‫المحاضرة (‪1‬و‪)2‬‬

‫التربية – مفهومها ‪ -‬دالالتها ‪ -‬وظائفها‬

‫‪.‬‬ ‫ة‪:‬‬ ‫مقدم‬
‫التربية شيء أساسي لحياتنا التي نحياها‪ ،‬فهي التي تقدمنا للناس الذين نتعامل معهم‪ ،‬كما‬
‫أنها هي التي تحدد شخص‪$$‬يتنا و أس‪$$‬لوبنا في التعام‪$$‬ل م‪$$‬ع كاف‪$$‬ة األم‪$$‬ور‪ ،‬له‪$$‬ذا ن‪$$‬الت التربي‪$$‬ة‬
‫نصيب األسد من جهد المختصين في العلوم االنسانية حيث بحثوا فيها و في جمي‪$$‬ع جوانبه‪$$‬ا‬
‫و ال زالوا يبحثون‪ .‬حيث أن العلوم التربية هي العلوم ال‪$$‬تي تبحث و تهتم في نوعي‪$$‬ة العالق‪$$‬ة‬
‫ونمطها التي تجمع االنسان و تربطه ببيئت‪$‬ه الخارجي‪$‬ة بكاف‪$‬ة محتوياته‪$‬ا‪ ،‬و العل‪$‬وم التربوي‪$‬ة‬
‫هي فرع هام جدًا من العلوم اإلنسانية‪ ،‬و التربية عملية اجتماعية بحته مما يجعلها غير ثابته‬
‫بين كافة المجتمعات و حتى في المجتم‪$$‬ع نفس‪$$‬ه بين عص‪$$‬ور مختلف‪$$‬ة‪ ،‬فهي عملي‪$$‬ة محكوم‪$$‬ة‬
‫بطبيعة الثقاف‪$$‬ة الس‪$$‬ائدة و األفك‪$$‬ار المس‪$$‬يطرة على العق‪$$‬ول و المش‪$$‬اعر و الع‪$$‬ادات و التقالي‪$$‬د‬
‫إضافة إلى التعاليم الدينية السائدة في بعض المجتمع‪$$‬ات‪ .‬و لدراس‪$$‬ة موض‪$$‬وع التربي‪$$‬ة ينبغي‬
‫دراسة المجتمع أوًال‪ ،‬إذ ان المجتم‪$$‬ع ه‪$$‬و حاض‪$$‬ن التربي‪$$‬ة‪ ،‬فالتربي‪$$‬ة وج‪$$‬دت للمجتم‪$$‬ع‪ ،‬له‪$$‬ذا‬
‫السبب يركز المختصون بالتزامن مع دراستهم للتربية على دراستهم للمجتمع‪ ،‬إذ أن مفه‪$$‬وم‬
‫المجتمع يعني مجموع‪$$‬ة األف‪$$‬راد ال‪$$‬ذين يعيش‪$$‬ون مع‪ً$‬ا و يش‪$$‬تركون في الع‪$$‬ادات و التقالي‪$$‬د و‬
‫أيضًا‪.‬‬ ‫األعراف و تربطهم قواسم مشتركة كثيرة و مصالح مشتركة‬

‫مفهوم اصول التربية ‪:‬‬

‫أصول التربية هي العلم المعني والمهتم بدراسة األسس التي يتم عن طريق االستناد و الرجوع‬
‫إليها بناء فهم و تربية قوية و سليمة‪ ،‬كما أن أصول التربية تكون معنية بشكل أو ب‪$$‬آخر بتزوي‪$$‬د‬
‫طالب علم أصول التربية ينظريات تكون ناتجة عن تحليل عمي‪$$‬ق للقيم المجتمعي‪$$‬ة و األدي‪$$‬ان و‬
‫األفكار و األيدولوجيات و الفلسفات المختلفة أو أنها تكون قد بنيت على نتائج لتجارب خاضعة‬
‫لقوانين علم االجتماع او علم النفس أو غيرها‪ .‬كما أن أصول التربية بتعريف آخ‪$$‬ر تع‪$$‬ني كاف‪$$‬ة‬
‫األصول واألسس والقواعد التي يتأسس عليها أي نظام تربوي‪ .‬حيث أن أصول التربي‪$$‬ة معني‪$$‬ة‬
‫بشكل رئيسي في النظريات التي تدخل وتهم مجال التربية‪ ،‬و ليس النتائج المتوخ‪$$‬اة من تط‪$$‬بيق‬
‫النظام التربوي‪.‬‬

