Professional Documents
Culture Documents
مدخل_الى_علوم_التربية
مدخل_الى_علوم_التربية
علوم التربية
األستاذ :مــــرزوق أيــــوب – أم البواقي
– الجزائر
Ayoub.merzouk@yahoo.fr
1
لغة جاء في لسان العرب البن منظوور" :رباا يرباو بمع اا ان و ماا"
وفي القرآن الكريم قال تعالا" :فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل
زوج بهيج" (سورة الحج اآلية )5أي مت وا نانت ورباه بمع اا أ أا،ه و ماا
هامو ف فوإذا قواه الجسنية والعقلية والخلقياة و جااء فاي قولاا تعاالا" :وتور ارر
أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" وفي قولا تعالا" :ألم نربك فينا ولي ا ولبث فينوا
من عمرك سونين" وأيضاا قولاا تعاالا" :وقول ر أرحمهموا كموا ربيواني صوغيرا"
إأارات إلا ذلك المع ا اللغوي للتربية فهي بمع اها الواسع تع ي كال مملياة تساامن
ملا تأكيل مقل الفرن وجسما وخلقا باستث اء ما قن يتانخل فياا مان مملياات تكوي ياة
المعلوماات والمهاارات المعرفياة مان خا ل أو وراثية وبمع اها الضيق تع ي غار
كذلك فإن تعريف التربية يختلاف بااخت ف مؤسسات أ أئت لهذا الغرض كالمنار
وجهات ال ظر ويتعنن حسب الجوا ب والمجاالت المؤثرة فيها والمت،ثرة بها
والتربية الصحيحة هاي التاي ال تفارض ملاا الفارن فرضاا بال هاي التاي تا،تي
تيجة تفامل مفوي بين المعلم والمتعلم أو باألحرى بين التلميذ والمربي الماهر
وقااان يأاااار إلاااا التربياااة بالبياااناغوجيا Peedagogyالتاااي ترجاااع إلاااا أصااالها
اإلغريقي الذي يع ي توجيا األوالن حيث تتكون هذه الكلمة من مقطعين Paisوتع ي
ولن و Ogogéوتع ي توجيا والبياناغوجي يع اي م ان اإلغرياق المرباي أو المأارف
ملا تربية األوالن وفي معجام العلاوم السالوكية إن التربياة تع اي التغيارات المتتابعاة
التي تحنث للفرن والتي تؤثر في معرفتا واتجاهاتا وسالوكا وهاي تع اي ماو الفارن
ال اتج من الخبرة أكثر من كو ا اتجا من ال ضج
لكلماة التربياة إ هاا مجماو وقن جاء تعرياف اليونيسوكو فاي مؤتمرهاا ببواري
مملية الحياة االجتمامية التي من طريقها يتعلم األفران والجماماات ناخال مجتمعااتهم
2
الوط ية والنولية ولصالحها أن ي موا وبومي م هم كافة قنراتهم الأخصية واتجاهاتهم
واستعناناتهم ومعارفهم وهذه العملية ال تقتصر ملا أ أطة بعي ها"
اصطالحا:
ورن فاااي "الصوووحا " فاااي اللغاااة والعلاااوم أن التربياااة هاااي" :تنميوووة الوظوووا
الجسمية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها عن طريق الت ري والتثقي "
التربية هي مملية هانفة لها أغراضها وأهنافها وغاياتها وهاي تقتضاي خططاا
ووسائل ت تقل مع ال اأئ من طور إلا طور ومن مرحلة إلا مرحلة أخرى
أما التربية بالمع ا الواساع فهاي تتضامن كال مملياة تساامن ملاا تأاكيل مقال
الفرن وخلقا وجسما باستث اء ماا قان يتانخل فاي هاذا التأاكيل مان مملياات تكوي ياة أو
وراثية وإذا رجع ا إلا مفكري التربية مبر العصور فإ ا جن منة تعريفات للتربية
م ها:
مرفهااا أفالطووون ب ،هااا تاانريب الفطاارة األولااا للطفاال ملااا الفضاايلة ماان خ ا ل
اكتسابا العانات الم اسبة
أما ميلتون ( )1608-1674فإ ا يقول ب،ن التربية الصاحيحة هاي التاي تساامن
الفرن ملا ت،نية واجباتا العامة والخاصة في السلم والحرب بصورة م اسبة ومااهرة
االكوويني فيقاول" :إن الهانف مان التربياة هاو تحقياق الساعانة مان خا ل أما توما
الفضائل العقلية والخلقية" غر
ويرى هيجل" :أن الهنف من التربية هو تحقيق العمل وتأجيع روح الجمامة"
أما بستالوت ي فأابا التربياة الصاحيحة بالأاجرة المثمارة التاي غرسات بجا اب ميااه
جارية
3
ويرى جون يوي أن التربية هي" :مملية مساتمرة إلماانة ب ااء الخبارة بهانف
توسيع وتعميق مضمو ها االجتمامي"
فالتربية مموما تعتبر مملية أاملة تت ااول اإل ساان مان جمياع جوا باا ال فساية
والعقلية والعاطفية والأخصية والسلوكية وطريقة تفكيره وأسلوبا في الحياة وتعاملا
مع اآلخرين كاذلك ت اولاا فاي البيات والمنرساة وفاي كال مكاان يكاون فياا وللتربياة
مفاهيم فرنية واجتمامية ومثالية
التربية بالمعنى الفر ي:
هااي إماانان الفاارن لحياتااا المسااتقبلية وبااذلك فهااي تعاانه لمواجهااة الطبيعااة كمااا
تكأف بذلك مان مواهاب الطفال واساتعناناتا الفطرياة وتعمال ملاا ت ميتهاا وتفتحهاا
وتغذيتها
4
مموما فالت ربية ما هي إال وسيلة للتقنم البأري في كل مكاان وللعملياة التربوياة
ث ثة أطراف هاي :المرباي والمترباي والوساط الاذي تاتم فياا العملياة الترباوي وهاي
مملية هانفة ال مأوائية أي أ ها مملية مو اجتمامي وإ سا ي ال تقوم ملاا التلقاين
وإ مااا هااي مب يااة ملااا التفاماال بااين طرائقهااا الخاصااة للوصااول إلااا مقاال المتربااي
ولتوجيها وتربيتا
أما التربية بمفهومها الحنيث فت ظر إلا الطفل ك قطة ا ط ق في مملية التربياة
التي ترتبط بالحياة سواء في ب ائها كعملية تربوية أو في تائجها المعرفية والسالوكية
فالطفل هو مرك العملية التربوية وت ميتا هي هنفها
ولقن أقر مجمع اللغة العربية في مصر تعريف التربية" :ب ،ها تبليا الأايء إلاا
كمالا أو هي كما يقول المحنثون ت مية الوظائف ال فساية باالتمرين حتاا تبلا كمالهاا
أيئا فأيئا"
وهي كاذلك مملياة تهاذيب للسالوك وت مياة للقانرات حتاا يصابص الفارن صاالحا
للحياة فهي مملية تغذية وت أئة وت مية جسنية وخلقية وماطفية
وم نما تكلم من التربية ف ع ي بها تلك التي تعون الطفل ملا التفكير الصحيص
والحياااة الصااحيحة بمااا ت ا ونه ماان معااارف وتجااارب ت فااع مقلااا وتغااذي وجنا ااا
وت مي ميولا ومواهبا وتعاونه العاانات الحسا ة وتج باا العاانات السايئة في أا ،قاوي
الجسم حسن الخلق سليم العقل مت ن الأخصية قانر ملا أناء رسالتا في الحياة
خصا ص مفهوم التربية:
-إن التربية مملية تكاملية
-مملية فرنية اجتمامية
-تختلف باخت ف ال مان والمكان
5
-مملية إ سا ية
-مملية مستمرة
و يرى توفيق ح ا أن التربية هي مملية مستمرة ال يحنها من معاين وهاي
ص ح البأارية وهاي قاوة هائلاة كل جوا ب حياة الفرن والمجتمع وهي أسا تم
وميوبها وأمراض المجتمع وميوبا ولذلك فهاي يمك ها القضاء ملا أمراض ال ف
كل مؤسسات المجتمع كاألسرة والمنرسة والسجن ونور الحضا ة
أهمية التربية :
لقن بر ت أهمية ا لتربية وقيمتها فاي تطاوير هاذه الأاعوب وت ميتهاا االجتمامياة
واالقتصااانية وفااي يااانة قاانرتها الذاتياااة ملااا مواجهااة التحاانيات الحضااارية التاااي
تواجهها كما أ ها أصبحت إستراتيجية قومية كبرى لكل أعوب العالم والتربياة هاي
مامل هام في الت مية االقتصانية للمجتمعات وهي مامل هام في الت مية االجتمامياة
وضرورة للتماسك االجتمامي والوحنة القومية والوط ية وهي مامل هام في إحاناث
الحراك االجتمامي ويقصن باالحراك االجتماامي فاي جا باا اإليجاابي ترقاي األفاران
في السلم االجتمامي وللتربية نور هام في هذا التقنم والترقي أل هاا ت يان مان ومياة
الفرن و ترفاع بقيمتاا ومقانار ماا يحصال م هاا كماا أن التربياة ضارورية لب ااء النولاة
العصرية وإرساء النيمقراطية الصحيحة والتماساك االجتماامي والوحانة الوط ياة كما
أ ها مامل هام في إحناث التغير االجتمامي
التربوية اره ا
6
التربوية: لمحة تاريخية عن تطور حركة اره ا
إن األهااناف التربويااة كا اات نائمااا موجااونة مباار العصااور الرتباطهااا بالعماال
التربوي ولو في أبسط صوره البنائية كت أئة اآلبااء لبب ااء مان أجال إمانانهم للحيااة
وما تتطلبا من خصائص مهارية فاي أاتا مجااالت البيئاة ومعطياتهاا فاي كال مان
ولعل ظرة بسيطة لتطور ال ظريات التربوية والفكر التربوي مموما كافياة لم حظاة
تطور وت و أهاناف التربياة ف ظارة الف سافة اليو اان ماث لم ماص أخصاية الرجال
المااران تكوي ااا محاربااا كااان أو فيلسااوفا حكيمااا وهاانف التربيااة المساايحية لتكااوين
الراهب المتعبن وغيرها من األفكار التربوية كال ذلاك لام يكان وليان مان محانن بال
يمتن امتنان تاريخ اإل سان غير أن النراسة العلمية لبهناف ظهرت في وقت مت،خر
سبيا وخضعت لتطور كان تيجة تراكم نراسات ومحااوالت منيانة قاام بهاا ملمااء
كثيرون
لقن تمي ت األهناف التربوية بصفة مامة قبل الحرب العالمية األولا بالعمومياة
والتجرين إلا أن ظهرت االتجاهاات األولاا فاي التفكيار لماا يجاري ناخال القسام ماع
أممااال بوبيووت سا ة 1918الااذي اهااتم بوضااع ما هج أكثاار توافقااا مااع الوقاات وكيفيااة
استخنام الطرق الجنينة وهو يقول بخصوص األهناف:
"طالما أن األهناف ال تخار أن تكاون تخمي اات غامضاة فيجاب أن توقاع أن
تكون الطرق والوساائل غامضاة أيضاا ولكان مصار الرضاا الكامال بالعملياات غيار
المحننة يمر بسرمة ومصر العلم يطلب النقة والتحنين"
وكان الهنف م نه هو رسم ما هج منرساي ثام رأى أ اا مان الضاروري تحنيان
األهناف لكل م هج تحنينا أنائيا واضحا
7
تووايلور( )1929أول خطااوة هامااة فااي حركااة األهااناف وتعتباار أمم ا رال و
التربوية وت ص يفها فقن وضحها في مبارات سلوكية وت،ثر الكثير من المفكرين بهذه
األفكار التربوية وامتبروا األهناف أساسا لكل ما هج منرساي أث ااء ب ائاا والتخطايط
ي بغاي تحنيان األهاناف أوال ثام وضاع لت فيذه وهذا يع ي أ ا أث اء التخطيط للتنري
المااانة التعليميااة فوضااع الخطااة فتحني ان الوسااائل فالت فيااذ ثاام التقااويم ولعاال أهاام
نراسااة اتخااذت أااك متميا ا فااي تاااريخ حركااة األهااناف التربويااة وكااان لهااا أثرهااا
الواضاااص فاااي تحنيااان المساااار العلماااي الموضاااومي لبهاااناف التربوياااة وتصااا يفها
ومحاولة التحكم فيها ملميا هي ما قام با بلوم و م ؤه من نراسات في هذا المجال
وما توصلوا إليا من تاائج ذلاك أ هام حااوال رباط األهاناف التربوياة بمكو اات الفارن
البأااري مثلمااا صاا ف سااابقوهم ساالوك البأاار فااي ثاا ث مجاااالت أساسااية :الفكاار
اال فعال العمل وهي أهم الوظائف التي يقوم بها الكائن البأري والتي يتوجا الفعل
التعليمي إلا إ مائها
وتلتهاااا أم ماااال ونراساااات أخااارى منيااانة تهااانف إلاااا تخصااايص األهاااناف
وإجراءاتهااا كال تااائج التااي توصاال إليهااا موواجر ( ،)1962والتااي تؤكاان ضاارورة تااوفر
ث ثااة م اصاار أساسااية فااي الهاانف التربااوي جياان الصااياغة وهااي :تحنياان الساالوك
المرغاوب تحنيان الأاروط التاي يتحقاق بهاا الهانف تحنيان المعاايير ومسااتوى األناء
المقبول ملا أن يكون هذا السلوك بمثابة النليل ملا التغير الذي حنث فاي أخصاية
المتعلم تيجة تعلم ما
من خ ل هذا العرض التاريخي لتطور حركاة األهاناف يسات تج با،ن األهاناف
فلساافة المجتمااع وقيمااا وثقافتااا وماناتااا وتقالياانه واتجاهاتااا فااي كاال التربويااة تعك ا
مجاااالت الحياااة فبعاان مااا كا اات تتمي ا بالعموميااة والتجرياان الفلساافي صااارت تتمي ا
8
بالخصوصااية والنقااة تيجااة تطااور النراسااات ال فسااية والتربويااة التااي تهااتم بم حظااة
السلوك وقياسا قياسا ملميا
كمااا أن ه اااك ماان يسااتعمل مبااارة األهااناف العامااة للتعبياار ماان الغايااات وماان
يستعمل األهناف الخاصة لينل بها ملا األهناف اإلجرائية
إن تحليال األهااناف التربويااة يماار مباار مسااتويات مختلفااة تتاانر ماان العااام إلااا
ومان التخمي ااات العقليااة إلااا الفعاال الساالوكي الخااص وماان المجاارن إلااا المحسااو
الذي يتجلا لنى المتعلم
الغايات:
هي مبارات فلسفية مامة وواسعة طموحة تتسم بالتجرين والمثالياة والتعقيان
بعينة المنى غير محننة من حيث منة تطبيقها
إ هااا تمثاال المسااتوى ال ظااري الااذي يضاابط التوجهااات الكباارى لل ظااام التربااوي
امتمانا ملا فلسفة وقيم مجتمع ما
يعرفها ما ي لحسون " :مباارة مان صاي يطبعهاا التجريان والعمومياة تعبار مان
المقاصن العامة والبعينة المنى التي ترين التربية أن تحققها"
إ ها واتج مستقبلية متعلقة بالفرن والمجتمع ترغاب فاي تحقيقهاا سالطة سياساية
قائمة في ضوء مقومات فلسفية ني ية أخ قية لمجتمع ماا وملياا فهاي تختلاف مان
مجتمع آلخر باخت ف األ ظمة السياسية والتربوية السائنة
وتمثل بذلك المجال الذي يتم فيا العمل التربوي مراميا طبيعاة الفارن والمجتماع
الااذي يطمااص إليهمااا وتا ون المااربين بالمرجعيااة والمسااار القيمااي وهااذا مااا جاااءت بااا
أمرياااة 16أفريااال 1976التاااي ترسااام األبعاااان المعبااارة مااان خصاااائص الماااواطن
الج ائري
9
المرامي-المقاص :
وهي أقل ممومية وتجرينا وأكثر وضوحا وتحنينا من الغايات لك ها ال تخلاو
ماان العموميااة والتجرياان وتاارتبط بال ظااام التربااوي والتعليمااي وتظهاار ملااا مسااتوى
التسيير التربوي وهي تعبر من وايا المؤسسة التربوية و ظامهاا التعليماي وتتجلاا
في أهناف البرامج والموان التعليمية وأس ك التعلايم وتعتبار المراماي وسايلة لتحقياق
الغايات كما أ ها أكثر تعرضا لإلص ح والتغيير وأ ها تلك ال واياا التاي تعلان آلفااق
أقصر أمن من الغايات وتبقا ومية
وبذلك فالمرامي أقل أمن من الغاياات وأ هاا مباارات مجا أة وتحليلياة للغاياات
وترتبط المرامي بالقرارات والم اأير السياسية والتربوية
العامة: اره ا
إذا كا ت الغايات هي ما يرين المجتمع تحقيقها في أب ائا فإن ذلك ال يتم إال بعن
المرور ب،هناف صغيرة تتحقق مبر حلقات تفضي السابقة م ها إلاا ال حقاة فتحقياق
أهااناف حصااص مااانة مااا يفضااي إلااا تحقيااق األهااناف العامااة لتلااك المااانة وتحقيااق
مرامي موان التعليم يفضي إلا تحقيق الغايات التاي ضابطها المجتماع لتكاوين ال اأائة
ملا أساسها
إن الهنف العام هو صياغة وتعياين المعطياات العاماة للاتعلم التاي يمكان توقعهاا
من تعليم وحنة تعليمية أو مقرر واألهاناف العاماة تمثال قائماة مان المعطياات للعمال
بها وليست قائمة مان ألاوان السالوك يحققهاا كال المتعلماين وكال هانف تعليماي ماام
10
يتطلاب تحنيانا نقيقااا لعي اة ماان السالوك التااي تتطلاب باانورها تحنيانا أكثاار نقاة تمثاال
إ جا أ ماط سلوكية معي ة من طرف المتعلم
والهنف العام هو مبارة ملا نرجة متوسطة من حيث التعميم والتحنين والنقاة
مااانة نراسااية أو وهااو يمثاال األناء ال هااائي المتوقااع صاانوره ماان المااتعلم بعاان تاانري
م هج نراسي معين ويكون مرتبطا بوحنة نراسية أو أااط محانن وهاو يمثال جملاة
من القنرات والمهارات العامة التي يكتسبها التلمياذ بعان ا تهائاا مان ما هج أو بر اامج
معااين ويعلاان ماان األهااناف العامااة م اان بنايااة وضااع الباارامج والمقااررات النراسااية
مليها ا فاي مقنماة الكتاب التاي تقررهاا و ارة التربياة الوط ياة وهكذا يمكان االطا
"فهااي تبحااث فااي أ أااطة التعلاايم والااتعلم مسااتعي ة بااالجرن واالصااطفاء والتبويااب
السااتخ ص طائفااة ماان القاانرات والمهااارات والمواقااف وأ ااوا الساالوك ثاام تت اولهااا
بالتوضيص والتحنين ويجعلها أهناف تسعا التربية إلا إثارتها وت ميتها لنى الت ميذ"
يست تج من هذا التعريف أن األهناف العامة تصاف مجااالت سالوك أخصاية الماتعلم:
العقليااة الوجنا يااة الحسااحركية وتتجلااا فااي القاانرات والمهااارات والتغياارات التااي
بكال وماي إلاا ت مياة هاذه الجوا اب يران إحناثها لنى المتعلم ويتوجا ممل المانر
خ ل فترة تعليمية معي ة أو خ ل س ة نراسية أو فصل
الخاصة: اره ا
وهي تمثل مجال الت فيذ ملا وهي ترجمة األهناف العامة إلا أهناف للنرو
الماانى القصااير والعاجاال وملااا مسااتوى حصااة نراسااية معي ااة فااي مااانة مااا حيااث
يتحصل فيها المتعلم ملا قنرة أو مهارة ما م ن اال تهاء من تعلم معين
و يتضمن الهنف الخاص مجمومة مان األهاناف اإلجرائياة التاي تتحانن بأاروط
ومعايير معي ة في الموقف التعليمي
11
حظ أن األهناف التربوية تتجا من خ ل مرض مستويات األهناف التربوية
حو النقة والتخصص بنءا من الغايات إلا األهناف التربوية الخاصة فتتفر الغايات
إلا مرامي وتتضمن هذه األخيرة مجمومة من األهناف العامة التي تتج أ إلا أهناف
خاصة التي تحلل إلا أهناف إجرائياة تمثال السالوك الاذي ساي ج ه الماتعلم بعان هاياة
ويظهار هاذا السالوك فاي جا اب واحان أو أكثار مان جوا اب أخصاية مقطع أو نر
المتعلم
12
* أسااباب تتعلااق بالتفاماال بااين المعلاام والتلميااذ إن سااوء التفاماال بااين خصااائص
سلبا ملا تحصيل الت ميذ المعلم وت مذتا قن يؤني إلا سوء التوافق الذي ي عك
*أسباب تتعلق بالطرق والوسائل المستعملة في تحقيق هذه األهناف
*أسباب تتعلق باألهناف فسها ك،ن تكاون صاعبة جانا فاوق مساتوى الت مياذ أو
غامضة أو غير واقعية
*أسباب تتعلق بت ظيم وتسيير المؤسسات التعليمية
13
التعلم:
يعرف التعلم ب ،ا تغير في األناء أو تعانيل فاي السالوك ثابات سابيا مان طرياق
الخبارة والمران وهااذا التعانيل يحاانث أث اااء إأابا الفاارن لنوافعااا وبلاوو أهنافااا وقاان
يحنث أن تعج الطرق القنيمة واألساليب المعتانة من التغلاب ملاا الصاعاب أو مان
مواجهة المواقف الجنينة ومن ه ا يصبص الاتعلم مملياة تكياف ماع المواقاف الجنيانة
ويقصااان بتعااانيل السااالوك أو تغييااار األناء المع اااا الأاااامل أي مااانم االقتصاااار ملاااا
الحركااات الم حظااة والساالوك الظاااهر وإ مااا ي صاارف التغيياار أيضااا إلااا العمليااات
العقليااة كااالتفكير ويقصاان بااالخبرة والمااران أوجااا ال أاااط الم سااقة التااي تخطااط لهااا
المؤسسات التعليمية وت فذها
ويص ف التعلم من حيث أأكالا وموضوماتا إلا ما يلي:
-تعلم معرفي:
ويهنف إلا إكسااب الفارن األفكاار والمعاا ي والمعلوماات التاي يحتاا إليهاا فاي
حياتا
-تعلم عقلي:
ويهنف إلاا تمكاين الفارن مان اساتخنام األسااليب العلمياة فاي التفكيار ساواء فاي
مجال المأك ت أو في مجال الحكم ملا األأياء
-تعلم انفعالي وج اني:
فااي بعااض ويهاانف إلااا إكساااب الفاارن االتجاهااات والقاانرة ملااا ضاابط ال ا ف
المواقف اال فعالية
-تعلم لفظي:
14
ويهنف إلا إكساب الفرن العانات المتعلقاة بال احياة اللفظياة كاالقراءة الصاحيحة
لمقااال معااين أو ااص قصااير أو أبيااات أااعر ماان قصااينة معي ااة أو حفااظ األماانان
والمعا ي
17
ومنركات تنخل طاق السكيمات والت ظايم المعرفاي القاائم وذلاك مان خا ل مملياات
التمثيل والتوفيق واالستنما
ونور المعلااام فاااي ظااال هاااذا التعرياااف هاااو تهيئاااة البيئاااة التاااي تساااامن الطفااال
االكتأاف وتوجيا أاطا العقلي بحيث يحقق الهنف األساسي المتمثل في مو الذكاء
-التعليم مملية غرضها األساسي مسامنة الطفل ملا تحقيق ذاتا و مو أخصيتا
وتلبية حاجاتا ال فسية ومطالب ماوه وكماا فاي التعرياف الساابق يكاون نور الماتعلم
إيجابيااا وفعاااال فااي حااين يقااوم المعلاام باانور األب و األخ األكباار الموجااا والمرأاان
والمسامن ملا ال مو بما يوفره مان م ااخ فساي يساامن ملاا اال طا ق والتعبيار مان
الذات ومواجهة مواقف اإلحباط وتحمل المسؤولية والأاعور بال جااح وتكاوين مفهاوم
ذات إيجابي
-التعلاايم ممليااة هاانفها مسااامنة الطفاال ملااا تحقيااق ال مااو االجتمااامي ومواجهااة
مطالب الحياة في جماماة وهاذا يتطلاب مان المعلام أن يقاوم بانور تاوجيهي لمساامنة
األطفال ملا اال نما في جمامة واكتساب االتجاهات االجتمامية اإليجابية وتساليط
الضوء ملا المأك ت االجتمامية للمساهمة في إيجان الحلول الم اسابة لهاا بمأااركة
المتعلمين الفعالة
والم حظ أن التعريف األول أقرب ما يكون إلا المفهوم التقليني لعملية التعلايم
في حين أن التعريف الثا ي رك ملا ال واحي العقلية ويانور التعرياف الثالاث حاول
حاجاات ومطالاب ال ماو فاي حاين تساتهنف مملياة التعلايم فاي التعرياف الراباع ال ماو
االجتمااامي للطفاال وتفاملااا مااع البيئااة المحيطااة بااا ومهمااا يكاان ماان أماار فااإن تركيا
مملية التعليم حول الطفل-حاجاتا وطبيعتا ومطالاب ماوه -أصابص مان المسالمات فاي
ممارساات ا التربويااة فااإذا أخااذ ا باالمتبااار أن الغايااة أو الغاارض األساسااي ماان التعلاايم
18
تحقيااق ال مااو الأااامل والمتكاماال للطفاال فااإن مفهوم ااا يجمااع بااين التعريفااات الث ثااة
األخيرة
مفهوم اإلستراتيجية:
يقصاان باإلسااتراتيجية الم حااا والخطااة واإلجااراءات والم اااورات (التكتيكااات)
والطريقة واألساليب التي يتبعها المعلم للوصول إلا مخرجاات أو اواتج تعلام محاننة
م هاااا ماااا هاااو مقليفمعرفاااي أو ذاتيف فساااي أو اجتماااامي أو فسااايفحركي أو مجااارن
الحصول ملا معلومات
وم مليااة التعلاايم تتضاامن جميااع هااذه األهااناف إال أن الت،كياان ملااا بعضااها نون
فلسفية ففي حين تؤكن التربية ملا الت مية الأاملة والمتكاملة غيرها مس،لة باألسا
وتسااعا إلااا تااوفير الم اااخ واأل أااطة التااي ت مااي التفكياار ومهااارات التعبياار الحركااي
واللغوي واال فعالي وفرص التفامل االجتمامي ترك مراحال التعلايم ملاا الجوا اب
العقليةفالمعرفية بأكل خاص
والبااان مااان تحنيااان األهاااناف التعليمياااة أوال إذ مليهاااا تتوقاااف مملياااة اختياااار
االستراتيجيات الم اسابة للخارو ب اواتج تعلام معي اة ملاا سابيل المثاال فاإن المعلام
ي حصاار فااي ت وياان الت ميااذ باا،كبر كاام ماان الااذي يااؤمن باا،ن الهاانف ماان التاانري
المعلومااات ساايختار اإلسااتراتيجية التااي تضاامن وصااول المعلومااات ب،قصاار الطاارق
وأسرمها أال وهي اإللقاء ومن تكتيكاتها المحاضرة والأرح والتفسير والوصف أما
إذا كان يهانف إلاا ت مياة مقال الطفال وتفكياره فإ اا سايؤكن ملاا إساتراتيجية معالجاة
المعلوماااات للتوصااال إلاااا اسااات تاجات ومفااااهيم وتفكيااار م طقاااي مااان خااا ل تحليااال
المعلومات وإيجان الع قات بي ها وإمانة ت ظيمها أو تركيبها بالأاكل الاذي ياؤني إلاا
الم ين من التعلم ويكون نور المتعلم في هذا الموقاف فعااال وإيجابياا فاي حاين بقاوم
19
المعلم بتوجيا أاط المتعلمين العقلي مستخنما أسلوب الحوار والتسااؤل ويعان البيئاة
ويأااجع ويسااامن لتحقيااق التعليميااة ب،نواتهااا وإمكا اتهااا بمااا يساامص باالكتأاااف ويعا
األهناف المحننة
وهكذا بال سبة للمخرجات االجتمامية فإن أ سب إستراتيجية ما كاان م هاا يتايص
الفرصااة لبطفااال للتفاماال فيمااا بي ا هم والمأاااركة فااي الحياااة االجتماميااة م ان حولااا
ويوفر جوا من التعاون والمأاركة في األ أطة الجمامية مثل الارح ت ومأارومات
البيئة واأللعاب ب ،وامها
أما إذا كا ت المخرجات المحاننة فساية ذاتياة فاإن إساتراتيجية المعلام ي بغاي أن
المتعلمااين تااؤني إلااا تكااوين وت ميااة مفهااوم إيجااابي ماان الااذات ماان خ ا ل إحسااا
ب،هميتهم ك،فران والعمل ملا تحقيق مطالب موهم وتلبياة حاجااتهم وإتاحاة الفرصاة
لهم لتحمل المسؤولية والمأاركة الفعالة في األ أطة التعليمية التي تت اسب وقنراتهم
التعليمية:
وهذا المفهوم يحمل فاي طياتاا كثيار امتبرت التعليمية وال الت كفن التنري
من المعا ي واألفكار والتصورات التي حاول تلخيصها فيما يلي:
ولكان لاا طارق خاصاة ليست التعليمية طريقة أو م هج واحان وموحان للتانري
تابعاة لصاااحبها ويع ااي هااذا أن لكال معلاام أساالوبا الخاااص فاي ت،نيتااا للعماال التعليمااي
أريطة أن يكون هذا العمل مكلل بال جاح يع ي أن هذا "الفن التعليمي" يكون معترف
با من خ ل تائجا لنى التلميذ وت،ثيره العميق والمثمر ملا تفكيره وسلوكا
تكان أن تب اا التعليمياة ملاا قانراتها للبارو بع قاة تربوياة اجحاة باين المعلام
-كمااا هااو م تظاار م هااا مااانة -قواماان م طقيااة والتلميااذ بفضاال وسااائل منروسااة ولااي
ومق ة متعلقة أساسا بتلقاين المعاارف لل أائ الصاامن و أاير فاي هاذا الصانن ماا هاي
20
أهمياة الجا اب ال م طقااي وال أاعوري فااي الع قاة التربوياة كمااا هاو ماااني فاي كاال
نورا حاسما الف ون التي يلعب فيها الجا ب العاطفي والمحسو
فيحتمل أن تكون للتعليمية كفن-م ن بعض االختصاصيين-طرق ووسائل خاصة
حساب لتلقين المعارف أو المعلومات والتاي ي صاص اساتعمالها ل جااح مملياة التانري
الم وال التالي:
-خلق لنى التلميذ حاجة ماسة للتعلم بفضل حواف مختلفة وجذابة
-ربط المعلومات الجنينة بالمعلومات القنيمة أو السابقة
ملا الجنين والتعمق فيا -االط
-استيعاب الجنين من طريق التكرار واالستظهار
-استعمال الجنين في أممال تطبيقية مت ومة
-فتص مجاالت متعننة وفرص مختلفة السترجا ما هو محفوظ
رغم استعمال هذه التق ياات كلهاا تبقاا التعليمياة كفان مرهو اة بأخصاية المعلام
وبالكيفية التي يطبق بها المعلومات وباختيار الوقت الم اسب الستعمالها
تطور مفهوم التعليمية:
البن من اإلأارة إلا أ ا جن في اللغة العربية منة مصطلحات مقابلة للمصطلص
األج بااي الواحاان ولعاال ذلااك يرجااع إلااا تعاانن م اهاال الترجمااة وكااذلك إلااا ظاااهرة
الترانف في اللغة العربية وحتا في لغة المصطلص األصلية إذ ترجم إلا لغة أخرى
قاال التاارانف إليهااا ماان ذلااك :تعاانن المصااطلحات المسااتقاة مان اإل جلي يااة فااي أااقيها
البريطا ي و األمريكي و الأواهن ملا هذه الظااهرة كثيارة فاي العربياة ساواء تعلاق
األمر باإل جلي ية أم بالفر سية وهما اللغتان اللتان ي،خاذ م هماا الفكار العباي المعاصار
ملا ت و خطاباتا و المعارف المتعلقة با م ها مصطلص Didactiqueالذي تقابلا في
21
ملاام التعلاايم اللغااة العربيااة ماانة ألفاااظ و هااي :تعليميااة تعليميااات ملاام التاانري
التنريسية النيناكتيك تتفاوت هذه المصطلحات في االستعمال ففي الوقت الذي اختار
جاان فااي مفهااوم المصااطلص بعااض الباااحثين اسااتعمال "نياانلكتيك" تج بااا ألي لااب
و ملام التعلايم و بااحثين آخارين لكا هم ق ئال باحثين آخرين يساتعملون ملام التانري
يستعملون مصطلص تعليميات أما مصطلص تنريسية فهو استعمال مراقي غيار أاائع
22
العام لتعليم الجميع مختلف الموان التعليمية ويضايف ب ،هاا ليسات فقاط فان التعلايم بال
للتربية أيضا
واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلا أوائل القارن 19حياث ظهار الفيلساوف
العلميااة للتعليميااة ك ظريااة للتعلاايم األ لمااا ي فرنريااك هيربااارت الااذي وضااع األس ا
تستهنف تربية الفرن فهي ظرية تخص ال أاطات المتعلقاة باالتعليم فقاط أي كال ماا
يقاااوم باااا المعلااام مااان أااااط فااااهتم باااذلك الهربرتياااون بصاااورة أساساااية باألسااااليب
الضاارورية لت وياان المتعلمااين بالمعااارف وامتباروا الوظيفااة األساسااية للتعليميااة هااي
تحليل أاطات المعلم في المنرسة
وفااي القاارن التاسااع مأاار وبنايااة القاارن العأاارين ظهاار تيااار التربيااة الجنياانة
ب مامة جون نيوي ( )Deweyوقن أكن هذا التيار ملاا أهمياة ال أااط الحاي والفعاال
للمتعلم في العملية التعليمية وامتبروا التعليمية ظرية للتعلم ال للتعليم
وقااان اساااتخنما الال ااان النيااناكتيك اأاااتق مااان البياااناغوجيا موضااوما التااانري
( )Lalandكمرانف للبناغوجيا أو للتعليم
كماااا أن النياااناكتيك ملااام تطبيقاااي موضاااوما تحضاااير وتجرياااب اساااتراتيجيات
بيناغوجية لتسهيل إ جا المأاريع فهاي ملام تطبيقاي يهانف لتحقياق هانف مملاي ال
يتم إال باالستعا ة باالعوم األخارى كالسوسايولوجيا والسايكولوجيا واالبساتيمولوجيا
فهي ملم إ ساا ي مطباق موضاوما إمانان وتجرياب وتقانيم وتصاحيص االساتراتيجيات
البيناغوجية التي تتيص بلوو األهناف العامة وال ومية لب ظمة التربوية
فالنيناكتيك هج أو أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية فهو النراسة العلمية
لت ظيم وضعيات التعلم التي يعيأها المتربي لبلوو هنف مقلي أو وجنا ي أو حركي
كمااا تصااب النراسااات النيناكتيكيااة ملااا الوضااعيات العلميااة التااي يلعااب فيهااا المااتعلم
23
هو تسهيل مملية تعلم التلميذ بتص يــــــــف النور األساسي بمع ا أن نور المنر
