Professional Documents
Culture Documents
مداخل إصلاح التحكيم التجاري بالمغرب بين القانون والممارسة
مداخل إصلاح التحكيم التجاري بالمغرب بين القانون والممارسة
مصطفى بوجنة
-1القانون رقم 80.80القاض ي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون املسطرة املدنية الصادر ألامر بتنفيذه ظهير
شريف رقم 0.8..0.1بتاريخ 01من ذي القعدة 08( 0240نوفمبر ،)488.الجريدة الرسمية عدد 0002بتاريخ 40ذو القعدة
.( 0240ديسمبر ،)488.ص .0012
-2ظهير شريف بمثابة قانون رقم 0..2.22.بتاريخ 00رمضان 40( 0012شتنبر )01.2باملصادقة على نص قانون املسطرة املدنية.
الجريدة الرسمية عدد 0408بتاريخ 01.2/81/08
-3للمزيد الرجوع إلى :
E. Loquin, La réforme du droit français interne et international de l'arbitrage, RTD com. 2011.255 ; A. Mourre et V. Chessa, The new
French arbitration law: innovation and consolidation, Dispute Resolution Journal, May/July 2011, pp. 80-87 ; B. Castellane, The new
French law on international arbitration, J. Int’l Arb. 2011.371 ; T. Clay, L’appui du juge à l’arbitrage, Cah. Arb 4800.000 .E. Schwartz,
The new French arbitration decree: the arbitral procédure, Cah. Arb. 2011.349 ; Ch. Serraglini, L'efficacité et l'autorité renforcées des
sentences arbitrales en France après le décret no2011-48 du 13 janvier 2011, Cah. Arb. 2011.375;E. Gaillard et P. de Lapasse, Le
nouveau droit français de l’arbitrage interne et international, D. 2011.175 ; E. Kleiman et J. Spinelli, La réforme du droit de
; l’arbitrage, sous le double signe de la lisibilité et de l’efficacité – A propos du décret du 13 janvier 2011, Gaz. Pal. 27 janv. 2011, p. 9
B. Moreau, Le décret du 13 janvier 2011 relatif à l'arbitrage interne et international, Revue de jurisprudence commerciale,
Mars/Avril 2011, n° 2 ; Ch. Jarrosson, J. Pellerin, Le droit français de l’arbitrage après ﺍﻟﺤﻘﻮﻕle décret
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ. du 13 janvier
2011,ﺟﻤﻴﻊ Rev. arb.2023
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ. ;©2011.5
ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ E..ﻳﻤﻜﻨﻚ
Gaillard, Commentaire
ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ analytique
ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻠﻤﺎ du
ﺍﻟﻨﺸﺮdécret،
du 13 janvier
2011ﺣﻘﻮﻕ portant
ﺃﺻﺤﺎﺏ réformeﻣﻊ
duﺍﻟﻤﻮﻗﻊ droit français
ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺎﺣﺔ de
l'arbitrage, ﻫﺬﻩ Cah.
ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ Arb.
2011.263 ; B. Le Bars, La réforme du droit de l’arbitrage, un nouveau pas vers un pragmatisme en marche, J.-P. Grandjean et S.
)ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺃﻱ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﻭﻳﻤﻨﻊ ﻓﻘﻂ، ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻫﺬﻩ ﻃﺒﺎﻋﺔ
Colletier, Décret n°2011-48 du 13 janvier 2011 portant réforme de l’arbitrage – Disposition transitoires, JCP E, 10 févr. 2011 . ﺃﻭ ﺗﺤﻤﻴﻞ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ4 - Rapport au Premier Ministre.
décretﺃﻭ relatif au
ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ
n°2011-48 du 13 janvier 2011 portant réforme de l’arbitrage, JO 14
janvier 2011, p. 773.
فمــن حيــث الشــكل ،كانــت المقتضــيات المنظمــة للتحكــيم وفقــا لقــانون المســطرة
المدنية لسنة ،21225ال تتجاوز 21فصال ،لنصبح أمام 22فصال ،ناهيك عن المادة 2من
القانون رقم 32.34والتي نظمت األحكام االنتقالية لهذا القانون.
