Professional Documents
Culture Documents
تعليمية__المادة (3)
تعليمية__المادة (3)
1
•التفاعل بني التعليم والتعلم:
نتيجة لتطور البحث يف الرتبية أثناء القرن العشرين اتضح أن النظرة األحادية ملفهوم التعليمية عند
كل من هربرت ،وجون ديوي كانت نظرة قاصرة ألهنما فصال التعليم عن التعلم وأكدت تلك الدراسات أن
نشاطات كل طرف يف العملية التعليم ية يربطها التفاعل النطقي مع لطرف اآلخر.
ومن مثة فإن هذا الفهم اجلديد للعملية التعليمية أدى إىل اعتبار التعليمية نظاما من األحكام والفرضيات
املصححة واحملققة ونظاما من أساليب حتليل وتوجيه الظواهر املتعلقة بعملييت التعليم والتعلم .واخلالصة ،فإن
التعليمية هي أسلوب حبث يف التفاعل القائم بني املعرفة واملعلم واملتعلم ،وهي عند البعض مقاربة لظواهر
التعليم وحتليلها ودراستها دراسة علمية موضوعها األساسي البحث يف شروط تنظيم وإعداد الوضعيات
التعليمية /التعلمية.
التمييز بني البيداغوجيا والتعليمية:
•مفهوم البيداغوجيا:
إن مصطلح بيداغوجيا من أصل يوانين مكون من كلمتني PEDوتعين الطفل AGOGIE
وتعين القيادة والتوجيه .
•وظيفة البيداغوجيا:
كان املريب يف عهد اإلغريق هو الشخص – ويف أغلب األحيان – هو اخلادم الذي يرافق الطفل يف
طريقه إىل املعلمني ،فلم يكن البيداغوجي معلما إمنا كان مربيا فهو الذي يسهر على رعاية الطفل واألخذ
بيده وهو الذي خيتار له املعلم ونوع التعليم الذي يراه مالئما حسب تصوره.
كان البيداغوجي يف األصل مربيا وقد ارتبطت الرتبية بتهذيب اخللق ابملعىن الواسع ،أما التعليم فقد
ارتبط ابلتحصيل املعريف ابملعىن الضيق.
ومبرور الوقت حتول البيداغوجي ألسباب عدة من املريب ابملفهوم الواسع إىل املعلم انقل املعرفة دون
التساؤل عن منط املواطن الذي يسعى إىل تكوينه وبذلك حتولت البيداغوجيا من معناها األصلي املرتبط
إبشباع القيم الرتبوية إىل منهجية يف تقدمي املعرفة وارتبط ذلك مبا يعرف بفن التدريس وانصب االهتمام على
اقرتاح الطرائق املختلفة للتعليم وظهرت بيداغوجيات كثرية عرفت أبصحاهبا هربرت ومنتسوري ومل تتمكن
البيداغوجيا من بناء نظرية موحدة لتحليل وضعيات التدريس أو القسم فخلت بذلك من البعد العلمي.
2
أما التعليمية فإهنا هتدف إىل التأسيس العقالين ملدرسة شاملة قادرة على حتقيق النجاح يف كل
التخصصات جلميع املتعلمني إبضافة البعد العلمي الذي تفتقده البيداغوجيا وتسعى إىل عقلنة الفعل
التعليمي من خالل اإلجابة عن التساؤالت املتعلقة بكيف نعلم حمتوى تعليميا معينا ؟ فهي يف األصل تفكري
منهجي.
وعليه ،فإن منوذج النظام البيداغوجي والنموذج الديداكتيكي( Le modèle du système
)didactique pédagogique ouمنوذجان متماثالن من حيث حماور البحث العامة ،ويبقى
الفاصل الذي يفصل بينهما متمثال يف طرق تناول هذه املواضيع أو احملاور الكربى ،حيث تركز الديداكتيكية
يف أحباثها على السريورات أي سريورات التعليم ،و سريورات التعلم ،و سريورات التكوين ،اليت حتكم املوقف
التعليمي ،مستعينة يف ذلك بتصميم مناذج تعليمية تتسم ابلتطبيق يف تفسري أبعاد العراقيل الكامنة وراء
األخطاء وانتشار ظاهرة الفشل املدرسي .
( ،)64 Michel Develay,1995pيف حني ،ال يزال البحث البيداغوجي ينقصه كثريا
البعد املباشر والبعد التطبيقي يف دراساته ،وابلتايل ال يزال اجلانب النظري يطغى على دراساته ،مما يدفعنا إىل
القول:
أن النماذج البيداغوجية مل ترق إىل مستوى النماذج الديداكتيكية يف تشخيص موطن اخللل
وتوضيحه وشرحه ابلطريقة العلمية الدقيقة اليت توصلت إليها التعليمية يف أحباثها ودراساهتا واليت ساعدت
املعلم بشكل كبري يف فهم أسباب اخلطأ وكيفية جتاوزه.
