Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 150

‫ت�أليف‬

‫ابن ال َع ِل ّ‬
‫ـي‬
‫النشرة الخامسة‬

‫حقوق النشر © ‪٢٠١٨‬م ابن العلي‬


‫جميع حقوق الطبع والنشر والتوزيع محفوظة‬
‫‪ISBN: 1724617265‬‬
‫‪ISBN-13: 978-1724617262‬‬

‫لمراسلة المؤلف عبر البريد ال�إ لكتروني‪:‬‬

‫‪ibnalali123@gmail.com‬‬
‫إ�هــداء‬
‫�إلى كل ال�أحرار الشجعان ‪،،‬‬
‫الذين �أعملوا عقولهم ‪،،‬‬
‫وصانوا ُحريّاتهم ‪،،‬‬
‫و�أنقذوا �أنفسهم من نِـيـر العبودية و ُذ ّل الاتِّباع ‪..‬‬
‫المحتويات‬

‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪12‬‬ ‫ال�سلام‬
‫الموقف من إ‬
‫‪14‬‬ ‫الظلم والعدالة المنقوصة‬
‫ال ِّر َسالة ‪14.....................................................‬‬
‫حاجز اللغة‪19..................................................‬‬
‫�إغواء ال�إ نسان ‪23................................................‬‬
‫العذاب ال�أخْ َروِي ‪25.............................................‬‬
‫الموا َطنة ‪28....................................................‬‬
‫قتل المرتد‪33...................................................‬‬
‫حقوق المر�أة ‪36.................................................‬‬
‫العبودية والرق ‪38................................................‬‬
‫ظلم الحيوان ‪41.................................................‬‬
‫‪44‬‬ ‫الجناية على العقل‬
‫تعطيل العقل وسلب الحرية‪44......................................‬‬
‫الغيـبـيـات ‪46...................................................‬‬
‫الخرافات وال�أساطير ‪48...........................................‬‬
‫منع ال�أسئلة‪51..................................................‬‬
‫‪54‬‬ ‫المغالطات‬
‫غياب ال�أدلة ‪54.................................................‬‬
‫دين ال ِفطرة ‪57..................................................‬‬
‫التحدي بالقر�آن‪59...............................................‬‬
‫الاستدلال بالمجهول ‪62..........................................‬‬
‫الحق المطلق ‪64................................................‬‬
‫وجود الله ‪66...................................................‬‬
‫الشعارات الزائفة ‪70..............................................‬‬
‫الرواية وال�إ سناد ‪73...............................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫عيوب القر آ�ن‬
‫التناقض ‪77....................................................‬‬
‫التحريف‪84....................................................‬‬
‫نقص البلاغة ‪88................................................‬‬
‫التفاهة والحشو‪93...............................................‬‬
‫ال�أخطاء اللغوية‪97...............................................‬‬
‫الاختلافات التاريخية ‪101.........................................‬‬
‫ال�أسبقية ‪103...................................................‬‬
‫كتاب ُغ ْفل‪105.................................................‬‬
‫‪107‬‬ ‫ال�سلام‬‫أ�خلاق إ‬
‫مبادئ ال�أخلاق ‪107.............................................‬‬
‫الدين المعاملة ‪110..............................................‬‬
‫الشتم والتحقير ‪112..............................................‬‬
‫احتقار ال�إ نسان ‪113..............................................‬‬
‫الانتهازية‪115...................................................‬‬
‫النرجسية ووهم التميز ‪116.........................................‬‬
‫الابتزاز العاطفي‪118..............................................‬‬
‫�أخلاق محمد‪120...............................................‬‬
‫‪123‬‬ ‫ال�سلام‬ ‫أ�خطاء إ‬
‫التعقيد والصعوبة‪123.............................................‬‬
‫النقص التشريعي ‪124.............................................‬‬
‫الجهاد ‪125....................................................‬‬
‫التكفير ‪127....................................................‬‬
‫الحدود والعقوبات‪128............................................‬‬
‫ال َم َحلِّـ َّيـة‪129...................................................‬‬
‫معاداة الفنون‪130................................................‬‬
‫منع التبنـِّي ‪132.................................................‬‬
‫الاستبداد ‪133..................................................‬‬
‫التقويم الهجري‪137..............................................‬‬
‫ال�أخطاء العلمية ‪139.............................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫الخاتمة‬
‫مقدمة‬
‫بــد�أت رحلتــي مــع ال�إ ســلام مــن �أرض محمــد ومــن علــى مقربــة مــن «بيــت اللــه‬
‫ـدت وترعرعــت‪ .‬وك�أي فتــى نش ـ�أ فــي فــورة مــا ُيســمى بالصحــوة‬ ‫الح ـرام» حيــث ُو لِـ ُ‬
‫ال�إ ســلامية(((‪ ،‬كنــت �أظــن ال�إ ســلام هــو الحــق المطلــق الــذي يجــب �أن َي ُعـ َّم ال�أرض‬
‫خضــع لــه النــاس‪ .‬لــم �أكــن �أتصـ ّور �أبــداً �أن يســاورني الشــك فــي هــذا الديــن‪ ،‬ولكنني‬
‫و َي َ‬
‫(((‬
‫‪-‬ويــا للمفارقــة‪� -‬أضــع اليــوم هــذا الكتــاب((( بيــن يديــك �أيها القــارئ الكريم!‬
‫قــد يبــدو تــرك الديــن �أمـراً غيــر منطقــي عنــد كثيــر مــن المســلمين‪ ،‬ولــذا يحاولــون‬
‫تفســيره كاضطـراب نفســي ن َتـ َـج عــن �أزمــة مــا‪� ،‬أو كان ِهـ َزام �أمــام شــهوات النفــس‪� ،‬أو‬
‫حتــى َك َل ْو َثـــة عقليــة �أ َل َّمــت بتــارك الديــن! فَــ ُه ْم يســتبعدون تمامـاً �أن يكــون تــرك الديــن‬
‫نتيجــة لق ـرار عقلانــي َمبنــي علــى �أســباب منطقيــة ومشــكلات حقيقيــة موجــودة فــي‬
‫ال�إ ســلام‪ .‬ومــن �أجــل هــذا الفهــم المغلــوط عنــد كثيــر مــن المســلمين‪ ،‬قــررت ســرد‬
‫خلاصــة تجربتــي التــي ُخضتهــا مــع الديــن ال�إ ســلامي بعقلــي ووجدانــي حتــى عرفــت‬
‫حقيقتــه‪ ،‬ثــم تخلّصــت منــه وخرجــت مــن ِر ْب َق ِتـ ِه‪.‬‬
‫وتجربتــي فــي الحقيقــة لــم تكــن صعبــة �أو مؤ لِمــة كمــا قــد يتص ـ ّور البعــض‪ ،‬بــل‬
‫الحـ َـذر! ذلــك �أن‬
‫كانــت ســهلة وممتعــة‪ ،‬و �إن اســتغرقت وقت ـاً طويــلاً وشــابها بعــض َ‬
‫ال�أفــكار والعقائــد المبنــي عليهــا ال�إ ســلام �أســهل مــن �أن تُمثِّــل عقبــة حقيقيــة �أمــام �أي‬