أما من حيث المضمون ،فإ نه وإذا كـان النمـوذا الفرنسـي المتفـرد يف التحكـيم يكـل
مصـدرا لمشــرع قــانون التحكــيم المغربــي ،فــان اللجنــة التــي كلفــت بإعــداد مشــروع قــانون
، 32.34هنلت الشيء الكثير مـن النقاشـات الفقهيـة واألكاديميـة التـي مهـدت إلـى صـدور
مرسوم 2311المنظم للتحكيم يف التشـريع الفرنسـي ، 3وهـذا مـا يفسـر التشـابه الكبيـر بـين
مقتضيات القانون ،32.34و مرسوم 2311المنظم للتحكيم يف التشريع الفرنسي.4
-1القانون رقم 80.80القاض ي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون املسطرة املدنية الصادر ألامر بتنفيذه ظهير
شريف رقم 0.8..0.1بتاريخ 01من ذي القعدة 08( 0240نوفمبر ،)488.الجريدة الرسمية عدد 0002بتاريخ 40ذو القعدة
.( 0240ديسمبر ،)488.ص .0012
-2ظهير شريف بمثابة قانون رقم 0..2.22.بتاريخ 00رمضان 40( 0012شتنبر )01.2باملصادقة على نص قانون املسطرة املدنية.
الجريدة الرسمية عدد 0408بتاريخ 01.2/81/08
-3للمزيد الرجوع إلى :
E. Loquin, La réforme du droit français interne et international de l'arbitrage, RTD com. 2011.255 ; A. Mourre et V. Chessa, The new
French arbitration law: innovation and consolidation, Dispute Resolution Journal, May/July 2011, pp. 80-87 ; B. Castellane, The new
French law on international arbitration, J. Int’l Arb. 2011.371 ; T. Clay, L’appui du juge à l’arbitrage, Cah. Arb 4800.000 .E. Schwartz,
The new French arbitration decree: the arbitral procédure, Cah. Arb. 2011.349 ; Ch. Serraglini, L'efficacité et l'autorité renforcées des
sentences arbitrales en France après le décret no2011-48 du 13 janvier 2011, Cah. Arb. 2011.375;E. Gaillard et P. de Lapasse, Le
nouveau droit français de l’arbitrage interne et international, D. 2011.175 ; E. Kleiman et J. Spinelli, La réforme du droit de
; l’arbitrage, sous le double signe de la lisibilité et de l’efficacité – A propos du décret du 13 janvier 2011, Gaz. Pal. 27 janv. 2011, p. 9
B. Moreau, Le décret du 13 janvier 2011 relatif à l'arbitrage interne et international, Revue de jurisprudence commerciale,
; Mars/Avril 2011, n° 2 ; Ch. Jarrosson, J. Pellerin, Le droit français de l’arbitrage après le décret du 13 janvier 2011, Rev. arb. 2011.5
E. Gaillard, Commentaire analytique du décret du 13 janvier 2011 portant réforme du droit français de l'arbitrage, Cah. Arb.
2011.263 ; B. Le Bars, La réforme du droit de l’arbitrage, un nouveau pas vers un pragmatisme en marche, J.-P. Grandjean et S.
Colletier, Décret n°2011-48 du 13 janvier 2011 portant réforme de l’arbitrage – Disposition transitoires, JCP E, 10 févr. 2011 .
4 - Rapport au Premier Ministre relatif au décret n°2011-48 du 13 janvier 2011 portant réforme de l’arbitrage, JO 14
janvier 2011, p. 773.
غير أنه و بـالرغم مـن ذلـك ،وبعـد مـرور حـوالي 10سـنة علـى دخـول القـانون رقـم
32.34حيز التطبيق ،فإن الممارسة التحكيمية بالمغرب ال زالت تتسم بالكثير من الضعف
والهشاشة ،هذه السمة التـي تتحـدد مسـببايفا يف الـنق القـانوين ذاتـه ثـارة ،ويف الممارسـين
للتحكيم ثارة أخرى .
وتسليطا للضوء على مداخل إصالح نظام التحكـيم التجـاري بـالمغرب ،فإنـه البـد
من الوقوف على ضـرورة وجـود قضـاء مناصـر للتحكـيم (المبحـث األول) ،غيـر أن ذلـك
ليس كافيا لوحده ،بل أنه وبالرغم من جودة النق القانوين ،ووجود قضاء مناصر للتحكيم،
فانه ال يمكن تصور تحكيم فعال وناجح يف غياب ثقافـة تحكيميـة لـدى األطـراف ومحكـم
محرتف (المبحث الثاين) .
