Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 160

‫مدخـل إلى‬

‫علوم التربية‬
‫األستاذ ‪ :‬مــــرزوق أيــــوب – أم البواقي‬
‫– الجزائر‬
‫‪Ayoub.merzouk@yahoo.fr‬‬

‫المحور األول‪ :‬مفهوم التربية‬


‫التربية‪ :‬مفهومها‪ -‬تطورها ‪ -‬أهميتها‬

‫معنى التربية لغة واصطالحا‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫لغة جاء في لسان العرب البن منظوور‪" :‬رباا يرباو بمع اا ان و ماا"‬
‫وفي القرآن الكريم قال تعالا‪" :‬فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل‬
‫زوج بهيج" (سورة الحج اآلية ‪ )5‬أي مت وا نانت ورباه بمع اا أ أا‪،‬ه و ماا‬
‫هامو ف فوإذا‬ ‫قواه الجسنية والعقلية والخلقياة و جااء فاي قولاا تعاالا‪" :‬وتور ارر‬
‫أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" وفي قولا تعالا‪" :‬ألم نربك فينا ولي ا ولبث فينوا‬
‫من عمرك سونين" وأيضاا قولاا تعاالا‪" :‬وقول ر أرحمهموا كموا ربيواني صوغيرا"‬
‫إأارات إلا ذلك المع ا اللغوي للتربية فهي بمع اها الواسع تع ي كال مملياة تساامن‬
‫ملا تأكيل مقل الفرن وجسما وخلقا باستث اء ما قن يتانخل فياا مان مملياات تكوي ياة‬
‫المعلوماات والمهاارات المعرفياة مان خا ل‬ ‫أو وراثية وبمع اها الضيق تع ي غار‬
‫كذلك فإن تعريف التربية يختلاف بااخت ف‬ ‫مؤسسات أ أئت لهذا الغرض كالمنار‬
‫وجهات ال ظر ويتعنن حسب الجوا ب والمجاالت المؤثرة فيها والمت‪،‬ثرة بها‬
‫والتربية الصحيحة هاي التاي ال تفارض ملاا الفارن فرضاا بال هاي التاي تا‪،‬تي‬
‫تيجة تفامل مفوي بين المعلم والمتعلم أو باألحرى بين التلميذ والمربي الماهر‬
‫وقااان يأاااار إلاااا التربياااة بالبياااناغوجيا ‪ Peedagogy‬التاااي ترجاااع إلاااا أصااالها‬
‫اإلغريقي الذي يع ي توجيا األوالن حيث تتكون هذه الكلمة من مقطعين ‪ Pais‬وتع ي‬
‫ولن و ‪ Ogogé‬وتع ي توجيا والبياناغوجي يع اي م ان اإلغرياق المرباي أو المأارف‬
‫ملا تربية األوالن وفي معجام العلاوم السالوكية إن التربياة تع اي التغيارات المتتابعاة‬
‫التي تحنث للفرن والتي تؤثر في معرفتا واتجاهاتا وسالوكا وهاي تع اي ماو الفارن‬
‫ال اتج من الخبرة أكثر من كو ا اتجا من ال ضج‬
‫لكلماة التربياة إ هاا مجماو‬ ‫وقن جاء تعرياف اليونيسوكو فاي مؤتمرهاا ببواري‬
‫مملية الحياة االجتمامية التي من طريقها يتعلم األفران والجماماات ناخال مجتمعااتهم‬
‫‪2‬‬
‫الوط ية والنولية ولصالحها أن ي موا وبومي م هم كافة قنراتهم الأخصية واتجاهاتهم‬
‫واستعناناتهم ومعارفهم وهذه العملية ال تقتصر ملا أ أطة بعي ها"‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ورن فاااي "الصوووحا " فاااي اللغاااة والعلاااوم أن التربياااة هاااي‪" :‬تنميوووة الوظوووا‬
‫الجسمية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها عن طريق الت ري والتثقي "‬
‫التربية هي مملية هانفة لها أغراضها وأهنافها وغاياتها وهاي تقتضاي خططاا‬
‫ووسائل ت تقل مع ال اأئ من طور إلا طور ومن مرحلة إلا مرحلة أخرى‬
‫أما التربية بالمع ا الواساع فهاي تتضامن كال مملياة تساامن ملاا تأاكيل مقال‬
‫الفرن وخلقا وجسما باستث اء ماا قان يتانخل فاي هاذا التأاكيل مان مملياات تكوي ياة أو‬
‫وراثية وإذا رجع ا إلا مفكري التربية مبر العصور فإ ا جن منة تعريفات للتربية‬
‫م ها‪:‬‬
‫مرفهااا أفالطووون ب‪ ،‬هااا تاانريب الفطاارة األولااا للطفاال ملااا الفضاايلة ماان خ ا ل‬
‫اكتسابا العانات الم اسبة‬
‫أما ميلتون (‪ )1608-1674‬فإ ا يقول ب‪،‬ن التربية الصاحيحة هاي التاي تساامن‬
‫الفرن ملا ت‪،‬نية واجباتا العامة والخاصة في السلم والحرب بصورة م اسبة ومااهرة‬
‫االكوويني فيقاول‪" :‬إن الهانف مان التربياة هاو تحقياق الساعانة مان خا ل‬ ‫أما توما‬
‫الفضائل العقلية والخلقية"‬ ‫غر‬
‫ويرى هيجل‪" :‬أن الهنف من التربية هو تحقيق العمل وتأجيع روح الجمامة"‬
‫أما بستالوت ي فأابا التربياة الصاحيحة بالأاجرة المثمارة التاي غرسات بجا اب ميااه‬
‫جارية‬

‫‪3‬‬
‫ويرى جون يوي أن التربية هي‪" :‬مملية مساتمرة إلماانة ب ااء الخبارة بهانف‬
‫توسيع وتعميق مضمو ها االجتمامي"‬
‫فالتربية مموما تعتبر مملية أاملة تت ااول اإل ساان مان جمياع جوا باا ال فساية‬
‫والعقلية والعاطفية والأخصية والسلوكية وطريقة تفكيره وأسلوبا في الحياة وتعاملا‬
‫مع اآلخرين كاذلك ت اولاا فاي البيات والمنرساة وفاي كال مكاان يكاون فياا وللتربياة‬
‫مفاهيم فرنية واجتمامية ومثالية‬
‫التربية بالمعنى الفر ي‪:‬‬
‫هااي إماانان الفاارن لحياتااا المسااتقبلية وبااذلك فهااي تعاانه لمواجهااة الطبيعااة كمااا‬
‫تكأف بذلك مان مواهاب الطفال واساتعناناتا الفطرياة وتعمال ملاا ت ميتهاا وتفتحهاا‬
‫وتغذيتها‬

‫أما بالمعنى االجتماعي‪:‬‬


‫ف هااي تعلاام الفاارن كيااف يتعاماال مااع مجتمعااا وتعلمااا خباارات مجتمعااا السااابقة‬
‫بقاء المجتمعات فالمجتمع الذي ال يحرص‬ ‫والحفاظ ملا تراثا ألن التراث هو أسا‬
‫ملا بقااء تراثاا مصايره الا وال وباذلك فالتربياة باالمع ا االجتماامي تحارص ملاا‬
‫تمكين المجتمع من التقنم وتنفعا حو التطور واال نهار‬
‫وبالمعنى المثالي‪:‬‬
‫فهي تع ي الحفاظ ملا المثل العليا للمجتمع األخ قياة واالقتصاانية واإل ساا ية‬
‫ال ابعة من تاريخ األمة ومان حضاارتها وثقافتهاا ومان خبراتهاا الماضاية ومان ني هاا‬
‫ومن طريق تعاملها وم قتها باألمم األخرى وم قات األفران فيها وغيرها‬

‫‪4‬‬
‫مموما فالت ربية ما هي إال وسيلة للتقنم البأري في كل مكاان وللعملياة التربوياة‬
‫ث ثة أطراف هاي‪ :‬المرباي والمترباي والوساط الاذي تاتم فياا العملياة الترباوي وهاي‬
‫مملية هانفة ال مأوائية أي أ ها مملية مو اجتمامي وإ سا ي ال تقوم ملاا التلقاين‬
‫وإ مااا هااي مب يااة ملااا التفاماال بااين طرائقهااا الخاصااة للوصااول إلااا مقاال المتربااي‬
‫ولتوجيها وتربيتا‬
‫أما التربية بمفهومها الحنيث فت ظر إلا الطفل ك قطة ا ط ق في مملية التربياة‬
‫التي ترتبط بالحياة سواء في ب ائها كعملية تربوية أو في تائجها المعرفية والسالوكية‬
‫فالطفل هو مرك العملية التربوية وت ميتا هي هنفها‬
‫ولقن أقر مجمع اللغة العربية في مصر تعريف التربية‪" :‬ب‪ ،‬ها تبليا الأايء إلاا‬
‫كمالا أو هي كما يقول المحنثون ت مية الوظائف ال فساية باالتمرين حتاا تبلا كمالهاا‬
‫أيئا فأيئا"‬
‫وهي كاذلك مملياة تهاذيب للسالوك وت مياة للقانرات حتاا يصابص الفارن صاالحا‬
‫للحياة فهي مملية تغذية وت أئة وت مية جسنية وخلقية وماطفية‬
‫وم نما تكلم من التربية ف ع ي بها تلك التي تعون الطفل ملا التفكير الصحيص‬
‫والحياااة الصااحيحة بمااا ت ا ونه ماان معااارف وتجااارب ت فااع مقلااا وتغااذي وجنا ااا‬
‫وت مي ميولا ومواهبا وتعاونه العاانات الحسا ة وتج باا العاانات السايئة في أا‪ ،‬قاوي‬
‫الجسم حسن الخلق سليم العقل مت ن الأخصية قانر ملا أناء رسالتا في الحياة‬
‫خصا ص مفهوم التربية‪:‬‬
‫‪ -‬إن التربية مملية تكاملية‬
‫‪ -‬مملية فرنية اجتمامية‬
‫‪ -‬تختلف باخت ف ال مان والمكان‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬مملية إ سا ية‬
‫‪ -‬مملية مستمرة‬
‫و يرى توفيق ح ا أن التربية هي مملية مستمرة ال يحنها من معاين وهاي‬
‫ص ح البأارية وهاي قاوة هائلاة‬ ‫كل جوا ب حياة الفرن والمجتمع وهي أسا‬ ‫تم‬
‫وميوبها وأمراض المجتمع وميوبا ولذلك فهاي‬ ‫يمك ها القضاء ملا أمراض ال ف‬
‫كل مؤسسات المجتمع كاألسرة والمنرسة والسجن ونور الحضا ة‬
‫أهمية التربية ‪:‬‬
‫لقن بر ت أهمية ا لتربية وقيمتها فاي تطاوير هاذه الأاعوب وت ميتهاا االجتمامياة‬
‫واالقتصااانية وفااي يااانة قاانرتها الذاتياااة ملااا مواجهااة التحاانيات الحضااارية التاااي‬
‫تواجهها كما أ ها أصبحت إستراتيجية قومية كبرى لكل أعوب العالم والتربياة هاي‬
‫مامل هام في الت مية االقتصانية للمجتمعات وهي مامل هام في الت مية االجتمامياة‬
‫وضرورة للتماسك االجتمامي والوحنة القومية والوط ية وهي مامل هام في إحاناث‬
‫الحراك االجتمامي ويقصن باالحراك االجتماامي فاي جا باا اإليجاابي ترقاي األفاران‬
‫في السلم االجتمامي وللتربية نور هام في هذا التقنم والترقي أل هاا ت يان مان ومياة‬
‫الفرن و ترفاع بقيمتاا ومقانار ماا يحصال م هاا كماا أن التربياة ضارورية لب ااء النولاة‬
‫العصرية وإرساء النيمقراطية الصحيحة والتماساك االجتماامي والوحانة الوط ياة كما‬
‫أ ها مامل هام في إحناث التغير االجتمامي‬

‫التربوية‬ ‫اره ا‬
‫‪6‬‬
‫التربوية‪:‬‬ ‫لمحة تاريخية عن تطور حركة اره ا‬
‫إن األهااناف التربويااة كا اات نائمااا موجااونة مباار العصااور الرتباطهااا بالعماال‬
‫التربوي ولو في أبسط صوره البنائية كت أئة اآلبااء لبب ااء مان أجال إمانانهم للحيااة‬
‫وما تتطلبا من خصائص مهارية فاي أاتا مجااالت البيئاة ومعطياتهاا فاي كال مان‬
‫ولعل ظرة بسيطة لتطور ال ظريات التربوية والفكر التربوي مموما كافياة لم حظاة‬
‫تطور وت و أهاناف التربياة ف ظارة الف سافة اليو اان ماث لم ماص أخصاية الرجال‬
‫المااران تكوي ااا محاربااا كااان أو فيلسااوفا حكيمااا وهاانف التربيااة المساايحية لتكااوين‬
‫الراهب المتعبن وغيرها من األفكار التربوية كال ذلاك لام يكان وليان مان محانن بال‬
‫يمتن امتنان تاريخ اإل سان غير أن النراسة العلمية لبهناف ظهرت في وقت مت‪،‬خر‬
‫سبيا وخضعت لتطور كان تيجة تراكم نراسات ومحااوالت منيانة قاام بهاا ملمااء‬
‫كثيرون‬
‫لقن تمي ت األهناف التربوية بصفة مامة قبل الحرب العالمية األولا بالعمومياة‬
‫والتجرين إلا أن ظهرت االتجاهاات األولاا فاي التفكيار لماا يجاري ناخال القسام ماع‬
‫أممااال بوبيووت سا ة ‪ 1918‬الااذي اهااتم بوضااع ما هج أكثاار توافقااا مااع الوقاات وكيفيااة‬
‫استخنام الطرق الجنينة وهو يقول بخصوص األهناف‪:‬‬
‫"طالما أن األهناف ال تخار أن تكاون تخمي اات غامضاة فيجاب أن توقاع أن‬
‫تكون الطرق والوساائل غامضاة أيضاا ولكان مصار الرضاا الكامال بالعملياات غيار‬
‫المحننة يمر بسرمة ومصر العلم يطلب النقة والتحنين"‬
‫وكان الهنف م نه هو رسم ما هج منرساي ثام رأى أ اا مان الضاروري تحنيان‬
‫األهناف لكل م هج تحنينا أنائيا واضحا‬

‫‪7‬‬
‫تووايلور(‪ )1929‬أول خطااوة هامااة فااي حركااة األهااناف‬ ‫وتعتباار أمم ا رال و‬
‫التربوية وت ص يفها فقن وضحها في مبارات سلوكية وت‪،‬ثر الكثير من المفكرين بهذه‬
‫األفكار التربوية وامتبروا األهناف أساسا لكل ما هج منرساي أث ااء ب ائاا والتخطايط‬
‫ي بغاي تحنيان األهاناف أوال ثام وضاع‬ ‫لت فيذه وهذا يع ي أ ا أث اء التخطيط للتنري‬
‫المااانة التعليميااة فوضااع الخطااة فتحني ان الوسااائل فالت فيااذ ثاام التقااويم ولعاال أهاام‬
‫نراسااة اتخااذت أااك متميا ا فااي تاااريخ حركااة األهااناف التربويااة وكااان لهااا أثرهااا‬
‫الواضاااص فاااي تحنيااان المساااار العلماااي الموضاااومي لبهاااناف التربوياااة وتصااا يفها‬
‫ومحاولة التحكم فيها ملميا هي ما قام با بلوم و م ؤه من نراسات في هذا المجال‬
‫وما توصلوا إليا من تاائج ذلاك أ هام حااوال رباط األهاناف التربوياة بمكو اات الفارن‬
‫البأااري مثلمااا صاا ف سااابقوهم ساالوك البأاار فااي ثاا ث مجاااالت أساسااية‪ :‬الفكاار‬
‫اال فعال العمل وهي أهم الوظائف التي يقوم بها الكائن البأري والتي يتوجا الفعل‬
‫التعليمي إلا إ مائها‬
‫وتلتهاااا أم ماااال ونراساااات أخااارى منيااانة تهااانف إلاااا تخصااايص األهاااناف‬
‫وإجراءاتهااا كال تااائج التااي توصاال إليهااا موواجر (‪ ،)1962‬والتااي تؤكاان ضاارورة تااوفر‬
‫ث ثااة م اصاار أساسااية فااي الهاانف التربااوي جياان الصااياغة وهااي‪ :‬تحنياان الساالوك‬
‫المرغاوب تحنيان الأاروط التاي يتحقاق بهاا الهانف تحنيان المعاايير ومسااتوى األناء‬
‫المقبول ملا أن يكون هذا السلوك بمثابة النليل ملا التغير الذي حنث فاي أخصاية‬
‫المتعلم تيجة تعلم ما‬
‫من خ ل هذا العرض التاريخي لتطور حركاة األهاناف يسات تج با‪،‬ن األهاناف‬
‫فلساافة المجتمااع وقيمااا وثقافتااا وماناتااا وتقالياانه واتجاهاتااا فااي كاال‬ ‫التربويااة تعك ا‬
‫مجاااالت الحياااة فبعاان مااا كا اات تتمي ا بالعموميااة والتجرياان الفلساافي صااارت تتمي ا‬
‫‪8‬‬
‫بالخصوصااية والنقااة تيجااة تطااور النراسااات ال فسااية والتربويااة التااي تهااتم بم حظااة‬
‫السلوك وقياسا قياسا ملميا‬
‫كمااا أن ه اااك ماان يسااتعمل مبااارة األهااناف العامااة للتعبياار ماان الغايااات وماان‬
‫يستعمل األهناف الخاصة لينل بها ملا األهناف اإلجرائية‬
‫إن تحليال األهااناف التربويااة يماار مباار مسااتويات مختلفااة تتاانر ماان العااام إلااا‬
‫ومان التخمي ااات العقليااة إلااا الفعاال الساالوكي‬ ‫الخااص وماان المجاارن إلااا المحسااو‬
‫الذي يتجلا لنى المتعلم‬
‫الغايات‪:‬‬
‫هي مبارات فلسفية مامة وواسعة طموحة تتسم بالتجرين والمثالياة والتعقيان‬
‫بعينة المنى غير محننة من حيث منة تطبيقها‬
‫إ هااا تمثاال المسااتوى ال ظااري الااذي يضاابط التوجهااات الكباارى لل ظااام التربااوي‬
‫امتمانا ملا فلسفة وقيم مجتمع ما‬
‫يعرفها ما ي لحسون ‪" :‬مباارة مان صاي يطبعهاا التجريان والعمومياة تعبار مان‬
‫المقاصن العامة والبعينة المنى التي ترين التربية أن تحققها"‬
‫إ ها واتج مستقبلية متعلقة بالفرن والمجتمع ترغاب فاي تحقيقهاا سالطة سياساية‬
‫قائمة في ضوء مقومات فلسفية ني ية أخ قية لمجتمع ماا وملياا فهاي تختلاف مان‬
‫مجتمع آلخر باخت ف األ ظمة السياسية والتربوية السائنة‬
‫وتمثل بذلك المجال الذي يتم فيا العمل التربوي مراميا طبيعاة الفارن والمجتماع‬
‫الااذي يطمااص إليهمااا وتا ون المااربين بالمرجعيااة والمسااار القيمااي وهااذا مااا جاااءت بااا‬
‫أمرياااة ‪ 16‬أفريااال ‪ 1976‬التاااي ترسااام األبعاااان المعبااارة مااان خصاااائص الماااواطن‬
‫الج ائري‬
‫‪9‬‬
‫المرامي‪-‬المقاص ‪:‬‬
‫وهي أقل ممومية وتجرينا وأكثر وضوحا وتحنينا من الغايات لك ها ال تخلاو‬
‫ماان العموميااة والتجرياان وتاارتبط بال ظااام التربااوي والتعليمااي وتظهاار ملااا مسااتوى‬
‫التسيير التربوي وهي تعبر من وايا المؤسسة التربوية و ظامهاا التعليماي وتتجلاا‬
‫في أهناف البرامج والموان التعليمية وأس ك التعلايم وتعتبار المراماي وسايلة لتحقياق‬
‫الغايات كما أ ها أكثر تعرضا لإلص ح والتغيير وأ ها تلك ال واياا التاي تعلان آلفااق‬
‫أقصر أمن من الغايات وتبقا ومية‬
‫وبذلك فالمرامي أقل أمن من الغاياات وأ هاا مباارات مجا أة وتحليلياة للغاياات‬
‫وترتبط المرامي بالقرارات والم اأير السياسية والتربوية‬

‫العامة‪:‬‬ ‫اره ا‬
‫إذا كا ت الغايات هي ما يرين المجتمع تحقيقها في أب ائا فإن ذلك ال يتم إال بعن‬
‫المرور ب‪،‬هناف صغيرة تتحقق مبر حلقات تفضي السابقة م ها إلاا ال حقاة فتحقياق‬
‫أهااناف حصااص مااانة مااا يفضااي إلااا تحقيااق األهااناف العامااة لتلااك المااانة وتحقيااق‬
‫مرامي موان التعليم يفضي إلا تحقيق الغايات التاي ضابطها المجتماع لتكاوين ال اأائة‬
‫ملا أساسها‬
‫إن الهنف العام هو صياغة وتعياين المعطياات العاماة للاتعلم التاي يمكان توقعهاا‬
‫من تعليم وحنة تعليمية أو مقرر واألهاناف العاماة تمثال قائماة مان المعطياات للعمال‬
‫بها وليست قائمة مان ألاوان السالوك يحققهاا كال المتعلماين وكال هانف تعليماي ماام‬

‫‪10‬‬
‫يتطلاب تحنيانا نقيقااا لعي اة ماان السالوك التااي تتطلاب باانورها تحنيانا أكثاار نقاة تمثاال‬
‫إ جا أ ماط سلوكية معي ة من طرف المتعلم‬
‫والهنف العام هو مبارة ملا نرجة متوسطة من حيث التعميم والتحنين والنقاة‬
‫مااانة نراسااية أو‬ ‫وهااو يمثاال األناء ال هااائي المتوقااع صاانوره ماان المااتعلم بعاان تاانري‬
‫م هج نراسي معين ويكون مرتبطا بوحنة نراسية أو أااط محانن وهاو يمثال جملاة‬
‫من القنرات والمهارات العامة التي يكتسبها التلمياذ بعان ا تهائاا مان ما هج أو بر اامج‬
‫معااين ويعلاان ماان األهااناف العامااة م اان بنايااة وضااع الباارامج والمقااررات النراسااية‬
‫مليها ا فاي مقنماة الكتاب التاي تقررهاا و ارة التربياة الوط ياة‬ ‫وهكذا يمكان االطا‬
‫"فهااي تبحااث فااي أ أااطة التعلاايم والااتعلم مسااتعي ة بااالجرن واالصااطفاء والتبويااب‬
‫السااتخ ص طائفااة ماان القاانرات والمهااارات والمواقااف وأ ااوا الساالوك ثاام تت اولهااا‬
‫بالتوضيص والتحنين ويجعلها أهناف تسعا التربية إلا إثارتها وت ميتها لنى الت ميذ"‬
‫يست تج من هذا التعريف أن األهناف العامة تصاف مجااالت سالوك أخصاية الماتعلم‪:‬‬
‫العقليااة الوجنا يااة الحسااحركية وتتجلااا فااي القاانرات والمهااارات والتغياارات التااي‬
‫بكال وماي إلاا ت مياة هاذه الجوا اب‬ ‫يران إحناثها لنى المتعلم ويتوجا ممل المانر‬
‫خ ل فترة تعليمية معي ة أو خ ل س ة نراسية أو فصل‬
‫الخاصة‪:‬‬ ‫اره ا‬
‫وهي تمثل مجال الت فيذ ملا‬ ‫وهي ترجمة األهناف العامة إلا أهناف للنرو‬
‫الماانى القصااير والعاجاال وملااا مسااتوى حصااة نراسااية معي ااة فااي مااانة مااا حيااث‬
‫يتحصل فيها المتعلم ملا قنرة أو مهارة ما م ن اال تهاء من تعلم معين‬
‫و يتضمن الهنف الخاص مجمومة مان األهاناف اإلجرائياة التاي تتحانن بأاروط‬
‫ومعايير معي ة في الموقف التعليمي‬
‫‪11‬‬
‫حظ أن األهناف التربوية تتجا‬ ‫من خ ل مرض مستويات األهناف التربوية‬
‫حو النقة والتخصص بنءا من الغايات إلا األهناف التربوية الخاصة فتتفر الغايات‬
‫إلا مرامي وتتضمن هذه األخيرة مجمومة من األهناف العامة التي تتج أ إلا أهناف‬
‫خاصة التي تحلل إلا أهناف إجرائياة تمثال السالوك الاذي ساي ج ه الماتعلم بعان هاياة‬
‫ويظهار هاذا السالوك فاي جا اب واحان أو أكثار مان جوا اب أخصاية‬ ‫مقطع أو نر‬
‫المتعلم‬

‫التربوية‪:‬‬ ‫أسبا الفشل في تحقيق اره ا‬


‫ه ااا ك ماانة أسااباب تعيااق األهااناف التربويااة م هااا مااا هااو ذاتااي وم هااا مااا هااو‬
‫موضومي إن فأل الطالب في تحصيل مستوى معين من المعارف بعن فترة تعليمياة‬
‫معي ة قن يعون إلا مجمومة من األسباب ذكر م ها ما يلي‪:‬‬
‫*أسباب تتعلق بالطالب فسا وهذه تكون ملا ث ثة أأكال‪:‬‬
‫‪-‬محنونية إمكا ياتا الذه ية‬
‫‪-‬مأاكل صحية و فسية‬
‫‪-‬ضعف المجهون المبذول‬
‫*أسباب تتعلق بالمعلم وهي أيضا تكون ملا ث ثة أأكال هي‪:‬‬
‫‪-‬محنونية اإلمكا يات الذه ية التي تسمص بمسامنة الطالب ملا تحقياق األهاناف‬
‫المسطرة‬
‫‪-‬مأاكل صحية و فسية‬
‫‪-‬ضعف المجهون المبذول في إمنان وتقنيم نروسا‬

‫‪12‬‬
‫* أسااباب تتعلااق بالتفاماال بااين المعلاام والتلميااذ إن سااوء التفاماال بااين خصااائص‬
‫سلبا ملا تحصيل الت ميذ‬ ‫المعلم وت مذتا قن يؤني إلا سوء التوافق الذي ي عك‬
‫*أسباب تتعلق بالطرق والوسائل المستعملة في تحقيق هذه األهناف‬
‫*أسباب تتعلق باألهناف فسها ك‪،‬ن تكاون صاعبة جانا فاوق مساتوى الت مياذ أو‬
‫غامضة أو غير واقعية‬
‫*أسباب تتعلق بت ظيم وتسيير المؤسسات التعليمية‬

‫تح ي أهم المفاهيم والمصطلحات المت اولة في علوم التربية‪:‬‬


‫التربية‪:‬‬
‫التربية في التصور اإلس مي كما يراها ملي أحمن منكور هي "مملية متأعبة‬
‫ذات ظم وأساليب متكاملة ابعة من التصور اإلسا مي للكاون واإل ساان والحيااة‬
‫تهنف إلا تربية اإل سان وإيصالا‪-‬أيئا فأيئا‪ -‬إلا نرجة كمالا التي تمك ا من القيام‬
‫بواجبات الخ فة في األرض من طريق إممارها وترقية الحيااة ملاا ظهرهاا وفاق‬
‫م هج هللا"‬
‫ويتم ت فيذ هذا المفهوم من طريق مملية التعليم والتعلم فالتعليم وسايلة والاتعلم‬
‫غاية أل ا تعنيل في السلوك في االتجاه الم أون فكل ممل تعليمي جين البن أن يكون‬
‫االتجاه‬ ‫لا هنف تربوي في ف‬
‫وكما أن التعليم وسيلة للتربية فالعلم أيضا وسيلة للتربية فالتربياة ملام إخباار‬
‫حيااث إ هااا إخبااار ماان الحقااائق الكليااة والمعااايير والقاايم اإللهيااة الثابتااة التااي يتلقاهااا‬
‫اإل سان فيسلم بها ويتكيف معها وهي أيضا ملم حياث إ هاا معرفاة بقاوا ين هللا فاي‬
‫الكون التي تم اكتأافها من قبل‬

‫‪13‬‬
‫التعلم‪:‬‬
‫يعرف التعلم ب‪ ،‬ا تغير في األناء أو تعانيل فاي السالوك ثابات سابيا مان طرياق‬
‫الخبارة والمران وهااذا التعانيل يحاانث أث اااء إأابا الفاارن لنوافعااا وبلاوو أهنافااا وقاان‬
‫يحنث أن تعج الطرق القنيمة واألساليب المعتانة من التغلاب ملاا الصاعاب أو مان‬
‫مواجهة المواقف الجنينة ومن ه ا يصبص الاتعلم مملياة تكياف ماع المواقاف الجنيانة‬
‫ويقصااان بتعااانيل السااالوك أو تغييااار األناء المع اااا الأاااامل أي مااانم االقتصاااار ملاااا‬
‫الحركااات الم حظااة والساالوك الظاااهر وإ مااا ي صاارف التغيياار أيضااا إلااا العمليااات‬
‫العقليااة كااالتفكير ويقصاان بااالخبرة والمااران أوجااا ال أاااط الم سااقة التااي تخطااط لهااا‬
‫المؤسسات التعليمية وت فذها‬
‫ويص ف التعلم من حيث أأكالا وموضوماتا إلا ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تعلم معرفي‪:‬‬
‫ويهنف إلا إكسااب الفارن األفكاار والمعاا ي والمعلوماات التاي يحتاا إليهاا فاي‬
‫حياتا‬
‫‪-‬تعلم عقلي‪:‬‬
‫ويهنف إلاا تمكاين الفارن مان اساتخنام األسااليب العلمياة فاي التفكيار ساواء فاي‬
‫مجال المأك ت أو في مجال الحكم ملا األأياء‬
‫‪-‬تعلم انفعالي وج اني‪:‬‬
‫فااي بعااض‬ ‫ويهاانف إلااا إكساااب الفاارن االتجاهااات والقاانرة ملااا ضاابط ال ا ف‬
‫المواقف اال فعالية‬
‫‪-‬تعلم لفظي‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫ويهنف إلا إكساب الفرن العانات المتعلقاة بال احياة اللفظياة كاالقراءة الصاحيحة‬
‫لمقااال معااين أو ااص قصااير أو أبيااات أااعر ماان قصااينة معي ااة أو حفااظ األماانان‬
‫والمعا ي‬

‫‪ -‬تعلم اجتماعي وأخالقي‪:‬‬


‫ويهاانف إلااا إكساااب الفاارن العااانات االجتماميااة المقبولااة فااي مجتمعااا وتعلاام‬
‫ال واحي الخلقية كاحترام القا ون واحترام كبار السن والنقة في الموامين والتعاون‬
‫مع اآلخرين‬
‫أما من حيث السهولة والتعقين فإن التعلم يص ف في ومين هما‪:‬‬
‫‪-‬التعلم بطريقة آلية غير شعورية‪:‬‬
‫ويطلق مليا التعلم البسيط ويحنث هذا ال و من التعلم بطريقة غير هانفاة أو‬
‫مقصونة كخوف الطفل من الف‪،‬ر تيجة القتران الف‪،‬ر بأيء ماؤلم أو صاوت ما مج‬
‫أو خوفا من الطبيب تيجة اقتران الطبيب باإلبرة والخوف م ها‬
‫‪-‬التعلم المقصو ‪:‬‬
‫ويطلق مليا التعلم المعقن وهذا ال و من التعلم يتطلب مان الفارن القياام بالجهان‬
‫والفهم والتنريب واال تباه واساتخنام بعاض وساائل اإليضااح ساواء أكاان حركياا أو‬
‫مقليا كلعبة الأطر ج أو قيانة السيارة أو السباحة أو ركوب النراجة‬
‫ومن خ ل ما تقنم يمكان تعرياف الاتعلم تعريفاا بسايطا ب‪ ،‬اا تعانيل للسالوك مان‬
‫‪ Gates‬أن التعلم هو مملية اكتساب الوسائل المسامنة‬ ‫خ ل الخبرة وقن أأار جيت‬
‫‪15‬‬
‫ملا إأبا الحاجات والنوافع وتحقيق األهناف وهو هو كثيرا ما يتخذ صاورة حال‬
‫المأك ت ومع ا ذلك أن الأخص يتعلم في الغالب إن كان لنيا هانف واضاص يتجاا‬
‫إليا ب أاطا فيسخر ما م نه من استعنانات فاي اكتسااب الوساائل التاي تساامنه ملاا‬
‫الوصول إلا هذا الهنف وحل الموقف (المأكل)‬
‫‪ Gates‬يباين أن الموقاف التعليماي يكاون تيجاة لانافع معاين‬ ‫إن تعريف جيت‬
‫لكن توجن في حقيقة األمر بعض المواقف التعليمية يتعلمها اإل سان بنون قصن‬
‫ويرى جيلفورن ‪ Guilford‬أن التعلم ما هو إال تغيير في السالوك ااتج الساتثارة‬
‫معي ة وقن يكون تيجة ألثر م بهات بسيطة وقن يكون تيجة لمواقف معقنة‬
‫وممومااا جاان أن تعريااف جيلفااورن ‪ Guilford‬أااامل أكثاار ممااا يجااب ف‪،‬حيا ااا‬
‫تحنث مثيرات فجائية لكن ال يتعلم م ها اإل سان فماث إغا ق اإل ساان لعي اا تيجاة‬
‫لضوء قوي أو سحب الفرن ينه تيجة لوجون أيء ساخن‬
‫وبأكل مام فإ ا يمكن تعرياف الاتعلم ملاا أ اا "تعانيل ثابات سابيا فاي السالوك‬
‫اتج من الممارسة"‬
‫وفااي المراحاال األولااا تعلاام مهااارة معي ااة تكااون اسااتجابات الفاارن مأااتتة غياار‬
‫م تظمة يعو ها الت اسق واال تظام ومن طريق التنريب الصحيص تت اقص االستجابات‬
‫غير الضرورية وتحذف االستجابات غير الم تظمة حتا يقوم الفرن بالمهارة في يسر‬
‫وسهولة ويحنث التعلم أيضا م نما تتضص ج ئيات الموقف الذي لم يفهماا الفارن مان‬
‫قبل إال بصورة مامة… ويرك هذا التعريف ملاا الاتعلم المقصاون الهاانف ملاا أن‬
‫من المعروف أن الفرن قن ياتعلم أايئا لام يقصان تعلماا يقاول نياوي فاي كتاباا الخبارة‬
‫والتربية "لعل من أكثر اآلراء التربوية ساخافة الارأي القائال إن الأاخص ال ياتعلم إال‬
‫الهجاء أو الجغرافيا أو التااريخ مان‬ ‫بل إن ما يتصل بنرو‬ ‫ما يحصل وقت النر‬
‫‪16‬‬
‫معلومات تتفر م ها وتكملها وتؤني إلا تكوين االتجاهات ال فسية وتحنين ما يحبا‬
‫فساها‬ ‫اإل سا ن وما يكرها قن يكون بل كثيرا ما يكون أكثر أهمية من هاذه الانرو‬
‫التي سوف يكون لها أ‪،‬ن في المستقبل وأهم‬ ‫ألن هذه االتجاهات ال فسية هي األس‬
‫اتجاه فسي يمكن تكوي ا هو الرغبة في متابعة التعلم‬
‫مفهوم التعليم‪:‬‬
‫للتعليم معا ي كثيرة تختلف باخت ف قائلهاا وفلسافتا التربوياة ومحاور اهتماماا‬
‫فمن المربين من يرك جل اهتماما ملا المعارف والمعلومات التاي يحااول المانر‬
‫أن يوصاالها لت ميااذه فااي حااين يع ااي الاابعض اآلخاار ب مااو أخصااية المتعلمااين ويهااتم‬
‫فاي سالوك األطفاال مقليافمعرفياا ووجانا يا‬ ‫فريق ثالث بمخرجات التعلم كما تا عك‬
‫و فسحركيا‬
‫كال واحان م هاا فلسافة‬ ‫وفيما يلي مجمومة من التعريفاات لمفهاوم التعلايم يعكا‬
‫تربوية معي ة‪:‬‬
‫‪-‬التعليم مملية قل المعارف والمعلومات من المعلم إلا المتعلم في موقف يكون‬
‫والنور األكثر ت‪،‬ثيرا في حين يقتصر نور التلميذ ملا اإلصغاء والحفظ‬ ‫فيا للمنر‬
‫والتسميع وتخنم الطارق اإللقائياة مثال المحاضارة والأارح والوصاف والتفساير هاذا‬
‫المفهوم للتعليم‬
‫‪-‬التعليم مملية تسهيل تفامل المتعلم مع بيئتا بهنف تحقيق ال مو المعرفي وذلك‬
‫واكتأاف‬ ‫من خ ل ما يقوم با من بحث وتحليل وتركيب وقيا‬
‫ينخل ضمن هاذا التعرياف ماا يساما بمعالجاة المعلوماات وهاي مملياة تتطلاب‬
‫نورا أطا إيجابيا من قبل الماتعلم الاذي يحاول ماا يكتسابا مان معلوماات إلاا مفااهيم‬

‫‪17‬‬
‫ومنركات تنخل طاق السكيمات والت ظايم المعرفاي القاائم وذلاك مان خا ل مملياات‬
‫التمثيل والتوفيق واالستنما‬
‫ونور المعلااام فاااي ظااال هاااذا التعرياااف هاااو تهيئاااة البيئاااة التاااي تساااامن الطفااال‬
‫االكتأاف وتوجيا أاطا العقلي بحيث يحقق الهنف األساسي المتمثل في مو الذكاء‬
‫‪-‬التعليم مملية غرضها األساسي مسامنة الطفل ملا تحقيق ذاتا و مو أخصيتا‬
‫وتلبية حاجاتا ال فسية ومطالب ماوه وكماا فاي التعرياف الساابق يكاون نور الماتعلم‬
‫إيجابيااا وفعاااال فااي حااين يقااوم المعلاام باانور األب و األخ األكباار الموجااا والمرأاان‬
‫والمسامن ملا ال مو بما يوفره مان م ااخ فساي يساامن ملاا اال طا ق والتعبيار مان‬
‫الذات ومواجهة مواقف اإلحباط وتحمل المسؤولية والأاعور بال جااح وتكاوين مفهاوم‬
‫ذات إيجابي‬
‫‪-‬التعلاايم ممليااة هاانفها مسااامنة الطفاال ملااا تحقيااق ال مااو االجتمااامي ومواجهااة‬
‫مطالب الحياة في جماماة وهاذا يتطلاب مان المعلام أن يقاوم بانور تاوجيهي لمساامنة‬
‫األطفال ملا اال نما في جمامة واكتساب االتجاهات االجتمامية اإليجابية وتساليط‬
‫الضوء ملا المأك ت االجتمامية للمساهمة في إيجان الحلول الم اسابة لهاا بمأااركة‬
‫المتعلمين الفعالة‬
‫والم حظ أن التعريف األول أقرب ما يكون إلا المفهوم التقليني لعملية التعلايم‬
‫في حين أن التعريف الثا ي رك ملا ال واحي العقلية ويانور التعرياف الثالاث حاول‬
‫حاجاات ومطالاب ال ماو فاي حاين تساتهنف مملياة التعلايم فاي التعرياف الراباع ال ماو‬
‫االجتمااامي للطفاال وتفاملااا مااع البيئااة المحيطااة بااا ومهمااا يكاان ماان أماار فااإن تركيا‬
‫مملية التعليم حول الطفل‪-‬حاجاتا وطبيعتا ومطالاب ماوه‪ -‬أصابص مان المسالمات فاي‬
‫ممارساات ا التربويااة فااإذا أخااذ ا باالمتبااار أن الغايااة أو الغاارض األساسااي ماان التعلاايم‬
‫‪18‬‬
‫تحقيااق ال مااو الأااامل والمتكاماال للطفاال فااإن مفهوم ااا يجمااع بااين التعريفااات الث ثااة‬
‫األخيرة‬
‫مفهوم اإلستراتيجية‪:‬‬
‫يقصاان باإلسااتراتيجية الم حااا والخطااة واإلجااراءات والم اااورات (التكتيكااات)‬
‫والطريقة واألساليب التي يتبعها المعلم للوصول إلا مخرجاات أو اواتج تعلام محاننة‬
‫م هاااا ماااا هاااو مقليفمعرفاااي أو ذاتيف فساااي أو اجتماااامي أو فسااايفحركي أو مجااارن‬
‫الحصول ملا معلومات‬
‫وم مليااة التعلاايم تتضاامن جميااع هااذه األهااناف إال أن الت‪،‬كياان ملااا بعضااها نون‬
‫فلسفية ففي حين تؤكن التربية ملا الت مية الأاملة والمتكاملة‬ ‫غيرها مس‪،‬لة باألسا‬
‫وتسااعا إلااا تااوفير الم اااخ واأل أااطة التااي ت مااي التفكياار ومهااارات التعبياار الحركااي‬
‫واللغوي واال فعالي وفرص التفامل االجتمامي ترك مراحال التعلايم ملاا الجوا اب‬
‫العقليةفالمعرفية بأكل خاص‬
‫والبااان مااان تحنيااان األهاااناف التعليمياااة أوال إذ مليهاااا تتوقاااف مملياااة اختياااار‬
‫االستراتيجيات الم اسابة للخارو ب اواتج تعلام معي اة ملاا سابيل المثاال فاإن المعلام‬
‫ي حصاار فااي ت وياان الت ميااذ باا‪،‬كبر كاام ماان‬ ‫الااذي يااؤمن باا‪،‬ن الهاانف ماان التاانري‬
‫المعلومااات ساايختار اإلسااتراتيجية التااي تضاامن وصااول المعلومااات ب‪،‬قصاار الطاارق‬
‫وأسرمها أال وهي اإللقاء ومن تكتيكاتها المحاضرة والأرح والتفسير والوصف أما‬
‫إذا كان يهانف إلاا ت مياة مقال الطفال وتفكياره فإ اا سايؤكن ملاا إساتراتيجية معالجاة‬
‫المعلوماااات للتوصااال إلاااا اسااات تاجات ومفااااهيم وتفكيااار م طقاااي مااان خااا ل تحليااال‬
‫المعلومات وإيجان الع قات بي ها وإمانة ت ظيمها أو تركيبها بالأاكل الاذي ياؤني إلاا‬
‫الم ين من التعلم ويكون نور المتعلم في هذا الموقاف فعااال وإيجابياا فاي حاين بقاوم‬
‫‪19‬‬
‫المعلم بتوجيا أاط المتعلمين العقلي مستخنما أسلوب الحوار والتسااؤل ويعان البيئاة‬
‫ويأااجع ويسااامن لتحقيااق‬ ‫التعليميااة ب‪،‬نواتهااا وإمكا اتهااا بمااا يساامص باالكتأاااف ويعا‬
‫األهناف المحننة‬
‫وهكذا بال سبة للمخرجات االجتمامية فإن أ سب إستراتيجية ما كاان م هاا يتايص‬
‫الفرصااة لبطفااال للتفاماال فيمااا بي ا هم والمأاااركة فااي الحياااة االجتماميااة م ان حولااا‬
‫ويوفر جوا من التعاون والمأاركة في األ أطة الجمامية مثل الارح ت ومأارومات‬
‫البيئة واأللعاب ب‪ ،‬وامها‬
‫أما إذا كا ت المخرجات المحاننة فساية ذاتياة فاإن إساتراتيجية المعلام ي بغاي أن‬
‫المتعلمااين‬ ‫تااؤني إلااا تكااوين وت ميااة مفهااوم إيجااابي ماان الااذات ماان خ ا ل إحسااا‬
‫ب‪،‬هميتهم ك‪،‬فران والعمل ملا تحقيق مطالب موهم وتلبياة حاجااتهم وإتاحاة الفرصاة‬
‫لهم لتحمل المسؤولية والمأاركة الفعالة في األ أطة التعليمية التي تت اسب وقنراتهم‬
‫التعليمية‪:‬‬
‫وهذا المفهوم يحمل فاي طياتاا كثيار‬ ‫امتبرت التعليمية وال الت كفن التنري‬
‫من المعا ي واألفكار والتصورات التي حاول تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫ولكان لاا طارق خاصاة‬ ‫ليست التعليمية طريقة أو م هج واحان وموحان للتانري‬
‫تابعاة لصاااحبها ويع ااي هااذا أن لكال معلاام أساالوبا الخاااص فاي ت‪،‬نيتااا للعماال التعليمااي‬
‫أريطة أن يكون هذا العمل مكلل بال جاح يع ي أن هذا "الفن التعليمي" يكون معترف‬
‫با من خ ل تائجا لنى التلميذ وت‪،‬ثيره العميق والمثمر ملا تفكيره وسلوكا‬
‫تكان أن تب اا التعليمياة ملاا قانراتها للبارو بع قاة تربوياة اجحاة باين المعلام‬
‫‪-‬كمااا هااو م تظاار م هااا مااانة‪ -‬قواماان م طقيااة‬ ‫والتلميااذ بفضاال وسااائل منروسااة ولااي‬
‫ومق ة متعلقة أساسا بتلقاين المعاارف لل أائ الصاامن و أاير فاي هاذا الصانن ماا هاي‬
‫‪20‬‬
‫أهمياة الجا اب ال م طقااي وال أاعوري فااي الع قاة التربوياة كمااا هاو ماااني فاي كاال‬
‫نورا حاسما‬ ‫الف ون التي يلعب فيها الجا ب العاطفي والمحسو‬
‫فيحتمل أن تكون للتعليمية كفن‪-‬م ن بعض االختصاصيين‪-‬طرق ووسائل خاصة‬
‫حساب‬ ‫لتلقين المعارف أو المعلومات والتاي ي صاص اساتعمالها ل جااح مملياة التانري‬
‫الم وال التالي‪:‬‬
‫‪-‬خلق لنى التلميذ حاجة ماسة للتعلم بفضل حواف مختلفة وجذابة‬
‫‪-‬ربط المعلومات الجنينة بالمعلومات القنيمة أو السابقة‬
‫ملا الجنين والتعمق فيا‬ ‫‪-‬االط‬
‫‪-‬استيعاب الجنين من طريق التكرار واالستظهار‬
‫‪-‬استعمال الجنين في أممال تطبيقية مت ومة‬
‫‪-‬فتص مجاالت متعننة وفرص مختلفة السترجا ما هو محفوظ‬
‫رغم استعمال هذه التق ياات كلهاا تبقاا التعليمياة كفان مرهو اة بأخصاية المعلام‬
‫وبالكيفية التي يطبق بها المعلومات وباختيار الوقت الم اسب الستعمالها‬
‫تطور مفهوم التعليمية‪:‬‬
‫البن من اإلأارة إلا أ ا جن في اللغة العربية منة مصطلحات مقابلة للمصطلص‬
‫األج بااي الواحاان ولعاال ذلااك يرجااع إلااا تعاانن م اهاال الترجمااة وكااذلك إلااا ظاااهرة‬
‫الترانف في اللغة العربية وحتا في لغة المصطلص األصلية إذ ترجم إلا لغة أخرى‬
‫قاال التاارانف إليهااا ماان ذلااك‪ :‬تعاانن المصااطلحات المسااتقاة مان اإل جلي يااة فااي أااقيها‬
‫البريطا ي و األمريكي و الأواهن ملا هذه الظااهرة كثيارة فاي العربياة ساواء تعلاق‬
‫األمر باإل جلي ية أم بالفر سية وهما اللغتان اللتان ي‪،‬خاذ م هماا الفكار العباي المعاصار‬
‫ملا ت و خطاباتا و المعارف المتعلقة با م ها مصطلص‪ Didactique‬الذي تقابلا في‬
‫‪21‬‬
‫ملاام التعلاايم‬ ‫اللغااة العربيااة ماانة ألفاااظ و هااي ‪ :‬تعليميااة تعليميااات ملاام التاانري‬
‫التنريسية النيناكتيك تتفاوت هذه المصطلحات في االستعمال ففي الوقت الذي اختار‬
‫جاان‬ ‫فااي مفهااوم المصااطلص‬ ‫بعااض الباااحثين اسااتعمال "نياانلكتيك" تج بااا ألي لااب‬
‫و ملام التعلايم و بااحثين آخارين لكا هم ق ئال‬ ‫باحثين آخرين يساتعملون ملام التانري‬
‫يستعملون مصطلص تعليميات أما مصطلص تنريسية فهو استعمال مراقي غيار أاائع‬

‫كلمة تعليمية ‪ Didactique‬اصط ح قنيم جنين قنيم حيث استخنم في األنبيات‬


‫التربوية م ذ بناية القرن ‪ 17‬و هو جنين بال ظر إلا الانالالت التاي ماا ا فاك يكتسابها‬
‫حتا و فت ا الراهن وفيما سي‪،‬تي حاول تتبع التطور التاريخي لهاذا المصاطلص بناياة‬
‫من االأتقاق اللغوي وصوال إلا االستخنام االصط حي‬
‫يقااول األسااتاذ ح فااي باان ميسااا كلمااة تعليميااة فااي اللغااة العربيااة مصاانر لكلمااة‬
‫"تعليم" و هذه األخيرة مأتقة مان ملام أي وضاع م ماة أو سامة مان السامات للناللاة‬
‫ملا الأيء نون إحضاره أما في اللغة الفر سية فإن كلمة نيناكتيك صفة اأتقت مان‬
‫األصل اليو ا ي ‪ Didaktikos‬و تع ي فل تعلم أي يعلام بعضا ا بعضاا أو أتعلام م اك و‬
‫أملمك و كلمة ‪ Didactiko‬تع ي أتعلم و ‪ Didaskein‬تع ي التعليم وقن اساتخنمت هاذه‬
‫الكل ماااااة فاااااي ملااااام التربياااااة أول مااااارة سااااا ة ‪ 1613‬مااااان قبااااال كااااال مااااان كأاااااوف‬
‫هيل ا ج(‪ )K.helwing‬و رتاايو والااف كااا ج(‪ )Ratich wulf gang‬فااي بحثهمااا حااول‬
‫أاطات راتيو التعليمياة و قان اساتخنموا هاذا المصاطلص كمارانف لفان التعلايم و‬
‫كا ت تع ي م نهم وما من المعارف التطبيقية و الخبرات كما استخنما كوم يسكي‬
‫(‪ )Kamenski‬س ة ‪ 1657‬في كتابا "النيناكتيكا الكبرى" حيث يقول أ ا يعرف ا باالفن‬

‫‪22‬‬
‫العام لتعليم الجميع مختلف الموان التعليمية ويضايف ب‪ ،‬هاا ليسات فقاط فان التعلايم بال‬
‫للتربية أيضا‬
‫واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلا أوائل القارن ‪ 19‬حياث ظهار الفيلساوف‬
‫العلميااة للتعليميااة ك ظريااة للتعلاايم‬ ‫األ لمااا ي فرنريااك هيربااارت الااذي وضااع األس ا‬
‫تستهنف تربية الفرن فهي ظرية تخص ال أاطات المتعلقاة باالتعليم فقاط أي كال ماا‬
‫يقاااوم باااا المعلااام مااان أااااط فااااهتم باااذلك الهربرتياااون بصاااورة أساساااية باألسااااليب‬
‫الضاارورية لت وياان المتعلمااين بالمعااارف وامتباروا الوظيفااة األساسااية للتعليميااة هااي‬
‫تحليل أاطات المعلم في المنرسة‬
‫وفااي القاارن التاسااع مأاار وبنايااة القاارن العأاارين ظهاار تيااار التربيااة الجنياانة‬
‫ب مامة جون نيوي (‪ )Dewey‬وقن أكن هذا التيار ملاا أهمياة ال أااط الحاي والفعاال‬
‫للمتعلم في العملية التعليمية وامتبروا التعليمية ظرية للتعلم ال للتعليم‬
‫وقااان اساااتخنما الال ااان‬ ‫النيااناكتيك اأاااتق مااان البياااناغوجيا موضااوما التااانري‬
‫(‪ )Laland‬كمرانف للبناغوجيا أو للتعليم‬
‫كماااا أن النياااناكتيك ملااام تطبيقاااي موضاااوما تحضاااير وتجرياااب اساااتراتيجيات‬
‫بيناغوجية لتسهيل إ جا المأاريع فهاي ملام تطبيقاي يهانف لتحقياق هانف مملاي ال‬
‫يتم إال باالستعا ة باالعوم األخارى كالسوسايولوجيا والسايكولوجيا واالبساتيمولوجيا‬
‫فهي ملم إ ساا ي مطباق موضاوما إمانان وتجرياب وتقانيم وتصاحيص االساتراتيجيات‬
‫البيناغوجية التي تتيص بلوو األهناف العامة وال ومية لب ظمة التربوية‬
‫فالنيناكتيك هج أو أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية فهو النراسة العلمية‬
‫لت ظيم وضعيات التعلم التي يعيأها المتربي لبلوو هنف مقلي أو وجنا ي أو حركي‬
‫كمااا تصااب النراسااات النيناكتيكيااة ملااا الوضااعيات العلميااة التااي يلعااب فيهااا المااتعلم‬
‫‪23‬‬
‫هو تسهيل مملية تعلم التلميذ بتص يــــــــف‬ ‫النور األساسي بمع ا أن نور المنر‬
‫المانة التعليمية بما ي ئم حاجات المتعلم وتحنين الطريقة الم ئمة لتعلماا ماع تحضاير‬
‫األنوات المسامنة ملاا هاذا الاتعلم وهاذه العملياة ليسات بالساهلة إذ تتطلاب مصاانر‬
‫معرفية مت ومة كالسيكولوجيا لمعرفة الطفل وحاجاتاا والبياناغوجيا الختياار الطارق‬
‫الم ئمة وي بغي أن يقون هذا إلا تحقيق أهناف ملا مستوى السالوك أي أن تتجلاا‬
‫تااائج الااتعلم ملااا مسااتوى المعااارف العقليااة التااي يكتساابها المااتعلم وملااا مسااتوى‬
‫المهارات الحسية التي تتجلا في الف ون والرياضيات وملا المستوى الوجنا ي‬
‫كما يمك اا أن قاول أن النياناكتيك ملام ي أائ مااذ و ظرياات حاول التانري‬
‫قصن تفسير ظواهره والت بوء بها‬
‫ستخلص من هذه التعاريف أن النيناكتيك تهتم بكال ماا هاو تعليماي تعلماي أي‬
‫كيف يعلم األستاذ مع التركي ملاا كياف ياتعلم التلمياذ ونراساة كيفياة تساهيل مملياة‬
‫الااتعلم وجعلهااا ممك ااة ألكباار فئااة ثاام اتخاااذ اإلجااراءات الم اساابة لفااة الت ميااذ ذوي‬
‫صعوبات في التعليم وبالتالي فهي نراسة التفامل التعليمي التعلمي‬
‫يمكاان ل ااا أن سااتعين بأااكل وضااعا رو ييااا ريأااتريو ( )‪René Richterich‬‬

‫لفسير العملية التعليمية إذ يقول أ ها مملية تفاملية من خ ل‪ :‬متعلمون في م قة ماع‬


‫معلم لكي يتعلموا محتويات ناخل إلطار مؤسسة من أجال تحقياق أهاناف مان طرياق‬
‫أ أطة وبمسامنة وسائل تمكن من بلوو ال تائج‬
‫فالتعليمياة بهااذا تق ياة أااائعة تع اي تحنياان طريقاة م ئمااة أو م اسابة لإلق ااا أو‬
‫إليصال المعرفة‬
‫المنهاج‪:‬‬ ‫تعري‬
‫المفهوم التقلي ي للمنهاج لغة‪:‬‬ ‫تعري‬
‫‪24‬‬
‫العربية (لسان العرب‬ ‫ومن خ ل استعراض مع ا الم ها في بعض القوامي‬
‫المحاايط المعجاام الوساايط) جاان أ هااا ماا‪،‬خوذة ماان ( هااج) وم هااا بمع ااا‪:‬‬ ‫القااامو‬
‫الطريق الواضص وجاء في م جن اللغة واإلم م كلمة هج و هج الرجل هجا بمع ا‬
‫ا بهاار وم ااا أ هااج ف ااا بمع ااا يا هج أي يلهااث وكااذلك هااج األماار بمع ااا أبا ااا‬
‫وأوضا حا والطريااق ساالكا وم ااا أ هااج الطريااق أو األماار بمع ااا أوضااص واسااتبان‬
‫وم ا أيضا ا تهج الرجال بمع اا سالك وقيال طلاب الا هج أي الطرياق الواضاص وم اا‬
‫الم هج والم هج والم ها يفين بمع ا الطريق الواضص وم ا م هج وم هاا التعلايم أو‬
‫وقن ورنت في القرآن الكريم في سورة المائنة اآلية ‪" 48‬لكل جعل اا أارمة‬ ‫النرو‬
‫فيها وال غموض‬ ‫وم هاجا" بمع ا الطريق الواضحة التي ال لب‬
‫رضااي هللا م همااا قولااا‪" :‬لاام يماات رسااول هللا (ص) حتااا‬ ‫وقان ذكاار اباان مبااا‬
‫تاارككم ملااا طاارق اهجااة" أي طريااق واضااحة إن كلمااة م هااا الااوارنة فااي اآليااة‬
‫رضي هللا م اا تع اي الطرياق الواضاص و اهجاة تع اي‬ ‫الكريمة وفي قول ابن مبا‬
‫واضحة‬
‫أما في اإلغريقية فتع ي الطريقة التي ي هجها الفرن حتا يصل إلا هنف معاين‬
‫وهااي كلمااة مأااتقة ماان جااذر‬ ‫وفااي اإل جلي يااة تقاباال كلمااة م هااا (‪)Curriculum‬‬
‫التي ي ومع اها مضمار سباق الخيل وه اك كلمة أخرى تستعمل أحيا ا مرانفة لكلمة‬
‫م ها أحيا ا تستعمل بمع ا خاص وهي كلمة "المقرر" وتقابل هذه الكلمة باإل جلي ية‬
‫كلمة ‪ Syllabus‬ويقصن بهذه الكلمة في العربية وباإل جلي ية المعرفة التي يطلب من‬
‫الطلبة تعلمها في كل موضو خ ل س ة نراسية‬
‫إذا كا ت كلماة "المقارر" تع اي كام المعرفاة فمااذا تع اي كلماة "الم هاا "إ إ هاا‬
‫تع ي "كم المعرفة" المسما أحيا ا بالمحتوى وتع ي األ أطة التعليمياة التعلمياة التاي‬
‫‪25‬‬
‫ستوصل هذا المحتوى إلا المتعلم وتع ي التقويم وأخيرا األهناف المتوخاة من تعلام‬
‫حااظ أن‬ ‫هااذا المحتااوى باإلضااافة إلااا المعلاام والمااتعلم والظااروف المحيطااة بهمااا‬
‫الم ها مفهاوم واساع جانا يتساع حتاا يكاان أن يأاتمل ملاا كال ماا تحتوياا التربياة‬
‫"المقرر" المأتمل ملا م صر واحن من م اصر الم ها أال وهو كم المعرفاة‬ ‫بعك‬
‫أو المحتوى‬
‫ويفضاال الاابعض فااي الحقاال التربااوي اسااتخنام كلمااة م ا هج لتاانل ملااا م هجيااة‬
‫التفكياار والحصااول ملااا المعرفااة بي مااا يسااتعمل كلمااة م هااا للناللااة ملااا الوثيقااة‬
‫التربوية‬
‫المنهاج اصطالحا‪:‬‬ ‫تعري‬
‫أما اصط حا فإن المهتمين بحقل التربية يخلفون فيما بي هم كل حسب منرستا‬
‫الفكرية التربوية أو حسب اتجاهاتهم الني ية أو القومية أو المعرفية ويمكن إجماال‬
‫أسباب االخت ف وبالتالي صعوبة الوصول إلا تعريف موحن إلا األمور التالية‪:‬‬
‫‪-‬اخت ف اآلراء التربوية ومنارسها مبر العصور وباخت ف األمم‬
‫‪ -‬التطااور الااذي لحااق مفهااوم الما هج بماارور الا من أاا‪ ،‬ا فااي ذلااك أاا‪،‬ن معظاام‬
‫العلوم والف ون وكان تيجاة لهاذين الساببين ظهاور مانة مفااهيم للما هج لعال أوضاحها‬
‫الفرق بين الم هج التقليني والم هج الحنيث‬
‫‪-‬صعوبة التفريق بين الم هج م ن تخطيطا والم هج م ن تطبيقا‬
‫فاااالم هج ملاااا مساااتوى التخطااايط هاااو وثيقاااة مكتوباااة تأاااتمل م اصااار المااا هج‬
‫والتقويم)‬ ‫األساسية (األهناف والمحتوى وطرق التنري‬
‫فالم ها هو مجمومة من الموان النراسية وموضوماتها التاي يتعلمهاا الت مياذ‬
‫وهذا هو المفهوم التقليني للم هج حيث فهما النارسون ملا أ ا الكتاب المنرسي‬
‫‪26‬‬
‫وهو مبارة من مجمومة حقائق ومعلومات ومفاهيم م ظماة بأاكل جيان بحياث‬
‫يسهل فهمها وتعلمها وهذا أيضا مرتبط بالمفهوم األول حيث يرك ان ملا المحتوى‬
‫النراسي‬
‫أمااا جو سااون فيعرفااا ملااا أ ااا "سلساالة م ظمااة ومتتابعااة ماان المهااارات التااي‬
‫ساايتعلمها التلميااذ" وهااذا مفهااوم قريااب ماان تحلياال المهمااات الااذي أكاان مليااا العااالم‬
‫ميكنا لان) الاذي يعتبار‬ ‫األمريكي (سك ر) ويتفق أيضا مع المربي األمريكاي (جايم‬
‫الم هج خطة مكتوبة جاه ة للت فيذ (التنري )‬
‫كما أن الم هج هو مجمومة من األساليب التقلينية العامة متمثلة في تعليم التلميذ‬
‫األساساايات العامااة فااي ‪ :‬الرياضاايات والكتابااة والقااراءة والم طااق وقواماان اللغااة‬
‫وكتابات األنيان العظام‬
‫كمااا أن ه اااك ماان يعرفااا ملااا أ ااا تفاماال نائاام و أااط بااين البأاار ماان جهااة‬
‫(منرسين وإناريين وت مياذ وملمااء فا ) وباين األأاياء األخارى مان معلوماات‬
‫وتجهي ات مانية من جهة أخرى‬ ‫ووسائل تعليمية وطرق تنري‬
‫وهو ظام محنن المعالم لاا منخ تاا (الت مياذ والماوان النراساية) ولاا مملياات‬
‫(طرق التنري ) ولا مخرجاتا (معارف ومهارات متعلمة)‬
‫وهذا المفهوم جاء تيجة للتطورات التق ية وتطور ظرياات الاتعلم وهاو يمثال‬
‫وجهة ظر السلوكيين وملا رأسهم سك ر أبو تك ولوجيا التعليم والتعليم المبرمج‬
‫كما أن الم هج هو مبارة من خبرة تربوية مت ومة المجاالت‬
‫ويعرفا بي يا‪" :‬هو بيان مفصل من العلوم التاي تلقاا فاي المنرساة وهاو الاذي‬
‫يأغل اآلراء بالنرجاة األولاا تضاعا السالطة العاماة ولكان كلماا كا ات ه ااك أساباب‬
‫سياسية واقتصانية أو غير ذلك اتجهت إليا األ ظار وارتفعت األصوات بتعنيلا"‬
‫‪27‬‬
‫يأير بي يا في هذا التعريف إلا قطتين أساسيتين أولهما العلوم والمعاارف وماا‬
‫تحملا مان ظرياات وقاوا ين وقوامان ملمياة وثا يهاا األفكاار واآلراء الفلسافية وماا‬
‫تحملا من مبانئ فلسفية وقيم أخ قية اجتمامية‬
‫وقاان أهماال هااذا التعريااف الظااروف التااي يطبااق بهااا البر ااامج وكااذلك بال ساابة‬
‫للوسائل التي تسامن ملا إ جا ه ولم يأير هذا التعريف إلا المتعلم ال من قريب وال‬
‫من بعين وهو م صر مهم في العملية التربوية لذا يتطلب أث اء ب اء الم ها أخذ بعين‬
‫االمتبار خصائص مو الطفل والمراهق‬
‫بقولا‪" :‬هو ما يحنث لبطفال في المنرسة تيجة لماا‬ ‫ويعرف البر امج كا سا‬
‫يفعلا المعلمون"‬
‫هذا التعريف يأير إلا التغيرات التي تحنث للتلميذ فاي المنرساة ومجمال هاذه‬
‫التغيرات التي تحنث من خ ل األثر الذي يتركا المحتوى في التلميذ ولام يأاير هاذا‬
‫التعريف إلا األهناف والطرق التربوية والتقويم التربوي والخبرات‬
‫ويعرفا مبن اللطيف فؤان إبراهيم حيث يقول‪" :‬مفهوم الم هج النراسي غالباا ماا‬
‫يع ي الموان النراسية"‬
‫رك هذا التعريف ملا الماانة النراساية وأهمال الجوا اب األخارى مان الم هاا‬
‫كاألهناف والطرق التربوية والخبرات والمحتوى والتقويم ويعرفا بيو أاامب ب‪ ،‬اا‪:‬‬
‫"تأكيل الجمامة للخبرات المرئية ناخل المنرسة"‬
‫رك هذا التعريف ملا الخبرة ولام يوضاص نور األهاناف والمحتاوى والطارق‬
‫والتقويم‬
‫تعريف الم هج‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫تعرياااف يجلاااي و ايفاااان ()‪" : Neagly & Evans‬كااال الخبااارات المرساااومة‬
‫والمخطط لها مما تقنما المنرسة لط بها لكي يحققوا ال تائج المرجوة مستغلين أقصا‬
‫ما لنيهم من قنرات"‬
‫تعريف هاريست (‪" : )Hirsts‬برامج األ أطة الموضاومة لكاي تساامن الطا ب‬
‫ملا تحقيق أقصا ما يستطيعون من األهناف والغايات"‬
‫ويع ااي الم هااا المنرسااي فااي مفهومااا التقليااني مجمااو المعلومااات والحقااائق‬
‫والمفاااهيم واألفكااار التااي ينرسااها الطلبااة فااي صااورة مااوان نراسااية اصااطلص ملااا‬
‫تسميتها بالمقررات المنرسية‬
‫وقاان جاااء هااذا المفهااوم ك تيجااة طبيعيااة ل ظاارة المنرسااة التقلينيااة إلااا وظيفااة‬
‫المنرسة حيث كا ت ترى أن هذه الوظيفة ت حصر في تقانيم ألاوان مان المعرفاة إلاا‬
‫الطلبة ثم الت‪،‬كن من طريق االختبارات وال سيما التسميع من حسان اساتيعابهم لهاا‬
‫في تأكيل تلك ال ظرة الضيقة لوظيفة المنرسة يعون إلاا تقاني‬ ‫ولعل السبب الرئي‬
‫المعرفااة بامتبارهااا حصاايلة التااراث الثقااافي الثمااين الااذي ورثااا الجياال الحاضاار ماان‬
‫األجيال السابقة والذي ال يجو إهمالا أو التقليل من قيمتا ب‪،‬ي حال من األحوال وقن‬
‫جااارت العاااانة ملاااا ت ظااايم الماااانة النراساااية (المعاااارف والمعلوماااات والحقاااائق‬
‫واإلجااراءات) فااي موضااومات وتو يااع تلااك الموضااومات ملااا السا وات النراسااية‬
‫فاي سا ة‬ ‫للمراحل التعليمية المختلفاة وكاان يطلاق ملاا الماوان النراساية التاي تانر‬
‫نراسية معي ة المقررات النراسية وقان ساامن ممال الكتاب ماا ينرساا الطلباة فاي كال‬
‫صف نراسي بل وفي كل مانة تحنينا واضحا وأصبحت الكتب هي المصنر الوحين‬
‫الذي يتلقا م ا الطلبة ملومهم‬