إن البحث يف جمال الديداكتيكية يتطور بشكل متجدد ومتواصل مركزا يف أحباثه على خمتلف
الطرق اليت يواجه هبا املتعلم تلقي املعارف واملعلومات أثناء خضوعه لعملية التعليم والتعلم .يفهم من هذا ،
أن الديداكتيكية ال تركز -كما هو احلال مع البيداغوجيا -على تفاعل املعلم ابملتعلم فقط ،بل تتجاوز ذلك
إىل الرتكيز على مسألة الطرق التعليمية املتباينة املستعملة من قبل كل متعلم يف عملية التعلم ،جاعلة أمام
نصب أعينها املتعلم املسؤول األول يف معركة التعلم أو عدم تعلم أي مادة تعليمية.
3
كما ميتاز البحث الديداكتيكي بتكيفه السريع واملتجدد السيما يف ظل االنفجار املعريف العلمي
الذي تشهده الساحة العلمية يف كل جماالت ختصصاهتا العديدة كل يوم ،مما يربهن اكثر على مدى القدرة
العلمية الفائقة اليت ميتاز هبا اخلرباء الديداكتيكيني يف قراءة هذا الرصيد العلمي املعريف اهلائل ،واستغالله
بشكل حمكم يف أحباثه والذي انعكس بشكل إجيايب على التطوير املستمر للمتناوالت البحثية التطبيقية ،وكذا
يف التصميم اجليد والفعال للنماذج الديداكتيكية فيما خيص كل عنصر من عناصر املادة التعليمية سواء تعلق
األمر مبضموهنا أو تطبيقها يف أي وضع تعليمي بيداغوجي حمدد مستعملة يف ذلك طرق ووسائل تقنية
ساعدت املعلمني بشكل مباشر يف حل املشكالت اليت يعانون منها يف التعليم ،ويعود سبب ذلك إىل
انطالق التعليمية من القسم مباشرة ،وكذا معايشتها امليدانية للمشاكل يف حميطها الطبيعي .وهبذا فإن
اإلسرتاتيجية املتبناة من قبل الديداكتيكية يقوم أساسها على إسرتاتيجية التغيري املستمر لألهداف والطرق
واحملتوايت ،وذلك قصد جتديدها حسب متطلبات البحث العلمي من جهة ،وحاجات اجملتمعات من جهة
أخرى ،منتهجة يف أسلوب تغيريها األسلوب املباشر يف الفعل.
()science d’action directe Michel Develay,1995p 73) (C’est une
انطالقا من التجديدات املستحدثة من قبل الديداكتيكية منذ نشوئها إىل وقتنا الراهن ،ميكن استخالص أن
هذا التخصص الفيت قد استطاع بفضل جهود خربائه الباحثني الذين ينتمون إىل ختصصات متباينة ومتكاملة
فيما بينها ،أن يؤسسوا ابلفعل نظرية عامة للديداكتيكية يف جماهلا النظري التطبيقي اليت مسحت هلذا احلقل
البحثي أن يفرض نفسه كتخصص جديد يف علوم الرتبية ،السيما بعد النجاح املتميز الذي حققه هذا
دراسته. منهج أو للموضوع سواء الدقيق االختيار يف التخصص
وبتحقيق الديداكتيكية هذه املرامي املنهجية والنظرية ،ميكن لنا من هذه الزاوية أتييد رأي الديداكتيكيني
املؤيد الستقاللية هذا التخصص بذاته عن ختصصات علوم الرتبية األخرى ،وابلتايل القول يف هناية مطاف
هذا البحث أن الديداكتيكية علم قائم حبد ذاته.
مفاهيم التعليمية
5
مفهوم الرتبية L’éducation
الرتبية صريورة تستهدف النمو واالكتمال التدرجييني لوظيفة أو جمموعة من الوظائف عن طريق
املمارسة ،وتنتج هذه الصريورة إما عن الفعل املمارس من طرف األخر ،وإما عن الفعل الذي ميارسه
الشخص على ذاته .وتفيد الرتبية مبعىن أكثر حتليال :سلسلة من العمليات يدرب من خالهلا الراشدون
الصغار من نفس نوعهم ويسهلون لديهم منو بعض االجتاهات والعوائد . (Lalande.A, 1992).كما
جند أن الرتبية عند Legendreهي مبثابة عملية تنمية متكاملة ودينامية ،تستهدف جمموع إمكانيات
الفرد البشري الوجدانية واألخالقية والعقلية والروحية واجلسدية. (Legendre R, 1988).أما
Leangفيعتربها نشاط قصدي يهدف إىل تسهيل منو الشخص اإلنساين وإدماجه يف احلياة واجملتمع (.
