Professional Documents
Culture Documents
قراءة في مشارطة التحكيم
قراءة في مشارطة التحكيم
احممد البنيحيايت
فتعريف املشارطة ينقسم إىل قسمني :قسم فقهي وقسم تشريعي وذلك على النحو التايل:
املشارطة :مفاعلة من التشارط بني طريف العقد ،مأخوذة من مادة "الشرط" ومعناه :إلزام الشيء والتزامه يف البيع
وحنوه ،واجلمع شروط ( )1يقال شارطه وشرط له" ،والشرط ابلتحريك :العالمة ،واجلمع " أشراط" ومنه قوله تعاىل " :فَ َق ْد
َجاءَ أَ ْشَراطُ َها " ( )2أي جاء للساعة عالماهتا.
وجاء يف كتاب العني لإلمام الفراهيدي ابب الشني والطاء والراء :الشرط :معروف يف البيع والفعل شارطه فشرط على
كذا وكذا ،يشرط له (.)3
احممد البنيحيايت
ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ:
ابلناظور ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ
هبيئة احملامني ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ احملامي
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
ﺍﻟﺒﻨﻴﺤﻴﺎﺗﻲ ،ﺍﻣﺤﻤﺪ .(2012) .ﻗﺮﺍءﺓ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﺭﻃﺔ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ.ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ -ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻷﻋﺪﺍﺩ مقدمة
ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ،ﻉ .87 - 81 ،4ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ 591654/Record/com.mandumah.search//:http
ﺇﺳﻠﻮﺏ MLA
إن االتفاق الذي يلتزم مبوجبه املتعاقدان اباللتجاء إىل التحكيم لعرض ما قد ينشا بينهما من نزاع يف معاملة مدنية،
ﺍﻟﺒﻨﻴﺤﻴﺎﺗﻲ ،ﺍﻣﺤﻤﺪ" .ﻗﺮﺍءﺓ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﺭﻃﺔ ﺍﻟﺘﺤﻜﻴﻢ".ﻣﻨﺸﻮﺭﺍﺕ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ -ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺍﻷﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔﻉ4
فيتفق أطراف النزاع على القضاءﻣﻦيسمى شرط التحكيم ،وقد خيلو العقد من هذا الشرط
591654/Record/com.mandumah.search//:http ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ اللجوء إىل ):(2012دون
.87 - 81 جتارية أو إدارية
تنظيم وثيقة بعد حدوث النزاع تسمى مبشارطة التحكيم .فماهي مشارطة التحكيم؟ وما هي طبيعتها القانونية؟ ونشأهتا؟
وكيفية تشكيل هيئة التحكيم ،وحتديد مدى واليتها ،وبيان مكان التحكيم وزمانه ،وتقرير اإلجراءات اليت تتبعها والقواعد
املوضوعية الواجبة التطبيق وأجور احملكمني ،فضال عن آاثر مشارطة التحكيم ،أمور قد تبسطها هذه الورقة اليت سأتلوها
على مسامعكم حتت عنوان " مشارطة التحكيم ".
أوال :التعريف:
إن أصعب مهمة تعرتض الباحث القانوين هي التعريفات ،وذلك لسبب بسيط يكمن يف خلو الساحة القانونية
واملكتبة من املنجد القانوين من جهة ،ولتجدد االجتهادات القضائية من جهة أخرى يف النازلة الواحدة بني الفينة
واألخرى ،فضال عن خلو النصوص القانونية منها.
فتعريف املشارطة ينقسم إىل قسمني :قسم فقهي وقسم تشريعي وذلك على النحو التايل:
املشارطة :مفاعلة من التشارط بني طريف العقد ،مأخوذة من مادة "الشرط" ومعناه :إلزام الشيء والتزامه يف البيع
وحنوه ،واجلمع شروط ( )1يقال شارطه وشرط له" ،والشرط ابلتحريك :العالمة ،واجلمع " أشراط" ومنه قوله تعاىل " :فَ َق ْد
َجاءَ أَ ْشَراطُ َها " ( )2أي جاء للساعة عالماهتا.
