكشــف عن الغمــوض الــذي يكتنــف نصــا
معينا أو بعض النصوص .
23