‫((( خلال العقدين ال�أول والثاني من القرن الخامس عشر الهجري ‪١٤2٠-١٤٠٠‬هـ‪.‬‬
‫((( عوضاً عن تسمية تحديثات الكتاب "طبعات"‪ ،‬فلقد استخدمت عبارة "نشرات" والتي �أراها‬
‫�أفضل لوصف �إصدارات كتاب �إلكتروني كهذا‪ .‬ويمكن متابعة جديد النشرات على صفحة الكتاب‬
‫في موقع ‪www.goodreads.com‬‬
‫((( ردة الفعل التقليدية لكثير من المسلمين عندما يسمعون �أو يقرؤون كلاماً كهذا تكون بقول‪:‬‬
‫الحمد لله على نعمة ال�إ سلام‪ ،‬اللهم يا ُمقلب القلوب ثبـّت قلوبنا على دينك!‬
‫‪-7-‬‬
‫ةمدقم‬

‫عقــل متجـ ّرد للحــق ومتخفــف مــن عــبء التقديــس‪ .‬والمتعــة التــي يشــعر بهــا المــرء‬
‫عنــد معرفــة حقيقــة كانــت خافيــة عنــه �أو عنــد اســتنتاج �أمــر يكشــف لــه تناقــض الديــن‬
‫تجعــل مــن رحلتــه مثيــرة وشيّـــقة‪.‬‬
‫هــذا الكتــاب ليــس محاولــة لتقديــم نقــد شــامل لل�إ ســلام‪ ،‬و �إنمــا هــو اســتعراض‬
‫ل�أهــم ال�أفــكار والمعلومــات والت�أمــلات الذاتيــة التــي قادتنــي �إلــى الت�أكــد مــن كونــه ديــن‬
‫بشــري‪ ،‬ومــن ثــم جعلتنــي �أتركــه بثقــة ويقيــن‪ .‬وهدفــي مــن الكتــاب مشــاركة تجربتــي‬
‫مــع �إخوانــي فــي اللغــة وال�أرض وال�إ نســانية َع ـ َّل �أن يجــد بعضهــم فيهــا مــا ُيصحــح‬
‫نظرتــه لل�آخريــن �أو َينفعــه فــي التخلّــص مــن الوهــم الــذي يعيشــه‪.‬‬