المانة التعليمية بما ي ئم حاجات المتعلم وتحنين الطريقة الم ئمة لتعلماا ماع تحضاير
األنوات المسامنة ملاا هاذا الاتعلم وهاذه العملياة ليسات بالساهلة إذ تتطلاب مصاانر
معرفية مت ومة كالسيكولوجيا لمعرفة الطفل وحاجاتاا والبياناغوجيا الختياار الطارق
الم ئمة وي بغي أن يقون هذا إلا تحقيق أهناف ملا مستوى السالوك أي أن تتجلاا
تااائج الااتعلم ملااا مسااتوى المعااارف العقليااة التااي يكتساابها المااتعلم وملااا مسااتوى
المهارات الحسية التي تتجلا في الف ون والرياضيات وملا المستوى الوجنا ي
كما يمك اا أن قاول أن النياناكتيك ملام ي أائ مااذ و ظرياات حاول التانري
قصن تفسير ظواهره والت بوء بها
ستخلص من هذه التعاريف أن النيناكتيك تهتم بكال ماا هاو تعليماي تعلماي أي
كيف يعلم األستاذ مع التركي ملاا كياف ياتعلم التلمياذ ونراساة كيفياة تساهيل مملياة
الااتعلم وجعلهااا ممك ااة ألكباار فئااة ثاام اتخاااذ اإلجااراءات الم اساابة لفااة الت ميااذ ذوي
صعوبات في التعليم وبالتالي فهي نراسة التفامل التعليمي التعلمي
يمكاان ل ااا أن سااتعين بأااكل وضااعا رو ييااا ريأااتريو ( )René Richterich
28
تعرياااف يجلاااي و ايفاااان ()" : Neagly & Evansكااال الخبااارات المرساااومة
والمخطط لها مما تقنما المنرسة لط بها لكي يحققوا ال تائج المرجوة مستغلين أقصا
ما لنيهم من قنرات"
تعريف هاريست (" : )Hirstsبرامج األ أطة الموضاومة لكاي تساامن الطا ب
ملا تحقيق أقصا ما يستطيعون من األهناف والغايات"
ويع ااي الم هااا المنرسااي فااي مفهومااا التقليااني مجمااو المعلومااات والحقااائق
والمفاااهيم واألفكااار التااي ينرسااها الطلبااة فااي صااورة مااوان نراسااية اصااطلص ملااا
تسميتها بالمقررات المنرسية
وقاان جاااء هااذا المفهااوم ك تيجااة طبيعيااة ل ظاارة المنرسااة التقلينيااة إلااا وظيفااة
المنرسة حيث كا ت ترى أن هذه الوظيفة ت حصر في تقانيم ألاوان مان المعرفاة إلاا
الطلبة ثم الت،كن من طريق االختبارات وال سيما التسميع من حسان اساتيعابهم لهاا
في تأكيل تلك ال ظرة الضيقة لوظيفة المنرسة يعون إلاا تقاني ولعل السبب الرئي
المعرفااة بامتبارهااا حصاايلة التااراث الثقااافي الثمااين الااذي ورثااا الجياال الحاضاار ماان
األجيال السابقة والذي ال يجو إهمالا أو التقليل من قيمتا ب،ي حال من األحوال وقن
جااارت العاااانة ملاااا ت ظااايم الماااانة النراساااية (المعاااارف والمعلوماااات والحقاااائق
واإلجااراءات) فااي موضااومات وتو يااع تلااك الموضااومات ملااا السا وات النراسااية
فاي سا ة للمراحل التعليمية المختلفاة وكاان يطلاق ملاا الماوان النراساية التاي تانر
نراسية معي ة المقررات النراسية وقان ساامن ممال الكتاب ماا ينرساا الطلباة فاي كال
صف نراسي بل وفي كل مانة تحنينا واضحا وأصبحت الكتب هي المصنر الوحين
الذي يتلقا م ا الطلبة ملومهم
29
أما مهمة إمنان الم ها في مفهوما التقليني أو إنخال تعني ت مليا فقن كا ت
ت اط بلجان من المتخصصين بالموان النراسية أو بلجان معظام أمضاائها مان هاؤالء
المتخصصين وكان المسؤولون في جها التعليم يأاننون ملاا ضارورة التقيان التاام
بالموضومات التي يتم تحنينها من قبل اللجان وملا منم جوا إنخال أي تغييار أو
أن إتقاااان نراساااة هاااذه تعااانيل فيهاااا تحااات أي ظااارف مااان الظاااروف ملاااا أساااا
الموضومات واستظهار ما بها من معارف ومعلومات يمثل الهانف األساما والغاياة
المتوخاة
وهذا الفهم القاصر للم هاا كاان يمثال اتجاهاا ماماا متفقاا ملياا ومساتعم فاي
العمليات التربوية حتاا وقات قرياب بال وإلاا وقت اا الحاضار فاي كثيار مان البلانان
وبخاصة تلك التي لم ت ل حظا كافيا من الرقاي والتقانم ولام تاتص لهاا الفرصاة لإلفاانة
من النراسات التربوية وال فسية التي أملت مختلف ميانين العملية التربوية
30
-يقوم بوضع الم هج الذي يع ي المحتوى فقط مجمومة من المختصين بالموان
النراسية نون أخذ لوجهة ظر المعلم والتلميذ وأولياء األمور الذين يعتبرون رك ا
هاما من أركان العملية التربوية وهم بذلك يهملون جا ب الفروق الفرنية بين الت ميذ
-تيجااة للتركيا ملااا المااانة النراسااية فااإن الما هج القاانيم أهماال كاال أاااط يااتم
وأهمل طرق التفكير العلمي وأهمل ت مية االتجاهاات والمياول خار حجرة النر
اإليجابية وأمتبر ال جاح في االمتحا ات التاي يعقانها المعلام والتاي تركا ملاا حفاظ
وبذلك أهمل امتمان الطالب ملاا فساا وميلاا إلاا االمتماان ملاا المانة هي األسا
فااي أاارح المااانة وتبساايطها وبالتااالي حفظهااا وجعاال الت ميااذ يميلااون إلااا الماانر
روح التفكياار تلخاايص المااوان النراسااية حتااا يسااهل حفظهااا وهااذا يااؤني إلااا طما
العلمي واالبتكار
وهي التلقين والتحفيظ وفي هذا -امتمن المعلم ملا طريقة واحنة في التنري
تحجيم لنور المعلم الموجا والمرأن والمخطط للبرامج
ل جاااح المعلاام وفااي هااذا -امتبااار جاااح الط ا ب فااي المااوان النراسااية أسااا
إغماض لنور المعلم وإغماض للفروق الفرنية بين الت ميذ
-كثرة الموان النراساية وضاخامة مانتهاا حتاا أن النارساين مان الجيال الساابق
يفتخاارون باا ،هم حفظااوا قصااائن الأااعراء العظااام فااي المرحلااة االبتنائيااة أو حفظااوا
القرآن الكريم ولم يبل س هم العاأرة وأن فأل الطالب في أي احية من وحي حياتا
ما هو إال تيجة فألا في حفظ نروسا
-وهذا الم هج يغفل استخنام الوسائل التعليمية
المنهاج ح يثا:
تطور مفهوم الم ها القنيم كثيرا ولعل يعون ذلك إلا األسباب التالية:
31
-كثرة اال تقانات الموجهة للم هج التقليني
-التطااورات فااي القاايم والعااانات االجتماميااة وبالتااالي أنت إلااا تغياارات فااي
أساليب وطرق حياة المجتمعات
-تيجة لذلك حنث تغير في أهاناف التربياة وفلسافتها ونور ووظيفاة المنرساة
وبالتالي البن من ظرة جنينة للم هج
-أظهرت بعض البحوث التربوية المينا ية جوا ب القصور في الم هج التقلياني
والذي لم يعن يصلص للمجتمعات الحنيثة
-تااائج النراسااات ال فسااية المتعلقااة بااالمتعلم والتااي أكاانت ملااا إيجابيااة المااتعلم
متلقياا سالبيا كماا كاان ساائنا وأامولية ومأاركتا ال أطة في مملية التعلم وأ ا لي
جوا ب أخصية المتعلم :العقلي والجسمي واال فعالي واالجتمامي
-طبيعة الم هج التربوي المتغيرة والمت،ثرة بالتغيرات التي تحانث فاي المجتماع
و تيجة لكل التغيرات السابقة طال الم هج تغير ومي
الم هاااا ا لترباااوي الحااانيث هاااو جمياااع الخبااارات (ال أااااطات أو الممارساااات)
المخططااة التااي توفرهااا المنرسااة لمسااامنة الطلبااة ملااا تحقيااق ال تاجااات التعليميااة
الم أونة إلا أفضل ما تستطيعا قنراتهم وهو كل نراسة أو أااط أو خبارة يكتسابها
أو يقااوم بهااا المااتعلم تحاات إأااراف المنرسااة وتوجيههااا سااواء أناخاال الصااف كااان أم
خارجا وهو جميع أ اوا ال أااطات التاي يقاوم الطلباة بهاا أو جمياع الخبارات التاي
يمرون فيها تحت إأراف المنرسة وبتوجيا م ها ساواء أناخال أب ياة المنرساة كاان أم
خارجها كما أن الم ها مجمومة من الخبرات المربية التاي تهيؤهاا المنرساة للطلباة
تحت إأرافهم بقصن مسامنتهم ملا ال مو الأامل وملا التعنيل في سالوكهم كام أ اا
مجمو الخبرات التربوية االجتمامية والثقافية والرياضية والف ية والعلمية…الخ التي
32
تخططها المنرسة وتهيئها لطلبتها ليقوماوا بتعلمهاا ناخال المنرساة أو خارجهاا بهانف
إكسابهم أ ماطا من السلوك أو تعنيل أو تغيير أ ماط أخرى من السالوك حاو االتجااه
مة والمصاحبة لاتعلم الخبارات المرغوب ومن خ ل ممارستهم لجميع األ أطة ال
سامنهم في إتمام موهم
وتير اي )Toombs & Tierney( 1993تعريفاا وفي هذا المجال ياورن تاومب
للم ها الحنيث ويقوالن أ ا "اسم لكل م احي الحياة ال أطة والفعالة لكل فرن بما فيها
األهناف والمحتوى واأل أطة والتقويم"
مميزات المنهاج الح يث:
-يهااتم الم ا هج الحاانيث بااالمتعلم ويثااق بقنرتااا ملااا المأاااركة ال أااطة الفعالااة
اإليجابية
-يؤكن ملا االهتمام بجميع جوا ب أخصية المتعلم وقنرتا ملا التعلم الذاتي
-المنرسة في الما هج الحانيث لهاا نور متعااون ماع المؤسساات األخارى لخنماة
البيئة االجتمامية وال يقتصر نورها ملا تلقاين الماوان النراساية للطلباة بمعا ل مان
بيئتها والمؤسسات األخرى مثل :المؤسسات الني ية وال واني وغيرها
-الع قة بين المنرساة والبيات فاي مفهاوم الما هج الحانيث م قاة وطيانة ولكال
األباااء والمعلمااين وال يااارات نوره التكميلااي لرخاار وذلااك ماان خا ل ت ظاايم مجااال
المتبانلة وإأراك أولياء األمور في بعض ال أطات
-إمااانان المااا هج :يأاااترك فاااي إمااانانه فرياااق متكامااال مااان المختصاااين باااالموان
التربااوي والت ميااذ وأولياااء األمااور النراسااية والمختصااين فااي مجااال ملاام الا ف
والمعلمين
-يراما م ن التخطيط للم هج ما يلي:
33
*األخذ بعين االمتبار فلسفة المجتمع وطبيعة المتعلم وخصائص موه
*أمولا ملا مختلف أ وا ال أاط التي يقوم بهاا التلمياذ تحات إأاراف وتوجياا
المنرسة
*ت،كينه ملا التعاون والعمل الجمامي
-يسامن الت ميذ ملا التكيف االجتمامي وباذلك ال يأاعر التلمياذ بغربتاا ناخال
مجتمعا
-التركي ملا استخنام الوسائل التعليمية ضمن مفهوم ال ظام
التي يستخنمها المعلم بحياث يختاار الطارق األكثار -الت ويع في طرق التنري
م ءمة للمانة النراسية والت ميذ مراميا الفروق الفرنية بي هم
-تغياار نور المعلاام بحياث لاام يعاان الملقاان والمسااتخنم للعقاااب الباان ي باال أصاابص
موجها ومرأنا ومخططا للبرامج مبتعنا من العقااب البان ي محترماا آلراء الت مياذ
وأفكارهم ومؤكنا ملا استعنانهم للتعلم
-الم هج ال يع ي المانة النراسية فقط بل تمثل الماانة النراساية جا ءا مان ظاام
الم هج
-التقااويم جاا ء ماان الماا هج وال يركاا ملااا االختبااارات القائمااة ملااا الحفااظ
وحنها وال يعتبر االختبارات غاية فاي ذاتهاا بال هاي وسايلة لمعرفاة تاجاات الاتعلم
وليست سوطا للترسيب أو العقاب
بي اغوجيا:
كلمة يو ا ية مركبة من مقطعين األول PEDوأصلا PAISأو PAIDOSبمع ا
طفل والمقطع اآلخار Agogieوأصالا Ogogéبمع اا القياانة والتوجياا ( action de
)conduire
34
فالكلمة إذن تع ي توجيا األطفال وقيانتهم أو تربيتهم
ال عم:
أقول نممت الأيء نمما إذن أس نتا وأم تا والنماماة مماانة البيات وانمام
اتك ،ملا النمامة واست ن والنمامة جمع نمائم
ونمم ف ن ف ا أي أما ا وقواه
االصطالحي: التعري
ال و عم البي و اغوجي هااو مجمومااة ماان الوسااائل والتق يااات التربويااة التااي يمكاان
اتبامها ناخل الفصل (في إطار أ أاطة المنرساة ككال) لت فاي بعاض ماا قان يعتارض
تعلاام الت ميااذ ماان صااعوبات (ماانم فهاام ثغاارات تاا،خر) تحااول نون إباارا القاانرات
الحقيقي ا ة والتعبياار ماان اإلمكا يااات الفعليااة الكام ااة ويأاامل الاانمم م طلقااات الفعاال
التربوي مثلما يأمل سيرورتا و تائجا
أموا بيو اغوجيا الانمم فااي ظامهااا األساساي فهااي األسالوب أو ال ظااام التربااوي
الااذي ي بغااي أن يعتماان إلسااعاف المتاا،خرين نراساايا ومسااا نتهم لجعلهاام يسااايرون
أقرا هم في مستوى التحصيل أو يقتربون من مستواهم ملا األقل
التح ي اإلجرا ي:
الووو عم البيووو اغوجي يع اااي اكتأااااف التعثااار النراساااي تأاااخيص أسااابابا ثااام
تصااحيحا ماان أجاال تقلاايص الفااارق بااين الهاانف الم أااون فااي فعاال التعلاايم والااتعلم
وال تيجة المحققة
مفهوم التكوين:
35
فقن مرفا فاخر ماقل في معجم ملام الا ف " :ب ،اا يانل ملاا مجموماة العوامال
الوراثية التي تحنن ال مو المقبل للفرن أو ينل ملا هذه العوامل الوراثية مضافا إليهاا
مكتساباتا السابقة التي تحنن سلوكا"
إن هااذا التعريااف رغاام تفساايره للتكااوين ماان ال احيااة العضااوية إال أ ااا يبااين ل ااا
م اصاار التكااوين التااي تعاان بمثابااة مجمومااة مواماال موروثااة إلااا جا ااب العواماال
المكتسبة
وقن يؤخذ مفهوم التكوين م،خذ مفهاوم التانريب فاي كثيار مان األحياان لاذا فاإن
مبنالرحمان ميسوي في تعريفا يارى أن المقصاون بالتانريب المه اي او مان الاتعلم
واكتساب المهارات والخبرات والمعارف المختلفة المتعلقة بمه ة معي ة
وقان ذهااب كاال ماان بي ااار وليتااار Biznord & Lietardفااي تعريفهمااا للتكااوين
مااذهبا ثالثااا إذ امتبااراه "مجمومااة ال أاااطات التربويااة التااي تتجاااو مع ااا التكااوين
المباانئي حيااث يساامص لكاال أااخص أن ياانمم فسااا فااي كاال الميااانين ملااا مسااتوى
المهاااارات المكتسااابة فاااي الحيااااة العائلياااة أو المه ياااة أو االجتمامياااة أو المن ياااة وأن
يكتسااب أيضااا أكباار قاانر ممكاان ماان االسااتق ل الجساامي واالقتصاااني واالجتمااامي
والفكري والثقافي بقنر استطامتا"
ويتفق بي ار Biznordمع كل من ريمون فاتي Raymand Vatierوالفيلساوف
التربوي نوركايم الذي يرى "أ ها مملية تربوية تمثال مجهاونا مساتمرا لتفارض ملاا
الطفل ماذ من الرؤى والتفكير والسلوك التي ال يمك ا أن ينركها بصفة تلقائية إال
من طريق المجتمع بكل م اصره والمحيط االجتمامي الذي ي تمي إليا بصفة خاصة
ومما سبق يتحنن بكل وضوح المفهوم اإلجرائي للتكوين كما يلي" :أ ا يعبر من
الجهون المتوا ة والمتكاملة من جميع األطراف أو المع يين بالتكوين قصان مساامنة
36
التلمياذ ملااا معرفاة المحاايط الاذي يعاايو فيااا مان طريااق نراساة العلااوم المتخصصااة
والتي لها م قة بميانان طموحاتاا ومساامنتا ملاا معرفاة فساا مان طرياق نراساة
العلوم اإل سا ية ومختلف العلوم األخرى "
ماهية الفلسفة
م قة الفلسفة بالتربية
م قة التربية بالعلوم األخرى
فلسفة التربية
معنى الفلسفة:
يمكاان القااول بصاافة مامااة أ ااا ال يوجاان اتفاااق حااول تعريااف الفلساافة أو تحنياان
مضمو ها ومباحثها
37
ولعاال ماان أقاانم التعريفااات للفلساافة ذلااك التعريااف الااذي يمتاان ب،صاال الكلمااة إلااا
اإلغريق في مع اها اللغوي "حب الحكمة" وملا هذا يكون الفيلسوف هاو الحكايم أو
محب الحكمة
وربما كان هذا التعريف م اسبا م نما كا ت الفلسفة تمثال جماا المعرفاة آ اذاك
من طب وفلك والهوت وقا ون وغيره وملا الرغم من أن تطور العلاوم والمعرفاة
قان أنى فاي ال هايااة إلاا ا فصااال هاذه العلااوم مان الفلسافة واحاانا تلاو اآلخاار فقان بقااا
تعريفها "حب الحكمة" كما هو
المعجمي: التعري
يورن المعجم الوسيط في تفسير كلمة فلسفة أ ها "نراسة المبانئ األولا وتفسير
المعرفاة تفسايرا مقليااا وكا ات تأاامل العلاوم جميعاا واقتصاارت فاي هااذا العصار ملااا
الم طق واألخ ق وملم الجمال وما وراء الطبيعة"
ويورن معجم التربية تعريفا للفلسفة مأابها للتعرياف الساابق فيقاول فاي تعرياف
الفلسفة ب ،ها" :العلم الذي يرماي إلاا ت ظايم وترتياب كال مجااالت المعرفاة بامتبارهاا
وسااائل لفهاام وتفسااير الحقيقااة فااي صااورتها الكليااة وهااذا العلاام يأاامل مااانة الم طااق
واألخ ق وملم الجمال وما وراء الطبيعة (الميتافي يقا) و ظرية المعرفة"
الفالسفة: تعري
*تعريف كو ت (: )A. Compte
" ان الفيلسوف الفر سي كو ات با،ن الفلسافة فاي هاذا العاالم الجنيان للعلام تقتصار
فائنتها ملا توضيص مفاهيم و ظرياات العلام وأن ملاا الفلسافة أن تتخلاا مان مجاال
الميتافي يقاااا ألن القضاااايا التاااي يت اولهاااا هاااذا المجاااال ال تسااامص بالتحليااال العلماااي أو
التجريبي أو البره ة"
38
*تعريف في يك ()Phenix
وهااو ماان ف ساافة التربيااة األمااريكيين يقااول فااي كتابااا "فلساافة التربيااة" " :إن
الفلسفة ليست مجمومة من المعارف وال تؤني نراستها إلا تجميع منن من الحقائق
وهي تتضامن ت ظايم وهي ليست طريقة من طرق ال ظر إلا المعرفة التي لني ا فع
وتفسير وتوضيص و قن ما هاو موجاون بالفعال فاي ميانان المعرفاة والخبارة وتساتعمل
كمانة لها ما تتضم ا العلوم والف ون المختلفة والنين واألنب ومن معارف كماا أ هاا
تستعمل المفاهيم العامة العانية" (يرى أن ه اك أربع مكو ات للفلسفة-الأمول اتسا
ال ظرة البصيرة الت،ملية-
*تعريف كو ور ()O. Connor
هو من الف سفة البريطا يين المعاصرين في كتابا "مقنمة فاي فلسافة التربياة":
"إن الفلسفة ليست ظاما من المعرفة ذات الطابع اإليجابي (أي لاا مضامون معرفاي)
كالقااااا ون أو ملاااام األحياااااء أو التاااااريخ والجغرافيااااا وإ مااااا هااااي أاااااط قااااني أو
توضيحي…"
كما يختلف الف سفة فيما بي هم حول تحنين مفهوم الفلسفة ومع هاذا فإ اا يمك اا
بصفة مامة أن مي اتجاهين رئيسيين:
االتجاه ارول:
ياارى أن الفلساافة هااي أساالوب للتفكياار وطريقااة للم اقأااة فااي ت اااول المأااك ت
لهااا مضاامون ملمااي يقااوم ملااا وتحليلهااا ومعالجتهااا وهااذا يع ااي أن الفلساافة لااي
مجمومة الحقائق كما هو الحال في باقي العلوم
االتجاه الثاني:
39
يرى أن الفلسفة هي أكثر من كو ها طريقة أو أسلوب للتفكير فهي إلاا جا اب
ذلك لها مباحثها الخاصة ومياني ها المعرفية
مباحث الفلسفة:
*االنطولوجيا (: )Ontology
أي نراسة طبيعة الحقيقة وتتعلق بالبحث في الوجون والكون والحياة واإل سان
ومااان المرانفاااات الأاااائعة ل طولوجياااا الميتافي يقاااا-ماااا وراء الطبيعاااة -اإللهياااات
الغيبيات
االكسيولوجيا :
-ملم األخ ق(أخ قيات اإل سان الأر الخير )
-ملم الجمال معايير الجمال واإل سان والبيئة
40
عالقة الفلسفة بالتربية:
التربية هي الموضو أما ملوم التربية فتعتبر الم هج أو مجمومة الم اهج التاي
وهاي كساائر مياانين المعرفاة والعلاوم اإل ساا ية ذات من طريقهاا الموضاو تنر
الصلة الوطينة بالفلسفة ملا اخت ف مذاهبها ومنارسها
فما هو الفرق بين التربية كموضو فلسفي وبين ملم التربيةإ
قبل القارن 19كا ات كال القضاايا المعرفياة تطارح ملاا مساتوى الفلسافة حياث
كا ت الفلسفة أم العلوم والمعارف كالفي ياء والطاب وغيرهاا مان العلاوم وكا ات مان
اختصاصات الف سفة إذ كا وا يعتقنون أن الفلسفة تجمع كل أيء
عالقة التربية بالفلسفة:
العامااة لل ظريااات فااي األس ا رو يااذهب بعااض المااؤلفين ماان بي ا هم جااايم
التربوية للقول أن ه اك م قة وطينة بين التربية والفلسفة إذ يعتبرهماا وجهاان لعملاة
واحنة أماا حان ف فارق بي هماا ملاا أ اا معاا ملاا أانة االرتبااط بحياث إذا حاول اا
نراسة التربية م ان اليو اا يين أو الصاي يين فإ اا ال ساتطيع نراساة التربياة الصاي ية
كذلك ال ستطيع التعرف ملا إبرا المفكرين نون التعرف ملا فلسفة كو فوأيو
أمثال سقراط وأريسطو وال ستطيع التعارف ملاا التربياة اإلسا مية نون التعارض
إلا القرآن الكريم والتعرف مليا
الاوحي مق اي أو ملاا أساا إن التربية تقوم ملا رافانين إماا ملاا أساا
لت،كيان رو والأر ومن ثم تعتمان ملاا الأار ومان األنلاة التاي جااء بهاا جاايم
فكرتا هي أ ا:
41
-1يرى أن التربية والفلسفة أيء واحن ألن التربية بنون فلسفة ال تكون إذ أ ها
تسااتمن مفاهيمهااا وموضااومها أو مفهااوم موضااومها ماان الفلساافة باال تسااتمن العقياانة
التربوية التي تحتويها ملا مجمومة المفاهيم والقيم التربوية
-2كون التربية تختلف في مفاهيمها وقيمها باخت ف المذاهب الفلسفية
-3كون التربية والفلسفة ك هما تعتمن ملا أينيولوجية واحنة
إن الع قة موجونة بين التربية والفلسافة لكان هاذا ال يع اي أ هماا وجهاان لعملاة
واحنة إذ أن ه اك فروق كثيرة تتمثل في:
*ت طلق الفلسفة من الأك وال سبية بي ما التربية ت طلق مان اليقاين وتخار مان
طاقا
*تعااالج الفلساافة اإل سااان المطلااق بي مااا التربيااة تعااالج اإل سااان كمااا هااو فااي أي
مان ومكان
*يمكن للتربية أن تلت م بالتربية كما يمكن أن ال تلت م بها
*يمكن للتربية أن تلت م بالنيا ات وهي ليست فلسفة
مجال الفلسفة التربوية:
أصاااب حت فلسااافة التربياااة مجاااال اهتماااام حياااوي لكثيااار مااان الف سااافة الغاااربيين
المأهورين فقن قانم أف طاون وأريساطو ولاوك وروساو وكا ات ونياوي خانمات
مظيمااة فااي هااذا المجااال حتااا أن نيااوي قااال" :يمكاان وصااف الفلساافة ب ،هااا ال ظريااة
العامة للتربية" فالفلسفة التربوية تعمل ملاا فهام التربياة فاي مجمومهاا مفسارة إياهاا
بواسطة مفاهيم مامة و ظريات
عالقة التربية بعلم النف :
42
إن التربية تت،ثر وتاؤثر فاي تاائج العلاوم األخارى وساوف قتصار مان م قاة
ال مو خاصة التربوي وملم ف مامة وبعلم ف التربية بعلم ال ف
و بنأ طرح السؤال التالي :ما نخل التربية بال سبة إلا ملم ال ف إ
هاو الميانان كماا أن ملام يمكن القول ب،ن مجال اللقاء بين التربياة وملام الا ف
هااو نراسااة الخباارة ال فسااية ومااا تطلبااا ماان نوافااع مختلفااة لكااي تتبلااور بأااكل الا ف
فعانة فأخصية و سلوك
بي مااا جاان التربيااة هااي األخاارى تحاااول أن تع ااا باإل سااان ماان حيااث هااو ذو
إمكا ات فطرية فسية جسمية وغيرها ليمكن لا التكيف األفضل مع المحيط الطبيعي
المسااامنة الموضااومية البيئيااة االجتمااامي… الااخ ال يسااتطيع التكيااف إال ملااا أسااا
التااي تقاانم لااا ماان طاارف اآلخاارين الراأاانين لكااي يج بااا األخطاااء ويأااجعون قنراتااا
العقلية والحركية ويسامنو ا ملاا الخبارة التاي تتبلاور فيهاا أخصايتا فالتربياة تهاتم
بهااذه األمااور فهااي تعاان اإل سااان ال ليسااتغل ثماارات األجاانان واآلباااء وكاال األجيااال
اإل سا ية بل ليساهم هو اآلخر في الجهن اإل سا ي في الب اء الحضاري بمع اه الأامل
والمربي ال يستطيع أن يعرف حاجات المربي إال بمعرفتا كما جن ملم الا ف
يحاااول أن يقاانم ل ااا معلومااات صااحيحة فمااا هااو مقاانار المعلومااات التااي يقاانمها ملاام
ال ا ف إ كمااا أن التربيااة تحتااا إلااا كاال العلااوم اإل سااا ية مااع اخاات ف فااي الطريقااة
والتربية تعتمن ملا النين بحيث تستمن مفاهيمها ومفاهيم اإل سان من النين كماا أ هاا
تعتمن ملا الفلسفة وتستمن مفاهيمها ومفاهيم اإل سان م ها
إن مياانان التربيااة هااو ملتقااا الطاارق الااذي تصاال إليااا كاال الروابااي-روابااي
حظ أن كل ماا لاا م قاة بالثقافاة المعرفة -ألن التربية كالعامون الفقري بحيث أ ا
والحضارة لا م قة بالتربية
43
الترباوي ذلاك أن إن االهتمام بالتربية واكبا تطاور هائال فاي مجاال ملام الا ف
التربوي يت اول االهتمام بالفرن في المواقف التربوية ملم ال ف
التربويين بالمأك ت التربوية مثل الممارسات التربوية ولقن اهتم ملماء ال ف
كالتعلم النافعية التوجيا التربوي التحصيل المنرسي وقياسا وتقويما
يهاتم بتطبياق مباانئ ملام الترباوي هاو فار مان ملام الا ف كما أن ملم الا ف
والتعلاايم و ظرياتااا وم اااهج البحااث الخاصااة بااا فااي مجااال التربيااة والتاانري ال ا ف
أو والتنريب وماا يظهار فياا مان مأاك ت وظاواهر فاي حاجاة إلاا نراساة أو ما
حلول ويهانف هاذا الفار مان كال هاذا إلاا رفاع كفاياة العملياة التربوياة أو التعليمياة
وجعلها أكثر مائنا وأقل تكلفة وأفضل جاحا
التربية واالنتروبولوجيا (علم اإلنسان):
إن الع قة بي هما وثيقة من حيث أن التربية تحافظ ملا هذا الميراث وت قحا وتعا ه
وتبسااطا وت قلااا لبجيااال ال حقااة وتعلاام األجيااال أيضااا كيفيااة التكيااف مااع الثقافااة
باإلضافة إلا أن األ ثربولوجيا تهانف إلاا نراساة سامات الحيااة االجتمامياة ومعرفاة
طبيعتها ومكو اتها إلمانة ب اء تاريخ المجتمعات أو تاريخ الحضارة مع تحنين معالم
التركيب التاريخي والحضاري لثقافة ما ومقار تها مع المجتمعات والثقافات األخرى
وه ا تنخل الع قات التربوية ونورها في مجمل هذه العمليات
إن مجمل العلوم األ ثروبولوجية سواء كا ت ثقافية أم اجتمامية أم في يقية ترك ملاا
أأكال الثقافة وأب ية المجتمعات نراسة اإل سان ككائن اجتمامي أو حضاري فتنر
البأرية من خ ل نراسة هذه المجتمعات األولية ومعالجاة ماا يساما ب ،مااط الثقافاة
البنائية والتربية هي العوامل األساسية التي يجب أخذها باالمتبار م ن نراسة التطور
الثقافي ألي مجتمع من المجتمعات البأرية
44
والتربية ما هي إال العملية التي تؤمن للفرن القانرة ملاا الات ؤم باين نوافعاا الناخلياة
وظروفااا الخارجيااة ال ابعااة ماان بيئااة ثقافيااة واجتماميااة معي ااة (هااذا مااا ينرسااا ملاام
االج تما التربوي) وهذا ما ترك األ ثروبولوجية ملا نراسة اإل ساان مان ال احياة
الثقافية والجسمية وتهتم بسلوك هذا اإل سان ضمن إطار اجتمامي ثقافي متراكم مبر
الصور
صلة التربية بالتاريخ:
التاااريخ يسااجل الجهااون الفكريااة لإل سااان فااي محاوالتااا تفسااير الحياااة البأاارية وفهاام
صلت ها بالوجون وهو ملم ضاروري ومهام للعلاوم اإل ساا ية ووجاون البعان التااريخي
يسااامن العمليااة التربويااةملا فهاام مااا ورثااا ماان الماضااي ومااا أمنتااا للحاضاار وكيااف
تخطط ل ط ق إلا المستقبل وأيضاا يساامن ملاا فهام المأاك ت التاي مارت ملاا
البأرية في مراحل تطورها واالبتعان مما هو غيار صاالص لتج باا والبحاث مماا هاو
ملااا المفاااهيم التربويااة التااي اتبعهااا اإل سااان قاانيما وكيااف مفياان وكااذلك اإلطاا
تطااورت إن التربيااة فااي م قتهااا مااع التاااريخ تكااون مااا يسااما بتاااريخ التربيااة الااذي
حركة المجتمعات البأرية وتفام تها وت،ثيرها ملا التربية ينر
التربية والبيولوجيا:
تعتبر البيولوجيا ذلك العلم الذي يبحث في نراسة الكائ ات الحية من ال احية العضاوية
وت ؤمها مع الوسط الذي تعيو فيا والتربية تبحث في معرفاة قاوا ين الحيااة العاماة
وال مو والتكيف وهي وثيقة االتصال ماع ماا ينرساا ملام األحيااء (البيولوجياا) وهاذا
أنى إلا وجون اتجاه بيولوجي في التربية وخاصاة فاي التركيا ملاا مفهاوم التكياف
45
المرن والمب ي ملا وجون نافع ناخلي يسعا إلا ت ؤم الكائن الحي مع مطالب البيئة
المحيطة با من مختلف أوجهها والتي هي جوهر الحياة فسها
التربية وعلم االجتماع:
الع قااة بي همااا وثيقااة وممااا ياانل ملااا أهميتهااا وضاارورتها وجااون مااا يسااما "ملاام
االجتما التربوي" الذي أ ،وتطور في القارن العأارين وهاو العلام الاذي يجماع ماا
بين ملم االجتما وملام التربياة ويعتبار أحان فارو ملام االجتماا العاماة والكثيارة
ويهاانف للكأااف ماان الع قااات مااا بااين العمليااات االجتماميااة والعمليااات التربويااة
ويسااتخنم ملاام اال جتمااا بامتباااره ملاام المجتمااع وملاام نراسااة الظااواهر االجتماميااة
وتفام تهااا المختلفااة لمسااامنة التربيااة فااي ت،نيااة مهامهااا ووظائفهااا وجميااع األس ا
مهمة فاي العملياة التربوياة ذلاك أن التربياة ال توجان فاي فاراو االجتمامية هي أس
وإ ما في مجتمع لا أسسا وم قاتا االقتصانية والثقافية والسياسية والتربوية كما أن
المجتمع محتا إلا التربية وخاصة أن التربياة تهانف فاي جملاة ماا تهانف إلياا إلاا
تكيف اإل سان مع مجتمعا بما فيا من أ ماط ثقافية ومانات مختلفاة وذلاك باساتفانتها
من ال تائج التي توصل إليها ملم االجتما وتسعا إلا تطبيقها في المينان
المحور الثالث :تطور الفكر التربوي
46
ال ظرية البراجماتية في التربية
اإلرسال 3 ، 2
48
المدرسة العليا لألساتذة في اآلداب والعلوم اإلنسانية
بوزريعة
السنة الجامعية
.2006/ 2005
49
-النظرية الطبيعية في التربية
-النظرية البراجماتية في التربية
53
وما لبثت التربية المسيحية أن واجهت خطوتين تطوريتين :األولى حركة إلحياء
العلوم األولى قام بها شارلمان وملوك جاءوا من بعده ،واعتبرت الحركة «أن التعليم
هو الوسيلة الوحيدة لتوحيد الشعب وتحسين أحواله ،ومن أجل ذلك عقدت صلة قوية
بين المعرفة الدينية الروحية والتعليم الحر» ،والخطوة التطورية الثانية هي الحركة
الكالمية المدرسية Scholasticismالتي أعلت من شأن المنطق األرسطي واعترفت
بإمكانية التوفيق بين الدين والعلم ،وإن جرى الخالف في تقديم أحدهما على اآلخر.