‫مفهوم التربية ‪:‬‬

‫للتربية مفاهيم متعددة كونها من الكلمات ذات المعاني المتعددة ‪ ,‬وهذه المفاهيم وان‬
‫تعددت إال أنها في النهاية كل متكامل يكمل إحداها األخر ‪ .‬وسوف نتطرق إلى المعنى‬
‫اللغوي واالصطالحي للتربية ‪.‬‬

‫التربية لغًة ‪:‬‬

‫المتتبع لمعنى التربية في اللغة يجد أن للتربية ثالث أصول لغوية ‪:‬‬

‫( ربا – يربو ) بمعنى الزيادة والنمو‬ ‫‪-1‬‬

‫وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى ( وما ُأتيتم من ربا ليربوا في‬
‫أموال الناس فال يربوا عند اهلل ) وقوله تعالى ( يمحق اهلل الربا وُيربي الصدقات )‬

‫( رٍّب – يرُّب ) بمعنى اإلصالح وتولي األمر‬ ‫‪-2‬‬

‫وبهذا فان معاني التربية هي ( الزيادة – والنمو – والنشوء ‪ -‬والترعرع – واإلصالح –‬
‫والتهذيب ) وقد أكد اإلمام البيضاوي (رحمه اهلل ) في تفسيره ( أنوار التنزيل وأسرار‬
‫التأويل ) أن الرب في األصل بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا‬
‫فشيئا ‪.‬ومن هذه األصول اللغوية استنبط عبد الرحمن الباني مجموعة عناصر للتربية‬
‫هي ‪:‬‬

‫المحافظة على فطرة اإلنسان ورعايتها ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫تنمية مواهب اإلنسان واستعداداته كلها ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫توجيه فطرة اإلنسان ومواهبه واستعداداته نحو اإلصالح والكمال ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫التدرج في عملية المحافظة والتنمية والتوجيه ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
 ‫ونستخلص من هذا نتائج أساسية في فهم التربية أهمها ‪:‬‬

‫أوًال ‪ /‬أن التربية عملية هادفة لها غايتها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ /‬التربية تقتضي وضع خطط متدرجة ومنظمة تتناسب مع أطوار حياة اإلنسان ‪.‬‬

‫التربية اصطالحًا ‪:‬‬

‫ال بد أن يختلف التعريف االصطالحي للتربية وفقًا الختالف المنطلق‪U‬ات الفلس‪U‬فية ال‪U‬تي‬
‫يخضع إليها أي مجتمع ‪ ،‬فكل مجتمع له فلسفته الخاصة التي يقوم عليها ‪ ،‬والتي تنبع من‬
‫ع‪UU U U‬ادات ومي‪UU U U‬ول وتقالي‪UU U U‬د واتجاه‪UU U U‬ات وقيم ذل‪UU U U‬ك المجتم‪UU U U‬ع ‪ ،‬وس‪UU U U‬نذكر بعض التعريف‪UU U U‬ات‬
‫االصطالحية الواردة في المقام من قبل كبار الفالسفة للتربية ثم نتخذ تعريفًا خاصًا بها ‪:‬‬