Leang. M,1974) .والرتبية ابلنسبة لـ ـ leifهي عبارة عن استعمال وسائل خاصة لتكوين وتنمية
الطفل أو مراهق جسداي ووجدانيا وعقليا واجتماعيا وأخالقيا من خالل استغالل إمكاانته وتوجيهها وتقوميها
.( Leif .J,1974) .أما بياجي Piagetفيقول :أن نريب معناه تكييف الطفل مع الوسط االجتماعي
للراشد،أي حتويل املكوانت النفسية و البيولوجية للفرد وفق جممل احلقائق املشرتكة اليت يعطيها الوعي
اجلمعي قيمة ما .وعليه ،فإن العالقة ابلرتبية حيكمها معطيان :الفرد وهو صريورة النمو من جهة ،والقيم
االجتماعية والثقافية واألخالقية اليت على املريب إيصاهلا هلذا الفرد ،من جهة أخرى . (Piaget J,
) 1969وابلنسبة لبياجي ،الميكن أن نفهم الرتبية (وخصوصا اجلديدة ) من حيث طرقها وتطبيقاهتا إال إذا
اعتنينا ابلتحليل الدقيق ملبادئها ،وفحص صالحيتها السيكولوجية من خالل أربع نقط على األقل :مدلول
الطفولة ،بنية فكر الطفل ،قوانني النمو ،وآلية احلياة االجتماعية للطفولة.
2-البيداغوجيا : La pédagogie
غالبا يف استعماالتنا الرتمونولوجية املتداولة ،ما يتم اخللط أو عدم التمييز بني مفهوم الرتبية ومفهوم
البيداغوجيا ،وملالمسة الفرق الداليل بينهما ،إليكم بعض التعاريف ملفهوم البيداغوجيا :يعترب Harion
البيداغوجيا علم للرتبية سواء كانت جسدية أ و عقلية أو أخالقية ،ويرى أن عليها أن تستفيد من معطيات
حقول معرفية أخرى هتتم ابلطفل .(Lalande R, 1972).أما Foulquiéفريى أن البيداغوجيا أو
علم الرتبية ذات بعد نظري ،وهتدف إىل حتقيق تراكم معريف ،أي جتميع احلقائق حول املناهج والتقنيات
والظواهر الرتبوية ؛ أما الرتبية فتحدد على املستوى التطبيقي ألهنا هتتم ،قبل كل شيء ،ابلنشاط العملي
الذي يهدف إىل تنشئة األطفال وتكوينهم ( .الدريج .)1990 ،ومفهوم البيداغوجيا ،يشري غالبا إىل معنيني:
تستعمل للداللة على احلقل املعريف الذي يهتم ابملمارسة الرتبوية يف أبعادها املتنوعة…وهبذا املعىن نتحدث
6
عن البيداغوجيا النظرية أو البيداغوجيا التطبيقية أو البيداغوجيا التجريبية… وتستعمل لإلشارة إىل توجه
orientationأو إىل نظرية بذاهتا ،هتتم ابلرتبية من الناحية املعيارية normativeومن الناحية
التطبيقية ،وذلك ابقرتاح تقنيات و طرق للعمل الرتبوي ،وهبذا املعىن نستعمل املفاهيم التالية:البيداغوجيا
املؤسساتية ،البيداغوجيا الالتوجيهية… )يف طرق وتقنيات التعليم.)1992،وميكننا أن نضيف كذالك،
للتميز بني الرتبية والبيداغوجيا ،أن البيداغوجيا حسب اغلب تعريفاهتا حبث نظري ،أما الرتبية فهي ممارسة
وتطبيق.
3ـ الديداكتيكLa didactique
الديداكتيك هي شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس ( Lalande .A,) 1972وإهنا،كذلك
هنج ،أو مبعىن أدق ،أسلوب معني لتحليل الظواهر التعليمية(Lacombe.D.1968).
