(التكوين-الديداكتيكي-والبيداغوجي-للأساتذة-ودوره-في-إنجاح-وتجويد-العملية-التعليمية-التعلمية)

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫(التكوين الديداكتيكي والبيداغوجي لألساتذة ودوره‬

‫في إنجاح وتجويد العملية التعليمية‪-‬التعلمية)‬

‫أ‪ /‬محمد محجوبي‬

‫مخبراستراتيجيات الوقاية ومكافحة املخدرات بالجزائر‬

‫جامعة الجلفة‬

‫امللخص‪:‬‬

‫أصبح التكوين حاجة من الحاجات األساسية لألساتذة الجزائريين العتبارات داخلية وخارجية متعددة‪ ،‬منها أنه استثمارا بشريا‬
‫فعاال لكل أمة تنشد التقدم ‪.‬والتكوين أنواع وأشكال‪ ،‬ذو ميادين متعددة لعل أهمها التكوين الديداكتيكي والبيداغوجي‪ ،‬ألن بهما‬
‫يمكن لألستاذ أن يزاول مهنته‪،‬التي تقوم على تفعيل العملية التعليمية‪/‬التعلمية‪ ،‬معتمدا على تحسين وتجويد هذه العملية‪ ،‬وذلك‬
‫ُيعد أحد املؤشرات الدالة على فاعلية وجودة التعليم‪ ،‬هنالك غموض مفاهيمي إبستمولوجي أدى إلى خلط بعض األساتذة بين بعض‬
‫املفاهيم التربوية مثل مفهوم الديداكتيك ومفهوم البيداغوجيا حاولنا في هذا البحث إزالته باالعتماد على مصادر ومراجع موثوقة‪،‬‬
‫لنصل إلى التأكيد على ضرورة التعجيل بتكوين أساتذتنا تكوينا شامال دائما يراعي املستجدات ُويحينها بطرق تلقائية ذاتية ألنه ال‬
‫إصالح حقيقي إال بالتركيز على التكوين املستمر في إطار اإلدارة بالجودة الشاملة‪ ،‬الذي يعتمد على التطبيق وامليدان‪.‬أصبح التكوين‬
‫حاجة من الحاجات األساسية لألساتذة العتبارات متعددة‪ ،‬منها أنه استثمارا بشريا‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪ :‬الديداكتيك‪ ،‬البيداغوجيا‪ ،‬العملية التعليمية ‪ -‬التعلمية‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬

‫‪The composition has become a basic need for Algerian professors for various internal and external‬‬
‫‪considerations, including the fact that it is an effective human investment for every nation that seeks progress and‬‬
‫‪formation of forms and forms in various fields, perhaps the most important of which is the pedagogical and‬‬
‫‪pedagogical formation, because the professor can practice his profession, / Learning, depending on the‬‬
‫‪improvement and refinement of this process, and this is one of the indicators of the effectiveness and quality of‬‬
‫‪education, there is an ambiguous conceptual epistemology led to the confusion of some teachers between some‬‬
‫‪educational concepts, such as the concept of Aldidactic and the concept of pedagogy, We must emphasize the need‬‬
‫‪to speed up the formation of our teachers in a comprehensive, always-changing manner that takes into account the‬‬

‫‪476‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫‪developments and follows them in self-automatic ways, because there is no real reform except by focusing on‬‬
‫‪continuous training in the framework of total quality management, which depends on application and field.‬‬

‫‪Keywords: Didactic, Pedagogy, Education-Learning process‬‬

‫‪.1‬تمهيد‪:‬‬

‫من املواضيع الحساسة التي برزت على الساحة التربوية التعليمية في الجزائر‪ ،‬موضوع تكوين األساتذة‪ .‬معلوم أن الخطة‬
‫اإلستراتيجية التي سارت عليها وزارة التربية في عهد الوزير أبو بكر بن بوزيد‪ ،‬كانت أولى اهتماماتها التركيز على الجانب العمراني‪،‬‬
‫وإعداد الهياكل العمرانية التي ُيمكنها استقبال العدد الكبير من التالميذ‪ .‬واليوم نالحظ أن الوزيرة نورية بن غبريط تنتقل إلى مرحلة‬
‫مكملة للمرحلة التي سبقتها‪ ،‬وتهتم بعمليات التكوين في إطار اإلدارة بالجودة الشاملة‪ ،‬وخاصة تكوين األساتذة‪ ،‬وألن األستاذ هو‬
‫العنصر املفعل للعملية التعليمية‪ /‬التعلمية‪ ،‬فإن االهتمام بتكوينه ُيعد من أولى االهتمامات‪ ،‬هناك موشرات متعددة تدل على أن‬
‫الوزارة تحاول خوض هذا املضمار‪ ،‬كما فعلت وتفعل دول عديدة جربت وتجرب هذه التجربة‪ ،‬حول هذا املوضوع سنتحدث‪ ،‬بهدف‬
‫تحسين املردودية التعليمية‪/‬التعلمية‪ ،‬في ظروف عاملية تمر بها املنطقة صعبة جدا‪ ،‬وفي ظل أزمة اقتصادية ومالية فرضت التقشف‬
‫وسياسة شد الحزام على الجميع بطريقة فجائية‪.‬‬