يتمثل ا لـدور التقليـدي للقضـاء يف حسـم النزاعـات المعروضـة عليـه طبقـا للقـانون،
فالقاضي هو الحارس األمين ألي نظام قانوين وقضـائي يف بلـد معـين ،غيـر أنـه و متـى تعلـق
بــدور القاضــي يف التحكــيم ،فــان هــذا الــدور يتحــول إلــى حــارس أمــين لســلطان اإلرادة
(المطلـب األول) ،ســواء يف صــورة تدخلـه كقــام مســاند للعمليـة التحكيميــة ،أو كقــام
مراقب لمدى احـرتام سـلطان اإلرادة و احـرتام ضـمانات المحاكمـة التحكيميـة ( المطلـب
الثاين ).
إذا كــان المشــرع الفرنســي قــد عمــل علــى تســمية القاضــي المســاند و حــدد أدواره
المساندة للتحكيم ،فإن الم شرع المغربي وبالرغم من عدم تسميته لهذا القاضي ،فإنه عمـل
على رسم جميع مالمحه وتشخيق أدواره المساندة .
فالقاضي المساند ،حـامي التفـاق التحكـيم وحائـل دون التحلـل غيـر المشـروع مـن
آثاره ،كما أنه الملجأ لتشكيل الهيئة التحكيمية وتذليل الصعاب الحائلة دون انسيابيتها ،كما
أنه العون المغيث للهيئة التحكيمية ،ولألطراف متى تعثرت المحاكمة التحكيميـة ،وكـذلك
متى احتاا الحكم التحكيمي لقوة اإلجبار. 1
-1للمزيد الرجوع إلى نهال اللواح ،القاض ي الوطني والتحكيم التجاري الدولي -دراسة مقارنة ، -أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة . 4800-4804 ،
9الوسائل البديلة حلل النزاعات :الصلح -التحكيم -الوساطة
د .مصطفى بوجنة
املطلــــب ال ــــاني :القضــــاء مراقبــــا الةـ ــمان سـ ــلطان اإلرادة و ضـ ــمانات ا اكمــــة
التحكيمية
بالرغم من االختالف بـين طـرق الطعـن يف األحكـام التحكيميـة الداخليـة مـن جهـة،
والدولية منها من جهة ثانية ،فان دعوى بطالن الحكم التحكيمي ،تشكل أهم طريق للطعـن
يف األحكام التحكيمية بنوعيها الداخلي و الدولي .
وبالرغم من االختالف الطفيف بين أسـباب الطعـن بـبطالن حكـم التحكـيم الـدولي
وحكم التحكيم الدولي ،فإن طبيعة دعـوى الـبطالن تبقـى واحـدة ،ذلـك أهنـا دعـوى مبتدئـة
مقدمة أمام محكمة االستئناف.
نــق الفصــل 00-022يف مســتهله علــى أنــه وبــالرغم مــن كــل شــرط مخــالف ف ـإن
األحكام التحكيمية تكون قابلة للطعن بالبطالن ويقدم هذا الطعن طبقا للقواعد العادية أمام
محكمة االستئناف التي صدر يف دائريفا الحكم التحكيمي ،فمؤدى هذا الفصـل أن المشـرع
المغربي مثله مثل معظم التشـريعات المقارنـة 1منـع إمكانيـة التنـازل المسـبق عـن دعـوى
الــبطالن أو مــا يعــرف ب "شــرط االســتبعاد" أو ” ، “Clause exclusionإذ يعتــه هــذا الشــرط
مخالفا للنظام العام .2
بنصه على إمكانية الطعن يف حكم التحكيم عن طريق الطعن بالبطالن ،فـإن المشـرع
المغربــي يكــون قــد ســاير التشــريعات المقارنــة التــي تنصــت علــى إمكانيــة الطعــن يف حكــم
التحكيم عن طريق الطعن بالبطالن.
-1وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه املشرع املصري في املادة 02من قانون التحكيم املصري ،والتي نصت على أنه "ال يحول دون
قبول دعوى البطالن نزول مدعي البطالن عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم".
- 2للمزيد الرجوع إلى :
Thomas Clay ، Code de l'arbitrage commenté - Edition 2015،Lexis Nexis4800
غير أنه وبالرغم من اندراجه تحت طائفة الطعون ،فإن الطعن بالبطالن يختلف نطاقه
عن باقي الطعون األخرى مادام أن هـذا الطعـن هـو يف حقيقتـه طعـن شـكلي يتمحـور حـول
حكم التحكيم وال يمتد إلى النزاع موضوع الحكم التحكيمي.