أما ابلنسبة ل ـ B.JASMINفهي ابألساس تفكري يف املادة الدراسية بغية تدريسها ،فهي تواجه نوعني
من املشكالت :مشكالت تتعلق ابملادة الدراسي ( وبنيتها ومنطقها …ومشاكل ترتبط ابلفرد يف وضعية
التعلم ،وهي مشاكل منطقية وسيكولوجية ) …(JASMIN.B1973
وميكن تعريف الديداكتيك أيضا حسب REUCHLINكمجموع الطرائق والتقنيات
والوسائل اليت تساعد على تدريس مادة معينة )( Reuchlin.M.1974وجيب التميز يف تعريفنا
للديداكتيك ،حسب .Legendreبني ثالث مستوايت :
*الديداكتيك العامة :وهي اليت تسعى إىل تطبيق مبادئها وخالصة نتائجها على جمموع املواد التعليمية
وتنقسم إىل قسمني:القسم األول يهتم ابلوضعية البيداغوجية ،حيت تقدم املعطيات القاعدية اليت تعترب
أساسية لتخطيط كل موضوع وكل وسيلة تعليمية جملموع التالميذ؛ والقسم الثاين يهتم ابلديداكتيك اليت
تدرس القوانني العامة للتدريس ،بغض النظر عن حمتوى خمتلف مواد التدريس.
*الديداكتيك اخلاصة :وهي اليت هتتم بتخطيط عملية التدريس أو التعلم ملادة دراسية معينة*.الديداكتيك
األساسية : Didactique.Fondamentale.وهي جزءمن الديداكتيك ،يتضمن جمموع النقط
النظرية واألسس العامة اليت تتعلق بتخطيط الوضعيات البيداغوجية دون أي اعتبار ضروري ملمارسات
)(Legendre.R.1988 النظرية الديداكتيك عبارة وتقاابها خاصة. تطبيقية
التعليمية
7
منذ تطور العلوم وتقدم الصناعات ،أصبح االهتمام ابلنوعية وحتسني املردود صناعيا كان أم تربواي
من اهتمام الباحثني يف خمتلف اجملاالت ،و أتثر قطاع الرتبية كمثيله من القطاعات األخرى (االقتصادية و
الصناعية )… مبفاهيم جديدة مسايرة للعصرنة ،مع الرتكيز على الفعالية و العلمية و املوضوعية ،فأصبح
ينظر لقطاع التعليم على أنه مؤسسة الستثمار و إنتاج العنصر البشري ،و بدأ االهتمام ينصب على كيف
ن ّكون تالميذ فعالني؟ وكيف نطبق أحسن الطرق و الوسائل من أجل هذا التلميذ الفعال ؟ و كيف حنقق
الغاايت و األهداف ؟
ففي جمال الرتبية أصبح االهتمام ينصب ليس على شحن األذهان ابملعلومات واملعارف وتكوين تالميذ
"موسوعة" ،بل بدأ الرتكيز على كيفية جتاوز هذا اجلانب إىل متكني املتعلم من التفكري وحل املشكالت،
وهذا األمر جعله شخصا نشطا يف الفعل الرتبوي ،من هنا بدأت القفزة النوعية اليت عرفتها جماالت الرتبية،
وتطورت املفاهيم لتصبح أكثر دقة وعلمية ،فمن الرتبية العامة إىل الرتبية اخلاصة،ومن الرتبية
)(Educationإىل علوم الرتبية ) (Science de l’éducationومنها إىل البيداغوجيا احلديثة ،
اليت جعلت من التلميذ حمور اهتمامها وركزت على نشاطه لتسهل التعلم (أنظر املدرسة الفعالة أو النشيطة
(l école active) (1).
فتغري نظرتنا ملرحلة الطفولة قد أثر على الطريقة اليت يتبعها املعلم يف تصميمه للمرافق التعليمية
داخل الفصل الدراسي.و كمثال لذلك فإن اعرتافنا ابلفروق الفردية و أبمهيتها ،قد أدى إىل إدراك أمهية
تقدمي املساعدة الفردية للتالميذ كأحد البدائل اليت ميكن استخدامها يف التدريس ،كما أن تغري نظرتنا لنمو
األطفال و تغري اجتاهاتنا حنو الصغار ،قد أدى إىل ظهور طرق جديدة يف التعلم .
فلم يعد التلميذ كائنا سلبيا متلقيا للمعلومات ،بل أنه أصبح إجيابيا مشاركا يف عمليات التعلم( .دنيس
تشايلد ،1983 ،ص) 372
وبني هذا وذاك استعملت عدة اصطالحات تداوهلا املربون واملختصون يف علم النفس وعلوم الرتبية ،ومن
هذه املصطلحات جند مصطلح التعليمية ) (Didactiqueالذي أصبحنا ال نقرأ مقاال عن الرتبية أو
التعليم إال وجنده ضمن املفاهيم األساسية واملتداولة .فما معىن مصطلح التعليمية؟ ما هو الفرق بينه وبني
البيداغوجيا ؟ ما هي أهم املفاهيم اليت تستعملها التعليمية ؟
الديداكتيك (التعليمية )تطرح مشاكل معرفية (ابستمولوجية)() 2منها ما يرتبط بداللة املصطلح،
بينما يعود بعضها اآلخر إىل املنزلة اليت حتتلها أو اليت ينبغي أن حتتلها يف حقل املعرفة الرتبوية.