‫ولا �أفشــي س ـراً �إن اعترفـ ُ‬


‫ـت بصعوبــة وضــع كتــاب كهــذا وتوجيهــه للمســلمين‪،‬‬
‫وذلــك لعــدة �أســباب منهــا‪:‬‬
‫َاســة التــي تحيــط بال�إ ســلام ورمــوزه وتشــريعاته عنــد المســلم‪،‬‬ ‫‪ )١‬كثافــة هالــة ال َقد َ‬
‫وبالتالــي صعوبــة اخت ـراق هــذه الهالــة و �إقنــاع القــارئ بمــا يناقضهــا‪ .‬فال�إ ســلام بنــاء‬
‫ضخــم نشـ�أ علــى مــدى قــرون طويلــة‪ ،‬واجتهــد الكثيــرون مــن �أتباعــه فــي تلميعــه وســد‬
‫فجواتــه وجبــر نواقصــه‪ .‬كمــا �أن المســلم يســتخدم عقلــه التبريــري لمجابهــة �أي نقــد‬
‫للديــن‪ .‬ومــن هنــا نشـ�أت صعوبــة((( مخاطبــة المســلم بنقــد ال�إ ســلام‪ .‬ولقــد َحسـ ُ‬
‫ـمت‬
‫موقفــي مــن هــذا بطــرح مــا لــدي مــن �أفــكار دون الاســتماتة فــي محاولــة �إقنــاع القــارئ‬
‫بهــا‪ .‬بــل سـ�أعتمد علــى ذكاء القــارئ وفطنتــه‪ ،‬وسـ�أحاول اســتثارته لبــدء عمليــة جــدل‬
‫داخلــي يقــوم بهــا بنفســه‪ ،‬سـواء وقــت قـراءة الكتــاب �أو بعــد قراءتــه ولــو بســنوات حينمــا‬
‫يســتحضر فكــرة كان قــد قر�أهــا هنــا! فهــذا الح ـوار الداخلــي الــذي يقــوم بــه المؤمــن‬
‫ب ـ�أي ديــن هــو الســبيل ال�أنجــع ل�إ نــارة الطريــق �أمامــه وتبصيــره بالتَّي ـ ِه الــذي يتخبــط‬

‫((( الصعوبة هنا هي صعوبة �إيصال النقد �إلى المسلم من طرف خارجي‪ .‬و �إلا ف�إن نقض عقائد‬
‫ذكرت سابقاً‪ ،‬شريطة �أن ُيع ِمل ال�إ نسان عقله ويتخفف من غلواء التقديس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ال�إ سلام سهلة كما‬
‫‪-8-‬‬
‫ةمدقم‬

‫فيــه(((‪.‬‬
‫‪ )٢‬الســبب الثانــي لصعوبــة ت�أليــف هــذا الكتــاب هــو اختــلاف المرجعيــة بيــن‬
‫المســلم وغيــر المســلم فــي تعريــف المبــادئ والقواعــد العلميــة وال�أخلاقيــة وحتــى‬
‫اللغويــة‪ .‬فال�إ ســلام قــد صــاغ جــزءاً كبيـراً مــن عقليــة المســلمين ووضــع �أ ُس َسـ َـها وجعــل‬
‫معتقداتــه وتشــريعاته هــي المرجــع ال�أوحــد الــذي ينطلقــون منــه فــي تحليلاتهــم للواقــع‬
‫والماضــي‪ ،‬وحلولهــم للحاضــر والمســتقبل‪ .‬كمــا �أن ال�إ ســلام صــاغ جــزءاً كبيـراً مــن‬
‫اللغــة العربيــة �أيض ـاً‪ .‬واختــلاف المرجعيــة هــذا ُمشْ ـ ِك ٌل حقيقــي يمنــع التواصــل فــي‬
‫كثيــر مــن ال�أحيــان‪ ،‬وقــد ُيح ِيــل تحــاور المســلم مــع غيــره �إلــى حـوار ُطرشــان لا يســتفيد‬
‫منــه �أحــد! تخيــل معــي كيــف ســيكون الحــال فيمــا لــو اشــترك َبــنَّاؤون لديهــم �أدوات‬
‫قيــاس مختلفــة ال�أط ـوال ل�إ نشــاء مبنــى واحــد! ســوف لــن يتمكن ـوا مــن �إتمــام البنــاء‬
‫علــى النحــو المطلــوب حتــى ُي َو ِّحــدوا �أدوات القيــاس التــي يســتخدمونها‪� .‬إن عــدم‬
‫توحيــد المرجعيــة والاتفــاق علــى التعريفــات هــو بالضبــط مــا يجعــل الكثيــر مــن حـوارات‬
‫الدينييــن واللادينييــن تنتهــي دون جــدوى‪ .‬و �إن محاولــة توحيــد المرجعيــة والاتفــاق علــى‬
‫معانــي المصطلحــات والمبــادئ يتطلــب جهــداً كبيـراً يســبق الدخــول �إلــى �أي نقــاش‪.‬‬
‫وطلبـاً للاختصــار فــي هــذا الكتــاب‪ ،‬ف إ�نــي س�أشــير �إلــى المرجعيــات التــي �أنطلــق منهــا‬
‫والمعانــي والــدلالات التــي �أعنيهــا عنــد اســتخدامها كلمــا دعــت الحاجــة‪ .‬وذلــك فــي‬
‫محاولــة لت�أســيس �أرضيــة مشــتركة بينــي وبيــن القــارئ �أو علــى �أقــل تقديــر جعلــه يفهــم‬
‫ـت عليهــا هــذه الفكــرة �أو تلــك‪.‬‬‫القاعــدة التــي َبنيـ ُ‬
‫‪ )٣‬ســبب الصعوبــة الثالــث هــو التبايــن الشاســع بيــن المســلمين فــي مذاهبهــم وفــي‬
‫معرفتهــم بالديــن وحصيلتهــم مــن اللغــة العربيــة ونحــو هــذا‪ .‬وهــذا التبايــن يجعــل توحيــد‬