‫‪29‬‬
‫أما مهمة إمنان الم ها في مفهوما التقليني أو إنخال تعني ت مليا فقن كا ت‬
‫ت اط بلجان من المتخصصين بالموان النراسية أو بلجان معظام أمضاائها مان هاؤالء‬
‫المتخصصين وكان المسؤولون في جها التعليم يأاننون ملاا ضارورة التقيان التاام‬
‫بالموضومات التي يتم تحنينها من قبل اللجان وملا منم جوا إنخال أي تغييار أو‬
‫أن إتقاااان نراساااة هاااذه‬ ‫تعااانيل فيهاااا تحااات أي ظااارف مااان الظاااروف ملاااا أساااا‬
‫الموضومات واستظهار ما بها من معارف ومعلومات يمثل الهانف األساما والغاياة‬
‫المتوخاة‬
‫وهذا الفهم القاصر للم هاا كاان يمثال اتجاهاا ماماا متفقاا ملياا ومساتعم فاي‬
‫العمليات التربوية حتاا وقات قرياب بال وإلاا وقت اا الحاضار فاي كثيار مان البلانان‬
‫وبخاصة تلك التي لم ت ل حظا كافيا من الرقاي والتقانم ولام تاتص لهاا الفرصاة لإلفاانة‬
‫من النراسات التربوية وال فسية التي أملت مختلف ميانين العملية التربوية‬

‫والنق الموجه للمنهاج التقلي ي‪:‬‬


‫‪-‬التركيا ملاا الماوان النراسااية الم فصالة ا ط قاا ماان ظرياة الملكاات العقليااة‬
‫والتي تؤكن ملا أن كل مانة نراسية تنرب ملكة مقلية محننة وبذلك يجب أن تكاون‬
‫م فصلة من غيرها‬
‫‪ -‬اهااتم الماا هج التقليااني بالجا ااب العقلااي للتلميااذ ماان خاا ل حفظااا لمجمومااة‬
‫المعارف والمفاهيم وأهمل الجوا ب األخرى‬
‫‪-‬ركا ت المااوان النراسااية ملااا جا ااب الحفااظ والتلقااين وأغفلاات ال أاااطات التااي‬
‫تؤني إلا الخبرات‬

‫‪30‬‬
‫‪-‬يقوم بوضع الم هج الذي يع ي المحتوى فقط مجمومة من المختصين بالموان‬
‫النراسية نون أخذ لوجهة ظر المعلم والتلميذ وأولياء األمور الذين يعتبرون رك ا‬
‫هاما من أركان العملية التربوية وهم بذلك يهملون جا ب الفروق الفرنية بين الت ميذ‬
‫‪ -‬تيجااة للتركيا ملااا المااانة النراسااية فااإن الما هج القاانيم أهماال كاال أاااط يااتم‬
‫وأهمل طرق التفكير العلمي وأهمل ت مية االتجاهاات والمياول‬ ‫خار حجرة النر‬
‫اإليجابية وأمتبر ال جاح في االمتحا ات التاي يعقانها المعلام والتاي تركا ملاا حفاظ‬
‫وبذلك أهمل امتمان الطالب ملاا فساا وميلاا إلاا االمتماان ملاا‬ ‫المانة هي األسا‬
‫فااي أاارح المااانة وتبساايطها وبالتااالي حفظهااا وجعاال الت ميااذ يميلااون إلااا‬ ‫الماانر‬
‫روح التفكياار‬ ‫تلخاايص المااوان النراسااية حتااا يسااهل حفظهااا وهااذا يااؤني إلااا طما‬
‫العلمي واالبتكار‬
‫وهي التلقين والتحفيظ وفي هذا‬ ‫‪-‬امتمن المعلم ملا طريقة واحنة في التنري‬
‫تحجيم لنور المعلم الموجا والمرأن والمخطط للبرامج‬
‫ل جاااح المعلاام وفااي هااذا‬ ‫‪ -‬امتبااار جاااح الط ا ب فااي المااوان النراسااية أسااا‬
‫إغماض لنور المعلم وإغماض للفروق الفرنية بين الت ميذ‬
‫‪-‬كثرة الموان النراساية وضاخامة مانتهاا حتاا أن النارساين مان الجيال الساابق‬
‫يفتخاارون باا‪ ،‬هم حفظااوا قصااائن الأااعراء العظااام فااي المرحلااة االبتنائيااة أو حفظااوا‬
‫القرآن الكريم ولم يبل س هم العاأرة وأن فأل الطالب في أي احية من وحي حياتا‬
‫ما هو إال تيجة فألا في حفظ نروسا‬
‫‪-‬وهذا الم هج يغفل استخنام الوسائل التعليمية‬
‫المنهاج ح يثا‪:‬‬
‫تطور مفهوم الم ها القنيم كثيرا ولعل يعون ذلك إلا األسباب التالية‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫‪-‬كثرة اال تقانات الموجهة للم هج التقليني‬
‫‪ -‬التطااورات فااي القاايم والعااانات االجتماميااة وبالتااالي أنت إلااا تغياارات فااي‬
‫أساليب وطرق حياة المجتمعات‬
‫‪ -‬تيجة لذلك حنث تغير في أهاناف التربياة وفلسافتها ونور ووظيفاة المنرساة‬
‫وبالتالي البن من ظرة جنينة للم هج‬
‫‪-‬أظهرت بعض البحوث التربوية المينا ية جوا ب القصور في الم هج التقلياني‬
‫والذي لم يعن يصلص للمجتمعات الحنيثة‬
‫‪ -‬تااائج النراسااات ال فسااية المتعلقااة بااالمتعلم والتااي أكاانت ملااا إيجابيااة المااتعلم‬
‫متلقياا سالبيا كماا كاان ساائنا وأامولية‬ ‫ومأاركتا ال أطة في مملية التعلم وأ ا لي‬
‫جوا ب أخصية المتعلم‪ :‬العقلي والجسمي واال فعالي واالجتمامي‬
‫‪-‬طبيعة الم هج التربوي المتغيرة والمت‪،‬ثرة بالتغيرات التي تحانث فاي المجتماع‬
‫و تيجة لكل التغيرات السابقة طال الم هج تغير ومي‬
‫الم هاااا ا لترباااوي الحااانيث هاااو جمياااع الخبااارات (ال أااااطات أو الممارساااات)‬
‫المخططااة التااي توفرهااا المنرسااة لمسااامنة الطلبااة ملااا تحقيااق ال تاجااات التعليميااة‬
‫الم أونة إلا أفضل ما تستطيعا قنراتهم وهو كل نراسة أو أااط أو خبارة يكتسابها‬
‫أو يقااوم بهااا المااتعلم تحاات إأااراف المنرسااة وتوجيههااا سااواء أناخاال الصااف كااان أم‬
‫خارجا وهو جميع أ اوا ال أااطات التاي يقاوم الطلباة بهاا أو جمياع الخبارات التاي‬
‫يمرون فيها تحت إأراف المنرسة وبتوجيا م ها ساواء أناخال أب ياة المنرساة كاان أم‬
‫خارجها كما أن الم ها مجمومة من الخبرات المربية التاي تهيؤهاا المنرساة للطلباة‬
‫تحت إأرافهم بقصن مسامنتهم ملا ال مو الأامل وملا التعنيل في سالوكهم كام أ اا‬
‫مجمو الخبرات التربوية االجتمامية والثقافية والرياضية والف ية والعلمية…الخ التي‬
‫‪32‬‬
‫تخططها المنرسة وتهيئها لطلبتها ليقوماوا بتعلمهاا ناخال المنرساة أو خارجهاا بهانف‬
‫إكسابهم أ ماطا من السلوك أو تعنيل أو تغيير أ ماط أخرى من السالوك حاو االتجااه‬
‫مة والمصاحبة لاتعلم الخبارات‬ ‫المرغوب ومن خ ل ممارستهم لجميع األ أطة ال‬
‫سامنهم في إتمام موهم‬
‫وتير اي ‪ )Toombs & Tierney( 1993‬تعريفاا‬ ‫وفي هذا المجال ياورن تاومب‬
‫للم ها الحنيث ويقوالن أ ا "اسم لكل م احي الحياة ال أطة والفعالة لكل فرن بما فيها‬
‫األهناف والمحتوى واأل أطة والتقويم"‬
‫مميزات المنهاج الح يث‪:‬‬
‫‪ -‬يهااتم الم ا هج الحاانيث بااالمتعلم ويثااق بقنرتااا ملااا المأاااركة ال أااطة الفعالااة‬
‫اإليجابية‬
‫‪-‬يؤكن ملا االهتمام بجميع جوا ب أخصية المتعلم وقنرتا ملا التعلم الذاتي‬
‫‪-‬المنرسة في الما هج الحانيث لهاا نور متعااون ماع المؤسساات األخارى لخنماة‬
‫البيئة االجتمامية وال يقتصر نورها ملا تلقاين الماوان النراساية للطلباة بمعا ل مان‬
‫بيئتها والمؤسسات األخرى مثل‪ :‬المؤسسات الني ية وال واني وغيرها‬
‫‪-‬الع قة بين المنرساة والبيات فاي مفهاوم الما هج الحانيث م قاة وطيانة ولكال‬
‫األباااء والمعلمااين وال يااارات‬ ‫نوره التكميلااي لرخاار وذلااك ماان خا ل ت ظاايم مجااال‬
‫المتبانلة وإأراك أولياء األمور في بعض ال أطات‬
‫‪ -‬إمااانان المااا هج‪ :‬يأاااترك فاااي إمااانانه فرياااق متكامااال مااان المختصاااين باااالموان‬
‫التربااوي والت ميااذ وأولياااء األمااور‬ ‫النراسااية والمختصااين فااي مجااال ملاام الا ف‬
‫والمعلمين‬
‫‪-‬يراما م ن التخطيط للم هج ما يلي‪:‬‬
‫‪33‬‬
‫*األخذ بعين االمتبار فلسفة المجتمع وطبيعة المتعلم وخصائص موه‬
‫*أمولا ملا مختلف أ وا ال أاط التي يقوم بهاا التلمياذ تحات إأاراف وتوجياا‬
‫المنرسة‬
‫*ت‪،‬كينه ملا التعاون والعمل الجمامي‬
‫‪-‬يسامن الت ميذ ملا التكيف االجتمامي وباذلك ال يأاعر التلمياذ بغربتاا ناخال‬
‫مجتمعا‬
‫‪-‬التركي ملا استخنام الوسائل التعليمية ضمن مفهوم ال ظام‬
‫التي يستخنمها المعلم بحياث يختاار الطارق األكثار‬ ‫‪-‬الت ويع في طرق التنري‬
‫م ءمة للمانة النراسية والت ميذ مراميا الفروق الفرنية بي هم‬
‫‪-‬تغياار نور المعلاام بحياث لاام يعاان الملقاان والمسااتخنم للعقاااب الباان ي باال أصاابص‬
‫موجها ومرأنا ومخططا للبرامج مبتعنا من العقااب البان ي محترماا آلراء الت مياذ‬
‫وأفكارهم ومؤكنا ملا استعنانهم للتعلم‬
‫‪-‬الم هج ال يع ي المانة النراسية فقط بل تمثل الماانة النراساية جا ءا مان ظاام‬
‫الم هج‬
‫‪-‬التقااويم جاا ء ماان الماا هج وال يركاا ملااا االختبااارات القائمااة ملااا الحفااظ‬
‫وحنها وال يعتبر االختبارات غاية فاي ذاتهاا بال هاي وسايلة لمعرفاة تاجاات الاتعلم‬
‫وليست سوطا للترسيب أو العقاب‬
‫بي اغوجيا‪:‬‬
‫كلمة يو ا ية مركبة من مقطعين األول ‪ PED‬وأصلا ‪ PAIS‬أو ‪ PAIDOS‬بمع ا‬
‫طفل والمقطع اآلخار ‪ Agogie‬وأصالا ‪ Ogogé‬بمع اا القياانة والتوجياا ( ‪action de‬‬

‫‪)conduire‬‬
‫‪34‬‬
‫فالكلمة إذن تع ي توجيا األطفال وقيانتهم أو تربيتهم‬
‫ال عم‪:‬‬
‫أقول نممت الأيء نمما إذن أس نتا وأم تا والنماماة مماانة البيات وانمام‬
‫اتك‪ ،‬ملا النمامة واست ن والنمامة جمع نمائم‬
‫ونمم ف ن ف ا أي أما ا وقواه‬
‫االصطالحي‪:‬‬ ‫التعري‬
‫ال و عم البي و اغوجي هااو مجمومااة ماان الوسااائل والتق يااات التربويااة التااي يمكاان‬
‫اتبامها ناخل الفصل (في إطار أ أاطة المنرساة ككال) لت فاي بعاض ماا قان يعتارض‬
‫تعلاام الت ميااذ ماان صااعوبات (ماانم فهاام ثغاارات تاا‪،‬خر) تحااول نون إباارا القاانرات‬
‫الحقيقي ا ة والتعبياار ماان اإلمكا يااات الفعليااة الكام ااة ويأاامل الاانمم م طلقااات الفعاال‬
‫التربوي مثلما يأمل سيرورتا و تائجا‬
‫أموا بيو اغوجيا الانمم فااي ظامهااا األساساي فهااي األسالوب أو ال ظااام التربااوي‬
‫الااذي ي بغااي أن يعتماان إلسااعاف المتاا‪،‬خرين نراساايا ومسااا نتهم لجعلهاام يسااايرون‬
‫أقرا هم في مستوى التحصيل أو يقتربون من مستواهم ملا األقل‬
‫التح ي اإلجرا ي‪:‬‬
‫الووو عم البيووو اغوجي يع اااي اكتأااااف التعثااار النراساااي تأاااخيص أسااابابا ثااام‬
‫تصااحيحا ماان أجاال تقلاايص الفااارق بااين الهاانف الم أااون فااي فعاال التعلاايم والااتعلم‬
‫وال تيجة المحققة‬
‫مفهوم التكوين‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫فقن مرفا فاخر ماقل في معجم ملام الا ف ‪" :‬ب‪ ،‬اا يانل ملاا مجموماة العوامال‬
‫الوراثية التي تحنن ال مو المقبل للفرن أو ينل ملا هذه العوامل الوراثية مضافا إليهاا‬
‫مكتساباتا السابقة التي تحنن سلوكا"‬
‫إن هااذا التعريااف رغاام تفساايره للتكااوين ماان ال احيااة العضااوية إال أ ااا يبااين ل ااا‬
‫م اصاار التكااوين التااي تعاان بمثابااة مجمومااة مواماال موروثااة إلااا جا ااب العواماال‬
‫المكتسبة‬
‫وقن يؤخذ مفهوم التكوين م‪،‬خذ مفهاوم التانريب فاي كثيار مان األحياان لاذا فاإن‬
‫مبنالرحمان ميسوي في تعريفا يارى أن المقصاون بالتانريب المه اي او مان الاتعلم‬
‫واكتساب المهارات والخبرات والمعارف المختلفة المتعلقة بمه ة معي ة‬
‫وقان ذهااب كاال ماان بي ااار وليتااار ‪ Biznord & Lietard‬فااي تعريفهمااا للتكااوين‬
‫مااذهبا ثالثااا إذ امتبااراه "مجمومااة ال أاااطات التربويااة التااي تتجاااو مع ااا التكااوين‬
‫المباانئي حيااث يساامص لكاال أااخص أن ياانمم فسااا فااي كاال الميااانين ملااا مسااتوى‬
‫المهاااارات المكتسااابة فاااي الحيااااة العائلياااة أو المه ياااة أو االجتمامياااة أو المن ياااة وأن‬
‫يكتسااب أيضااا أكباار قاانر ممكاان ماان االسااتق ل الجساامي واالقتصاااني واالجتمااامي‬
‫والفكري والثقافي بقنر استطامتا"‬
‫ويتفق بي ار ‪ Biznord‬مع كل من ريمون فاتي ‪ Raymand Vatier‬والفيلساوف‬
‫التربوي نوركايم الذي يرى "أ ها مملية تربوية تمثال مجهاونا مساتمرا لتفارض ملاا‬
‫الطفل ماذ من الرؤى والتفكير والسلوك التي ال يمك ا أن ينركها بصفة تلقائية إال‬
‫من طريق المجتمع بكل م اصره والمحيط االجتمامي الذي ي تمي إليا بصفة خاصة‬
‫ومما سبق يتحنن بكل وضوح المفهوم اإلجرائي للتكوين كما يلي‪" :‬أ ا يعبر من‬
‫الجهون المتوا ة والمتكاملة من جميع األطراف أو المع يين بالتكوين قصان مساامنة‬
‫‪36‬‬
‫التلمياذ ملااا معرفاة المحاايط الاذي يعاايو فيااا مان طريااق نراساة العلااوم المتخصصااة‬
‫والتي لها م قة بميانان طموحاتاا ومساامنتا ملاا معرفاة فساا مان طرياق نراساة‬
‫العلوم اإل سا ية ومختلف العلوم األخرى "‬

‫المحور الثا ي ‪ :‬فلسفة التربية‬

‫ماهية الفلسفة‬
‫م قة الفلسفة بالتربية‬
‫م قة التربية بالعلوم األخرى‬

‫فلسفة التربية‬
‫معنى الفلسفة‪:‬‬
‫يمكاان القااول بصاافة مامااة أ ااا ال يوجاان اتفاااق حااول تعريااف الفلساافة أو تحنياان‬
‫مضمو ها ومباحثها‬

‫‪37‬‬
‫ولعاال ماان أقاانم التعريفااات للفلساافة ذلااك التعريااف الااذي يمتاان ب‪،‬صاال الكلمااة إلااا‬
‫اإلغريق في مع اها اللغوي "حب الحكمة" وملا هذا يكون الفيلسوف هاو الحكايم أو‬
‫محب الحكمة‬
‫وربما كان هذا التعريف م اسبا م نما كا ت الفلسفة تمثال جماا المعرفاة آ اذاك‬
‫من طب وفلك والهوت وقا ون وغيره وملا الرغم من أن تطور العلاوم والمعرفاة‬
‫قان أنى فاي ال هايااة إلاا ا فصااال هاذه العلااوم مان الفلسافة واحاانا تلاو اآلخاار فقان بقااا‬
‫تعريفها "حب الحكمة" كما هو‬
‫المعجمي‪:‬‬ ‫التعري‬
‫يورن المعجم الوسيط في تفسير كلمة فلسفة أ ها "نراسة المبانئ األولا وتفسير‬
‫المعرفاة تفسايرا مقليااا وكا ات تأاامل العلاوم جميعاا واقتصاارت فاي هااذا العصار ملااا‬
‫الم طق واألخ ق وملم الجمال وما وراء الطبيعة"‬
‫ويورن معجم التربية تعريفا للفلسفة مأابها للتعرياف الساابق فيقاول فاي تعرياف‬
‫الفلسفة ب‪ ،‬ها‪" :‬العلم الذي يرماي إلاا ت ظايم وترتياب كال مجااالت المعرفاة بامتبارهاا‬
‫وسااائل لفهاام وتفسااير الحقيقااة فااي صااورتها الكليااة وهااذا العلاام يأاامل مااانة الم طااق‬
‫واألخ ق وملم الجمال وما وراء الطبيعة (الميتافي يقا) و ظرية المعرفة"‬
‫الفالسفة‪:‬‬ ‫تعري‬
‫*تعريف كو ت (‪: )A. Compte‬‬
‫" ان الفيلسوف الفر سي كو ات با‪،‬ن الفلسافة فاي هاذا العاالم الجنيان للعلام تقتصار‬
‫فائنتها ملا توضيص مفاهيم و ظرياات العلام وأن ملاا الفلسافة أن تتخلاا مان مجاال‬
‫الميتافي يقاااا ألن القضاااايا التاااي يت اولهاااا هاااذا المجاااال ال تسااامص بالتحليااال العلماااي أو‬
‫التجريبي أو البره ة"‬
‫‪38‬‬
‫*تعريف في يك (‪)Phenix‬‬
‫وهااو ماان ف ساافة التربيااة األمااريكيين يقااول فااي كتابااا "فلساافة التربيااة" ‪" :‬إن‬
‫الفلسفة ليست مجمومة من المعارف وال تؤني نراستها إلا تجميع منن من الحقائق‬
‫وهي تتضامن ت ظايم‬ ‫وهي ليست طريقة من طرق ال ظر إلا المعرفة التي لني ا فع‬
‫وتفسير وتوضيص و قن ما هاو موجاون بالفعال فاي ميانان المعرفاة والخبارة وتساتعمل‬
‫كمانة لها ما تتضم ا العلوم والف ون المختلفة والنين واألنب ومن معارف كماا أ هاا‬
‫تستعمل المفاهيم العامة العانية" (يرى أن ه اك أربع مكو ات للفلسفة‪-‬الأمول اتسا‬
‫ال ظرة البصيرة الت‪،‬ملية‪-‬‬
‫*تعريف كو ور (‪)O. Connor‬‬
‫هو من الف سفة البريطا يين المعاصرين في كتابا "مقنمة فاي فلسافة التربياة"‪:‬‬
‫"إن الفلسفة ليست ظاما من المعرفة ذات الطابع اإليجابي (أي لاا مضامون معرفاي)‬
‫كالقااااا ون أو ملاااام األحياااااء أو التاااااريخ والجغرافيااااا وإ مااااا هااااي أاااااط قااااني أو‬
‫توضيحي…"‬
‫كما يختلف الف سفة فيما بي هم حول تحنين مفهوم الفلسفة ومع هاذا فإ اا يمك اا‬
‫بصفة مامة أن مي اتجاهين رئيسيين‪:‬‬
‫االتجاه ارول‪:‬‬
‫ياارى أن الفلساافة هااي أساالوب للتفكياار وطريقااة للم اقأااة فااي ت اااول المأااك ت‬
‫لهااا مضاامون ملمااي يقااوم ملااا‬ ‫وتحليلهااا ومعالجتهااا وهااذا يع ااي أن الفلساافة لااي‬
‫مجمومة الحقائق كما هو الحال في باقي العلوم‬
‫االتجاه الثاني‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫يرى أن الفلسفة هي أكثر من كو ها طريقة أو أسلوب للتفكير فهي إلاا جا اب‬
‫ذلك لها مباحثها الخاصة ومياني ها المعرفية‬
‫مباحث الفلسفة‪:‬‬
‫*االنطولوجيا (‪: )Ontology‬‬
‫أي نراسة طبيعة الحقيقة وتتعلق بالبحث في الوجون والكون والحياة واإل سان‬
‫ومااان المرانفاااات الأاااائعة ل طولوجياااا الميتافي يقاااا‪-‬ماااا وراء الطبيعاااة‪ -‬اإللهياااات‬
‫الغيبيات‬

‫*االبستمولوجيا (‪: )Epistemology‬‬


‫أو ظريااة المعرفااة أي تبحااث فااي طبيعااة المعرفااة حاانونها وأ وامهااا وكيااف‬
‫تحقق من هنف المعرفة كما تبحث في مصانر المعرفة وأهميتها ال سبية‬
‫*االكسيولوجيا (‪: )Anxiology‬‬
‫تتعلااق بالبحااث فااي القاايم ‪-‬طبيعتهااا مصااانرها أ وامهااا‪ -‬بمأااك ت الخياار‬
‫والجمال وفي القيم الجوهرية الخالنة ككراماة اإل ساان القايم اإلجرائياة مثال تفضايل‬
‫م هج معين كالم هج العلمي…‬

‫االكسيولوجيا ‪:‬‬
‫‪-‬ملم األخ ق(أخ قيات اإل سان الأر الخير )‬
‫‪-‬ملم الجمال معايير الجمال واإل سان والبيئة‬

‫‪40‬‬
‫عالقة الفلسفة بالتربية‪:‬‬
‫التربية هي الموضو أما ملوم التربية فتعتبر الم هج أو مجمومة الم اهج التاي‬
‫وهاي كساائر مياانين المعرفاة والعلاوم اإل ساا ية ذات‬ ‫من طريقهاا الموضاو‬ ‫تنر‬
‫الصلة الوطينة بالفلسفة ملا اخت ف مذاهبها ومنارسها‬
‫فما هو الفرق بين التربية كموضو فلسفي وبين ملم التربيةإ‬
‫قبل القارن ‪ 19‬كا ات كال القضاايا المعرفياة تطارح ملاا مساتوى الفلسافة حياث‬
‫كا ت الفلسفة أم العلوم والمعارف كالفي ياء والطاب وغيرهاا مان العلاوم وكا ات مان‬
‫اختصاصات الف سفة إذ كا وا يعتقنون أن الفلسفة تجمع كل أيء‬
‫عالقة التربية بالفلسفة‪:‬‬
‫العامااة لل ظريااات‬ ‫فااي األس ا‬ ‫رو‬ ‫يااذهب بعااض المااؤلفين ماان بي ا هم جااايم‬
‫التربوية للقول أن ه اك م قة وطينة بين التربية والفلسفة إذ يعتبرهماا وجهاان لعملاة‬
‫واحنة أماا حان ف فارق بي هماا ملاا أ اا معاا ملاا أانة االرتبااط بحياث إذا حاول اا‬
‫نراسة التربية م ان اليو اا يين أو الصاي يين فإ اا ال ساتطيع نراساة التربياة الصاي ية‬
‫كذلك ال ستطيع التعرف ملا إبرا المفكرين‬ ‫نون التعرف ملا فلسفة كو فوأيو‬
‫أمثال سقراط وأريسطو وال ستطيع التعارف ملاا التربياة اإلسا مية نون التعارض‬
‫إلا القرآن الكريم والتعرف مليا‬
‫الاوحي‬ ‫مق اي أو ملاا أساا‬ ‫إن التربية تقوم ملا رافانين إماا ملاا أساا‬
‫لت‪،‬كيان‬ ‫رو‬ ‫والأر ومن ثم تعتمان ملاا الأار ومان األنلاة التاي جااء بهاا جاايم‬
‫فكرتا هي أ ا‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-1‬يرى أن التربية والفلسفة أيء واحن ألن التربية بنون فلسفة ال تكون إذ أ ها‬
‫تسااتمن مفاهيمهااا وموضااومها أو مفهااوم موضااومها ماان الفلساافة باال تسااتمن العقياانة‬
‫التربوية التي تحتويها ملا مجمومة المفاهيم والقيم التربوية‬
‫‪-2‬كون التربية تختلف في مفاهيمها وقيمها باخت ف المذاهب الفلسفية‬
‫‪-3‬كون التربية والفلسفة ك هما تعتمن ملا أينيولوجية واحنة‬
‫إن الع قة موجونة بين التربية والفلسافة لكان هاذا ال يع اي أ هماا وجهاان لعملاة‬
‫واحنة إذ أن ه اك فروق كثيرة تتمثل في‪:‬‬
‫*ت طلق الفلسفة من الأك وال سبية بي ما التربية ت طلق مان اليقاين وتخار مان‬
‫طاقا‬
‫*تعااالج الفلساافة اإل سااان المطلااق بي مااا التربيااة تعااالج اإل سااان كمااا هااو فااي أي‬
‫مان ومكان‬
‫*يمكن للتربية أن تلت م بالتربية كما يمكن أن ال تلت م بها‬
‫*يمكن للتربية أن تلت م بالنيا ات وهي ليست فلسفة‬
‫مجال الفلسفة التربوية‪:‬‬
‫أصاااب حت فلسااافة التربياااة مجاااال اهتماااام حياااوي لكثيااار مااان الف سااافة الغاااربيين‬
‫المأهورين فقن قانم أف طاون وأريساطو ولاوك وروساو وكا ات ونياوي خانمات‬
‫مظيمااة فااي هااذا المجااال حتااا أن نيااوي قااال‪" :‬يمكاان وصااف الفلساافة ب‪ ،‬هااا ال ظريااة‬
‫العامة للتربية" فالفلسفة التربوية تعمل ملاا فهام التربياة فاي مجمومهاا مفسارة إياهاا‬
‫بواسطة مفاهيم مامة و ظريات‬
‫عالقة التربية بعلم النف ‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫إن التربية تت‪،‬ثر وتاؤثر فاي تاائج العلاوم األخارى وساوف قتصار مان م قاة‬
‫ال مو خاصة‬ ‫التربوي وملم ف‬ ‫مامة وبعلم ف‬ ‫التربية بعلم ال ف‬
‫و بنأ طرح السؤال التالي‪ :‬ما نخل التربية بال سبة إلا ملم ال ف إ‬
‫هاو الميانان كماا أن ملام‬ ‫يمكن القول ب‪،‬ن مجال اللقاء بين التربياة وملام الا ف‬
‫هااو نراسااة الخباارة ال فسااية ومااا تطلبااا ماان نوافااع مختلفااة لكااي تتبلااور بأااكل‬ ‫الا ف‬
‫فعانة فأخصية‬ ‫و‬ ‫سلوك‬
‫بي مااا جاان التربيااة هااي األخاارى تحاااول أن تع ااا باإل سااان ماان حيااث هااو ذو‬
‫إمكا ات فطرية فسية جسمية وغيرها ليمكن لا التكيف األفضل مع المحيط الطبيعي‬
‫المسااامنة الموضااومية البيئيااة‬ ‫االجتمااامي… الااخ ال يسااتطيع التكيااف إال ملااا أسااا‬
‫التااي تقاانم لااا ماان طاارف اآلخاارين الراأاانين لكااي يج بااا األخطاااء ويأااجعون قنراتااا‬
‫العقلية والحركية ويسامنو ا ملاا الخبارة التاي تتبلاور فيهاا أخصايتا فالتربياة تهاتم‬
‫بهااذه األمااور فهااي تعاان اإل سااان ال ليسااتغل ثماارات األجاانان واآلباااء وكاال األجيااال‬
‫اإل سا ية بل ليساهم هو اآلخر في الجهن اإل سا ي في الب اء الحضاري بمع اه الأامل‬
‫والمربي ال يستطيع أن يعرف حاجات المربي إال بمعرفتا كما جن ملم الا ف‬
‫يحاااول أن يقاانم ل ااا معلومااات صااحيحة فمااا هااو مقاانار المعلومااات التااي يقاانمها ملاام‬
‫ال ا ف إ كمااا أن التربيااة تحتااا إلااا كاال العلااوم اإل سااا ية مااع اخاات ف فااي الطريقااة‬
‫والتربية تعتمن ملا النين بحيث تستمن مفاهيمها ومفاهيم اإل سان من النين كماا أ هاا‬
‫تعتمن ملا الفلسفة وتستمن مفاهيمها ومفاهيم اإل سان م ها‬
‫إن مياانان التربيااة هااو ملتقااا الطاارق الااذي تصاال إليااا كاال الروابااي‪-‬روابااي‬
‫حظ أن كل ماا لاا م قاة بالثقافاة‬ ‫المعرفة‪ -‬ألن التربية كالعامون الفقري بحيث أ ا‬
‫والحضارة لا م قة بالتربية‬
‫‪43‬‬
‫الترباوي ذلاك أن‬ ‫إن االهتمام بالتربية واكبا تطاور هائال فاي مجاال ملام الا ف‬
‫التربوي يت اول االهتمام بالفرن في المواقف التربوية‬ ‫ملم ال ف‬
‫التربويين بالمأك ت التربوية مثل الممارسات التربوية‬ ‫ولقن اهتم ملماء ال ف‬
‫كالتعلم النافعية التوجيا التربوي التحصيل المنرسي وقياسا وتقويما‬
‫يهاتم بتطبياق مباانئ ملام‬ ‫الترباوي هاو فار مان ملام الا ف‬ ‫كما أن ملم الا ف‬
‫والتعلاايم‬ ‫و ظرياتااا وم اااهج البحااث الخاصااة بااا فااي مجااال التربيااة والتاانري‬ ‫ال ا ف‬
‫أو‬ ‫والتنريب وماا يظهار فياا مان مأاك ت وظاواهر فاي حاجاة إلاا نراساة أو ما‬
‫حلول ويهانف هاذا الفار مان كال هاذا إلاا رفاع كفاياة العملياة التربوياة أو التعليمياة‬
‫وجعلها أكثر مائنا وأقل تكلفة وأفضل جاحا‬
‫التربية واالنتروبولوجيا (علم اإلنسان)‪:‬‬
‫إن الع قة بي هما وثيقة من حيث أن التربية تحافظ ملا هذا الميراث وت قحا وتعا ه‬
‫وتبسااطا وت قلااا لبجيااال ال حقااة وتعلاام األجيااال أيضااا كيفيااة التكيااف مااع الثقافااة‬
‫باإلضافة إلا أن األ ثربولوجيا تهانف إلاا نراساة سامات الحيااة االجتمامياة ومعرفاة‬
‫طبيعتها ومكو اتها إلمانة ب اء تاريخ المجتمعات أو تاريخ الحضارة مع تحنين معالم‬
‫التركيب التاريخي والحضاري لثقافة ما ومقار تها مع المجتمعات والثقافات األخرى‬
‫وه ا تنخل الع قات التربوية ونورها في مجمل هذه العمليات‬
‫إن مجمل العلوم األ ثروبولوجية سواء كا ت ثقافية أم اجتمامية أم في يقية ترك ملاا‬
‫أأكال الثقافة وأب ية المجتمعات‬ ‫نراسة اإل سان ككائن اجتمامي أو حضاري فتنر‬
‫البأرية من خ ل نراسة هذه المجتمعات األولية ومعالجاة ماا يساما ب‪ ،‬مااط الثقافاة‬
‫البنائية والتربية هي العوامل األساسية التي يجب أخذها باالمتبار م ن نراسة التطور‬
‫الثقافي ألي مجتمع من المجتمعات البأرية‬
‫‪44‬‬
‫والتربية ما هي إال العملية التي تؤمن للفرن القانرة ملاا الات ؤم باين نوافعاا الناخلياة‬
‫وظروفااا الخارجيااة ال ابعااة ماان بيئااة ثقافيااة واجتماميااة معي ااة (هااذا مااا ينرسااا ملاام‬
‫االج تما التربوي) وهذا ما ترك األ ثروبولوجية ملا نراسة اإل ساان مان ال احياة‬
‫الثقافية والجسمية وتهتم بسلوك هذا اإل سان ضمن إطار اجتمامي ثقافي متراكم مبر‬
‫الصور‬
‫صلة التربية بالتاريخ‪:‬‬
‫التاااريخ يسااجل الجهااون الفكريااة لإل سااان فااي محاوالتااا تفسااير الحياااة البأاارية وفهاام‬
‫صلت ها بالوجون وهو ملم ضاروري ومهام للعلاوم اإل ساا ية ووجاون البعان التااريخي‬
‫يسااامن العمليااة التربويااةملا فهاام مااا ورثااا ماان الماضااي ومااا أمنتااا للحاضاار وكيااف‬
‫تخطط ل ط ق إلا المستقبل وأيضاا يساامن ملاا فهام المأاك ت التاي مارت ملاا‬
‫البأرية في مراحل تطورها واالبتعان مما هو غيار صاالص لتج باا والبحاث مماا هاو‬
‫ملااا المفاااهيم التربويااة التااي اتبعهااا اإل سااان قاانيما وكيااف‬ ‫مفياان وكااذلك اإلطاا‬
‫تطااورت إن التربيااة فااي م قتهااا مااع التاااريخ تكااون مااا يسااما بتاااريخ التربيااة الااذي‬
‫حركة المجتمعات البأرية وتفام تها وت‪،‬ثيرها ملا التربية‬ ‫ينر‬

‫التربية والبيولوجيا‪:‬‬
‫تعتبر البيولوجيا ذلك العلم الذي يبحث في نراسة الكائ ات الحية من ال احية العضاوية‬
‫وت ؤمها مع الوسط الذي تعيو فيا والتربية تبحث في معرفاة قاوا ين الحيااة العاماة‬
‫وال مو والتكيف وهي وثيقة االتصال ماع ماا ينرساا ملام األحيااء (البيولوجياا) وهاذا‬
‫أنى إلا وجون اتجاه بيولوجي في التربية وخاصاة فاي التركيا ملاا مفهاوم التكياف‬
‫‪45‬‬
‫المرن والمب ي ملا وجون نافع ناخلي يسعا إلا ت ؤم الكائن الحي مع مطالب البيئة‬
‫المحيطة با من مختلف أوجهها والتي هي جوهر الحياة فسها‬
‫التربية وعلم االجتماع‪:‬‬
‫الع قااة بي همااا وثيقااة وممااا ياانل ملااا أهميتهااا وضاارورتها وجااون مااا يسااما "ملاام‬
‫االجتما التربوي" الذي أ‪ ،‬وتطور في القارن العأارين وهاو العلام الاذي يجماع ماا‬
‫بين ملم االجتما وملام التربياة ويعتبار أحان فارو ملام االجتماا العاماة والكثيارة‬
‫ويهاانف للكأااف ماان الع قااات مااا بااين العمليااات االجتماميااة والعمليااات التربويااة‬
‫ويسااتخنم ملاام اال جتمااا بامتباااره ملاام المجتمااع وملاام نراسااة الظااواهر االجتماميااة‬
‫وتفام تهااا المختلفااة لمسااامنة التربيااة فااي ت‪،‬نيااة مهامهااا ووظائفهااا وجميااع األس ا‬
‫مهمة فاي العملياة التربوياة ذلاك أن التربياة ال توجان فاي فاراو‬ ‫االجتمامية هي أس‬
‫وإ ما في مجتمع لا أسسا وم قاتا االقتصانية والثقافية والسياسية والتربوية كما أن‬
‫المجتمع محتا إلا التربية وخاصة أن التربياة تهانف فاي جملاة ماا تهانف إلياا إلاا‬
‫تكيف اإل سان مع مجتمعا بما فيا من أ ماط ثقافية ومانات مختلفاة وذلاك باساتفانتها‬
‫من ال تائج التي توصل إليها ملم االجتما وتسعا إلا تطبيقها في المينان‬
‫المحور الثالث ‪ :‬تطور الفكر التربوي‬

‫التربية في المجتمعات البنائية والقنيمة‬


‫ال ظرية المثالية في التربية‬
‫ال ظرية اإلس مية في التربية‬
‫ال ظرية الطبيعية في التربية‬

‫‪46‬‬
‫ال ظرية البراجماتية في التربية‬

‫التربية لنى األقوام البنائية‬


‫أهم ما يمي التربية لنى األقوام البنائية أ ها تهنف إلا أن يقلن ال اأائ ماانات‬
‫مجتمعا وطرا حياتا تقلينا مبونيا خاصا فالطفل م نهم يتنرب ملا األمماال التاي‬
‫تمارسااها القبيلااة ك‪،‬ممااال البياات وصاا امة األنوات الضاارورية وحياكااة األقمأااة‬
‫والصين والحرب وحمال السا ح والرماي وال راماة فهاي بهاذا تعتبار تانريبا آلياا‬
‫تنريجيا ملا معتقنات األسرة االجتمامية وماناتهاا وأممالهاا غيار أن تربياة الجا‬
‫البأري لنى األقوام البنائية احتلت مكان الصنارة فيها الخصائص الث ث المتمثلة في‬
‫التربية كماا الحاظ المرباي األمريكاي نياوي‬ ‫واللغة وأن الذي يمار‬ ‫اإللا والطقو‬
‫المجتمع ب‪،‬سره بصورة غير مباأرة تتمثل في ممليات التمثيل والرقص والتقلين التاي‬
‫يقااوم بهااا الصااغار محاكاااة الكبااار لغاارض قاال حركاااتهم وتصاارفاتهم إال أن ه اااك‬
‫طقوسااا تلااي الااوالنة مباأاارة وهااي مظاااهر لاانمج الولياان ب مرتااا التااي ي تمااي إليهااا‬
‫فالولين يبقاا فاي أياام حياتاا األولاا فاي حضان وك اف ال سااء وبالتاالي فهاو ال ي انمج‬
‫جنيانة لتحقاق لاا‬ ‫بالصورة المطلوبة في مجتمعا لاذلك فإ اا ال بان مان وجاون طقاو‬
‫تغيار حياتاا وتعتبار والنة‬ ‫وهذه مانة ما تكون م ان البلاوو وهاذه الطقاو‬ ‫اال نما‬
‫لفترة طويلة ومراقبة نقيقة يقوم بها أايوخ‬ ‫جنينة بال سبة لا ويتم إمنان هذه الطقو‬
‫التقلينياة‬ ‫القبيلة وهم الذين يتولون في هاية األمر الحفاظ ملا المعتقنات والطقاو‬
‫تجعاال الخاضااعين لهااا يتلقااون تجااارب قاسااية وأليمااة وكثياارا مااا يااتم‬ ‫وهااذه الطقااو‬
‫إجبارهم وإكراههم ملا الخضو والصمت والصوم وكثيرا ما يطلب إليهم أن يتلقوا‬
‫تعاليم ت قل إليهم تقالين مرمبة مخيفة ويقول هامبلي أن هذه التجارب والمحن القاسية‬
‫‪47‬‬
‫مفينة جانا وضارورية لانى المجتمعاات التاي يتطلاب تحصايل القاوت فيهاا الكثيار مان‬
‫الع ان واإلرانة الصلبة‬
‫والتربية البنائية ال تميل للقسوة إال فيما يتعلق بالطقو‬
‫واألقوام البنائية بال سبة للتربية الجسنية يتركون ألوالنهم الحرياة حياث ياركن‬
‫هااؤالء األوالن إلااا الكثياار ماان األلعاااب الممتعااة التااي يااتم فيهااا تقلياان الكبااار حيااث‬
‫يتاانربون مليهااا م ااذ عومااة أظفااارهم ففااي المجتمعااات المحاربااة يسااهمون فااي صا ع‬
‫السيوف والرماح والقسي وأنوات الحرب وآالتا ويقلنون الكبار فيما يقومون با مان‬
‫معارك أو ي صبو ا من كمائن‬
‫أما في المجتمعات المسالمة فهم يقلنون الكبار في ال سيج وب اء األكواخ وص ع‬
‫األوا ااي والصااين والتجاانيف وهاام بهااذا ي مااون أفكااارهم ويأاابع خيااالهم حتااا نرجااة‬
‫وفيمااا يتعلااق بالتربيااة الفكريااة لاانى األقاوام البنائيااة فهااي تختلااف تبعااا لجا‬ ‫اإلبانا‬
‫الطفل ولطرا حياة القبيلة‬
‫وتمتا األقوام البنائية بإنراكات حسية فالسامع مرهاف والبصار حاان والأام‬
‫الك ب والخيال حان يقظ والذاكرة قوية‬ ‫قوي ي اف‬
‫أمااا ماان التربيااة الخلقيااة والني يااة فاألجاانان واألباااء يحرصااون بأاانة ملااا قاال‬
‫مبانئ السلوك السوي والتصرف السليم إلا أب ائهم واألوامار م انهم تتصال بتقاني‬
‫األجنان واحترام الأيوخ واألباء والأرف‬

‫اإلرسال ‪3 ، 2‬‬

‫‪48‬‬
‫المدرسة العليا لألساتذة في اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫بوزريعة‬

‫مدخل إلى علوم التربية‬


‫مـن إعداد األستاذيـن ‪:‬‬
‫‪ -‬كمـال عبـد اللــه‬
‫‪ -‬عبـد اللـه قـلــي‬

‫لطلبة اللغة العربية وآدابها ‪ -‬السنة األولى ‪ -‬اإلرسال ‪3- 2‬‬

‫السنة الجامعية‬

‫‪.2006/ 2005‬‬

‫ملمح أساتذة التعليم األساسي (عن بعد)‬

‫المحور الثالث ‪ :‬تطور الفكر التربوي‬


‫‪ -‬التربية في المجتمعات البدائية والقديم‬
‫‪ -‬النظرية المثالية في التربية‬
‫‪ -‬النظرية اإلسالمية في التربية‬

‫‪49‬‬
‫‪ -‬النظرية الطبيعية في التربية‬
‫‪ -‬النظرية البراجماتية في التربية‬

‫تطـور الفكـر التربـوي ‪:‬‬


‫يحظى الفكر التربوي باهتمام متميز‪ ،‬كونه المنطلق األساسي لتكريس قيم األصالة‬
‫في المجتمع‪ ،‬والمرتكز األهم في بناء مستقبل يحقق استثمارا أمثل لمعطيات الحاضر‪،‬‬
‫مجسدا ً من خالل ذلك تطلعات الفرد والمجتمع على حد سواء‪ ،‬في إطار مشروع‬
‫حضاري متكامل‪.‬‬
‫وإذا كان الهدف األساسي للفكر التربوي‪ ،‬هو ذلك المشروع الحضاري‪ ،‬فإنه يستند‬
‫بالضرورة إلى عملية التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل من جهة‪ ،‬والتفاعل‬
‫مع معطيات المجتمعات البشرية‪ ،‬على اختالف نماذجها‪ ،‬زمنيا ً ومكانياً‪ ،‬من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫من هنا يبدو البحث في موضوع الفكر التربوي العربي‪ ،‬مرتبطا ً بالبحث في‬
‫مضامين الفكر التربوي العالمي‪ ،‬في ماضيه وحاضره‪ ،‬وفي اهتماماته وتطلعاته‪ ،‬وفي‬
‫أ ساليبه وأغراضه‪ ،‬على أن ذلك االرتباط ال يعني بأي شكل‪ ،‬االلتزام بتوجهات تربوية‬
‫تخالف طبيعة المجتمع العربي‪ ،‬أو تعد غريبة بالنسبة ألبنائه‪ ،‬وإنما تعني التفاعل مع‬
‫ما أنتجته البشرية من نظريات تخدم التوجهات العامة للشعوب‪ ،‬وتقع في إطار‬
‫األنسنة‪ ،‬بحيث يتحول هذا التفاعل باتجاه تطوير النظريات المحلية‪ ،‬وتعميق عالقتها‬
‫مع طموحات أبناء المجتمع‪.‬‬
‫يقول د‪ ،‬رضوان السيد في دراسة نشرها في مجلة الفكر العربي بعنوان (جدليات‬
‫التجربة التربوية التاريخية) ‪:‬‬
‫" تاريخ التجربة التربوية ألي أمة ـ وألمتنا على الخصوص ـ هو تاريخ لجدليات‬
‫عالقة الخاص بالعام في المجال الحضاري لألمة وثقافتها‪ ،‬والخاص في هذه الحالة هو‬
‫‪50‬‬
‫مصالح وتفاصيل حياة الجماعات والفئات التي تشكل البنية الداخلية لألمة‪ ،‬والعام هو‬
‫المنطق الداخلي الجامع لألمة في بُناها‪ ،‬الذي يشكل إطارها األيديولوجي‪ ،‬أما العالقة‬
‫ـ من وجهة نظر العام ـ فهي عالقة شمول وجمع وضبط‪ ،‬والعالقة ـ من وجهة نظر‬
‫الخاص ـ هي عالقة ضغط على جوانب اإلطار‪ ،‬ورغبة في التوافق في النهاية معه"‪.‬‬
‫حدد علماء القرن التاسع الميالدي في مجال التربية االجتماعية مبادئ خمسا ً‬
‫س ّموها بديهيات أو مسلمات رأوا أنها المرتكز في مجال عملية ضبط الفرد في قلب‬
‫فئته االجتماعية‪ ،‬وضبط الفئة في قلب الجماعة‪ ،‬وضبط الجماعة في قلب األمة‪ ،‬إنها‬
‫الحقوق الخمس‪ :‬حق النفس‪ ،‬وحق العقل‪ ،‬وحق الدين‪ ،‬وحق العرض‪ ،‬وحق المال‪،‬‬
‫والواضح أنه وإن كانت هذه الحقوق لألفراد في فئاتهم ومجتمعاتهم فإن مجتمعهم هو‬
‫مجال ممارستها‪ ،‬حيث ال يمكن تصور هذه الحقوق إال في إطار الجماعة‪ ،‬هكذا كانت‬
‫التربية في المساجد والمدارس والدور همها التنشئة على الفهم الجماعي لهذه الحقوق‪.‬‬
‫من هنا كانت النظرة للفرد تنطلق من كونه عضوا ً في الجماعة‪ ،‬فإذا فهم األمر على‬
‫غير هذا النحو وقع في «سوء استعمال الحق»‪ ،‬إن المنطق الداخلي للتجربة العربية‬
‫هو الذي يُحدِّّد المفاهيم لهذه الحقوق‪ ،‬وهو منطق جمعي‪ ،‬ولكي ال يبدو األمر نظريا ً‬
‫بحتا ً يمكن استالب حق العقل والدين للنظر إليهما من وجهتي النظر الجماعية الشاملة‪،‬‬
‫والنخبوية الفردانية‪ ،‬كما بدتا في المجرى الواقعي لصراع األفكار في الجماعة‬
‫وعلي ها‪ ،‬فقد رأى أكثر فالسفة اإلسالم أن العقل جوهر فرد وارد على الجسد والفرد‬
‫من خارج ومنفصل عنه طبيعة ومصيراً‪ ،‬وهو سلطان الجسد والفرد فقط‪ ،‬هذه وظيفته‬
‫وهي التدبير‪ ،‬بينما رأى فقهاء ومحدثون أن العقل غريزة شائعة في الجسد واإلنسان‬
‫داخله في صراع الغرائز‪ ،‬وال تدبر اإلنسان بمفردها بل يفكر اإلنسان ويتصرف‬
‫بوحي من توازن يقوم بين غرائزه التي يمثل العقل جزءا ً منها‪ ،‬وكان مردود ذلك على‬
‫المستوى السياسي أن رأى الفالسفة نخبوية فئتهم هم اجتماعيا ً وتفوقها وانفصالها عن‬
‫المجتمع‪ ،‬ونخبوية السلطة في المجتمع وجبريتها وانفصالها عن الناس‪ ،‬في حين رأى‬
‫الفقهاء شيوع العقل في المجتمع كشيوعه في الفرد‪ ،‬وشيوع السلطة في الجماعة‬
‫كشيوع العقل في المجتمع‪ ،‬وفي المجال الديني فإن التجربة التاريخية لألمة اعترفت‬
‫بالواقع الذي ظهرت فيه دون أن تستسلم له أو تسحقه‪ ،‬ورأت أن هذا الواقع الديني‬
‫يمكن تطويره نحو األفضل واألكثر وحدة‪ ،‬لكن أفرادا ً وفئات صغرى رأت ابتداع فرق‬
‫جديدة اجتهاداً‪ ،‬ومع أن التجربة التربوية اإلسالمية تعلّم االلتزام بحق الدين لكل فئة‪،‬‬
‫فإن مبتدعي الفرق هؤالء القوا ضغوطا ً شديدة من جانب الجماعة على اختالف‬
‫مذاهب فئاتها للتخلي عن بدعهم‪ ،‬ال ألن الديانات القائمة كانت مهددة بالجديد الطارئ‬
‫بل ألن الفردانية في فهم الحق كانت تهدد بضرب المنظومة كلها عن طريق زعم‬
‫‪51‬‬
‫العقالنية واالستئثار بالحق ونفي اآلخر‪ ،‬إن حق الدين ـ مستغالً بطريقة فردية ـ فشل‬
‫في إنتاج ديانات فأنتج فرقا ً كان همها ضرب منظومة الجماعة لكي تتمكن هي من‬
‫تثبيت أقدامها واالستمرار والسيطرة اجتماعياً‪.‬‬
‫وأنتجت التجربة التربوية العربية اإلسالمية أدوات وقنوات لتربية فئاتها وناشئتها على‬
‫البديهيات الخمس في إطار مبدئيات العدالة والمساواة والوحدة والرحابة‪ ،‬فكانت‬
‫الكتاتيب والمساجد والجوامع والخانات والمدارس واألربطة والخوانق تعبيرات‬
‫متنوعة عن الصيرورة المتجددة للناس والتاريخ والمصالح على أرض اإلسالم‪،‬‬
‫وكانت دعوات التربويين تتوسل طريقة الستيعاب الحقوق الخمس هي (كما قيل عن‬
‫كتب الجاحظ) تعليم العقل أوال والعلم ثانياً‪ ،‬وإذا ارتبط العقل بالروح العام للجماعة‬
‫باعتبار غريزتها الشائعة فيها‪ ،‬والمكتنه لعمقها وثرائها ورحابتها‪ ،‬فإن العلم كان‬
‫االسترجاع المتجدد للتجربة التاريخية للجماعة‪ ،‬وبداياته هي التي تحدد مرماه ومعناه‪،‬‬
‫كان يبدأ تحفظا ً للقرآن وتعلما ً للحديث واآلثار فرواية لألخبار والشعر فيكتمل استرداد‬
‫التجربة الجامعة في جوانبها الدينية والتاريخية والعقلية فيتفتح عضو الجماعة عليها‬
‫من ناحية‪ ،‬وينضبط داخلها من ناحية أخرى‪ ،‬فإذا تمايز عضو في جماعة أو تمايزت‬
‫فئة في مستقر فإن وحدوية التجربة‪ ،‬ووحدوية االسترجاع‪ ،‬ووحدوية الفهم للحقوق‪،‬‬
‫كل ذلك كان كفيالً بأن يبقي التمايز في حدود‪ ،‬ويضبط حركيته‪ ،‬ويوضح علله‪ ،‬فيضعه‬
‫على جادة االستيعاب أو الجدل أو الضغط‪ ،‬وهكذا فإن الوحدوية التي تميز التجربة‬
‫التربوية اإلسالمية تضبط من ناحية‪ ،‬لكنها التحجر من ناحية أخرى ألنها تجربة في‬
‫إطار صيرورة لحركية جماعة ضخمة من الناس‪ ،‬وألن مبدئياتها الخمس تحول دون‬
‫التجميد باسم الوحدوية‪.‬‬
‫وهنا تبدو جوانب التجربة التربوية التاريخية للجماعة في ثالثة مواقع ‪:‬‬
‫موقع وحدة التجربة من ناحية‪ ،‬وموقع تجددها في اإلطار الشامل لصيرورة األمة من‬
‫ناحية ثانية‪ ،‬وموقع قدرتها على مواجهة الخارج المقتحم لرؤيتها الحضارية من ناحية‬
‫أخيرة‪ ،‬وإذا كان لنا أن نحدد المالمح التربوية التي أنتجتها البشرية‪ ،‬في مختلف‬
‫عصورها فإننا نشير إلى تصارع رؤيتين تربويتين ‪ :‬رؤيتنا التاريخية التي لخصها‬
‫اإلمام الغزالي بأنها عقل في شرع في جماعة‪ ،‬والرؤية األخرى التي لخصها ماكس‬
‫فيبر بوصفها فردا ً يواجه آخر في فئة تواجه أخرى في مجتمع يواجه آخر من أجل‬
‫السلطة والدولة والهيمنة على الداخل والخارج‪.‬‬
‫تطور األفكار التربوية ‪:‬‬
‫يرى عمر محمد الشيباني في كتابه (تطور النظريات واألفكار التربوية) في‬
‫المجتمعات البدائية‪ ،‬عمليتين رئيسيتين للتربية‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫• اإلعداد للحصول على ضرورات العيش وللتكيف مع عالقات القبيلة‬
‫• تدريب الفرد على عبادة الطواطم واألرواح‪ ،‬وهاتان العمليتان تتكامالن بما‬
‫هما تلبية لحاجتي الجسد والروح‪.‬‬
‫ويرى الشيباني أن مفهوم التربية في الثقافات التاريخية األولى لم يكن واحداً‪ ،‬ويستند‬
‫في ذلك مفهوم التربية في الصين‪ ،‬كنموذج من الشرق ويرى فيه سلبيا ً محافظا ً على ما‬
‫هو كائن‪ ،‬ومتحفظا ً تجاه أي اختراق يقوم به الفرد ‪« :‬وتعتبر التربية الصينية عملية‬
‫تلخيص للماضي‪ ،‬ترمي إلى أن تركز في الفرد حياة الماضي كي ال يتخلف عنه أو‬
‫يتخطاه‪ ،‬وهي تعمل في كل مرحلة من مراحلها على أن تحدد للفرد ما يعمل وما يشعر‬
‫به وما يفكر فيه‪ ،‬وهي ترسم له الطريقة المثلى التي يتم بها العمل وكيفية التعبير عن‬
‫انفعاالته»‪.‬‬
‫أما المفهوم التربوي في الثقافة اليونانية القديمة فهو أكثر حيوية‪ ،‬ذلك أن هذه الثقافة‬
‫«تعتبر بحث األصل للثقافات الغربية والثقافات المعاصرة بصورة عامة»‪ ،‬أما‬
‫اسبرطة فقد تأثرت بظروف والية اسبرطة الجغرافية في ذلك العصر‪ ،‬فهي منطقة‬
‫سهلية داخلية تحيط بها الجبال من كل جانب‪ ،‬وانعزالها هذا دفعها إلعداد جيش قوي‬
‫ونقلها من مجتمع بدائي إلى ديكتاتورية عسكرية تعمم سلطة الدولة‪ ،‬ولذا فقد كان المثل‬
‫األعلى التربوي هو إعداد المحاربين والتركيز على التربية البدنية‪ ،‬وأما الشعر‬
‫والموسيقى واألناشيد فهي وسائل لتقوية اإلعداد العسكري وتعزيز الروح المعنوية‪،‬‬
‫وينقد أرسطو في سياساته دولة اسبرطة ومثيالتها فيقول‪« :‬إن معظم هذه الدول‬
‫العسكرية تكون في مأمن مادامت في زمن الحرب‪ ،‬ولكنها تفشل حينما تحصل على‬
‫إمبراطوريتها‪ ،‬فهي في هذه الحال تصبح مثل النصل غير المستعمل الذي يفقد حدته‬
‫مشرعيهم الذين لم يعلموهم مطلقا ً كيف‬ ‫ِّ ّ‬ ‫في زمن السلم‪ ،‬واللوم في هذا يقع على‬
‫يعيشون في زمن الحرب»‪.‬‬
‫وعند الرومان‪ ،‬ورثة الحضارة اليونانية القديمة‪ ،‬أصبحت التربية «عملية مقصودة‬
‫منظمة» ولعل من أهم أعالمها ‪ :‬كاتو (‪ 224‬ـ ‪ 149‬ق‪ ،‬م) وشيشرون (‪ 106‬ـ ‪ 43‬ق‪،‬‬
‫م) وكوينتليان (‪ 35‬ـ ‪ 95‬م) وكان هدف هؤالء هو إعداد المواطن الروماني ليكون‬
‫أهالً لهذه المواطنية في حياته العملية‪.‬‬
‫أما التربية المسيحية فتميزت في البدء بنظام رهباني صارم يشتمل على قدر من العلم‬
‫والعمل اليدوي «وكانت تتبع كل دير تقريبا ً مدرسة تقبل األطفال في سن العاشرة‬
‫وتستمر الدراسة فيها لمدة ثماني سنوات‪ ،‬يتعلم التالميذ أثناءها القراءة والكتابة وبعض‬
‫المبادئ في النحو والمنطق والبالغة والحساب والهندسة والفلك والموسيقى»‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وما لبثت التربية المسيحية أن واجهت خطوتين تطوريتين‪ :‬األولى حركة إلحياء‬
‫العلوم األولى قام بها شارلمان وملوك جاءوا من بعده‪ ،‬واعتبرت الحركة «أن التعليم‬
‫هو الوسيلة الوحيدة لتوحيد الشعب وتحسين أحواله‪ ،‬ومن أجل ذلك عقدت صلة قوية‬
‫بين المعرفة الدينية الروحية والتعليم الحر»‪ ،‬والخطوة التطورية الثانية هي الحركة‬
‫الكالمية المدرسية ‪ Scholasticism‬التي أعلت من شأن المنطق األرسطي واعترفت‬
‫بإمكانية التوفيق بين الدين والعلم‪ ،‬وإن جرى الخالف في تقديم أحدهما على اآلخر‪.‬‬
‫ولقد أثرت الحركة المدرسية في التربية مما ترتب عليه خروج المدرسة إلى كافة‬
‫أطراف المجتمعات وفئاتها‪ ،‬وتوسعت المناهج «ولعل أهم وأعظم منجزات العصر‬
‫الوسيط هو نشأة الجامعات األوروبية وازدهارها‪ ،‬ومن أمهات هذه الجامعات‬
‫األوروبية جامعة بولونيا في إيطاليا‪ ،‬وجامعة باريس في فرنسا وجامعة أكسفورد في‬
‫بريطانيا»‪.‬‬
‫وفي القرن السابع عشر الذي تميز نصفه األول بالحروب الدينية بين الكاثوليك‬
‫والبروتستانت‪ ،‬نمت المفاهيم التربوية وتطورت نحو نزعة مؤسساتية شمولية عبرت‬
‫عنها الجمعيات المسيحية التعليمية‪ ،‬ومن أبرزها الجمعية اليسوعية التي كان قد أسسها‬
‫انياس لوايوال في باريس عام ‪ 1534‬وتطورت في القرن السابع عشر‪.‬‬
‫في القرن المذكور ُوجدت مذاهب ثالثة‪ :‬األول هو المذهب اإلنساني الواقعي الذي نقد‬
‫أتباعه النزعة الشيشيرونية‪ ،‬ورأوا أن اآلداب الكالسيكية ليست مطلوبة بحد ذاتها إنما‬
‫هي وسيلة لكسب المعرفة‪ ،‬وبالتالي تحقيق إنماء الفرد‪ ،‬ومن أبرز أتباع هذه المذهب‪،‬‬
‫الشاعر اإلنكليزي جون ملتون الذي قال‪« :‬إني اعتبر التربية الكاملة الصالحة هي التي‬
‫تعد الرجل ألداء جميع األعمال‪ ،‬الخاص منه والعام بعدل وإحكام في أيام السلم‬
‫والحرب»‪ ،‬وقد وضع ملتون منهجا ً دراسيا ً قسم فيه مواد التدريس بحسب أعمار‬
‫المتعلمين‪.‬‬
‫والمذهب الثاني هو المذهب االجتماعي الواقعي الذي يرى التربية وسيلة إلعداد‬
‫«الجنتلمان» أي الرجل المتعلم المهذب أي الناجح اجتماعياً‪ ،‬وقد ركز أتباع هذا‬
‫المذهب على ضرورة الرحالت واألسفار استعدادا ً لحياة عملية سعيدة وناجحة‪.‬‬
‫أما المذهب الثالث فهو المذهب الحسي الواقعي الذي قدم بذورا ً حقيقية للتربية‬
‫الحديثة‪ ،‬وقام على احترام العلوم الطبيعية واستخدام المناهج العلمية للمعرفة‪ ،‬هذا‬
‫المذهب يعتمد الوسيلة الحسية في اإلدراك ويرى ضرورة تحقيق إنماء شامل للطفل‪،‬‬
‫وأتباع المذهب هم أول من نادى بطريقة االستقراء في عملية التعليم‪ ،‬وكان من أبرز‬
‫مفكريه فرانسيس بيكون (‪ 1561‬ـ ‪ )1626‬الفيلسوف التجريبي الذي آمن بهدف عملي‬
‫للمعرفة ورأى أن عدة عقبات تحول بين العقل البشري والمعرفة‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬
‫‪54‬‬
‫«أوهام القبيلة» وهي اإلرث الجماعي القديم عند الفرد و «أوهام الكهف» وهي ميول‬
‫الفرد الخاصة و«أوهام السوق» وهي تقاليد الجماعة وقصور وسائل االتصال اللغوي‬
‫و«أوهام المسرح» وهي العقبات العقيدية‪ ،‬ورأى بيكون أيضا ً أن المنهج االستقرائي‬
‫التجريبي هو المنهج الناجع لدراسة الطبيعة والعلوم التجريبية‪.‬‬
‫وفي القرن السابع عشر برزت أيضا ً نزعة التهذيب الشكلي في التربية‪ ،‬ويعتقد‬
‫أصحاب هذه النزعة أن التربية هي وسيلة لتدريب الملكات النفسية وتهذيبها‪ ،‬وليست‬
‫الذات اإلنسانية سوى مجموعة من الملكات يجب تدريب ك ٍّّل منها على حدة باعتباره‬
‫وحدة مستقلة‪.‬‬
‫وحفل القرن التاسع عشر بنظريات تربوية هامة‪ ،‬وأثر في تطور التربية إلى هذا الحد‬
‫عوامل منها‪ ،‬جهود المفكرين السابقين وتطور الطرق العلمية بما يجعلها تشمل ميادين‬
‫الدراسات النفسية والتربوية‪ ،‬والتوسع في مجاالت التعليم مع الثورة الصناعية‪،‬‬
‫والنظر إلى التربية باعتبارها وسيلة إلعداد المواطن الصالح‪.‬‬
‫آراء في التربية ‪:‬‬
‫كانت التربية وما تزال‪ ،‬تستحوذ اهتمامات العلماء‪ ،‬وفي هذا ما يدعونا إلى‬
‫االطالع‪ ،‬لتحقيق مزيد من التفاعل بين رؤية الماضي ورؤية الحاضر‪:‬‬
‫أفالطون‪ :‬من أقدم الفالسفة الذين عنوا بالتربية وكتبوا عنها الفيلسوف اليوناني‬
‫أفالطون‪ ،‬فقد بين في كتاب الجمهورية النظام التربوي الذي يختاره لمدينته الفاضلة‪،‬‬
‫وغرض التربية عنده هو أن يصبح الفرد عضوا ً صالحا ً في المجتمع‪ ،‬وتربية الفرد‬
‫ليست غاية في ذاتها وإنما هي غاية بالنسبة للغاية الكبرى‪ ،‬وهي نجاح المجتمع‬
‫وسعادته‪ ،‬وهو يرى أن صالح الفرد ال يكون إال بمعرفته الخير وتقديره إياه‪.‬‬
‫أرسطو‪ :‬يرى أرسطو أن الغرض من التربية هو أن يستطيع الفرد عمل كل ما هو‬
‫مفيد وضروري في الحرب والسلم‪ ،‬وأن يقوم بما هو نبيل وخير من األعمال‪ ،‬وبذلك‬
‫يصل الفرد إلى حالة السعادة‪.‬‬
‫فيتورينو دافلتر‪ :‬من أشهر المربين اإليطاليين في عصر النهضة وهو يرى أن‬
‫الغرض من التربية هو تنمية الفرد من جميع نواحيه العقلية والخلقية والجسمية ال‬
‫لمهنة‪ ،‬ولكن ليكون مواطنا ً صالحاً‪ ،‬مفيدا ً لمجتمعه قادرا ً على أداء الواجب العام‬
‫والخاص‪ ،‬وهذا الغرض شبيه بما ننادي به في القرن العشرين‪.‬‬
‫فرانسيس بيكون‪ :‬فيلسوف انجليزي كتب في مواضيع شتى‪ ،‬وغرض التربية عنده هو‬
‫أن يعود الفرد على طريقة الوصول إلى المعارف‪ ،‬ال أن يجمع المعارف بأية طريقة‬