وجاء يف كتاب العني لإلمام الفراهيدي ابب الشني والطاء والراء :الشرط :معروف يف البيع والفعل شارطه فشرط على
كذا وكذا ،يشرط له (.)3
احممد البنيحيايت
مقدمة
إن االتفاق الذي يلتزم مبوجبه املتعاقدان اباللتجاء إىل التحكيم لعرض ما قد ينشا بينهما من نزاع يف معاملة مدنية،
جتارية أو إدارية دون اللجوء إىل القضاء يسمى شرط التحكيم ،وقد خيلو العقد من هذا الشرط فيتفق أطراف النزاع على
تنظيم وثيقة بعد حدوث النزاع تسمى مبشارطة التحكيم .فماهي مشارطة التحكيم؟ وما هي طبيعتها القانونية؟ ونشأهتا؟
وكيفية تشكيل هيئة التحكيم ،وحتديد مدى واليتها ،وبيان مكان التحكيم وزمانه ،وتقرير اإلجراءات اليت تتبعها والقواعد
املوضوعية الواجبة التطبيق وأجور احملكمني ،فضال عن آاثر مشارطة التحكيم ،أمور قد تبسطها هذه الورقة اليت سأتلوها
على مسامعكم حتت عنوان " مشارطة التحكيم ".
أوال :التعريف:
إن أصعب مهمة تعرتض الباحث القانوين هي التعريفات ،وذلك لسبب بسيط يكمن يف خلو الساحة القانونية
واملكتبة من املنجد القانوين من جهة ،ولتجدد االجتهادات القضائية من جهة أخرى يف النازلة الواحدة بني الفينة
واألخرى ،فضال عن خلو النصوص القانونية منها.
فتعريف املشارطة ينقسم إىل قسمني :قسم فقهي وقسم تشريعي وذلك على النحو التايل:
املشارطة :مفاعلة من التشارط بني طريف العقد ،مأخوذة من مادة "الشرط" ومعناه :إلزام الشيء والتزامه يف البيع
وحنوه ،واجلمع شروط ( )1يقال شارطه وشرط له" ،والشرط ابلتحريك :العالمة ،واجلمع " أشراط" ومنه قوله تعاىل " :فَ َق ْد
َجاءَ أَ ْشَراطُ َها " ( )2أي جاء للساعة عالماهتا.
وجاء يف كتاب العني لإلمام الفراهيدي ابب الشني والطاء والراء :الشرط :معروف يف البيع والفعل شارطه فشرط على
كذا وكذا ،يشرط له (.)3
( )1لسان العرب البن منظور دار صادر اجلزء الثالث صفحة 024مادة شرط
( )2سورة حممد اآلية. 11
( )3كتاب العني لإلمام الفراهيدي دار الرشد للنشر اجلزء السادس صفحة230.
18
واملشارطة موضوع الدراسة هي املقرتنة ابلتحكيم ،أي إرادة املتعاقدين على االلتزام أبمر مل يوجد يف العقد الذي حصل
بينهما ،مما جيعلهما حيققان نفعا ومصلحة هلما على اخلصوص.
وقد عرفها الفقيه أمحد أبو الوفا بقوله :اتفاق بني األطراف احملتكمني "أطراف االتفاق على التحكيم " والذين نشأ
ابلفعل نزاعا بينهم حلظة إبرام االتفاق على التحكيم ابلفصل فيه بواسطة هيئة حتكيم تتشكل من أفراد عاديني أو هيئات
غري قضائية ،دون احملكمة املختصة أصال بتحقيقه والفصل يف موضوعه (.)0
وعرفها الفقيه فتحي وايل أبن مشارطة التحكيم Le compromisهي االتفاق الذي يتم بني الطرفني بعد قيام
النزاع بينهما لعرض هذا النزاع على التحكيم ،ويسميه أحياان "وثيقة التحكيم اخلاصة " (.)5
من خالل ما تقدم من تعريفات ،سوف تالحظون أن املشارطة مقرونة ابلتحكيم مما ال ميكن معه نسيان هذا املفهوم
من التعريف ،فالتحكيم أو ما يقابله ابللغة اإلجنليزية Arbitrationمن أهم املصطلحات واملفاهيم الرائجة يف أوساط
األعمال واالقتصاد والتجارة الدولية اليت يتم تداوهلا والتفاعل معها على نطاق واسع ،فكلمة "حكم" احلاء والكاف وامليم
أصل واحد وهو املنع ( ،)6ومنه اشتقت الكلمات :احلكم -احلكمة -احلكمة .واحملكم (بفتح الكاف وكسرها) املنصف
لنفسه (.)7
وعرف الفقهاء "التحكيم" اصطالحا أبنه تولية اخلصمني حاكما حيكم بينهما ( )1وعرفه األستاذ فتحي وايل أبنه نظام
قانوين يتم بواشه الفصل حبكم ملزم يف نزاع قانوين بني طرفني أو أكثر بواسطة شخص أو أشخاص من الغري يستمدون
مهمتهم من اتفاق أطراف النزاع (.)9
لقد أورد قانون املسطرة املدنية فصلني جديدين ومها 310و 315لعقد التحكيم ،إذ نص يف الفصل 310إىل تعريفه
قائال " :عقد التحكيم هو االتفاق الذي يلزم أطراف نزاع نشأ بينهم لعرض هذا النزاع على هيأة حتكيمية.