‫((( وهذا ما حصل معي‪ ،‬فلم �أتعرض لت�أثير خارجي مباشر �أو سبب وحيد قادني لترك الدين‪،‬‬
‫بل كان ال�أمر جدل داخلي وتف ّكر عميق وت�أمل مستمر في الدين مع بعض الاطلاع والقراءة عند‬
‫الحاجة‪.‬‬
‫‪-9-‬‬
‫ةمدقم‬

‫(((‬
‫الخطــاب لــكل هــذه الفئــات �أشــبه بالمســتحيل‪ .‬فالخطــاب الموجــه لطالــب العلــم‬
‫َس َي ْس َتشْ ِ‬
‫ــك ُل ُه المســلم العامــي(((‪ .‬والخطــاب الموجــه للمســلم العامــي َس َي ْس َت ْس ِ‬
‫ــخ ُف ُه‬
‫طالــب العلــم‪ .‬وســيقوم كل منهمــا باســتخدام مــا لا يعجبــه فــي نقــد مــا �أطرحــه ومحاولة‬
‫�إســقاطه‪ .‬فطالــب العلــم ســيقول‪ :‬يــا لضحالــة �أدلتــك وســخافة حججــك‪ ،‬انظــروا �أيهــا‬
‫المســلمون �إلــى عقــول هــؤلاء الملحديــن((( الحمقــى‪ .‬وســيقول العامــي‪ :‬لــو تركــت‬
‫عنــك الفلســفة ووســاوس الشــيطان وبقيــت علــى ال�إ ســلام لــكان خيــر لــك‪ ،‬ولكنــك‬
‫ســوف تعــرف الحقيقــة عندمــا تُل َقــى فــي نــار جهنــم! ا‪.‬ه‪ .‬وبمــا �أن ال�أمــر كذلــك‪،‬‬
‫ف إ�نــي س ـ�أحاول مســك العصــا مــن المنتصــف وطــرح �أفــكار متفاوتــة فــي العمــق مــع‬
‫اســتخدام لغــة محايــدة لا هــي بالمتق ِّعــرة ولا بالعاميــة‪ .‬ومــع هــذا‪ ،‬ف�أنــا �أفتــرض فــي‬
‫القــارئ �أن يكــون ُم ِل َّمــاً بالديــن ال�إ ســلامي بشــكل مبدئــي‪ ،‬وذلــك مــن حيــث النصوص‬
‫(الق ـر�آن والســنة) والعقائــد والتشــريعات والطوائــف‪� .‬إذ س�أشــير فــي كثيــر مــن ال�أحيــان‬
‫باقتضــاب لبعــض المســائل المتعلقــة بال�إ ســلام‪ُ ،‬مف َترِضـاً معرفــة القــارئ المســبقة بهــا‪.‬‬
‫ـرت حفيظتــه عنــد‬ ‫ـت مشــاعره �أو �أثـ ُ‬
‫هــذا‪ ،‬وليعذرنــي القــارئ المســلم فيمــا لــو َجرحـ ُ‬
‫تنــاول بعــض المواضيــع‪ .‬ف�أنــا علــى درايــة بالطريقــة التــي يفكــر بهــا المؤمــن((( حيــال‬
‫ـت مؤمنـاً يومـاً مــا! و�أعــرف �أن البعــض يغضــب مــن نقــد الديــن‪،‬‬ ‫مقدســاته‪ ،‬فلقــد كنـ ُ‬
‫و ُينـزِل ذلــك النقــد منزلــة الشــتم والتجريــح‪ ،‬و َي ُعـدُّه هجومـاً شــخصياً عليــه وانتقاصـاً لــه!‬
‫ولكننــي �أطلــب مــن القــارئ �أن ُيهـ ِّون علــى نفســه‪ ،‬و�أن يقـر�أ بعقليــة منفتحــة‪ ،‬و�أن يثــق‬
‫ثقــة تامــة �أننــي مــا قصــدت تجريحــه �أو الهجــوم عليــه‪ ،‬و �إنمــا قصــدي ممارســة النقــد‬

‫((( قد يكون من الخط�أ تصنيف الدين كـ ِ‬


‫«علم»‪ ،‬ولكني �أستخدم العبارات الشائعة �أحياناً حتى لا‬
‫يكون بيني وبين القارئ الكريم خلافاً على المصطلحات كما بينت سابقاً‪.‬‬
‫((( لا �أحب استخدام هذه اللفظة للحديث عن عموم الناس‪ ،‬ولكني س�أستخدمها للسبب السابق‪.‬‬
‫((( استخدمت عبارة الملحدين تماهياً مع الخطاب ال�إ سلامي‪ ،‬و �إلا ف�إن ليس كل لاديني هو‬
‫ملحد بالضرورة‪.‬‬
‫((( استخدام لفظ «المؤمن» على �إطلاقه في هذا الكتاب يعني غالباً المؤمن بال�إ سلام‪ ،‬وذلك‬
‫بحسب السياق‪.‬‬
‫‪- 10 -‬‬
‫ةمدقم‬