‫‪.2‬اإلشكالية‪:‬‬

‫عرفت املجتمعات البشرية التكوين منذ القديم ‪ ،‬فقد كان يقتصر على تدريب األفراد على حرفة معينة وتوارثها‪ ،...‬أما في اليوم‬
‫فقد تغير األمر تغيرا كامال‪،‬إذ زاد االهتمام به على املستوى الفردي والجماعي‪ ،‬حيث أنه أصبح مطلبا أساسيا ملختلف الدول ‪-‬‬
‫املتخلفة واملتقدمة‪-‬له طرق واستراتيجيات خاصة به‪ ،‬لقد تطور تطورا عظيما خاصة في سنوات ما بعد الحرب العاملية الثانية‪،‬‬
‫نتيجة الثورات الثالث التكنولوجية واملعرفية والتواصلية‪ ،‬هذا التوسع في مجاالت التكوين دفع املهتمين إلى التفكير في إيجاد آليات‬
‫تكوين سريعة وفعالة ذات جودة شاملة في ميادين عديدة‪ ،‬ساهمت كلها في تطوير التكوين التدريس ي عموما‪ ،‬باعتبار أن العملية‬
‫التكوينية هي في األصل عملية تعليمية‪ ،‬في هذا البحث سنتحدث عن عالقة نوعين من التكوين التدريس ي هما التكوين الديداكتيكي‪،‬‬
‫والتكوين والبيداغوجي بالعملية التعليمية‪/‬التعلمية‪.‬نعلم أن هناك أنواع أخرى من التكوين تفيد األستاذ وتعينه في عمليات إنجاح‬
‫العملية التعلمية لم نذكرها عن قصد‪ .‬ألن هناك عالقة تفاعلية تعليمية تعلمية هي التي ننشدها‪،‬ونركز عليها أكثر‪ ،‬نجملها في‬
‫السؤال التالي‪ :‬مادور التكوين الديداكتيكي والتكوين البيداغوجي لألساتذة عموما في إنجاح وتجويد العملية التعليمية‪/‬التعلمية؟‬

‫‪ .3‬املفاهيم األساسية‪:‬‬

‫‪ -1 .3‬مفهوم التكوين‪:Configuration‬‬
‫يكون ّ‬
‫تكوينا وكيانا‪ ،‬وكينونة الش يء إحداثه وإيجاده قال تعالى‪ (:‬إنما أمره إذا أراد شيئا أن‬ ‫كون ّ‬
‫‪.1-1 .3‬التكوين لغة‪ُ :‬مصاغ من فعل ّ‬
‫َ‬
‫يقول له كن فيكون) فالتكوين اإللهي إخراج املعدوم إلى الوجود معنى تكوين في )معجم املعاني الجامع ‪ -‬معجم عربي عربي(تكوين‬

‫‪477‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫ود‪.‬تكوين‪:‬تركيب‪ ،‬بنية‪،‬‬ ‫الع َدم إلى ُ ُ‬ ‫كان بإر َادة الخالق‪َ :‬خ ْل ُق ُه‪َ ،‬أ ْي إ ْخر ُ‬
‫اج ُه م َن َ‬ ‫َ‬
‫العالم َ‬ ‫اسم والجمع تكوينات‪َ ،‬ت ْك ُ‬
‫الوج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وين‬
‫إنشاء‪.‬تكوين‪ْ :‬تدريب‪.‬تكوين‪:‬تربية وتعليم‪.‬تكوين‪:‬صورة‪ ،‬هيئة‬

‫‪.2-1 .3‬التكوين اصطالحا‪:‬‬

‫هناك العديد من التعاريف للفظ "التكوين" فهو من املفاهيم ذات املعاني املتعددة والدالالت الواسعة الفضفاضة‪ ،‬أو التي‬
‫سماها بعضهم باملفاهيم الهالمية السائلة التي يصعب تحديدها بالضبط‪ ،‬هناك تعريفات متباينة للتكوين‪ ،‬كل منها يتناول العملية‬
‫التكوينية من زاوية مختلفة عن اآلخر‪:‬‬

‫‪-1‬هناك من يرى أن التكوين هو التكوين القبلي األساس ي الذي بفضله يطلع العامل أو املعلم على أساسيات املهنة‪:‬‬

‫يرى أحمد الجمل في معجمه أن هناك برامج تدريبية قصيرة املدى تهدف إلى إكساب املعلمين الجدد من خالل برامج تدريبية مهارات‬
‫مدرسية تساعدهم على التعامل مع املحيط االجتماعي للمدرسة واالندماج فيه‪ ،‬وتجنبهم األخطاء التي قد يقعون فيها‬

‫‪ -2‬هناك من يرى أن التكوين عملية مستمرة تواكب املستجدات العاملية ليكون املنتج صالحا ومناسبا لعصره‪ ،‬وهو ما ُيطلق عليه‬
‫ُ‬
‫بالتحيين الذي ُيمكن األستاذ من املتابعة الدائمة والتطوير الذاتي املستمر‪ ،‬وذلك يتم من خالل تزويد املـدرس أو األستاذ بمجموعة‬
‫من الخبرات واملهارات التي تنطلق من برامج األعداد‪ ،‬وتهدف إلى تنمية الكفاءات التعليمية التربوية للمدرسين املوجودين فعال في‬
‫املهنة‪ ،‬ورفع طاقاتهم اإلنتاجية الحالية إلى حدها األقص ى‪ ،‬وتأهيلها ملواجهة ماذا يحث من تطورات تربوية وعلمية في مجاالت‬
‫تخصصهم‪ ،‬وذلك من خالل التخطيط العلمي والتنفيذ الكيفي والتقويم ويعرفه لونفير (‪ )Lanfer‬بأنه "حق لكل العمال ويخص أكثر‬
‫تطورهم وترقيتهم االجتماعية‪ ،‬والتكوين قبل كل ش يء هو وسيلة للمؤسسة من أجل تكييف املوارد البشرية مع التطور التقني‬
‫واملنهي"ويعرفه سيكيولي(‪ )Sekioli‬بأنه مجموع العمليات والوسائل والطرق التي يستند عليها العمال لتحسين معارفهم وسلوكهم‬
‫ومواقفهم‪ ،‬وكذا قدراتهم الذهنية الضرورية للوصول إلى أهداف املؤسسة‪ .‬إذن التكوين هو ذلك النشاط املستمر لتزويد الفرد‬
‫باملهارات والخبرات واالتجاهات التي تجعله صالحا‬

‫ملزاولة عمل ما فالتكوين عملية مستمرة تنقسم إلى مرحلتين‪ :‬األولى‪ :‬مرحلة التكوين األولي أو األساس ي(مرحلة ما قبل الخدمة)‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬مرحلة ما بعد الخدمة (مرحلة التكوين املستمر أو مرحلة التكوين أثناء الخدمة)‬