‫‪55‬‬
‫كانت‪ ،‬وقد استخدم بيكون لهذا الغرض نوعا ً جديدا ً من األسلوب العلمي وهو‬
‫االستقراء‪.‬‬
‫جون كومنيوس‪ :‬وهو احد رجال الدين‪ ،‬ولد وعاش في مورافيا‪ ،‬وقد أثرت تربيته‬
‫وحياته الدينية في آرائه التربوية‪ ،‬والغرض من التربية‪ ،‬يرى كومنيوس أن النهاية‬
‫التي يرمي إليها اإلنسان هي السعادة األبدية عند هللا‪ ،‬وعلى هذا يجب أن يكون‬
‫الغرض من التربية تحقيق هذه السعادة‪ ،‬واليتم ذلك إال بالتخلص من الرغبات‬
‫الفطرية‪ ،‬ومقاومة الغرائز وتزويد الفرد بالرياضة العقلية والخلقية التي توصله إلى‬
‫هدفه‪ ،‬وبقدرة الفرد على ضبط نفسه الذي يتم عن طريق المعرفة‪ ،‬وعلى هذا أيضا ً‬
‫كان الغرض عنده تحصيل المعرفة والفضيلة والصالح‪ ،‬وهذا الغرض يشبه ما كانت‬
‫عليه التربية في األزهر‪ ،‬حتى عهوده األخيرة‪.‬‬
‫جون لوك‪ :‬وهو من أنصار المذهب التهذيبي‪ ،‬ويرى أن التربية لها أغراض ثالثة‪:‬‬
‫وهي التربية الجسمية التي ترمي إلى تقوية الجسم ونشاطه‪ ،‬والتربية العقلية التي ترمي‬
‫إلى تزويد العقل بالمعرفة‪ ،‬والتربية الخلقية التي ترمي إلى غرس الفضيلة في النفوس‪.‬‬
‫جان جاك روسو‪ :‬هو زعيم المذهب الطبيعي الذي نقل مركز اهتمام التربية إلى‬
‫طبيعة الطفل وميوله‪ ،‬والغرض من التربية عنده هو تكوين رجال كاملين‪ ،‬ال تكوين‬
‫مجرد أعضاء في مجتمع‪.‬‬
‫بستالوتزي‪ :‬وهو من رجاالت التربية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر‪ ،‬والغرض‬
‫من التربية عنده هو إعداد اإلنسان للقيام بواجباته المختلفة في الحياة‪ ،‬فهو إذن يهدف‬
‫إلى غرض عملي اجتماعي‪ ،‬يجمع بين إعداد الفرد‪ ،‬وبين حاجاته في المجتمع الذي‬
‫يعيش فيه‪.‬‬
‫هربرت سبنسر‪ :‬والغرض من التربية عنده هو إعداد الفرد لحياة كاملة‪ ،‬أما عناصر‬
‫الحياة الكاملة فهي تزويد الفرد بتربية صحيحة‪ ،‬وتربية مهنية‪ ،‬وتربية عائلية‪ ،‬وتربية‬
‫وطنية‪ ،‬وتربية استجمامية‪.‬‬
‫التربية عند ديوي‪ :‬فقد آمن ديوي بأن «التربية هي الحياة نفسها وليست مجرد إعداد‬
‫للحياة‪ ،‬وهي عملية نمو وعملية تعلّم وعملية بناء وتجديد مستمرين للخبرة‪ ،‬وعملية‬
‫اجتماعية‪ ،‬ولتكون التربية عملية حياة ال بد أن ترتبط بشؤون الحياة‪ ،‬ولتكون عملية‬
‫نمو وعملية تعلم وعملية اكتساب لخبرة البد أن تراعى فيها شروط النمو وشروط‬
‫التعلم وشروط اكتساب الخبرة‪ ،‬ولتكون عملية اجتماعية البد أن تتضمن تفاعالً‬
‫اجتماعيا ً والبد أن تتم في جو ديمقراطي وجو اجتماعي صالح»‪.‬‬
‫إن عامل الخبرة هو األساس في العملية التربوية عند ديوي وفي جميع نصوصه‬
‫التربوية يرد هذان التعبيران‪« :‬الخبرة والمهارة»‪ ،‬إن الخبرة لديه هي وسيلة للتربية‪،‬‬
‫‪56‬‬
‫وينبغي أن تتميز الخبرة باالستمرار‪ ،‬ولقد أهمل ديوي ذكر أهداف التربية‪ ،‬ذلك أن‬
‫المتعلم في رأيه هو الذي يشارك مشاركة أساسية في تعيين هذه األهداف‪ ،‬وهنا تبرز‬
‫نزعته الديمقراطية التي ترى أن غرض التربية هو تحقيق ذاتها‪ ،‬وما سوى ذلك فهو‬
‫قرار يشترك في صياغته أطراف العملية التربوية جميعاً‪.‬‬
‫واعتبر ديوي أن المنهج التربوي يستند إلى أن مركز االهتمام هو خبرات التلميذ‬
‫ومهاراته‪ ،‬وربط هذه الخبرات داخل المدرسة وخارجها ومراعاة الفروق الفردية‪،‬‬
‫يقول‪ :‬إن التعليم الفعّال يتحقق عندما يكون الشيء المراد تعلمه يعني شيئا ً بالنسبة‬
‫للمتعلم‪.‬‬
‫التربية عند آالن ‪ :‬يوازن الفيلسوف الفرنسي آالن بين المألوف التربوي والمطلوب‬
‫اإلنساني‪ ،‬معلنا ً ال إنسانية «المألوف» مركزا ً على أولوية التعلُّم‪ ،‬مشيرا ً إلى أن هذا‬
‫كشف واكتشاف لكنوز وخبايا‪ ،‬فهو مثالً يتساءل «كيف تتعلم إحدى اللغات؟»‪ ،‬ثم‬
‫يجيب «بمؤلفيها الكبار ال غير‪ ،‬وبالجمل المرصوفة جداً‪ ،‬الغنية جداً‪ ،‬العميقة جداً‪ ،‬ال‬
‫بترهات مبادئ المحادثة»‪ ،‬وغاية العلم األولى هي تطور العقل اإلنساني وإغناؤه‬
‫باستمرار‪ ،‬ومعنى ذلك أن على العقل التخصص أي التثقف في شيء معين‪ ،‬بدالً من‬
‫اللهث وراء كل شيء‪ ،‬فتكون الحصيلة المعرفة مألوفا ً عاما ً ال يساعد على التقدم في‬
‫مقرراً‪« :‬إن المدرسة مكان رائع» يقول آالن ـ‬ ‫العمق‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬يكون دور المدرسة ِّ ّ‬
‫ويضيف‪« :‬وال استصوب أبدا ً أن تعلّق أشياء للنظر ولو كانت جميلة‪ ،‬ألن االنتباه يجب‬
‫المجرد هو عالمه‬
‫َّ‬ ‫أن يلفت إلى العمل‪ ،‬ليقرأ الطفل او ليكتب أو ليحسب‪ ،‬إن هذا العمل‬
‫الصغير الذي يجب أن يكفيه»‪ ،‬ويحسم آالن تحديد دور المدرسة بالعمل‪ ،‬فالعمل عنده‬
‫هو المؤدي التربوي‪ ،‬وهو بذلك المؤدي الصعب إن لم نقل األصعب واألخطر‪،‬‬
‫ويترتب على ذلك تعيين مهنة الطالب بالعمل الصعب‪ ،‬وتعيين مهنة المربي بوصل‬
‫األفكار الجديدة بالقديمة‪ ،‬وتتقاطع المهنتان هاتان فيما يسميه آالن مدرسة الشعور أي‬
‫المدرسة الطبيعية كاألسرة‪ ،‬والمختلفة عنها في آن‪ ،‬المدرسة التي تطور كمالها الذاتي‬
‫بنفسها‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬ينتقد آالن السلوك الطفولي لدى الكبار‪ ،‬فيرسم صورة المعلم الالمبالي‪،‬‬
‫القوي بذلك كأنه ال ُمناخ‪ ،‬ويشير إلى ظهور العدالة التي تفوق المحبة في المدرسة‪،‬‬
‫ي‪ ،‬ضروري وال مجال للمخادعة أمام‬ ‫فالفعل التربوي‪ ،‬بنظر آالن‪ ،‬هو فع ٌل وجوب ٌ‬
‫الضرورة‪ ،‬ومن الضرورات هذه أن يتنبه الكبار لنوع عالقتهم بالصغار‪« :‬إن على‬
‫كبار األشخاص أال يلعبوا قط مع األوالد‪ ،‬ويخيل إلي أن الموقف األكثر تعقالً هو‬
‫التزام األدب والتحفظ معهم على نحو ما يكون مع الشعب األجنبي‪ ،‬عندما يجد الطفل‬
‫نفسه منفصالً عن أطفال في مثل عمره‪ ،‬فإنه ال يلعب جيدا ً إال وحده»‪ ،‬وينفي آالن‬
‫‪57‬‬
‫وجود الفكر الحق خارج المدرسة بمعناها التعلُّمي األوسع‪ ،‬ويقابل الهندسة بالشعر‪،‬‬
‫بوصفهما مفتاحين للنظام في الطبيعة وفي النفس‪ ،‬مادحا ً التناظم اإلنساني الشامل للعقل‬
‫والشعور في آن واحد‪.‬‬
‫المعلّم األكبر‪ ،‬األول‪ ،‬فهو الخبرة في كل حال‪ ،‬ألن الحقيقة تحقق‪ ،‬وما تبرزه‬ ‫ِّ‬ ‫أما‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الخبرة حقيقيا‪ ،‬وصحيحا يكتسب مصداقيته من وقوعه واختباره‪ ،‬والمتعلم‪ ،‬الذي‬ ‫ً‬
‫تصاغ شخصيته في الحضور المتصل بالماضي‪ ،‬يحتاج دائما ً وأبدا ً إلى المستقبل‪ ،‬أي‬
‫إلى االنطالق من المعطى المحدد إلى الالمحدد‪ ،‬اآلتي‪ ،‬ويحذر آالن مما يتعلمه‬
‫الجمهور على نحو خاطئ‪ ،‬ألن الجمهور «يتخيل أن الحقيقة األخيرة هي التي تالئمه‪،‬‬
‫ولكن الحقيقة ال يمكن أن تفرغ هكذا من فكر إلى آخر‪ ،‬وهي ليست شيئا ً إزاء ذلك الذي‬
‫لم يكتسبها ابتدا ًء من الظواهر‪ »...‬وينتقد آالن االتجاه المشدّد على معرفة العالم‬
‫للمتعلم‪ ،‬مفضالً على ذلك «معرفة ماذا نعلّم» بوصفها هي األهم في العملية التعليمية‪.‬‬
‫ويصل آالن إلى مقولة هامة تقول بجماعية أو اجتماعية التربية‪ ،‬وحاجة اإلنسان‬
‫الدائمة إلى محيطه اإلنساني‪ ،‬حيث التحاور والتخاطب بين البشر يولّد عندهم عوامل‬
‫التغيّر البطيء‪ ،‬المتصاعد‪ ،‬أو الطفرة‪ ،‬وينصح آالن باستشفاف اإلنسان في سبيل‬
‫معرفته‪ ،‬يقول‪« :‬إذا أردتم ان تعرفوا إنسانا ً فيجب أوالً أن تُجالسوه‪ ،‬وان توقفوا‬
‫موجات الحرارة أو البرد‪ ،‬والضجيج المسيء ابتدا ًء من صوتك أنت‪ ،‬وبالتالي أن تزيح‬
‫جميع العقبات الصغيرة المعيقة‪ ،‬وبعد ذلك تجد الطبيعة الثابتة‪ »..‬ثم يعقد مقارنة أدبية‬
‫فريدة بين تاريخ األفكار (العقول) وتاريخ األدوات (األيدي)‪ ،‬مبرزا ً وسيلتين للثقة‬
‫بالنفس‪ :‬التدريب والتعليم كنقيضين‪ ،‬فالتعلم ال يفوق المعرفة‪ ،‬ألن فيه كثيرا ً من التقليد‪،‬‬
‫وصورته اآللة التي توجه إليه وكأن التعلم يد آلية‪ ،‬أما مصدر الثقة‪ ،‬مرجعها‬
‫االجتماعي‪ ،‬فاثنان‪ :‬المدرسة والمصنع‪ ،‬المدرسة تجعل اإلنسان يثق بنفسه‪ ،‬والمصنع‬
‫يجعله ال يثق بنفسه أبداً‪ ،‬وبهذا النمط التقريري أيضاً‪ ،‬يطرح آالن مسلسالً مألوفا ً من‬
‫والمجرد إلى‬
‫ّ‬ ‫الشعارات التربوية مثل «السير من المعلوم إلى المجهول» «من البسيط‬
‫الحسي والفردي»‪« ،‬كل معرفة حقيقية اختبار» الخ‪ ،‬ثم يم ِّيّز بين مهنة المعلم ومهنة‬
‫المفتش‪ ،‬مظهرا ً أن األخير يتولى التحقق من كون التالمذة تعلّموا شيئاً‪ ،‬ومن كون‬
‫ويحرض على القراءة بالنظر‪ ،‬ويشجع على اإلمالء الذاتي (اإلمالء‬ ‫ِّ ّ‬ ‫المعلم يعلّم‪،‬‬
‫يحرض على الفتنة‬ ‫ّ‬ ‫الصامت)‪ ،‬والسلوك العرفي والعادي في التعلُّم‪ ،‬ألن «الشذوذ‬
‫والرعب حول اإلنسان وفي اإلنسان‪ ،..‬فيجب إذن على اإلنسان أن يلبس تبعا ً للعرف‪،‬‬
‫ويسلّم تبعا ً للعادة‪ ،‬ويتحدث وال يصيح‪ ،‬ويكتب في النهاية تبعا ً ألصول اإلمالء‪ :‬يقال‪« :‬إن‬
‫ضبط اإلمالء عسير‪ ،‬ولكن الرقص والتأدب عسيران أيضاً‪ ،‬إنهما مفيدان عندما يعرفهما‬
‫اإلنسان ومفيدان‪ ،‬كذلك‪ ،‬عندما يتعلَّمهما»‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫ارقوام الب ا يون‬ ‫التربية ل‬
‫إن التربية في المجتمعات البدائية‪-‬التي عاشت منذ خمسة أو ستة آالف سنة‪ ،‬قبل‬
‫اختراع الكتابة وقبل أن تصبح للتربية مدارسها ومؤسساتها الخاصة بها‪ -‬تمتاز‬
‫ببساطتها وبدائية وسائلها‪ ،‬مثلها في ذلك مثل الحياة العامة التي كانت تحياها تلك‬
‫المجتمعات البدائية في فجر الحضارة اإلنسانية‪ .‬وتلك المجتمعات وإن تباينت في كثير‬
‫من األمور فإنها تتشابه في كثير من المميزات العامة التي من شأنها أن تلقي ضوءا‬
‫على طبيعة العملية التربوية وعلى أهدافها في تلك المجتمعات‪ .‬ومن بين تلك المميزات‬
‫العامة نسبة الحياة إلى الجماد أثناء تفسيرهم للبيئة المحيطة بهم‪ ،‬فكان الرجل البدائي‬
‫يعتقد أن وراء كل قوة مادية قوة أخرى غير مادية هي القوة الروحية‪ .‬ومن هذه‬
‫المميزات أيضا بساطة الحياة البدائية وقلة مطالبها حيث أنها ال تعدو إشباع حاجات‬
‫الجسم من طعام وشراب وكساء ومأوى‪ ،‬وإال من ضد عالم األرواح‪ .‬ولما كانت عملية‬
‫التربية في تلك المجتمعات ال تختلف عن عملية الحياة نفسها‪ ،‬فإن أهدافها هي األخرى‬
‫كانت نفس أهداف الحياة العامة‪ .‬ومن أبرز األهداف العامة للتربية البدائية‪ :‬المحافظة‬
‫على الخبرة اإلنسانية والتقاليد السائدة‪ ،‬وتحقيق المطالب التي يتوقف عليها استمرار‬
‫حياة الفرد وأمنه النفسي‪ .‬والتربية البدائية على هذا تتكون من عمليتين رئيسيتين‪ ،‬هما‬
‫‪:‬‬
‫‪ -‬اإلعداد الالزم للحصول على ضروريات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومأوى‪،‬‬
‫ولتمكين الفرد من نفسه وممن يعتمدون عليه ومن بناء عالقات طيبة مع أفراد قبيلته‪.‬‬
‫‪ -‬تدريب الفرد على ضروب العبادة التي يستطيع بواسطتها أن يرضي عالم‬
‫األرواح وينير إرادته الطيبة وبذلك يحقق لنفسه األمن والسالم‪ .‬وإذا كانت الناحية‬
‫األولى هي عماد التربية العملية لدى الرجل البدائي فإن الناحية الثانية هي عماد التربية‬
‫النظرية عنده‪.‬‬
‫تلك هي طبيعة العملية التربوية في المجتمعات البدائية‪ .‬وهدف التربية في ضوء هذه‬
‫الطبيعة‪-‬هو تحقيق التوافق واالنسجام بين الفرد وبيئته المادية والروحية‪ .‬ولتحقيق هذا‬
‫الهدف‪ ،‬كانت تعتمد على التلقين والتدريب العملي والتقليد الالشعوري فمن خصائصها‬
‫أنها كانت تتم بطريقة غير مقصودة‪ ،‬بمعنى أنها غير مقصودة‪ ،‬بمعنى أنها ال يتولى‬
‫القيام بها معاهد ومؤسسات خاصة بها‪ ،‬بل يقوم بها المجتمع بأسره‪ .‬كما أن من‬
‫خصائصها أيضا أنها تربية مباشرة تتم عن طريق الخبرة العملية واالشتراك النشيط‬
‫للمتعلم أثناء تقليده لما يقوم به الكبار من نشاط‪ ،‬سواء في سبيل إشباع حاجاتهم‬
‫الجسمية‪ ،‬أو في سبيل حاجاتهم الروحية‪ .‬ثم إن من خصائصها أيضا غلبة روح‬
‫‪59‬‬
‫المحافظة عليها وسلبيتها حيث أنها كانت تسعى الستمرار العرف السائد في الجماعة‬
‫دون تغيير أو تعديل‪ ،‬وتحاول تشكيل الفرد بالثقافة المحيطة به تشكيال ثابتا سلبيا‬
‫وتؤدي به إلى أن يتشرب ويستبطن كل األوضاع القائمة في مجتمعه دون أن يحاول‬
‫تغييرها أو تعديلها ودون أن يكون له مجال للحرية واالختبار‪ .‬إذن أهم ما يميز التربية‬
‫لدى ا ألقوام البدائية‪ ،‬أنها تهدف إلى أن يقلد الناشئ عادات مجتمعه وطراز حياته تقليدا‬
‫عبوديا خاصا‪ ،‬فالطفل عندهم يتدرب على األعمال التي تمارسها القبيلة كأعمال‬
‫البيت‪ ،‬وصناعة األدوات الضرورية‪ ،‬وحياكة األقمشة‪ ،‬والصيد والحرب‪ ،‬وحمل‬
‫السالح‪ ،‬والرعي‪ ،‬والزراعة‪ ،‬فهي بهذا تعتبر تدريبا آليا تدريجيا على معتقدات األسرة‬
‫االجتماعية وعاداتها وأعمالها‪ ،‬غير أن تربية الجنس البشري لدى األقوام البدائية‬
‫احتلت مكان الصدارة فيها الخصائص الثالث المتمثلة في اإلله والطقوس واللغة‪ ،‬وأن‬
‫الذي يمارس التربية كما الحظ المربي األمريكي ديوي المجتمع بأسره بصورة غير‬
‫مباشرة تتمثل في عمليات التمثيل والرقص والتقليد التي يقوم بها الصغار محاكاة‬
‫الكبار لغرض نقل حركاتهم وتصرفاتهم‪ ،‬إال أن هناك طقوسا تلي الوالدة مباشرة‪،‬‬
‫وهي مظاهر لدمج الوليد بزمرته التي ينتمي إليها‪ ،‬فالوليد يبقى في أيام حياته األولى‬
‫في حضن وكنف النساء وبالتالي فهو ال يندمج بالصورة المطلوبة في مجتمعه‪ ،‬لذلك‬
‫فإنه ال بد من وجود طقوس جديدة لتحقق له االندماج‪ ،‬وهذه عادة ما تكون عند البلوغ‪،‬‬
‫وهذه الطقوس تغير حياته وتعتبر والدة جديدة بالنسبة له‪ ،‬ويتم إعداد هذه الطقوس‬
‫لفترة طويلة ومراقبة دقيقة يقوم بها شيوخ القبيلة‪ ،‬وهم الذين يتولون في نهاية األمر‬
‫الحفاظ على المعتقدات والطقوس التقليدية‪ .‬وهذه الطقوس تجعل الخاضعين لها يتلقون‬
‫تجارب قاسية وأليمة‪ ،‬وكثيرا ما يتم إجبارهم وإكراههم على الخضوع والصمت‬
‫والصوم‪ ،‬وكثيرا ما يطلب إليهم أن يتلقوا تعاليم تنقل إليهم تقاليد مرعبة مخيفة‪ .‬ويقول‬
‫هامبلي أن هذه التجارب والمحن القاسية مفيدة جدا وضرورية لدى المجتمعات التي‬
‫يتطلب تحصيل القوت فيها الكثير من العناد واإلرادة الصلبة‪.‬‬
‫والتربية البدائية ال تميل للقسوة إال فيما يتعلق بالطقوس‪.‬‬
‫واألقوام البدائية بالنسبة للتربية الجسدية يتركون ألوالدهم الحرية حيث يركن هؤالء‬
‫األوالد إلى الكثير من األلعاب الممتعة التي يتم فيها تقليد الكبار‪ ،‬حيث يتدربون عليها‬
‫منذ نعومة أظفارهم‪ ،‬ففي المجتمعات المحاربة يسهمون في صنع السيوف والرماح‬
‫والقسي وأدوات الحرب وآالته‪ ،‬ويقلدون الكبار فيما يقومون به من معارك‪ ،‬أو‬
‫ينصبونه من كمائن‪.‬‬
‫أما في المجتمعات المسالمة فهم يقلدون الكبار في النسيج وبناء األكواخ وصنع‬
‫األواني والصيد والتجديف‪ ،‬وهم بهذا ينمون أفكارهم‪ ،‬ويشبع خيالهم حتى درجة‬
‫‪60‬‬
‫اإلبداع‪ .‬وفيما يتعلق بالتربية الفكرية لدى األقوام البدائية فهي تختلف تبعا لجنس الطفل‬
‫ولطراز حياة القبيلة‪.‬‬
‫وتمتاز األقوام البدائية بإدراكات حسية‪ ،‬فالسمع مرهب‪ ،‬والبصر حاد‪ ،‬والشم قوي‪،‬‬
‫ينافس الكالب‪ ،‬والخيال حاد يقظ‪ ،‬والذاكرة قوية‪.‬‬
‫أما عن التربية الخلقية والدينية فاألجداد واآلباء يحرصون بشدة على نقل مبادئ‬
‫السلوك السوي والتصرف السليم إلى أبنائهم‪ ،‬واألوامر عندهم تتصل بتقديس األجداد‬
‫واحترام الشيوخ واآلباء والشرف‪.‬‬

‫التربية الشرقية القديمة‬


‫وتتضمن التربية الهندية‪ -.‬التربية لدى بني إسرائيل‪-.‬التربية اليابانية‪-.‬التربية‬
‫الصينية‪ -.‬التربية لدى قدامى المصريين‪.‬‬
‫التربية الصينية ‪:‬‬
‫فهي نموذج واضح للتربية الشرقية‪.‬‬
‫خصائصها ‪:‬‬
‫‪ -‬تتصف بروح المحافظة‪.‬‬
‫‪ -‬تنشئ الفرد على عادات فكرية وعملية ماضية‪.‬‬
‫‪ -‬ال تقوي أية ملكة‪ ،‬وال تغير أية عادة وفق مقتضيات الظروف الجديدة‪.‬‬
‫‪ -‬الحياة رتيبة‪.‬‬
‫‪ -‬السكون المطلق والجمود الفكري‪ ،‬فكل شيء محدد بالتقاليد الموروثة‪.‬‬
‫التعليم ‪:‬‬
‫‪ -‬آلي يكسب التلميذ مهارات آلية‪.‬‬
‫‪ -‬االعتناء بالمظهر واللياقة‪.‬‬
‫‪ -‬االعتناء بتمرين الذاكرة ‪ -‬ال بتكوين الفكر‪ -‬من خالل التكرار والحفظ‬
‫األصم‪.‬‬
‫في القرن السادس قبل الميالد ظهر في الصين مصطلحان هما ‪:‬‬
‫لوتسي )‪ (Lao-tsee‬يمثل روح التحرر والتقدم والبحث عن المثل األملا والثورة‬
‫ملا العانات لذا كان اإلخفاق صيبا‬
‫‪61‬‬
‫أما الثاني كونغ تسي )‪ ،(Cong-tsee‬واشتهر باسم كونفوشيوس (‪478- 551‬‬
‫ق ‪ .‬م )‪ ،‬فقد نجح في أفكاره التي تقول باألخالق العملية والنفعية القائمة على سلطة‬
‫الدولة واألسرة‪ ،‬وعلى منفعة الفرد‪.‬‬
‫يمكن القول أن التربية الصينية ركزت على نشر التعليم حتى غدت الصين‬
‫أغنى بالد العالم بالمدارس رغم أنها كانت تنشر ثقافة سطحية‪.‬‬
‫التربية لدى قدامى المصريين ‪:‬‬
‫كان المصريون القدامى يؤمنون بالبعث بعد الموت‪ ،‬وبخلود الروح‪ ،‬والثواب‬
‫والعقاب في الدار اآلخرة‪ ،‬وكانوا يعتقدون أن األرواح تعود لتسكن األجساد من جديد‪،‬‬
‫ولهذا لجئوا إلى التخطيط‪ ،‬وبنو األهرام‪ ،‬ليحفظوا فيها جثث ملوكهم‪.‬‬
‫خصائص التربية لدى قدامى المصريين ‪:‬‬
‫‪ -‬يعيش الطفل – في سن الرابعة‪ -‬مع ألعابه‪.‬‬
‫‪ -‬التربية لم تكن لينة ‪ ،‬فمنذ السنة األولى من عمر الطفل يمشي عاري القدمين‪،‬‬
‫حليق الرأس‪ ،‬طعامه من خبز الذرة‪.‬‬
‫‪ -‬تقدم الم للطفل شيئا من المبادئ الدينية والخلقية‪.‬‬
‫‪ -‬الدراسة تشتمل على الدين وآداب السلوك‪ ،‬القراءة والكتابة‪ ،‬الحساب‪ ،‬السباحة‪،‬‬
‫الرياضة البدنية‪.‬‬
‫‪ -‬يتم االنتقال من المدرسة األولية إلى المدرسة العليا بعد امتحان يؤديه الطالب‪.‬‬
‫‪ -‬كان يغلب طابع الدراسة الفنية والمهنية في التعليم العالي‪.‬‬
‫‪ -‬كان األساتذة يستعملون الضرب بالعصا ‪ ،‬فالنظام المتبع كان قاسيا‪ ،‬ومن حكمهم‬
‫الشائعة "إن للطالب صلبا وهم يفهمون األمور فهما أفضل عندما يضربون"‪.‬‬
‫من إسهامات المصريين في فن التعليم ‪:‬‬
‫‪ -‬استخدموا طرقا حسية في تعليم العد‪ ،‬وكانوا يستخدمون األشكال في تعليم‬
‫الهندسة‪.‬‬
‫‪ -‬هم من أنشؤو أولى المكتبات العامة الغنية بالكتب العديدة في شتى الموضوعات‪.‬‬
‫فالحضارة المصرية أولت عناية كبيرة للتربية‪ ،‬وقد كانت وصية أحد حكمائهم‬
‫البنه "امنح قلبك للعلم وأحبه كما تحب أمك‪ ،‬فال يعلو على الثقافة شيء"‪ ،‬ويضيف‬
‫"أذكر يا بني أن أية مهنة من المهن محكومة بسواها‪ ،‬إال الرجل المثقف‪ ،‬فإنه يحكم‬
‫نفسه بنفسه"‪ .‬فالمعرفة حسب المصريين القدامى وسيلة لبلوغ الثروة والمجد‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫النظرية المثالية في التربية‬
‫الفلسفة المثالية ‪:‬‬
‫يعتمد النموذج المثالي الذي يشكل مناهج التربية لدى المثاليين على رؤية‬
‫أفالطون من أن األفكار أبدية وأزلية ونهائية‪ ،‬وهي لذلك في غاية األهمية‪ .‬وليس‬
‫المقصود باألفكار هنا ‪ -‬بالطبع‪ -‬تلك الخواطر العقلية التي يترجمها العقل من الرموز‬
‫اللفظية‪ ،‬ولكن أفالطون يقصد بها في هذا المقام جوهر األشياء والمثل العليا الموجودة‬
‫في العالم العلوي‪ ،‬والتي يقاس بها كل شيء في هذا العالم المادي‪ .‬إذا كانت األشياء في‬
‫هذا العالم المادي من وجهة النظر هذه تعرف عن طريق الحواس‪ ،‬فإنها قد صيغت‬
‫على مثال سبق عند خلق الكون ونبعت فكرتها من خالقه‪ .‬والعقل وحده هو الذي‬
‫يستطيع أن يحكم عليها بأنها مطابقة للنماذج المثالية التي وضعت أزال أم ال‪ .‬وبهذا‬
‫المعنى‪ ،‬فإن األفكار أزلية ال تقبل التغير أو التطور‪ .‬ومها قيل من أن عناصر هذا‬
‫العالم مستحدثة ومتغيرة تبعا للظروف والمالبسات التي تظهر من آن آلخر‪ ،‬فإن‬
‫األفكار واألشكال المثالية التي صيغت على مثالها هذه العناصر الموجودة في عالمنا‬
‫موجودة من األزل وستظل إلى األبد دون تغير أو تطور‪.‬‬
‫حقيقة المذهب المثالي ‪:‬‬
‫"المذهب المثالي" من مذاهب التربية الغربية فهو ـ في حقيقته ـ صدى لفلسفة‬
‫أفالطون‪ ،‬وتعبير عن نظريته المسماة بـ "المثل"‪ ،‬ومؤدى هذه النظرية أن ثمة عالمين‬
‫اثنين ‪ :‬عالما ً حسيا ً يتألف من "األجسام"‪ ،‬وعالما ً معقوالً يتألف من المجردات التي هي‬
‫"ال ُمثُل"‪ .‬وبناء على ذلك قال الغربيون‪ :‬إن اإلنسان يعيش في عالمين ‪ :‬عالم مادي‬
‫متغيّر‪ ،‬وعالم روحاني خالد‪ ،‬وهذا األخير هو عالم المثل العليا التي تشكل الهدف‬
‫األسمى للتربية والحياة‪ .‬وهكذا رأى الغربيون في اإلنسان جانبيْن ‪ :‬جانبا ً روحيا ً‬
‫سامياً‪ ،‬وجانبا ً جسديا ً تحكمه النوازع الدنيا والشهوات‪ ،‬وهذان الجانبان كالخطين‬
‫المتوازيين يتجاوران وال يلتقيان‪ ،‬ويتناقضان وال يتكامالن‪ ،‬وهو ما أدى إلى قيام‬
‫سلطتين في بالد الغرب‪ :‬سلطة روحية تشرف عليها الكنيسة‪ ،‬وسلطة زمنية قوامها‬
‫حكم الواقع مفصوالً عن الدين‪ ،‬وترتّب على ذلك االعتقاد بأن اإلنسان ْأولى بالدرس‬
‫من العالم الخارجي‪ ،‬وأن العلوم اإلنسانية أهم من العلوم الطبيعية‪.‬‬
‫أن دراسة الغربيين لإلنسان ـ سواء قُدِّّمت أم أ ُ ّخرت ـ في ظل عقيدتهم القائمة‬‫على ّ‬
‫على فصل الدين عن الحياة ال تأتـي بخير‪ ،‬ألن المقدمات الخاطئة ال تقود إلى نتائج‬
‫‪63‬‬
‫صحيحة؛ ولذا لم تستطع الدراسات الغربية في مجال النفس والتربية واالجتماع الرقي‬
‫س ّميت باسم العلم‪ ،‬وهو ما يؤكده إخفاق الغربيين في وقف‬ ‫إلى مستوى العلم‪ ،‬وإن ُ‬
‫التدهور السلوكي الذي يُنذر المجتمعات الغربية بأوخم العواقب‪.‬‬
‫والنظرة المثالية الغربية بما ترتب عليها من فصل بين الدين والحياة خاطئة‬
‫ومدمرة‪ ،‬وهي ـ كما يقول (علي عزت بيجوفيتش) رئيس جمهورية البوسنة والهرسك‬
‫في كتابه المعروف ‪( :‬اإلسالم بين الشرق والغرب) ـ هي المسؤولة عن إخفاق‬
‫األيديولوجيات الكبرى في العالم؛ فهذه النظرة هي التي شطرت العالم شطرين‬
‫متصادمين بين مادية ملحدة‪ ،‬وكاثوليكية مغرقة في األسرار‪ ،‬والصواب أنها "وحدة‬
‫ثنائية القطب‪ ،‬تضم القضيتين المتصادمتين في العقل الغربي أال وهما‪ :‬الروح والمادة‪،‬‬
‫السماوي واألرضي‪ ،‬اإلنساني والحيواني‪ ،‬الدين والدنيا‪ .‬وهذان المتناقضان يوجدان‬
‫معا ً وجود تفاعل وتزاوج وتكامل‪ ..‬كما تتفاعل ذرات األوكسجين مع ذرات‬
‫اإليدروجين لتنتج الماء الذي يشرب منه اإلنسان والحيوان والنبات"‪.‬‬
‫وقد نبّه بيجوفيتش على أن طبيعة العقل األوروبي (أحادي النظرة) كانت سببا ً‬
‫في عجزه عن فهم حقيقة اإلسالم؛ ولذا أنكر الغربيون اإلسالم لسببين متعارضين؛ فقد‬
‫أنكره الماديون منهم بوصفه اتجاها ً يمينيا ً أي دين غيبيات‪ ،‬بينما أنكره المتدينون ألنهم‬
‫رأوا فيه اتجاها ً يساريا ً أي حركة اجتماعية سياسية‪.‬‬
‫وال تغني عن المذهب المثالي دعـواه أنه إنما يريد ـ من خالل التربية ـ أن‬
‫يحيط الط فل بالمثل العليا؛ ألنه ال يدري ما المثل العليا على وجه التحديد‪ .‬يقول سير‬
‫برسي نن ‪ " :‬نستطيع أن نحكم بأنه ال يمكن أن يكون هناك غرض عام للتربية ما دام‬
‫هذا الغرض يحقق ُمثُالً عليا؛ ألن هذه المثل تتعدد بتعدد األفراد "‪.‬‬
‫وهذا االتجاه العقلي للفلسفة المثالية قد وضع العقل‪-‬بال شك‪ -‬في مرتبة ذات‬
‫أهمية كبرى‪ ،‬بحيث ال يكون العقل شيئا آخر غير الروح مادام يشارك في طبيعة‬
‫المطلق‪ .‬وبالرغم من وجود الجسم والبيئة االجتماعية والطبيعية إال أنهما في النهاية‬
‫يدخالن في دائرة العقل ويذوبان داخله‪ .‬ولذلك فالطبيعة اإلنسانية ال ينظر إليها على‬
‫أنها جسم منفصل يستجيب لدوافع بيئية‪ ،‬ولكنه جوهر ال يتأثر بعامته إذا تأثر جزءه‪.‬‬
‫ولهذا تنادي هذه النظرية بتربية اإلنسان من جميع جوانبه حتى يصبح كال مستقيما‪،‬‬
‫ولكن يبقى العقل هو صاحب االهتمام األكبر في مناهج هذه النظرية‪.‬‬
‫إن الواقع بالنسبة للمثالي هو عالم العقل‪ ،‬والواقعية شيء خيالي أو روحي‬
‫وليس ماديا‪ ،‬ويعتقد المثاليون أن الطبيعة تعتمد على العقل الشامل هلل‪ .‬وبناء على هذه‬
‫النظرة‪ ،‬فالتعلم ليس ابتكارا وإبداعا‪ -‬ولكنه تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة‬
‫والخير والمثل التي وضعت سلفا‪ .‬وليست قيمة األفكار مبنية على ما لها من أهمية في‬
‫‪64‬‬
‫حياة التالميذ أو ضرورة في إنجاز مشروعاتهم‪ ،‬أو في ترقية حياتهم‪ ،‬بل إن قيمة‬
‫األفكار في ذاتها‪ ،‬حيث إنها تصور الواقع الممثل للحقائق الالنهائية‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫فاألفكار جديرة بالتعلم‪ .‬وهي تستحق أن يكون تعلمها هدفا في حد ذاته‪.‬‬
‫والمثالية –عموما‪ -‬وثيقة الصلة بالدين‪ .‬وتؤمن هذه النظرية بأهمية الحق‬
‫والخير والجمال‪ .‬ويهتم المثاليون بالرياضة البدنية‪ ،‬ال من أجل الجسم‪ ،‬فهم ال يهتمون‬
‫بالمادة‪ ،‬وإنما من أجل العقل‪.‬‬
‫إن أصحححاب هححذا االتجححاه يهتمححون بالمثححل العليححا بالدرجححة األولححى‪ ..‬فهححم ينظمححون‬
‫تجارب الجنس البشري ويركزونها ليقدموها لقمة سائغة إلى الطفل‪.‬‬
‫وهذه الخبرة بحسب مروجي النظرية هذه هي نوعين منها ما يختص بالبيئة‬
‫الطبيعية ومنها ما يختص باإلنسان أي العلوم واإلنسانيات‪.‬‬
‫وتعتبر المثالية من أقدم الفلسفات في الثقافة الغربية‪ ،‬التي ارتبط ظهورها‬
‫ارتباطا وثيقا بزعيمها المفكر اليوناني أفالطون‪ ،‬وهي كما عرفها الالند ‪ " :‬االتجاه‬
‫الفلسفي الذي يرجع كل وجود إلى الفكر بالمعنى األعم لهذه الكلمة "‪ .‬بمعنى آخر هي‬
‫المذهب الذي يقول أن األشياء الواقعية ليست شيئا آخر غير أفكارنا‪ ،‬وهي الفكرة التي‬
‫نجدها عند أفالطون في المثل العليا‪ ،‬إذ يرى أن أنفسنا كانت تسبح في هذا العالم‪ ،‬أين‬
‫عرفت أسماء األشياء بصورتها التامة‪ ،‬الكاملة‪ ،‬قبل نزولها إلى األرض‪ .‬وولوجها في‬
‫الجسد أنساها أسماء األشياء‪ ،‬فأصبحت تحاكي ما رأته وتعلمته في المثل العليا أو‬
‫العالم الحقيقي‪ ،‬ومن أبرز أعالمها‪ :‬أفالطون‪.‬هيجل‪...‬الخ‪.‬‬
‫ولد أفالطون في سنة ‪ 427‬ق‪.‬م في جزيرة قريبة من شاطئ أثينا‪ ،‬واسمه في‬
‫األصل أرسطوقليس‪ .‬ينحدر من أشراف أثينا ذوي المنزلة والثراء‪ .‬تعلم القراءة‬
‫والكتابة‪ ،‬حفظ شعر هوميروس‪ ،‬ومبادئ الحساب والهندسة والموسيقى‪ .‬كان ذو ذكاء‬
‫حاد‪ ،‬عميق الفكر‪ ،‬حسن الحديث‪ ،‬بارع النكتة‪ ،‬ومحبا للجمال‪ .‬عاش حتى الثمانين من‬
‫عمره‪ ،‬توفي سنة ‪ 347‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫لقد قسم أفالطون المجتمع إلى ثالث طبقات ‪:‬‬
‫‪ -‬طبقة الحكام ويتميزون بالحكمة‪ ،‬ويسييرون شؤون الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬طبقة الجند‪ ،‬ويتميزون بالقوة‪ ،‬وتسهر على أمن الحكام‪.‬‬
‫‪ -‬طبقة العبيد‪ ،‬وهي الطبقة الخادمة‪ ،‬التي تقوم على خدمة طبقة الحكام‪.‬‬
‫وعلى كل طبقة احترام الطبق األعلى منها‪ ،‬فال يجوز مثال لطبقة العبيد التطلع‬
‫إلى طبقة الجند أو الحكام‪ ،‬وكذا الحال بالنسبة لطبقة الحكام فال يجوز للحاكم أن ينزل‬
‫إلى طبقة الجند أو العبيد‪ ،‬فما خلق إال ليكون حاكما‪ ،‬وليحكم الشعب وعليه وضع‬
‫الرجل المناسب في المكان المناسب ليقوم بالعمل المناسب‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫المنهاج وطريقة التدريس في نظر المثالية ‪:‬‬
‫يرى المثاليون أن المنهاج (المنهج) الذي يدرس للتالميذ ينبغي أن يكون‬
‫موضوعات ثابتة غير قابلة للتطور وتنقل من جيل إلى جيل‪ .‬حيث تعمل على توسيع‬
‫فهم الطفل للكون ولإلنسان نفسه‪ ،‬فتنظيم قدرات الطفل وتنمية ذكائه يمكن أن تتحقق‬
‫من دراسة الفنون الحرة والقراءة‪ ،‬وكذا اإلطالع على الكتب العظيمة التي أنتجتها‬
‫عقول الحكماء والمفكرين التي يمكن أن تخلق اإلنسان المثالي وتوسع فهمه للكون‬
‫ولذاته‪.‬‬
‫ومن ثم يجب أن يوجه اهتمام أكبر إلى دراسة مواد معينة كالتاريخ واألدب‬
‫وا لفلسفة تهتم بالمشاكل الدائمة لإلنسان‪ ،‬وتعبر عن اعتقاداته وأفكاره على مر‬
‫العصور التاريخية‪ ،‬وهي تعتبر كنزا للمعرفة والحكمة وتراثا معرفيا‪.‬‬
‫ولقد اهتمت المثالية بالمادة الدراسية أكثر من اهتمامها بالمتعلم‪ ،‬فهي ال تقيم‬
‫وزنا إال للمعرفة والحقيقة أما التلميذ فقد ال يكون له قيمة على اإلطالق‪ ،‬فمنهج‬
‫المدرسة المثالية هو منهج مقفل يعتمد على المعرفة والكتاب ويتقيد بحدود ال يمكن‬
‫تعديلها‪ ،‬حيث يبقى القديم على قدمه للحفاظ على المعرفة والتراث ونقله إلى عقول‬
‫المتعلمين‪ .‬وال تؤمن المثالية بأهمية النشاطات الخارجة عن الكتاب في منهجها‬
‫الدراسي ألن مثل هذه النشاطات ال تساهم في تدريب عقول التالميذ وملئها بالحقائق‪،‬‬
‫بل تهتم بجوانب أخرى ليست موضوع اهتمام المثالية‪.‬‬
‫أما النظام المدرسي‪ ،‬فقد أصبح المدرسين يواجهون مشكلة بحيث أن الجسم‬
‫والعقل نوعان مختلفان‪ ،‬فإنهما يسلكان مسالك متعارضة تعوق بعضها البعض‪ ،‬فالطفل‬
‫ال يستطيع أن يذهب إلى المدرسة بعقله فقط فال بد أن يحمل معه جسمه‪.‬‬
‫إذا أصبح ينظر إلى التلميذ على أنه شيء أو باألحرى آلة تتلقى المعارف‬
‫بالطريق اإللقائية في سكون وهدوء‪ ،‬فإذا حاول أن يحرك جسمه قسا عليه المدرسون‬
‫بالعقوبات البدنية المختلفة‪ ،‬وبذلك كان التلميذ المثالي هو الذي يجلس صامتا ساكنا‪،‬‬
‫حتى يعمل عقله على استيعاب المعلومات‪ .‬ومنه كان هدف التدريس ليس حمل التلميذ‬
‫على معرفة مجموعة من المعلومات بقدر ما هو محفز له على اكتشاف معناها لنفسه‪،‬‬
‫عن طريق خبراته الشخصية السابقة‪ ،‬بحيث يصبح لما يتعلمه معنى ومغزى‪.‬‬
‫المعلم ‪:‬‬
‫المعلم في نظر المثالية ينبغي أن يكون فيلسوفا مفكرا كسقراط‪ ،‬وغيره من‬
‫الفالسفة‪ ،‬وقد ركزت المثالية على دور المعلم‪ ،‬وجعلته يحتل المركز الرئيسي في‬
‫العملية التربوية‪ ،‬في حين نظرت إلى المتعلم نظرة سلبية‪ ،‬فالمعلم يجب أن يكون قدوة‬
‫لتالميذه بما يملكه من معارف وخبرات واسعة‪ ،‬تجعل الطالب ينهلون منهله‪ ،‬بمعنى‬
‫‪66‬‬
‫على المعلم أن يكون موسوعة يعمل على إيصالها إلى الطلبة‪ ،‬وأن يكون مخلصا جادا‬
‫في عمله‪ ،‬والمعلم بفطنته وبصيرته يعمل على كشف استعدادات تالميذه‪ ،‬وبذلك‬
‫يعطيهم القدر المناسب من المعارف‪ ،‬وتقتصر عملية التعليم على التذكر واالسترجاع‬
‫لذا يجب على المعلم في نظر أفالطون تنمية هذه القدرة‪.‬‬
‫النقد ‪:‬‬
‫لقد غال أفالطون في تربيته المثالية وطريقة التدريس إلى درجة يصعب‬
‫تحقيقها على أرض الواقع‪ ،‬فمثال تربية أفالطون لألطفال على أساس الفضيلة حتى‬
‫يصبحوا خيرين‪ ،‬تناسى أن في اإلنسان بذرتين‪ ،‬بذرة الخير وبذرة الشر‪ ،‬ويستحيل أن‬
‫نجد شخص خير محض‪ ،‬كما أن نظام الطبقات الذي فرضه أفالطون على المجتمع‬
‫فيه ظلم لفئة عن فئة‪.‬‬
‫كما فصل أفالطون بين الجانب العقلي والجسمي‪ ،‬بل حتى أنه فصل الجانب‬
‫العقلي وأعطاه األهمية أكثر من اهتمامه بالجانب الجسمي‪ ،‬وكأننا نستطيع أن نتصور‬
‫اإلنسان بعقله دون جسده‪.‬‬
‫المثالية كفلسفة تربوية أكدت على‪:‬‬
‫‪ -‬الجانب المعرفي وأهمية المعرفة بالنسبة للمتعلم‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام بالثقافة والحفاظ عليها‪.‬‬
‫‪ -‬وضع المعلم في مرتبة سامية واعتباره أهم عنصر في العملية التربوية‪.‬‬
‫‪ -‬التأكيد على أهمية الجوانب الخلقية والدينية في تنمية شخصية المتعلم ‪.‬‬
‫غير أنها فشلت و قصرت في‪:‬‬
‫‪ -‬فهم طبيعة المتعلم (النظر إليه على أنه عقل أو روح خالصة‪ ،‬االهتمام بالمعرفة‬
‫أو تنمية العقل فقط)‪.‬‬
‫‪ -‬اقتصار األهداف التربوية على تدريب عقل اإلنسان دون النظر إلى الجوانب‬
‫التي تتصل بالنواحي الجسمية ‪.‬‬
‫‪ -‬النظر إلى التلميذ على أنه سلبي يتلقى المعلومات التي يلقيها عليه المعلم (آلة)‬
‫وكذا استخدام العقوبات البدنية ال يتفق مع ما تذهب إليه الفلسفات األخرى‪ ،‬فالموقف‬
‫التعليمي موقف تفاعل و ليس موقف جامد ثابت فيه طرف ايجابي هو المعلم و آخر‬
‫سلبي هو التلميذ‪.‬‬

‫النظرية اإلسالمية في التربية‬


‫التربية اإلسالمية ‪:‬‬
‫‪67‬‬
‫يعرفها حلمي طه رشيد إبراهيم بأنها تنمية جميع جوانب الشخصية اإلسالمية‬
‫الفكرية والعاطفية والجسدية واالجتماعية وتنظيم سلوكها على أساس من مبادئ‬
‫اإلسالم وتعاليمه بغرض تحقيق أهداف اإلسالم في شتى مجاالت الحياة‪.‬‬
‫ويعرفها مقداد يالجن بأنها إعداد الفرد المسلم إعدادا كامال من جميع النواحي‬
‫في جميع مراحل نموه للحياة الدنيا واآلخرة في ضوء المبادئ والقيم وفي ضوء‬
‫أساليب وطرق التربية التي جاء بها اإلسالم‪.‬‬
‫ويعرفها سعيد إسماعيل علي بأنها تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في‬
‫إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها اإلسالم والتي ترسم عددا‬
‫من اإلجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق‬
‫وعقيدة اإلسالم‪.‬‬
‫ويعرفها علي خليل أبو العينين بأنها النشاط الفردي واالجتماعي الهادف لتنشئة‬
‫اإلنسان فكريا وعقيديا ووجدانيا واجتماعيا وجسديا وجماليا وخلقيا‪ ،‬وتزويده‬
‫بالمعارف واالتجاهات والقيم والخبرات الالزمة لنموه نموا سليما طبقا ألهداف‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ويعرفها عبد الرحمان صالح عبد هللا بأنها عملية مقصودة تستضيء بنور‬
‫الشريعة‪ ،‬تهدف إلى تنشئة جوانب الشخصية اإلنسانية جميعها لتحقيق العبودية هلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ويقوم فيها الفرد ذو كفاءة عالية بتوجيه تعلم أفراد آخرين وفق‬
‫طرق مالئمة مستخدمين محتوى تعليميا محددا وطرق تقويم مالئمة‪.‬‬
‫والمالحظ على تلك التعريفات جميعها أنها تؤكد على أن التربية اإلسالمية البد‬
‫أن تستمد توجيهاتها وفلسفتها وغاياتها من الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وبالتالي فهي‬
‫ترفض أن تكون التربية اإلسالمية بمعزل عن توجيهات اإلسالم وتعاليمه سواء في‬
‫إطارها النظري أو تطبيقاتها العملية‪ .‬والتربية اإلسالمية بهذا المعنى هي تربية‬
‫هادفة مقصودة لتكوين الفرد المسلم والمجتمع المسلم واألمة المسلمة المستخلفة‬
‫على حمل رسالة هللا في األرض‪ ،‬سواء تمت تلك التربية في مؤسسات نظامية‬
‫كالمدرسة والجامعة‪ ،‬أو غير نظامية كالمنزل ووسائل اإلعالم‪.‬‬
‫والتربية اإلسالمية بهذا المعنى حسب محب الدين أحمد أبو صالح هي النظام‬
‫التربوي الذي فرضه هللا على المسلمين أن يربوا أنفسهم وأوالدهم عليه ويوجهوا‬
‫أهاليهم ويرعوهم في ضوئه دون غيره من األنظمة التربوية الكافرة الملحدة‪ ،‬أو‬
‫العلماني الالدينية المنحرفة‪.‬‬
‫والتربية اإلسالمية وفق التصور الشامل شأنها في ذلك شأن كل تربية أخرى‬
‫في العالم موضوعها تربية اإلنسان المسلم‪ ،‬ومجالها هو جميع مجاالت البحث‬
‫‪68‬‬
‫التر بوي من فلسفة وتاريخ ومناهج وطرق تدريس وإعداد معلم وإدارة‬
‫وتمويل‪..‬الخ‪ ،‬منظورا إلى ذلك كله من المنظور اإلسالمي الذي يؤدي تنفيذه إللى‬
‫إيجاد الفرد الذي يسلك سلوكا يتفق وعقيدة اإلسالم‪.‬‬

‫وتتكون النظرية التربوية اإلسالمية من المصادر التالية ‪:‬‬


‫‪ -1‬القرآن والسنة‪ ،‬ومنهما تتزود النظرية التربوية بمجموعة من المبادئ‬
‫الموجهة‪ ،‬وهذه ليست فرضيات تثبت عن طريق التجربة‪ ،‬وبالتالي فهي ليست قابلة‬
‫للرفض‪.‬‬
‫‪ - 2‬الدراسات التاريخية والدراسات التربوية آلراء العلماء المسلمين‪.‬‬
‫‪ - 3‬دراسة الشخصيات اإلسالمية الالمعة في مجال التربية كابن خلدون‪،‬‬
‫والغزالي‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وابن القيم‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ - 4‬معطيات البحوث العلمية الصحيحة التي تلقي الضوء على طبيعة اإلنسان‪،‬‬
‫وطريقة تعلمه‪ ،‬وكذلك كل خبرات البشر التي ال تتعارض مع العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪....‬لكل نظرية عناصر ثالثة ‪:‬‬
‫أ – مصادر‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وسائل وأساليب وطرائق‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مقاصد وغايات‪.‬‬
‫وال شك أن أصحاب أية نظرية قد يختلفون أو يطورون أو يغيرون في عناصرها‬
‫الثالثة‪ ،‬ابتداء من المصادر‪ ،‬ومرورا بالوسائل واألساليب والطرائق‪ ،‬وانتهاء‬
‫بالمقاصد والغايات‪.‬‬
‫أما التصور اإلسالمي للتربية"فالمصادر ثابتة‪ ،‬واألهداف أو المقاصد والغايات‬
‫ثابتة‪ ،‬والشيء الوحيد المتحرك والمتغير هو الطرائق والوسائل و األساليب التي تتغير‬
‫كلما ترقى فهم اإلنسان لألصول‪ ،‬وكلما اجتهد في الوصول إلى المقاصد والغايات‪ ،‬من‬
‫هنا فقط يأتي اختالف "التصور اإلسالمي لمناهج التربية" من جيل إلى جيل‪ ،‬ومن‬
‫زمن إلى زمن‪ ،‬ومن مكان إلى مكان‪.‬‬
‫وإذا كان علم النفس العام والتربوي قد جاء متالزمين من مصدر واحد هو‬
‫كتاب هللا وسنة رسوله (ص)‪ ،‬فإنهما قد جاءا وبينهما فاصل زمني في علم النفس‬
‫الغربي بسبب اعتمادها على تطور الفكر في مصادر ونظريات شتى مختلفة‬
‫ومتناقضة‪ .‬وإذا كان علم النفس اإلسالمي العام والتربوي قد صدرا من علم شامل‬
‫محيط بالنفس اإلنسانية من األبد إلى األزل‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫وبمعنى آخر حسب محمد رشاد خليل فإن علم النفس التربوي هو تطبيق لنظريات‬
‫التحليليين والسلوكيين والجشتلطيين وغيرهم من المؤمنين بالمذهب الطبيعي على‬
‫اختالف أشكالهم‪ .‬وهذه المدارس كلها ال تعرف اإلنسان المخلوق‪ ،‬وإنما تتكلم عن‬
‫إنسان طبيعي ال روح له‪.‬‬
‫فلسفة التربية‪ ،‬ونظرية التربية ‪:‬‬
‫تعتمد مناهج التربية كلها تقريبا‪-‬ما عدا منهج التربية اإلسالمية ‪ -‬على نظريات‬
‫تربوية‪ .‬و النظريات التربوية تعتمد بدورها على فلسفات عامة‪ ،‬فما الفلسفة‪ ،‬وما‬
‫النظرية‪ ،‬وما العالقة بينهما‪ ،‬وهل يحتاج منهج التربية اإلسالمية إلى فلسفة أو إلى‬
‫نظرية؟ هذا ما نجيب عنه فيما يلي ‪:‬‬
‫مفهوم الفلسفة ‪:‬‬
‫الفلسفة مصطلح يوناني األصل مكون من كلمتين‪" :‬فيلو"‪ ،‬ومعناها حب‪،‬‬
‫"صوفيا" ومعناها الحكمة‪ ،‬فالفلسفة إذن هي حب الحكمة أو محبة الحكمة‪ ،‬وبالرغم‬
‫من جاذبية هذا المفهوم للوهلة األولى‪ ،‬إال أن الفالسفة والمفكرين قد اختلفوا بل‬
‫وتناقضوا في ماذا تعني محبة الحكمة؟ وما زال هذا االختالف والتناقض قائما منذ أن‬
‫نشأ هذا المصطلح إلى يومنا هذا‪ ،‬فالبعض يرى أن الفلسفة هي العلم بحقائق األشياء‬
‫والعم ل بما هو أصلح‪ ،‬والبعض يرى أنها مفهوم جامع للكون بما فيه من جماد‬
‫وحيوان ونبات‪ ،‬وثالث يرى أنها علم دراسة الغيبيات وما وراء الطبيعة‪ .‬والراجح أن‬
‫الفلسفة هي تصور للكون واإلنسان والحياة ولطبيعة العالقات بين هذه العناصر‪ .‬وقد‬
‫ظل مفهوم الفلسفة يحمل طابعا فرديا‪ ،‬وبقيت مذاهبها مجرد وجهات نظر تحمل شارة‬
‫أصحابها إلى يومنا هذا‪ .‬ومع ذلك فلكل فلسفة تصور خاص للكون واإلنسان والحياة‪.‬‬
‫أما فلسفة التربية الغربية فهي باختصار الجانب التطبيقي للفلسفة العامة في‬
‫ميدان التربية‪ .‬ومن وجهة النظر هذه يصبح من وظائف الفيلسوف التربوي تطبيق‬
‫مب ادئ الفلسفة المثالية أو الواقعية أو البراجماتية أو ما إلى ذلك على التربية‪ .‬ولذا فإن‬
‫من ينظر في أسماء مدارس فلسفة التربية يجد أنها ذات المدارس الفكرية التي يتحدث‬
‫عنها الفالسفة‪.‬فهناك فلسفة مثالية عامة‪،‬و هناك أيضا فلسفة مثالية في التربية‪ ،‬وهناك‬
‫فلسفة براجماتية عامة‪ ،‬هناك فلسفة براجماتية في التربية‪...‬وهكذا‪.‬‬
‫مفهوم النظرية التربوية ‪:‬‬
‫النظرية بمعناها العام الذي يشيع في الغرب‪ ،‬هي تفسير بعض األمور في‬
‫الماضي أو الحاضر أو المستقبل استنادا إلى اعتقاد ثابت أو مفترض‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫والنظرية العلمية بمعناها الدقيق‪ ،‬هي محاولة لتفسير عدد من الفروض أو‬
‫قوانين الطبيعة من خالل وضعها في إطار عقلي عام‪.‬‬
‫والنظرية التربوية هي مجموع المبادئ المترابطة التي توجه العملية التربوية و‬
‫تحكم الممارسات التعليمية‪.‬‬
‫فإذا كانت النظرية العلمية وصفية وتفسيرية في األساس‪ ،‬فإن وظيفة النظرية‬
‫التربوية‪-‬كما يقول بول هيرست ‪ -‬هي التشخيص والعالج‪ .‬وإذا كانت النظرية العلمية‬
‫تحول وصف وتفسير ما هو قائم‪ ،‬فإن النظرية التربوية تصف وتقرر ما ينبغي عمله‬
‫مع الناشئة‪ ،‬وتوجه وترشد الممارسات التربوية‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق فإن بول هيرست وغيره من المربين الغربيين الذين‬
‫يرفضون بناء النظرية التربوية؛ ألنها تمدهم بالقيم التي يريدون غرسها في الناشئة‪.‬‬
‫التربية عن العر المسلمين‬
‫تعتبر التربية المرآة التي تعكس أنظمة المجتمع على اختالفها السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية وعقائده وتقاليده وعاداته‪ ،‬والتربية العربية اإلسالمية تعكس‬
‫وضوح تعاليم اإلسالم السمحة وعقائده السامية‪.‬ذلك أن اإلسالم ‪ -‬إلى جانب ما دعا إليه‬
‫من اإليمان بعقائده السامية ‪ -‬دعا إلى التمسك بتعاليم األخالق الفاضلة التي عدها‬
‫شرطا ً أساسيا ً للحياة الدينية الصالحة‪ .‬وهناك عدة مبادئ قد أثرت بصفة خاصة في‬
‫تطور النظرية التربوية منها مبدأ "المساواة"‪...‬؛المساواة بين معتنقي الدين الجديد‪،‬‬
‫بغض النظر عن جنسياتهم وألوانهم‪ .‬وثيقة المساواة هذه أيدها هللا تعالى بقوله الكريم‪:‬‬
‫ّ‬
‫" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم‬
‫عند هللا أتقاكم"‪ .‬اآلية‪ /13/‬من سورة الحجرات‪ .‬وأتبع ذلك بمبدأ "اإلخاء واألخوة"‪:‬‬
‫"إنما المؤمنون إخوة"‪( .‬اآلية‪ /10/‬من سورة الحجرات)‪ .‬والطابع العام للتربية‬
‫اإلسالمية يتجلى في نزعتها المثالية في تقديم العلم والحث على طلبه‪ ،‬وفي االهتمام‬
‫بالفضائل الخلقية‪ ،‬ثم في مرونتها في طرق التحصيل واصطباغها بروح الديمقراطية‬
‫التي قضت على الفروق بين الشعوب واألجناس والطبقات في مجال التعليم والدّين‪،‬‬
‫وإعطاء األفراد فرصا ً متساوية في التحصيل‪.‬‬
‫أغراض التربية اإلسالمية ‪:‬‬
‫‪ -‬الغرض الديني ‪:‬‬
‫منذ أن نزل القران الكريم وهو مرجع المسلمين في أمور العبادة والتشريع‬
‫والحياة االجتماعية بشتى مظاهرها‪ ..‬حيث يعود إليه الفضل في انتشار القراءة‬
‫‪71‬‬
‫والكتابة‪ ،‬وتأسيس المدارس‪ ،‬ونشأة العلوم المختلفة لخدمته وتفسيره وفهمه‪ .‬غير أن‬
‫الطابع العام للتربية عند المسلمين لم يكن دينيا ً بحتا ً وال دنيويا ً بحتا ً وإنما كان يالءم‬
‫بين الدين والدنيا‪ ،‬فكانت التربية تهدف إلى إعداد النشء للحياة الدنيا ولآلخرة معا ً في‬
‫إطار اآلية الكريمة‪" :‬وابتغ فيما آتاك هللا الدار اآلخرة وال تنس نصيبك من الدنيا"‪.‬‬
‫(اآلية ‪ / 77/‬من سورة القصص)‪.‬‬
‫‪ -‬الغرض االجتماعي ‪:‬‬
‫معان اجتماعية عبرت عنها‬ ‫ٍّ‬ ‫هدفت التربية بجانب الدين واألخالق إلى‬
‫ً‬
‫مأثوراتهم‪ ..‬فقد قال (مصعب بن الزبير) البنه " تعلم العلم‪ ،‬فإن لم يكن لك ماال كان‬
‫جماالً‪ ...‬وإن لم يكن لك جماالً كان لك ماالً"‪ .‬ونجد أنه حينما بدأ العلماء يَ ْكثُرون‬
‫ويتميزون في علومهم تبعا ً لنمو الحركة العلمية وازدهارها‪ ،‬ظهرت طبقة جديدة في‬
‫المجتمع هي طبقة العلماء التي نالت مكانة رفيعة عند الخلفاء واألمراء‪ ،‬مما دعا الناس‬
‫إلى اإلقبال على التعلم لينالوا هذه الحظوة الممتازة في المجتمع‪ .‬وقد شجع ذلك على‬
‫التنافس على االبتكار وانتشار الثقافة وازدهارها‪.‬‬

