Professional Documents
Culture Documents
الدين والتطرف
الدين والتطرف
الدين والتطرف
العدد السادس
افتتاحية العدد مجلة المظاهر
يحصل على سمعة المتطرف ،ويتحدث عنه الناس بالغلو والتطرف ،ويرونه عيًبا
فيه.
ويق ول بعض الن اس :إن المش كلة ليس ت في األفك ار وأنم اط الحي اة
والمشاعر؛ بل المشكلة تأتي من إصراره على األفكار وأساليب الحياة والمش اعر
وفرض ها على اآلخ رين .ويص ر أص حاب ه ذا الموق ف على أن المت دينين ال
يصرون فقط على طريقتهم الخاص ة في الش عور والعيش؛ ب ل يفرض ونها أيًض ا
على اآلخرين .هذا هو التطرف وهذا أمر مرفوض .وال ريب في ذلك فإن العدي د
من المتدينين هم من هذا القبيل ،لكن المشكلة هي أن المت دينين ليس وا وح دهم من
يتبنون هذا السلوك؛ بل نجد هناك رج اال آخ رين يس لكون ه ذا الطري ق ،فه ؤالء
الذين يسمون بالليبراليين ال يتخلفون عن المتدينين في هذا المج ال ،ون رى حولن ا
أن الرج ال ال ذين يع دون ق دوة في أيامن ا ه ذه ال نج د فيهم رج ال دين؛ ب ل نج د
الشخصيات الشعبية األخرى قدوة للناس أجمعين .فهناك رياض يون ،وراقص ون،
ومغنون ،ونجوم أفالم ،ورجال أعم ال ،وص ناعيون ،وب يروقراطيون ،وزعم اء
سياس يون يع دهم الن اس ق دوة لهم في حي اتهم ،يتبع ونهم وينظ رون إليهم نظ رة
إعجاب ،ويحرصون أشد الحرص على أن يعيش وا مثلهم ،وهم ال ذين يس يطرون
على وس ائل اإلعالم ،يتح دث اإلعالم عنهم ص باح مس اء ولي ل نه ار ،ويجعلهم
أسوة للناس في حياتهم .ويحاول أن يفرض معاييرهم على اآلخرين.
وفي هذا الصدد ،قد يكون من المفي د إلق اء نظ رة على الس يناريو ال دولي،
فإن العالم الغربي يقف حاليًا رمزًا لليبرالية والحرية والتح رر ،وم ا يج ري ع بر
اإلعالم من الحوارات ضد التطرف الديني إنما تأتي من الغرب الحديث ،والغرب
نفس ه يعلن أن القيم ال تي يتخ ذها إنم ا هي قيم مثالي ة ،والمجتم ع الغ ربي مجتم ع
مثالي ،ومن هذا المنطلق يطالب العالم كله بقبول هذه القيم ،ويرى أنه اليمكن بناء
مجتمع متحضر إال على أساس هذه القيم ،هذا ه و موق ف الغرب يين من ه ذه القيم
التي تبنوها .والعالم الغربي يصر على هذا الموق ف ويح اول ف رض ه ذه القيم –
ال تي يراه ا مثالي ة في زعم ه -على الع الم أجم ع من خالل الغ زو اإلعالمي
والثقافي والسياسات المختلفة .وهذا تطرف غير مسبوق في ت اريخ البش رية .لكن
رغم ذلك فإن الغرب ليس متطرفًا وال يتس مه الن اس ب الغلو والتط رف؛ ب ل على
العكس من ذلك يراه الناس رمزًا للتسامح والرفق والعقلي ة المتوازن ة .وهن ا ينش أ
السؤال ،لماذا هذا الفرق الهائل بين المنتمين إلى اإلس الم ،وبين ه ؤالء المفك رين
الغربيين ،وبين تعاليم اإلسالم والقيم الغربية الالدينية؟