ولقد أثرت الحركة المدرسية في التربية مما ترتب عليه خروج المدرسة إلى كافة
أطراف المجتمعات وفئاتها ،وتوسعت المناهج «ولعل أهم وأعظم منجزات العصر
الوسيط هو نشأة الجامعات األوروبية وازدهارها ،ومن أمهات هذه الجامعات
األوروبية جامعة بولونيا في إيطاليا ،وجامعة باريس في فرنسا وجامعة أكسفورد في
بريطانيا».
وفي القرن السابع عشر الذي تميز نصفه األول بالحروب الدينية بين الكاثوليك
والبروتستانت ،نمت المفاهيم التربوية وتطورت نحو نزعة مؤسساتية شمولية عبرت
عنها الجمعيات المسيحية التعليمية ،ومن أبرزها الجمعية اليسوعية التي كان قد أسسها
انياس لوايوال في باريس عام 1534وتطورت في القرن السابع عشر.
في القرن المذكور ُوجدت مذاهب ثالثة :األول هو المذهب اإلنساني الواقعي الذي نقد
أتباعه النزعة الشيشيرونية ،ورأوا أن اآلداب الكالسيكية ليست مطلوبة بحد ذاتها إنما
هي وسيلة لكسب المعرفة ،وبالتالي تحقيق إنماء الفرد ،ومن أبرز أتباع هذه المذهب،
الشاعر اإلنكليزي جون ملتون الذي قال« :إني اعتبر التربية الكاملة الصالحة هي التي
تعد الرجل ألداء جميع األعمال ،الخاص منه والعام بعدل وإحكام في أيام السلم
والحرب» ،وقد وضع ملتون منهجا ً دراسيا ً قسم فيه مواد التدريس بحسب أعمار
المتعلمين.
والمذهب الثاني هو المذهب االجتماعي الواقعي الذي يرى التربية وسيلة إلعداد
«الجنتلمان» أي الرجل المتعلم المهذب أي الناجح اجتماعياً ،وقد ركز أتباع هذا
المذهب على ضرورة الرحالت واألسفار استعدادا ً لحياة عملية سعيدة وناجحة.
أما المذهب الثالث فهو المذهب الحسي الواقعي الذي قدم بذورا ً حقيقية للتربية
الحديثة ،وقام على احترام العلوم الطبيعية واستخدام المناهج العلمية للمعرفة ،هذا
المذهب يعتمد الوسيلة الحسية في اإلدراك ويرى ضرورة تحقيق إنماء شامل للطفل،
وأتباع المذهب هم أول من نادى بطريقة االستقراء في عملية التعليم ،وكان من أبرز
مفكريه فرانسيس بيكون ( 1561ـ )1626الفيلسوف التجريبي الذي آمن بهدف عملي
للمعرفة ورأى أن عدة عقبات تحول بين العقل البشري والمعرفة ،ومن أبرزها:
54
«أوهام القبيلة» وهي اإلرث الجماعي القديم عند الفرد و «أوهام الكهف» وهي ميول
الفرد الخاصة و«أوهام السوق» وهي تقاليد الجماعة وقصور وسائل االتصال اللغوي
و«أوهام المسرح» وهي العقبات العقيدية ،ورأى بيكون أيضا ً أن المنهج االستقرائي
التجريبي هو المنهج الناجع لدراسة الطبيعة والعلوم التجريبية.
وفي القرن السابع عشر برزت أيضا ً نزعة التهذيب الشكلي في التربية ،ويعتقد
أصحاب هذه النزعة أن التربية هي وسيلة لتدريب الملكات النفسية وتهذيبها ،وليست
الذات اإلنسانية سوى مجموعة من الملكات يجب تدريب ك ٍّّل منها على حدة باعتباره
وحدة مستقلة.
وحفل القرن التاسع عشر بنظريات تربوية هامة ،وأثر في تطور التربية إلى هذا الحد
عوامل منها ،جهود المفكرين السابقين وتطور الطرق العلمية بما يجعلها تشمل ميادين
الدراسات النفسية والتربوية ،والتوسع في مجاالت التعليم مع الثورة الصناعية،
والنظر إلى التربية باعتبارها وسيلة إلعداد المواطن الصالح.
آراء في التربية :
كانت التربية وما تزال ،تستحوذ اهتمامات العلماء ،وفي هذا ما يدعونا إلى
االطالع ،لتحقيق مزيد من التفاعل بين رؤية الماضي ورؤية الحاضر:
أفالطون :من أقدم الفالسفة الذين عنوا بالتربية وكتبوا عنها الفيلسوف اليوناني
أفالطون ،فقد بين في كتاب الجمهورية النظام التربوي الذي يختاره لمدينته الفاضلة،
وغرض التربية عنده هو أن يصبح الفرد عضوا ً صالحا ً في المجتمع ،وتربية الفرد
ليست غاية في ذاتها وإنما هي غاية بالنسبة للغاية الكبرى ،وهي نجاح المجتمع
وسعادته ،وهو يرى أن صالح الفرد ال يكون إال بمعرفته الخير وتقديره إياه.
أرسطو :يرى أرسطو أن الغرض من التربية هو أن يستطيع الفرد عمل كل ما هو
مفيد وضروري في الحرب والسلم ،وأن يقوم بما هو نبيل وخير من األعمال ،وبذلك
يصل الفرد إلى حالة السعادة.
فيتورينو دافلتر :من أشهر المربين اإليطاليين في عصر النهضة وهو يرى أن
الغرض من التربية هو تنمية الفرد من جميع نواحيه العقلية والخلقية والجسمية ال
لمهنة ،ولكن ليكون مواطنا ً صالحاً ،مفيدا ً لمجتمعه قادرا ً على أداء الواجب العام
والخاص ،وهذا الغرض شبيه بما ننادي به في القرن العشرين.
فرانسيس بيكون :فيلسوف انجليزي كتب في مواضيع شتى ،وغرض التربية عنده هو
أن يعود الفرد على طريقة الوصول إلى المعارف ،ال أن يجمع المعارف بأية طريقة
55
كانت ،وقد استخدم بيكون لهذا الغرض نوعا ً جديدا ً من األسلوب العلمي وهو
االستقراء.
جون كومنيوس :وهو احد رجال الدين ،ولد وعاش في مورافيا ،وقد أثرت تربيته
وحياته الدينية في آرائه التربوية ،والغرض من التربية ،يرى كومنيوس أن النهاية
التي يرمي إليها اإلنسان هي السعادة األبدية عند هللا ،وعلى هذا يجب أن يكون
الغرض من التربية تحقيق هذه السعادة ،واليتم ذلك إال بالتخلص من الرغبات
الفطرية ،ومقاومة الغرائز وتزويد الفرد بالرياضة العقلية والخلقية التي توصله إلى
هدفه ،وبقدرة الفرد على ضبط نفسه الذي يتم عن طريق المعرفة ،وعلى هذا أيضا ً
كان الغرض عنده تحصيل المعرفة والفضيلة والصالح ،وهذا الغرض يشبه ما كانت
عليه التربية في األزهر ،حتى عهوده األخيرة.
جون لوك :وهو من أنصار المذهب التهذيبي ،ويرى أن التربية لها أغراض ثالثة:
وهي التربية الجسمية التي ترمي إلى تقوية الجسم ونشاطه ،والتربية العقلية التي ترمي
إلى تزويد العقل بالمعرفة ،والتربية الخلقية التي ترمي إلى غرس الفضيلة في النفوس.
جان جاك روسو :هو زعيم المذهب الطبيعي الذي نقل مركز اهتمام التربية إلى
طبيعة الطفل وميوله ،والغرض من التربية عنده هو تكوين رجال كاملين ،ال تكوين
مجرد أعضاء في مجتمع.
بستالوتزي :وهو من رجاالت التربية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ،والغرض
من التربية عنده هو إعداد اإلنسان للقيام بواجباته المختلفة في الحياة ،فهو إذن يهدف
إلى غرض عملي اجتماعي ،يجمع بين إعداد الفرد ،وبين حاجاته في المجتمع الذي
يعيش فيه.
هربرت سبنسر :والغرض من التربية عنده هو إعداد الفرد لحياة كاملة ،أما عناصر
الحياة الكاملة فهي تزويد الفرد بتربية صحيحة ،وتربية مهنية ،وتربية عائلية ،وتربية
وطنية ،وتربية استجمامية.
التربية عند ديوي :فقد آمن ديوي بأن «التربية هي الحياة نفسها وليست مجرد إعداد
للحياة ،وهي عملية نمو وعملية تعلّم وعملية بناء وتجديد مستمرين للخبرة ،وعملية
اجتماعية ،ولتكون التربية عملية حياة ال بد أن ترتبط بشؤون الحياة ،ولتكون عملية
نمو وعملية تعلم وعملية اكتساب لخبرة البد أن تراعى فيها شروط النمو وشروط
التعلم وشروط اكتساب الخبرة ،ولتكون عملية اجتماعية البد أن تتضمن تفاعالً
اجتماعيا ً والبد أن تتم في جو ديمقراطي وجو اجتماعي صالح».
إن عامل الخبرة هو األساس في العملية التربوية عند ديوي وفي جميع نصوصه
التربوية يرد هذان التعبيران« :الخبرة والمهارة» ،إن الخبرة لديه هي وسيلة للتربية،
56
وينبغي أن تتميز الخبرة باالستمرار ،ولقد أهمل ديوي ذكر أهداف التربية ،ذلك أن
المتعلم في رأيه هو الذي يشارك مشاركة أساسية في تعيين هذه األهداف ،وهنا تبرز
نزعته الديمقراطية التي ترى أن غرض التربية هو تحقيق ذاتها ،وما سوى ذلك فهو
قرار يشترك في صياغته أطراف العملية التربوية جميعاً.
واعتبر ديوي أن المنهج التربوي يستند إلى أن مركز االهتمام هو خبرات التلميذ
ومهاراته ،وربط هذه الخبرات داخل المدرسة وخارجها ومراعاة الفروق الفردية،
يقول :إن التعليم الفعّال يتحقق عندما يكون الشيء المراد تعلمه يعني شيئا ً بالنسبة
للمتعلم.
التربية عند آالن :يوازن الفيلسوف الفرنسي آالن بين المألوف التربوي والمطلوب
اإلنساني ،معلنا ً ال إنسانية «المألوف» مركزا ً على أولوية التعلُّم ،مشيرا ً إلى أن هذا
كشف واكتشاف لكنوز وخبايا ،فهو مثالً يتساءل «كيف تتعلم إحدى اللغات؟» ،ثم
يجيب «بمؤلفيها الكبار ال غير ،وبالجمل المرصوفة جداً ،الغنية جداً ،العميقة جداً ،ال
بترهات مبادئ المحادثة» ،وغاية العلم األولى هي تطور العقل اإلنساني وإغناؤه
باستمرار ،ومعنى ذلك أن على العقل التخصص أي التثقف في شيء معين ،بدالً من
اللهث وراء كل شيء ،فتكون الحصيلة المعرفة مألوفا ً عاما ً ال يساعد على التقدم في
مقرراً« :إن المدرسة مكان رائع» يقول آالن ـ العمق ،وعلى هذا ،يكون دور المدرسة ِّ ّ
ويضيف« :وال استصوب أبدا ً أن تعلّق أشياء للنظر ولو كانت جميلة ،ألن االنتباه يجب
المجرد هو عالمه
َّ أن يلفت إلى العمل ،ليقرأ الطفل او ليكتب أو ليحسب ،إن هذا العمل
الصغير الذي يجب أن يكفيه» ،ويحسم آالن تحديد دور المدرسة بالعمل ،فالعمل عنده
هو المؤدي التربوي ،وهو بذلك المؤدي الصعب إن لم نقل األصعب واألخطر،
ويترتب على ذلك تعيين مهنة الطالب بالعمل الصعب ،وتعيين مهنة المربي بوصل
األفكار الجديدة بالقديمة ،وتتقاطع المهنتان هاتان فيما يسميه آالن مدرسة الشعور أي
المدرسة الطبيعية كاألسرة ،والمختلفة عنها في آن ،المدرسة التي تطور كمالها الذاتي
بنفسها.
من جهة ثانية ،ينتقد آالن السلوك الطفولي لدى الكبار ،فيرسم صورة المعلم الالمبالي،
القوي بذلك كأنه ال ُمناخ ،ويشير إلى ظهور العدالة التي تفوق المحبة في المدرسة،
ي ،ضروري وال مجال للمخادعة أمام فالفعل التربوي ،بنظر آالن ،هو فع ٌل وجوب ٌ
الضرورة ،ومن الضرورات هذه أن يتنبه الكبار لنوع عالقتهم بالصغار« :إن على
كبار األشخاص أال يلعبوا قط مع األوالد ،ويخيل إلي أن الموقف األكثر تعقالً هو
التزام األدب والتحفظ معهم على نحو ما يكون مع الشعب األجنبي ،عندما يجد الطفل
نفسه منفصالً عن أطفال في مثل عمره ،فإنه ال يلعب جيدا ً إال وحده» ،وينفي آالن
57
وجود الفكر الحق خارج المدرسة بمعناها التعلُّمي األوسع ،ويقابل الهندسة بالشعر،
بوصفهما مفتاحين للنظام في الطبيعة وفي النفس ،مادحا ً التناظم اإلنساني الشامل للعقل
والشعور في آن واحد.
المعلّم األكبر ،األول ،فهو الخبرة في كل حال ،ألن الحقيقة تحقق ،وما تبرزه ِّ أما
ّ ً
الخبرة حقيقيا ،وصحيحا يكتسب مصداقيته من وقوعه واختباره ،والمتعلم ،الذي ً
تصاغ شخصيته في الحضور المتصل بالماضي ،يحتاج دائما ً وأبدا ً إلى المستقبل ،أي
إلى االنطالق من المعطى المحدد إلى الالمحدد ،اآلتي ،ويحذر آالن مما يتعلمه
الجمهور على نحو خاطئ ،ألن الجمهور «يتخيل أن الحقيقة األخيرة هي التي تالئمه،
ولكن الحقيقة ال يمكن أن تفرغ هكذا من فكر إلى آخر ،وهي ليست شيئا ً إزاء ذلك الذي
لم يكتسبها ابتدا ًء من الظواهر »...وينتقد آالن االتجاه المشدّد على معرفة العالم
للمتعلم ،مفضالً على ذلك «معرفة ماذا نعلّم» بوصفها هي األهم في العملية التعليمية.
ويصل آالن إلى مقولة هامة تقول بجماعية أو اجتماعية التربية ،وحاجة اإلنسان
الدائمة إلى محيطه اإلنساني ،حيث التحاور والتخاطب بين البشر يولّد عندهم عوامل
التغيّر البطيء ،المتصاعد ،أو الطفرة ،وينصح آالن باستشفاف اإلنسان في سبيل
معرفته ،يقول« :إذا أردتم ان تعرفوا إنسانا ً فيجب أوالً أن تُجالسوه ،وان توقفوا
موجات الحرارة أو البرد ،والضجيج المسيء ابتدا ًء من صوتك أنت ،وبالتالي أن تزيح
جميع العقبات الصغيرة المعيقة ،وبعد ذلك تجد الطبيعة الثابتة »..ثم يعقد مقارنة أدبية
فريدة بين تاريخ األفكار (العقول) وتاريخ األدوات (األيدي) ،مبرزا ً وسيلتين للثقة
بالنفس :التدريب والتعليم كنقيضين ،فالتعلم ال يفوق المعرفة ،ألن فيه كثيرا ً من التقليد،
وصورته اآللة التي توجه إليه وكأن التعلم يد آلية ،أما مصدر الثقة ،مرجعها
االجتماعي ،فاثنان :المدرسة والمصنع ،المدرسة تجعل اإلنسان يثق بنفسه ،والمصنع
يجعله ال يثق بنفسه أبداً ،وبهذا النمط التقريري أيضاً ،يطرح آالن مسلسالً مألوفا ً من
والمجرد إلى
ّ الشعارات التربوية مثل «السير من المعلوم إلى المجهول» «من البسيط
الحسي والفردي»« ،كل معرفة حقيقية اختبار» الخ ،ثم يم ِّيّز بين مهنة المعلم ومهنة
المفتش ،مظهرا ً أن األخير يتولى التحقق من كون التالمذة تعلّموا شيئاً ،ومن كون
ويحرض على القراءة بالنظر ،ويشجع على اإلمالء الذاتي (اإلمالء ِّ ّ المعلم يعلّم،
يحرض على الفتنة ّ الصامت) ،والسلوك العرفي والعادي في التعلُّم ،ألن «الشذوذ
والرعب حول اإلنسان وفي اإلنسان ،..فيجب إذن على اإلنسان أن يلبس تبعا ً للعرف،
ويسلّم تبعا ً للعادة ،ويتحدث وال يصيح ،ويكتب في النهاية تبعا ً ألصول اإلمالء :يقال« :إن
ضبط اإلمالء عسير ،ولكن الرقص والتأدب عسيران أيضاً ،إنهما مفيدان عندما يعرفهما
اإلنسان ومفيدان ،كذلك ،عندما يتعلَّمهما».
58
ارقوام الب ا يون التربية ل
إن التربية في المجتمعات البدائية-التي عاشت منذ خمسة أو ستة آالف سنة ،قبل
اختراع الكتابة وقبل أن تصبح للتربية مدارسها ومؤسساتها الخاصة بها -تمتاز
ببساطتها وبدائية وسائلها ،مثلها في ذلك مثل الحياة العامة التي كانت تحياها تلك
المجتمعات البدائية في فجر الحضارة اإلنسانية .وتلك المجتمعات وإن تباينت في كثير
من األمور فإنها تتشابه في كثير من المميزات العامة التي من شأنها أن تلقي ضوءا
على طبيعة العملية التربوية وعلى أهدافها في تلك المجتمعات .ومن بين تلك المميزات
العامة نسبة الحياة إلى الجماد أثناء تفسيرهم للبيئة المحيطة بهم ،فكان الرجل البدائي
يعتقد أن وراء كل قوة مادية قوة أخرى غير مادية هي القوة الروحية .ومن هذه
المميزات أيضا بساطة الحياة البدائية وقلة مطالبها حيث أنها ال تعدو إشباع حاجات
الجسم من طعام وشراب وكساء ومأوى ،وإال من ضد عالم األرواح .ولما كانت عملية
التربية في تلك المجتمعات ال تختلف عن عملية الحياة نفسها ،فإن أهدافها هي األخرى
كانت نفس أهداف الحياة العامة .ومن أبرز األهداف العامة للتربية البدائية :المحافظة
على الخبرة اإلنسانية والتقاليد السائدة ،وتحقيق المطالب التي يتوقف عليها استمرار
حياة الفرد وأمنه النفسي .والتربية البدائية على هذا تتكون من عمليتين رئيسيتين ،هما
:
-اإلعداد الالزم للحصول على ضروريات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومأوى،
ولتمكين الفرد من نفسه وممن يعتمدون عليه ومن بناء عالقات طيبة مع أفراد قبيلته.
-تدريب الفرد على ضروب العبادة التي يستطيع بواسطتها أن يرضي عالم
األرواح وينير إرادته الطيبة وبذلك يحقق لنفسه األمن والسالم .وإذا كانت الناحية
األولى هي عماد التربية العملية لدى الرجل البدائي فإن الناحية الثانية هي عماد التربية
النظرية عنده.
تلك هي طبيعة العملية التربوية في المجتمعات البدائية .وهدف التربية في ضوء هذه
الطبيعة-هو تحقيق التوافق واالنسجام بين الفرد وبيئته المادية والروحية .ولتحقيق هذا
الهدف ،كانت تعتمد على التلقين والتدريب العملي والتقليد الالشعوري فمن خصائصها
أنها كانت تتم بطريقة غير مقصودة ،بمعنى أنها غير مقصودة ،بمعنى أنها ال يتولى
القيام بها معاهد ومؤسسات خاصة بها ،بل يقوم بها المجتمع بأسره .كما أن من
خصائصها أيضا أنها تربية مباشرة تتم عن طريق الخبرة العملية واالشتراك النشيط
للمتعلم أثناء تقليده لما يقوم به الكبار من نشاط ،سواء في سبيل إشباع حاجاتهم
الجسمية ،أو في سبيل حاجاتهم الروحية .ثم إن من خصائصها أيضا غلبة روح
59
المحافظة عليها وسلبيتها حيث أنها كانت تسعى الستمرار العرف السائد في الجماعة
دون تغيير أو تعديل ،وتحاول تشكيل الفرد بالثقافة المحيطة به تشكيال ثابتا سلبيا
وتؤدي به إلى أن يتشرب ويستبطن كل األوضاع القائمة في مجتمعه دون أن يحاول
تغييرها أو تعديلها ودون أن يكون له مجال للحرية واالختبار .إذن أهم ما يميز التربية
لدى ا ألقوام البدائية ،أنها تهدف إلى أن يقلد الناشئ عادات مجتمعه وطراز حياته تقليدا
عبوديا خاصا ،فالطفل عندهم يتدرب على األعمال التي تمارسها القبيلة كأعمال
البيت ،وصناعة األدوات الضرورية ،وحياكة األقمشة ،والصيد والحرب ،وحمل
السالح ،والرعي ،والزراعة ،فهي بهذا تعتبر تدريبا آليا تدريجيا على معتقدات األسرة
االجتماعية وعاداتها وأعمالها ،غير أن تربية الجنس البشري لدى األقوام البدائية
احتلت مكان الصدارة فيها الخصائص الثالث المتمثلة في اإلله والطقوس واللغة ،وأن
الذي يمارس التربية كما الحظ المربي األمريكي ديوي المجتمع بأسره بصورة غير
مباشرة تتمثل في عمليات التمثيل والرقص والتقليد التي يقوم بها الصغار محاكاة
الكبار لغرض نقل حركاتهم وتصرفاتهم ،إال أن هناك طقوسا تلي الوالدة مباشرة،
وهي مظاهر لدمج الوليد بزمرته التي ينتمي إليها ،فالوليد يبقى في أيام حياته األولى
في حضن وكنف النساء وبالتالي فهو ال يندمج بالصورة المطلوبة في مجتمعه ،لذلك
فإنه ال بد من وجود طقوس جديدة لتحقق له االندماج ،وهذه عادة ما تكون عند البلوغ،
وهذه الطقوس تغير حياته وتعتبر والدة جديدة بالنسبة له ،ويتم إعداد هذه الطقوس
لفترة طويلة ومراقبة دقيقة يقوم بها شيوخ القبيلة ،وهم الذين يتولون في نهاية األمر
الحفاظ على المعتقدات والطقوس التقليدية .وهذه الطقوس تجعل الخاضعين لها يتلقون
تجارب قاسية وأليمة ،وكثيرا ما يتم إجبارهم وإكراههم على الخضوع والصمت
والصوم ،وكثيرا ما يطلب إليهم أن يتلقوا تعاليم تنقل إليهم تقاليد مرعبة مخيفة .ويقول
هامبلي أن هذه التجارب والمحن القاسية مفيدة جدا وضرورية لدى المجتمعات التي
يتطلب تحصيل القوت فيها الكثير من العناد واإلرادة الصلبة.
والتربية البدائية ال تميل للقسوة إال فيما يتعلق بالطقوس.
واألقوام البدائية بالنسبة للتربية الجسدية يتركون ألوالدهم الحرية حيث يركن هؤالء
األوالد إلى الكثير من األلعاب الممتعة التي يتم فيها تقليد الكبار ،حيث يتدربون عليها
منذ نعومة أظفارهم ،ففي المجتمعات المحاربة يسهمون في صنع السيوف والرماح
والقسي وأدوات الحرب وآالته ،ويقلدون الكبار فيما يقومون به من معارك ،أو
ينصبونه من كمائن.
أما في المجتمعات المسالمة فهم يقلدون الكبار في النسيج وبناء األكواخ وصنع
األواني والصيد والتجديف ،وهم بهذا ينمون أفكارهم ،ويشبع خيالهم حتى درجة
60
اإلبداع .وفيما يتعلق بالتربية الفكرية لدى األقوام البدائية فهي تختلف تبعا لجنس الطفل
ولطراز حياة القبيلة.
وتمتاز األقوام البدائية بإدراكات حسية ،فالسمع مرهب ،والبصر حاد ،والشم قوي،
ينافس الكالب ،والخيال حاد يقظ ،والذاكرة قوية.
أما عن التربية الخلقية والدينية فاألجداد واآلباء يحرصون بشدة على نقل مبادئ
السلوك السوي والتصرف السليم إلى أبنائهم ،واألوامر عندهم تتصل بتقديس األجداد
واحترام الشيوخ واآلباء والشرف.
62
النظرية المثالية في التربية
الفلسفة المثالية :
يعتمد النموذج المثالي الذي يشكل مناهج التربية لدى المثاليين على رؤية
أفالطون من أن األفكار أبدية وأزلية ونهائية ،وهي لذلك في غاية األهمية .وليس
المقصود باألفكار هنا -بالطبع -تلك الخواطر العقلية التي يترجمها العقل من الرموز
اللفظية ،ولكن أفالطون يقصد بها في هذا المقام جوهر األشياء والمثل العليا الموجودة
في العالم العلوي ،والتي يقاس بها كل شيء في هذا العالم المادي .إذا كانت األشياء في
هذا العالم المادي من وجهة النظر هذه تعرف عن طريق الحواس ،فإنها قد صيغت
على مثال سبق عند خلق الكون ونبعت فكرتها من خالقه .والعقل وحده هو الذي
يستطيع أن يحكم عليها بأنها مطابقة للنماذج المثالية التي وضعت أزال أم ال .وبهذا
المعنى ،فإن األفكار أزلية ال تقبل التغير أو التطور .ومها قيل من أن عناصر هذا
العالم مستحدثة ومتغيرة تبعا للظروف والمالبسات التي تظهر من آن آلخر ،فإن
األفكار واألشكال المثالية التي صيغت على مثالها هذه العناصر الموجودة في عالمنا
موجودة من األزل وستظل إلى األبد دون تغير أو تطور.
حقيقة المذهب المثالي :
"المذهب المثالي" من مذاهب التربية الغربية فهو ـ في حقيقته ـ صدى لفلسفة
أفالطون ،وتعبير عن نظريته المسماة بـ "المثل" ،ومؤدى هذه النظرية أن ثمة عالمين
اثنين :عالما ً حسيا ً يتألف من "األجسام" ،وعالما ً معقوالً يتألف من المجردات التي هي
"ال ُمثُل" .وبناء على ذلك قال الغربيون :إن اإلنسان يعيش في عالمين :عالم مادي
متغيّر ،وعالم روحاني خالد ،وهذا األخير هو عالم المثل العليا التي تشكل الهدف
األسمى للتربية والحياة .وهكذا رأى الغربيون في اإلنسان جانبيْن :جانبا ً روحيا ً
سامياً ،وجانبا ً جسديا ً تحكمه النوازع الدنيا والشهوات ،وهذان الجانبان كالخطين
المتوازيين يتجاوران وال يلتقيان ،ويتناقضان وال يتكامالن ،وهو ما أدى إلى قيام
سلطتين في بالد الغرب :سلطة روحية تشرف عليها الكنيسة ،وسلطة زمنية قوامها
حكم الواقع مفصوالً عن الدين ،وترتّب على ذلك االعتقاد بأن اإلنسان ْأولى بالدرس
من العالم الخارجي ،وأن العلوم اإلنسانية أهم من العلوم الطبيعية.
أن دراسة الغربيين لإلنسان ـ سواء قُدِّّمت أم أ ُ ّخرت ـ في ظل عقيدتهم القائمةعلى ّ
على فصل الدين عن الحياة ال تأتـي بخير ،ألن المقدمات الخاطئة ال تقود إلى نتائج
63
صحيحة؛ ولذا لم تستطع الدراسات الغربية في مجال النفس والتربية واالجتماع الرقي
س ّميت باسم العلم ،وهو ما يؤكده إخفاق الغربيين في وقف إلى مستوى العلم ،وإن ُ
التدهور السلوكي الذي يُنذر المجتمعات الغربية بأوخم العواقب.