فقد عرب غاليسون )(Galissonيف قاموسه 1976عن وضعية التعليمية بقوله :من بني مجيع
املصطلحات اخلاصة ابلتعليم ،تعد التعليمية ) (La didactiqueاألكثر غموضا وإاثرة اجلدل.
8
وهذا الوصف للوضعية الغامضة لعلم التدريس Didactiqueينطبق أساسا على فرنسا ،فإذا ما رجعنا
إىل صنافة ميالدي )(Mialaretجند أن هناك غياب هلذا التخصص ،أو على األقل هتميشه ،وهو غياب
يشمل التقليد الرتبوي الفرنسي برمته ،وال يظهر يف األدبيات الرتبوية إال ابعتباره صفة دون أن يكون
مصطلحا للداللة على علم مستقل ،يف حني أن الديداكتيك يف البالد األخرى مثل البلدان اجلرمانية
واألجنلوسكسونية على وجه اخلصوص حظي مبنزلة متميزة ضمن اهلياكل التعليمية اجلامعية ،وضمن اإلنتاج
العلمي .
هكذا فإن الديداكتيك حسب دوالنشري )(Delandsheereتعين ابلنسبة ملعظم املربني
الفرنسيني طريقة يف التدريس ،وعلى وجه التحديد الطريقة اخلاصة بتدريس مادة معينة أو جمموعة من املواد
احلية. اللغات ديداكتيك مثل املتقاربة،
وميكن أن نالحظ نفس الوضعية املركبة هلذا العلم يف العديد من الدول العربية ،أو على األقل غياب الوعي
ابستقالله ووحدة موضوعه ،فهو إما موضوع ضمن مقرر الرتبية العامة ،أويتم اختزاله إما يف "طرق التدريس "
أو يف "أصوله" ،كما هو األمر يف السودان ومصر والسعودية على سبيل املثال( .حممد الدريج،2000 ،
ص.ص).23-21
هبذا ميكن أن نلخص ما سبق ،ونقول أن الغموض الذي تعرتيه التعليمية يرجع:
أوال :
ألن املصطلح قليل الشيوع يف فرنسا ،بينما جنده شائعا يف البلدان اجملاورة هلا ،ويف كندا جنده مبعان خمتلفة
مما يساهم يف تشويش حمتوايته.
اثنيا:
ألن التعليمية تدعو إىل إنشاء ختصص جديد ،وتبحث عن حصر ملوضوعه يف نقطة تقع بني التخصصات
واجملاالت املعروفة ،ويف بعض الدول تعترب التعليمية مرادفا ملادة ترتبـط بعلم النفس وعلم اللغة (إيطاليا-
سويسرا) ،ويف دول أخرى ،فإننا ال منيز بني التعليمية والبيداغوجيا (عبد هللا قلي ،التعليمية العامة
والتعليمية اخلاصة ،عن جملة املربز ،العدد ، 2002، 16ص.)117
تطور مفهوم التعليمية:
البد من اإلشارة إىل أننا جند يف اللغة العربية عدة مصطلحات مقابلة للمصطلح األجنيب الواحد ،ولعل ذلك
يرجع إىل تعدد مناهل الرتمجة ،وكذلك إىل ظاهرة الرتادف يف اللغة العربية ،وحىت يف لغة املصطلح األصلية،
إذا ترجم إىل لغة أخرى نقل الرتادف إليها من ذلك :تعدد املصطلحات املستقاة من اإلجنليزية يف شقيها
الربيطاين واألمريكي ،والشواهد على هذه الظاهرة كثرية يف العربية سواء تعلق األمر ابإلجنليزية أم ابلفرنسية،
9
ومها اللغتان اللتان أيخذ منهما الفكر العريب املعاصر على تنوع خطاابته واملعارف املتعلقة به ،منها
. ألفاظ عدة العربية اللغة يف يقابله (Didactiquالذي ) مصطلح
10
تستهدف تربية الفرد ،فهي نظرية ختص النشاطات املتعلقة ابلتعليم فقط ،أي كل ما يقوم به املعلم من
نشاط ،فاهتم بذلك اهلربرتيون بصورة أساسية ابألساليب الضرورية لتزويد املتعلمني ابملعارف ،واعتربوا
الوظيفة األساسية للتعليمية هي حتليل نشاطات املعلم يف املدرسة.