وحين يربط الغرب الحديث بين التطرف وال دين ،فه و في الواق ع يتح دث
عن تلك الأسباب التي أدت إلى فصل الكنيسة عن الدول ة .ومن ل ه إلم ام بالت اريخ
يدرك أن الص راع بين الكنيس ة والش عب ك ان قائًم ا في الغ رب ح تى ق ام بعض
المفكرين الغربيين وفصلوا الكنيسة عن الدولة ،وووجهوا الشعب إلى أن الكنيس ة
ابعة نة الس الس 4
العدد السادس
افتتاحية العدد مجلة المظاهر
ال تستطيع أن تحل مشاكلهم التي تحدث وتتجدد في العصر المتطور الح ديث ،أي
أن الكنيسة أو الديانة المسيحية ال تواكب الزمن المعاصر ومقتضياته ،ف إذا أردن ا
أن نتط ور ون واكب العص ر فيجب علين ا أن ن ترك ال دين وتعاليم ه ونتخلى عن
الكنيس ة وطقوس ها ،وه ذه الفك رة عن الديان ة وعن الكنيس ة ق د س يطرت على
نفوسهم وعق ولهم ح تى أص بحوا ي رون أن ك ل دين توج د في ه المش اكل نفس ها،
فعمموا تج ربتهم ه ذه وطبقوه ا على ك ل دين .وه ذا م رض نفس ي وت اريخي ال
عالج له .فقيامهم ضد الكنيسة كان رد فع ل على طغي ان الكنيس ة ،وم ا يق ال :إن
طغيان الكنيسة كان فظيًعا حًقا ومهّد الطريق للتمرد على نفسها .وكان اضطهادها
أمًرا س يًئا للغاي ة ،ربم ا يك ون ه ذا الكالم حًق ا ،لكن م ا ن راه الي وم من االعت داء
والطغيان -الذي أتى كرّد فعل العتداء الكنيس ة باس م القيم المثالي ة وفرض ها على
الشعوب العالمية التي تنتمي إلى ديانات مختلفة -أشد خطًرا من اضطهاد الكنيس ة
واعتدائها ،فلم تكن تملك الكنيسة الفقيرة الوسائل الحديث ة والم وارد والج و العقلي
المتاح للغرب الحديث.
ومن الواضح أن المشكلة الحقيقي ة هي الظلم واالعت داء والقم ع ،والغ رب
الحديث يخترع أساليب جديدة للظلم واالعت داء والقم ع ،فإن ه اليعطي ح ق الحي اة
لمن يختلف معه ومع فكرت ه؟ يق وم ببطش ه وقتل ه وفتك ه أو يترك ه على اله امش
ويجعله مهجوًر ا ال قيمة له في الحياة ،ويتحق ق ذل ك عن دما ت أتي أمامن ا التجرب ة
الحياتية ألفراد المجتمع المهجورين والمهملين بتفاصيلها.
ال بد لنا أن نفهم هذه الحقائق وندركها إدراًك ا ،ثم نتقدم إلى األمام بوس طية
اإلس الم المثالي ة ،ون برز أم ام الع الم م يزات ه ذا ال دين ،ونق ارن بين اض طهاد
الكنيسة وعدل اإلسالم ،وبين القيم المثالية – التي ينعق بها الغرب ،ويس تخدم له ا
جل الوسائل -والقيم اإلسالمية النبيلة التي تغنى بها سلفنا الصالح ،والتي بها قادوا
العالم وأبدوا للناس محاس ن اإلس الم والحضارة اإلس المية الخال دة ،ح تى يطل ع
الناس على أن اإلسالم ال يخ الف التط ور واالزده ار؛ ب ل إن ه يحث الن اس على
ذل ك ،وإن تعاليم ه المش رقة تفتح للبش رية مج اال لل رقي واالزده ار والتق دم إلى
األمام ،وهذه مسئولية العلماء وأهل الدين أن يقدموا اإلسالم نموذًجا حًيا مثالًيا.
العدد السادس