فعقد أو اتفاق التحكيم هو اتفاق اخلصوم على عرض نزاع قائم أو نشأ بينهم على حمكم أو هيأة حتكيمية بدال من
عرضه على مؤسسة قضائية رمسية أي اتبعة للدولة ،واملالحظ أن املشرع املغريب مل يستعمل كلمة مشارطة ،بل استعمل
مصطلح " عقد التحكيم " أو "اتفاق التحكيم ".
( )0أمحد أبو الوفا :التحكيم االختياري واإلجباري منشأة املعارف الطبعة اخلامسة 2441صفحة. 15
( )5فتحي وايل :قانون التحكيم يف النظرية والتطبيق منشأة املعارف الطبعة األوىل 2447ص. 143
( )6فحطان عبد الرمحان الدوري :عقد التحكيم دار الفرخان الطبعة األوىل ص .11
( )7القاموس احمليط للفريوز أابدي مطبعة دار احلديث القاهرة 2441صفحة 359مادة حكم.
( )1قحطان عبد الرمحان الدوري م .س ص. 21
( )9فتحي وايل املرجع السابق ص .13
18
وعلى ضوء ما تقدم نالحظ على أن جل التعريفات سواء الفقهية أو القانونية الواردة بشأن مشارطة التحكيم تكاد
تتفق يف " أهنا اتفاق على إخضاع نزاع ما قد نشأ ابلفعل للتحكيم كبديل لنظام التقاضي التقليدي " ،وأن مشارطة
التحكيم قد تكون فاعلة حىت مع وجود شرط التحكيم ضمن العقد موضوع املنازعة ،فشرط التحكيم بعد وقوع ونشوء
النزاع فعال ،ال يعد أن يكون وعدا ابلتحكيم ليس إال ،بينما تتعلق املشارطة بنزاع قائم ابلفعل ،وعلى األطراف املتنازعة
حتديد موضوع التحكيم إن مل يكن قد اتصل ابحملكمة املختصة بنظره ،أو املسائل اليت يتفق على إخضاعها للتحكيم يف
حالة ما إذا كان النزاع قد عرض فعال على احملكمة وذلك حىت ال يتعرض االتفاق للبطالن.
أما خب صوص الطبيعة القانونية ملشارطة التحكيم فقد اختلف الفقهاء يف إضفاء طابع مناسب ملشارطة التحكيم فمنهم
من ذهب إىل القول على أن األصل يف التحكيم هو عمل احملكم وهو ال خيتلف عن أعمال القاضي وذهب فريق إىل
إضفاء الطابع التعاقدي على التحكيم رافضا االجتاه األول مستندين إىل اإلرادة يف االلتزام واليت هي أساس فكرة املشارطة
يف التحكيم واملؤسسة كذلك على الكتابة كشرط وجزاء البطالن على ختلف الكتابة.
وهناك مذهب وسط " بني بني" ويسمى ابلطبيعة املختلطة أو املزدوجة تتعامل فيها التأثريات التعاقدية والقضائية وهو
املذهب األكثر منطقية يف مشارطة التحكيم لكون طبيعته قد تكون تعاقدية يف أول األمر وتكون قضائية عند إصدار
القرار التحكيمي.
وهناك اجتاه آخر من االجتاهات املعنية ابلطبيعة القانونية ملشارطة التحكيم وهو االجتاه الذي يذهب إىل كون مشارطة
التحكيم ذو طبيعة مستقلة وخاصة (.)14
فمن خالل هذه الوقفات مع التعريفات والطبيعة القانونية للمشارطة ال بد من الوقوف على النشأة.
