Professional Documents
Culture Documents
الذاكرة العاملة والاستراتيجيات المعرفية للتعلم مقال (1)
الذاكرة العاملة والاستراتيجيات المعرفية للتعلم مقال (1)
H.belmekki@umi.ac.ma
مدخل
يتأسس النظر في مفهوم التعلم ،وفق التصور املعرفي ،على االهتمام باملسارات الذهنية املسؤولة عنه ،حيث" يهدف
املشروع العام للنظريات املعرفية للتعلم إلى بناء معرفة مدققة حول ما يقع في ذهن الفرد أثناء قيامه بمهام تفكيرية -
والتعلم إحداها -من ذلك ما يتحقق لدى املتعلم من مسارات ذهنية بالغة التعقيد...فالنظريات املعرفية تسعى إلى
توضيح إواليات معالجة املعلومات في الذهن (صورذهنية ،تمثالت ،)...وتعمل على النظرفي مسارات بنينة املعلومات،
وتخزينها بطريقة سليمة بقصد استعمالها في مرحلة الحقة"(بوعناني.2012( .م.د)) .بناء على ما سبق يمكن القول إن
دراسة التعلم وفق التصور املعرفي ،ال تولي أهمية للسوك اإلنساني املرتبط به ،بقدر ما تهتم بالعمليات الذهنية
املسؤولة عنه ،وينعكس ذلك من خالل االهتمام بالسيرورات املعرفية ،التي يقوم بموجبها املتعلم ،بالتعرف على
املعلومات ،وتخزينها ،واسترجاعها .يرتبط اهتمامنا في هذا املستوى بالتعلم املنتظم ،والذي يختلف تماما عن
االكتساب ،وهنا ينبغي التمييزبين هذين املفهومين اللذين كثيرا ما يستعمالن لإلحالة على نفس التصور" .فالتعلم هو
مجموعة مسارات امتالك معارف جديدة ،وتخزينها في الذاكرة بطريقة تكون أكثرمالءمة مع إجراءات تحليلها ،وإعادة
تأليفها وصياغتها بقصد استعمالها فيما بعد ،وهو ما يتميز عن فعل االكتساب الذي يعد تو افقا منتظما مع النمو
املعرفي واالجتماعي للفرد ،واملتحصل عبرمعالجات معرفية تلقائية للمعلومات التي يستقبلها من محيطه وقد وجهتها
تفاصيل استعداداته التواصلية واملعرفية للتفاعل مع الوسط الحال فيه وما يؤثثه من معلومات ومعارف" (بوعناني.
(. 2012م.د)) .يحيل هذا التمييز بين مفهومي االكتساب والتعلم ،على خاصيتين أساسيتين ،تتحدد األولى في وسم
التعلم بالقصدية والتوجيه ،في حين تسم الثانية االكتساب بالعفوية وتربطه بالبيئة .غيرأننا نرى في هذا املستوى ،أن
التعلم يمكن يشمل االكتساب ،أو بعض خصائصه .تميز ( )Chevalier,N. (2004). P :7بين مسارين للتعلم ،حيث
املسار األول :صريح ،في حين أن املسار الثاني :ضمني ،إذ يختلف التعلم الضمني عن التعلم الصريح في مجموعة من
.
الخطاطة رقم ( :)1الفرق بين التعلم اضمني والتعلم الصريح حسب Stevenson et Palmer 1994
.1الذاكرة والتعلم
لقد أصبح موضوع الذاكرة من أهم املواضيع التي تتناولها األبحاث العلمية الحديثة ،إذ يشكل تقاطعا أساسيا بين
كل من علم النفس املعرفي ،واللسانيات املعرفية .ذلك أن مفهوم الذاكرة يشير إلى الدوام النسبي آلثار الخبرة ،ومثل
هذا الدوام دليل على حدوث التعلم ،بل وشرط أساس ي له .تتأسس العالقة بين الذاكرة والتعلم على مبدإ التالزم،
حيث يتطلب كل منهما وجود اآلخر ،فبدون تراكم الخبرة املتعلمة ومعالجتها واالحتفاظ بها ال يمكن أن يتم التعلم،
وبدون التعلم بمفهومه العام يتوقف تدفق املعلومات عبر قنوات االتصال املختلفة ،وتصبح الذاكرة عبارة عن بنية
محدودة ملعارف محدودة .فإذا كان التعلم هو حدوث مجموعة من التغيرات والتعديالت التي تطرأ على السلوك بفعل
الخبرة السابقة املكتسبة واملتعلمة ،فإن الذاكرة هي عملية تثبيت هذه التغيرات والتعديالت وحفظها وإبقائها جاهزة
عند اللزوم (أنظر .)Kruger.J & Dunning.D. (1999). :لقد أكدت مجموعة من األبحاث (أنظرAndersen.G & :
)all. (2004).أن العوامل التي تؤثر في التذكر ،واالحتفاظ ،واالسترجاع ،هي العوامل نفسها املسؤولة عن التعلم
واالكتساب .ومن هنا يستمد سؤالنا املرتبط بآليات اشتغال الذاكرة أثناء التعلم مشروعيته ،لذلك سنحاول فيما يلي
الوقوف على أهم األبحاث التي قدمت على مستوى الذاكرة في عالقتها بالتعلم ،من أجل الخروج بتصور عام حول
هندسة الذاكرة وآليات اشتغالها ،وكذا املسارات املعرفية التي يتم تنشيطها تبعا لذلك أثناء عملية التعلم ،باعتبارها
ّ
مسؤولة عنه وضرورية لتحقيقه .إذ يؤسس النظر في هندسة الذاكرة وآليات اشتغالها العمق املعرفي للنظرفي مفهوم
التعلم باعتباره مجموعة من املسارات املعرفية الذهنية املتفاعلة فيما بينها ،والتي تعتبر مسؤولة عن تبني الفرد
ملجموعة من االستراتيجيات املعرفية وامليطامعرفية ملعالجة املعارف واملعلومات ،خصوصا عندما يتعلق األمر
بالتعلم املنتظم.
