Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 208

‫(من وحي عاشوراء)‬

‫ا� � �س� ��م ال �ك �ـ �ـ �ت ��اب‪ :‬و�أتممناها بع�شر (من وحي عا�شوراء)‬


‫ال � � � � � � �ك� � � � � � ��ات� � � � � � ��ب‪ :‬ال�شيخ د‪� .‬أكرم بركات‬
‫ال� � � � � �ن � � � � ��ا�� � � � � �ش � � � � ��ر‪ :‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‬
‫الطبع��ة الثامن��ة‪ :‬بيروت ‪143٨‬هـ ‪201٧ -‬م‬
‫جميع الحقوق محفوظة للم�ؤلف‬
‫(من وحي عاشوراء)‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫سلسلة على منبر القائم |‬
‫قضايا تالمس حاجة الناس في الفكر والسلوك‬
‫وتضيء على طريق سعادة اإلنسان‪،‬‬
‫وتوضح برنامجها تناولها الشيخ د‪ .‬أكرم بركات‬‫ّ‬
‫على منبر مسجد القائم| في الضاحية الجنوب ّية‬
‫ثوب الكلمات المكتوبة‬ ‫لبيروت ث ّم ألبسها َ‬
‫بين يديك عسى أن تكون مح ًّال للقبول‪.‬‬
‫المقدمة‬
‫َّ‬
‫رب العالمين‪ ,‬وال�صالة وال�سالم على �س ِّيد‬ ‫الحمد هلل ّ‬
‫بني الب�شر محمد و�آله الطاهرين‪.‬‬
‫�إ ّنها ع�شر كلمات من وحي نه�ضة عا�شوراء �ألقي ُتها على‬
‫منبر م�سجد القائم|كالع�شر التي �سبقتها في كتاب «وليالٍ‬
‫ع�شر»‪ ,‬لذا �س ّمي ُتها «و�أتمم َناها بع�شر» اقتبا�س ًا من ليالي‬
‫كليم اهلل مو�سى‪ Q‬مع ر ِّبه‪ .‬وقد حاولت فيها �أنْ �أقارب‬
‫المو�ضوعات ذات الأول��وي��ة في تكوين الإي�م��ان العقائدي‬
‫والتد ُّين ال�سلوكي؛ ع�سى �أن تنفع من َج َذ َبته مدر�سة الإمام‬
‫الح�سين‪ Q‬ف��ي تكامله بين ي��دي اهلل ع � َّز وج � ّل‪ ,‬و�أنْ‬
‫يوم ال مال وال بنون �إال من �أتى اهلل بقلب �سليم‪.‬‬
‫ينفعني َ‬

‫بيروت‪ ,‬مح ّرم ‪ 1433‬هـ‬


‫‪1‬‬

‫سر الجذبة‬
‫ُّ‬
‫هل للكون �إدراك؟! هل ل�ل�أر���ض نطق؟! هل‬
‫لل�سماوات لغة؟!‬
‫القر�آن يجيب‪ :‬نعم‪� ،‬إنَّ للكون �إدراك ًا‪ ,‬لكنه غير �إدراكنا‪.‬‬
‫و�إنَّ للأر�ض نطق ًا‪ ,‬لك ّنه غير نطقنا‪ .‬و�إنّ لل�سماوات لغة‪,‬‬
‫ّ َ ۡ َّ‬
‫ش ٍء إِل ي ُ َس ّب ِ ُح‬ ‫لك ّنها غير لغتنا‪ .‬بل �إنّ لها ت�سبيح ًا ﴿ِإَون مِن‬
‫َّ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ون ت َ ۡسب َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يح ُه ۡ ۚم﴾(((‪.‬‬‫ِ‬ ‫كن ل تفقه‬ ‫ِب ۡم ِده ِۦ َول ٰ ِ‬
‫نع��م‪� ,‬إنّ الك��ون مج��ذوب بجذبة نح��و اهلل تعالى‪ ،‬رف�ض‬
‫من خاللها �أن يكون له فيها هام�ش االختيار‪ ,‬ف�أراد �أن يبقى‬
‫دوم � ًا مجذوب � ًا نح��وه تعال��ى‪ ،‬بالقه��ر والتكوين‪ .‬ق��ال تعالى‪:‬‬
‫َ ۡ َ َََۡ َ َ‬ ‫َّ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ۡ َ‬
‫ي أن‬ ‫ٱلبا ِل فأب‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫ۡرض‬ ‫ت وٱل‬ ‫﴿ إِنا ع َرضنا ٱلمانة ع ٱلســمٰو ٰ ِ‬
‫َۡ ََۡ ََۡ َ‬
‫ــف ۡق َن م ِۡن َها﴾‪ ,‬لك��نّ الإن�س��ان َق ِبل ذلك الهام���ش‬ ‫ي ِملنها وأش‬
‫ٗ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫نس ُنۖ إِنَّ ُهۥ ك َن َظل ٗوما َج ُهول﴾(((‪.‬‬
‫ٱل َ ٰ‬ ‫االختي� ّ َ َ َ َ‬
‫�اري ﴿وحلها ِ‬

‫((( �سورة الإ�سراء الآية ‪.44‬‬


‫((( �سورة الأحزاب الآية ‪.72‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪10‬‬

‫و�أراد اهلل تعالى �أن تتج َّلى الرحمة الإلهية واللطف‬


‫الرباني في الإن�سان‪ ،‬فجعل فيه جذبة تكوين ّية نحو اهلل‬ ‫ّ‬
‫تعالى‪� ,‬إ ّنها جذبة ت�ش ُّد ك ّل �إن�سان نحو ر ِّب��ه‪� ,‬إ ّنها جذبة‬
‫ُ‬
‫الميثاق ﴿إِنَّا ك َّنا َع ۡن َهٰ َذا َغٰفِل َِني ‪.(((﴾١٧٢‬‬
‫ورد �أنَّ زرارة بن �أعين �س�أل الإم��ام الباقر ‪ Q‬عن‬
‫معنى ه��ذه الآي ��ة‪ ،‬ف�أجابه ‪�« :Q‬أخ� ��رج م��ن ظ�ه��ر �آدم‬
‫‪ Q‬ذر ّيته �إلى يوم القيامة‪ ،‬فخرجوا كالذ ّر‪ ،‬فعرفهم‬
‫و�أراه��م نف�سه‪ ،‬ولوال ذلك لم يعرِف �أح ٌد ر َّبه‪ .‬قال ر�سول‬
‫اهلل ‪ :P‬ك ّل مولود يولد على الفطرة‪ ،‬يعني المعرفة ب� ّأن‬
‫َۡ‬ ‫ََ‬
‫﴿ولئِن َسألَ ُهم‬ ‫اهلل عز وجل خالقه‪ .‬كذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫َّ ۡ َ َ َ َّ َ ٰ َ ٰ َ ۡ َ َ‬
‫ۡرض َلَ ُقولُ َّن َّ ُ‬
‫ٱللۚ﴾(((»(((‪.‬‬ ‫ت وٱل‬ ‫من خلق ٱلسمو ِ‬
‫�إنَّ حال هذه الجذبة‪ ،‬في فطر ّيتها‪ ،‬كحال الطفل و�أ ّمه‪.‬‬
‫يحب �أ ّم��ه فطر ّي ًا من دون تعليم مع ِّلم‬ ‫�أال ترى �أنّ الطفل ُّ‬
‫و�ضعت �أمام الطفل �ألعاب ًا‪ ،‬قد يغفل‬ ‫َ‬ ‫مرب؟ ولكن �إذا‬ ‫وتربية ٍّ‬
‫((( �سورة الأعراف الآية ‪.72‬‬
‫((( �سورة لقمان‪ ,‬الآية ‪.25‬‬
‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكافي‪ ،‬تحقيق علي الغفاري‪ ،‬ط‪ ،4‬طهران‪ ،‬دار الكتب‬
‫اال�سالمية‪�1365 ،‬ش‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪.13‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪11‬‬

‫عن �أ ّمه وين�ساها الهي ًا بتلك الألعاب‪ .‬ف�إذا التقط الطفل‬


‫�أثناء لعبه جمرة ت��ؤذي��ه‪ ,‬ف ��إنّ �أ ّول كلمة ت�صدر عنه هي‬
‫«ماما»‪.‬‬
‫الفطري ال��ذي يتح ّرك عند الإح�سا�س‬ ‫ّ‬ ‫�إ ّن ��ه ال�شعور‬
‫وت�ض ُع �ستار ًا‬
‫بالخطر‪ .‬وكذلك ال ُملحد تن�سيه ذنو ُبه ر َّبه‪َ ،‬‬
‫يدق ناقو�س الخطر الداهم‪ ،‬ف�إنه ين ّبه‬ ‫بينهما‪ .‬ولكن عندما ّ‬
‫الإن�سان الغافل‪ ،‬ويثير فيه الفطرة المدفونة من جديد‪.‬‬
‫عندها يتع ّلق قلبه باهلل تعالى‪ ،‬في�صبح حاله كحال ذلك‬
‫البحار الذي ت�ش َّرف بلقاء الإمام ال�صادق‪ ,Q‬وطلب‬ ‫ّ‬
‫�إليه �أن يع ِّرفه اهلل تعالى‪ ،‬فقال الإمام‪ Q‬لل�سائل‪:‬‬
‫«يا عبد اهلل‪ ،‬هل ركبت �سفينة َق ّط؟»‬
‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪« :Q‬فهل ُك�سِ َرتْ بك حيث ال �سفين َة ُتنجيك‪،‬‬
‫وال �سباح َة ُتغنيك؟»‬
‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪« :Q‬ف �ه��ل ت�ع� َّل��ق ق�ل�ب��ك ه �ن��اك � ّأن ��ش�ي�ئ�اً من‬
‫الأ�شياء قادر على �أن يخ ّل�صك من ورطتك؟»‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪12‬‬

‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال‪« :Q‬فذلك ال�شيء هو اهلل القادر على الإنجاء‪،‬‬
‫نج‪ ،‬وعلى الإغاثة‪ ،‬حين ال ُمغيث»(((‪.‬‬ ‫حين ال ُم ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٱللِ ٱل ِت َف َط َر ٱنلَّ َاس َعل ۡي َها ۚ﴾(((‪ ,‬والتي‬ ‫ۡ َ َ َّ‬
‫�إ ّنها ﴿ف ِطرت‬
‫يقترب‬
‫ُ‬ ‫قد ي�سترها غبار الخطايا وال��ذن��وب‪ .‬لكن حينما‬
‫العذاب‪ ،‬وي�شع ُر الإن�سان بالخطر‪ ،‬ترجع �إليه‪ ،‬ت�ش ُّده نحو‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬
‫وهذا ما �أ ّكده القر�آن الكريم‪ ،‬في العديد من �آياته‪.‬‬
‫ۡ َ ّ َ ۡ َ ۡ َ َّ ٰٓ َ‬ ‫كۡ‬‫َُ ُّ ُ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ت إِذا‬ ‫ب وٱلح ِرۖ ح‬ ‫ِ‬ ‫ٱل‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ٱل‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬هو‬
‫ٓ ۡ‬ ‫َ ْ‬ ‫نت ۡم ف ۡٱل ُف ۡل َ َ ۡ‬ ‫ُك ُ‬
‫يح َط ّي ِ َبةٖ َوف ِر ُحوا ب ِ َها َجا َءت َها‬ ‫ك وج َري َن ب ِ ِهم ب ِ ِر ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َم َكن َو َظ ُّن ٓوا ْ َأ َّن ُه ۡم أُح َ‬‫ُّ‬ ‫يح َع ‪ُ ۡ َ ۡ ُ ُ َ ٓ َ َ ٞ‬‬ ‫ر ٌ‬
‫ِيط‬ ‫ٖ‬ ‫صف وجاءهم ٱلموج مِن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُ ّ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ ٰ َ َ ُ ََّ‬ ‫ۡ َ َ ُ ْ َّ َ ُ ۡ‬
‫ب ِ ِهم دعوا ٱلل مل ِِصني ل ٱدلِين لئِن أجنيتنا مِن ه ِذه ِۦ لكونن‬
‫ٱلشكِر َ‬ ‫َ َّ‬
‫ين﴾(((‪.‬‬ ‫مِن ٰ ِ‬

‫((( ال�صدوق‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تعليق ها�شم الح�سيني الطهراني‪ ،‬قم‪ ،‬جماعة‬
‫المدر�سين‪( ،‬ال‪ ،‬ت)‪� ،‬ص‪.231‬‬
‫((( �سورة الروم‪ ،‬الآية‪.30 :‬‬
‫((( �سورة يون�س‪ ,‬الآية ‪.22‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪13‬‬

‫ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ ۡ َ َ ُ ۡ َ َ ُ َّ َ‬
‫اب ٱللِ أ ۡو‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬قل أر َءيتكم إِن أتىٰكم عذ‬
‫ۡ‬ ‫ون إن ُك ُ‬
‫نت ۡم َص ٰ ِدق َ‬ ‫َ َ ۡ ُ ُ َّ َ ُ َ َ ۡ َ َّ َ ۡ ُ َ‬
‫ِني ‪ ٤٠‬بَل‬ ‫أتتكم ٱلساعة أغي ٱللِ تدع ِ‬
‫َ َٓ ََ َ َ‬
‫نس ۡون َما‬ ‫لهِ إِن شاء وت‬ ‫ون إ ِ َ ۡ‬
‫َّ ُ َ ۡ ُ َ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ ُ َ‬
‫إِياه تدعون فيكشِ ف ما تدع‬
‫ُۡ ُ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫شك‬
‫ت ِ‬
‫�إ ّن��ه الدعاء المنطلق من تلك الجذبة المغرو�سة في‬
‫داخل كل �إن�سان‪.‬‬
‫ولكن هل تكفي هذه الجذبة‪ ،‬وحدها‪ ،‬لتنقذ الإن�سان من‬
‫و�سط بحار الدنيا المظلمة‪ ,‬لتو�صله �إلى �شاطئ الأمان؟‬
‫كال‪� ،‬إ ّنها تحتاج �إلى دليل وخارطة طريق تر�شده �إلى‬
‫ذلك ال�شاطئ؛ لذا كان �إر�سال الر�سل ‪ R‬وبعث الأنبياء‬
‫‪� .R‬إال �أنها هداية عامة ال ت�صل �إل��ى م�ستوى هداية‬
‫�أخ��رى من نوع خا�ص‪ ,‬وهي هداي ُة �سفين ٍة تتق ّدم �صاحب‬
‫الجذبة‪ ,‬وت�ضيء بم�صباحها ظلمة تلك البحار‪ ،‬وت�أخذ‬
‫بقلب �صاحب الجذبة �إلى �شاطئ الكمال‪.‬‬
‫�إ ّنها الهداية التي اخت�ص اهلل تعالى بها قوم ًا تم َّيزوا‬
‫((( �سورة الأنعام‪ ،‬الآيتان‪ 40 :‬ـ ‪.41‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪14‬‬

‫بطينة خلقهم‪.‬فعن الإم��ام ال�سجاد ‪ّ �« Q‬إن اهلل خلق‬


‫النب ّيين من طينة عل ّيين‪ ،‬قلوبهم و�أبدانهم‪ ،‬وخلق قلوب‬
‫الم�ؤمنين من تلك الطينة»((( ‪ ,‬فانجذبوا بطينتهم نحو‬
‫تلك ال�سفينة وذل��ك الم�صباح ال��ذي �شاهده النبي‪P‬‬
‫على يمين العر�ش‪ ،‬على لوحة النور‪ ,‬فح ّدثنا‪ P‬عن تلك‬
‫الم�شاهدة في معراجه‪ ،‬و�أ َّنه ر�أى على يمين العر�ش مكتوب ًا‪:‬‬
‫(((‬
‫«� ّإن الح�سين م�صباح الهدى و�سفينة النجاة»‬
‫عجيب هو هذا الم�صباح الذي حينما بلغ الأ�شهر ال�ستة‬
‫في رحم �أ ّمه‪ :L‬كانت تقول‪« :‬كنت ال �أحتاج في الليلة‬
‫الظلماء �إلى م�صباح»(((!‬
‫عجيب هو هذا النور الذي تح َّدث عنه خاتم الأنبياء‬
‫‪P‬في ق�صة عالم الأنوار «قبل �أن يخلق تعالى �آدم‪ ،‬حيث‬
‫ال �سماء مبن ّية وال �أر�ض مدح ّية‪ ،‬وال ظلمة وال نور‪ ،‬وال‬

‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكافي‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪.2‬‬


‫((( البحراني‪ ،‬ها�شم‪ ،‬مدينة المعاجز‪ ،‬تحقيق ون�شر م�ؤ�س�سة المعارف الإ�سالمية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫قم‪1414 ،‬هـ‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪.52‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬تحقيق محمد البهبودي‪ ,‬ط‪ ,2‬بيروت‪,‬‬
‫م�ؤ�س�سة الوفاء‪1403 ,‬هـ‪ ,‬ج‪� ،43‬ص‪.273‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪15‬‬

‫ج ّنة وال نار‪ ،‬وال �شم�س وال قمر»‪� ،‬إذ ل َّما �أراد اهلل تعالى‬
‫�أن ين�شئ ال�صنعة‪ ،‬ويخلق الخلق‪ ،‬خلق نور محمد ‪ P‬ثم‬
‫نور علي ‪ Q‬ثم نور فاطمة ‪ O‬ثم نور الح�سن‪ ،‬فنور‬
‫الح�سين ‪« ،L‬ثم فتق نور الح�سين ‪ ،Q‬فخلق منه‬
‫الج َّنة والحور العين من نور‬ ‫الج ّنة والحور العين‪ ،‬فنور َ‬
‫َ‬
‫الح�سين ‪ ،Q‬ونور الح�سين ‪ Q‬من نور اهلل» ‪.‬‬
‫(((‬

‫انجذاب الكون‬
‫عجيب هو �أمر هذا الم�صباح الذي جذب بنوره الكون‬
‫المدرك الم�س ِّبح‪ ,‬فتفاعل مع �شهادته في كربالء!‬
‫‪ -‬فال�سماء بكت على الح�سين �أربعين �صباح ًا بالدم(((‪.‬‬
‫‪ -‬وال�شم�س بكت عليه بالك�سوف والحمرة(((‪.‬‬
‫‪ -‬والقمر بكى عليه بالخ�سوف(((‪.‬‬
‫‪ -‬والأر�ض بكت عليه �أحجارها التي لم يرفع حجر منها‪,‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،25‬ص‪.16‬‬
‫((( البروجردي‪ ،‬ح�سين‪ ،‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪( ،‬ال‪ ،‬ن)‪( ،‬ال‪ ،‬ت) ج‪� ،12‬ص‪.552‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪16‬‬

‫في العا�شر من مح ّرم‪� ,‬إال ُو ِجد تحته دم عبيط(((‪.‬‬


‫بل ورد عن الإمام ال�صادق ‪« :Q‬لما م�ضى �أبو عبد‬
‫اهلل الح�سين بن علي ‪ L‬بكى عليه جميع ما خلق اهلل»(((‪.‬‬

‫انجذاب الحيوان‬
‫وكما الكون‪ ,‬انجذب الحيوان نحو الح�سين‪ Q‬طف ًال‬
‫و�شهيد ًا'؛ ففي الرواية عن المقداد بن الأ�سود قال «�إ ّن النبي‬
‫‪ P‬خرج في طلب الح�سن والح�سين ‪ ،L‬وقد خرجا من‬
‫أح�ست و َْط��أَ‬
‫البيت‪ ،‬و�أن��ا معه‪ ،‬فر�أيت �أفعى على الأر���ض‪ ،‬فما � َّ‬
‫النبي ‪ P‬قامت فنظرت‪ ...‬فهالني ذلك‪ .‬فل ّما ر�أت ر�سول اهلل‬
‫إلي ر�سول اهلل ‪ ،P‬فقال‪� :‬أال‬ ‫‪� P‬صارت ك�أ ّنها خيط‪ ،‬فالتفت � ّ‬
‫تدري ما تقول الأفعى يا �أخا كندة؟ قلت‪ :‬اهلل ور�سوله �أعلم‪.‬‬
‫قال ‪« :P‬تقول الأفعى‪ :‬الحمد هلل الذي لم يمتني‬
‫حتى جعلني حار�ساً البني ر�سول اهلل ‪.(((»...P‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,75‬ص ‪.211‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،43‬ص‪.272‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪17‬‬

‫وبعد �شهادة الإم ��ام الح�سين‪ Q‬انجذب �إليه ذلك‬


‫الطائر الأبي�ض‪ ،‬فنزل على ج�سده المبارك يم ِّرغ جناحيه‬
‫بدمه المبارك(((‪.‬‬
‫وم َّرت ال�سنون ع�شرات وع�شرات‪ ,‬فجاء المتو ِّكل اللعين‬
‫مغتاظ ًا من ز َّوار الح�سين‪ ،Q‬ف ��أراد �أن يحرث مرقده‬
‫المبارك‪ ،‬ف�أطلق الثيران نحو قبره ال�شريف‪ ،‬ف�إذا بالثيران‬
‫تنجذب نحو الح�سين‪ ،Q‬وتقف �آبية �أن تحرث تراب‬
‫القبر الطاهر‪.‬‬
‫فعن عمر بن فرج‪ ،‬قال‪� :‬أنفذني المتوكل في تخريب قبر‬
‫الح�سين‪ ،Q‬ف�صرتُ �إلى الناحية‪ ،‬ف�أمرتُ بالبقر‪ ،‬ف ُم َّر‬
‫بها على القبور‪ ،‬فم ّرت عليها ك ّلها‪ ،‬فلما بلغت قبر الح�سين‬
‫‪ Q‬لم تم ّر عليه‪ .‬قال عمر بن ف��رج‪ :‬ف�أخذتُ الع�صا‬
‫بيدي‪ ،‬فما زلت �أ�ضربها حتى تك�سرت الع�صا في يدي‪،‬‬
‫فواهلل ما جا َز ْت على قبره وال َّ‬
‫تخطته(((‪.‬‬

‫((( �أنظر‪ :‬الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،45‬ص‪.191‬‬


‫((( الطو�سي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ،‬الأمالي‪ ،‬تحقيق م�ؤ�س�سة البعثة‪ ,‬ط‪ ,1‬قم‪ ,‬دار‬
‫الثقافة‪1414 ,‬هـ‪� ,‬ص‪.325‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪18‬‬

‫انجذاب المالئكة‬
‫الح�سين‪Q‬‬ ‫وكذلك انجذبت المالئكة نحو الإم��ام‬
‫حينما �أخبرها اهلل تعالى عن خلق الإن�سان‪ ،‬فكان ت�سا�ؤلها‪:‬‬
‫َ ََُۡ َ َ ُۡ ُ َ َ َۡ ُ ّ ٓ‬
‫ٱدل َِما َء﴾((( وهي ناظرة‬ ‫﴿أتعل فِيها من يفسِد فِيها ويسفِك‬
‫‪ -‬في ما ا�ست�شرفته في الم�ستقبل‪� -‬إلى دم الإمام الح�سين‬
‫‪ Q‬الذي �سي�سفك في كربالء‪.‬‬
‫وب�ع��د ��ش�ه��ادة الإم� ��ام ‪ Q‬ح� َّدث�ن��ا ح�ف�ي��ده الإم ��ام‬
‫ال�صادق ‪ Q‬قائ ًال‪�« :‬إن المالئكة بكت �أربعين �صباحاً‬
‫�إلى الح�سين‪.(((»Q‬‬
‫ول��م ينقطع ان�ج��ذاب المالئكة على الإم ��ام الح�سين‬
‫‪ :Q‬فعن الإمام ال�صادق ‪« :Q‬و َّك � َل اهلل ع ّز وجل‬
‫بقبر الح�سين ‪� Q‬أربعة �آالف ملك �شعث‪ ....‬يبكونه‬
‫�إل��ى ي��وم القيامة‪ ،‬فمن زاره ع��ارف�اً بح ّقه �ش ّيعوه حتى‬
‫يبلغوه م�أمنه‪ ،‬و� ْإن مر�ض عادوه غدوة وع�ش ّية‪ ،‬و� ْإن مات‬

‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية‪.30 :‬‬


‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,12‬ص ‪.552‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪19‬‬

‫(((‬
‫�شهدوا جنازته‪ ،‬وا�ستغفروا له �إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫انجذاب الحور العين‬


‫�إذا كان هذا هو حال المالئكة‪ ,‬فما حال الحور العين‪،‬‬
‫في جنان اهلل‪ ،‬التي م َّر �أن اهلل تعالى خلقها من نور الح�سين‬
‫‪Q‬؟ لذا ورد �أ ّنها‪ ،‬ل َّما علمت ب�شهادة الح�سين‪Q‬‬

‫في الأر�ض‪ ،‬ف�إذا بها تلطم نف�سها منجذبة للح�سين‪.Q‬‬

‫انجذاب الماء‬
‫العبا�سي �أمر بج ّر الماء من نهر العلقمي‬
‫ّ‬ ‫ورد �أنَّ المتو ّكل‬
‫�إلى قبر الإمام الح�سين ‪ ،Q‬حتى ال يبقى له �أثر‪ ،‬لكنّ‬
‫الذي ح�صل بمر�أى النا�س‪ ،‬هو �أنّ الماء ك ّلما ُ�ص ِّوب نحو‬
‫المرقد الطاهر غا َر وحا َر وا�ستدار‪ ،‬ولم ت�صل منه قطرة‬
‫واحدة �إلى قبر الح�سين ‪.(((Q‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬تحقيق م�ؤ�س�سة �آل البيت‪R‬‬
‫لإحياء التراث‪ ,‬ط‪ ,2‬قم‪ ,‬م�ؤ�س�سة �آل البيت‪ R‬لإحياء التراث‪1414 ,‬هـ‪ ,‬ج‪،14‬‬
‫�ص‪.409‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،45‬ص‪.404‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪20‬‬

‫انجذاب الأنبياء‪P‬‬
‫النبي �آدم ‪Q‬‬
‫ّ‬
‫أهم المنجذبين نحو الح�سين ‪ Q‬هو الإن�سان منذ‬ ‫�إنَّ � َّ‬
‫�أن ُوجد على الأر�ض‪ ,‬فها هو �أبو الب�شرية �آدم‪ Q‬حينما‬
‫تل َّقى من ر ّبه كلمات فتاب عليه‪ ،‬ل َّقنه جبرئيل‪ :‬يا حميد‪ّ ،‬‬
‫بحق‬
‫بحق فاطمة‬‫علي ‪ ,Q‬يا فاطر ّ‬ ‫مح ّمد‪ ,P‬يا عالي‪ّ ،‬‬
‫بحق ّ‬
‫‪ ,O‬ي��ا ح�سن ب�ح� ّ�ق الح�سن والح�سين ‪ ,L‬ومنك‬
‫الإح�سان‪ ,‬فلما ذكر الح�سين ‪� Q‬سالت دموعه‪ ,‬وانخ�شع‬
‫قلبه قال‪ :‬يا جبرئيل‪ ,‬في ذكر الخام�س ينك�سر قلبي‪ ,‬وت�سيل‬
‫عبرتي‪ ,‬ق��ال جبرئيل‪ :‬ول��دك ه��ذا ي�صاب بم�صيبة ت�صغر‬
‫عندها الم�صائب(((‪.‬‬
‫النبي نوح ‪Q‬‬ ‫ّ‬
‫النبي نوح ‪ Q‬و�أراد تثبيت �سفينة الطوفان‪,‬‬ ‫وجاء ّ‬
‫فوجد م�سامير نوران َّية‪ ،‬فانجذب �إليها‪ ,‬لكنَّ واح��د ًا من‬
‫تلك الم�سامير �ش ّد ان�ج��ذاب��ه‪ ,‬وه��و خام�سها ال��ذي كان‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،44‬ص‪.245‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪21‬‬

‫رطب ًا رطوبة تع ِّبر عن بكائه على الإم��ام الح�سين‪.Q‬‬


‫النبي ‪ ...« :P‬ثم �ضرب بيده �إل��ى م�سمار خام�س‬ ‫فعن ّ‬
‫فزهر‪ ،‬و�أنار‪ ،‬و�أظهر النداوة‪ ،‬فقال جبرئيل‪ :‬هذا م�سمار‬
‫الح�سين ‪ ،Q‬ف�أ�سمره �إل��ى جانب م�سمار �أبيه‪ ،‬فقال‬
‫ن��وح ‪ :Q‬ي��ا جبرئيل‪ ،‬م��ا ه��ذه ال �ن ��داوة؟ ف��ذك��ر (�أي‬
‫جبرئيل) ق�صة الح�سين ‪ Q‬وما تعمل الأ ّمة به»(((‪.‬‬
‫النبي �إبراهيم ‪Q‬‬ ‫ّ‬
‫النبي �إبراهيم ‪ Q‬ليدخل االبتالء العظيم‬ ‫وج��اء ّ‬
‫بقتل ولده الحبيب‪ ,‬ونجح في ذلك‪ ,‬ولم تذرف له دمعة‪.‬‬
‫لكن حينما علم �أنَّ الفداء القادم هو الذبح العظيم حفيده‬
‫توجع قلبه‪ ,‬و�أذرف دموعه على‬ ‫الح�سين بن علي ‪َّ L‬‬
‫الح�سين‪ .((( Q‬فعن الإمام ال�صادق ‪« :Q‬لما �أمر‬
‫اهلل ع َّز وج َّل �إبراهيم ‪� Q‬أن يذبح مكان ابنه ا�سماعيل‬
‫‪ Q‬الكب�ش ال��ذي �أن��زل��ه عليه‪� ...‬أوح��ى اهلل ع� َّز وج َّل‬

‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،11‬ص‪.328‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� 44‬ص ‪.226‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪22‬‬

‫رب‪ ،‬ما‬
‫أحب خلقي �إليك؟ فقال‪ :‬يا ّ‬ ‫�إليه‪ :‬يا �إبراهيم‪ ،‬من � ُّ‬
‫إلي من حبيبك محمد‪ ،P‬ف�أوحى‬ ‫خلقتَ خلقاً هو � ُّ‬
‫أحب � َّ‬
‫أحب‬
‫اهلل �إليه‪� :‬أفهو �أح� ّ�ب �إليك �أم نف�سك؟ قال‪ :‬بل هو � ّ‬
‫�إل� ّ�ي من نف�سي‪ ،‬قال‪ :‬فولده �أح� ّ�ب �إليك �أم ول��دك؟ قال‪:‬‬
‫بل ول��ده‪ ،‬قال‪ :‬ذبح ولده ظلماً على �أي��دي �أعدائه �أوجع‬
‫رب‪ ،‬بل‬
‫لقلبك‪� ،‬أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال‪ :‬يا ّ‬
‫ذبحه على �أي��دي �أعدائه �أوج��ع لقلبي‪ .‬قال‪ :‬يا �إبراهيم‪،‬‬
‫ف�إ َّن طائفة تزعم �أ َّنها من �أُ َّمة محمد‪�P‬ستقتل الح�سين‬
‫‪ Q‬ابنه من بعده ظلماً وع��دوان�اً كما يذبح الكب�ش‪،‬‬
‫وي�ستوجبون بذلك �سخطي‪ .‬فجزع �إبراهيم‪ Q‬لذلك‬
‫وتوجع قلبه‪ ،‬و�أقبل يبكي»(((‪.‬‬
‫النبي مو�سى‪Q‬‬ ‫ّ‬
‫النبي مو�سى‪ Q‬ليجذبه الح�سين‪ Q‬نحو‬ ‫وجاء ّ‬
‫كربالء‪ ,‬ليخبره اهلل تعالى فيها‪� :‬أنْ ها هنا ُيقتل الح�سين‪،‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪� ،‬ص‪.226-225‬‬


‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪23‬‬

‫وهنا ُي�سفك دمه(((‪ .‬فقد ورد �أنَّ النبي مو�سى ‪ Q‬كان‬


‫ذات يوم �سائر ًا ومعه يو�شع بن نون‪« ،‬فل َّما جاء �إلى �أر�ض‬
‫كربالء انخرق نعله‪ ،‬وانقطع �شراكه‪ ،‬ودخل الح�سك في‬
‫رجليه‪ ،‬و�سال دم��ه‪ ،‬فقال‪� :‬إل�ه��ي‪� ،‬أيُّ �شيء ح��دث م ّني؟‬
‫ف�أوحى �إليه‪ْ � :‬أن هنا ُيقتل الح�سين ‪ ،Q‬وهنا ُي�سفك‬
‫دمه‪ ،‬ف�سال د ُمك موافقة لدمه»(((‪.‬‬
‫النبي عي�سى‪Q‬‬ ‫ّ‬
‫وف��ي �سياحة ال�ن�ب� ّ�ي عي�سى‪ Q‬ك��ان��ت جذبته مع‬
‫حوارييه نحو الح�سين ‪ Q‬فقد ورد �أنَّ عي�سى‪Q‬‬

‫كان �سائح ًا في البراري‪ ،‬ومعه الحوار ّيون‪ ،‬فم ُّروا بكربالء‪،‬‬


‫وفيها �أُخبروا ب�شهادة الإمام الح�سين ‪.(((»Q‬‬
‫النبي محمد‪P‬‬ ‫ّ‬
‫وجاء خاتم الأنبياء مح ّمد‪P‬ليجذبه الح�سين‪Q‬‬

‫طف ًال ي�ضعه و�أخ��اه الح�سن‪ Q‬على ظهره يحبو بهما‬

‫((( انظر‪ :‬الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.244‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪24‬‬

‫حبو الجمل قائ ًال‪« :‬نعم الجمل جملكما‪ ،‬ونعم العدالن‬


‫�أنتما»(((‪ .‬وانجذب النبي‪P‬للح�سين‪ Q‬حينما كان‬
‫يخطب على المنبر‪ ,‬فخرج الح�سين‪ Q‬الطفل �إلى‬
‫بالنبي‪P‬‬
‫ّ‬ ‫الم�سجد‪ ,‬وبينما هو يم�شي تع َّثر و�سقط‪ ,‬ف�إذا‬
‫يترك خطبته وينزل عن منبره‪ ,‬وي�أخذ الح�سين‪Q‬‬

‫وي�ض ُّمه �إلى �صدره(((‪.‬‬


‫النبي‪P‬نحو الح�سين‪Q‬‬ ‫ولع َّل �أعلى انجذاب من ّ‬
‫ال�صحابي الجليل عبد اهلل بن‬
‫ّ‬ ‫هو ما ورد في ق�ص ٍة رواها‬
‫عبا�س (ر�ض) حينما دخل عليه فوجده وا�ضعا ً الح�سين‬
‫‪ Q‬الطفل على ف�خ��ذه اليمنى واب�ن��ه �إب��راه�ي��م على‬
‫فخذه الي�سرى‪ ،‬وهو تارة يق ّبل هذا‪ ،‬وتارة يق ِّبل هذا‪� ،‬إذ‬
‫رب العالمين‪ ،‬فلما �سرى عنه قال‬ ‫هبط جبرئيل بوحي من ّ‬
‫النبي ‪P‬البن عبا�س‪�« :‬أت��ان��ي جبرئيل م��ن ر ّب ��ي‪ ,‬فقال‬ ‫ّ‬
‫لي‪ :‬يا مح ّمد‪ّ � ،‬إن ر ّبك يقر�ؤك ال�سالم‪ ,‬ويقول لك‪ :‬ل�ستُ‬

‫((( الم�صدر ال�سابق ج‪� ,43‬ص‪.285‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,43‬ص ‪.296‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪25‬‬

‫النبي ‪P‬‬
‫�أحدهما ب�صاحبه»‪ .‬فنظر ّ‬ ‫�أجمعهما لك‪ ،‬فافدِ‬
‫�إلى �إبراهيم فبكى ثم قال‪« :‬يا جبرئيل! ُيقب�ض �إبراهيم‪،‬‬
‫فديتُ الح�سين‪ Q‬ب�إبراهيم»(((‪.‬‬

‫انجذاب �أهل الإيمان‬


‫وكما انجذب الأنبياء‪P‬في ت�أريخهم �إل��ى الح�سين‬
‫‪ Q‬انجذب �إليه الم�ؤمنون بعد �شهادته‪ ,‬ف�إذا هم ي�ش ُّدون‬
‫ال ّرحال لزيارة مرقده ال�شريف‪ ,‬حتى ولو �أ َّدى ذلك �إلى �أعلى‬
‫تح ُّمل للم�ش َّقات‪ ،‬و�أ�ش ّد �ألوان العقوبات‪ .‬ففي تاريخ زيارة‬
‫الم�ؤمنين لإمامهم الح�سين‪� Q‬أمر المتو ِّكل بقتل كل من‬
‫يزور مرقد الإمام الح�سين‪ ،Q‬ومع ذلك ا�ستم َّرت زيارة‬
‫الح�سين‪.(((Q‬‬
‫�إنَّ ه��ذا ي��ؤ ِّك��د حقيقة مغرو�سة في قلوب الم�ؤمنين‬
‫تجذبهم نحو الإمام الح�سين‪ Q‬ت�شابه تلك الفطرة‬
‫الجاذبة نحو اهلل تعالى‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ,43‬ص‪.261‬‬
‫((( �أنظر‪ :‬المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،45‬ص‪.403‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪26‬‬

‫النبي الأكرم‪P‬بقوله‬‫ن�ص عليه ج ّد الح�سين ُّ‬ ‫وهذا ما ّ‬


‫‪-‬الوارد عنه‪ّ �« :-‬إن للح�سين في بواطن الم�ؤمنين معرفة‬
‫مكتومة»(((‪.‬‬
‫�إنها المعرفة المغرو�سة في �أفئدة المح ِّبين للح�سين‬
‫‪ Q‬غر�س ًا ل َّبى دعاء الخليل �إبراهيم‪ Q‬حينما و�ضع‬
‫ول��ده �إ�سماعيل ‪ Q‬ج� َّد الح�سين‪ ,Q‬فقال ‪-‬وهو‬
‫يتطلع وي�ست�شرف م�ستقبل �أه��ل الع�صمة من �أح�ف��اده‪:-‬‬
‫َ‬ ‫َ ۡ َ‬
‫ٱج َع ۡل أ ۡ ‍ٔف َِد ٗة ّم َِن ٱنلَّ ِاس َت ۡهوِ ٓي إِ ۡل ِه ۡم﴾(((‪.‬‬ ‫﴿ف‬
‫�إنها المعرفة المو ِّلدة لتلك الحرارة التي تحدث عنها‬
‫الإمام ال�صادق‪ Q‬بقوله‪�« :‬إن لقتل الح�سين حرارة في‬
‫قلوب الم�ؤمنين لن تبرد �أبداً»(((‪.‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،43‬ص‪.272‬‬


‫((( �سورة �إبراهيم الآية ‪.37‬‬
‫((( النوري‪ ,‬ح�سين‪ ,‬م�ستدرك الو�سائل‪ ,‬تحقيق م�ؤ�س�سة �آل البيت ‪ R‬لإحياء‬
‫التراث‪ ,‬ط‪ ،2‬بيروت‪1408 ،‬هـ‪ ,‬ج‪� ,10‬ص ‪.318‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪27‬‬

‫�سر المعرفة‬
‫ُّ‬
‫�إذا كانت المعرفة الباطنة بالإمام الح�سين ‪ Q‬هي‬
‫�س َّر الجذبة �إليه‪ ،‬فما هو �س ُّر هذه المعرفة؟ وبالتالي ال�س ُّر‬
‫الحقيقي لهذا االنجذاب؟‬
‫في مقام الجواب ُّ‬
‫نطل على �س َّرين‪:‬‬
‫ال�سر الأول‬‫ّ‬
‫معرفة الإمام الح�سين ‪ Q‬باهلل تعالى التي لم تكن‬
‫مثل معرفة ذلك الأعرابي الذي �سئل عن دليله على وجود‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬فقال‪« :‬البعرة تدل على البعير‪ ،‬و�أثر الأقدام‬
‫يدل على الم�سير‪� ،‬أف�سماء ذات �أبراج‪ ،‬و�أر�ض ذات فجاج‪ ،‬ال‬
‫تدالن على اللطيف الخبير»(((‪.‬‬
‫ولم تكن مثل معرفة تلك المر�أة التي كان تغزل ف�سئلت‬
‫عن دليلها على معرفة ر ِّبها‪ ،‬ف�أجابت‪« :‬ه��ذا المغزل‪ْ � ،‬إن‬
‫ح� َّرك�ت��ه ت �ح � َّرك‪ ،‬و�إن ل��م �أح � ِّرك��ه ت��و َّق��ف‪ ،‬فكيف تتح َّرك‬
‫الكواكب في ال�سماء دون مح ِّرك؟!!»‪.‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،66‬ص ‪.134‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪28‬‬

‫ي�ستدل على وجود‬‫ّ‬ ‫لقد رف�ض الإمام الح�سين ‪� Q‬أن‬


‫اهلل تعالى على قاعدة داللة الأث��ر على الم�ؤ ِّثر‪ ،‬والحركة‬
‫كل �شيء‪،‬‬ ‫على المح ِّرك؛ لأنه كان يرى اهلل تعالى �أظهر من ِّ‬
‫فهو يد ُّل على غيره‪ ،‬ولي�س غي ُره يد ُّل عليه‪.‬‬
‫هذا المعنى هو الذي �أظهره الإمام الح�سين ‪ Q‬في‬
‫�ستدل عليك بما هو‬ ‫دعائه في عرفة حينما قال‪« :‬كيف ُي ّ‬
‫في وجوده مفتقر �إليك؟! �أيكون لغيرك من الظهور ما‬
‫لي�س ل��ك‪ ،‬حتى يكون هو المظهر ل��ك؟ متى غبتَ حتى‬
‫�دت حتى تكون‬ ‫�دل عليك؟ وم�ت��ى ب�ع� َ‬ ‫تحتاج �إل ��ى دل�ي��ل ي � ّ‬
‫الآثار هي التي تو�صل �إليك؟ عَمِ َيتْ عين ال تراك‪.(((»...‬‬
‫بهذه المعرفة انجذب الح�سين ‪� Q‬إلى اهلل فجذب‬
‫�إليه الكون والإن�سان‪.‬‬
‫ال�سر الثاني‬‫ُّ‬
‫يتع َّلق بدور نه�ضة كربالء والمرتبط بغاية الخلق‪ .‬ف�إنَّ‬
‫يلخ�ص بكلمة‬ ‫�س َّر خلق اهلل تعالى لعالم االمكان يمكن �أن َّ‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،64‬ص‪.142‬‬


‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪29‬‬

‫غني عن‬ ‫واح��دة هي «الكمال»‪ ،‬فاهلل تعالى كمال مطلق ٌّ‬


‫الخالئق‪� ،‬أراد من الخلق �أن ي�سير ك ٌّل نحو كماله‪ ،‬الم�س َّي ُر‬
‫بالقهر‪ ،‬وغي ُره باالختيار‪.‬‬
‫و�أراد من الإن�سان الح ّر في م�ساره �أن يح ِّقق الكمال في‬
‫دائرتين‪ ،‬الأول��ى‪ :‬دائ��رة نف�سه‪ ،‬من خالل تزكيتها وتنميتها‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬دائرة المجتمع‪ ،‬من خالل الم�ساهمة في بلوغ القافلة‬
‫الب�شر َّية كمالها المن�شود‪.‬‬
‫فكما للفرد كماله‪ ،‬فـ�إنّ لقافلة الإن�سانية كمالها‪ .‬ولعل‬
‫التب�صر ب�أحوال ر�سل اهلل تعالى‪ ،‬ال �س َّيما �أولي العزم يلقي‬ ‫ُّ‬
‫المخطط‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫المحطات الرئي�س َّية المتد ّرجة في‬ ‫ال�ضوء على‬
‫االلهي لتلك القافلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫فقد ُيالحظ الم َت َت ِّبع في ق�ص�ص �أولي العزم �أنَّ الر�سول‬
‫الأ َّول منهم وهو نوح ‪ Q‬كانت مه ّمته الرئي�س ّية �إيجاد‬
‫مجتمع ي�ؤمن باهلل تعالى‪ ،‬ونجح في ذلك في مجتمع ال�سفينة‪.‬‬
‫�أ َّما الر�سول الثاني من �أولي العزم‪ ،‬وهو �إبراهيم ‪،Q‬‬
‫يوحد اهلل تعالى‪ ،‬وقد‬ ‫فكانت مه َّمته الرئي�سية �إيجاد مجتمع ِّ‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪30‬‬

‫نجح في ذلك‪.‬وتج َّلى هذا المجتمع بعده في بني �إ�سرائيل‪.‬‬


‫�أ ّما الر�سول الثالث من �أولي العزم‪ ،‬وهو مو�سى ‪Q‬‬

‫فكانت مه ّمته الرئي�س َّية �إيجاد مجتمع ال�شريعة‪ ،‬لذا كان‬


‫�صاحب التوراة والألواح‪ ،‬وقد ا�ستطاع �إيجاد مجتمع مت�ش ِّرع‪.‬‬
‫ولع َّله كان يفتر�ض في الر�سول الرابع من �أولي العزم‪،‬‬
‫وه��و عي�سى ‪� Q‬أن تكون مه َّمته الرئي�سية ‪ -‬بح�سب‬
‫طبيعة حركة التكامل الإجتماعي الإن�ساني ـ هي ايجاد‬
‫مجتمع الحكومة الإلهية في الأر���ض‪� .‬إال �أنّ اليهود �ش َّكلوا‬
‫عقبة في وجه م�شروعه‪ ،‬ور َّبما يكمن في ذلك �س ّر عدم‬
‫موته الطبيعي كغيره من الأنبياء‪ ،R‬وب��د ًال من ذلك‬
‫محطة الحكومة‬ ‫رفعه اهلل تعالى �إليه‪ ،‬لتكون عودته في َّ‬
‫الإله ّية ك�شريك م� ٍّؤتم ب�صاحبها المح َّمدي‪.‬‬
‫المحطة الأخيرة التي تتكامل‬ ‫َّ‬ ‫بنا ًء على ما �سبق‪ ،‬كانت‬
‫بها الإن�سانية ـ وهي الحكومة الإلهية ـ المه َّمة الرئي�سية‬
‫للر�سول الخام�س م��ن �أول ��ي ال�ع��زم‪ ،‬وه��و خاتم الأنبياء‬
‫محمد ‪ ،P‬الذي ب َّين القر�آن الكريم مه ّمته بما يع ِّبر عن‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪31‬‬

‫ى‬ ‫ِي أَ ۡر َس َل َر ُس َ ُ‬
‫ولۥ بِٱل ۡ ُه َد ٰ‬ ‫﴿ه َو َّٱل ٓ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫المحطة بقوله تعالى‪:‬‬ ‫تلك‬
‫َۡ ّ ُ ۡ َ ُ َ َ ّ ُ ّ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫شك‬ ‫ِين كِهِۦ ولو ك ِره ٱلم ِ‬ ‫ِين ٱل ِق ِلظ ِهرهۥ ع ٱدل ِ‬
‫ود ِ‬
‫وقد �أعلن الر�سول الأكرم محمد ‪P‬حتم َّية تلك الحكومة‬
‫الإلهية التي �ستكون مح َّمدية ير�أ�سها حفيده الحادي ع�شر‬
‫من ولد ابنته فاطمة ‪ ،O‬فقال فيه‪« :‬ل��و لم يب َق من‬
‫الدنيا �إال يوم واحد‪ ،‬لط َّول اهلل ذلك اليوم‪ ،‬حتى يخرج‪،‬‬
‫فيملأها عد ًال وق�سطاً‪ ،‬كما ُملئت جوراً وظلماً»(((‪.‬‬
‫وبهذه الحكومة التي تعتمد الإ�سالم دين ًا ومنهج ًا‪� ،‬سوف‬
‫ت�صل قافلة الوجود �إلى كمالها المن�شود‪.‬‬
‫وفي �سنة ‪ 60‬للهجرة‪ ،‬حينما ا�ستولى يزيد على �س َّدة‬
‫الحكم‪� ،‬أدرك الإمام الح�سين ‪ Q‬الخطر الداهم على‬
‫إلهي الذي لو لم يتح َّرك في نه�ضته‪ ،‬ف�إنّ قافلة‬
‫الم�شروع ال ّ‬
‫الإن�سانية �سوف تنحرف عن �سيرها الذي �أراد اهلل تعالى‬
‫يتم باختيار الإن�سان‪.‬‬
‫�أن َّ‬
‫((( �سورة التوبة‪ ،‬الآية‪.33 :‬‬
‫((( ال�صدوق‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬من ال يح�ضره الفقيه‪ ،‬ط‪ ،2‬قم‪ ،‬جماعة المدر�سين‪،‬‬
‫‪1404‬هـ‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪.177‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪32‬‬

‫وقد ع َّبر الإمام ‪ Q‬عن هذا الخطر بغير كلمة له‪،‬‬


‫فقال‪« :‬وعلى الإ�سالم ال�سالم؛ �إذ بليت الأم��ة ب��راع مثل‬
‫يزيد»(((‪.‬‬
‫ال�س َّنة قد �أُميتت‪ ،‬و�إ َّن البدعة قد �أحييت»(((‪.‬‬
‫«�إ َّن ُ‬
‫وقد َع ِلم الإمام ‪� Q‬أنَّ �أحد ًا ال يتح َّرك لدفع ذلك‬
‫ال�ضرر البالغ على الإن�سانية‪ ،‬فقال ‪�« :Q‬أال ترون �إلى‬
‫الحق ال ُي ْع َم ُل به و�إلى الباطل ال ُي َ‬
‫تناهى عنه؟!»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫لقد علم الإم ��ام الح�سين ‪� Q‬أن ت�صويب قافلة‬
‫الإن�سانية نحو كمالها المرتبط بهدف الخلق متو ِّقف على‬
‫تقديم دمه المق َّد�س‪ ،‬بل �إنّ هذا الدم �سيدفع تلك القافلة‬
‫نحو كمالها بدون �أن ت�ستطيع �أ ّية عقبة �أن تقف �أمامها‪.‬‬
‫محطة �أ�سا�سية لوالها ل�ضاعت‬‫من هنا كانت عا�شوراء َّ‬
‫الأه��داف الأ�سمى لنوح ‪ Q‬و�إبراهيم ‪ Q‬ومو�سى‬

‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،44‬ص‪.326‬‬


‫((( الطبري‪ ،‬محمد بن جرير‪ ،‬تاريخ الطبري‪( ،‬ال‪ ،‬ط)‪ ،‬بيروت م�ؤ�س�سة الأعلمي‪،‬‬
‫(ال‪،‬ت)‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪.266‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،44‬ص‪.381‬‬
‫ج‬
‫بذلا ُّرس‬
‫‪33‬‬

‫‪ Q‬وعي�سى ‪ Q‬ومحمد ‪ ،P‬الذين ُخ� ِل��قَ الكون‬


‫عباد كاملين َيتكامل بهم الوجود‪.‬‬ ‫لأجلهم بما يم ِّثلون من ٍ‬
‫ل��ذا بكى الأن�ب�ي��اء ‪ R‬الح�سين ‪ ،Q‬وبكى الكون‬
‫الح�سين ‪ .Q‬ولذا حينما علم الإمام الح�سين ‪Q‬‬

‫�ودي ف��ي �آخ��ر لحظاته في‬ ‫�أ ّن ��ه حقق ذل��ك الإن �ج��از ال��وج� ّ‬
‫الدنيا‪� ،‬أخذ يناجي اهلل تعالى‪ ،‬متغ ِّني ًا بكماالته‪ ،‬مع ِّبر ًا عن‬
‫�شكره هلل تعالى �أن و َّفقه لل�شهادة التي بها ا�ستمرت قافلة‬
‫الإن�سانية في م�سارها نحو التكامل‪ ،‬فقال في �آخر كلماته‪:‬‬
‫«الله ّم متعالي المكان‪ ،‬عظيم الجبروت‪� ,‬شديد المحال‪،‬‬
‫غني عن الخالئق‪ ,‬عري�ض الكبرياء‪ ,‬قادر على ما ت�شاء‪,‬‬ ‫ٌّ‬
‫قريب الرحمة‪� ,‬صادق الوعد‪� ,‬سابق النعمة‪ ,‬ح�سن البالء‪,‬‬
‫قريب �إذا دُعيت‪ ,‬محيط بما خلقت‪ ,‬قابل التوبة لمن تاب‬
‫و�شكور �إذا‬‫�إليك‪ ,‬ق��ادر على ما �أردت‪ ,‬وم��درك ما طلبت‪َ ,‬‬
‫ُ�شكِرت‪ ,‬و َذك��ور �إذا ُذ ِك��رت‪� ,‬أدع��وك محتاجاً‪ ,‬و�أرغ��ب �إليك‬
‫فقيراً‪ ,‬و�أفزع �إليك مكروباً‪ ,‬و�أ�ستعين بك �ضعيفاً‪ ,‬و�أتو ّكل‬
‫عليك ك��اف�ي�اً‪ ،‬اح�ك��م بيننا وب�ي��ن قومنا ب��ال�ح� ّ�ق؛ ف�إ ّنهم‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪34‬‬

‫غ ّرونا وخدعونا وغ��دروا بنا وقتلونا‪ ،‬ونحن عترة نب ِّيك‬


‫وول ��د نبيك محمد ب��ن ع�ب��د اهلل ‪P‬الذي ا�صطفيته‬
‫بالر�سالة‪ ,‬وائتمنت ُه على وحيك‪ ,‬فاجعل لنا من �أمرنا‬
‫فرجاً ومخرجاًَ‪ ،‬برحمتك يا �أرحم الراحمين(((‪.‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،98‬ص‪.349-348‬‬


‫‪2‬‬

‫شعائر عاشوراء‬
‫�شعائر عا�شوراء‬
‫َۡ َ ُۡ ُ‬ ‫﴿ذٰل َِك َو َمن ُي َع ّ ِظ ۡم َش َ ٰٓ َ َّ َ َّ َ‬
‫َ‬
‫(((‬
‫وب﴾‬
‫عئِر ٱللِ فإِنها مِن تقوى ٱلقل ِ‬ ‫ۖ‬
‫�إنَّ عمل الإن�سان له �شك ٌل ظاهر‪ ,‬وحقيقة م�ضمرة‪ ,‬ف� ّأي‬
‫م�صب الكمال الإن�ساني في توجيه الإ�سالم ؟‬
‫ُّ‬ ‫منهما هو‬

‫الإ�سالم واالهتمام بالباطن‬


‫م ّما ال ّ‬
‫�شك فيه �أنَّ الإ�سالم �ش َّدد على الباطن والن َّية‪,‬‬
‫النبي‪�P‬أ ّنه قال‪�« :‬إ َّنما الأعمال بالن ّيات‪،‬‬
‫فقد ا�شتهر عن ّ‬
‫و�إ َّن �م��ا ل�ك� ِّل ام ��رئ م��ا ن ��وى‪ ،‬فمن ك��ان��ت هجرته �إل ��ى اهلل‬
‫ور�سوله‪ ,‬فهجرته �إل��ى اهلل ور�سوله‪ ،‬ومن كانت هجرته‬
‫�إل��ى �أم��ر دنيا ي�صيبها �أو ام��ر�أة ينكحها فهجرته �إل��ى ما‬
‫ه��اج��ر �إل� �ي ��ه»(((‪ .‬وع��ن الإم ��ام ال�صادق‪« :Q‬اج�ع�ل��وا‬

‫((( �سورة الحج‪ ,‬الآية ‪.32‬‬


‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,67‬ص ‪.249‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪38‬‬

‫�أمركم هذا هلل‪ ،‬وال تجعلوه للنا�س؛ ف�إ َّنه ما كان هلل فهو‬
‫هلل‪ ،‬وما كان للنا�س فال ي�صعد �إلى اهلل»(((‪.‬‬
‫من هنا كانت الدعوة القر�آن ّية المك ّررة �إلى التقوى التي‬
‫َۡ َ ُۡ ُ‬
‫وب﴾‪.‬‬ ‫مرجعها القلب والباطن ﴿تقوى ٱلقل ِ‬

‫الإ�سالم واالهتمام بالظاهر‬


‫� ّإل �أنّ الإ�سالم لم يهمل ال�شكل والظاهر‪ ,‬بل اعتبر‪ ،‬في‬
‫بع�ض الحاالت‪� ،‬أنّ هناك ترابط ًا بين الظاهر والباطن‪ .‬قال‬
‫َۡ َ ُۡ ُ‬ ‫﴿ذٰل َِك َو َمن ُي َع ّ ِظ ۡم َش َ ٰٓ َ َّ َ َّ َ‬
‫َ‬
‫(((‬
‫وب﴾‬‫عئِر ٱللِ فإِنها مِن تقوى ٱلقل ِ‬ ‫ۖ‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫فال�شعائر هي الأع�ل�ام الظاهرة المن�صوبة للطاعة‬
‫َّ َّ َ‬
‫ٱلصفا‬ ‫كال�صفا والمروة اللتين قال اهلل تعالى فيهما‪﴿ :‬إِن‬
‫َّ‬ ‫َ ٓ‬ ‫ۡ‬
‫ٱللِۖ﴾(((‪ ,‬وكالكعبة ال�شريفة التي ورد‬ ‫َوٱل َم ۡر َوةَ مِن ش َعائ ِ ِر‬
‫ا�ستحباب �أن نذكر اهلل تعالى عندها قائلين‪« :‬الحمد هلل‬
‫الذي عظ ّمك و�ش ّرفك»‪.‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.133‬‬
‫((( �سورة الحج‪ ,‬الآية ‪32‬‬
‫((( �سورة البقرة‪ ,‬الآية ‪.158‬‬
‫‪39‬‬ ‫ءاروشاع رئاعش‬

‫لذا نتبارك بالظاهر منها‪ ,‬نتبارك ب�أركانها‪ ,‬بالحجر‬


‫الأ�سود‪ ,‬وبالركن اليماني‪ ...‬لذا نك ّرمها ونك�سوها بك�ساء‬
‫الجمال والبهاء‪� .‬إنَّ ذلك هو تعظيم ل�شعائر اهلل تعالى‪.‬‬
‫وق��د ع� َّب��ر الإم ��ام الح�سين‪ Q‬ع��ن ح��رم��ة الكعبة‬
‫ال�شريفة حينما �أر�سل يزيد ‪-‬لعنه اهلل‪ -‬مجموعة اغتيال‬
‫من ‪� 30‬شخ�ص ًا ليغتالوا الإمام الح�سين‪ ،Q‬ولو كان‬
‫متم�سك ًا ب�ستار الكعبة‪ .‬فخرج الإمام ‪ Q‬من الم�سجد‬
‫إلي‬ ‫م� ِّسوغ ًا ذلك بقوله‪« :‬ل ْأن �أُقتل بمكان كذا وكذا � ّ‬
‫أحب � ّ‬
‫من �أن ُي�ستح ّل بي حرمة الكعبة»(((‪.‬‬

‫الح�سين‪ Q‬بين المذبحين‬


‫الحج مغ ِّير ًا وجهته من‬
‫خرج الإمام الح�سين‪ Q‬من ّ‬
‫تتم الت�ضحية بتمامها؛ �إذ ب ّدلها اهلل‬
‫مذبح «منى» حيث لم ّ‬
‫تعالى بكب�ش عظيم‪� ,‬إلى مذبح «كربالء» حيث كان الح�سين‬
‫‪ Q‬و�أهل بيته و�أ�صحابه هم الفداء العظيم‪.‬‬
‫((( ابن ع�ساكر‪ ،‬ترجمة الإمام الح�سين ‪ ،Q‬تحقيق محمد المحمودي‪ ،‬ط‪ ،2‬قم‪،‬‬
‫مجمع �إحياء الثقافة الإ�سالمية‪1414 ،‬هـ‪� ،‬ص‪.278‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪40‬‬

‫ب � َّدل الح�سين‪ Q‬اتجاهه من مذبح ف��داء الإن�سان‬


‫بكب�ش‪� ،‬إلى مذبح فداء الدين ب�أقد�س �إن�سان في ذلك الع�صر‪.‬‬
‫ب� َّدل الح�سين‪ Q‬اتجاهه من مذبح �سلوك الفرد‬
‫لأجل كمال الفرد‪� ,‬إلى مذبح �سلوك الفرد والجماعة لأجل‬
‫كمال الفرد والجماعة‪.‬‬

‫ال�شعائر العا�شورائية‬
‫ل ��ذا ك�م��ا ك��ان��ت ال ��دع ��وة �إل� ��ى تعظيم ��ش�ع��ائ��ر الحج‬
‫االبراهيمي‪ ،‬كانت الدعوة �إل��ى تعظيم �شعائر عا�شوراء‬ ‫ّ‬
‫الإم��ام الح�سين‪ Q‬التي تتح ّقق من خ�لال العناوين‬
‫الآتية‪:‬‬
‫‪-1‬البكاء‬
‫فليبك‬
‫ِ‬ ‫عن الإمام الر�ضا‪« :Q‬على مثل الح�سين‬
‫يحط الذنوب العِظام»(((‪.‬‬ ‫الباكون‪ ,‬ف�إ َّن البكاء عليه ُّ‬

‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.284‬‬


‫‪41‬‬ ‫ءاروشاع رئاعش‬

‫‪�-2‬إن�شاد ال�شعر‬
‫ورد �أنّ الإم��ام ال�صادق‪ Q‬ق��ال لجعفر بن ع ّفان‬
‫الطائي‪« :‬بلغني �أ َّن ��ك تقول ال�شعر ف��ي الح�سين ‪Q‬‬

‫وتجيد»‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ,‬ف�أن�شده‪ ,‬فبكى ومن حوله حتى �سالت‬


‫الدموع على وجهه ولحيته(((‪.‬‬
‫وورد عنه‪� Q‬أي�ض ًا‪« :‬ما من �أحد قال في الح�سين‬
‫‪� Q‬شعراً فبكى و�أبكى به �إال �أوجب اهلل له الج ّنة وغفر‬
‫له»(((‪.‬‬
‫‪-3‬زيارة الح�سين‪Q‬‬

‫عن الر�سول الأكرم‪...« :P‬وم��ن زاره يوم عا�شوراء‪،‬‬


‫(((‬
‫فك�أ ّنما زار اهلل»‬
‫وعن الإمام الر�ضا‪« :Q‬يا بن �شبيب‪ْ � ،‬إن �س َّرك �أن‬
‫تلقى اهلل وال ذنب عليك‪ ،‬فزر الح�سين‪.(((»Q‬‬
‫وعن الإمام ال�صادق‪« :Q‬لو �أ َّن �أحدكم ح َّج دهره‪,‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,14‬ص ‪.594‬‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.283‬‬
‫((( البروجردي‪ ،‬ح�سين‪ ،‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ،‬ج‪� ،12‬ص‪.421‬‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,98‬ص ‪.103‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪42‬‬

‫ثم لم يزر الح�سين بن علي ‪ L‬لكان تاركاً ح ّقاً من‬


‫حقوق ر�سول اهلل ‪.(((»P‬‬
‫‪-4‬لعن قاتليه‬
‫عن الإم��ام الر�ضا‪« :Q‬يا َ‬
‫بن �شبيب‪ْ � ،‬إن �س ّرك �أن‬
‫النبي ‪ ،P‬فالعن‬ ‫ت�سكن الغرف المبن ّية في الج ّنة مع ّ‬
‫قتلة الح�سين‪.(((»Q‬‬
‫‪-5‬ذكر عط�ش الح�سين‪ Q‬عند �شرب الماء‬
‫عن داوو ُد الر ّقي قال‪ :‬كنت عند �أبي عبد اهلل ‪Q‬‬

‫[�أي الإمام ال�صادق‪� ]Q‬إذ ا�ست�سقى الماء‪ ،‬فل ّما �شربه‬


‫ر�أيته قد ا�ستعبر واغرورقت عيناه بدموعه‪ّ ،‬ثم قال لي‪« :‬يا‬
‫داوودُ‪ ،‬لعن اهلل قاتل الح�سين ‪.(((»Q‬‬
‫‪-6‬تعزية الم�ؤمنين‬
‫عن الإمام الباقر‪« :Q‬ليع ِّز بع�ضهم بع�ضاً بم�صابهم‬
‫عظم اهلل �أجورنا و�أجوركم‬ ‫بالح�سين‪ ... ،Q‬يقولون ّ‬

‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,12‬ص ‪.463‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج ‪� ,14‬ص ‪.417‬‬
‫((( الكليني‪ ,‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ,‬ج‪� ,6‬ص ‪.391‬‬
‫‪43‬‬ ‫ءاروشاع رئاعش‬

‫بم�صابنا بالح�سين‪ ,Q‬وجعلنا و�إ َّياكم من الطالبين‬


‫بث�أره مع ول ّيه الإمام المهدي من �آل محمد»(((‪.‬‬
‫‪-7‬الح�ضور في مجال�س العزاء‬
‫ورد �أنَّ الإمام ال�صادق‪ Q‬قال لف�ضيل‪« :‬يا ف�ضيل‪،‬‬
‫تجل�سون و َتحدَّثون ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬جعلت فداك‪ ،‬قال‪:Q‬‬
‫� ّإن تلك المجال�س �أح ّبها‪ ،‬ف�أحيوا �أمرنا يا ف�ضيل‪ ،‬فرحم‬
‫اهلل من �أحيا �أمرنا»(((‪.‬‬
‫‪�-8‬إظهار الحزن‬
‫ع��ن الإم ��ام الر�ضا‪« :Q‬ك ��ان �أب ��ي �إذا دخ ��ل �شهر‬
‫المح َّرم ال ُيرى �ضاحكاً‪ ،‬وكانت الك�آبة تغلب عليه حتى‬
‫يم�ضي منه ع�شرة �أيام‪.(((»...‬‬
‫و�إظ �ه��ار ال�ح��زن يكون م��ن خ�لال لب�س ال�سواد رج��ا ًال‬
‫ون���س��ا ًء‪ ,‬ك�ب��ار ًا و��ص�غ��ار ًا‪ ,‬وي�ك��ون م��ن خ�لال رف��ع ال��راي��ات‬
‫ال�سوداء في ال�شوارع والأبنية وال�ساحات‪ ,‬ويكون من خالل‬

‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,10‬ص ‪.399-398‬‬


‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,1‬ص ‪.202‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.284‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪44‬‬

‫اللطم على الإمام الح�سين‪.Q‬‬


‫�إ ّنها �أمور تدور حول ال�شكل والظاهر‪� ,‬إال �أ ّنها ّ‬
‫تح�صن‬
‫وتح�صن المجتمع من االنحراف‪ ,‬و ُت ِّ‬
‫�صحح‬ ‫ّ‬ ‫القلوب �أفراد ًا‪,‬‬
‫م�سار الأ َّمة نحو االتّجاه ال�صحيح‪ ,‬متو ِّلي ًة ح�سين الع�صر‪,‬‬
‫متبرئة من يزيد الع�صر‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أصحاب الحسين‬
‫‪Q‬‬
‫�أ�صحاب الح�سين ‪Q‬‬

‫علي بن الح�سين‪ ،‬وعلى‬ ‫ال�سالم على الح�سين‪ ،‬وعلى ٍّ‬


‫�أوالد الح�سين‪ ،‬وعلى �أ�صحاب الح�سين‪.‬‬
‫حتى نكون �صادقين حينما ن�س ِّلم على الح�سين ‪Q‬‬
‫و�أهل بيته و�أ�صحابه ‪ R‬بـ «يا ليتنا ك َّنا معكم‪ ،‬فنفو َز فوزاً‬
‫عظيماً»‪ ،‬لنتع َّرف على �أحوال و�صفات ه�ؤالء الأ�صحاب‪.‬‬
‫‪-1‬عددهم‬
‫اختلف الم�ؤرخون في عدد �أ�صحاب الح�سين ‪Q‬‬

‫بالأرقام الآتية‪:‬‬
‫‪ 72 -1‬رج ًال مو ّزعين بين ‪ 32‬فار�س ًا و‪ 40‬راج ًال(تاريخ‬
‫ال�ضحاك بن عبد اهلل‬ ‫َّ‬ ‫الطبري‪ ,‬عن �أبي مخنف عن‬
‫الم�شرقي)‪.‬‬
‫‪� 62 -2‬أو ‪ 72‬رج�ل ً�ا م��ن �أه ��ل بيته و�أ��ص�ح��اب��ه(ت��اري��خ‬
‫اليعقوبي)‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪48‬‬

‫‪ 82 -3‬رج ًال (الخوارزمي)‪.‬‬


‫‪ 87 -4‬رج ًال (تاريخ الم�سعودي)‪.‬‬
‫‪ 100 -5‬رجل (تاريخ الطبري‪ ،‬عن �شاهد عيان هو �سعد‬
‫بن عبيدة)‪.‬‬
‫‪ 145 -6‬رج ًال (تاريخ الطبري)‪.‬‬
‫رجل مو ّزعين بين ‪ 500‬فار�س و‪ 100‬راجل (تاريخ‬ ‫‪ٍ 600 -7‬‬
‫(((‬
‫الم�سعودي)‪.‬‬
‫�إنَّ التفاوت بين هذه الأرقام مر ُّده �إلى ع ّدة �أ�سباب �أه ُّمها‬
‫والمحطات التي تم فيها �إح�صا�ؤهم‪ ،‬فمن‬ ‫َّ‬ ‫اختالف المنازل‬
‫ع َّدهم ‪ 600‬رجل ذكر �أن ذلك كان عند مالقاة الح ّر بن‬
‫يزيد الرياحي‪ .‬ورواي��ة ‪ 145‬رج ًال كان توقيتها في الثاني‬
‫من مح َّرم‪ ،‬عند النزول في كربالء‪ .‬ورواية ‪ 100‬رجل كان‬
‫توقيتها في اليوم العا�شر في بداية القتال(((‪.‬‬
‫والفرق بين الـ ‪ 100‬والـ ‪ 72‬قد يكون نتيجة التغ ّير الذي‬

‫((( انظر‪� ،‬شم�س الدين‪ ,‬محمد مهدي‪� ,‬أن�صار الح�سين‪ ,Q‬ط‪ ,2‬بيروت‪ ,‬الدار‬
‫الإ�سالمية‪1981 ,‬م ‪� ,‬ص ‪.49-44‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪49‬‬

‫ح�صل في عددهم ال �س َّيما �أنَّ هناك عدد ًا التحق بع�سكر‬


‫الإمام الح�سين‪ Q‬في ليلة �أو يوم العا�شر‪ .‬فقد ذكر ابن‬
‫طاوو�س في «اللهوف على قتل الطفوف»‪« :‬وبات الح�سين‬
‫و�أ�صحابه تلك الليلة‪ ،‬ولهم دويٌّ ك��دويّ النحل‪ ،‬ما بين‬
‫راكع و�ساجد‪ ،‬وقائم وقاعد‪ ،‬فعبر �إليهم في تلك الليلة‪،‬‬
‫ال»(((‪.‬‬
‫من ع�سكر عمر بن �سعد‪ ،‬اثنان وثالثون رج ً‬
‫وذك��ر ابن عبد ر ّب��ه الأندل�سي‪ ،‬في «العقد الفريد»‪:‬‬
‫ال من �أهل الكوفة‪,‬‬ ‫«وك��ان مع عمر بن �سعد ثالثون رج ً‬
‫ف�ق��ال��وا‪ :‬ي�ع��ر���ض عليكم اب ��ن ب�ن��ت ر� �س��ول اهلل‪P‬ثالث‬
‫خ�صال‪ ,‬فال تقبلون منها �شيئاً! فتح َّولوا مع الح�سين‬
‫‪ Q‬فقاتلوا معه»(((‪.‬‬
‫‪� -2‬أعمارهم‬
‫المالحظ ف��ي ك��رب�لاء ت�ن� ّوع �أع �م��ار �أ��ص�ح��اب الإم ��ام‬
‫الح�سين‪ ,Q‬ففيهم‪:‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪� ,‬ص ‪.55‬‬


‫((( الطبري‪� ,‬أحمد بن عبد اهلل‪ ,‬ذخائر العقبى‪( ,‬ال‪,‬ط)‪ ,‬القاهرة‪ ,‬مكتبة القد�سي‪(,‬ال‪,‬ت)‬
‫�ص ‪.149‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪50‬‬

‫‪� - 1‬أطفال دون ع�شر �سنوات‪ ،‬بل كان بع�ضهم في �سنّ‬


‫الر�ضاعة كـ عبد اهلل الطفل الر�ضيع ال�شهيد‪.‬‬
‫‪ - 2‬نا�شئة في العقد الثاني من العمر كـ عبد اهلل بن‬
‫الح�سن الذي كان عمره يقارب ‪� 11‬سنة‪ ,‬وقد ا�ست�شهد‬
‫بعد �أن تل ّقى بيده �ضربة ال�سيف التي كانت ّ‬
‫موجهة‬
‫ناحية الإمام الح�سين‪ ,Q‬وكـ القا�سم بن الح�سن‬
‫الذي كان يقارب عمره ‪� 13‬سنة‪ ,‬وكـ عمرو بن جنادة‬
‫الأن���ص��اري ف��ي عمر ‪� 11‬سنة‪ ،‬وق��د ج��اء وا��س�ت��أذن‬
‫الح�سين‪ Q‬ف�أبى‪ Q‬وق��ال‪« :‬ه��ذا غ�لام قتل‬
‫�أبوه في الحملة الأولى‪ ,‬ولع ّل �أمه تكره ذلك»‪ ,‬فقال‬
‫الغالم‪ّ �« :‬إن �أمي �أمرتني»(((‪.‬‬
‫علي ‪� 19‬سنة‪.‬‬ ‫‪� - 3‬ش ّبان في العقد الثاني من العمر كـ جعفر بن ّ‬
‫علي ‪� 21‬سنة‪,‬‬ ‫‪� - 4‬ش ّبان في العقد الثالث من العمر كـ عثمان بن ّ‬
‫وعلي بن الح�سين ‪� 27‬سنة‪.‬‬
‫وعبد اهلل بن علي ‪� 25‬سنة‪ّ ,‬‬
‫ويبدو �أنّ الكثير من مجاهدي كربالء كانوا �ش ّبان ًَا‪ ,‬وقد‬

‫((( المق ّرم‪ ,‬عبد الرزاق‪ ,‬مقتل الح�سين‪,Q‬ط‪ ,2‬قم‪ ,‬دار الثقافة‪� ,‬ص ‪.253‬‬
‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪51‬‬

‫يكونون في هذا العمر كـ عبد اهلل وعبيد اهلل بن يزيد بن‬


‫العبدي اللذين قدما مع �أبيهما‪ ,‬وعبد الرحمن بن‬ ‫ّ‬ ‫نبيط‬
‫ع��رزة (�أو ع��روة) بن ح� َّراق الغفاري ال��ذي كان ج� ّده من‬
‫علي‪.(((Q‬‬ ‫�أ�صحاب الإمام ّ‬
‫‪� -5‬ش ّبان في العقد الرابع من العمر ك�أبي الف�ضل العبا�س‬
‫‪.Q‬‬
‫‪ - 6‬رج��ال ف��ي العقد الخام�س �أو ال�ساد�س‪ ،‬م��ن عمر‬
‫الإمام الح�سين‪ Q‬الذي كان عمره ال�شريف على‬
‫الم�شهور ‪ 57‬عام ًا(((‪.‬‬
‫‪� - 7‬شيوخ م�س ُّنون كـ �أن�س بن الحارث الكاهلي الذي كان‬
‫�صحابي ًا لر�سول اهلل من الذين �شهدوا ب��در ًا‪ ,‬وكان‬
‫مق ّو�س الظهر‪ ,‬قد احتجبت عيناه بطول حاجبيه‪ ,‬وكـ‬
‫�صحابي �أي�ض ًا‪ ,‬وكـ زاهر مولى‬
‫ّ‬ ‫م�سلم بن عو�سجة وهو‬
‫الخزاعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عمرو بن الحمق‬

‫((( �شم�س الدين‪ ,‬محمد مهدي‪� ,‬أن�صار الح�سين‪� ,‬ص ‪.98‬‬


‫((( الكليني‪ ,‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ,‬ج‪� ,1‬ص ‪.53‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪52‬‬

‫‪ -3‬طبقاتهم االجتماعية‬
‫‪ - 1‬فيهم �صحابة لر�سول اهلل‪ ،P‬ك�أن�س بن الحارث‪،‬‬
‫وم�سلم بن عو�سجة‪.‬‬
‫الهمداني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪� - 2‬شيوخ القراء‪ ،‬كـ برير بن ف�ضيل‬
‫‪ - 3‬ق��ادة �أج�ه��زة ع�سكرية و�أم�ن�ي��ة‪ :‬ك�ـ ال�ح� ّر ب��ن يزيد‬
‫أموي‪ ،‬والحال�س‬ ‫الرياحي‪ ،‬وهو �أحد �أمراء الجي�ش ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الرا�سبي‪ ،‬الذي كان قائد �شرطة الإمام علي‬ ‫ّ‬ ‫بن عمر‬
‫‪ Q‬في الكوفة‪.‬‬
‫‪ - 4‬زعماء قبائل كـ حبيب بن مظاهر‪ ،‬وعاب�س بن �شبيب‬
‫ال�شاكري‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪� - 5‬شخ�ص َّيات اجتماعية بارزة كـ نافع بن هالل‪ ،‬وعمر‬
‫بن عبد اهلل «�أبي ثمامة ال�صائديّ » و�سويد بن عمر‪.‬‬
‫‪ - 6‬عبيد كـ جون‪.‬‬
‫‪ -4‬انتما�ؤهم القومي والمناطقي‬
‫فيهم‪:‬‬
‫التركي‬
‫ّ‬ ‫‪� - 1‬أتراك‪ ,‬كـ �أ�سلم التركي مولى الح ّر‪ ،‬ووا�ضح‬
‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪53‬‬

‫مولى الحرث المذحجي(((‪ ،‬الذي ورد �أنه ل َّما �سقط‬


‫�صريع ال�شهادة جاءه الإمام الح�سين ‪ Q‬واعتنقه‪،‬‬
‫ففتح عينيه بوجه الإمام الح�سين ‪ Q‬وقال‪« :‬من‬
‫مثلي وابن ر�سول اهلل وا�ض ٌع خدَّه على خدي»(((‪.‬‬
‫وال�صحابي عبد الرحمن‬
‫ّ‬ ‫‪ - 2‬حجاز ّيون‪ ,‬كـ بني ها�شم‪,‬‬
‫الخزرجي‪ ,‬وجنادة بن كعب بن الحرث‬ ‫ّ‬ ‫أن�صاري‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫أن�صاري‪ ،‬وابنه عمرو ابن جنادة‪...‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬
‫‪ - 3‬كوف ُّيون‪ ,‬كـ �أن�س بن الحارث‪ ,‬ويزيد بن زياد الكندي‪,‬‬
‫الغفاري‪ ,‬وعبد‬
‫ّ‬ ‫وعبد الرحمن بن عرزة (�أو ع��روة)‬
‫الكلبي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اهلل بن عمير‬
‫الب�صري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬ب���ص��ر ّي��ون‪ ,‬ك�ـ ي��زي��د ب��ن ثبيط العبدي‬
‫العبدي‬
‫ّ‬ ‫واب َن ْيه عبد اهلل وعبيد اهلل‪ ،‬وعامر بن م�سلم‬
‫الب�صري‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 5‬يمن ّيون (م��ن ع��رب الجنوب)‪:‬كـ برير ب��ن ف�ضيل‬

‫((( المق ّرم‪ ,‬عبد الرزاق‪ ,‬مقتل الح�سين‪� ,Q‬ص ‪.249‬‬


‫((( الأمين‪ ,‬مح�سن‪� ,‬أعيان ال�شيعة‪ ,‬تحقيق ح�سن الأمين‪( ,‬ال‪,‬ط)‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار‬
‫التعارف‪1403 ,‬هـ‪ ,‬ج‪� ,3‬ص ‪.303‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪54‬‬

‫الهمداني‪ ،‬و�سويد بن عمر بن �أبي المطاع الخثعمي‪،‬‬


‫والحجاج بن م�سروق الجعفي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وجنادة بن الحارث‪،‬‬
‫والح َّال�س بن عمر‪.‬‬
‫‪ - 6‬عدنانيون (من عرب ال�شمال) كـ حبيب بن مظاهر‪،‬‬
‫ال�شيباني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫علي‬
‫وجبلة ابن ّ‬
‫‪� - 5‬ألوانهم‬
‫فيهم الأبي�ض والأ�سود كـ جون مولى �أبي ذ ّر الذي قال‬
‫الإم��ام الح�سين ‪ Q‬ل ّما و�صل �إل��ى م�صرعه‪« :‬الله ّم‬
‫ب ّي�ض وجهه‪ ،‬وط ِّيب ريحه‪ ،‬واح�شره مع الأب��رار‪ ،‬وع ّرف‬
‫ي�شم منه‬‫بينه وبين �آل محمد»(((‪ .‬فكان من يم ّر بالمعركة ّ‬
‫رائحة ط ِّيبة �أذكى من الم�سك(((‪.‬‬
‫‪� -6‬أجنا�سهم‬
‫فيهم الذكور‪ ،‬وفيهم الن�ساء اللواتي ا�ستُ�شهد ُ‬
‫بع�ضهنَّ‬
‫كزوجة عبد اهلل بن عمير الكلبي التي م�شت �إلى زوجها‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,1‬ص ‪.605‬‬


‫((( البياتي‪ ,‬جعفر‪ ,‬الأخالق الح�سينية‪ ,‬ط‪� ,1‬أنوار الهدى‪1418 ,‬هـ‪� ,‬ص ‪.268‬‬
‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪55‬‬

‫ال�شهيد تم�سح الدم عنه وتقول‪ :‬هنيئ ًا لك الج ّنة‪ ,‬و�أ�س�أل اهلل‬
‫الذي رزقك الجنة �أن ي�صحبني معك‪ ,‬فقال ال�شمر لغالمه‬
‫ر�ستم‪ :‬ا�ضرب ر�أ�سها بالعمود‪ ,‬ف�شدخه‪ ,‬وماتت مكانها‪،‬‬
‫وهي �أول امر�أة ُق ِتلت من �أ�صحاب الإمام الح�سين(((‪.Q‬‬
‫‪ -7‬انتماءاتهم ال�سابقة‬
‫لم يكن جميع �أ�صحاب الإم��ام الح�سين‪� Q‬سابق ًا‬
‫و�سيا�سي واحد‪ ,‬بل كان بع�ضهم ‪ -‬قبل‬ ‫ّ‬ ‫عقائدي‬
‫ّ‬ ‫من اتجاه‬
‫العا�شر من المح ّرم عام ‪61‬هـ ‪ -‬ال ينتمي �إلى �أهل البيت‬
‫‪ R‬بالوالء‪ ,‬ومن ه�ؤالء‪:‬‬
‫‪-1‬وه��ب بن عبد اهلل جناب الكلبي‪ ,‬فقد ورد �أ ّن��ه كان‬
‫ن�صران َّي ًا ف�أ�سلم(((‪.‬‬
‫عثماني الهوى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬زهير بن القين‪ ,‬فقد ا�شتهر �أ ّنه كان‬
‫‪ -3‬الح ّر بن يزيد الرياحي‪ ,‬فقد كان من �أمراء الجي�ش‬
‫أموي‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫((( المق ّرم‪ ,‬عبد الرزاق‪ ,‬مقتل الح�سين‪� ,Q‬ص ‪.242‬‬