رابعا :النشأة:
فمن املرجح أن يكون التحكيم كنظام قضائي قد نشأ قبل نظام القضاء وهو معروف منذ احلضارات األوىل ،ورغم
رواج التحكيم يف الغرب حديثا ،واعتقاد البعض أبنه نطام غريب ،فقد أخطا االعتقاد أو أنه مل يطلع على حقيقة املوضوع،
إذ أن نظام التحكيم عرف عند العرب يف اجلاهلية ،وقد كان احلكم هو صاحب الرأي فإذا وقعت خصومة احتكم فيها
طرفاها مبشارطة التحكيم ،وأكثر ما كانت تقع اخلصومة بني العرب يف املفاخرة واملنافرة ،وهي تطبيقات عديدة وقد كثر
احلديث عثها يف كتب التاريخ واملغازي والسري وال يتسع اجملال لذكرها خاصة وأن العرب مل يعرفوا نظام القضاء مبفهومه
الصحيح إال يف عهد اخلليفة العادل عمر بن اخلطاب الذي كان أول من استحدث نظام القضاء يف الدولة اإلسالمية
وقد كانت أشهر قضية حتكيم قبل اإلسالم قضية محل احلجر األسود حني اتفقت قريش مبشارطة حتكيم على أن حيكموا
( )14ذ /جعفر مش يمش التحكيم يف العقود اإلدارية واملدنية والتجارية منشورات زين احلقوقية طبعة أوىل 2449ص 66وما بعدها.
18
بينهم خبصوص احلجر األسود مبن سيدخل عليهم فكان صلى هللا عليه وسلم هو الداخل من ابب بين شيبة فقالوا :هذا
األمني قد رضينا مبا يقضي به بيننا (.)11
ومن السنة النبوية كذلك ما روى أن أاب شريح قال" :اي رسول هللا إن قومي إذا اختلفوا يف شيء فأتوين وحكمت
بينهم فرضي عين الفريقان ،فقال له رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ما أحسن هذا" رواه النسائي فالشاهد أن الفريقان
عند نشوء املنازعة بينهم يتفقون مبشارطة حتكيم على حتكيم رجل فقيه عامل ورع حيكم بينهم حبكم يرتضيانه بينهما،
والتاريخ اإلسالمي مليء مبثل هذه املشارطات إذ أن عمل احملكمني كان صناعة وفنا علميا كصناعة القضاء وال حيسنه إال
من أاته هللا فقها وعلما يعلم الرتافع والتداعي كاحملاماة وخربة أبصول احلكم والقضاء كالقضاة واحلكام ونذكر كذلك واقعة
جد مهمة يف عصر اخلالفة الراشدة واليت اعتربها منوذج فعلي ملشارطة التحكيم وقد تكون أول مشارطة حتكيم مكتوبة
ومتفق عليها ،وهي حتكيم على بن أيب طالب ومعاوية بن أيب سفيان يف واقعة صفني فقد التقى أبو موسى األشعري
وعمرو بن العاص رضي هللا عنهما يف مكان صفني بصفتهما وكيلني عن كل فريق وبدا يفكران يف كيفية إجياد حل
للمشكلة اليت أملت ابملسلمني جراء عزل علي بن أيب طالب للوالة الذين وال هم عثمان ،فقد أذعن كل الوالة ابستثناء
معاوية بن أيب سفيان الذي كان واليا على الشام منذ أايم عمر وعثمان رضي هللا عنهما وليس الزمان وال املكان مناسبني
للخوض يف أسباب العزل ومسبباته بل الشاهد عندان أن نزاعا قام بني املسلمني واقتتلوا فيه واستشهد فيه بل وقتل فيه من
املسلمني املئات بل اآلالف وقد اتفق الوكيالن ابتداء على كتاب يعد (مشارطة حتكيم) مبدئيا يضع أسس التحكيم ولن
يكون الكتاب النهائي ،والكتاب موجود يف كتب التاريخ ومنها اتريخ الطربي ومروج الذهب للمسعودي والبداية والنهاية
البن كثري وهذا الكتاب يعترب أول مشارطة حتكيم ابملفهوم احلديث واليت تؤسس على اإلرادة والكتابة يف شكلها واالتفاق
على حل النزاع يف موضوعها.
ميك ن استخالص اخلصائص املميزة ملشارطة التحكيم من خالل جمموعة من احملاور ككيفية تشكيل هيئة التحكيم
ومدى والية هذه اهليئة ومكان وزمان التحكيم وتقرير اإلجراءات اليت تتبعها فضال عن القواعد املوضوعية اليت تطبقها من
غري نسيان أجور احملكمني.