‫عرفها عالم النفس هنري جولي ‪ ( :‬مجموع‪U‬ة الجه‪U‬ود ال‪U‬تي ته‪U‬دف إلى أن تيس‪U‬ر للف‪U‬رد‬ ‫‪-1‬‬
‫االمتالك الكامل لمختلف ملكاته وحسن استخدامها ) ‪.‬‬
‫عرفه ‪UU‬ا ع ‪UU‬الم االجتم ‪UU‬اع دركه ‪UU‬ايم ‪ ( :‬بأنه ‪UU‬ا العم ‪UU‬ل ال ‪UU‬ذي ُتحدث ‪UU‬ه األجي ‪UU‬ال الراش ‪UU‬دة في‬ ‫‪-2‬‬
‫األجيال الناشئة من اجل الحياة االجتماعية ‪ ،‬وته‪U‬دف إلى تأس‪U‬يس وتنمي‪U‬ة ع‪U‬دد من الع‪U‬ادات‬
‫الجسدية والعقلية واألخالقي‪U‬ة ال‪U‬تي يط‪U‬الب به‪U‬ا المجتم‪U‬ع السياس‪U‬ي والوس‪U‬ط االجتم‪U‬اعي ال‪U‬ذي‬
‫يعدله ) ‪.‬‬
‫وأم‪UU‬ا في التص‪UU‬ور اإلس‪UU‬المي فهي ‪ ( :‬مجموع‪UU‬ة من القيم والمف‪UU‬اهيم ال‪UU‬تي تتراب‪UU‬ط فيم‪UU‬ا‬ ‫‪-3‬‬
‫بينها ضمن إطار فكري يستند إلى التصورات المطروح‪UU‬ة في الكت‪UU‬اب والس‪UU‬نة ح‪UU‬ول الك‪UU‬ون‬
‫واإلنسان ) ‪.‬‬
‫من كل ما جاء أنفـا يمكن أن نخلص تعريفا للتربية على أنها ( عملية تشكيل وإ عداد‬
‫أفراد إنسانيين في مجتمع معين الن التربية تعد الوسيلة األساسية التي بها ينتقل الفرد‬
‫من مجرد فرد بيولوجي إلى إنسان يشعر باالنتماء والوالء لمجتمع له قيم وعادات‬
‫واتجاهات وأمال وأالم ‪ ,‬فمن خاللها تتم عملية توجيه طاقات الفرد ونموه بمختلف‬
 ‫الوسائل والطرائق المحددة األهداف والمخططة اإلجراءات ‪ ,‬والتي تتم في األسرة‬
‫والمدرسة والمؤسسات التربوية األخرى ) ‪.‬‬

‫وظائف التربية ‪:‬‬

‫توجد للتربية وظائف كثيرة لكننا سوف نذكر أهمها وكما يلي ‪:‬‬

‫التربية هي عملية إعداد العقل السليم ‪ :‬وظيفتها تنمية العقل السليم وأن سلوك‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلنسان إنما يتأتى من خالل معرفته ‪.‬‬
‫التربية عملية حفظ التراث ونقله عبر األجيال ‪ :‬ووظيفتها هنا تكمن في نقل‬ ‫‪-2‬‬
‫المعارف والمهارات من جيل الكبار إلى جيل الصغار‪.‬‬
‫التربية عملية استغالل للذكاء اإلنساني ‪ :‬ووظيفتها هنا تكمن في اكتشاف أدوات‬ ‫‪-3‬‬
‫المعرفة والذكاء هو ابرز تلك األدوات بال شك ‪.‬‬
‫التربية عملية استثمار اقتصادي ‪ :‬فهي حسب هذا المفهوم عملية اقتصادية لها عائد‬ ‫‪-4‬‬
‫ومردود مثلها مثل األموال التي تستثمر في مشروع اقتصادي لها مردود هو الربح ‪.‬‬
‫التربية عملية اكتساب خبرة ‪ ,‬ومحور هذا المفهوم للتربية يرتكز على مبدأ التعلم‬ ‫‪-5‬‬
‫بالعمل والممارسة والتعلم الذاتي ‪.‬‬
‫التربية عملية تهدف إلى تكيف الفرد مع المجتمع ‪ :‬ووظيفتها العمل على تكيف الفرد‬ ‫‪-6‬‬
‫وفق القيم والتقاليد والعادات السائدة في ذلك المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد ويتفاعل‬
‫معه ‪.‬‬
‫من خالل عرض المفاهيم السابقة يمكن أن نخلص منها إلى بعض المالحظات وهي ‪:‬‬

‫أوال ‪ /‬إن أقدم هذه المفاهيم هو المفهوم الذي يرى في التربية أنها عملية إعداد العقل‬
‫السليم وانه منبثق من الفلسفة المثالية التي تمجد العقل وتهمل الجسد ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ /‬تتداخل هذه المفاهيم فيما بينها ‪ ,‬فمفهوم اكتساب الخبرة يتداخل مع مفهوم التكيف‬
‫الن اكتساب الخبرة يمكن الفرد من التكيف السليم مع المجتمع ‪.‬‬
 ‫ثالثا ‪ /‬احدث هذه المفاهيم واشملها وأصوبها هو مفهوم التربية عملية تكيف ‪.‬‬