ويف القرن 19وبداية القرن 20ظهر تيار الرتبية اجلديدة بزعامة جون ديوي(J. Dewey 1952-
) ،1959وقد أكد هذا التيار على أمهية النشاط احلي والفعال للمتعلم يف العملية التعليمية واعتربوا هبذا
التعليمية نظرية للتعلم )(3ال للتعليم
(عبد هللا قلي ،املرجع السابق ،ص). 118-117
ورغبة منا يف شرح أكثر ملفهوم التعليمية ،حناول يف الفقرة املوالية ذكر التعاريف اليت جاء هبا بعض العلماء
حول هذا املصطلح *:الديداكتيك شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس ،وقد استخدمه الالند 1988
)(Lalandeكمرادف للبيداغوجيا أوللتعليم (معجم علوم الرتبية ،مصطلحات البيداغوجيا و
الديداكتيك ،1994 ،ط ،1ص).68
* كما أن الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه حتضري وجتريب اسرتاتيجيات بيداغوجية لتسهيل إجناز املشاريع،
فهي علم تطبيقي يهدف لتحقيق هدف عملي ال يتم إال ابالستعانة ابلعلوم األخرى كالسوسيولوجيا،
والسيكولوجيا ،واإلبستمولوجيا ،فهي علم إنساين مطبق موضوعه إعداد وجتريب وتقدمي وتصحيح
االسرتاتيجيات البيداغوجية اليت تتيح بلوغ األهداف العامة والنوعية لألنظمة الرتبوية (Legendre R.
)1988) ((Devolay M. 1991 & Lacomb M. 1968معجم علوم الرتبية ،املرجع
نفسه ،ص) 69
*فالديداكتيك هنج أو أسلوب معني لتحليل الظواهر التعليمية
فهو الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم اليت يعيشها املرتيب لبلوغ هدف عقلي أو وجداين أو
حركي ،كما تصب الدراسات الديداكتيكية على الوضعيات العلمية اليت يلعب فيها املتعلم الدور األساسي ،
مبعىن أن دور املعلم هو تسهيل عملية تعلم التلميذ ،بتصنيف املادة التعليمية مبا يالئم حاجات املتعلم،
وحتديد الطريقة املالئمة لتعلمه مع حتضري األدوات املساعدة على هذا التعلم ،وهذه العملية ليست
ابلسهلة ،إذ تتطلب مصادر معرفية متنوعة كالسيكولوجيا ملعرفة الطفل وحاجاته ،و البيداغوجيا الختيار
الطرق املالئمة ،وينبغي أن يقود هذا إىل حتقيق أهداف على مستوى السلوك ،أي أن تتجلى نتائج التعلم
على مستوى املعارف العقلية اليت يكتسبها املتعلم وعلى مستوى املهارات احلسية اليت تتجلى يف الفنون
والرايضيات وعلى املستوى الوجداين )(Lavallé
11
نستخلص من هذه التعاريف أن الديداكتيك هتتم بكل ما هو تعليمي تعلمي ،أي كيف يعلم األستاذ مع
الرتكيز على :
كيف يتعلم التلميذ؟ ودراسة كيفية تسهيل عملية التعلم ،وجعلها ممكنة ألكرب فئة ،مث اختاذ اإلجراءات
املناسبة لفئة التالميذ ذوي صعوابت يف التعليم ،وابلتايل فهي دراسة التفاعل التعليمي.
ميكن لنا أن نستعني بشكل وضعه )(René Richterich) (4لتفسري العملية التعليمية إذ يقول أهنا
عملية تفاعلية من خالل :متعلمون يف عالقة مع معلم لكي يتعلموا حمتوايت داخل إطار مؤسسة من أجل
حتقيق أهداف عن طريق أنشطة ومبساعدة وسائل متكن من بلوغ النتائج( .عبد املؤمن يعقويب ،1996 ،ص
). 22
فالتعليمية هبذا تقنية شائعة ،تعين حتديد طريقة مالئمة أو مناسبة لإلقناع أو إليصال املعرفة
علي شريف بن حليمة ،تعليمية املواد العلمية،جملة مهزة وصل ، ،عدد خاص ،1992 ،ص)21
فهي كتخصص جتعل موضوعها خمتصرا على اجلوانب املتعلقة بتبليغ مضمون معني ،بينما تكون اجلوانب
النفسية االجتماعية من اهتمام علوم الرتبية.