.2هندسة الذاكرة
يحدد التصور الدينامي مفهوم الذاكرة في القدرة على االحتفاظ بمعلومات ذات طبيعة مختلفة وخاصة بالفرد
باعتبارها آلة سيكولوجية ،وإحدى أهم الوظائف املعرفية ،غير أن أي دراسة للذاكرة ترتكز على آليات اإلشتغال
بمعزل عن البنية تعتبر قاصرة وغير مكتملة ،لذلك سعت بعض األبحاث إلى محاولة التوفيق بين دراسة الذاكرة من
حيث آليات اشتغالها وكذا من حيث تحديد بنيتها أو هندستها.
فيما يخص التصور الهندس ي للذاكرة ،فقد ذهب "بادلي") )(Beddeley. (2004). Pp :829-839إلى اعتبار الذاكرة
جهازا مكونا من مجموعة من "الذكيرات" التي تم تمييزها بحيث تصبح غير قابلة لالختزال .وهو ما يؤكده من خالل
تجزيئه الذاكرة إلى مسارات فرعية يعتبر البعض منها قوالب منفصلة ،ويعتبر البعض اآلخر مظاهر مختلفة لنفس
الجهاز ،ومن خالل هذا التصور ،قدم "بادلي" ثالثة أصناف كبرى للذاكرة ،اعتمادا على ديمومة تخزين املعلومات
نقدمها في الشكل التالي (زغبوش.2008( .أ) .ص:)30 :
:
+
الخطاطة رقم ( :)2نموذج توضيحي للذاكرة اإلنسانية (زغبوش.2008( .أ) .نقال عن)Baddley. (1974)( :
يتأسس املنظور املعرفي للذاكرة على اعتبارها مسارات معرفية للتسنين والتخزين واالسترجاع ،وهي في الوقت نفسه
مخزن تحدث فيه مختلف العمليات السابقة .وبناء على ذلك ،سنحاول فيما يلي تقديم الذاكرة من حيث محتواها
معتمدين في ذلك على التصورالهندس ي للذاكرة الذي قدمته عديد من األبحاث ،وبعد ذلك سنسعى إلى تقديم اآلليات
املسؤولة عن اشتغالها مستفيدين من النقلة النوعية التي حققها علم النفس املعرفي في وصفه لهذه اآلليات.
لقد استلهمت األبحاث املقدمة حول هندسة الذاكرة أسسها النظرية من النقلة النوعية التي تمت على مستوى
اإلعالميات ،وكذا من خالل دراسة مجموعة من الحاالت التي تعاني إصابات دماغية ،وأخرى من فقدان الذاكرة والتي
تسمح بتقديم نماذج تفسيرية مهمة ،ساعدت في الخروج بنماذج علمية لبنية الذاكرة وآليات اشتغالها .إن " الحديث
عن هندسة الذاكرة ووظيفتها يفرض بالضرورة الحديث عن طبيعة محتوى هذه الذاكرة ،إذ أن هندستها تنبني على
نوعية املعلومات التي تحتويها ،فعندما نتحدث عن الذاكرة اإلجرائية فألنها تحتوي على معارف إجرائية ،وعندما
نتحدث عن الذاكرة الداللية ،فألنها تحتوي على معارف داللية( "...زغبوش.2008( .أ) .ص .)35:وبناء عليه تسعى
التوجهات املعرفية الحديثة إلى دراسة الذاكرة من خالل التمييز بين طبيعة املعلومات املخزنة في كل من الذاكرة
قصيرة املدى والذاكرة بعيدة املدى ،معتمدة في ذلك على التقسيم الذي يعتمد على املدة الزمنية لإلحتفاظ
باملعلومات ،واملقدم من طرف مجموعة من األبحاث السابقة .في حين ذهبت أبحاث أخرى إلى تقسيم الذاكرة حسب
مكوناتها البنيوية إلى ثالثة أجزاء :الذاكرة الحسية ،والذاكرة قصيرة املدى ،والذاكرة بعيدة املدى .وفي هذا الصدد
يرى (زغبوش .2008( .ب) .ص )198:أن التعلم تنظيم للمعارف التي ترتكز في جزء كبير منها على معلومات غير متوفرة
في املحيط اللحظي والتي تعتبر ذكريات ألحداث معيشة سابقا ،يمكن أن تكون هذه الذكريات حديثة فتمتد إلى جزء
من الثانية أوأقدم من ذلك .ويساهم هذا التقسيم في خلق تقسيم آخرعلى مستوى هندسة الذاكرة ،غلى ذاكرة قصيرة
املدى وأخرى بعيدة املدى.
بناء على ما سبق ،سنحاول فيما يلي تقديم هذه املكونات األساسية للذاكرة معتمدين في ذلك على عدد من التصورات
النظرية التي اهتمت بدراسة الذاكرة من خالل الربط بين التصورالوظيفي والتصورالبنيوي.