فالقاضي المخـتق بنظـر دعـوى الـبطالن ال يعيـد فحـق مضـمون الحكـم بقصـد
تعديله ،مهما كانت درجة عدم عدالته أو مهما كانت جسامة الغلط يف التقـدير الـذي ينتسـب
إل يه ،وإنما ينظر إلى اإلجراءات السابقة أو المعاصرة لصدور الحكـم لتقريـر مشـروعيته مـن
عدمها.1
ويرجع إقصاء القضاء عـن مراجعـة حكـم التحكـيم مـن الناحيـة الموضـوعية إلـى أن
ذلك يحقق األهداف المرجوة من التحكيم كوسيلة سريعة و هنائية لفـض المنازعـات بعيـدا
عن ساحات المحاكم ،وهو ما يتفق مع متطلبات استقرار المراكز القانونية.2
-1بالنسبة لقانون التحكيم املغربي ،فيما يتعلق بالتحكيم الدولي ينص الفصل 04.ـ 02من هذا القانون على ما يلي" :ال تطبق
مقتضيات الفصل 04.ـ 0.على الطعن بالبطالن" والفصل املذكور 04.ـ 0.يتعلق بالتحكيم الداخلي الذي ينص على أن" :إذا
أبطلت محكمة الاستئناف الحكم التحكيمي ،تبت في جوهر النزاع في إطار املهمة املسندة إلى الهيئة التحكيمية ما لم يصدر حكم
باإلبطال لغياب اتفاق التحكيم أو بطالنه" .ونفس الش يء بالنسبة للقانون الفرنس ي ،فإن طلب إبطال القرار التحكيمي الدولي
الصادر بفرنسا محصور بالحاالت الخمس وهي في كل حالة ال تترك أي مجال للغوص في أساس النزاع أو التصدي له .انظر عبد
الحميد ألاحدب :التحكيم الدولي ،ج ،4 .ص .0.4
-2أحمد السيد صاوي :التحكيم طبقا للقانون رقم 4.لسنة 0112و أنظمة التحكيم الدولية ،ص .402
-3للمزيد الرجوع إلى :مصطفى بونجة و نهال اللواح ،التعليق على قانون التحكيم في ضوء القضاء والفقه العربي والدولي،
منشورات املركز املغربي للتحكيم و منازعات ألاعمال ،الطبعة ألاولى . 4801
16الوسائل البديلة حلل النزاعات :الصلح -التحكيم -الوساطة
د .مصطفى بوجنة
موضـوع النـزاع أو مراقبــة سـالمة الحـل الــذي اتخذتـه الهيئـة التحكيميــة ممـا تبقـى معــه
الدفوع المثارة من طرف الطاعنة من قبيل الدفوع المتعلقـة بموضـوع النـزاع والتـي تـدخل
ضمن صالحية الهيئة التحكيمية التي بثت فيه ،ويتعين تبعا لذلك استبعادها يف غيـر محلهـا
ويتعين ردها ،والتصريح تبعا لذلك برفض الطلـب مـع إبقـاء الصـائر علـى رافعـه مـع األمـر
بتنفيذ الحكم التحكيمي موضـوع الطعـن بـالبطالن عمـال بمقتضـيات الفصـل 022 -02
ق م م".1
املبحث الثاني :تأثري غياب ثقافة التحكيم ووجود حمكم حمرتف على
فعالية التحكيم
كما سبق القول ،فان وجود قضاء مناصر للتحكـيم لـيس وحـده كافيـا لضـمان فعاليـة
التحكــيم ،فهــذه الفعاليــة مرتبطــة بشــكل كبيــر بوجــود ثقافــة للتحكــيم (المطلــب األول)،
وكذلك بوجود محكم محرتف (المطلب الثاين).
إن ثقافة التحكـيم ليسـت ترفـا فكريـا ،ذلـك أن غياعـا يـنعكس سـلبا علـى الممارسـة
التحكيمية كلها ،فاالعتقاد السائد والخاطئ المتمثـل يف كـون التحكـيم هـو وسـيلة ومرحلـة
اختياريــة وســابقة عــن اللجــوء إلــى القضــاء ،يكــون الــدافع األساســي للغالبيــة العظمــى مــن
أطراف النزاع ،ولعل السبب يف ذلك مرده إلى الـنق التشـريعي ذاتـه ،فـالتحكيم مـنظم إلـى
جانب الوساطة االتفاقية بموجب قانون واحد ،وهو نفس االتجاه الخاطئ الذي يسـير عليـه
مشروع مدونة التحكيم كذلك ،غيـر أنـه وعنـد تـيقن غالبيـة األطـراف مـن الطبيعـة القضـائية
للتحكيم ،عند بدء النزاع ،نجد األطراف تبحث بشكل حثيث عن وسيلة للتخلق من شرط
التحكيم ،وهذا ما يفسر كثرة ممارسة الطعون القضائية بخصوص نزاعات متفق على حلهـا
عــن طريــق التحكــيم ســلفا ،وهــذا مــا يفســر كــذلك كثــرة الطعــون أمــام الهيئــات التحكيميــة
للتخلق من اتفاق التحكيم .