‫((( �شم�س الدين‪ ,‬محمد مهدي‪� ,‬أن�صار الح�سين‪� ,Q‬ص ‪.111‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪56‬‬

‫‪� -4‬سعد ب��ن ال�ح��رث الأن���ص��اري العجالني و�أخ ��وه �أب��و‬


‫الحتوف‪ ,‬فقد ا�شتهر عنهما �أ َّنهما كانا من الخوارج(((‪.‬‬
‫‪ -8‬كفاءاتهم‬
‫برزت كفاءات له�ؤالء الأ�صحاب‪ ،‬في عا�شوراء‪ ،‬ال نظير‬
‫لها‪� ،‬أ�س ِّلط ال�ضوء على �أربع منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الجهوز َّية القتالية العالية‪.‬‬
‫‪ -2‬الوعي والب�صيرة‪.‬‬
‫‪ -3‬ال�شجاعة �إلى حدِّ اال�ستماتة‪.‬‬
‫‪ -4‬العبادة في �أبهى �صورها‪.‬‬
‫وقد ع َّبر عن ال�صفات الثالث الأولى عمر بن الحجاج‬
‫الزبيدي ال��ذي ك��ان من ال�شخ�ص ّيات الكوف ّية الموالية‬
‫أموي‪ ،‬فقد قال لجي�ش عمر بن �سعد‪« :‬ويلكم يا‬ ‫للنظام ال ّ‬
‫ال‪� ،‬أتدرون من تقاتلون؟ �إنما تقاتلون فر�سان‬ ‫حمقاء‪ ،‬مه ً‬
‫الم�صر‪ ،‬و�أهل الب�صائر‪ ،‬وقوماً م�ستميتين»(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الطب�سي‪ ,‬محمد جعفر‪ ,‬عا�شوراء وما تالها‪ ,‬ط‪ ,1‬بيروت‪ ,‬دار الوالء‪,‬‬
‫(ال‪,‬ت)‪� ,‬ص ‪.32‬‬
‫((( �شم�س الدين‪ ,‬محمد مهدي‪� ,‬أن�صار الح�سين‪� ,Q‬ص ‪.186‬‬
‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪57‬‬

‫فر�سان الم�صر‬
‫�إ َّنه تو�صيف ُيع ِّبر عن التف ّوق في الحقل الع�سكري‪ ،‬وما يد ُّل‬
‫على ذلك عدد القتلى الكبير ج ّد ًا من جي�ش عمر بن �سعد‪.‬‬

‫�أهل الب�صائر‬
‫هو م�صطلح ورد م�ك� ّرر ًا في نهج البالغة‪ ،‬وه��و يعني‬
‫الفئة الواعية من المجتمع‪.‬‬
‫وقد برز وعيهم في كربالء ال �س ّيما في و�ضوح معرفتهم‬
‫وي�ضحون لأج��ل بقاء الدين‬ ‫ّ‬ ‫ب�أ َّنهم ي��ذودون عن الإ��س�لام‪،‬‬
‫المحمدي الأ�صيل‪ .‬وهذا ما نالحظه في كلماتهم و�أ�شعارهم‪.‬‬
‫الحنفي في المعركة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪�-1‬أن�شد �سعيد بن عبد اهلل‬
‫«�أقدم ح�سين اليوم تلق �أحمد‪.»(((...‬‬
‫وحينما �أ�صبح على عتبة ال�شهادة قال‪« :‬الله َّم َ�أ ْب ِل ْغ َن ِب َّي َك‬
‫ع ّني ال�سالم‪ ،‬و�أ ْب ِل ْغه ما َلقيتُ من �ألم الجراح‪ ،‬ف�إ ّني‬
‫أردت ثوا َبك في ُن�صر ِة ذر ّية نب ّيك»(((‪.‬‬
‫� ُ‬
‫((( الأمين‪ ,‬مح�سن‪� ,‬أعيان ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,7‬ص ‪.241‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,1‬ص ‪.606‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪58‬‬

‫‪ -2‬ق��ال زهير بن القين لأح��د ق��ادة جي�ش عمر بن �سعد‬


‫متحدِّ ث ًا عن �سبب ن�صرته للإمام الح�سين ‪...« ،Q‬‬
‫أيت �أن �أن�ص َره‪ ،‬و�أن �أكو َن في حزبه‪ ،‬و�أن �أجع َل نف�سي‬
‫فر� ُ‬
‫وحق ر�سوله»(((‪.‬‬
‫حق اهلل‪ّ ،‬‬ ‫دون نف�سه لِما �ض َّيعتم من ّ‬
‫‪ -3‬قال حبيب بن مظاهر لقومه حين دعاهم لن�صرة‬
‫الإمام الح�سين ‪« :Q‬ف�إ ّني �أق�سم باهلل ال ُيقتل �أحد‬
‫منكم في �سبيل اهلل مع ابن بنت ر�سول اهلل �صابراً‬
‫محت�سباً �إال كان رفيقاً لمح َّمد‪P‬في عل ّيين»(((‪.‬‬

‫قوم م�ستميتون‬
‫هو تو�صيف ُيع ِّبر عن �أعلى م�ستوى من ال�شجاعة التي‬
‫تقتحم ب��اب ال�م��وت ب��دون وج��ل‪ ،‬وه��ذا نابع م��ن و�صفين‬
‫�أ َّك��د الإم ��ام الح�سين ‪ Q‬على ��ض��رورة وجودهما في‬
‫الملتحقين ب��ه ع�شية خ��روج��ه م��ن م�ك��ة‪�...« :‬أال وم��ن‬
‫ك ��ان ب ��اذ ًال فينا مهجته‪ ،‬م� ِّ‬
‫�وط�ن�اً ع�ل��ى ل�ق��اء اهلل نف�سه‪،‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,7‬ص ‪.71‬‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.387‬‬
‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪59‬‬

‫ف�ل�ي��رح� ْ�ل م�ع�ن��ا‪ ،‬ف ��إ ّن��ي راح ��ل ُم�صبحاً �إن ��ش��اء اهلل»(((‪.‬‬
‫�أ َّما توطين �أنف�سهم على لقاء اهلل فيبرز في م�شاهد‬
‫ا�ستثنائية في ليلة العا�شر من مح َّرم‪:‬‬
‫‪ -1‬فها هو برير بن ف�ضيل يمازح عبد الرحمن الأن�صاري‬
‫ها�شا �ضاحك ًا‪ ،‬فيقول له عبد الرحمن‪ :‬ما هذه �ساعة‬ ‫با�شا ًّ‬‫ًّ‬
‫باطل‪ :‬فيجيبه برير‪« :‬لقد علم قومي �أ ّن ��ي م��ا �أحببت‬
‫ال وال �شا ّباً‪ ،‬ولك ّني م�ستب�شر بما نحن القون‪,‬‬ ‫الباطل كه ً‬
‫واهلل م��ا بيننا وب�ي��ن ال�ح��ور العين � ّإل �أن يميل علينا‬
‫ولوددت �أ ّنهم مالوا علينا ال�ساعة»(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ه�ؤالء ب�أ�سيافهم‪,‬‬
‫‪ -2‬وها هو حبيب بن مظاهر يخرج من خيمته �ضاحك ًا‪،‬‬
‫فيبادره يزيد بن الح�صين التميمي قائ ًال‪« :‬م��ا هذه‬
‫أحق من هذا‬‫�ساعة �ضحك» فيجيبه حبيب‪�« :‬أيّ مو�ضع � ّ‬
‫بال�سرور! واهلل‪ ،‬ما هو �إال �أن يميل علينا ه�ؤالء الطغاة‪،‬‬
‫فنعالجهم ب�سيوفنا �ساعة‪ ،‬ثم نعانق الحور العين»(((‪.‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.367‬‬


‫((( المق َّرم‪ ,‬عبد الرزاق‪ ,‬مقتل الح�سين‪� ,Q‬ص ‪.216‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪60‬‬

‫�أما بذل مهجهم في �أهل البيت ‪ R‬فقد تج َّلى في‬


‫مواقف خالدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬موقف ب�شير بن عمر الح�ضرمي الذي بلغه �أن ولده‬
‫�ري‪ ،‬فقال له الإمام‬ ‫«عمرو» �أ�سره الديلم بمدينة ال� ّ‬
‫الح�سين ‪« :Q‬رحمك اهلل‪� ،‬أنت في ح ّل من بيعتي‪،‬‬
‫فاذهب واعمل في فكاك ابنك»‪ ،‬ف�أجاب‪�« :‬أكلتني �إذن‬
‫ال�سباع ح َّياً �إن �أنا فارقتك»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬موقف نافع بن هالل‪ ،‬فقد ورد �أنَّ الإم��ام الح�سين‬
‫‪ Q‬خرج لي ًال‪ ،‬ف�إذا بنافع خلفه‪ ،‬فقال له الإمام‬
‫الح�سين‪« :Q‬ي ��ا ن��اف��ع‪ ،‬م��ن �أخ ��رج ��ك ف��ي ه��ذا‬
‫الليل؟»‪ ،‬ف�أجابه‪� :‬س ِّيدي �أزعجني خروجك لي ًال �إلى‬
‫جهة هذا الباغي‪ ،‬فقال له الإم��ام الح�سين‪:Q‬‬
‫«خرجت �أتفقد هذه التلعات؛ مخافة �أن تكون مكمناً‬
‫لهجوم الخيل على مخيمنا يوم يحملون وتحملون»‪،‬‬
‫ثم رجع الإمام ‪ Q‬قاب�ض ًا على ي�ساره وقال له‪« :‬يا‬

‫((( الأمين‪ ,‬مح�سن‪� ,‬أعيان ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,3‬ص ‪.575‬‬


‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪61‬‬

‫نافع‪� ،‬أال ت�سلك بين هذين الجبلين‪ ،‬وان ُج بنف�سك»‪،‬‬


‫ف�أجابه نافع‪�« :‬سيدي‪� ،‬إذاً ثكلت نافعاً � ُّأمه‪� ،‬إن �سيفي‬
‫علي بك في هذا‬ ‫من ّ‬ ‫ب�ألف وفر�سي بمثله‪ ،‬فواهلل الذي َّ‬
‫المكان لن �أفارقك حتى يك َِّل عن فري وجري»(((‪.‬‬
‫‪ -3‬موقف ع ّبا�س بن �شبيب ال�شاكري الذي قال للإمام‬
‫الح�سين ‪« :Q‬ما �أم�سى على ظهر الأر�ض قريب‬
‫وال بعيد �أع � ّز ّ‬
‫علي‪ ،‬وال �أح� ّ�ب �إل� ّ�ي منك‪ ،‬ول��و قدرت‬
‫على �أن �أدفع عنك ال�ضيم والقتل ب�شيء �أع ّز َّ‬
‫علي من‬
‫نف�سي ودمي لفعلته»(((‪.‬‬
‫و�سار نحو الجي�ش ف�أحجموا عنه ل�شجاعته‪ ،‬ف�صاح عمر‬
‫بن �سعد‪� :‬أر�ضخوه بالحجارة‪ .‬فل ّما ر�أى ذلك �ألقى درعه‬
‫ومغفره‪ ،‬و�ش ّد على النا�س‪.‬‬
‫الحنفي الذي قال للإمام‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4‬موقف �سعيد بن عبد اهلل‬
‫الح�سين ‪ Q‬في ليلة العا�شر من مح ّرم «واهلل ال‬

‫((( عبد الح�سين‪ ،‬المجال�س الفاخرة في م�آتم العترة الطاهرة‪ ،‬تحقيق محمد البدري‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬قم‪ ،‬م�ؤ�س�سة المعارف الإ�سالمية‪ 1421 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪.231-230‬‬
‫((( الطبري‪ ,‬محمد بن جرير‪ ,‬تاريخ الطبري‪( ,‬ال‪ ,‬ط)‪ ,‬بيروت‪ ,‬م�ؤ�س�سة الأعلمي‪,‬‬
‫(ال‪ ,‬ت)‪ ,‬ج‪� ,4‬ص‪.338‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪62‬‬

‫نخ ّليك حتى يعلم اهلل �أ َّن��ا قد حفظنا غيبة ر�سول‬


‫اهلل ‪ P‬فيك‪ .‬واهلل لو �أع�ل� ُم �أ ِّن��ي �أُ ْق �ت � ُل‪ ،‬ثم �أُحيى‪،‬‬
‫ثم �أُ َح��رق‪ُ ،‬ث َّم ُ�أذ َّرى‪ ،‬ويفعل بي ذلك �سبعين مرة ما‬
‫فارقتك حتى �ألقى حِ مامي دون��ك‪ .‬وكيف ال �أفعل‬
‫ذلك‪ ،‬و�إ َّنما هي موتة �أو قتلة واحدة‪ ،‬ثم هي بعدها‬
‫الكرامة التي ال انق�ضاء لها �أبداً»(((‪.‬‬

‫ع ّباد‬
‫‪Q‬‬ ‫ا�شتهر جملة م��ن �أ��ص�ح��اب الإم� ��ام الح�سين‬
‫بالعبادة‪ ،‬فقد ورد في �سيرة‪:‬‬
‫‪� -‬سويد بن عمر �أ َّنه كان �شريف ًا كثير ال�صالة‪.‬‬
‫‪ -‬وعاب�س بن �أبي �شبيب �أ َّنه كان نا�سك ًا ّ‬
‫متهجد ًا‪.‬‬
‫‪ -‬وبرير �أ َّنه كان نا�سك ًا‪.‬‬
‫متهجد ًا كثير ال�صالة‪.‬‬
‫النه�شلي �أ َّنه كان ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬و�أبي عمر‬
‫وقد برزت عبادتهم في ليلة ويوم العا�شر من مح ّرم‪،‬‬

‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,12‬ص ‪.498‬‬


‫أصحاب الحسين ‪Q‬‬
‫‪63‬‬

‫فقد ورد �أنّ الإم��ام الح�سين ‪� Q‬أر�سل �أخ��اه العبا�س‬


‫غد قائ ًال‪« :‬ارجع �إليهم‪،‬‬
‫‪ Q‬لطلب ت�أخير المعركة �إلى ٍ‬
‫ف�إن ا�ستطعت �أن ت� ِّؤخرهم �إلى غدٍ ‪ ،‬وتدفعهم عنا الع�ش ّية؛‬
‫لع َّلنا ن�ص ِّلي لر ِّبنا الليلة‪ ،‬وندعوه‪ ،‬ون�ستغفره‪ ،‬فهو يعلم‬
‫أحب ال�صالة له‪ ،‬وتالوة كتابه‪ ،‬وكثرة الدعاء‬ ‫�أ ّني قد كنت � ُّ‬
‫واال�ستغفار»(((‪.‬‬
‫عبادي في ليلة العا�شر من‬
‫ٍّ‬ ‫م�شهد‬
‫�سجل التاريخ �أروع ٍ‬ ‫وقد َّ‬
‫المحرم عام ‪ 61‬هـ‪« ،‬فقد بات الح�سين‪ Q‬و�أ�صحابه‬
‫تلك الليلة‪ ,‬ولهم دويّ كدويّ النحل‪ ،‬ما بين راكع و�ساجد‪,‬‬
‫(((‬
‫وقائم وقاعد»‬
‫وفي ظهيرة العا�شر من المح ّرم ر�سم الإمام الح�سين‬
‫‪Q‬و�أ�صحابه ‪ Q‬لوحة العبادة في و�سط المعركة‪.‬‬
‫ال�صائدي في ال�سماء و�أخذ يق ِّلب وجهه‬
‫ّ‬ ‫نظر �أبو ثمامة‬
‫توجه نحو الإمام الح�سين ‪ Q‬وقال‪ « :‬يا �أبا عبد‬ ‫فيها‪ ،‬ثم ّ‬

‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.392‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.394‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪64‬‬

‫اهلل‪ ،‬نف�سي لنف�سك الفداء‪ ،‬ه�ؤالء اقتربوا منك‪ ،‬وال واهلل‬


‫ال ُتق َتل ح َّتى �أُقتل دون��ك‪ ،‬و�أح� ّ�ب �أن �ألقى اهلل ر ّب��ي‪ ،‬وقد‬
‫�ص ّليت هذه ال�صالة‪ ،‬فرفع الح�سين ر�أ�سه �إل��ى ال�سماء‪،‬‬
‫ذكرت ال�صالة‪ ،‬جعلك اهلل من الم�ص ِّلين»(((‪.‬‬ ‫وقال‪َ :‬‬
‫فكان وبقية �أ�صحاب الح�سين ‪:Q‬‬
‫‪� -‬شجعان ًا في �ساحة الوغى‪.‬‬
‫‪ -‬ع�شاق ًا هلل في عبادتهم‪.‬‬
‫أهل ب�صائر في وعي الإ�سالم‪.‬‬ ‫‪َ � -‬‬
‫‪ -‬م�ستميتين في الذود عن النبي‪P‬و�آله ‪.R‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,45‬ص ‪.21‬‬


‫‪4‬‬

‫لقاء اهلل واألحبة‬


‫في تاريخ الفتوحات �أن��زل ط��ارق بن زي��اد جنده على‬
‫�ساحل البحر‪ ،‬و�أم��ر بحرق ال�سفن‪ ،‬ثم وقف �أم��ام جي�شه‬
‫خطيب ًا يقول‪« :‬العد ّو �أمامكم‪ ،‬والبحر وراءكم‪ ,‬ف�إ َّما الموت‬
‫و�إ َّما الن�صر»‪.‬‬
‫لقد �أراد ط ��ارق ن���ص��ر ًا ع�سكري ًا‪ ،‬ل��م ي ��رده الإم ��ام‬
‫الح�سين ‪ Q‬في نه�ضته التي كان هدفها �إحياء الدين‬
‫بدم ال�شهادة‪.‬‬
‫لذا وقف الح�سين ‪ Q‬ع�ش َّية رحيله من مكة خطيب ًا‬
‫مخط القالدة من جيد‬ ‫«خ َّط الموت على ولد �آدم َّ‬ ‫يقول‪ُ :‬‬
‫ال�ف�ت��اة‪ ,‬وم��ا �أول�ه�ن��ي �إل ��ى �أ��س�لاف��ي ا�شتياق يعقوب �إل��ى‬
‫موطناً على‬ ‫يو�سف‪� ...‬أال وم��ن ك��ان ب��اذ ًال فينا مهجته‪ّ ،‬‬
‫لقاء اهلل نف�سه‪ ،‬فليرحل معنا‪ ،‬ف�إ ّني راحل م�صبحاً � ْإن �شاء‬
‫(((‬
‫اهلل»‬

‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.366‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪68‬‬

‫�إ ّنه حديث عن الموت بلغة خا�صة‪ ,‬فهو كالقالدة التي‬


‫تع ِّبر ع��ن معنيين يجتمعان فيها م��ع ال �م��وت‪ :‬الإح��اط��ة‬
‫والجمال‪.‬‬
‫َََۡ َ ُ ُ ْ‬
‫‪ -1‬فالموت محيط بالإن�سان ال مف َّر منه‪﴿ :‬أينما تكونوا‬
‫وج ُّم َش َّي َدةٖۗ﴾(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ۡ ُ َ ُ ُ‬ ‫ُۡ‬
‫يدرِكك ُم ٱل َم ۡوت َول ۡو كنت ۡم ِف ب ُر ٖ‬
‫باتوا على ُق ِلل الأج�ي��ال تح ُر�سهم‏‬
‫ُغ� ْل� ُ�ب ال� ِّرج��ال فما �أغن ْت ُه ُم ال ُقل ُ‏ل‬
‫وا�ستُنزلوا ِمنْ بعد عزٍّ عن معاقلهم‏‬
‫بئ�س ما نزَ لوا‬ ‫ف ��أ ُو ِدع��وا ُح� َف��ر ًا‪ ،‬يا َ‬
‫ن��اداه��م ��ص��ار ٌخ من بعد ما ُقبروا‬
‫�أي ��ن الأ� ِ��س� � َّر ُة وال� ِّت�ي�ج��انُ وال� ُ�ح � َل � ُ‏ل‬
‫�أي ��ن ال ��وج ��و ُه ال �ت��ي ك��ان��ت م َن َّعم ًة‬
‫والك َل ُ‏ل‬
‫من دونها ُت�ضرب الأ�ستار ِ‬
‫أف�صح القب ُر عنهم حين �سا َء َلهم‏‬ ‫ف� َ‬
‫تلك ال��وج��وه عليها ال � � ُّدود يق ِتت ُ‏ل‬
‫((( �سورة الن�ساء‪ ,‬الآية ‪.78‬‬
‫‪69‬‬ ‫بحألاو هللا ءاقل‬

‫‪ -2‬والموت الذي تح َّدث عنه الإمام الح�سين ‪ Q‬في‬


‫نه�ضته جميل جمال القالدة حول جيد الفتاة‪.‬‬
‫لذا ورد �أنَّ الح�سين‪ Q‬في العا�شر من المح َّرم كان‬
‫ك َّلما ا�شت َّد عليه الأم��ر في كربالء‪ ،‬واقترب من ال�شهادة‬
‫�سك َن ْت نف�سه‪ ،‬وهد�أَ ْت جوارحه‪ ,‬و� َ‬
‫أ�شرق لو ُنه نور ًا وبها ًء‪.‬‬
‫قيل‪ :‬انظروا �إليه ال يبالي بالموت‪.‬‬
‫فقال لهم الإمام الح�سين‪�« :Q‬صبراً بني الكرام!‬
‫فما الموت �إ َّال قنطرة يعبر بكم عن الب�ؤ�س وال�ض َّراء �إلى‬
‫الجنان الوا�سعة والنعيم الدائمة»(((‪.‬‬
‫و� �س �ب��ب ه� ��ذا ال�م���ش�ه��د ال ��راق ��ي ه ��و ن �ظ��رة الإم� ��ام‬
‫الح�سين ‪� Q‬إلى الموت ب�أ َّنه و�صل ولي�س بف�صل؛ لأ َّنه‬
‫موطناً‬ ‫بتعبيره هو «لقاء اهلل» «من كان فينا باذ ًال مهجته‪ّ ،‬‬
‫على لقاء اهلل نف�سه فليرحل معنا»(((‪.‬‬

‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,6‬ص ‪.154‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.367‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪70‬‬

‫�صفات الم�ؤهلين للخروج مع الإمام ‪Q‬‬

‫ف� ْل� َن�ت���ص� َّور �أ َّن �ن��ا ك�ن��ا م��ع �أول �ئ��ك ال�ن��ا���س ليلة خ��روج‬
‫الح�سين ‪ Q‬من مكة‪ ،‬فهل ك َّنا خرجنا معه؟‬
‫الإمام الح�سين ‪ Q‬ح َّدد �صفتين للم� َّؤهلين للخروج‬
‫معه‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬توطين النف�س على لقاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫بذل ال ُم َهج في �أهل البيت ‪.R‬‬ ‫الثانية‪ُ :‬‬
‫�أما توطين النف�س على لقاء اهلل‪ ،‬فال ب َّد لح�صوله من‬
‫تثبيت المعرفة باهلل تعالى‪ ،‬وتطويرها من المعرفة النظرية‬
‫نح�صلها من خ�لال ال�ت��أ ّم��ل‪ ،‬والمطالعة‪ ،‬والتع َّلم‪,‬‬ ‫التي ِّ‬
‫فالبعرة تد ُّل على البعير‪ ،‬والآثار على الم�سير‪� ،‬أ�سما ٌء ذات‬
‫�أبراج‪ ،‬و�أر�ض ذات فجاج‪� ،‬أال تد َّالن على اللطيف الخبير؟!‪.‬‬
‫قال الد ّي�صاني للإمام ال�صادق ‪ُ :Q‬د َّلني على‬
‫معبودي‪ ,‬فقال له‪« :Q‬اجل�س»‪ ،‬و�إذا غالم �صغير‪،‬‬
‫في ك ّفه بي�ضة يلعب بها‪ ،‬فقال ‪« :Q‬ناولني‪ ,‬يا غالم‪,‬‬
‫البي�ضة»‪ .‬فناوله �إياها فقال الإم��ام ال�صادق ‪:Q‬‬
‫‪71‬‬ ‫بحألاو هللا ءاقل‬

‫«يا دي�صاني‪ ,‬هذا ح�صن مكنون له جلد غليظ‪ ،‬وتحت‬


‫الجلد الغليظ جلد رقيق‪ ،‬وتحت الجلد الرقيق ذهبة‬
‫م��اي �ع��ة وف ��ّ��ض��ة ذائ �ب ��ة‪ ،‬ف�ل�ا ال��ذه �ب��ة ال �م��اي �ع��ة تختلط‬
‫بالف�ضة الذائبة‪ ،‬وال الف�ضة الذائبة تختلط بالذهبة‬ ‫ّ‬
‫المايعة‪ ،‬هي على حالها لم يخرج منها م�صلح‪ ،‬فيخبر‬
‫عن �إ�صالحها‪ ,‬وال دخل فيها مف�سد‪ ،‬فيخبر عن ف�سادها‪،‬‬
‫ال ُيدرى للذكر خلقت �أم للأنثى‪ ،‬تنفلق عن مثل �ألوان‬
‫الطواوي�س‪� ،‬أترى لها مد ّبراً؟ ف�أطرق الدي�صاني‪ ،‬مل ّياً‪،‬‬
‫ثم قال‪� :‬أ�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له»(((‪.‬‬
‫وهذه المعرفة رغم قيمتها الكبيرة؛ �إال �أ َّنها ال تنعك�س‬
‫في ال�سلوك‪ ،‬فقد يكون حال هذا العارف كالمعتقد ب�أن‬
‫الم ِّيت ال ي�ؤذي‪ ،‬لك ّنه يخاف من النوم �إلى جانبه‪ .‬لذا ال ب ّد‬
‫من تفعيل هذه المعرفة من خالل ال�سلوك من �صالة و�صوم‬
‫وحج ودعاء‪...‬‬
‫لكن هذا ال�سلوك قد يكون جا ًّفا‪ ،‬فال ب ّد من ترطيبه من‬

‫((( ال�صدوق‪ ،‬محمد بن علي‪ ,‬التوحيد‪� ،‬ص ‪.124‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪72‬‬

‫خالل الت�أمل بجمال اهلل تعالى وكماله الجاذب �إلى ح ِّبه؛‬


‫حب الكمال‪ ،‬فحينها ُيدرك معنى‬ ‫لأن الإن�سان مفطور على ِّ‬
‫حب لقاء اهلل‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ل َّما �أراد اهلل تعالى قب�ض روح نب ّيه �إبراهيم ‪Q‬‬

‫�أهبط �إليه ملك الموت‪ .‬فقال‪ :‬ال�سالم عليك يا �إبراهيم‪،‬‬


‫ناع؟‬ ‫أداع �أم ٍ‬
‫قال‪ :Q‬وعليك ال�سالم‪ ،‬يا ملك الموت‪ٍ � ،‬‬
‫داع يا �إبراهيم‪ ،‬ف�أجب‪ .‬قال �إبراهيم ‪:Q‬‬ ‫فقال‪ :‬بل ٍ‬
‫يميت خليله؟ فرجع ملك الموت حتى وقف‬ ‫فهل ر�أيت خلي ًال ُ‬
‫بين يدي اهلل ج َّل جالله‪ ،‬فقال‪�« :‬إلهي‪ ،‬قد �سمعت ما قال‬
‫خليلك �إبراهيم‪ ،‬فقال اهلل جل جالله‪ :‬يا ملك الموت‪،‬‬
‫اذهب �إليه‪ ،‬وقل له‪ :‬هل ر�أيتَ حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ �إ َّن‬
‫يحب لقاء حبيبه»(((‪.‬‬
‫الحبيب ّ‬
‫�أ َّما ال�صفة الثانية للم�ؤهِّ ل للرحيل مع الح�سين ‪Q‬‬

‫وهي �أن يكون باذ ًال في �أهل البيت‪ R‬مهجته‪ ،‬فهي ال‬
‫تكون �إال من خالل ال�صدق في ح ِّبهم؛ لأنَّ فطرة الإن�سان‬

‫((( النوري‪ ,‬ح�سين‪ ,‬م�ستدرك الو�سائل‪ ,‬ج‪� ,2‬ص‪.95‬‬


‫‪73‬‬ ‫بحألاو هللا ءاقل‬

‫حب الكمال المطلق‬ ‫حب الكمال تدعوه �إلى ِّ‬ ‫التي تدعوه �إلى َِّ‬
‫حب الأكمل من الخلقْ ‪ ،‬و� ُ‬
‫أكمل الخلق هم‬ ‫�أو ًال‪ ،‬وبعده �إلى ِّ‬
‫مح ّمد و�آل مح ّمد‪.‬‬
‫النبي‪�P‬أ ّنه قال‪« :‬ال ي�ؤمن �أحدكم حتى‬ ‫لذا ورد عن ّ‬
‫أحب �إليه من ولده ووالده والنا�س �أجمعين»(((‪.‬‬ ‫�أكون � َّ‬
‫يحب لقاءه‪.‬‬
‫يحب ر�سول اهلل‪ُّ P‬‬ ‫ومن ّ‬
‫وهذا هو �س ُّر ابت�سامة ال�سيدة الزهراء ‪ O‬بعد بكائها‬
‫النبي ‪ P‬مرتين‪ ,‬ف�س ُئلت عن ذلك‪ ,‬ف�أجابت‬ ‫حينما �أ�س َّر �إليها ّ‬
‫النبي ‪� P‬أخبرها �أ َّول مرة �أ َّنه راح ٌل عنها‪ ,‬فبكت لفراقه‪,‬‬ ‫ب�أنَّ ّ‬
‫ثم �أخبرها �أ َّنها �أ ّول الالحقين به ف�ضحكت للقائه‪.‬‬
‫وه ��ذا ه��و ��س� ُّر ق��ول �سعيد ب��ن عبد اهلل الحنفي في‬
‫(((‬
‫عا�شوراء‪�« :‬أقدم ح�سين اليوم تلق �أحمد‪»...‬‬
‫و�أكمل‪ :‬و�شيخك الخير عل ّياً ذا الندا(((‪.‬‬

‫((( الري �شهري‪ ,‬محمد‪ ,‬ميزان الحكمة‪ ,‬تحقيق دار الحديث‪ ,‬ط‪ ,1‬دار الحديث‪,‬‬
‫(ال‪,‬ت)‪ ,‬ج‪� ,1‬ص ‪.518‬‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,45‬ص ‪.26‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪74‬‬

‫لأنَّ عل ًّيا يم ِّثل �أكمل النا�س بعد ر�سول اهلل ‪ُّ ،P‬‬
‫فحب‬
‫إن�ساني الثاني‪ ،‬لذا‬
‫حب للكمال ال ّ‬ ‫علي ‪ Q‬هو ٌّ‬ ‫الإم��ام ّ‬
‫أحب عارفوه لقاءه‪ ،‬فكانت الب�شارة عند موتهم‪.‬‬ ‫� َّ‬
‫وهذا ما ح�صل مع �شاعر �أهل البيت �إ�سماعيل الحميري‬
‫الذي كان عنده ح�صان جميل‪ ،‬له قيمة مرتفعة‪ ،‬كان يح ّمله‬
‫ويذهب �إلى �ساحة الأدب وال�شعر ويقول متحدِّ ي ًا‪ :‬من نظم‬
‫في منقبة من مناقب �أهل البيت ‪ R‬لم �أنظم فيها‪ ,‬فله‬
‫هذا الح�صان‪ .‬فكان ال�شعراء ك َّلما �أتوا بق�صيدة �شعر في‬
‫منقبة من مناقب �أهل البيت ‪ ,R‬قر�أ عليهم �شعر ًا من‬
‫نظمه فيها‪ ,‬فلم يربح �أحد ح�صانه‪ .‬كما ر َّبى هذا ال�شاعر‬
‫�أرب��ع بنات‪ ،‬ك� ٌّل منهنَّ نظمت �أربعماية ق�صيدة في �أهل‬
‫البيت‪.R‬‬
‫لقد ع َّبر هذا ال�شاعر‪ ،‬قبيل موته‪ ،‬عن فرحة اللقاء‬
‫بالحبيب‪ ،‬بعد محنة ق�صيرة م َّر بها على عتبة الموت‪� ،‬إذ‬
‫بدت في وجهه نكتة �سوداء �أخ��ذت تمتد‪ ،‬ثم بدت مكان‬
‫ظهورها الأول لمعة بي�ضاء‪ ،‬فلم ت��زل تزيد وتنمى حتى‬
‫‪75‬‬ ‫بحألاو هللا ءاقل‬

‫�أ�سفر وجهه‪ ،‬و�أ�شرق ف�ضحك �إ�سماعيل م�ستب�شر ًا وقال‪:‬‬


‫َك� � � � ِ�ذب ال� � �زَّاع� � �م � ��ون �أنَّ ع �ل � ًّي��ا‬
‫ل ��ن ُي� � َن � ِّ�ج ��ي م �ح � َّب��ه م ��ن َه� �ن � ِ ‏‬
‫�ات‬
‫ق� ��د َورب � � ��ي دخ � �ل� � ُ�ت ج� � َّن ��ة ع � � ٍ‏‬
‫�دن‬
‫وع� �ف ��ا ل ��ي الإل� � � � ُه ع ��ن � �س � ِّي �ئ��ات �ي‏‬ ‫َ‬
‫�وم �أول � �ي� ��ا َء ع �ل� ٍّ‏�ي‬ ‫ف��اب �� �ش��روا ال � �ي� � َ‬
‫وت � � � َو َّل� � ��وا ع��ل�� ًّي ��ا ح��ت ��ى ال��م��م ��ات‏‬
‫ث� � � ّ�م م � ��ن ب � �ع� ��ده ت � � � َو َّل� � ��وا ب �ن �ي �ه‏‬
‫(((‬
‫واح� ��د ًا ب�ع� َ�د واح ��د ب��ال� ّ���ص�ف��ات‬

‫تج ِّليات ّ‬
‫الحب‬
‫الحب لمح ّم ٍد و�آل محمد هو الذي �صنع لوحة‬
‫�إنَّ هذا ّ‬
‫كربالء ب�أبهى �صورها‪.‬‬
‫‪ -‬وهو الذي جعل �سعيد بن عبد اهلل الحنفي يدافع عن‬
‫الإمام الح�سين ‪ Q‬في �صالته يتل َّقى ثالث ع�شرة نبلة‬
‫((( الطو�سي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ،‬الأمالي‪� ،‬ص ‪.628‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪76‬‬

‫في ج�سده‪ ،‬وطعنات �سيوف ورماح‪ .‬وحينما �سقط مرتفع ًا‬


‫على عتبة ال�شهداء قال للإمام الح�سين ‪�« :Q‬أَو َفيتُ يا‬
‫بن ر�سول اهلل؟»‪.‬‬
‫‪ -‬وه��و ال��ذي جعل ذل��ك الأب ال��ذي �أ�سر ول��ده فدعاه‬
‫الإم��ام الح�سين ‪�Q‬إلى الرحيل ِّ‬
‫لفك �أ�سره‪ ،‬ف�أجابه‪:‬‬
‫«�أكلتني ال�سباع ح َّياً � ْإن �أنا فارقتك يا �أبا عبد اهلل»(((‪.‬‬
‫‪ -‬وهو الذي جعل تلك الأم تر�سل ولدها للقتال بين يدي‬
‫الإم��ام الح�سين ‪ ،Q‬وحينما عاد قالت له‪« :‬ال �أر�ضى‬
‫عليك حتى ُتقتل بين يدي الح�سين ‪.»Q‬‬
‫‪ -‬وه��و ال��ذي جعل تلك الزوجة تحمل ع�م��ود ًا‪ ،‬وتلحق‬
‫بزوجها تقاتل بين يدي الإمام الح�سين ‪.Q‬‬
‫الحب هو الذي جعلهم يبذلون في الح�سين ‪Q‬‬ ‫ذلك ّ‬
‫ع�شاق ًا �شهدا َء‪ ،‬ال ي�سبقهم من كان‬ ‫مهجهم‪ ،‬وي�صبحون ّ‬
‫قبلهم‪ ،‬وال يلحق بهم من كان بعدهم‪.‬‬

‫((( الأمين‪ ,‬مح�سن‪� ,‬أعيان ال�شيعة‪ ،‬ج‪� 3‬ص‪.575‬‬


‫‪5‬‬
‫عاشوراء في‬
‫اللوحة الزينبية‬
‫في ق�صر الكوفة‪ ،‬بعد ملحمة كربالء‪ ،‬وبعدما �أُدخلت‬
‫ال�سيدة زينب بنت �أمير الم�ؤمنين ‪ Q‬مع �سائر ال�سبايا‪،‬‬
‫أيت َ‬
‫فعل اهلل ب�أهل بيتك؟‬ ‫�س�ألها عبيد اهلل ابن زياد‪ :‬كيف ر� ِ‬
‫ف�أجابت‪ ،O‬وهي ت�ستح�ضر ك َّل م�أ�ساة كربالء‪« :‬ما‬
‫ال»(((‪.‬‬‫ر�أيت �إال جمي ً‬
‫�إنَّ ما ر�أته ال�سيدة زينب ‪ O‬هو قتل الإمام الح�سين‬
‫‪ Q‬و�أ�صحابه‪ ،‬و�أهل بيته الذين منهم بع�ض ولدها‪.‬‬
‫�إنَّ ما ر�أته ال�سيدة زينب ‪ O‬هو الر�ؤو�س المقطوعة‪،‬‬
‫وال�صدور المر�ضو�ضة‪ ،‬والن�ساء ال�سبايا‪ .‬فما هي خلف َّية‬
‫و�صفها لذلك ك ِّله ب�أنه لي�س �إال جما ًال‪.‬‬

‫كيف ننظر �إلى الأ�شياء؟‬


‫�إنَّ هذا يدعونا �إلى درا�سة النظرة الإن�سان ّية ال�صحيحة‬
‫�إلى الأ�شياء‪ ،‬والتي على �أ�سا�سها نحدِّ د جمالها �أو قبحها‪.‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ,45‬ص ‪.116‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪80‬‬

‫وفي هذا الإطار �أعر�ض �أ�سئلة‪:‬‬


‫الخط الم�ستقيم �أجمل �أو الخط الأعوج؟‬ ‫‪ -1‬هل ُّ‬
‫الخط الم�ستقيم هو‬ ‫َّ‬ ‫قد يجيب البع�ض‪ :‬من الم�ؤ ّكد �أنَّ‬
‫�أجمل‪.‬‬
‫‪ -2‬هل قطع يد الإن�سان قبيح؟ �أو ح�سن؟‬
‫قد يجيب البع�ض‪ :‬من الم�ؤ ّكد �أنَّ قطع اليد �أمر قبيح‪.‬‬
‫‪ -3‬هل �إ�شارات المرور على الطرقات ح�سنة؟ �أو قبيحة؟‬
‫قد يبدي البع�ض انزعاجه منها حينما يتذ ّكر �أحد‬
‫�أعزّائه الذي تو ِّفي نتيجة ازدح��ام ال�سير ب�سبب الإ�شارة‬
‫الحمراء‪.‬‬
‫والإن�صاف �أنَّ كل ه��ذه الإج��اب��ات ال تنطلق من مبد�أ‬
‫�سليم‪ ،‬وبالتالي ال ي�ص ُّح �أن نحكم عليها بال�صواب؛ لأنَّ‬
‫كل منها نظر �إلى ال�شيء بنف�سه‪ ،‬ثم حكم عليه‬ ‫الإن�سان في ٍّ‬
‫بالجمال �أو القبح‪.‬‬
‫وال�صحيح �أنَّ عليه �أن ينظر �إليه في لوحته الكاملة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فالخط الم�ستقيم‬ ‫وم�شهده التام‪ّ ،‬ثم بعد ذلك يحكم عليه‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫لي�س بنف�سه جمي ًال وال قبيح ًا‪ ،‬بل الذي يحدِّ د جماله �أو قبحه‬
‫الخط هو حاجب ًا‬ ‫هو اللوحة التي يوجد فيها‪ ،‬فلو كان هذا ُّ‬
‫فوق عين الإن�سان‪ ،‬فهل جماله با�ستقامته �أو باعوجاجه؟‬
‫من الم�ؤ ِّكد �أنَّ اعوجاجه هو الذي يعطيه الجمال الممدوح‪،‬‬
‫ومن هنا قيل‪:‬‬
‫�أ ّيها الحاجب المعوج‪ ،‬لو كنت جال�س ًا لكنت �أعوج‬
‫وقطع اليد لي�س دائم ًا يو�صف بالقبح‪ ،‬فلو �أنَّ �إن�سان ًا‬
‫لدغته �أفعى في يده‪ ،‬وتو َّقفت حياته على قطعها‪ ،‬ف�إنَّ �أ َّمه‬
‫تل ُّح على الطبيب �أن يقطعها؛ لأنّ بقاء اليد لم يعد بنظرها‬
‫ح�سن ًا‪ ،‬بل قطعها هو كذلك‪.‬‬
‫مع �أنَّ قطع اليد فيه ما فيه من ال�سلب َّيات‪� ،‬إال �أنَّ الحكم‬
‫إيجابي‪ ،‬بل‬‫بالح�سن ال يكون على �أ�سا�س �أنَّ ال�شيء ُك ّله � ّ‬
‫الحكم يتبع النتيجة الإيجاب ّية الف�ضلى بعد تزاحم الإيجاب ّيات‬
‫وال�سلب ّيات‪ ،‬في لوحة وجود ال�شيء‪.‬‬
‫وهذه الخلف ّية هي التي ت�شكل المبد�أ ال�صحيح للحكم‬
‫على �إ�شارات المرور‪ ،‬فطالما �أن الإيجاب ّيات هي الغالبة‪،‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪82‬‬