.1.2الذاكرة الحسية:
تعرف الذاكرة الحسية باملخزن أو املسجل الحس ي ( ،)Sonsory Registerوترتبط بقدراتنا الحسية :السمعية،
والبصرية ،واللمسية ،والشمية ،والذوقية ،التي تقوم بدور آلي في نقل املؤشرات الحسية إلى الذاكرة قصيرة املدى،
حيث تحتفظ بالبعض منها ،وال تحتفظ بالبعض اآلخر وفقا ألهمية املعلومات الواردة إليها .وبذلك تنتظم الذاكرة
الحسية لتمريراملعلومات بين الحواس والذاكرة قصيرة املدى ،وتسمح بنقل أربع إلى خمس وحدات معرفية 1في الوقت
الواحد ،علما بأن الوحدة املعرفية يمكن أن تكون كلمة ،أو حرفا ،أو جملة ،أو صورة ،ويختلف ذلك باختالف نظام
املعالجة .وتتميز هذه الذاكرة بسعتها الزمنية القصيرة التي ال تتجاوز الثانية بعد زوال املثير الحس ي ،وباعتبارها تعتمد
على الحواس ،فهي تنقل صورا حقيقية عن العالم الخارجي وبدرجة عالية من الدقة ،غير أنها ال تقوم بأي نوع من
املعالجة املعرفية للمعلومات بل تكتفي بتمريرالبعض منها للذاكرة قصيرة املدى (أنظر :العتوم .)2010( .ص.)123 :
لقد ذهبت األبحاث التي قدمها () ،)Neisser,U. (1967وآخرون ،إلى التمييز بين نمطين من الذاكرة الحسية .يرتبط
النمط األول باملؤشرات الحسية البصرية ويسمى "الذاكرة األيقونية" ( .)Iconic Memoryويرتبط النمط الثاني
باملؤشرات الحسية السمعية ويسمى "الذاكرة اإليكوية" ( ،)Echoic Memoryولقد قدمت هذه األبحاث مجموعة من
النتائج املهمة الخاصة بسعة كل من الذاكرة األيقونية والذاكرة اإليكوية ،مؤكدة أن املعلومات تخزن في الذاكرة
األيقونية ملدة ال تزيد عن الثانية ،ويمكن استدعاء هذه املعلومات مباشرة من الذاكرة األيقونية ،كما أن دخول
معلومات جديدة لهذه الذاكرة يمحو املعلومات التي قبلها ،وتمرر هذه األخيرة ما يقارب تسع إلى عشر وحدات من
املعلومات إلى الذاكرة قصيرة املدى ملعالجتها ،وهو معدل يفوق املعدل العام للذاكرة الحسية ككل .أما على مستوى
الذاكرة اإليكوية فبمجرد توقف املثير أو املؤشر السمعي تخزن املعلومات في هذه الذاكرة ملدة ال تتجاوز ثالثة ثواني،
وهي مدة زمنية أطول مما تسمح به الذاكرة األيقونية ،وتمرر هذه الذاكرة من أربع إلى خمس وحدات من املعلومات
السمعية إلى الذاكرة قصيرة املدى من أجل معالجتها .وعلى العموم فقد أكدت هذه األبحاث أن كال النمطين من
الذاكرة ال يقوم بأي نوع من املعالجة ،بل يكتفي بتمرير املعلومات إلى الذاكرة قصيرة املدى ،كما أشارت إلى قدرة
1يطابق مصطلح الوحدة المعرفية في هذا المستوى ما تشير إليه مجموعة من األبحاث بمصطلح "الرزمة" وهي من بين الترجمات المقترحة
لمصطلح (.)chunking
الذاكرة البصرية العالية في تمريرالوحدات املعرفية للذاكرة قصيرة املدى والتي تفوق قدرة الذاكرة الحسية ككل مما
يعكس أهمية املؤشرات البصرية أثناء التعرف.
لقد شكل مفهوم الذاكرة الحسية نقطة اختالف بين مجموعة من الباحثين ،فمنهم من يعتبره مكونا أساسيا من
مكونات الذاكرة على غرار الذاكرة قصيرة املدى والذاكرة بعيدة املدى ،ومنهم من يعتبرها آلية من آليات اشتغال
الذاكرة ،باعتبار أن السجل الحس ي أو الذاكرة الحسية ال تقوم بأي نوع من أنواع املعالجة ،بل هي عبارة عن مسار
تخزن بواسطته املعلومات في سجل .لذلك آثرنا في هذا املقام ،تقديمها كمكون من مكونات الذاكرة اإلنسانية،
وسنشير إليها كآلية أثناء تقديمنا آلليات اشتغال الذاكرة ،ألن الغاية من تقديمنا مجموعة من الدراسات الخاصة
بالذاكرة في هذا املقام ليس هو إثبات تصور دون آخر بقدر ما هو محاولة لبسط املفاهيم الخاصة بالذاكرة اإلنسانية
في عالقتها بالتعلم ،ولكي نفهم هذه العالقة البد من فهم البنية األساسية التي تنبني عليها سيرورات التعلم من خالل
تقديم التصوروالتصوراآلخرو اإلملام باملوضوع من زواياه املختلفة.