‫‪ -2 .3‬مفهوم الديداكتيك ‪( Didactic‬التعليمية)‪:‬‬

‫‪.1-2 .3‬تح ــديد املفهوم لغ ــويا ‪:‬‬


‫َّ‬
‫‪-‬فــي اللغــة العربي ــة‪:‬كلمة "تعليمية" في اللغة العربية مصدر لكلمة "تعليم"‪ ،‬وهذه األخيرة مشتقة من كلمة " َعل َم" أي وضع عالمة‬
‫ُ‬
‫أو سمة لتدل على ش يء معين مقصود‪ ،‬وهكذا تنوب هذه الكلمة الدالة عن املدلول وتغني عن احضاره ‪ ،‬وهنا البد من اإلشارة إلى‬
‫ظاهرة تعدد املصطلحات العربية املقابلة للمصطلح األجنبي الواحد‪ ،‬سبب ذلك تعدد مراكز الترجمة‪ ،‬أو غنى اللغة العربية بالكلمات‬

‫‪478‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫املترادفة‪ ،‬أو لوجود مترادفات في لغة املصطلح األصلية‪ ،‬والشواهد الدالة على انتشار هذه الظاهرة كثيرة في العربية سواء تعلق األمر‬
‫بالترجمة من اإلنجليزية أو من الفرنسية – باعتبار أنهما اللغتان اللتان يأخذ منهما الفكر العربي املعاصر أغلب مصطلحاته‪.‬‬

‫تعددت الكلمات الدالة على معنى الديداكتيك في العربية إلى ما يزيد عن خمسة مصطلحات مثل‪ :‬تعليمية – تعليميات – علم‬
‫التدريس‪ -‬منهجية التدريس‪-‬منهجية التعليم – تدريسية– ديداكتيك‪ ،‬واملصطلح األخير ديداكتيك كماهو ظاهر تعريب للكلمة‬
‫الالتينية ‪Didactique‬وهو املصطلح األكثر استعماال في العالم العربي‪ ،‬اختاره بعض الباحثين تجنبا ألي لبس في مفهوم املصطلح ‪،‬‬
‫ونجد أن األدبيات التربوية الجزائر‬
‫‪ Didactique‬في العربية‪،‬‬

‫ب‪ -‬في اللغة الالتينيــة ‪ :‬كلمة (ديداكتيك) ‪ Didactikos –Didactique‬ذات األصل االغريقي كلمة ‪Didactikos‬تعني فلنتعلم‪ :‬أي يعلم‬
‫بعضنا البعض‪ ،‬أو تتعلم منى وأتعلم منك‪ ،‬وكلمة ‪ Didasko‬تعني أتعلم‪ ،‬وكلمة ‪ Didaskein‬تعني التعليم أو التدريس‪ ،‬وقد‬
‫استخدمت بمعنى فن التعليم وأحيانا نجد كلمة الديداكتيك عند اليونان تطلق على ضرب من الشعر يتناول بالشرح مذاهب‬
‫فلسفية ومعارف علمية وتقنية‪ ،‬وقد تطور مدلول الكلمة ليصبح علما موضوعه طرائق التدريس‪ ،‬وهكذا لم تكن الديداكتيك‬
‫تختلف كثيرا عن العلم الذي يهتم بمشاكل املتعلمين وما يتعلق بهم‪ ،‬أي (البيداغوجيا) التي تهتم باملتعلم كيف يتلقى املعلومات‪،‬‬
‫ُ‬
‫بينما تركز (الديداكتيك) وتهتم باملعارف واملحتويات املـ َد َر َسة للتالميذ كيف ُتقدم للتلميذ ‪.‬‬

‫وكلمة‪ Didactique‬في اللغات األوروبية مشتقة من ‪ Didaktikos‬وتعني "فلنتعلم" أي يعلم بعضنا بعض(علمني ونعلمك)‪ ،‬واملشتقة‬
‫من الكلمة اإلغريقية ‪ Didaskein‬ومعناها التعليم‪ ،‬وقد استخدمت هذه الكلمة في التربية كمرادف لفن التعليم‪ ،‬استخدمها‬
‫كومينيوس (‪ )Comenius‬ألول مرة لذلك ّ‬
‫عده بعض العلماء األب الروحي للبيداغوجيا الكبرى ‪ Didactica Magna‬حيث يعرفها بالفن‬
‫العام للتعليم في مختلف املواد التعليمية ويضيف بأنها ليست فنا للتعليم فقط بل للتربية أيضا‪ ،‬وتدل على تبليغ وايصال املعارف‬
‫لجميع الناس ‪.‬‬

‫‪.2 -2 .3‬املعنى االصطالحي‪:‬‬

‫هذا املصطلح الغريب "الديداكتيك" يطرح مشاكل معرفية (ابستمولوجية) منها ما يرتبط بداللة املصطلح‪ ،‬ومنها ما يتعلق‬
‫باالعتراف بالعلمية التي وصفه بها بعض العلماء‪ ،‬والتي نفاها عنه آخرون" هناك سؤال مهم يطرحه االجتماعيون والتربويون وعلماء‬
‫النفس وكل من يتبنون علوما لها عالقة بهذا املصطلح‪ .‬السؤال هو‪ :‬هل الديداكتيك علم؟ اإلجابة عنه تحدد املنزلة التي تحتلها‬
‫عن‬ ‫"الديداكتيك" أو التي ينبغي أن تحتلها في حقل املعرفة التربوية‪.‬فقد عبر غاليسون (‪ )Galisson‬في قاموسه‬
‫وضعية"الديداكتيك"بقوله‪":‬من بين جميع املصطلحات الخاصة بالتعليم‪ ،‬تعد "الديداكتيك" األكثر غموضا وإثارة للجدل"‪ .‬وحتى‬
‫ُيزال هذا الغموض باالجابة على السؤال السابق البد من الرجوع إلى تاريخ نشأة الديداكتيك‪ ،‬ففي عام ‪1951‬م اقترح هانس ايبلي‬
‫(‪ )H.Aebli‬تحديد طرق للديداكتيك انطالقا من مفاهيم عملية للذكاء والتي تم تطويرها من طرف جون بياجي(‪ )J.Piajet‬أمال في‬
‫جعلها "مادة" بقواعدها ومعانيها‪ ،‬وتعددت تبعا لذلك التعاريف واآلراء حول مفهوم "الديداكتيك " ولكن يمكن حصر هذا التباين في‬
‫اتجاهين رئيسيين هما‪:‬‬