‫ف�إنّ النظرة �إليها تكون نظرة الح�سن والجمال‪.‬‬


‫�إنّ من �أخطاء الكثيرين في حكمهم على الأ�شياء �أ َّنهم‬
‫ينظرون �إليها بنف�سها‪ ،‬ال �إليها �ضمن لوحتها‪ ،‬فيخطئون‬
‫بالنظرة‪ ،‬كحال الناظر �إل��ى نقطة ��س��وداء �ض ّيق نظرته‬
‫في دائرتها فقط‪ ،‬ف�أ�صبح ال يرى �إال �سواد ًا‪ ،‬فيحكم بقبح‬
‫و�سع نظرته‪ ،‬و�شاهدها في لوحة‬ ‫المنظر‪ ،‬في حين �أ َّن��ه لو ّ‬
‫وجودها‪ ،‬فلعله يراها «خا ًال» على وج ٍه مليح تزيده جما ًال‪.‬‬

‫القر�آن وت�صويب النظرة‬


‫�إنَّ هذا المبد�أ هو من درو���س الحوار الذي جرى بين‬
‫اهلل تعالى ومالئكته حينما �أخبرهم عن م�شروع الإن�سان‬
‫َ َ ٗ َ ُْٓ‬ ‫َۡ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫ۡ َ َ َ ُّ َ ۡ َ َ َ ّ‬
‫ۡرض خل ِيفة ۖ قالوا‬ ‫لئِكةِ إ ِ ِن َجاعِل ِف ٱل ِ‬ ‫﴿ِإَوذ قال ربك ل ِلم ٰٓ‬
‫ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ََۡ ُ ّ ٓ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َۡ‬
‫ت َع ُل ف َ‬
‫ٱدل َِما َء َون ُن ن َس ّب ِ ُح‬ ‫ِيها َمن ُيفس ُِد فِيها ويسفِك‬ ‫أ‬
‫َ َ ََّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٓ ۡ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ َ ََُ ّ ُ‬
‫ن أعل ُم َما ل ت ۡعل ُمون ‪ ٣٠‬وعلم‬ ‫ِبمدِك ونقدِس لك ۖ قال إ ِ ِ‬
‫ون‬ ‫‍‬
‫ٔ‬ ‫كةِ َف َق َال أَ ُ‬
‫ۢنب‬
‫َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ُ َّ َ ُ َّ َ َ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ٰٓ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ءادم ٱلسماء كها ثم عرضهم ع ٱلملئ ِ‬
‫َ ُ ْ ُ ۡ َ َ َ ۡ‬ ‫نت ۡم َص ٰ ِدق َ‬ ‫ه ُؤ َلٓءِ إن ُك ُ‬ ‫َۡ َٓ َ‬
‫حٰ َنك ل عِل َم‬ ‫ِني ‪ ٣١‬قالوا سب‬ ‫ِ‬ ‫ٰٓ‬ ‫بِأسماءِ‬
‫‪83‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫َ َ َ ٰٓ َ‬
‫ي َـٔاد ُم‬ ‫ِيم ‪ ٣٢‬قال‬ ‫ِيم ۡ َ‬
‫ٱلك ُ‬ ‫نت ۡٱل َعل ُ‬ ‫ك أَ َ‬ ‫َ َ ٓ َّ َ َ َّ ۡ َ َ ٓ َّ َ‬
‫لا إِل ما علمتنا ۖ إِن‬
‫َ‬
‫َ َ َ ُ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ُ َ ۡ َ ٓ ۡ َ َ َّ ٓ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ۢنبأهم بِأ ۡس َمائ ِ ِه ۡم قال أل ۡم أقل لك ۡم‬ ‫أۢنبِئهم بِأسمائ ِ ِهمۖ فلما أ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ن أَ ۡعلَ ُم َغ ۡي َ‬
‫ُ‬
‫ون َو َما ك ُ‬
‫نت ۡم‬
‫َ‬
‫َ ۡ ُ َ ُُۡ َ‬
‫ۡرض وأعلم ما تبد‬ ‫ت َوٱل ِ‬ ‫ب َّ َ َ‬
‫ٱلسمٰو ٰ ِ‬ ‫إِ ِّ ٓ‬
‫َ ُُۡ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫تكتم‬
‫فالمالئكة حينما �س�ألت ‪ -‬ب�صورة االعترا�ض‪ -‬انطلقت‬
‫من علم لديها بم�ستقبل �أ�سود للإن�سان‪ ،‬فيه �سفك للدماء‪،‬‬
‫و�إف�ساد في الأر�ض‪.‬‬
‫وم��ن الم�ؤ َّكد �أنَّ معلومات المالئكة كانت �صحيحة‪،‬‬
‫والتاريخ والحا�ضر خير �شاهدين على ذلك‪ ،‬لذا لم يقل‬
‫اهلل للمالئكة‪� :‬إنّ الإن�سان لن يف�سد في الأر�ض‪ ،‬ولن ي�سفك‬
‫الدماء‪ ،‬بل �أخبرها ب�أنَّ الم�شكلة فيها هي �ضيق النظرة؛‬
‫اطلعت على ج��زءٍ من لوحة الإن�سانية‪ ،‬وهو الجزء‬ ‫لأ َّنها َّ‬
‫تطلع على تمام اللوحة‪ .‬من هنا قال‬ ‫ال�سلبي‪ ،‬ولم َّ‬
‫ّ‬ ‫الأ�سود‬
‫َۡ ُ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٓ ۡ‬ ‫ّ‬
‫ون﴾‪ ،‬ولأجل اطالعها على الجزء‬ ‫ن أعل ُم َما ل تعلم‬ ‫لها‪﴿ :‬إ ِ ِ‬
‫الآخر من تلك اللوحة ع َّلم �آدم الأ�سماء ُك َّلها‪ ،‬ثم عر�ضهم‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآيات ‪.33 - 30‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪84‬‬

‫على المالئكة؛ ليع ِّرفهم �أنَّ نظرتهم لم تنطلق من مبد�أ‬


‫�صحيح؛ لكونها لم ت�شمل تمام اللوحة‪.‬‬

‫البالء بالمنظار ال�صحيح‬


‫�صحة النظرة �إلى‬ ‫انطالق ًا من هذا المبد�أ في تقييم ّ‬
‫نطل على البالء؛ لنفهم من خالل ذلك �س َّر النظرة‬ ‫الأ�شياء َّ‬
‫الزينبية‪.‬‬
‫والبالء عنوان لأمثلة عديدة كالفقر‪ ،‬والمر�ض‪ ،‬وموت‬
‫العزيز‪ ،‬وف�ق��دان الوظيفة‪ ،‬وح ��ادث ال�سير‪ ،‬وال��زل��زال‪،‬‬
‫والفي�ضان‪ ،‬والبركان‪ ،‬وغيرها‪ .‬فما هي النظرة ال�صحيحة‬
‫�إلى مثل هذه الأمور؟‬
‫من الوا�ضح ‪ -‬بنا ًء على ما تق َّدم‪� -‬أنَّ من الخط�أ الت�س ُّرع‬
‫والحكم بقبح هذه الأمور‪ ،‬بل ال ب َّد من درا�سة الإيجاب ّيات‬
‫وال�سلب ّيات جميع ًا لتنجلي من خالل ذلك ك ّل اللوحة‪ ،‬ثم‬
‫نحكم عليها‪.‬‬
‫�أما ال�سلب ّيات في الأمور ال�سابقة فوا�ضحة ال تحتاج �إلى‬
‫‪85‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫تف�صيل‪ ،‬فمن ي�سمع بالفقر والموت‪ ،‬والمر�ض‪ ،‬ي�ستح�ضر‬


‫�سلبياتها من المرارة والحزن والألم وغير ذلك‪.‬‬

‫�إيجاب َّيات البالء‬


‫لذا �أر ِّكز الكالم على �إيجاب َّيات تلك البالءات التي منها‪:‬‬
‫‪-1‬بناء ال�شخ�ص ّية القوية‬
‫�إنَّ البالء ي�ساهم ب�شكل كبير في بناء ال�شخ�صية القو َّية‬
‫للإن�سان‪.‬‬
‫وه ��ذا م��ا يظهر جل ًّيا م��ن خ�لال درا� �س��ة الأ�شخا�ص‬
‫المتف ِّوقين بين الب�شر الذين �ساهمت معاناتهم والم�صاعب‬
‫التي واجهوها في حياتهم‪ ،‬في �صناعة �شخ�ص ّياتهم الف ّذة‪.‬‬
‫والإمام علي ‪ Q‬ي�شير �إلى هذه الحقيقة في قوله «�أال‬
‫أ�صلب عوداً‪ ،‬والروائع الخ�ضرة � ُّ‬
‫أرق‬ ‫و�إ َّن ال�شجرة الب ِّر َّية � ُ‬
‫جلوداً»(((‪.‬‬
‫فالعا ِلم الناجح ال ي�صبح كذلك ‪ -‬عادة‪� -‬إال بعد درا�سة‬
‫((( الإمام علي ‪ ،Q‬نهج البالغة‪ ،‬ط‪،1‬دار الذخائر‪ ،‬قم‪� ،‬إيران‪ 1412 ،‬هـ‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫�ص‪.70‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪86‬‬

‫والريا�ضي المت�أ ِّلق ال ي�صبح كذلك ‪ -‬عادة ‪� -‬إال بعد‬ ‫ّ‬ ‫م�ضنية‪،‬‬
‫تدريب قا�س‪ .‬حالهما كحال الما�س الذي يتك َّون من كربون م َّر‬
‫ب�ضغوطات عالية‪.‬‬
‫‪-2‬ت�صويب الم�سار‬
‫�إنَّ البالء ي�ساعد في ت�صويب م�سار الإن�سان‪ ،‬في حياته‪،‬‬
‫وقد يوقظه من غفلته‪.‬‬
‫وقد َل َف َت القر�آن الكريم �إلى هذه الحقيقة في غير �آية‪.‬‬
‫َ َ ْ َۡ‬ ‫َ َ ۡ َ َ َ َّ ُ ّ َ‬
‫ۡرض‬ ‫ٱلر ۡزق ل ِ ِع َبادِه ِۦ لَغ ۡوا ِف ٱل ِ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬ولو بسط ٱلل ِ‬
‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كن ُي َ ّ ِنل ب ِ َق َدرٖ َّما ي َ َشا ُء ۚ إِنَّ ُهۥ ب ِ ِع َبادِه ِۦ َخبِ ُري ۢ بَ ِصري‪.(((﴾ٞ‬‬‫َول ٰ ِ‬
‫ابَانِبِهِۦ‬ ‫‍‬
‫ٔ‬ ‫نسن أَ ۡع َر َض َو َ َ‬
‫ن‬ ‫ٰ‬ ‫َٓ َۡ َ ۡ َ ََ ۡ َ‬
‫ِ‬ ‫ٱل ِ‬ ‫وقال تعالى‪ِ﴿ :‬إَوذا أنعمنا ع ِ‬
‫يض﴾(((‪.‬‬ ‫َ َ َّ ُ َّ ُّ َ ُ ُ َ ٓ َ‬
‫ِإَوذا مسه ٱلش فذو دع ٍء ع ِر ٖ‬
‫‪-3‬تعوي�ض الآخرة‬
‫�إنّ البالء يعقبه تعوي�ض �أخ ��روي يريح المعتقد به‪،‬‬
‫فقد ورد عن النبي‪�« :P‬إ َّن في الج َّنة �شجرة يقال لها‬
‫�شجرة البلوى‪ ،‬ي�ؤتى ب�أهل البالء يوم القيامة‪ ،‬فال ُيرفع‬
‫((( �سورة ال�شورى‪ ،‬الآية ‪.27‬‬
‫((( �سورة ف�صلت‪ ،‬الآية ‪.51‬‬
‫‪87‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫ي�صب عليهم الأجر‬ ‫لهم دي��وان‪ ،‬وال ين�صب لهم ميزان‪ُّ ،‬‬
‫�ص ّباً»(((‪.‬‬
‫وكتطبيق لذلك التعوي�ض الإلهي الكبير‪� ،‬أُعطي هذه‬
‫الأمثلة التي تع ّر�ضت لها الروايات‪:‬‬
‫�أ‪� -‬سقوط الجنين‬
‫عن النبي‪�« :P‬إ ّني مكاثر بكم الأمم‪ ،‬حتى � ّإن ال�سقط‬
‫ليظ ّل محبنطئاً على باب الج ّنة‪ ،‬فيقال له‪� :‬أدخل الج ّنة‪،‬‬
‫فيقول‪� :‬أنا و�أبواي‪ ،‬فيقال‪� :‬أنت و�أبواك»(((‪.‬‬
‫ب‪ -‬موت الولد‬
‫ورد �أنّ اهلل تعالى �أوحى �إلى نب ّيه داود ‪ Q‬ـ حينما‬
‫مات ولده وقد حزن عليه‪« :‬م��ا يعدل ه��ذا الولد عندك؟‬
‫قال ‪ :Q‬كان‪ ،‬يا رب‪ ،‬يعدل عندي ملء الأر�ض ذهباً»‪،‬‬
‫ف�أوحى اهلل تعالى �إليه‪« :‬فلك عندي ي��وم القيامة ملء‬
‫الأر�ض ثواباً»(((‪.‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،79‬ص‪.137‬‬
‫ال�شهيد الثاني‪ ،‬زين الدين‪ ،‬م�سكن الف�ؤاد‪ ،‬تحقيق ون�شر م�ؤ�س�سة �آل البيت ‪Q‬‬
‫(((‬
‫لإحياء التراث‪ ،‬ط‪،1‬قم‪ 1407،‬هـ‪� ،‬ص‪.5‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،79‬ص‪.121‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪88‬‬

‫‪ -‬وورد �أنّ النبي‪ P‬قال ل�صاحبه عثمان ابن مظعون‬


‫وق��د م��ات ول��ده وا�شت ّد حزنه عليه‪« :‬ي��ا اب��ن مظعون‪� ،‬إ َّن‬
‫للج ّنة ثمانية �أبواب‪ ،‬وللنار �سبعة �أبواب‪� ،‬أفما ي�س ُّرك �أن‬
‫ال ت�أتي باباً �إال وج��دت ابنك �إل��ى جنبه‪� ،‬آخ��ذاً بحجزتك‬
‫ي�ست�شفع لك �إلى ر ّبك‪ ،‬حتى ي�ش ّفعه اهلل تعالى(((؟»‪.‬‬
‫‪ -‬وورد عن النبي‪« :P‬م��ن ق �دَّم من �صلبه ول��داً لم‬
‫يبلغ الحنث كان �أف�ضل من �أن يخلف من بعده مائة ك ّلهم‬
‫يجاهدون في �سبيل اهلل ع ّز وجل‪ ،‬ال ت�سكن روعتهم �إلى‬
‫يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫ج‪ -‬مر�ض الج�سم‬
‫عن الر�سول الأكرم‪ّ �« :P‬إن الرجل ليكون له الدرجة‬
‫عند اهلل ال يبلغها بعمله‪ُ ،‬يبتلى ببالء في ج�سمه‪ ،‬فيبلغها‬
‫بذلك»(((‪.‬‬
‫�إن �صاحب ال �ب�لاءات حينما ي�ت��أ ّم��ل ه��ذه الن�صو�ص‬

‫((( ال�شهيد الثاني‪ ،‬زين الدين‪ ،‬م�سكن الف�ؤاد‪� ،‬ص‪.20‬‬


‫((( النوري‪ ،‬ح�سين‪ ,‬م�ستدرك الو�سائل‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪.392‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،78‬ص‪.174‬‬
‫‪89‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫الدين ّية �سي�شعر بمزيج من الألم واللذة‪ ،‬كحالة الم�سافر‬


‫الذي كان في بلد بعيد‪ ،‬و�أراد �أن يرجع �إلى �أهله في لبنان‪،‬‬
‫تحط الطائرة في مطار باري�س‬ ‫وكانت رحلته تقت�ضي �أن ّ‬
‫«ت��ران��زي��ت»‪ ،‬لينتظر فيه ث�لاث �ساعات‪ ،‬ثم تقلع بعدها‬
‫الطائرة‪.‬‬
‫وك��ان هذا الرجل قد �أبلغ �أهله بموعد الطائرة حيث‬
‫�سيكونون في مطار بيروت عند الموعد المح ّدد‪� .‬إال �أنّ‬
‫طارئ ًا حدث في مطار باري�س ا�ضط َّر الراكب ب�سببه �أن‬
‫ينتظر فيه ع�شر �ساعات �إ�ضاف ّية‪.‬‬
‫ال�س�ؤال‪ :‬كيف �ستكون حالته النف�سية؟‬
‫�شك �أنّ كثير ًا من النا�س ي�صيبهم �ضيق ال�صدر‬ ‫ال ّ‬
‫والكدر والحزن على ذلك‪ ،‬ولكن لو �أنّ هذا الم�سافر �أُبل َغ‬
‫ب�شكل يقيني �أنَّ ك ّل �ساعة زائدة عن الموعد المح َّدد في‬
‫مطار باري�س �ستوجب له تعوي�ض ًا قيمته ‪ 50000‬يورو‪ ،‬فكيف‬
‫حينئذ؟‬
‫�ستكون حالته ٍ‬
‫ال ّ‬
‫�شك �أنَّ هذا الإن�سان �ستتغ ّير حالته المعنوية‪ .‬وهو حينما‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪90‬‬

‫يف ّكر في ت�أخير ك ّل �ساعة وم�ضاعفاته‪ ،‬قد يغمره �شعور بالر�ضا‬


‫على هذا الت�أخير‪ ،‬بل الفرح‪ ،‬لأنَّ ر�صيده المالي �سي�صبح بعد‬
‫ع�شر �ساعات ‪ 500000‬يورو‪.‬‬
‫ولو �أنّ هذا الم�سافر �أُبلغ يقيني ًا �أ ّنه �إذا تع ّر�ض‪ ،‬في فترة‬
‫كف‪ ،‬ف�إ ّنه �سيع َّو�ض عليه بـ ‪100000‬‬ ‫الت�أخير‪� ،‬إلى �ضربة ّ‬
‫يورو عن كل �ضربة‪،‬‬
‫ف�إنه �إذا ُ�ضرب‪ ،‬قد ي�شعر بالألم‪ ،‬لك ّنه حينما يف ّكر‬
‫بزيادة ر�صيده المالي مئة �ألف يورو �سي�شعر �أي�ض ًا باللذة‪.‬‬
‫بل قد ي�شعر �شعور الأولياء الذين يفهمون البالء ر�سالة‬
‫حب من اهلل تعالى‪ ،‬كحال ذلك العالم الذي لم ُيرزق بولد‪،‬‬ ‫ٍّ‬
‫ف�أخذ يدعو اهلل تعالى طوي ًال حتى رزقه بولد ملأ حياته‬
‫�سعادة و�سرور ًا‪ ،‬وتع ّلق قلبه به تع ّلق ًا كبير ًا‪ .‬وذات يوم ‪-‬‬
‫حينما ك��ان يعظ النا�س‪ -‬ج��اءه خبر وف��اة ول��ده الوحيد‪،‬‬
‫ف�أكمل موعظته بدون �أن يبدو عليه الحزن المتو ّقع‪ ،‬وبعدها‬
‫طلب من النا�س �أن ي�شاركوه في ت�شييع ولده‪.‬‬
‫�س�أله �أحدهم‪� :‬إني �أعلم �أ ّنك تع�شق ولدك‪َ ،‬‬
‫فلم لم يب ُد‬
‫عليك �آثار الحزن عليه؟‬
‫‪91‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫ف�أجابه‪« :‬حينما جاءني خبر وفاته‪ ،‬خطر في قلبي � ّأن‬


‫بحب غيره‪ ،‬فتو ّفاه تعالى‬
‫اهلل تعالى َعلِم �أ َّن قلبي تع ّلق ّ‬
‫حتى ال ي�سكن قلبي �إال ح ُّبه‪ ،‬فر�ضيت»‪.‬‬
‫�إنّ ما تق ّدم يو�ضح كلمة بع�ض العرفاء ب�أن الفرق بين‬
‫العذاب والعذب �أَ ِل ٌف ال ُتقر�أ‪.‬‬
‫ا�ستفادات من فل�سفة البالء‬
‫�إن هذه النظرة �إلى البالء تفهمنا‪:‬‬
‫‪ -1‬لماذا ن�سب اهلل تعالى البالء لنف�سه في قوله تعالى‪:‬‬
‫َ ُۡ ِ َ ۡ‬ ‫شء ّم َِن ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ ُ َّ ُ‬
‫وع َونق ٖص ّم َِن‬ ‫ٱل ۡو ِف وٱل‬ ‫﴿ولَبل َونكم ب ِ ۡ ٖ‬
‫ٱلصٰب َ‬‫َّ‬ ‫َ َّ َ َ ٰ َ َ ّ‬ ‫ۡ َۡ َٰ َ ۡ َ ُ‬
‫ين﴾(((‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ش‬
‫ِۗ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ٱثل‬ ‫و‬ ‫س‬‫ٱلمو ِل وٱل ِ‬
‫نف‬
‫ـر ف ِۡت َن ٗة ۖ َ ۡ‬
‫ِإَول َنا‬ ‫وكم ب َّ ّ َ ۡ َ ۡ‬ ‫ََُۡ ُ‬
‫ٱلش وٱلـ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وق��ول��ه تعالى‪﴿ :‬ونبل‬
‫ُ ۡ َ ُ َ (((‬
‫ترجعون﴾‬
‫ُ َ‬
‫وقوله تعالى‪ِ﴿ :‬إَون ك َّنا ل ُم ۡب َتل َِني﴾(((‪.‬‬

‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.155‬‬


‫((( �سورة الأنبياء‪ ،‬الآية ‪.35‬‬
‫((( �سورة الم�ؤمنون‪ ،‬الآية ‪.30‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪92‬‬

‫‪� -2‬س ّر حديث الإمام ال�صادق ‪ّ �« :Q‬إن �أ�ش ّد النا�س‬


‫بالء الأنبياء‪ ،‬ثم الأولياء‪ ،‬ثم الذين يلونهم الأمثل‬
‫فالأمثل»(((‪.‬‬
‫نبي مثل ما �أوذيت»(((‪.‬‬ ‫وحديث النبي‪« :P‬ما �أوذي ّ‬
‫‪ -3‬معنى ما �أ ّدبنا اهلل تعالى به حينما ُن�صاب بابتالء‪ ،‬ب�أن‬
‫نقول‪« :‬الحمد هلل الذي ال ُيح َمد على مكروه �سواه»‪.‬‬
‫فالحمد هو ثناء و�شكر‪ ،‬ثناء على لوحة الجمال الر َّبانية‪،‬‬
‫و�شكر على عطاء اهلل تعالى ب�سبب بالئه‪.‬‬
‫حينما ي�ستح�ضر الإن�سان �آثار البالء ونتائجه الإيجابية‪،‬‬
‫�سوف يفهم �س َّر نظرة ال�س ّيدة زينب ‪� O‬إل��ى ملحمة‬
‫عا�شوراء‪ .‬فهي‪ ،‬و�إن كانت قد ا�ستح�ضرت ك َّل الم�أ�ساة‬
‫فيها‪� ،‬إال �أنها ا�ستح�ضرت �أي�ض ًا �أنَّ هذه النه�ضة �أبقت‬
‫الإ�سالم ح ًّيا‪ ،‬و�أنَّ هذه النه�ضة منعت قافلة الإن�سانية من‬
‫ع�شاق ًا‬
‫االنحراف في م�سيرتها‪ ،‬و�أنَّ هذه النه�ضة �صنعت ّ‬

‫((( الحر العاملي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ،‬و�سائل ال�شيعة‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪.906‬‬


‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،39‬ص‪.54‬‬
‫‪93‬‬ ‫ةيبنيزلا ةحوللا يف ءاروشاع‬

‫�شهداء ال ي�سبقهم �أحد قبلهم وال يلحق بهم �أحد بعدهم‪.‬‬


‫ال»(((‪.‬‬
‫لذلك قالت ‪« :O‬ما ر�أيت �إال جمي ً‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,45‬ص ‪.116‬‬


‫‪6‬‬
‫العمر واغتنام‬
‫اللحظة‬
‫م َّر في حديثنا عن �أ�صحاب الإمام الح�سين ‪� Q‬أ َّنهم‬
‫كانوا متن ّوعين في �أعمارهم‪.‬‬
‫• فمنهم �شيوخ كبار متقدِّ مون بالعمر‪.‬‬
‫• ومنهم �شبان في ربيع العمر‪.‬‬
‫• ومنهم فتية نا�شئة‪.‬‬
‫• ومنهم �أطفال ُر َّ�ضع‪.‬‬
‫�أم��ام ه��ؤالء ال�شهداء �أو ّد الوقوف عند مو�ضوع العمر‬
‫واغتنام الفر�صة فيه‪.‬‬

‫حقائق في العمر‬
‫هناك حقائق في العمر غير خافية على �أح��د‪ ،‬لكن‬
‫يح�سن لك ّل واحد م ّنا �أن يبقى ذاكر ًا لها‪ ،‬فالعمر‪:‬‬
‫‪ -1‬ي�سير كال�ساعة الرمل ّية‪ ،‬ك َّلما �سار ق َّل‪ ,‬لذا ف�أكبر عمر‬
‫الإن�سان لي�س حين يموت‪ ،‬بل هو ‪-‬كما يقول الإمام‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪98‬‬

‫زين العابدين‪�« :-Q‬أكبر ما يكون ابن �آدم اليوم‬


‫الذي يولد من � ّأمه»(((‪.‬‬
‫‪ - 2‬ي�سير ب�سرعة‪ ,‬فعن الإم��ام علي‪« :Q‬م��ا �أ�سرع‬
‫ال�ساعات في اليوم‪ ،‬و�أ�سرع الأ ّيام في ال�شهر‪ ،‬و�أ�سرع‬
‫ال�شهور في ال�سنة‪ ،‬و�أ�سرع ال�سنين في العمر»(((‪.‬‬
‫‪ - 3‬ال ي�شعر الإن�سان ب�سرعته‪ ,‬بل هو ق�صير مهما طال‪,‬‬
‫فقد روي �أنّ جبرئيل‪ Q‬قال لنوح ‪« :Q‬ي��ا �أط��ول‬
‫الأنبياء عمراً‪ ،‬كيف وجدت الدنيا؟ قال‪ :‬كدار لها بابان‪،‬‬
‫دخلت من �أحدهما وخرجت من الآخر»(((‪.‬‬
‫‪� - 4‬إنَّ �أكثر �أوقات العمر ال ي�ستفيد منها �أكثر النا�س‪.‬‬
‫قال ال�شاعر‪:‬‬
‫�إذا ع ��ا� � َ�ش ال �ف �ت��ى ��س�ت�ي��نَ ع��ام � ًا‬
‫ف�ن���ص� ُ�ف ال�ع�م��ر ت�م�ح� ُق��ه الليالي‬

‫((( ال�صدر‪ ,‬محمد مهدي‪� ,‬أخالق �أهل البيت‪(,‬ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬ن)‪( ,‬ال‪,‬ت)‪� ,‬ص ‪.269‬‬
‫((( نهج البالغة‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.128‬‬
‫((( الري �شهري‪ ,‬محمد‪ ,‬ميزان الحكمة‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.919‬‬
‫‪99‬‬ ‫ةظحللا مانتغاو رمعلا‬

‫يذهب لي�س يدري‬ ‫ُ‬ ‫الن�صف‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ون�صف‬
‫ل �غ �ف �ل �ت��ه ي �م �ي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ن � ًا ع� ��ن � �ش �م� ِ‬
‫�ال‬
‫وب ��اق ��ي ال �ع �م��ر �أ�� �س� �ق ��ا ٌم و� �ش �ي� ٌ�ب‬
‫�ال‬
‫وه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ � ٌّم ب��ارت �ح �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ال وان �ت �ق� ِ‬
‫ف �ح� ُّ�ب ال �م ��رء ط ��ول ال �ع �م��ر ج�ه� ٌل‬
‫وق�����س��م�� ُت ��ه ع� �ل ��ى ه � ��ذا ال� �م� �ث � ِ‬
‫�ال‬
‫وبعملية ح�ساب ّية �أول َّية تعر�ض �أوقات �إن�سان في ال�ساد�سة‬
‫والخم�سين من عمره‪ ،‬في الجدول الآتي‪:‬‬
‫ما ي�ستغرقه ما ي�ستغرقه‬ ‫نوع الن�شاط‬
‫بال�ساعات يوم َّياً بال�سنوات‬
‫‪6‬‬ ‫‪ 1‬ـ لهو الطفولة في ال�سنوات ال�ست الأولى‬
‫‪17‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ 2‬ـ النوم‬
‫‪3‬‬ ‫‪1 1/2‬‬ ‫‪ 3‬ـ تناول الطعام‬
‫‪17‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪ 4‬ـ الدرا�سة والعمل‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ 5‬ـ التنقل من مكان �إلى �آخر‬
‫‪1‬‬ ‫‪1/2‬‬ ‫‪ 6‬ـ االت�صاالت الهاتفية‬
‫‪1‬‬ ‫‪1/2‬‬ ‫‪ 7‬ـ مراجعات حكومية وقانونية‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ 8‬ـ لقاءات ود ّية مع �آخرين‬
‫‪2‬‬ ‫‪1 1/2‬‬ ‫‪ 9‬ـ �أعمال منزلية ورحالت‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪100‬‬

‫مجموع ال�سنوات في هذه العناوين‪� 51 :‬سنة‪.‬‬


‫الباقي ‪� 5‬سنوات‪,‬كل �ساعة بـ �سنتين‪.‬‬

‫توجيهات مقابل الحقائق‬


‫‪-1‬الإم�ساك بزمام المبادرة‬
‫عن الإمام علي‪ّ �« :Q‬إن الليل والنهار يعمالن فيك‪،‬‬
‫فاعمل فيهما‪ ،‬وي�أخذان منك فخذ منهما»(((‪.‬‬
‫‪-2‬اغتنام عنا�صر الق َّوة‬
‫ورد �أنَّ النبي‪P‬قال ألب ��ي ذ ّر (ر�� ��ض)‪« :‬ي ��ا �أب ��ا‬
‫ذ ّر‪ ،‬اغ�ت�ن��م خ�م���س�اً ق�ب��ل خ�م����س‪�� :‬ش�ب��اب��ك ق�ب��ل ه��رم��ك‪،‬‬
‫و�صحتك قبل �سقمك‪ ،‬وغ�ن��اك قبل ف�ق��رك‪ ،‬وفراغك‬
‫قبل �شغلك‪ ،‬وحياتك قبل موتك»(((‪.‬‬
‫‪-3‬ملء الوقت بالعمل ال�صالح‬
‫النبي‪« :P‬يفتح للعبد ي��وم القيامة على ك ّل‬ ‫عن ّ‬
‫يوم من �أ ّيام عمره �أربع وع�شرون خزانة‪ ،‬عدد �ساعات‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪.2113 ,3‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,1‬ص ‪.86‬‬
‫‪101‬‬ ‫ةظحللا مانتغاو رمعلا‬

‫الليل والنهار‪ ،‬فخزانة يجدها مملوءة نوراً و�سروراً‪,‬‬


‫فيناله عند م�شاهدتها من الفرح وال�سرور ما لو ُو ِّزع‬
‫على �أه��ل ال�ن��ار‪ ،‬لأده�شهم ع��ن الإح�سا�س ب��أل��م النار‪،‬‬
‫وهي ال�ساعة التي �أطاع فيها ر ّبه‪ .‬ثم يفتح له خزانة‬
‫�أخ ��رى‪ ،‬ف�ي��راه��ا مظلمة منتنة م�ف��زع��ة‪ ،‬فيناله منها‬
‫عند م�شاهدتها م��ن ال�ف��زع وال�ج��زع م��ا ل��و ق�سم على‬
‫�أه��ل الج َّنة لن َّغ�ص عليهم نعيمها‪ ،‬وهي ال�ساعة التي‬
‫ع�صى فيها ر ّب ��ه‪ .‬ث��م يفتح ل��ه خ��زان��ة �أخ ��رى‪ ،‬فيراها‬
‫خالية لي�س فيها ما ي�س ّره وال ي�سو�ؤه‪ ,‬وه��ي ال�ساعة‬
‫ال �ت��ي ن ��ام ف�ي�ه��ا‪� ،‬أو ا��ش�ت�غ��ل ف�ي�ه��ا ب���ش��يء م��ن م�ب��اح��ات‬
‫الدنيا‪ ،‬فيناله من الغبن والأ��س��ف على فواتها حيث‬
‫كان متم ِّكناً من � ْأن يملأها ح�سنات ما ال يو�صف‪ .‬ومن‬
‫َ‬
‫ٱتل َغابُ ِۗن﴾(((»(((‪.‬‬
‫﴿ذٰل َِك يَ ۡو ُم َّ‬ ‫هذا قوله تعالى‪:‬‬

‫((( �سورة التغابن‪ ,‬الآية ‪.9‬‬


‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،7‬ص‪.262‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪102‬‬

‫‪-4‬الم�سارعة في عمل ال�صالحات‬


‫ْ‬ ‫﴿فَ ۡ‬ ‫ْ‬
‫فالعمر‬ ‫ٱستَبِ ُقوا﴾(((‪.‬‬ ‫﴿و َسارِ ُع ٓوا﴾(((‪,‬‬
‫قال تعالى‪َ :‬‬

‫ال�سريع يوجب �سرعة اال�ستفادة منه‪ .‬قال ال�شاعر‪:‬‬


‫أم�س َك الما�ضي �شهيد ًا مع َّد ًال‬ ‫م�ضى � ُ‬
‫�وم عليك �شهي ُد‬ ‫و�أ��ص�ب�ح� َ�ت ف��ي ي � ٍ‬
‫اقترفت �إ�ساءة‬ ‫َ‬ ‫كنت بالأم�س‬
‫ف ��إنْ َ‬
‫�ان‪ ،‬و�أن� � ��ت ح�م�ي� ُد‬
‫ف��ث ��نِّ ب� ��إح� ��� �س � ٍ‬
‫غد‬ ‫فعل الخير يوم ًا �إل��ى ٍ‬ ‫�رج َ‬‫وال ُت� ِ‬
‫ل� �ع� � َّل غ� � ��د ًا ي � ��أت� ��ي و�أن � � ��ت ف�ق�ي��د‬
‫ورد �أنَّ ملك الموت �إذا ظهر للعبد �أعلمه �أ ّنه بقي من‬
‫عمره �ساعة‪ ،‬و�أ ّنه ال ي�ست�أخر عنها‪ ,‬فيبدو للعبد من الأ�سف‬
‫ما لو كانت له الدنيا كلُّها لخرج منها على �أن ي�ض َّمه �إلى‬
‫ال�ساعة �ساعة �أُخرى‪ ,‬فيتدارك في تفريطه فيها‪ ,‬فال يجد‬
‫�إليها �سبي ًال‪ ،‬يقول لملك الموت‪ :‬م ِّهلني يوم ًا‪ ,‬يقول‪� :‬ض َّيعت‬

‫((( �سورة �آل عمران‪ ،‬الآية‪.133 :‬‬


‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية‪.148 :‬‬
‫‪103‬‬ ‫ةظحللا مانتغاو رمعلا‬

‫الأيام‪ ,‬فيقول العبد‪ :‬م ّهلني �ساعة �أتدارك فيها‪ ,‬فيقول‪ :‬قد‬
‫�ض ّيعت ال�ساعات‪.‬‬
‫وورد عن الإمام علي‪�« :Q‬أ ُّيها النا�س‪ ،‬الآن الآن ما‬
‫دام الوثاق مطلقاًَ‪ ,‬وال�سراج منيراً‪ ,‬وباب التوبة مفتوحاً‬
‫يجف القلم‪ ,‬و ُتطوى ال�صحف»(((‪.‬‬ ‫من قبل �أن َّ‬
‫‪-5‬القيام ب�أح�سن الأعمال‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬
‫﴿ٱلِي َخلَ َق ٱل ۡ َم ۡو َ‬
‫ٱل َي ٰوةَ ِلَ ۡبل َوك ۡم أيُّك ۡم‬
‫ت َو َ‬ ‫قال تعالى‪:‬‬
‫ٗ‬ ‫َ‬
‫أ ۡح َس ُن َع َمل ۚ﴾(((‪.‬‬
‫العمل الح�سن هو الذي يكون موافق ًا للحكم ال�شرعي‪،‬‬
‫وي�ؤتى به ب�إخال�ص هلل تعالى‪.‬‬
‫توجهه هلل‬‫و�أح�سن الأعمال هو ما جمع فيه الإن�سان بين ُّ‬
‫تعالى‪ ،‬وخدمة النا�س على قاعدة الحديث ال�شريف‪« :‬الخلق‬
‫أحب خلقه �إليه �أنفعهم لعياله»(((‪.‬‬ ‫ك ّلهم عيال اهلل‪ ،‬ف� ّ‬

‫((( الميرجهاني‪ ,‬ح�سن‪ ,‬م�ستدرك نهج البالغة‪( ,‬ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬ن)‪1388 ,‬هـ‪ ,‬ج‪� ,2‬ص‬
‫‪.117‬‬
‫((( �سورة الملك‪ ,‬الآية ‪.2‬‬
‫((( الحلي‪ ,‬الر�سالة ال�سعدية‪ ,‬ط‪ ,1‬قم‪1410 ,‬هـ‪� ,‬ص ‪.160‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪104‬‬

‫‪-6‬اغتنام اللحظة الوقتية‬


‫النبي‪« :P‬كنْ على عمرك �أ�ش َّح منك على ِد ْرهَمِ ك‬ ‫عن ّ‬
‫ودينارك»(((‪.‬‬
‫وقد يح ِّقق الإن�سان هذا االغتنام من خالل تحويل ك ّل‬
‫عمله هلل تعالى‪ ,‬فينام ويتناول الطعام ويمار�س الريا�ضة بن َّية‬
‫التق ِّوي على عبادة اهلل تعالى‪ ،‬والعمل في �سبيله‪ ،‬وهكذا‪...‬‬
‫‪-7‬اغتنام اللحظة النوعية‬
‫النبي‪ّ �« :‬إن ل��ر ّب�ك��م ف��ي �أ ّي ��ام ده��رك��م ن�ف�ح��ات‪� ،‬أال‬
‫عن ّ‬
‫فتع َّر�ضوا لها»(((‪.‬‬
‫من ه��ذه النفحات منا�سبات زمنية ك�شهر رم�ضان‪،‬‬
‫الحج‪ ،‬و�أيام الجمعة‪ ،‬وعيد الغدير‪ ،‬ومنها فر�ص‬ ‫ومو�سم ّ‬
‫قد ال تتك ّرر‪.‬‬
‫الق�صة‪:‬‬
‫فلنعتبر من هذه ّ‬
‫عن الإمام الباقر ‪ Q‬قال‪ّ �« :‬إن ر�سول اهلل ‪ P‬كان‬

‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج ‪� ,74‬ص ‪.76‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج ‪� ,68‬ص ‪.221‬‬
‫‪105‬‬ ‫ةظحللا مانتغاو رمعلا‬

‫نزل على رجل بالطائف‪ ،‬قبل الإ�سالم‪ ،‬فل َّما �أن بعث اهلل‬
‫مح ّمداً ‪�P‬إلى النا�س‪ ،‬قيل للرجل‪� :‬أت��دري من الذي‬
‫�أر�سله اهلل ع� َّز وج� َّل �إل��ى النا�س؟ ق��ال‪ :‬ال‪ ،‬قالوا ل��ه‪ :‬هو‬
‫مح ّمد بن عبد اهلل‪ ،‬يتيم �أبي طالب‪ ،‬وهو الذي كان نزل‬
‫بك بالطائف‪ ،‬يوم كذا وكذا ف�أكرمته‪ .‬فقدم الرجل على‬
‫ر�سول اهلل ‪P‬ف�س َّلم عليه‪ ،‬و�أ�سلم‪ ،‬ثم قال له‪� :‬أتعرفني يا‬
‫رب المنزل الذي‬ ‫ر�سول اهلل؟ قال ‪ :P‬ومن �أنت؟ قال‪� :‬أنا ّ‬
‫نزلت به بالطائف في الجاهل ّية‪ ،‬يوم كذا وكذا‪ ،‬ف�أكرم ُتك‪،‬‬
‫فقال له ر�سول اهلل ‪ :P‬مرحباً بك‪�َ ،‬س ْل حاجتك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫�أ�س�ألك مئتي �شاة برعاتها‪ ،‬ف�أمر له ر�سول اهلل ‪P‬بما �س�أل‪،‬‬
‫ثم قال لأ�صحابه‪ :‬ما كان على هذا الرجل لو �س�ألني �س�ؤال‬
‫عجوز بني �إ�سرائيل لمو�سى ‪ Q‬بما �س�أل‪ ،‬فقالوا‪ :‬وما‬
‫�س�ألت عجوز بني �إ�سرائيل لمو�سى ‪Q‬؟ فقال ‪� :P‬إ َّن‬
‫اهلل ع ّز ذكره �أوحى �إلى مو�سى‪� Q‬أن احمل عظام يو�سف‬
‫‪ Q‬من م�صر قبل �أن تخرج منها �إلى الأر�ض المقدّ�سة‬
‫بال�شام‪ ،‬ف�س�أل مو�سى ‪ Q‬عن قبر يو�سف ‪ Q‬فجاء‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪106‬‬