.2.2الذاكرة قصيرة املدى
يرى "العتوم" (العتوم .)2010( .ص ، )127:أن الذاكرة قصيرة املدى تحتل مكانة وسطى بين أنماط الذاكرة الحسية
والذاكرة بعيدة املدى ،حيث تستقبل معلومات إما من الذاكرة الحسية في طريقها إلى الذاكرة قصيرة املدى عبرمصفاة
( )filtreاالنتباه ،أو من خالل الذاكرة بعيدة املدى عندما يتم استدعاء مجموعة من املعلومات الخاصة بالخبرات
السابقة لتفعيل عمليات تسنين املعلومات الجديدة وتحليلها .وبناء عليه ،ترتبط الذاكرة قصيرة املدى بمجموعة من
األنشطة الذهنية التي تتطلب التخزين املؤقت للمعلومات ،وتعتبر الجهاز الخاص بتخزين املعلومات ومعالجتها أثناء
مسارات التعلم واالستنتاج والتفكير والفهم ( .)Atkinson,R.C. & Shiffrin,R.M. (1968). Pp :89-195كما تتميز
الذاكرة قصيرة املدى بمجموعة من الخصائص ،أهمها قدرتها املحدود على االحتفاظ باملعلومات ملدة زمنية جد
قصيرة ،ما لم يتم تكرارها أو معالجتها .وكذا طاقتها التخزينية التي قدرها "ميلر" () )Miller. (1958ما بين خمس وتسع
وحدات معرفية (أو رزمة . )Chunksكما أشارت بعض الدراسات (راجع :العتوم .)2010( .ص )127 :إلى أنه بمجرد
مروراملدة الزمنية املخصصة للذاكرة قصيرة املدى ،تتخذ املعلومات مسارين :إما يتم االحتفاظ بها في الذاكرة بعيدة
املدى ،شرط تركيزاالنتباه؛ ألن حدوث أي مشتتات لالنتباه خالل معالجة املعلومات في الذاكرة قصيرة املدى يؤدي إلى
إضعاف احتمالية معالجة املعلومة وتخزينها في الذاكرة بعيدة املدى ،أو يتم نسيانها.
تعتبر الذاكرة بعيدة املدى خزانا يضم كما هائال من املعلومات ،واملعارف ،والخبرات ،التي اكتسبها الفرد عبر مراحل
حياته املختلفة ،وهي ذات سعة غيرمحددة بكم معين من املعلومات ،حيث ال يمكن أن يصل الفرد إلى مرحلة في حياته
تصبح معه الذاكرة ممتلئة ،وال يستطيع استقبال املزيد ...كما أنها غير محددة بزمن معين في التخزين؛ حيث تبقى
املعلومات مخزنة فيها ما دام اإلنسان على قيد الحياة .تستمد الذاكرة بعيدة املدى معلوماتها من الذاكرة قصيرة
املدى ،كما تقوم الذاكرة بعيدة املدى بتزويد الذاكرة قصيرة املدى باملعلومات عند الحاجة إليها إلتمام عمليات
التسنين أثناء التعامل مع املثيرات الحسية الجديدة ،وملساعدة الفرد في مجموعة من املسارات املعرفية كالتفكير
والتعلم وحل املشكالت (راجع :العتوم .)2010( .ص.)132 :
لقد قسم الباحثون الذاكرة بعيدة املدى من حيث طبيعة املعلومات التي تحتويها ،معتمدين في ذلك على دراسة
مجموعة من الحاالت املرضية التي تصيب الذاكرة ،مما دفع إلى التمييزالوظيفي األولي بين شكلين من الذاكرة بعيدة
املدى ،أي الذاكرة التي تتضمن مسارات معرفية والذاكرة التي تعتبر ذات وظيفة آلية .وهو التقسيم الذي اعتمده كل
من "كوهن" ( )Cohenو"سكير" ( )Squireمن خالل التمييز بين الذاكرة الصريحة والذاكرة اإلجرائية أو التنفيذية
(" ، )Neal,J, Cohen et Larry R,Squire. (1980). Pp : 207-210إنه التقابل القائم على التمييز بين "معرفة أن"
( )Savoir queالذي يطابق معرفة واعية وواضحة باملعارف ،وبين املهارات ( )Savoir -faireوهي الكفاءة املكتسبة التي
يمكن أن تتمظهربدون وعي" (زغبوش.2008( .أ) .ص ،)42:حيث يحيل هذا التقابل في املفهومين ،ارتباطا بالتعلم ،على
التمييزبين تعلم املعارف الصريحة واملهارات ،وبين الكفايات التي تهدف إلى تحقيقها .وسنحاول فيما يلي الوقوف على
هذين التقسيمين مع تحديد املكونات الخاصة بكل منهما:
تضم الذاكرة اإلجرائية معلومات حول املهارات األدائية التي تعلمها الفرد من خالل املمارسة والخبرة ،وتسمى هذه
الذاكرة باإلجرائية؛ ألن طبيعة املعطيات املتوفرة فيها تحدد تسميتها ،حيث تسمح هذه الذاكرة بتحديد فعل أو
متوالية من األفعال ،وتشير بشكل آلي إلى السلوك الواجب تبنيه في وضعية معينة ،ومن ثـمة فإن املعلومات الخاصة
بهذا الجزء من الذاكرة تظهر على شكل سلوكات نقوم بها ،كالقراءة والكتابة" .فإذا كانت الذاكرة اإلجرائية مستقرة
على املستوى الزمني وغيرمتأثرة كثيرا بعامل السن ،فألنها تحتوي على معلومات ال يمكن للفرد التعبيرعنها إال بواسطة
سلوك معين"( .زغبوش .2008( .ب) .ص.)207:
تضم الذاكرة بعيدة املدى مجموعة من املعارف الصريحة التي تسمح بتمثل العالقات بين املواضيع واألحداث ،وهي
معلومات حول الخبرات ،والحقائق ،واملعارف ،التي تعلمها الفرد خالل مراحل حياته املختلفة .ويمكن للفرد النفاذ إلى