‫غرض المنفعة ‪:‬‬


‫التحرج من أخذ األجر في العلوم الدينية‬ ‫ّ‬ ‫كان من زيادة التدين أن ظهر‬
‫المباشرة‪ ،‬مثل تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬وإن كان النبي صلى هللا عليه وسلم قد قَ ِّبلَ أن‬
‫يفدي بعض األسرى نظير قيامهم بتعليم بعض أطفال المسلمين القراءة والكتابة مما‬
‫يوضح أن المبدأ صحيح بذاته‪...‬‬
‫هذا وكانت وظائف القضاء والتعليم غايات سعى إليها كثير من الناس وأعدوا‬
‫أنفس هم لها‪ ،‬وقد كان لرغبة الناس في حفظ القرآن والتفقه في الدين أثرها في نشوء‬
‫الحاجة الى المدارس حيث كانت المدرسة األولى هي المسجد‪ ،‬فكان عامة الناس الذين‬
‫يرغبون في تعليم أوالدهم يبعثون بهم إلى المساجد حيث كانت تعقد حلقات لدراسة‬
‫القران والحديث‪ ..‬وكانت المساجد في معظم المدائن اإلسالمية مراكز التعليم لها‪ ..‬ولم‬
‫تكن المسائل الدينية فحسب هي موضوع الدرس في هذه المجالس بل كانت تعالج فيها‬
‫أيضا ً الموضوعات اللغوية والشعرية إلى جانب الندوات األدبية التي تنعقد في بيوت‬
‫المثقفين واألدباء التي عرفت باسم "مجالس األدب"‪.‬‬
‫ومن أنواع المدارس‪ -‬غير الكتاتيب‪ -‬لتعليم الصبيان‪ :‬بعض المنازل والحوانيت‬
‫التي كانت تكمل عمل المساجد والكتاتيب‪ .‬وكانت المدارس العالية ك"بيت الحكمة"‬

‫‪72‬‬
‫ببغداد للتعليم العالي‪ :‬الذي يعتبر أول معهد هام في اإلسالم‪ ،‬فكان مكانا ً للترجمة‬
‫ومجمعا ً علميا ً ومكتبة عامة‪ ،‬وكان فيه مرصد متصل به لتعليم الفلك‪.‬‬
‫ظام الملك‬‫ظامية" التي أسسها نِّ َ‬ ‫وكان أول مجمع علمي حقيقي هو" المدرسة النَّ َّ‬
‫والتي اهتمت بحاجات الطلبة البدنية‪ ،‬وأصبح فيما بعد نموذجا ً لمعاهد التعليم العليا‪ .‬أما‬
‫المدارس فقد نشأت في العصر العباسي وانتشرت في البالد اإلسالمية وتنوعت‪.‬‬
‫وكا نت التربية اإلسالمية تعنى بالمعلم الذي ستوكل إليه مهمة التعليم عناية خاصة‪،‬‬
‫حيث كانت شديدة الفطنة لما يجب أن يؤخذ به في هذا السبيل‪ ،‬فعنيت أول ما عنيت‬
‫ببيان ما يجب أن يتحلى به المعلمون من مكارم األخالق ومحاسن المزايا‪ ،‬يقول ابن‬
‫سينا‪" :‬ينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقالً ذا دين‪ ،‬بصيرا ً برياضة األخالق‪ ،‬حاذقا ً‬
‫بتخريج الصبيان‪ ،‬وقوراً‪ ،‬رزيناً‪ ،‬حلواً‪ ،‬لبيباً‪ ،‬ذا مروءة ونظافة ونزاهة"‪.‬‬
‫ولقد رسم كثير من األئمة شخصية المعلم بدقة وحددوا أبعادها النفسية وأفاضوا‬
‫في الصفات التي يجب أن تتوافر في المعلم والواجبات التي ينبغي أن يلتزم بها‬
‫المربون نحو طلبتهم‪ .‬فقد كان على المعلم أوالً االطالع والتنقيب والمراجعة‪.‬‬
‫والعنصر الثاني في عملية التربية هو التلميذ‪ ،‬وهو العنصر األهم‪ ،‬فلقد اهتم‬
‫أساتذة التربية العربية بكل ما يساعد التلميذ على التعلم‪ ،‬فالغزالي يرى أن من آداب‬
‫الطالب أن يقلل عالئقه من االشتغال بالدنيا‪ ،‬فإن العالئق شاغلة وصارفة‪ ،‬ويستدل‬
‫على وجهة نظرة هذه ببعض المأثورات التي تقول إن" العلم ال يعطيك بعضه حتى‬
‫تعطيه ُكلَّك"‪ .‬كما اهتم األئمة بالمناظرة التي تساعد التلميذ على تنمية قدرته على‬
‫التعبير عن نفسه وترتيب أفكاره وتجديد نشاطه التلقائي‪ .‬ومن العوامل المساعدة على‬
‫التعلم‪ :‬اختيار الوقت وتحديد الساعات المالئمة للقراءة‪ .‬وأما المكان المناسب للدراسة‬
‫والحفظ فأجود أماكن الحفظ هي الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات‪ .‬ومن العوامل‬
‫األخرى التي دعوا إليها أالّ يكتفي الطالب من االستفادة وأن يكون دائما ً مستعدا ً‬
‫لتحصيل العلم وأالّ يتكبر على العلم وال يتآمر على المعلم فهو لن ينال العلم إال‬
‫بالتواضع وإلقاء السمع‪ .‬كما أن األئمة قد نصحوا الطلبة أال يدركهم الحياء من سؤال‬
‫ما يُ ْش ِّكل عليهم ألن االستحياء يفوت عليهم مصلحتهم‪ .‬كما اهتموا أيضا ً بالفهم فال‬
‫ينبغي أن يكتب المتعلم شيئا ً ال يفهمه فإنه يُذهب الفطنة ويضيع أوقاته‪ ،‬وإذا تهاون في‬
‫الفهم يعتاد ذلك فال يفهم الكالم اليسير‪.‬‬
‫أما بالنسبة ألساليب الدراسة كما هو متبع في القرن الرابع الهجري‪ ،‬أي تنظيم‬
‫الوقت الدراسي للتالميذ‪ ،‬فقد كان الصبي يذهب مبكرا ً إلى ال ُكتّاب فيبدأ بحفظ القرآن ثم‬
‫يتعلم الكتابة‪ ،‬وعند الظهر يعود إلى المنزل لتناول الغداء ثم يرجع بعد الظهر ويظل‬
‫حتى آخر النهار‪ ،‬وكانت عطلة الصبيان تبدأ من ظهر يوم الخميس وسحابة يوم‬
‫‪73‬‬
‫الجمعة ثم يعودون في صباح يوم السبت‪ .‬كان الطفل يذهب إلى المكتب وسنه قريبة‬
‫من السابعة ثم يقضي ما يقارب ثالث سنوات أو أربعا ً في استظهار القرآن والوقوف‬
‫على أصول الدين وتعلم بعض مبادئ اللغة والشعر‪ ،‬وبعد ذلك ينقل إلى المدارس‪ .‬أما‬
‫منهج المرحلة التالية فكان يشتمل على القرآن والتفسير والفقه والنحو واألدب والشعر‬
‫والحساب والهندسة والحديث‪.‬‬
‫ً‬
‫وتشتمل مرحلة التعليم الثالثة علوما متنوعة كالطب والكيمياء والرياضيات‬
‫والفلك والطبيعيات واإللهيات والمنطق والموسيقى والحيوان والنبات‪ .‬وقد جرت‬
‫طريقة التدريس في تعليم التالميذ على ثالثة أساليب هي‪ :‬اإللقاء الذي يمكن أن يسمى‬
‫(المحاضرة)‪ ،‬واإلمالء أو التلقين‪ ،‬ثم المناقشة أو المذاكرة أو المناظرة‪ .‬وقد فطن‬
‫األئمة إلى أن من شروط التفكير الصحيح أن تكون األلفاظ صحيحة محددة في الذهن‬
‫ألن تجارب الطفل محدودة وانتباهه ضيّق المجال‪ ،‬والمعلم هو الذي يساعده على ربط‬
‫األشياء بعضها ببعض وعلى فهم ما ال يعلم في ضوء ما يعلم‪ .‬والمدرس ال يستطيع أن‬
‫يجعل تالميذه مهتمين بموضوع ما اهتماما ً عميقا ً إال إذا كان هو نفسه مهتما ً كل‬
‫االهتمام بهذا الموضوع ومتحمسا ً له‪ ،‬فالمدرس العالم هو وحده القادر على تزويد‬
‫ِّسواه بالعلم‪.‬‬
‫ويرى خالد روشه أن العملية التربوية تظل قاصرة عاجزة على أن تؤتى‬
‫ثمارها مادامت الحركة اإلسالمية لم تستطع أن تنتج المربين األكفاء الذين يستطيعون‬
‫التطبيق العملي لألطر النظرية المنهجية للعمل اإلسالمي‪.‬‬
‫وعملية إنتاج المربي الكفء عملية معقدة للغاية تتشابك فيها عدة محاور‬
‫إنسانية واجتماعية ونفسية تخرجها عن كونها عملية معملية قياسية بالمعنى الذي ينص‬
‫عليه المنهج التجريبي العلمي المعملي‪..‬فالعناصر اإلنسانية المتكاثرة ‪ -‬كمدى رسوخ‬
‫العقائد والقيم والمبادئ الشرعية ومدى االستقرار النفسي للمربي وقربه أو بعده عن‬
‫الشخصية السوية ومدى تشربه لألخالق النبوية ومدى االستعداد للبذل في سبيل تلك‬
‫العقائد والقناعات ‪ -‬والتي ال يمكن اختبارها معملياً‪ ،‬حيث يستحيل تثبيت بعض‬
‫العوامل المؤثرة في االختبار وتغيير األخرى تجعل هناك ما يشبه االستحالة في قبول‬
‫معادالت كتلك المعادالت الكيميائية ثابتة النتائج أو التطبيقات الفيزيائية ثابتة التجريب‬
‫في عملية التربية اإلنسانية!‬
‫وإذا اعتبرنا العملية التربوية الناجحة هي " ما يجب أن تقوم على عدة خطوات‬
‫متتالية ومتجانسة ومتبادلة بين القائم بها (المربي) والمستقبل لها (المتعلم أو المتربي)‬
‫وأن يكون ذلك في إطار نظري منهجي مقبول يعتمد على أساليب مختلفة بما يتناسب‬
‫وظروف التطبيق "‪ ..‬فإننا ندرك مدى أهمية القائم المحرك لتلك العملية وهو المربي‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ -‬نظرات التربويين‪ ..‬رؤية مقارنة ‪:‬‬
‫اختلفت نظريات التربويين فيما هو أساسي وما هو فرعي من العناصر األولية‬
‫المطلوب وجودها إلنجاح عملية تكوين وإنتاج المربي الكفء‪ ،‬وكان من نتيجة هذا‬
‫الخالف أن نادى البعض بتحويل المجتمع المسلم كله إلى مربين ورأى هؤالء إمكانية‬
‫تحويل أي مسلم أيا ً كانت صفاته وإمكاناته إلى مرب ألجيال وموجه ألمة‪ ...‬والشك أن‬
‫هذا االتجاه – وهو االتجاه السائد اآلن بين طوائف العمل اإلسالمي – ال يفرق بين‬
‫األدوار التي يجب أن يقوم بها األفراد كل على حده وما هي المواصفات المطلوبة لكل‬
‫دور‪ ،‬فإنه والشك يجب أن يفرق بين دور المسلم كداعية إلى هللا وبين دوره كإداري‬
‫وقيادي ميداني وبين دوره كمرب ومعلم‪..‬‬
‫فالداعية وصف عام يجمع شتى األدوار وأما القيادي الميداني واإلداري فيحتاج‬
‫والحزم الشديد والجرأة‬ ‫إلى مواصفات قد تخصه بالذات دون غيره‪ ,‬من الخبرة‬
‫والشجاعة والمغامرة والمبادرة والتتبع واالستقصاء والحكمة والفراسة‪ ...‬إلى غير‬
‫ذلك مما هو معروف مما كان يتصف به وبأكثر منه القادة المغاوير أصحاب النبي‬
‫_صلى هللا عليه وسلم_ في غزواتهم وحروبهم وفتوحاتهم‪ ..‬فلك أن تتصور شخصية‬
‫كشخصية خالد بن الوليد أو عمرو بن العاص أو غيرهم في مقابلة شخصية مدار‬
‫عملها على التربية والتعليم والتقويم والتوجيه لألمة كمعاذ بن جبل وعبد هللا بن عمر‬
‫وعبد هللا بن عباس _ رضي هللا عنهم أجمعين _‪..‬‬
‫‪ -‬اتجاهات اختيار الصفات‪ ..‬فشخصية القائد إذن هي تلك الشخصية التي‬
‫تستطيع تحقيق إنجازات األهداف المعينة لها من خالل توجيه األفراد التابعين لها‪،‬‬
‫فهي إذن شخصية ينتهي دورها المعين عند بلوغ الهدف المحدد‪ ،‬أما شخصية المربي ‪:‬‬
‫فهي تلك الشخصية التي تستطيع تشكيل األفراد وتهيئتهم على شتى المستويات العلمية‬
‫واإليمانية والسلوكية وغيرها‪ ..‬وبالعموم فإن هناك اتجاهين في طريقة اختيار المربين‬
‫‪:‬‬
‫األول‪ :‬اتجاه التشدد في االنتقاء والمبالغة في تحديد الصفات الخاصة بالمربي‪ ،‬وهو‬
‫اتجاه تغلب عليه المثالية في تصور حال المربي؛ بحيث ينتهي األمر عند مطابقة هذه‬
‫المواصفات واقعيا ً إلى صورة نظرية على األوراق ال عالقة لها بالتطبيق في الواقع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يقوم على التساهل في انتقاء صفات المربي؛ بحيث تتسع الدائرة لتشمل أعدادا ً‬
‫كبيرة جداً‪ ،‬ودافع ذلك االتجاه تغليب احتياجات الدعوة وتبعات انتشارها وانفتاحها‬
‫وزيادة أعداد المتلقين‬
‫وكال االتجاهين قد أثبت الواقع التطبيقي فشله‪!..‬‬
‫‪75‬‬
‫فاالتجاه األول تعطيل للعمل التربوي إذ يربطه بالمثال النادر التحقق‪ ،‬وإعاقة‬
‫لجهود االرتقاء به‪ ،‬ومدعاة لكل من يعجز عن محاكاة الصورة المثالية أن يتراجع‬
‫ويترك العمل‪ ،‬أما االتجاه الثاني يؤدي إلى إتاحة الفرصة لغير ذوي األهلية والكفاية‬
‫وهي مهلكة لهم‪ ،‬فوق أنها مضيعة للعمل‪ .‬وهنا تبرز الحاجة لوضع نموذج للقائمين‬
‫على العملية التربوية يسترشدون على أساسه بحيث يتالفى سلبيات النموذجين السابقين‬
‫ويسهل تطبيقه واقعيا‪.‬‬
‫‪ -‬العناصر األساسية المطلوبة إلنتاج المربي الكفء ونستطيع أن نقول من خالل‬
‫االستقراء العملي والعلمي‪ :‬إن هناك معطيات معينة تقترب ‪ -‬إذا اجتمعت ‪ -‬من عملية‬
‫ناجحة إلنتاج مرب ناجح‪ ،‬وهذه المعطيات هي (العمق اإليماني‪ ،‬الشخصية السوية‪،‬‬
‫العلم التطبيقي‪ ،‬البيئة المناسبة للتربية‪ ،‬المهارات المخصوصة‪ ،‬التقويم) ونحاول أن‬
‫نتلمس أهم مواصفات كل عنصر من تلك العناصر‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العمق اإليماني‪:‬‬
‫وهو العنصر األول الذي ينبغي توافره في الشخصية المرشحة للقيام بالعملية‬
‫التربوية‪ ،‬فبدونه تفشل الشخصية في تحقيق أهدافها‪ ،‬بل ال نبالغ إذا قلنا‪ :‬إن العملية‬
‫كلها تتعرض للفشل الذريع‪ ،‬ومن عجب ما رأينا في بعض أوساط العمل اإلسالمي أن‬
‫تسند العمل التربوي إلى بعض المربين ال لشيء غير أنهم نشطاء حركيين – كما يحلو‬
‫للبعض تسميتهم – وتناسى من كلفهم بتلك األعمال شرط اإليمان العميق الذي هو‬
‫الشرط األول في الشخصية التربوية‪ ،‬والذي يقوم أساسه على عدة محاور نذكر‬
‫بعضها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اإلخالص‪:‬‬
‫فكالم المربي الذي يفتقر إلى اإلخالص كدخان في الهواء لن ينتفع به أحد‪،‬‬
‫وإنما اإلخالص زينة الكالم وعطره‪ ،‬يجذب إلى سماعه السامعين ويقرب منه الالهين‪،‬‬
‫سمع الحسن يوما ً واعظا ً يعظ الناس‪ ،‬فقال له‪ :‬يا هذا إما أن يكون في قلبك شرا ً أو في‬
‫قلبي‪ ،‬إن حديثك ال يمس قلبي!! والمربي المخلص يوفقه هللا في انتقاء كالمه وموافقة‬
‫المناسب من أوقاته والمؤثر من ألفاظه والحديث المخلص هو أشد األحاديث إقناعا ً‬
‫وثباتا ً في قلب السامع‪ ،‬يروي أحد تالميذ القعنبي شيخ البخاري يقول‪ :‬كان الشيخ‬
‫يحدثنا ولحيته ترتش بالدموع!!‬
‫ب – الصبر‪:‬‬
‫ودافع الصبر هو اإليمان العميق الذي نتحدث عنه وإذا ضعف اإليمان ضعف‬
‫الصبر‪ ،‬ومقصودنا في الصبر كعنصر أساسي من عناصر شخصية المربي المكونة‬
‫‪76‬‬
‫أن يستطيع الصبر على متعلميه ومتربيه والمجتمعات التي يتوجه إليها‪ ،‬وكذا الصبر‬
‫على دعوته وأن يثبت عليها وعلى مبادئه وقيمه ومعتقداته‪ ،‬روى عبد هللا بن اإلمام‬
‫أحمد أنه سأل أباه يوما ً ‪ :‬يا أبت متى الراحة؟ فقال‪ :‬عند أول قدم أضعها في الجنة!‬
‫ج – الزهد ‪:‬‬
‫وهو مطلب هام وعنصر أساس في شخصية المربي‪ ،‬ومعناه اإلعراض عن‬
‫الزينة وااللتفات عن المتاع ورجاء الجنة في اآلخرة‪ ،‬فليس شيئا ً أسوأ من مرب غارق‬
‫في ملذات الدنيا ومتاعها وزخرفها وما من شيء أسوأ أثرا ً على المتربين من مرب‬
‫منكب على جمع الدينار والدرهم وتغيير الثياب وتبديلها‪ ،‬وتعمير البيوت وبنائها‪،‬‬
‫ومهما اختلف الناس في تعريف الزهد والنظر له يبقى حال النبي _صلى هللا عليه‬
‫وسلم_ والصحابة والتابعين والعلماء هو النموذج المثالي األوضح لالقتداء به‪ ،‬ولقد‬
‫علمنا أنه ما من أحد منهم إال وكان معرضا عن الدنيا وزينتها راغبا ً في اآلخرة وجنتها‬
‫‪ ...‬ولألسف فكم رأينا من أحوال لمن يشتغلون بالعملية التربوية في هذه األزمان وهم‬
‫غارقون في اإلسراف والزخرف‪ ،‬فكيف إذن نتصور صفات الجيل الناتج من هكذا‬
‫مربين؟! يروي الذهبي في السير أن اإلمام أحمد لما سافر إلى عبد الرزاق انقطعت به‬
‫النفقة فاشتغل حماالً بأنصاف الدراهم ليشترى طعاما يتقوت به‪ ،‬فرآه عبد الرزاق وهو‬
‫يحمل على ظهره المتاع‪ ،‬فانفرد به خلف باب بيته وهو قادم للدرس فقال له‪ :‬يا أحمد‬
‫إنه عادة ال تجتمع عندي النفقة ولكنني جمعت لك من أهل البيت بعض الدراهم فخذها‬
‫وانتفع بها فقال أحمد‪ :‬لو كنت آخذا ً من أحد ألخذت منك يا إمام‪ ،‬ولكنني معي نفقتي‬
‫التي تكفينى وتزيد حتى أعود!!‬
‫موقف النظرية التربوية اإلسالمية‪..‬‬
‫من النظرية التربوية الغربية‬
‫يقدم عبد المجيد بن مسعود موقف النظرية التربوية اإلسالمية من النظرية‬
‫التربوية الغربية‪ ،‬فلعل من الثوابت التي أصبحت راسخة في وجداننا الحضاري‬
‫وسلوكنا الفكري ـ نحن المسلمين ـ في العصر الحديث‪ ،‬وباتت تتحكـم بقدر غير يسير‬
‫في منهج دراستنا للظواهر‪ ،‬وتحليلنا لمختلف القضايا الفكرية والتربوية‪ ،‬لعل من تلك‬
‫الثوابت‪ :‬أن نعرض األنساق والنظم اإلسالمية المرتبطة بشتى مجاالت النشاط‬
‫النظري والفكري‪ ،‬في سياق المقارنة بينها وبين مثيالتها في عالم الغرب‪ ،‬وال شك أن‬
‫هذا الثابت النسبي ستستمر مسوغاته وفعالية تأثيره على تحليالتنا ودراستنا الفكرية‬
‫والنظرية‪ ،‬ما دام هناك في واقعنا المعاصر فئات عريضة من الناس تنظر إلى الغرب‬
‫على أنه مركز الحضارة واإلشعاع الفكري المستنير الذي ال نملك إزاءه إال أن نطأطئ‬
‫‪77‬‬
‫رؤوسنا في خشوع! من هنا رأيتني أُقبل على دراسة موقف النظرية التربوية الغربية‬
‫ومناقشتها في ضوء معالم التربية اإلسالمية؛ بغرض إبراز التصور التربوي‬
‫اإلسالمي للتربية‪ .‬والواقع‪ :‬أن منهجية المقابلة هذه ال يمكن للتصور اإلسالمي إال أن‬
‫يخرج منها منتصرا ً مرفوع الرأس؛ ألنه ينطلق من موقع قوة يستمدها من ربانية‬
‫مصدره التي تمنحه التنزه عن التجاوز والضعف‪ ،‬واالهتزاز والقصور‪ ،‬ألن منهجية‬
‫المقابلة تقتضي عرض الصـورة كاملة أمام الناس ـ بكلى طرفيها ـ فيتضح الطرف‬
‫الهزيل من الطرف القوي‪ ،‬من خالل إبراز العناصر والمكونات التي تدخل في نسـيج‬
‫كل بناء نظري على حـدة‪.‬‬
‫النظرية التربوية عرض وتقديم‪:‬‬
‫هناك قواسم مشتركة بين النظريات التربوية الغربية تتمثل فيما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬االعتماد المطلق على العقل ‪:‬‬
‫منذ البداية يمكننا أن نلفت النظر إلى حقيقة أساس مفادها ‪ :‬أن النظريات‬
‫الغربية على تعددها وتباينها في بعض الخصائص والصفات‪ ،‬تكاد يجمعها قاسم‬
‫مشترك هو ‪ :‬كونها صادرة عن مصدر وحيد في المعرفة هو ‪ :‬العقل البشري في‬
‫حركته ومعاناته وقلقه المأساوي في البحث عن الحقيقة‪ ،‬وكونها صادرة عن تصور‬
‫واحد للكون واإلنسان والحياة‪ .‬والجدير باالعتبار أنه ما من نظرية في التربية إال وهي‬
‫انعكاس لمذهب فلسفي ما‪ ،‬وهذه قاعدة عامة ال يمكن أن يند عنها أي مذهب تربوي ‪.‬‬
‫وال تعدو االختالفات التي تظهر بين نظرية وأخرى أن تكون تعبيرا ً عن االختالف‬
‫والتنوع في المالبسات والتطورات التاريخية التي مرت بها المجتمعات الغربية‪ ،‬بكل‬
‫ما تحمله تلك التطورات من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وغيرها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬النظريات التربوية الغربية ضيقة األفق أحادية النظرة‪ ،‬فالنظرية التربوية‬
‫المثالية هي صدى للفلسفة األفالطونية حيث يقول أفالطون بعالمين ‪( :‬العالم‬
‫المحسوس) ويتألف من األجسام أو الماديات‪ ،‬و (العالم المعقول) وهو يتكون من‬
‫الموجودات المجردة‪ .‬فتلك النظرية تنطلق أساسا ً من (الصدارة المطلقة للروح على‬
‫المادة) وهي تفضي إلى تصرف تأملي يهمل المشكالت الزمنية‪ ،‬وطبيعة اإلنسان‬
‫األرضية‪ ،‬وتعنى أساسا ً بكمال الروح ونجاتها‪.‬‬
‫وانطالقا ً من هذه المعطيات يتجلى لنا الطابع النظري الذي يكتسيه التعليم في‬
‫إطار النظرية المثالية؛ حيث إن الهدف من التربية يرمي بالدرجة األولى إلى (تمرس‬
‫العقل بالتراث الفكري والعقلي الذي خلفته األجيال السابقة‪ ،‬بل اكتسب هذا التراث‬
‫صبغة القداسة وأصبح ينقل بحرفيته‪ ،‬وارتبطت موضوعات الدراسة بضرورات‬

‫‪78‬‬
‫تحول دون‬‫التراث بدالً من ضرورات الواقع‪ ،‬وصارت صلتها الوثيقة بالماضي في ّ‬
‫ارتباطها بالحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫أما المذهب الطبيعي‪ ،‬فإنه على العكس من المذهب المثالي؛ إذ يركز على‬
‫الجسد وما به من عواطف وغرائز وميول‪ ،‬فيعطيها األهمية القصوى على حساب‬
‫العقل‪ .‬وإن كان من المعلوم أن هذا المذهب قد تجاوز من طرف التيار النفسي في‬
‫التربية الذي يستمد أسسه من رائد المذهب نفسه ( روسو)‪ ،‬حيث يرى ( بأن اللجوء‬
‫إلى علم النفس هو اإلمكانية الوحيدة لتوفير المعيار الحقيقي لموضوعية البيداغوجيا )‪.‬‬
‫ومما يؤخذ أيضا ً على هذه النظرية تضييق نطاق التربية بحيث ينحصر في الطفل‪،‬‬
‫سعت نطاق التربية ليشمل‬ ‫األمر الذي أدركت التربية المعاصرة خطأه وقصوره فو ّ‬
‫المراهق والراشد والشيخ‪ ،‬وهذا ما أكدت عليه الرابطة الدولية الجديدة ‪ -‬للتربية‬
‫يحول ( النظر بعيدا ً عن‬‫الجديدة‪ .‬أما المذهب البرجماتي‪ ،‬وهو ذلك المذهب الذي ّ‬
‫األشياء األولية والمبادئ والقوانين والحتميات المسلّم بها‪ (،‬ويوجه) النظر نحو األشياء‬
‫األخيرة‪ :‬الثمرات‪ ،‬النتائج‪ ،‬اآلثار‪ .‬فـإن مركـز الثقـل فـي اهتمامـه ال ينصبّ على‬
‫الحقائق الثابتة‪ ،‬وإنما على ما يحصله اإلنسان من منافع يستثمرها في حياته العلمية‬
‫حتى إنه ينظر إلى الحقيقة على أنها هي المنفعة وفي هذا (خلط واضح بين الحقيقة‬
‫نفسها‪ ،‬والهدف األساس من محاولة الظفر بها‪ ،‬فقد ينبغي أن يكون الغرض من‬
‫اكتساب الحقائق هو استثمارها في المجال العملي واالستنارة بها في تجارب الحياة‪،‬‬
‫ولكن ليس هذا هو معنى الحقيقة بالذات‪ ،‬فإعطاء المعنى العلمي ‪ -‬البحت ‪ -‬للحقيقة‪،‬‬
‫وتجريدها من خاصية الكشف عما هو موجود وسابق! استسالم مطلق للشك الفلسفي‬
‫الذي تحارب التصورية والسفسطة ألجله‪ ،‬وليس مجرد االحتفاظ بلفظة الحقيقة في‬
‫مفهوم آخر كافيا ً للرد عليه‪ ،‬أو التخلص منه‪ ،‬وما دام تيار الحياة متناميا ً في سيره‪ ،‬فإن‬
‫حقائق جديدة تلغي وتتجاوز الحقائق القديمة‪ ،‬فال شيء يبقى ثابتاً!‪ ،‬وفي ضوء هذه‬
‫القناعة فإن أصحاب هذا المذهب يرون أن التربية والنمو صنوان وليس للنمو غاية‬
‫إن من عيوب هذا المذهب‬ ‫تتجاوزه أو تعلو عليه‪ ،‬فغاية النمو هو النمو ذاته‪.‬‬
‫جعله الحياة الحاضرة محورا ً وحيدا ً للتربية دون االلتفات للحياة المستقبلية‪ ،‬األمر الذي‬
‫جعله يفتقد قاعدة صلبة من المبادئ واألهداف الثابتة التي تضبط حركة الحياة‪ ،‬وتحمي‬
‫اإلنسان من التيه والقلق والتأرجح بين أحداث الحياة وتطوراتها المتالحقة‪ ،‬وتلك نتيجة‬
‫حتمية إلغفاله للجانب الروحي في اإلنسان ورفضه لإليمان بما وراء المادة‪ ،‬وهذا ما‬
‫حكم على نظريته التربوية بالدوران في حلقة مفرغة‪ ،‬فهي تدور مع حركة الحياة‬
‫المادية حيث دارت من غير االستناد إلى مبدأ عميق ومقياس دقيق تفصل بواسطته بين‬

‫‪79‬‬
‫الغث والسمين‪ ،‬والصالح والطالح ضمن تراث اإلنسانية المترامي األطراف‪ ،‬وتنفذ‬
‫بواسطته وراء أسوار الحياة المادية الضيقة‪.‬‬

‫سمات عامة في التربية الغربية‪:‬‬


‫عها بطابع‬ ‫وهكذا فإننا إذا تأملنا المذاهب التربوية الثالثة تبين لنا بوضوح انطبا ُ‬
‫النظرة األحادية الجانب‪ ،‬التي تركز على بُعد واحد من أبعاد الكيان اإلنساني على‬
‫حساب األبعاد األخرى؛ فقد لمسنا كيف يضخم المذهب المثالي جانب الروح على‬
‫جانب الجسد بكل ثقله‪ ،‬مستهينا ً بما يستشعر ذلك الجسد من حاجات‪ ،‬عازالً اإلنسان‬
‫عما تموج به الحياة‪ ،‬مغرقا ً إياه في صور وخياالت غريبة ال قِّ َب َل له بها‪ ،‬مخرجا ً إياه‬
‫من فطرته التي فطره هللا (تعالى) عليها‪ ،‬وهذا في مقابل المذهب الطبيعي الذي يفعل‬
‫العكس تماماً؛ فليس هناك في ظل ذلك المذهب ُمث ُ ٌل عليا يتجه إليها‪ ،‬غير االنسياق‬
‫مكان مرموق لقوى العقل وضوابط األخالق‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وراء ما تمليه عليه الطبيعة‪ ،‬وال‬
‫والثغراتُ نفسها تشكو منها النظرية التربوية البراجماتية؛ إذ إن إعداد اإلنسان عندها‬
‫هو اإلعداد لحياة هادرة يتقلب اإلنسان بعنف وراء أمواجها المتالطمة دون تحديد‬
‫لقواعد ثابتة يتم الرجوع إليها وللكمال الذي يأوي إليه‪.‬‬
‫إن نتيجة مهمة يمكن استخالصها مما سبق‪ ،‬وهي أن تضارب األفكار والمواقف الذي‬
‫تعبر عنه النظريات الغربية‪ ،‬هو برهان ساطع على أن المنطلقات التي تصدر عنها‬
‫تلك النظريات خالية تماما ً من اليقين العلمي‪ ،‬وإال النتهت إلى قناعات مشتركة حول‬
‫قضايا اإلنسان والمجتمع‪ ،‬فهذا التخبط الذي تعاني منه هذه النظريات وغيرها نابع من‬
‫الجهل بحقيقة الوجود وحقيقة اإلنسان محور الحياة فيه‪ ،‬وهذا ما يؤكد عليه الدكتور‬
‫(ألكسيس كاريل) في قوله‪( :‬إننا ال نفهم اإلنسان ككل‪ ..‬إننا نعرفه على أنه مكون من‬
‫أجزاء مختلفة‪ ،‬وحتى هذه األجزاء ابتدعتها وسائلنا‪ ،‬فكل واحد منا مكون من موكب‬
‫من األشباح‪ ،‬تسير في وسطها حقيقة مجهولة‪ .‬من سمات النظرية التربوية اإلسالمية‪:‬‬
‫إن التصور اإلسالمي في التربية تجاوز ذلك التخبط الرهيب‪ ،‬الذي ظل يالحق‬
‫النظريات الغربية؛ ألنه ينطلق من أسس وأصول محكمة وفهم شامل حول الكون‬
‫واإلنسان والمجتمع بني على وحي ممن خلق اإلنسان ويعلم حقيقته وجوهره ‪" :‬أَال‬
‫ير "[الملك ‪ ، ]14:‬وهو يتعامل مع اإلنسان على‬ ‫يَ ْعلَ ُم َم ْن َخلَقَ َو ُه َو اللَّ ِّط ُ‬
‫يف ال َخبِّ ُ‬
‫بصيرة‪ ،‬بمكوناته كلها‪ ،‬دون إغفال إحداها لصالح األخرى؛ ألن مطبقيه يعلمون أن‬
‫ذلك اإلغفال هو مدخل الخلل في الكيان البشري وانعدام التوازن فيه‪ ،‬وبالتالي إفالت‬
‫وتعرض هذا األخير‬ ‫ّ‬ ‫الزمام تماما ً من قبضة المربين الذين يتولون تنشئة اإلنسان‪،‬‬
‫‪80‬‬
‫للدمار واالنتكاس‪ .‬فالتربية اإلسالمية التي تنبثق من اإلسالم ونظرته الشاملة في الكون‬
‫واإلنسان والمجتمع‪ ،‬تميز في المعرفة بين مجال يرتاض فيه اإلنسان بطاقاته العقلية‪،‬‬
‫ويصل فيه إلى اكتشاف حقائق وأسرار‪ ،‬وهو مجال الطبيعة الفسيح الذي ال قِّبَ َل‬
‫لإلنسان بمعرفته إال عن طريق الوحي اإللهي‪ :‬أي عن طريق الدين الصحيح‪ ،‬وهو‬
‫مجال (ما وراء الطبيعة)‪ ،‬والكيان البشري بتعقيده الهائل وتفاعل عناصره جزء من‬
‫ذلك المجال‪ ،‬وبتعبير واضح‪ :‬مجال تنظيم حيـاة اإلنسان وعالقاته باآلخرين في‬
‫لذاته‪.‬‬ ‫معاملته‬ ‫وكيفية‬ ‫المختلفـة‬ ‫دوائرها‬
‫فإصرار الفكر الغربي على أن بوسعه معرفة كل شيء عن اإلنسان هو الذي قاده إلى‬
‫الطريق المسدود‪ ،‬واألزمة الخانقة التي تضرب الغرب بعنف شديد‪ .‬العلوم الكونية بين‬
‫ذانك المنهجين ‪:‬‬
‫وتقودنا المسألة اآلنفة الذكر إلى البحث عن الدافع الذي كرس لدى اإلنسان الغربي هذا‬
‫االعتداد بالعقل‪ .‬ومن الميسور لنا أن نقول بأن التقدم العلمي الذي أحرزه اإلنسان‬
‫الغربي أدى إلى إصابته بالغرور واالنبهار؛ فاعتقد ـ خطأ ً ـ أن العلم هو اآللة السحرية‬
‫التي ال يند عنها شيء‪ ،‬وال يعزب عنها مثقال ذرة‪ ،‬وخيل إليه من فرط إعجابه‬
‫باكتشافات العلم أن هذا األخير أصبح بديالً عن الدين في تحقيق السعادة لإلنسان‪ .‬أما‬
‫التربية اإلسالمية‪ ،‬فإنها تنظر إلى العلوم الكونية على أنها مجال لتعميق اإليمان‬
‫بالخالق (عز وجل)؛ إذ إن المعرفة ليست معزولة عن الحكمة‪ ،‬بل هي على العكس من‬
‫َّللاَ ِّم ْن ِّع َبا ِّد ِّه العُلَ َما ُء))‬
‫ذلك المحراب الذي يقود إليها‪ ،‬قال (تعالى)‪(( :‬إنَّ َما يَ ْخشَى َّ‬
‫ار‬ ‫الف اللَّ ْي ِّل َوالنَّ َه ِّ‬
‫اختِّ ِّ‬‫ض َو ْ‬ ‫ت َواأل َ ْر ِّ‬
‫س َم َوا ِّ‬ ‫((إن فِّي خ َْل ِّ‬
‫ق ال َّ‬ ‫َّ‬ ‫[فاطر‪ ،]28 :‬وقال (تعالى) ‪:‬‬
‫علَى ُجنُوبِّ ِّه ْم‬ ‫ب (آل عمران‪ )190،‬الَذِّينَ َي ْذ ُك ُرونَ َّ‬
‫َّللاَ ِّق َياما ً َوقُعُودا ً َو َ‬ ‫ت أل ُ ْو ِّلي األ َ ْل َبا ِّ‬
‫آل َيا ٍّ‬
‫اب‬‫عذَ َ‬ ‫س ْب َحانَكَ فَ ِّقنَا َ‬‫اطالً ُ‬ ‫ض َربَّنَا َما َخلَ ْقتَ َهذَا َب ِّ‬ ‫ت َواأل َ ْر ِّ‬
‫س َم َوا ِّ‬
‫ق ال َّ‬ ‫َويَتَفَ َّك ُرونَ ِّفي خ َْل ِّ‬
‫ار)) ‪( ،‬آل عمران‪ .)191-190 ،‬وإننا بنظرة عميقة إلى كلمة الشهادة التي هي إعالن‬ ‫النَّ ِّ‬
‫لدخول اإلنسان في اإلسالم نتبين حقيقتين عظيمتين في الوقت ذاته‪ :‬الحقيقة األولى‪:‬‬
‫هي مسؤولية اإلنسان الفردية في فعل الشهادة‪ ،‬والحقيقة الثانية ‪ :‬تعني أن تعبيري عن‬
‫الشهادة بقولي ‪( :‬أشهد أن ال إله إال هللا) (ال يحدث في فراغ أو في انعزال عن عالم‬
‫الطبيعة‪ ،‬وإنما يحدث في عالم الطبيعة وبه‪ ،‬فالمعرفة المطلوبة في الشهادة ال تحدث‬
‫في اإلنسان وحده كعارف‪ ،‬وإنما تحدث فيه بوجود موضوع المعرفة أو وجود عالم‬
‫المخلوقات بما فيها هو نفسه كأحدها‪ .‬أهداف التربية بين المنهجين‪ :‬إن الخصائص‬
‫المذكورة التي ميزت النظريات الغربية في التربية‪ ،‬ومن بينها وقوع الفصام النكد بينها‬
‫وبين الدين‪ ،‬وبالتالي التعويل على العقل وتأليه العلم‪ ،‬كل ذلك أوقع التربية الغربية في‬
‫الذاتية والهوى ومحدودية األفق في تحديد األهداف الكبرى التي تتوخاها‪ ،‬ورغم‬
‫‪81‬‬
‫الشوط الذي قطعته العلوم اإلنسانية في الغرب‪ ،‬فإنها لم ترتق بتلك األهداف (فعلى‬
‫الصعيد الفردي دعت هذه العلوم اإلنسان إلى االعتماد على الذات وتقويتها؛ ألنها منبع‬
‫القيم المستقل والمرجع األخير لوجود اإلنسان ووعيه بوجوده‪ ،‬وأصبحت الحرية في‬
‫نظر الغرب متساوية مع الممارسة التي ال تخضع لمبدأ أو قانـون‪ ،‬بل تصدر عن‬
‫اإلرادة الشخصية مجردة)‪ ،‬وقد تأثرت نظرية التربية بهذه النزعة إلى التمركز حول‬
‫الذات؛ فأصبحت ترى غايتها في إحداث التجانس في الرغبات بين أفراد المجتمع‬
‫الواحد‪ ،‬أما إذا تجانست فال سؤال وال استفهام بعد ذلك في خيرها أو شرها‪ .‬لقد‬
‫استقرت التربيـة الغربية على أن الهدف األسمى (للتربية) الذي ينبغي العمل على‬
‫تحقيقـه هـو إعـداد المواطن الصالح‪ ،‬وشتان بين هذا الهدف الضيق والهدف الرفيع‬
‫الذي ترمي إليه التربية اإلسالمية‪ ،‬وهو إعداد اإلنسان الصالح (اإلنسان بجوهره‬
‫الكامن في أعماقه‪ ،‬اإلنسان من حيث هو إنسان‪ ،‬ال من حيث هو مواطن في هذه البقعة‬
‫من األرض أو في ذلك المكان؛ وذلك معنى أشمل ـ وال شك ـ من كل مفهوم للتربية‬
‫عند غير المسلمين‪ .‬من إيجابيات النظريات التربوية الغربية ‪ :‬وإذا كانت النظريات‬
‫الغربية ـ موضوع النقاش ـ تشكو من تلك العيوب والثغرات التي رأيناها‪ ،‬وهي عيوب‬
‫وثغرات مترتبة حتما ً عن طبيعة األسس الفلسفية التي يشيد عليها أعالم الفكر والتربيـة‬
‫في الغرب أبنيتهم ونظرياتهم التربوية‪ ،‬فإن اإلطار العام لتلك النظريات قد اشتمل على‬
‫بعض االجتهادات في مجال التنظير والتطبيق التربويين‪ ،‬التي مكنت الفكر التربوي‬
‫الحديث من تجاوز بعض العناصر المثبطة؛ فاهتداء التربية الحديثة في شخص أحد‬
‫أقطابها المرموقـين (روسو) إلى أهمية وضرورة تحرير الطفل من عوائـق اآلباء‬
‫والمجتمع‪ ،‬وتحذير (البراجماتية) ـ مستفيدة في ذلك من تراث(روسو) من سلب الطفل‬
‫فاعليته وقصر نشاطه على تقبل آراء المعلم ومتابعـة أفكـاره‪ ،‬بـدل إشراكـه بطريقة‬
‫ديمقراطيـة في التفكير والبحث والتمحيص ليصـل إلى الحقائق بنفسه‪ ،‬كل ذلك ش ّك َل‬
‫مكاسب في إطار الفكر التربـوي الغربي أزاحت مجموعة من العوائق التي كبلت‬
‫الفعل التربوي مما تسبب عنه ارتقاء في المردود التربوي وتحسن في وتيرته‪.‬‬
‫ملحوظة مهمة ‪ :‬ومن خالل بحث هذا الموضوع أرى ـ من األمانة العلمية واإلخالص‬
‫للحق ـ أن نورد ما انتهى إليه أحد الباحثين من أن هذا الذي أصبحت تنادي به التربية‬
‫الحديثة من ضرورة تخفيف (آثار البيئـة وآثار اآلباء على نمو األطفال من ناحية‪،‬‬
‫وتنظيم البيئة التي تتطابق أكثر من غيرها مع خير نمو لنموهم العقلي والخلقي من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬إن هو إال تعبير عما جاء به اإلسالم ممثالً في مفهوم الفطرة الواردة في‬
‫حديث الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ( : -‬كل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه‬
‫أو ينصرانه أو يمجسانه‪...‬إن التأمل في واقع اإلنسان يدلنا على قابليته للتطبـع بعقائد‬
‫‪82‬‬
‫البيئـة التي تكتنفه في مراحله األولى؛ مما يترتب عنه تش ّكل عقليته ونظرته للحياة في‬
‫قوالبها‪ ،‬كما يدلنا على حرص اآلباء على أن يكون أبناؤهم على غرار النماذج‬
‫المرضية عندهم المألوفة لديهم‪ .‬في خضم هذا الوضع يعلن اإلسالم عن مبدأ الفطرة‬
‫التي تعني أن مصير الولد في عقيدته وأخالقه كامن فيه وليس في المجتمع الذي يولد‬
‫فيه و (هذا التركيز على ما أوجد في خلق اإلنسان من قدرات ترشحه لحب الحق‬
‫وللتوجه نحوه وبه‪ ،‬نَقَ َل مهمة التربية نقالً جذريا ً وغيّـر غاياتها تغييرا ً أساساً‪ ،‬فبعد أن‬
‫كانت مهمتها نَ ْق َل ما توارثه اآلباء والمجتمع صارت مهمتها توفير ما يالءم فطرة‬
‫اإلنسان من نمو عقلي وخلقي ووجداني‪ ،‬وصارت غايتها كمال هذه الفطرة‪ ،‬وبهذا‬
‫االنتقال ارتقت التربية من ضيق وتعدد نسبية المجتمعات المختلفة إلى تربية عالمية‬
‫ترتبط بحقيقة اإلنسان أينما كان وفي أي عصر كان‪.‬‬
‫ين من المعطيات السابقة أن في اإلسالم تصورا ً يمتلك‬ ‫خالصة واستنتاجات‪ :‬يَتَبَ ُ‬
‫مقياسا ً دقيقا ً يُ ْع َرض عليه ما توصل إليه التراث اإلنساني في المجال التربوي‪ ،‬يقبل‬
‫منه ما يقبل مما هو داخل في نسيج الحقائـق المعبرة عن واقع اإلنسان‪ ،‬ويرفض منه‬
‫ما يرفض مما ال تتوفر فيه شروط الصدق وموافقـة قوانين الفطرة التي فطر هللا الناس‬
‫عليها؛ ومن هذا المنطلق ‪ :‬فإن التصور اإلسالمي يتبنى بكل ثقة ما تتوصل إليه‬
‫اإلنسانية من كشوف متميزة ومناسبة في عالم التربية بما ال يناقض أسسها ومنطلقاتها‬
‫معتبرا ً إياها جزءا ً من نسيجها الشامل على اعتبار أن في ذلك النسيج ما يدل داللة‬
‫واضحة عليها‪ ،‬ويهدي إليها‪.‬‬

‫النظرية الطبيعية في التربية‬


‫يُعدّ (روسو) رائد (المذهب الطبيعي) وواضع أصوله؛ ومن أصول ذلك المذهب‬
‫وأن التعبير عن الذات هو الهدف النهائي لها؛ وبنى‬ ‫أن الفرد هو شعار التربية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أن التربية القويمة ال تتحقق إال بإطالق الحرية التامة لألطفال‪،‬‬ ‫الطبيعيون على هذا ّ‬
‫وأن من مقتضيات الحرية أن يكون التعليم مختلطاً‪ ،‬وأن يُسْمح بالرقص والسباحة‬ ‫ّ‬
‫والتعري ومناقشة مسائل الجنس بال تحفظ‪ ،‬أما المشكالت الجنسية فترجع أسبابها ـ‬
‫بزعمهم ـ إلى رغبة اآلباء الذين يريدون حمل أبنائهم على مبادئ الدين وقواعد‬
‫األخالق! والصواب ـ بزعمهم أيضاًًَ ـ أن تكون تربية الطفل بين سن الخامسة‬
‫ي تربية‪ ،‬بل يُترك‬‫والثالثة عشرة سلبية‪ ،‬ال يُعلَّم فيها الطفل شيئا ً وال يُربّى خاللها أ ّ‬
‫سع مداركه‪ .‬ويـؤمـن الطبيعيون ّ‬
‫بأن‬ ‫للطبيعة‪ ،‬محاطا ً بأجهزة وأدوات مـن شأنها أن تُو ِّ ّ‬

‫‪83‬‬
‫ض ّحى‬
‫التربية هي عملية إعداد للحاضر ال للمستقبل‪ ،‬ومن الخطأ ـ عندهم ـ أن يُ َ‬
‫بالحاضر المتيقَّن في سبيل مستقبل مضنون‪.‬‬
‫ولد جون جاك روسو في عصر كانت فيه أوروبا تعيش عصر التسلط الكنسي‬
‫المتحالف مع اإلقطاع‪ ،‬عصر سادت فيه األنظمة اإلقطاعية واالجتماعية الجامدة‪ ،‬التي‬
‫ولدت أنواعا من الظلم والبؤس عانت منها الطبقات الفقيرة‪ ،‬فرنسا كانت نهبا‬
‫لصراعات داخلية من أبرزها محاولة الطبقة البرجوازية(المتوسطة) الجديدة التحرر‬
‫من الحكم الملكي االستبدادي الممثل لتحالف رجال الدين مع اإلقطاع‪.‬‬
‫وقد غذت محاوالت التحرر هذه عدد من المفكرين والفالسفة باسم "حركة‬
‫التنوير" التي كانت تتطلع إلى فك قيود الفكر من سيطرة التقاليد والخرافات في عصر‬
‫متنوع االتجاهات والمذاهب‪.‬‬
‫حياته‪ :‬ولد سنة ‪ 1712‬في جنيف بسويسرا من أب فرنسي وأم سويسرية توفيت‬
‫مباشرة بعد الوالدة‪ ،‬وقد قال روسو في هذا الشأن في كتابه "اعترافات" لقد كلفت أمي‬
‫حياتها وكانت والدتي هي سوء حظي في هذه الحياة"‪.‬‬
‫في السادسة من عمره علمه والده القراءة والكتابة‪ ،‬ومساء يقرأ على مسمعه ما‬
‫تركته أمه من كتب التاريخ والروايات و األدب فنمت لديه عاطفة وحب للخيال‬
‫وعشق للحرية‪ .‬دخل المدرسة لفترة قصيرة في قرية بوزي )‪ (Bossey‬قرب جنيف‪،‬‬
‫لكن ما لبث أن تركها‪.‬‬
‫بعد ستة عشر من عمره عاش سنوات من البؤس والتشرد والبطالة‪.‬‬
‫في التاسعة عشر من عمره تعرف على السيدة دي وارنز )‪(De Warnes‬‬
‫رعته وأعادته للمدرسة من جديد وحببت إليه القراءة‪ ،‬وساعدته في إيجاد عمل في‬
‫إحدى الدوائر الحكومية عرف نوعا من االستقرار هذه العشر سنوات‪.‬‬
‫في الثالثين من عمره غادر جنيف إلى باريس حيث كان أصحاب حركة‬
‫الت نوير ينشرون أفكارهم في الحرية والمساواة والعدالة‪ ،‬فتعرف روسو إلى بعضهم‬
‫وعقد صدقات من ديدرو وفولتير )‪.(Voltaire & Didero‬‬
‫فاز ونال جائزة على بحث كتبه‪ ،‬عنوانه "مقالة في الفنون والعلوم"‪ ،‬وهنا نقطة‬
‫تحول له حيث كتب مقاالت كثيرة وألف كتبا عديدة جلبت له الشهرة ونقمة رجال‬
‫الدين وأهل الحكم وأمرت السلطات بحرق كتبه والقبض عليه‪ ،‬ثم هرب إلى بروسيا‬
‫إلى أن دعاه الفيلسوف البريطاني دافيد هيوم لإلقامة في بريطانيا‪ ،‬لكن سرعان ما عاد‬
‫إلى باريس‪ ،‬حيث عاش حياة البؤس والشقاء حتى وفاته عام ‪.1778‬‬
‫وال يخفى خطأ هذه اآلراء (الطبيعية) وضاللها‪ ،‬ومخالفتها للفطرة السليمة؛‬
‫ألن الحاضر والمستقبل‬ ‫فكون التربية إعدادا ً للحاضر ال للمستقبل ال معنى له؛ ّ‬
‫‪84‬‬
‫وألن التربية عملية اجتماعية‪ ،‬واألفراد ال يعيشون‬ ‫ّ‬ ‫متصالن اتصال الليل بالنهار‪،‬‬
‫ً‬
‫فإن أمكن ـ جدال ـ إعداد الطفل للحاضر بوصفه‬ ‫أشتاتا ً كنبتات بريّة في صحراء‪ّ ،‬‬
‫يتأت ذلك بوصفه االجتماعي‪ ،‬وإال كانت العملية التربوية نفسها عبثا ً ال‬ ‫َّ‬ ‫الشخصي لم‬
‫طائل تحته‪ .‬وال معنى ـ كذلك ـ إلطالق الحرية التامة لألطفال ما داموا يجمعهم مكان‬
‫ص ّور إطالق الحرية التامة لطفل واحد‪ ،‬أو ألطفال‬ ‫واحد وزمان واحد‪ ،‬وإنما يُت َ َ‬
‫تقطعت بينهم األسباب! وال معنى النتهاء حرية الفرد عندما تبدأ حرية‬ ‫مبعثرين قد ّ‬
‫اآلخرين إال انتفاء الحرية المطلقة التي يدّعيها أو يدعو إليها الطبيعيون‪ ،‬والحرية‬
‫إن وجدت ـ عاقبتها تحويل المجتمع بر ّمته إلى بؤر فساد وإفساد‪ .‬والقول بأن‬ ‫المطلقة ـ ْ‬
‫التربية المقصودة هي إفساد لطبيعة الطفل الخيّرة‪ ..‬تح ّك ٌم بال دليل‪ ،‬وإذا كان الصغار‬
‫كما تفترض المدرسة الطبيعية مالئكة ف ِّل َم ال يحافظ خريجو المدرسة الطبيعية على‬
‫نقائهم؟ و ِّل َم ال يكونون هم المؤثرين فيمن سواهم من الناس‪ ،‬إذ هم كبار راشدون؟! بل‬
‫أن‬‫الصواب كما قال (المناوي) في شرح حديث الفطرة الذي رواه البخاري‪ّ ..." :‬‬
‫اإلنسان مفطور علـى التهيّؤ لإلسالم بقـوة‪ ،‬ولكـن ال بد من تعلُّمه بالفعل؛ فمن قدَّر هللا‬
‫كونه من أهل السعادة قيّض هللا له َمن يعلّمه سبيل الهدى فصار مهذّبا ً بالفعل‪ ،‬ومن‬
‫خذله وأشقاه سبَّب له َم ْن يغيّر فطرته ويثني عزيمته"‪ .‬واكتساب المعرفة ليس رهنا ً‬
‫بإتباع أسلوب التعلم كما يزعم الطبيعيون‪ ،‬وإال فمتى يكتسب كل طفل بذاته ذلك الك ّم‬
‫التراكمي الهائل من المعارف والخبرات التي جمعتها البشرية عبر العصور؟! أما‬
‫إطالق الحريات للغرائز الجنسية‪ ،‬واألخذ بالتعليم المختلط‪ ،‬وإباحة التعري لمن شاء‬
‫من الطلبة والطالبات فال ريب أن ذلك هو ـ عينه ـ المتسبب في إنتاج المشكالت‬
‫وترويجها‪ ،‬وال يمكن أن تكون مبادئ الدين وقواعد األخالق هي المتسببة فيه‪ ،‬ال‪،‬‬
‫حتى ولو كان الدين ُم َح َّرفا ً كدين الغربيين‪ ،‬واألخالق منحرفة كأخالقهم! ومعلوم أن‬
‫الغريزة الجنسية ال تثور من تلقاء نفسها‪ ،‬بل ال بد لها من مثير يثيرها؛ فكان القصد‬
‫أن عاقبة ذلك ال‬ ‫سفَها ً وضالل رأي‪ ،‬وقد تواترت األدلة‪ ،‬وأثبتت الوقائع ّ‬ ‫إلى إثارتها َ‬
‫تكون إال الفتنة والفساد الكبير‪ ،‬وانظر ت ََر أن أكبر نسبة من األطباء النفسيين في العالم‬
‫متج ّمعون في (هوليود) مدينة صناعة السينما األمريكية واإلباحة الجنسية‪ ،‬وأن‬
‫السويد ـ صاحبة قصب السبق في الحرية الجنسية ـ هي أكثر دول العالم اكتظاظا ً‬
‫بالمشكالت الناشئة من تلك الحرية‪ ،‬وأن دائرة هذه المشكالت قد اتسعت فيها لتشمل‬
‫الزنا بالبنات واألخوات واألمهات‪ ..‬وكانت اإلحصاءات قد أحصت في أوائل‬
‫الخمسينيات من هذا القرن في إنجلترا وحدها أكثر من نصف مليون طفل من أبناء‬
‫الزنا؛ فكم أصبح العدد في إنجلترا وأخواتها األوروبيات‪ ،‬وقد أصبحن على أعتاب‬
‫القرن الحادي والعشرين؟!‬
‫‪85‬‬
‫صبر لقراءة « إميل » بأكمله – وليس من خالل بعض‬ ‫ٌ‬ ‫ك ّل من كان لديه‬
‫االستشهادات‪ -‬يعلم أن هذا الكتاب يتحدث عن ك ّل ما يهم الفلسفة في القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬وأن «إميل» ليس ما أعتيد على تسميته «كتاب في النظرية التربوية»‪ ،‬بالرغم‬
‫من هذه السمعة الراسخة‪ .‬تسعى هذه المقالة بتواضع كبير أن تلقي بعض الشكوك‬
‫على أسس هذه السمعة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫لنالحظ أن تصنيف «إميل» بين كتب النظريات التربوية كان متأخرا‪ .‬فقد ذكر‪،‬‬
‫أثناء الثورة‪ ،‬ميرابو وتاليران ‪ Talleyrand‬وكوندورسه ‪ Condorcet‬و األب‬
‫غريغوار ‪ L'abbe Grégoire‬عدة مرات خالل المناقشات حول المدرسة‪ ،‬أما‬
‫روسو فقلما دخل الجمعية الوطنية‪ ،‬وحين تدخل روبسبير بنفسه في المناقشات‪ ،‬لم‬
‫يكن ذلك من أجل أن يشيد بنموذجه الذي قاده باكيا ً إلى البنتيون‪ ،‬لكن من أجل أن‬
‫طبع بعد وفاه صاحبه لبيلتيه دو سانفارجو ‪Saint Lepelletier de‬‬ ‫يقترح نصا ً ُ‬
‫‪ .Fargeau‬أما اإلشارات إلى روسو فقد اقتصرت على نصه المتعلق ببولونيا‪ .‬أما‬
‫المقوالت التي تشيد بـ«كاتب إميل الخالد‪ ،‬والتي غالبا ً ما تذكر‪ ،‬فإنها ال تشير إلى‬
‫روسو إال كأثر ماض وليس كمصدر إلهام‪ .‬ولم يجد إميل مكانته التربوية العظيمة إال‬
‫مع إنشاء المدرسة الجمهورية العلمانية اإلجبارية‪.‬‬
‫إميل وكتب التربية ‪:‬‬
‫من الجيد التذكر أن كل كتب النظريات التربوية ينبغي أن تحقق عددا ً من‬
‫المبادئ ‪:‬‬
‫‪ -1‬اقتراح أهداف (لماذا التربية‪ ،‬وفي أي هدف)‪.‬‬
‫‪ -2‬اقتراح أسلوب (كيف يمكن تحقيق هذه األهداف‪ ،‬وأي ترتيب ينبغي أن‬
‫يراعى)‬
‫‪ -3‬دراسة الصعوبات واقتراح الحلول (ماذا ينبغي أن نفعل في حالة ما‪ ،‬كيف‬
‫يمكن التصرف في حالة فشل ما)‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬تختلف األهداف من نظرية تربوية إلى أخرى‪ ،‬غير أن كلها ترتبط بالمجتمع‬
‫الواقعي‪ .‬مع أفالطون كان الهدف تشكيل مجتمع منسجم‪ ،‬ومع أرسطو مواطنين‬
‫قنوعين‪ ،‬أما إكسنوفون ‪ Xenophon‬و بلتارك ‪ Plutarque‬فإنهم قد وعدا بأسر‬
‫سعيدة‪ ،‬وأما سانت بازيل ‪ Saint Bazile‬وفينلون ‪ Fenelon‬فإنهما كانا يريدان‬
‫مسيحيين مثاليين‪ ،‬أما نظام رابله ‪ Rabelais‬أو بورت رويال ‪ Port Royal‬أو لوك‬
‫‪ Locke‬فهدف إلى تشكيل نخب متنورة‪ .‬أما كوندياك ‪ Condillac‬وإلفيتيوس‬
‫‪ Helvetius‬فقد أرادا تكوين علماء مفيدين للتقدم‪ .‬فيما يتعلق بإميل‪ ،‬فإنه ال يقترح أي‬
‫غاية‪ ،‬هناك مسألة «صنع إنسان» ليس مسيحيا أو مسلما ً أو تاجرا ً أو فارساً‪ :‬مجرد‬
‫‪86‬‬
‫إنسان‪ .‬إن ك ّل فلسفة تربية تهدف إلى إعطاء اإلنسان صفات نوعية (شريف‪ ،‬تقي‪،‬‬
‫عالم‪ ،‬وطني) وليس ما تم «صنعه» من قبل‪ .‬وحين يلح روسو أيضاً‪« :‬العيش هي‬
‫المهنة التي أريد له أن يتعلمها» ال يوجد هنا أي انشغال بأي إشكالية في الفكر‬
‫التربوي‪ ،‬ولكن إعالن طالق يضع إميل خارج هذا الفكر‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬لننظر في األساليب‪ .‬ينظر الفكر التربوي حول الفائدة من فصل األطفال عن‬
‫عائالتهم‪ ،‬استعمال السوط أو قطعة الحلوى‪ ،‬التعلم بجدية أو عن طريق اللعب‪،‬‬
‫الحديث بالفرنسية أو بالالتينية‪ ،‬تعلم الهندسة باالستبصار او عن طريق التلقين‪ .‬حين‬
‫أراد فينلون ت عليم الثالوث األقدس لبنت صغيرة‪ ،‬لم يتردد فينلون من تكريس عدة‬
‫صفحات دون أن ينسى أي تفاصيل صغيرة‪ ،‬تماما ً مثل تأمالت لوك حول استعمال‬
‫السوط‪ .‬أين إميل من ذلك؟ إن روسو‪ ،‬كما قيل‪ ،‬كان مع فصل الطفل عن عائلته‪،‬‬
‫رفض السوط مثلما رفض الثواب‪ ،‬واستبعد فكرة الحديث بعدة لغات‪ ،‬وال سيما‬
‫الالتينية‪ ،‬الخ‪ .‬غير أن إميل يجيب عن هذه األسئلة دون أن يطرحها بنفسه‪ .‬إن إيجاد‬
‫مثل هذه "اإلجابات" مشروع‪ ،‬فمن الممكن دائما ً تناول أفكار من نص ما إلغناء‬
‫إشكاليات مختلفة‪ .‬يمكن لقطعة الشمع عند ديكارت وصنع األداة عند سبينوزا وجنون‬
‫النحوي حسب إراسم ‪ Erasme‬ومملوك أفالطون إلهام الكثير من المربين بشكل سليم‪.‬‬
‫ويمكن أن يكون هناك التالقح ما بين نظريات التربية‪ .‬إن كل فلسفة كبرى تجيب على‬
‫أسئلة التربية دون أن تكون فلسفة تربية‪.‬‬
‫هل يوجد في إميل أسلوب حقيقي؟ تكثر في الكتاب الثاني والثالث أمثلة قوية‬
‫بحيث يمكن أخذها كأمثلة متعاقبة لتطبيقها‪ .‬حكاية الجنائني روبرت‪ :‬كيف يمكن تعليم‬
‫طفل ذو ثمان سنوات ال يعرف القراءة والحساب مبادئ القانون التجاري والعقود‬
‫القانونية‪ .‬يجعله المشعوذ ذو صاحب البط الممغنط اكتشاف البوصلة‪ ،‬أما بطاقات‬
‫الدعوة الصغيرة بالتأكيد ستكون أسلوبا ً قويا ً لتعليم القراءة! أيمكن أن نغفر لهذه النبرة‬
‫المستهزئة‪ ،‬أما هذه االسكتشات غير قابلة للتطبيق حقيقة‪ ،‬ليس نتيجة غفلة أو أوهام‬
‫الكاتب ولكن ألن مسألة تطبيقها لم تطرح‪ ،‬فإنها ال تشكل نماذج تربوية ولكن أدوات‬
‫موجهة الستعمال آخر‪.‬‬
‫«إن تفصيل القواعد ليس موضوعي‪ .‬أعطوا الطفل هذه الرغبة (القراءة)‪..‬‬
‫سيكون ك ّل أسلوب مناسبا ً له‪ ...‬أأتكلم اآلن عن الكتابة‪ .‬ال‪ ،‬أشعر بالعار ألنني أتلهى‬
‫بهذه الترهات ‪ .‬ال يهمني إن نجح في أو لم ينجح في اللغات القديمة‪ ،‬في اآلداب‬
‫الجميلة أو الشعر‪ ...‬ال يراد ك ّل هذا العبث في تربيته‪».‬‬
‫كتاب في نظرية التربية دون تفاصيل‪ ،‬أمثلته ال طائل منها‪ ،‬يعطي أسلوبا ً وحيدا ً‬
‫للقراءة «رغبة» القراءة‪ ،‬يصف تعليم الكتابة بالترهات‪ ،‬والنجاح في البالغة بالعبث‪،‬‬
‫‪87‬‬
‫كل هذا سيدفع المربين إلى إدانة هذا الكتاب بالحرق‪ .‬يعد روسو بتعليم الطفل « فن أن‬
‫يكون جاهالً »‪ ،‬بحيث أنه في عمر الثانية عشرة ال يعرف التمييز يده اليمنى من‬
‫اليسرى‪ ،‬أن ال يكون له أي خيال في الخامسة عشرة‪ ،‬الخ‪ .‬ال بد أن تُدهش العيون‬
‫حين يعهد أحد اآلباء ابنه لمثل هذا المربي!‬
‫ثالثا ً ‪ :‬تفرض عقبات مثل العصيان والكسل والغفلة تصنيفات متنوعة وحلول مختلفة‬
‫(تتراوح ما بين العقاب والثواب)‪ ،‬ويكون الهدف دائما ً تربية الطفل بالرغم من طبيعته‪.‬‬
‫يوفر إميل في حاالت واقعية عن أطفال غير محتملين مغرورين‪ .‬يتم حبس هذا الطفل‬
‫في خزانة‪ ،‬يجبر على البقاء في السرير‪ ،‬يهان من قبل عابرين متواطئين‪ ،‬ينام في‬
‫غرفة باردة سيكسر نوافذها‪ ،‬الخ‪ .‬غير أن إميل‪ ،‬يريد‪ ،‬أساساً‪« ،‬تربية سلبية» ضد‬
‫األخطار التي تهدد الطفل‪ .‬ال تصدر هذه األخطار عن الطفل‪ ،‬من طبعه أو من عمره‪،‬‬
‫ولكن من تأثير اآلخرين الذين يهددون «القلب اإلنساني»‪ .‬ليست الصعوبة في تربية‬
‫الطفل رغم طبيعته‪ ،‬ولكن الصعوبة هي الحفاظ على طبيعته رغم التربية‪ .‬هنا أيضا ً‬
‫يكون إميل عكس ما تمثله نظرية تربوية ‪ :‬ال أهداف‪ ،‬ال أسلوب‪ ،‬ال عالج‪.‬‬
‫أفكاره التربوية ‪:‬‬
‫كانت آراؤه تعبيرا عن أراء الفلسفة في الطبيعة البشرية والتي هي بدورها رد‬
‫فعل متطرفة لفساد المجتمع في تلك الحقبة‪.‬‬
‫يعتقد روسو أن الطبيعة خيرة‪ ،‬وأن الشر والفساد من صنع البشر "كل ما‬
‫يخرج من يدي هللا يكون خيرا ويد اإلنسان تفسده‪.‬‬
‫الفصل األول لكتاب إميل (تحدث فيه عن تربية الطفل من الميالد إلى خمس‬
‫سنوات)‬
‫انتقد روسو التربية التقليدية في كتابه إميل بشدة وعنف ورفض عادة اللفافة‬
‫وتعجب كيف نقيد الطفل منذ والدته بلفافة‪ ،‬ونقيده في حياته بالعادات والتقاليد‪ ،‬ثم‬
‫نقيده بعد مماته بكفن فيولد اإلنسان ويعيش ويموت مقيدا‪.‬‬
‫التربية الطبيعية هي ترك الطفل يعيش بحرية‪.‬‬
‫يركز روسو على بناء جسم الطفل بناء سليما بالغذاء واأللعاب الرياضية‪.‬‬
‫يرفض تلقين الطفل مفردات لغوية كثيرة‪ ،‬وأن يردد ألفاظا ال يفهمها‪ ،‬إذ يرى‬
‫أنه من الخطأ أن نعلمه نطق الكلمات أكثر من قدرته على التفكير‪.‬‬
‫الفصل الثاني (من ستة سنوات إلى اثنى عشرة سنة)‬
‫يعتبرها روسو من أهم المراحل التي يمر بها اإلنسان في حياته‪ ،‬لذا يترك‬
‫الطفل يعيش في الطبيعة‪ ،‬يستمد معلوماته عن طريق الحواس ومن مالحظاته‪،‬‬
‫فالمربي الحقيقي هو الطبيعة وموجودتها ودور اإلنسان هو مساعدة الطفل على فهم‬
‫‪88‬‬
‫دروس الطبيعة‪ ،‬دعامة التربية في هذه المرحلة هي الحواس والمحسوسات‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"اجعل المسائل في متناوله ودع حلها له وال تجعله يعلم شيئا عن طريقك واجعله يفهم‬
‫كل شيء بنفسه‪ ".‬ويقول أيضا‪" :‬ال تقدم لتلميذك أي نوع من الدروس الكالمية‪ ،‬فعليه‬
‫أال يتلقى مثل هذه الدروس إال من التجربة‪".‬‬
‫الفصل الثالث (يتناول فيه الدروس ما بين اثنى عشرة سنة حتى الخامسة عشرة سنة)‬
‫في هذه المرحلة يتعلم إميل ما هو عملي ومفيد له‪ ،‬لذا البد من اختيار المواد‬
‫بدقة وحذر‪ ،‬ويوصي روسو بتعلم العلوم الطبيعية وعلى رأسها الفلك ثم الجغرافيا وال‬
‫يتعلمها الفتى من الكتب والخرائط بل من مالحظة الطبيعة وعن طريق األسفار‪،‬‬
‫ورغم هذا ينصح بكتاب روبرسون كروزي )‪ (Robinson Crusee‬فهو‬
‫ينصح في االبتعاد عن الخطب الرنانة‪ ...‬تمثل هذه المرحلة النشأة العقلية عند اإلنسان‬
‫في االستطالع والقدرة على المناقشة والفهم والتحليل من أهم ما يميز هذه المرحلة‪،‬‬
‫وتعلم حرفة يدوية أو مهنة منسجمة مع هذه المرحلة‪.‬‬
‫الفصل الرابع (تناول فيه الحديث عن تربية الشباب من الخامسة عشرة سنة إلى‬
‫العشرين سنة)‬
‫وهو ما أسماه بالتربية الوجدانية واألخالقية‪ ،‬ينصب االهتمام على تنمية‬
‫العواطف واألحاسيس والمشاعر وإيقاظ الضمير‪ ،‬و أن األخالق مكتوبة في أعماق‬
‫كل إنسان بشكل طبيعي؛ ويعطي روسو قيمة كبيرة للضمير ويراه مبدأ األساس‬
‫للعدالة‪.‬‬
‫الفصل الخامس (من عشرين سنة إلى خمسة وعشرين سنة)‬
‫يتحدث فيه عن تربية الفتى والفتاة‪ ،‬في هذه يلتقي إميل ب "صوفي" التي تربت‬
‫كما تربى إميل‪ ،‬مما جعلها أهال للزواج منها لكنهما ال يتزوجا إال بعد أن يقوم برحلة‬
‫لمدة سنتين‪ ،‬ينتقال خاللها في الدول ويتعرفا على أنظمتها االجتماعية وعلى شعوبها‬
‫وعاداتهم وتقاليدهم‪.‬‬
‫التربية في فكر روسو ‪:‬‬
‫بالتأكيد‪ ،‬أن مسألة التربية لم تكن غريبة عن فكر روسو‪ ،‬فقد تناولها في إطار‬
‫تفكيره السياسي‪ :‬غايتها إنشاء مواطنين وطنيين صالحين‪ .‬فقد تناولها في مقالته‬
‫االقتصاد السياسي التي حررت للموسوعة وفي مقالته حول حكومة بولونيا‪ .‬كان فكره‬
‫صارما‪ ،‬أراد أن تتم تربية األطفال بعيدا ً عن عائالتهم في إطار الدولة‪ .‬وحين قال‬
‫روسو أن كتاب الجمهورية ألفالطون هو نظرية في التربية‪ ،‬كان ذلك بفهمه أن الدور‬
‫األول للدولة هو تعليم المواطنين‪ .‬وأن التربية قضية هامة جدا ً ال يمكن تركها‬
‫للمدرسين واآلباء‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫«بالتأكيد‪ ،‬أن الشعوب‪ ،‬مع الوقت تكون مثلما أرادتها الحكومات ‪.‬إنها لنقطة‬
‫مهمة‪ .‬إن التربية ينبغي أن تعطي النفوس القوة الوطنية‪ ،‬وتوجيه آرائها وأذواقها‬
‫بحيث تكون وطنية بالرغبة والعاطفة والضرورة»‬
‫إن التربية إدماج‪ ،‬تدمر «أنا» الفرد وتعوضها بـ «أنا» الجماعة بحيث يفكر ك ّل‬
‫فرد بالمصلحة الجماعية قبل المصلحة الفردية‪ ،‬وهذا ما يدعى« الفضيلة»‪ .‬وقد‬
‫أعطي هذا المعنى في السطور األولى إلميل‪.‬‬
‫«إن المؤسسات الجيدة هي المؤسسات التي تعرف تغيير اإلنسان‪ ..‬نقل األنا إلى‬
‫الوحدة الجماعية ‪» .‬‬
‫بالتأكيد أن إميل يتناول التربية‪ ،‬حتى أنها كانت العنوان الفرعي للكتاب! ماذا‬
‫يعني إذا ً هذا المفهوم‪ .‬تمثل الصفحات األولى منظومة من التعاريف‪ ،‬تتناول الطبيعة‪،‬‬
‫اإلفساد‪ ،‬العادة‪ ،‬اإلنسان والمواطن‪ .‬بشكل عام فإن هذه المفاهيم تمثل فلسفة القرن‬
‫الثامن عشر‪ ،‬هذه الفلسفة التي اتجهت نحو التمييز ما بين الطبيعي و المصطنع‪،‬‬
‫والتي كانت مفتونة بسلطة العادة ومتركزة على العالقة ما بين العواطف الطبيعية‬
‫والعواطف السياسية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬أن ك ّل هذه األسئلة تتضح في مفهوم التربية‪ .‬في المقام األول‪ ،‬إن‬
‫التربية في المفهوم الشائع ليست صالحة‪ ،‬إنها صناعة لشواذ‪ ،‬إنها تهذيب يخرق‬
‫الطبيعة‪ ،‬إنها صالحة للسياسة‪ ،‬حيث إنها تكيف الفرد مع جماعته وتدمج أناه في األنا‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫بعد تربية الواقع‪ ،‬يحدد روسو التربية في ماهيتها حسب ثالثية ‪ :‬التربية‬
‫والطبيعة‪ ،‬تربية األشياء‪ ،‬تربية اآلخرين‪ .‬ويعطي في بقية الكتاب مضمونا ً محددا ً لهذه‬
‫الثالثية ‪ :‬تعزز الطبيعة الجسد وتحرر المواهب اإلنسانية‪ ،‬وتطور األشياء المحيطة‬
‫باإلنسان والمتوفرة لسلوكه ذاكرته وعقله‪ ،‬ويتدخل اآلخرون بدءا ً من التنبه الجنسي‬
‫عند نشوء المشاعر الترابطية (الصداقة‪ ،‬الشفقة‪ ،‬التقدير)‪.‬‬
‫بهذه الثالثية «التربوية» يضع روسو انتربولوجيا اجتماعية ذات قاعدة طبيعية‪.‬‬
‫فيستبعد اجتماعية طبيعية تجعل اإلنسان في الدولة مثل النحلة في خليتها‪ ،‬وفكرة‬
‫اجتماعية تعاقدية التي تجعل من الدولة قرارا ً ناتجا ً عن الحساب اإلنساني‪ .‬ليست‬
‫هناك حاجة لقلب الطبيعة ليصبح اإلنسان اجتماعياً‪ ،‬إنها طبيعته التي تجعله كذلك‪،‬‬
‫ولكن بالعودة‪ ،‬هذه االجتماعية ال يمكن أن تستغني عن فعل اآلخرين‪ ،‬إن الوحيد ال‬
‫يمكن أن يكون اجتماعيا ً أبداً‪ .‬إن فعل اآلخرين على اإلنسان ليس مصطنعاً‪ ،‬تفرضه‬
‫الطبيعة‪ ،‬طبيعة تجعل الناس يعملون ما تريد أن يعملوه دون أن يكون لها قدرة على‬
‫فعله بنفسها‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫إذا ً ما يدعوه روسو «بالتربية» ليس سوى فلسفة السببية ‪ :‬بأي آليات‪ ،‬حسب‬
‫سياق الزمن‪ ،‬تتطور الطبيعة اإلنسانية في اتجاه المجتمع‪ ،‬وفي أي آليات تستطيع هذه‬
‫الطبيعة أن تفسد وأن تهدم الصالت الحقيقية لإلنسانية؟ إن مفهوم التربية يجيب على‬
‫هذين السؤالين‪.‬‬
‫إن تربية إميل هي تاريخ اإلنسانية‪ ،‬كان ينبغي على اإلنسانية أن تتربى بنفسها‪،‬‬
‫أي أنه في كل إنسان مبادئ تربيته الذاتية ‪ ،‬وانتقاله من الطبيعة البرية (الوحشية) إلى‬
‫الطبيعة اإلنسانية‪ .‬إن القلب اإلنساني هو ذاته في النوع اإلنساني وفي الفرد‪ ،‬ومهمة‬
‫إميل هي وصفه‪ ،‬وهو‪ ،‬في هذا المعنى كتاب انتربولوجيا‪ ،‬تاريخ النوع اإلنساني كما‬
‫أرادته الطبيعة وكما كان ينبغي أن يظهر‪.‬‬
‫مبادئ التربية الطبيعية عند روسو‪:‬‬
‫‪ -1‬اإليمان ببراءة الطفل‪ ،‬وهو تأكيد العتقاده بخيرية الطبيعة البشرية‪ ،‬إنه يذكر أن‬
‫اإلنسان ابن الخطيئة‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلعالء من شأن الطبيعة‪ :‬فالطبيعة يتعلم منها اإلنسان ما يحتاج‪ ،‬والتربية‬
‫الصحيحة هي السير وفق قوانينها‪.‬‬
‫‪ - 3‬مبدأ الحرية ‪ :‬ترك الطفل يتدبر أمره بنفسه يحمله على التفكير واكتشاف‬
‫المفاهيم والحقائق‪ ،‬على المربي أن يخلق مأزقا للطفل ثم يترك له الحرية للخروج من‬
‫المأزق‪ ،‬وبهذا تتم عملية التعلم التلقائي الراسخ‪.‬‬
‫‪ - 4‬مبدأ التربية السلبية‪ :‬أي أال نعلم الطفل شيئا ال يطلب تعلمه‪ ،‬فترك له الحرية‬
‫في الحركة واالحتكاك واكتشاف الخبرة العملية واالبتعاد عن الدروس اللفظية فيقول‪:‬‬
‫"ال ينبغي أن نلقن الطفل دروسا لفظية‪ ،‬فالتجربة وحدها هي التي يجب أن تتولى‬
‫تعليمه وتأديبه‪.‬‬
‫‪ - 5‬مبدأ الطفل هو محور التربية‪ :‬أي معاملة الطفل كطفل ال كراشد‪ ،‬وأن ميوله‬
‫وخصائصه وحاجاته الحاضرة ومصالحه يجب أن تكون مركز العملية التربوية ال‬
‫رغبات وطموحات الكبار‪.‬‬
‫إن أصحاب هذا المذهب يهتمون بطبيعة الطفل وأساس التربية عندهم ال يتمثل‬
‫في اإلعداد للمستقبل حيث يقول روسو‪ ":‬إن الطبيعة تتطلب منهم أن يكونوا أطفاال‬
‫قبل أن يصبحوا رجاال وعلى المربين أن ال يحملوا الطفل ما ال طاقة به‪ ،‬وإال عاش‬
‫تعيسا"‬
‫ومن هنا ينحصر دور المربي عندهم في مالحظة نمو الطفل نموا طبيعيا‬
‫وتهيئة الفرص والظروف المالئمة لهذا النمو والتشديد على خبرة الطفل وميوله‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫أي إشراك الطفل في العمل والتجريب في المعامل‪ ..‬وتهيئة الظواهر إلدراكها‬
‫وإلغاء النظام التعليمي القائم على السلطة العليا‪.‬‬
‫وبالعودة إلى السياسات التعليمية في بلدنا نجد أنه من الناحية النظرية فإن‬
‫القائمون على العملية التربوية يؤمنون بأن هذه النظريات السابقة بمجملها تكمل بعضا‬
‫‪.‬‬
‫أما من الناحية العملية فأعتقد أنهم لم يأخذوا بهذه النظريات‪ ..‬وهذا يظهر‬
‫ويتضح لنا بسرعة بالنظر إلى النتائج المخيبة التي وصل إليها واقع التعليم والتعلم‪.‬‬
‫وإال كان يمكن أن نشهد نفس النجاحات التي تحققها المدارس في فرنسا أو‬
‫الواليات المتحدة‪ ..‬أو أية دولة أخرى‪.‬‬
‫إذا فنحن لم نشهد الكمال في مدارسنا ‪ ..‬ابتداء بإنشاء مبان مدرسية الئقة من‬
‫حيث توافر الشروط الصحية ومراعاة توافر ساحات اللعب والمناشط المختلفة وانتهاء‬
‫بموضوع االستيعاب والصفوف المكتظة التي تحتم أن يصبح المدرس شرطيا ال‬
‫مربيا‪.‬‬