فمشارطة التحكيم يف جوهرها عقد يشري إىل اتفاق اخلصوم ،ويقوم على مبدأ سلطان اإلرادة وهو الذي يعطي
للمحكم سلطة البت يف النزاع والذي يكون إلزاميا لطريف العقد "عقد االتفاق " أو "مشارطة التحكيم " وهذه اإللزامية
هي اليت متيزه عن الوساطة والتوفيق.
وتتميز املشارطة كذلك عن القضاء العادي يف حسم النزاع مبجموعة من الفوائد تتمثل يف السرعة يف البت يف النزاع
لكونه على درجة واحدة مما جيعل البت يف النزاع خالل فرتة زمنية قصرية نسبيا ابملقارنة مع ما نشهده يف حماكم اململكة
( )11التحكيم بني الشريعة والقانون لعامر على رحيم منشورات الدار اجلماهريية للنشر سنة 1917ص. 20
18
من تعدد وتعاقب اإلجراءات والرتاخي اإلجيايب يف الفصل يف القضااي ولعدة أسباب ليس لزاما بسردها يف هدا املقام ،وأن
هذه السرعة اليت تتميز هبا املشارطة ال يعين جتاوز الضماانت األساسية للتقاضي كاحرتام حقوق الدفاع واملساواة بني
األطراف املتخاصمة واحرتام مبدأ املواجهة فضال عن ميزة السرية وغالبا ما يكون الدافع الختيار األطراف ملشارطة
التحكيم للسرية وعدم الكشف عن أسباب ووقائع النزاع اليت قد متس مبراكزهم املالية أو القانونية وكذا االجتماعية يف
غالب األحيان ،كما وأن احلرية واملرونة اليت يتمتع هبا أطراف اخلصومة يف مشارطة التحكيم جتعلهم يتحكمون يف تعيني
احملكمني واختيار الشخص احملكم أو اهليئة احلاكمة واختيار نوع التحكيم أمر له إجيابياته على االقتصاد يف التكلفة ويعود
على أطراف النزاع من خالل هذه املشارطة ابملنفعة نتيجة حل النزاع ابلسرعة وخالل فرتة زمنية قياسية كما جيعلهم
يتحكمون حىت يف أتعاب وأجور احملكمني اليت تقع مناصفة بينهما يف غالب األحيان .
ومن أهم مزااي التحكيم وخصائصه أتليف هيئة التحكيم من حمكم واحد أو عدة حمكمني يعينون يف املشارطة ولكل
طرف تعيني حمكم خيتاره لنفسه ويقوم احملكمان بتكملة تشكيل اهليئة التحكيمية مبحكم آخر اثلث أو يتم تعيينه من قبل
رئيس احملكمة بناء على أمر غري قابل للطعن وذلك يف حالة عدم حصول اتفاق بني احملكمني أنفسهم (.)12
كما وأن املشارطة قد يشار فيها إىل أن التحكيم قد يكون عن طريق مؤسسة وطنية أو داخلية حسب نوع النزاع
واختصاص كل جهة على حدة وهذه املؤسسة أو اهليئة هلا من االختصاص املنوط هبا واحملدد دائما يف مشارطة التحكيم
حتديد مسطرة التحكيم اليت تراها مناسبة مع أحكام املقتضيات املتعلقة ابلتحكيم ودون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد
املتبعة لدى احملاكم ،كما وهلا أيضا أن تعني مكاان مالئما للتحكيم ولو ابختيار األطراف وهو أمر ال حيول دون اجتماع
احملكم أو اهليئة احلاكمة يف أي مكان تراه مناسبا للقيام ابملهمة املنوطة هبم من مساع ألطراف النزاع والشهود وانتداب
خرباء واالطالع على املستندات وهلم مراسلة السيد الوكيل العام للملك قصد متكينهم من املعلومات اليت تراها مناسبة
ومتعلقة مبوضوع النزاع (الفصل 341من ق م م).
واإلجراءات املتبعة يف مشارطة التحكيم هي نفس اإلجراءات اليت تتبع يف شرط التحكيم قد سبق وأن أشار إليها
غريي وليست ضمن مداخليت وجتنبا مين للتكرار سوف لن أتطرق إليها.