هذه الذاكرة من خالل ما سمع وما رأى ،لذلك سميت أيضا "ذاكرة معرفية" ،ألنها تضم معارف يمكن التعبير عنها
بواسطة كلمات أو تمثيل مصورن .وتنقسم الذاكرة الصريحة إلى "ذاكرة إبيزودية"؛ وتحتوي على معلومات خاصة
بالسيرة الذاتية للفرد وخبراته املاضية وفق تسلسل زماني ومكاني محدد .و"ذاكرة داللية"؛ وهي عصارة عدة إبيزودات
تمثل خالصة معنى املعارف والحقائق واملعلومات عن العالم املحيط بنا( .راجع :زغبوش.2008( .أ) .ص ص.)42-44 :
من خالل ما سبق يمكن القول إن الذاكرة اإلنسانية تنقسم ،من حيث قدرتها على االحتفاظ باملعلومات ،إلى ثالث
مكونات أساسية هي الذاكرة الحسية املرتبطة باملؤشرات الحسية السمعية والبصرية وغيرها من الحواس اإلنسانية،
وتسمح بنقل أربع إلى خمس وحدات معرفية وال تتجاوزسعتها الزمانية الثانية الواحدة بعد توقف املؤشرالحس ي .وهي
ذاكرة ال تقوم بأي نوع من املعالجة ،ثـم تليها الذاكرة قصيرة املدى والذاكرة بعيدة املدى ،اللتان تحدد النظر فيهما
باعتبارنوع املعطيات التي تضمانها .فالنسبة للذاكرة قصيرة املدى تتحدد املعلومات الصادرة إليها انطالقا من الذاكرة
الحسية ،حيث تقوم الذاكرة قصيرة املدى باالحتفاظ باملعلومات أو نسيانها ،إذ ال تتجاوزسعتها الزمانية ثـمانية عشر
ثانية ،وتقدر طاقتها التخزينية بأربع إلى خمس وحدات معرفية ،وتقوم هذه الذاكرة بتحويل املعلومات إلى الذاكرة
بعيدة املدى ،كما تقوم باستدعاء عديد من املعلومات من هذه األخيرة التي تعتبر خزانا كبيرا يضم كل املعارف
والخبرات التي تعلمها الفرد خالل حياته ،والتي تنقسم إلى ذاكرة إجرائية وأخرى صريحة .كما تنقسم هذه األخيرة إلى
إبيزودية وداللية .إن هذا التناغم القائم بين مكونات الذاكرة ،يدفع الباحث إلى التساؤل حول اآلليات املسؤولة عن
اشتغال هذه البنية ،وكذا عن املسارات املعرفية املنشطة أثناء هذا االشتغال.
من خالل سبق ،يتضح أن هذا التقسيم البنيوي ،للذاكرة ،يحيل على أهمية مختلف هذه البنيات ،في عملية التعلم،
إذ ال يتم التعلم بدونها .حيث تمكن كل بنية من تفعيل مسار التعلم وفق خصوصيتها ،خصوصا عندما يتعلق األمر،
بالعالقة املقررة بين الذاكرة قصيرة املدى ،والذاكرة البعيدة املدى ،باعتبارهما البنيتان املسؤولتان عن معالجة
املعلومات .مما يدفع الباحث إلى التساؤل عن اآلليات التي يتم تفعيلها أثناء مسار التعلم في مختلف هذه البنيات.
لذلك ،سنحاول فيما يلي ،رصد آليات اشتغال الذاكرة ،وخصوصا على مستوى العالقات التي يتم تفعيلها بين كل من
الذاكرة قصيرة املدى والذاكرة بعيدة املدى ،من أجل محاولة فهم هذه القدرة املعرفية العالية وربطها بالتعلم للخروج
بخالصات علمية مقبولة.
يلخص البراديغم ( )Paradigmeالعام لألبحاث حول الذاكرة ،املسارات املعرفية التي يتم تفعيلها أثناء اشتغال
الذاكرة في عالقة :بين مثيرواستجابة ،تمربموجبها املعلومات من املثيرإلى فاصل االحتفاظ عن طريق التسنين .تم تليها
عملية االسترجاع التي تتم من خالل الذاكرة بعيدة املدى أو ما يسمى في تصور())Tiberghien,G & Lecocq,P. (1983
بالذكرى .غيرأن هذه البساطة التي تلخص بموجبها العمليات الذاكروية في استقبال املعلومات ثـم استرجاعها ،دفعت
مجموعة من الباحثين إلى وضع تصورآخرتقسم بموجبه آليات اشتغال الذاكرة إلى آليات استقبال املعلومات ،وآليات
االحتفاظ بها ،وآليات استرجاعها" .فإذا كان التعلم يكمن في اكتساب تمثل للمحيط الطبيعي واالجتماعي الذي نعيش
فيه ،وتغييره عند الحاجة ،فإن التعلم سيصبح مستحيال دون تدخل مسارات معرفية أخرى تعمل على انتقاء
ْ
املعلومات الضرورية للتمثل والحفاظ عليها منشطة وتخزينها واسترجاعها" (زغبوش.2008( .أ) .ص .)47:لذلك ،فإن
نشاط أجهزة الذاكرة (بمفهومها العام سواء أكانت طبيعية أو اصطناعية) يمر عبر مجموعة من املراحل ،التي تحدد
في تزويد الجهاز باملعلومات ،وتوفير وسيلة لتخزين هذه األخيرة بشكل يسمح بالنفاذ إليها واسترجاعها .وتتميز هذه
املراحل بنوع من الترابط الذي يجعل كل تغيير يمس إحداها يؤثر على باقي املكونات ،ويمكن التمثيل للمسار القائم
تمثل الخطاطة رقم ( ،) 3أهم مكونات الذاكرة التي سبق أن قمنا بتحليلها فيما سبق ،كما توضح آليات اشتغالها.
وبناء عليه ،سنحاول فميا يلي تحليل هذه اآلليات التي توظفها الذاكرة في معالجتها للمعلومات.