‫‪479‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫االتجاه األول‪ :‬ينظر إليها باعتبارها تشمل النشاط الذي يزاوله املدرس‪ ،‬فتكون الديداكتيك بالتالي مجرد صفة ينعت بها ذلك‬
‫النشاط التعليمي‪ ،‬الذي يحدث أساسا داخل حجرات الدرس والذي يمكن أن يستمد أصوله من البيداغوجيا ‪.‬‬

‫و تستعمل كلمة الديداكتيك في نفس االتجاه أيضا‪1،‬كمرادف للبيداغوجيا في أفضل األقوال فحسب أسطولفي(‪ )Astolfi‬فإن‬
‫الديداكتيك ال تشكل حقال معرفيا‪ ،‬وال علما قائما بذاته أو فرعا لحقل معرفي إنها نهج‪ ،‬أو بمعنى أدق‪ ،‬أسلوب معين لتحليل الظواهر‬
‫التعليمية‪2 ،‬وأحيانا هي مجرد تطبيق أو فرع من فروعها‪ ،‬يتناولونها هكذا بشكل عام دون تحديد واضح ملفهومها ‪... .‬ساد هذهاألراء‬
‫ُ‬
‫فترة‪ ،‬لكن مع مرور األيام ظهرت حقائق حملت كثير من املنكرين على االعترف الجزئي فقالوا بأن الديداكتيك تساهم في حل بعض‬
‫املشكالت التعلمية‪ ،‬وهي باألساس تفكير في املادة الدراسية بغية تدريسها‪ ،‬وتنقسم إلى نوعين‪ :‬األولى مشكالت تتعلق باملادة ومحتواها‬
‫وبنيتها ومنطقها‪ ،‬و تنشأ عن موضوعات علمية ‪ -‬ثقافية سابقة الوجود‪ .‬والثانية تتعلق بمشكالت ترتبط بالفرد في وضعية التعلم وهي‬
‫من طبيعة سيكولوجية ‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما"أبلي هانس"‪ ) )Aebli Hans‬فهو أحسن حاال ألنه رأى أن الديداكتيك ما هي إال علما مساعدا فقط للبيداغوجيا‪ ،‬أسند إليها‬
‫دور بناء االستراتيجيات البيداغوجية املساعدة على بلوغ األهداف‪ .‬ثم تطورت ُلتصبح مادة تطبيقية ليس إال‪ .‬أمام التجلي والوضوح‬
‫الديداكتيكي قال بعض املعارضين املنتصرون للبيداغوجيا‪ :‬يمكن للديداكتيك أن ُتصبح علماتطبيقيا‪ ،‬باعتبارها تسعى إلى تحقيق‬
‫هدف عملي متمثل في وضع استراتيجيات بيداغوجية‪.‬ومع ذلك أصروا على أنها ليست علما مستقال‪ ،‬ألنها تعتمد أثناء تحقيقها هدفها‬
‫وتستعين بعلوم أخرى مثل السيكولوجيا‪ ،‬والسوسيولوجيا واالبستمولوجيا ‪...‬الخ‪.‬‬

‫االتجاه الثاني ‪ :‬يجعل من الديداكتيك علما مستقال من علوم التربية مثل"كومينوس" الذي رأى أن الديداكتيك تدل على تبليغ‬
‫وإيصال املعارف لجميع الناس ‪.‬واآلراء املؤيدة الواردة في معجم علوم التربية كثيرة نذكر منها ‪:‬تعريف الفالي (‪: )Lavallée‬الذي كان‬
‫يرى أن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها املتربي لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حس ي‪ ،‬أما‬
‫لجوندر (‪ :)Legendre.r‬فقد قرر أن الديداكتيك هي علم انساني مطبق موضوعه إعداد وتجريب وتقويم وتصحيح‬
‫االستراتيجيات‪.‬استمر مفهوم الديداكتيك كفن للتعليم إلى أواسط القرن التاسع عشر‪ ،‬لكن بعدما وضع املربي األملاني هيربارت ( ‪F‬‬
‫‪ ،) Herbert‬األسس العلمية للديداكتيك أصبح ُيعد كنظرية للتعليم‪ ،‬نظرية تخص االنشطة املتعلقة بالتعليم فقط‪ ،‬بدأ بعمليات‬
‫تحضير لدرس من التمهيد وصوال إلى التقويم‪ ،‬أي متابعة كل ما يقوم به املعلم من نشاط تدريس ي‪ .‬وبذلك اهتم الهربرتيون بصورة‬
‫أساسية باألساليب الضرورية لتزويد املتعلمين باملعارف‪ ،‬واعتبروا الوظيفة األساسية للديداكتيك‪ ،‬هي تحليل كل نشاطات املعلم في‬
‫املدرسة‪ .‬ومع بداية القرن العشرينظهرت مدرسة التربية الحديثة مع جون ديوي(‪ )J Dewey‬وغيره من العلماء‪ ،‬وبدأ التأكيد على‬
‫أهمية النشاط الحي والفعال للمتعلم في التعملية التعليمية واعتبرت الديداكتيك نظرية للتعلم ال للتعليم‪.‬واستمر التطور في‬
‫موضوعاتهاعلى نحو أدى إلى بناء مفاهيمها ونظرياتها ونماذجها الخاصة بفعل تطور البحوث األساسية والعلمية املختلفة ‪ ،‬وهكذا‬
‫بدأت تكتسب استقاللها بعيدا عن هيمنة العلوم األخرى‪ ،‬حتى أصبحت علما معترفا به‪.‬‬

‫‪ -3 .3‬مفهوم البيداغوجيا ‪: Pedagogy‬‬


‫َ‬
‫ت َع َود كل من أراد أن ُيعرف مصطلح البيداغوجيا اإلشارة إلى التركيبة اللفظية التي تتكون منها كلمة بيداغوجيا في األصل‬