ومن جهة أخرى فان كثرة حاالت الصياغة المعيبة لشـرط التحكـيم يف العقـد ،تخلـق
يف غالب األحوال شروط تحكيم معتلة ،أو عرقلة أمام انسـيابية العمليـة التحكيميـة ،كمـا أن
-1قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 0082 :الصادر بتاريخ 4801/82/80 :في امللف رقم( 4801/0408/.82 :غير
منشور) .
غياب ثقافة التحكيم والعلم بطبيعته القضائية ،يجعل الكثير من أطراف التحكـيم أمـام حالـة
صدور أحكام تحكيمية قطعية وجهيـة التنفيـذ ،صـادرة يف حقهـم دون حضـورهم الطـوعي
لجهلهم بمساطر التحكيم .
فالتحكيم ليس مجرد مسطرة لحل النزاع ،بل أنه نظـام متكامـل و متشـعب ومركـب،
فأمام مطلع على فلسفة التحكيم و مطلع كذلك على القانون رقم ، 32.34باعتباره القانون
المنظم للتحكيم بالمغرب ،تكمن حقيقة أخرى متمثلة يف أن هذا القـانون رقـم ، 32.34ال
يشكل القانون الوحيد واألوحد لتنظيم التحكـيم ،بـل إن التحكـيم يف المغـرب -ويف الكثيـر
من الحاالت -ال زال منظما كذلك بموجـب المقتضـيات المنظمـة للتحكـيم وفقـا لقـانون
المسطرة المدنية لسنة .1225
-اتفاقات التحكيم المهمة قبل تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ؛
-الدعاوى التحكيمية الجارية أمام الهيئات التحكيمية أو المعلقة أمام المحـاكم يف
التاريخ المذكور إلى حين تسويتها النهائية واستنفاذ جميع طرق الطعن.
ولعل هذا المعطى يعطينا نتيجة متمثلة يف ازدواجية اإلطار القانوين المـنظم للتحكـيم
بــالمغرب ،بــين القضــايا التــي ســتبقى خاضــعة لقــانون التحكــيم القــديم ،والــذي هــو قــانون
المسطرة المدنية لسنة ،1225و القضايا التي ستكون خاضعة كليا لمقتضيات القانون رقـم
،32.34وهو الشيء الذي شكل ارتباكا واضحا على المستوى العملي ،وهو الشـيء الـذي
دفع بواضعي مشروع مدونة التحكيم إلى محاولة التخفيف من هذا االرتباك.
فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 135من مشروع مدونة التحكيم نجـدها تـنق علـى
أن هذا القانون ينسخ مقتضيات قانون 32.34وكـل القـوانين التـي تتعـارم معـه ،وكـذلك
الفقرة 5من المادة 4من القـانون رقـم 40.24القاضـي بإحـداث محـاكم تجاريـة ،غيـر أنـه
وبموجب المادة 130من نفس المشروع ،فإن مقتضيات الباب الثامن من القسـم الخـامس
مــن قــانون المســطرة المدنيــة ومقتضــيات القــانون 32.34الــذي عــدل وتمــم مقتضــيات
الفصول 030إلى 022من قانون المسطرة المدنية تظل مطبقة بصورة انتقالية على:
ويف اعتقادنا ،فان هذا االرتباك مرده إلى الطبيعة المركبة للتحكـيم ،فـالتحكيم يعتـه
قانونا مسطريا بامتياز .كما أنه ،ويف نفس الوقت ،فهو قانون موضوعي بامتياز.1
انطالقا مـن مقتضـيات الفصـل 012مـن ق م م ،فـإن التحكـيم يكـون إمـا خاصـا أو
مؤسساتيا ،كما أنه يف حالة التحكيم الخاص ،تتكفل الهيئـة التحكيميـة بتنظيمـه مـع تحديـد
-1جاء في قرار محكمة النقض عدد 0/088الصادر بتاريخ 4800/0/44 :في امللف عدد ( 4800/0/2/0024:بغرفتين ) ":حيث لئن
كانت ألاحكام الانتقالية تسبغ بمحدوديتها من حيث التطبيق في الزمان ،فإن بدأ سريانها يحكمه مبدأي عدم رجعية
القوانين وأثرها الفوري ،واملحكمة مصدرة القرار املطعون فيه التي أوردت ضمن تعليالته أن طبيعة هذه ألاحكام في نازلة الحال -
التي تؤطرها مقتضيات املادة الثانية من القانون رقم 80-80الصادر بتنفيذ القانون رقم 4.8..0.1بتاريخ 08نونبر،- 488.