:
الخطاطة رقم (:)3نموذج Atkinsonو Shiffrinلتمثيل هندسة الذاكرة وكيفية انتقال املعلومات فيها
ذهب مجموعة من الباحثين إلى اعتبارالذاكرة الحسية مكونا من مكونات الذاكرة كما أشرنا إلى ذلك سابقا ،غيرأنها
ال تقوم بأي نوع من املعالجة ،في حين أننا نقدم في هذا املقام التسجيل الحس ي باعتباره مسارا تخزن بواسطته
املعلومات في سجل ( )registreلفترة زمنية قصيرة ،ويخضع جزء منها فقط لالنتباه .وهو شرط أساس ي لتسجيل
املعلومات ،حيث يترتب عن هذا االنتباه عملية التسنين التي تحدد باعتبارها مجموعة من عمليات تحويل املعلومات
الحسية إلى تمثالت ذهنية مؤقتة أو دائمة .حيث إن تسنين املعلومات في الذاكرة قصيرة املدى يكون صوتيا أو بصريا،
أو تسنينا باملعنى .ومن خالل استحضار البحث الذي أنجزه (زغبوش.2008( .أ)) حول عدد من الدراسات ،يتضح أن
طبيعة التسنين تبقى متغيرا هاما في املعادلة التي تفيد أن كيفية تسنين املثير تحدد إمكانية حضوره في الذاكرة .فإذا
كانت املعلومات ترمز صواتيا في الذاكرة قصيرة املدى ،فإن تسنينها في ذاكرة العمل يمكن أن يكون صواتيا أو لسانيا
أو بصريا –مكانيا .تدفعنا هذه الخالصة ،إلى التفكير في مدى أهمية عمليتي االنتباه والتسنين باعتبارهما سيرورتين
معرفيتين أساسيتين في التعلم؛ فكلما كان انتباه املتعلم مركزا ،كلما ارتفعت قدرته على تسنين املعلومات .وكلما كان
التسنين في الذاكرة قصيرة املدى موجها لعناصر محددة في اللغة ،أثناء عملية التعلم ،كان تخزينها في الذاكرة بعيدة
املدى محققا بنفس الشكل .مما يعني أن توجيه انتباه املتعلم ملجموعة من املعارف أثناء التعلم يساعده في تخزينها
بشكل جيد ،ويساعده على استرجاعها بنفس القيمة .لقد ذهبت مجموعة من األبحاث 2إلى دراسة االنتباه باعتباره
عملية معرفية تؤدي مجموعة من الوظائف وتؤثر بشكل كبير على التعلم ،إما سلبا أو إيجابا .لقد برهنت بعض
الدراسات التجريبية 3على عالقة الذاكرة باالنتباه ،حيث تؤكد هذه األبحاث أنه كلما كان االنتباه موجها ،كلما كان
للمزيد من التفاصيل حور مسار االنتباه أنظرMarvin,M,C & Nicholas,B,T. (2007). : 2
تقوم الذاكرة بتخزين املعلومات وفقا ملقاس ( )Formatمحدد يسمح بالنفاذ إليها كيفما كان سياق البحث عنها
وغاياته .لكن ليس كل ما يتم تسنينه يخزن في الذاكرة بالضرورة ،ذلك أن مصير الجزء األكبر من املعلومات القادمة
من املحيط ،هو االختفاء والنسيان بشكل سريع .تفترض بعض األبحاث (راجع :زغبوش.2008( .أ) .ص )50:أن تخزين
املعلومات يكون أسهل إذا تعددت إسناداتها ،وتكون هذه اإلسنادات داخلية يمنحها الفرد من خالل ربط عالقات مع
معلومات متوفرة لديه من قبل ،كما قد تكون خارجية يحملها املثير نفسه .غيرأن تخزين املعلومات ال يضمن إمكانية
تذكرها في أية لحظة وال يفيد في توضيح كيفية االحتفاظ بها في الذاكرة .لذلك ينبغي التمييز في هذا املستوى ،بين
التخزين واالحتفاظ ،ذلك أن التخزين ال يفيد االحتفاظ باملعلومات ،إذ أن االحتفاظ عملية ترسيخ وتثبيت
يرتبط مفهوم االحتفاظ بالتعلم بشكل كبير ،حيث توصف آلية االحتفاظ بإعادة التعلم أو درجة التوفر ،والذي يشير
إلى أن املعلومات التي تعلمها الفرد في املاض ي تصبح قابلة للنسيان بعد فترة من الزمن وخصوصا مع غياب التدريب
والتثبيت .ومع ذلك فإن هذا االنخفاض في الذاكرة ال يعني أن املعلومات قد تم نسيانها أو فقدانها بالكامل من الذاكرة،
حتى وإن عجز الفرد عن تذكرها أو التعرف عليها .ولذلك أكدت بعض الدراسات أن إعادة التعلم بعد فترة من الزمن
تستغرق وقتا وجهدا أقل مما استغرقته في املرة األولى للتعلم ،مما يشير إلى وفر في التعلم والذاكرة املتوقع أن ينعكس
بانخفاض كمية الجهد والوقت الالزم للتعلم الالحق (راجع :العتوم .))2010( .لقد تم التمييز بين آليتين لالحتفاظ
بالذاكرة ،وهما :آلية التكرارالذهني؛ التي تخص الذاكرة قصيرة املدى ،وآلية التدعيم؛ الخاصة بالذاكرة بعيدة املدى.