‫‪480‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫اليوناني وهي تتألف من كلمتين ‪ PEDA‬وتعني الطفل‪ AGOGE ،‬وتعني القيادة والسياقة‪ ،‬وكذا التوجيه‪.‬ومن التعريفات العامة لهذا‬
‫املصطلح أنها فن التربية‪،La pédagogie est l’art d’éduque‬كما تشير إلى الطرق وممارسات التعليم والتربية ‪Les méthodes et les‬‬
‫‪ ، pratiques d’enseignement et l’éducation‬وهي العلم الذي يهدف إلى دراسة مذاهب والتقنيات التي يبنى عليها عمل‬
‫املربين‪.‬ويمكن تعريفها من الناحية التطبيقية على أنها تجميع لجملة من األساليب التقنية التي تهدف إلى وضع معايير ملراقبة إجراءات‬
‫عملية نقل املعرفة‪ ،‬ويعرفها البعض بأنها مصطلح عام يحدد من ناحية علم وفن التدريس‪ ،‬ومن جهة أخرى طريقة التدريس ‪،‬‬
‫وتستعمل في معناها الضيق لتحديد التقنيات البيداغوجية ‪.‬‬

‫اعتبر إميل دوركايم (‪)E.Durkheim‬البيداغوجيا نظرية تطبيقية للتربية تستمد مفاهيمها من علم النفس وعلم االجتماع‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة لروني أوبير (‪)R.Hurbert‬فهي ليست علما وال تقنية وال فلسفة وال فنا فقط‪ ،‬بل هي هذا كله منظم وفق تمفصالت منطقية‬
‫‪.‬كان البيداغوجي في األصل األول مربيا ولم يكن معلما‪ ،‬يقول فارون(‪ :)varon‬في القرن األول قبل امليالد كان املعلم ُيعلم والبيداغوجي‬
‫يربي ألنه هو من يسهر على رعاية الطفل املتعلم‪ ،‬واألخذ بيده‪ ،‬وهو الذي يختار املعلم‪ ،‬ونوع التعليم الذي يراه مالئما حسب تصوره‬
‫‪ُ ،‬ويوضح هاملين(‪. )Hameline‬هذا األمر أكثر بقوله‪ ":‬إن البيداغوجي كان في األصل مربيا‪ ،‬ألن التربية كانت تتم خارج املدرسة‪ ،‬بينما‬
‫التعليم يتم داخلها حيث ارتبطت التربية بتهذيب الخلق باملعنى الواسع‪ ،‬أما التعليم فقد ارتبط بالتحصيل املعرفي باملعنى الضيق"‬
‫لكن بمرور الوقت تحول البيداغوجي ألسباب عدة من املربي باملفهوم الواسع إلى املعلم ناقل املعرفة وبذلك أصبح للمعلم الدورين‬
‫معا‪ ،‬وهكذا تحولت البيداغوجيا من معناها األصلي املرتبط بإشباع القيم التربوية واألخالقية والنفسية واالجتماعية إلى منهجية في‬
‫تقديم املعرفة وارتبطت بذلك بفن التدريس وتحولت من إنتاج القيم التربوية إلى االهتمام باقتراح الطرائق املختلفة للتعليم‪ ،‬تعددت‬
‫هذه الطرائق بتعدد املرجعيات واملنظورات واملدارس الفلسفية‪ ،‬فظهرت بيدغوجيات ال حصر لها نذكر منها بيداغوجيات كل من‪:‬‬
‫هاربارت‪ ،‬ديكر ولي‪ ،‬بستتالوزي‪ ،‬فروبل‪،‬مونتيسوري‪ ،‬روسو‪...‬‬

‫‪ .1-3 .3‬بعض أوجه اإلختالف بين البيداغوجيا والديداكتيك‪:‬هناك اختالفات عديدة بين العلمين نذكر بعضها فيما يلي‪:‬‬

‫‪481‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫الديداكتيك‬ ‫البيداغوجيا‬