‫النظرية البرجماتية في التربية‬


‫جون ديوي ‪ :‬حياته وأفكاره الفلسفية العامة ‪:‬‬
‫يعتبر جون ديوي من أبرز ممثلي ومؤسسي الحركة أو الفلسفة البراجماتية‪.‬‬
‫لقد ولد في مدينة بورلنجتن )‪ (Burlington‬من والية فيرمونت )‪(Vermont‬‬
‫سنة ‪ ،1859‬وقد تلقى تعليمه االبتدائي والثانوي في مدينته وتعليمه الجامعي في جامعة‬
‫واليته‪ .‬وبعد إتمامه لتعليمه الجامعي في واليته عام ‪ 1879‬اشتغل بالتدريس لفترة من‬
‫الزمن في إحدى المقاطعات‪ ،‬ثم ما لبث أن تاقت نفسه لمواصلة دراسته العليا في ميدان‬
‫الفلسفة والعلوم السياسية والتاريخية‪ .‬وقد استطاع في سنوات قليلة أن يحصل على‬
‫شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جون هوبكنز عام ‪.1884‬‬

‫‪92‬‬
‫وبمجرد حصوله على الدكتورة انضم إلى "جامعة ميتشجين" كمحاضر بها في‬
‫الفلسفة‪ .‬وقد بقي في هذه الجامعة لم يغادرها إال فترة قصيرة إلى جامعة "مينيسوتا"‬
‫حتى دعى عام ‪ 1894‬لتولي رئاسة قسم الفلسفة بجامعة شيغاغو‪ .‬وقد استمر في رئاسة‬
‫قسم الفلسفة في هذه الجامعة حتى انتقل منها في عام ‪ 1904‬إلى جامعة "كلومبيا"‪ ،‬ثم‬
‫استمر في جامعة كلومبيا منذ هذا التاريخ حتى تقاعده عام ‪.1930‬‬
‫وقد نال "ديوي "شهرة فائقة كفيلسوف مفكر وكمصلح تربوي كبير ال في‬
‫الواليات المتحدة وحدها‪ ،‬ولكن في جميع أنحاء العالم‪ .‬وقد دفعت هذه الشهرة كثيرا من‬
‫البلدان المتقدمة لدعوته ليحاضر في جامعاتها وليساعدها في تنظيم تعليمها‪ .‬فدعته مثال‬
‫اليابان في عام ‪ 1919‬ليحاضر في الفلسفة في "جامعة طوكيو الملكية" ودعته الصين‬
‫ليحاضر في جامعة بكين لمدة سنتين‪ ،‬كما دعته الحكومة التركية ليساعدها على تنظيم‬
‫تعليمها‪ .‬وقد ظل ديوي في نشاط علمي دائب حتى توفي عام ‪.1952‬‬
‫ومن أبرز أعماله في الميدان التربوي إنشاؤه لمدرسته النموذجية في مدينة‬
‫شيكاغو سنة ‪ ،1896‬وقد اتخذ ديوي من هذه المدرسة االبتدائية النموذجية حقال لتجربة‬
‫نظرياته وآرائه التقدمية في التربية‪ .‬وفي سنة ‪ 1902‬ضمت هذه المدرسة لكلية التربية‬
‫بجامعة شيكاغو لتكون مدرسة تطبيقية تجريبية لها‪ .‬وقد حاول ديوي أن يقيم برامج‬
‫هذه المدرسة وإدارتها على مبادئ الفلسفة البرجماتية التي من بينها وجوب االتصال‬
‫والتعاون بين المدرسة والبيت‪ ،‬ووجوب اتصال خبرات التالميذ في المدرسة وإدارتها‬
‫على مبادئ الفلسفة البرجماتية التي من بينها وجوب اتصال خبرات التالميذ في‬
‫المدرس ة بخبرتهم خارج المدرسة‪ ،‬ووجوب جعل األطفال يتعلمون عن طريق خبرتهم‬
‫ونشاطهم الذاتي ووجوب احترام ميول التالميذ وحاجاتهم وحريتهم في التعبير عن‬
‫أنفسهم‪ ،‬ووجوب مراعاة الفروق الفردية بين التالميذ‪ ،‬واعتبار التربية عملية‬
‫اجتماعية‪ ،‬والتركيز على التعاون بدال من التنافس‪ ،‬إلى غير ذلك من المبادئ التي‬
‫كانت مطبقة في هذه المدرسة التجريبية‪.‬‬
‫وقد كان لهذه المدرسة أثر بالغ في التمهيد للتربية التقدمية التي سادت أمريكا‬
‫في النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬كما كان لها فضل كبير في إقناع اآلباء بأهمية‬
‫المبادئ التربوية التقدمية وإمكانية تطبيقها وقد شجع ديوي بمدرسته هذه إنشاء العديد‬
‫من المدارس التقدمية الخاصة في أمكنة متعددة من الواليات المتحدة‪.‬‬
‫ويمكن أن يضاف إلى أعماله التربوية مئات المقاالت وعشرات الكتب في‬
‫الفلسفة والتربية ‪:‬‬
‫‪ -‬المدرسة والمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬الطفل والمنهج‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫‪ -‬الديمقراطية والتربية‪.‬‬
‫‪ -‬الخبرة والتربية‪.‬‬
‫‪ -‬كيف نفكر‪.‬‬
‫‪ -‬الطبيعة البشرية والتربية‪.‬‬
‫وإذا كان ديوي قد اشتهر بأعماله وكتبه التربوية كمرب من أعظم مربي هذا‬
‫القرن‪ -‬فإنه قد كانت له نفس الشهرة تقريبا في عالم الفلسفة‪ .‬فقد ألف العديد من الكتب‬
‫في الفلسفة وكتب المئات من المقاالت فيها‪.‬‬
‫العوامل التي أثرت في أفكاره‪:‬‬
‫من هذه العوامل أفكار الفالسفة والعلماء والمربين الذين اتصل بأفكارهم جورج‬
‫موريس‪ ،‬الذي كان من بين أساتذته في الفلسفة‪ ،‬ثم زميال له في التدريس في جامعة‬
‫متشيجن‪ .‬فعن طريق هذا الفيلسوف تعرف ديوي على الفلسفة المثالية الهيجلية وقبل‬
‫بالتدريج كثيرا من عناصر هذه الفلسفة‪ .‬ولكنه بعد تعرفه ودراسته لنظرية التطور كما‬
‫شرحها تشارلز دارون (‪ ،)1809-1882‬وتوماس هنري هاكسلي (‪،)1825-1895‬‬
‫وغيرهما من أنصار هذه النظرية التي سادت في النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر‪-‬تحول إليها مفضال لها على الفلسفة الهيجلية‪ ،‬ألنه وجد فيها ما يتفق مع ميوله‬
‫العلمية التجريبية‪ .‬ولكن تفضيله للفلسفة الداروينية لم يمح تماما تأثره بالفلسفة المثالية‬
‫الحديثة التي من أبرز مظاهرها الفلسفة الهيجلية‪ .‬ويظهر تأثره بالفلسفة المثالية بجانب‬
‫تأثره بالفلسفة الداروينية في االسم الذي أطلقه بادئ األمر على فلسفته عندما أصبحت‬
‫له فلسفته الخاصة المحددة‪ .‬فقد سمى فلسفته "بالفلسفة المثالية التجريبية"‪ .‬وهذا االسم‬
‫يحمل في طياته التأثر بالفلسفة العلمية الواقعية معا‪.‬‬
‫وكما تأثر بأفكار "جورج موريس" و"دارون" فإنه تأثر أيضا بأفكار "تشارلس‬
‫بيرس" و"وليام جيمس" اللذين كان لهما الفضل في تأسيس المذهب البرجماتي في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية وبأفكار "ستانلي هول"‪ ،‬وبعض أفكار "روسو"‬
‫و"بستالوتزي"‪ ،‬و"هربارت"‪ ،‬و"فروبل"‪ ،‬وغيرهم من المربين وعلماء النفس‬
‫المحدثين‪.‬‬
‫وبجانب تأثره بأفكار الفالسفة والعلماء والمربين السابقين عليه والمعاصرين له‬
‫فقد تأثر أيضا بعوامل كثيرة أخرى‪ ،‬من بينها‪ :‬المبادئ التي تقوم عليها الحياة‬
‫الديمقراطية‪ ،‬والقيم السائدة في المجتمع األمريكي‪ ،‬وخصائص ومتطلبات المجتمع‬
‫الصناعي الذي عاش فيه‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫وقد كان لهذه العوامل جميعا تأثيرها في فلسفته العامة وفلسفته التربوية‪.‬‬
‫وستتضح لنا بعض آثار ومظاهر هذا التأثير في المجموعة التي ستناقشها من أفكاره‬
‫ومعتقداته الفلسفية والتربوية‪.‬‬

‫أفكار الفلسفية العامة ‪:‬‬


‫‪ -‬أفكاره ومعتقداته المتصلة بطبيعة الكون وطبيعة اإلنسان ‪:‬‬
‫ومن أبرز أفكاره المتصلة بطبيعة الكون هو إيمانه بأن العالم ليس ثابتا جامدا‬
‫وال نظاما م قفوال‪ ،‬ولكنه عملية ديناميكية من التغير والتطور المستمر‪ .‬والميزة‬
‫األساسية للحياة ‪ -‬في نظره ‪ -‬هو التغير‪.‬‬
‫أما أفكاره المتصلة باإلنسان فإنها تتفق مع المبادئ الديمقراطية ومع المبادئ‬
‫التي تقررها نظرية التطور واألبحاث الطبيعية والبيولوجية والنفسية‪ .‬فهو يحترم‬
‫اإلن سان إلى أبعد حد ويعتبره غاية في حد ذاته‪ ،‬ويحترم حريته واختالفه عن غيره‪.‬‬
‫وهو ال ينظر إليه على أنه عضو في جماعة وجزء ال يتجزء من المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬أفكاره المتصلة بنظرية المعرفة ‪:‬‬
‫ومن أفكاره المتصلة بنظرية المعرفة إيمانه بأن المصدر األساسي للمعرفة‬
‫اإلنسانية هو الخبرة والنشاط الذاتي للفرد‪.‬‬
‫‪ -‬أفكاره المتصلة بالقيم األخالقية فإن من أهمها ‪:‬‬
‫إيمانه بأن القيم األخالقية هي أمور إنسانية تنبع من صميم الحياة التي يعيشها‬
‫اإلنسان على ظهر هذه األرض‪ ،‬وليست أخالقا متعالية تفرض على اإلنسان فرضا من‬
‫جهة عليا‪ .‬وبهذا االعتقاد يخالف ديوي األديان السماوية والنظريات األخالقية القديمة‬
‫التي تقوم على اإلعالء من شأن الحياة الروحية‪ ،‬وعلى فرض معايير أخالقية تعد مثال‬
‫عليا ينبغي على اإلنسان أن يتسامى إليها ويتمثل بها‪ ،‬وعلى أن سعادة المرء هي في‬
‫تصفية النفس وتزكية العقل‪.‬‬
‫وهو يؤمن بأن المصدر األساسي للقيم األخالقية هي الخبرة والتجربة‪.‬‬
‫و يرى جون ديوي بأن " النشاط الحر هو من مميزات الطفولة وعلى الطفل‬
‫أن ينشط‪ ..‬وبذلك يزداد خبرة ويحصل على تهيئة حسنة لمواجهة المستقبل" فأصحاب‬
‫هذا المذهب يرفضون أن يكون الطفل سلبيا يتقبل آراء اآلخرين ونتائج تفكيرهم بل‬
‫علي ه(الطفل) أن يبحث‪ ..‬ينقب عن الحقيقة ويفكر ويتحرى بنفسه ليكتسب خبرة في‬
‫‪95‬‬
‫مواجهة مشكالت الحياة‪ .‬وقد دعا ديوي في سبيل تحقيق ذلك إلى استغالل ميل الطفل‬
‫إلى‪:‬‬
‫‪ - 1‬االتصال االجتماعي‬
‫‪ - 2‬البحث واقتناء األشياء‬
‫‪ - 3‬التعبير الفني‬
‫‪ - 4‬العمل‬
‫من أجل أن ينمو نموا طبيعيا‪.‬‬
‫و" المذهب النفعي الذرائعي " المعروف باسم البراجماتية أو البراجماسية فقد‬
‫ارتبط باسم (جون ديوي) أشهر التربويين المعاصرين‪ ،‬وهذا المذهب ذو صبغة عملية‬
‫أثر‬ ‫أي‬ ‫فيها‬ ‫يبدو‬ ‫ال‬ ‫تجريبية‬
‫للقيم أو األخالق‪ .‬هدف التربية في نظر (ديوي) هو النمو‪ ،‬والهدف ـ بزعمه ـ جزء ال‬
‫يتجزأ من عملية النمو‪ ،‬وليس أمرا ً خارجيا ً تتجه إليه خبرة المتعلم‪ ،‬فال هدف لعملية‬
‫النمو إال المزيد من النمو؛ ولذا أنكر (ديوي) أي هدف نهائي وقال ‪ " :‬الفكرة القائلة‬
‫بأن النمو والتقدم يرميان إلى هدف نهائي ال يتغيّر وال يتبدل هي آخر أمراض العقل‬
‫البشري في انتقاله من نظرة جامدة إلى الحياة إلى نظرة ُم ْفعمة بالحركة" ومعنى هذا‬
‫أن النمو والتربية والحياة هي مسميات السم واحد في نظر ديوي! وال ريب أن‬
‫"التسليم بوجود أهداف ثابتة يزود القائمين على التربية بمعايير ثابتة وصادقة‬
‫يستعينون بها للحكم على مدى تقدم التالميذ في عملية التعلم‪ ،‬أما القول بأن األهداف‬
‫جزء من عملية النمو ذاتها فإنه يزيد من حيرة المربين؛ فاللص الذي يكتسب المزيد‬
‫من المهارات في السلب والنهب ينمو في هذا المجال؛ فهل تعتبر اللصوصية عملية‬
‫تربوية هادفة؟! وإذا سلمنا جدالً بصحة ما ذهب إليه فإن السؤال الذي يظ ّل قائما ً هو‪:‬‬
‫ما هي المعايير التي بها للحكم على نمو إنسان نموا شامال؟ ومتى يكون النمو مرغوبا‬
‫فيه‪ ،‬ومتى ال يكون كذلك؟ وطريقة التدريس في هذا المذهب هي طريقة المشروع التي‬
‫تُنسب إلى األمريكي (كلباترك) تلميذ (جون ديوي)‪ .‬والمشروع يأخذ شكالً فرديا ً أو‬
‫جمعياً‪ ،‬وفي المشروع الجمعي يتعاون األطفال لحل مشكل ٍّة ما بتقسيم العمل بينهم‪.‬ولـ‬
‫(هيلين باركهرست) طريقة أخرى تس ّمى طريقة (دالتن)‪ ،‬وتقوم هذه الطريقة على‬
‫ثالثة أسس هي‪ :‬الحرية‪ ،‬والتعاون‪ ،‬وتحمل المسؤولية؛ وبمقتضى هذه الطريقة يتمتع‬
‫التلميذ بكامل حريته بعد أن يتفق على إنجاز قدر معين من المقرر في مدة معينة‪،‬‬
‫يستعين أثناءها بالمدرس متى شاء‪.‬وقد قيل في الكالم عن مساوئ طريقة المشروع‬
‫وتجر التالميذ إلى دراسات متشعبة ال حصر لها‪ ،‬وإنها تكلّف كثيرا ً‬‫ّ‬ ‫إنها سائبة ومتميعة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مدربين تدريبا خاصا‪ ،‬وتنتج معلومات مفككة‬ ‫من الوقت والمال‪ ،‬وتحتاج إلى مدرسين ّ‬
‫‪96‬‬
‫يصعب معها وضع المناهج واألطر التعليمية‪ .‬كما قيل في طريقة (دالتن) إنها تجانب‬
‫وإن بينهم من الفروق‬‫الحكمة إذ تح ِّ ّمل التالميذ منذ الصغر مسؤولية إنجاز المقرر‪ّ ،‬‬
‫أن هذه الطريقة توازن بين‬ ‫الفردية ما قد يُزكي روح الحسد والبغضاء‪ ،‬وال سيما ّ‬
‫التالميذ عن طريـق الرسوم البيانية‪ ،‬ثم إن من التالميذ َم ْن ال يميل بطبعه إلى العمل‪،‬‬
‫ومن شأن هذه الطريقة أن تش ّجع هؤالء على التمادي في الكسل‪ ،‬والتالميذ عموما ً‬
‫مضطرون في حياتهم الواقعية إلى مواجهة ما ال اختيار لهم؛ باإلضافة إلى أن هذه‬
‫الطريقة ـ كغيرها من الطرق الحديثة ـ تحتاج إلى مدرس موسوعي ليس من اليسير‬
‫إعداده‪.‬‬
‫ترتبط البرجماتية بالتراث الفلسفي اليوناني القديم واألوروبي الحديث‪ ,‬إذ‬
‫عرفت بنحو غير متماسك ومحدد على أيدي السوفسطائيين‪ ,‬وعلى كل من أفالطون‬
‫وأرسطو‪ ,‬وأبيقور‪ ,‬وواجستين‪ ,‬وبيكون وجاليلو وبسكال وكانت وكومت ومل فقد‬
‫كانت البراجماتية تعبر عن أسلوب الحياة أيا ً كان هذا األسلوب‪.‬‬
‫والبرجماتية تؤمن بحقيقة التغير على الديمومة ونسبية قيم الطبيعة اإلنسانية‬
‫والبيولوجية لإلنسان وبأهمية الديمقراطية كطريقة في الحياة ‪ ,‬وأخيرا ً قيمة اإلنسان‬
‫الناقد في السلوك اإلنساني كله‪.‬‬
‫دعت البرجماتية إلى أن تعود الفلسفة إلى وظيفتها الحقيقية التي كانت عليها في‬
‫الماضي‪ ,‬وهي أن الفلسفة أسلوب حياة أو خطة عمل أو مشروع نشاط‪ .‬ونادت‬
‫البرجماتية بالخبرة ويمكن التخطيط للواقع والتغلب على مشكالته ال بد من الخبرة‬
‫وبهذا الصدد يقول ديوي (إذا جاز لنا أن نصوغ فلسفة التربية التي يقوم عليها‬
‫ممارسات التربية الحديثة‪ ،‬فمن الممكن فيما أعتقد أن تكشف عن طائفة من األسس‬
‫المشتركة بين المدارس القائمة المختلفة)‪.‬‬
‫ترفض البرجماتية أن تكون التربية عملية بث للمعرفة للطالب من أجل المعرفة‬
‫إنما ترى أنها تساعد الطفل على مواجهة احتياجات البيئة البيولوجية االجتماعية‪.‬‬
‫ويرى البرجماتيون أن التربية هي الحياة وليست إعداد للحياة‪ ،‬وأن واجب‬
‫المدرسة كمؤسسة تربوية أن تستخدم مواقف الحياة في العملية التربوية‪ ،‬ويعرف جون‬
‫ديوي التربية بأنها عملية مستمرة من إعداد بناء الخبرة بقصد توزيع محتواها‬
‫االجتماعي وتعميقه‪ ،‬وأن الفرد في الوقت نفسه يكتسب ضبطا ً وتحكما ً في الطرائق‬
‫المتضمنة في العملية‪.‬‬
‫وتعد الفلسفة البرجماتية من أبرز الفلسفات التي ركزت على المتعلم والتي‬
‫انعكست بصورة واضحة على تنظيم المنهج باعتبار أن الفلسفة تدخل في كل قرار مهم‬
‫بالنسبة للمنهج والتدريس‪ .‬والطالب في منظور البرجماتية ما هو إال حزمة من نشاط‬
‫‪97‬‬
‫االتجاهات النظرية والمكتسبة للفعل‪ ،‬وأن نشاطه أساس كل تدريس وكل ما يفعله‬
‫التدريس له أنه يوجه الطالب الذاتي وأن تعليم الطالب ليس ما ينبغي أن يتعلمه وإنما‬
‫تشجيعه باتجاه معرفة نتيجة نشاطه الذهني والتجريبي‪.‬‬
‫والمهم في رأي البرجماتية في العملية التربوية التأكيد على أمرين األول‪:‬‬
‫العناية باهتمام الطالب والثاني‪ :‬العناية بحب االستطالع لديه وذلك ألنهما يحفزانه على‬
‫التعلم بصفة أساسية‪.‬أما فيما يخص المعلم عند أصحاب هذه النظرية فإن وظيفته تكون‬
‫في قدرته على تنظيم الخبرة وبيان االتجاه الذي تسير فيه فضالً عن قدرته على شحذ‬
‫أذهان التالميذ وهو بذلك يكون عونا ً للحرية ال قيد لها‪.‬‬
‫والبرجماتية لم تجعل من المعلم محورا ً للعملية التربوية ووظيفة المعلم من‬
‫وجهة نظر البرجماتية ليس مجرد تدريس األفراد ‪ ,‬بل تكوين الحياة االجتماعية‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫وقد انعكست النظرية البرجماتية على المنهج وذلك باختيار الخبرات لكل فرد‬
‫أو جماعة من الخبرات المناسبة التي تساعدهم أن يبنوا منهجا ً عقليا ً متكامالً‪.‬‬
‫وأحد األهداف الرئيسية في المنهج البراجماتي هو إقرار الدراسات ذات‬
‫الطبيعة الحديثة والمعاصرة والمفيدة في إعداد الشباب لظروف المجتمع المتغيرة دوما ً‬
‫وخاصة ما يتعلق منها بالعمل والتعامل ودراسة المواقف بما تتضمنه من موضوعات‬
‫وليس القراءة منها فحسب‪.‬‬
‫ال يفرق المنهج البرجماتي بين الفعاليات المنهجية وغير المنهجية‪ ،‬فكل ما يمر‬
‫بخبرة التلميذ هو جزء من المنهج سواء أكان نشاطا ً ترويحيا ً أم اجتماعيا ً أم عقلياً‪.‬‬
‫تلخيص واستنتاج ‪:‬‬
‫‪ -‬ترى البرجماتية أن اإلنسان كائن طبيعي يعيش في بيئة اجتماعية وبيولوجية‬
‫ويستجيب إلى المثيرات البيولوجية واالجتماعية وهي ترفض كون اإلنسان كائنا ً‬
‫روحياً‪.‬‬
‫‪ -‬تؤمن بأن لإلنسان طبيعة محايدة فهو ال خير وال شر بفطرته وإنما لديه‬
‫االستعداد أن يكون هذا وذاك ويتوقف ذلك على نوع التربية التي تتاح له ولهذا تركز‬
‫البرجماتية على المتعلم وتعده المحور األساسي في بناء المنهج وتنفيذه‪ ,‬وألن المتعلم‬
‫محور العملية التعليمية فالبرجماتية ترفض التحديد السابق للمادة العلمية‪ ,‬وترفض‬
‫التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها مما يجعلها تعد تنظيم العملية التربوية مواد‬
‫وفصول ودروس ويصل المتعلم إلى محتوى المادة التعليمية‪ ,‬ومن خالل خبراته‬
‫الجديدة القائمة على خبراته السابقة وكذلك من خالل مجموعة من التفاعالت مع البيئة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ -‬المعرفة عملية تفاعل بين اإلنسان وبيئته‪ ,‬فاإلنسان ال يقتصر على مجرد‬
‫استقبال المعرفة‪ ،‬بل إنه يصنعها والحقيقة فيما يخص اإلنسان ليست مستقلة عن‬
‫األفكار التي يقترحها بقصد تفسيرها والحقيقة نسبية وقابلة للتغيير وترى أن الطريقة‬
‫السليمة هي أسلم وأفضل طريقة الختيار األفكار‪.‬‬
‫‪ -‬وتؤكد الخبرة الذاتية للفرد كوسيلة للعالم الخارجي وكذلك التعامل معه وترى‬
‫أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما يحقق فائدة‬
‫عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد يعد صادقا ً وصحيحا ً وكل ما يحدث له بعد ذلك‬
‫عملية تعلم واكتساب من خالل تاريخه الحضاري وتراثه وثقافته من خالل عملية‬
‫التعليم المقصودة التي تتم نظاميا ً داخل المدرسة أو بطرق غير نظامية كالتعرض‬
‫ألجهزة اإلعالم المتنوعة والمتاحف والمعارض واألسفار إذن اإلنسان ال يمكن عده‬
‫محكوما ً بحتمية بيولوجية فالتعلم والذكاء والتفكير وكل ما يسمى بالعمليات المعرفية‬
‫تصنع من مؤثرات مدروسة ومقصودة خارج الفرد والبيئة والتربية تفرز أفراد‬
‫متميزين بالضرورة وأن افتقار البيئة إلى هذه المميزات تؤدي بالضرورة إلى التخلف‪.‬‬
‫‪ -‬التربية هي الحياة وليست إعداد للحياة فالتربية السليمة هي تلك التي تحقق‬
‫النمو المتكامل لإلنسان وتقوم على سلسلة من الخبرات وتؤكد على األهمية التربوية‬
‫للعمل والممارسة‪ ،‬وأن تكون المدرسة مجتمعا ً صغيرا ً كالمجتمع الكبير ومن هذا إن‬
‫من العسير جدا ً النظر إلى المدرسة على أنها نسخة طبق األصل من الحياة ألنها‬
‫مؤسسة تعليمية مصطنعة محفوفة بالمخاطر والقيود ومختلفة عما تصادفه في الحياة‬
‫بصفة عامة‪.‬‬
‫‪ -‬استبعدت البرجماتية الطرق الشكلية في التدريس واعتمدت على ميول‬
‫األطفال وخبراتهم وإثارة ميول جديدة وخبرات أكثر تنوعا ً مع التأكيد على الفردية بين‬
‫األطفال واعتمدت طريقة النشاط‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام بالطالب من النواحي الجسمية والعقلية والخلقية واالجتماعية والعمل‬
‫على توفير كل الفرص الممكنة التي تشبع حاجات الطالب وتمكنه من التعبير عن ذاته‬
‫وتأكيد حرية المتعلم في اتخاذ القرارات بشأن ما يتعلمه والذي هو ضروري لنمو‬
‫الذكاء نموا ً حرا ً كامالً‪.‬‬
‫‪ -‬يتمثل دور المعلم البرجماتي في النصح واالستشارة وتنظيم ظروف الخبرة‬
‫واإلمكانات التي تساعد على تعلم الفرد وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم‬
‫وإمكاناته ألنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية قدرة على‬
‫بناء المتعلم وتعليمه‪.‬‬
‫االنتقادات التي وجهت إلى الفلسفة البراجماتية ‪:‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ -1‬تركز البرجماتية على المتعلم وتعده المحور األساس في بناء المنهج وتنفيذه‬
‫وترفض االتجاهات التربوية التقليدية التي اتخذت المادة الدراسية محورا ً لها في بناء‬
‫المنهج وتنفيذه‪ ،‬وألن المتعلم محور العملية التعليمية وترفض البرجماتية التحديد‬
‫السابق للمادة العلمية وترفض التخطيط للعملية التعليمية ومراحلها‪ ،‬مما يجعلخا تبتعد‬
‫عن تنظيم العملية التربوية موادا ً وفصوالً‪.‬‬
‫‪ - 2‬تؤكد الخبرة الذاتية للفرد بوصفها وسيلة لمعرفة العالم الخارجي والتعامل‬
‫معه‪ ,‬وترى أن مفهوم الصدق يطابق مفهوم النجاح والفاعلية تطابق المنفعة فكل ما‬
‫يحقق فائدة عملية ويقود إلى تحقيق أهداف الفرد صادقا ً وصحيحاً‪.‬‬
‫‪ - 3‬أنها تؤكد النمو التلقائي للفرد بحكم العوامل الوراثية الحتمية والبيولوجية‬
‫وتنظر إلى أهمية التراكم الكمي للخبرات الفردية في تكوين الشخصية‪ .‬وعلى هذا‬
‫األساس تتعامل مع التربية باالنتقاء االجتماعي والتوزيع وفقا ً لقدرات األفراد‬
‫الطبيعية‪ ،‬وال سيما الذكاء‪ .‬وعليه ال يمكن بناء الشخصية المتكاملة بحكم إغفالها‬
‫للتراث الحضاري والعوامل االجتماعية والعوامل األخرى تؤدي أثرا ً في بناء شخصية‬
‫اإلنسان وهذا يناقض منطق العلم ‪ ,‬ويؤدي بالمتعلم إلى تشتت اتجاهاته‪.‬‬
‫‪ - 4‬ال تتقيد التربية البرجماتية بمعايير روحية فليس في رأيها وجود سابق للقيم‬
‫والمعايير الروحية‪ ،‬ولكنها تنشأ في أثناء القيام بالتجارب الناجحة‪ ،‬وتتولد في أثناء‬
‫حل المشكالت المتنوعة‪ .‬وترى أيضا ً أن الخبرة الذاتية للفرد والنجاح الفردي هما‬
‫األساس لألخالق‪ ،‬وليس تراكم التراث الثقافي لإلنسانية‪ ،‬أو لمصلحة المجتمع وقيمته‪،‬‬
‫فهي بذلك ت}كد التنافس‪ ،‬وتنمي الفردية والنجاح الفردي والمنفعة والبقاء لألقوى‪.‬‬
‫‪ -5‬النظرية البرجماتية تركز على الجانب العملي لعملية التعليم فإن نشاط‬
‫المتعلم وفاعليته في النشاط والمشروعات والوحدات التي خططها المتعلم وينفذها فهي‬
‫بذلك تقدمه للمعرفة بدالً من أن تقدم المعرفة له‪ .‬وهذا سيؤدي إلى تحطيم التنظيم‬
‫المنطقي للمادة العلمية‪ ،‬فضالً عن أنها ال تقدم للتالميذ إال المعلومات الجزئية‬
‫والسطحية ذات الهدف النفعي مما يؤدي إلى ضعف المستوى العلمي للتالميذ‪.‬‬
‫‪ -6‬يتمثل دور المعلم البرجماتي في النصح واالستشارة وتنظيم ظروف الخبرة‬
‫واإلمكانات التي تساعد على تعلم الفرد‪ .‬وهذا يعني إهمال الكثير من طاقات المعلم‬
‫وإمكاناته وإبداعاته ألنه عنصر فاعل في العملية التعليمية مما يكسب العملية التربوية‬
‫قدرة على بناء المتعلم وتعليمه‪.‬‬
‫‪ -7‬إن هذه النظرية ما هي إال تعبير عن واقع المجتمع األمريكي وتطوره‬
‫االقتصادي واالجتماعي في تطوره العلمي وتقدمه الصناعي ‪ ,‬وهي محور القيم‬

‫‪100‬‬
‫الحضارية واالجتماعية التي تؤكد الربح والنجاح ‪ ,‬ونمو الروح الفردية والنزعة‬
‫العلمية والواقعية والنفعية معبرة عن ازدهار الرأسمالية وقوة البرجوازية‪.‬‬
‫ويقدم سليمان بن صالح الخراشي نقد للبراجماتية من طرف بعض‬
‫المتخصصين في الفكر الغربي ‪:‬‬
‫يقول سماح رافع محمد في كتابه " المذاهب الفكرية المعاصرة "‪(:‬البراجماتية‬
‫فلسفة عملية انبثقت من الروح المادية للقرن العشرين‪...‬وهي أمريكية النشأة‪ ،‬رأسمالية‬
‫االتجاه)‪ (.‬وكلمة البراجماتية في أصلها اللغوي مشتقة من كلمة يونانية تعني العمل‬
‫النافع‪ ،‬أو المزاولة المجدية‪ ،‬ويصبح المقصود منها هو " المذهب العملي " أو "‬
‫المذهب النفعي")‪ .‬ومؤسسها " تشارلز بيرس " الذي ( كان أول من ابتكر كلمة‬
‫البراجماتية في الفلسفة المعاصرة )‪.‬‬
‫ويقول الدكتور مصطفى حلمي الذي يقول في كتابه " الفكر اإلسالمي في‬
‫مواجهة الغزو الثقافي" ‪:‬‬
‫‪ ( -‬تنسب " البراجماتية " كفرع فلسفي إلى أصل شجرتها المسماة بـ "‬
‫الوضعية " ‪ ،‬فيجب أن نعرف أوالً بالوضعية ليسهل علينا بعد ذلك فهم معالم الفلسفة‬
‫البراجماتية‪.‬‬
‫إن الوضعية " هي اتجاه فكرى يقتنع بما هو كائن ويفسره ويرفض ‪ :‬أن ينبغي‬
‫أن يكون " ‪ ،‬ثم أخذت الوضعية الشكل الجديد في الواليات المتحدة األمريكية واسمه "‬
‫البراجماتية " هذا الشكل الجديد يحدده الدكتور توفيق الطويل بقوله " إذا كانت‬
‫الوضعية قد رفضت التسليم بالحقائق المطلقة والقضايا الميتافيزيقية ‪ ،‬فإن الفلسفة‬
‫العملية ال تتردد في قبولها واعتبارها صادقة متى كانت مفضية إلى نفع يتحقق في‬
‫حياة الناس " ‪.‬‬
‫ولفهم مضمون هذه الفلسفة ‪ ،‬ينبغي أن نعرف أوال أصلها اللغوي ثم ننتقل إلى‬
‫التعريف بمؤسسها " تشارلز بيرس " ثم بيان تفصيل الفلسفة عن أبرز فالسفتها وهو‬
‫" وليم جيمس " ‪:‬‬
‫األصل اللغوي يفيد " ما هو عملي " ومن هنا أطلق عليها اسم " الفلسفة العملية " ‪،‬‬
‫ولذلك فإنها تهتم بالعمل على حساب النظر‪.‬‬
‫إن مؤسس هذا المذهب الفلسفي هو تشارلز ساندر بيرس " ‪ 1839‬ـ ‪ " 1914‬م‪،‬‬
‫وهو صاحب فكرة وضع ( العمل ) مبدأ مطلقًا ؛ في مثل قوله‪" :‬إن تصورنا لموضوع‬
‫ماهو إال تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية ال أكثر " ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ويتوسع فى دائرة العمل بحيث يشمل المادي والخلقي أو التصور ‪ ،‬وتثمر هذه‬
‫النظرة للعمل اتساع العالم أمامنا ‪ ،‬إنه عالم مرن ‪ ،‬نستطيع التأثير فيه وتشكيله ‪ ،‬وما‬
‫تصوراتنا إال فروض أو وسائل لهذا التأثير والتشكيل ‪.‬‬
‫أما أشهر فالسفة البراجماتيزم فإنه " وليم جيمس" (‪1842‬ـ‪ )1910‬الذي تدرج‬
‫في اهتماماته العلمية والفلسفية التي تلقاها في معاهد وجامعات أوربية وأمريكية حتى‬
‫حصل على درجة " الدكتوراه" في الطب من جامعة هارفارد سنة ‪ ،1870‬وعين‬
‫أستاذا ً للفسيولوجيا والتشريح بها‪ ،‬ثم أستاذا ً لعلم النفس فبرز فيه‪.‬‬
‫ويتبين من ترجمة حياته أن سبب اتجاهه إلى الفلسفة يرجع إلى سماعه‬
‫لمحاضرة فلسفية ألقاها " بيرس " الذي كان يعرض فيها مذهبه ‪ ،‬فشعر وليم جيمس‬
‫على أثرها وكأنه ألقى عليه رسالة محدده‪ ،‬وهى تفسير رسالة " البرجماتية " ‪.‬‬
‫ويعرف وليم جيمس الحقيقة بأنها " مطابقة األشياء لمنفعتنا‪ ،‬ال مطابقة الفكر‬
‫لألشياء "‪.‬‬
‫والختصار اإلحاطة بهذه الفلسفة فإن مدخل دراستها يقتضي تحليلها إلى‬
‫مكوناتها األساسية في النظم والقيم‪ ،‬فنحن أمام مقولتين ‪:‬‬
‫األولي ‪ :‬ازدراء الفكر أو النظر‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬إنكار الحقائق والقيم‪.‬‬
‫أي بعبارة أخرى أكثر وضوحا ً ‪ ،‬فإن العمل عند جيمس مقياس الحقيقة "‬
‫فالفكرة صادقة عندما تكون مفيدة ‪ .‬ومعنى ذلك أن النفع والضرر هما اللذان يحددان‬
‫األخذ بفكرة ما أو رفضها " ‪.‬‬
‫وقد نبتت فلسفته منذ بداية اهتماماته بها من حاجاته الشخصية‪ ،‬إذ عندما أصيب‬
‫في فترة من عمره بمرض خطير‪ ،‬استطاع بجهوده أن يرد نفسه إلى الصحة‪ ،‬فاعتقد‬
‫أن خالص اإلنسان رهن بإرادته‪ ،‬وكان الموحي إليه بالفكرة المفكر الفرنسي "‬
‫رنوفيير " الذي عرف اإلرادة الحرة بأنها " تأييد فكرة ألن المرء يختار تأييدها‬
‫بإرادته حين يستطيع أن تكون له أفكار أخرى "‪.‬‬
‫وكانت تجربة شفائه من المرض قد هدته إلى أهمية العمل ورجحت عنده‬
‫االجتهاد في العمل بدالً من االستغراق في التأمل " ألن العمل هو اإلرادة البشرية‬
‫استحالت حياة "‪ .‬وتلون هذه الفلسفة نظرة أتباعها إلى العالم ‪ .‬فإن العالم الذي نعيش‬
‫فيه ليس نظرية من النظريات ‪ ،‬بل هو شئ كائن‪ ،‬وهو في الحق مجموعة من أشياء‬
‫كثيرة‪ ،‬وليس من شئ يقال له الحق دون سواه ! ‪ .‬إن الذي ندعوه بالحق إنما هو فرض‬
‫عملي ـ أي أداة مؤقتة نستطيع بها أن نحيل قطعه من الخامات األولية إلى قطعة من‬
‫النظام‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫ويلزم من هذا التعريف للعالم‪ ،‬أنه خاضع للتحوالت والتغيرات الدائمة وال‬
‫يستقر على حال " فما كان حقا ً باألمس ـ أي ما كان أداة صالحة أمس ـ قد ال يكون‬
‫اليوم حقا ً ـ ذلك بأن الحقائق القديمة ‪ ،‬كاألسلحة القديمة ـ تتعرض للصدأ وتغدو عديمة‬
‫النفع "‪.‬‬

‫نقد البرجماتية من وجهة النظر الفلسفية ‪:‬‬


‫‪ -1‬في نقدنا لهذه الفلسفة‪ ،‬سنبدأ بالمنهج المقارن حيث يتبين أنها في جوهرها‬
‫الفلسفة هي الرواقية القديمة‪ ،‬التي أسسها زينون (‪ 343‬ـ ‪ 270‬الميالد) !!فإذا أباح وليم‬
‫جميس لنفسه بعث الحياة فيها من جديد‪ ،‬فإن ذلك يقوض دعائم فكرته عن استبعاد "‬
‫الحق القديم " كما سنوضح بعد قليل !‬
‫‪ -2‬الحق قيمة مطلقة ـ وليست نسبية ـ وإال فإن المجتمع يصاب بالفوضى‬
‫المدمرة لكيانه وبعالقاته مع غيره من المجتمعات بسبب الحرب ‪.‬‬
‫وبغير االعتقاد في ثبات المبادئ‪ ،‬فإننا لسنا أمام فلسفة جديدة وإن بدت كذلك‪،‬‬
‫ولكنها مجرد إعادة للنظرية الرواقية القديمة " مضافا ً إليها الروح النضالية الحديثة "‬
‫فإن الخير الحقيقي عند الرواقي القديم في حكمة االختيار وحدها وليس في الشيء‬
‫المختار الذي يصطفيه " مثله كمثل ضارب القوس يهدف إلى عين الثور فغايته ليست‬
‫في إصابة الهدف نفسه‪ ،‬بل إظهار مهارته في إصابته " !!‬
‫إن تعليق الحكمة هنا في مظهرها العملي ـ أي على النجاح فى ذاته بصرف‬
‫النظر عن إصابة الهدف ـ تجعل من المجتمع غابة من الوحوش الضارية يأكل بعضها‬
‫بعضا ً إذ تتنافس على " التفوق"و " الغلبة " وال تتفق إرادتها على تحقيق أي قيمة من‬
‫القيم الفاضلة ‪ :‬كالحق والعدل واإليثار وغيرها من الفضائل اإلنسانية الثابتة فى ذاتها ‪.‬‬
‫فهل نحن مرة أخرى أمام دليل جديد يثبت أن الفلسفة الغربية تعيش على تراثها‬
‫القديم ؟!‬
‫‪ -3‬يرى وليم جيمس أن " الحق " إنما هو فرض عملي ‪ ،‬أي مجرد أداة يختبر‬
‫بها " تصوره " السابق ‪ ،‬ويرى أن الحقائق تنقسم إلى قديمة وجديدة !!والصواب الذي‬
‫يتفق عليه أغلب الفالسفة ‪ :‬أن الحق يستمد قيمته المطلقة من قيمته الثابته خارج‬
‫مقولتي ( الزمان ) و ( المكان ) ‪.‬‬
‫ضا يخلط خلطا ً معيبا بين المبادئ واألهداف حيث يصبها في قالب "‬
‫ُ‬ ‫ونراه أي ً‬
‫ً‬
‫المنفعة "‪ ،‬بينما التفكير السليم يقتضي العكس‪ ،‬أي اإليمان بالفكرة والعقيدة أوال عن‬
‫اقتناع وتثبت بقيمتها الذاتية ‪ ،‬ثم السعي بمقتضاها مهما قابلنا في طريقنا من صعوبات‬
‫‪ ،‬فضالً عن افتقاد " المنافع " وهذا هو منهج األنبياء والرسل عليهم السالم ‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫يقول توفيق الطويل في تقييم هذه الفلسفة " ويكفي أن تعتبر البراجماتية الحق‬
‫أو الخير كالسلعة المطروحة في األسواق‪ ،‬قيمتها ال تقوم في ذاتها بل في الثمن الذي‬
‫يدفع فيها فعالً ‪ ،‬فالحق فيما يقول جيمس كورقة نقد تظل صالحة للتعامل حتى يثبت‬
‫زيفها ! ولم يجد أصحاب البراجماتية غضاضة في النظر إلى الحق أو الخير كما‬
‫ينظرون إلى السلعة التي تطرح في األسواق‪ ،‬هذه هي العقلية األمريكية في الفلسفة‬
‫وفى األخالق وفى السياسة وفى كل مجال"ونضيف إلى ذلك أن هذه الفلسفة كانت‬
‫ملهمة للنظام الرأسمالي القائم على مبدأ المنافسة الحرة ‪ .‬ثم ظهرت مساوئه عند‬
‫التطبيق واستفحلت أخطاره التي تتضح ـ كما يرى الدكتور فؤاد ذكريا ‪ -‬في ثالثة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الالأخالقية ‪ :‬بالرغم من التقيد ببعض الفضائل كاألمانة واالنضباط والدقة‬
‫ومراعاة المواعيد ولكنها ـ كفضائل ـ ليست مقصودة لذاتها ‪ ،‬ولكنها تفيد الرأسمالي في‬
‫تعامله مع الغير ‪ ،‬وتظهر " الالأخالقية " بوضوح في أساليب الدعاية واإلعالم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬االرتباط الوثيق بالحروب‪.‬‬
‫ج‪ -‬االنحرافات السلوكية ‪ :‬وأظهرها اإلجرام ‪ ،‬إذ إن فتح الباب على مصراعيه‬
‫للمنافسة والصراعات من شأنه تمجيد العنف ‪ ،‬ويتضح االنحراف بصورة أخرى في‬
‫شرب المسكرات والمخدرات وعقارات الهلوسة وغيرها " وتفسيرها أنها ظاهرة‬
‫هروبية من واقع العنف والمنافسة المريرة التي ال ترحم "‪.‬‬
‫‪ - 4‬ولم يسلم ( الدين ) أيضا ً من التفسير ( النفعي ) في ضوء الفلسفة‬
‫البراجماتية‪ " ،‬فإن اعتبار شروط وجود الدين وأصوله ونشأته ال أهمية لها عند من‬
‫يسأل عن قيمة الدين ؛ ألن قيمته فيما ينتجه"‪.‬‬
‫الفرق بين نظرته للدين وعقيدتنا اإلسالمية ‪:‬‬
‫لم يكن " الدين " عند وليم جيمس كموضوع للبحث في ذاته ‪ ،‬ولكن في آثار‬
‫االنفعال الديني ‪ ،‬وهل هذه اآلثار حسنة تحقق األمل ؟ وهل يمكن الحصول عليها‬
‫بطريق آخر خالف الديني ؟‬
‫إنه يرى أن للدين أثرا ً أخالقيا ً ‪ ،‬كما أنه يتفوق على أي مصدر آخر للحث على‬
‫النشاط والمثابرة وفعاليته تظهر بإيحائه المؤثر في الغالب أكثر من األساليب المادية ‪،‬‬
‫ويضرب على ذلك مثاالً بالطبيب الذي يعترف بأن شفاء المريض ال يتحقق بالعالج‬
‫المادي وحده‪ ،‬بل باإليحاء الناجم عن قوة اإليمان ‪.‬‬
‫وهذا الرأي ـ كما يقول " برتراندرسل " ـ ال يقنع مؤمنا ً مخلصا ً في إيمانه ‪،‬‬
‫ألن المؤمن ال يطمئن إال متى استراح إلى موضوع لعبادته وإيمانه‪ ،‬إن المؤمن ال‬
‫يقول ‪ :‬إني إذ آمنت باهلل سعدت ـ ولكنه يقول إني أؤمن باهلل ومن أجل هذا فأنا سعيد‬