‫�شيخ فقال‪ْ � :‬إن كان �أحد يعرف قبره ففالنة‪ ،‬ف�أر�سل مو�سى‬
‫‪� Q‬إليها‪ ،‬فل ّما جاءته قال‪ :‬تعلمين مو�ضع قبر يو�سف‬
‫‪Q‬؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬ق��ال ‪ :Q‬فد ّليني عليه‪ ،‬ول��ك ما‬
‫� �س ��أل��ت‪ .‬ق��ال��ت‪ :‬ال �أد ّل� ��ك عليه �إال ب�ح�ك�م��ي‪ .‬ق ��ال ‪:Q‬‬
‫فالج ّنة‪ ،‬قالت‪ :‬ال �إال بحكمي عليك‪ ،‬ف�أوحى اهلل ع ّز وج ّل‬
‫�إل��ى مو�سى ‪ :Q‬ال يكبر عليك �أن تجعل لها حكمها‪،‬‬
‫فقال لها مو�سى ‪ :Q‬فلك حكمك قالت‪ :‬ف ��إ ّن حكمي‬
‫�أن �أكون معك في درجتك التي تكون فيها يوم القيامة في‬
‫الج ّنة‪ .‬فقال ر�سول اهلل ‪ :P‬ما كان على هذا لو �س�ألني ما‬
‫�س�ألت عجوز بني �إ�سرائيل»(((‪.‬‬

‫عا�شوراء واغتنام اللحظة‬


‫وع��ا��ش��وراء مدر�سة عظيمة في اغتنام اللحظة التي‬
‫نقلت بع�ض من فيها من قعر جه َّنم �إلى ّ‬
‫«ع�شاقٍ ‪� ,‬شهداء‪ ,‬ال‬
‫ي�سبقهم من كان قبلهم وال يلحقهم من بعدهم»‪.‬‬

‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكافي‪ ،‬ج‪� ،8‬ص‪.55‬‬


‫‪107‬‬ ‫ةظحللا مانتغاو رمعلا‬

‫فالح ّر بن يزيد الرياحي هو الذي حا�صر الإمام الح�سين‬


‫�وط��ىء‪ ,‬والمهيئ‬ ‫‪ Q‬و�أح�ضره �إل��ى ك��رب�لاء‪ ,‬فهو ال�م� ِّ‬
‫لمذبحة كربالء‪ ,‬لكنه اغتنم اللحظة حينما واجه الموقف‬
‫ال�صعب‪.‬‬
‫ذه��ب �إل��ى «ع�م��ر ب��ن �سعد» و�س�أله‪� :‬أمقاتل �أن��ت هذا‬
‫الرجل؟‪�،‬أي الح�سين ‪.Q‬‬
‫ف�أجابه «عمر»‪� :‬أي واهلل‪ ،‬قتا ًال �أي�سره �أن تطيح الأيدي‪،‬‬
‫وتتقطع الر�ؤو�س‪ ،‬وتتطاير ال ّ‬
‫أكف‪.‬‬ ‫ّ‬
‫هنا ا�شت ّد ال�صراع في داخ��ل «ال� ُ�ح � ّر» وظ� َّ�ل ُيف ّكر في‬
‫م�صيره‪ .‬وفيما هو ُيف ّكر �أ�صابته رع�شة فارتعد‪ ،‬م ّما �أثار‬
‫ده�شة �أحد رفاقه‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫�إنّ �أمرك لعجيب‪ ،‬فواهلل لو ُ�سئلت عن �أ�شجع �أهل الكوفة‬
‫�أو العراق لما َعد ْو ُتك‪ ،‬فماذا �أ�صابك؟‬
‫ف�أجابه‪� :‬إ ّني ُمخ ّي ٌر بين الج ّنة والنار‪ ،‬فواهلل ال �أختار‬
‫قت و�أُ ُ‬
‫حرقت‪.‬‬ ‫على الج ّنة �شيئ ًا �أبد ًا‪ ،‬و�إن ُق ِّط ُ‬
‫عت و ُم ِّز ُ‬
‫«الح ّر» �إلى خيمة الإمام الح�سين ‪،Q‬‬ ‫بعد ذلك ذهب ُ‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪108‬‬

‫علي‪ ،‬لقد �أرعبتُ‬‫وج��اء منادي ًا‪« :‬الله َّم �إليك تبتُ فتب َّ‬
‫ُقلوب �أوليائك و�أوالد نب ّيك‪»..‬‬
‫وعندما وقف �أمام خيمة الإمام كان ر�أ�سه منحني ًا على‬
‫�سرج فر�سه‪ ،‬فقال للإمام‪�« :‬أنا �صاحبك الذي حب�ستك عن‬
‫الرجوع‪ ،‬و�سايرتك في الطريق‪ ،‬وجعجعت بك الطريق‪،‬‬
‫�س ّيدي وموالي‪ ،‬جئتك تائباً �إلى اهلل م ّما كانت م ّني‪ ،‬فهل‬
‫ترى لي من توبة؟ فقال له الإمام‪ :‬نعم‪ ،‬يتوب اهلل عليك‪،‬‬
‫ف��أن��ت ال�ح� ّر ف��ي الدنيا‪ ،‬و�أن ��ت ال�ح� ّر ف��ي الآخ ��رة �إن �شاء‬
‫اهلل»(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المق َّرم‪ ،‬عبد الرزاق‪ ،‬مقتل الح�سين‪� ،Q‬ص‏‪.236‬‬


‫‪7‬‬
‫األمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‬
‫ف��ي ر�سالة الإم ��ام الح�سين ‪� Q‬إل ��ى �أخ�ي��ه مح َّمد بن‬
‫الحنف ّية تحدّث عن �أ�سباب نه�ضته قائ ًال‪�« :‬إ ّني لم �أخرج �أ�شراً وال‬
‫خرجت لطلب الإ�صالح في‬ ‫ُ‬ ‫بطراً‪ ،‬وال مف�سداً وال ظالماً‪ ,‬و�إ ّنما‬
‫�أمّة جدّي ر�سول اهلل ‪� .P‬أريد �أن �آمر بالمعروف و�أنهى عن‬
‫علي بن �أبي طالب ‪.(((»Q‬‬ ‫المنكر‪ ،‬و�أ�سير ب�سيرة جدّي و�أبي ّ‬
‫من بديه َّيات التعاليم الإ�سالمية �أ ّنها رف�ضت االنزواء‬
‫في المجتمع‪ ,‬فال رهبان ّية في الإ�سالم الذي ب َّدل ب�صومعة‬
‫الم�سجد الجامع الذي يتفاعل فيه �أهله في‬ ‫َ‬ ‫التكامل الفردي‬
‫مختلف ق�ضاياهم االجتماعية مع عباداتهم فيه‪.‬‬
‫ولع َّل من �أه� ّ�م العناوين الإ�سالمية التي ُتبرز اهتمام‬
‫الإ��س�لام بالمجتمع هو «الأم� ��ر ب��ال�م�ع��روف وال�ن�ه��ي عن‬
‫ال ُمنكر» ال َّلذ ْين ورد عن الإمام الباقر‪� Q‬أ ّنهما‪�« :‬سبيل‬
‫الأنبياء ومنهاج ال�صلحاء»(((‪.‬‬
‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،44‬ص‪.324‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬ج‪� ,16‬ص ‪.119‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪112‬‬

‫�سر المرتبة‬
‫ُّ‬
‫إلهي من خلق اهلل تعالى‬‫وخلف َّية ذلك تكمن بالهدف ال ّ‬
‫للإن�سان‪ ،‬وهو الكمال الذي يريد ع ّز وج ّل �أن يتح ّقق من‬
‫خالل �أمرين‪:‬‬
‫الأول‪ :‬كمال الإن�سان الفردي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬كمال المجتمع الإن�ساني وقافلة الب�شرية‪.‬‬
‫فكما �أنّ الإن�سان عليه �أن ي�سعى لكمال نف�سه‪ ,‬فعليه �أن‬
‫يتح ّمل م�س�ؤوليته في كمال المجتمع الذي بدونه ال يتح ّقق‬
‫الفردي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الكمال‬

‫الأمر بالمعروف‬
‫من هنا كانت القيمة العالية للأمر بالمعروف بين‬
‫النا�س‪ ,‬فعن الر�سول الأكرم‪« :P‬والذي نف�سي بيده‪ ,‬ما‬
‫أحب من قول الخير»(((‪ .‬وعنه‪:P‬‬‫�أنفق النا�س من نفق ٍة � ّ‬
‫«الدال على الخير كفاعله»(((‪.‬‬
‫ُّ‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪� ,‬ص ‪.123‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪� ,‬ص ‪.124‬‬
‫‪113‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫وقد �أ َّكدت الن�صو�ص الدينية و�سيرة الأنبياء والأو�صياء‬


‫على التزام الحكمة في �أ�سلوب الأمر بالمعروف‪ ,‬ولنا في‬
‫موقف الإمامين الح�سن والح�سين ‪ L‬خير �شاهد على‬
‫ذلك‪ ،‬حينما ر�أيا �شيخ ًا يتو�ض�أ وال يح�سن الو�ضوء‪ ،‬ف�أظهرا‬
‫تنازع ًا يقول ك ُّل منهما للآخر‪�« :‬أن��ت ال تح�سن الو�ضوء‪،‬‬
‫وق��اال‪� :‬أ ّيها ال�شيخ‪ ،‬كن حكماً بيننا فتو�ض�أ‪ ،‬وق��اال‪� :‬أ ّينا‬
‫يح�سن الو�ضوء؟ فقال ال�شيخ‪ :‬كالكما تح�سنان الو�ضوء‪،‬‬
‫ولكن هذا ال�شيخ الجاهل هو الذي لم يح�سن‪ ،‬قد تع َّلم‬
‫الآن منكما‪ ،‬وتاب على يديكما ببركتكما و�شفقتكما على‬
‫�أ ّمة جدّكما»(((‪.‬‬
‫ُيع ّلمنا الح�سن الح�سين ‪ L‬في هذه الق�صة كيف‬
‫ندعو �إل��ى اهلل تعالى بما ُي�ق� ِّرب الآخ��ري��ن �إل��ى الإ�سالم‬
‫بالأ�سلوب الهادى‏ء الحكيم‪ ،‬ال كما يفعل بع�ض النا�س الذين‬
‫ُين ّفرون النا�س من الدين والإيمان‪ ،‬كذلك ال�شخ�ص الم�سلم‬
‫الن�صراني‪ ،‬وبعد �إ�سالمه طرق عليه بابه‬‫ّ‬ ‫الذي �أ�سلم جاره‬

‫((( الأمين‪ ،‬مح�سن‪� ،‬أعيان ال�شيعة‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪.564‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪114‬‬

‫عند الفجر‪ ،‬ففتح الباب متفاجئ ًا‪ ،‬ما الأم��ر؟ فطلب منه‬
‫الم�سلم �أن يذهبا �إلى الم�سجد لأداء �صالة الفجر‪ ،‬فذهبا‬
‫وبعد ال�صالة �أراد من كان ن�صران ّي ًا الرجوع �إل��ى بيته‪،‬‬
‫�إ َّال �أنّ جاره �أ�ص َّر عليه �أن يقر�أ القر�آن ال �س ّيما �أنّ الوقت‬
‫بين الفجر وطلوع ال�شم�س من الأوقات المباركة‪ ...‬طلعت‬
‫ال�شم�س لكنّ جاره لم يدعه يذهب �إلى بيته‪� ،‬إذ �أخذ يل ّقنه‬
‫�أدعية م�ستح ّبة في ذلك الوقت‪� ،‬إلى �أن جاء وقت �صالة‬
‫هم بالذهاب �إلى بيته ا�ستبقاه جاره‬ ‫الظهر ف�ص ّلى‪ ،‬وحين َّ‬
‫في الم�سجد لقراءة بع�ض الأدعية حتى ي�أتي وقت �صالة‬
‫الع�صر‪ ،‬وح ّل وقت الع�صر‪ ،‬و�أبى جاره �إ َّال ا�ستبقاءه ل�صالة‬
‫المغرب‪ ،‬ولم يدعه يرجع �إلى بيته �إ َّال بعد �صالة الع�شاء‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي جاء الم�سلم عند الفجر‪ ،‬وطرق باب‬
‫(الن�صراني �سابق ًا)‪ ،‬ففتح له الباب‪ ،‬و�س�أله‪ :‬ما‬
‫ّ‬ ‫ج��اره‬
‫الأمر؟ فطلب منه الذهاب معه �إلى الم�سجد‪ ،‬لك َّنه تفاج�أ‬
‫الن�صراني‪« :‬اذه��ب يا ه��ذا‪ ،‬وابحث لدينك‬ ‫ّ‬ ‫حينما �أجابه‬
‫عن رجلٍ غيري‪ ،‬ف�إ ّني رجل ذو عيال»‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫الق�صة للإمام ال�صادق‬


‫وقد ورد �أنّ �أحدهم روى هذه ّ‬
‫‪ Q‬الذي ع َّلق عليها ب�أنّ الذي «�أدخله في �شيء �أخرجه‬
‫منه»(((‪.‬‬

‫النهي عن المنكر‬
‫�أ َّما الموقف من المنكر‪ ،‬حينما يواجهه الم�ؤمن‪ ,‬فقد‬
‫تع َّر�ضت الأحاديث ال�شريفة لع ّدة �صور له‪:‬‬
‫‪�-1‬أن يداهن �أهل المنكر‪ ,‬وال ينهاهم عنه‪.‬‬
‫وم�صيره ورد‪ ،‬في رواية عن الإم��ام �أبي جعفر‪:Q‬‬
‫«�أوح ��ى اهلل �إل ��ى �شعيبٍ النبي ‪� :Q‬إ ّن ��ي م�ع� ِّذب من‬
‫قومك مئة �ألف‪� :‬أربعين �ألفاً من �شرارهم‪ ،‬و�ستين �ألفاً‬
‫رب ه�ؤالء الأ�شرار‪ ،‬فما بال‬ ‫من خيارهم‪ ،‬فقال ‪ :Q‬يا ّ‬
‫الأخيار؟ ف�أوحى اهلل ع ّز وجل �إليه‪ :‬داهنوا �أهل المعا�صي‪,‬‬
‫ولم يغ�ضبوا لغ�ضبي»(((‪.‬‬

‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكافي‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪.44 -43‬‬


‫((( الح ّر العاملي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ،‬و�سائل ال�شيعة‪ ،‬ج‪� ،16‬ص ‪.146‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪116‬‬

‫‪�-2‬أن يث ِّبط عزيمة الناهين عن المنكر‬


‫وم�صيره ورد في القر�آن الكريم‪ ،‬في ق�صة بني �إ�سرائيل‬
‫الذين ح َّرم اهلل تعالى عليهم �صيد ال�سمك يوم ال�سبت‪,‬‬
‫وابتالهم تعالى بكثرة ال�سمك على �شواطئهم‪ ،‬في يوم‬
‫ۡ َۡ‬
‫التحريم بخالف الأ َّي��ام الأخ��رى‪ ,‬قال تعالى‪﴿ :‬إِذ تأتِي ِه ۡم‬
‫ُ ٗ َ َ َ َۡ ُ َ َ ۡ‬ ‫َ ُ‬
‫ون ل تَأتِي ِه ۡ ۚم﴾(((‪.‬‬ ‫ان ُه ۡم يَ ۡو َم َس ۡبتِه ۡم َّ‬
‫شع َوي ۡوم ل يسبِت‬ ‫ِ‬ ‫حِيت‬
‫فما كان من �أولئك ال�صيادين �إال �أن قاموا بحفر �أحوا�ض‬
‫ق��رب ال�ساحل‪ ,‬وتركوها مفتوحة لتدخل �إليها مياه البحر‬
‫والأ�سماك‪ ,‬ثم بعد ذلك كانوا يقفلونها �إلى �أن يجيء يوم الأحد‪،‬‬
‫ليخرجوا منها ال�سمك‪ .‬وقد التفت الم�ؤمنون �إلى �أنّ هذا هو نو ٌع‬
‫والتفاف على الحرام بحرام‪ ,‬ف�أقبلوا‬ ‫ٌ‬ ‫من التالعب بال�شريعة‪,‬‬
‫تدخل يحاور‬ ‫ينهون ال�ص َّيادين عن هذا المنكر‪� ,‬إال �أنّ فريق ًا ّ‬
‫الناهين م�ستنكر ًا نهيهم لل�ص َّيادين الفا�سقين‪ ,‬قال تعالى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ۡ َ َ ۡ ُ َّ ‪َ ُ َ َ ۡ ُ ۡ ّ ٞ‬‬
‫ون قَ ۡو ًما َّ ُ‬
‫ٱلل ُم ۡهل ِك ُه ۡم أ ۡو ُم َعذ ُِب ُه ۡم‬ ‫﴿ِإَوذ قالت أمة مِنهم ل ِم ت ِعظ‬

‫((( �سورة الأعراف‪ ,‬الآية ‪.163‬‬


‫‪117‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ ٗ َ ٗ َ َ ۡ َ ً ٰ َ ّ ُ ۡ َ َ ُ ۡ َ َّ ُ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫وق�ص‬‫ون﴾(((‪ّ .‬‬ ‫عذابا شدِيداۖ قالوا معذِرة إِل ربِكم ولعلهم يتق‬
‫ََ َ ْ‬
‫الق�صة بقوله تعالى ﴿فل َّما ع َت ۡوا َعن َّما‬ ‫علينا القر�آن نهاية هذه ّ‬
‫ُ ْ َ ُۡ َ ُ ُ ْ َ َ‬
‫ن ُهوا ع ۡن ُه قل َنا ل ُه ۡم كونوا ق َِردةً خ ٰ ِ ‍ٔ‬
‫س َِني﴾(((‪.‬‬
‫فمن هم الذين م�سخهم اهلل �إلى قردة خا�سئين ؟‬
‫تفيد بع�ض التفا�سير �أنّ المم�سوخين هم‪ :‬ال�صيادون‪,‬‬
‫والم�ستنكرون نهي ال�صيادين عن المنكر(((‪.‬‬
‫‪�-3‬أن ي�سكت فال يداهن‪ ,‬وال يمانع‪ ,‬بل ي�سكت‬
‫بدون � ّأي تفاعل‪.‬‬
‫وم�صيره ورد في رواي��ة عن الإم��ام الباقر‪ّ �« :Q‬إن‬
‫اهلل بعث ملكين �إلى �أهل مدينة ليقلباها على �أهلها‪ ,‬فل ّما‬
‫لا يدعو ويت�ض ّرع‬ ‫انتهيا �إل��ى المدينة فوجدا فيها رج� ً‬
‫رب‬
‫«�إلى �أن قال‪ :Q‬فعاد �أحدهما �إلى اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬يا ّ‬
‫�إني انتهيت �إلى المدينة‪ ,‬فوجدت عبدك فالناً يدعوك‬

‫((( �سورة الأعراف‪ ,‬الآية ‪.164‬‬


‫((( �سورة الأعراف‪ ,‬الآية ‪.166‬‬
‫((( انظر‪ :‬الم�شهدي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬تف�سير كنز الدقائق وبحر الغرائب تحقيق‬
‫ح�سين دركاهي‪ ،‬ط‪ ،1‬طهران‪� ،‬شم�س ال�ضحى‪1387 ،‬هـ‪�.‬ش‪ ،‬ج‪� ،5‬ص‪.209‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪118‬‬

‫ام�ض لما �أمر ُتك به‪ ،‬ف�إ َّن ذا ٌ‬


‫رجل‬ ‫ويت�ض َّرع �إليك فقال‪ِ :‬‬
‫قط»(((‪.‬‬ ‫لم يتم ّعر وجهه غيظاً لي ّ‬
‫وحينما يترك المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫ف� ّإن هناك عواقب �سوف يواجهها يمكن بيانها في العناوين الآتية‪:‬‬
‫�أ‪-‬ت�س ّلط الأ�شرار على المجتمع‬
‫عن الإم��ام علي‪« :Q‬ال تتركوا الأم��ر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ ,‬فيو َّلى عليكم �شراركم»(((‪.‬‬
‫ب‪-‬عدم ا�ستجابة الدعاء‬
‫ويكمل الإم��ام علي‪ Q‬الحديث ال�سابق بقوله‪...« :‬‬
‫ثم تدعون فال ُي�ستجاب لكم»(((‪.‬‬
‫ج‪ -‬نزع البركات من المجتمع‬
‫ع��ن النبي‪« :P‬ال ت � ��زال �أم� �ت ��ي ب �خ �ي��ر‪ ،‬م ��ا �أم � ��روا‬
‫بالمعروف‪ ،‬ونهوا عن المنكر‪ ،‬وتعاونوا على الب ّر‪ ،‬ف�إذا لم‬
‫يفعلوا ذلك‪ ،‬نزعت منهم البركات»(((‪.‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,16‬ص ‪.144‬‬
‫((( نهج البالغة‪ ,‬خطب الإمام علي‪ ,Q‬ج‪� ,3‬ص ‪.77‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬
‫((( النوري‪ ,‬ح�سين‪ ,‬م�ستدرك الو�سائل‪ ,‬ج‪� ,12‬ص ‪.182‬‬
‫‪119‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫�أ�سباب عدم الإقدام على الأمر بالمعروف والنهي‬


‫عن المنكر‬
‫وق��د تع َّر�ض الإ� �س�لام للأ�سباب التي تدعو الم�ؤمن‬
‫لترك الأم��ر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والتي يمكن‬
‫�ضعف في فهمه �أو‬ ‫ٌ‬ ‫جمعها في عنوان ال�ضعف‪ ,‬وهو �إ ّم��ا‬
‫�ضعف في �سلوكه‪ ,‬وبالتالي فهو �إ ّم��ا �ضعيف على م�ستوى‬
‫البنية المفهوم ّية الدين ّية‪� ,‬أو �ضعيف على م�ستوى االلتزام‬
‫النبي‪P‬قال‪�« :‬إن اهلل ع َّز وج َّل‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ ,‬من هنا ورد �أنّ‬
‫ّ‬
‫ليبغ�ض الم�ؤمن ال�ضعيف ال��ذي ال دين له‪ ،‬فقيل‪ :‬وما‬
‫الم�ؤمن ال�ضعيف الذي ال دين له ؟ قال‪ :‬الذي ال ينهى‬
‫عن المنكر»(((‪ .‬وقد تدخل الإ�سالم لمعالجة هذا ال�ضعف‪.‬‬
‫�أ ّم ��ا معالجة ال�ضعف المفهومي فمن خ�لال التف ّقه‬
‫ال�صحيح في الدين‪ ,‬فقد يعتقد البع�ض �أنَّ اهلل تعالى ال‬
‫يمانع �أن ين�شغل الإن�سان بنف�سه‪ ،‬من دون �أن يك ِّلفها بهداية‬
‫َ َ‬
‫ِين‬‫﴿يأ ُّي َها َّٱل َ‬
‫ٰٓ‬ ‫الآخرين‪ ،‬وذلك ا�ستفاد ًة من قوله تعالى‪:‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,16‬ص ‪.122‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪120‬‬

‫َ َّ َ ۡ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ ۡ َ ُ َ ُ ۡ َ َ ُ ُّ ُ‬
‫ضكم َّمن ضل إِذا ٱه َت َد ۡي ُت ۡ ۚم‬ ‫ءامنوا عليكم أنفسكمۖ ل ي‬
‫َ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ (((‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ٗ َ َ‬
‫ِيعا ف ُين ّب ِ ُئكم بِما كنتم تعملون﴾‬ ‫جعكم ج‬ ‫إِل ٱللِ مر ِ‬
‫وهي ا�ستفاد ٌة خاطئة؛ لأن الآية تدعو الم�ؤمنين �إلى مالزمة‬
‫�سبيل الهداية‪ ،‬من دون �أن يوح�شهم �ضالل من �ض َّل من‬
‫النا�س‪ ،‬ف�إن اهلل �سبحانه هو المرجع الحاكم على الجميع‬
‫ح�سب �أعمالهم(((‪.‬‬
‫�أم��ا معالجة ال�ضعف الم�سلكي‪ ,‬ف ��إنّ الإ��س�لام قارب‬
‫الهواج�س التي من خاللها يخاف الم�سلم من الإقدام على‬
‫الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬ال �س َّيما الهاج�سين‬
‫ا�س ْين في حياته هما‪:‬‬
‫ح�س َ‬
‫المتعلقين بعنوانين َّ‬
‫‪�-1‬أن ي�صيبه �ضرر في نف�سه‪ ،‬قد ي�ؤ ّدي �إلى موته ب�سبب‬
‫الإقدام على هذه الفري�ضة‪.‬‬
‫‪�-2‬أن ينقطع رزقه ب�سبب هذا الإقدام‪.‬‬
‫وفي مقام رفع هذين الهاج�سين �أعلن الإمام علي‪Q‬‬

‫((( �سورة المائدة‪ ،‬الآية‪.105 :‬‬


‫((( الطباطبائي‪ ،‬محمد ح�سين‪ ،‬تف�سير الميزان‪ ،‬ج‪� ،6‬ص‪.162‬‬
‫‪121‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫في خطبة له عن �ضمانة �إلهية تتع ّلق بذلك‪ ,‬فقال‪:Q‬‬


‫«‪ ...‬اعلموا �أن الأم��ر بالمعروف والنهي عن المنكر لن‬
‫ال ولن يقطعا رزقاً»(((‪.‬‬ ‫يق ِّربا �أج ً‬
‫‪� -4‬أن يتدخل‪ ,‬وينهى عن المنكر‬
‫وه ��و ال�م��وق��ف ال ��ذي ُي�ح� ُّب��ه اهلل ت�ع��ال��ى‪ ,‬وي�ت�ك��ام��ل به‬
‫الإن�سان‪ ,‬وقد ذكر الإمام الباقر‪� Q‬سبعة �آثار �إيجاب ّية‬
‫لهذا الموقف‪ ،‬حينما يتح ّلى به الم�ؤمنون في المجتمع‪،‬‬
‫فعنه‪�« :Q‬إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪...‬‬
‫فري�ضة عظيمة بها‪:‬‬
‫‪ُ .1‬تقام الفرائ�ض‪.‬‬
‫‪ .2‬وت�أمن المذاهب‪.‬‬
‫‪ .3‬وتح ّل المكا�سب‪.‬‬
‫‪ .4‬و ُتر ّد المظالم‪.‬‬
‫‪ .5‬وتعمر الأر�ض‪.‬‬
‫‪ .6‬و ُينت�صف من الأعداء‪.‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪122‬‬

‫‪ .7‬وي�ستقيم الأمر»(((‪.‬‬
‫وق��د ح � َّددت ال�شريعة ث�لاث مراحل لهذا النهي عن‬
‫المنكر‪:‬‬
‫الأول‪ :‬الإنكار بالقلب‬
‫فعن الإم��ام علي‪�« :Q‬أدن ��ى الإن�ك��ار �أن ُيلقى �أه��ل‬
‫المعا�صي بوجوه مكفه ّرة»(((‪.‬‬
‫يواجه الم�ؤمن به من يحمل ك�أ�س‬ ‫�إنّ �أق ّل ما يمكن �أن ِ‬
‫خمر ي�شربها‪� ,‬أو يتناول الطعام دون عذر‪ ،‬في نهار �شهر‬
‫رم�ضان‪� ,‬أو يغتاب الآخرين‪� ,‬أو نحو ذلك‪� ,‬أن يظهر عالئم‬
‫ال�سخط على وجهه من عمله القبيح‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الإنكار بالل�سان‬
‫�إنَّ الكلمة الناهية عن المنكر قد تغ ِّير م�صير الناهي‬
‫والمنهي من قعر جه ّنم �إلى عوالي الج ّنة‪ .‬وهذا ما نالحظه‬ ‫ّ‬

‫((( الحلي‪ ,‬الح�سن بن يو�سف‪ ,‬مختلف ال�شيعة‪ ,‬تحقيق م�ؤ�س�سة الن�شر الإ�سالمي‪ ,‬ط‪,1‬‬
‫قم‪ ,‬م�ؤ�س�سة الن�شر الإ�سالمي‪1413,‬هـ ‪ ,‬ج‪� ,4‬ص ‪.461‬‬
‫((( الطو�سي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬تهذيب الأحكام‪ ,‬تحقيق ح�سن الخر�سان‪ ,‬ط‪,4‬‬
‫طهران‪ ,‬دار الكتب الإ�سالمية‪�1365 ,‬ش‪ ,‬ج‪� ,6‬ص ‪.177‬‬
‫‪123‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫ق�صة ذلك العابد من بني �إ�سرائيل الذي احتال عليه‬ ‫في ّ‬


‫�إبلي�س حتى ذهب �إلى فاجرة يريد الزنا بها‪ ،‬فقالت له‪ّ �« :‬إن‬
‫ترك الذنب �أي�سر من طلب التوبة‪ .‬ولي�س ك ّل من طلب‬
‫التوبة وجدها‪ .‬فان�صرف‪ ,‬وماتت من ليلتها‪ ,‬ف�أ�صبحت‬
‫و�إذا على بابها مكتوب‪ :‬اح�ضروا فالنة‪ ،‬ف�إ ّنها من �أهل‬
‫الجنة‪ .‬فارتاب النا�س فمكثوا ثالثاً ال يدفنونها ارتياباً‬
‫نبي من الأنبياء‪ ،‬وال‬‫في �أمرها‪ ،‬ف�أوحى اهلل ع ّز وجل �إلى ٍّ‬
‫�أعلمه �إال مو�سى بن عمران �أن ائ��تِ فالنة ف�ص ِّل عليها‪،‬‬
‫و ُم ِر النا�س فلي�ص ّلوا عليها؛ ف�إ ّني قد غفرت لها‪ ،‬و�أوجبتُ‬
‫لها الج ّنة بتثبيطها عبدي فالناً عن مع�صيتي»(((‪.‬‬
‫و�أف�ضل كلمة ناهية عن المنكر‪ ،‬هي تلك التي تنطلق‬
‫بوجه �سلطان جائر‪ ,‬فعن الر�سول الأكرم‪ّ �« :P‬إن �أف�ضل‬
‫الجهاد كلمة حق عند �سلطان جائر»(((‪.‬‬
‫ومن م�صاديق هذه الكلمة ما جرى مع العبد ال�صالح‬

‫((( انظر‪ :‬الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,16‬ص ‪.132‬‬
‫((( الري �شهري‪ ,‬محمدي‪ ,‬ميزان الحكمة‪ ,‬ج‪�,2‬ص ‪.206‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪124‬‬

‫عبد اهلل ب��ن عفيف الأزدي‪ ،‬فقد ورد �أ َّن ��ه‪ ،‬بعد ملحمة‬
‫عا�شوراء‪� ،‬صعد ابن زياد المنبر فحمد اهلل و�أثنى عليه‪،‬‬
‫وق��ال‪ ،‬في بع�ض كالمه‪« :‬الحمد هلل ال ��ذي �أظ�ه��ر الحق‬
‫و�أهله‪ ،‬ون�صر �أمير الم�ؤمنين و�أ�شياعه‪ ،‬وقتل‪ ،...‬فما زاد‬
‫على هذا الكالم �شيئاً حتى قام �إليه عبد اهلل بن عفيف‬
‫الأزدي‪ ،‬وك��ان م��ن خيار ال�شيعة وز َّه��اده��ا‪ ،‬وك��ان��ت عينه‬
‫الي�سرى ذهبت في يوم الجمل‪ ،‬والأخرى في يوم �ص ّفين‪،‬‬
‫وك��ان ي�لازم الم�سجد الأع�ظ��م‪ ،‬في�ص ِّلي فيه �إل��ى الليل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا ابن مرجانة �إ َّن الكذاب ابن الكذاب �أنت و�أبوك‪،‬‬
‫ومن ا�ستعملك و�أبوه‪ ،‬يا عد َّو اهلل �أتقتلون �أبناء النبيين‪،‬‬
‫وتتك َّلمون بهذا الكالم على منابر الم�ؤمنين؟! فغ�ضب‬
‫ابن زياد‪ ،‬ثم قال‪ :‬من هذا المتك ِّلم؟ فقال‪� :‬أنا المتكلم يا‬
‫عد َّو اهلل‪ ،‬تقتل الذر َّية الطاهرة التي قد �أذهب اهلل عنهم‬
‫الرج�س‪ ،‬وتزعم �أ َّن��ك على دين الإ��س�لام؟ واغ��وث��اه! �أين‬
‫�أوالد المهاجرين والأن���ص��ار‪ ،‬ال ينتقمون من طاغيتك‬
‫رب العالمين؟!‬ ‫اللعين ابن اللعين على ل�سان مح ّمد ر�سول ّ‬
‫‪125‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫علي‬
‫فازداد غ�ضب ابن زياد حتى انتفخت �أوداجه‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫به‪ ،‬فبادر �إليه الجالوزة من ك ِّل ناحية لي�أخذوه‪ ,‬فحمته‬
‫قبيلته‪ ,‬لكن بعد ذلك ا�ستطاع جند ابن زياد �أن ي�أ�سروه‪,‬‬
‫عقب مقاومة �شديدة منه‪ ,‬و�أُتي به �إلى ابن زياد‪ ,‬فما كان‬
‫من عبد اهلل بن عفيف الأزدي �إال �أن قال‪:‬‬
‫«الحمد هلل رب العالمين‪� ،‬أم��ا �إ ّن��ي قد كنت �أ��س��أل اهلل‬
‫ربي �أن يرزقني ال�شهادة قبل �أن تلدك �أ ّمك‪ ،‬و�س�ألت اهلل �أن‬
‫يجعل ذلك على يدَيْ �ألعن خلقه و�أبغ�ضهم �إليه‪ ،‬فلما ُك َّف‬
‫ب�صري يئ�ست من ال�شهادة‪ ،‬والآن الحمد هلل الذي رزقنيها‬
‫بعد الي�أ�س منها‪ ،‬وع َّرفني الإجابة منه في قديم دعائي‪.‬‬
‫فقال ابن زياد‪ :‬ا�ضربوا عنقه! ف�ضربت عنقه و�صلب»(((‪.‬‬
‫‪-3‬الإنكار باليد‬
‫عن الإم ��ام علي‪« :Q‬م��ن ر�أى ع��دوان �اً ُيعمل به‪,‬‬
‫ومن َكراً ُيد َعى �إليه‪ ,‬ف�أنكره بقلبه‪ ،‬فقد �سلم وبرئ‪ ،‬ومن‬
‫�أنكره بل�سانه فقد �أُجِ ��ر‪ ،‬وه��و �أف�ض ُل من �صاحبه‪ ،‬ومن‬

‫((( انظر‪ :‬المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,45‬ص ‪.121-119‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪126‬‬

‫�أنكره بال�سيف‪ ،‬لتكون كلم ُة اهلل العليا‪ ،‬وكلمة الظالمين‬


‫ال�سفلى‪ ،‬ف��ذل��ك ال ��ذي �أ��ص��اب �سبيل ال�ه��دى‪ ،‬وق ��ام على‬
‫الطريق‪ ،‬ون ِّور في قلبه اليقين»(((‪.‬‬
‫وهذا الإنكار هو الذي قام به الإمام الح�سين‪ Q‬في‬
‫�أعلى م�شهد �إنكار‪ ،‬لي�س فقط باليد‪ ,‬بل لي�س فقط بال�سيف‪,‬‬
‫بل كان بالدم المق ّد�س؛ لأنّ الإمام‪ Q‬واجه �أعلى منكر‪,‬‬
‫وهو محاولة حرف قافلة الب�شرية عن م�سارها عبر �إماتة‬
‫الدين‪ ,‬وهو ما ب ّينه الإمام الح�سين‪ Q‬بع ّدة كلمات منها‪:‬‬
‫(((‬
‫ال�س ّنة قد �أميتت‪ ،‬و�إ َّن ال ِبدعة قد �أُحييت»‬
‫‪�« -‬إ َّن ُ‬
‫‪« -‬وعلى الإ�سالم ال�سالم؛ �إذ قد ُبليت الأ ّم��ة برا ٍع‬
‫مثل يزيد»(((‪.‬‬
‫ومع ذلك �سكتت الأ َّمة ولم تقم بواجبها‪ ،‬بل كان موقفها‬
‫الحق ال ُيعمل‬‫الذي ع َّبر عنه الإمام‪�« :Q‬أال ترون �إلى ّ‬
‫به؟ و�إلى الباطل ال ُيتناهى عنه؟!»(((‪.‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,16‬ص ‪.133‬‬
‫((( الطبري‪ ,‬محمد بن جرير‪ ,‬تاريخ الطبري‪ ,‬ج‪� ,4‬ص ‪.266‬‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,44‬ص ‪.326‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪� ,‬ص ‪.381‬‬
‫‪127‬‬ ‫كنملا نع يهنلاو فورعملاب رمألا‬

‫لقد ر�أى الإمام الح�سين‪� Q‬أنّ مواجهة ذلك المنكر‪,‬‬


‫و�أنَّ المحافظة على الإ�سالم هما المعروف الأول الذي ال‬
‫يتح ّقق بمجرد �إظهار الغ�ضب‪ ,‬و�إعالن الموقف‪ ،‬بل ال ُب َّد‬
‫من مواجهة م�س َّلحة يق ّدم ‪ Q‬فيها نف�سه و�أه��ل بيته‬
‫و�أ�صحابه‪ ,‬لتكون النتيجة كما كانت هي‪ :‬انت�صار الدم على‬
‫ال�سيف‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫عاشوراء والصالة‬
‫األكمل‬
‫َّ َ ٰ َ ۡ‬ ‫ََ‬
‫(((‬ ‫ٓ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬وأق ِ ِم ٱلصلوة ِلِك ِري﴾‬
‫ي�سعى ك ّل �إن�سان نحو ال�سعادة‪ ،‬فهي غاية الجميع بدون‬
‫ا�ستثناء‪ ،‬لك َّنهم يختلفون في ما يح ّقق ه��ذه ال�سعادة‪,‬‬
‫فبع�ضهم يجنح لتحقيقها بو�ساطة المال والجاه وال�شهرة‬
‫وال�سلطة‪ ،‬وبع�ضهم يجنح لتحقيقها باالبتعاد عن كل هذه‬
‫الأمور من خالل االنعزال في �صومعة الفرد‪.‬‬
‫الكل ُيجمعون على �أنّ من�ش�أ ال�سعادة الحقيقي هو‬ ‫لكنَّ َّ‬
‫النف�سي‪,‬‬
‫ّ‬ ‫القلبي‪ ,‬واال�ستقرار‬
‫ّ‬ ‫الذي يو�صل �إلى االطمئنان‬
‫والراحة‪ ,‬وال�سكينة‪.‬‬
‫وقد �أراد اهلل تعالى �أن يخت�صر التجارب والمحاوالت‬
‫ََ‬
‫والقراءات في من�ش�أ هذا االطمئنان‪ ،‬فقال عز وجل‪﴿ :‬أل‬
‫ۡ َّ‬
‫ٱللِ َت ۡط َمئ ُّن ۡٱل ُقلُ ُ‬
‫وب﴾(((‪ .‬فالإن�سان حينما ّ‬
‫يتوجه �إلى‬ ‫ِ‬ ‫بِذِك ِر‬

‫((( �سورة طه‪ ,‬الآية ‪.14‬‬


‫((( �سورة الرعد‪ ,‬الآية ‪.28‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪132‬‬

‫يتوجه �إليه لأجل كمال فيه‪ ,‬فالإن�سان مفطور‬ ‫�شيء‪ ,‬ف�إ ّنما ّ‬
‫والتوجه �إل�ي��ه‪ .‬واهلل تعالى هو الكمال‬ ‫ّ‬ ‫على ح� ِّ�ب الكمال‪,‬‬
‫كل كمال‪ .‬من هنا �أر�شدنا اهلل تعالى �إلى‬ ‫المطلق‪ ,‬وم�صدر ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ۡ ُ َ ۡ َ َّ‬
‫ه ل ِلِي ف َط َر‬ ‫التوجه �إلى م�صدر الكماالت‪﴿ .‬وجهت وج ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬
‫َّ َ ٰ َ ٰ َ َ‬
‫التوجه الحا�ضر بدون غفلة هو‬ ‫ۡرض﴾((( وهذا ّ‬ ‫ت وٱل‬
‫ٱلسمو ِ‬
‫ۡ‬
‫ٱللِ َت ۡط َمئ ُّن ٱل ُقلُ ُ‬‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب﴾(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الذي يحقق االطمئنان ﴿أل بِذِك ِر‬
‫الذكر؟‬ ‫وال�س�ؤال‪ :‬كيف نحقِّق هذا ِّ‬
‫ۡ‬ ‫َّ َ‬ ‫ََ‬
‫ٱلصل ٰوةَ ِلِك ِر ٓي﴾(((‪.‬‬ ‫﴿وأق ِ ِم‬ ‫والجواب من اهلل تعالى‪:‬‬
‫فلأنَّ الذكر يح ِّقق الكمال الإن�ساني‪ ,‬كانت ال�صالة ُ�س َّلم ًا‬
‫ومعراج ًا لالقتراب من الكمال المطلق‪ ,‬لذا ورد عن ر�سول‬
‫اهلل‪�P‬أ ّنه قال‪« :‬ال�صالة معراج الم�ؤمن»(((‪.‬‬
‫وفي هذا المعراج تخلية وتحلية‪.‬‬

‫((( �سورة الأنعام‪ ,‬الآية ‪. 79‬‬


‫((( �سورة الرعد‪ ,‬الآية ‪.28‬‬
‫((( �سورة طه‪ ,‬الآية ‪.14‬‬
‫((( ال�شاهرودي‪ ,‬علي النمازي‪ ,‬م�ستدرك �سفينة البحار‪ ,‬تحقيق ح�سن النمازي‪,‬‬
‫(ال‪,‬ط)‪ ,‬قم‪ ,‬جماعة المدر�سين‪1419 ,‬هـ‪ ,‬ج‪� ,6‬ص ‪.343‬‬
‫‪133‬‬ ‫مكألا ةالصلاو ءاروشاع‬