‫والتعبيــر عــن �آرائــي‪ .‬فكمــا �أن للمؤمــن بالديــن نقــد �أفــكار و�آراء ومقدســات ال�آ َخريــن‪،‬‬
‫فلل�آ َخريــن ذات الحــق �أيضـاً‪ .‬و �إن النقــد الموضوعــي ليــس رديفـاً للشــتم‪ ،‬فشَ ـتَّان بيــن‬
‫ال�أمريــن‪ ،‬و�أنــه لابــد ممــا ليــس منــه ُبـدُّ!‬
‫المؤلِّف ‪،،،‬‬
‫جدة ‪ -‬يوليو ‪٢٠١٨‬م‬

‫***‬

‫‪- 11 -‬‬
‫ال�سلام‬
‫الموقف من إ‬
‫قبــل الخــوض فــي نُقُــودات الديــن ومعضلاتــه‪� ،‬أود �أن �أبيّــن الموقــف الصحيــح‬
‫الــذي �أرى علــى ال�إ نســان العربــي فــي بدايــة القــرن الواحــد والعشــرين �أن َيقِ َف ـ ُه مــن‬
‫ال�إ ســلام‪� .‬إن ال�إ ســلام كمــا هــو معــروف متعــدد المذاهــب والفــرق‪ ،‬ولكنــي سـ�أركز فــي‬
‫هــذا الكتــاب علــى ال�إ ســلام الــذي نش ـ�أ ُت فــي َك َن ِف ـ ِه‪ ،‬وهــو ال�إ ســلام علــى مذهــب‬
‫�أهــل الســنة والجماعــة‪� .‬إن هــذا الديــن شــئنا �أم �أبينــا هــو جــزء مــن تاريخنــا وثقافتنــا‪ .‬لا‬
‫يســعنا �إنــكاره تمامـاً والتجــرد منــه بالكليّــة‪ .‬فهــو قــد صــاغ جوانــب كثيــرة مــن هويتنــا‬
‫وعاداتنــا‪ ،‬ولا يمكننــا اســتبدال كل ذلــك والبــدء مــن جديــد!‬
‫�إن علينــا النظــر �إلــى ال�إ ســلام ك إ�رث ثقافــي بنــاه �أجدادنــا‪ .‬هــو صنيعة بشــرية‪ .‬وك�أي‬
‫شــيء يصنعــه البشــر‪ ،‬فـ إ�ن فيــه الجيــد والســيئ‪ .‬فيــه مــا يمكننــا ال�أخــذ بــه والاســتمرار‬
‫عليــه ‪-‬و �إن كان قليــلاً‪ ،-‬مثــل الحــث علــى ال�إ حســان ومــكارم ال�أخــلاق والتحذيــر مــن‬
‫ســيئها‪ .‬فهــذه مشــتركات �إنســانية ومــن الجيــد وجــود �إطــار ثقافــي ونصوص �أدبية تُشـ ِّجع‬
‫النــاس علــى التمســك بهــا‪ .‬فكمــا �أن للصينييــن �أو للهنــود مثــلاً �أقـوال لحكمائهــم فــي‬
‫هــذا ال�إ طــار‪ ،‬فنحــن لدينــا مــا يماثلهــا �أو يتفــوق عليهــا ربمــا‪ .‬وعلينــا �أن نكــون فخوريــن‬
‫بهــذا ال�إ رث مــن الحكمــة وال�أخــلاق الــذي تركــه لنــا ال�أجــداد‪ .‬كمــا �أن علينــا التمــاس‬
‫العــذر ل�أولئــك ال�أجــداد فــي ربــط تلــك ِ‬
‫الح َكــم بال�آلهــة وال�أنبيــاء‪ ،‬فربمــا �أن زمانهــم‬
‫كان يحتــاج هكــذا ربــط لحــث النــاس علــى التمســك بمــا َي ْد ُعونهــم �إليــه والعمــل بــه‪.‬‬
‫ومــن الخطـ�أ �أن يتــرك ال�إ نســان ال�إ ســلام ثــم يتــرك معــه كل �أمــر حســن فيــه‪ ،‬نكايــة‬
‫بالديــن وانتقامـاً منــه! بــل علــى تــارك ال�إ ســلام �أن يعــرف �أن ال�إ ســلام صناعــة بشــرية‪،‬‬
‫و�أن مــا فيــه مــن �أمــور حســنة وجيــدة �إنمــا هــي قيــم ومشــتركات �إنســانية تــم وضعهــا‬
‫تمســك بهــا وعمــل وفــق مقتضاهــا‪ .‬فال�إ ســلام لــم‬ ‫ضمــن ال�إ ســلام‪ ،‬ولا يعيبــه لــو ّ‬