‫‪104‬‬
‫‪ ....‬إن االعتقاد بوجود هللا ـ تعالى ـ في نظر المؤمن الصادق مستقل عما يحتمل أن‬
‫يترتب على وجوده من نتائج وآثار "‪.‬‬
‫أما نحن معشر المسلمين فإننا ‪ -‬بحمد هللا ‪ -‬نمتلك أعظم ثروة للعقيدة والقيم‬
‫تضمنها كتاب هللا عز وجل ونفذها الرسول صلى هللا عليه وسلم ؛حيث حقق في‬
‫عقيدته وسلوكه وأخالقياته األسوة الحسنة ـ وجمع بين " الحق " عقيدة وإيمانا ً ‪ ،‬و "‬
‫العمل " أخالقا ً وسلوكا ً ‪ ،‬وحدد األهداف ‪ ،‬ووضع المنهج وأحصى القيم ‪ ،‬مبينا ً‬
‫الطريق الذي يجتازه المسلمون من دنياهم إلى أخراهم‪ ،‬وقد ألف علماؤنا مجلدات في‬
‫هذه األغراض كلها‪ .‬ولكن يكفينا أن نسجل بهذه المناسبة بعض التعليقات التي تصلح‬
‫لعالج آفات " البراجماتية "‪ ،‬التي تبرهن على أن العقل البشرى ال يستطيع الوقوف‬
‫وحده بغير عون من الوحي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أ‪ -‬إن الخير هو الذي يحدد الشرع ويستمد إلزامه منه للتسليم بأن هللا تعالى هو‬
‫العليم الحكيم ‪ .‬قال تعالى ‪ " :‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً‬
‫وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون )‪ ،‬يفسر‬
‫ابن كثير هذه اآلية ببيان وجوب الجهاد وآثار قتال أعداء اإلسالم من النصر والظفر ثم‬
‫يمضي في تفسير قوله تعالى‪ ( :‬وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم ) فيذكر أن " هذا‬
‫عام في األمور كلها‪ ،‬قد يحب المرء شيئا ً وليس له فيه خيرة وال مصلحة ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫القعود عن القتال‪ ،‬قد يعقبه استيالء العدو على البالد والحكم‪ .‬ثم قال تعالى ‪ ( :‬وهللا‬
‫يعلم وأنتم ال تعلمون ) أي هو أعلم بعواقب األمور منكم‪ ،‬وأخبر بما فيه صالحكم في‬
‫دنياكم وأخراكم‪ ،‬فاستجيبوا له‪ ،‬وانقادوا ألمره‪ ،‬لعلكم ترشدون) ‪.‬‬
‫ب‪ -‬كذلك قد يجهل اإلنسان الفروق المرجحة لما يفيده مما يضره ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من‬
‫نفعهما ) ‪:‬‬
‫أما إثمهما فهو في الدين ‪ ،‬وأما المنافع فدنيوية‪ ،‬ولكن هذه المصالح ال توازي‬
‫المضرة والمفسدة الراجحة لتعلقها بالعقل والدين‪ ،‬ولهذا كانت هذه اآلية ممهدة للتحريم‬
‫على البتات كما في سورة المائدة ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر واألنصاب‬
‫واألزالم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع‬
‫بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر هللا وعن الصالة فهل‬
‫أنتم منتهون ) ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن النجاح مطلوب ‪ ،‬والسعي والتنافس على فعل الخيرات مرغوب‪ ،‬فإن‬
‫المؤمن القوي أحب إلى هللا تعالى من المؤمن الضعيف‪ ،‬ولكن ينبغي أن يستظل السعي‬
‫هدفا ً وطريقاًًُ بأوامر الشرع وااللتزام بآدابه‪ ،‬وسنورد هنا بعض اآليات لالسترشاد ‪:‬‬
‫‪105‬‬
‫أ ‪ -‬قد يوسع هللا تعالى الرزق للعبد استدراجا ً له ‪ ،‬ثم ينزل به عقابه الشديد ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪( :‬وال يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير ألنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا‬
‫إثما ً ولهم عذاب مهين)‪.‬‬
‫وقال عز وجل ‪ ( :‬والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث ال يعلمون * وأملي لهم‬
‫إن كيدي متين )‪.‬‬
‫وقال سبحانه وتعالى ‪ ( :‬أيحسبون أنما نمدهم به من ما ٍّل وبنين * نسارع لهم‬
‫في الخيرات بل ال يشعرون) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ال يصلح هللا حال أمة إال إذا صلحت قلوبها وأعدت نفسها للتقوى ‪ ،‬قال‬
‫بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ‪.‬‬
‫تعالى ‪ ( :‬إن هللا ال يغير ما ٍّ‬
‫جـ ‪ -‬تكثر المصائب عند فساد األخالق ‪ ،‬قال تعالى ‪ ( :‬وما أصابكم من مصيبة‬
‫كثير ) ‪.‬‬
‫فبما كسبت أيديكم ويعفو عن ٍّ‬
‫د ‪ -‬وفيما يتعلق بتقوية اإلرادة فهناك آية تبين كيف يربى هللا تعالى المسلم على‬
‫تحمل الشدائد حتى يكون قوي العزيمة معدا ً لتحمل كل خطر ‪ :‬قال تعالى ‪ ( :‬أم حسبتم‬
‫أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا‬
‫حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر هللا أال إن نصر هللا قريب ) ‪.‬‬
‫ثالثا ُ ‪ " :‬ضرورة أعمال الخير إلقامة المجتمعات اإلنسانية ‪:‬‬
‫إن إقامة المجتمع على موازين المكسب والخسارة وحدهما كفيل بهدمه مادامت‬
‫العالقات بين أفراده ال تقوم إال على أساس المصلحة ‪ ،‬والكسب المادي‪ ،‬فكم من‬
‫عالقات أخرى تقوم على اإليثار والتضحية وحب الخير لذاته‪ ،‬وهي التي تكفل تحقيق‬
‫السعادة للمجتمع ؛ ألن التعاطف والتعاون هما الرائدان في حركة المجتمع اإلنساني‪،‬‬
‫وإال تحول إلى غابة من الغابات التي يأكل فيها القوى الضعيف‪.‬‬
‫ومن الصعب ـ بل يتعذر ـ إقناع النفوس بأعمال الخير‪ ،‬التي ال تقوم بالمال‪ ،‬إال‬
‫بنا ًء على عقيدة إيمانية راسخة تتحقق أعماالً خيرة‪ ،‬وتسعى الكتساب فضائل أخالقية‬
‫وتنميها ابتغاء مثوبة هللا تعالى وجنته‪.‬‬
‫إن الحديث عن هذه األعمال يحتاج إلى مجلد كامل ‪ ،‬ونكتفي باإلرشاد هنا إلى‬
‫نزر يسير منها ونحيل القارئ إلى المصادر للتوسع في معرفتها وتنفيذها‪ ،‬لتحقق لنفسه‬
‫الطمأنينة النفسية والسعادة المرجوة ‪ ،‬ولمجتمعه المثالية على المستوى اإلنساني الذي‬
‫تحقق في عصر الحضارة اإلسالمية الزاهرة‪ ،‬مع العلم بأنه كثيرا ُ ما تشتمل هذه‬
‫األعمال على الجزاءين الدنيوي واألخروي ‪:‬‬
‫‪ -‬عن أبى موسى رضي هللا عنه عن النبي صلي هللا عليه وسلم ‪ " :‬على كل‬
‫مسلم صدقة " قال‪ :‬أرايت إن لم يجد ؟ قال ‪ :‬يعمل بيديه ‪ ،‬فينفع نفسه‪ ،‬ويتصدق ‪ ،‬قال‬
‫‪106‬‬
‫‪ :‬أرايت إن لم يستطع ؟ قال ‪ :‬يعين ذا الحاجة الملهوف‪ ،‬قال ‪ :‬أرايت إن لم يستطع ؟‬
‫قال ‪ :‬يأمر بالمعروف أو الخير‪ ،‬قال‪ :‬أرايت إن لم يفعل ؟ قال ‪ :‬يمسك عن الشر فإنها‬
‫صدقة " متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -‬عن جابر رضي هللا عنه أنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " ما‬
‫من مسلم يغرس غرسا ً إال كان ما أكل منه له صدقه ‪ ،‬وما سرق منه له صدقه ‪ ،‬وال‬
‫يرزؤه أحد إال كان له صدقه " رواه مسلم‪ .‬وفى رواية له " فال يغرس المسلم غرسا ً ‪،‬‬
‫فيأكل منه إنسان وال دابة وال طير ‪ ،‬إال كان له صدقة إلى يوم القيامة "‪ .‬وفي الحديث‬
‫المتفق عليه ‪ " :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة" ‪.‬‬
‫أما إبراهيم مصطفى إبراهيم فيقول في كتابه (نقد المذاهب المعاصرة ) ‪:‬‬
‫( يمكن توجيه سهام النقد لفلسفة جيمس الدينية في النقاط اآلتية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬بدأ جيمس آراءه الدينية بقوله ‪ :‬إن الذي يكون صميم الدين ليس الطقوس وال‬
‫الفرائض وال المعتقدات بل يكون صميم الدين العاطفة والشعور الديني ولكن هذا‬
‫الرأي يحتاج منا إلى وقفة ‪ :‬فاإليمان ال يتوقف فقط على العاطفة ؛ ذلك ألن العاطفة‬
‫والوجدان من المعروف عنهما أنهما عواطف متقلبة دائما ً ‪ ،‬وبالتالي فاإلنسان سوف‬
‫يؤمن في حالة مزاجية عاطفية وجدانية‪ ،‬ويعود إلى اإللحاد عندما تتغير حالته‬
‫المزاجية !‬
‫‪ - 2‬وبالطبع فاإليمان ليس كذلك‪ ،‬إنما هو صرح يقوم على أسس عقائدية يؤمن‬
‫اإلنسان ويلتزم بها ويسلم بها ألنها تأتيه من هللا تعالى لصالحه‪.‬‬
‫‪ -3‬يذهب جيمس إلى أن التجربة الدينية تشارك هللا تعالى في خلقها ! وهذا ما‬
‫يتنافى مع يتنافى مع الوحدانية التي هلل تعالى ‪ .‬فهو الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم‬
‫يولد ولم يكن له كفوا أحد‪ .‬فال خالق إال هو ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫‪ - 4‬يذهب جيمس إلى أن هللا تعالى شخصية حقيقية متناهية توجد في الزمان!!‬
‫سبحان هللا ! أي إله هذا الذي يتكلم عنه جيمس ؟ تعالى هللا‪ .‬إن اإلنسان يتصف‬
‫بالتناهي والنقص والضعف ‪ ،‬وهللا تعالى عكس ذلك تماماً؛ فهو الكامل القادر والقاهر‬
‫فوق عباده ‪،‬عنت له الوجوه ودانت له رقاب العباد والبالد ‪ ،‬فسبحان هللا عما يصفون ‪.‬‬
‫‪ - 5‬يقول جيمس ‪ :‬إن هللا تعالى ال يستطيع أن يضمن لنا خيرية العالم!! ولن أرد‬
‫هنا على جيمس بل سأدع القرآن يرد عليه ويبين بعض خير هللا النازل على عباده ‪:‬‬
‫يقول هللا تعالى في محكم التنزيل‪ ( :‬نحن خلقناكم فلوال تصدقون ‪ .‬أفرأيتم ما تمنون ‪ .‬أ‬
‫أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ‪ .‬نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن‬
‫نبدل أمثالكم وتنشئتكم في ما ال تعلمون ‪ .‬ولقد علمتم النشأه األولى فلوال تذكرون ‪.‬‬
‫أفرأيتم ماتحرثون ‪ .‬أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ‪ .‬لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم‬
‫‪107‬‬
‫تفكهون ‪ .‬إنا لمغرمون ‪ .‬بل نحن محرومون ‪ .‬أفرأيتم الماء الذي تشربون ‪ .‬أأنتم‬
‫أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ‪ .‬لو نشاء جعلناه أجاجا ً فلو التشكرون ‪ .‬أفرأيتم‬
‫النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ‪ .‬نحن جعلناها تذكرة ومتاعا‬
‫للمقوين ‪ .‬فسبح باسم ربك العظيم ) ‪.‬‬
‫‪ - 6‬ترى البراجماتية بوجه عام وبراجماتية بيرس وجيمس بوجه خاص أن‬
‫االعتقاد ال اإليمان ال ينفصل عن الشك‪ ،‬ومن ثم فاإليمان على مذهب البراجماتيين ال‬
‫يفارقه الشك ‪.‬‬
‫‪ - 7‬من الخطأ في زعم جيمس التمسك الدائم بالمعتقدات ‪ ،‬فاإليمان الراسخ عنده‬
‫يحجب يحجب عن اإلنسان المعرفة الصحيحة !! وهذه مقولة يطرب لها المالحدة‬
‫والعلمانيون والمنافقون أينما ثقفوا ‪.‬‬
‫‪ - 8‬لذلك فإنه يلزم ـ فيما يزعم جيمس ـ اختيار صحة العقائد من وقت آلخر ‪،‬‬
‫واستبعاد ما يتضح للمرء عدم صحته منها أو عدم صالحيته !! إن معيار اختيار صحة‬
‫العقائد عند جيمس ومن حذا حذوه هو إخضاعها لمحك التجربة ‪ ،‬فهي التي تميز الحق‬
‫من الباطل وليس حكم هللا تعالى ! فإذا أردنا أن نطبق المنهج البراجماتي على إحدى‬
‫العقائد‪ ،‬كاعتقادنا أن هللا تعالى هو الرازق على سبيل المثال ‪ ،‬فال ينبغي على مذهب‬
‫جيمس البراجماتي أن نظل متمسكين دائما ً بهذه العقيدة ‪ ،‬وإنما يتعين علينا اختبارها‬
‫تجري بيا‪ ،‬فإذا تبين ألحدنا أن هللا تعالى قدر عليه رزقه ‪ ،‬ولم يعطه ما سأل من رزق‬
‫في أي صورة من صوره ‪ ،‬فعليه أن يتخلى فورا ً عن هذه العقيدة !! ألن التجربة أثبتت‬
‫عدم جدواها ‪ ،‬وهكذا يكون المؤمن على طريق البراجماتية إنه كمن يعبد هللا على‬
‫حرف ! ( ومن الناس من يعبد هللا على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته‬
‫فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا واآلخرة ذلك هو الخسران المبين )‪ .‬إن المسلم الحق‬
‫ال يضع عقيدته موضع الشك ‪ ،‬وال يجعل إيمانه باهلل تعالى موضع اختيار ‪ ،‬بل على‬
‫العكس تماما ‪ ،‬يؤمن بأن هللا عز وجل يختبر عباده ) ولنبلونكم بشيئ من الخوف‬
‫والجوع ونقص من األموال واألنفس والثمرات وبشر الصابرين ) ‪ .‬ويقول تعالى ‪( :‬‬
‫أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء‬
‫وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر هللا أال إن نصر هللا قريب )‪.‬‬
‫وهللا تعالى يبتلي العباد بالنعم كما يبتليهم بالنقم ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) فلقد خلق‬
‫هللا اإلنسان ليبتليه ليرى هل يصبر أو يكفر ؟ قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم "‬
‫عجبا ألمر المؤمن‪ ،‬إن أمره كله خير وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ‪ ،‬إن أصابته سراء‬
‫شكر ‪ ،‬فكان خيرا ً له‪ ،‬وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرا ً له " ( رواه مسلم )‪.‬‬
‫أما محمد مهران رشوان فيقول في كتابه " مدخل إلى دراسة الفلسفة المعاصرة " ‪:‬‬
‫‪108‬‬
‫( الفلسفة البراجماتية اسم يطلق على عدد من الفلسفات المختلفة التي تشترك‬
‫في مبدأ عام ؛ وهو أن صحة الفكرة تعتمد على ماتؤديه هذه الفكرة من نفع أيًا كان‬
‫نوع هذا النفع ‪ ،‬أو على ما تؤدي إليه من نتائج عملية ناجحة في الحياة ) ‪.‬‬
‫( أهم االنتقادات التي توجه إلى البراجماتية‪ ،‬نوجزها في التالي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن البراجماتية ال تقدم لنا بحثا ً إيجابيا عن الحقيقة‪ .‬إذ إنها مجرد منهج‬
‫الكتشاف األفكار الخاطئة‪ ،‬وهي التي ليست لها آثار عملية ‪ .‬وهذا منهج سلبي ال‬
‫إيجابي ‪ ،‬ألنها ال تهدف إال إلى استبعاد األفكار الخاطئة ‪ ،‬تلك التي ال تكون لها هذه‬
‫اآلثار العملية ‪ .‬واالستبعاد ـ كما هو واضح ـ منهج سلبي للكشف عن الحقيقة وليس‬
‫إيجابيا بحال من األحوال ‪.‬‬
‫‪ - 2‬يالحظ بعض الباحثين ذلك االمتداد غير المشروع لفكرة المنفعة‪ ،‬فقد كان "‬
‫جيمس جيمس " والبراجماتيون يفخرون باتساع أفقهم ‪ ،‬ولكن الحق أن هذه الروح‬
‫الفضفاضة تبلغ حدا ً يؤدي إلى القضاء على كل معني لكلمة " النافع " عندما كانوا‬
‫يعرفون الحقيقة عن طريق المنفعة ‪ .‬فالنافع في اللغة المتداولة هو ما يفي بحاجة "‬
‫حيوية "‪ ،‬إال أن البراجماتيين قد أضفوا على كلمة الحاجة معان بلغت من الكثرة حدا ً‬
‫لم تعد معه تدل على شيئ ‪ ،‬حتى وال كلمه " النافع " ذاتها‪ .‬فهناك حاجات ترمي إلى‬
‫حفظ الحياة والعمل على استمرارها ‪ ،‬ولكن من الممكن أن نطلق اسم " الحاجة " على‬
‫ما يعبر عن أكثر الميول الوجدانية تنوعا ً ‪ :‬فالمرء بحاجة إلى أن يكون محترما ً ‪،‬‬
‫محبوباً‪ ،‬كما أنه بحاجة إلى أن يحب‪ ،‬والى أن يرى من يحبهم سعداء‪ .‬والغيورون‬
‫الحاقدون بحاجة إلى أن يروا اآلخرين تعساء وأقل سعادة منهم‪ .‬والمرء بحاجة إلى‬
‫اإليمان بوجود هللا‪ ،‬وخلود النفس‪ .‬كما أن هناك حاجات عاطفية وعقلية كالحاجة إلى‬
‫المعرفة والفهم ‪ ...‬وهكذا نالحظ أن " حاجات " اإلنسان و" المنافع " التي تناظرها‬
‫تبلغ من التنوع حدا يجعل كل تعريف للحقيقة بالمنفعة ينتهي آخر األمر إلى أنه ال‬
‫يوضح من طبيعتها أي شيء ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال شك في أن " الحقيقي " نافع على نحو ما ‪ ،‬إال أن ذلك ال يستتبع القول بأن‬
‫المنفعة هي أساس لتعريف الحقيقة ‪ .‬فالحقيقي نافع ألنه " حقيقي " قبل أي اعتبار‬
‫للمنفعة ‪.‬وقد ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن المذهب البراجماتي يعرف الحقيقة‬
‫بأنها ما يفي بالحاجة ‪ ،‬غير أن أول ما نحتاج إليه عندما نبحث عن الحقيقة هو أال‬
‫نكون براجماتيين !! ومعنى ذلك أن القاعدة األساسية التي نضعها عندما نشغل أنفسنا‬
‫بالكشف عن الحقيقة هي أن نصرف كل اعتبار للمنفعة ‪ ،‬ولو تطرق الشك إلى نفوسنا‬
‫وآمنا بشيء ألننا بحاجة إلى هذا اإليمان ‪ ،‬لفقد اإليمان إذن كل قيمة له ‪ .‬ومرة أخرى‬
‫نقول " إن الحقيقي نافع ألنه حقيقي ‪ ،‬وليس حقيقيا ً ألنه نافع "‪ .‬ولنتصور الحالة العقلية‬
‫‪109‬‬
‫لمريض يقول لطبيبه " ال تقل لي سوى ما أحتاج إلى تصديقه " ‪ ،‬أال يكون قوله هذا‬
‫توسال إليه أن يكذب ؟ وهكذا ينتهي األمر بالبراجماتية إلى أن تكون نظرية األكذوبة‬
‫الحيوية التي تقوم على أساس من نزعة الشك ‪ .‬إن جيمس ـ ومعه بقية البراجماتيين ـ‬
‫يلعبون لعبة خاسرة مع الحقيقة ‪ .‬فهو إذ يجعل من الحقيقة ‪ :‬حقنا في االستمرار في‬
‫االعتقاد بما ينفعنا ‪ ،‬إنما يرفض مفهوم الحقيقة بأسره ‪ .‬إن وضع الفكرة ذات النتائج‬
‫المرضية مكان مفهوم الحقيقة معناه فتح الباب ألي خيال لذيذ ‪ .‬فماذا يمكن أن يرضي‬
‫اإلنسان أكثر من استمراره في االعتقاد بأنه ذكي بينما هو في الواقع أبله ؟!! ان العالم‬
‫مليء بالكثير من السخف الذي يستشعر معه اإلنسان قسطا من المتعة‪ .‬وإذا كان تقديم‬
‫األفكار يتم على أساس ما تؤدي إليه من نتائج عملية ‪ ،‬فعند أي حد نستطيع أن نحكم‬
‫على فكرة معينة بناء على هذا األساس ؟ فلو كان هناك شخص يعتقد أن الطريقة لحل‬
‫مشكالته االقتصادية هي السيطرة على أحد البنوك ‪ ،‬لكانت هذه الفكرة صحيحة أحياناً‪،‬‬
‫لما يترتب عليها من نتائج عملية‪ .‬إال أن البراجماتيين يصرون على أن المرء ال بد أن‬
‫يضع في حسبانه ال مجرد النتائج المباشرة التي تترتب على الفكرة‪ ،‬بل آثارها البعيدة‬
‫أيضاً‪ .‬وهنا قد نقول إننا ال نستطيع أن نعرف النتائج العملية لهذه الفكرة ‪ ،‬مادامت‬
‫النتائج البعيدة قد تستمر إلى غير ما حد‪ .‬فقد تعمل الفكرة بنجاح في وقت معين ‪ ،‬ثم‬
‫تفشل في وقت آخر ‪ ،‬ثم تعود للنجاح بعد ذلك ‪ .‬ومعنى هذا أننا ينبغي علينا أن ننتظر‬
‫بال نهاية لكي نتمكن من تقييم نتائج أي اعتقاد ‪ ،‬ومن تقرير ما إذا كانت له نتائج عملية‬
‫أم أنه يفتقر إلى مثل هذه النتائج ‪.‬‬
‫‪ - 4‬أما تطبيق النظرية البراجماتية عن الحقيقة في مجال العلم ‪ ،‬وما ذهب إليه‬
‫جيمس جيمس والبراجماتيون من أن قضايا العلم قضايا حقيقية ألنها مفيدة عملياً‪ ،‬فيبدو‬
‫نسفا ً للحقائق العلمية من أساسها ! إن قبول نظرية معينة واعتبارها صحيحة بدون‬
‫برهان ولمجرد أنها نافعة أو أنها ترضينا من ناحية ما‪ ،‬هو نقيض الموقف العلمي‬
‫تماما‪ .‬إن الفرض المرضي فحسب هو في أغلب األحيان أقرب الفروض إلى الخطأ ‪.‬‬
‫‪ - 5‬أما تطبيق الفكر البراجماتي على المعتقدات الدينية‪ ،‬فيبدو بالنسبة لنا كارثة!‬
‫فإننا ال نسلم بالحقائق الدينية لمجرد أنها نافعة – في نظرنا القاصر‪ .-‬بل ألنها حقائق‬
‫في ذاتها بصرف النظر عن فائدتها ونتائجها العملية الناجحة – بحسب النظرة القاصرة‬
‫‪ .-‬ألننا لو سلمنا بهذا المعيار البراجماتي ـ كما فعل جيمس ـ لكانت أية عقيدة ـ مهما‬
‫تكن أسباب إنكارنا لها ـ حقيقة لمن يرى أنها نافعة له‪ ،‬فتستوي بذلك النحل والبدع‬
‫والديانات المحرفة مع الدين الحق ( اإلسالم )!! لقد تنفس جيمس الصعداء الستطاعته‬
‫إزالة العراقيل التي كانت تقف في طريق معتقداته الدينية‪ ،‬ولكنه كما قال " سنتايانا "‬
‫بقسوة " لم يكن يؤمن حقيقة ‪ ،‬كان يؤمن بأن من حق اإلنسان أن يؤمن بأنه يمكن أن‬
‫‪110‬‬
‫يكون على حق لو آمن " ! إننا لو قلنا لشخص ما " إنني أعتبر عقيدتك خرافة ‪ ،‬ولكن‬
‫إذا كانت مفيدة لك فهي عقيدة حقيقة بالنسبة لك "‪ .‬أليس في ذلك سخرية به ؟!‬
‫‪ - 6‬إن البراجماتية تركز على الفرد ‪ ،‬وتعلي من " الفردية " إلى أقصى حد ‪ .‬وهي‬
‫بذلك تعكس الفردية الممزقة التي سادت أمريكا في القرن التاسع عشر ‪ .‬وهذه الفردية‬
‫بما يرتبط بها من فوضى وغموض تجعل األفراد عاجزين عن تحمل النظام والرقابة‬
‫والمهام االجتماعية‪ .‬إن هذه الفردية هي التي جعلت أواصر قربى بين البراجماتيين‬
‫وبين الفيلسوف السوفسطائي " بروتاجوراس " حين قال ‪ " :‬إن اإلنسان مقياس‬
‫األشياء جميعا ً " ‪ .‬وقد كتب " شيلر " يقول " ينبغي علينا أن نعود مرة أخرى إلى ما‬
‫فعله بروتاجوراس ‪ ،‬فنتخذ األحكام الفردية ألشخاص مفردين نقطة بدء لنا " ‪ .‬لكن‬
‫ليس لنا أن ننسى أن بروتاجوراس هو أحد هؤالء الذين كانوا يخلطون الحق بالباطل‪،‬‬
‫لكي يتصيد في الماء العكر ما هو زائف ومريح ‪ ،‬ويشيد صرح الخطابة على أنقاض‬
‫الفلسفة ‪ .‬لقد الحظ أفالطون بحق في " ثيتاتوس " أننا لو سلمنا بمبدأ بروتاجوراس‪،‬‬
‫لكان معنى ذلك التسليم بأن حجج المجنون تعادل في صدقها حجج العاقل ‪ ،‬وأن أحط‬
‫الحيوانات شأنا قد يكون له رأي في الكون ال يقل حصافة عن رأي اإلنسان الحكيم!!‬
‫وبعد ‪ ...‬إن البراجماتية قد تصلح ألولئك الذين يتمتعون بروح عدوانية ‪ ،‬تسعى إلى‬
‫السيطرة النابليونية ‪ .‬أما بالنسبة ألولئك الذين يتمتعون بالروح اإلنسانية ‪ ،‬ويتمسكون بالمثل‬
‫العليا ‪ ،‬والقيم الدينية‪ ،‬فإن البراجماتية تبدو لهم ضيقة األفق ‪ ،‬محدودة اإلطار‪ ،‬مخيبة لآلمال‬
‫)‬
‫المدرسة العليا لألساتذة في اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫بوزريعة ‪ -‬الجزائر‬

‫‪111‬‬
‫مدخـل إلى علوم التربية‬
‫مـن إعداد األسـتاذيــن ‪:‬‬
‫‪ -‬كمـال عبـد اللــه‬
‫‪ -‬عبـد اللـه قـلــي‬

‫لطلبة اللغة العربية وآدابها‪ -‬السنة األولى‪ -‬اإلرسال ‪3‬‬


‫ملمح أساتذة التعليم األساسي (عن بعد)‬

‫المحور الرابع ‪ :‬األسس االجتماعية للتربية‬

‫‪ -‬مفهوم األسس االجتماعية‬

‫‪ -‬الوظائف االجتماعية‬

‫‪ -‬المؤسسات التربوية‬

‫‪112‬‬
‫األسس االجتماعية للتربية‬
‫تخضع المجتمعات اإلنسانية في الوقت الحاضر لكثير من التغيير والتطور‪-‬‬
‫سرعة ومدى‪ -‬بما لم يسبق أن مارسته في أية فترة من فترات التاريخ اإلنساني هذه‬
‫التغيرات والتطورات التي شملت كل نواحي الحياة السياسية واالجتماعية واالقتصادية‬
‫والتي فرضت نفسها على قيم األفراد وسلوكهم‪ ،‬وعلى المؤسسات االجتماعية المختلفة‬
‫فارتفعت بها‪ -‬أو تحاول ذلك ‪ -‬شكال ومحتوى‪ -‬إلى مستوى المسؤولية لمقابلة التحديات‬
‫والمطالب التي تفرضها هذه التغيرات والتطورات‪.‬‬
‫مفهوم األسس االجتماعية ‪:‬‬
‫هي القوى االجتماعية المؤثرة في وضع المنهج وتنفيذه وتتمثل في التراث‬
‫الثقافي للمجتمع والقيم والمبادئ التي تسوده والحاجات والمشكالت التي يهدف إلى‬
‫حلها واألهداف التي يحرص على تحقيقها‪ .‬وهذه القوى تشكل مالمح الفلسفة‬
‫االجتماعية أو النظام االجتماعي ألي مجتمع من المجتمعات وفي ضوئها تحدد فلسفة‬
‫التربية التي بدورها تحدد محتوى المنهج وتنظيمه وإستراتيجيات التدريس والوسائل‬
‫واألنشطة التي تعمل كلها في إطار متسق لبلوغ األهداف االجتماعية المرغوب في‬
‫تحقيقها‬
‫وهذه القوى تشكل مالمح الفلسفة االجتماعية أو النظام االجتماعي ألي مجتمع‬
‫من المجتمعات‪ ,‬وفي ضوئها تحدد فلسفة التربية التي بدورها تحدد محتوى المنهج‬
‫وتنظيمه واستراتيجيات التدريس والوسائل واألنشطة التي تعمل كلها في إطار متسق‬
‫لبلوغ األهداف االجتماعية المرغوب في تحقيقها‪.‬‬
‫فدور المنهج هو أن يعكس مقومات الفلسفة االجتماعية يحولها إلى سلوك‬
‫يمارسه التالميذ بما يتفق مع متطلبات الحياة في المجتمع بجوانبها المختلفة‪ ,‬ولما كانت‬
‫المدرسة بطبيعة نشأتها مؤسسة اجتماعية أقامها المجتمع من أجل استمراره وإعداد‬
‫األفراد للقيام بمسؤولياتهم فيه‪ ,‬فمن الطبيعي تتأثر بالمجتمع والظروف المحيطة به‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن القوى االجتماعية التي يعكسها منهج ما في مدرسة ما إنما هي تعبير‬
‫عن المجتمع في مرحلة ما‪ ,‬ولذلك تختلف المناهج من حيث الشكل والمنطق من‬
‫مجتمع آلخر تبعا ً لتباين تلك القوى‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تمكين المتعلم العربي من فهم ذاته االجتماعية‪ ،‬وفهم وطنه العربي وديناميكية‬
‫تطوره‪ ،‬ومشاكله وتحدياته االجتماعية بموضوعية وواقعية ونظرة متفائلة‪ ،‬وفي سياق‬
‫ذلك تمكين المتعلم العربي من فهم أسرته وبيئته المحلية متدرجا ً لفهم وطنه والعالم‪ ،‬مع‬
‫‪113‬‬
‫تنمية القدرة لفهم الحضارات والمجتمعات األخرى في العالم‪ ،‬ومع تأكيد اإلحساس‬
‫باالنتماء لآلخرين وقبول اختالفهم وخصوصياتهم الثقافية والتعامل اإليجابي معهم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تأكيد بناء قدرات ومهارات اجتماعية من أهمها ‪:‬‬
‫ـ تنمية االتجاه االجتماعي نحو حب العمل واإلخالص فيه ‪.‬‬
‫ـ وإدراك ضرورته لحياة الفرد وأسرته ووطنه ‪.‬‬
‫ـ تنمية االتجاه االجتماعي اإليجابي نحو العمل اليدوي والمهني الكتساب‬
‫مهاراته األساسية وضرورته لحياة العصر الحديث ‪.‬‬
‫ـ تنمية االتجاه االجتماعي لالعتماد على النفس والقدرة على العمل مع اآلخرين‬
‫والتعاون معهم إلنجاز هذا العمل‪.‬‬
‫ـ خلق الحافز لقبول التغير والتجديد االجتماعي في العادات والتقاليد واألعراف‬
‫االجتماعية التي لم تعد تتفق وحياة العصر الحديث أو التي تعيق النمو والتنمية‬
‫االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬
‫ـ تنمية وتأكيد االتجاه االجتماعي لقبول المساواة بين الرجل والمرأة ومشاركتها‬
‫في الحياة االجتماعية‪ ،‬في إطار من ثوابت وقيم الثقافة العربية اإلسالمية الصحيحة‪،‬‬
‫ونبذ النظرة إلى المرأة على أنها أقل مكانة من الرجل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تطوير إستراتيجية التربية العربية بما يحقق تأكيد المبادئ التالية‪:‬‬
‫ـ تكوين إنسان معتز بأنه عربي ومسلم أو مسيحي من أبناء األمة العربية ‪.‬‬
‫ـ تكوين إنسان معتز بكرامته وذاته الفردية واالجتماعية ‪.‬‬
‫ـ تكوين إنسان يقبل االختالف االجتماعي والثقافي ويحترم اآلخرين في أسرته‬
‫ومجتمعه والعالم‪ ،‬وله القدرة على التعايش والتعامل معهم بروح إيجابية بناءة ‪.‬‬
‫والمدرسة مؤسسة اجتماعية أساسية تمثل جزءا هاما من المجتمع الذي تعيش‬
‫فيه‪ ،‬تتأثر به‪ ،‬مستجيبة للمطالب التي تفرضها قيم المجتمع عليها‪ ،‬بعد شخصيات‬
‫الصغار وتشكلها للمعيشة في المجتمع والمساهمة في حياته‪.‬‬
‫ولقد أنشأ المجتمع المدرسة لكي تعد الجيل الصغير لالشتراك في المنشط‬
‫اإلنسانية التي تسود حياة الجماعة وللتكيف معها‪ ،‬ولإلحساس باألمن والطمأنينة في‬
‫رحابها‪ ،‬ولذلك فشخصية المدرسة تتحدد أبعادها بأبعاد المجتمع الذي تخدمه‪.‬‬
‫وال يقتصر عمل المدرسة على إعداد الجيل الصغير لالشتراك في حياة الجماعة‬
‫والتكيف معها‪ ،‬ولكن هذا اإلعداد يتضمن أيضا القدرة على تجديد هذه الحياة وعلى‬
‫تطعيمها بالدم الجديد‪ ،‬الذي يبعث فيها الحركة والنمو‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وعلى هذا األساس تستجيب المدرسة لمطالب التغير االجتماعي وتحدياته في‬
‫المجتمع الذي تعيش فيه‪ ،‬وتعمل في الوقت نفسه على أن تكون رائدة بهذا التغير‬
‫االجتماعي ومبشرة به وموجهة إليه‪ ،‬عن طريق هذا الجيل الصغير الذي تعده وتشكله‪.‬‬
‫الجمود االجتماعي ‪:‬‬
‫على أن كثيرا من الناس‪ -‬ومن بينهم كثير من المدرسين ‪ -‬ينظرون إلى‬
‫األوضاع القائمة في المدارس على أنها مستمرة ويجب أال تتغير وهم يتساءلون دائما ‪:‬‬
‫لماذا هذا التغيير في نظام التعليم وقوانينه ولوائحه؟ لقد تعلمنا في الماضي في المدرسة‬
‫وسلكنا طريقنا ونجحنا في الحياة‪ ،‬وتعلم المدرسون مادة تخصصهم ونالوا شهادة‬
‫تعترف فيها الدولة لهم بهذا التخصص‪ .‬وهم بهذا كله يحاولون أن يعزلوا المدرسة عن‬
‫التطورات االجتماعية التي تحدث في المجتمع‪ ،‬ناظرين إلى المدرسة نظرة ضيقة‬
‫تنحصر بين حدود مادتهم العملية التي تخصصوا فيها‪ .‬وهنا يبرز سؤال هام خاص‬
‫بعمل المدرسة‪ :‬مداه وأهدافه‪ .‬هل يجب على المدرسة أن تحذر نفسها وتقصر أهدافها‬
‫على نقل أنواع المعارف والمهارات إلى التلميذ ؟ أم أنها يجب أن تتعدى هذه األهداف‬
‫الضيقة لتعنى بتشكيل تخصصات تالميذها سلوكا واتجاهات وعادات وقيما؟ وفي‬
‫الحالة األولى ما هي أنواع المعارف والمهارات التي تحتل األهمية العظمى؟ وفي‬
‫الحالة الثانية ما هو نوع الشخصية اإلنسانية الذي تعمل على تشكيله؟‬
‫ولكن لماذا فشل المدرسون في أن يروا هذه الحقيقة الهامة وهي أن نمط‬
‫المدرسة يرتبط باستجابة تاريخية لمطالب اجتماعية_قد تكون متساندة وقد تكون‬
‫متعارضة‪ -‬تفرض نفسها على تربية الصغير؟ قد يرجع هذا إلى نقص في تعليمهم‬
‫المهني‪ ،‬وإعدادهم الفني‪ ،‬إذ أن كثيرا من المدرسين قد أعدوا من ناحية تخصصهم في‬
‫مادتهم‪ ،‬ولكنهم لم يتعلموا أن ينظروا إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية في ظل نظام‬
‫اجتماعي معين‪ ،‬وأنها تعمل في حدود هذا اإلطار في عالقاته المتشابكة المتعددة‬
‫المعقدة‪.‬‬
‫إن إحساس المدرس باألسس االجتماعية للمدرسة‪ ،‬ومعرفته باإلطار االجتماعي‬
‫لمادته‪ ،‬وإدراكه للنظام االجتماعي القائم وانعكاساته المختلفة على المدرسة في أهدافها‬
‫ومناهجها وإدارتها وعالقاتها‪ ،‬من أهم ما نهدف إليه‪.‬‬
‫المجتمع والتربية ‪:‬‬
‫لقد اختلف المفكرون والفالسفة في تحديد عالقة التربية بالمجتمع‪ ،‬فمنهم من‬
‫رأى (أرسطو) بان التربية هي الوسيلة الوحيدة الستقرار المجتمع وأنظمته وقيمه‬

‫‪115‬‬
‫وأوضاعه االجتماعية بينما رأى فريق آخر ( أفالطون ) إن التربية وسيلة إلصالح‬
‫المجتمع وتحسينه وتقدمه وتطوره‪.‬‬
‫فلو تأملنا في تاريخ الشعوب لعلمنا كم التربية لعبت دورا هاما في حياتها‪ ،‬مثل‬
‫الحضارة البابلية والمصرية والصينية والفينيقية‪ ،‬حيث أضافت إليها روائع الفكر‬
‫الجديد‪ ،‬فاهتم االثينيون بالتطور الفكري‪ ،‬واعتنوا بتربية اإلنسان‪ ،‬وجعلوا التربية‬
‫همهم األول‪ ،‬حيث أخرجت أثينا نخبة األساتذة العقل البشري والفالسفة الخالدين الذي‬
‫اثروا في العلوم اإلنسانية‪.‬‬
‫وفي اسبرطة لعبت التربية دورا حيويا في بناء المجتمع والذي ال يزال يعتبر‬
‫نموذجا للتربية التي تميزت بطابعها العسكري ونظامها التربوي االنتقائي الصارم‪.‬‬
‫حيث عملت مجتمع متين موحد وقوي في مواجهة أقسى الظروف‪.‬‬
‫أما أثينا فقد عملت على تربية الفرد وركزت على قوة شخصيته لمواجهة‬
‫أصعب الظروف‪ ،‬وقد حرصت التربية عند الرومان على تخريج أجيال مدربين على‬
‫فنون القتال والحرب‪.‬‬
‫حتى التربية الحديثة في بناء المجتمعات الحديثة‪ ،‬هذا ما تفعله األمم‪ ،‬وهذا‬
‫ما فعلته التربية اإلسرائيلية‪ ،‬حتى أعدت دولتها‪ ،‬قامت ببناء مجتمع حربي مستعدا‬
‫دائما للقتال‪ ،‬عن طريق التربية‪.‬‬
‫وفي اليابان نموذج رائع بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ببناء مجتمع‬
‫قوي ومتحضر صناعي‪ ،‬يحمل المسؤولية في جميع االتجاهات‪ ،‬وقد لعبت التربية‬
‫دورا بارزا في هذه الحضارة‪.‬‬
‫وتطبيقا لذلك نشأت األمة والدولة العربية اإلسالمية وتطورت ظروف انتشار القوة‬
‫العربية تحت لواء الرسالة اإلسالمية في مواجهة التحدي الخارجي‪ ،‬بفضل اإلنسان‬
‫العربي المسلم الجديد الذي أصر الرسول على توفير التربية الجيدة له حتى يصوغه‬
‫أوال قبل اإلقدام على نشر الدعوة اإلسالمية‪ .‬إلى أن بدا الوهن والضياع يدب في هذا‬
‫القوم نتيجة بعدهم عن التربية اإلسالمية الصحيحة‪ .‬ومن هنا نرى كيف التربية لعبت‬
‫وال تزال تلعب دورا هاما وأساسيا في بناء اإلنسان والمجتمع وتطويرهما قديما‬
‫وحديثا‪..‬‬
‫وهكذا فان التربية تستطيع تحقيق ذلك باعتبار أنها وظيفة اجتماعية تتفاعل مع‬
‫مجتمعها تأثرا فيه‪ ،‬وخاصة إذا ما استطاعت العمل على‪:-‬‬
‫‪ - 1‬إحداث تنمية اجتماعية حقيقية داخل المجتمع العربي‪ ،‬بمواجهة التخلف‪،‬‬
‫وتحدي حضاري شامل ومتكامل‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ - 2‬إن إحداث تنمية اجتماعية شاملة داخل المجتمع العربي تستوجب من التربية‬
‫تنمية القدرة العربية من الموارد والطاقات الذاتية وحدها على مواجهة التحديات‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن إعداد اإلنسان العربي الذي يمثل الثروة الحقيقية إعدادا حضاريا متميزا‬
‫سيظل يمثل حجر األساس في عملية بناء المجتمع العربي المستقبلي‪ ،‬وهذا يتطلب من‬
‫التربية جهدا واعيا ودورا كبيرا لتحقيقه فكرا وتطبيقا‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن تعمل التربية على جعل الوعي العلمي فكرا ومنهجا وتطبيقا أساسه في‬
‫الحياة العامة‪ ،‬داخل المجتمع العربي‪ ،‬وذلك من خالل تطوير البحث العلمي وتشجيع‬
‫مؤسساته واستيعاب كل منجزاته واإلسهام في تحقيق أهدافه‪.‬‬
‫‪ -5‬منح المرأة العربية كل فرص التعليم المتكافئة باعتبارها تمثل المجتمع‪.‬‬
‫‪- 6‬جعل التخطيط التربوي أساسا ومنهجا دائما لربط أهداف التربية وبرامجها‬
‫ومناهجها بحاجات المجتمع من القوى العاملة والمهارات الالزمة لبنائه وتطويره‪.‬‬

‫التربية … والتعليم في مجتمعنا العربي ‪:‬‬


‫تقوم التربية بتحقيق أهداف والمجتمع أو النظام السياسي الحاكم في هذا‬
‫المجتمع أو ذاك بتأثير المناهج التعليمية والبرامج التربوية الموضوعة بما يتفق‬
‫وأهداف النظام السياسي واالجتماعي وذلك من خالل استخدام المؤسسات التعليمية‬
‫بكل مستوياتها (رياض أطفال‪ ،‬مدارس‪ ،‬معاهد‪ ،‬كليات‪ ،‬جامعات) على اعتبار إنها‬
‫مؤسسات اجتماعية تستمد أهدافها من فلسفة المجتمع المحيط بها‪ .‬التربية المكتسبة في‬
‫المدارس تميل إلى أن يكون لها تأثير مستديم حسب ما تشير إليه الدارسات في علم‬
‫النفس االجتماعي المتصلة بعملية التنشئة االجتماعية بأن المواقف التي يتخذها‬
‫البالغون يمكن تعقيمها بشكل جزئي إلى ما تعلمون بالمدرسة االبتدائية‪.‬‬
‫التعليم المدرسي ‪ :‬دور المؤسسات التربوية التعليمية بشكل عام يأتي في‬
‫المرتبة الثانية بعد دور األسرة من حيث أهميتها ومسئوليتها في صناعة األجيال‬
‫والفرد واإلنسان إال أنها تلعب دورا ال يقل أهمية عن دور العائلة إن لم يكن مساويا أو‬
‫مكمال له‪ .‬لعل السبب الجوهري في األزمة التربوية تتمثل في عقم العملية التربوية‬
‫التعليمية في المدرسة العربية الذي يرجع إلى عدة عوامل منها ‪:‬‬
‫أنها ال تزال عملية تقوم على السيطرة السلطوية للمعلم الذي يعتمد بدوره‬
‫على استخدام القمع و الضرب والتسلط والعقاب واإلرهاب للطالب‪.‬‬
‫استخدام المدرسين ألساليب التدريس اإللقائية والتقليدية في تعليمهم وتدريسهم‬
‫لتالميذهم وطالبهم‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ألن أساليب التدريس في المدرسة العربية ال تزال تقوم على أساليب الحفظ‬
‫والتسميع والترديد والتكرار اآللي من قبل الطالب‪.‬‬
‫إن هذه العملية التقليدية والتربوية تفتقر إلى األهداف التنموية والفلسفة‬
‫الواضحة والسياسية التعليمية الرشيدة التي يمكن للمعلم والمتعلم االسترشاد بها غي‬
‫عملهم‪.‬‬
‫إن المناهج والبرامج والمقررات التعليمية مناهج نظرية أكثر منها عملية‬
‫تطبيقية ومقررات كالسيكية تقليدية تفتقر إلى الحداثة فيشعر المعلمين والدارسين معها‬
‫باالغتراب والملل والضجر وعدم التشويق‪.‬‬
‫إن العملية التعليمية في مدارسنا ومعاهدنا عملية حرفية تعتمد على الكتاب‬
‫المقرر فقط‪ ،‬كما تعتمد على االمتحانات المثالية كمقاييس لحفظ الطالب للمادة التعليمية‬
‫للتحصيل األكاديمي‪.‬‬
‫إن العملية التربوية التعليمية في مدارسنا العربية تسير بدون تخطيط حقيقي‪.‬‬
‫إن إدارة المدرسة العربية ال تزال إدارة بوليسية تعتمد على أساليب السلطة‬
‫الفوقية بدال من االعتماد على أنماط اإلدارة الحديثة والقيادة التربوية ‪Leadership‬‬
‫الواعية‪.‬‬
‫إن العملية التربوية التعليمية داخل مدارسنا العربية عملية (أحادية) أي من‬
‫طرف واحد هو المعلم فقط‪ ،‬فتفتقر بالتالي إلى التفاعل من أطرافها (المعلم والمتعلم‬
‫والمناهج واإلدارة)‪.‬‬
‫عملية التعليم أصبحت عملية روتينية عميقة من التعلم والمناهج السلبي‪.‬‬
‫كل تلك العوامل ساهمت إلى حد كبير في فشل العملية التربوية التعليمية في مدارسنا‬
‫ومن ثم صياغة وتنشئة وتخريج إنسان عربي آلي ساذج (كالببغاء) ال يحسن التعبير‬
‫عن نفسه وذاته‪.‬‬
‫وحتى الئم النظام التعليمي والتربوي أهداف مجتمعنا العربي والواقع الذي‬
‫نعيشه ال بد من تحقيق ما يلي‪:‬‬
‫صياغة أهداف واضحة لنظامها التعليمي والتربوي المدرسي والجامعي‪.‬‬
‫تعبير األساليب التعليمية التقليدية والتحفيظية من الروضة والمدرسة وحتى‬
‫الجامعة‪.‬‬
‫تغيير المناهج التعليمية والتربوية بحيث تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا مع واقع‬
‫المجتمع وحاجات األفراد المتعلمين وقدراتهم‪.‬‬
‫توفير الفرص للمعلمين واألساتذة والمدرسين لرفع مستوياتهم المعرفية والفنية‬
‫والمهنية‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫ال بد لمدارسنا ومؤسساتنا التعليمية وقيادتها اإلدارية من استخدام التخطيط بكل‬
‫أشكاله ومستوياته وصور المختلفة المرحلي منه واالستراتيجي الشامل في عمليات‬
‫رسم التعليمية أو محاولة تطوير هذه المؤسسات‪.‬‬
‫التعليم العالي ‪:‬‬
‫إن جذور مشكلة تعليمنا الجامعي تبدأ من المدرسة‪ ،‬حيث تصل عدد من طالب‬
‫مدارسنا من التعليم العام إلى الجامعة وهم غير قادرين أو مؤهلين للتعليم الجامعي‬
‫والعالي‪ .‬يصف نائب المدير العام لليونسكو نظام التعليم العربي ( بأنه يمتاز بالجمود‬
‫واالفتقار إلى جو الدراسة الجادة والبحث العلمي الواعي‪ ،‬مثلما يعاني من‬
‫البيروقراطية السافرة والمناهج العتيقة (القديمة) والتقاليد البالية)‪ .‬لم تستطع المدارس‬
‫أو الجامعات العربية حتى اآلن في تحقيق الديمقراطية كنمط بين أجيالها ألن المدرسة‬
‫أو الجامعة نفسها ال يسودها جو ديمقراطي‪ ،‬بل أنهما ال توجدان في مجتمع ديمقراطي‬
‫أصال‪ ،‬ومن هنا فإن األجيال التي ستخرجها هذه المدرسة أو الجامعة هي أجيال‬
‫مقهورة عاجزة‪ ،‬وبالتالي فإن اإلنسان المقهور العاجز ال يستطيع إن بيني حضارة أو‬
‫يحرر أرضا أو وطنا‪ .‬تتبلور مالمح أزمة الجامعات والتعليم العالي في الوطن العربي‬
‫في عدد من المظاهر السلبية التي تسيء إلى النظام متمثلة ‪:‬‬
‫مفهوم المدرسة في المجتمع العربي مفهوم تسلطي يتمثل في فرض نمط فكري‬
‫أو أساسي معين على أذهان الشباب من الطالب أو الطالبات‪.‬‬
‫في البرامج والمناهج التعليمية التعسفية التي تستند إلى المدرسة النظرية وحدها‬
‫دون االهتمام بالتطبيق والتجريب حتى أصحبت سلبية وأحادية الجانب حيث فشلت‬
‫ألنها منفصلة عن حاجاتنا‪.‬‬
‫ما يعانيه النظام الجامعي في الوطن العربي ومؤسساته األكاديمية من التطبيق‬
‫واألخذ بنظم وقواعد غاية في الشدة والصرامة في الحضور والتقديرات‪.‬‬
‫وبهذا فالمشكلة الرئيسية في نظامها التعليمي العالي بشكل عام أنه نظام تقليدي‬
‫متطابق متشابه ليس فيه تجديد أو تطوير أو تنويع سواء في التخصصات أو المقررات‬
‫أو األساليب أو الخرجين‪ .‬من أجل وضع تصور مستقبلي ألهداف وبرامج ومناهج‬
‫نظامنا التعليمي والتربوي ليكون على مستوى من الوعي والقدرة للمشاركة في بناء‬
‫مجتمع المستقبل العربي المنشود مع إطاللة العام األلفي الثالثة فإنه ال بد من العمل‬
‫على تحقيق االستراتيجيات التعليمية والتربوية التالية ‪:‬‬
‫إن نعمل أوال على جعل المدرسة العربية أداه للتغيير والتحرر وخلق الوعي‬
‫االجتماعي بدال من أن يكون مفهومها تسلطيا ودورها قمعيا استعالئيا‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫وضع فلسفة تربوية وتعليمية واضحة تنبثق من تراثنا الحضاري العربي‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫إن نثور مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا بمناهجها وإدارتها وأنظمتها ولوائحها‬
‫وبرامجها التعليمية والتربوية لردم الهوة القائمة بين واقعنا التعليمي والتربوي الحالي‬
‫وبين التعليم اإلبداعي واالبتكار الذي نحلم بتحقيقه بدء من الروضة وحتى الجامعة‪.‬‬
‫إن نحدد أهدافنا وغاياتنا القريبة والبعيدة‪.‬‬
‫إن تطور البرامج والمناهج التعليمية التي تستطيع بها إنتاج إنسان عربي‬
‫متكامل‪.‬‬
‫جعل حياة الطالب العربي بمثابة المحور الذي تدور حوله الدراسة الجامعية‪.‬‬
‫تغيير أنماط التعليم والتعلم وأساليب التدريس التقليدية في مدارسنا ومعاهدنا‬
‫وجامعاتنا‪.‬‬
‫إعداد الكوادر التربوية المؤهلة من المعلمين واإلداريين للعمل في المدارس‪.‬‬
‫وضع خطط زمنية مرحلية وإستراتيجية شاملة ألنظمتنا التعليمية القائمة في‬
‫مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا‪.‬‬
‫تحويل مدارسنا ومؤسستنا التعليمية وجامعتنا إلى مراكز للنشاط الفكري‬
‫والبحث العلمي‪.‬‬
‫عن نستخدم مدارسنا ومعاهدنا وجامعتنا لتكون مراكز للتعلم واالتصال‬
‫الجماهيري والثقافة الشعبية الجماهيرية‪.‬‬
‫إن مسؤولية صناعة وإنتاج اإلنسان العربي المطلوب بمواصفات عصرية‬
‫تتجاوز في أهميتها كل مسؤولياتها وأولويتها أخرى كما تحتاج الشيء الكثير من العمل‬
‫الدءوب والجهد والتنسيق الفعال بين كل األوساط المعنية والوسائط التربوية‬
‫االجتماعية في المجتمع العربي حيث تصبح مسؤولية إعداده ال تقتصر على الدراسة‬
‫أو األسرة بشكل خاص فحسب بل وعلى المؤسسات االجتماعية واإلعالمية والثقافية‬
‫كالمعهد والمؤسسات التعليمية والجامعية واإلذاعة والتلفزيون والمسرح ودور العبادة‪،‬‬
‫بحيث تشترك جميعها في إعداد وإنتاج وتنشئة وصناعة هذا اإلنسان العربي بشكل‬
‫متكامل‪.‬‬
‫الوظائف االجتماعية للتربية ‪:‬‬
‫التربية نظام اجتماعي أساسي في كل المجتمعات دعت إليه ضرورة ملحة‪،‬‬
‫وهي تنشئ األطفال تنشئة اجتماعية وتربيهم ليصبحوا مواطنين صالحين في المجتمع‬
‫‪ ،‬ومن أهم وظائفها االجتماعية‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫أ ‪ -‬نقل التراث الثقافي المسؤول عن تحويل األفراد من الطبيعة البيولوجية إلى‬
‫الطبيعة اإلنسانية‪.‬‬
‫بـ ‪ -‬تجديد التراث الثقافي واإلضافة إليه‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬تحديد مركز الفرد االجتماعي والدور الذي يقوم به‪.‬‬
‫المؤسسات التربوية وأثرها في تربية الفر‬ ‫بع‬
‫والمجتمع‬
‫من المعروف أن التربية نشاط أو عملية اجتماعية هادفة‪ ،‬وأنها تستمد مادتها من‬
‫المجتمع الذي توجد فيه ؛ إذ إنها رهينة المجتمع بكل ما فيه ومن فيه من عوامل‬
‫ومؤثرات وقوى وأفراد ‪ ،‬وأنها تستمر مع اإلنسان منذ أن يولد وحتى يموت ؛ لذلك فقد‬
‫كان من أهم وظائفها إعداد اإلنسان للحياة ‪ ،‬والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه‬
‫المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به‪.‬‬
‫وألن هذا التأثر والتأثير ال يُمكن أن يحصل إال من خالل المؤسسات االجتماعية‬
‫المتنوعة التي تتولى مهمة تنظيم عالقة اإلنسان بغيره‪ ،‬وتعمل على تحقيق انسجامه‬
‫ت ومكونات‪ ،‬فإن العملية التربوية مستمرة مع‬ ‫المطلوب مع ما يُحيط به من كائنا ٍّ‬
‫اإلنسان منذ أن يولد وحتى يموت؛ وتتم من خالل المؤسسات التربوية االجتماعية التي‬
‫تتولى مهمة تربية اإلنسان‪ ،‬وتكيفه مع مجتمعه‪ ،‬وتنمية وعيه اإليجابي‪ ،‬وإعداده للحياة‬
‫فيه‪ .‬وتُعد هذه المؤسسات التربوية بمثابة األوساط أو التنظيمات التي تسعى‬
‫المجتمعات إليجادها تبعا ً لظروف المكان والزمان‪ ،‬حتى تنقُل من خاللها ثقافاتها‪،‬‬
‫وتطور حضاراتها‪ ،‬وتُحقق أهدافها وغاياتها التربوية‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن المؤسسات التربوية ال تكون على نمطٍّ واحد‪ ،‬أو‬
‫كيفي ٍّة واحدةٍّ طول حياة اإلنسان‪ ،‬إذ إنها متعددة األشكال‪ ،‬مختلفة األنماط‪ ،‬وتختلف‬
‫باختالف مراحل عمر اإلنسان‪ ،‬وظروف مجتمعه‪ ،‬وبيئته المكانية والزمنية‬
‫والم عيشية‪ ،‬وما فيها من عوامل وقوى‪ .‬كما تختلف باختالف نوعية النشاط التربوي‬
‫فيها‪.‬‬ ‫ممارسته‬ ‫تتم‬ ‫الذي‬
‫ُ‬
‫وهنا يمكن تعَريف المؤسسات التربوية بأنها تلك البيئات أو األوساط التي تساعد‬
‫اإلنسان على النمو الشامل لمختلف جوانب شخصيته‪ ،‬والتفاعل مع من حوله من‬
‫الكائنات‪ ،‬والتكيف مع من ما حوله من مكونات‪.‬‬
‫ويأتي من أبرز وأهم هذه المؤسسات التربوية في المجتمع األسرة والمدرسة‬
‫وجماعة الرفاق إلى جانب المسجد ووسائل اإلعالم واألندية وأماكن العمل ونحوها من‬

‫‪121‬‬
‫المؤسسات المختلفة التي تؤثر على تربية اإلنسان سوا ًء كان ذلك التأثير بطريق ٍّة‬
‫ُمباشرةٍّ أو غير مباشرة ‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن تربية اإلنسان ال يمكن أن تتم إال من خالل بعض المؤسسات أو‬
‫الوسائط االجتماعية المختلفة ‪ .‬ونظرا ً لكثرة هذه المؤسسات وتنوعها واختالف أشكالها‬
‫ع َرف المجتمع المسلم عبر تاريخه الطويل عددا ً من هذه المؤسسات‬ ‫وأنماطها‪ ،‬فقد َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫االجتماعية التربوية والتعليمية المختلفة التي كانت نتاجا طبيعيا للعديد من المطالب‬
‫حين وآخر على العالم اإلسالمي‪ .‬بل‬ ‫والتحديات والتغيرات الحضارية التي طرأت بين ٍّ‬
‫عرفت في اإلسالم إنما نشأت استجابةً‬ ‫إن كل مؤسسة من المؤسسات التربوية التي ُ‬
‫لحاج ٍّة وظروفٍّ اجتماعي ٍّة معينة ‪.‬‬
‫ويأتي من أبرز هذه المؤسسات التربوية والتعليمية ما يلي ‪:‬‬
‫‪ ) 1‬األُسرة ( المنـزل ) ‪:‬‬
‫وهي الخلية األولى التي يتكون منها نسيج المجتمع ‪ ،‬كما أنها الوسط الطبيعي‬
‫الذي يتعهد اإلنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره األولى ‪ .‬وقد حث اإلسالم‬
‫على تكوينها واالهتمام بها ألثرها البارز في بناء شخصية اإلنسان وتحديد معالمها منذ‬
‫الصغر‪ .‬وتتكون األسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة‬
‫الواحدة؛ وتربطهم رابطةٌ شرعيةٌ قائمةٌ على المودة والمحبة‪.‬‬
‫وتُعد األسرة أهم المؤسسات التربوية االجتماعية التي لها الكثيـر من الوظائف‪،‬‬
‫وعليها العديد من الواجبات األساسية حيث تُعتبر بمثابة المحضن األول الذي يعيش‬
‫اإلنسان فيها أطول فترةٍّ من حياته ‪ ،‬كما أن اإلنسان يأخذ عن األُسرة العقيدة‪،‬‬
‫واألخالق ‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬وغير ذلك من السلوكيات اإليجابية أو‬
‫السلبية ‪.‬‬
‫ولألسرة وظائف كثيرة ٌ ومتنوعة السيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع‬
‫الجوانب الشخصية لإلنسان في مختلف مراحل عمره ‪ .‬وعلى الرغم من اشتراك‬
‫األسرة المسلمة مع غيرها من األسر في أداء بعض الوظائف التربوية ؛ إال أن لألُسرة‬
‫المسلمة بعضا ً من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ) العمل على تزويد المجتمع المسلم بالذرية الصالحة التي تُحقق قوله صلى هللا‬
‫كاثر بكم " ( رواه النسائي)‪ .‬والتي تكون‬ ‫عليه وسلم‪ " :‬تزوجوا الولود الودود ؛ فإني ُم ٌ‬
‫عامالً قويا ً في تحقق واستمرار الحياة األُسرية‪ ،‬وضمان استقرارها‪.‬‬
‫ب ) تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد األسرة حتى تتم‬
‫فعم بالسعادة بعيدا ً عن القلق والتوتر والضياع ‪ .‬ويأتي ذلك‬ ‫جو ُم ٍّ‬ ‫عملية تربيتهم في ّ ٍّ‬
‫تحقيقا ً لقوله تعالى ‪َ } :‬و ِّم ْن آ َيا ِّت ِّه أ َ ْن َخلَقَ لَ ُك ْم ِّم ْن أ َ ْنفُ ِّس ُك ْم أ َ ْز َواجا ً ِّلت َ ْس ُكنُوا ِّإلَ ْي َها َو َجعَ َل‬
‫‪122‬‬
‫ت ِّلقَ ْو ٍّم يَتَفَ َّك ُرون َ{ ( سورة الروم ‪ :‬اآلية رقم ‪) 21‬‬ ‫بَ ْينَ ُك ْم َم َودَّة ً َو َرحْ َمةً إِّ َّن فِّي ذَلِّكَ آليا ٍّ‬
‫‪.‬‬
‫ج ) ُحسن تربية األبناء والقيام بواجب التنشئة االجتماعية اإليجابية ‪ ،‬والعمل‬
‫على صيانة فطرتهم عن االنحراف والضالل ‪ ،‬تحقيقا ً لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪":‬‬
‫صرانِّ ِّه ‪ ،‬أو يُم ِّ ّجسانِّ ِّه " ( رواه‬ ‫ُك ُّل مولو ٍّد يُولدُ على الفطرة فأبواهُ ي ّ ِّ‬
‫ُهودانِّ ِّه ‪ ،‬أو يُن ِّ ّ‬
‫البخاري) ‪.‬‬
‫د ) توفير مقومات التربية اإلسالمية الصحيحة ألفراد األسرة عن طريق العناية‬
‫بمختلف الجوانب الشخصية لإلنسان ( روحياً‪ ،‬وعقلياً‪ ،‬وجسمياً)‪ .‬والحرص على‬
‫توازنها وتكاملها لما لذلك كله من األثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة‬
‫السوية‪ ،‬والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها من المكونات ‪ ،‬ومن حولها من‬
‫الكائنات بصورةٍّ ايجابي ٍّة ‪ ،‬ومستمرةٍّ طول فترة الحياة ‪.‬‬
‫هـ ) الحرص على توعية أعضاء األسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافعٍّ ومفيد‬
‫‪ ،‬والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة ‪ ،‬وحمايتهم من كل ما يُهدد سالمتهم‬
‫وسالمة غيرهم ‪ ،‬وتعليمهم األخالق الكريمة‪ ،‬واآلداب الفاضلة‪ ،‬والعادات الحسنة حتى‬
‫يشبون عليها‪ ،‬ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل‪ ،‬والتخلي عن الرذائل ‪.‬‬
‫و) إكساب أعضاء األسرة الخبرات األساسية والمهارات األولية الالزمة لتحقيق‬
‫تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة ‪ ،‬وإكسابهم الثقة بالنفس‪ ،‬والقدرة على التعامل مع‬
‫اآلخرين ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن الدور التربوي لألسرة في عصرنا الحاضر قد‬
‫تقلص بعض الشيء ولم يعد بنفس المنـزلة التي كان عليها من قبل‪ ،‬والسبب في ذلك‬
‫ت اجتماعي ٍّة أُخرى تمكنت في العصر الحاضر من ُمزاحمة األسرة‬ ‫أن هناك مؤسسا ٍّ‬
‫والسيطرة على معظم الوقت الذي يقضيه اإلنسان تحت تأثيرها ومن هذه المؤسسات‬
‫وسائل اإلعالم التي تُعد بحق في عصرنا أهم وأبرز المؤسسات التربوية االجتماعية‬
‫المؤثرة تأثيرا ً فاعالً في حياة اإلنسان صغيرا ً كان أو كبيراً‪ ،‬جاهالً أو ُمتعلما ً ‪ ،‬ذكرا ً أو‬
‫أُنثى ‪.‬‬
‫الدور التربوي لألسرة ‪:‬‬
‫يأتي مفهوم البيت واألسرة دائما ً مع وجود األبناء فالهدف من تكوين األسرة هو‬
‫حصول الوالدين على أبناء وبمعنى آخر فاألسرة كيان يتم بناءه من أجل الوصول إلى‬
‫أهداف معينة أهمها إنجاب األبناء وتربيتهم‪ ،‬والواقع أن تربية األبناء ليس باألمر‬
‫السهل بل هي مسؤولية كبيرة تقع على عاتق األسرة حيث يتطلب األمر الكثير من‬
‫الجهد والتخطيط فإذا ابتغى الوالدان التوفيق في تربية أبناء صالحين وبناء مستقبل‬
‫‪123‬‬
‫واعد لهم ينبغي عليهما تحديد أهداف تربوية معينة ومعرفة الوسائل والطرق الالزمة‬
‫للحصول على تلك األهداف حيث يشكل ذلك برنامجا ً تربويا ً متكامالً وعلى الوالدين‬
‫تربية أبنائهم وفق هذا البرنامج‪.‬فالوالدان اللذان ال يفكران في تربية أبنائهم ال يحق لهما‬
‫انتظار المعجزة والمستقبل من أبنائهم فكما نسمع في الزراعة اصطالحات الري‬
‫والغرس وجني الثمار ففي عملية التربية والتعليم أيضا ً ما يشابه ذلك أي أن األبناء‬
‫يعتبرون الثمار الناتجة من الجهود التربوية للوالدين وهناك جوانب أساسية في التربية‬
‫ينبغي على األسرة مراعاتها أهمها ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬تنمية شخصية الطفل واكتشاف القدرات الذاتية ‪:‬‬
‫اإلنسان في طفولته يملك مواهب فكرية ونفسية وعاطفية وجسمية ووظيفة‬
‫األسرة تنمية هذه المواهب واكتشاف القدرات والصفات التي يملكها أبنائهم والتعرف‬
‫إلى نقاط القوة والضعف وفي الواقع تختلف قابلية األطفال ومقدرتهم في تلقي الدروس‬
‫حيث التباين الفردي والتنوع في الميول واالتجاهات وفي هذا الجانب ينبغي على‬
‫األسرة والمدرسة مراعاة ذلك‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تنمية العواطف والمشاعر‪:‬‬
‫العواطف والمشاعر مثلها مثل غيرها من مقومات الشخصية لدى اإلنسان‬
‫تحتاج إلى التربية واإلرشاد ولعل من أهم العوامل التي يجب أن تراعيها األسرة‬
‫الالمباالة وعدم االكتراث واالهتمام بمطالبهم ألن هذه المشاعر هي عالمات تدل على‬
‫ميل نحو بعض األمور أو بالعكس تفسر نفوره وعدم ميله نحو أمور أخرى فإذا علم‬
‫الوالدان ذلك أمكنهم تصحيح المسار نحو الوجهة السليمة‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬تنظيم وقت الطالب واستغالل ساعات الفراغ ‪:‬‬
‫هذا الجانب من أهم الجوانب التي يجب على األسرة مراعاتها حيث يعتبر‬
‫الفراغ مشكلة المشاكل عند الشباب وعليه فإن المسؤولية تقع على ولي األمر فيجب‬
‫عليه تنظيم وقت الطالب بحيث يكون هناك وقت كافي ومناسب للمذاكرة ووقت‬
‫مناسب آخر للترفيه في األشياء المفيدة وفي هذا الجانب يعتبر قرب ولي األمر من‬
‫أبنائه ومتابعته لهم ومنحهم الرعاية هي أقصر الطرق لسد ساعات الفراغ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬مراعاة توفير الحاجات النفسية ‪:‬‬


‫إن األطفال لهم حاجات نفسية مختلفة منها اطمئنان النفس والخلو من الخوف‬
‫واالضطراب والحاجة للحصول على مكانة اجتماعية واقتصادية مالئمة والحاجة إلى‬
‫الفوز والنجاح والسمعة الحسنة والقبول من اآلخرين وسالمة الجسم والروح‪ ،‬وعلى‬