تستلزم قراءة هذا املقتض ى القانوني بصورة متكاملة تجمع بين فقرتيه ألاولى والثانية وعدم تجزئة التعامل بين كلتيهما،
موضحة أن الفقرة ألاولى من ذات املادة الثانية املشار إليها تتحدث عن اتفاقات التحكيم من حيث موضوع الاتفاق الذي يبقى
خاضعا للمقتضيات القديمة التي نشأ الاتفاق في ظلها ،وأن هذا القانون (رقم )80-80ال يطبق على اتفاقات التحكيم املبرمة
قبل دخوله حيز التنفيذ التي تظل خاضعة من حيث شروط صحتها للقانون امللغي ،غير انه يطبق على الدعاوى املقدمة
بعد دخوله حيز التنفيذ دون الدعاوى التحكيمية التي كانت جارية أمام الهيئات التحكيمية أو املعلقة أمام املحاكم في
تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ إلى حين تسويتها واستنفاذ طرق الطعن املتعلقة بها -للتميز بين املعيار الشكلي
واملوضوعي ، -مضيفة (املحكمة) أن الدعوى التحكيمية التي باشرتها املستأنفة قد تم رفعها أمام املحكمة الدولية التابعة
لغرفة التجارة الدولية بتاريخ .ماي ،4808وهو تاريخ الحق على نشر القانون الجديد رقم 80-80بالجريدة الرسمية
بتاريخ .دجنبر ،488.تكون قد راعت املبدأ السالف الذكر مؤسسة ذلك على ما استنتجته -وعن صواب -من أن
القانون الواجب إعماله في تحديد الجهة القضائية التي تعتبر مؤهلة قانونا للبت في الاختصاص في الاعتراف بالحكم التحكيمي
وتذييله بالصيغة التنفيذية هو القانون الجديد".
المســطرة الواجــب إتباعهــا مــا عــدا إذا اتفــق األطــراف علــى خــالف ذلــك أو اختــاروا نظــام
تحكيم معين ،يف حـين أنـه يف حالـة التحكـيم المؤسسـي ،فـإن المؤسسـة التحكيميـة تتـولى
تنظيمه وضمان حسن سيره طبقا لنظامها.
وإذا كانت جودة وفعالية التحكيم ترتبط بشكل كبير بمـدى وجـود محكـم محـرتف،
ومؤسسات تحكيمية محرتفة ،فإن المالحظ هو غلبة طابع الهواية علـى مسـتوى الممارسـة
التحكيمية بالمغرب ،سواء فيما يتعلق بالتحكيم الحر أو التحكيم المؤسسايت بالمغرب.
1
أوال :على مستوى التحكيم الحر
كان التحكيم يف الماضي هو التحكيم الذي ينظم بمناسـبة نـزاع معـين ،أي مـا يسـمى
"بتحكيم الحاالت الخاصة ،"ad hocدون اللجـوء إلـى خـدمات أي مركـز تحكيمـي دائـم،
وبالتالي فإنه نوع من التحكيم يبدأ باإلرادتين اللتين اتجهتا إلى اختيار التحكـيم ،ولكنهمـا
تحتاجان للبقاء مستمرتين على خيارهما ،ألن هذا التحكيم يحتـاا السـتمرار التوافـق لكـي
يوضع موضع التنفيذ.
وعبء هذا التنفيذ وتنظيمه هو مسؤولية طريف النزاع ،فكـل منهمـا يعـين محكمـا إذا
كانا قد اتفقا على ذلك.