والنظرة المثالية الغربية بما ترتب عليها من فصل بين الدين والحياة خاطئة
ومدمرة ،وهي ـ كما يقول (علي عزت بيجوفيتش) رئيس جمهورية البوسنة والهرسك
في كتابه المعروف ( :اإلسالم بين الشرق والغرب) ـ هي المسؤولة عن إخفاق
األيديولوجيات الكبرى في العالم؛ فهذه النظرة هي التي شطرت العالم شطرين
متصادمين بين مادية ملحدة ،وكاثوليكية مغرقة في األسرار ،والصواب أنها "وحدة
ثنائية القطب ،تضم القضيتين المتصادمتين في العقل الغربي أال وهما :الروح والمادة،
السماوي واألرضي ،اإلنساني والحيواني ،الدين والدنيا .وهذان المتناقضان يوجدان
معا ً وجود تفاعل وتزاوج وتكامل ..كما تتفاعل ذرات األوكسجين مع ذرات
اإليدروجين لتنتج الماء الذي يشرب منه اإلنسان والحيوان والنبات".
وقد نبّه بيجوفيتش على أن طبيعة العقل األوروبي (أحادي النظرة) كانت سببا ً
في عجزه عن فهم حقيقة اإلسالم؛ ولذا أنكر الغربيون اإلسالم لسببين متعارضين؛ فقد
أنكره الماديون منهم بوصفه اتجاها ً يمينيا ً أي دين غيبيات ،بينما أنكره المتدينون ألنهم
رأوا فيه اتجاها ً يساريا ً أي حركة اجتماعية سياسية.
وال تغني عن المذهب المثالي دعـواه أنه إنما يريد ـ من خالل التربية ـ أن
يحيط الط فل بالمثل العليا؛ ألنه ال يدري ما المثل العليا على وجه التحديد .يقول سير
برسي نن " :نستطيع أن نحكم بأنه ال يمكن أن يكون هناك غرض عام للتربية ما دام
هذا الغرض يحقق ُمثُالً عليا؛ ألن هذه المثل تتعدد بتعدد األفراد ".
وهذا االتجاه العقلي للفلسفة المثالية قد وضع العقل-بال شك -في مرتبة ذات
أهمية كبرى ،بحيث ال يكون العقل شيئا آخر غير الروح مادام يشارك في طبيعة
المطلق .وبالرغم من وجود الجسم والبيئة االجتماعية والطبيعية إال أنهما في النهاية
يدخالن في دائرة العقل ويذوبان داخله .ولذلك فالطبيعة اإلنسانية ال ينظر إليها على
أنها جسم منفصل يستجيب لدوافع بيئية ،ولكنه جوهر ال يتأثر بعامته إذا تأثر جزءه.
ولهذا تنادي هذه النظرية بتربية اإلنسان من جميع جوانبه حتى يصبح كال مستقيما،
ولكن يبقى العقل هو صاحب االهتمام األكبر في مناهج هذه النظرية.
إن الواقع بالنسبة للمثالي هو عالم العقل ،والواقعية شيء خيالي أو روحي
وليس ماديا ،ويعتقد المثاليون أن الطبيعة تعتمد على العقل الشامل هلل .وبناء على هذه
النظرة ،فالتعلم ليس ابتكارا وإبداعا -ولكنه تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة
والخير والمثل التي وضعت سلفا .وليست قيمة األفكار مبنية على ما لها من أهمية في
64
حياة التالميذ أو ضرورة في إنجاز مشروعاتهم ،أو في ترقية حياتهم ،بل إن قيمة
األفكار في ذاتها ،حيث إنها تصور الواقع الممثل للحقائق الالنهائية ،ومن أجل ذلك
فاألفكار جديرة بالتعلم .وهي تستحق أن يكون تعلمها هدفا في حد ذاته.
والمثالية –عموما -وثيقة الصلة بالدين .وتؤمن هذه النظرية بأهمية الحق
والخير والجمال .ويهتم المثاليون بالرياضة البدنية ،ال من أجل الجسم ،فهم ال يهتمون
بالمادة ،وإنما من أجل العقل.
إن أصحححاب هححذا االتجححاه يهتمححون بالمثححل العليححا بالدرجححة األولححى ..فهححم ينظمححون
تجارب الجنس البشري ويركزونها ليقدموها لقمة سائغة إلى الطفل.
وهذه الخبرة بحسب مروجي النظرية هذه هي نوعين منها ما يختص بالبيئة
الطبيعية ومنها ما يختص باإلنسان أي العلوم واإلنسانيات.
وتعتبر المثالية من أقدم الفلسفات في الثقافة الغربية ،التي ارتبط ظهورها
ارتباطا وثيقا بزعيمها المفكر اليوناني أفالطون ،وهي كما عرفها الالند " :االتجاه
الفلسفي الذي يرجع كل وجود إلى الفكر بالمعنى األعم لهذه الكلمة " .بمعنى آخر هي
المذهب الذي يقول أن األشياء الواقعية ليست شيئا آخر غير أفكارنا ،وهي الفكرة التي
نجدها عند أفالطون في المثل العليا ،إذ يرى أن أنفسنا كانت تسبح في هذا العالم ،أين
عرفت أسماء األشياء بصورتها التامة ،الكاملة ،قبل نزولها إلى األرض .وولوجها في
الجسد أنساها أسماء األشياء ،فأصبحت تحاكي ما رأته وتعلمته في المثل العليا أو
العالم الحقيقي ،ومن أبرز أعالمها :أفالطون.هيجل...الخ.
ولد أفالطون في سنة 427ق.م في جزيرة قريبة من شاطئ أثينا ،واسمه في
األصل أرسطوقليس .ينحدر من أشراف أثينا ذوي المنزلة والثراء .تعلم القراءة
والكتابة ،حفظ شعر هوميروس ،ومبادئ الحساب والهندسة والموسيقى .كان ذو ذكاء
حاد ،عميق الفكر ،حسن الحديث ،بارع النكتة ،ومحبا للجمال .عاش حتى الثمانين من
عمره ،توفي سنة 347ق.م.
لقد قسم أفالطون المجتمع إلى ثالث طبقات :
-طبقة الحكام ويتميزون بالحكمة ،ويسييرون شؤون الدولة.
-طبقة الجند ،ويتميزون بالقوة ،وتسهر على أمن الحكام.
-طبقة العبيد ،وهي الطبقة الخادمة ،التي تقوم على خدمة طبقة الحكام.
وعلى كل طبقة احترام الطبق األعلى منها ،فال يجوز مثال لطبقة العبيد التطلع
إلى طبقة الجند أو الحكام ،وكذا الحال بالنسبة لطبقة الحكام فال يجوز للحاكم أن ينزل
إلى طبقة الجند أو العبيد ،فما خلق إال ليكون حاكما ،وليحكم الشعب وعليه وضع
الرجل المناسب في المكان المناسب ليقوم بالعمل المناسب.
65
المنهاج وطريقة التدريس في نظر المثالية :
يرى المثاليون أن المنهاج (المنهج) الذي يدرس للتالميذ ينبغي أن يكون
موضوعات ثابتة غير قابلة للتطور وتنقل من جيل إلى جيل .حيث تعمل على توسيع
فهم الطفل للكون ولإلنسان نفسه ،فتنظيم قدرات الطفل وتنمية ذكائه يمكن أن تتحقق
من دراسة الفنون الحرة والقراءة ،وكذا اإلطالع على الكتب العظيمة التي أنتجتها
عقول الحكماء والمفكرين التي يمكن أن تخلق اإلنسان المثالي وتوسع فهمه للكون
ولذاته.
ومن ثم يجب أن يوجه اهتمام أكبر إلى دراسة مواد معينة كالتاريخ واألدب
وا لفلسفة تهتم بالمشاكل الدائمة لإلنسان ،وتعبر عن اعتقاداته وأفكاره على مر
العصور التاريخية ،وهي تعتبر كنزا للمعرفة والحكمة وتراثا معرفيا.
ولقد اهتمت المثالية بالمادة الدراسية أكثر من اهتمامها بالمتعلم ،فهي ال تقيم
وزنا إال للمعرفة والحقيقة أما التلميذ فقد ال يكون له قيمة على اإلطالق ،فمنهج
المدرسة المثالية هو منهج مقفل يعتمد على المعرفة والكتاب ويتقيد بحدود ال يمكن
تعديلها ،حيث يبقى القديم على قدمه للحفاظ على المعرفة والتراث ونقله إلى عقول
المتعلمين .وال تؤمن المثالية بأهمية النشاطات الخارجة عن الكتاب في منهجها
الدراسي ألن مثل هذه النشاطات ال تساهم في تدريب عقول التالميذ وملئها بالحقائق،
بل تهتم بجوانب أخرى ليست موضوع اهتمام المثالية.
أما النظام المدرسي ،فقد أصبح المدرسين يواجهون مشكلة بحيث أن الجسم
والعقل نوعان مختلفان ،فإنهما يسلكان مسالك متعارضة تعوق بعضها البعض ،فالطفل
ال يستطيع أن يذهب إلى المدرسة بعقله فقط فال بد أن يحمل معه جسمه.
إذا أصبح ينظر إلى التلميذ على أنه شيء أو باألحرى آلة تتلقى المعارف
بالطريق اإللقائية في سكون وهدوء ،فإذا حاول أن يحرك جسمه قسا عليه المدرسون
بالعقوبات البدنية المختلفة ،وبذلك كان التلميذ المثالي هو الذي يجلس صامتا ساكنا،
حتى يعمل عقله على استيعاب المعلومات .ومنه كان هدف التدريس ليس حمل التلميذ
على معرفة مجموعة من المعلومات بقدر ما هو محفز له على اكتشاف معناها لنفسه،
عن طريق خبراته الشخصية السابقة ،بحيث يصبح لما يتعلمه معنى ومغزى.
المعلم :
المعلم في نظر المثالية ينبغي أن يكون فيلسوفا مفكرا كسقراط ،وغيره من
الفالسفة ،وقد ركزت المثالية على دور المعلم ،وجعلته يحتل المركز الرئيسي في
العملية التربوية ،في حين نظرت إلى المتعلم نظرة سلبية ،فالمعلم يجب أن يكون قدوة
لتالميذه بما يملكه من معارف وخبرات واسعة ،تجعل الطالب ينهلون منهله ،بمعنى
66
على المعلم أن يكون موسوعة يعمل على إيصالها إلى الطلبة ،وأن يكون مخلصا جادا
في عمله ،والمعلم بفطنته وبصيرته يعمل على كشف استعدادات تالميذه ،وبذلك
يعطيهم القدر المناسب من المعارف ،وتقتصر عملية التعليم على التذكر واالسترجاع
لذا يجب على المعلم في نظر أفالطون تنمية هذه القدرة.
النقد :
لقد غال أفالطون في تربيته المثالية وطريقة التدريس إلى درجة يصعب
تحقيقها على أرض الواقع ،فمثال تربية أفالطون لألطفال على أساس الفضيلة حتى
يصبحوا خيرين ،تناسى أن في اإلنسان بذرتين ،بذرة الخير وبذرة الشر ،ويستحيل أن
نجد شخص خير محض ،كما أن نظام الطبقات الذي فرضه أفالطون على المجتمع
فيه ظلم لفئة عن فئة.
كما فصل أفالطون بين الجانب العقلي والجسمي ،بل حتى أنه فصل الجانب
العقلي وأعطاه األهمية أكثر من اهتمامه بالجانب الجسمي ،وكأننا نستطيع أن نتصور
اإلنسان بعقله دون جسده.
المثالية كفلسفة تربوية أكدت على:
-الجانب المعرفي وأهمية المعرفة بالنسبة للمتعلم.
-االهتمام بالثقافة والحفاظ عليها.
-وضع المعلم في مرتبة سامية واعتباره أهم عنصر في العملية التربوية.
-التأكيد على أهمية الجوانب الخلقية والدينية في تنمية شخصية المتعلم .
غير أنها فشلت و قصرت في:
-فهم طبيعة المتعلم (النظر إليه على أنه عقل أو روح خالصة ،االهتمام بالمعرفة
أو تنمية العقل فقط).
-اقتصار األهداف التربوية على تدريب عقل اإلنسان دون النظر إلى الجوانب
التي تتصل بالنواحي الجسمية .
-النظر إلى التلميذ على أنه سلبي يتلقى المعلومات التي يلقيها عليه المعلم (آلة)
وكذا استخدام العقوبات البدنية ال يتفق مع ما تذهب إليه الفلسفات األخرى ،فالموقف
التعليمي موقف تفاعل و ليس موقف جامد ثابت فيه طرف ايجابي هو المعلم و آخر
سلبي هو التلميذ.
72
ببغداد للتعليم العالي :الذي يعتبر أول معهد هام في اإلسالم ،فكان مكانا ً للترجمة
ومجمعا ً علميا ً ومكتبة عامة ،وكان فيه مرصد متصل به لتعليم الفلك.
ظام الملكظامية" التي أسسها نِّ َ وكان أول مجمع علمي حقيقي هو" المدرسة النَّ َّ
والتي اهتمت بحاجات الطلبة البدنية ،وأصبح فيما بعد نموذجا ً لمعاهد التعليم العليا .أما
المدارس فقد نشأت في العصر العباسي وانتشرت في البالد اإلسالمية وتنوعت.
وكا نت التربية اإلسالمية تعنى بالمعلم الذي ستوكل إليه مهمة التعليم عناية خاصة،
حيث كانت شديدة الفطنة لما يجب أن يؤخذ به في هذا السبيل ،فعنيت أول ما عنيت
ببيان ما يجب أن يتحلى به المعلمون من مكارم األخالق ومحاسن المزايا ،يقول ابن
سينا" :ينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقالً ذا دين ،بصيرا ً برياضة األخالق ،حاذقا ً
بتخريج الصبيان ،وقوراً ،رزيناً ،حلواً ،لبيباً ،ذا مروءة ونظافة ونزاهة".
ولقد رسم كثير من األئمة شخصية المعلم بدقة وحددوا أبعادها النفسية وأفاضوا
في الصفات التي يجب أن تتوافر في المعلم والواجبات التي ينبغي أن يلتزم بها
المربون نحو طلبتهم .فقد كان على المعلم أوالً االطالع والتنقيب والمراجعة.
والعنصر الثاني في عملية التربية هو التلميذ ،وهو العنصر األهم ،فلقد اهتم
أساتذة التربية العربية بكل ما يساعد التلميذ على التعلم ،فالغزالي يرى أن من آداب
الطالب أن يقلل عالئقه من االشتغال بالدنيا ،فإن العالئق شاغلة وصارفة ،ويستدل
على وجهة نظرة هذه ببعض المأثورات التي تقول إن" العلم ال يعطيك بعضه حتى
تعطيه ُكلَّك" .كما اهتم األئمة بالمناظرة التي تساعد التلميذ على تنمية قدرته على
التعبير عن نفسه وترتيب أفكاره وتجديد نشاطه التلقائي .ومن العوامل المساعدة على
التعلم :اختيار الوقت وتحديد الساعات المالئمة للقراءة .وأما المكان المناسب للدراسة
والحفظ فأجود أماكن الحفظ هي الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات .ومن العوامل
األخرى التي دعوا إليها أالّ يكتفي الطالب من االستفادة وأن يكون دائما ً مستعدا ً
لتحصيل العلم وأالّ يتكبر على العلم وال يتآمر على المعلم فهو لن ينال العلم إال
بالتواضع وإلقاء السمع .كما أن األئمة قد نصحوا الطلبة أال يدركهم الحياء من سؤال
ما يُ ْش ِّكل عليهم ألن االستحياء يفوت عليهم مصلحتهم .كما اهتموا أيضا ً بالفهم فال
ينبغي أن يكتب المتعلم شيئا ً ال يفهمه فإنه يُذهب الفطنة ويضيع أوقاته ،وإذا تهاون في
الفهم يعتاد ذلك فال يفهم الكالم اليسير.
أما بالنسبة ألساليب الدراسة كما هو متبع في القرن الرابع الهجري ،أي تنظيم
الوقت الدراسي للتالميذ ،فقد كان الصبي يذهب مبكرا ً إلى ال ُكتّاب فيبدأ بحفظ القرآن ثم
يتعلم الكتابة ،وعند الظهر يعود إلى المنزل لتناول الغداء ثم يرجع بعد الظهر ويظل
حتى آخر النهار ،وكانت عطلة الصبيان تبدأ من ظهر يوم الخميس وسحابة يوم
73
الجمعة ثم يعودون في صباح يوم السبت .كان الطفل يذهب إلى المكتب وسنه قريبة
من السابعة ثم يقضي ما يقارب ثالث سنوات أو أربعا ً في استظهار القرآن والوقوف
على أصول الدين وتعلم بعض مبادئ اللغة والشعر ،وبعد ذلك ينقل إلى المدارس .أما
منهج المرحلة التالية فكان يشتمل على القرآن والتفسير والفقه والنحو واألدب والشعر
والحساب والهندسة والحديث.
ً
وتشتمل مرحلة التعليم الثالثة علوما متنوعة كالطب والكيمياء والرياضيات
والفلك والطبيعيات واإللهيات والمنطق والموسيقى والحيوان والنبات .وقد جرت
طريقة التدريس في تعليم التالميذ على ثالثة أساليب هي :اإللقاء الذي يمكن أن يسمى
(المحاضرة) ،واإلمالء أو التلقين ،ثم المناقشة أو المذاكرة أو المناظرة .وقد فطن
األئمة إلى أن من شروط التفكير الصحيح أن تكون األلفاظ صحيحة محددة في الذهن
ألن تجارب الطفل محدودة وانتباهه ضيّق المجال ،والمعلم هو الذي يساعده على ربط
األشياء بعضها ببعض وعلى فهم ما ال يعلم في ضوء ما يعلم .والمدرس ال يستطيع أن
يجعل تالميذه مهتمين بموضوع ما اهتماما ً عميقا ً إال إذا كان هو نفسه مهتما ً كل
االهتمام بهذا الموضوع ومتحمسا ً له ،فالمدرس العالم هو وحده القادر على تزويد
ِّسواه بالعلم.
ويرى خالد روشه أن العملية التربوية تظل قاصرة عاجزة على أن تؤتى
ثمارها مادامت الحركة اإلسالمية لم تستطع أن تنتج المربين األكفاء الذين يستطيعون
التطبيق العملي لألطر النظرية المنهجية للعمل اإلسالمي.
وعملية إنتاج المربي الكفء عملية معقدة للغاية تتشابك فيها عدة محاور
إنسانية واجتماعية ونفسية تخرجها عن كونها عملية معملية قياسية بالمعنى الذي ينص
عليه المنهج التجريبي العلمي المعملي..فالعناصر اإلنسانية المتكاثرة -كمدى رسوخ
العقائد والقيم والمبادئ الشرعية ومدى االستقرار النفسي للمربي وقربه أو بعده عن
الشخصية السوية ومدى تشربه لألخالق النبوية ومدى االستعداد للبذل في سبيل تلك
العقائد والقناعات -والتي ال يمكن اختبارها معملياً ،حيث يستحيل تثبيت بعض
العوامل المؤثرة في االختبار وتغيير األخرى تجعل هناك ما يشبه االستحالة في قبول
معادالت كتلك المعادالت الكيميائية ثابتة النتائج أو التطبيقات الفيزيائية ثابتة التجريب
في عملية التربية اإلنسانية!
وإذا اعتبرنا العملية التربوية الناجحة هي " ما يجب أن تقوم على عدة خطوات
متتالية ومتجانسة ومتبادلة بين القائم بها (المربي) والمستقبل لها (المتعلم أو المتربي)
وأن يكون ذلك في إطار نظري منهجي مقبول يعتمد على أساليب مختلفة بما يتناسب
وظروف التطبيق " ..فإننا ندرك مدى أهمية القائم المحرك لتلك العملية وهو المربي.
74
-نظرات التربويين ..رؤية مقارنة :
اختلفت نظريات التربويين فيما هو أساسي وما هو فرعي من العناصر األولية
المطلوب وجودها إلنجاح عملية تكوين وإنتاج المربي الكفء ،وكان من نتيجة هذا
الخالف أن نادى البعض بتحويل المجتمع المسلم كله إلى مربين ورأى هؤالء إمكانية
تحويل أي مسلم أيا ً كانت صفاته وإمكاناته إلى مرب ألجيال وموجه ألمة ...والشك أن
هذا االتجاه – وهو االتجاه السائد اآلن بين طوائف العمل اإلسالمي – ال يفرق بين
األدوار التي يجب أن يقوم بها األفراد كل على حده وما هي المواصفات المطلوبة لكل
دور ،فإنه والشك يجب أن يفرق بين دور المسلم كداعية إلى هللا وبين دوره كإداري
وقيادي ميداني وبين دوره كمرب ومعلم..
فالداعية وصف عام يجمع شتى األدوار وأما القيادي الميداني واإلداري فيحتاج
والحزم الشديد والجرأة إلى مواصفات قد تخصه بالذات دون غيره ,من الخبرة
والشجاعة والمغامرة والمبادرة والتتبع واالستقصاء والحكمة والفراسة ...إلى غير
ذلك مما هو معروف مما كان يتصف به وبأكثر منه القادة المغاوير أصحاب النبي
_صلى هللا عليه وسلم_ في غزواتهم وحروبهم وفتوحاتهم ..فلك أن تتصور شخصية
كشخصية خالد بن الوليد أو عمرو بن العاص أو غيرهم في مقابلة شخصية مدار
عملها على التربية والتعليم والتقويم والتوجيه لألمة كمعاذ بن جبل وعبد هللا بن عمر
وعبد هللا بن عباس _ رضي هللا عنهم أجمعين _..
-اتجاهات اختيار الصفات ..فشخصية القائد إذن هي تلك الشخصية التي
تستطيع تحقيق إنجازات األهداف المعينة لها من خالل توجيه األفراد التابعين لها،
فهي إذن شخصية ينتهي دورها المعين عند بلوغ الهدف المحدد ،أما شخصية المربي :
فهي تلك الشخصية التي تستطيع تشكيل األفراد وتهيئتهم على شتى المستويات العلمية
واإليمانية والسلوكية وغيرها ..وبالعموم فإن هناك اتجاهين في طريقة اختيار المربين
:
األول :اتجاه التشدد في االنتقاء والمبالغة في تحديد الصفات الخاصة بالمربي ،وهو
اتجاه تغلب عليه المثالية في تصور حال المربي؛ بحيث ينتهي األمر عند مطابقة هذه
المواصفات واقعيا ً إلى صورة نظرية على األوراق ال عالقة لها بالتطبيق في الواقع.
الثاني :يقوم على التساهل في انتقاء صفات المربي؛ بحيث تتسع الدائرة لتشمل أعدادا ً
كبيرة جداً ،ودافع ذلك االتجاه تغليب احتياجات الدعوة وتبعات انتشارها وانفتاحها
وزيادة أعداد المتلقين
وكال االتجاهين قد أثبت الواقع التطبيقي فشله!..
75
فاالتجاه األول تعطيل للعمل التربوي إذ يربطه بالمثال النادر التحقق ،وإعاقة
لجهود االرتقاء به ،ومدعاة لكل من يعجز عن محاكاة الصورة المثالية أن يتراجع
ويترك العمل ،أما االتجاه الثاني يؤدي إلى إتاحة الفرصة لغير ذوي األهلية والكفاية
وهي مهلكة لهم ،فوق أنها مضيعة للعمل .وهنا تبرز الحاجة لوضع نموذج للقائمين
على العملية التربوية يسترشدون على أساسه بحيث يتالفى سلبيات النموذجين السابقين
ويسهل تطبيقه واقعيا.
-العناصر األساسية المطلوبة إلنتاج المربي الكفء ونستطيع أن نقول من خالل
االستقراء العملي والعلمي :إن هناك معطيات معينة تقترب -إذا اجتمعت -من عملية
ناجحة إلنتاج مرب ناجح ،وهذه المعطيات هي (العمق اإليماني ،الشخصية السوية،
العلم التطبيقي ،البيئة المناسبة للتربية ،المهارات المخصوصة ،التقويم) ونحاول أن
نتلمس أهم مواصفات كل عنصر من تلك العناصر:
أوالً :العمق اإليماني:
وهو العنصر األول الذي ينبغي توافره في الشخصية المرشحة للقيام بالعملية
التربوية ،فبدونه تفشل الشخصية في تحقيق أهدافها ،بل ال نبالغ إذا قلنا :إن العملية
كلها تتعرض للفشل الذريع ،ومن عجب ما رأينا في بعض أوساط العمل اإلسالمي أن
تسند العمل التربوي إلى بعض المربين ال لشيء غير أنهم نشطاء حركيين – كما يحلو
للبعض تسميتهم – وتناسى من كلفهم بتلك األعمال شرط اإليمان العميق الذي هو
الشرط األول في الشخصية التربوية ،والذي يقوم أساسه على عدة محاور نذكر
بعضها :
أ -اإلخالص:
فكالم المربي الذي يفتقر إلى اإلخالص كدخان في الهواء لن ينتفع به أحد،
وإنما اإلخالص زينة الكالم وعطره ،يجذب إلى سماعه السامعين ويقرب منه الالهين،
سمع الحسن يوما ً واعظا ً يعظ الناس ،فقال له :يا هذا إما أن يكون في قلبك شرا ً أو في
قلبي ،إن حديثك ال يمس قلبي!! والمربي المخلص يوفقه هللا في انتقاء كالمه وموافقة
المناسب من أوقاته والمؤثر من ألفاظه والحديث المخلص هو أشد األحاديث إقناعا ً
وثباتا ً في قلب السامع ،يروي أحد تالميذ القعنبي شيخ البخاري يقول :كان الشيخ
يحدثنا ولحيته ترتش بالدموع!!
ب – الصبر:
ودافع الصبر هو اإليمان العميق الذي نتحدث عنه وإذا ضعف اإليمان ضعف
الصبر ،ومقصودنا في الصبر كعنصر أساسي من عناصر شخصية المربي المكونة
76
أن يستطيع الصبر على متعلميه ومتربيه والمجتمعات التي يتوجه إليها ،وكذا الصبر
على دعوته وأن يثبت عليها وعلى مبادئه وقيمه ومعتقداته ،روى عبد هللا بن اإلمام
أحمد أنه سأل أباه يوما ً :يا أبت متى الراحة؟ فقال :عند أول قدم أضعها في الجنة!
ج – الزهد :
وهو مطلب هام وعنصر أساس في شخصية المربي ،ومعناه اإلعراض عن
الزينة وااللتفات عن المتاع ورجاء الجنة في اآلخرة ،فليس شيئا ً أسوأ من مرب غارق
في ملذات الدنيا ومتاعها وزخرفها وما من شيء أسوأ أثرا ً على المتربين من مرب
منكب على جمع الدينار والدرهم وتغيير الثياب وتبديلها ،وتعمير البيوت وبنائها،
ومهما اختلف الناس في تعريف الزهد والنظر له يبقى حال النبي _صلى هللا عليه
وسلم_ والصحابة والتابعين والعلماء هو النموذج المثالي األوضح لالقتداء به ،ولقد
علمنا أنه ما من أحد منهم إال وكان معرضا عن الدنيا وزينتها راغبا ً في اآلخرة وجنتها
...ولألسف فكم رأينا من أحوال لمن يشتغلون بالعملية التربوية في هذه األزمان وهم
غارقون في اإلسراف والزخرف ،فكيف إذن نتصور صفات الجيل الناتج من هكذا
مربين؟! يروي الذهبي في السير أن اإلمام أحمد لما سافر إلى عبد الرزاق انقطعت به
النفقة فاشتغل حماالً بأنصاف الدراهم ليشترى طعاما يتقوت به ،فرآه عبد الرزاق وهو
يحمل على ظهره المتاع ،فانفرد به خلف باب بيته وهو قادم للدرس فقال له :يا أحمد
إنه عادة ال تجتمع عندي النفقة ولكنني جمعت لك من أهل البيت بعض الدراهم فخذها
وانتفع بها فقال أحمد :لو كنت آخذا ً من أحد ألخذت منك يا إمام ،ولكنني معي نفقتي
التي تكفينى وتزيد حتى أعود!!
موقف النظرية التربوية اإلسالمية..
من النظرية التربوية الغربية
يقدم عبد المجيد بن مسعود موقف النظرية التربوية اإلسالمية من النظرية
التربوية الغربية ،فلعل من الثوابت التي أصبحت راسخة في وجداننا الحضاري
وسلوكنا الفكري ـ نحن المسلمين ـ في العصر الحديث ،وباتت تتحكـم بقدر غير يسير
في منهج دراستنا للظواهر ،وتحليلنا لمختلف القضايا الفكرية والتربوية ،لعل من تلك
الثوابت :أن نعرض األنساق والنظم اإلسالمية المرتبطة بشتى مجاالت النشاط
النظري والفكري ،في سياق المقارنة بينها وبين مثيالتها في عالم الغرب ،وال شك أن
هذا الثابت النسبي ستستمر مسوغاته وفعالية تأثيره على تحليالتنا ودراستنا الفكرية
والنظرية ،ما دام هناك في واقعنا المعاصر فئات عريضة من الناس تنظر إلى الغرب
على أنه مركز الحضارة واإلشعاع الفكري المستنير الذي ال نملك إزاءه إال أن نطأطئ
77
رؤوسنا في خشوع! من هنا رأيتني أُقبل على دراسة موقف النظرية التربوية الغربية
ومناقشتها في ضوء معالم التربية اإلسالمية؛ بغرض إبراز التصور التربوي
اإلسالمي للتربية .والواقع :أن منهجية المقابلة هذه ال يمكن للتصور اإلسالمي إال أن
يخرج منها منتصرا ً مرفوع الرأس؛ ألنه ينطلق من موقع قوة يستمدها من ربانية
مصدره التي تمنحه التنزه عن التجاوز والضعف ،واالهتزاز والقصور ،ألن منهجية
المقابلة تقتضي عرض الصـورة كاملة أمام الناس ـ بكلى طرفيها ـ فيتضح الطرف
الهزيل من الطرف القوي ،من خالل إبراز العناصر والمكونات التي تدخل في نسـيج
كل بناء نظري على حـدة.
النظرية التربوية عرض وتقديم:
هناك قواسم مشتركة بين النظريات التربوية الغربية تتمثل فيما يلي :
أوالً :االعتماد المطلق على العقل :
منذ البداية يمكننا أن نلفت النظر إلى حقيقة أساس مفادها :أن النظريات
الغربية على تعددها وتباينها في بعض الخصائص والصفات ،تكاد يجمعها قاسم
مشترك هو :كونها صادرة عن مصدر وحيد في المعرفة هو :العقل البشري في
حركته ومعاناته وقلقه المأساوي في البحث عن الحقيقة ،وكونها صادرة عن تصور
واحد للكون واإلنسان والحياة .والجدير باالعتبار أنه ما من نظرية في التربية إال وهي
انعكاس لمذهب فلسفي ما ،وهذه قاعدة عامة ال يمكن أن يند عنها أي مذهب تربوي .
وال تعدو االختالفات التي تظهر بين نظرية وأخرى أن تكون تعبيرا ً عن االختالف
والتنوع في المالبسات والتطورات التاريخية التي مرت بها المجتمعات الغربية ،بكل
ما تحمله تلك التطورات من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وغيرها.
ثانيا ً :النظريات التربوية الغربية ضيقة األفق أحادية النظرة ،فالنظرية التربوية
المثالية هي صدى للفلسفة األفالطونية حيث يقول أفالطون بعالمين ( :العالم
المحسوس) ويتألف من األجسام أو الماديات ،و (العالم المعقول) وهو يتكون من
الموجودات المجردة .فتلك النظرية تنطلق أساسا ً من (الصدارة المطلقة للروح على
المادة) وهي تفضي إلى تصرف تأملي يهمل المشكالت الزمنية ،وطبيعة اإلنسان
األرضية ،وتعنى أساسا ً بكمال الروح ونجاتها.
وانطالقا ً من هذه المعطيات يتجلى لنا الطابع النظري الذي يكتسيه التعليم في
إطار النظرية المثالية؛ حيث إن الهدف من التربية يرمي بالدرجة األولى إلى (تمرس
العقل بالتراث الفكري والعقلي الذي خلفته األجيال السابقة ،بل اكتسب هذا التراث
صبغة القداسة وأصبح ينقل بحرفيته ،وارتبطت موضوعات الدراسة بضرورات
78
تحول دونالتراث بدالً من ضرورات الواقع ،وصارت صلتها الوثيقة بالماضي في ّ
ارتباطها بالحاضر والمستقبل.
أما المذهب الطبيعي ،فإنه على العكس من المذهب المثالي؛ إذ يركز على
الجسد وما به من عواطف وغرائز وميول ،فيعطيها األهمية القصوى على حساب
العقل .وإن كان من المعلوم أن هذا المذهب قد تجاوز من طرف التيار النفسي في
التربية الذي يستمد أسسه من رائد المذهب نفسه ( روسو) ،حيث يرى ( بأن اللجوء
إلى علم النفس هو اإلمكانية الوحيدة لتوفير المعيار الحقيقي لموضوعية البيداغوجيا ).