‫‪124‬‬
‫الوالدين إرشاد أبنائهم وتربيتهم التربية الصحيحة حتى ال تنحرف حاجاتهم فتتولد‬
‫لديهم مشكالت نفسية واجتماعية ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬اختيار األصدقاء ‪:‬‬
‫تعتبر الصداقة وإقامة العالقات مع اآلخرين من الحاجات األساسية لألبناء‬
‫خصوصا ً في سن الشباب فاألطفال والناشئون يؤثرون على بعضهم البعض ويكررون‬
‫ما يفعل أصدقاؤهم وبكل أسف يتورط عدد من شبابنا في انحرافات خلقية نتيجة‬
‫مصاحبة أصحاب السوء ‪ ،‬ومن أجل اختيار الصديق الصالح يجب على الوالدين أو‬
‫على األسرة كلها توضيح معايير الصداقة ألبنائهم وصفات الصديق غير السوي مع‬
‫المتابعة المستمرة لذلك‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬العالقات األسرية وأسس التعامل مع األبناء ‪:‬‬
‫إذا بنيت عالقات األسرة على االحترام سيكون بناؤها قويا ً متينا ً وهذا في الواقع‬
‫يؤثر تأثيرا ً إيجابيا ً على مستقبل األبناء وعالقاتهم االجتماعية وإذا عامل األبوان‬
‫أبناءهم معاملة حب وتكريم فإن حياتهم تكون خالية من القلق واالضطراب أما‬
‫استعمال العنف واأللفاظ البذيئة يسبب إضعاف شخصية االبن وتوتره وعموما ً ينبغي‬
‫التوازن في التربية أي ال إفراط وال تفريط حتى ال تكون هناك نواحي عكسية‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬القدوة الحسنة ‪ :‬األطفال يقلدون في سلوكياتهم اآلباء واألمهات والمعلمين‬
‫فاألطفال الصغار يتأثرون أكثر بآبائهم وأمهاتهم لكن عند ذهابهم إلى المدرسة يتأثرون‬
‫أكثر بمعلميهم‪ ،‬وعلى هذا يجب أن يعلم المربون أن أفكارهم وسلوكهم وكالمهم نموذج‬
‫يحتذى به من قبل األبناء وعليه يجب أن يكونوا قدوة في كافة تصرفاتهم‪.‬‬
‫‪ ) 2‬المسجد ‪:‬‬
‫يُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات االجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية‬
‫اإلسالمية ارتباطا ً وثيقا ً نظرا ً لعد ٍّد من العوامل التي أدت في مجموعها إلى ذلك‬
‫االرتباط والتالزم‪ ،‬السيما وأن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم األول مجرد مكان‬
‫ألداء العبادات المختلفة فقط بل كان أشمل من ذلك ؛ إذ كان جامعا ً ألداء العبادات من‬
‫سنن والنوافل‪ ،‬وجامعةً للتعليم وتخريج األكفاء من الخلفاء والعلماء‬ ‫الفرائض وال ُ‬
‫والفقهاء واألمراء‪ ،‬ومعهدا ً لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع ‪ ،‬ومركزا ً للقضاء‬
‫والفتوى ‪ ،‬ودارا ً للشورى وتبادل اآلراء‪ ،‬ومنبرا ً إعالميا ً إلذاعة األخبار وتبليغها‪،‬‬
‫ومنـزالً للضيافة وإيواء الغرباء‪ ،‬ومكانا ً لعقد األلوية وانطالق الجيوش للجهاد في‬
‫سبيل هللا تعالى ‪ ،‬ومنتدُى للثقافة ونشر الوعي بين الناس‪ ،‬إلى غير ذلك من الوظائف‬
‫االجتماعية المختلفة‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫وبذلك يمكن القول إن المسجد في اإلسالم يُعد جامعا ً وجامعةً‪ ،‬ومركزا ً لنشر‬
‫الوعي في المجتمع‪ ،‬ومكانا ً الجتماع المسلمين‪ ،‬ولم شملهم ‪ ،‬وتوحيد صفهم ‪ .‬وهو‬
‫مكان‪ ،‬وأطهر بقعةٍّ‪ ،‬وأقدس مح ِّّل يمكن أن تتم فيه تربية اإلنسان المسلم‬
‫ٍّ‬ ‫بحق أفضل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتنشئته‪ ،‬ليكون بإذن هللا تعالى فردا صالحا في مجتمعٍّ صالحٍّ‪.‬‬
‫ولعل من أهم ما يُميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يُعطي‬
‫ٌ‬
‫مكان للتعليم والتوعية الشاملة‪،‬‬ ‫التربية اإلسالمية هويةً مميزة ً لها عن غيرها‪ ،‬وأنه‬
‫التي يُفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختالف مستوياتهم‪ ،‬وأعمارهم‪ ،‬وثقافاتهم‪،‬‬
‫وأجناسهم‪ ،‬إضافةً إلى فضل التعلم في المسجد ‪ ،‬وما يترتب على ذلك من عظيم األجر‬
‫وجزيل الثواب‪ .‬فقد روي عن أبي هريرة رضي هللا عنه أنه قال ‪ :‬قال رسول هللا‬
‫ت من بيوت هللا ‪ ،‬يتلون كتاب هللا ‪،‬‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬وما اجتمع قو ٌم في بي ٍّ‬
‫ويتدا رسونه بينهم إال حفتهم المالئكة ‪ ،‬ونزلت عليهم السكينة ‪ ،‬وغشيتهم الرحمة‪،‬‬
‫وذكرهم هللا فيمن عنده " ( رواه ابن ماجة ‪ ،‬ج ‪ ،1‬الحديث رقم ‪ ، 225‬ص ‪. ) 82‬‬
‫‪ ) 3‬المدرسة ‪:‬‬
‫وهي من أهم وأبرز المؤسسات االجتماعية التربوية التي أنشأها المجتمع للعناية‬
‫بالتنشئة االجتماعية ألبنائه ‪ ،‬وتربيتهم ‪ ،‬وتهيئتهم ‪ ،‬وإعدادهم للحياة ‪ .‬كانت تربية‬
‫األبناء قبل إنشاء المدارس بيد اآلباء ورجال الدين وكان األطفال يتعلمون عن طريق‬
‫تقليد الكبار ونتيجة لتضخم التراث البشري وصعوبة تقليد الصغار للكبار نشأت‬
‫الحاجة للمدارس‪.‬‬
‫فالمدرسة مؤسسة اجتماعية تعمل على تحقيق أهداف المجتمع والمحافظة عليها‬
‫من خالل مسئوليتها بتربية التالميذ وإعدادهم بالمعلومات واالتجاهات والقيم الالزمة‬
‫لهم في الحياة‪.‬‬
‫ولقد تميز القرن العشرين بازدياد إشراف الدول على التعليم لدرجة أن معظم‬
‫الدساتير الحديثة تتضمن مواد تتعلق بالتعليم من حيث تخطيطه وتنظيمه وتمويله‪ ,‬كما‬
‫توسعت الدول في فتح المدارس من أجل المحافظة على التراث الثقافي للمجتمع‬
‫وإعداد المواطنين بما يتفق وخصائص المجتمع وأهدافه‪ ,‬وهو مما يجب أن يقوم به‬
‫المنهج ويعمل على تحقيقه‪.‬‬
‫فالمدرسة ال تعمل في فراغ وإنما لها عالقة بكل مؤسسات المجتمع من األسرة‪,‬‬
‫المؤسسات الدينية‪ ,‬وسائل اإلعالم‪ ,‬مؤسسات أخرى مثل السينما والمسرح واألندية‬
‫والجمعيات والمعارض والمكتبات والمتاحف‪.‬‬
‫إن الوظيفة األولى للمدرسة هي إعداد الناشئة للمحافظة على القيم والمبادئ‬
‫األساسية السائدة في المجتمع فمن واجب القائمين على تخطيط المنهج تحليل هذه القيم‬
‫‪126‬‬
‫والمبادئ للتمكن من وضع منهاج تربوي يساير األوضاع االجتماعية ويلبي‬
‫احتياجاتها‪ .‬وانطالقا ً من أهمية التعليم كقوة فاعلة في تحقيق األهداف التي يسعى إليها‬
‫كل مجتمع فقد أصبح وظيفة عامة تشرف عليها الدولة‪ ,‬وهذا ما دفع معظم الدول‬
‫الحديثة إلى جعل التعليم مجانيا ً وإلزاميا ً لفترة من الوقت المنهج يقوم على أساسين‬
‫هما‪:‬‬
‫‪ ‬فهم األهداف االجتماعية فهما ً عميقا ً والعمل على تلبيتها‪.‬‬
‫‪ ‬قيام المدارس بدور إيجابي في مساعدة التالميذ على تحليل وفهم تلك األهداف‬
‫وتنفيذها ‪.‬‬
‫من أول واجبات المدرسة تزويد التالميذ بالقدر المناسب من ثقافة مجتمعهم‬
‫الذي يعيشون فيه‪ ,‬وال بد لمعرفة العالقة بين المنهج المدرسي وثقافة المجتمع من‬
‫توضيح مفهوم الثقافة وما أصابه من تطور‪.‬‬
‫فالثقافة – أو التراث الثقافي– هي طريقة الحياة الكلية للمجتمع بجوانبها الفكرية‬
‫والمادية وتشمل الثقافة اللغة وأسلوب تناول الطعام وارتداء المالبس والعادات والتقاليد‬
‫والمعارف العلمية والنظم العائلية واالقتصادية والسياسية‪ ,‬ومما يعتنقه الناس من قيم‬
‫دينية وخلقية وآراء سياسية وغيرها من أساليب الحياة‪.‬‬
‫وقد نتج عن هذا التطور في مفهوم الثقافة تغير في مفهوم المنهج فبعد أن كانت‬
‫المناهج تتناول الجانب الفكري المعرفي من حياة المجتمع أصبحت تتناول أوجه الحياة‬
‫التي تؤثر في الفرد والمجتمع‪ .‬وعلى الرغم من أنه ال يُعرف متى وأين وكيف ظهرت‬
‫أول مدرس ٍّة في التاريخ إال أنه يُمكن القول إنها ظهرت عندما دعت الحاجة إليها ‪.‬‬
‫ولعل من أبرز وأهم وظائف المدرسة ما يلي ‪:‬‬
‫* أنها تعمل على تبسيط ونقل التُراث المعرفي والثقافي ونحو ذلك من جيل‬
‫الكبار إلى جيل الصغار ‪ ،‬أو من المعلمين إلى الطالب تبعا ً لما يتناسب واستعداداتهم‬
‫وقدراتهم المختلفة‪ ،‬فينتج عن ذلك جي ٌل متعل ٌم و ُمثقف ‪.‬‬
‫* أنها تعمل على استكمال ما كان قد تم البدء فيه من تربي ٍّة منزلية للفرد‪ ،‬ثم‬
‫تتولى تصحيح المفاهيم المغلوطة ‪ ،‬وتعديل السلوك الخاطئ ‪ ،‬إضافةً إلى قيامها بمهمة‬
‫التنسيق والتنظيم بين مختلف المؤسسات االجتماعية ذات األثر التربوي في حياة الفرد‬
‫فال يحدث نوع من التضارب أو التصادم أو العشوائية ‪.‬‬
‫كبير في عصرنا الحاضر حينما تكون في معظم األحيان بديالً‬ ‫بدور ٍّ‬
‫ٍّ‬ ‫* أنها تقوم‬
‫لألُسرة إذ يتشرب الصغار فيها عادات وقيم وأخالق وسلوكيات مجتمعهم الذي‬
‫يعيشون فيه ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫* أنها بمثابة مركز اإلشعاع المعرفي في البيئة التي توجد فيها‪ ،‬إذ إنها تُقدم‬
‫ت كثيرة ومنافع عديدة من خالل نشر الوعي الصحيح بمختلف‬ ‫للمجتمع كله خدما ٍّ‬
‫القضايا ‪ ،‬وكيفية التعامل السليم مع من حول اإلنسان وما حوله ‪.‬‬
‫* أنها تعمل على إشاعة الوعي اإليجابي عند أبناء المجتمع تجاه مختلف‬
‫باشر أو غير ُمباشر ‪.‬‬
‫ق ُم ٍّ‬‫القضايا الفردية أو الجماعية سوا ًء كان ذلك بطري ٍّ‬
‫‪ ) 4‬وسائل اإلعالم ‪:‬‬
‫وهي مؤسسات اجتماعية تربوية إعالمية تكون في العادة مرئيةً‪ ،‬أو مسموعةً‪،‬‬
‫أو مقروءة‪ .‬وتُعد هذه الوسائل على اختالف أنواعها من أهم وأبرز الوسائط التربوية‬
‫في عصرنا الحاضر‪ ،‬وأكثرها تأثيـرا ً على تربية وثقافة ووعي اإلنسان‪ ،‬حيث تُقدم‬
‫برامج مختلفة وثقافات متنوعة من خالل وسائلها الجماهيرية المختلفة التي منها ‪:‬‬
‫اإلذاعة‪ ،‬والتلفزيون‪ ،‬والفيديو‪ ،‬والصحافة‪ ،‬وشبكة اإلنترنت‪ ،‬وأشرطة التسجيل‬
‫السمعية‪ ،‬والسينما‪ ،‬والمسارح‪ ،‬والمعارض‪ ،‬والمتاحف‪ ،‬وغيرها من الوسائل األُخرى‬
‫التي تُخاطب جميع الفئات‪ ،‬ومختلف األعمار‪ ،‬وتدخل كل بيت‪ ،‬وتصل إلى كل مكان‪.‬‬
‫وتمتاز وسائل اإلعالم بقدرتها الفائقة على جذب اهتمام الناس من مختلف األعمار‪،‬‬
‫والثقافات‪ ،‬والبيئات‪ .‬كما تمتاز بأن لها تأثيرا ً قويًّا على الرأي العام في مختلف‬
‫ت عريض ٍّة من فئات المجتمع‪ ،‬وهذا يعني أنه‬ ‫الظروف‪ ،‬وأن تأثيرها يصل إلى قطاعا ٍّ‬
‫من المهم جدًّا استثمارها ‪ ،‬واإلفادة منها‪ ،‬والعمل على تسخيرها بشتى الطرق‬
‫والكيفيات لخدمة أهداف وأغراض التربية اإلسالمية‪ ،‬عن طريق التنسيق المستمر بين‬
‫هذه الوسائل وغيرها من المؤسسات التربوية األُخرى في المجتمع ‪.‬وعن طريق إسناد‬
‫مهمة اإلشراف عليها لمن تتوافر فيه الكفاءة الدينية وال ُخلقية والعلمية والمهارية ‪.‬‬
‫اإلعالم العربي والتربية ‪:‬‬
‫تعتبر وسائطنا ووسائلنا اإلعالمية العربية أو كما نسميها بوسائل االتصال‬
‫الجماهيرية أو أدوات تستهدف السلطة بها ومن خالل التأثير بالجماهير والناس بشكل‬
‫عام‪ ،‬حيث تستطيع هذه الوسائل أن تلعب دورا حاسما ومؤثرا في تشكيل اتجاهات‬
‫الرأي العام وتحديد المواقف واالتجاهات نحو مختلف القضايا والمشكالت التي‬
‫تواجهها المجتمعات‪ ،‬ومثلما لها دورا هاما جدا وفعاال إعالميا فإن لها أيضا دورا‬
‫تعليميا وتربويا في عملية النمو السلوكي للفرد والجماعة إلى الحد الذي تمارس فيه‬
‫السيطرة على عملية اإلرشاد والتوجيه فرديا وجماعيا‪ ،‬وقد أوضح (بروان ‪)1980‬‬
‫و(موليندا ‪ )1983‬خصائص هذه الوسائل في مجال اإلبداع واالبتكار من حيث أنها‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ -‬تعمل على إثراء خبرات الطفل المتعلم من المعلومات والمعارف في جميع‬
‫مجاالت المعرفة كالرموز أو الصور الذهنية المسموعة أو المركبة والكلمات‬
‫المقروءة‪.‬‬
‫‪ -‬تساعد على تنمية المهارات الالزمة للسلوك اإلبتكاري‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية االتجاهات االيجابية والتفكير اإلبتكاري في حل المشكالت‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة خبرات الطفل وتجاوزه حدود الزمان والمكان فتزداد قدرات الطفل‬
‫على التعرف على المجتمع الذي تعيش فيه والتعامل معه‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية قدرة المتعلم على الخيال والتفكير وحل المشكالت‪.‬‬
‫ألن وسائل االتصال الجماهيري تعتبر من أهم مصادر المعرفة بل ومن أقوى‬
‫وسائل ووسائط التربية فقد كان من واجبها إن يكون دورها باعتبارها جزء من العملية‬
‫التربوية الشاملة متكامال مع دور كل المدرسة واألسرة والمؤسسات االجتماعية‬
‫والتربوية األخرى‪ .‬فالتعليم يبقى قاصرا إذا لم ترافقه تربية غير مباشرة عن طريق‬
‫وسائط ووسائل اإلعالم المختلفة ولذلك يجب علينا أن نحدد مسبقا الهدف من العملية‬
‫اإلعالمية هذه وهو الوصول إلى درجة كبرى من التغيير في طبيعة تركيبة المجتمع‬
‫التقليدية أو الشخصية الفرد‪ ،‬ولهذا فال بد للعملية اإلعالمية أن تكون متفاعلة ايجابيا مع‬
‫العملية التربوية وبالعكس‪ ،‬زان يقف منها موقف المساند على اعتبار أ‪ ،‬اإلعالم‬
‫يستطيع أن يمارس دورا تربويا صحيحا‪ .‬والحقيقة التي ال بد من ذكرها هنا هو هذا‬
‫الخلل وعدم التوازن بين التربية والوسائل العربية ثم انعدام التنسيق إنما يرجع أساسا‬
‫إلى عدم التكامل أوال بين السياسات اإلعالمية العربية ذاتها ثم انعدام التنسيق ثانيا بينها‬
‫وبين السياسات التربوية‪ ،‬ألنه ال بد أن يكون لوسائل اإلعالم واالتصال الجماهيرية‬
‫العربية دورا هاما وفعاال في العلمية التربوية بشرط إن يحسن استخدام هذه األجهزة‬
‫وتسخرها لخدمة مصالح اإلنسان العربي وحاجاته وطموحاته‪.‬‬

‫‪ ) 5‬النـوادي أو األندية ‪:‬‬


‫وهي مؤسسات اجتماعية تربوية تكون في الغالب ( ثقافيةً‪ ،‬أو رياضيةً‪ ،‬أو‬
‫اجتماعية)‪ .‬وقد كثُر انتشارها في المجتمعات المعاصرة‪.‬وتُعد أماكن يلتقي فيها اإلنسان‬
‫هدف مشترك‪،‬أو مصلحةٌ مشتركةٌ‪ ،‬حيث إنها تُقدم‬ ‫ٌ‬ ‫مع فئـ ٍّة من الناس الذين يجمعهم‬
‫ت هائلةً لحياةٍّ اجتماعي ٍّة يُقبل عليها األفراد باختيارهم وطواعيتهم ‪ ،‬ليتمتعوا في‬
‫إمكانا ٍّ‬
‫ٌ‬
‫فرص متعددة لممارسة‬‫ٌ‬ ‫رفقة زمالئهم وأقرانهم بج ٍّو من المرح والعمل‪ .‬وفي األندية‬
‫الرياضة المفضلة‪ ،‬وتكوين العالقا ٍّ‬
‫ت االجتماعية مع اآلخرين‪ .‬وتزداد أهمية األندية في‬
‫‪129‬‬
‫التنشئة االجتماعية – كما يُشير إلى ذلك بعض الباحثين ‪ -‬مع زيادة عجز األُسرة عن‬
‫توفير الفرص الكافية والمناسبة لممارسة النشاطات الرياضية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‬
‫المختلفة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫صور مختلفة ومتنوعة تبعا لمستوى وعي وثقافة المجتمع‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وللنوادي ( األندية )‬
‫ً‬
‫وظروفه المختلفة‪ ،‬فمن النوادي ما يكون مخصصا للرياضة البدنية وممارسة ألعابها‬
‫ونشاطاتها المختلفة‪ .‬ومنها ما يكون مخصصا ً للعناية بالجوانب الثقافية واألنشطة‬
‫ي يهتم بخدمة المجتمع وتلبية‬ ‫األدبية والفعاليات الفكرية‪ ،‬ومنها ما هو اجتماع ٌ‬
‫ً‬
‫احتياجات أفراده ‪ .‬إال أنها تشترك جميعا ً في أن لها آثارا ً هامة في بناء شخصية‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وتحديد اتجاهاته‪ ،‬وتكوين ثقافته وفكره ‪ ،‬السيما في فترة الشباب من العمر‬
‫التي يُكثر اإلنسان خاللها من تواصله مع هذه المؤسسات بصورةٍّ أو بأ ُخرى ‪.‬‬
‫كما أن من آثارها اإليجابية شغلها ألوقات الفراغ عند اإلنسان بما يعود عليه‬
‫بالنفع والفائدة‪ .‬وليس هناك من شك في أن التربية اإلسالمية تُعنى بالنوادي على‬
‫ودور فاع ٌل في تربية‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫بارز‬ ‫ت اجتماعي ٍّة تربوي ٍّة لها أثر‬ ‫اختالف أنواعها لكونها مؤسسا ٍّ‬
‫اإلنسان المسلم وتحديد معالم شخصيته‪ ،‬وتحرص على أن تُخضع هذه النوادي وما‬
‫ت متنوعة لإلشراف ال ُمستمر الواعي‪ ،‬والتوجيه الصحيح‬ ‫فيها من أنشط ٍّة وفعاليا ٍّ‬
‫المنضبط الذي يتالءم ويتوافق مع مبادئ الدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬وال يتعارض بأي‬
‫حا ٍّل مع تعاليمه وتوجيهاته في مختلف المجاالت والميادين الحياتية ‪.‬‬
‫‪ ) 6‬المكتبات العامة ‪:‬‬
‫وهي أماكن خاصة تتوافر فيها ال ُكتب‪ ،‬والمراجع ‪ ،‬والمواد المطبوعة أو غير‬
‫المطبوعة التي تُقدِّّم عددا ً من الخدمات التعليمية‪ ،‬والتثقيفية‪ ،‬واإلعالمية‪ ،‬والتوعية‬
‫الالزمة ألفراد المجتمع‪ .‬وعادة ً ما تكون هذه المكتبات تحت إشراف بعض الجهات‬
‫الرسمية‪ .‬كما أنها قد تكون ُملحقةً ببعض المؤسسات االجتماعية كالمؤسسات التربوية‬
‫والتعليمية‪ ،‬والجوامع‪ ،‬والنوادي‪ ،‬وبعض المرافق االجتماعية األُخرى‪ .‬وقد تكون‬
‫بعض المكتبات خاصةً ببعض األفراد ‪.‬‬
‫ويأتي من أبرز مهام المكتبات تسهيل مهمة اإلطالع والقراءة على القراء‬
‫وطالب العلم ‪ ،‬وتمكين الباحثين والدارسين من القيام بمهمة البحث والدراسة بأنفسهم‬
‫من خالل المكتبات بالعودة إلى المصادر والمراجع العلمية واألدبية ونحوها ؛ حيث‬
‫تقوم المكتبات بتوفير أهم المؤلفات وال ُمصنفات فيها لتكون بين يدي القراء والباحثين‬
‫عند الرغبة في العودة إليها ‪.‬‬
‫كما أن من أبرز مهام المكتبات تيسير سبل اإلطالع على محتوياتها من خالل‬
‫نظام اإلعارة الخارجية للراغبين في ذلك من روادها أو غيرهم من أفراد المجتمع ‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫وللمكتبات العديد من المناشط التي تُسهم من خاللها في نشر الثقافة والمعرفة‪ ،‬وخدمة‬
‫القضايا التربوية والتعليمية واالجتماعية ونحوها ‪ .‬ولعل من أبرز هذه المناشط‬
‫واإلسهامات تنظيم المسابقات الثقافية‪ ،‬وعقد الدورات التدريبية‪ ،‬وإقامة المحاضرات‬
‫والندوات المتنوعة‪ ،‬وتنظيم معارض الكتاب‪ ،‬ونحو ذلك من النشاطات المختلفة ‪.‬‬
‫‪ ) 7‬جماعات الرفاق‪:‬‬
‫تأثير كبير في تربية‬
‫ٌ‬ ‫ع من المؤسسات االجتماعية التربوية التي لها‬ ‫وهي نو ٌ‬
‫اإلنسان انطالقا ً من كونه كائنا حيًّا اجتماعيًّا يميل بفطرته إلى االجتماع بغيره‪ ،‬ولذلك‬
‫ً‬
‫فإن جماعة الرفاق في أي مجتمع بمثابة جماعةً أوليةً شأنها شأن األُسرة في الغالب‪،‬‬
‫ألنها صغيرة العدد‪ ،‬وتكون عضوية الفرد فيها تبعا ً لروابط الجوار‪ ،‬والشريحة‬
‫العُمرية‪ ،‬والميول‪ ،‬والدور الذي يؤديه الفرد في الجماعة ‪.‬‬
‫أثر فاع ٌل في تربية اإلنسان وتكوين شخصيته السيما في‬ ‫ولجماعات الرفاق ٌ‬
‫سنوات مرحلتي الطفولة والمراهقة‪ ،‬حيث يكون أكثر تأثرا ً بأفراد هذه الجماعات الذين‬
‫ب‪ ،‬أو أصدقاء عمر‪،‬‬ ‫يكونون عادة ً من األنداد‪ ،‬سواء كانوا زمالء دراسةٍّ‪ ،‬أو رفاق لع ٍّ‬
‫أو غيرهم ممن يُرافقهم اإلنسان لفترات طويل ٍّة أو قصيرةٍّ‪ .‬ولعل تأثير جماعة الرفاق‬
‫على اإلنسان عائدٌ إلى اختالف أفرادها‪ ،‬وتنَّوع ثقافاتهم‪ ،‬واختالف بيئاتهم ‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن أماكن العمل سوا ًء كانت رسميةً أو تطوعية تُعد من‬
‫جماعات الرفاق إال أنه يغلب عليها الطابع الرسمي في العادة‪ ،‬وهي مؤسسات‬
‫تأثير ها ٍّ ّم على تربية اإلنسان بعام ٍّة نظرا ً لما يترتب على وجوده فيها‬‫ٍّ‬ ‫اجتماعيةٌ ذات‬
‫من احتكاك باآلخرين‪ ،‬إضافةً إلى أنه يقضي فيها جزءا ً ليس باليسيـر من وقته الذي‬
‫يكتسب خالله الكثير من المهارات‪ ،‬والعادات‪ ،‬والطباع‪ ،‬والخبرات المختلفة‪ .‬والمعنى‬
‫أن جماعات الرفاق توجد وتُمارس نشاطاتها المختلفة في المكان الذي يجتمع فيه‬
‫أفرادها‪ ،‬حيث تجمعهم – في الغالب – االهتمامات المشتركة والنشاطات المرغوب‬
‫فيها كالنشاطات الرياضية‪ ،‬أو الترويحية‪ ،‬أو الثقافية‪ ،‬أو االجتماعية‪ ،‬أو الوظيفية‪ ،‬أو‬
‫التطوعية‪ ،‬ونحوها ‪.‬‬
‫كما أن لكل جماعة من جماعات الرفاق ثقافةً خاصةً بهم‪ ،‬وهذه الثقافة تُعد‬
‫فرعيةً ومتناسبةً مع مستوياتهم العقلية والعُمرية‪ ،‬وخبراتهم الشخصية‪ ،‬وحاجاتهم‬
‫المختلفة‪ ،‬إال أنها تختلف من جماع ٍّة إلى أخرى‪ ،‬تبعا ً للمستويات الثقافية والتعليمية‬
‫والعُمرية‪ ،‬واألوساط االجتماعية المتباينة ‪.‬‬
‫وقد اهتمت التربية اإلسالمية بجماعات الرفاق وأدركت أهميتها ودورها الفاعل‬
‫في التأثير على سلوك األفراد سواء كان ذلك التأثير سلبيًّا أو ايجابيًّا؛ ولعل خير دلي ٍّل‬
‫على ذلك ما روي عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه أنه قال ‪ :‬قال رسول هللا‬
‫‪131‬‬
‫وء كحامل المسك ونافخ الكير ‪،‬‬ ‫س ِّ‬‫صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬مث ُل الجليس الصالح و ال َّ‬
‫ً‬
‫فحامل المسك إ َّما أن يُحْ ِّذيَكَ ‪ ،‬وإ َّما أن تبتاع منه‪ ،‬وإ َّما أن تجد منه ري ًحا ط ِّيّبَة ‪ ،‬وناف ُخ‬
‫ير إ َّما أن يُحرق ثيابك‪ ،‬وإما أن تجد ري ًحا خبيثةً "( رواه البخاري )‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫ال ِّك ِّ‬
‫من تعدد أنواع هذه المؤسسات االجتماعية وتعدد وظائفها وواجباتها إال أن عالقة‬
‫اإلنسان المسلم بالمؤسسات التربوية في المجتمع تنطلق من كون التربية اإلسالمية‬
‫عمليةً تمتاز بخاصية الشمول واالستمرارية والتجدد‪ ،‬إذ إنه ال حد نهائي لتربية‬
‫اإلنسان المسلم ‪ ،‬فهو طالب علم ومعرفة منذ أن يولد وحتى يموت ‪ ،‬ولذلك فإن تربيته‬
‫بزمن ما‪ ،‬أو مرحل ٍّة معينةٍّ‪ ،‬وال تقتصر مسؤوليتها على مؤسس ٍّة‬ ‫ٍّ‬ ‫الشاملة ليست محدودة ً‬
‫دون أُخرى‪ ،‬ولكنها مسؤولية جميع المؤسسات واألوساط التربوية في المجتمع ‪ ،‬ألن‬
‫اإلنسان يمكن أن يكون في عضوا ً في عدة مؤسسات تربوية تعليمية ما دام حيًّا‪ ،‬فمثالً‬
‫يكون الولد فردا ً في أسرة‪ ،‬وطالبا ً في مدرسة‪ ،‬وعضوا ً في النادي الرياضي‪ ،‬ومداوما ً‬
‫على الصالة وحلقات العلوم في المسجد المجاور‪ .‬وقد يكون الوالد أبـا ً في المنـزل‪،‬‬
‫ي في النادي‪ ،‬ومساهم في‬ ‫ومدرسا ً في مدرسة‪ ،‬أو طبيبا ً في المستشفى‪ ،‬وهو إدار ٌّ‬
‫نشاط اإلذاعة والتلفزة ‪ .‬وتكون السيدة أ ُ ًّما في المنـزل‪ ،‬وعضو في الجمعية النسائية‪،‬‬
‫خيـر وإنتاج ‪ ،‬تعتمد على مزي ٍّد‬ ‫ٌ‬ ‫وطبيبةً أو مديرة‪ .‬وهكذا فحياة المسلم أو المسلمة ُكلها‬
‫من التربية والتعليم‪.‬‬
‫والخالصة‪ ،‬أن للمؤسسات التربوية المختلفة في المجتمع المسلم أهميةً بالغةً‪،‬‬
‫وأثرا ً بارزا ً في العملية التربوية بعامة والتعليمية بخاصة‪ ،‬األمر الذي يفرض على‬
‫المهتمين في الميدان التربوي والتعليمي مزيدا ً من العناية واالهتمام بها‪ ،‬والحرص‬
‫على أن تكون ُمتميـزة ً في المجتمع المسلم‪ ،‬و ُمختلفةً عن مثيالتها في المجتمعات‬
‫األُخرى‪ ،‬نظرا ً لكون المجتمع المسلم ينفرد عن غيره من المجتمعات األُخرى‬
‫بمصادره‪ ،‬وأهدافه‪ ،‬وغاياته‪ ،‬وخصائصه التي تفرض على مؤسساته التربوية‬
‫ال ُمختلفة في المجتمع ال ُمسلم أن تكون فريدة ً هي األُخرى‪ ،‬و ُمتميزةً‪ ،‬وقادرة ً على‬
‫مرجو منها‪ ،‬ألنها هي المسئولة عن تربية اإلنسان المسلم‪ ،‬وإعداده‬ ‫ٌّ‬ ‫تحقيق ما هو‬
‫لممارسة أدواره ووظائفه االجتماعية المختلفة في الحياة‪.‬‬
‫العالقة بين المؤسسات التربوية وأثر ذلك على تربية المتعلم ‪:‬‬
‫إن المؤسسات التربوية االجتماعية تعمل كوسيلة للسيطرة االجتماعية‪،‬فإن كانت‬
‫تشكل كال متحدا ومنسجما ومتكامال فإن حياة الفرد تتعرض ألقل الضغوط‪ ،‬فاألسرة‬
‫تنسجم داخل المؤسسة االقتصادية والدينية ‪...‬لكن هذا ال يعني أال يكون هناك تغيير‬
‫وتأثير على شخصية المتعلم‪ ،‬فالتطورات االقتصادية و األفكار الجديدة قد تتعارض مع‬
‫التقاليد القديمة‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫التربية والثقافة والتغير االجتماعي‬
‫التربية والتغير االجتماعي ‪:‬‬
‫تتغير المجتمعات وتتطور ويصيبها التجديد في النواحي المادية واالجتماعية‬
‫خاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه والذي تحاول جمهورية مصر العربية أن تقفز‬
‫فيه إلى األمام قفزات سريعة لتعويض ما فاتها من عصور الكبت واالنعزال والحرمان‬
‫لتلحق بالركب الحضاري‪ ،‬لتجد لها مكانا يتناسب مع ماضيها ويبنيه عقول أبنائها‬
‫وسواعدهم‪ ،‬ولما كانت التربية وسيلة أساسية لزيادة العناصر الثقافية الجديدة‪ ،‬ووسيلة‬
‫المجتمع أيضا للقضاء على المشكالت االجتماعية التي تنشأ عن انتشار هذه العناصر‬
‫الثقافية الجديدة وصراعها مع العناصر الثقافية السائدة‪ ،‬فإن عالقة التربية بالتغير‬
‫االجتماعي عالقة متبادلة ال نستطيع إغفالها‪.‬‬
‫ولقد نادى كثير من المربين بأن التربية في المدارس يجب أن ترتبط ارتباطا‬
‫وثيقا بالقوى المختلفة التي تسبب التغير االجتماعي‪ ،‬وفي السنوات األخيرة اهتم‬
‫المربون اهتماما كبيرا بمشكلة تكامل المدرسة مع الحياة االجتماعية‪ .‬واختلفت آراء‬
‫المربين حول مسؤولية المدرسة في فترة التغير االجتماعي‪ ،‬كيف تتعامل مع القوى‬
‫االجتماعية التي حدثت بالفعل في المجتمع أحسن ما يكون االنعكاس‪ .‬وهذه وال شك‬
‫نظرة بسيطة تجعل من التربية وسيلة تتبع المجتمع وال تقوده‪ ،‬كالمرآة تعكس الضوء‬
‫وال تولده‪ .‬ثم تطورت النظرة إلى التربية ونادى آخرون بأن المدارس يجب أن تقوم‬
‫بدور فعال في توجيه التغير االجتماعي الجديد‪.‬‬
‫والمدرسة جزء ال يتجزأ من النظام االجتماعي السائد‪ ،‬وعلى هذا فهي تتأثر وال‬
‫شك بما يسود المجتمع من تغيرات اجتماعية‪ ،‬وإنها تتبع وتعكس هذا النظام االجتماعي‬
‫السائد‪ .‬هذا معناه أن التربية ال تنفصل عن المجتمع وإنما هي من لحمته وسداه‪ ،‬وينتج‬
‫عن ذلك أن تصبح التربية عامال فعاال في بناء النظام االجتماعي المقبل للمجتمع‪.‬‬
‫وبذلك ينتفي السؤال الثنائي الذي يقول‪ :‬هل يجب على المدرسة أن تسهم أو ال تسهم‬
‫في بناء المجتمع الجديد‪ ،‬فهذه الثنائية ال وجود لها في الواقع‪ ،‬إذ أن المدرسة تسهم‬
‫بالفعل في هذا البناء‪ .‬ولكن المشكلة التي تتطلب السؤال هي كيف تسهم التربية في هذا‬
‫البناء؟‬
‫ولعلنا إذا نظرنا للمجتمعات الجديدة لوجدنا أن التربية أسهمت إسهاما فعاال في‬
‫بنائها‪ ،‬فبناء تركيا الجديدة على يد كمال أتاتورك لم يكن ليتم وليصل إلى نتائجه لو لم‬
‫‪133‬‬
‫تكن التربية وسيلته الفعالة‪ .‬وفي عملية البناء االجتماعي الحاضر في المجتمع العربي‬
‫في مصر‪ ،‬تقوم على التربية بمسؤولياتها الكبيرة في هذا الميدان فالجيل الجديد في‬
‫مصر الذي يؤمن بالثورة ومبادئها‪ ،‬إنما هو في تكوينه األساسي نتاج للتربية وللمدرسة‬
‫بصفة خاصة‪ .‬وعلى هذا عندما ناد الرئيس جمال عبد الناصر بالثورة الثقافية إنما كان‬
‫يهدف إلى أن تصل مبادئ الثورة السياسية واالقتصادية واالجتماعية إلى نفوس‬
‫األفراد وأن تتغلغل في شخصياتهم‪ ،‬فتتجاوز السطح إلى األعماق‪ ،‬والثورة الثقافية هي‬
‫هدف التربية ومطلبها األول‪.‬‬
‫والتربية على هذا األساس عليها أن تختار القوى العلمية والتكنولوجية والثقافية‬
‫الجديدة التي تحدث التغير في النظام القديم وتبحثها وتقدرها وتقوم بأدوارها ونتائجها‬
‫وأن تجعل من المدرسة الحليفة األولى للوصول إلى هذه النتيجة‪ .‬ومعنى هذا أن‬
‫التربية عامل هام من عوامل التغير االجتماعي ال تعكس فقط فتتبع وإنما تولد التجديد‬
‫فتحتل مركز القيادة‪.‬‬
‫والتربية عندما تعكس التطور االجتماعي في المجتمع إنما تساعد عملية انتشار‬
‫المخترعات الجديدة على أداء وظيفتها‪ ،‬فإذا كانت التغيرات التكنولوجية قد دخلت‬
‫المجتمع الحديث فإن انتشارها يحتاج إلى أن نعد للمصانع مثال العمال المهرة‬
‫والمهندسين الالزمين للقيادة‪ ،‬ثم نعد األسرة للتغيرات االجتماعية المصاحبة والناتجة‬
‫عنها‪ .‬والتربية تقوم بهذه المهمة عن طريق المدرسة التي هي المؤسسة التربوية‬
‫المقصودة‪.‬‬
‫ولكن المدرسة من ناحية أخرى تستطيع أن تتعدى هذا الدور‪ ،‬فتبشر بالتغير‬
‫االجتماعي‪ ،‬وتعمل على توجيه األنظار إليه وإعداد العقول له وهي بذلك تعد األفراد‬
‫لكي يقوموا بدورهم في إحداث التغير‪ ،‬إذ إنهم يخرجون من المدرسة وقد اكتسبوا‬
‫اتجاهات عقلية معينة يواجهون بها مجتمعهم‪ ،‬فيعملون على القيام بمسؤولياتهم في‬
‫تغييره وعلى هذا تستطيع المدرسة أن تسهم في بناء مجتمع جديد‪.‬‬
‫وعلى التربية في فترة التغير االجتماعي مسؤولية إكساب األفراد فهما جديدا‬
‫وإدراكا جديدا‪ .‬ففي الفترة التي يكون فيها التغير بطيئا وتدريجيا‪ ،‬فإن مستوى اإلدراك‬
‫لدى األفراد يكون كافيا لمواجهة المشكالت التي تظهر‪ .‬وفي المجتمعات البسيطة‬
‫تتضمن المشكالت االجتماعية على أساس الخبرة المشتركة للجماعة وعلى أساس‬
‫حكمة الكبار ونضجهم‪ .‬ولكن ما نراه اآلن من تغير اجتماعي سريع عميق تزداد فيه‬
‫الثقافة نموا وتعقيدا‪ ،‬وتزداد فيه أنواع الصراع الثقافي المختلفة بين القديم والجديد‬
‫يجعل اإلدراك والفهم لدى األفراد قاصرين عن الوصول إلى حل المشكالت‬
‫االجتماعية‪ .‬فازدياد االتصال بين الجماعات المختلفة في الوقت الحاضر نتيجة سهولة‬
‫‪134‬‬
‫المواصالت وسرعتها وكثرة وسائل االتصال لم يترتب عليه تغير في المفاهيم‬
‫واالتجاهات نحو اآلخرين‪ ،‬فما زالت هذه االتجاهات كما كانت قبل هذا االتصال مما‬
‫يحتاج معه األمر في الوقت الحاضر إلى فهم جديد وإدراك جديد آلخرين وقيمهم‬
‫وعاداتهم‪ ،‬وتسامح من جانب كل منهم نحو اآلخر حتى يقوم التعامل بينهما على أساس‬
‫سليم‪.‬‬
‫ومن الواضح إذن أنه من الواجبات األساسية على التربية في أوقات التغير‬
‫والنمو الثقافي هو اكتساب األفراد إدراكا جديدا يتناسبان مع ما ينتاب فترة من الفترات‬
‫من تغير اجتماعي قد يشمل المجتمع بأسره‪ .‬وهذا الفهم الجديد يجب أن يكون متسعا‬
‫فيشمل القواعد واألفكار التي تحكم العالقات المختلفة بين األفراد والمنظمات‪ ،‬وبين‬
‫المنظمات بعضها البعض‪ ،‬وبين األفراد واألفراد‪ .‬وواجب التربية أن تهيئ الفر‬
‫لألطفال والشباب والكبار كي يشتركوا في أعمال تعيد بناء األفكار واالتجاهات حتى‬
‫تصبح صحيحة لتحقيق الحكم االجتماعي والعمل االجتماعي في فترة تحكمها العالقات‬
‫المعقدة الدائمة التغير‪.‬‬
‫وعلى التربية أن تقوم بمسؤولية أخرى ال تقل أهمية في المحافظة على عقل‬
‫الفرد واتزانه‪ ،‬هذه المسؤولية هي أن يفهم الفرد ما يجري حوله في العالم الذي يعيش‬
‫فيه‪ .‬فعندما يكون الفرد على معرفة بما يجري حوله فإنه يستطيع أن يشخص من‬
‫الناحية االجتماعية الظروف والمشكالت التي تواجهه‪ .‬أما إذا لم يكن على معرفة بها‬
‫فإنه يصبح وال شك ضحية الواقع الذي يواجه‪ .‬بدال من أن يسيطر عليه‪.‬‬
‫وبازدياد التغير االجتماعي ازداد عدد المشكالت االجتماعية كما سبق القول ولم‬
‫تزد هذه المشكالت االجتماعية في العدد فقط ولكنها ازدادت عمقا وشدة مما أدى إلى‬
‫أن تنفصم وحدة الجماعة انفصاما قد يؤدي إلى تمزيقها أشالء‪ .‬ولقد كانت المجتمعات‬
‫القديمة‪ ،‬عندما كان التغير بطيئا بسيطا سطحيا‪ ،‬تعيش على مستويات قيمية تستطيع أن‬
‫تحكم حكما يسري على جميع األشياء الجديدة‪ ،‬أما اآلن‪ ،‬وبعد التراكم والتعقد الثقافي‪،‬‬
‫اختلفت المعايير وتعددت المستويات واتخذت كل جماعة قيمها الخاصة مما ترتب‬
‫عليه اختالف وجهات النظر‪ .‬وفي مثل هذه الظروف يقل التواصل واالرتباط بين‬
‫أعضاء الجماعة‪ ،‬وتصبح الموافقة على أساس واحد من الفهم المشترك أمرا بعيد‬
‫المنال‪.‬‬
‫وي نتج عن هذا الصراع والتعدد في اآلراء واالتجاهات‪ ،‬تعددا ال يؤدي إلى حل‬
‫المشكلة‪ ،‬وإنما يزيدها تعقيدا‪ ،‬نجد أنه من الضروري أن تكون هناك طرق مؤكدة‬
‫معترف بها لمناقشة هذه المشكالت االجتماعية والوصول إلى حل لها‪ ،‬فالمجتمع الذي‬
‫يهدف إلى حل مشكالته حال عمليا يلجأ إلى استخدام العقل واالعتماد على الحقائق‬
‫‪135‬‬
‫أكثر من استخدام القوة أو االعتماد على انفعاالت مؤقتة وواجب التربية في هذا الصدد‬
‫أن تتيح الفرصة‪ ،‬كل الفرصة‪ ،‬لتفكير الفرد مع الجماعة وللتخطيط الجماعي‬
‫والستخدام العقل والحقيقة‪ .‬فإذا ما احتلت هذه المشكالت االجتماعية اهتماما أساسيا في‬
‫البرنامج التعليمي فإن التربية بذلك تمد األفراد بنوع الخبرة المالئمة التي تنمي التفكير‬
‫النقدي الذي يجمع الحقائق ويمحصها وينقدها ويحكم عليها‪ .‬وهذا التفكير النقدي الزمة‬
‫من لوازم مواقف الصراع الثقافي يتعلم الشباب والكبار نتيجة لذلك كيف يفكرون‬
‫تفكيرا فعاال منتجا في المواقف التي تواجههم شخصيا‪ ،‬وبذلك تقوم التربية بوظيفتها‬
‫ازدياد تكيف األفراد في المجتمع المتغير‪.‬‬
‫ولكي نغير نظام المجتمع كله يجب أن نغير التربية‪ ،‬وذلك ليكون تغييرا حقيقيا‬
‫في نظامنا االجتماعي والسياسي‪ ،‬فال بد من انقالب جذري في نظامنا التربوي‪،‬‬
‫وتثوير لفلسفته وأساليبه وأهدافه‪ ،‬وهذا الن صياغة المجتمع ال تتم إال بصياغة التربية‪.‬‬
‫وال نعن بالتربية التعليم والتعلم فقط‪ ،‬بل نعني بمعناها الشامل واألوسع‪ ،‬وهو رسم‬
‫سياسة مؤسسات المجتمع وتحميلها مسؤوليات تطبيقها‪ ،‬لبناء اإلنسان العربي‬
‫وتنشئتهن من ثم تجديد بنائنا االجتماعي والحضاري‪ ،‬ومن هنا نستنتج أن التربية التي‬
‫نهدف إليها هي عملية تنشئة اجتماعية شاملة‪ .‬فان التربية ال تستطيع أن تصنع المجتمع‬
‫وتغيره‪ ،‬أو تحدث فيه أثرا بارزا وسريعا في بنيته‪ ،‬إال إذا استطاعت أن تقهر العوامل‬
‫األخرى الكامنة في المجتمع والتي تشدها إلى الخلف‪ ،‬وان تكون على علم ودراية تامة‬
‫بتلك البيئة‪ .‬ولكن هذا ال يعني أيضا بان التربية ليس لها دور كبير وأساسي في أحداث‬
‫عملية التغير‪.‬‬
‫التغير االجتماعي والتغير التربوي ‪:‬‬
‫قد يتساءل الكثير من المدرسين عن الفائدة من دراسة األسس االجتماعية‬
‫للتربية‪ .‬أليست هذه الدراسة من ميادين التخصص ألولئك العلماء الذين يقومون‬
‫بتدريسها في الجامعة؟ ال يكفي أن أعرف المادة التي أدرسها وأن أدفع عجلة المدرسة‬
‫كل يوم وكل شهر حتى ينتهي العام الدراسي ليبدأ عام آخر؟ إن المدرس مواطن‬
‫وإنسان وكذلك التلميذ‪ .‬وهاتان الصفتان األخيرتان تقومان على أبعاد اجتماعية وفلسفية‬
‫ال بد للمدرس أن يبحث عنها دارسا ومنقبا وفاهما ومحلال حتى ال ينعزل عن المجتمع‬
‫وعن أحداثه‪ ،‬وعن اإلنسانية ومفاهيمها األساسية‪.‬‬
‫إن التغيرات الجذرية السريعة التي تحدث في مجتمعنا العربي تستدعي من‬
‫المدرسين مناقشة التنظيمات المدرسية في حدود هذا اإلطار اإليديولوجي الجديد‪،‬‬
‫وتحليال لإلطار االجتماعي الكبير الذي تعيش فيه المدرسة‪ ،‬ومناقشة لألنماط التربوية‬
‫السائدة‪ ،‬ومدى مالءمتها ألنواع التعليم الالزمة للمواطن العربي الجديد‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫إن مناقشة التنظيمات المدرسية والتربوية بصفة عامة في ظل التحديات‬
‫والمطالب التي يفرضها المجتمع في تطوره وتغيره‪ ،‬من أهم ما يميز المدرس الناجح‪.‬‬
‫فالعملية التربوية ال تقتصر على نقل المعلومات والمعارف للتلميذ‪ ،‬وإن كان الهدف‬
‫جزءا هاما منها ولكن العملية التربوية مادتها فرد في مجتمع بكل ما يتضمنه مفهوم‬
‫الفرد ومفهوم المجتمع وبكل أبعادهما‪.‬‬
‫إن ال تغير المادي الذي يحدث في المجتمع البد له لكي يحقق نتائجه تغير في‬
‫القيم والعادات والسلوك وهذا التغير ال يتأتى إال عن طريق التربية‪ ،‬فهي التي تكسب‬
‫السلوك وتعدله وتنمطه‪ ،‬وهي التي تشكل الشخصية اإلنسانية التي تتفق مع القيم‬
‫واالتجاهات الجديدة‪.‬‬
‫لذلك كله تفرض التغييرات االجتماعية مطالبها على المدرسة في صوره وأكثر‬
‫من هذه الصور الثالث ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬قد يكون التغير في النظام المدرسي أو في السياسة التعليمية بصفة عامة لمقابلة‬
‫حاجة اجتماعية أو حال لمشكلة اجتماعية‪ ،‬أحس بها القائمون على هذا المجتمع‬
‫وشعروا بأن البرنامج المدرسي يستطيع أن يسهم في حلها‪ .‬مثال ذلك الحاجة إلى عمال‬
‫مهرة على قدر من الثقافة العامة إلى جانب المهارات المهنية الالزمة‪ ،‬وحال لهذه‬
‫المشكلة استطاعت مراكز التدريب المهني ومدارسه أن تخرج األعداد الالزمة‬
‫للقطاعات المختلفة في حدود ما خصص لها في الميزانية‪ .‬فإذا استطاع المدرس أن‬
‫يحسن تقويم المطالب االجتماعية التي تستدعي تغييرا في المدرسة ونظامها وبرامجها‬
‫كان عليه أن يدرس الميادين الرئيسية للمشكالت االجتماعية في مجتمعنا المعاصر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قد يكون التغير التربوي نتيجة اإلحساس بأن هناك قيما في المجتمع يجب‬
‫المحافظة عليها‪ ،‬وأن هناك قيما أخرى جديدة لم تتحقق بعد‪ ،‬وأن هناك قيما تعمل‬
‫المدرسة على تحقيقها وتتعارض في أسسها مع ما يرنو المجتمع الجديد إلى تحقيقه من‬
‫قيم واتجاهات جديدة‪.‬‬
‫مثال ذلك أننا نحس في مجتمعنا العربي في هذه الفترة الحاسمة من تغيره أن القيم‬
‫الدينية يجب أن نحافظ عليها‪ ،‬وأن نعمل على اإلبقاء عليها وتنميتها‪ ،‬ونحس أيضا أن‬
‫هناك قيما اشتراكية لم نستطع أن نحققها بعد في سلوك األفراد‪ ،‬فما زالت البيروقرطية‬
‫مثال مسيطرة على دواوين الحكومة ومصالحها المختلفة‪ ،‬وما زال النقد الذاتي بعيدين‬
‫عن مستوى التطبيق العملي في بعض المجاالت‪.‬‬
‫ولكي يستطيع المدرس إدراك هذا التغير كنهه ومداه وإمكانياته كان عليه أن‬
‫يدرس المجتمع العربي في أبعاده االجتماعية واالقتصادية واإليديولوجية ودور العملية‬
‫التربوية في هذا السبيل‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫ثالثا ‪ :‬قد يحدث التغير التربوي نتيجة لظهور معارف جديدة لم تدخل إلى الميدان‬
‫التطبيقي في المدرسة بعد‪ ،‬وقد تسهم في حل كثير من المشكالت التي تعترض سبيل‬
‫المدرسة والمجتمع‪ ،‬أو لظهور مهارات جديدة يحتاجها المواطن في المجتمع الجديد‪.‬‬
‫وال شك أن هذه الصورة األخيرة تتطلب تخصصا في شؤون التربية والتعليم‬
‫أعلى من مستوى المدرس العادي‪ ،‬وإن كان إحساسه بها له أكبر األثر في مساعدة‬
‫التخصص على معالجتها وتحقيقها‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس كان على المدرس أن يفهم المطالب االجتماعية التي تفرض‬
‫تحدياتها على المدرسة‪ ،‬وأن يناقشها ويقومها‪ ،‬وهو في سبيل تحقيق ذلك يحتاج إلى‬
‫ثالثة أنواع من المعرفة والحساسية‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬علم بالمعارف التربوية السائدة‪ ،‬وبالمعارف االجتماعية التربوية الجديدة التي لم‬
‫تطبق بعد في الميدان التربوي المهني في المدرسة‪ ،‬والتي يحتاجها هذا الميدان وهو‬
‫في سبيل تطويره وتغييره‪ ،‬مع إحساس بهذه المعارف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معرفة ووعي وحساسية بالمشكالت االجتماعية األساسية في المجتمع العربي‬
‫المعاصر‪ ،‬والتي تفرض تحدياتها على المدرسة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬معرفة وحساسية وتقدير للقيم األساسية في المجتمع‪ ،‬وخاصة القيم االشتراكية‬
‫الديمقراطية التي تحتاج إلى المدرسة وإلى العملية التربوية في سبيل تحقيقها‬
‫وتدعيمها‪.‬‬
‫المدرس ودور المدرسة االجتماعي ‪:‬‬
‫ترتبط وظيفة المدرسة االجتماعية ارتباطا وثيقا باإلطار االجتماعي السائد‪ .‬إذا‬
‫كان هذا اإلطار االجتماعي يقوم على أساس القيم االشتراكية الديمقراطية والمهارات‬
‫المختلفة الالزمة للسلوك االجتماعي في هذا اإلطار‪.‬‬
‫ويحتاج المدرس إلى معرفة وظيفة المدرسة االجتماعية حتى يستطيع أن يربط‬
‫مادته بالمجتمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وحتى يستطيع في تدريسه لهذه المادة أن يحقق‬
‫األهداف التي يعمل المجتمع على تحقيقها وبحيث ال يكون هناك تعارض بين النتائج‬
‫السلوكية لتدريس مادته‪ ،‬والنتائج السلوكية التي تهدف المدرسة إلى تحقيقها‪.‬‬
‫ولكي يشترك المدرس في تشكيل البرنامج المدرسي ووضع األهداف التي‬
‫يتوخاها من تدريس هذا البرنامج يحتاج إلى فهم بنوع األفراد الذين تعمل المدرسة‬
‫على تكوينهم وتشكيلهم‪ ،‬ولتحقيق هذا الفهم يحتاج إلى معرفة بنوع النظام االجتماعي‬
‫الذي سيشتركون فيه‪ ،‬وبالتالي يحتاج إلى فهم لدور المدرسة االجتماعي‪.‬‬
‫وفي هذا المجال يحتاج المدرس إلى أن يدير في ذهنه عدة أسئلة عن النظريات‬
‫المختلفة لدور المدرسة االجتماعي في المجتمع الحديث وعالقة ذلك بمجتمعنا العربي‪،‬‬
‫‪138‬‬
‫وعن عالقة ذلك بالتغير االجتماعي ومدى إسهام المدرسة في تحقيقه وتعميقه‪ ،‬وعن‬
‫العالقات اإلنسانية التي يتطلبها هذا الدور االجتماعي للمدرسة‪ ،‬ومعنى ذلك بالنسبة‬
‫للتنظيمات المدرسية وللبرنامج المدرسي وبالنسبة لتدريسه لمادته‪.‬‬
‫التغير االجتماعي والمدرسة ‪:‬‬
‫إذا كانت المدرسة جزءا ال يتجزأ من المجتمع الذي نعيش فيه‪ ،‬فإن دراسة‬
‫الثقافة تساعد المدرس على إدراك طبيعة التغير االجتماعي وعالقته بالمدرسة فالتغير‬
‫االجتماعي هو تغير ثقافي‪ ،‬أي تغير النظام الثقافي للمجتمع‪ ،‬من معتقدات وأفكار‬
‫وتقاليد وخبرات‪ .‬والتغيرات االجتماعية ‪ -‬خاصة إذا كانت شاملة متسعة ‪ -‬تخلق الكثير‬
‫من المشكالت‪ ،‬وتفرض الكثير من المطالب‪ ،‬وتقدم الكثير من التحديات ‪ -‬ألولئك الذين‬
‫يعملون في الميدان التعليمي‪.‬‬
‫وهكذا يكون تكوين الحساسية االجتماعية من أهم مميزات المدرس الناجح‪.‬‬
‫ديناميكية الثقافة والتغير االجتماعي‪:‬‬
‫تنمو الثقافات وتتطور عبر العصور المختلفة ويزداد التراث الثقافي ويتعقد‬
‫نتيجة عوامل مختلفة‪ ،‬منها ما هو داخل الثقافة ومنها ما هو خارجها‪ .‬وتحدث بذلك في‬
‫الثقافة عمليات اجتماعية عديدة تقوم على التفاعل بين أجزائها أو بين الثقافات‬
‫األخرى‪ .‬والتغير االجتماعي سواء أكان سريعا أو بطيئا مما يميز جميع المجتمعات‬
‫قديمها وحديثها‪ ،‬فلقد تغير الجماعات اإلنسانية في حجمها وفي اقتصادياتها وفي‬
‫التكوين االجتماعي لها‪ ،‬وفي التركيز على النواحي الدينية‪ ،‬وفي نمو العلم وظهور‬
‫فلسفات جديدة‪ ،‬واتخاذ الحرب أشكاال جديدة‪ ،‬وتفكك في النظام األسري‪ ،‬وتطلع األمم‬
‫إلى االستقالل والحرية‪ ،‬ولقد تغيرت المجتمعات أيضا في عاداتها وفي طريقة‬
‫استمتاعها‪ ،‬وفي نوع الحكم الذي ترنو إليه‪ ،‬وفي أيديولوجياتها وفي محاولة التحكم في‬
‫مصائرها وفي مقدراتها‪.‬‬
‫ولقد نظر البعض إلى بعض المجتمعات على أنها جامدة غير متغيرة‪ ،‬ولكن‬
‫األمر نسبي على أي حال‪ .‬فالتغير يحدث في جميع المجتمعات على حد سواء‪ ،‬ولكنه‬
‫يختلف في سرعته وفي اتساعه‪ .‬ولقد كانت المجتمعات القديمة تعيش على نمط واحد‬
‫مستقر نقلته عبر األجيال المختلفة دون تغيير يذكر‪ ،‬واستمر ما تحت الشمس ثابتا ال‬
‫يعتريه التغير‪ ،‬وسارت الحياة مجراها العادي دون أن يحدث للثقافة تغيير يذكر‪ .‬ولقد‬
‫رأى أفراد هذه الثقافات القديمة تغيرات من نوع معين لم تكن تلك التغيرات التي‬
‫تحدث اختالفا في طرق الحياة‪ .‬ولقد كانت هذه االختالفات كالزواج والميالد‬
‫والشيخوخة والمرض والحوادث‪ ،‬ولم يكن موجودا ذلك النوع من التغير الذي نعني به‬
‫‪139‬‬
‫التراكم التقدمي للثقافة‪ .‬ثم ظهر العلم الحديث وغيره من األفكار الجديدة والمخترعات‬
‫الحديثة في جميع نواحي الحياة‪ ،‬وبدا التغير مقوما هاما من مقومات حياتنا في العصر‬
‫الحاضر "وأصبح عامل التغير‪ ،‬العامل الذي يعم جميع نواحي حياتنا الحاضرة"‪.‬‬
‫لقد كان اإلغريق وخاصة أفالطون وأرسطو هم الذين قدموا للعالم المفهوم‬
‫القديم للمجتمع غير المتغير‪ .‬ولقد استمر هذا المفهوم يتحكم في الفكر الغربي حتى‬
‫استطاع العلم الحديث أ ن يغير التفكير تغييرا جذريا‪ .‬ولقد كان التغير في نظر أفالطون‬
‫وأرسطو عرضيا وتافها ولذلك كانت النظرة إلى المجتمعات نظرة جامدة ترمي إلى‬
‫بقائها على حالها‪ .‬ولقد رأى أفالطون الذي ساد في عصره االضطراب والتغير أن ما‬
‫يحتاج إليه المجتمع هو النظام واالستقرار االجتماعيان اللذان يؤسسان على العدل‪ ،‬إذ‬
‫بدون العدل ال يبقى شيء أو يستمر‪.‬‬
‫ولقد كانت لهذه النظرة الجديدة للتغير أثرها في االعتراف بالمجهود اإلنساني‪،‬‬
‫إذ أعطت الفرد اإلنساني أمال في نتائج مجهداته‪ ،‬وحفزته إلى النضال والكفاح بعد أن‬
‫كان يخضع قبل ذلك لنظام قدري يستوي فيه األمس واليوم والغد ويستوي فيه الواقع‬
‫واألمل‪ ،‬ويحرم فيه الفرد من النظر إلى مستقبله نظرة تحسن‪ .‬فلقد كان الفرد في النظام‬
‫القديم يقبل ما هو موجود وال يتطلع ببصره إلى ما بعده‪ .‬ولكن النظرة الجديدة تفتح‬
‫آفاقا جديدة فاستطاع الفرد اإلنساني أن يصل إلى االكتشافات الجديدة والمخترعات‬
‫العلمية‪ .‬وأصبح المفهوم الحديث للتقدم والتطور من األعمال اإلنسانية التي تثير‬
‫الرغبات العظيمة واآلمال الكبيرة‪.‬‬
‫وقد أدت النظرة الجديدة إلى التغير إلى أن ترتفع نظرة اإلنسان إلى نفسه‪ ،‬فهو‬
‫يستطيع اآلن أن يؤثر وأن يفكر تفكيرا متسعا عميقا‪ ،‬خالقا نقديا‪ .‬وكلما تعلم اإلنسان‬
‫أن مجهداته لها قيمتها وكلما قل انسحاب اإلنسان من مجتمعه منهزما وكلما بحث عن‬
‫الوسائل المختلفة لتقدم الحياة وارتفاع مستواها‪ .‬فإذا شعر الفرد أن هناك أشياء تسير‬
‫سيرا خطأ في المجتمع فليس معنى هذا أن يهرب من المجتمع فليس معنى هذا أن‬
‫يهرب م ن المجتمع وينعزل عنه ويخلق لنفسه عالما يعيش فيه كما كان ينادي أولئك‬
‫الذين يرون الحياة مليئة بالشرور وأال خير فيها‪ ،‬ولذلك يجب على اإلنسان أن يلجأ إلى‬
‫ضميره وإلى التأمل الفكري بعيدا عن المجتمع‪ .‬إن الطريق الصحيح لمعالجة األخطاء‬
‫ليس الهروب منها ولكن بالتفكير األفضل والمجهود األعظم يستطيع اإلنسان أن يواجه‬
‫المستقبل مواجهة إيجابية تعتمد على مجهوده الذي يحدث به التغير في هذا العالم‬
‫ويحدد إلى درجة كبيرة أو صغيرة مقدرات المستقبل‪.‬‬
‫وإذا كان التغير االجتماعي قد فتح أمام اإلنسان هذه اإلمكانيات الواسعة وأعطى‬
‫لمجهداته وذكا ئه وتفكيره قيمة في تحديد األحداث وتوجيهها‪ ،‬فلقد نتج عنه أيضا أن‬
‫‪140‬‬
‫أخذ اإلنسان على عاتقه كثيرا من المسؤوليات‪ .‬فالفرد مسئول عن تحسين أحواله وعن‬
‫اإلسهام في تطور المجتمع‪ .‬وكان على التربية مسؤولية كبرى أن تعمل على خلق‬
‫مواطنين أذكياء يستطيعون التأثير في حاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬وفي حاضر الجماعة كلها‬
‫ومستقبلها‪.‬‬
‫الثقافة والتغير الثقافي ‪:‬‬
‫عناصر الثقافة ‪ :‬لقد قسمت إلى ‪:‬‬
‫‪.1‬العموميات ‪ :‬ذلك الجزء من الثقافة التي يشترك فيها معظم أبناء المجتمع‬
‫وتشمل اللغة والملبس والمأكل وأساليب التحية والمعتقدات والقيم‪.‬‬
‫‪.2‬الخصوصيات ‪ :‬هي األنماط السلوكية والعادات والتقاليد المتعلقة بجماعة‬
‫معينة وتقسم الخصوصيات إلى نوعين ‪:‬‬
‫أ‪ .‬الخصوصيات المهنية‪ .‬ب‪ .‬الخصوصيات الطبقية‪.‬‬
‫خصائص الثقافة هي ‪:‬‬
‫إنسانية أي خاصة باإلنسان فاإلنسان هو المخلوق الوحيد القادر على بناء ثقافة‬
‫خاصة به‪.‬‬
‫مكتسبة ‪ :‬أي الثقافة سلوك يتعلمه األفراد وينقلونه من جيل إلى جيل‪,‬فاإلنسان ال يبدأ‬
‫ثقافته من العدم‪ ،‬وإنما يبنيها من النقطة التي انتهت إليها األجيال السابقة‪.‬‬
‫قابلة لالنتقال ‪ :‬اإلنسان وحده هو القادر على نقل ما تعلمه إلى األجيال المعاصرة‬
‫والالحقة سواء في مجتمعه أو في غيره من المجتمعات‪.‬‬
‫اجتماعية ‪ :‬تمتاز الثقافة بأنها عادات اجتماعية مشتركة بين أفراد جماعة معينة أو‬
‫مجتمع معين وهي بذلك تضمن نوعا ً من التوافق والوحدة بين األفراد‪.‬‬
‫مشبعة لحاجات اإلنسان ‪ :‬فالثقافة تشبع حاجات الفرد البيولوجية والنفسية‬
‫وقصور الثقافة عن إشباع هذه الحاجات يؤدي إلى انحاللها والقضاء عليها ومن واجب‬
‫المنهج أن يلبي هذه الحاجات ويعمل على إشباعها‪.‬‬
‫متطورة ومتغيرة ‪ :‬تمتاز الثقافة بأنها في نمو مستمر وتغير دائم‪,‬سواء في‬
‫عمومياتها أو خصوصياتها نتيجة للبدائل التي تدخلها والسيما إذا أثبتت هذه البدائل‬
‫قدرتها على إشباع حاجات األفراد‪.‬‬
‫متكاملة ‪ :‬وتعني وجود قدر من التكامل واالنسجام بين عناصر الثقافة المختلفة بحيث‬
‫إذا انعدم هذا التكامل سبب اضطرابا ً للفرد وفقد المجتمع تماسكه ومن واجب المنهج‬
‫أن يكون متكامالً في محتواه وعناصره حتى يحقق تكامل الثقافة‪.‬‬
‫فوظيفة المدرسة يجب أن تشمل التعريف بالتراث الثقافي للمجتمع وبالخبرات‬
‫التربوية التي تدور حول المشكالت التي تواجه الطالب في حياتهم‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫إن المتعلم ابن بيئته االجتماعية والطبيعية‪ ،‬وكذلك القول عن المعلم والممارس‬
‫التربوي‪ ،‬ومعنى ذلك أن المتعلم يجلب معه إلى ساحة التعلم محموالت ثقافية متنوعة‪،‬‬
‫قد ترفد ما يتعلمه أو تعيقه عن التعلم ‪ .‬ومن األمثلة الواضحة على ذلك األفكار‬
‫والمعتقدات التي يكونها المتعلم عن الظواهر الطبيعية ‪ ،‬بناء على ما استقاه مباشرة من‬
‫بيئته ‪ ،‬فقد يكون بعض هذه الترسبات وهميا ً ‪ ،‬وغير علمي ‪ ،‬مما يعقد مهام معلم‬
‫العلوم الطبيعية خاصة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ‪،‬البد أيضا ً في استراتيجيات التنمية والتطوير التربوي‪ ،‬من أن‬
‫يلتفت أيضا ً إلى إحداث ألوان من التغير الثقافي اإليجابي في المجتمع كله‪ ،‬إن شئنا‬
‫لخطط التنمية والتطوير أن تعطي أكلها‪ .‬ومع أن مثل هذا الجهد على مستوى المجتمع‬
‫كله أمر معقد وصعب‪ ،‬إالً أن صعوبته يمكن تذليلها‪ ،‬بالتخطيط االستراتيجي في المدى‬
‫البعيد‪ ،‬والبد للمدرسة من أن تقوم أيضا ً بمحاوالت جادة لتغيير عادات المتعلمين‬
‫والمعلمين‪ ،‬ضمن المجتمع المدرسي على األقل ‪.‬‬
‫معاودة تجديد الثقافة المدرسية ‪:‬‬
‫تمثل معاودة تجديد الثقافة المدرسية قمة المقاربة الكلية في العمل التربوي ضمن‬
‫المجتمع المدرسي‪ ،‬وذلك ألهمية الدور الذي تلعبه ثقافة المؤسسة في درجة تقبل‬
‫العاملين فيها للرؤى التربوية الجديدة واستجابتهم للتغيير أو تعاونهم معه‪ .‬وقد يقتضي‬
‫اإلصالح الحقيقي للتعليم تعديل الثقافة المدرسية‪ ،‬وربما تغييرها تغييرا ً شبه كامل‪،‬‬
‫بحسب طبيعة القضايا المطروحة‪ .‬لذلك تسمى مثل هذه العملية تحويلية وال بد أن‬
‫تجري بصورة تدريجية‪ ،‬وأن تستقطب لها الجهود‪ ،‬وتتم لها المتابعة والتقويم ومعاودة‬
‫التقويم تكوينياً‪ ،‬إذا شئنا تحقيق األهداف التربوية اإلنمائية‪ .‬والمغزى من هذا إجراء‬
‫التغيير الالزم في مجمل العمل التربوي ليتناغم مع األهداف التربوية ‪ ،‬ويحققها‬
‫بفاعلية كبرى وبرضا دون قسر أو إرهاق‪.‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬المنظومة التربوية الجزائرية‬