‫تخلية ال�صالة‬
‫�أ َّما التخلية‪ ,‬فال�صالة مط ّهرة من الذنوب �أنقى تطهير‪.‬‬
‫فعن �سلمان الفار�سي المحمدي(ر�ض)‪« :‬ك َّنا مع ر�سول‬
‫اهلل في ظ ِّل �شجرة‪ ,‬ف�أخذ غ�صناً منها‪ ,‬فنف�ضه‪ ,‬فت�ساقط‬
‫ورقه‪ ,‬فقال‪� :‬أال ت�س�ألونني ع ّما �صنعت ؟ قلنا‪� :‬أخبرنا يا‬
‫ر�سول اهلل‪ ,‬فقال ‪� :P‬إ َّن العبد الم�سلم �إذا قام �إلى ال�صالة‬
‫تحاتت خطاياه‪ ,‬كما تحاتت ورق هذه ال�شجرة»(((‪.‬‬
‫وتخلية ال�صالة ه��ي �أع�ل��ى مرتبة م��ن تخلية التوبة‪,‬‬
‫فمفعول التوبة يحدِّ ثنا عنه الإمام ال�صادق‪ Q‬قائ ًال‪:‬‬
‫«�إذا تاب العبد توبة ن�صوحاً �أح ّبه اهلل‪ ,‬ف�ستر عليه في‬
‫الدنيا والآخ��رة» ف�س�أله ابن وهب‪ :‬وكيف ي�ستر عليه؟ فقال‬
‫‪« :Q‬يُن�سي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب‪ ,‬ثم يُوحي‬
‫�إلى جوارحه‪ :‬اكتمي عليه ذنوبه‪ ,‬ويوحي �إلى بقاع الأر�ض‪:‬‬
‫اكتمي عليه م��ا ك��ان يعمل عليك م��ن ال��ذن��وب‪ ,‬فيلقى اهلل‬
‫حين يلقاه‪ ,‬ولي�س �شيء ي�شهد عليه ب�شيء من الذنوب»(((‪.‬‬
‫((( الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,4‬ص ‪.103‬‬
‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,14‬ص ‪.324‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪134‬‬

‫هذا كلُّه �أث ٌر للتوبة‪� ,‬أما ال�صالة‪ ،‬ف�إنَّ لها الأثر الأكبر‬
‫أهم‪ ،‬وهو ما ُيفهم من الحوار التالي بين �أمير الم�ؤمنين‬ ‫وال ّ‬
‫‪ Q‬وبع�ض �أ�صحابه‪ ،‬حينما قال لهم‪:‬‬
‫«�أ َّي ُة �آي ٍة في كتاب اهلل �أرجى عندكم؟‬
‫َ‬
‫ۡ‬
‫ش َك بِهِۦ َو َيغفِ ُر َما‬‫ٱلل َل َي ۡغفِ ُر أن ي ُ ۡ َ‬
‫‪ -‬فقال بع�ضهم‪﴿ :‬إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ٓ‬
‫ون َذٰل َِك ل َِمن ي َ َشا ُء ۚ﴾(((‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫د‬
‫‪ -‬قال‪« :Q‬ح�سن ٌة‪ ،‬ولي�ست �إياها»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َۡ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫﴿و َمن َي ۡع َمل ُس ٓو ًءا أ ۡو َيظل ِۡم نف َس ُهۥ ث َّم‬ ‫فقال بع�ضهم‪َ :‬‬

‫ورا َّرح ِٗيما﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلل َغ ُف ٗ‬


‫ٱلل َي ِد َّ َ‬ ‫ي َ ۡس َت ۡغ ِفر َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬قال‪« :Q‬ح�سن ٌة‪ ,‬ولي�ست �إياها»‪.‬‬
‫ُ ۡ َ ٰ َ َ َّ َ َ ۡ َ ُ ْ َ َ ٰٓ ُ‬
‫َ‬
‫س ِه ۡم‬‫ع أنف ِ‬ ‫‪ -‬فقال بع�ضهم‪﴿ :‬قل يعِبادِي ٱلِين أسفوا‬
‫َّ ۡ َ َّ َّ َّ َ َ ۡ ُ ُّ ُ َ َ ً َّ ُ‬ ‫َ َۡ ْ‬
‫ِيعا ۚ إِن ُهۥ ه َو‬ ‫ل تق َن ُطوا مِن رحةِ ٱللِۚ إِن ٱلل يغفِر ٱذلنوب ج‬
‫ٱلرح ُ‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬ ‫ور َّ‬‫ۡٱل َغ ُف ُ‬

‫‪ -‬قال‪« :Q‬ح�سن ٌة‪ ،‬ولي�ست �إياها»‪.‬‬


‫((( �سورة الن�ساء‪ ,‬الآية ‪.48‬‬
‫((( �سورة الن�ساء‪ ,‬الآية ‪.110‬‬
‫((( �سورة الزمر‪ ,‬الآية ‪.53‬‬
‫‪135‬‬ ‫مكألا ةالصلاو ءاروشاع‬

‫َ َّ َ َ َ َ ُ ْ َ ٰ َ ً َ ۡ َ َ ُ ٓ ْ‬
‫حشة أو ظلموا‬ ‫‪ -‬فقال بع�ضهم‪﴿ :‬وٱلِين إِذا فعلوا ف ِ‬
‫َ ُ َ ُ ۡ َ َ ُ ْ َّ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ ُ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُّ ُ َ َّ‬
‫أنفسهم ذكروا ٱلل فٱستغفروا ِلنوب ِ ِهم ومن يغفِر ٱذلنوب إِل‬
‫ُٓ ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ۡ ُ ُّ ْ َ َ ٰ َ ُ ْ ُ‬
‫ع َما ف َعلوا َوه ۡم َي ۡعل ُمون ‪ ١٣٥‬أ ْو ٰٓلئِك َج َزاؤهم‬ ‫صوا‬ ‫ٱلل ولم ي ِ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِين ف َ‬
‫ِيها ۚ‬ ‫تت ِ َها ٱلنۡ َه ٰ ُر َخ ٰ ِل َ‬
‫ۡ‬ ‫َّ ۡ َ ‪ۡ ٞ ٰ َّ َ َ ۡ ّ َّ ّ ٞ‬‬
‫ت ترِي مِن‬ ‫مغفِرة مِن رب ِ ِهم وجن‬
‫َ (((‬ ‫ٰ‬ ‫َ ۡ َ َ ۡ ُ َۡ‬
‫ون ِعم أجر ٱلع ِملِني﴾ ‪.‬‬
‫‪ -‬قال ‪« :Q‬ح�سنة‪ ،‬ولي�ست �إياها»‪.‬‬
‫‪ -‬ثم �أحجم النا�س‪ ،‬فقال ‪« :Q‬م��ا لكم يا مع�شر‬
‫الم�سلمين؟!‬
‫‪ -‬قالوا‪ :‬ال واهلل‪ ،‬ما عندنا �شيء‪.‬‬
‫‪ -‬فقال ‪�« :Q‬سمعت ر�سول اهلل ‪ P‬يقول‪� :‬أرجى‬
‫َّ َ ٰ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ ٗ ّ َ َّ‬ ‫ََ‬
‫ل‬
‫ِۚ‬ ‫ۡ‬
‫ٱل‬ ‫ِن‬‫م‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ار‬ ‫ه‬ ‫ٱنل‬ ‫ف‬ ‫ر‬‫ط‬ ‫ة‬‫و‬ ‫ل‬‫ٱلص‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬‫�آية في كتاب اهلل‪﴿ ،‬وأ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ٰ َ ۡ َ ٰ َّ‬ ‫َّ ۡ َ َ َ ٰ ُ ۡ ۡ َ َّ ّ‬
‫ين﴾(((‪.‬‬ ‫ِلذٰكِر َ‬
‫ِ‬ ‫ات ذل ِك ذِكرى ل‬ ‫ٱلس ِ َ‍ٔ‬
‫ي ِۚ‬ ‫ت يذهِب‬‫إِن ٱلسن ِ‬
‫علي‪ ،‬والذي بعثني بالحق ب�شيراً ونذيراً‪،‬‬ ‫وقال ‪« :P‬يا ّ‬
‫�إ َّن �أح��دك��م ليقوم �إل ��ى و��ض��وئ��ه‪ ،‬فت�ساقط ع��ن ج��وارح��ه‬

‫((( �سورة �آل عمران‪ ,‬الآيتان‪.136-135 ,‬‬


‫((( �سورة هود‪ ,‬الآية ‪.114‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪136‬‬

‫ال��ذن��وب‪ ،‬ف ��إذا ا�ستقبل اهلل بوجهه وقلبه ل��م ينفتل عن‬
‫�صالته وعليه من ذنوبه �شيء كما ول َد ْت ُه �أ ّمه‪ ،‬ف� ْإن �أ�صاب‬
‫�شيئاً بين ال�صالتين‪ ،‬كان له مثل ذلك‪ ،‬حتى ع َّد ال�صلوات‬
‫الخم�س»(((‪.‬‬
‫علي‪� ,‬إ َّنما منزلة ال�صلوات الخم�س‬ ‫ثم قال ‪« :P‬يا ّ‬
‫ظن �أحدكم‪ ،‬لو كان‬ ‫لأُ ّمتي كنه ٍر جا ٍر على باب �أحدكم فما ُّ‬
‫في ج�سده درن ثم اغت�سل في ذلك النهر خم�س مرات في‬
‫اليوم‪� ،‬أكان يبقى في ج�سده درن؟! فكذلك واهلل ال�صلوات‬
‫الخم�س لأُ ّمتي»(((‪.‬‬
‫�إذ ًا التوبة �ساترة للذنوب‪ ,‬وال�صالة ماحية لها‪.‬‬
‫ب��ل �إنَّ ال�صالة ج��اذب � ٌة لعطايا اهلل تعالى‪ ,‬فعن الإم��ام‬
‫ال�صادق‪« :Q‬للم�صلي ثالث خ�صال‪:‬‬
‫‪� -1‬إذا قام في �صالته يتناثر عليه الب ّر من �أعنان ال�سماء‬
‫�إلى مفرق ر�أ�سه‪.‬‬

‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,79‬ص ‪.220‬‬


‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,4‬ص ‪.16‬‬
‫‪137‬‬ ‫مكألا ةالصلاو ءاروشاع‬

‫وتحف به المالئكة من قدميه �إلى �أعنان ال�سماء‪.‬‬‫ُّ‬ ‫‪-2‬‬


‫‪ -3‬وملك ينادي �أ ّيها الم�صلي‪ ،‬لو تعلم من تناجي ما‬
‫انفتلت»(((‪.‬‬
‫لذا كان تعبير الإمام ال�صادق‪�« :Q‬أح� ّ�ب الأعمال‬
‫�إلى اهلل ع َّز وج ّل ال�صالة‪ ،‬وهي �آخر و�صايا الأنبياء»(((‪.‬‬

‫تحلية ال�صالة‬
‫حب الكمال واالنجذاب‬ ‫بما �أنَّ الإن�سان مفطور على ِّ‬
‫�إليه‪ ,‬وبما �أنّ ال�صالة هي معراج الم�ؤمن �إل��ى الكمال‬
‫إلهي‪.‬‬
‫المطلق‪ ,‬فهي و�سيلة الع�شق ال ّ‬
‫وكم يرغب العا�شق بالتوا�صل مع مع�شوقه!‬
‫َ‬ ‫ۡ َ‬
‫﴿و َما ت ِلك ب ِ َي ِمين ِك‬
‫ق��ال اهلل تعالى لمو�سى‪َ :Q‬‬
‫َي ٰ ُم َ ٰ‬
‫وس﴾(((‪ ,‬وهو �س�ؤال ُيتو َّقع �أن يكون جوابه بكلمة «ع�صا»‪,‬‬

‫((( ال�صدوق‪ ,‬محمد بن علي‪ ،‬ثواب الأعمال‪ ,‬تحقيق محمد الخر�سان‪,‬ط‪ ,2‬قم‪,‬‬
‫من�شورات ال�شريف الر�ضي‪�1368 ,‬ش‪� ,‬ص ‪.35‬‬
‫((( الكليني‪ ,‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ,‬ج‪� ,3‬ص ‪.264‬‬
‫((( �سورة طه‪ ,‬الآية ‪.17‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪138‬‬

‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫�إال �أنّ مو�سى خالف المتو َّقع‪ ,‬فقال‪﴿ :‬قال ِه عصاي أتوكؤا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مارِ ُب أ ۡخ َر ٰى﴾(((‪.‬‬
‫ِيها َ َ‍ٔ‬
‫لف َ‬ ‫َعلَ ۡي َها َوأ ُه ُّش ب ِ َها َ َ ٰ‬
‫ع َغ َن ِم َو َ‬
‫ِ‬
‫ما دخل ك ّل ذلك بال�س�ؤال؟ الجواب ـ بلغة القلب‪� :‬إنّ‬
‫مو�سى‪ Q‬ل ّما علم �أ ّن��ه يتك ّلم مع مع�شوقه‪ ،‬وه��و اهلل‬
‫أحب �أن يطيل الحديث معه‪.‬‬
‫تعالى‪َّ � ،‬‬
‫النبي محمد‪P‬حينما يح ُّل وقت ال�صالة‪،‬‬ ‫من هنا كان ّ‬
‫يقول ل�صاحبه بالل (ر�ض)‪�« :‬أرحنا يا بالل»(((‪.‬‬
‫�إنَّ من ي�شعر‪ ،‬في �صالته‪ ،‬بحالة الع�شق هذه‪ ,‬بروحه‬
‫المتحركة وج�سده الذي ينتقل من حالة �إلى حالة‪ُ ،‬يدرك‬ ‫ِّ‬
‫معنى ما ورد عن الإم��ام علي‪�« :Q‬إنّ الإن���س��ان �إذا‬
‫ك��ان في ال�صالة‪ ,‬ف ��إ َّن ج�سده وثيابه وك � َّل �شيء حوله‬
‫ُي�س ِّبح»(((‪.‬‬

‫((( �سورة طه‪ ,‬الآية ‪.18‬‬


‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,80‬ص ‪.16‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,80‬ص ‪.200‬‬
‫‪139‬‬ ‫مكألا ةالصلاو ءاروشاع‬

‫ت�أويل ال�صالة‬
‫وه��ذه ال��رواي��ة ح��ول ت�سبيح ك� ّل الج�سد تدفعنا لفهم‬
‫حركات الم�ص ّلي‪ ,‬والتي يب ّين بع�ضها �أمير الم�ؤمنين‪Q‬‬

‫بقوله الوارد عنه‪« :‬ت�أويل م ّد عنقك في الركوع تخطر في‬


‫نف�سك �آمنتُ بك ولو �ضربتَ عنقي»(((‪.‬‬

‫قيم ال�صالة‬
‫�إنَّ مقام ال�صالة هذا‪ ،‬ي�ستدعي �أن نلتفت �إلى �أمور‪،‬‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ -1‬وقت ال�صالة‬
‫ينبغي للم�ؤمن �أن يعطي ال�صالة الأولو ّية على جميع ما‬
‫عداها من الأعمال‪ ,‬وهذا ما يرمز �إليه �أذان ال�صالة َّ‬
‫«حي‬
‫على خير العمل»‪ .‬فمن ي�ص ّلي �صلواته في �أ ّول �أوقاتها‪,‬‬
‫كل �صلة‪.‬‬ ‫ف�إ ّنه يع ِّبر بذلك عن تقديم �صلته باهلل على ِّ‬
‫لذا جعل الإمام ال�صادق‪ Q‬ال�صلوات في مواقيتها‬
‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,5‬ص ‪.60‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪140‬‬

‫الحقيقي‪ ,‬فعنه‪« :Q‬خ�صلتان من كانتا‬ ‫ّ‬ ‫معيار الإيمان‬


‫أعزب»‪.‬‬
‫أعزب‪ ,‬ثم � َ‬‫أعزب‪ ,‬ثم � َ‬ ‫فيه‪ ,‬و�إال ف� َ‬
‫قيل‪ :‬وما هما ؟‪ ,‬قال‪« :Q‬ال�صالة في مواقيتها‪,‬‬
‫والمحافظة عليها‪ ،‬والموا�ساة»(((‪.‬‬
‫يهتم بال�صلوات في �أ ّول‬ ‫النبي‪P‬ثواب من ّ‬ ‫ولذا ب َّين ّ‬
‫�أوقاتها بقوله‪« :P‬ما من عبد اهت َّم بمواقيت ال�صالة‪،‬‬
‫وم��وا��ض��ع ال�شم�س‪� ،‬إال �ضمنت ل��ه ال� � � َّر ْو َح ع�ن��د ال�م��وت‪،‬‬
‫وانقطاع الهموم والأحزان‪ ،‬والنجاة من النار»(((‪.‬‬
‫وكذا كانت ال�صالة في �أ ّول الوقت �أ�سا�سية في برنامج‬
‫ال�سالك �إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫ق��ال ال�شيخ محمد تقي بهجت{‪ :‬من ح َّقق ثالث ًة‬
‫و�صل �إلى الحقيقة وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬فعل الواجبات وترك المح ّرمات‪.‬‬
‫‪ -2‬الإخال�ص في العمل‪.‬‬
‫‪� -3‬أداء ال�صالة في �أ ّول �أوقاتها»‪.‬‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,71‬ص ‪.391‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,80‬ص ‪.9‬‬
‫‪141‬‬ ‫مكألا ةالصلاو ءاروشاع‬

‫‪ -2‬مكان ال�صالة‬
‫ب�أنْ يختار �أف�ضل الأمكنة و�أح َّبها عند اهلل تعالى‪� ,‬أال‬
‫وهي الم�ساجد‪ ,‬فقد ورد �أنَّ اهلل تعالى �أوحى �إلى نب ِّيه داود‬
‫‪�« :Q‬إ َّن بيوتي في الأر���ض الم�ساجد‪ ،‬فطوبى لعبد‬
‫تطهَّر في بيته‪ ،‬ثم زارن��ي في بيتي‪� ،‬أال �إ َّن على المزور‬
‫كرامة الزائر»(((‪.‬‬
‫‪-3‬هيئة ال�صالة‬
‫ب�أن يق�صد �صالة الجماعة التي ورد �أ ّنها �إذا زاد عددها‬
‫عن الع�شرة «فلو �صارت البحار وال�سماوات والأر�ض ك ّلها‬
‫مداداً‪ ,‬والأ�شجار �أقالماً‪ ,‬والثقالن مع المالئكة ُك َّتاباً‪ ,‬لم‬
‫(((‬
‫يقدروا �أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة»‬
‫وما يزيد من ثواب الجماعة �أن تكون في الم�سجد‪.‬‬
‫النبي‪« :P‬م��ن م�شى �إل ��ى م�سجد يطلب فيه‬ ‫فعن ّ‬
‫الجماعة‪ ،‬كان له بكل خطوة �سبعون �ألف ح�سنة‪ ،‬ويرفع‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,80‬ص ‪.373‬‬


‫((( البروجردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬جامع �أحاديث ال�شيعة‪ ,‬ج‪� ,6‬ص ‪.385‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪142‬‬

‫ل��ه م��ن ال ��درج ��ات م�ث��ل ذل ��ك‪ ،‬و� ّإن م��ن م ��ات وه ��و على‬
‫ذل��ك و َّك��ل اهلل به �سبعين �أل��ف ملك يعودونه في قبره‪،‬‬
‫ويب�شرونه‪ ،‬ويون�سونه في وحدته‪ ،‬وي�ستغفرون له حتى‬ ‫ِّ‬
‫ُي ْبعث»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬روح ّية ال�صالة‬
‫ب���أنْ ي�ص ّليها بح�ضور القلب‪ ,‬فعن الإم ��ام ال�صادق‬
‫‪�« :Q‬إذا �أحرمتَ في ال�صالة‪ ،‬ف�أقبل عليها‪ ،‬ف�إ َّنك �إذا‬
‫�أقبلت �أقبل اهلل عليك‪ ،‬و�إذا �أعر�ضت �أعر�ض اهلل عنك»(((‪.‬‬
‫‪�-5‬أثر ال�صالة‬
‫َۡ َ ٓ‬ ‫َّ َ‬
‫ٱلصل ٰوةَ َت ۡن َ ٰ‬ ‫َّ‬
‫ه َع ِن ٱلف ۡحشاءِ‬ ‫ق��ال اهلل تعالى‪﴿ :‬إِن‬
‫ۡ َ‬
‫(((‬
‫َوٱل ُمنك ِرۗ﴾‬
‫يحب اهلل تعالى �أنْ‬
‫فال�صالة تجعل الإن�سان يقترب م ّما ّ‬
‫يقترب منه‪ ,‬ويبتعد عن ك ّل ما يريد اهلل �أن يبتعد عنه‪.‬‬

‫((( الري �شهري‪ ,‬محمد‪ ،‬ميزان الحكمة‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.1259‬‬


‫((( النوري‪ ,‬ح�سين‪ ،‬م�ستدرك الو�سائل‪ ,‬ج‪� ,3‬ص ‪.57‬‬
‫((( �سورة العنكبوت‪ ,‬الآية ‪.45‬‬
‫‪143‬‬ ‫مكألا ةالصلاو ءاروشاع‬

‫عا�شوراء‪ :‬مظهر قيم ال�صالة‬


‫لقد اجتمعت ه��ذه القيم الخم�س في م�سجد كربالء‬
‫المعنوي في �أ ّول الوقت‪ ,‬جماعة‪ ,‬بح�ضور القلوب‪ ,‬بعنوان‬
‫ّ‬
‫النه�ضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)‪ ,‬فقد ورد‬
‫ال�صائدي قال للإمام الح�سين‪ Q‬وقت‬ ‫ّ‬ ‫�أن �أبا ثمامة‬
‫الظهيرة من يوم العا�شر من مح َّرم‪:‬‬
‫«يا �أبا عبد اهلل‪ ،‬نف�سي لنف�سك الفداء؛ ه�ؤالء اقتربوا‬
‫منك‪ ،‬وال واهلل‪ ،‬ال ُتقتل حتى �أُقتل دونك‪ ،‬و� ّ‬
‫أحب � ْأن �ألقى‬
‫اهلل ر ّبي‪ ،‬وقد �ص ّليتُ هذه ال�صالة‪ .‬فرفع الح�سين‪Q‬‬

‫ذكرت ال�صالة‪ ،‬جعلك اهلل من‬ ‫ر�أ�سه �إلى ال�سماء‪ ،‬وقال‪َ :‬‬
‫الم�ص ِّلين‪ ،‬نعم هذا �أ ّول وقتها‪ ،‬ثم قال‪� :‬سلوهم �أن يك ّفوا‬
‫ع ّنا حتى ن�ص ّلي»(((‪ .‬فقام الإمام الح�سين‪ Q‬في نحو‬
‫ن�صف من �أ�صحابه‪ ،‬و�ص ّلى بهم جماعة‪ ,‬وتق ّدم �سعيد بن‬ ‫ٍ‬
‫الحنفي �أمام الح�سين‪ Q‬وهو ي�ص ّلي‪ ,‬يدفع‬ ‫ّ‬ ‫عبد اهلل‬
‫عنه النبال بج�سده‪ ,‬فما زال ُيرمى بالنبال حتى �سقط �إلى‬
‫((( المجل�سي‪ ,‬محمد باقر‪ ,‬بحار الأنوار‪ ,‬ج‪� ,45‬ص ‪.21‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪144‬‬

‫الأر�ض‪ ،‬وفي ج�سده ثالثة ع�شر �سهم ًا‪ ,‬وهو يقول‪�« :‬أللهم‬
‫ب ّلغ نب ّيك ال�سالم ع ّني‪ ,‬و�أبلغه ما لقيتُ من �ألم الجراح‪,‬‬
‫أردت بذلك ن�صرة ذر ّي��ة نب ّيك»(((‪ ,‬وعرجت روحه‬ ‫ف�إني � ُ‬
‫نحو ال�سماء‪ ,‬ليكون في مح�ضر الع�شق العا�شورائي �شهيد‬
‫الدفاع عن ال�صالة‪.‬‬
‫هكذا هم �أ�صحاب الإمام الح�سين‪ Q‬في ع�شقهم‬
‫ع�شاق �شهداء ال ي�سبقهم من كان قبلهم‪،‬‬ ‫و�صالتهم‪ ,‬ف�إ ّنهم ّ‬
‫وال يلحق بهم من بعدهم‪ .‬فل َن ِ�سر على خطاهم‪ ،‬مردِّدين‪ :‬يا‬
‫ليتنا ك َّنا معكم‪ ،‬فنفو َز فوز ًا عظيم ًا‪.‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬نف�سه‪.‬‬


‫‪9‬‬
‫الجهاد األكبر‬
‫‪ -‬الم�سار والميزان ‪-‬‬
‫في الخطبة الأولى للإمام الح�سين ‪ Q‬في كربالء‪،‬‬
‫دعا جي�ش عمر بن �سعد �إلى العودة �إلى اهلل‪ ،‬من خالل‬
‫تزكية النف�س بالتقوى‪ ،‬فقال ‪« :Q‬عبا َد اهلل‪ ،‬اتقوا‬
‫اهلل وكونوا من الدنيا على حذر؛ ف��إنّ الدنيا لو ب ِق َيتْ‬
‫لأح��د‪ ،‬وبقي عليها �أح��د‪ ،‬كانت الأنبياء �أح��قّ بالبقاء‪،‬‬
‫و�أول ��ى بالر�ضا‪ ،‬و�أر��ض��ى بالق�ضاء‪ ،‬غير �أنّ اهلل تعالى‬
‫خلق الدنيا للبالء‪ ،‬وخلق �أهلها للفناء‪ ،‬فجديدها بال‪،‬‬
‫ونعيمها م�ضمحل‪ ،‬و�سرورها مكفهر‪ ،‬والمنزل ُبلغة‪،‬‬
‫وال��دار قلعة‪ ،‬فتز ّودوا؛ ف��إ َّن خير ال��زاد التقوى‪ ،‬واتقوا‬
‫اهلل لع ّلكم تفلحون»(((‪.‬‬
‫وفي �آخ��ر لحظاته على �صعيد كربالء‪ ،‬ا�ستح�ضر الإم��ام‬
‫﴿و َمن َي َّتق َّ َ‬
‫ٱلل‬ ‫الح�سين ‪ Q‬حديث اهلل تعالى عن التقوى َ‬
‫ِ‬

‫((( ابن ع�ساكر‪ ,‬تاريخ مدينة دم�شق‪ ,‬ج‪� ,14‬ص ‪.218‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪148‬‬

‫َّ‬
‫َ ۡي َعل ُلۥ َ ۡم َر ٗجا﴾(((‪ .‬ف�إذا به يدعو اهلل تعالى «اللهم (�أنت)‬
‫غني‬
‫متعالي ال�م�ك��ان‪ ,‬عظيم ال �ج �ب��روت‪�� ,‬ش��دي��د ال�م�ح��ال‪ّ ,‬‬
‫عن الخاليق‪ ,‬عري�ض الكبرياء‪ ,‬ق��ادر على ما ت�شاء‪ ،‬قريب‬
‫الرحمة‪� ،‬صادق الوعد‪� ،‬سابغ النعمة‪ ،‬ح�سن البالء‪ ،‬قريب‬
‫�إذا دُعِ �ي��ت‪ ،‬محيط بما خلقت‪ ،‬قابل التوبة لمن ت��اب �إليك‪،‬‬
‫كرت‪َ ،‬ذكور‬
‫قادر على ما �أردت‪ُ ،‬ت��درك ما طلبت‪�َ ،‬شكور �إذا ُ�ش َ‬
‫�إذا ُذكرت‪� ،‬أدعوك محتاجاً‪ ،‬و�أرغب �إليك فقيراً‪ ،‬و�أفزع �إليك‬
‫خائفاً‪ ,‬و�أبكي مكروباً‪ ،‬و�أ�ستعين بك �ضعيفاً‪ ,‬و�أتو َّكل عليك‬
‫كافياً‪ .‬اللهم احكم بيننا وبين قومنا؛ ف�إنهم غ ّرونا‪ ,‬وخذلونا‪,‬‬
‫وغدروا بنا‪ ,‬وقتلونا‪ ,‬ونحن عترة نب ّيك‪ ,‬وولد حبيبك محمد‬
‫‪ P‬الذي ا�صطفيته بالر�سالة‪ ،‬وائتمنته على الوحي‪ ،‬فاجعل‬
‫لنا من �أمرنا فرجاً ومخرجاً‪ ،‬يا �أرحم الراحمين»(((‪.‬‬
‫�إ ّنه حديث عن الجهاد الأكبر في معركة الجهاد الأعلى‪،‬‬
‫في كربالء‪.‬‬

‫((( �سورة الطالق‪ ,‬الآية ‪.2‬‬


‫((( البحراني‪ ,‬عبد العظيم‪ ,‬من �أخالق الإمام الح�سين‪� ,Q‬ص‪.257‬‬
‫‪149‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫�إ ّن��ه حديث يرتبط بهدف اهلل تعالى من خلقه عالم‬


‫الإمكان‪ .‬وهو ما يدعونا للحديث عن تزكية النف�س‪ ،‬في‬
‫م�سارها وميزانها‪.‬‬

‫التقوى غاية العبادة‬


‫ح� َّدد القر�آن الكريم غاية خلق الإن�سان بقوله تعالى‬
‫ُُۡ‬ ‫َ َ َ َ ۡ ُ ۡ َّ َ ۡ َ َّ‬
‫ون﴾(((‪ .‬والعبادة‬ ‫ٱلنس إِل ِلَعبد ِ‬
‫ٱلن و ِ‬‫﴿ وما خلقت ِ‬
‫المعنوي تطلق على الفعل الذي يكون ط ّيع ًا ل ّين ًا‬
‫ّ‬ ‫في جذرها‬
‫مذ ّل ًال بحيث ال يكون فيه ع�صيان وال مقاومة وال اعتداء‪ ،‬من‬
‫هنا �س ّميت الطريق التي كثر المرور عليها �أو � ّسويت بحيث‬
‫لم تعد �أحجارها �أو �أ�شواكها م�ؤذية‪ ،‬بل �صارت ل ّينة غير‬
‫ّ (((‬
‫�شك�سة‪ ،‬وال عا�صية‪ ،‬بالطريق المع ّبد �أو ال�سلوك المذلل‪.‬‬
‫ومن الالفت �أنّ الكتاب العزيز لم يعر�ض عبادة اهلل‬
‫تعالى كهدف �أق�صى لخلق الإن�سان‪ ،‬بل تح َّدث عن هدف‬

‫((( �سورة الذاريات‪ ،‬الآية ‪.56‬‬


‫((( انظر‪ :‬ابن فار�س‪� ،‬أحمد‪ ،‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬تحقيق عبد ال�سالم محمد هارون‪،‬‬
‫قم‪ ،‬مكتب الإعالم الإ�سالمي‪1404 ،‬هـ‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪.206-205 :‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪150‬‬

‫ُ َّ‬ ‫ۡ ْ‬
‫اس ٱع ُب ُدوا َر َّبك ُم ٱلِي‬‫﴿ي َأ ُّي َها ٱنلَّ ُ‬
‫لهذه العبادة بقوله َ ٰٓ‬
‫ون﴾((( ‪.‬‬ ‫َ ۡ ُ ۡ َ َ َّ ُ ۡ َ َّ ُ َ‬
‫ِين مِن قبل ِكم لعلكم تتق‬ ‫ك ۡم َو َّٱل َ‬
‫َ ََ ُ‬
‫خلق‬
‫والتقوى في مفهومها تلتقي مع الوقاية‪ ،‬وهي الم�شتركة‬
‫لت�صب في خانة معنى المنعة‬ ‫ّ‬ ‫المادي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫معها في جذرها‬
‫والح�صانة والحماية‪ .‬ولع ّله لهذا الأمر ع ّبر تعالى بـلبا�س‬
‫التقوى‪ ،‬ف��إنَّ من وظيفة اللبا�س حماية الإن�سان ج�سد ًا‪،‬‬
‫ف ��أراد اهلل تعالى �أن يكون للإن�سان‪ ،‬قلب ًا وروح � ًا‪ ،‬حماية‬
‫اس‬ ‫﴿ولِ َ ُ‬
‫معنوي هو التقوى َ‬ ‫�أخرى تتحقق من خالل لبا�س‬
‫ّ‬
‫ٱتل ۡق َو ٰى َذٰل َِك َخ ۡي‪.(((﴾ۚٞ‬‬
‫َّ‬

‫الفالح بتزكية النف�س‬


‫وو�صول الإن�سان �إلى مرحلة التقوى ي�صعده �إلى المرتبة‬
‫القر�آنية ال ُع ْليى وهي الفالح الذي يعني الفوز والظفر‪ ،‬قال‬
‫َ َّ ُ ْ َّ َ َ ٰٓ ُ ْ ۡ َ ۡ َ ٰ َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫ب لعلكم تفل ِح‬ ‫تعالى ﴿‪`..‬فٱتقوا ٱلل يأو ِل ٱللب ِ‬
‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.21‬‬
‫((( �سورة الأعراف‪ ،‬الآية ‪.26‬‬
‫((( �سورة المائدة‪ ،‬الآية ‪.100‬‬
‫‪151‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫وفي بيان قر� ّآني �آخر للو�صول �إلى مرحلة الفوز النهائي‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫المع ّبر عنه بالفالح قال تعالى ﴿قَ ۡد أ ۡفل َح َمن تَ َز ٰك﴾(((‪.‬‬
‫والتزكية من زكا التي ت�أتي بمعنى طهر‪ ،‬و�أي�ض ًا بمعنى زاد‬
‫ونما(((‪ ،‬كما في �إطالق �أمير الم�ؤمنين ‪ Q‬في ما ورد‬
‫عنه «العلم يزكو بالإنفاق»(((‪� ،‬أي ينمو ويتكامل‪ ،‬فتزكية‬
‫النف�س المح ّققة للفالح تعني �إنماءها والعمل على تكاملها‬
‫ورق ّيها‪.‬‬
‫ومما تق ّدم نعرف �أهم ّية وقيمة تزكية النف�س‪ ،‬ودورها‬
‫في تحقيق غاية خلق الإن�سان‪.‬‬
‫وكذلك نعرف �أهمية ال�س�ؤال عن المنهج القويم في‬
‫تزكية نف�س الإن�سان‪.‬‬

‫((( �سورة الأعلى‪ ،‬الآية ‪.14‬‬


‫((( انظر‪ :‬الطريحي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬مجمع البحرين‪ ،‬تحقيق الح�سيني‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‬
‫م�ؤ�س�سة الوفاء ‪1983‬م‪� ،‬ص‪.205-203 :‬‬
‫((( الجزائري‪ ,‬عبد اهلل‪ ,‬التحفة ال�سنية‪ ,‬تحقيق الجزائري‪( ,‬ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬ن)‪,‬‬
‫(ال‪,‬ت)‪� ,‬ص ‪.11‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪152‬‬

‫م�سارات في تزكية النف�س‬


‫في ا�ستعرا�ض وجيز لمدار�س ومناهج تزكية النف�س‪،‬‬
‫في المجتمع الإ�سالمي‪ ،‬نالحظ م�سارات عديدة يت�صف‬
‫بع�ضها بالغرابة ويو ّلد ا�ستهجان ّ‬
‫المطلع عليها‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬فبع�ضهم انتهج في �سيره ال�سلوكي لتزكية نف�سه‪،‬‬
‫العمل على �إرهاق الج�سد لتطويعه‪ .‬وفي هذا الإطار‬ ‫َ‬
‫ُيروى عن بع�ض ال�شيوخ �أنه �ألزم نف�سه بالقيام على‬
‫(((‬
‫ر�أ�سه طوال الليل؛ لت�سمح نف�سه بالقيام عن طوع‬
‫وكذا الحال بالن�سبة �إلى �أولئك الذين كانوا ينامون‬
‫على م�سامير ونحو ذلك‪.‬‬
‫ال�سلوكي لتزكية نف�سه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ب ‪ -‬وبع�ضهم انتهج‪ ،‬في �سيره‬
‫َ‬
‫العمل على �إذالل النف�س و�إهانتها لتذليلها‪ ،‬كما هي‬
‫الغزالي ب�أنه �سرق‬
‫ّ‬ ‫حالة ال�سالك الذي حكى ق�صته‬
‫ثياب ًا في ح ّمام عام‪ ،‬وهرب ليلحقه النا�س‪ ،‬ويقولوا‬
‫عنه‪� :‬سارق الح ّمام‪ ،‬وهكذا ح�صل‪ ،‬فاعتقد �أ َّنه و�صل‬
‫َّ‬
‫المتوخاة ف�سكنت نف�سه‪.‬‬ ‫�إلى النتيجة‬
‫((( الحائري‪ ،‬كاظم‪ ،‬تزكية النف�س‪ ،‬ط ‪ ،1‬قم‪ ،‬م�ؤ�س�سة الفقه‪1421 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪153‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫ج ‪ -‬وبع�ضهم انتهج في �سيره ال�سلوكي لتزكية نف�سه‬


‫العمل على تنقية الذهن من الخواطر العار�ضة له‪،‬‬
‫فدعا ه�ؤالء �إلى تركيز االنتباه �إلى �أحد المح�سو�سات‬
‫مثل حجر �أو ج�سم �آخر‪ ،‬فينظر �إليه بالعين الظاهرة‬
‫مدة‪ ،‬وال يطبق عينه مهما �أمكن‪ ،‬وينتبه بجميع القوى‬
‫الظاهر ّية والباطن ّية �إليه‪ ،‬وي�ستم ّر على هذه الحال‬
‫م��دة‪ ،‬ق��ال��وا‪� :‬إنَّ الأف�ضل �أن تكون �أربعين ي��وم� ًا �أو‬
‫�أكثر(((‪ .‬وتج َّر�أ بع�ضهم في بيان هذا االتجاه بتمثيل‬
‫�آخ��ر‪ ،‬وهو �أن ير ّكز ال�سالك نظره على �شحمة �أذن‬
‫اللب‬
‫بحجة �أنَّ ّ‬ ‫فاتنة جميلة‪� ،‬أو مح ّيا �شيخ مر�شد ّ‬
‫حينما يح�صر تعلقه ب�شيء واحد ي�ستطيع �أن يقطع‬
‫عالقاته بالآخرين‪ّ ،‬ثم في مرحلة ثانية يقطع هذا‬
‫االرتباط الوحيد؛ لير ّكز قلبه على اهلل تعالى‪ ،‬لي�صل‬
‫�إلى المبتغى المن�شود‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬الر�سالة المن�سوبة �إلى بحر العلوم بعنوان ر�سالة ال�سير وال�سلوك‪ ،‬تحقيق‬
‫ح�سن م�صطفوي‪ ،‬تعريب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الرو�ضة‪1414 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪.133‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪154‬‬

‫الت�ص ّوف والعرفان‬


‫وقد ُعرف �أ�صحاب بع�ض االتجاهات ال�سلوك ّية الزاهدة‬
‫في الدنيا زهد ًا ماد ّي ًا بالمت� ِّصوفة الذين ُ�س ُّموا بذلك‪:‬‬
‫�أ ‪� -‬إ ّما لأ َّنهم كانوا يلب�سون ال�صوف في ال�صيف الحا ّر‪.‬‬
‫ال�ص َّفة‪� ،‬أي ُ�ص ّفة م�سجد ر�سول اهلل ‪P‬‬ ‫ب ‪ -‬و�إ ّما من ُ‬
‫ف�س ُّموا بذلك؛ لأ َّنهم‬‫التي كان يجتمع فيها الجائعون‪ُ ،‬‬
‫ال�ص َّفة‪.‬‬
‫يقتدون ب�أهل تلك ُ‬
‫ج ‪ -‬و�إ ّم��ا من ال�صفواء جمع ال�صفاة‪ ،‬وتعني ال�صخر‬
‫الأمل�س الذي ال ينمو عليه النبات‪ ،‬ومنه قوله تعالى‬
‫َك َم َثل َص ۡف َوان َعلَ ۡيه تُ َر ‪ٞ‬‬
‫اب﴾(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫﴿‬
‫د ‪ -‬و�إ ّما من �صوفانة التي تعني النبات ال�صغير الذي ال‬
‫قيمة له(((‪.‬‬
‫ولع ّل هذه المحاوالت لتف�سير الت�صوف من ناحية اال�شتقاق‬
‫اللغوي ترجع �إلى الخلف ّية التي ينطلق منها محدِّ د الم�صطلح‬ ‫ّ‬

‫((( �سورة البقرة‪ ،‬الآية ‪.264‬‬


‫((( انظر‪� :‬سجادي‪� ،‬ضياء الدين‪ ،‬مقدمة في �أ�صول الت�صوف والعرفان‪ ،،‬ط‪ ،1‬بيروت‪،‬‬
‫دار الهادي‪ 1423 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪.6- 4‬‬
‫‪155‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫من ناحية نظرته �إلى الت�صوف‪ .‬من هنا نرى �أنَّ بع�ض من‬
‫ينحو بالت� ّصوف �إلى الناحية المعرف ّية يرد الم�صطلح �إلى‬
‫يوناني ه��و ‪� Sophi‬أو ‪ Sophia‬اليونان ّية التي تعني‬
‫ّ‬ ‫�أ�صل‬
‫الحكمة(((‪ .‬وهذا ما يق ّرب الت� ّصوف �إلى العرفان في حين‬
‫ي�ص ّر البع�ض على التفرقة بين الت� ّصوف والعرفان‪ ،‬في �أنَّ‬
‫الأ ّول يقع في دائرة ال�سلوك والعمل؛ في حين �أنَّ الثاني ينطلق‬
‫علمي‪ ،‬ومن خالله يط ّل على ال�سير وال�سلوك‪.‬‬
‫من منهج ّ‬
‫وعملي(((‪ ،‬يبحث‬
‫ّ‬ ‫نظري‬
‫ّ‬ ‫ق�سموا العرفان �إلى‬
‫من هنا‪ّ ،‬‬
‫النظري منه عن معرفة اهلل والعالم والإن�سان‪ ،‬في حين‬ ‫ّ‬ ‫في‬
‫يبحث في العملي منه عن العالقات والواجبات المفرو�ضة‬
‫على الإن�سان مع نف�سه‪ ،‬ومع العالم‪ ،‬ومع اهلل‪ ،‬فالأ ّول �شبيه‬
‫بالفل�سفة والثاني بالأخالق(((‪.‬‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪� ،‬ص ‪.7‬‬