ومما يؤخذ أيضا ً على هذه النظرية تضييق نطاق التربية بحيث ينحصر في الطفل،
سعت نطاق التربية ليشمل األمر الذي أدركت التربية المعاصرة خطأه وقصوره فو ّ
المراهق والراشد والشيخ ،وهذا ما أكدت عليه الرابطة الدولية الجديدة -للتربية
يحول ( النظر بعيدا ً عنالجديدة .أما المذهب البرجماتي ،وهو ذلك المذهب الذي ّ
األشياء األولية والمبادئ والقوانين والحتميات المسلّم بها (،ويوجه) النظر نحو األشياء
األخيرة :الثمرات ،النتائج ،اآلثار .فـإن مركـز الثقـل فـي اهتمامـه ال ينصبّ على
الحقائق الثابتة ،وإنما على ما يحصله اإلنسان من منافع يستثمرها في حياته العلمية
حتى إنه ينظر إلى الحقيقة على أنها هي المنفعة وفي هذا (خلط واضح بين الحقيقة
نفسها ،والهدف األساس من محاولة الظفر بها ،فقد ينبغي أن يكون الغرض من
اكتساب الحقائق هو استثمارها في المجال العملي واالستنارة بها في تجارب الحياة،
ولكن ليس هذا هو معنى الحقيقة بالذات ،فإعطاء المعنى العلمي -البحت -للحقيقة،
وتجريدها من خاصية الكشف عما هو موجود وسابق! استسالم مطلق للشك الفلسفي
الذي تحارب التصورية والسفسطة ألجله ،وليس مجرد االحتفاظ بلفظة الحقيقة في
مفهوم آخر كافيا ً للرد عليه ،أو التخلص منه ،وما دام تيار الحياة متناميا ً في سيره ،فإن
حقائق جديدة تلغي وتتجاوز الحقائق القديمة ،فال شيء يبقى ثابتاً! ،وفي ضوء هذه
القناعة فإن أصحاب هذا المذهب يرون أن التربية والنمو صنوان وليس للنمو غاية
إن من عيوب هذا المذهب تتجاوزه أو تعلو عليه ،فغاية النمو هو النمو ذاته.
جعله الحياة الحاضرة محورا ً وحيدا ً للتربية دون االلتفات للحياة المستقبلية ،األمر الذي
جعله يفتقد قاعدة صلبة من المبادئ واألهداف الثابتة التي تضبط حركة الحياة ،وتحمي
اإلنسان من التيه والقلق والتأرجح بين أحداث الحياة وتطوراتها المتالحقة ،وتلك نتيجة
حتمية إلغفاله للجانب الروحي في اإلنسان ورفضه لإليمان بما وراء المادة ،وهذا ما
حكم على نظريته التربوية بالدوران في حلقة مفرغة ،فهي تدور مع حركة الحياة
المادية حيث دارت من غير االستناد إلى مبدأ عميق ومقياس دقيق تفصل بواسطته بين
79
الغث والسمين ،والصالح والطالح ضمن تراث اإلنسانية المترامي األطراف ،وتنفذ
بواسطته وراء أسوار الحياة المادية الضيقة.
83
ض ّحى
التربية هي عملية إعداد للحاضر ال للمستقبل ،ومن الخطأ ـ عندهم ـ أن يُ َ
بالحاضر المتيقَّن في سبيل مستقبل مضنون.
ولد جون جاك روسو في عصر كانت فيه أوروبا تعيش عصر التسلط الكنسي
المتحالف مع اإلقطاع ،عصر سادت فيه األنظمة اإلقطاعية واالجتماعية الجامدة ،التي
ولدت أنواعا من الظلم والبؤس عانت منها الطبقات الفقيرة ،فرنسا كانت نهبا
لصراعات داخلية من أبرزها محاولة الطبقة البرجوازية(المتوسطة) الجديدة التحرر
من الحكم الملكي االستبدادي الممثل لتحالف رجال الدين مع اإلقطاع.
وقد غذت محاوالت التحرر هذه عدد من المفكرين والفالسفة باسم "حركة
التنوير" التي كانت تتطلع إلى فك قيود الفكر من سيطرة التقاليد والخرافات في عصر
متنوع االتجاهات والمذاهب.
حياته :ولد سنة 1712في جنيف بسويسرا من أب فرنسي وأم سويسرية توفيت
مباشرة بعد الوالدة ،وقد قال روسو في هذا الشأن في كتابه "اعترافات" لقد كلفت أمي
حياتها وكانت والدتي هي سوء حظي في هذه الحياة".
في السادسة من عمره علمه والده القراءة والكتابة ،ومساء يقرأ على مسمعه ما
تركته أمه من كتب التاريخ والروايات و األدب فنمت لديه عاطفة وحب للخيال
وعشق للحرية .دخل المدرسة لفترة قصيرة في قرية بوزي ) (Bosseyقرب جنيف،
لكن ما لبث أن تركها.
بعد ستة عشر من عمره عاش سنوات من البؤس والتشرد والبطالة.
في التاسعة عشر من عمره تعرف على السيدة دي وارنز )(De Warnes
رعته وأعادته للمدرسة من جديد وحببت إليه القراءة ،وساعدته في إيجاد عمل في
إحدى الدوائر الحكومية عرف نوعا من االستقرار هذه العشر سنوات.
في الثالثين من عمره غادر جنيف إلى باريس حيث كان أصحاب حركة
الت نوير ينشرون أفكارهم في الحرية والمساواة والعدالة ،فتعرف روسو إلى بعضهم
وعقد صدقات من ديدرو وفولتير ).(Voltaire & Didero
فاز ونال جائزة على بحث كتبه ،عنوانه "مقالة في الفنون والعلوم" ،وهنا نقطة
تحول له حيث كتب مقاالت كثيرة وألف كتبا عديدة جلبت له الشهرة ونقمة رجال
الدين وأهل الحكم وأمرت السلطات بحرق كتبه والقبض عليه ،ثم هرب إلى بروسيا
إلى أن دعاه الفيلسوف البريطاني دافيد هيوم لإلقامة في بريطانيا ،لكن سرعان ما عاد
إلى باريس ،حيث عاش حياة البؤس والشقاء حتى وفاته عام .1778
وال يخفى خطأ هذه اآلراء (الطبيعية) وضاللها ،ومخالفتها للفطرة السليمة؛
ألن الحاضر والمستقبل فكون التربية إعدادا ً للحاضر ال للمستقبل ال معنى له؛ ّ
84
وألن التربية عملية اجتماعية ،واألفراد ال يعيشون ّ متصالن اتصال الليل بالنهار،
ً
فإن أمكن ـ جدال ـ إعداد الطفل للحاضر بوصفه أشتاتا ً كنبتات بريّة في صحراءّ ،
يتأت ذلك بوصفه االجتماعي ،وإال كانت العملية التربوية نفسها عبثا ً ال َّ الشخصي لم
طائل تحته .وال معنى ـ كذلك ـ إلطالق الحرية التامة لألطفال ما داموا يجمعهم مكان
ص ّور إطالق الحرية التامة لطفل واحد ،أو ألطفال واحد وزمان واحد ،وإنما يُت َ َ
تقطعت بينهم األسباب! وال معنى النتهاء حرية الفرد عندما تبدأ حرية مبعثرين قد ّ
اآلخرين إال انتفاء الحرية المطلقة التي يدّعيها أو يدعو إليها الطبيعيون ،والحرية
إن وجدت ـ عاقبتها تحويل المجتمع بر ّمته إلى بؤر فساد وإفساد .والقول بأن المطلقة ـ ْ
التربية المقصودة هي إفساد لطبيعة الطفل الخيّرة ..تح ّك ٌم بال دليل ،وإذا كان الصغار
كما تفترض المدرسة الطبيعية مالئكة ف ِّل َم ال يحافظ خريجو المدرسة الطبيعية على
نقائهم؟ و ِّل َم ال يكونون هم المؤثرين فيمن سواهم من الناس ،إذ هم كبار راشدون؟! بل
أنالصواب كما قال (المناوي) في شرح حديث الفطرة الذي رواه البخاريّ ..." :
اإلنسان مفطور علـى التهيّؤ لإلسالم بقـوة ،ولكـن ال بد من تعلُّمه بالفعل؛ فمن قدَّر هللا
كونه من أهل السعادة قيّض هللا له َمن يعلّمه سبيل الهدى فصار مهذّبا ً بالفعل ،ومن
خذله وأشقاه سبَّب له َم ْن يغيّر فطرته ويثني عزيمته" .واكتساب المعرفة ليس رهنا ً
بإتباع أسلوب التعلم كما يزعم الطبيعيون ،وإال فمتى يكتسب كل طفل بذاته ذلك الك ّم
التراكمي الهائل من المعارف والخبرات التي جمعتها البشرية عبر العصور؟! أما
إطالق الحريات للغرائز الجنسية ،واألخذ بالتعليم المختلط ،وإباحة التعري لمن شاء
من الطلبة والطالبات فال ريب أن ذلك هو ـ عينه ـ المتسبب في إنتاج المشكالت
وترويجها ،وال يمكن أن تكون مبادئ الدين وقواعد األخالق هي المتسببة فيه ،ال،
حتى ولو كان الدين ُم َح َّرفا ً كدين الغربيين ،واألخالق منحرفة كأخالقهم! ومعلوم أن
الغريزة الجنسية ال تثور من تلقاء نفسها ،بل ال بد لها من مثير يثيرها؛ فكان القصد
أن عاقبة ذلك ال سفَها ً وضالل رأي ،وقد تواترت األدلة ،وأثبتت الوقائع ّ إلى إثارتها َ
تكون إال الفتنة والفساد الكبير ،وانظر ت ََر أن أكبر نسبة من األطباء النفسيين في العالم
متج ّمعون في (هوليود) مدينة صناعة السينما األمريكية واإلباحة الجنسية ،وأن
السويد ـ صاحبة قصب السبق في الحرية الجنسية ـ هي أكثر دول العالم اكتظاظا ً
بالمشكالت الناشئة من تلك الحرية ،وأن دائرة هذه المشكالت قد اتسعت فيها لتشمل
الزنا بالبنات واألخوات واألمهات ..وكانت اإلحصاءات قد أحصت في أوائل
الخمسينيات من هذا القرن في إنجلترا وحدها أكثر من نصف مليون طفل من أبناء
الزنا؛ فكم أصبح العدد في إنجلترا وأخواتها األوروبيات ،وقد أصبحن على أعتاب
القرن الحادي والعشرين؟!
85
صبر لقراءة « إميل » بأكمله – وليس من خالل بعض ٌ ك ّل من كان لديه
االستشهادات -يعلم أن هذا الكتاب يتحدث عن ك ّل ما يهم الفلسفة في القرن الثامن
عشر ،وأن «إميل» ليس ما أعتيد على تسميته «كتاب في النظرية التربوية» ،بالرغم
من هذه السمعة الراسخة .تسعى هذه المقالة بتواضع كبير أن تلقي بعض الشكوك
على أسس هذه السمعة.
ُ ً
لنالحظ أن تصنيف «إميل» بين كتب النظريات التربوية كان متأخرا .فقد ذكر،
أثناء الثورة ،ميرابو وتاليران Talleyrandوكوندورسه Condorcetو األب
غريغوار L'abbe Grégoireعدة مرات خالل المناقشات حول المدرسة ،أما
روسو فقلما دخل الجمعية الوطنية ،وحين تدخل روبسبير بنفسه في المناقشات ،لم
يكن ذلك من أجل أن يشيد بنموذجه الذي قاده باكيا ً إلى البنتيون ،لكن من أجل أن
طبع بعد وفاه صاحبه لبيلتيه دو سانفارجو Saint Lepelletier de يقترح نصا ً ُ
.Fargeauأما اإلشارات إلى روسو فقد اقتصرت على نصه المتعلق ببولونيا .أما
المقوالت التي تشيد بـ«كاتب إميل الخالد ،والتي غالبا ً ما تذكر ،فإنها ال تشير إلى
روسو إال كأثر ماض وليس كمصدر إلهام .ولم يجد إميل مكانته التربوية العظيمة إال
مع إنشاء المدرسة الجمهورية العلمانية اإلجبارية.
إميل وكتب التربية :
من الجيد التذكر أن كل كتب النظريات التربوية ينبغي أن تحقق عددا ً من
المبادئ :
-1اقتراح أهداف (لماذا التربية ،وفي أي هدف).
-2اقتراح أسلوب (كيف يمكن تحقيق هذه األهداف ،وأي ترتيب ينبغي أن
يراعى)
-3دراسة الصعوبات واقتراح الحلول (ماذا ينبغي أن نفعل في حالة ما ،كيف
يمكن التصرف في حالة فشل ما).
أوالً :تختلف األهداف من نظرية تربوية إلى أخرى ،غير أن كلها ترتبط بالمجتمع
الواقعي .مع أفالطون كان الهدف تشكيل مجتمع منسجم ،ومع أرسطو مواطنين
قنوعين ،أما إكسنوفون Xenophonو بلتارك Plutarqueفإنهم قد وعدا بأسر
سعيدة ،وأما سانت بازيل Saint Bazileوفينلون Fenelonفإنهما كانا يريدان
مسيحيين مثاليين ،أما نظام رابله Rabelaisأو بورت رويال Port Royalأو لوك
Lockeفهدف إلى تشكيل نخب متنورة .أما كوندياك Condillacوإلفيتيوس
Helvetiusفقد أرادا تكوين علماء مفيدين للتقدم .فيما يتعلق بإميل ،فإنه ال يقترح أي
غاية ،هناك مسألة «صنع إنسان» ليس مسيحيا أو مسلما ً أو تاجرا ً أو فارساً :مجرد
86
إنسان .إن ك ّل فلسفة تربية تهدف إلى إعطاء اإلنسان صفات نوعية (شريف ،تقي،
عالم ،وطني) وليس ما تم «صنعه» من قبل .وحين يلح روسو أيضاً« :العيش هي
المهنة التي أريد له أن يتعلمها» ال يوجد هنا أي انشغال بأي إشكالية في الفكر
التربوي ،ولكن إعالن طالق يضع إميل خارج هذا الفكر.
ثانيا ً :لننظر في األساليب .ينظر الفكر التربوي حول الفائدة من فصل األطفال عن
عائالتهم ،استعمال السوط أو قطعة الحلوى ،التعلم بجدية أو عن طريق اللعب،
الحديث بالفرنسية أو بالالتينية ،تعلم الهندسة باالستبصار او عن طريق التلقين .حين
أراد فينلون ت عليم الثالوث األقدس لبنت صغيرة ،لم يتردد فينلون من تكريس عدة
صفحات دون أن ينسى أي تفاصيل صغيرة ،تماما ً مثل تأمالت لوك حول استعمال
السوط .أين إميل من ذلك؟ إن روسو ،كما قيل ،كان مع فصل الطفل عن عائلته،
رفض السوط مثلما رفض الثواب ،واستبعد فكرة الحديث بعدة لغات ،وال سيما
الالتينية ،الخ .غير أن إميل يجيب عن هذه األسئلة دون أن يطرحها بنفسه .إن إيجاد
مثل هذه "اإلجابات" مشروع ،فمن الممكن دائما ً تناول أفكار من نص ما إلغناء
إشكاليات مختلفة .يمكن لقطعة الشمع عند ديكارت وصنع األداة عند سبينوزا وجنون
النحوي حسب إراسم Erasmeومملوك أفالطون إلهام الكثير من المربين بشكل سليم.
ويمكن أن يكون هناك التالقح ما بين نظريات التربية .إن كل فلسفة كبرى تجيب على
أسئلة التربية دون أن تكون فلسفة تربية.
هل يوجد في إميل أسلوب حقيقي؟ تكثر في الكتاب الثاني والثالث أمثلة قوية
بحيث يمكن أخذها كأمثلة متعاقبة لتطبيقها .حكاية الجنائني روبرت :كيف يمكن تعليم
طفل ذو ثمان سنوات ال يعرف القراءة والحساب مبادئ القانون التجاري والعقود
القانونية .يجعله المشعوذ ذو صاحب البط الممغنط اكتشاف البوصلة ،أما بطاقات
الدعوة الصغيرة بالتأكيد ستكون أسلوبا ً قويا ً لتعليم القراءة! أيمكن أن نغفر لهذه النبرة
المستهزئة ،أما هذه االسكتشات غير قابلة للتطبيق حقيقة ،ليس نتيجة غفلة أو أوهام
الكاتب ولكن ألن مسألة تطبيقها لم تطرح ،فإنها ال تشكل نماذج تربوية ولكن أدوات
موجهة الستعمال آخر.
«إن تفصيل القواعد ليس موضوعي .أعطوا الطفل هذه الرغبة (القراءة)..
سيكون ك ّل أسلوب مناسبا ً له ...أأتكلم اآلن عن الكتابة .ال ،أشعر بالعار ألنني أتلهى
بهذه الترهات .ال يهمني إن نجح في أو لم ينجح في اللغات القديمة ،في اآلداب
الجميلة أو الشعر ...ال يراد ك ّل هذا العبث في تربيته».
كتاب في نظرية التربية دون تفاصيل ،أمثلته ال طائل منها ،يعطي أسلوبا ً وحيدا ً
للقراءة «رغبة» القراءة ،يصف تعليم الكتابة بالترهات ،والنجاح في البالغة بالعبث،
87
كل هذا سيدفع المربين إلى إدانة هذا الكتاب بالحرق .يعد روسو بتعليم الطفل « فن أن
يكون جاهالً » ،بحيث أنه في عمر الثانية عشرة ال يعرف التمييز يده اليمنى من
اليسرى ،أن ال يكون له أي خيال في الخامسة عشرة ،الخ .ال بد أن تُدهش العيون
حين يعهد أحد اآلباء ابنه لمثل هذا المربي!
ثالثا ً :تفرض عقبات مثل العصيان والكسل والغفلة تصنيفات متنوعة وحلول مختلفة
(تتراوح ما بين العقاب والثواب) ،ويكون الهدف دائما ً تربية الطفل بالرغم من طبيعته.
يوفر إميل في حاالت واقعية عن أطفال غير محتملين مغرورين .يتم حبس هذا الطفل
في خزانة ،يجبر على البقاء في السرير ،يهان من قبل عابرين متواطئين ،ينام في
غرفة باردة سيكسر نوافذها ،الخ .غير أن إميل ،يريد ،أساساً« ،تربية سلبية» ضد
األخطار التي تهدد الطفل .ال تصدر هذه األخطار عن الطفل ،من طبعه أو من عمره،
ولكن من تأثير اآلخرين الذين يهددون «القلب اإلنساني» .ليست الصعوبة في تربية
الطفل رغم طبيعته ،ولكن الصعوبة هي الحفاظ على طبيعته رغم التربية .هنا أيضا ً
يكون إميل عكس ما تمثله نظرية تربوية :ال أهداف ،ال أسلوب ،ال عالج.
أفكاره التربوية :
كانت آراؤه تعبيرا عن أراء الفلسفة في الطبيعة البشرية والتي هي بدورها رد
فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة.
يعتقد روسو أن الطبيعة خيرة ،وأن الشر والفساد من صنع البشر "كل ما
يخرج من يدي هللا يكون خيرا ويد اإلنسان تفسده.
الفصل األول لكتاب إميل (تحدث فيه عن تربية الطفل من الميالد إلى خمس
سنوات)
انتقد روسو التربية التقليدية في كتابه إميل بشدة وعنف ورفض عادة اللفافة
وتعجب كيف نقيد الطفل منذ والدته بلفافة ،ونقيده في حياته بالعادات والتقاليد ،ثم
نقيده بعد مماته بكفن فيولد اإلنسان ويعيش ويموت مقيدا.
التربية الطبيعية هي ترك الطفل يعيش بحرية.
يركز روسو على بناء جسم الطفل بناء سليما بالغذاء واأللعاب الرياضية.
يرفض تلقين الطفل مفردات لغوية كثيرة ،وأن يردد ألفاظا ال يفهمها ،إذ يرى
أنه من الخطأ أن نعلمه نطق الكلمات أكثر من قدرته على التفكير.
الفصل الثاني (من ستة سنوات إلى اثنى عشرة سنة)
يعتبرها روسو من أهم المراحل التي يمر بها اإلنسان في حياته ،لذا يترك
الطفل يعيش في الطبيعة ،يستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن مالحظاته،
فالمربي الحقيقي هو الطبيعة وموجودتها ودور اإلنسان هو مساعدة الطفل على فهم
88
دروس الطبيعة ،دعامة التربية في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات ،فيقول:
"اجعل المسائل في متناوله ودع حلها له وال تجعله يعلم شيئا عن طريقك واجعله يفهم
كل شيء بنفسه ".ويقول أيضا" :ال تقدم لتلميذك أي نوع من الدروس الكالمية ،فعليه
أال يتلقى مثل هذه الدروس إال من التجربة".
الفصل الثالث (يتناول فيه الدروس ما بين اثنى عشرة سنة حتى الخامسة عشرة سنة)
في هذه المرحلة يتعلم إميل ما هو عملي ومفيد له ،لذا البد من اختيار المواد
بدقة وحذر ،ويوصي روسو بتعلم العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفلك ثم الجغرافيا وال
يتعلمها الفتى من الكتب والخرائط بل من مالحظة الطبيعة وعن طريق األسفار،
ورغم هذا ينصح بكتاب روبرسون كروزي ) (Robinson Cruseeفهو
ينصح في االبتعاد عن الخطب الرنانة ...تمثل هذه المرحلة النشأة العقلية عند اإلنسان
في االستطالع والقدرة على المناقشة والفهم والتحليل من أهم ما يميز هذه المرحلة،
وتعلم حرفة يدوية أو مهنة منسجمة مع هذه المرحلة.
الفصل الرابع (تناول فيه الحديث عن تربية الشباب من الخامسة عشرة سنة إلى
العشرين سنة)
وهو ما أسماه بالتربية الوجدانية واألخالقية ،ينصب االهتمام على تنمية
العواطف واألحاسيس والمشاعر وإيقاظ الضمير ،و أن األخالق مكتوبة في أعماق
كل إنسان بشكل طبيعي؛ ويعطي روسو قيمة كبيرة للضمير ويراه مبدأ األساس
للعدالة.
الفصل الخامس (من عشرين سنة إلى خمسة وعشرين سنة)
يتحدث فيه عن تربية الفتى والفتاة ،في هذه يلتقي إميل ب "صوفي" التي تربت
كما تربى إميل ،مما جعلها أهال للزواج منها لكنهما ال يتزوجا إال بعد أن يقوم برحلة
لمدة سنتين ،ينتقال خاللها في الدول ويتعرفا على أنظمتها االجتماعية وعلى شعوبها
وعاداتهم وتقاليدهم.
التربية في فكر روسو :
بالتأكيد ،أن مسألة التربية لم تكن غريبة عن فكر روسو ،فقد تناولها في إطار
تفكيره السياسي :غايتها إنشاء مواطنين وطنيين صالحين .فقد تناولها في مقالته
االقتصاد السياسي التي حررت للموسوعة وفي مقالته حول حكومة بولونيا .كان فكره
صارما ،أراد أن تتم تربية األطفال بعيدا ً عن عائالتهم في إطار الدولة .وحين قال
روسو أن كتاب الجمهورية ألفالطون هو نظرية في التربية ،كان ذلك بفهمه أن الدور
األول للدولة هو تعليم المواطنين .وأن التربية قضية هامة جدا ً ال يمكن تركها
للمدرسين واآلباء.
89
«بالتأكيد ،أن الشعوب ،مع الوقت تكون مثلما أرادتها الحكومات .إنها لنقطة
مهمة .إن التربية ينبغي أن تعطي النفوس القوة الوطنية ،وتوجيه آرائها وأذواقها
بحيث تكون وطنية بالرغبة والعاطفة والضرورة»
إن التربية إدماج ،تدمر «أنا» الفرد وتعوضها بـ «أنا» الجماعة بحيث يفكر ك ّل
فرد بالمصلحة الجماعية قبل المصلحة الفردية ،وهذا ما يدعى« الفضيلة» .وقد
أعطي هذا المعنى في السطور األولى إلميل.
«إن المؤسسات الجيدة هي المؤسسات التي تعرف تغيير اإلنسان ..نقل األنا إلى
الوحدة الجماعية » .
بالتأكيد أن إميل يتناول التربية ،حتى أنها كانت العنوان الفرعي للكتاب! ماذا
يعني إذا ً هذا المفهوم .تمثل الصفحات األولى منظومة من التعاريف ،تتناول الطبيعة،
اإلفساد ،العادة ،اإلنسان والمواطن .بشكل عام فإن هذه المفاهيم تمثل فلسفة القرن
الثامن عشر ،هذه الفلسفة التي اتجهت نحو التمييز ما بين الطبيعي و المصطنع،
والتي كانت مفتونة بسلطة العادة ومتركزة على العالقة ما بين العواطف الطبيعية
والعواطف السياسية.
ومن ثم ،أن ك ّل هذه األسئلة تتضح في مفهوم التربية .في المقام األول ،إن
التربية في المفهوم الشائع ليست صالحة ،إنها صناعة لشواذ ،إنها تهذيب يخرق
الطبيعة ،إنها صالحة للسياسة ،حيث إنها تكيف الفرد مع جماعته وتدمج أناه في األنا
الجماعية.
بعد تربية الواقع ،يحدد روسو التربية في ماهيتها حسب ثالثية :التربية
والطبيعة ،تربية األشياء ،تربية اآلخرين .ويعطي في بقية الكتاب مضمونا ً محددا ً لهذه
الثالثية :تعزز الطبيعة الجسد وتحرر المواهب اإلنسانية ،وتطور األشياء المحيطة
باإلنسان والمتوفرة لسلوكه ذاكرته وعقله ،ويتدخل اآلخرون بدءا ً من التنبه الجنسي
عند نشوء المشاعر الترابطية (الصداقة ،الشفقة ،التقدير).
بهذه الثالثية «التربوية» يضع روسو انتربولوجيا اجتماعية ذات قاعدة طبيعية.
فيستبعد اجتماعية طبيعية تجعل اإلنسان في الدولة مثل النحلة في خليتها ،وفكرة
اجتماعية تعاقدية التي تجعل من الدولة قرارا ً ناتجا ً عن الحساب اإلنساني .ليست
هناك حاجة لقلب الطبيعة ليصبح اإلنسان اجتماعياً ،إنها طبيعته التي تجعله كذلك،
ولكن بالعودة ،هذه االجتماعية ال يمكن أن تستغني عن فعل اآلخرين ،إن الوحيد ال
يمكن أن يكون اجتماعيا ً أبداً .إن فعل اآلخرين على اإلنسان ليس مصطنعاً ،تفرضه
الطبيعة ،طبيعة تجعل الناس يعملون ما تريد أن يعملوه دون أن يكون لها قدرة على
فعله بنفسها.
90
إذا ً ما يدعوه روسو «بالتربية» ليس سوى فلسفة السببية :بأي آليات ،حسب
سياق الزمن ،تتطور الطبيعة اإلنسانية في اتجاه المجتمع ،وفي أي آليات تستطيع هذه
الطبيعة أن تفسد وأن تهدم الصالت الحقيقية لإلنسانية؟ إن مفهوم التربية يجيب على
هذين السؤالين.
إن تربية إميل هي تاريخ اإلنسانية ،كان ينبغي على اإلنسانية أن تتربى بنفسها،
أي أنه في كل إنسان مبادئ تربيته الذاتية ،وانتقاله من الطبيعة البرية (الوحشية) إلى
الطبيعة اإلنسانية .إن القلب اإلنساني هو ذاته في النوع اإلنساني وفي الفرد ،ومهمة
إميل هي وصفه ،وهو ،في هذا المعنى كتاب انتربولوجيا ،تاريخ النوع اإلنساني كما
أرادته الطبيعة وكما كان ينبغي أن يظهر.
مبادئ التربية الطبيعية عند روسو:
-1اإليمان ببراءة الطفل ،وهو تأكيد العتقاده بخيرية الطبيعة البشرية ،إنه يذكر أن
اإلنسان ابن الخطيئة.
- 2اإلعالء من شأن الطبيعة :فالطبيعة يتعلم منها اإلنسان ما يحتاج ،والتربية
الصحيحة هي السير وفق قوانينها.
- 3مبدأ الحرية :ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف
المفاهيم والحقائق ،على المربي أن يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من
المأزق ،وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ.
- 4مبدأ التربية السلبية :أي أال نعلم الطفل شيئا ال يطلب تعلمه ،فترك له الحرية
في الحركة واالحتكاك واكتشاف الخبرة العملية واالبتعاد عن الدروس اللفظية فيقول:
"ال ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية ،فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى
تعليمه وتأديبه.
- 5مبدأ الطفل هو محور التربية :أي معاملة الطفل كطفل ال كراشد ،وأن ميوله
وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية ال
رغبات وطموحات الكبار.
إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربية عندهم ال يتمثل
في اإلعداد للمستقبل حيث يقول روسو ":إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفاال
قبل أن يصبحوا رجاال وعلى المربين أن ال يحملوا الطفل ما ال طاقة به ،وإال عاش
تعيسا"
ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في مالحظة نمو الطفل نموا طبيعيا
وتهيئة الفرص والظروف المالئمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله.
91
أي إشراك الطفل في العمل والتجريب في المعامل ..وتهيئة الظواهر إلدراكها
وإلغاء النظام التعليمي القائم على السلطة العليا.
وبالعودة إلى السياسات التعليمية في بلدنا نجد أنه من الناحية النظرية فإن
القائمون على العملية التربوية يؤمنون بأن هذه النظريات السابقة بمجملها تكمل بعضا
.
أما من الناحية العملية فأعتقد أنهم لم يأخذوا بهذه النظريات ..وهذا يظهر
ويتضح لنا بسرعة بالنظر إلى النتائج المخيبة التي وصل إليها واقع التعليم والتعلم.
وإال كان يمكن أن نشهد نفس النجاحات التي تحققها المدارس في فرنسا أو
الواليات المتحدة ..أو أية دولة أخرى.
إذا فنحن لم نشهد الكمال في مدارسنا ..ابتداء بإنشاء مبان مدرسية الئقة من
حيث توافر الشروط الصحية ومراعاة توافر ساحات اللعب والمناشط المختلفة وانتهاء
بموضوع االستيعاب والصفوف المكتظة التي تحتم أن يصبح المدرس شرطيا ال
مربيا.
92
وبمجرد حصوله على الدكتورة انضم إلى "جامعة ميتشجين" كمحاضر بها في
الفلسفة .وقد بقي في هذه الجامعة لم يغادرها إال فترة قصيرة إلى جامعة "مينيسوتا"
حتى دعى عام 1894لتولي رئاسة قسم الفلسفة بجامعة شيغاغو .وقد استمر في رئاسة
قسم الفلسفة في هذه الجامعة حتى انتقل منها في عام 1904إلى جامعة "كلومبيا" ،ثم
استمر في جامعة كلومبيا منذ هذا التاريخ حتى تقاعده عام .1930
وقد نال "ديوي "شهرة فائقة كفيلسوف مفكر وكمصلح تربوي كبير ال في
الواليات المتحدة وحدها ،ولكن في جميع أنحاء العالم .وقد دفعت هذه الشهرة كثيرا من
البلدان المتقدمة لدعوته ليحاضر في جامعاتها وليساعدها في تنظيم تعليمها .فدعته مثال
اليابان في عام 1919ليحاضر في الفلسفة في "جامعة طوكيو الملكية" ودعته الصين
ليحاضر في جامعة بكين لمدة سنتين ،كما دعته الحكومة التركية ليساعدها على تنظيم
تعليمها .وقد ظل ديوي في نشاط علمي دائب حتى توفي عام .1952
ومن أبرز أعماله في الميدان التربوي إنشاؤه لمدرسته النموذجية في مدينة
شيكاغو سنة ،1896وقد اتخذ ديوي من هذه المدرسة االبتدائية النموذجية حقال لتجربة
نظرياته وآرائه التقدمية في التربية .وفي سنة 1902ضمت هذه المدرسة لكلية التربية
بجامعة شيكاغو لتكون مدرسة تطبيقية تجريبية لها .وقد حاول ديوي أن يقيم برامج
هذه المدرسة وإدارتها على مبادئ الفلسفة البرجماتية التي من بينها وجوب االتصال
والتعاون بين المدرسة والبيت ،ووجوب اتصال خبرات التالميذ في المدرسة وإدارتها
على مبادئ الفلسفة البرجماتية التي من بينها وجوب اتصال خبرات التالميذ في
المدرس ة بخبرتهم خارج المدرسة ،ووجوب جعل األطفال يتعلمون عن طريق خبرتهم
ونشاطهم الذاتي ووجوب احترام ميول التالميذ وحاجاتهم وحريتهم في التعبير عن
أنفسهم ،ووجوب مراعاة الفروق الفردية بين التالميذ ،واعتبار التربية عملية
اجتماعية ،والتركيز على التعاون بدال من التنافس ،إلى غير ذلك من المبادئ التي
كانت مطبقة في هذه المدرسة التجريبية.