‫‪-‬اعتاد البيداغوجيون أن يستندوا في بناء فرضياتهم على ‪-‬تهتم الديداكتيك بالجوانب املنهجية املتعلقة بتوصيل‬
‫نظريات سيكولوجية‪ ،‬خاصة النظريات التي تهتم بالنمو املعرفة واكتسابها‪ ،‬فلها عالقة وطيدة باملحتوى التعليمي‪ ،‬إذ‬
‫العقلي أو الوجداني أو النفس ي ‪ -‬الحركي لألطفال‪ .‬و بذلك أن الديداكتيك في أصلها تفكير منهجي‪.‬‬
‫ظلت البيداغوجيا وفية‪ ،‬في معظم أبحاثها‪ ،‬لجذورها‬
‫‪-‬تهدف إلى إقامة وتأسيس عقالني ملمارسة شاملة‪ ،‬قادرة على‬
‫االشتقاقية‪.‬‬
‫تحقيق النجاح في كل التخصصات لجميع املتعلمين‪.‬‬
‫‪-‬تتناول منطق التعلم انطالقا من منطق بيئة القسم‪ ،‬ونفسية‬
‫‪-‬تتناول منطق التعلم انطالقا من منطق املعرفة‪ ،‬والنقل‬
‫املتعلم‬
‫الديداكتيكي املناسب‬
‫‪ -‬اهتمام البيداغوجيا يبدأ باملتعلم أوال عن طريق إيجاد املناخ‬
‫‪ -‬ينطلق الديداكتيك من أن طبيعة املعرفة املوضوعة‬
‫التعليمي املناسب (الداخلي‪/‬الخارجي) داخل القسم‪ ،‬لتتحقق‬
‫للتدريس يجب أن تقولب بشكل يسهل عملية التعلم‪ ،‬وبذلك‬
‫شروط النظرية التعلمية التي تعتمد على مراعاة الجوانب‬
‫ُيبنى شكل التعليم على هذا األساس‪.‬‬
‫التالية‪ :‬السيكولوجية واالجتماعية والتربوية‪.‬‬
‫‪ -‬املتعلم يتعلم بطرائق مختلفة‪ :‬طريقة تعليم مادة الرياضيات‬
‫‪ -‬االهتمام بمختلف العالقات التي تؤثر على التلقي عند‬
‫مثال تختلف تماما عن طريقة تعليم مادة االنجليزية أو مادة‬
‫التلميذ ومن ثم التفاعل االيجابي من منظور(أستاذ‪/‬تلميذ) أو‬
‫التاريخ‪...‬ألن ملحتويات املواد خصوصيات مختلفة‪ ،‬ومن هنا‬
‫(معلم‪/‬متعلم)‪.‬‬
‫ُيعتبر فهم عالقة املعرفة املقدمة في بعدها املعرفي أساسيا‬
‫‪ -‬ال تهتم بدراسة وضعيات التعليم والتعلم من زاوية بالنسبة للمختص في الديداكتيك‪.‬‬
‫خصوصية املحتوى‪ ،‬بل تهتم بالبعد السيكوسوسيولوجي ُ‬
‫‪-‬تعد استراتيجيات تخدم هدف توصيل املعلومات إلى التلميذ‪،‬‬
‫لتلقي املعرفة‪ ،‬أي تمهد املتعلم ليتلقى املحتوى التعليمي‪،‬‬
‫في إطار عمليات تحص ي مجموع من املدخالت كاملحتوىات‬
‫وتسمح بقيادة القسم في أبعاده املختلفة‪.‬‬
‫التعلمية‪ ،‬واألنشطة التي هي وضعيات ومواقف تعلمية‬
‫‪-‬يتم التركيز على املمارسات املهنية التطبيقية املتعلقة مدروسة‪ ،‬والوسائل التعليمية‪...‬إلخ‬
‫بالجوانب السيكولوجية والسوسيولوجية‪ ،‬والتواصلية‪ ،‬داخل‬
‫‪ -‬تهتم بالعقد الديداكتيكي من منظور العالقة التعلمية‬
‫القسم‪.‬‬
‫التعليمية التي تعني التفاعل بين املكون واملتكون‪.‬‬
‫‪ -‬هي حقل معرفي‪ ،‬قوامه التفكير الفلسفي والسيكولوجي‪ ،‬في‬
‫‪ -‬تهتم بشروط التعلم بطريقة سيكوسوسيولوجية تمكنه من‬
‫غايات وتوجهات األفعال واألنشطة املطلوب ممارستها في‬
‫قولبة املعلومات املقدمة على شكل مواقف ووضعيات تعلمية‬
‫وضعية التربية والتعليم‪ ،‬على الطفل و الراشد‪.‬‬
‫مقترحة‪ ،‬يصنع بها مناخ تعليمي داخل بيئة تعليمية‬
‫‪ -‬هي نشاط عملي‪ ،‬يتكون من مجموع املمارسات واألفعال التي بيداغوجية‪ .‬لذلك يتجه أوال نحو املنهاج واملحتويات‪ :‬تدرس‬
‫كيف يقدمها األستاذ للتلميذ بعد ذلك‪.‬‬ ‫ينجزها كل من املدرس واملتعلمين داخل القسم‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫‪ -4 .3‬مفهوم العملية التعلمية‪/‬التعليمية‪ : For educational / learning process‬يقصد بالعملية التعليمية اإلجراءات‬
‫والنشاطات التي تحدث داخل الفصل الدراس ي والتي تهدف إلى إكساب املتعلمين معرفة نظرية أو مهارة عملية أو اتجاهات إيجابية‪،‬‬
‫فهي نظام معرفي يتكون من مدخالت معالجة ومخرجات مستهدفة‪ ،‬فاملدخالت هم املتعلمين واملعالجة هي العملية التنسيقية‬
‫للتنظيم املعلومات وفهمها وتفسيرها وإيجاد العالقة بينها وربطها باملعلومات السابقة‪،‬إما املخرجات فتتمثل في تخريج طلبة أكفاء‬
‫متعلمين‪1.‬هي العالقة التفاعلية األساسية بين املعلم واملتعلم واملنهاج(البرامج) الذي يحتوي على مجموعة من األهداف التربوية‬
‫املحددة‪2.‬‬

‫هذهالعملية تميز بين ظاهرتين أساسيتين هما‪ :‬أوال ظاهرة التعلم(التحصيل)‪ ،‬ثانيا ظاهرة التعليم(التدريس)‪" .‬والتدريس نشاط‬
‫تواصلي يهدف إلى إثارة التعلم وتحفيزه وتسهيل حصوله‪ .‬إنه مجموعة األفعال التواصلية‪ ،‬والقرارات التي يتم اللجوء إليها بشكل‬
‫قصدي ومنظم أي يتم استغاللها وتوظيفها بكيفية مقصودة"‪3‬‬

‫ُ‬
‫املعرفي‪،‬يطرح سؤال هل ما يقدمه األستاذ اليوم صالح للغد؟‬ ‫‪.4‬التكوين وإشكالية تقادم املعارف‪ :‬في عصر تميز بالتسارع في اإلنتاج‬
‫هنا تظهر إشكالية تقادم املعارف‪ Obsolescence‬إذ أن موضوعات التعليم لها مدى عمريا متغيرا محكوم بسؤالين نوعيين هما‪ :‬كيف‬
‫وملاذا تتطور هذه املوضوعات؟ يقول شوفاالر (‪ : )Chveailard‬ألنها تتآكل ُويعطي تفسيرات خاصة لهذا التآكل بذكره ملطلب‬
‫املختصين ومطلب املحيط االجتماعي‪...‬إلخ‪ ،4‬ويمكن القول بأن هناك أسباب أخرى بال شك ال نريد الخوض فيها‪ ،‬فاملوضوع واسع‬
‫جدا وهو واحد من املوضوعات التدريسية التي يواجهها املهتمين بالحقل التعليمي‪ ،‬الغرض من طرح هذه املعضلة هو التأكيد على‬
‫أهمية تكوين األساتذة املستمر‪،‬ألنه حل عملي ُيمكن األستاذة من امتالك الكفاءات الذاتية التي تدفعهم للبحث عن كيفية تقديم‬
‫املعلومة وكيفية التعامل معها‪ ،‬يجعلهم ُيكيفون البرامج املقررة مع املستجدات العلمية‪ ،‬وهذا يدفع التالميذ من جهة أخرى ملناقشة‬
‫املعلومات الجديدة املجلوبة من االنترنيت مثال‪ ،‬إذ مناقشتها ُيشكل إثراء للعملية التعليمية‪/‬التعلمية‪ ،‬خاصة وأن بيداغوجية‬
‫ُ‬
‫املقاربة بالكفاءات تشجع خوض هذا الغمار‪ ،‬بهذا الشكل‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال لألستاذ املكون في امليدان الديداكتيكي والبيداغوجي‬
‫خصوصا‪.‬‬