عبد اجمليد بن الصغري ،حملة عن تعليمية املواد ،جملة مهزة وصل ،املرجع السابق ،ص) 46
وككل علم من العلوم انفردت التعليمية مبفاهيم خاصة هبا ،تستعملها كمفاتيح لتفسري جمال حبثها وحدوده
النفس. وعلم البيداغوجيا و الرتبية األخرى ،كعلوم ابلعلوم الوطيدة صلتها رغم
خالصة:
12
اعتربت التعليمية وال زالت كفن التدريس ،وهذا املفهوم حيمل يف طياته كثري من املعاين واألفكار
ليست التعليمية طريقة أو منهج واحد وموحد للتدريس ولكن له طرق خاصة اتبعة لصاحبها ويعين هذا
أن لكل معلم أسلوبه اخلاص يف أتديته للعمل التعليمي شريطة أن يكون هذا العمل مكلل ابلنجاح يعين أن
هذا "الفن التعليمي" يكون معرتف به من خالل نتائجه لدى التلميذ وأتثريه العميق واملثمر على تفكريه
وسلوكه.
تكاد أن تبىن التعليمية على قدراهتا للربوز بعالقة تربوية انجحة بني املعلم والتلميذ بفضل وسائل
مدروسة وليس -كما هو منتظر منها عادة -قواعد منطقية ومقننة متعلقة أساسا بتلقني املعارف للنشئ
الصاعد ونشري يف هذا الصدد ما هي أمهية اجلانب الالمنطقي والالشعوري يف العالقة الرتبوية كما هو عادي
يف كل الفنون اليت يلعب فيها اجلانب العاطفي واحملسوس دورا حامسا.
فيحتمل أن تكون للتعليمية كفن-عند بعض االختصاصيني-طرق ووسائل خاصة لتلقني املعارف أو
املعلومات واليت ينصح استعماهلا لنجاح عملية التدريس حسب املنوال التايل:
-خلق لدى التلميذ حاجة ماسة للتعلم بفضل حوافز خمتلفة وجذابة.
13
رغم استعمال هذه التقنيات كلها تبقى التعليمية كفن مرهونة بشخصية املعلم وابلكيفية اليت يطبق هبا
البد من اإلشارة إىل أننا جند يف اللغة العربية عدة مصطلحات مقابلة للمصطلح األجنيب الواحد ،ولعل
ذلك يرجع إىل تعدد مناهل الرتمجة ،وكذلك إىل ظاهرة الرتادف يف اللغة العربية ،وحىت يف لغة املصطلح
األصلية ،إذ ترجم إىل لغة أخرى نقل الرتادف إليها من ذلك :تعدد املصطلحات املستقاة من اإلجنليزية يف
شقيها الربيطاين و األمريكي ،و الشواهد على هذه الظاهرة كثرية يف العربية سواء تعلق األمر ابإلجنليزية أم
ابلفرنسية ومها اللغتان اللتان أيخذ منهما الفكر العيب املعاصر على تنوع خطاابته و املعارف املتعلقة به ،منها
مصطلح Didactiqueالذي تقابله يف اللغة العربية عدة ألفاظ و هي :تعليمية ،تعليميات ،علم
التدريس ،علم التعليم ،التدريسية ،الديداكتيك .تتفاوت هذه املصطلحات يف االستعمال ففي الوقت الذي
اختار بعض الباحثني استعمال "ديدلكتيك" جتنبا ألي لبس يف مفهوم املصطلح ،جند ابحثني آخرين
يستعملون علم التدريس و علم التعليم و ابحثني آخرين لكنهم قالئل يستعملون مصطلح تعليميات ،أما
كلمة تعليمية Didactiqueاصطالح قدمي جديد ،قدمي حيث استخدم يف األدبيات الرتبوية منذ
بداية القرن ،17و هو جديد ابلنظر إىل الدالالت اليت ما انفك يكتسبها حىت و فتنا الراهن ،وفيما سيأيت
حناول تتبع التطور التارخيي هلذا املصطلح بداية من االشتقاق اللغوي وصوال إىل االستخدام االصطالحي.