‫((( لمعرفة الفارق بين العرفان والت�صوف انظر‪ :‬المطهري‪ ،‬مرت�ضى‪ ،‬العرفان‪ ،‬ترجمة‬
‫نور الدين‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار المحجة البي�ضاء‪1413 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪« 12 - 11‬وقد ذكر‬
‫ال�شهيد المطهري فيه �أن العرفاء يطلق عليهم مت�صوفة �إذا كان المراد الإ�شارة �إلى‬
‫الناحية االجتماعية لهم »‪.‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق �ص ‪.17 ,13‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪156‬‬

‫العرفاء والفقهاء‬
‫وهنا ينبغي التمييز بين مدر�ستي الفقهاء والعرفاء في‬
‫نظرتهم �إلى الغاية لتزكية النف�س التي على الإن�سان �أنْ‬
‫ي�سعى نحوها‪ ،‬ففي حين يرى الفقهاء �أنّ الهدف الأق�صى‬
‫هو و�صوله �إلى ال�سعادة‪ ،‬يع ّمق العرفاء �أطروحتهم ب�أنّ غاية‬
‫تزكية النف�س هي الو�صول �إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫فالفقهاء يرون �أن تعاليم الإ�سالم يمكن اخت�صارها في‬
‫ثالثة �أنواع‪:‬‬
‫الأول‪ :‬العقيدة‪ ،‬وهي التي من خاللها يتح ّقق الإيمان‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الأخالق‪ ،‬وهي التي ينبغي �أن يتعامل معها �سلوك ّي ًا‬
‫كترك الرذائل والتح ّلي بالف�ضائل‪.‬‬
‫ال�ث��ال��ث‪ :‬الأح�ك��ام‪ ،‬وه��ي التي ترتبط ب�أعمال الإن�سان‬
‫الخارج ّية‪.‬‬
‫�أ ّما العرفاء ف�إنهم يتحدثون عن ثالث مراتب‪:‬‬
‫الأولى‪ :‬ال�شريعة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الطريقة‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫الثالثة‪ :‬الحقيقة‪.‬‬
‫وقد ذكر العرفاء �أنّ هذه الم�صطلحات الثالثة م�أخوذة‬
‫نبوي �شريف هو « ال�شريعة �أقوالي‪ ،‬والطريقة‬ ‫من حديث ّ‬
‫�أفعالي‪ ،‬والحقيقة �أحوالي »(((‪.‬‬
‫وقد ذك��روا بيانات عديدة للتمييز بين هذه المراتب‬
‫المتد ّرجة‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬ال�شريعة �أن تعبده‪ ،‬والطريقة �أن تح�ضره‪،‬‬
‫والحقيقة �أن ت�شهده‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ال�شريعة �أن تقيم ب�أمره‪ ،‬والطريقة �أن تقوم‬
‫ب�أمره‪ ،‬والحقيقة �أن تقوم به(((‪.‬‬
‫وق��د ط� َّب��ق ال �ع��ارف ال�سيد ح�ي��در الآم �ل��ي { هذه‬
‫المراتب في العقيدة والأحكام‪.‬‬
‫ففي العقيدة ذكر �أنّ توحيد �أهل ال�شريعة عبارة عن‬
‫نفي �آلهة كثيرة‪ ،‬و�إثبات �إله واحد‪ ،‬ونفي �آلهة مق ّيدة و�إثبات‬

‫((( الآملي‪ ،‬حيدر‪� ،‬أ�سرار ال�شريعة و�أطوار الطريقة و�أنوار الحقيقة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار‬
‫الهادي ‪2003‬م‪� ,‬ص‪.67‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق �ص ‪.49‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪158‬‬

‫�إله مطلق(((‪ ،‬والتوحيد عند �أهل الطريقة يتح ّقق حينما‬


‫يقطعون نظرهم عن الأ�سباب‪ ،‬ويتو ّكلون عليه حقّ التوكل‪،‬‬
‫وي�س ّلمون �أمرهم �إليه كل ّي ًا‪ ،‬ويفرحون بما يجري عليهم منه؛‬
‫لأنه لي�س في الوجود غيره‪ ،‬وال فاعل �سواه(((‪.‬‬
‫�أم��ا توحيد �أه��ل الحقيقة فيتح ّقق من خ�لال �أنهم ال‬
‫ي�شاهدون ف��ي ال��وج��ود غير اهلل تعالى‪ ،‬وال يعرفون في‬
‫حقيقي ذات � ّ�ي‪ ،‬ووج��ود غيره‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقة غيره؛ لأنَّ وج��وده‬
‫مجازي في معر�ض الفناء والهالك �آن ًا ف�آن ًا(((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عار�ضي‬
‫ّ‬
‫وح��ول هذه الحقيقة ي�ست�شهدون ببيتي �شعر جميلين‬
‫هما‪:‬‬
‫قدم‬
‫البحر بحر على ما ك��ان في ٍ‬
‫�إنَّ ال � �ح� ��وادث �أم� � � ��وا ٌج و�أن � �ه� ��ا ُر‬
‫ال ت�ح�ج�ب� ّن��ك �أ���ش��ك ��ال ت�شاكلها‬
‫ع � ّم��ن ت���ش� َّك��ل ف�ي�ه��ا‪ ،‬ف�ه��ي �أ� �س �ت��ا ُر‬

‫((( الم�صدر ال�سابق �ص ‪.120‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق �ص ‪.122‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق �ص ‪.125‬‬
‫‪159‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫فالبحر هو الحقيقة‪ ،‬و�أ ّما الأمواج فهي فانية‪ ،‬هي هالكة‬


‫با�ستمرار‪ ،‬بل بالد ّقة‪ ،‬هي ال �شيء‪ ،‬فالحقيقة هي فقط البحر‪.‬‬
‫وفي الأحكام الفقهية ذكر ال�سيد الآملي { �أنَّ و�ضوء‬
‫�أهل ال�شريعة يتح ّقق بالغ�سلتين والم�سحتين‪� ،‬أ ّم��ا و�ضوء‬
‫�أهل الطريقة‪ ،‬فيتح ّقق بطهارة النف�س عن رذائل الأخالق‬
‫وخ�سائ�سها‪ ،‬وط �ه��ارة العقل م��ن دن�س الأف �ك��ار وال�شبه‬
‫الم�ؤ ّدية �إلى ال�ضالل والإ�ضالل‪ .‬وطهارة ال�س ّر من النظر‬
‫�إلى الأغيار‪ ،‬وطهارة الأع�ضاء من الأفعال غير المر�ض ّية‬
‫عق ًال و�شرع ًا(((‪.‬‬
‫�أ ّما و�ضوء �أهل الحقيقة‪ ،‬فهو «عبارة عن طهارة ال�س ّر‬
‫ع��ن م���ش��اه��دة ال�غ�ي��ر م�ط�ل�ق�اً‪،‬وال�ن�ي��ة ف�ي��ه ه��ي �أن ينوي‬
‫ال�سالك ف��ي ��س� ّره �أن ��ه ال ي�شاهد ف��ي ال��وج��ود غ�ي��ره وال‬
‫توجه في الباطن �إلى غيره‬ ‫يتوجه �إال �إليه لأن كل من ّ‬
‫فهو م�شرك بال�شرك الخفي»(((‪.‬‬

‫((( المرجع ال�سابق �ص ‪.188‬‬


‫((( المرجع ال�سابق �ص ‪.190‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪160‬‬

‫�س�ؤال مف�صلي‪:‬‬
‫إجمالي للمراتب العرفان ّية الثالث نطرح‬
‫بعد االت�ضاح ال ّ‬
‫اال �أ�سا�س ًّيا يتعلق بدور هذه المراتب في الو�صول �إلى‬‫�س�ؤ ً‬
‫غاية تزكية النف�س‪ .‬فهل ال�شريعة هي مجرد و�سيلة للو�صول‬
‫�إلى الطريقة وبالتالي للحقيقة‪ ،‬وعليه ف�إ ّنها قد ُي�ستغنى‬
‫عنها؟ �أم �إ َّنه ال ب ّد منها على كل حال‪ ،‬وال يمكن الو�صول‬
‫�إلى الحقيقة بدونها؟‬

‫منهج الإمام الخميني‪ M‬ال�سلوكي‬


‫يجيب الإمام الخميني ‪ M‬رائد مدر�سة العرفان في‬
‫ع�صره‪ ،‬عن هذا ال�س�ؤال ب�شكل حا�سم مب ّين ًا منهجه بقوله‪:‬‬
‫طي �أيِّ طريق في المعارف الإلهية ال يمكن‬ ‫«واعلم‪� ...‬أ َّن َّ‬
‫�إ ّال بالبدء بظاهر ال�شريعة‪ ،‬وما لم يت�أدَّب الإن�سان ب�آداب‬
‫ال�شريعة الح ّقة ال يح�صل له �شيء من حقيقة الأخالق‬
‫الح�سنة‪ ،‬كما ال يمكن �أن يتج َّلى في قلبه نور المعرفة‪،‬‬
‫وتتك�شف العلوم الباطنية‪ ،‬و�أ�سرار ال�شريعة‪ ،‬وبعد انك�شاف‬ ‫َّ‬
‫‪161‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫الحقيقة‪ ،‬وظهور �أنوار المعارف في قلبه‪� ،‬سي�ستمر �أي�ضاً‬


‫ت�أ ّدبه بالآداب ال�شرعية الظاهرية»‪ .‬ويتابع الإمام الخميني‬
‫‪ M‬ما ر�سمه من ميزان فيقول‪« :‬ومن هنا نعرف بطالن‬
‫دعوى من يقول‪�( :‬إ َّن الو�صول �إلى العلم الباطن يكون‬
‫ب�ت��رك العلم ال�ظ��اه��ر‪� ،‬أو �إ َّن ��ه وب�ع��د ال��و��ص��ول �إل ��ى العلم‬
‫الباطن ينتفي االحتياج �إل��ى الآداب الظاهرية)‪ .‬وهذه‬
‫الدعوى ترجع �إلى جهل من يقول بها‪ ،‬وجهله بمقامات‬
‫(((‬
‫العبادة ودرجات الإن�سان ّية»‪.‬‬
‫ويط ِّبق الإمام الخميني ‪ M‬منهجه هذا على العبادات‬
‫الحج التي يهدف من خاللها �إلى الو�صول‬ ‫فيتح َّدث عن عبادة ّ‬
‫�إلى الحقيقة بقوله «هي ر�أ�سمال من �أفق التوحيد والتنزيه‪،‬‬
‫و�سوف لن نح�صل على النتيجة ما لم نن ّفذ �أحكام وقوانين‬
‫الحج العباد ّية ب�شكل �صحيح والئق �شعرة ب�شعرة»(((‪.‬‬

‫((( الإمام الخميني ‪ ،M‬روح اهلل‪ ،‬الأربعون حديث ًا‪ ،‬ترجمة الغروي‪ ،‬قم المقد�سة‪،‬‬
‫دار الكتاب الإ�سالمي �ص‪.25‬‬
‫((( الإمام الخميني ‪ ،M‬روح اهلل‪� ،‬أبعاد الحج‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬جمعية المعارف‬
‫الإ�سالمية الثقافية ‪1422‬هـ‪� ،‬ص ‪.20‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪162‬‬

‫‪M‬‬ ‫وفي �ضوء هذا المنهج يحاكم الإم��ام الخميني‬


‫بع�ض االتجاهات ال�سلوكية التي تق َّدمت‪ ،‬فيقول‪« :‬وم��ن‬
‫الت�ص ّرفات الخبيثة لل�شيطان‪ ،‬لإ�ضالل القلب و�إزاغته‬
‫ع��ن ال���ص��راط الم�ستقيم‪ ،‬توجيهه نحو فاتنة �أو �شيخ‬
‫مر�شد‪ .‬ومن �إبداع ال�شيطان المو�سو�س في �صدور النا�س‪،‬‬
‫الفريد من نوعه‪ ،‬هو �أ َّنه مع بيان عذب ومليح‪ ،‬و�أعمال‬
‫مغرية‪ ،‬قد يعلق بع�ض الم�شائخ ب�شحمة �أذن فاتنة جميلة‬
‫وي���س� ِّوغ ه��ذه المع�صية ال�ك�ب�ي��رة‪ ،‬ب��ل ه��ذا ال���ش��رك لدى‬
‫العرفاء‪ ،‬ب�أ َّن القلب �إذا كان متع ّلقاً ب�شيء واحد‪ ،‬ا�ستطاع‬
‫�أن يقطع عالقاته مع بالآخرين ب�صورة �أ�سرع‪ ،‬فير ِّكز ك ّل‬
‫بحجة �أ َّن القلب ين�صرف‬ ‫توجهه �أ ّو ًال على الفتاة الجميلة ّ‬
‫عن غيرها‪ ،‬و�أ ّن��ه منتبه �إل��ى �شيء واح��د‪ ،‬ثم يقطع هذا‬
‫الحق المتعالي‪ ،‬وقد‬ ‫االرتباط الوحيد‪ ،‬وير ِّكز قلبه على ّ‬
‫يدفع ال�شيطان ب�إن�سان �أبله نحو �إن�سان �أبله‪ ،‬نحو مح ّيا‬
‫مر�شد م ّكار وح�ش‪ ،‬بل �شيطان قاطع للطريق‪ ،‬ويلتجئ‬
‫الجلي �إل��ى � ّأن ه��ذا المر�شد هو‬
‫ّ‬ ‫في ت�سويغ ه��ذا ال�شرك‬
‫‪163‬‬ ‫ربكألا داهجلا‬

‫الإن���س��ان ال�ك��ام��ل‪ ،‬و�أ ّن ��ه ال �سبيل للإن�سان ف��ي الو�صول‬


‫�إل��ى مقام الغيب المطلق � ّإل بو�ساطة الإن�سان الكامل‬
‫المتج�سد ف��ي ال �م��ر�آة الأح ��د ّي ��ة للمر�شد‪ ،‬ويلتحق ٌّ‬
‫كل‬
‫منهما بعالم الجنّ وال�شياطين‪ .‬ذاك المر�شد‪ ،‬بالتفكير‬
‫ف��ي ج�م��ال مع�شوقه وم�ف��ات�ن��ه �إل ��ى ن�ه��اي��ة ع �م��ره‪ ،‬وه��ذا‬
‫الإن���س��ان الب�سيط‪ ،‬باالنتباه ال��دائ��م �إل��ى مح ّيا مر�شده‬
‫المنكو�س حتى �آخر حياته‪ ،‬فال تن�سلخ العلقة الحيوان ّية‬
‫عن المر�شد‪ ،‬وال يبلغ الإن�سان الأبله الأعمى �إلى من�شوده‬
‫ومبتغاه»(((‪.‬‬
‫�إنَّ خال�صة منهج الإمام ‪� M‬أنَّ الو�صول بتزكية النف�س‬
‫�إلى غايتها المن�شودة له معبر وحيد ال تتحقق بدونه �أال وهو‬
‫ال�شريعة التي يعتبرها ميزان معرفة الحقّ من الباطل في‬
‫م�سارات ال�سلوك‪.‬‬
‫وهذه ال�شريعة التي تم ِّثل المعبر الوحيد لتحقيق الهدف‬
‫الإلهي من خلق الكون والإن�سان كانت عام ‪ 61‬هـ‪ ،‬في خطر‬

‫((( الإمام الخميني ‪ ،M‬روح اهلل‪ ،‬الأربعون حديث ًا‪� ،‬ص‪.548‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪164‬‬

‫ع َّبر عنه الإم��ام الح�سين ‪ Q‬بقوله‪�« :‬إ َّن ُ‬


‫ال�س َّنة قد‬
‫�أميتت؛ و�إ َّن ال ِبدعة قد �أُحييت»(((‪.‬‬
‫فنه�ض ‪ Q‬م��ع �أه��ل بيته و�أ�صحابه لإب�ق��اء َمعبر‬
‫إن�ساني‪.‬‬
‫الكمال ال ّ‬

‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،44‬ص ‪.326‬‬


‫‪10‬‬
‫اآلخر في مدرسة‬
‫عاشوراء‬
‫في م�شهد كربالء مع�سكران‪� ،‬أحدهما يم ِّثل ِق ّمة النور‪،‬‬
‫والآخر هاوي َة الظلمة‪.‬‬
‫ق�ص ُة ذلك الواقف على قبر ال�شهيد ُح ْجر‬ ‫وحتى ال تتك ّرر ّ‬
‫بن َع ِد ّي الذي �أجاب �سائله عن هو ّية �صاحب القبر قائ ًال‪:‬‬
‫هذا قبر �س ّيدنا حجر ر�ضوان اهلل عليه‪ ,‬قتله �س ّيدنا معاوية‬
‫ر�ضوان اهلل عليه؛ لأ ّنه كان يوالي �س ّيدنا عل ّي ًا ‪ .Q‬حتى‬
‫ال�سلبي ه��ذا‪ ،‬ورد في زي��ارة �إمام‬
‫ّ‬ ‫ق�صة الحياد‬ ‫ال تتك ّرر ّ‬
‫كربالء �أبي عبد اهلل الح�سين‪� Q‬سالم ولعن‪� :‬سالم‬
‫على ِق ّمة النور‪ ،‬ولعن على هاوية الظلمة‪.‬‬
‫ال�سالم ي�ستح�ضر‪:‬‬
‫‪ -1‬طهر ال�ن��ور‪�« ,‬أ��ش�ه��د �أ ّن ��ك كنت ن ��وراً ف��ي الأ��ص�لاب‬
‫ال�شامخة‪ ،‬والأرحام المطهرة»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وطهر م�سيرته‪« ,‬ال�سالم عليك يا ثار اهلل وابن ثاره»(((‪.‬‬
‫((( الطو�سي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ,‬م�صباح المتهجد‪ ،‬ط‪ ,1‬بيروت‪ ,‬م�ؤ�س�سة فقه ال�شيعة‪� ,‬ص‪.721‬‬
‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪،572‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪168‬‬

‫‪ -3‬وطهر ال�سائرين معه‪« ,‬ال�سالم عليكم يا �أن�صار �أبي‬


‫عبد اهلل»(((‪.‬‬
‫واللعن ي�ستهدف‪:‬‬
‫‪� -‬أ�شخا�ص القتلة‪« ,‬لعن اهلل �آل زي��اد‪ ،‬و�آل م ��روان‪...‬‬
‫ول�ع��ن اهلل اب��ن م��رج��ان��ة‪ ،‬ول�ع��ن اهلل عمر ب��ن �سعد‪،‬‬
‫ولعن اهلل �شمراً»(((‪.‬‬
‫‪ -‬والأُ ّمة القاتلة‪« ,‬لعن اهلل �أُ ّمة‪ ..‬قتلتكم»(((‪.‬‬
‫‪ -‬والممهدين للقتل‪« ,‬لعن اهلل الممهِّدين بالتمكين من‬
‫قتالكم»(((‪.‬‬
‫ال�س�ؤال‪:‬‬
‫حينما ن�لاح��ظ ع�ن��اوي��ن الم�ستهدفين باللعن يبرز‬
‫�س�ؤال مه ٌّم حول �سعة دائ��رة هذا اللعن‪ ،‬بما له من ت�أثير‬
‫على النظرة �إلى الآخر‪ ,‬ال �س َّيما بما يتعلق بم�صير ال َآخر‬
‫((( الطو�سي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ,‬م�صباح المتهجد‪� ،‬ص‪.671‬‬
‫((( بن طاوو�س‪ ،‬علي بن مو�سى‪ ,‬اللهوف في قتلى الطفوف‪ ،‬ط‪ ,1‬قم‪� ,‬أنوار‬
‫الهدى‪(,‬ال‪,‬ت)‪� ,‬ص‪.123‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق �ص ‪.7‬‬
‫((( الم�صدر ال�سابق‪� ،‬ص‪.123‬‬
‫‪169‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫�روي على ح�سب ما يفيده معنى اللعن الذي يت�ض ّمن‬ ‫الأُخ� ّ‬
‫البعد عن رحمة اهلل‪ ,‬والدخول في عذابه وناره‪.‬‬
‫الإجابة‪:‬‬
‫ن�صو�ص واردة‬
‫ٍ‬ ‫قد ينطلق البع�ض في مقام �إجابته من‬
‫في ظرف كربالء الخا�ص‪ ،‬فيقول‪� :‬إنَّ دائرة اللعن تتع ّلق‬
‫بمن �سمع الداعية‪� ,‬سواء كان من الم�شاركين في القتال‪� ،‬أو‬
‫من الواقفين على ِّتل الحياد يبكون‪ ،‬فقد �أورد ابن الأعثم‬
‫في الفتوح ب��أنّ الإم��ام الح�سين‪ Q‬قال لعبيد اهلل بن‬
‫الحر‪�« :‬إن ا�ستطعت �أ ّال ت�سمع �صراخنا‪ ,‬وال ت�شهد وقعتنا‪,‬‬
‫فافعل؛ لأ ّني �سمعت ر�سول اهلل‪P‬وهو يقول‪ :‬من �سمع‬
‫داعية �أه��ل بيتي ولم ين�صرهم على ح ِّقهم �إال �أك َّبه اهلل‬
‫على وجهه في النار»(((‪.‬‬

‫تجذير الإجابة‬
‫ولكن �أو ّد �أن �أُع ِّمق الجواب لي�شمل التاريخ والحا�ضر‬
‫((( بن �أعثم‪� ,‬أحمد‪ ,‬كتاب الفتوح‪ ،‬تحقيق علي �شيري‪ ,‬ط‪ ,1‬بيروت‪ ,‬دار الأ�ضواء‪1411,‬هـ‬
‫ج‪� ،5‬ص‪.74‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪170‬‬

‫بما ي�ش ِّكل ثقافة لها تداعياتها في الموقف من الآخرين‪،‬‬


‫ون�ص الع�صمة‪.‬‬
‫القطعي ّ‬
‫ّ‬ ‫م�ستفيد ًا في الإجابة من العقل‬

‫الجزاء الإلهي في منطق العقل‬


‫قا�ض بعدالة اهلل تعالى‪ ,‬وا�ستحالة‬ ‫القطعي ٍ‬
‫ّ‬ ‫�إن العقل‬
‫�أن ي�صدر عنه ع َّز وج َّل ما يقطع العقل ب�أ ّنه ظلم‪ ،‬ولهذه‬
‫إلهي يوم القيامة‪.‬‬
‫العقيدة انعكا�سات في الح�ساب ال ّ‬
‫فالعقل هذا ي�أبى �أن يكون الح�ساب يوم المعاد مقت�صر ًا‬
‫على معيار ّية الهو َّية‪ ،‬بدون �أ ّية اعتبارات �أخرى‪ ،‬ب�أنْ يكون‬
‫الفرز يوم القيامة على �أ�سا�س �أنّ غير الم�سلمين مطلق ًا‬
‫يدخلون النار‪ّ ,‬ثم ُيفرز الم�سلمون �إلى المذاهب المتع ّددة‪,‬‬
‫فك ُّل من لم يكن على المذهب الحق يدخل جه ّنم‪ ,‬ثم يفرز‬
‫�أ�صحاب المذهب الحقّ بح�سب �أعمالهم!!!‬
‫�إنّ عدالة اهلل تعالى بح�سب العقل القطعي تتنافى مع‬
‫الحظ‬ ‫هكذا نوع من الح�ساب‪ ،‬وتر�شد �إلى نوع �آخر منه ُي ِ‬
‫المقدِّ مات التي �أ َّدت �إلى الهو ّية العقائدية‪ ،‬فهذه المقدِّ مات‬
‫قد يكون فيها تق�صير‪ ،‬وقد تنطلق من ق�صور‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫المق�صر ال��ذي كان ي�ستطيع الو�صول �إل��ى الحق‪،‬‬‫ِّ‬ ‫�أم��ا‬


‫ق�صر ولم ي�صل �إلى الحقيقة ب�إرادته واختياره‪ ,‬فهذا‬ ‫لكنه َّ‬
‫ال �إ�شكال في ا�ستحقاقه للعذاب‪.‬‬
‫لكن ال يتع ّقل ا�ستحقاق العذاب للقا�صر غير القادر‬
‫على الو�صول �إلى الحقّ ‪ ،‬والذي لم تتو َّفر لديه بيئة الو�صول‬
‫�إليه‪.‬‬
‫وتحديد كالمنا با�ستحقاق العذاب ال بفعل َّيته‪ ،‬منطلق‬
‫من �إيماننا ب�أنّ اهلل تعالى يجب منه �أنْ يح ّقق وعده‪ ,‬ف�إذا‬
‫توعد‬‫وعد بالثواب ي�صبح الثواب واجب ًا منه تعالى‪ ،‬بينما لو َّ‬
‫توعده ال ي�ستلزم وقوع العقاب جزم ًا؛ لأ ّنه‬‫بالعقاب‪ ,‬ف�إنّ َّ‬
‫تعالى قد يرحم‪ ,‬فتتق ّدم رحمته على غ�ضبه‪.‬‬
‫وحتى ُيفهم ه��ذا المطلب بالد ّقة نلفت �إل��ى ما ذكره‬
‫الع َّالمة الطباطبائي في تف�سير الميزان‪� ،‬إذ قال‪« :‬ومن‬
‫الجائز �أن ي�صرف ال�شخ�ص نظره عن �إعمال حق نف�سه‪،‬‬
‫لكن ال يجوز �إبطال حق الغير‪ ،‬ف�إنجاز الوعد واجب دون‬
‫�إنجاز الوعيد‪ ،‬وهذا �إنما يتم في موارد الوعيد الخا�صة‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪172‬‬

‫وم�صاديقه في الجملة‪ .‬و�أم��ا ع��دم �إن�ج��از �أ�صل العقاب‬


‫على الذنب و�إبطال �أ�سا�س المجازاة على التخ ّلف فلي�س‬
‫كذلك‪� ،‬إذ في �إبطاله �إبطال الت�شريع من �أ�صله‪ ،‬و�إخالل‬
‫النظام العام»‪.(((.‬‬
‫المق�صر ي�ستحق العذاب‪ ،‬لكنه قد ُيرحم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫والنتيجة‪� :‬أنّ‬
‫و�أنّ القا�صر ال ي�ستحق العذاب في دائرة ق�صوره‪.‬‬

‫الجزاء الإلهي في منطق الن�ص‬


‫ن�ص الكتاب‬ ‫�إنّ ما ذكرناه من منطق العقل نقر�أه في ّ‬
‫العزيز والن�صو�ص ال��واردة عن �أهل بيت الع�صمة‪.R‬‬
‫فالقر�آن الكريم تح َّدث عن عفو اهلل تعالى عن القا�صرين‬
‫الذين عبر عنهم بالم�ست�ضعفين فقال تعالى‪﴿ :‬إ َّن َّٱل َ‬
‫ِين‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ ۡ َ ُ ْ َ ُ ُ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ ٰ ُ ُ ۡ َ َ ٰٓ َ‬
‫نت ۡمۖ قالوا ك َّنا‬ ‫س ِهم قالوا فِيم ك‬ ‫ِم أنف ِ‬‫ك ُة َظال ِ ٓ‬ ‫توفىهم ٱلملئ ِ‬
‫َّ َ ٰ َ ٗ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ۡ َ ۡ َ َ‬
‫ۡرض قال ٓوا أل ۡم تك ۡن أۡرض ٱللِ وسِعة‬ ‫مستضعفِني ِف ٱل ِ ۚ‬
‫ت َم ِص ً‬ ‫َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ٰٓ َ َ ۡ َ ٰ ُ ۡ َ َ َّ ُ َ َ ٓ َ ۡ‬
‫ريا ‪٩٧‬‬ ‫جروا فِيها ۚ فأولئِك مأوىهم جهنمۖ وساء‬ ‫فتها ِ‬

‫((( الطباطبائي‪ ،‬محمد ح�سين‪ ،‬الميزان في تف�سير القر�آن‪ ،‬ج‪� ،8‬ص ‪.119‬‬
‫‪173‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫َّ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ ّ َ َ ّ َ ٓ َ ۡ ۡ َ ٰ َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫يعون‬ ‫ٱلرجا ِل وٱلنِساءِ وٱلوِلد ِن ل يست ِط‬
‫إِل ٱلمستضعفِني مِن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك َع َس َّ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ ْ َ ٰٓ َ‬ ‫ٗ‬ ‫َ‬ ‫َٗ َ‬
‫ٱلل أن َي ۡعف َو‬ ‫حِيلة َول َي ۡه َت ُدون َسبِيل ‪ ٩٨‬فأول ِئ‬
‫َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َّ ُ َ ُ ًّ َ ُ ٗ (((‬
‫عنه ۚم وكن ٱلل عفوا غفورا﴾‬
‫وم��ن لطيف م��ا ورد ف��ي ه��ذا الإط� ��ار ح��دي��ثُ الإم ��ام‬
‫ال�صادق ‪ Q‬عن �أ�صناف النا�س بالقيا�س �إلى الجزاء‬
‫الإل �ه� ّ�ي‪ ،‬ففي الكافي ع��ن حمزة ب��ن الط ّيار ع��ن الإم��ام‬
‫ال�صادق‪« :Q‬النا�س على �ستّ فرق‪ ،‬ي�ؤولون ك ّلهم �إلى‬
‫ثالث فرق‪ :‬الإيمان والكفر وال�ضالل‪ ،‬وهم �أهل الوعدين‬
‫الذين وعدهم اهلل الج َّنة والنار‪ :‬الم�ؤمنون‪ ،‬والكافرون‪،‬‬
‫والم�ست�ضعفون‪ ،‬والمرجون لأمر اهلل‪� ,‬إ ّما يعذبهم و� ّإما‬
‫ال �صالحاً‬ ‫يتوب عليهم‪ ،‬والمعترفون بذنوبهم‪ ,‬خلطوا عم ً‬
‫و�آخر �سيئاً‪ ،‬و�أهل الأعراف»(((‪.‬‬
‫وق��د تناولت بع�ض ال��رواي��ات مو�ضوع الرحمة الإلهية‬
‫لبع�ض الم�ستحقين للعذاب ب�سبب تح ِّليهم ببع�ض القيم‬

‫((( �سورة الن�ساء‪ ,:‬الآيات‪.99-97‬‬


‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪.382‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪174‬‬

‫الإن�سانية التي هي نوع من التج ِّلي لل�صفات الإلهية كما‬


‫نالحظ في الروايتين التاليتين‪:‬‬
‫‪ -1‬ففي الكافي عن الإم��ام الباقر‪�« :Q‬إ َّن م�ؤمناً‬
‫ك��ان في مملكة ج َّبار فولع ب��ه‪ ,‬فهرب منه �إل��ى دار‬
‫ال�شرك‪ ،‬فنزل برجل من �أهل ال�شرك‪ ،‬ف�أظ ّله و�أرفقه‬
‫و�أ��ض��اف��ه‪ ،‬فل ّما ح�ضره ال�م��وت �أوح ��ى اهلل ع � َّز وج� َّل‬
‫�إليه‪ :‬وع ّزتي وجاللي‪ ،‬لو كان لك في ج َّنتي م�سكن‬
‫لأ�سكنتك فيها‪ ،‬ولك ّنها مح َّرمة على م��ن م��ات بي‬
‫م�شركاً‪ ،‬ولكن يا نار‪ ،‬هيديه وال ت�ؤذيه‪ ،‬وي�ؤتى برزقه‬
‫طرفي النهار»(((‪.‬‬
‫‪ -2‬وروى ال�شيخ ال�صدوق عن الإمام الكاظم‪« :Q‬كان‬
‫في بني �إ�سرائيل رجل م�ؤمن وكان له جار كافر‪ ،‬وكان‬
‫يرفق بالم�ؤمن‪ ،‬ويوليه المعروف في الدنيا‪ ،‬فل ّما � ْأن‬
‫مات الكافر بنى اهلل له بيتاً في النار من طين‪ ،‬فكان‬
‫يقيه ح ّرها وي�أتيه الرزق من غيرها‪ ،‬وقيل له‪ :‬هذا‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪.189‬‬


‫‪175‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫بما كنت تدخل على ج��ارك الم�ؤمن فالن بن فالن‬


‫من الرفق‪ ،‬وتوليه من المعروف في الدنيا»(((‪.‬‬

‫الجزاء الإلهي في كلمات العلماء‬


‫لقد �أ َّكد علماء مدر�سة �أهل البيت‪ R‬هذه العقيدة‬
‫و�سطروها في م�ؤلفاتهم‪ .‬فقد قال الع ّالمة �أب��و القا�سم‬ ‫ّ‬
‫القمي ف��ي «ق��وان�ي��ن الأ�� �ص ��ول»‪« :‬ث �ب��وت ال �ع��ذاب ال��دائ��م‬
‫ّ‬
‫مخ�ص�ص بما ح ّققوه في مح ّله من عدم‬ ‫َّ‬ ‫على الجاهل‬
‫تكليف الغافل‪ ,‬وع��دم تكليف ما ال ُيطاق‪ ,‬ونحو ذل��ك‪...‬‬
‫و� ّأم��ا العذاب الدائم فال دليل عليه‪ ,‬بل ومطلق العذاب‬
‫�أي�ضاً»(((‪.‬‬
‫وقال المح ِّقق ن�صير الدين الطو�سي{ في «تلخي�ص‬
‫المح�صل»‪« :‬المبالِغ في االجتهاد‪ّ � ،‬إما �أن ي�صير وا�ص ً‬
‫ال �أو‬ ‫ِّ‬
‫يبقى ناظراً‪ ,‬وكالهما ناجيان»(((‪.‬‬
‫((( ال�صدوق‪ ,‬محمد بن علي‪ ،‬ثواب الأعمال‪ ,‬تحقيق محمد الخر�سان‪ ,‬ط‪ ,2‬قم‪,‬‬
‫من�شورات ال�شريف الر�ضي‪�1368 ,‬ش‪� ,‬ص ‪.169‬‬
‫((( القمي‪ ,‬محمد تقي‪ ,‬القوانين‪( ,‬ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬م)‪( ,‬ال‪,‬ن)‪( ,‬ال‪,‬ت)‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.104‬‬
‫المح�صل‪� ,‬ص ‪.400‬‬
‫ّ‬ ‫((( الطو�سي‪ ,‬ن�صير الدين‪ ,‬تلخي�ص‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪176‬‬

‫وق ��ال الإم� ��ام الخميني{ ف��ي ك�ت��اب��ه «ال�م�ك��ا��س��ب‬


‫المح َّرمة» عن عمل الجاهل المعذور‪« :‬ال وزر له‪ ،‬بل يكون‬
‫مثاباً الن�ق�ي��اده‪ ،‬ب��ل ربما يكون فعله ط��اع��ة‪ ..‬و�أم ��ا فعل‬
‫الحرام الواقعي فال قبح له‪ ،‬وال وزر على الفاعل المعذور‬
‫في ارتكابه»(((‪.‬‬

‫الوالية والجزاء الإلهي‬


‫وم��ن ب��اب تطبيق م��ا ذك��رن��ا نتع َّر�ض لعقيدة الوالية‬
‫الح ّقة‪ .‬فنحن نعتقد �أنّ اهلل تعالى جعل الوالية ّ‬
‫للنبي ‪P‬‬
‫و�أهل بيته الأطهار‪ Q‬ركن ًا �أ�سا�سي ًا في ا�ستحقاق قبول‬
‫�أعمال الم�سلم‪ ,‬والعقل ال يمانع هكذا �شرط في اال�ستحقاق‪،‬‬
‫فالكامل الحكيم لو قال‪� :‬إ ّني جعلت حق ًا َّ‬
‫علي �أن �أثيب من‬
‫ي�سير في هذه الطريق‪ ،‬ويطعم فقراءها‪ ،‬ف�إنَّ من �سار فيها‪،‬‬
‫و�أطعم فقراءها ي�ستح ُّق منه الثواب‪� ،‬أ ّم��ا من �سار على‬
‫طريق �أخرى‪ ,‬و�أطعم فقراء تلك الطريق الأخ��رى‪ ,‬فهو ال‬
‫((( الخميني‪ ,‬روح اهلل‪ ,‬المكا�سب المح ّرمة‪ ,‬ط‪ ,3‬قم‪ ,‬ا�سماعيليان‪1410 ,‬هـ‪� ,‬ص‬
‫‪.100‬‬
‫‪177‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫يتف�ضل عليه بالإثابة‪،‬‬ ‫ي�ستحق من الحكيم ثوابه‪ ،‬نعم قد َّ‬


‫لك ّنها لي�ست واجبة بحكم العقل‪.‬‬
‫وفي هذا الإطار وردت روايات عديدة ب�أنَّ �شرط قبول‬
‫الأعمال هو والية �أهل البيت‪ .R‬ومن تلك الروايات‪:‬‬
‫‪1‬ـ عن الإم��ام �أب��ي جعفر‪« :Q‬ذروة الأم ��ر و�سنا ُم ُه‬
‫ومفتاحه‪ ،‬وب��اب الأ��ش�ي��اء ور��ض��ى الرحمن الطاع ُة‬
‫﴿من‬ ‫للإمام بعد معرفته‪ّ � .‬إن اهلل ع َّز وج� َّل يقول‪َّ :‬‬
‫َ َّ َ ٓ َ ۡ َ‬ ‫َّ ُ َ َ َ ۡ َ َ َ‬
‫اع َّ َ‬
‫ٱللۖ َو َمن ت َو ٰل ف َما أ ۡر َسل َنٰك‬ ‫يُ ِطعِ ٱلرسول فقد أط‬
‫لا قام ليله‪ ,‬و�صام‬ ‫َعلَ ۡي ِه ۡم َحفِ ٗيظا﴾((( �أَ َم��ا لو �أ َّن رج� ً‬
‫نهاره‪ ,‬وت�صدَّق بجميع ماله‪ ,‬وح َّج جميع دهره‪ ،‬ولم‬
‫ولي اهلل فيواليه‪ ,‬وتكون جميع �أعماله‬ ‫يعرف والية ّ‬
‫حق في ثوابه‪ ,‬وال‬ ‫بداللته �إليه‪ ،‬ما كان له على اهلل ّ‬
‫كان من �أهل الإيمان»(((‪.‬‬
‫‪2‬ـ عن الإمام ال�صادق‪« :Q‬من لم ي�أتِ اهلل ع َّز وج َّل‬

‫((( �سورة الن�ساء‪ ,‬الآية ‪.80‬‬


‫((( الكليني‪ ,‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.19‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪178‬‬

‫يوم القيامة بما �أنتم عليه لم يتق َّبل منه ح�سنة‪ ،‬ولم‬
‫يتجاوز له عن �سيئة»(((‪.‬‬
‫‪3‬ـ عن الإمام ال�صادق ‪« :Q‬واهلل لو �أ َّن �إبلي�س �سجد‬
‫هلل ع َّز ذك��ره بعد المع�صية والتك ُّبر ُع ْم َر الدنيا ما‬
‫نفعه ذلك وال قبله اهلل ما لم ي�سجد لآدم كما �أمره‬
‫اهلل ع � َّز وج� � َّل �أن ي�سجد ل ��ه‪ .‬وك��ذل��ك ه ��ذه الأم ��ة‬
‫العا�صية المفتونة بعد نب ّيها‪P‬وبعد تركهم الإمام‬
‫ال��ذي ن�صبه نب ُّيهم‪P‬لهم‪ ،‬فلن يقبل اهلل تبارك‬
‫ال‪ ،‬ولن يرفع لهم ح�سنة حتى ي�أتوا‬ ‫وتعالى لهم عم ً‬
‫اهلل من حيث �أم��ره��م‪ ،‬ويتو َّلوا الإم ��ام ال��ذي �أُم��روا‬
‫بواليته‪ ,‬ويدخلوا من الباب الذي فتحه اهلل ع َّز وج َّل‬
‫ور�سوله لهم»(((‪.‬‬
‫وقد ع َّلق الإم��ام الخميني { في كتابه الأربعون‬
‫حديث ًا على ه��ذه الأح��ادي��ث ق��ائ� ً‬
‫لا‪�« :‬إن م��ا م � َّر ف��ي ذي��ل‬

‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ,‬ج‪� ,8‬ص ‪.34‬‬


‫((( الم�صدر ال�سابق‪ ،‬ج‪� ،8‬ص‪.271‬‬
‫‪179‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫الحديث ال�شريف من �أن والي��ة �أه��ل البيت ومعرفتهم‬


‫�شرط في قبول الأعمال يعتبر من الأمور الم�س َّلمة‪ ،‬بل‬
‫تكون من �ضروريات مذهب الت�ش ّيع» (((‪.‬‬

‫�أهل البيت‪ R‬وثقافة الفرز‬


‫وحتى ال ُيفهم هذا الكالم على غير معناه المق�صود‬
‫ّ‬
‫والتف�ضل‬ ‫والمتَّبنى ال ب � َّد م��ن التمييز بين اال�ستحقاق‬
‫اللذين م� َّر ذكرهما‪ ،‬فالوالية هي �شرط ا�ستحقاقي في‬
‫قبول الأعمال‪ ،‬ولكن هذا ال يعني �أنّ ك ّل من ال يقول بالوالية‬
‫�سيدخله اهلل تعالى �إل��ى جهنم‪ ,‬فقد يكون هذا الإن�سان‬
‫نتيجة قيم يحملها‪ ,‬وعدم موانع فيه‪ ,‬من المرحومين في‬
‫ج��زاء اهلل تعالى‪ .‬فلي�س من ال�صحيح �أن يقوم الإن�سان‬
‫بفرز النا�س �إلى داخلين حتم ًا �إلى جهنم وداخلين حتم ًا �إلى‬
‫الج ّنة‪ .‬وقد رف�ض �أهل البيت‪ R‬هذا المنطق الم�ض ِّيق‬
‫لرحمة اهلل تعالى‪ ,‬كما يظهر جل َّي ًا في الرواية التي �أوردها‬