‫‪- 12 -‬‬
‫�����������������‬

‫يختــرع ال�أخــلاق �أو ال�إ حســان‪ ،‬وليــس ال�إ ســلام الوحيــد الــذي يمنــع الخيانــة والغــش‬
‫والســرقة مثــلاً‪ .‬لــذا فعلــى ال�إ نســان العاقــل اختيــار كل َح َســن والحفــاظ علــى كل مــا‬
‫هــو جيــد(((‪.‬‬
‫ال�أمــر ال�آخــر الــذي يجــب علــى ال�إ نســان العربــي التَّنبــه لــه هــو العــادات وال�أعـراف‬
‫العربيــة التــي تــم ربطهــا بالديــن وتســويقها كتشــريعات ثابتــة مــن عنــد ال�إ لــه‪ .‬ومثــال هــذه‬
‫العــادات مــا يختــص ببعــض الشــؤون الشــخصية والعلاقــات الاجتماعيــة‪ ،‬مثــل لبــس‬
‫الم ـر�أة وعلاقــة الرجــل بزوجتــه والوالــد ب�أبنائــه والجنســين ببعضهمــا ونحــو هــذا‪ .‬فهــذه‬
‫العــادات وال�أعـراف يجــب تحريرهــا مــن الديــن وكســر جمودهــا وجعلهــا ُعرضــة للتطــور‬
‫الاجتماعــي الطبيعــي؛ فيتــم �إبقــاء الجيــد و �إزالــة الــرديء وفــق مــا تقتضيــه المصلحــة‬
‫ويرغبــه النــاس‪ .‬ذلــك �أن �إقحــام الديــن فــي هــذه ال�أمــور يضــر ولا ينفــع‪ ،‬و ُيخلِّــف تبعات‬
‫نفســية واجتماعيــة واقتصاديــة ســيئة‪� .‬إنــه يخلــق صراع ـاً غيــر ضــروري داخــل �أنفــس‬
‫النــاس وضمــن العائــلات وعلــى صعيــد المجتمــع ككل‪ .‬وهكــذا ص ـراع لا يمكــن‬
‫للديــن الانتصــار فيــه فــي نهايــة المطــاف‪ ،‬وذلــك ل�أن رغبــات النــاس وضغوطــات الواقــع‬
‫�أقــوى مــن قــدرة الديــن علــى مقاومتهــا‪.‬‬
‫�أمــا الجانــب القبيــح مــن ال�إ ســلام والــذي يتعــارض مــع مــا وصلــت �إليــه البشــرية مــن‬
‫علــوم ومبــادئ‪ ،‬كالحريــات وحقــوق ال�إ نســان والقوانيــن الدوليــة والمكتشــفات الحديثــة‪،‬‬
‫فهــذا الجانــب يجــب علــى ال�إ نســان العربــي رفضــه ومناهضــة تطبيقــه فــي الحاضــر‬
‫والمســتقبل‪ ،‬والاعتــذار ع ّمــا فعلــه فــي الماضــي‪ .‬فالتمييــز الدينــي بيــن البشــر مثــلاً‬
‫يجــب �أن ينتهــي‪ ،‬وكذلــك دع ـوات الكراهيــة لغيــر المســلمين‪ ،‬والدع ـوات للحــروب‬
‫الدينيــة (الجهــاد)‪ .‬كمــا يجــب �أن تنتهــي عرقلــة ال�إ ســلام للعلــوم ال�إ نســانية والنظريــة‬
‫والتطبيقيــة‪ ،‬مثــل علــوم الاقتصــاد والاجتمــاع والبيولوجيــا والكونيــات‪.‬‬

‫((( يجادل بعض المسلمين في كون الدين هو المرجع الذي نش�أت منه ال�أخلاق‪ ،‬و�أنه بدون الدين‬
‫لا يمكن لل�إ نسان معرفة الخير من الشر ولا الجيد من السيئ!‬
‫‪- 13 -‬‬
‫الظلم والعدالة المنقوصة‬
‫على الرغم من كل الدعايات التي ُي َر ِّو ُج لها المسلمون‪� ،‬إلا �أن ال�إ سلام يعاني من‬
‫خلل ُبنـ َيوِي يجعله ناقص العدالة بل وظالماً في معاملته للناس‪ .‬وفي هذا الفصل‬
‫من الكتاب س�أستعرض بعض ملامح العدالة الناقصة التي يعاني منها هذا الدين‪.‬‬