وهذا النوع هو تحكيم الحاالت الخاصة ،ad hocالـذي عـرف يف الماضـي ومـا يـزال
قائما حتى اآلن .وبذلك فالتحكيم الحـر أو تحكـيم الحـاالت الخاصـة ،يقصـد بـه التحكـيم
الذي يقوم فيه األطراف أنفسهم ،ووفقا لما يخوله لهم القانون ،باختيار المحكمين واختيـار
قواعد التحكيم و إجراءاته بعيدا عن أي مركز دائم أو مؤسسة دائمة للتحكيم.2
ولقد نق الفصل 021من ق م م على أنه "يجب على األشخاص الطبيعيين الـذين
يقومون اعتياديا أو يف إطار المهنة بمهـام المحكـم إمـا بصـورة منفـردة أو يف حظيـرة شـخق
معنوي يعته التحكيم أحد أغراضه االجتماعية ،أن يصرحوا بـذلك إلـى الوكيـل العـام لـدى
محكمة االستئناف الواقع يف دائرة نفوذها محل إقامـة األشـخاص الطبيعيـين المـذكورين أو
المقر االجتماعي للشخق المعنوي.
-1هناك من الفقه من يستعمل هذا املصطلح :انظر أبو زيد رضوان :ألاسس العامة في التحكيم التجاري الدولي ،دار الفكر العربي،
،0100ص .40فتحي والي :قانون التحكيم في النظرية و التطبيق ،شركة الجالل للطباعة ،منشأة املعارف باإلسكندرية ،الطبعة
ألاولى ،488.ص .00
-2فتحي والي :قانون التحكيم في النظرية و التطبيق ،شركة الجالل للطباعة ،منشأة املعارف باإلسكندرية ،الطبعة ألاولى ،488.
ص .00
14الوسائل البديلة حلل النزاعات :الصلح -التحكيم -الوساطة
د .مصطفى بوجنة
يسلم الوكيل العام وصال بالتصريح ويقيد المعنيين باألمر يف قائمـة المحكمـين لـدى
محكمة االستئناف المعنية وذلك بعد دراسة وضعيتهم".
كما جاءت الرسالة الدورية الصادرة عـن السـيد وزيـر العـدل تحـت عـدد 12س، 2
والموجهــة إلــى الســادة الرألســاء األولــين لمحــاكم االســتئناف والــوكالء العــامين لــديها
والرألســاء األولــين لمحــاكم االســتئناف التجاريــة والســيدين الرئيســين األولــين لمحكمتــي
االستئناف اإلدارية لشرح تطبيق مقتضيات الفصل 021من القـانون رقـم 32.34المتعلـق
بالتحكيم والوساطة االتفاقية وتوحيد تطبيق مقتضياته بين كافة محاكم المملكة.
فوفقا لهذه الرسالة الدورية ،فإن القائمة المتحدث عنها يف الفصل 021مـن القـانون
رقـم ، 32.34ال تتعلــق ســوى بفئــة المحكمــين ،وال تعنــي فئــة الوســطاء ،كمــا ال صــلة لهــا
ببعض المقتضيات المشاعة مثل ما نق عليه المشرع يف المادة 402من مدونة الشغل التي
ورد فيها أنه "يعهد بإجراء التحكيم إلى حكم يختـاره األطـراف باتفـاق بيـنهم ،ضـمن قائمـة
حكام تصدر بقرار للوزير المكلف بالشغل"
وإذا كنا نعـارم دائمـا المقتضـيات التـي جـاء عـا الفصـل 021مـن ق م م ،وكـذلك
الرسـالة الدوريـة الصـادرة عـن السـيد وزيـر العـدل تحـت عـدد 12س ، 2وذلـك إيمانـا منـا
بالطبيعة الحرة للتحكيم ،واحرتام إرادة األطراف يف اختيار محكمهم ،وإيمانا منا كذلك بأن
التحكيم هـو مهمـة و لـيس مهنـة ،فإ نـه ويف نفـس الوقـت فالممارسـة التحكيميـة أبانـت عـن
وجود محكمين ال يحملون من ثقافة التحكيم إال االسم ،وهو الشيء الذي انعكس سلبا يف
الكثير مـن الحـاالت علـى مصـداقية التحكـيم وجـودة األحكـام التحكيميـة وبالتـالي ضـياع
الكثير من حقوق المحتكمين ،فالتحكيم صنعة ،فال يكفي للقيام به ،االطالع على أبجديات
التحكيم ،أو اكتساب ثقافة قانونية أو تقنية عامة .