‫((( الإمام الخميني روح اهلل‪ ،‬الأربعون حديث ًا‪� ،‬ص‪.512‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪180‬‬

‫�صاحب الكافي عن زرارة ق��ال‪« :‬دخلت �أن��ا وح�م��ران (�أو‬


‫بكير) على �أبي جعفر‪ Q‬قلت له‪� :‬إنما نمدُّ المطمار‪،‬‬
‫قال‪ :Q‬وما المطمار؟ قلت ال ّتر((( فمن وافقنا من‬
‫علويٍّ �أو غيره تو ّلينا‪ ،‬وم��ن خالفنا من علويٍّ �أو غيره‬
‫ب��رئ�ن��ا م �ن��ه‪ ،‬ف �ق��ال ل ��ي‪ :‬ي��ا زرارة‪ ،‬ق ��ول اهلل �أ� �ص ��دق من‬
‫قولك‪ ،‬ف�أين الذين قال اهلل ع َّز وج َّل‪� :‬إال الم�ست�ضعفين‬
‫من الرجال والن�ساء وال��ول��دان ال ي�ستطيعون حيلة وال‬
‫رجون لأمر اهلل؟! �أين الذين‬ ‫ال؟! �أين ال ُم ُ‬ ‫يهتدون �سبي ً‬
‫ال �صالحاً و�آخر �سيئاً؟ �أين �أ�صحاب الأعراف؟‬ ‫خلطوا عم ً‬
‫�أين المو َّلفة قلوبهم؟(((‪.‬‬
‫�إ َّنه حديث �صارخ برف�ض مدر�سة �أهل البيت‪ R‬فكرة‬
‫حتمي من دون‬‫�روي ب�شكل ّ‬ ‫فرز النا�س في م�صيرهم الأخ� ّ‬
‫مراعاة خ�صو�صيات في الإن�سان قد ت�ستمطر عليها الرحمة‬
‫ّ‬
‫والتف�ضل الر َّباني‪.‬‬ ‫الإله ّية‬

‫((( التر هو خيط البناء‪.‬‬


‫((( الكليني‪ ,‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ,‬ج‪� ,2‬ص ‪.383‬‬
‫‪181‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫ُ ۡ َۡ ُ َ‬
‫ون َر ۡ َ‬ ‫َ‬
‫ح َت َر ّب ِ َكۚ﴾(((‪.‬‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬أهم يقسِم‬

‫�آثار هذا االعتقاد‬


‫يتر�سخ في الثقافة ال�شعبية‪،‬‬ ‫�إن هذا االعتقاد حينما َّ‬
‫ف�سيكون له �آثار نف�سية‪ ,‬ونتائج تربوية محمودة على �صعيدي‬
‫الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫فهو ي��و� ِّ��س��ع ن�ظ��رة الإن �� �س��ان و�أف �ق��ه بين رحيم ّية اهلل‬
‫ورحمان ّيته‪.‬‬
‫وه��و ي� ِّؤ�صل ال��وح��دة بين الم�سلمين بحيث ال ينطلق‬
‫الم�سلم في نظرته �إلى الآخر على �أ�سا�س �أنَّ م�صير الآخر‬
‫الحتمي هو نار جه ّنم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وهو يوائم بين الم�سلكين الثقافي وال�سيا�سي في العالقة‬
‫بالآخر‪.‬‬
‫وهو ركيزة مهمة للحوار مع الآخر بروح منفتحة‪.‬‬

‫((( �سورة الزخرف‪ ،‬الآية‪.32 :‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪182‬‬

‫المتخ ِّلفون عن الفتح في �ضوء مدر�سة �أهل‬


‫البيت‪R‬‬

‫في �ضوء ما تقدم �أط� ّل �إطاللة مخت�صرة على �أولئك‬


‫النا�س الذين تخ َّلفوا عن الفتح في نه�ضة عا�شوراء‪ ,‬وال‬
‫�أعني بهم الذين حاربوا الإمام الح�سين‪ Q‬و�أهل بيته‬
‫و�أ�صحابه؛ ف�إنَّ النظرة �إليهم ال تحتاج �إلى بيان‪� ،‬إ ّنما �أعني‬
‫�أولئك الذي لم يحاربوا ولم يقفوا �إلى جانب من حاربه‪,‬‬
‫ولكنهم لم ينا�صروا �إمام زمانهم‪ .‬وه�ؤالء على �أنواع اقت�صر‬
‫بالحديث عن بع�ضها‪.‬‬
‫‪1‬ـ فمنهم من كانت م�شكلته في عدم الن�صرة هو الجبن‬
‫�ضعف في العقيدة‪،‬‬ ‫والخوف‪ ,‬وهو ما يرجع بالت�أكيد �إلى ٍ‬
‫ومن جملة ه ��ؤالء عبيد اهلل بن الح ّر الجعفي ال��ذي كان‬
‫يعرف الإم��ام الح�سين‪ Q‬ج ّيد ًا‪ ,‬وي��درك قيمة الوالء‬
‫له‪ ،‬وهو الذي قال للإمام‪ Q‬بعد �أن طلب ‪ Q‬منه‬
‫الن�صرة‪« :‬واهلل �إ ّن��ي لأعلم �أ َّن من �شايعك ك��ان ال�سعيد‬
‫ف��ي الآخ ��رة‪ ،‬ول�ك��ن م��ا ع�سى �أن �أغ�ن��ي ع�ن��ك‪ ,‬ول��م �أخ� ِّل��ف‬
‫‪183‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫لك بالكوفة نا�صراً‪ ،‬ف�أن�شدك باهلل �أن تحملني على هذه‬


‫الخطة‪ ،‬ف� ّإن نف�سي لم ت�سمح لي بالموت»(((‪.‬‬ ‫ّ‬
‫�إن هذا الرجل لم تنق�صه معرفة ب�صاحب الحق‪ ,‬لك ّنه‬
‫كان جبان ًا �إ ّال �أ ّنه كان �ش َّفاف ًا في الإعالن عن جبنه‪ ,‬بخالف‬
‫البع�ض الذي �أخذ يتذ َّرع ب�أمور �أخرى لعدم الن�صرة‪.‬‬
‫‪2‬ـ ومن ه�ؤالء من لم يتح َّدث عن عدم قناعة بالموقف‪ ,‬بل‬
‫� ّسوغ خذالنه للإمام ببع�ض العناوين الدينية‪ ،‬كعمرو‬
‫الم�شرقي وابن ع ّمه اللذين قال لهما الإمام الح�سين‬
‫‪ Q‬حينما الق��اه�م��ا على طريقه �إل ��ى ك��رب�لاء‪:‬‬
‫«�أجئتما لن�صرتي»؟ ف�أجاب عمرو‪�« :‬إ ّن��ي رجل كبير‬
‫ال�سن‪ ,‬كثير الدَّين‪ ,‬كثير العيال‪ ،‬وفي يدي ب�ضايع‬
‫(((‬
‫للنا�س‪ ،‬وال �أدري ما يكون‪ ،‬و�أكره �أن �أ�ض ِّيع �أمانتي»‬
‫لقد امتطى هذا الرجل عنوان ًا ديني ًا هو حفظ الأمانة؛‬
‫لي� ِّسوغ خذالنه للدين!‬

‫((( الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ,‬الكافي‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪.383 ،382‬‬


‫((( ال�صدوق‪ ,‬محمد بن علي‪ ،‬ثواب الأعمال‪� ,‬ص ‪.259‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪184‬‬

‫‪ 3‬ـ لكن من �أولئك الذين حرموا من الفتح �شخ�صيات‬


‫�إ�سالمية مرموقة منهم من لم ي�صلنا ت�سوي ٌغ لعدم‬
‫ن�صرته للإمام الح�سين‪ Q‬مع مناقب ّيته الم�شهودة‬
‫له تاريخي ًا‪.‬‬
‫الجهنمي على �أ�سا�س‬
‫ّ‬ ‫هل نجزم بم�صيرهم الأ��س��ود‬
‫ثقافة الفرز؟‬
‫�أج ��اب الإم� ��ام ال�سيد علي الخامنئي} ع��ن هذا‬
‫ال�س�ؤال بقوله‪« :‬ك��ان هناك �أ�شخا�ص م�ؤمنون ملتزمون‬
‫ب�ي��ن ال��ذي��ن ل��م ينه�ضوا م��ع الإم� ��ام الح�سين‪...Q‬‬
‫فلي�س م��ن ال�صحيح �أن ي�ع�دّوا جميعاً م��ن �أه��ل الدنيا‪،‬‬
‫لقد كان بينهم ر�ؤ�ساء ورموز الم�سلمين في ذلك الوقت‪,‬‬
‫�أ��ش�خ��ا���ص م��ؤم�ن��ون‪ ,‬و�أ��ش�خ��ا���ص ي��ذع�ن��ون بالعمل وفقاً‬
‫الرئي�سي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال�شرعي‪ ،‬لك ّنهم لم يدركوا التكليف‬‫ّ‬ ‫للتكليف‬
‫ول��م ِّ‬
‫ي�شخ�صوا �أو��ض��اع ذل��ك ال��زم��ان‪ ،‬ول��م يعرفوا العد ّو‬
‫ال��رئ�ي���س� ّ�ي‪ ،‬وك��ان��وا يخلطون ب�ي��ن ال��وظ�ي�ف��ة الرئي�س ّية‬
‫والوظائف التي هي من الدرجة الثانية والثالثة»‪.‬‬
‫‪185‬‬ ‫اروشاع ةسردم يف رخآلا‬

‫ه�ؤالء قطع ًا هم مخطئون ال مجال للدفاع عن عملهم‪،‬‬


‫لقد كان عليهم �أن يتبعوا الإم��ام المع�صوم في ت�شخي�ص‬
‫التكليف‪ ،‬لكن هذا �أمر‪ ،‬والحديث عن خلف َّياتهم وم�صيرهم‬
‫�أمر �آخر‪.‬‬
‫ح�سبنا في ذلك �أَ َد ُب الإمام الح�سين‪ Q‬حينما قال‬
‫عنهم «ومن تخ َّلف لم يبلغ الفتح»(((‪.‬‬

‫((( المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬ج‪� ،42‬ص‪.81‬‬


‫المراجع‬
‫‪1 .1‬القر�آن الكريم‪.‬‬
‫‪�-‬أ‪-‬‬
‫‪2 .2‬ال�شيخ الطو�سي‪ ،‬محمد بن الح�سن‪ ،‬الآمالي‪ ،‬تحقيق‬
‫م�ؤ�س�سة البعثة‪ ,‬ط‪ ,1‬قم‪ ,‬دار الثقافة‪1414 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪�3 .3‬شم�س ال��دي��ن‪ ,‬محمد م�ه��دي‪� ,‬أن���ص��ار الح�سين‬
‫‪ ,Q‬ط‪ ,2‬بيروت‪ ,‬الدار الإ�سالمية‪1981 ,‬م‪.‬‬
‫‪4 .4‬الأم �ي��ن‪ ,‬مح�سن‪� ,‬أع�ي��ان ال�شيعة‪ ,‬تحقيق ح�سن‬
‫الأمين‪( ,‬ال‪,‬ط)‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار التعارف‪1403 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪5 .5‬ال�صدر‪ ,‬محمد مهدي‪� ,‬أخالق �أهل البيت‪(,‬ال‪,‬ط)‪,‬‬
‫(ال‪,‬ن)‪( ,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫‪6 .6‬الآملي‪ ،‬حيدر‪� ،‬أ�سرار ال�شريعة و�أط��وار الطريقة‬
‫و�أنوار الحقيقة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الهادي ‪2003‬م‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪188‬‬

‫‪7 .7‬الإم � ��ام ال�خ�م�ي�ن��ي ‪ ،M‬روح اهلل‪ ،‬الأرب� �ع ��ون‬


‫حديث ًا‪ ،‬ترجمة الغروي‪ ،‬قم المقد�سة‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الإ�سالمي‪.‬‬
‫‪8 .8‬الإم ��ام الخميني ‪ ،M‬روح اهلل‪� ،‬أب�ع��اد الحج‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬جمعية المعارف الإ�سالمية الثقافية‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪9 .9‬البياتي‪ ,‬جعفر‪ ,‬الأخ�لاق الح�سينية‪ ,‬ط‪� ,1‬أن��وار‬
‫الهدى‪1418 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪-‬ب‪-‬‬
‫‪1010‬المجل�سي‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار الأنوار‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫البهبودي‪ ,‬ط‪ ,2‬بيروت‪ ,‬م�ؤ�س�سة الوفاء‪1403 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪-‬ت‪-‬‬
‫‪1111‬ال�صدوق‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تعليق ها�شم‬
‫الح�سيني الطهراني‪ ،‬قم‪ ،‬جماعة المدر�سين‪( ،‬ال‪،‬‬
‫ت)‪.‬‬
‫‪1212‬الطبري‪ ,‬محمد بن جرير‪ ,‬تاريخ الطبري‪( ,‬ال‪,‬‬
‫‪189‬‬ ‫عجارملا‬

‫ط)‪ ,‬بيروت‪ ,‬م�ؤ�س�سة الأعلمي‪( ,‬ال‪ ,‬ت)‪.‬‬


‫‪1313‬الحائري‪ ،‬كاظم‪ ،‬تزكية النف�س‪ ،‬ط ‪ ،1‬قم‪ ،‬م�ؤ�س�سة‬
‫الفقه‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪1414‬ال �ج��زائ��ري‪ ,‬عبد اهلل‪ ,‬التحفة ال�سنية‪ ,‬تحقيق‬
‫الجزائري‪( ,‬ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬ن)‪( ,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫‪1515‬ال�شافعي‪ ,‬عبد اهلل‪ ,‬تاريخ مدينة دم�شق‪ ,‬تحقيق‬
‫علي �شيري‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار الفكر‪1415 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪1616‬الم�شهدي‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬تف�سير كنز الدقائق‬
‫وب�ح��ر ال�غ��رائ��ب‪ ،‬تحقيق ح�سين درك��اه��ي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫طهران‪� ،‬شم�س ال�ضحى‪1387 ،‬هـ‪� ،‬ش‪.‬‬
‫‪-‬ث‪-‬‬
‫‪1717‬ال�صدوق‪ ,‬ثواب الأعمال‪ ,‬تحقيق محمد الخر�سان‪,‬‬
‫ط‪ ,2‬قم‪ ,‬من�شورات ال�شريف الر�ضي‪�1368 ,‬ش‪.‬‬
‫‪-‬ج‪-‬‬
‫‪1818‬ال �ب��روج��ردي‪ ,‬ح�سين‪ ,‬ج��ام��ع �أح��ادي��ث ال�شيعة‪,‬‬
‫(ال‪,‬ط)‪ ,‬قم‪( ,‬ال‪,‬ن)‪( ,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪190‬‬

‫‪-‬خ‪-‬‬
‫‪1919‬الراوندي‪ ،‬قطب الدين‪ ،‬الخرائج الجرائح‪ ،‬تحقيق‬
‫م�ؤ�س�سة الإم��ام المهدي|‪ ,‬قم‪ ,‬م�ؤ�س�سة الإم��ام‬
‫المهدي|‪1409 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬الت�ستري‪ ،‬جعفر‪ ,‬الخ�صائ�ص الح�سين ّية‪ ،‬تحقيق‬
‫جعفر الح�سيني‪ ،‬من�شورات �أن ��وار ال�ه��دى‪ُ ،‬ق��م‪,‬‬
‫(ال‪،‬ت)‪.‬‬
‫‪-‬ذ‪-‬‬
‫‪2121‬ال�ط�ب��ري‪� ,‬أح�م��د ب��ن عبد اهلل‪ ,‬ذخ��ائ��ر العقبى‪,‬‬
‫(ال‪,‬ط)‪ ,‬القاهرة‪ ,‬مكتبة القد�سي‪(,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫‪-‬ر‪-‬‬
‫‪2222‬الحلي‪ ,‬الر�سالة ال�سعدية‪ ,‬ط‪ ,1‬قم‪1410 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪-‬ع‪-‬‬
‫‪2323‬الطب�سي‪ ,‬محمد جعفر‪ ,‬عا�شوراء وما تالها‪ ,‬ط‪,1‬‬
‫بيروت‪ ,‬دار الوالء‪( ,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫‪2424‬المطهري‪ ،‬مرت�ضى‪ ،‬العرفان‪ ،‬ترجمة نور الدين‪،‬‬
‫‪191‬‬ ‫عجارملا‬

‫ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار المحجة البي�ضاء‪1413 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪-‬ق‪-‬‬
‫‪2525‬القمي‪ ,‬محمد تقي‪ ,‬القوانين‪( ,‬ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬م)‪,‬‬
‫(ال‪,‬ن)‪( ,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫‪-‬ك‪-‬‬
‫‪2626‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكافي‪ ،‬تحقيق علي‬
‫ال�غ�ف��اري‪ ,‬ط‪ ,4‬ط�ه��ران‪ ,‬دار الكتب الإ�سالمية‪,‬‬
‫‪�1365‬ش‪.‬‬
‫‪2727‬بن �أعثم‪� ,‬أحمد‪ ,‬كتاب الفتوح‪ ،‬تحقيق علي �شيري‪,‬‬
‫ط‪ ,1‬بيروت‪ ,‬دار الأ�ضواء‪1411,‬هـ‪.‬‬
‫‪-‬ل‪-‬‬
‫‪2828‬ب��ن ط��اوو���س‪ ،‬علي ب��ن مو�سى‪ ,‬اللهوف ف��ي قتلى‬
‫الطفوف‪ ،‬ط‪ ,1‬قم‪� ,‬أنوار الهدى‪(,‬ال‪ ,‬ت)‪.‬‬
‫‪-‬م‪-‬‬
‫‪2929‬ال�ب�ح��ران��ي‪ ,‬ع�ب��د ال�ع�ظ�ي��م‪ ,‬م�ن���ش��ورات ال�شريف‬
‫الر�ضي‪ ,‬ط‪ ,1‬قم‪1421 ,‬هـ‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪192‬‬

‫‪3030‬النوري‪ ,‬ح�سين‪ ,‬م�ستدرك الو�سائل‪ ,‬تحقيق م�ؤ�س�سة‬


‫�آل البيت لإحياء التراث‪ ,‬ط‪ ,2‬بيروت‪ ,‬م�ؤ�س�سة �آل‬
‫البيت لإحياء التراث‪1408 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪3131‬الأم �ي��ن‪ ,‬مح�سن‪� ,‬أع�ي��ان ال�شيعة‪ ,‬تحقيق ح�سن‬
‫الأمين‪( ,‬ال‪,‬ط)‪ ,‬بيروت‪ ,‬دار التعارف‪1403 ,‬هـ‪.‬‬
‫المق ّدم‪ ,‬عبد ال��رزاق‪ ,‬مقتل الح�سين‪,Q‬ط‪,2‬‬
‫قم‪ ,‬دار الثقافة‪.‬‬
‫‪3232‬الري �شهري‪ ,‬محمد‪ ,‬ميزان الحكمة‪ ,‬تحقيق دار‬
‫الحديث‪ ,‬ط‪ ,1‬دار الحديث‪( ,‬ال‪,‬ت)‪.‬‬
‫‪3333‬ال�شهيد الثاني‪ ،‬م�سكن الف�ؤاد‪ ،‬تحقيق م�ؤ�س�سة �آل‬
‫البيت ‪ Q‬لإحياء التراث‪ ،‬ط‪،1‬قم‪ 1407،‬هـ‪.‬‬
‫‪3434‬الميرجهاني‪ ,‬ح�سن‪ ,‬م�ستدرك نهج البالغة‪,‬‬
‫(ال‪,‬ط)‪( ,‬ال‪,‬ن)‪1388 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪3535‬ال���ش��اه��رودي‪ ,‬علي ال�ن�م��ازي‪ ,‬م�ستدرك �سفينة‬
‫ال�ب�ح��ار‪ ,‬تحقيق ح�سن ال�ن�م��ازي‪( ,‬ال‪,‬ط)‪ ,‬قم‪,‬‬
‫جماعة المدر�سين‪1419 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪3636‬ابن فار�س‪� ،‬أحمد‪ ،‬معجم مقايي�س اللغة‪ ،‬تحقيق‬
‫‪193‬‬ ‫عجارملا‬

‫عبد ال�سالم محمد ه ��ارون‪ ،‬ق��م‪ ،‬مكتب الإع�لام‬


‫الإ�سالمي‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪3737‬ال�شهيد الثاني‪ ،‬زين الدين بن مكي‪ ،‬منية المريد‪،‬‬
‫تحقيق الح�سيني‪ ،‬بيروت‪،‬دار المرت�ضى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪�3838‬سجادي‪� ،‬ضياء الدين‪ ،‬مقدمة في �أ�صول الت�صوف‬
‫وال�ع��رف��ان‪،‬ت��رج�م��ة ت��وف�ي��ق محمد �ضمن كتاب‬
‫بعنوان مقدمات ت�أ�سي�سية في الت�صوف والعرفان‬
‫والحقيقة المحمدية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الهادي‪،‬‬
‫‪ 1423‬هـ‪.‬‬
‫‪3939‬الحلي‪ ,‬الح�سن بن يو�سف‪ ,‬مختلف ال�شيعة‪ ,‬تحقيق‬
‫م�ؤ�س�سة الن�شر الإ�سالمي‪ ,‬ط‪ ,1‬قم‪ ,‬م�ؤ�س�سة الن�شر‬
‫الإ�سالمي‪1413,‬هـ‪.‬‬
‫‪4040‬انظر‪� :‬سجادي‪� ،‬ضياء الدين‪ ،‬مقدمة في �أ�صول‬
‫الت�صوف والعرفان‪ ،،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الهادي‪،‬‬
‫‪ 1423‬هـ‪.‬‬
‫‪4141‬الإم��ام الخميني‪ ,‬روح اهلل‪ ,‬المكا�سب المح ّرمة‪,‬‬
‫ط‪ ,3‬قم‪ ,‬ا�سماعيليان‪1410 ,‬هـ‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪194‬‬

‫‪-‬ن‪-‬‬
‫‪4242‬الإم � ��ام ع�ل��ي ‪ ،Q‬ن�ه��ج ال �ب�لاغ��ة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الذخائر‪ ،‬قم‪� ،‬إيران‪ 1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪4343‬الحر العاملي‪ ,‬محمد بن الح�سن‪ ,‬و�سائل ال�شيعة‪,‬‬
‫تحقيق م�ؤ�س�سة �آل البيت‪ R‬لإحياء التراث‪,‬‬
‫ط‪ ,2‬قم‪ ,‬م�ؤ�س�سة �آل البيت‪ R‬لإحياء التراث‪,‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫الفهرس‬
‫المقدَّ مة �����������������������������������������������������������������������������������������������������������‪5‬‬
‫�سر الجذبة���������������������������������������������������������������������������������������������������‪7‬‬ ‫ُّ‬
‫ه ��ل ل �ل �ك��ون �إدراك؟! ه ��ل ل�ل��أر� ��ض ن �ط ��ق؟! هل‬
‫لل�سماوات لغة؟!������������������������������������������������������������������������������������‪9‬‬
‫انجذاب الكون ��������������������������������������������������������������������������������������‪15‬‬
‫انجذاب الحيوان��������������������������������������������������������������������������������‪16‬‬
‫انجذاب المالئكة ������������������������������������������������������������������������������‪18‬‬
‫انجذاب الحور العين ��������������������������������������������������������������������‪19‬‬
‫انجذاب الماء����������������������������������������������������������������������������������������‪19‬‬
‫انجذاب الأنبياء‪20������������������������������������������������������������������������P‬‬
‫النبي �آدم ‪20....................................................................... Q‬‬ ‫ّ‬
‫النبي نوح ‪20..........................................................................Q‬‬ ‫ّ‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪196‬‬

‫النبي �إبراهيم ‪21............................................................... Q‬‬ ‫ّ‬


‫النبي مو�سى‪22.....................................................................Q‬‬ ‫ّ‬
‫النبي عي�سى‪23..................................................................... Q‬‬ ‫ّ‬
‫النبي محمد‪23........................................................................... P‬‬ ‫ّ‬
‫انجذاب �أهل الإيمان �����������������������������������������������������������������������‪25‬‬
‫�س ُّر المعرفة�������������������������������������������������������������������������������������������‪27‬‬
‫نطل على �س َّرين‪27������������������������������������ :‬‬ ‫في مقام الجواب ُّ‬
‫ال�س ّر الأول ‪27........................................................................................‬‬
‫ال�س ُّر الثاني ‪28......................................................................................‬‬
‫�شعائر عا�شوراء�������������������������������������������������������������������������������������‪35‬‬
‫�شعائر عا�شوراء �����������������������������������������������������������������������������������‪37‬‬
‫الإ�سالم واالهتمام بالباطن ������������������������������������������������������‪37‬‬
‫الإ�سالم واالهتمام بالظاهر ������������������������������������������������������‪38‬‬
‫الح�سين‪ Q‬بين المذبحين ����������������������������������������������‪39‬‬
‫ال�شعائر العا�شورائية ����������������������������������������������������������������������‪40‬‬
‫‪-1‬البكاء ‪40............................................................................................‬‬
‫‪�-2‬إن�شاد ال�شعر ‪41.............................................................................‬‬
‫‪197‬‬ ‫سرهفلا‬

‫‪-3‬زيارة الح�سين‪41......................................................... Q‬‬


‫‪-4‬لعن قاتليه ‪42..................................................................................‬‬
‫‪-5‬ذكر عط�ش الح�سين‪ Q‬عند �شرب الماء ‪42.....‬‬
‫‪-6‬تعزية الم�ؤمنين ‪42......................................................................‬‬
‫‪-7‬الح�ضور في مجال�س العزاء‪43...........................................‬‬
‫‪�-8‬إظهار الحزن ‪43...........................................................................‬‬
‫�أ�صحاب الح�سين ‪45������������������������������������������������������������������Q‬‬
‫�أ�صحاب الح�سين ‪47�������������������������������������������������������������� Q‬‬
‫‪-1‬عددهم‪47.........................................................................................‬‬
‫‪� -2‬أعمارهم‪49....................................................................................‬‬
‫‪ -3‬طبقاتهم االجتماعية ‪52........................................................‬‬
‫‪ -4‬انتما�ؤهم القومي والمناطقي ‪52......................................‬‬
‫‪� - 5‬ألوانهم ‪54......................................................................................‬‬
‫‪� -6‬أجنا�سهم‪54...................................................................................‬‬
‫‪ -7‬انتماءاتهم ال�سابقة ‪55............................................................‬‬
‫‪ -8‬كفاءاتهم ‪56...................................................................................‬‬
‫فر�سان الم�صر�������������������������������������������������������������������������������������‪57‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪198‬‬

‫�أهل الب�صائر�����������������������������������������������������������������������������������������‪57‬‬
‫قوم م�ستميتون �����������������������������������������������������������������������������������‪58‬‬
‫ع ّباد �������������������������������������������������������������������������������������������������������������‪62‬‬
‫فكان وبقية �أ�صحاب الح�سين ‪64.............................Q‬‬
‫لقاء اهلل والأحبة �����������������������������������������������������������������������������‪65‬‬
‫�صفات الم�ؤهلين للخروج مع الإمام ‪70��������������� Q‬‬
‫تج ِّليات ّ‬
‫الحب ��������������������������������������������������������������������������������������‪75‬‬
‫عا�شوراء في اللوحة الزينبية����������������������������������������������‪77‬‬
‫كيف ننظر �إلى الأ�شياء؟ ��������������������������������������������������������������‪79‬‬
‫�أ ّيها الحاجب المعوج‪ ،‬لو كنت جال�س ًا لكنت �أعوج ‪81.....‬‬
‫القر�آن وت�صويب النظرة �������������������������������������������������������������‪82‬‬
‫البالء بالمنظار ال�صحيح�����������������������������������������������������������‪84‬‬
‫�إيجاب َّيات البالء����������������������������������������������������������������������������������‪85‬‬
‫‪-1‬بناء ال�شخ�ص ّية القوية ‪85.......................................................‬‬
‫‪-2‬ت�صويب الم�سار ‪86......................................................................‬‬
‫‪-3‬تعوي�ض الآخرة ‪86........................................................................‬‬
‫�أ‪� -‬سقوط الجنين ���������������������������������������������������������������‪87‬‬
‫‪199‬‬ ‫سرهفلا‬

‫ب‪ -‬موت الولد ����������������������������������������������������������������������‪87‬‬


‫ج‪ -‬مر�ض الج�سم ���������������������������������������������������������������‪88‬‬
‫ا�ستفادات من فل�سفة البالء ������������������������������������������������������‪91‬‬
‫العمر واغتنام اللحظة������������������������������������������������������������������‪95‬‬
‫حقائق في العمر��������������������������������������������������������������������������������‪97‬‬
‫توجيهات مقابل الحقائق ��������������������������������������������������������‪100‬‬
‫‪-1‬الإم�ساك بزمام المبادرة ‪100.............................................‬‬
‫‪-2‬اغتنام عنا�صر الق َّوة ‪100.......................................................‬‬
‫‪-3‬ملء الوقت بالعمل ال�صالح ‪100.........................................‬‬
‫‪-4‬الم�سارعة في عمل ال�صالحات ‪102................................‬‬
‫‪-5‬القيام ب�أح�سن الأعمال ‪103..................................................‬‬
‫‪-6‬اغتنام اللحظة الوقتية ‪104...................................................‬‬
‫‪-7‬اغتنام اللحظة النوعية‪104..................................................‬‬
‫عا�شوراء واغتنام اللحظة���������������������������������������������������������‪106‬‬
‫الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ������������������������������‪109‬‬
‫�س ُّر المرتبة�����������������������������������������������������������������������������������������‪112‬‬
‫الأمر بالمعروف �����������������������������������������������������������������������������‪112‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪200‬‬

‫النهي عن المنكر����������������������������������������������������������������������������‪115‬‬
‫‪�-1‬أن يداهن �أهل المنكر‪ ,‬وال ينهاهم عنه ‪115.............‬‬
‫‪�-2‬أن يث ِّبط عزيمة الناهين عن المنكر ‪116....................‬‬
‫‪�-3‬أن ي�سكت فال يداهن‪ ,‬وال يمانع‪ ,‬بل ي�سكت‬
‫بدون � ّأي تفاعل‪117................................................................. .‬‬
‫�أ‪-‬ت�س ّلط الأ�شرار على المجتمع ������������������������������‪118‬‬
‫ب‪-‬عدم ا�ستجابة الدعاء �������������������������������������������‪118‬‬
‫ج‪ -‬نزع البركات من المجتمع ��������������������������������‪118‬‬
‫�أ�سباب عدم الإقدام على الأمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر �������������������������������������������������������������������������������������������‪119‬‬
‫‪� -4‬أن يتدخل‪ ,‬وينهى عن المنكر ‪121..................................‬‬
‫الأول‪ :‬الإنكار بالقلب ‪122..............................................................‬‬
‫الثاني‪ :‬الإنكار بالل�سان ‪122.........................................................‬‬
‫‪-3‬الإنكار باليد ‪125..........................................................................‬‬
‫عا�شوراء وال�صالة الأكمل ������������������������������������������������������‪129‬‬
‫الذكر؟ ‪132.................................‬‬ ‫وال�س�ؤال‪ :‬كيف نح ِّقق هذا ِّ‬
‫تخلية ال�صالة ����������������������������������������������������������������������������������‪133‬‬
‫‪201‬‬ ‫سرهفلا‬

‫تحلية ال�صالة ����������������������������������������������������������������������������������‪137‬‬


‫ت�أويل ال�صالة������������������������������������������������������������������������������������‪139‬‬
‫قيم ال�صالة ����������������������������������������������������������������������������������������‪139‬‬
‫‪ -1‬وقت ال�صالة‪139........................................................................‬‬
‫‪ -2‬مكان ال�صالة‪141......................................................................‬‬
‫‪-3‬هيئة ال�صالة‪141.........................................................................‬‬
‫‪ -4‬روح ّية ال�صالة ‪142...................................................................‬‬
‫‪�-5‬أثر ال�صالة ‪142............................................................................‬‬
‫عا�شوراء‪ :‬مظهر قيم ال�صالة�����������������������������������������������‪143‬‬
‫الجهاد الأكبر �������������������������������������������������������������������������������������‪145‬‬
‫‪ -‬الم�سار والميزان ‪145��������������������������������������������������������������������-‬‬
‫التقوى غاية العبادة ��������������������������������������������������������������������‪149‬‬
‫الفالح بتزكية النف�س ����������������������������������������������������������������‪150‬‬
‫م�سارات في تزكية النف�س ������������������������������������������������������‪152‬‬
‫الت�ص ّوف والعرفان �����������������������������������������������������������������������‪154‬‬
‫العرفاء والفقهاء ��������������������������������������������������������������������������‪156‬‬
‫�س�ؤال مف�صلي‪160.......................................................................... :‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪202‬‬

‫منهج الإمام الخميني‪ M‬ال�سلوكي ���������������������������‪160‬‬


‫الآخر في مدر�سة عا�شوراء ���������������������������������������������������‪165‬‬
‫ال�سالم ي�ستح�ضر ‪167.....................................................................‬‬
‫واللعن ي�ستهدف‪168.........................................................................‬‬
‫ال�س�ؤال ‪168..............................................................................................‬‬
‫الإجابة ‪169.............................................................................................‬‬
‫تجذير الإجابة���������������������������������������������������������������������������������‪169‬‬
‫الجزاء الإلهي في منطق العقل������������������������������������������‪170‬‬
‫الجزاء الإلهي في منطق الن�ص ����������������������������������������‪172‬‬
‫الجزاء الإلهي في كلمات العلماء �������������������������������������‪175‬‬
‫الوالية والجزاء الإلهي �������������������������������������������������������������‪176‬‬
‫�أهل البيت‪ R‬وثقافة الفرز ������������������������������������������‪179‬‬
‫�آثار هذا االعتقاد ���������������������������������������������������������������������������‪181‬‬
‫المتخ ِّلفون عن الفتح في �ضوء مدر�سة �أهل البيت ‪182����� R‬‬
‫المراجع �����������������������������������������������������������������������������������������������������‪187‬‬
‫�صدر للم�ؤلف������������������������������������������������������������������������������������������‪203‬‬
‫صدر للمؤلف‬
‫‪1‬حقيقة الجفر عند ال�شيعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪2‬حقيقة م�صحف فاطمة عند ال�شيعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج‬ ‫‪.2‬‬
‫للثقافة والن�شر‪ .‬حائز على ج��ائ��زة �أف�ضل كتاب لعام‬
‫الدولي في �إيران‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪2003‬م‪ ,‬في مهرجان الوالية‬
‫‪3‬والي��ة الفقيه‪ ،‬بين البداهة واالخ �ت�لاف‪ ،‬ب�ي��روت‪ ،‬بيت‬ ‫‪.3‬‬
‫ال�سراج للثقافة والن�شر‪ .‬ر�سالة ماج�ستير ح��ازت على‬
‫درجة ممتاز‪ ,‬مع التنويه والتو�صية بالن�شر‪.‬‬
‫‪4‬درو���س في علم ال��دراي��ة‪ ،‬ب�ي��روت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة‬ ‫‪.4‬‬
‫والن�شر‪ .‬معتمد في المناهج الدرا�سية الحوزو ّية‪.‬‬
‫وليال ع�شر (من وحي عا�شوراء)‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج‬ ‫‪ٍ 5‬‬ ‫‪.5‬‬
‫للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪204‬‬

‫‪6 .6‬برقية الح�سين‪ ،Q‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�س ّية‪:‬‬
‫‪The Telegram of Hussein (pbuh).‬‬
‫‪Le Télégramme d’Al-Houssein (Qu’Allah le salue).‬‬

‫‪7 .7‬و�أتممناها بع�شر (م��ن وح��ي ع��ا��ش��وراء)‪ ,‬ب�ي��روت‪ ،‬بيت‬


‫ال�سراج للثقافة والن�شر‪( .‬بين يدي القارىء)‪.‬‬
‫‪8 .8‬الم�سائل الم�صطفاة في �أحكام الطهارة وال�صالة فوز دو ايغوا�سو‪.‬‬
‫‪�9 .9‬أحكام الن�ساء‪ .‬فوز دو ايغوا�سو‪.‬‬
‫قم‪.‬‬
‫‪1010‬التبليغ من وحي التجربة‪ّ ،‬‬
‫‪«( Paulo em busca da verdade1111‬باولو» الباحث عن‬
‫الحقيقة ‪ -‬باللغة البرتغالية)‪.‬‬
‫‪( «Assalat» A ORACAO NO ISLAM1212‬ال�صالة في‬
‫الإ�سالم باللغة البرتغالية)‪.‬‬
‫‪1313‬مخت�صر الواجبات في الإ�سالم (‪UM RESUMO DOS‬‬

‫‪)DEVERES NO ISLAM‬‬
‫‪1414‬خيوط القبعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار ال�صفوة‪.‬‬
‫‪1515‬حائك القبعة (الإمام ال�س ّيد عبد الح�سين �شرف الدين)‪،‬‬
‫‪205‬‬ ‫فلؤملل ردص‬

‫بيروت‪ ،‬دار ال�صفوة‪.‬‬


‫‪1616‬التكفير‪� ،‬ضوابط الإ��س�لام وتطبيقات الم�سلمين‪ ،‬دار‬
‫الأمير للثقافة والعلوم‪.‬‬
‫المهدي|‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪1717‬قافلة الب�شرية‪ ،‬من �سفينة ن��وح �إل��ى دول��ة‬
‫بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪1818‬هذا ر�سول اهلل ‪ ،P‬بيروت‪ ,‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪1919‬محا�ضرات في الثقافة الإ�سالمية بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج‬
‫للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫مجموعة ي�س�ألونك‪ ,‬وت�ضم‪:‬‬
‫‪2020‬ي�س�ألونك عن اهلل‪ ,‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�س ّية‪:‬‬
‫‪They ask you about Allah.‬‬
‫‪Ils t’interrogent à propos Allah.‬‬

‫‪2121‬ي�س�ألونك عن الأنبياء‪ ,R‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�سية‪:‬‬
‫‪They ask you about prophets‬‬
‫‪Ils t’interrogent sur les prophetes‬‬

‫‪2222‬ي�س�ألونك عن الأئمة‪ ،R‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪206‬‬

‫مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�سية‪:‬‬


‫‪They ask you about Imams.‬‬
‫‪ils t’interrogent sur les imams‬‬

‫الولي‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫‪2323‬ي�س�ألونك عن ّ‬
‫مترجم �إلى الإنكليزية‬
‫)‪They Ask You about the Waliy (Guardian‬‬

‫‪2424‬ي�س�ألونك عن التقليد‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�س ّية‪:‬‬
‫‪They ask you about Imitation.‬‬
‫‪Il t’interrogent sue le Taqlid.‬‬

‫‪2525‬ي�س�ألونك عن الموت والبرزخ‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫مترجم �إلى الإنكليزية‪:‬‬
‫‪They ask you about Death & the Barrier (The Call‬‬
‫)‪for Departure‬‬

‫‪2626‬ي�س�ألونك عن القيامة‪ ،‬بيروت‪ ,‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬


‫مترجم �إلى الإنكليزية والفرن�سية‪:‬‬
‫‪They Ask You about Resurrection‬‬
‫‪Ils t’interrogent sur la resurrection‬‬
‫‪207‬‬ ‫فلؤملل ردص‬

‫مجموعة تعارفوا‪ ,‬وت�ضم‪:‬‬


‫‪2727‬دليل العرو�سين بين الخطوبة وال��زف��اف‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت‬
‫ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫مترجم �إلى الإنكليزية‪:‬‬
‫‪Bride & Bridegroom Manual From Engagement to‬‬
‫‪Marriage‬‬

‫‪�2828‬سعادة الزوجين في ثالث كلمات‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج‬


‫للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪ 32929‬حقوق لحياة زوج ّية ناجحة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة‬
‫والن�شر‪.‬‬
‫�صالحا؟ بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة‬
‫ً‬ ‫‪3030‬كيف تجعل ولدك‬
‫والن�شر‪.‬‬
‫‪3131‬كيف نتوا�صل مع النا�س؟ بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة‬
‫والن�شر‪.‬‬
‫‪3232‬كيف نبني مجتم ًعا �أرق��ى؟ بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة‬
‫والن�شر‪.‬‬
‫‪�3333‬آية الو�صايا الع�شر‪ ،‬بيروت‪ ,‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫وأتممناها بعشر (من وحي عاشوراء)‬ ‫‪208‬‬

‫مجموعة يز ّكيهم‪ ,‬وت�ضم‪:‬‬


‫‪3434‬ميزان ال�سير وال�سلوك‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪3535‬برنامج ال�سير وال�سلوك‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪3636‬هكذا تكون �سعيدً ا‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫مترجم �إلى الإنكليزية‪.Finding Happiness :‬‬

‫‪3737‬كيف ترجع كما ولدتك �أمك؟ بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪�3838‬شهر اهلل �آدابه ‪ -‬منا�سباته ‪� -‬أوليا�ؤه‪ ,‬بيروت‪ ,‬بيت ال�سراج‬
‫للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪3939‬ال تَق َر ُبوا‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬
‫‪4040‬كيف نتوا�صل مع اهلل‪ ،‬بيروت‪ ،‬بيت ال�سراج للثقافة والن�شر‪.‬‬

‫يمكنك ت�صفح جميع هذه الكتب وغيرها‬


‫على موقع �سراج القائم|‬
‫‪www.sirajalqaem.com‬‬

You might also like