‫۞ال ِّر َسالة‬


‫كان الشــك فــي صلاحيــة اســتخدام الرســالة((( �أو النبـ ّوة((( لتبليــغ الديــن مــن �أوائــل‬
‫الشــكوك التــي انتابتنــي حــول ال�إ ســلام‪ .‬فلقــد بــدا لــي �أنــه مــن غيــر العــدل �أن يرســل‬
‫اللــه رســولاً �إلــى مجموعــة صغيــرة مــن النــاس فــي مــكان وزمــان َمحدُو َديــن‪ ،‬ثــم يطلــب‬
‫مــن غيرهــم ال�إ يمــان بمــا �آمــن بــه �أولئــك! �إن «تكافــؤ الفــرص» مــن مبــادئ العدالــة‪،‬‬
‫ولــذا يلــزم معاملــة النــاس جميعـاً بال ِمثــل فــي هــذا المقــام‪ .‬فـ إ�ن كان �أولئــك القــوم ح ُظـوا‬
‫بفرصــة رؤيــة الرســول ومناقشــته ومشــاهدة معجزاتــه والت�أكــد مــن صدقــه وصحــة رســالته‪،‬‬
‫فلمــاذا لا يح َظــى غيرهــم بــذات الفرصــة؟‬
‫بــل �إن كان الرســول نفســه قــد ِ‬
‫حظـ َـي ب�أدلــة يقينيــة علــى صحــة رســالته‪ ،‬فلمــاذا‬
‫لا يحظــى غيــره مــن البشــر بتلــك ال�أدلــة �أيضـاً؟! فاللــه ‪-‬بحســب ال�إ ســلام‪ -‬قــد قـدّم‬
‫ال�أدلــة لمحمــد علــى صــدق رســالته‪ ،‬فـر�أى جبريــل وعــرج �إلــى الســماء مثــلاً‪ .‬و�أيضـاً‬
‫عندمــا شــك �إبراهيــم‪� ،‬أعطــاه اللــه دليــلاً حســياً‪ ،‬فطلــب منــه �أخــذ �أربعــة مــن الطيــر‪،‬‬

‫((( التطرق لمس�ألة «�إرسال ال�إ له ديناً للبشر» هنا لا يعني ال�إ قرار بضرورة وجود شيء كهذا‪ ،‬و �إنما‬
‫هو استخدام للفكرة الدينية ل�إ ظهار الخلل والتناقض الكامن فيها‪.‬‬
‫((( لا يعنينا الفرق بين الرسول والنبي هنا كثيراً‪ ،‬وقد �أستخدم �أي من التعبيرين لل�إ شارة �إلى وسيلة‬
‫تبليغ رسالة ال�إ له المفترض �إلى خلقه‪.‬‬
‫‪- 14 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫والقصــة معروفــة‪ .‬فلمــاذا يعطــي ال�إ لـ ُه ال ُمف َتــرض ال�أدلـ َة ل�أفـراد معدوديــن ويحــرم �أعــداداً‬
‫لا حصــر لهــا مــن البشــر؟!‬
‫عاملهــم جميعـاً‬‫�إن كان البشــر سواســية عنــد هــذا ال�إ لــه‪ ،‬فمــن المفــروض حينهــا �أن ُي ِ‬
‫بالمســاواة والعــدل‪ ،‬و�ألّا ُيم ِّيــز ويحابــي مجموعــة صغيــرة منهــم فقــط! ومــن هنــا يمكننــا‬
‫التســاؤل مســتنكرين عــن عدالــة �إرســال الرســل �إلــى البشــر‪:‬‬
‫ ‪-‬لمــاذا لــم يحـ َ‬
‫ـظ مــن عــاش �إبــان زمــن النبــوة وهــو فــي اليابــان �أو فــي‬
‫البيــرو بفرصــة مقابلــة الرســول محمــد؟‬
‫ـظ مــن ُو لِـ َد بعــد زمــن النبــوة بقرنيــن �أو ثلاثــة �أو تســعة‬
‫ ‪-‬لمــاذا لــم يحـ َ‬
‫قــرون بتلــك الفرصــة؟‬
‫(((‬
‫ ‪-‬لماذا لا نحظى نحن ولا من سي�أتي بعدنا بفرصة مشابهة �أيضاً؟‬
‫ـاس مــن فرصــة قــد َم َن َحهــا لبعضهــم فقــط! كمــا �أنــه‬
‫مــن الظلــم �أن َيحـ ِر َم ال�إ لـ ُه النـ َ‬
‫ـاس مجــرد تابعيــن وعالــة علــى مــا يصلهــم مــن �أخبــار‬ ‫مــن الظلــم �أن يجعــل ال�إ ل ـ ُه النـ َ‬
‫عــن رســوله الــذي عــاش فــي الزمــن البعيــد‪ .‬فـ إ�ن �آمــن �أجدادهــم �آمنـوا‪ ،‬و �إن لــم يؤمــن‬
‫�أجدادهــم لــم يؤمنـوا!‬
‫ثــم �إن كان ال�إ لــه يريــد مــن البشــر �أن يكون ـوا تبع ـاً لغيرهــم فــي مس ـ�ألة ال�إ يمــان‬
‫بــه‪ ،‬و�أن يعتمــدوا فقــط علــى الروايــات((( والقصــص وال�أخبــار التاريخيــة‪ ،‬فمــن يضمــن‬
‫لهــم �أن كل الوحــي الــذي جــاء بــه الرســول ســيصلهم كامــلاً وصحيحـاً لا زيــادة فيــه‬