يف هذا النوع من التحكيم ،يتفق األطـراف علـى أن يـتم التحكـيم بواسـطة مركـز دائـم
للتحكيم أو مؤسسة تحكيم دائمة سواء كانت وطنية أو دولية ،فيتم التحكيم وفقا لنظام هـذا
-1هناك من الفقه من استعمل هذا املصطلح :انظر على سبيل املثال فتحي والي :قانون التحكيم في النظرية و التطبيق ،شركة الجالل
للطباعة ،منشأة املعارف باإلسكندرية ،الطبعة ألاولى ،488.ص .00
المركــز و إجراءاتــه ،وقــد يقــوم المركــز أيضــا بتعيــين المحكمــين أو أحــدهم حســب اتفــاق
الطرفين ،أو يقوم بمراجعة حكم التحكيم حسب ما تنق عليه الئحته.1
ويجب التوضيح ،بأن هذه مؤسسة التحكيم تقوم بعمليـة التنظـيم واإلشـراف علـى
سير التحكيم ،وليس ممارسة التحكيم مـن قبلهـا ،ذلـك ألن األشـخاص الطبيعيـة هـي التـي
يمكــن أن تكــون محكمــا وتمــارس التحكــيم ،وأن المؤسســة المــذكورة تعهــد األمــر إلــى
المحكمين الذين إما أن يكـون قـد تـم اختيـارهم مـن قبـل ،أو أن اختيـارهم قـد تـم مـن قبـل
أطراف النزاع ،وفقا لقواعدها أو للقواعد التـي اختارهـا األطـراف ،وتقـوم المؤسسـة بتـوفير
الخدمات واألمور اإلدارية إلجراء عملية التحكـيم لقـاء أجـر محـدد عـادة بنسـبة مأويـة مـن
قيمة الموضوع الذي سيحسم بالتحكيم. 2
والمالحظ هنا هو غياب تـأطير قـانوين للتحكـيم المؤسسـي بـالمغرب ،فباسـتثناء مـا
نصــت عليــه المــادة 5مــن القــانون المتعلــق بالنظــام األساســي لغــرف التجــارة والصــناعة
والخدمات ،3هـذه المـادة التـي نصـت علـى أنـه "تكلـف الغـرف بمهـام ذات طـابع تمثيلـي
واستشــاري ومهــام متعلقــة بالــدعم والــرتويا ......مهــام الــدعم والــرتويا وهــي كالتــالي:
إحــــداث مراكــــز للتحكــــيم والوســــاطة التجاريــــة؛ إحــــداث مراكــــز لإلعــــالم والتوثيــــق
االقتصادي ، ".....نجد أن جـل مؤسسـات التحكـيم – إن لـم نقـل الكـل – تعمـل يف إطـار
قانوين ال يتماشى مع االحرتافية المرجوة للنهوم بالتحكيم ،ذلك أهنا تتخذ شـكل جمعيـة
طبقا للقانون المنظم للجمعيات بالمغرب .
ويف األخير ،ونحن يف انتظار صدور مدونـة التحكـيم بـالمغرب ،نـرى أنـه مـن الـالزم
التفكيــر مليــا يف إعــادة تنظــيم منظومــة التحكــيم ككــل ،ولــيس االكتفــاء بالتعــديل الشــكلي
لمقتضياته فقط.
-1فتحي والي :قانون التحكيم في النظرية والتطبيق ،شركة الجالل للطباعة ،منشأة املعارف باإلسكندرية ،الطبعة ألاولى ،488.
ص.00
-2فوزي محمد سامي :التحكيم التجاري الدولي ،دار الثقافة للنشر و التوزيع ،عمان 011.ص .40
-3ظهير شريف رقم 0.00.81صادر في 08ربيع آلاخر 40( 0202فبراير )4800بتنفيذ القانون رقم 00.04املتعلق بالنظام ألاساس ي
لغرف التجارة والصناعة والخدمات ،الجريدة الرسمية عدد .00.بتاريخ 1جمادى ألاولى 40( 0202مارس ،)4800ص ، 401.
واملعدل بموجب القانون رقم .4.00املتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 00.04املتعلق بالنظام ألاساس ي لغرف التجارة والصناعة
والخدمات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 0.00.10بتاريخ 0.من شوال 0( 020.أغسطس ،)4800الجريدة الرسمية عدد
.000مكرر بتاريخ 00شوال 2( 020.أغسطس ،)4800ص ،.002والقانون رقم .0.00القاض ي بتغيير املادة 08من القانون
رقم 00.04املتعلق بالنظام ألاساس ي لغرف التجارة والصناعة والخدمات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 0.00..2بتاريخ 40
من ذي القعدة .( 0201أغسطس ،)4800الجريدة الرسمية عدد ..84بتاريخ 00ذو الحجة 40( 0201أغسطس ،)4800ص
.0..0
10الوسائل البديلة حلل النزاعات :الصلح -التحكيم -الوساطة