‫‪.5‬العملية التعليمية واملثلث التعليمي‪:‬يقول نبيل حزين إن العملية التعليمية تمثل مثلثا متساوي األضالع‪ ،‬منها ضلعان بشريان‬
‫وضلع مادي هو الضلع‪ :‬الخاص باملنهاج بجميع مكوناته ومحتواه وعناصره وخبراته وأهدافه املختلفة‪ ،‬أما الضلعان البشريان‬
‫اآلخران‪:‬فهما أساس العملية التعليمية وهما املفعالن لها‪ ،‬فالضلع األول‪ :‬األستاذ أو املكون هو الوحيد صاحب األدوار األساسية في‬
‫تنفيذ األهدف اإلستراتيجية للعملية التعليمية‪ ،‬وهو حلقة الوصل بين الضلع املادي والضلع البشري الثاني املتمثل في املتعلم‪ .‬أما‬
‫الضلع الثالث‪ :‬التلميذ أو الطالب الذي تسعى العملية التعليمية إلعداده اإلعداد السليم الذي يتوافق مع مقومات العصر فهو‬
‫املدخالت قبل تفاعل العملية التعليمية‪/‬التعلمية‪ ،‬وهو املخرجات التي ُتحقق األهدف أو تلفظها‪ .5‬ولكي تنجح العملية‬
‫التعلمية‪/‬التعليمية البد من إعداد األستاذ الذي ُي ْـم ِك ُن ُه بعد ذلك أن يساعد التلميذ أو الطالب على تجهيز وتسليح نفسه بنفسه بكل‬
‫أسلحة العصر املعرفية والنفسية واالجتماعية‪...‬إلخ‪ ،‬وإعداده إعدادا شامال لكي يحوز على كل أنواع األمن املجتمعي‪ :‬األمن الديني‬
‫والصحي واألمن األسري واألمن الوظيفي واألمن االجتماعي‪...‬إلخ باعتبار أن قطاع التعليم من أهم قطاعات األمن القومي لكل دولة‬
‫ولكل مجتمع أو أمة‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫جدول مقترح ُيبين مسار كل من التفاعل البيداغوجي والتفاعل الديداكتيكي‬

‫هذا الجدول يشرح أهمية األدوار التعليمية التي ُيقدمها األستاذ املتكون التكوينين البيداغوجي والديداكتيكي‪ ،‬والواعي بأهمية كل‬
‫منهما على إنجاح العملية التعليمية‪ ،‬من خالل‪ 1 :‬التفاعل البيداغوجي‪ :‬الذي يمثله سهم ينطلق من األستاذ نحو التلميذ نحو املنهاج‪،‬‬
‫وذلك هو املسار البيداغوجي‪ 2 ،‬التفاعل الديداكتيكي‪:‬الذي يمثله سهم ذو اتجاه معاكس ينطلق من األستاذ نحو املنهاج تحو‬
‫التلميذ‪ ،‬وذلك هو املسار الديداكتيكي‪ ،‬املساران املتعاكسان يوضحان الفرق بين البيداغوجيا والديداكتيك‪ ،‬ويؤكدان على ضرورة‬
‫التفاعل بين املسارين معا‪ ،‬وتلك هي حقيقة العملية التعليمية‪/‬التعلمية‪.‬‬

‫‪ .6‬تكوين األساتذة ونظام الجودة الشاملة‪:‬بالنظر إلى أهمية أدوار األستاذ في املدرسة واملجتمع‪ ،‬ولكونه من عناصر النظام التعليمي‬
‫والتربوي التي ُيعتمد عليها فإنه أحد دعائم نجاح نظام الجودة في التعليم‪ ،‬الذي عمل على إنجاح العملية التعليمية بشكل ملفت‬
‫للنظر‪ ،‬فقد ورد في تقرير‪ ":DFEE‬أن التعليم بإمكانه إخراج الكنوز الكامنة لدينا جميعا‪ ،‬واملدرس املتميز هو الذي يستخدم أساليب‬
‫فعالة في التدريس كمفتاح الوصول للمعايير عالية الجودة"‪. 6‬إن النجاح الذي حققته التنظيمات االقتصادية والصناعية والتجارية‬
‫والتكنولوجية في الدول املتقدمة أغرى املؤسسات التربوية ومن يقف وراءها بمحاولة تطبيق مقاربة الجودة الشاملة في مجال‬
‫التعليم للحصول على نوعية أفضل من املتخرجين‪ ،‬وعندما أحس األمريكيين بأن أخالق مجتمعاتهم ال تتماش ى مع القيم واألخالق‬
‫التي يعتمد عليها نظام الجودة الياباني املنشأ‪ ،‬عمدوا إلى تغيير مناهج التعليم‪ ،‬وإلى تكوين املكونين من أساتذة وإداريين تكوينا جديدا‬
‫مختلف تماما عما تعودوه من تكوينات‪ ،‬مست تغييرات في الجوانب االدارية والثقافية خاصة‪...‬إلخ‪ .‬وتعرف الجودة بأنها " عملية‬
‫إستراتيجية إدارية‪ ،‬ترتكز على مجموعة من القيم‪ ،‬وتستمد طاقة حركتها من املعلومات التي تتمكن في إطارها من توظيف مواهب‬
‫َ ََ‬
‫العاملين واستثمار قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي‪ ،‬لتحقيق التحسن املستمر للمؤسسة"‪ 9‬تطل َب‬
‫هذا التحول الكبير في دور املؤسسة التعليمية‪ ،‬تحديد أدوار جديدة لألساتذة الذين فرضت عليهم إلزامات وأدوار تناسب إدارة‬
‫الجودة الشاملة‪ ،‬هي عبارة عن كفاءات مهنية تدريسية تركز على جانبين هما الجانب البيداغوجي والجانب الديداكتيكي بصفة‬