وقد كان لهذه المدرسة أثر بالغ في التمهيد للتربية التقدمية التي سادت أمريكا
في النصف األول من القرن العشرين ،كما كان لها فضل كبير في إقناع اآلباء بأهمية
المبادئ التربوية التقدمية وإمكانية تطبيقها وقد شجع ديوي بمدرسته هذه إنشاء العديد
من المدارس التقدمية الخاصة في أمكنة متعددة من الواليات المتحدة.
ويمكن أن يضاف إلى أعماله التربوية مئات المقاالت وعشرات الكتب في
الفلسفة والتربية :
-المدرسة والمجتمع.
-الطفل والمنهج.
93
-الديمقراطية والتربية.
-الخبرة والتربية.
-كيف نفكر.
-الطبيعة البشرية والتربية.
وإذا كان ديوي قد اشتهر بأعماله وكتبه التربوية كمرب من أعظم مربي هذا
القرن -فإنه قد كانت له نفس الشهرة تقريبا في عالم الفلسفة .فقد ألف العديد من الكتب
في الفلسفة وكتب المئات من المقاالت فيها.
العوامل التي أثرت في أفكاره:
من هذه العوامل أفكار الفالسفة والعلماء والمربين الذين اتصل بأفكارهم جورج
موريس ،الذي كان من بين أساتذته في الفلسفة ،ثم زميال له في التدريس في جامعة
متشيجن .فعن طريق هذا الفيلسوف تعرف ديوي على الفلسفة المثالية الهيجلية وقبل
بالتدريج كثيرا من عناصر هذه الفلسفة .ولكنه بعد تعرفه ودراسته لنظرية التطور كما
شرحها تشارلز دارون ( ،)1809-1882وتوماس هنري هاكسلي (،)1825-1895
وغيرهما من أنصار هذه النظرية التي سادت في النصف الثاني من القرن التاسع
عشر-تحول إليها مفضال لها على الفلسفة الهيجلية ،ألنه وجد فيها ما يتفق مع ميوله
العلمية التجريبية .ولكن تفضيله للفلسفة الداروينية لم يمح تماما تأثره بالفلسفة المثالية
الحديثة التي من أبرز مظاهرها الفلسفة الهيجلية .ويظهر تأثره بالفلسفة المثالية بجانب
تأثره بالفلسفة الداروينية في االسم الذي أطلقه بادئ األمر على فلسفته عندما أصبحت
له فلسفته الخاصة المحددة .فقد سمى فلسفته "بالفلسفة المثالية التجريبية" .وهذا االسم
يحمل في طياته التأثر بالفلسفة العلمية الواقعية معا.
وكما تأثر بأفكار "جورج موريس" و"دارون" فإنه تأثر أيضا بأفكار "تشارلس
بيرس" و"وليام جيمس" اللذين كان لهما الفضل في تأسيس المذهب البرجماتي في
الواليات المتحدة األمريكية وبأفكار "ستانلي هول" ،وبعض أفكار "روسو"
و"بستالوتزي" ،و"هربارت" ،و"فروبل" ،وغيرهم من المربين وعلماء النفس
المحدثين.
وبجانب تأثره بأفكار الفالسفة والعلماء والمربين السابقين عليه والمعاصرين له
فقد تأثر أيضا بعوامل كثيرة أخرى ،من بينها :المبادئ التي تقوم عليها الحياة
الديمقراطية ،والقيم السائدة في المجتمع األمريكي ،وخصائص ومتطلبات المجتمع
الصناعي الذي عاش فيه.
94
وقد كان لهذه العوامل جميعا تأثيرها في فلسفته العامة وفلسفته التربوية.
وستتضح لنا بعض آثار ومظاهر هذا التأثير في المجموعة التي ستناقشها من أفكاره
ومعتقداته الفلسفية والتربوية.
98
-المعرفة عملية تفاعل بين اإلنسان وبيئته ,فاإلنسان ال يقتصر على مجرد
استقبال المعرفة ،بل إنه يصنعها والحقيقة فيما يخص اإلنسان ليست مستقلة عن
األفكار التي يقترحها بقصد تفسيرها والحقيقة نسبية وقابلة للتغيير وترى أن الطريقة
السليمة هي أسلم وأفضل طريقة الختيار األفكار.
-وتؤكد الخبرة الذاتية للفرد كوسيلة للعالم الخارجي وكذلك التعامل معه وترى
أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما يحقق فائدة
عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد يعد صادقا ً وصحيحا ً وكل ما يحدث له بعد ذلك
عملية تعلم واكتساب من خالل تاريخه الحضاري وتراثه وثقافته من خالل عملية
التعليم المقصودة التي تتم نظاميا ً داخل المدرسة أو بطرق غير نظامية كالتعرض
ألجهزة اإلعالم المتنوعة والمتاحف والمعارض واألسفار إذن اإلنسان ال يمكن عده
محكوما ً بحتمية بيولوجية فالتعلم والذكاء والتفكير وكل ما يسمى بالعمليات المعرفية
تصنع من مؤثرات مدروسة ومقصودة خارج الفرد والبيئة والتربية تفرز أفراد
متميزين بالضرورة وأن افتقار البيئة إلى هذه المميزات تؤدي بالضرورة إلى التخلف.
-التربية هي الحياة وليست إعداد للحياة فالتربية السليمة هي تلك التي تحقق
النمو المتكامل لإلنسان وتقوم على سلسلة من الخبرات وتؤكد على األهمية التربوية
للعمل والممارسة ،وأن تكون المدرسة مجتمعا ً صغيرا ً كالمجتمع الكبير ومن هذا إن
من العسير جدا ً النظر إلى المدرسة على أنها نسخة طبق األصل من الحياة ألنها
مؤسسة تعليمية مصطنعة محفوفة بالمخاطر والقيود ومختلفة عما تصادفه في الحياة
بصفة عامة.
-استبعدت البرجماتية الطرق الشكلية في التدريس واعتمدت على ميول
األطفال وخبراتهم وإثارة ميول جديدة وخبرات أكثر تنوعا ً مع التأكيد على الفردية بين
األطفال واعتمدت طريقة النشاط.
-االهتمام بالطالب من النواحي الجسمية والعقلية والخلقية واالجتماعية والعمل
على توفير كل الفرص الممكنة التي تشبع حاجات الطالب وتمكنه من التعبير عن ذاته
وتأكيد حرية المتعلم في اتخاذ القرارات بشأن ما يتعلمه والذي هو ضروري لنمو
الذكاء نموا ً حرا ً كامالً.
-يتمثل دور المعلم البرجماتي في النصح واالستشارة وتنظيم ظروف الخبرة
واإلمكانات التي تساعد على تعلم الفرد وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم
وإمكاناته ألنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية قدرة على
بناء المتعلم وتعليمه.
االنتقادات التي وجهت إلى الفلسفة البراجماتية :
99
-1تركز البرجماتية على المتعلم وتعده المحور األساس في بناء المنهج وتنفيذه
وترفض االتجاهات التربوية التقليدية التي اتخذت المادة الدراسية محورا ً لها في بناء
المنهج وتنفيذه ،وألن المتعلم محور العملية التعليمية وترفض البرجماتية التحديد
السابق للمادة العلمية وترفض التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها ،مما يجعلخا تبتعد
عن تنظيم العملية التربوية موادا ً وفصوالً.
- 2تؤكد الخبرة الذاتية للفرد بوصفها وسيلة لمعرفة العالم الخارجي والتعامل
معه ,وترى أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما
يحقق فائدة عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد صادقا ً وصحيحاً.
- 3أنها تؤكد النمو التلقائي للفرد بحكم العوامل الوراثية الحتمية والبيولوجية
وتنظر إلى أهمية التراكم الكمي للخبرات الفردية في تكوين الشخصية .وعلى هذا
األساس تتعامل مع التربية باالنتقاء االجتماعي والتوزيع وفقا ً لقدرات األفراد
الطبيعية ،وال سيما الذكاء .وعليه ال يمكن بناء الشخصية المتكاملة بحكم إغفالها
للتراث الحضاري والعوامل االجتماعية والعوامل األخرى تؤدي أثرا ً في بناء شخصية
اإلنسان وهذا يناقض منطق العلم ,ويؤدي بالمتعلم إلى تشتت اتجاهاته.
- 4ال تتقيد التربية البرجماتية بمعايير روحية فليس في رأيها وجود سابق للقيم
والمعايير الروحية ،ولكنها تنشأ في أثناء القيام بالتجارب الناجحة ،وتتولد في أثناء
حل المشكالت المتنوعة .وترى أيضا ً أن الخبرة الذاتية للفرد والنجاح الفردي هما
األساس لألخالق ،وليس تراكم التراث الثقافي لإلنسانية ،أو لمصلحة المجتمع وقيمته،
فهي بذلك ت}كد التنافس ،وتنمي الفردية والنجاح الفردي والمنفعة والبقاء لألقوى.
-5النظرية البرجماتية تركز على الجانب العملي لعملية التعليم فإن نشاط
المتعلم وفاعليته في النشاط والمشروعات والوحدات التي خططها المتعلم وينفذها فهي
بذلك تقدمه للمعرفة بدالً من أن تقدم المعرفة له .وهذا سيؤدي إلى تحطيم التنظيم
المنطقي للمادة العلمية ،فضالً عن أنها ال تقدم للتالميذ إال المعلومات الجزئية
والسطحية ذات الهدف النفعي مما يؤدي إلى ضعف المستوى العلمي للتالميذ.
-6يتمثل دور المعلم البرجماتي في النصح واالستشارة وتنظيم ظروف الخبرة
واإلمكانات التي تساعد على تعلم الفرد .وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم
وإمكاناته وإبداعاته ألنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية
قدرة على بناء المتعلم وتعليمه.
-7إن هذه النظرية ما هي إال تعبير عن واقع المجتمع األمريكي وتطوره
االقتصادي واالجتماعي في تطوره العلمي وتقدمه الصناعي ,وهي محور القيم
100
الحضارية واالجتماعية التي تؤكد الربح والنجاح ,ونمو الروح الفردية والنزعة
العلمية والواقعية والنفعية معبرة عن ازدهار الرأسمالية وقوة البرجوازية.
ويقدم سليمان بن صالح الخراشي نقد للبراجماتية من طرف بعض
المتخصصين في الفكر الغربي :
يقول سماح رافع محمد في كتابه " المذاهب الفكرية المعاصرة "(:البراجماتية
فلسفة عملية انبثقت من الروح المادية للقرن العشرين...وهي أمريكية النشأة ،رأسمالية
االتجاه) (.وكلمة البراجماتية في أصلها اللغوي مشتقة من كلمة يونانية تعني العمل
النافع ،أو المزاولة المجدية ،ويصبح المقصود منها هو " المذهب العملي " أو "
المذهب النفعي") .ومؤسسها " تشارلز بيرس " الذي ( كان أول من ابتكر كلمة
البراجماتية في الفلسفة المعاصرة ).
ويقول الدكتور مصطفى حلمي الذي يقول في كتابه " الفكر اإلسالمي في
مواجهة الغزو الثقافي" :
( -تنسب " البراجماتية " كفرع فلسفي إلى أصل شجرتها المسماة بـ "
الوضعية " ،فيجب أن نعرف أوالً بالوضعية ليسهل علينا بعد ذلك فهم معالم الفلسفة
البراجماتية.
إن الوضعية " هي اتجاه فكرى يقتنع بما هو كائن ويفسره ويرفض :أن ينبغي
أن يكون " ،ثم أخذت الوضعية الشكل الجديد في الواليات المتحدة األمريكية واسمه "
البراجماتية " هذا الشكل الجديد يحدده الدكتور توفيق الطويل بقوله " إذا كانت
الوضعية قد رفضت التسليم بالحقائق المطلقة والقضايا الميتافيزيقية ،فإن الفلسفة
العملية ال تتردد في قبولها واعتبارها صادقة متى كانت مفضية إلى نفع يتحقق في
حياة الناس " .
ولفهم مضمون هذه الفلسفة ،ينبغي أن نعرف أوال أصلها اللغوي ثم ننتقل إلى
التعريف بمؤسسها " تشارلز بيرس " ثم بيان تفصيل الفلسفة عن أبرز فالسفتها وهو
" وليم جيمس " :
األصل اللغوي يفيد " ما هو عملي " ومن هنا أطلق عليها اسم " الفلسفة العملية " ،
ولذلك فإنها تهتم بالعمل على حساب النظر.
إن مؤسس هذا المذهب الفلسفي هو تشارلز ساندر بيرس " 1839ـ " 1914م،
وهو صاحب فكرة وضع ( العمل ) مبدأ مطلقًا ؛ في مثل قوله" :إن تصورنا لموضوع
ماهو إال تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية ال أكثر " .
101
ويتوسع فى دائرة العمل بحيث يشمل المادي والخلقي أو التصور ،وتثمر هذه
النظرة للعمل اتساع العالم أمامنا ،إنه عالم مرن ،نستطيع التأثير فيه وتشكيله ،وما
تصوراتنا إال فروض أو وسائل لهذا التأثير والتشكيل .
أما أشهر فالسفة البراجماتيزم فإنه " وليم جيمس" (1842ـ )1910الذي تدرج
في اهتماماته العلمية والفلسفية التي تلقاها في معاهد وجامعات أوربية وأمريكية حتى
حصل على درجة " الدكتوراه" في الطب من جامعة هارفارد سنة ،1870وعين
أستاذا ً للفسيولوجيا والتشريح بها ،ثم أستاذا ً لعلم النفس فبرز فيه.
ويتبين من ترجمة حياته أن سبب اتجاهه إلى الفلسفة يرجع إلى سماعه
لمحاضرة فلسفية ألقاها " بيرس " الذي كان يعرض فيها مذهبه ،فشعر وليم جيمس
على أثرها وكأنه ألقى عليه رسالة محدده ،وهى تفسير رسالة " البرجماتية " .
ويعرف وليم جيمس الحقيقة بأنها " مطابقة األشياء لمنفعتنا ،ال مطابقة الفكر
لألشياء ".
والختصار اإلحاطة بهذه الفلسفة فإن مدخل دراستها يقتضي تحليلها إلى
مكوناتها األساسية في النظم والقيم ،فنحن أمام مقولتين :
األولي :ازدراء الفكر أو النظر.
الثانية :إنكار الحقائق والقيم.
أي بعبارة أخرى أكثر وضوحا ً ،فإن العمل عند جيمس مقياس الحقيقة "
فالفكرة صادقة عندما تكون مفيدة .ومعنى ذلك أن النفع والضرر هما اللذان يحددان
األخذ بفكرة ما أو رفضها " .
وقد نبتت فلسفته منذ بداية اهتماماته بها من حاجاته الشخصية ،إذ عندما أصيب
في فترة من عمره بمرض خطير ،استطاع بجهوده أن يرد نفسه إلى الصحة ،فاعتقد
أن خالص اإلنسان رهن بإرادته ،وكان الموحي إليه بالفكرة المفكر الفرنسي "
رنوفيير " الذي عرف اإلرادة الحرة بأنها " تأييد فكرة ألن المرء يختار تأييدها
بإرادته حين يستطيع أن تكون له أفكار أخرى ".
وكانت تجربة شفائه من المرض قد هدته إلى أهمية العمل ورجحت عنده
االجتهاد في العمل بدالً من االستغراق في التأمل " ألن العمل هو اإلرادة البشرية
استحالت حياة " .وتلون هذه الفلسفة نظرة أتباعها إلى العالم .فإن العالم الذي نعيش
فيه ليس نظرية من النظريات ،بل هو شئ كائن ،وهو في الحق مجموعة من أشياء
كثيرة ،وليس من شئ يقال له الحق دون سواه ! .إن الذي ندعوه بالحق إنما هو فرض
عملي ـ أي أداة مؤقتة نستطيع بها أن نحيل قطعه من الخامات األولية إلى قطعة من
النظام.
102
ويلزم من هذا التعريف للعالم ،أنه خاضع للتحوالت والتغيرات الدائمة وال
يستقر على حال " فما كان حقا ً باألمس ـ أي ما كان أداة صالحة أمس ـ قد ال يكون
اليوم حقا ً ـ ذلك بأن الحقائق القديمة ،كاألسلحة القديمة ـ تتعرض للصدأ وتغدو عديمة
النفع ".
104
....إن االعتقاد بوجود هللا ـ تعالى ـ في نظر المؤمن الصادق مستقل عما يحتمل أن
يترتب على وجوده من نتائج وآثار ".
أما نحن معشر المسلمين فإننا -بحمد هللا -نمتلك أعظم ثروة للعقيدة والقيم
تضمنها كتاب هللا عز وجل ونفذها الرسول صلى هللا عليه وسلم ؛حيث حقق في
عقيدته وسلوكه وأخالقياته األسوة الحسنة ـ وجمع بين " الحق " عقيدة وإيمانا ً ،و "
العمل " أخالقا ً وسلوكا ً ،وحدد األهداف ،ووضع المنهج وأحصى القيم ،مبينا ً
الطريق الذي يجتازه المسلمون من دنياهم إلى أخراهم ،وقد ألف علماؤنا مجلدات في
هذه األغراض كلها .ولكن يكفينا أن نسجل بهذه المناسبة بعض التعليقات التي تصلح
لعالج آفات " البراجماتية " ،التي تبرهن على أن العقل البشرى ال يستطيع الوقوف
وحده بغير عون من الوحي :
أوالً :أ -إن الخير هو الذي يحدد الشرع ويستمد إلزامه منه للتسليم بأن هللا تعالى هو
العليم الحكيم .قال تعالى " :كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً
وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون ) ،يفسر
ابن كثير هذه اآلية ببيان وجوب الجهاد وآثار قتال أعداء اإلسالم من النصر والظفر ثم
يمضي في تفسير قوله تعالى ( :وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم ) فيذكر أن " هذا
عام في األمور كلها ،قد يحب المرء شيئا ً وليس له فيه خيرة وال مصلحة ،ومن ذلك
القعود عن القتال ،قد يعقبه استيالء العدو على البالد والحكم .ثم قال تعالى ( :وهللا
يعلم وأنتم ال تعلمون ) أي هو أعلم بعواقب األمور منكم ،وأخبر بما فيه صالحكم في
دنياكم وأخراكم ،فاستجيبوا له ،وانقادوا ألمره ،لعلكم ترشدون) .
ب -كذلك قد يجهل اإلنسان الفروق المرجحة لما يفيده مما يضره ،قال تعالى :
( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما ) :
أما إثمهما فهو في الدين ،وأما المنافع فدنيوية ،ولكن هذه المصالح ال توازي
المضرة والمفسدة الراجحة لتعلقها بالعقل والدين ،ولهذا كانت هذه اآلية ممهدة للتحريم
على البتات كما في سورة المائدة ( :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب
واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع
بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة فهل
أنتم منتهون ) .
ثانيا ً :إن النجاح مطلوب ،والسعي والتنافس على فعل الخيرات مرغوب ،فإن
المؤمن القوي أحب إلى هللا تعالى من المؤمن الضعيف ،ولكن ينبغي أن يستظل السعي
هدفا ً وطريقاًًُ بأوامر الشرع وااللتزام بآدابه ،وسنورد هنا بعض اآليات لالسترشاد :
105
أ -قد يوسع هللا تعالى الرزق للعبد استدراجا ً له ،ثم ينزل به عقابه الشديد ،قال
تعالى ( :وال يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير ألنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا
إثما ً ولهم عذاب مهين).
وقال عز وجل ( :والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث ال يعلمون * وأملي لهم
إن كيدي متين ).
وقال سبحانه وتعالى ( :أيحسبون أنما نمدهم به من ما ٍّل وبنين * نسارع لهم
في الخيرات بل ال يشعرون) .
ب -ال يصلح هللا حال أمة إال إذا صلحت قلوبها وأعدت نفسها للتقوى ،قال
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
تعالى ( :إن هللا ال يغير ما ٍّ
جـ -تكثر المصائب عند فساد األخالق ،قال تعالى ( :وما أصابكم من مصيبة
كثير ) .
فبما كسبت أيديكم ويعفو عن ٍّ
د -وفيما يتعلق بتقوية اإلرادة فهناك آية تبين كيف يربى هللا تعالى المسلم على
تحمل الشدائد حتى يكون قوي العزيمة معدا ً لتحمل كل خطر :قال تعالى ( :أم حسبتم
أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا
حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر هللا أال إن نصر هللا قريب ) .
ثالثا ُ " :ضرورة أعمال الخير إلقامة المجتمعات اإلنسانية :
إن إقامة المجتمع على موازين المكسب والخسارة وحدهما كفيل بهدمه مادامت
العالقات بين أفراده ال تقوم إال على أساس المصلحة ،والكسب المادي ،فكم من
عالقات أخرى تقوم على اإليثار والتضحية وحب الخير لذاته ،وهي التي تكفل تحقيق
السعادة للمجتمع ؛ ألن التعاطف والتعاون هما الرائدان في حركة المجتمع اإلنساني،
وإال تحول إلى غابة من الغابات التي يأكل فيها القوى الضعيف.
ومن الصعب ـ بل يتعذر ـ إقناع النفوس بأعمال الخير ،التي ال تقوم بالمال ،إال
بنا ًء على عقيدة إيمانية راسخة تتحقق أعماالً خيرة ،وتسعى الكتساب فضائل أخالقية
وتنميها ابتغاء مثوبة هللا تعالى وجنته.
إن الحديث عن هذه األعمال يحتاج إلى مجلد كامل ،ونكتفي باإلرشاد هنا إلى
نزر يسير منها ونحيل القارئ إلى المصادر للتوسع في معرفتها وتنفيذها ،لتحقق لنفسه
الطمأنينة النفسية والسعادة المرجوة ،ولمجتمعه المثالية على المستوى اإلنساني الذي
تحقق في عصر الحضارة اإلسالمية الزاهرة ،مع العلم بأنه كثيرا ُ ما تشتمل هذه
األعمال على الجزاءين الدنيوي واألخروي :
-عن أبى موسى رضي هللا عنه عن النبي صلي هللا عليه وسلم " :على كل
مسلم صدقة " قال :أرايت إن لم يجد ؟ قال :يعمل بيديه ،فينفع نفسه ،ويتصدق ،قال
106
:أرايت إن لم يستطع ؟ قال :يعين ذا الحاجة الملهوف ،قال :أرايت إن لم يستطع ؟
قال :يأمر بالمعروف أو الخير ،قال :أرايت إن لم يفعل ؟ قال :يمسك عن الشر فإنها
صدقة " متفق عليه.
-عن جابر رضي هللا عنه أنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " ما
من مسلم يغرس غرسا ً إال كان ما أكل منه له صدقه ،وما سرق منه له صدقه ،وال
يرزؤه أحد إال كان له صدقه " رواه مسلم .وفى رواية له " فال يغرس المسلم غرسا ً ،
فيأكل منه إنسان وال دابة وال طير ،إال كان له صدقة إلى يوم القيامة " .وفي الحديث
المتفق عليه " :اتقوا النار ولو بشق تمرة" .
أما إبراهيم مصطفى إبراهيم فيقول في كتابه (نقد المذاهب المعاصرة ) :
( يمكن توجيه سهام النقد لفلسفة جيمس الدينية في النقاط اآلتية :
- 1بدأ جيمس آراءه الدينية بقوله :إن الذي يكون صميم الدين ليس الطقوس وال
الفرائض وال المعتقدات بل يكون صميم الدين العاطفة والشعور الديني ولكن هذا
الرأي يحتاج منا إلى وقفة :فاإليمان ال يتوقف فقط على العاطفة ؛ ذلك ألن العاطفة
والوجدان من المعروف عنهما أنهما عواطف متقلبة دائما ً ،وبالتالي فاإلنسان سوف
يؤمن في حالة مزاجية عاطفية وجدانية ،ويعود إلى اإللحاد عندما تتغير حالته
المزاجية !
- 2وبالطبع فاإليمان ليس كذلك ،إنما هو صرح يقوم على أسس عقائدية يؤمن
اإلنسان ويلتزم بها ويسلم بها ألنها تأتيه من هللا تعالى لصالحه.
-3يذهب جيمس إلى أن التجربة الدينية تشارك هللا تعالى في خلقها ! وهذا ما
يتنافى مع يتنافى مع الوحدانية التي هلل تعالى .فهو الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم
يولد ولم يكن له كفوا أحد .فال خالق إال هو ،سبحانه وتعالى .
- 4يذهب جيمس إلى أن هللا تعالى شخصية حقيقية متناهية توجد في الزمان!!
سبحان هللا ! أي إله هذا الذي يتكلم عنه جيمس ؟ تعالى هللا .إن اإلنسان يتصف
بالتناهي والنقص والضعف ،وهللا تعالى عكس ذلك تماماً؛ فهو الكامل القادر والقاهر
فوق عباده ،عنت له الوجوه ودانت له رقاب العباد والبالد ،فسبحان هللا عما يصفون .
- 5يقول جيمس :إن هللا تعالى ال يستطيع أن يضمن لنا خيرية العالم!! ولن أرد
هنا على جيمس بل سأدع القرآن يرد عليه ويبين بعض خير هللا النازل على عباده :
يقول هللا تعالى في محكم التنزيل ( :نحن خلقناكم فلوال تصدقون .أفرأيتم ما تمنون .أ
أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون .نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن
نبدل أمثالكم وتنشئتكم في ما ال تعلمون .ولقد علمتم النشأه األولى فلوال تذكرون .
أفرأيتم ماتحرثون .أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون .لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم
107
تفكهون .إنا لمغرمون .بل نحن محرومون .أفرأيتم الماء الذي تشربون .أأنتم
أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون .لو نشاء جعلناه أجاجا ً فلو التشكرون .أفرأيتم
النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون .نحن جعلناها تذكرة ومتاعا
للمقوين .فسبح باسم ربك العظيم ) .
- 6ترى البراجماتية بوجه عام وبراجماتية بيرس وجيمس بوجه خاص أن
االعتقاد ال اإليمان ال ينفصل عن الشك ،ومن ثم فاإليمان على مذهب البراجماتيين ال
يفارقه الشك .
- 7من الخطأ في زعم جيمس التمسك الدائم بالمعتقدات ،فاإليمان الراسخ عنده
يحجب يحجب عن اإلنسان المعرفة الصحيحة !! وهذه مقولة يطرب لها المالحدة
والعلمانيون والمنافقون أينما ثقفوا .
- 8لذلك فإنه يلزم ـ فيما يزعم جيمس ـ اختيار صحة العقائد من وقت آلخر ،
واستبعاد ما يتضح للمرء عدم صحته منها أو عدم صالحيته !! إن معيار اختيار صحة
العقائد عند جيمس ومن حذا حذوه هو إخضاعها لمحك التجربة ،فهي التي تميز الحق
من الباطل وليس حكم هللا تعالى ! فإذا أردنا أن نطبق المنهج البراجماتي على إحدى
العقائد ،كاعتقادنا أن هللا تعالى هو الرازق على سبيل المثال ،فال ينبغي على مذهب
جيمس البراجماتي أن نظل متمسكين دائما ً بهذه العقيدة ،وإنما يتعين علينا اختبارها
تجري بيا ،فإذا تبين ألحدنا أن هللا تعالى قدر عليه رزقه ،ولم يعطه ما سأل من رزق
في أي صورة من صوره ،فعليه أن يتخلى فورا ً عن هذه العقيدة !! ألن التجربة أثبتت
عدم جدواها ،وهكذا يكون المؤمن على طريق البراجماتية إنه كمن يعبد هللا على
حرف ! ( ومن الناس من يعبد هللا على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته
فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا واآلخرة ذلك هو الخسران المبين ) .إن المسلم الحق
ال يضع عقيدته موضع الشك ،وال يجعل إيمانه باهلل تعالى موضع اختيار ،بل على
العكس تماما ،يؤمن بأن هللا عز وجل يختبر عباده ) ولنبلونكم بشيئ من الخوف
والجوع ونقص من األموال واألنفس والثمرات وبشر الصابرين ) .ويقول تعالى ( :
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء
وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر هللا أال إن نصر هللا قريب ).
وهللا تعالى يبتلي العباد بالنعم كما يبتليهم بالنقم ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) فلقد خلق
هللا اإلنسان ليبتليه ليرى هل يصبر أو يكفر ؟ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "
عجبا ألمر المؤمن ،إن أمره كله خير وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ،إن أصابته سراء
شكر ،فكان خيرا ً له ،وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرا ً له " ( رواه مسلم ).
أما محمد مهران رشوان فيقول في كتابه " مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة " :
108
( الفلسفة البراجماتية اسم يطلق على عدد من الفلسفات المختلفة التي تشترك
في مبدأ عام ؛ وهو أن صحة الفكرة تعتمد على ماتؤديه هذه الفكرة من نفع أيًا كان
نوع هذا النفع ،أو على ما تؤدي إليه من نتائج عملية ناجحة في الحياة ) .
( أهم االنتقادات التي توجه إلى البراجماتية ،نوجزها في التالي :
- 1أن البراجماتية ال تقدم لنا بحثا ً إيجابيا عن الحقيقة .إذ إنها مجرد منهج
الكتشاف األفكار الخاطئة ،وهي التي ليست لها آثار عملية .وهذا منهج سلبي ال
إيجابي ،ألنها ال تهدف إال إلى استبعاد األفكار الخاطئة ،تلك التي ال تكون لها هذه
اآلثار العملية .واالستبعاد ـ كما هو واضح ـ منهج سلبي للكشف عن الحقيقة وليس
إيجابيا بحال من األحوال .
- 2يالحظ بعض الباحثين ذلك االمتداد غير المشروع لفكرة المنفعة ،فقد كان "
جيمس جيمس " والبراجماتيون يفخرون باتساع أفقهم ،ولكن الحق أن هذه الروح
الفضفاضة تبلغ حدا ً يؤدي إلى القضاء على كل معني لكلمة " النافع " عندما كانوا
يعرفون الحقيقة عن طريق المنفعة .فالنافع في اللغة المتداولة هو ما يفي بحاجة "
حيوية " ،إال أن البراجماتيين قد أضفوا على كلمة الحاجة معان بلغت من الكثرة حدا ً
لم تعد معه تدل على شيئ ،حتى وال كلمه " النافع " ذاتها .فهناك حاجات ترمي إلى
حفظ الحياة والعمل على استمرارها ،ولكن من الممكن أن نطلق اسم " الحاجة " على
ما يعبر عن أكثر الميول الوجدانية تنوعا ً :فالمرء بحاجة إلى أن يكون محترما ً ،
محبوباً ،كما أنه بحاجة إلى أن يحب ،والى أن يرى من يحبهم سعداء .والغيورون
الحاقدون بحاجة إلى أن يروا اآلخرين تعساء وأقل سعادة منهم .والمرء بحاجة إلى
اإليمان بوجود هللا ،وخلود النفس .كما أن هناك حاجات عاطفية وعقلية كالحاجة إلى
المعرفة والفهم ...وهكذا نالحظ أن " حاجات " اإلنسان و" المنافع " التي تناظرها
تبلغ من التنوع حدا يجعل كل تعريف للحقيقة بالمنفعة ينتهي آخر األمر إلى أنه ال
يوضح من طبيعتها أي شيء .
- 3ال شك في أن " الحقيقي " نافع على نحو ما ،إال أن ذلك ال يستتبع القول بأن
المنفعة هي أساس لتعريف الحقيقة .فالحقيقي نافع ألنه " حقيقي " قبل أي اعتبار
للمنفعة .وقد ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن المذهب البراجماتي يعرف الحقيقة
بأنها ما يفي بالحاجة ،غير أن أول ما نحتاج إليه عندما نبحث عن الحقيقة هو أال
نكون براجماتيين !! ومعنى ذلك أن القاعدة األساسية التي نضعها عندما نشغل أنفسنا
بالكشف عن الحقيقة هي أن نصرف كل اعتبار للمنفعة ،ولو تطرق الشك إلى نفوسنا
وآمنا بشيء ألننا بحاجة إلى هذا اإليمان ،لفقد اإليمان إذن كل قيمة له .ومرة أخرى
نقول " إن الحقيقي نافع ألنه حقيقي ،وليس حقيقيا ً ألنه نافع " .ولنتصور الحالة العقلية
109
لمريض يقول لطبيبه " ال تقل لي سوى ما أحتاج إلى تصديقه " ،أال يكون قوله هذا
توسال إليه أن يكذب ؟ وهكذا ينتهي األمر بالبراجماتية إلى أن تكون نظرية األكذوبة
الحيوية التي تقوم على أساس من نزعة الشك .إن جيمس ـ ومعه بقية البراجماتيين ـ
يلعبون لعبة خاسرة مع الحقيقة .فهو إذ يجعل من الحقيقة :حقنا في االستمرار في
االعتقاد بما ينفعنا ،إنما يرفض مفهوم الحقيقة بأسره .إن وضع الفكرة ذات النتائج
المرضية مكان مفهوم الحقيقة معناه فتح الباب ألي خيال لذيذ .فماذا يمكن أن يرضي
اإلنسان أكثر من استمراره في االعتقاد بأنه ذكي بينما هو في الواقع أبله ؟!! ان العالم
مليء بالكثير من السخف الذي يستشعر معه اإلنسان قسطا من المتعة .وإذا كان تقديم
األفكار يتم على أساس ما تؤدي إليه من نتائج عملية ،فعند أي حد نستطيع أن نحكم
على فكرة معينة بناء على هذا األساس ؟ فلو كان هناك شخص يعتقد أن الطريقة لحل
مشكالته االقتصادية هي السيطرة على أحد البنوك ،لكانت هذه الفكرة صحيحة أحياناً،
لما يترتب عليها من نتائج عملية .إال أن البراجماتيين يصرون على أن المرء ال بد أن
يضع في حسبانه ال مجرد النتائج المباشرة التي تترتب على الفكرة ،بل آثارها البعيدة
أيضاً .وهنا قد نقول إننا ال نستطيع أن نعرف النتائج العملية لهذه الفكرة ،مادامت
النتائج البعيدة قد تستمر إلى غير ما حد .فقد تعمل الفكرة بنجاح في وقت معين ،ثم
تفشل في وقت آخر ،ثم تعود للنجاح بعد ذلك .ومعنى هذا أننا ينبغي علينا أن ننتظر
بال نهاية لكي نتمكن من تقييم نتائج أي اعتقاد ،ومن تقرير ما إذا كانت له نتائج عملية
أم أنه يفتقر إلى مثل هذه النتائج .