ويتحدد مفهوم التكرار الذهني في كونه آلية لتنشيط املعلومات في الذاكرة قصيرة املدى ،قبل تالشيها ملدة تزيد عن
ثـمانية عشر ثانية ،وذلك من خالل الحفاظ على املعلومات منشطة في انتظار خضوعها للتسنين ،وانتقالها للذاكرة
بعيدة املدى ،أواندثارها كلية إذا كانت أهميتها ضئيلة مقارنة مع املعلومات الواردة .وتحيل آلية التدعيم على مجموعة
من العمليات التنشيطية التي يترتب عنها تو افق عال مع املحتوى السابق للذاكرة ،من خالل ربط عالقات بين التمثالت
الذاكروية الجديدة مع تلك املرمزة سابقا .لكن هذا ال ينفي كون عملية التدعيم قد تتطلب عمال معرفيا متكررا من
املراجعة الذهنية ،ولذلك فهو يعتبر آلية أساسية للحفاظ على توفر املعلومات املرمزة في الذاكرة بعيدة املدى (راجع:
زغبوش.2008( .أ) .ص .) 51:تدفعنا املعطيات السابقة إلى طرح التساؤل التالي:
-كيف يمكن استثـماراملعطيات املقدمة حول آليتي التكراروالتدعيم ،تربويا في العملية التعليمية التعلمية؟ علما بأن
أ .التوفرواالسترجاع
إن توفراملعلومات في الذاكرة شرط أساس ي السترجاعها ،ويرتكزالتوفرعلى عمليات التذكر ،واالستعمال القادرة على
استرجاع املعلومة املالئمة في أية لحظة ،الش يء الذي يدل على قوة التذكر وعلى دمج معلومات جديدة مع املعلومات
املتوفرة في الذاكرة ،وفق مجموعة من املقومات من بينها؛ وجود معلومات سابقة في الذاكرة .مما يسهل عملية
االحتفاظ بمعلومات جديدة .وترتبط قدرات التعرف ،وكذا التذكر -باعتبارهما إواليتين من إواليات االسترجاع -
باملعارف املتوفرة في ذاكرة الفرد والتي تختلف من شخص آلخر (راجع :زغبوش.2008( .أ) .ص.)54:
أما عملية االسترجاع ،فتشيرإلى إمكانية استعادة الفرد للمعلومات التي سبق له تخزينها .ويتوقف استرجاع املعلومات
على مدى قوة آثارالتذكراملوجودة في الذاكرة ،وعلى مستوى عالقة هذه اآلثارباالسترجاع .وتعتبرهذه العملية من بين
أكثرالعمليات تعقيدا على مستوى الذاكرة بعيدة املدى ،حيث إن كمية املعلومات التي تحتويها كبيرة ،ونوعيتها مختلفة
لدرجة تجعل من الصعب في كثيرمن املو اقف استرجاع املعلومات املناسبة التي تتالءم واملهمة املطلوبة.
ب .التذكروالتعرف
لقد تم التمييز بين إواليتين مختلفتين لالسترجاع هما التذكر والتعرف ،ويتم التمييز بينهما باعتبار التذكر مسار بحث
نشيط عن املعلومات ،ال تفترض وجود اتصال إدراكي بين املثيروالفرد ،كما يسمح التذكرباسترجاع املعلومات في غياب
املوضوع أو الحدث املقابل له في الو اقع .في حين يعتبر التعرف مسار معرفيا أكثر تعقيدا من التذكر .إذ نتمكن من
التعرف على معلومة ال نستطيع تذكرها بما في ذلك الكلمات( .راجع :زغبوش.2008( .أ) .ص.)55:
تفيد املعطيات التي قدمناها أعاله أن دراسة الذاكرة تنقسم إلى جزأين أساسين ،حيث يتحدد الجزء األول في دراسة
الذاكرة من حيث هي مجموعة من البنيات املختلفة (ذاكرة حسية ،ذاكرة قصيرة املدى ،ذاكرة بعيدة املدى) ،املرتبطة
بالسعة والقياس الزمني .ويتأسس الجزء الثاني على دراستها من حيث هي مجموعة من آليات االشتغال (آليات
استقبال املعلومات ،وآليات االحتفاظ بها ،وآليات استرجاعها ،وآلية النسيان .)4وكما أشرنا سابقا فإن أي دراسة
للذاكرة تعتمد جزءا دون آخر تعد دراسة قاصرة ،ألنه ال يمكن فهم البنية بدون آليات االشتغال ،ونقدم فيما يلي
نموذجا هندسيا للذاكرة اإلنسانية يروم مختلف البنيات واآلليات التي أشرنا إليها أثناء التحليل السابق (أنظر
الخطاطة رقم ( :)5.1تخطيط عام لهندسة الذاكرة وآليات اشتغالها حسب (زغبوش))2008( .
توضح الخطاطة ( ،)4تصورا نموذجيا عاما يجمع بين هندسة الذاكرة وآليات اشتغالها ،حيث تفيد العالمة أن
املعلومات قد تالشت من الذاكرة (زغبوش.2008(.أ).ص.)63:
4للمزيد من التفاصيل حول آلية النسيان أنظر :زغبوش.2008( .أ) .ص ص59-57 :
.4ذاكرة العمل
لقد أكدت بعض من األبحاث 5في السنوات األخيرة ،أن الذاكرة قصيرة املدى ليست مجرد خزان يتصف بمحدودية
السعة والزمن ،ألنها املسؤولة عن مجموعة من العمليات املعرفية الفاعلة (من بينها التعلم) في معالجة املعلومات.