‫‪484‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫خاصة‪ ،‬باإلضافة إلى التركيز على جوانب أخرى‪ ،‬يرى كلوز ماير(‪ )Close Mayer‬أن هناك ثالثة محكات أساسية تقيس فاعلية‬
‫التعليم وجودته وهي‪:‬‬

‫أ*املنتوج التعليمي ‪ :‬يشير إلى الجانب الديداكتيكي و البيداغوجي وما يتعلمه التالميذ وما يكتسبونه من من خبرات أثناء أدائهم‬
‫للنشاطات التعليمية‪.‬‬

‫ب* تفاعل العملية التعليمية‪ :‬يفيد هذا املحك أو املؤشر في تحديد أنماط السلوك التفاعلي بين املدرس والتالميذ‪ ،‬فكلما كان‬
‫التفاعل القائم بينهما نشيطا‪ ،‬دل ذلك على كفاية األداء‪ ،‬وغالبا يستخدمون أسلوب املالحظة في التقويم وقياس التفاعل داخل‬
‫القسم‪.‬‬

‫جـ* العوامل الشخصية‪ :‬حيث يشير هذا املؤشر إلى متغيرات شخصية املدرس من استعدادات هو قدراته‪ ،‬وميوله واتجاهاته‪ ،‬ألن‬
‫تلك الخصائص تؤثر على كفاءات املدرس‪ ،‬وتؤدي إلى وجود فروقات فردية بين األساتذة‪7‬‬

‫‪.7‬الخاتمة‪ :‬الشك أن متابعة املستجدات التعليمية وتطبيق أحدث النماذج والنظريات العاملية ضرورة حياتية‪ ،‬تستدعي إنشاء‬
‫ُ‬ ‫منظومة خاصة ترصد ُوتتابع ُوت ّ‬
‫حين املستجدات التعليمية‪ ،‬لينبثق منها جهازا أو أجهزة تعد نشرات وبرامج تعليمية تكوينية يستفيد‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫منها أساتذة ُمك ِونين يتولون عمليات تكوين أساتذة املؤسسات التعليمية في جميع األطوار واملراحل التعليمية‪ ،‬وفي هذا الصدد يمكن‬
‫االستفادة من فكرة املعاهد التكنولوجية على أن ُتطور بما يناسب املستجدات التعليمية املعاصرة‪ ،‬هذه النظرة اإلصالحية يمكن‬
‫تطبيقها بالتعاون مع املدارس العلياء لألساتذة والجامعات في إطار نظرة اصالحية ذات استراتيجية متجددة ودائمة‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫‪1‬سورة يس أية ‪82‬‬

‫‪2‬املنجد في اللغة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1984 ،27‬ص‪.704‬‬

‫تكوين‪http://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬علي أحمد الجمل‪:‬معجم املصطلحات التربوية‪ ،‬عالم الكتب للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،2003 ،2‬ص‪.71‬‬

‫‪5‬محمد عبد الرزاق إبراهيم‪ :‬منظومة تكوين املعلم في ضو خبرات معاييرالجودة الشاملة‪،‬دار الفكر‪ ،‬األردن‪،‬ط‪ ،1‬دس‪.226 ،‬‬

‫‪6‬عمار بن عش ي‪:‬دور تقييم أداء العاملين في تحديد احتياجات التدريب‪،‬دراسة حالة مؤسسة صناعية الكوابل الكهربائية – بسكرة‬
‫– ماجسيتر‪ ,‬غير منشورة‪ ,‬جامعة محمد بوضياف‪ ،‬املسيلة ‪ ،2005.2006، ،‬ص‪.5‬‬

‫‪7‬عبد القادر لورس ي‪ :‬املرجع في التعليمية‪ ،‬الزاد النفيسوالسند األنيس في علم التدريس‪،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2016‬ص‪.19‬‬

‫‪8‬عبد القادر لورس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪485‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫‪9‬محمد الدريج‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪10‬وزارة التربية والتعليم‪ :‬التعليميةدروس املقدمة للمفتشين واألساتذة املكونين لتكوين أساتذة التعليم املتوسط الجدد أثناء‬
‫الخدمة‪ ،‬الجزائر‪.2012 ،‬‬

‫‪11‬محمد الدريج‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪12‬محمد الدريج‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪13‬املرجع السابق‬

‫‪14‬بوداود حسين‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪15‬محمد الدريج‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪16‬محمد الدريج‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪17‬كمال عبدهللا‪ :‬مدخل إلى علوم التربية‪ ،‬لطلبة اللغة العربية وآدابها –السنة األولى – االرسال ‪،1‬ملمح أساتذة التعليم األساس ي‬
‫(عن بعد)‪ ،‬املحور الرابع‪ ،‬األسس االجتماعية للتربية‪.‬‬

‫‪18‬كمال عبدهللا‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪19‬عبدالقادر لورس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪20‬عبدالقادر لورس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪21‬عبدالقادر لورس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪22http://unpef.ibda3.org/t16792-topic‬‬

‫‪23‬الديوان الوطني للتعليم والتكوين عن بعد‪www.onefd.‬‬

‫‪24‬محمد الدريج‪ :‬تحليل العملية التعليمية وتكوين املدرسين‪ ،‬منشورات سلسلة املعرفة للجميع‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪،2004 ،2‬‬
‫ص‪.53‬‬

‫‪25‬عبد القادر لورس ي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫‪26 http://kenanaonline.com/users/nabils/posts/299553‬‬

‫‪486‬‬
‫العدد السادس‬ ‫مجلة حق ائق للدراسات النفسية واالجتماعية‬

‫‪27‬بلعسلة فتيحة‪ :‬أهمية الكفاياتاملهنية للمدرس لتحقيق الجودة في التربية والتعليم‪ ،‬مجلة عالم التربية‪ ،‬عدد خاص‪ :‬الجودة في‬
‫التربية والتكوين‪ ،‬منشورات عالم التربية‪ ،‬املغرب‪ ،‬ج‪ ،1‬عدد رقم‪ ،2013 ،23-22‬ص‪.346‬‬

‫‪28‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.346‬‬

‫‪29‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.352‬‬

‫‪487‬‬

You might also like