‫أهداف التربية ‪:‬‬

‫بالرغم من محاول‪U‬ة كث‪U‬ير من الم‪U‬ربين ق‪U‬ديمًا وح‪U‬ديثًا تعري‪U‬ف التربي‪U‬ة بتعري‪U‬ف ج‪U‬امع إال‬
‫أنهم اختلف ‪UU‬وا في ذل ‪UU‬ك اختالف‪ًUU‬ا كب ‪UU‬يرًا ‪ ،‬نظ ‪UU‬رًا الختالفهم في تحدي ‪UU‬د اله ‪UU‬دف من التربي ‪UU‬ة من‬
‫جه‪UU‬ة والختالفهم في تحدي‪UU‬د أه‪UU‬داف المجتم‪UU‬ع من جه‪UU‬ة أخ‪UU‬رى ‪ ،‬ولكن على ال‪UU‬رغم من ذل‪UU‬ك‬
‫نجد أن هناك مجموعة من األه‪UU‬داف تك‪UU‬اد تك‪UU‬ون مش‪UU‬تركة بين اغلب تعريف‪UU‬اتهم ‪ ،‬ومن تلك‬
‫األهداف ‪:‬‬

‫‪ -1‬تك‪FFF‬وين الم‪FFF‬واطن الص‪FFF‬الح ‪ :‬أي تك ‪UU U‬وين الش ‪UU U‬خص ال ‪UU U‬ذي يمتث ‪UU U‬ل لألوام ‪UU U‬ر والن ‪UU U‬واهي‬
‫والقوانين في المجتمع من محض إرادته ‪0‬‬

‫‪ -2‬النمو الكامل للفرد ‪ :‬فالتربية ُتعد الف‪U‬رد إع‪U‬دادًا يؤهل‪U‬ه كي يك‪U‬ون متك‪U‬امًال من الن‪U‬واحي‬
‫الجسدية والعقلية واالنفعالية والخلقية والحركية ‪ 000‬الخ ‪0‬‬

‫‪ -3‬بناء شخص‪FF‬ية الف‪F‬رد ‪ :‬حيث تعم‪UU‬ل التربي‪UU‬ة على تك‪UU‬وين الس‪UU‬لوك وتوجيه‪UU‬ه لبن‪UU‬اء الف‪UU‬رد‬
‫في المجتمع من جميع النواحي ‪0‬‬

‫‪ -4‬تحقي‪FF‬ق الكفاي‪FF‬ة اإلنتاجي‪FF‬ة ‪ :‬حيث يتم الوص ‪UU‬ول للكفاي ‪UU‬ة اإلنتاجي ‪UU‬ة عن طري ‪UU‬ق الخط ‪UU‬ط‬
‫الموض‪UU‬وعة لزي‪UU‬ادة إنت‪UU‬اج المص‪UU‬انع وال‪UU‬ثروة الحيواني‪UU‬ة والص‪UU‬ناعية والطبيعي‪UU‬ة وذل‪UU‬ك بإنش‪UU‬اء‬
‫المدارس المتخصصة إلعداد أشخاص مؤهلين لذلك ‪0‬‬
‫‪ -5‬مس‪FF‬اعدة الف‪FF‬رد على التكي‪FF‬ف ‪ :‬وذل‪UU‬ك بإكس‪UU‬ابه االتجاه‪UU‬ات ال‪UU‬تي تفي‪UU‬ده في التكي‪UU‬ف م‪UU‬ع‬
‫بيئته الطبيعية واالجتماعية ‪0‬‬

‫التربية ودالالتها ‪:‬‬

‫نستخلص مما عرضناه من مفاهيم للتربية الدالالت اآلتية ‪-:‬‬

‫التربية عملية معقدة ألنها متعددة األهداف والمعاني ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫التربية عملية ال تتم في فراغ بل تتحقق إذا توفر طرفيها وهما المربي والمتربي‬ ‫‪-2‬‬
‫والوسط الذي تتم فيه التربية من مدرسة وأسرة وغيرها ‪.‬‬
‫التربية عملية نمو بمعنى أن المربي يتعهد المتربي جسميًا وعقليا وعاطفيًا وروحيًا‬ ‫‪-3‬‬
‫واجتماعيًا أي بمعنى تنمية كافة الجوانب عند المتربي وال يقتصر على جانب دون‬
‫آخر ‪.‬‬
‫التربية عملية تتصف باالستمرار فهي ال تنقطع في سن معينة أو مرحلة معينة من‬ ‫‪-4‬‬
‫مراحل التعليم بل تمتد من المهد إلى اللحد ‪.‬‬
‫‪ -5‬التربية عملية نمو فردي واجتماعي وإ نساني ‪ ,‬لذلك فهي عملية هادفة مخططة ذات‬
‫طرق واضحة وأهداف محدده ‪.‬‬
‫التربية عملية تفاعلية وليست سلبية ‪ ,‬فهي عملية اخذ وعطاء وتأثير وتأثر ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