وهي بذلك تشكل نظاما متكامال في الذاكرة وخصوصا في اتجاه معالجة املعلومات وتخزينها في الذاكرة بعيدة املدى
بشكل عام .فهي قادرة على زيادة سعتها ومدة معالجتها للمعلومات من خالل التدريب والتسميع والتسنين ،أو من خالل
تكرار املثير لفترات زمنية غير محددة .لقد اعتبرت الذاكرة قصيرة املدى حلقة وصل بين الذاكرة الحسية (باعتبارها
بنية وليس آلية) ،والذاكرة بعيدة املدى ألنهما يمدانها باملعلومات سواء من خالل البيئة الخارجية عن طريق الحواس،
أو من خالل الخبرات السابقة املخزنة في الذاكرة بعيدة املدى .وهو ما ذهب إليه البحث الذي قام به
"بادلي"( ، )Baddeley,A.D., & Hitch,G. (1974). Pp : 47–89حيث أكد على ضرورة تجاوزالتصورالذي يرى أن عمل
الذاكرة قصيرة املدى يتحدد في التخزين املؤقت للمعلومات بالشكل الذي تصل به إليها من املحيط الخارجي .ذلك أنها
تقوم بتخزين املعلومات الواردة من املثيرات وتقوم بمعالجتها ،وعن طريقها يتم استرجاع املعلومات من الذاكرة بعيدة
املدى .فلو أخذنا عملية معرفية معقدة كالتحقيق أو االستدالل ،أمكننا القول إن عمليات معرفية كهذه ال يمكن أن
تتحقق باالعتماد على قدرات التخزين املحدودة ،ألنها تتطلب مجموعة من التعليمات الخاصة باملعارف اآلنية
واملخزنة ،والنتائج الوسيطة لكل املعلومات املهمة .وهذه القدرات ال تتو افق مع قدرات الذاكرة قصيرة املدى.
لقد حاولت عديد من األبحاث خلق حدود بين الذاكرة قصيرة املدى وذاكرة العمل ومن بين أهم هذه األبحاث ما قدمه
"بادلي" و "هيتش" سنة 1974،حيث توصال إلى مجموعة من املعطيات التي توضح الفرق بين الذاكرة قصيرة املدى
وذاكرة العمل ،وذلك من خالل التمييز بين نوعين من املهام :تلك التي تتطلب تحويل املعلومات ،وأخرى تتطلب
املعالجة واالسترجاع من الذاكرة بعيدة املدى .وهو تمييزيشيرإلى بنيتين مختلفتين على مستوى الوظائف ،ويحيل على
نوعين مختلفين من الذاكرة .كما ذهب مجموعة من الباحثين إلى أبعد من ذلك ،حيث أشار "ستيرنبرغ"
() )Sternberg,R. (2003إلى كون ذاكرة العمل جزءا من الذاكرة بعيدة املدى ألنها تضم املعلومات التي تم استرجاعها
من الذاكرة بعيدة املدى وتعالج معلومات جديدة مخزنة في منطقة خاصة مؤقتا ،كما أنها تضم الذاكرة قصيرة املدى
التي تستقبل املعلومات من الذاكرة الحسية .لكن يبدو أن هذا التصور لم يقدم تفسيرات مالئمة ومقنعة ،خصوصا
على مستوى مصير التخزين املؤقت للمعلومات ،وكذا الكيفية التي يمكن أن تكون من خاللها ذاكرة العمل جزءا من
الذاكرة بعيدةاملدى .إن هذا االختالف القائم بين الذاكرة قصيرة املدى وذاكرة العمل سيعرف نوعا من الخمود
انطالقا من ظهور نماذج 6خاصة بذاكرة العمل ،والتي حاولت تفسير تجاوز مفهوم الذاكرة قصيرة املدى .وفي هذا
املستوى يؤكد "أندرسون" أنه "بالرغم من أن مفهوم الذاكرة قصيرة املدى الزال موجودا في صفحات أي كتاب في علم
5للمزيد من التفاصيل حول هذه األبحاث أنظرRossi, J,P. (2006). « Psychologie de la mémoire ». :
6من بين أهم النماذج التي قدمت حول وصف ذاكرة العمل نجد :نموذج /Baddeley1970-1986نموذج Case1985نموذج Pascual-
/
leon1987-1970
النفس املعرفي ،إال أنه ال أحد من علماء النفس املعرفي يقبله بخصائصه التقليدية ،وال أحد يعطيه الدور الكبير في
معالجة املعلومات أو فهم الذاكرة بخصائصه الضيقة" (.)Anderson,J. (1995). P :171
لقد تم اقتراح نماذج خاصة بذاكرة العمل من طرف عدد من الباحثين (مثال :نموذج ) ،Case,R.(1985و
نموذج) ،)Pascual-leon.(1987-1970الذين حاولوا تجاوز التصور الكالس ي للذاكرة قصيرة املدى .لكن من بين كل
هذه النماذج يعتبر النموذج الذي تم وضعه من طرف "بادلي" و"هيتش" سنة ،1974والذي طوره "بادلي" منذ سنة
،1986وحتى سنة ،2002من أبرز النماذج التي أوضحت عالقة ذاكرة العمل بتعلم اللغة ومعالجتها .كما يعتبر هذا
النموذج من أكثر النماذج مقبولية في األبحاث السيكولوجية نظرا ملا يتميز به من بساطة في التقديم ،وملا عرفه من
تأكيدات تجريبية ونورولوجية (راجع.) Roulin. J,L. (2006). P :291 :
يتكون نموذج "بادلي" لذاكرة العمل من منفذ مركزي ( )Administrateur centraleيتميز بسعة محدودة ،ويعالج
املعلومات في مختلف أشكالها (بصرية ،سمعية ،)...ويقوم هذا األخير بدور عام في مر اقبة املسارات االنتباهية
( )processus attentionnelsوتنظيمها .ويرتبط املنفذ املركزي بجهازين مساعدين هما الحلقة الفونولوجية ( La
)boucle phonologiqueاملسؤولة عن االحتفاظ ومعالجة املعلومات الفونولوجية املرتبطة باللغة ،واملذكرة
البصرية املكانية ( )agenda visuo-spatialالتي تقوم باالحتفاظ باملعلومات البصرية واملكانية ومعالجتها( .أنظر
الخطاطة رقم.)5
Hage,C., Charlier,B., & : (أنظر.)Baddeley. (1990.a)( نموذج ذاكرة العمل حسب:)5( الخطاطة رقم
Leybaert, J. (2006). P :103