- 4أما تطبيق النظرية البراجماتية عن الحقيقة في مجال العلم ،وما ذهب إليه
جيمس جيمس والبراجماتيون من أن قضايا العلم قضايا حقيقية ألنها مفيدة عملياً ،فيبدو
نسفا ً للحقائق العلمية من أساسها ! إن قبول نظرية معينة واعتبارها صحيحة بدون
برهان ولمجرد أنها نافعة أو أنها ترضينا من ناحية ما ،هو نقيض الموقف العلمي
تماما .إن الفرض المرضي فحسب هو في أغلب األحيان أقرب الفروض إلى الخطأ .
- 5أما تطبيق الفكر البراجماتي على المعتقدات الدينية ،فيبدو بالنسبة لنا كارثة!
فإننا ال نسلم بالحقائق الدينية لمجرد أنها نافعة – في نظرنا القاصر .-بل ألنها حقائق
في ذاتها بصرف النظر عن فائدتها ونتائجها العملية الناجحة – بحسب النظرة القاصرة
.-ألننا لو سلمنا بهذا المعيار البراجماتي ـ كما فعل جيمس ـ لكانت أية عقيدة ـ مهما
تكن أسباب إنكارنا لها ـ حقيقة لمن يرى أنها نافعة له ،فتستوي بذلك النحل والبدع
والديانات المحرفة مع الدين الحق ( اإلسالم )!! لقد تنفس جيمس الصعداء الستطاعته
إزالة العراقيل التي كانت تقف في طريق معتقداته الدينية ،ولكنه كما قال " سنتايانا "
بقسوة " لم يكن يؤمن حقيقة ،كان يؤمن بأن من حق اإلنسان أن يؤمن بأنه يمكن أن
110
يكون على حق لو آمن " ! إننا لو قلنا لشخص ما " إنني أعتبر عقيدتك خرافة ،ولكن
إذا كانت مفيدة لك فهي عقيدة حقيقة بالنسبة لك " .أليس في ذلك سخرية به ؟!
- 6إن البراجماتية تركز على الفرد ،وتعلي من " الفردية " إلى أقصى حد .وهي
بذلك تعكس الفردية الممزقة التي سادت أمريكا في القرن التاسع عشر .وهذه الفردية
بما يرتبط بها من فوضى وغموض تجعل األفراد عاجزين عن تحمل النظام والرقابة
والمهام االجتماعية .إن هذه الفردية هي التي جعلت أواصر قربى بين البراجماتيين
وبين الفيلسوف السوفسطائي " بروتاجوراس " حين قال " :إن اإلنسان مقياس
األشياء جميعا ً " .وقد كتب " شيلر " يقول " ينبغي علينا أن نعود مرة أخرى إلى ما
فعله بروتاجوراس ،فنتخذ األحكام الفردية ألشخاص مفردين نقطة بدء لنا " .لكن
ليس لنا أن ننسى أن بروتاجوراس هو أحد هؤالء الذين كانوا يخلطون الحق بالباطل،
لكي يتصيد في الماء العكر ما هو زائف ومريح ،ويشيد صرح الخطابة على أنقاض
الفلسفة .لقد الحظ أفالطون بحق في " ثيتاتوس " أننا لو سلمنا بمبدأ بروتاجوراس،
لكان معنى ذلك التسليم بأن حجج المجنون تعادل في صدقها حجج العاقل ،وأن أحط
الحيوانات شأنا قد يكون له رأي في الكون ال يقل حصافة عن رأي اإلنسان الحكيم!!
وبعد ...إن البراجماتية قد تصلح ألولئك الذين يتمتعون بروح عدوانية ،تسعى إلى
السيطرة النابليونية .أما بالنسبة ألولئك الذين يتمتعون بالروح اإلنسانية ،ويتمسكون بالمثل
العليا ،والقيم الدينية ،فإن البراجماتية تبدو لهم ضيقة األفق ،محدودة اإلطار ،مخيبة لآلمال
)
المدرسة العليا لألساتذة في اآلداب والعلوم اإلنسانية
بوزريعة -الجزائر
111
مدخـل إلى علوم التربية
مـن إعداد األسـتاذيــن :
-كمـال عبـد اللــه
-عبـد اللـه قـلــي
-الوظائف االجتماعية
-المؤسسات التربوية
112
األسس االجتماعية للتربية
تخضع المجتمعات اإلنسانية في الوقت الحاضر لكثير من التغيير والتطور-
سرعة ومدى -بما لم يسبق أن مارسته في أية فترة من فترات التاريخ اإلنساني هذه
التغيرات والتطورات التي شملت كل نواحي الحياة السياسية واالجتماعية واالقتصادية
والتي فرضت نفسها على قيم األفراد وسلوكهم ،وعلى المؤسسات االجتماعية المختلفة
فارتفعت بها -أو تحاول ذلك -شكال ومحتوى -إلى مستوى المسؤولية لمقابلة التحديات
والمطالب التي تفرضها هذه التغيرات والتطورات.
مفهوم األسس االجتماعية :
هي القوى االجتماعية المؤثرة في وضع المنهج وتنفيذه وتتمثل في التراث
الثقافي للمجتمع والقيم والمبادئ التي تسوده والحاجات والمشكالت التي يهدف إلى
حلها واألهداف التي يحرص على تحقيقها .وهذه القوى تشكل مالمح الفلسفة
االجتماعية أو النظام االجتماعي ألي مجتمع من المجتمعات وفي ضوئها تحدد فلسفة
التربية التي بدورها تحدد محتوى المنهج وتنظيمه وإستراتيجيات التدريس والوسائل
واألنشطة التي تعمل كلها في إطار متسق لبلوغ األهداف االجتماعية المرغوب في
تحقيقها
وهذه القوى تشكل مالمح الفلسفة االجتماعية أو النظام االجتماعي ألي مجتمع
من المجتمعات ,وفي ضوئها تحدد فلسفة التربية التي بدورها تحدد محتوى المنهج
وتنظيمه واستراتيجيات التدريس والوسائل واألنشطة التي تعمل كلها في إطار متسق
لبلوغ األهداف االجتماعية المرغوب في تحقيقها.
فدور المنهج هو أن يعكس مقومات الفلسفة االجتماعية يحولها إلى سلوك
يمارسه التالميذ بما يتفق مع متطلبات الحياة في المجتمع بجوانبها المختلفة ,ولما كانت
المدرسة بطبيعة نشأتها مؤسسة اجتماعية أقامها المجتمع من أجل استمراره وإعداد
األفراد للقيام بمسؤولياتهم فيه ,فمن الطبيعي تتأثر بالمجتمع والظروف المحيطة به.
ومعنى ذلك أن القوى االجتماعية التي يعكسها منهج ما في مدرسة ما إنما هي تعبير
عن المجتمع في مرحلة ما ,ولذلك تختلف المناهج من حيث الشكل والمنطق من
مجتمع آلخر تبعا ً لتباين تلك القوى.
1ـ تمكين المتعلم العربي من فهم ذاته االجتماعية ،وفهم وطنه العربي وديناميكية
تطوره ،ومشاكله وتحدياته االجتماعية بموضوعية وواقعية ونظرة متفائلة ،وفي سياق
ذلك تمكين المتعلم العربي من فهم أسرته وبيئته المحلية متدرجا ً لفهم وطنه والعالم ،مع
113
تنمية القدرة لفهم الحضارات والمجتمعات األخرى في العالم ،ومع تأكيد اإلحساس
باالنتماء لآلخرين وقبول اختالفهم وخصوصياتهم الثقافية والتعامل اإليجابي معهم .
2ـ تأكيد بناء قدرات ومهارات اجتماعية من أهمها :
ـ تنمية االتجاه االجتماعي نحو حب العمل واإلخالص فيه .
ـ وإدراك ضرورته لحياة الفرد وأسرته ووطنه .
ـ تنمية االتجاه االجتماعي اإليجابي نحو العمل اليدوي والمهني الكتساب
مهاراته األساسية وضرورته لحياة العصر الحديث .
ـ تنمية االتجاه االجتماعي لالعتماد على النفس والقدرة على العمل مع اآلخرين
والتعاون معهم إلنجاز هذا العمل.
ـ خلق الحافز لقبول التغير والتجديد االجتماعي في العادات والتقاليد واألعراف
االجتماعية التي لم تعد تتفق وحياة العصر الحديث أو التي تعيق النمو والتنمية
االجتماعية واالقتصادية.
ـ تنمية وتأكيد االتجاه االجتماعي لقبول المساواة بين الرجل والمرأة ومشاركتها
في الحياة االجتماعية ،في إطار من ثوابت وقيم الثقافة العربية اإلسالمية الصحيحة،
ونبذ النظرة إلى المرأة على أنها أقل مكانة من الرجل.
3ـ تطوير إستراتيجية التربية العربية بما يحقق تأكيد المبادئ التالية:
ـ تكوين إنسان معتز بأنه عربي ومسلم أو مسيحي من أبناء األمة العربية .
ـ تكوين إنسان معتز بكرامته وذاته الفردية واالجتماعية .
ـ تكوين إنسان يقبل االختالف االجتماعي والثقافي ويحترم اآلخرين في أسرته
ومجتمعه والعالم ،وله القدرة على التعايش والتعامل معهم بروح إيجابية بناءة .
والمدرسة مؤسسة اجتماعية أساسية تمثل جزءا هاما من المجتمع الذي تعيش
فيه ،تتأثر به ،مستجيبة للمطالب التي تفرضها قيم المجتمع عليها ،بعد شخصيات
الصغار وتشكلها للمعيشة في المجتمع والمساهمة في حياته.
ولقد أنشأ المجتمع المدرسة لكي تعد الجيل الصغير لالشتراك في المنشط
اإلنسانية التي تسود حياة الجماعة وللتكيف معها ،ولإلحساس باألمن والطمأنينة في
رحابها ،ولذلك فشخصية المدرسة تتحدد أبعادها بأبعاد المجتمع الذي تخدمه.
وال يقتصر عمل المدرسة على إعداد الجيل الصغير لالشتراك في حياة الجماعة
والتكيف معها ،ولكن هذا اإلعداد يتضمن أيضا القدرة على تجديد هذه الحياة وعلى
تطعيمها بالدم الجديد ،الذي يبعث فيها الحركة والنمو.
114
وعلى هذا األساس تستجيب المدرسة لمطالب التغير االجتماعي وتحدياته في
المجتمع الذي تعيش فيه ،وتعمل في الوقت نفسه على أن تكون رائدة بهذا التغير
االجتماعي ومبشرة به وموجهة إليه ،عن طريق هذا الجيل الصغير الذي تعده وتشكله.
الجمود االجتماعي :
على أن كثيرا من الناس -ومن بينهم كثير من المدرسين -ينظرون إلى
األوضاع القائمة في المدارس على أنها مستمرة ويجب أال تتغير وهم يتساءلون دائما :
لماذا هذا التغيير في نظام التعليم وقوانينه ولوائحه؟ لقد تعلمنا في الماضي في المدرسة
وسلكنا طريقنا ونجحنا في الحياة ،وتعلم المدرسون مادة تخصصهم ونالوا شهادة
تعترف فيها الدولة لهم بهذا التخصص .وهم بهذا كله يحاولون أن يعزلوا المدرسة عن
التطورات االجتماعية التي تحدث في المجتمع ،ناظرين إلى المدرسة نظرة ضيقة
تنحصر بين حدود مادتهم العملية التي تخصصوا فيها .وهنا يبرز سؤال هام خاص
بعمل المدرسة :مداه وأهدافه .هل يجب على المدرسة أن تحذر نفسها وتقصر أهدافها
على نقل أنواع المعارف والمهارات إلى التلميذ ؟ أم أنها يجب أن تتعدى هذه األهداف
الضيقة لتعنى بتشكيل تخصصات تالميذها سلوكا واتجاهات وعادات وقيما؟ وفي
الحالة األولى ما هي أنواع المعارف والمهارات التي تحتل األهمية العظمى؟ وفي
الحالة الثانية ما هو نوع الشخصية اإلنسانية الذي تعمل على تشكيله؟
ولكن لماذا فشل المدرسون في أن يروا هذه الحقيقة الهامة وهي أن نمط
المدرسة يرتبط باستجابة تاريخية لمطالب اجتماعية_قد تكون متساندة وقد تكون
متعارضة -تفرض نفسها على تربية الصغير؟ قد يرجع هذا إلى نقص في تعليمهم
المهني ،وإعدادهم الفني ،إذ أن كثيرا من المدرسين قد أعدوا من ناحية تخصصهم في
مادتهم ،ولكنهم لم يتعلموا أن ينظروا إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية في ظل نظام
اجتماعي معين ،وأنها تعمل في حدود هذا اإلطار في عالقاته المتشابكة المتعددة
المعقدة.
إن إحساس المدرس باألسس االجتماعية للمدرسة ،ومعرفته باإلطار االجتماعي
لمادته ،وإدراكه للنظام االجتماعي القائم وانعكاساته المختلفة على المدرسة في أهدافها
ومناهجها وإدارتها وعالقاتها ،من أهم ما نهدف إليه.
المجتمع والتربية :
لقد اختلف المفكرون والفالسفة في تحديد عالقة التربية بالمجتمع ،فمنهم من
رأى (أرسطو) بان التربية هي الوسيلة الوحيدة الستقرار المجتمع وأنظمته وقيمه
115
وأوضاعه االجتماعية بينما رأى فريق آخر ( أفالطون ) إن التربية وسيلة إلصالح
المجتمع وتحسينه وتقدمه وتطوره.
فلو تأملنا في تاريخ الشعوب لعلمنا كم التربية لعبت دورا هاما في حياتها ،مثل
الحضارة البابلية والمصرية والصينية والفينيقية ،حيث أضافت إليها روائع الفكر
الجديد ،فاهتم االثينيون بالتطور الفكري ،واعتنوا بتربية اإلنسان ،وجعلوا التربية
همهم األول ،حيث أخرجت أثينا نخبة األساتذة العقل البشري والفالسفة الخالدين الذي
اثروا في العلوم اإلنسانية.
وفي اسبرطة لعبت التربية دورا حيويا في بناء المجتمع والذي ال يزال يعتبر
نموذجا للتربية التي تميزت بطابعها العسكري ونظامها التربوي االنتقائي الصارم.
حيث عملت مجتمع متين موحد وقوي في مواجهة أقسى الظروف.
أما أثينا فقد عملت على تربية الفرد وركزت على قوة شخصيته لمواجهة
أصعب الظروف ،وقد حرصت التربية عند الرومان على تخريج أجيال مدربين على
فنون القتال والحرب.
حتى التربية الحديثة في بناء المجتمعات الحديثة ،هذا ما تفعله األمم ،وهذا
ما فعلته التربية اإلسرائيلية ،حتى أعدت دولتها ،قامت ببناء مجتمع حربي مستعدا
دائما للقتال ،عن طريق التربية.
وفي اليابان نموذج رائع بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية ،ببناء مجتمع
قوي ومتحضر صناعي ،يحمل المسؤولية في جميع االتجاهات ،وقد لعبت التربية
دورا بارزا في هذه الحضارة.
وتطبيقا لذلك نشأت األمة والدولة العربية اإلسالمية وتطورت ظروف انتشار القوة
العربية تحت لواء الرسالة اإلسالمية في مواجهة التحدي الخارجي ،بفضل اإلنسان
العربي المسلم الجديد الذي أصر الرسول على توفير التربية الجيدة له حتى يصوغه
أوال قبل اإلقدام على نشر الدعوة اإلسالمية .إلى أن بدا الوهن والضياع يدب في هذا
القوم نتيجة بعدهم عن التربية اإلسالمية الصحيحة .ومن هنا نرى كيف التربية لعبت
وال تزال تلعب دورا هاما وأساسيا في بناء اإلنسان والمجتمع وتطويرهما قديما
وحديثا..
وهكذا فان التربية تستطيع تحقيق ذلك باعتبار أنها وظيفة اجتماعية تتفاعل مع
مجتمعها تأثرا فيه ،وخاصة إذا ما استطاعت العمل على:-
- 1إحداث تنمية اجتماعية حقيقية داخل المجتمع العربي ،بمواجهة التخلف،
وتحدي حضاري شامل ومتكامل.
116
- 2إن إحداث تنمية اجتماعية شاملة داخل المجتمع العربي تستوجب من التربية
تنمية القدرة العربية من الموارد والطاقات الذاتية وحدها على مواجهة التحديات.
- 3إن إعداد اإلنسان العربي الذي يمثل الثروة الحقيقية إعدادا حضاريا متميزا
سيظل يمثل حجر األساس في عملية بناء المجتمع العربي المستقبلي ،وهذا يتطلب من
التربية جهدا واعيا ودورا كبيرا لتحقيقه فكرا وتطبيقا.
- 4أن تعمل التربية على جعل الوعي العلمي فكرا ومنهجا وتطبيقا أساسه في
الحياة العامة ،داخل المجتمع العربي ،وذلك من خالل تطوير البحث العلمي وتشجيع
مؤسساته واستيعاب كل منجزاته واإلسهام في تحقيق أهدافه.
-5منح المرأة العربية كل فرص التعليم المتكافئة باعتبارها تمثل المجتمع.
- 6جعل التخطيط التربوي أساسا ومنهجا دائما لربط أهداف التربية وبرامجها
ومناهجها بحاجات المجتمع من القوى العاملة والمهارات الالزمة لبنائه وتطويره.
117
ألن أساليب التدريس في المدرسة العربية ال تزال تقوم على أساليب الحفظ
والتسميع والترديد والتكرار اآللي من قبل الطالب.
إن هذه العملية التقليدية والتربوية تفتقر إلى األهداف التنموية والفلسفة
الواضحة والسياسية التعليمية الرشيدة التي يمكن للمعلم والمتعلم االسترشاد بها غي
عملهم.
إن المناهج والبرامج والمقررات التعليمية مناهج نظرية أكثر منها عملية
تطبيقية ومقررات كالسيكية تقليدية تفتقر إلى الحداثة فيشعر المعلمين والدارسين معها
باالغتراب والملل والضجر وعدم التشويق.
إن العملية التعليمية في مدارسنا ومعاهدنا عملية حرفية تعتمد على الكتاب
المقرر فقط ،كما تعتمد على االمتحانات المثالية كمقاييس لحفظ الطالب للمادة التعليمية
للتحصيل األكاديمي.
إن العملية التربوية التعليمية في مدارسنا العربية تسير بدون تخطيط حقيقي.
إن إدارة المدرسة العربية ال تزال إدارة بوليسية تعتمد على أساليب السلطة
الفوقية بدال من االعتماد على أنماط اإلدارة الحديثة والقيادة التربوية Leadership
الواعية.
إن العملية التربوية التعليمية داخل مدارسنا العربية عملية (أحادية) أي من
طرف واحد هو المعلم فقط ،فتفتقر بالتالي إلى التفاعل من أطرافها (المعلم والمتعلم
والمناهج واإلدارة).
عملية التعليم أصبحت عملية روتينية عميقة من التعلم والمناهج السلبي.
كل تلك العوامل ساهمت إلى حد كبير في فشل العملية التربوية التعليمية في مدارسنا
ومن ثم صياغة وتنشئة وتخريج إنسان عربي آلي ساذج (كالببغاء) ال يحسن التعبير
عن نفسه وذاته.
وحتى الئم النظام التعليمي والتربوي أهداف مجتمعنا العربي والواقع الذي
نعيشه ال بد من تحقيق ما يلي:
صياغة أهداف واضحة لنظامها التعليمي والتربوي المدرسي والجامعي.
تعبير األساليب التعليمية التقليدية والتحفيظية من الروضة والمدرسة وحتى
الجامعة.
تغيير المناهج التعليمية والتربوية بحيث تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا مع واقع
المجتمع وحاجات األفراد المتعلمين وقدراتهم.
توفير الفرص للمعلمين واألساتذة والمدرسين لرفع مستوياتهم المعرفية والفنية
والمهنية.
118
ال بد لمدارسنا ومؤسساتنا التعليمية وقيادتها اإلدارية من استخدام التخطيط بكل
أشكاله ومستوياته وصور المختلفة المرحلي منه واالستراتيجي الشامل في عمليات
رسم التعليمية أو محاولة تطوير هذه المؤسسات.
التعليم العالي :
إن جذور مشكلة تعليمنا الجامعي تبدأ من المدرسة ،حيث تصل عدد من طالب
مدارسنا من التعليم العام إلى الجامعة وهم غير قادرين أو مؤهلين للتعليم الجامعي
والعالي .يصف نائب المدير العام لليونسكو نظام التعليم العربي ( بأنه يمتاز بالجمود
واالفتقار إلى جو الدراسة الجادة والبحث العلمي الواعي ،مثلما يعاني من
البيروقراطية السافرة والمناهج العتيقة (القديمة) والتقاليد البالية) .لم تستطع المدارس
أو الجامعات العربية حتى اآلن في تحقيق الديمقراطية كنمط بين أجيالها ألن المدرسة
أو الجامعة نفسها ال يسودها جو ديمقراطي ،بل أنهما ال توجدان في مجتمع ديمقراطي
أصال ،ومن هنا فإن األجيال التي ستخرجها هذه المدرسة أو الجامعة هي أجيال
مقهورة عاجزة ،وبالتالي فإن اإلنسان المقهور العاجز ال يستطيع إن بيني حضارة أو
يحرر أرضا أو وطنا .تتبلور مالمح أزمة الجامعات والتعليم العالي في الوطن العربي
في عدد من المظاهر السلبية التي تسيء إلى النظام متمثلة :
مفهوم المدرسة في المجتمع العربي مفهوم تسلطي يتمثل في فرض نمط فكري
أو أساسي معين على أذهان الشباب من الطالب أو الطالبات.
في البرامج والمناهج التعليمية التعسفية التي تستند إلى المدرسة النظرية وحدها
دون االهتمام بالتطبيق والتجريب حتى أصحبت سلبية وأحادية الجانب حيث فشلت
ألنها منفصلة عن حاجاتنا.
ما يعانيه النظام الجامعي في الوطن العربي ومؤسساته األكاديمية من التطبيق
واألخذ بنظم وقواعد غاية في الشدة والصرامة في الحضور والتقديرات.
وبهذا فالمشكلة الرئيسية في نظامها التعليمي العالي بشكل عام أنه نظام تقليدي
متطابق متشابه ليس فيه تجديد أو تطوير أو تنويع سواء في التخصصات أو المقررات
أو األساليب أو الخرجين .من أجل وضع تصور مستقبلي ألهداف وبرامج ومناهج
نظامنا التعليمي والتربوي ليكون على مستوى من الوعي والقدرة للمشاركة في بناء
مجتمع المستقبل العربي المنشود مع إطاللة العام األلفي الثالثة فإنه ال بد من العمل
على تحقيق االستراتيجيات التعليمية والتربوية التالية :
إن نعمل أوال على جعل المدرسة العربية أداه للتغيير والتحرر وخلق الوعي
االجتماعي بدال من أن يكون مفهومها تسلطيا ودورها قمعيا استعالئيا.
119
وضع فلسفة تربوية وتعليمية واضحة تنبثق من تراثنا الحضاري العربي
اإلسالمي.
إن نثور مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا بمناهجها وإدارتها وأنظمتها ولوائحها
وبرامجها التعليمية والتربوية لردم الهوة القائمة بين واقعنا التعليمي والتربوي الحالي
وبين التعليم اإلبداعي واالبتكار الذي نحلم بتحقيقه بدء من الروضة وحتى الجامعة.
إن نحدد أهدافنا وغاياتنا القريبة والبعيدة.
إن تطور البرامج والمناهج التعليمية التي تستطيع بها إنتاج إنسان عربي
متكامل.
جعل حياة الطالب العربي بمثابة المحور الذي تدور حوله الدراسة الجامعية.
تغيير أنماط التعليم والتعلم وأساليب التدريس التقليدية في مدارسنا ومعاهدنا
وجامعاتنا.
إعداد الكوادر التربوية المؤهلة من المعلمين واإلداريين للعمل في المدارس.
وضع خطط زمنية مرحلية وإستراتيجية شاملة ألنظمتنا التعليمية القائمة في
مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا.
تحويل مدارسنا ومؤسستنا التعليمية وجامعتنا إلى مراكز للنشاط الفكري
والبحث العلمي.
عن نستخدم مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا لتكون مراكز للتعلم واالتصال
الجماهيري والثقافة الشعبية الجماهيرية.
إن مسؤولية صناعة وإنتاج اإلنسان العربي المطلوب بمواصفات عصرية
تتجاوز في أهميتها كل مسؤولياتها وأولويتها أخرى كما تحتاج الشيء الكثير من العمل
الدءوب والجهد والتنسيق الفعال بين كل األوساط المعنية والوسائط التربوية
االجتماعية في المجتمع العربي حيث تصبح مسؤولية إعداده ال تقتصر على الدراسة
أو األسرة بشكل خاص فحسب بل وعلى المؤسسات االجتماعية واإلعالمية والثقافية
كالمعهد والمؤسسات التعليمية والجامعية واإلذاعة والتلفزيون والمسرح ودور العبادة،
بحيث تشترك جميعها في إعداد وإنتاج وتنشئة وصناعة هذا اإلنسان العربي بشكل
متكامل.
الوظائف االجتماعية للتربية :
التربية نظام اجتماعي أساسي في كل المجتمعات دعت إليه ضرورة ملحة،
وهي تنشئ األطفال تنشئة اجتماعية وتربيهم ليصبحوا مواطنين صالحين في المجتمع
،ومن أهم وظائفها االجتماعية:
120
أ -نقل التراث الثقافي المسؤول عن تحويل األفراد من الطبيعة البيولوجية إلى
الطبيعة اإلنسانية.
بـ -تجديد التراث الثقافي واإلضافة إليه.
جـ -تحديد مركز الفرد االجتماعي والدور الذي يقوم به.
المؤسسات التربوية وأثرها في تربية الفر بع
والمجتمع
من المعروف أن التربية نشاط أو عملية اجتماعية هادفة ،وأنها تستمد مادتها من
المجتمع الذي توجد فيه ؛ إذ إنها رهينة المجتمع بكل ما فيه ومن فيه من عوامل
ومؤثرات وقوى وأفراد ،وأنها تستمر مع اإلنسان منذ أن يولد وحتى يموت ؛ لذلك فقد
كان من أهم وظائفها إعداد اإلنسان للحياة ،والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه
المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به.
وألن هذا التأثر والتأثير ال يُمكن أن يحصل إال من خالل المؤسسات االجتماعية
المتنوعة التي تتولى مهمة تنظيم عالقة اإلنسان بغيره ،وتعمل على تحقيق انسجامه
ت ومكونات ،فإن العملية التربوية مستمرة مع المطلوب مع ما يُحيط به من كائنا ٍّ
اإلنسان منذ أن يولد وحتى يموت؛ وتتم من خالل المؤسسات التربوية االجتماعية التي
تتولى مهمة تربية اإلنسان ،وتكيفه مع مجتمعه ،وتنمية وعيه اإليجابي ،وإعداده للحياة
فيه .وتُعد هذه المؤسسات التربوية بمثابة األوساط أو التنظيمات التي تسعى
المجتمعات إليجادها تبعا ً لظروف المكان والزمان ،حتى تنقُل من خاللها ثقافاتها،
وتطور حضاراتها ،وتُحقق أهدافها وغاياتها التربوية.
وهنا تجدر اإلشارة إلى أن المؤسسات التربوية ال تكون على نمطٍّ واحد ،أو
كيفي ٍّة واحدةٍّ طول حياة اإلنسان ،إذ إنها متعددة األشكال ،مختلفة األنماط ،وتختلف
باختالف مراحل عمر اإلنسان ،وظروف مجتمعه ،وبيئته المكانية والزمنية
والم عيشية ،وما فيها من عوامل وقوى .كما تختلف باختالف نوعية النشاط التربوي
فيها. ممارسته تتم الذي
ُ
وهنا يمكن تعَريف المؤسسات التربوية بأنها تلك البيئات أو األوساط التي تساعد
اإلنسان على النمو الشامل لمختلف جوانب شخصيته ،والتفاعل مع من حوله من
الكائنات ،والتكيف مع من ما حوله من مكونات.
ويأتي من أبرز وأهم هذه المؤسسات التربوية في المجتمع األسرة والمدرسة
وجماعة الرفاق إلى جانب المسجد ووسائل اإلعالم واألندية وأماكن العمل ونحوها من
121
المؤسسات المختلفة التي تؤثر على تربية اإلنسان سوا ًء كان ذلك التأثير بطريق ٍّة
ُمباشرةٍّ أو غير مباشرة .
ومعنى هذا أن تربية اإلنسان ال يمكن أن تتم إال من خالل بعض المؤسسات أو
الوسائط االجتماعية المختلفة .ونظرا ً لكثرة هذه المؤسسات وتنوعها واختالف أشكالها
ع َرف المجتمع المسلم عبر تاريخه الطويل عددا ً من هذه المؤسسات وأنماطها ،فقد َ
ً ً
االجتماعية التربوية والتعليمية المختلفة التي كانت نتاجا طبيعيا للعديد من المطالب
حين وآخر على العالم اإلسالمي .بل والتحديات والتغيرات الحضارية التي طرأت بين ٍّ
عرفت في اإلسالم إنما نشأت استجابةً إن كل مؤسسة من المؤسسات التربوية التي ُ
لحاج ٍّة وظروفٍّ اجتماعي ٍّة معينة .
ويأتي من أبرز هذه المؤسسات التربوية والتعليمية ما يلي :
) 1األُسرة ( المنـزل ) :
وهي الخلية األولى التي يتكون منها نسيج المجتمع ،كما أنها الوسط الطبيعي
الذي يتعهد اإلنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره األولى .وقد حث اإلسالم
على تكوينها واالهتمام بها ألثرها البارز في بناء شخصية اإلنسان وتحديد معالمها منذ
الصغر .وتتكون األسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة
الواحدة؛ وتربطهم رابطةٌ شرعيةٌ قائمةٌ على المودة والمحبة.
وتُعد األسرة أهم المؤسسات التربوية االجتماعية التي لها الكثيـر من الوظائف،
وعليها العديد من الواجبات األساسية حيث تُعتبر بمثابة المحضن األول الذي يعيش
اإلنسان فيها أطول فترةٍّ من حياته ،كما أن اإلنسان يأخذ عن األُسرة العقيدة،
واألخالق ،واألفكار ،والعادات ،والتقاليد ،وغير ذلك من السلوكيات اإليجابية أو
السلبية .
ولألسرة وظائف كثيرة ٌ ومتنوعة السيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع
الجوانب الشخصية لإلنسان في مختلف مراحل عمره .وعلى الرغم من اشتراك
األسرة المسلمة مع غيرها من األسر في أداء بعض الوظائف التربوية ؛ إال أن لألُسرة
المسلمة بعضا ً من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي :
أ ) العمل على تزويد المجتمع المسلم بالذرية الصالحة التي تُحقق قوله صلى هللا
كاثر بكم " ( رواه النسائي) .والتي تكون عليه وسلم " :تزوجوا الولود الودود ؛ فإني ُم ٌ
عامالً قويا ً في تحقق واستمرار الحياة األُسرية ،وضمان استقرارها.
ب ) تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد األسرة حتى تتم
فعم بالسعادة بعيدا ً عن القلق والتوتر والضياع .ويأتي ذلك جو ُم ٍّ عملية تربيتهم في ّ ٍّ
تحقيقا ً لقوله تعالى َ } :و ِّم ْن آ َيا ِّت ِّه أ َ ْن َخلَقَ لَ ُك ْم ِّم ْن أ َ ْنفُ ِّس ُك ْم أ َ ْز َواجا ً ِّلت َ ْس ُكنُوا ِّإلَ ْي َها َو َجعَ َل
122
ت ِّلقَ ْو ٍّم يَتَفَ َّك ُرون َ{ ( سورة الروم :اآلية رقم ) 21 بَ ْينَ ُك ْم َم َودَّة ً َو َرحْ َمةً إِّ َّن فِّي ذَلِّكَ آليا ٍّ
.