أما خبصوص تطبيق القواعد القانونية فهي اليت يتفق عليها طريف النزاع ،واليت جيب أن يشار إليها يف املشارطة ،ويف
حالة عدم اإلشارة إليها يف املشارطة طبق احملكم أو اهليئة احلاكمة القواعد املوضوعية يف القانون الذي يرى احملكم أو اهليئة
احلاكمة أنه األكثر اتصاال ابلنزاع املعروض عليها للحكم فيه ( ،)13وعلى كل حال فإن األطراف إذا مل حتدد أجال
للمحكم فإن على هذا األخري أو اهليئة املنتدبة لذلك أن تصدر قراره التحكيمي داخل أجل ال يتعدى ثالثة أشهر من
يرتتب على انعقاد مشارطة التحكيم أاي كانت الصورة اليت مت عليها إحالته إىل التحكيم :احنسار والية القاضي
وإبلزامه احملتكمني حبدود ما مت االتفاق عليه من حيث املوضوع واألشخاص.
فعمال مبقتضيات قانون املسطرة املدنية فإن النزاع املتفق على حله والبت فيه عن طريق التحكيم يشمل القضاء العادي
التقليدي ،وجيعل من احملكمة غري خمتصة ابلبت يف النزاع بل ذهب بعض الفقه إىل القول أبن الدفع ابالتفاق على
التحكيم ليس دفعا بعدم االختصاص وإمنا هو دفع بعدم القبول.
أما خبصوص إلزامية احملتكمني مبا مت االتفاق عليه ،فإن اهلدف من إنشاء أو حترير مشارطة التحكيم هي تنفيذ
مقتضياهتا عن طريق أعمال آاثرها ومن مثن فإن هذا التنفيذ يشكل امتدادا طبيعيا ومنطقيا لتطابق إراديت احملتكمني طبقا
ملقتضيات املادة 234من ق .ل .ع ،فاملشارطة الصحيحة التكوين شكال وموضوعا قوة الزامية غذ حملتكمني طريف
املشارطة احلرية املطلقة يف حتديد الشروط اليت ختدم مصاحلهم شريطة احرتام موجبات النظام العام واآلداب العامة والقواعد
اآلمرة .وإذا حصل واتفق أحد املتخاصمني أو احملتكمني يف مشارطة التحكيم بشكل موافق إلرادة الطرفني فإنه يصبح
تبعا لذلك ملزما هلما ،أي أن احلقوق وااللتزامات اليت يرتبها تكون واجبة االحرتام كما لو كان مصدرها قاعدة قانونية.
ومن مث فإنه ال يستطيع طبقا هلذه املشارطة أي أحد من احملتكمني أن يتنكر ملا التزم به يف املشارطة أو أن حيدث فيها
تغيريا إبرادته املنفردة بل يتعني على كل من الطرفني أن حيرتم ما التزم به بل وجيب على احلكم فردا كان أو هيئة أن يطبق
ما اتفق عليه املتحاكمان وال جيوز له أن يدخل على ما مت االتفاق فيه يف املشارطة من تعديالت ،وأساس كل ذلك منبثق
من القاعدة القانونية والفقهية "العقد شريعة املتعاقدين ".
18
وختاما:
فإن ملشارطة التحكيم أمهية كبرية يف احلياة االقتصادية سواء بني األشخاص الطبيعيني أو االعتبارين ،وبفضل االتفاق
على مشارطة التحكيم يف أي نزاع ،منع القضاء من النظر يف املوضوعة ،ويف هذه احلالة ضمان سرعة الفصل يف النزاع
أبقل جمهود ويف أقل وقت ممكن مع ضمان العدالة يف الفصل يف النزاع مع بساطته وسهولته ويسره كما أتيت أمهية مشارطة
التحكيم يف كونه يساعد بشكل أساسي يف انتعاش احلياة املدنية والتجارية وتشجيع املستثمرين على الدخول يف
استثمارات كبرية ويف عالقات جتارية واسعة دون اخلوف من ضياع احلقوق يف رفوف احملاكم فالفصل يف النزاع يف الوقت
احلايل هو أهم مبتغى لدى املتقاضني .ومن خالل هذا املنرب أرى أن أتقدم مبلتمس للمشرع بسن قانون يسمح مبوجبه
للحكام فرادى أو مجاعات أبحداث "دار احلاكم " على غرار احملكمة اليت يقضي فيها القضاء العادي التقليدي وسيكون
انتصارا لتسوية النزاع وداي وملشارطة التحكيم.
18