يقول األستاذ حنفي بن عيسى ،كلمة تعليمية يف اللغة العربية مصدر لكلمة "تعليم" و هذه األخرية
مشتقة من علّم أي وضع عالمة أو مسة من السمات للداللة على الشيء دون إحضاره .أما يف اللغة
14
الفرنسية فإن كلمة ديداكتيك صفة اشتقت من األصل اليوانين Didaktikosو تعين فلنتعلم أي يعلم
بعضنا بعضا ،أو أتعلم منك و أعلمك و كلمة Didactikoتعين أتعلم و Didaskeinتعين
التعليم ،وقد استخدمت هذه الكلمة يف علم الرتبية أول مرة سنة 1613من قبل كل من كشوف
هيلنج( )K.helwingو رتيش والف كانج( )Ratich wulf gangيف حبثهما حول نشاطات
راتيش التعليمية ،و قد استخدموا هذا املصطلح كمرادف لفن التعليم ،و كانت تعين عندهم نوعا من
"الديداكتيكا الكربى" حيث يقول أنه يعرفنا ابلفن العام لتعليم اجلميع خمتلف املواد التعليمية ،ويضيف أبهنا
واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إىل أوائل القرن 19حيث ظهر الفيلسوف األملاين فردريك
هريابرت ،الذي وضع األسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم تستهدف تربية الفرد ،فهي نظرية ختص
النشاطات املتعلقة ابلتعليم فقط ،أي كل ما يقوم به املعلم من نشاط ،فاهتم بذلك اهلربرتيون بصورة أساسية
ابألساليب الضرورية لتزويد املتعلمني ابملعارف ،واعتربوا الوظيفة األساسية للتعليمية هي حتليل نشاطات
املعلم يف املدرسة.
ويف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر تيار الرتبية اجلديدة بزعامة جون ديوي
( )Deweyوقد أكد هذا التيار على أمهية النشاط احلي والفعال للمتعلم يف العملية التعليمية ،واعتربوا
للبداغوجيا أو للتعليم.
15
كما أن الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه حتضري وجتريب اسرتاتيجيات بيداغوجية لتسهيل إجناز
املشاريع ،فهي علم تطبيقي يهدف لتحقيق هدف عملي ال يتم إال ابالستعانة ابلعلوم األخرى
كالسوسيولوجيا ،والسيكولوجيا ،واالبستيمولوجيا ،فهي علم إنساين مطبق موضوعه إعداد وجتريب وتقدمي
وتصحيح االسرتاتيجيات البيداغوجية اليت تتيح بلوغ األهداف العامة والنوعية لألنظمة الرتبوية.
فالديداكتيك هنج أو أسلوب معني لتحليل الظواهر التعليمية ،فهو الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات
التعلم اليت يعيشها املرتيب لبلوغ هدف عقلي أو وجداين أو حركي ،كما تصب الدراسات الديداكتيكية على
الوضعيات العلمية اليت يلعب فيها املتعلم الدور األساسي ،مبعىن أن دور املدرس هو تسهيل عملية تعلم
التلميذ ،بتصنيــف املادة التعليمية مبا يالئم حاجات املتعلم وحتديد الطريقة املالئمة لتعلمه مع حتضري
األدوات املساعدة على هذا التعلم ،وهذه العملية ليست ابلسهلة ،إذ تتطلب مصادر معرفية متنوعة
كالسيكولوجيا ملعرفة الطفل وحاجاته ،والبيداغوجيا الختيار الطرق املالئمة ،وينبغي أن يقود هذا إىل حتقيق
أهداف على مستوى السلوك ،أي أن تتجلى نتائج التعلم على مستوى املعارف العقلية اليت يكتسبها املتعلم
وعلى مستوى املهارات احلسية اليت تتجلى يف الفنون والرايضيات وعلى املستوى الوجداين.
كما ميكننا أن نقول أن الديداكتيك علم ينشئ مناذج ونظرايت حول التدريس قصد تفسري ظواهره
والتنبوء هبا.
نستخلص من هذه التعاريف أن الديداكتيك هتتم بكل ما هو تعليمي تعلمي ،أي كيف يعلم األستاذ
مع الرتكيز على كيف يتعلم التلميذ ،ودراسة كيفية تسهيل عملية التعلم وجعلها ممكنة ألكرب فئة ،مث اختاذ
اإلجراءات املناسبة لفة التالميذ ذوي صعوابت يف التعليم ،وابلتايل فهي دراسة التفاعل التعليمي التعلمي.
16
ميكن لنا أن نستعني بشكل وضعه رونييه ريشرتيش ( ) René Richterichلفسري العملية
التعليمية ،إذ يقول أهنا عملية تفاعلية من خالل :متعلمون يف عالقة مع معلم لكي يتعلموا حمتوايت داخل
إلطار مؤسسة من أجل حتقيق أهداف عن طريق أنشطة ومبساعدة وسائل متكن من بلوغ النتائج.
فالتعليمية هبذا تقنية شائعة ،تعين حتديد طريقة مالئمة أو مناسبة لإلقناع أو إليصال املعرفة
17