ج ) ُحسن تربية األبناء والقيام بواجب التنشئة االجتماعية اإليجابية ،والعمل
على صيانة فطرتهم عن االنحراف والضالل ،تحقيقا ً لقوله صلى هللا عليه وسلم ":
صرانِّ ِّه ،أو يُم ِّ ّجسانِّ ِّه " ( رواه ُك ُّل مولو ٍّد يُولدُ على الفطرة فأبواهُ ي ّ ِّ
ُهودانِّ ِّه ،أو يُن ِّ ّ
البخاري) .
د ) توفير مقومات التربية اإلسالمية الصحيحة ألفراد األسرة عن طريق العناية
بمختلف الجوانب الشخصية لإلنسان ( روحياً ،وعقلياً ،وجسمياً) .والحرص على
توازنها وتكاملها لما لذلك كله من األثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة
السوية ،والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها من المكونات ،ومن حولها من
الكائنات بصورةٍّ ايجابي ٍّة ،ومستمرةٍّ طول فترة الحياة .
هـ ) الحرص على توعية أعضاء األسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافعٍّ ومفيد
،والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة ،وحمايتهم من كل ما يُهدد سالمتهم
وسالمة غيرهم ،وتعليمهم األخالق الكريمة ،واآلداب الفاضلة ،والعادات الحسنة حتى
يشبون عليها ،ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل ،والتخلي عن الرذائل .
و) إكساب أعضاء األسرة الخبرات األساسية والمهارات األولية الالزمة لتحقيق
تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة ،وإكسابهم الثقة بالنفس ،والقدرة على التعامل مع
اآلخرين .
ُ
وهنا تجدر اإلشارة إلى أن الدور التربوي لألسرة في عصرنا الحاضر قد
تقلص بعض الشيء ولم يعد بنفس المنـزلة التي كان عليها من قبل ،والسبب في ذلك
ت اجتماعي ٍّة أُخرى تمكنت في العصر الحاضر من ُمزاحمة األسرة أن هناك مؤسسا ٍّ
والسيطرة على معظم الوقت الذي يقضيه اإلنسان تحت تأثيرها ومن هذه المؤسسات
وسائل اإلعالم التي تُعد بحق في عصرنا أهم وأبرز المؤسسات التربوية االجتماعية
المؤثرة تأثيرا ً فاعالً في حياة اإلنسان صغيرا ً كان أو كبيراً ،جاهالً أو ُمتعلما ً ،ذكرا ً أو
أُنثى .
الدور التربوي لألسرة :
يأتي مفهوم البيت واألسرة دائما ً مع وجود األبناء فالهدف من تكوين األسرة هو
حصول الوالدين على أبناء وبمعنى آخر فاألسرة كيان يتم بناءه من أجل الوصول إلى
أهداف معينة أهمها إنجاب األبناء وتربيتهم ،والواقع أن تربية األبناء ليس باألمر
السهل بل هي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق األسرة حيث يتطلب األمر الكثير من
الجهد والتخطيط فإذا ابتغى الوالدان التوفيق في تربية أبناء صالحين وبناء مستقبل
123
واعد لهم ينبغي عليهما تحديد أهداف تربوية معينة ومعرفة الوسائل والطرق الالزمة
للحصول على تلك األهداف حيث يشكل ذلك برنامجا ً تربويا ً متكامالً وعلى الوالدين
تربية أبنائهم وفق هذا البرنامج.فالوالدان اللذان ال يفكران في تربية أبنائهم ال يحق لهما
انتظار المعجزة والمستقبل من أبنائهم فكما نسمع في الزراعة اصطالحات الري
والغرس وجني الثمار ففي عملية التربية والتعليم أيضا ً ما يشابه ذلك أي أن األبناء
يعتبرون الثمار الناتجة من الجهود التربوية للوالدين وهناك جوانب أساسية في التربية
ينبغي على األسرة مراعاتها أهمها :
أوالً :تنمية شخصية الطفل واكتشاف القدرات الذاتية :
اإلنسان في طفولته يملك مواهب فكرية ونفسية وعاطفية وجسمية ووظيفة
األسرة تنمية هذه المواهب واكتشاف القدرات والصفات التي يملكها أبنائهم والتعرف
إلى نقاط القوة والضعف وفي الواقع تختلف قابلية األطفال ومقدرتهم في تلقي الدروس
حيث التباين الفردي والتنوع في الميول واالتجاهات وفي هذا الجانب ينبغي على
األسرة والمدرسة مراعاة ذلك.
ثانيا :تنمية العواطف والمشاعر:
العواطف والمشاعر مثلها مثل غيرها من مقومات الشخصية لدى اإلنسان
تحتاج إلى التربية واإلرشاد ولعل من أهم العوامل التي يجب أن تراعيها األسرة
الالمباالة وعدم االكتراث واالهتمام بمطالبهم ألن هذه المشاعر هي عالمات تدل على
ميل نحو بعض األمور أو بالعكس تفسر نفوره وعدم ميله نحو أمور أخرى فإذا علم
الوالدان ذلك أمكنهم تصحيح المسار نحو الوجهة السليمة.
ثالثا ً :تنظيم وقت الطالب واستغالل ساعات الفراغ :
هذا الجانب من أهم الجوانب التي يجب على األسرة مراعاتها حيث يعتبر
الفراغ مشكلة المشاكل عند الشباب وعليه فإن المسؤولية تقع على ولي األمر فيجب
عليه تنظيم وقت الطالب بحيث يكون هناك وقت كافي ومناسب للمذاكرة ووقت
مناسب آخر للترفيه في األشياء المفيدة وفي هذا الجانب يعتبر قرب ولي األمر من
أبنائه ومتابعته لهم ومنحهم الرعاية هي أقصر الطرق لسد ساعات الفراغ.
124
الوالدين إرشاد أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة حتى ال تنحرف حاجاتهم فتتولد
لديهم مشكالت نفسية واجتماعية .
خامسا :اختيار األصدقاء :
تعتبر الصداقة وإقامة العالقات مع اآلخرين من الحاجات األساسية لألبناء
خصوصا ً في سن الشباب فاألطفال والناشئون يؤثرون على بعضهم البعض ويكررون
ما يفعل أصدقاؤهم وبكل أسف يتورط عدد من شبابنا في انحرافات خلقية نتيجة
مصاحبة أصحاب السوء ،ومن أجل اختيار الصديق الصالح يجب على الوالدين أو
على األسرة كلها توضيح معايير الصداقة ألبنائهم وصفات الصديق غير السوي مع
المتابعة المستمرة لذلك.
سادسا :العالقات األسرية وأسس التعامل مع األبناء :
إذا بنيت عالقات األسرة على االحترام سيكون بناؤها قويا ً متينا ً وهذا في الواقع
يؤثر تأثيرا ً إيجابيا ً على مستقبل األبناء وعالقاتهم االجتماعية وإذا عامل األبوان
أبناءهم معاملة حب وتكريم فإن حياتهم تكون خالية من القلق واالضطراب أما
استعمال العنف واأللفاظ البذيئة يسبب إضعاف شخصية االبن وتوتره وعموما ً ينبغي
التوازن في التربية أي ال إفراط وال تفريط حتى ال تكون هناك نواحي عكسية.
سابعا ً :القدوة الحسنة :األطفال يقلدون في سلوكياتهم اآلباء واألمهات والمعلمين
فاألطفال الصغار يتأثرون أكثر بآبائهم وأمهاتهم لكن عند ذهابهم إلى المدرسة يتأثرون
أكثر بمعلميهم ،وعلى هذا يجب أن يعلم المربون أن أفكارهم وسلوكهم وكالمهم نموذج
يحتذى به من قبل األبناء وعليه يجب أن يكونوا قدوة في كافة تصرفاتهم.
) 2المسجد :
يُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات االجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية
اإلسالمية ارتباطا ً وثيقا ً نظرا ً لعد ٍّد من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك
االرتباط والتالزم ،السيما وأن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم األول مجرد مكان
ألداء العبادات المختلفة فقط بل كان أشمل من ذلك ؛ إذ كان جامعا ً ألداء العبادات من
سنن والنوافل ،وجامعةً للتعليم وتخريج األكفاء من الخلفاء والعلماء الفرائض وال ُ
والفقهاء واألمراء ،ومعهدا ً لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع ،ومركزا ً للقضاء
والفتوى ،ودارا ً للشورى وتبادل اآلراء ،ومنبرا ً إعالميا ً إلذاعة األخبار وتبليغها،
ومنـزالً للضيافة وإيواء الغرباء ،ومكانا ً لعقد األلوية وانطالق الجيوش للجهاد في
سبيل هللا تعالى ،ومنتدُى للثقافة ونشر الوعي بين الناس ،إلى غير ذلك من الوظائف
االجتماعية المختلفة.
125
وبذلك يمكن القول إن المسجد في اإلسالم يُعد جامعا ً وجامعةً ،ومركزا ً لنشر
الوعي في المجتمع ،ومكانا ً الجتماع المسلمين ،ولم شملهم ،وتوحيد صفهم .وهو
مكان ،وأطهر بقعةٍّ ،وأقدس مح ِّّل يمكن أن تتم فيه تربية اإلنسان المسلم
ٍّ بحق أفضل
ً ً
وتنشئته ،ليكون بإذن هللا تعالى فردا صالحا في مجتمعٍّ صالحٍّ.
ولعل من أهم ما يُميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يُعطي
ٌ
مكان للتعليم والتوعية الشاملة، التربية اإلسالمية هويةً مميزة ً لها عن غيرها ،وأنه
التي يُفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختالف مستوياتهم ،وأعمارهم ،وثقافاتهم،
وأجناسهم ،إضافةً إلى فضل التعلم في المسجد ،وما يترتب على ذلك من عظيم األجر
وجزيل الثواب .فقد روي عن أبي هريرة رضي هللا عنه أنه قال :قال رسول هللا
ت من بيوت هللا ،يتلون كتاب هللا ، صلى هللا عليه وسلم " :وما اجتمع قو ٌم في بي ٍّ
ويتدا رسونه بينهم إال حفتهم المالئكة ،ونزلت عليهم السكينة ،وغشيتهم الرحمة،
وذكرهم هللا فيمن عنده " ( رواه ابن ماجة ،ج ،1الحديث رقم ، 225ص . ) 82
) 3المدرسة :
وهي من أهم وأبرز المؤسسات االجتماعية التربوية التي أنشأها المجتمع للعناية
بالتنشئة االجتماعية ألبنائه ،وتربيتهم ،وتهيئتهم ،وإعدادهم للحياة .كانت تربية
األبناء قبل إنشاء المدارس بيد اآلباء ورجال الدين وكان األطفال يتعلمون عن طريق
تقليد الكبار ونتيجة لتضخم التراث البشري وصعوبة تقليد الصغار للكبار نشأت
الحاجة للمدارس.
فالمدرسة مؤسسة اجتماعية تعمل على تحقيق أهداف المجتمع والمحافظة عليها
من خالل مسئوليتها بتربية التالميذ وإعدادهم بالمعلومات واالتجاهات والقيم الالزمة
لهم في الحياة.
ولقد تميز القرن العشرين بازدياد إشراف الدول على التعليم لدرجة أن معظم
الدساتير الحديثة تتضمن مواد تتعلق بالتعليم من حيث تخطيطه وتنظيمه وتمويله ,كما
توسعت الدول في فتح المدارس من أجل المحافظة على التراث الثقافي للمجتمع
وإعداد المواطنين بما يتفق وخصائص المجتمع وأهدافه ,وهو مما يجب أن يقوم به
المنهج ويعمل على تحقيقه.
فالمدرسة ال تعمل في فراغ وإنما لها عالقة بكل مؤسسات المجتمع من األسرة,
المؤسسات الدينية ,وسائل اإلعالم ,مؤسسات أخرى مثل السينما والمسرح واألندية
والجمعيات والمعارض والمكتبات والمتاحف.
إن الوظيفة األولى للمدرسة هي إعداد الناشئة للمحافظة على القيم والمبادئ
األساسية السائدة في المجتمع فمن واجب القائمين على تخطيط المنهج تحليل هذه القيم
126
والمبادئ للتمكن من وضع منهاج تربوي يساير األوضاع االجتماعية ويلبي
احتياجاتها .وانطالقا ً من أهمية التعليم كقوة فاعلة في تحقيق األهداف التي يسعى إليها
كل مجتمع فقد أصبح وظيفة عامة تشرف عليها الدولة ,وهذا ما دفع معظم الدول
الحديثة إلى جعل التعليم مجانيا ً وإلزاميا ً لفترة من الوقت المنهج يقوم على أساسين
هما:
فهم األهداف االجتماعية فهما ً عميقا ً والعمل على تلبيتها.
قيام المدارس بدور إيجابي في مساعدة التالميذ على تحليل وفهم تلك األهداف
وتنفيذها .
من أول واجبات المدرسة تزويد التالميذ بالقدر المناسب من ثقافة مجتمعهم
الذي يعيشون فيه ,وال بد لمعرفة العالقة بين المنهج المدرسي وثقافة المجتمع من
توضيح مفهوم الثقافة وما أصابه من تطور.
فالثقافة – أو التراث الثقافي– هي طريقة الحياة الكلية للمجتمع بجوانبها الفكرية
والمادية وتشمل الثقافة اللغة وأسلوب تناول الطعام وارتداء المالبس والعادات والتقاليد
والمعارف العلمية والنظم العائلية واالقتصادية والسياسية ,ومما يعتنقه الناس من قيم
دينية وخلقية وآراء سياسية وغيرها من أساليب الحياة.
وقد نتج عن هذا التطور في مفهوم الثقافة تغير في مفهوم المنهج فبعد أن كانت
المناهج تتناول الجانب الفكري المعرفي من حياة المجتمع أصبحت تتناول أوجه الحياة
التي تؤثر في الفرد والمجتمع .وعلى الرغم من أنه ال يُعرف متى وأين وكيف ظهرت
أول مدرس ٍّة في التاريخ إال أنه يُمكن القول إنها ظهرت عندما دعت الحاجة إليها .
ولعل من أبرز وأهم وظائف المدرسة ما يلي :
* أنها تعمل على تبسيط ونقل التُراث المعرفي والثقافي ونحو ذلك من جيل
الكبار إلى جيل الصغار ،أو من المعلمين إلى الطالب تبعا ً لما يتناسب واستعداداتهم
وقدراتهم المختلفة ،فينتج عن ذلك جي ٌل متعل ٌم و ُمثقف .
* أنها تعمل على استكمال ما كان قد تم البدء فيه من تربي ٍّة منزلية للفرد ،ثم
تتولى تصحيح المفاهيم المغلوطة ،وتعديل السلوك الخاطئ ،إضافةً إلى قيامها بمهمة
التنسيق والتنظيم بين مختلف المؤسسات االجتماعية ذات األثر التربوي في حياة الفرد
فال يحدث نوع من التضارب أو التصادم أو العشوائية .
كبير في عصرنا الحاضر حينما تكون في معظم األحيان بديالً بدور ٍّ
ٍّ * أنها تقوم
لألُسرة إذ يتشرب الصغار فيها عادات وقيم وأخالق وسلوكيات مجتمعهم الذي
يعيشون فيه .
127
* أنها بمثابة مركز اإلشعاع المعرفي في البيئة التي توجد فيها ،إذ إنها تُقدم
ت كثيرة ومنافع عديدة من خالل نشر الوعي الصحيح بمختلف للمجتمع كله خدما ٍّ
القضايا ،وكيفية التعامل السليم مع من حول اإلنسان وما حوله .
* أنها تعمل على إشاعة الوعي اإليجابي عند أبناء المجتمع تجاه مختلف
باشر أو غير ُمباشر .
ق ُم ٍّالقضايا الفردية أو الجماعية سوا ًء كان ذلك بطري ٍّ
) 4وسائل اإلعالم :
وهي مؤسسات اجتماعية تربوية إعالمية تكون في العادة مرئيةً ،أو مسموعةً،
أو مقروءة .وتُعد هذه الوسائل على اختالف أنواعها من أهم وأبرز الوسائط التربوية
في عصرنا الحاضر ،وأكثرها تأثيـرا ً على تربية وثقافة ووعي اإلنسان ،حيث تُقدم
برامج مختلفة وثقافات متنوعة من خالل وسائلها الجماهيرية المختلفة التي منها :
اإلذاعة ،والتلفزيون ،والفيديو ،والصحافة ،وشبكة اإلنترنت ،وأشرطة التسجيل
السمعية ،والسينما ،والمسارح ،والمعارض ،والمتاحف ،وغيرها من الوسائل األُخرى
التي تُخاطب جميع الفئات ،ومختلف األعمار ،وتدخل كل بيت ،وتصل إلى كل مكان.
وتمتاز وسائل اإلعالم بقدرتها الفائقة على جذب اهتمام الناس من مختلف األعمار،
والثقافات ،والبيئات .كما تمتاز بأن لها تأثيرا ً قويًّا على الرأي العام في مختلف
ت عريض ٍّة من فئات المجتمع ،وهذا يعني أنه الظروف ،وأن تأثيرها يصل إلى قطاعا ٍّ
من المهم جدًّا استثمارها ،واإلفادة منها ،والعمل على تسخيرها بشتى الطرق
والكيفيات لخدمة أهداف وأغراض التربية اإلسالمية ،عن طريق التنسيق المستمر بين
هذه الوسائل وغيرها من المؤسسات التربوية األُخرى في المجتمع .وعن طريق إسناد
مهمة اإلشراف عليها لمن تتوافر فيه الكفاءة الدينية وال ُخلقية والعلمية والمهارية .
اإلعالم العربي والتربية :
تعتبر وسائطنا ووسائلنا اإلعالمية العربية أو كما نسميها بوسائل االتصال
الجماهيرية أو أدوات تستهدف السلطة بها ومن خالل التأثير بالجماهير والناس بشكل
عام ،حيث تستطيع هذه الوسائل أن تلعب دورا حاسما ومؤثرا في تشكيل اتجاهات
الرأي العام وتحديد المواقف واالتجاهات نحو مختلف القضايا والمشكالت التي
تواجهها المجتمعات ،ومثلما لها دورا هاما جدا وفعاال إعالميا فإن لها أيضا دورا
تعليميا وتربويا في عملية النمو السلوكي للفرد والجماعة إلى الحد الذي تمارس فيه
السيطرة على عملية اإلرشاد والتوجيه فرديا وجماعيا ،وقد أوضح (بروان )1980
و(موليندا )1983خصائص هذه الوسائل في مجال اإلبداع واالبتكار من حيث أنها:
128
-تعمل على إثراء خبرات الطفل المتعلم من المعلومات والمعارف في جميع
مجاالت المعرفة كالرموز أو الصور الذهنية المسموعة أو المركبة والكلمات
المقروءة.
-تساعد على تنمية المهارات الالزمة للسلوك اإلبتكاري.
-تنمية االتجاهات االيجابية والتفكير اإلبتكاري في حل المشكالت.
-زيادة خبرات الطفل وتجاوزه حدود الزمان والمكان فتزداد قدرات الطفل
على التعرف على المجتمع الذي تعيش فيه والتعامل معه.
-تنمية قدرة المتعلم على الخيال والتفكير وحل المشكالت.
ألن وسائل االتصال الجماهيري تعتبر من أهم مصادر المعرفة بل ومن أقوى
وسائل ووسائط التربية فقد كان من واجبها إن يكون دورها باعتبارها جزء من العملية
التربوية الشاملة متكامال مع دور كل المدرسة واألسرة والمؤسسات االجتماعية
والتربوية األخرى .فالتعليم يبقى قاصرا إذا لم ترافقه تربية غير مباشرة عن طريق
وسائط ووسائل اإلعالم المختلفة ولذلك يجب علينا أن نحدد مسبقا الهدف من العملية
اإلعالمية هذه وهو الوصول إلى درجة كبرى من التغيير في طبيعة تركيبة المجتمع
التقليدية أو الشخصية الفرد ،ولهذا فال بد للعملية اإلعالمية أن تكون متفاعلة ايجابيا مع
العملية التربوية وبالعكس ،زان يقف منها موقف المساند على اعتبار أ ،اإلعالم
يستطيع أن يمارس دورا تربويا صحيحا .والحقيقة التي ال بد من ذكرها هنا هو هذا
الخلل وعدم التوازن بين التربية والوسائل العربية ثم انعدام التنسيق إنما يرجع أساسا
إلى عدم التكامل أوال بين السياسات اإلعالمية العربية ذاتها ثم انعدام التنسيق ثانيا بينها
وبين السياسات التربوية ،ألنه ال بد أن يكون لوسائل اإلعالم واالتصال الجماهيرية
العربية دورا هاما وفعاال في العلمية التربوية بشرط إن يحسن استخدام هذه األجهزة
وتسخرها لخدمة مصالح اإلنسان العربي وحاجاته وطموحاته.
إن التربية أوال هي وحدها الوسيلة األساسية لتحقيق التطور وإنها هي أوال
وأخيرا أداة تنفيذه وتحقيقه .وهذا ما يجعلنا أن نقرر أننا بحاجة إلى تربية تمكن األجيال
العربية من تحقيق وتحرير ذاتها ،ومن بناء مشروعها الحضاري العربي وصناعة
مستقبلها ،وتأكيد هويتها وشخصيتها المستقبلية .وإطالق قدراتها وطاقاتها اإلبداعية.
155
6ـ نسبة المقيدين في التعليم الفني والمهني إلى جملة المقيدين في مؤسسات التعليم
األكاديمي العام ،وخاصة التعليم الثانوي والعالي ،وما هي الخطوات والسياسات
المتبعة في هذا النوع من التعليم وإسهامه وربطه بالتنمية وسوق العمل ؟ وفي نفس
الوقت محافظته على الجانب الثقافي واالجتماعي وإعداد المواطنة العربية ؟.
7ـ نسبة المقيدين في كليات علمية بحثة وتقنية مقابل المقيدين في كليات العلوم
اإلنسانية واآلداب واللغات والمالحظ أن حوالي ثلثي القيد %60هم في تخصصات
العلوم اإلنسانية مقابل %30أو أقل مسجلون في تخصصات علمية وتقنية دقيقة مع
فارق بين البلدان العربية وما آثار كل نسبة على الفرد والمجتمع وسوق العمل وبناء
القدرة العربية العلمية والتقنية؟ وكيف يمكن المحافظة على التوازن بين إعداد اإلنسان
التقني المهني وإعداد اإلنسان االجتماعي المثقف والواعي بالجانب اإلنساني للنهضة
والتقدم العلمي والتقني للوطن العربي؟.
8ـ ال تدري السياسات التربوية العربية بدقة علمية مدى شعور الطالب العرب
أنفسهم باالستفادة مما تعلموا في حياتهم وأعمالهم الوظيفية بعد التخرج ،وهل هناك
حاجة إلى تغير مضمون المناهج التعليمية؟.
9ـ ليس للسياسات التربوية العامة في الوطن العربي مؤشرات أو مقاييس دقيقة
لمعرفة وتحديد مدى تقدير جهات العمل ومؤسساته لما تعلمه الطالب ووظفوه في
أعمالهم الوظيفية وعالقاتهم بزمالئهم في العمل والمهنة.
10ـ وأخيرا ً ال تعرف السياسات التربوية العربية ثالثة أمور بدقة،
(أ) مدى التطور الذي حصل في النظام التربوي العربي؟ وبأي مقاييس
وخاصة فيما يتعلق بالتطور النوعي وارتباطه بحاجات الطالب الفردية وحاجات
المجتمع العربي في عصر يتسم بالتطور السريع والتعقيد االجتماعي والتقني.
(ب) مدى تطور مدخالت ومخرجات النظام التعليمي العربي ومدى إسهامها
في جعله أكثر حداثة وعصرية وارتباطا ً بطبيعة العالم المعاصر اجتماعيا ً وثقافيا ً وتقنيا ً
واقتصادياً.
(ج) مدى تطور النظام التعليمي العربي في بيئته الداخلية وقدرته على خدمة
بعض مكوناته ومراحله لمكونات ومرحلة أخرى ،أي ارتباط وترابط كل مرحلة
بأخرى مثل دور التعليم الثانوي في خدمة التعليم الجامعي والعكس دور التعليم
الجامعي في خدمة التعليم الثانوي.
156
و إلى جانب المرحلة السابقة للنظام التربوي العربي وما عكسته من إيجابيات
وسلبيات فإن إستراتيجية التربية العربية عليها أن تجد اآلن سياسات وخطط وبرامج
للمشاكل والتحديات المذكورة والمنبثقة من المرحلة السابقة ،وعليها أيضا ً أن تجد
سياسة تربوية للمرحلة الحالية التي حددت بالمرحلة الثالثة ،وهي مرحلة إعداد
اإلنسان العربي للقرن الحادي والعشرين ،فإستراتيجية التربية العربية اآلن في مرحلة
بناء مجتمع المستقبل أمامها مهمتين رئيسيتين األولى معالجة ما تبقى من تحديات
ومشاكل من المرحلة السابقة (ما بعد االستقالل وحتى نهاية الثمانينات) ،وما يظهر
ويستجد من عقبات وتحديات اآلن .والمهمة الثانية هي استعمال المدرسة كما يقول
الدكتور عبد اللطيف محمود محمد في دراسته المدرسة كقاطرة لمجتمع المستقبل،
بعبارة أخرى فكأن العرب سيدخلون عالم القرن الحادي والعشرين بمسئوليتين
تاريخيتين؛ إصالح البيت وترميمه أوالً ،وتغيير وتحديث هيكله الداخلي والخارجي
ليكون منسجما ً مع نفسه ومقبوالً لحياة جديدة لسكانه وتعاملهم مع جيرانهم اآلخرين في
القرية الكونية الواحدة.
وعلى أية حال وفي إطار الرؤية السابقة توجد عالقة قوية ما بين الثورات
العلمية الكبرى التي شهدتها اإلنسانية كما حددها توماس كون ()1922-1996
Thomas KUHNفي كتابه المعنون "بنية الثورات العلمية ،والثورات التعليمية
التي واكبتها.
والثورة العلمية في حقيقتها نوع من االستنارة العقلية التي تمثل نقلة نوعية
للبشرية من مرحلة إلى أخرى أرقى منها ،والمقصود هنا بالرقي تحقيق المزيد من قوة
العقل على حساب انحسار لقوة الخرافة وتكمن قوة العقل في المعرفة ،وبالتالي في
اكتساب القدرة على الفعل ،وهنا تصبح المعرفة كما قال عنها فرانسيس بيكون
( )1926-1861أنها تعادل القوة ،إذن فالثورات العلمية الكبرى كانت في جوهرها
ثورات عقلية معرفية تزيد من قوة اإلنسان ،أما الثورات التعليمية فهي عملية تحويل
للقوة من وجود محايد إلى وجود منحاز إلطار العمل لصالح ترسيخ نمط من العالقات
االجتماعية وتشييده .لذا فالثورات التعليمية توفر للثورات العلمية المناخ المالئم لقبولها
اجتماعيا ً وثقافيا ً وتعطي لها ما يسمى بقوة اإلقناع ،وقوة اإلقناع مرهونة بمدى توافر
فرص التعليم الجيد وانتشاره في المجتمع كذلك العدالة في توزيع تلك الفرص على
المستويات االجتماعية المختلفة ،وهذا يعني رفع نصيب الفرد من قوة المعرفة وقوة
اإلقناع ،لقد دفعت البشرية ثمنا ً غاليا ً عبر القرون لتوسع نطاق المشاركة في قوة
المعرفة ولالستدالل على هذه النتيجة نجد ذلك الترابط التاريخي في التالزم بين
الثورتين العلمية والتعليمية فمثالً في مراحل بارزة منها نجد مثالً نظرية دوران
157
األرض التي أعلنها كوبرنيك في كتابه الشهير في دوران األفالك السماوية عام
،1543كان قد أخفاها طوال حياته خشية أن تبطش به سلطة الكنيسة في أوروبا حيث
فرضت نسقا ً تعليميا ً جامدا ً يحد من نطاق المشاركة في (قوة المعرفة) والملفت للنظر
أن كوبرنيك ذكر في نهاية كتابه هذا حقيقة أن فيثاغورس كان قد سبقه في الكشف عن
هذه النظرية منذ القرن الخامس قبل الميالد ،لكنه حين أشار لذلك تعرض للطرد
وإلحراق داره ،ومعنى ذلك أن نظرية دوران األرض بوصفها الثورة العلمية األولى
استغرق إعالنها وقبولها اجتماعيا ً ألفي سنة ذلك ألن الثورة العلمية تغير في الواقع
القائم بحيث يمكن تقبل حدوث الواقع القادم (المستقبل) ومن ثم فإنها تحتاج لثورة
تعليمية تمهد الواقع لقبولها لذلك فالثورة العلمية األولى (نظرية دوران األرض)
تالزمت مع ثورة تعليمية مهدت لظهور المدرسة كمكان لنقل المعرفة ونشرها.
أما الثورة التعليمية الثانية فكانت مواكبة لعصر النهضة والثورة الصناعية في
أوروبا ،والتي ولدت من رحم ثورة علمية أخرى عبر عنها كل من (نيوتن) بنظرية
كرؤية انطولوجية للكون وكانط Kantبفلسفة العقل وقيادية دوره في الوصول
للمعرفة ،وتالزم ذلك مع قيام الدولة القومية وانتشار الطباعة األمر الذي يتطلب شكالً
من التعليم أكثر تنظيما ً وتلبية الحتياجات التطور الصناعي والتجارة العالمية من
معارف ومهارات في الحساب والهندسة والفلك وغيرها .وبتوسيع قاعدة المشاركة في
التعليم (المعرفة) زاد وعي ودور الناس وكان ذلك تمهيدا ً لعصر الثورات االجتماعية
الكبرى في أوروبا.
واآلن نشهد ثورة تعليمية جديدة مع الثورة العلمية التي واكبت ما يُعرف بعصر
ما بعد الصناعة ،وما بعد الحداثة ،والذي بدأ مع نظرية أنشتين في النسبية
وتصورات علم السبيرنطيقا الذي نشأ عام 1948على يد العالم األمريكي نور برت
ونير ،ويعتمد علم السبيرنطيقا على قبول مبدأ االحتمال ليحل محل مبدأ اليقين العلمي
مما أسرع بالثورة العلمية التكنولوجية في خمسينيات القرن الماضي التي سرعان ما
تحولت منذ عقد الستينيات منه لما يُعرف بثورة المعلومات واالتصاالت التي ولدت في
التسعينيات من القرن الماضي أو ما يعرف بالعولمة تلك المقولة التي ال زلنا نشهد
تجلياتها الثقافية واالقتصادية والسياسية على شكل زلزال عنيف هز ثوابت سابقة
كثيرة وال تزال توابعه متوالية الحدوث.
158
إستراتيجية التربية العربية والمستقبل
يتضح مما تقدم أننا في الوطن العربي لمتابعة السير نحو المستقبل فنحن في
حاجة ماسة للكشف عن أربعة أمور:
األمر األول :ـ أن نحدد على ماذا نحن مقبولون عليه؟.
األمر الثاني :ـ أن نحدد على ماذا نحن قادرون؟.
األمر الثالث :ـ أن نحدد كيف نوظف التربية والمدرسة لما نحن عليه
مقبولون؟.
ً
األمر الرابع :ـ أن نحدد كيف نوظف التربية والمدرسة لما نحن فعال عليه
قادرون ،دون خيال وأحالم غير واقعية.
ً ً
إن المعطيات والفرضيات السابقة تتطلب تحويرا وتطويرا لسياسات التربية في
الوطن العربي بحيث تستند إلى الفرضيات التالية:
1ـ التعامل مع الشك والتعقيد الموجود في الواقع.
2ـ التمركز حول الفعل المرتبط بالعقل نظريا ً وعملياً.
3ـ إطالق مستويات التفكير العليا لإلنسان العربي.
4ـ تقليل ما في العالقات من مجهول.
5ـ تقبل التعدد في األسباب والنتائج واآلثار فكل ما نحققه احتمالي وليس يقيني.
6ـ ترك المجال واسعا ً للرؤى التربوية المتعددة وإطالق إمكانيات اإلبداع.
و يترتب على الفرضيات السابقة استخدام متغيرات التنبؤ لتحديد مستقبل ودور
التربية في المجتمع على النحو التالي :
أوالً :ـ دراسة الواقع العربي واستخالص البنية الفكرية وإثارة التصورات
المستقبلية بشكل ودور المدرسة في المجتمع.
ثانيا ً :ـ اختيار عوامل وقوى التغيير المتنبأ بها.
ثالثا ً :ـ تحديد المتغيرات في شكل قائمتان :األولى ،قائمة العوامل
االجتماعية العامة والثانية ،قائمة العوامل االجتماعية الخاصة.
رابعا ً :ـ رسم خريطة التنبؤ وتحديد البدائل المتاحة.
159
األستاذ :مــــرزوق أيــــوب – أم البواقي –
الجزائر Ayoub.merzouk@yahoo.fr
160