‫تطور التعليم ومؤسساته في الجزائر ‪:‬‬
‫للتعرف على مقومات تربية شعب من الشعوب‪ ،‬ال بد من العرف على تطور‬
‫مؤسساته ونظمه التربوية‪،‬والتي هي مفتاح فهم حضارته ومقومات شخصيته‪.‬‬
‫ليست المدارس الحديثة و برامجها في الجزائر وليدة األمس القريب‪ ،‬أو عمال‬
‫من أعمال "التحضير الفرنسي" للجزائريين كما يدعى‪ ،‬بل إن للمؤسسات التربوية‬
‫‪142‬‬
‫الجزائرية تاريخ طويل‪ .‬انتقلت عبره من الكتاتيب البدائية والوحيدة الصف إلى‬
‫الجامعات الضخمة والمتطورة‪.‬‬
‫لتسهيل فهم و تطور التربية ومؤسساتها في الجزائر يمكن تقسيم موضوعنا إلى‬
‫ثالثة مراحل متباينة‪ ،‬وذلك للتطورات الكبيرة في الميدان السياسي‪ ،‬وأثرها على‬
‫االزدهار التربوي في الجزائر‪.‬و يمكن حصر هذه المراحل فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المؤسسات التربوية ما قبل االستعمار الفرنسي ‪:‬‬
‫لم تكن هنالك وزارات مختصة بالتعليم خالل هذه المرحلة‪ ،‬فالتعليم كان‬
‫مسؤولية جماعية يتعاون الكل إلنشاء المساجد والكتاتيب‪ ،‬ومن أهم مؤسسات هذه‬
‫المرحلة ‪:‬‬
‫‪ -1‬المساجد ‪ :‬تكون كبيرة نسبيا‪ ،‬لذلك غالبا ما تكون في المدن وفي أماكن التجمعات‬
‫السكنية الكبيرة والمتوسطة‪ ،‬حيث يتفنن البناءون في بنائها وزخرفتها‪ ،‬ويطلق عليها‬
‫اسم "جوامع" في الجزائر العاصمة‪.‬‬
‫‪ -2‬الكتاتيب ‪ :‬يطلق عليها اسم " المسيد "‪ ،‬وهي غالبا ما تحتوي على حجرة أو‬
‫حجرتين‪ ،‬وهدفها األساسي تحفيظ القرآن الكريم‪ ،‬ولصغر حجمها فهي تنتشر في‬
‫القرى والمناطق النائية‪.‬‬
‫‪ -3‬الزوايا ‪ :‬انتشرت خاصة في العهد العثماني نتيجة للتخلف واستبداد الحكام‪،‬‬
‫وظهور ظاهرة التصوف‪ ،‬فإذا اشتهر أحد الناس بالورع والتقوى وشيء من العلم‬
‫أسس له مكان الستقبال الزوار والطالب‪ ،‬فيغدق عليه المحسنون بعطاءاتهم وهكذا‬
‫يشتهر المركز بزاوية "اسم صاحبها" حتى بعد موته‪ ،‬وللزاوية مهمات عدة منها قراءة‬
‫القرآن‪ ،‬الندوات العلمية‪ ،‬والصالة‪ ،‬وتقوم مقام مؤسسات الدراسة الثانوية‪ ،‬ينتقل إليها‬
‫طالب العلم والفقه‪.‬‬
‫‪ -4‬الرابطات ‪ :‬وتشبه الزوايا في وظائفها االجتماعية والثقافية‪،‬إال أنها تكون قريبة من‬
‫مواقع األعداء‪،‬ويقوم المرابطون بها بدورهم الجهادي إلى جانب المهام األخرى من‬
‫تعلم وتعليم‪.‬‬
‫‪ – 5‬المدارس ‪ :‬لم تبدأ المدارس كما نعرفها اليوم والمختصة بالتعليم في مراحله‬
‫المختلفة‪ ،‬كما أن هناك اختالف بين المؤرخين في تحديد عدد المدارس بدقة‪ ،‬وذلك‬
‫نتيجة لعدم استقاللها كمؤسسات مستقلة تحت اسم مدرسة‪ ،‬بل كانت إما كتابا أو تابعة‬
‫لمسجد أو زاوية‪.‬‬
‫ولم تتكون خالل هذه الحقبة من الزمن جامعة في الجزائر‪ ،‬كما هو الحال‬
‫بالنسبة لألزهر بمصر والزيتونة بتونس‪ ،‬لقد كان الجامع الكبير للعاصمة نواة للجامعة‬
‫الجزائرية بمركزه وكثرة حلقاته الدراسية‪ .‬ولم يكن التعليم في هذه الحقبة من الزمن‬
‫‪143‬‬
‫ينتهي بشهادات‪ ،‬وإنما كان يختم بإجازة شفوية من عند األستاذ وتعبير صريح عن‬
‫رضاه‪.‬‬
‫بـ ‪ -‬المؤسسات التربوية في عهد االستعمار الفرنسي ‪:‬‬
‫لقد كان التعليم بمؤسساته المختلفة مزدهرا نسبيا قبل دخول االستعمار الفرنسي‬
‫نتيجة لضخامة األوقاف المخصصة له‪ ،‬وذلك باعتراف الفرنسيين أنفسهم‪ ،‬ومن أولى‬
‫الخطوات التي قام بها االستعمار الفرنسي االستيالء على أمالك األوقاف التي تمول‬
‫الخدمات الثقافية والدينية واالجتماعية للمسلمين‪ ،‬حيث أصدر كلوزال )‪(Clauzel‬‬
‫الحاكم الفرنسي العسكري قرارا يوم ‪7‬ديسمبر ‪ -1830‬بهذا الشأن‪ -‬مما أدى إلى أثر‬
‫جد سلبي على نشاط التعليم الذي كان يعتمد على األوقاف في مصاريفه‪ ،‬كما استشهد‬
‫كثير من علماء الدين وتشتت شملهم وهاجر غالبيتهم ممن بقوا على قيد الحياة إلى‬
‫المشرق العربي‪ ،‬وإلى تونس وتركيا‪ .‬كما حول المستعمر الفرنسي عدد من المساجد‬
‫الكبيرة إلى كنائس للمسحيين مثلما هو الحال بالنسبة لجامع كتشاوة بالعاصمة‪،‬‬
‫والمدرسة والزاوية التابعة للجامع الكبير حولت إلى حمام فرنسي‪ ،‬وهكذا عملت فرنسا‬
‫على القضاء على التعليم في الجزائر معتمدة التجهيل والتفقير بهدف الفرنسة‬
‫والتنصير‪ .‬لقد كانت أول مدرس فرنسية لتعليم أبناء األهالي الجزائريين‪ ،‬هي المدرسة‬
‫الفرنسية اإلسالمية ‪ 1836‬بمدينة الجزائر‪ ،‬ثم تلتها بعد ذلك مدارس في أهم المدن التي‬
‫تخضع للسلطة الفرنسية‪ ،‬حتى بلغ تالميذ هذه المدارس بعد ‪ 20‬سنة من االحتالل‪-‬‬
‫‪ 646 -1850‬تلميذ جزائري فقط‪.‬‬
‫وتبقى الكتاتيب القرآنية والمساجد والزوايا تستمر في دورها التعليمي‪،‬وتعتبر‬
‫بمثابة الدرع الواقي من صدمات االستعمار ومن محاوالته االستعمارية‪ ،‬وارتبط‬
‫اسمها باسم جمعية العلماء المسلمين بزعامة عبد الحميد ابن باديس‪ ،‬و قد عملت هذه‬
‫الجمعية على بناء مدارس تابعة لها لمحاربة الجهل واألمية في مختلف أنحاء‬
‫الجزا ئر‪،‬رغم استفزازات المستعمر الفرنسي لها‪ ،‬وقد آمن ابن باديس أن العمل األول‬
‫لمقاومة االحتالل الفرنسي هو التعليم‪ ،‬والعودة باإلسالم إلى منابعه األولى ومقومة‬
‫الزيف والخرافات ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت االستعمار‪.‬‬
‫تنبهت فرنسا إلى خطر هذه الجمعية فعطلت المدارس وزجت بالمدرسين في‬
‫السجون وأعطت تعليمات بمراقبة علمائها‪.‬‬
‫ففرنسا منذ أن وطأت قدمها الجزائر(‪ )1830‬عملت على القضاء على منابع‬
‫الثقافة اإلسالمية‪ ،‬فأغلقت نحو ألف مدرسة ابتدائية وثانوية كانت تضم أكثر من‬
‫‪150‬ألف طالب‪،‬ووضعت قيودا لفتح المدارس واقتصرتها على حفظ القرآن ال غير مع‬
‫عدم التعرض لتفسير آيات القرآن خصوصا اآليات التي تدعو إلى التحرر‪ ،‬وعدم‬
‫‪144‬‬
‫دراسة تاريخ الجزائر وتحريم المواد العلمية والرياضية‪.‬حتى المدارس المفتوحة‬
‫للجزائريين فقد كان مضمونها يختلف عن مضمون المدارس التي كان يدرس بها‬
‫الفرنسيين‪ ،‬فالسنة األولى من التعليم االبتدائي(خاصة باألهالي) يتعلم فيها األهالي‬
‫مبادئ اللغة الفرنسية‪ ،‬وال يتم تسجيلهم إال بعد تجاوزهم سن السادسة‪ ،‬فضال عن ذلك‬
‫كان التعليم يتسم بالتباين من منطقة إلى أخرى‪ ،‬والفوارق كانت موجودة بين نسب‬
‫البنين والبنات‪ ،‬أما أبواب مدارس الحضانة ورياض األطفال فكانت مسدودة في وجوه‬
‫األطفال الجزائريين ولم تفتح إال للفرنسيين‪.‬‬
‫والنظام التعليمي الفرنسي المعمول به قبل االستقالل بلغ إلى حد منع التلميذ‬
‫الجزائري التلفظ في القسم أو حتى في فناء المدرسة بعبارة غير فرنسية وإجباره على‬
‫حفظ التاريخ الفرنسي_و هو تاريخ غريب عنه وعن أجداده_وذلك بقصد عزله عن‬
‫محيطه الطبيعي وتشويه انتمائه التاريخي والحضاري‪.‬وتتلخص المراحل التعليمية فيما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬مرحلة التعليم االبتدائي ‪ :‬تمتد على مدى ‪8‬سنوات ‪ -‬سنتين منها فرصة لإلعادة‬
‫‪14-6( -‬سنة)‪ ،‬ويرشح التالميذ الذين تجاوز سنهم ‪14‬سنة إلى شهادة التعليم‬
‫االبتدائي)‪.(CEP‬‬
‫‪ - 2‬مرحلة التعليم التكميلي ‪ :‬ويدوم أربع سنوات في نهايتها تجاز الدراسة بشهادة‬
‫األهلية‪ ،‬و التي تمكن حامليها االلتحاق بشعب دراسية كمسابقة الدخول لمدارس إعداد‬
‫المعلمين‪.‬‬
‫‪ - 3‬مرحلة التعليم الثانوي ‪ :‬يدوم ثالث سنوات وغالبا ال يصل إليه إال القليل من‬
‫الجزائريين‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬التعليم و مؤسساته في عهد االستقالل ‪:‬‬
‫كان التعليم االبتدائي سنة ‪ 1962‬في حالة يرثى لها على غرار الميادين‬
‫األخرى‪،‬و الجدير بالذكر أن نسبة االنتساب إليه كانت تقارب ‪ %20‬من مجموع‬
‫التالميذ الذين بلغوا سن الدراسة‪ ،‬فقد كانت مهمة المدرسة تتلخص في تكوين ما يحتاج‬
‫إليه االستعمار من مساعدين‪ ،‬وقد كان أول دخول مدرسي في أكتوبر ‪ 1962‬اتخذت‬
‫وزارة التربية قرارا يقضي بإدخال اللغة العربية في جميع المدارس االبتدائية بنسبة‬
‫سبع ساعات في األسبوع‪ .‬وقد تم توظيف ‪ 3452‬معلما للعربية و‪ 16450‬للغة‬
‫األجنبية ‪ ،‬منهم عدد من المرنين قصد سد الفراغ المدهش الذي أحدثه عمدا أكثر من‬
‫‪10.000‬معلم فرنسي غادروا الجزائر بصفة جماعية‪.‬‬
‫وقد ورثت الجزائر قلة هياكل االستقبال و قلة اإلطارات و مشكلة سيطرت اللغة‬
‫الفرنسية وانحصار التعليم على مناطق و طبقات دون أخرى‪ ،‬وقد عمدت السلطة‬
‫‪145‬‬
‫الجزائرية تعديالت مختلفة منذ ‪ ،1962‬ومن اإلجراءات الفورية التي اتخذتها اللجنة‬
‫الوطنية التي عقدت اجتماعها األول في ‪ 15‬ديسمبر‪ - 1962‬الجزأرة‪ ،‬ديمقراطية‬
‫و التكنولوجي‪.‬واستمر تطبيق مجموع‬ ‫التعليم‪ ،‬التعريب‪ ،‬والتكوين العلمي‬
‫اإلجراءات السنة تلو األخرى‪ ،‬ففي أكتوبر‪1967‬طبق القرار القاضي بتعريب السنة‬
‫الثانية االبتدائية تعريبا كامال تدرس كل المواد المبرمجة باللغة العربية وحدها بتوقيت‬
‫‪20‬ساعة أسبوعيا‪.‬‬
‫و يمكن تلخيص النظام التربوي الجزائري في فترتين ‪:‬‬
‫*الفترة األولى(‪ : )1962-1976‬وهي فترة انتقالية كان يسودها عدة نقائص‪،‬‬
‫فاقتص رت على إدخال تحويالت تدريجية تمهيدا لتأسيس نظام تربوي يساير متطلبات‬
‫التنمية‪ ،‬ومن أولويات هذه الفترة ‪:‬‬
‫‪ -‬تعميم التعليم بإقامة منشآت تعليمية وتوسيعها للمناطق النائية‪.‬‬
‫‪ -‬جزأرة إطارات التعليم (أي إزالة آثار العناصر الدخيلة الوافدة من المجتمعات‬
‫والثقافات التي ال تمت بصلة للمجتمع الجزائري‪ ،‬كما يعني جزأرة نظام التعليم‬
‫ومناهجه والبعد عن االستعارة من المجتمعات األخرى‪ ،‬جزأرة اإلطارات غايتها‬
‫االعتماد على أبناء البالد من أهل االختصاص لتحقيق الكفاءة التعليمية)‪.‬‬
‫‪ -‬تكييف مضامين التعليم الموروثة عن النظام التعليمي الفرنسي‪.‬‬
‫‪ -‬التعريب التدريجي للتعليم‪.‬‬
‫و قد أدت هذه التدابير إلى ارتفاع نسبة المتمدرسين الذين بلغوا سن الدراسة‪ ،‬إذ‬
‫قفزت من ‪ %20‬إبان الدخول المدرسي األول إلى ‪ %70‬في نهاية هذه المرحلة‪.‬‬
‫* الفترة الثانية(‪ : )1976-2002‬ابتدأت بصدور أمر ‪ 35-76‬المؤرخ في‪ 16‬أفريل‬
‫‪ 1976‬بتنظيم التربية والتكوين بالجزائر‪،‬وأدخلت إصالحات على النظام لتتماشى و‬
‫التحوالت االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬كما كرس الطابع اإللزامي ومجانية التعليم‪،‬‬
‫وتطبيق أحكام هذا األمر ابتداء من‬ ‫وتأمينه لمدة ‪ 9‬سنوات‪ ،‬قد شرع في تعميم‬
‫السنة الدراسية ‪( 981 -1980‬المدرسة األساسية)‪.‬‬
‫وقد عرفت المنظومة التربوية الجزائرية خالل الموسم الدراسي ‪- 2003‬‬
‫‪ 2004‬تعديالت تتمثل في ‪:‬‬
‫‪ -‬تنصيب السنة األولى من التعليم االبتدائي ‪ ،2004 -2003‬وقد تم تغيير‬
‫محتويات بعض الكتب لنفس السنة في ‪( 2005 - 2004‬كالتربية اإلسالمية)‪.‬‬
‫‪ -‬تنصيب السنة الثانية من التعليم االبتدائي ‪ ،2005-2004‬أضيفت إليها اللغة‬
‫الفرنسية كلغة أجنبية أولى‪ ،‬استعمال الترميز العلمي والمصطلحات العلمية‪ ،‬استعمال‬
‫الوسائل التعبيرية(العربية والفرنسية)‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫‪ -‬تنصيب السنة األولى من التعليم المتوسط في إطار اإلصالح التدريجي‬
‫والتربوي(نظام األربع سنوات) ابتداء من الموسم الدراسي‪ ،2004- 2003‬وظهور‬
‫اللغة األمازيغية باعتبارها لغة وطنية‪.‬‬
‫أما التعليم الثانوي فعرف تعديالت في هيكلته في سنة ‪.2006 - 2005‬‬
‫أما التعليم العالي فقد عرف تعديالت على ضوء توصيات اللجنة الوطنية‬
‫إلصالح المنظومة التربوية والتوجيهات المتضمنة في مخطط تطبيق اإلصالح‬
‫التربوي الذي صودق عليه في مجلس الوزراء يوم ‪20‬أفريل ‪ ،2002‬سطرت وزارة‬
‫التعليم العالي والبحث العلمي كهدف استراتيجي لمرحلة‪2013-2004‬إعداد ووضع‬
‫أرضية إلصالح شامل للتعليم العالي)‪ (LMD‬بحيث يمثل بنية العليم العالي المستلهمة‬
‫من البنيات المعمول بها في البلدان االنجلوسكسونية‪ ،‬والمعممة في البلدان‬
‫المصنعة‪،‬تتمثل هذه البنية حول ثالثة أطوار للتكوين يتوج كل منها بشهادة جامعية ‪:‬‬
‫‪ -‬الطور األول بكالوريا‪+‬ثالث سنوات‪ ،‬يتوج بليسانس(أكاديمية‪-‬مهنية)‪.‬‬
‫‪ -‬لطور الثاني بكالوريا ‪ +‬خمسة سنوات‪ ،‬يتوج ماجستير(أكاديمية ‪-‬مهنية)‪.‬‬
‫‪ -‬الطور الثالث بكالوريا ‪ +‬ثمان سنوات‪ ،‬يتوج بدكتوراه‪.‬‬
‫و ال تزال المنظومة التربوية الجزائرية إلى حد اآلن تجري تعديالت على‬
‫نظمها التربوية قصد التحسين من المردود التربوي و الرفع من مستواه‪.‬‬

‫المشاكل التي تواجه المنظومة التربوية في الجزائر ‪:‬‬


‫تعاني المنظومة التربوية من عدة مشاكل‪ ،‬و ال يمكن إسناد مصدر هذه المشاكل‬
‫إلى طرف دون آخر‪ ،‬و من بين هذه المشكالت ‪:‬‬
‫* ضعف المستوى الدراسي‪.‬‬
‫* ارتفاع نسبة التسرب المدرسي‪.‬‬
‫* حصر التربية على المدرسة وغياب األولياء عنها‪.‬‬
‫* غياب منهجية علمية للتقويم‪.‬‬
‫* اكتظاظ األقسام مما يعرقل السير الحسن للدرس واستيعاب التالميذ‪.‬‬
‫* مشكالت مصدرها األستاذ نفسه‪.‬‬
‫* مشكالت مصدرها التلميذ‪.‬‬
‫* مشاكل مادية ومعنوية يعني منها الطرفين(معلم‪،‬متعلم)‪.‬‬
‫* نقص اإلمكانات المادية والوسائل البيداغوجية‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫* نقص دراسات علمية ميدانية قبل إجراء تعديالت معينة‪.‬‬
‫* غموض سياسة التخطيط‪.‬‬

‫اإلصالح التعليمي وضرورة التغير االيجابي‬


‫إن اإلصالح التعليمي وضرورة التغير االجتماعي يساهم في بناء المؤسسة‬
‫التعليمية‪ ،‬بنا ًء صحيحا ً يبعدها عن االنحطاط والتخلف التي غرقت فيه على مدى‬
‫العقود الماضية‪ ،‬والتي كانت فيه المؤسسة التربوية عرضة لالنتهاك والتجاوز‬
‫األخالقي‪ ،‬مما جعل الهوة واسعة بيننا وبين المجتمعات األخرى التي استطاعت‬
‫التخلص من الفردانية في الحكم‪ ،‬والسيطرة والشمولية وإخضاع المجتمع للرأي‬
‫الواحد‪ ،‬الذي احتكر الفعالية االجتماعية واالقتصادية والسياسية والتربوية‪ ،‬وقام‬
‫بتقنينها منهجا ً وسلوكا ً لتصب في منافعه وتطبل لشعائريته الزائفة‪ ،‬مما أدى بالعملية‬
‫التربوية إلى االنكماش والتقوقع في الوقت الذي نرى أن المجتمعات المتقدمة رأت في‬
‫التعليم ما يوطد الحياة الديمقراطية‪ ،‬ألنها اعتقدت وآمنت بأن نشر العلم بين طبقات‬
‫الشعب من األسس المتينة التي يقوم عليها صرح الحرية واالستقالل الوطني‪ ،‬ألن‬
‫الحرية ال تستقيم مع الجهل‪ ،‬ألن دعامتها (التعليم الذي يشعر الفرد بواجبه وحقه‬
‫وبواجبات نظرائه وحقوقهم الديمقراطية‪.‬‬
‫وهذا يدفعنا للقيام ‪ (1‬بتغيير جذري في نظام التربية والتعليم من أجل بناء الفرد‬
‫والمجتمع ) كي نتمكن من بناء شخصية قوية منتجة ال تعاني من العقد واإلحباطات‪،‬‬
‫وتستشرف المستقبل‪ ،‬ال من خالل األماني والخطاب الديماغوجي‪ ،‬وإنما بالنزوع‬
‫(لدراسة المستقبل بهدف التنبؤ واالستعداد والتأثير فيه)‪ ،‬منطلقين في ذلك من عملية‬
‫استقراء تعتمد العلمية والمنطق للحاضر وإشكالياته‪ ،‬ألنه لم يعد التعليم في ضوء‬
‫الدراسات الحديثة‪ ،‬وما أثمر تمعن نظريات جديدة في مجال تعريف التعليم‪ ،‬وما أتاحه‬
‫التقدم التكنولوجي من وسائل مساعدة لالختبار والقياس ينظر إليه لتحصيل للمعرفة‬
‫والمهارات‪ ،‬أو أنه تدريب عقلي! بل أصبح ينظر إليه بأنه عملية تربوية تهدف إلى‬
‫إحداث تغيير في السلوك معتمدا ً على(عوامل عدة في بيئة المتعلم الكلية وأثر الخبرة‬
‫التعليمية على شخصية وسلوك اإلنسان)‪ .‬وهذا في حالتنا اآلن يستوجب للوصول إلى‬
‫‪148‬‬
‫المسار االجتماعي‪/‬الحضاري الصحيح‪ ،‬القيام باإلصالح والتغيير الجذري لنظام‬
‫التربية والتعليم من أجل قيام مجتمع جديد متوازن وواع‪ ،‬وهذا يتطلب القيام بمهمتين‬
‫أساسيتين هما (التخطيط والتنفيذ‪ ،‬مع تهيئة الضمانة اإلجرائية الالزمة) لتغيير الفرد‬
‫الذي هو النواة األساسية في المجموعة االجتماعية وجعله إنسانا ً جديدا ً متوافقا ً مع‬
‫المفاهيم واألفكار الجديدة التي تتيحها له الحرية التي استعادها بعد أن فقدها لعقو ٍّد من‬
‫الزمن‪.‬‬
‫وعملية التغيير واإلصالح هذه ال يمكن أن تتم بعفوية أو بالعصا السحرية‪ ،‬بل‬
‫إنها تتطلب (عملية شاملة من التربية واإلرشاد) تفسح المجال للفرد بالوصول بقدراته‬
‫واستعداداته إلى أقصى طاقاتها‪ ،‬وذلك من خالل نظام يسمح بالمرونة في إعداد‬
‫وتخطيط الم ناهج وتنظيمها بما يتوافق والطيف المجتمعي للعراق وحاجاته‪ ،‬مؤمنين‬
‫(بأن الشيء المهم في التعليم ليس فيما تحتويه المادة ذاتها بل في القدرة العقلية الهامة‬
‫التي تنمو نتيجة لها‪ ،‬فقد وجه علم النفس الوظيفي أنظار المربين إلى رأي جديد‪ ،‬وهو‬
‫أن اإلنسان يتعلم طرقا ً معينة نتيجة الستجابته لمواقف معينة‪ ،‬أي أن استجابة الفرد‬
‫تتنوع تبعا ً لنوع المواقف التعليمية) ألن اإلصالح والتغيير الذي نريده لمجتمعنا‬
‫الجديد‪ ،‬ال ينبغي أن يكون عشوائياً‪ ،‬بل يجب أن يسير وفق القيم التي يرسمها الدستور‬
‫للمجتمع‪ ،‬من أجل إقامة المجتمع الديمقراطي‪ ،‬ألن إصالح النظم المدرسية القائمة (بين‬
‫الفينة والفينة مطلب ضروري‪ ،‬السيما وأن الشروط االجتماعية الجديدة‪ ،‬وتطور‬
‫العلوم اإلنسانية‪ ،‬تجعل التغيير والتطور ضرورياً)‪.‬‬
‫على ضوء ما تقدم سوف نتناول في بحثنا هذا محورين يشكالن العصب‬
‫والعمود الفقري للعملية التربوية التعليمية هما(المدرسة والمنهج) مؤكدين أن اإلصالح‬
‫ال يمكن أن يتم دون وثائق كافية ودون اتصال حي فعلي بالواقع المدرسي‪ ،‬لذلك البد‬
‫من اعتماد أصول البحث العلمي المنظم‪ ،‬وإال كنا أمام اجتهادات شخصية‪ ،‬يمكن أن‬
‫تدحضها اجتهادات شخصية أخرى‪ ،‬إذ أن من شروط نجاح اإلصالح والتغيير أن‬
‫ي تم(التعاون بين القائمين بالبحث وبين الهيئة التعليمية واإلداريين والباحثين المختصين‬
‫وسائر األشخاص المعينين بالحياة المدرسية)‪.‬‬
‫دور المدرسة في اإلصالح والتغيير ‪:‬‬
‫بما أن المدرسة هيئة اجتماعية تساهم في تحقيق أهداف وقيم المجتمع الذي‬
‫تعمل فيه‪ ،‬فهي مؤهلة ألن تقود اإلصالح والتغيير االجتماعي‪ ،‬الذي تؤثر فيه(المدرسة‬
‫أثرا ً كبيرا ً في تطور وإصالح شأنه‪ ،‬ألن إصالح وتغيير المجتمع ال يمكن أن يكون‬
‫ناجحا ً ومثمرا ً إال إذا وعاه الناشئون وعيا ً أكيدا ً وعملوا على تحقيقه) ‪،‬ألن بين المدرسة‬
‫والمجتمع في كل زمان ومكان ارتباطا ً وثيقا ً وتفاعالً شديداً‪.‬مما يمكن المدرسة من‬
‫‪149‬‬
‫(تغيير وتعديل قواعد السلوك لتالميذها‪ ،‬ألنها تعمل في وسط ثقافي يؤثر كثيرا ً في‬
‫التالميذ) بحيث يؤدي إلى تحسين ورفع نوع المعيشة في المجتمع‪ ،‬ألنه كما يقول‬
‫تشارلز بيرز (بأن السلوك االجتماعي للتالميذ يمكن أن يتغير‪،‬إذا هدف التعليم لتحقيق‬
‫هذا التغيير)‪ .‬كما أن المدرسة تساعدهم على تكوين فلسفة صحيحة للحياة‪ ،‬ونظام للقيم‬
‫يساعدهم على أن يأخذوا أماكنهم كمواطنين أذكياء ناضجين‪ ،‬وهذا األمر ال يتحقق إال‬
‫عن طريق إدخال الخبرات التعليمية الصالحة في المناهج‪ ،‬وعن طريق أوجه النشاط‬
‫المختلفة والنقاشات ذات الخطة الواضحة التي تدعو إلى االهتمام بالتراث الثقافي‬
‫للمجتمع واستخدامه في حل مشكالتنا الحاضرة‪ ،‬لكن علينا أن نوضح بأن هذا يستلزم‬
‫إعادة تنظيم المواد المدرسية تنظيما ً يكفل للمدرسة القيام بهاتين الوظيفتين‬
‫المزدوجتين(نمو الفرد وإشباع حاجاته وميوله والنقل الثقافي‪ ،‬واستخدام الثقافة‬
‫استخداما وطنياً)‪ ،‬وهذا يدعونا إلى إعادة تنظيم المعارف اإلنسانية من خالل المدرسة‬
‫ألنها بيئة تربوية صاهرة‪ ،‬بمعنى أن هذه المؤسسة تعمل على نشر(التواصل والتفاهم‬
‫بين التالميذ) تبعا ً لألهداف التربوية التي تسعى المدرسة الجديدة إلى تحقيقها من أجل‬
‫أن تعمل المدرسة على مساعدة التالميذ في الوصول إلى المبادئ العامة والقوانين‬
‫والخبرات البشرية المنظمة تنظيما ً منطقياً‪( ،‬والعمل على إمكانية التوفيق بين موقف‬
‫وظيفة المدرسة إزاء النواحي السيكولوجية للتلميذ‪ ،‬ووظيفة القيام بالنقل الثقافي)‪ ،‬كما‬
‫نطمح أن تتمكن المدرسة من أن ال تصب اهتمامها على التراث الثقافي لمجتمعنا الذي‬
‫نعيش فيه فحسب‪ ،‬بل ينبغي أيضا ً أن توجه عنايتها إلى التراث الثقافي للجنس‬
‫البشري‪( ،‬لكي تحقق المدرسة ما يجب أن تكون عليه من أنها انعكاسا للنظام‬
‫االجتماعي للمجتمع)‪ ،‬وذلك ألن دور المدرسة كقوة اجتماعية تربوية تبرز أهميتها في‬
‫تخريج القادرين على قيادة المجتمع الواعين بدورهم اإليجابي في حل مشكالته‪ ،‬حين‬
‫يصبحون جزءا ً أساسيا ً ومهما فيهً‪ ،‬شريطة أن يكون منهجها انعكاسا ً فاعالً لجميع‬
‫العناصر الثقافية للمجتمع مع وجوب أخذ دور محايد إزاءها‪ ،‬السيما المشكالت‬
‫المت علقة بالقيم والمعتقدات الدينية‪ ،‬وهذا ال يتم إال من خالل إعداد التالميذ وتعويدهم‬
‫على اإليجابية في حل مشكالت المجتمع‪ ،‬وهذا ال يتم إال من خالل إدارة مدرسية تتبنى‬
‫منهجا ً مدرسيا ً تربويا ً ينمي في التالميذ الفهم للقيم والتقاليد الديمقراطية‪ ،‬كما يعرفهم‬
‫بالخصائص التي تحير المواطنين في ظل النظام الديمقراطي‪ ،‬وصوالً إلى ظهور‬
‫السلوك الديمقراطي لدى التالميذ‪ ،‬الذي يدفعهم لاللتزام والعمل بالقوانين والنظم‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وهذا يقودنا إلى أن يكون تنظيم إدارة المدرسة تنظيما ً ديمقراطياً‪ ،‬ألن‬
‫من الصعب والتناقض أن يخضع التالميذ لنظم كلها سيطرة وضغط في المدرسة وفي‬
‫البيت والهيئات االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫من هنا ومن أجل الوصول بعملية اإلصالح والتغيير ألهدافها‪ ،‬فعلى القائمين‬
‫على إدارة المدرسة والمشرفين على العملية التربوية التعليمية‪ ،‬احترام شخصية التلميذ‬
‫وقيمته‪ ،‬مما يفرز في نفسه الشعور بالقيمة االجتماعية باعتباره فردا مشاركا في بناء‬
‫وتطور المجتمع‪ ،‬وعنصرا فاعال ال يمكن االستغناء عنه أو إهماله في عملية اإلصالح‬
‫والتغيير والبناء‪ ،‬ألن المدرسة هي التي ( تعد فيها دوافع وميول الطفل أساسا ً لبرامج‬
‫المدرسة‪ ،‬وهي في هذا تسير على أساس الحرية غير المقيدة التي تنادي بها الفلسفة‬
‫الطبيعية ) على أساس أن الهدف األساسي للتربية في المدرسة هو تيسير أقصى نمو‬
‫لفردية كل طفل‪ ،‬على أن يتالءم هذا النمو كلية وبطبيعته مع النمو االجتماعي‪ ،‬من‬
‫خالل تشجيع المدرسة للطفل على ( أن يصبح شخصية خاصة وأن يدين بالفردية وأن‬
‫يعتقد في قدرته ) كما يرى رج وشو ماكر‪ ،‬دون أن ننسى بأن المدرسة ملزمة أيضا ً‬
‫بأن تهيئ له المواقف التي تعطيه مرانا ً مستمرا ً على الحياة التعاونية‪ ،‬كما تقدم له أنواع‬
‫النشاط التي تساعده على المساهمة في األعمال الجماعية‪ ،‬من أجل تنمية إحساسه‬
‫باالنتماء إلى الجماعة وبأنه عضو مقبول ومحترم من المجتمع وهذا يستلزم وضع‬
‫خطة كاملة للعمل المدرسي لكنها يجب أن ال تكون نهائية أو مغلقة‪ ،‬بل قابلة إلعادة‬
‫النظر على ضوء مدى تحقيقها ألهداف المدرسة‪ ،‬والخطة المدرسية تعتمد على‬
‫عناصر هي التدريس الصفي والنشاط الصفي و الالصفي والتوجيه والعالقة بين‬
‫المدرسة والمجتمع والعالقة اإلنسانية بين العاملين المسئولين عن إدارة المدرسة‬
‫(مدير‪ ،‬معلمين‪ ،‬مدرسين‪ ،‬عمال‪ ،‬مشرفين) من جهة وبين التلميذ من جهة ثانية بعد أن‬
‫نسلم المدرسة إلى مدير ومعلمين تم إعدادهم أو إعادة تأهيلهم بما يتوافق وما نريده من‬
‫أهداف جديدة أفرزها اإلصالح والتغيير لتكون عملية التغيير ذات جدوى‪.‬‬
‫المنهج ودوره في عملية اإلصالح والتغيير ‪:‬‬
‫إن المدرسة كما رأينا هيئة اجتماعية مهمتها االهتمام بتربية الطفل وتعليمه‬
‫واالستمرار في ذلك حتى المرحلة الجامعية‪ ،‬والمدرسة ال تعمل بطريقة عشوائية أو‬
‫اعتباطية وهي تمارس عملية التربية والتعليم‪ ،‬بل إنها تخضع لنظم وتقنيات محددة‬
‫تعرف بالمنهج‪ ،‬الذي يعني لغويا ً الطريق الواضح‪ ...‬كما يعني اصطالحا ً مجموعة‬
‫الخبرات والمواد(العلمية واألدبية واالجتماعية و‪...‬الخ) المخطط لها والتي توفرها‬
‫المدرسة لمساعدة التالميذ(وهو ما يتصل اتصاالً وثيقا ً باألهداف التربوية بل أن‬
‫تحقيقها هو الغرض من وجوده) ؛لذلك على المنهج أن يستوحي حاجات المتعلم وثقافة‬
‫المجتمع‪ ،‬وأن يكون محوره شؤون الحياة ومشاكلها‪ ،‬وأن يعنى بالنواحي الذهنية‬
‫والعملية واإلنسانية‪ ،‬وألجل االقتراب مما نريده من عملية اإلصالح والتغيير يصادفنا‬
‫سؤال مهم جدا ً علينا أن نجيب عليه‪ ،‬وهو (من الذي يصنع المنهج الذي يتواءم وعملية‬
‫‪151‬‬
‫اإلصالح والتغيير التي يراد كما أن تناسب المرحلة الجديدة لمجتمعنا؟) لقد قدم‬
‫المعنيون والمختصون بشؤون التربية والتعليم العديد من اآلراء والمقترحات‬
‫واإلجابات لهذا السؤال‪ ،‬غير أنهم اتفقوا‪ -‬وعلى ضوء معايير التطور الحالي التي ترى‬
‫أن الذي يساهم بوضع المنهج وتخطيطه كل من له عالقة بالطفل الطالب باعتبار الغاية‬
‫التي من أجلها يوضع المنهج‪ ،‬وهؤالء هم المعلمون والمدرسون والتالميذ أنفسهم‬
‫واآلباء والمواطنون العاديون والخبراء المختصون والمشرفون التربويون‪ ،‬غير أننا ال‬
‫يمكننا اعتبار أي منهج تم وضعه واالتفاق عليه بأنه منهج نهائي‪ ،‬ألننا نعتقد بأن‬
‫المنهج يجب أن يكون عرضة للتقويم طالما أننا نعيش في عالم متحول وسريع‬
‫التطور‪ ،‬يفرز مواقف وقيما ومعلومات متجددة دوماً‪ ،‬لكن على شرط أن تتضمن‬
‫عملية التقويم تقدير التغييرات السلوكية الفردية والجماعية‪ ،‬والبحث في العالقة بين‬
‫هذه التغييرات السلوكية وبين العوامل المؤثرة فيها(من خالل نظرتها للفرد وكفايته‪،‬‬
‫والجماعة وعالقتها الديناميكية‪ ،‬والبيئة وظروفها المؤثرة في الفرد والجماعة)‪ ،‬على‬
‫أن تقوم عملية التقويم كذلك على األسس العلمية التي تعتمد التجريب والبحث المعملي‬
‫والميداني لقياس مدى ما يحققه البرنامج التربوي من أهداف ومدى مساعدته في نمو‬
‫الفرد والجماعة‪ ،‬وكشف المعوقات والتعرف على اإلشكاليات التي قد يكون لها دور‬
‫في إعاقة تطبيق المنهج بصورة صحيحة والعمل على ( تطوير المنهج تبعا ً لتطور‬
‫أهداف التربية بحيث ال تبقى هذه المناهج متخلفة عن ذلك التطور )‪ ،‬وهذا ال يتم إال إذا‬
‫أعددنا الكوادر المؤهلة من الهيئات العلمية والتربوية واإلدارية (لدراسة منهج كل مادة‬
‫من المواد الدراسية‪ ،‬دراسة متكاملة‪ ،‬وذلك بمتابعة منهاج المادة الواحدة من خالل‬
‫السنوات التالية ومعرفة مدى الترابط والوحدة بينها )‪ ،‬مؤكدين على تقديم هذه المواد‬
‫وفق طرائق التعليم الحديثة التي تتالءم مع الحاجة إلى تعليم الماليين المتكاثرة من‬
‫الطالب والتي تزداد بشكل كمي‪ ،‬وتستدعي تطوير وسائل فعالة لكي تضمن تعليمها‬
‫وتغيير سلوكها وبحيث يواكب التطور الحضاري للمجتمع‪.‬‬
‫حتمية التغير‪:‬‬
‫يشهد العالم اليوم‪ ،‬تسارع كبير نحو التطور والتغير‪ ،‬لتحقيق مستوى‬
‫معيشي أفضل‪ ،‬وإذا أرادت امتنا العربية أن تخطو نحو مجتمع المستقبل بكل عزم‬
‫وثبات عليها أوال أن تعمل بكل جد وإصرار شديدين لالنتقال من مرحلة التخلف‬
‫والتبعية إلى مرحلة الوحدة العربية وتطبيق الديمقراطية‪.‬‬
‫ولذلك فهي مطالبة بان يكون لها شخصيتها االعتبارية المتميزة‪ ،‬والمحددة‬
‫زمانيا ومكانيا‪ ،‬وان تؤكد على أهميتها وسط العالم الذي تعيش فيه‪ .‬عالوة على أن‬
‫تمتلك القوة والقدرة على مدار العقود القادمة‪ ،‬وهذا ما يجعلنا نأخذ باعتبارنا ما يلي‪:‬‬
‫‪152‬‬
‫أوال ‪ :‬القوى الذاتية ‪ :‬بامتالك األمة العربية من تراث وموارد اقتصادية وبشرية هائلة‬
‫وإمكانات مادية ضخمة‪ ،‬يمكنها أن توفر كل أسباب المدنية الحديثة لها وبناء مجتمع‬
‫عربي عصري‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حقائق التغير العالمي السريع ‪ :‬يوجد على هذه األرض من يعيش في زمن‬
‫الماضي والحياة البدائية وهناك أيضا من يعيش حياة صناعية متقدمة وهناك من وصل‬
‫التقدم‪ .‬ليعيش حالة عالم المستقبل وممثلي تقدم اإلنسانية‪ ،‬وهو من يمتازون بقدراتهم‬
‫على التغير السريع‪ ،‬وعليه فان قدرة األمة العربية يجب أن تكون احد عناصر أو‬
‫مكونات تفكيرها ودراستها‪.‬‬
‫من المفروض أن الهزائم المستمرة للوطن العربي توقظه من التردي‪،‬‬
‫وتكون محطات تحول في تاريخه‪ ،‬إال أن الواقع العربي ال يزال كما هو مؤلم في‬
‫تدهوره وتخلفه‪ ،‬إن لم يكن أصبح أسوا من السابق‪ ،‬مما جعل البعض يعتبره عصر‬
‫االنحطاط واالنهيار العربي‪ ،‬ومن الخطورة أن هذه المرحلة تبلور عملية انهيار قيمة‬
‫اإلنسان دائما في شكل ظاهر‪.‬‬
‫ومهما امتلك العرب من ثروات‪ ،‬إال أن التبذير في هذه الثروات بدون دراسة‬
‫وتخطيط جعلهم يضيعون فرص ذهبية في تاريخهم المعاصر لتطوير أنفسهم‪.‬‬

‫إن التربية أوال هي وحدها الوسيلة األساسية لتحقيق التطور وإنها هي أوال‬
‫وأخيرا أداة تنفيذه وتحقيقه‪ .‬وهذا ما يجعلنا أن نقرر أننا بحاجة إلى تربية تمكن األجيال‬
‫العربية من تحقيق وتحرير ذاتها‪ ،‬ومن بناء مشروعها الحضاري العربي وصناعة‬
‫مستقبلها‪ ،‬وتأكيد هويتها وشخصيتها المستقبلية‪ .‬وإطالق قدراتها وطاقاتها اإلبداعية‪.‬‬

‫توجيهات السياسات التربوية العربية‬


‫وأما المرحلة الثالثة في نمو وتطور السياسات التربوية والتعليمية في الوطن‬
‫العربي فهي المرحلة الحالية التي يمكن تسميتها (بناء مجتمع المستقبل)‪ ،‬وهذه المرحلة‬
‫تبدأ منذ التسعينات وحتى الوقت الحاضر‪ ،‬وهي فيما نعتقد المرحلة الحرجة التي شهد‬
‫فيها العال م بما فيه الوطن العربي تغيرات واسعة األثر والتأثير منها تغيرات وتطورات‬
‫معرفية وعلمية وتقنية والتي على التربية العربية أن تواكبها وتغير وتطور أنظمتها‬
‫التعليمية‪ ،‬وهي التي تحتاج بالفعل إلى تحديث وتطوير إستراتيجية التربية العربية‪،‬‬
‫وهذه المرحلة ال تزال فيما نعتقد متعثرة في الوطن العربي‪ ،‬ولم تبدأ بفعالية وكفاءة‬
‫فهي تحتاج إلى إستراتيجية عربية مختلفة تماما ً عن االستراتيجيات والسياسات السابقة‬
‫‪153‬‬
‫للتعليم والتربية في الوطن العربي‪ ،‬إنها إستراتيجية تربوية يجب أن تسعى إلى بناء‬
‫مجتمع المعرفة بمعنى الكلمة وإال فإن مصير العرب التهميش والفناء الحضاري‪.‬‬
‫وعلى أية حال ورغم اإلنجازات السابقة الكمية والنوعية التي حققتها التربية‬
‫العربية خالل العقود الماضية‪ ،‬ال تزال هناك معضالت ومشكالت تربوية على‬
‫السياسات التربوية أن تواجهها بالدراسة وإيجاد الحلول المناسبة بالتخطيط والتنفيذ‬
‫والمتابعة‪ ،‬ومن أهم هذه االختناقات ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ال تزال السياسات التربوية العربية غير واضحة األهداف العامة والخاصة لكل‬
‫مرحلة تعليمية‪ ،‬وبالرغم من وجود أهداف تربوية عامة في كل بلد عربي على حده‬
‫تقريباً‪ ،‬إال أنه ال توجد أهداف عربية مشتركة‪ ،‬والبحث عنها أشبه بمن يبحث عن إبرة‬
‫في قاع محيط متالطم األمواج والتيارات البحرية‪ ،‬وال يمكن بطبيعة الحال أن ينجح‬
‫عمل مهما كان بدون رؤية واضحة وأهداف عامة مشتركة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بالرغم من أن السياسات التربوية العربية تخدم الطالب العربي فعالً في أي‬
‫مستوى أو مرحلة تعليمية وتنفق عليه بمعدالت عالية (أعلى من معظم البالد النامية‬
‫وتتقارب مع البالد الصناعية المتقدمة)‪ ،‬إال أن المدرسة أو التربية العربية ال تزال‬
‫تركز خدمتها في الجانب المعرفي وحفظ المعلومات وتلقين قوالب صورية من األفعال‬
‫واألقوال‪ ،‬فالتربية العربية ال يزال أمامها إلى جانب المعرفة تنمية شخصية الطالب‬
‫من جميع النواحي المعرفية واالجتماعية والنفسية والثقافية والجسمية واإلنسانية‬
‫العالمية‪ ،‬فالطالب العربي قد يخرج من المدرسة وال يعرف حقيقة مجتمعه والعالم‬
‫الفعلية فيتخرج بكمية من المعارف والعلوم ولكن تفاعلها وترابطها وتأثيرها في‬
‫شخصيته الفردية وفي عمله وفي مجتمعه الواسع ومشاكله تكاد ال تظهر بشكل واضح‬
‫وإيجابي‪ ،‬وأحيانا ً يتخرج الطالب العربي بنظرة مثالية رومانسية فيجد الواقع حقيقة‬
‫أخرى فيرتد متطرفا ً في اليمين أو اليسار‪ ،‬أو فاقدا ً ألي خط سير في حياته فيضيع في‬
‫دوائر اليأس واإلحباط أو حتى الجريمة واالنحراف أو االرتماء في أحضان اآلخرين‬
‫مهما كانوا أصدقاء أو أعداء لألمة العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن ازدياد عدد الخريجين من مختلف المؤسسات التعليمية العربية أدى إلى‬
‫معدالت عالية أو واضحة من البطالة والبطالة المقنعة بين الشباب‪ ،‬كما الحظنا سابقا ً‬
‫وهنا رغم كل الجهود التي بذلتها السياسات التربوية واالجتماعية فالعالقة بين المدرسة‬
‫وسوق العمل (هل التربية للعلم والثقافة؟ أو للعمل والرزق؟‪ ).‬لم تُحل بعد في أذهان‬
‫ساسة ومخططي التربية واالقتصاد العرب‪ ،‬وستزداد هذه المشكلة تعقيدا ً في المستقبل‬
‫بالنظر إلى النمو السكاني في الوطن العربي (يقدر أن يصل عام ‪ 2025‬إلى ‪400‬‬
‫‪154‬‬
‫مليون نسمة) إضافة إلى تغير طبيعة التخصصات التي يحتاجها سوق العمل العربي‬
‫وبطء النمو االقتصادي الحقيقي في البالد العربية وضعف الموارد المالية لمعظم‬
‫البلدان العربية والعولمة االقتصادية واألزمات والمشاكل السياسية والدولية (قضية‬
‫فلسطين‪ ،‬واتهام العرب والمسلمين باإلرهاب والتطرف الفكري وبروز قضايا األقليات‬
‫العرقية والثقافية) فهذه مشاكل تشغل البلدان العربية عن التنمية وتجرها إلى قضايا‬
‫األمن واإلنفاق على السالح والحروب بدالً من اإلنفاق على التعليم والصحة والتنمية‬
‫البشرية بشكل عام‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وبالنسبة لمدى ما قدمته السياسات التربوية العربية للمجتمع العربي في مختلف‬
‫المستويات الوطنية والمحلية والريفية والحضرية‪ ،‬فرغم كل اإلنجازات في هذا‬
‫المضمار‪ ،‬فال تزال هناك عقبات لم تعالجها السياسات التربوية بفعالية وتحتاج إلى‬
‫دراسات وتخطيط وعمل متواصل ومن أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نسبة السكان الذين يزيد عمرهم عن ‪ 15‬سنة‪ ،‬والذين اشتركوا في برامج تعليم‬
‫ال نظامية‪ ،‬أي خارج نظام التعليم الرسمي‪ ،‬وما هي البرامج والخطط التربوية التي‬
‫أعدت لهم‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ المتسربون من مختلف مراحل التعليم‪ ،‬وما هي السياسات والخطط التربوية‬


‫التي أعدت لهم‪ ،‬وهل نُفذت؟ وكيف تم ذلك؟‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نسبة السكان الذين يعيشون على مسافة معينة من أقرب مؤسسة للتعليم النظامي‬
‫في المراحل المختلفة للتعليم‪ ،‬وما هي الخطط والبرامج التي أعدت لذلك؟‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نسبة التالميذ في المرحلتين األولى والثانية للتعليم الذين يلجئون إلى الدروس‬
‫الخصوصية‪ ،‬فهذه الظاهرة جديدة في الوطن العربي ولم تكن معروفة في الماضي‪،‬‬
‫وتعطي إشارات سلبية للمربين والتربية ولها تداعيات تعليمية واجتماعية واقتصادية‬
‫ونفسية في الوطن العربي إذا استمرت في النمو واالنتشار كما هو حاصل اآلن‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ نسبة المقيدين في مدارس أو معاهد خاصة إلى جملة المقيدين في مدارس‬
‫ومعاهد عامة‪ ،‬وهل هناك خطط واستراتيجيات لهذا النوع ممن التعليم الذي اختفى أو‬
‫كاد يختفي في العقود الماضية وعاد فظهر بقوة أخيرا ً في الوطن العربي لظروف‬
‫خاصة بسياسات اإلنفاق على التعليم وضعف قدرات الحكومات العربية لتمويل التعليم‬
‫الذي يواجه ضغوطا ً كبيرة للطلب االجتماعي عليه‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ 6‬ـ نسبة المقيدين في التعليم الفني والمهني إلى جملة المقيدين في مؤسسات التعليم‬
‫األكاديمي العام‪ ،‬وخاصة التعليم الثانوي والعالي‪ ،‬وما هي الخطوات والسياسات‬
‫المتبعة في هذا النوع من التعليم وإسهامه وربطه بالتنمية وسوق العمل ؟ وفي نفس‬
‫الوقت محافظته على الجانب الثقافي واالجتماعي وإعداد المواطنة العربية ؟‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ نسبة المقيدين في كليات علمية بحثة وتقنية مقابل المقيدين في كليات العلوم‬
‫اإلنسانية واآلداب واللغات والمالحظ أن حوالي ثلثي القيد ‪ %60‬هم في تخصصات‬
‫العلوم اإلنسانية مقابل ‪ %30‬أو أقل مسجلون في تخصصات علمية وتقنية دقيقة مع‬
‫فارق بين البلدان العربية وما آثار كل نسبة على الفرد والمجتمع وسوق العمل وبناء‬
‫القدرة العربية العلمية والتقنية؟ وكيف يمكن المحافظة على التوازن بين إعداد اإلنسان‬
‫التقني المهني وإعداد اإلنسان االجتماعي المثقف والواعي بالجانب اإلنساني للنهضة‬
‫والتقدم العلمي والتقني للوطن العربي؟‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ال تدري السياسات التربوية العربية بدقة علمية مدى شعور الطالب العرب‬
‫أنفسهم باالستفادة مما تعلموا في حياتهم وأعمالهم الوظيفية بعد التخرج‪ ،‬وهل هناك‬
‫حاجة إلى تغير مضمون المناهج التعليمية؟‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ ليس للسياسات التربوية العامة في الوطن العربي مؤشرات أو مقاييس دقيقة‬
‫لمعرفة وتحديد مدى تقدير جهات العمل ومؤسساته لما تعلمه الطالب ووظفوه في‬
‫أعمالهم الوظيفية وعالقاتهم بزمالئهم في العمل والمهنة‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ وأخيرا ً ال تعرف السياسات التربوية العربية ثالثة أمور بدقة‪،‬‬
‫(أ) مدى التطور الذي حصل في النظام التربوي العربي؟ وبأي مقاييس‬
‫وخاصة فيما يتعلق بالتطور النوعي وارتباطه بحاجات الطالب الفردية وحاجات‬
‫المجتمع العربي في عصر يتسم بالتطور السريع والتعقيد االجتماعي والتقني‪.‬‬
‫(ب) مدى تطور مدخالت ومخرجات النظام التعليمي العربي ومدى إسهامها‬
‫في جعله أكثر حداثة وعصرية وارتباطا ً بطبيعة العالم المعاصر اجتماعيا ً وثقافيا ً وتقنيا ً‬
‫واقتصادياً‪.‬‬
‫(ج) مدى تطور النظام التعليمي العربي في بيئته الداخلية وقدرته على خدمة‬
‫بعض مكوناته ومراحله لمكونات ومرحلة أخرى‪ ،‬أي ارتباط وترابط كل مرحلة‬
‫بأخرى مثل دور التعليم الثانوي في خدمة التعليم الجامعي والعكس دور التعليم‬
‫الجامعي في خدمة التعليم الثانوي‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫و إلى جانب المرحلة السابقة للنظام التربوي العربي وما عكسته من إيجابيات‬
‫وسلبيات فإن إستراتيجية التربية العربية عليها أن تجد اآلن سياسات وخطط وبرامج‬
‫للمشاكل والتحديات المذكورة والمنبثقة من المرحلة السابقة‪ ،‬وعليها أيضا ً أن تجد‬
‫سياسة تربوية للمرحلة الحالية التي حددت بالمرحلة الثالثة‪ ،‬وهي مرحلة إعداد‬
‫اإلنسان العربي للقرن الحادي والعشرين‪ ،‬فإستراتيجية التربية العربية اآلن في مرحلة‬
‫بناء مجتمع المستقبل أمامها مهمتين رئيسيتين األولى معالجة ما تبقى من تحديات‬
‫ومشاكل من المرحلة السابقة (ما بعد االستقالل وحتى نهاية الثمانينات)‪ ،‬وما يظهر‬
‫ويستجد من عقبات وتحديات اآلن‪ .‬والمهمة الثانية هي استعمال المدرسة كما يقول‬
‫الدكتور عبد اللطيف محمود محمد في دراسته المدرسة كقاطرة لمجتمع المستقبل‪،‬‬
‫بعبارة أخرى فكأن العرب سيدخلون عالم القرن الحادي والعشرين بمسئوليتين‬
‫تاريخيتين؛ إصالح البيت وترميمه أوالً‪ ،‬وتغيير وتحديث هيكله الداخلي والخارجي‬
‫ليكون منسجما ً مع نفسه ومقبوالً لحياة جديدة لسكانه وتعاملهم مع جيرانهم اآلخرين في‬
‫القرية الكونية الواحدة‪.‬‬
‫وعلى أية حال وفي إطار الرؤية السابقة توجد عالقة قوية ما بين الثورات‬
‫العلمية الكبرى التي شهدتها اإلنسانية كما حددها توماس كون (‪)1922-1996‬‬
‫‪ Thomas KUHN‬في كتابه المعنون "بنية الثورات العلمية‪ ،‬والثورات التعليمية‬
‫التي واكبتها‪.‬‬
‫والثورة العلمية في حقيقتها نوع من االستنارة العقلية التي تمثل نقلة نوعية‬
‫للبشرية من مرحلة إلى أخرى أرقى منها‪ ،‬والمقصود هنا بالرقي تحقيق المزيد من قوة‬
‫العقل على حساب انحسار لقوة الخرافة وتكمن قوة العقل في المعرفة ‪ ،‬وبالتالي في‬
‫اكتساب القدرة على الفعل‪ ،‬وهنا تصبح المعرفة كما قال عنها فرانسيس بيكون‬
‫(‪ )1926-1861‬أنها تعادل القوة‪ ،‬إذن فالثورات العلمية الكبرى كانت في جوهرها‬
‫ثورات عقلية معرفية تزيد من قوة اإلنسان‪ ،‬أما الثورات التعليمية فهي عملية تحويل‬
‫للقوة من وجود محايد إلى وجود منحاز إلطار العمل لصالح ترسيخ نمط من العالقات‬
‫االجتماعية وتشييده‪ .‬لذا فالثورات التعليمية توفر للثورات العلمية المناخ المالئم لقبولها‬
‫اجتماعيا ً وثقافيا ً وتعطي لها ما يسمى بقوة اإلقناع ‪ ،‬وقوة اإلقناع مرهونة بمدى توافر‬
‫فرص التعليم الجيد وانتشاره في المجتمع كذلك العدالة في توزيع تلك الفرص على‬
‫المستويات االجتماعية المختلفة‪ ،‬وهذا يعني رفع نصيب الفرد من قوة المعرفة وقوة‬
‫اإلقناع‪ ،‬لقد دفعت البشرية ثمنا ً غاليا ً عبر القرون لتوسع نطاق المشاركة في قوة‬
‫المعرفة ولالستدالل على هذه النتيجة نجد ذلك الترابط التاريخي في التالزم بين‬
‫الثورتين العلمية والتعليمية فمثالً في مراحل بارزة منها نجد مثالً نظرية دوران‬
‫‪157‬‬
‫األرض التي أعلنها كوبرنيك في كتابه الشهير في دوران األفالك السماوية عام‬
‫‪ ،1543‬كان قد أخفاها طوال حياته خشية أن تبطش به سلطة الكنيسة في أوروبا حيث‬
‫فرضت نسقا ً تعليميا ً جامدا ً يحد من نطاق المشاركة في (قوة المعرفة) والملفت للنظر‬
‫أن كوبرنيك ذكر في نهاية كتابه هذا حقيقة أن فيثاغورس كان قد سبقه في الكشف عن‬
‫هذه النظرية منذ القرن الخامس قبل الميالد‪ ،‬لكنه حين أشار لذلك تعرض للطرد‬
‫وإلحراق داره‪ ،‬ومعنى ذلك أن نظرية دوران األرض بوصفها الثورة العلمية األولى‬
‫استغرق إعالنها وقبولها اجتماعيا ً ألفي سنة ذلك ألن الثورة العلمية تغير في الواقع‬
‫القائم بحيث يمكن تقبل حدوث الواقع القادم (المستقبل) ومن ثم فإنها تحتاج لثورة‬
‫تعليمية تمهد الواقع لقبولها لذلك فالثورة العلمية األولى (نظرية دوران األرض)‬
‫تالزمت مع ثورة تعليمية مهدت لظهور المدرسة كمكان لنقل المعرفة ونشرها‪.‬‬
‫أما الثورة التعليمية الثانية فكانت مواكبة لعصر النهضة والثورة الصناعية في‬
‫أوروبا‪ ،‬والتي ولدت من رحم ثورة علمية أخرى عبر عنها كل من (نيوتن) بنظرية‬
‫كرؤية انطولوجية للكون وكانط ‪ Kant‬بفلسفة العقل وقيادية دوره في الوصول‬
‫للمعرفة‪ ،‬وتالزم ذلك مع قيام الدولة القومية وانتشار الطباعة األمر الذي يتطلب شكالً‬
‫من التعليم أكثر تنظيما ً وتلبية الحتياجات التطور الصناعي والتجارة العالمية من‬
‫معارف ومهارات في الحساب والهندسة والفلك وغيرها‪ .‬وبتوسيع قاعدة المشاركة في‬
‫التعليم (المعرفة) زاد وعي ودور الناس وكان ذلك تمهيدا ً لعصر الثورات االجتماعية‬
‫الكبرى في أوروبا‪.‬‬
‫واآلن نشهد ثورة تعليمية جديدة مع الثورة العلمية التي واكبت ما يُعرف بعصر‬
‫ما بعد الصناعة ‪ ،‬وما بعد الحداثة ‪ ،‬والذي بدأ مع نظرية أنشتين في النسبية‬
‫وتصورات علم السبيرنطيقا الذي نشأ عام ‪ 1948‬على يد العالم األمريكي نور برت‬
‫ونير‪ ،‬ويعتمد علم السبيرنطيقا على قبول مبدأ االحتمال ليحل محل مبدأ اليقين العلمي‬
‫مما أسرع بالثورة العلمية التكنولوجية في خمسينيات القرن الماضي التي سرعان ما‬
‫تحولت منذ عقد الستينيات منه لما يُعرف بثورة المعلومات واالتصاالت التي ولدت في‬
‫التسعينيات من القرن الماضي أو ما يعرف بالعولمة تلك المقولة التي ال زلنا نشهد‬
‫تجلياتها الثقافية واالقتصادية والسياسية على شكل زلزال عنيف هز ثوابت سابقة‬
‫كثيرة وال تزال توابعه متوالية الحدوث‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫إستراتيجية التربية العربية والمستقبل‬
‫يتضح مما تقدم أننا في الوطن العربي لمتابعة السير نحو المستقبل فنحن في‬
‫حاجة ماسة للكشف عن أربعة أمور‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬ـ أن نحدد على ماذا نحن مقبولون عليه؟‪.‬‬
‫األمر الثاني ‪ :‬ـ أن نحدد على ماذا نحن قادرون؟‪.‬‬
‫األمر الثالث ‪ :‬ـ أن نحدد كيف نوظف التربية والمدرسة لما نحن عليه‬
‫مقبولون؟‪.‬‬
‫ً‬
‫األمر الرابع ‪ :‬ـ أن نحدد كيف نوظف التربية والمدرسة لما نحن فعال عليه‬
‫قادرون‪ ،‬دون خيال وأحالم غير واقعية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن المعطيات والفرضيات السابقة تتطلب تحويرا وتطويرا لسياسات التربية في‬
‫الوطن العربي بحيث تستند إلى الفرضيات التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التعامل مع الشك والتعقيد الموجود في الواقع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التمركز حول الفعل المرتبط بالعقل نظريا ً وعمليا‪ً.‬‬
‫‪ 3‬ـ إطالق مستويات التفكير العليا لإلنسان العربي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تقليل ما في العالقات من مجهول‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تقبل التعدد في األسباب والنتائج واآلثار فكل ما نحققه احتمالي وليس يقيني‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ترك المجال واسعا ً للرؤى التربوية المتعددة وإطالق إمكانيات اإلبداع‪.‬‬

‫و يترتب على الفرضيات السابقة استخدام متغيرات التنبؤ لتحديد مستقبل ودور‬
‫التربية في المجتمع على النحو التالي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬ـ دراسة الواقع العربي واستخالص البنية الفكرية وإثارة التصورات‬
‫المستقبلية بشكل ودور المدرسة في المجتمع‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬ـ اختيار عوامل وقوى التغيير المتنبأ بها‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ـ تحديد المتغيرات في شكل قائمتان ‪ :‬األولى‪ ،‬قائمة العوامل‬
‫االجتماعية العامة والثانية‪ ،‬قائمة العوامل االجتماعية الخاصة‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬ـ رسم خريطة التنبؤ وتحديد البدائل المتاحة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫األستاذ ‪ :‬مــــرزوق أيــــوب – أم البواقي –‬
‫الجزائر ‪Ayoub.merzouk@yahoo.fr‬‬

‫‪160‬‬

You might also like