‫((( يقول بعض السلفيين �إذا ما ُو ِج ُهوا بمثل هذا السؤال‪ :‬احمد ربك �أنك ُو لِد َ‬
‫َت مسلماً ولم َ‬
‫تلق‬
‫الرسول فلربما لن تؤمن به مثل كثيرين عاشوا في زمانه!‬
‫((( الروايات هنا لا تعني روايات ال�أحاديث فقط‪ ،‬بل تشمل القر�آن �أيضاً‪.‬‬
‫‪- 15 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ولا نقــص؟ لا يمكــن ضمــان هــذا و �إن ا َّدعــى المدَّعــون خــلاف ذلــك(((! بــل كيــف‬
‫يســتوثق النــاس بعــد زمــن النبــوة مــن وجــود الرســول فعــلاً‪ ،‬خاصــة مــع عــدم وجــود‬
‫�أدلــة ماديــة (�أركيولوجيــة) عليــه؟! فمــن يضمــن للنــاس �ألا يكــون هــذا الرســول مجــرد‬
‫شــخصية تاريخيــة وهميــة؟ �أو ربمــا كان موجــود كمصلــح اجتماعــي �أو كجــزء مــن‬
‫خديعــة سياســية قامــت بهــا دولــة قديمــة لتوســيع نفوذهــا‪ ،‬ومــع مــرور الزمــن وتراكــم‬
‫القصــص والحكايــات اكتســب صفــة النبــي! لا يمكــن للنــاس بعــد مئــات و�آلاف‬
‫الســنين القطــع يقين ـاً بشــيء!‬
‫الرســول لــم ي ـ�أ ِت ب�أمــر ه ّيــن �أو يســير‪ ،‬بــل جــاء للبشــر ‪-‬بحســب زعمــه‪ -‬برســالة‬
‫شــاملة تتدخــل فــي كل شــؤونهم الخاصــة والعامــة‪ ،‬وتحــدد مصيرهــم ال�أبــدي بعــد‬
‫المــوت �أيضـاً! وعليــه‪ ،‬فمــن حــق الجميــع رؤيــة هــذا الرســول والســماع منــه ومناقشــته‬
‫والت�أكــد مــن نبوتــه ب�أنفســهم‪ .‬فــلا يمكــن �أن ي�أتــي برســالة علــى هــذه الدرجــة مــن‬
‫ال�أهميــة‪ ،‬ثــم يعتمــد فــي تبليغهــا علــى مجــرد القصــص والحــكاوي والروايــات التاريخيــة‬
‫والتــي تُمثِّــل �أدنــى درجــات التوثيــق و�أكثرهــا شــكاً وريبــة!‬
‫ـت مــن بعــد التفكيــر فــي كل مــا ســبق �إلــى �أن �إرســال ال�إ لــه لرسـ ٍ‬
‫ـول‬ ‫لقــد خلصـ ُ‬
‫محــدود الزمــان والمــكان لا يمكــن �أن يكــون �أســلوباً عــادلاً ل�إ يصــال الديــن �إلــى‬
‫البشــر(((‪ .‬و�أن ال�إ لــه العــادل القــادر مــا كان ســيلج�أ لهــذه الطريقــة لتبليــغ دينــه‪ ،‬بــل‬
‫كان ســيجد طريقــة �أخــرى تتجــاوز حــدود الزمــان والمــكان‪ ،‬ويتــم مــن خلالهــا معاملــة‬
‫النــاس جميع ـاً بعدالــة وبمســاواة تليــق بحالــة كل فــرد منهــم‪.‬‬

‫((( قد يحاول المسلم الاستشهاد بعناية المسلمين بالروايات و�أسانيدها وما �إلى ذلك‪ .‬ولكن‬
‫حجته ستكون ضعيفة هنا ل�أن علم الحديث من العلوم الزائفة التي لا يمكن الركون �إليها والوثوق‬
‫بها‪ .‬ولقد قام «القر�آنيون» بجهد متميز في دحض �أسطورة الرواة وال�أسانيد (مع �أنهم لم يتجرؤوا على‬
‫التشكيك في روايات القر�آن واكتفوا بالتشكيك في روايات السنة!)‪ .‬وسنتطرق لهذه المس�ألة في فصل‬
‫«المغالطات»‪.‬‬
‫((( ال�إ سلام يتمادى كثيراً هنا ويقول �أ ّن محمداً رسولٌ �أيضاً لكائنات غيبية اسمها «الجن» بال�إ ضافة‬
‫للبشر!‬
‫‪- 16 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ولكــن‪ ،‬هــل كان لــدى «اللــه» خيــارات لتبليــغ دينــه للبشــر مــن غيــر �إرســال رســول‬
‫مــن جنســهم �إليهــم؟ لقــد حــدد القـر�آن ثــلاث طــرق محتملــة لتواصــل اللــه مــع البشــر‪،‬‬
‫َان لِ َبشَ ـ ٍر �أن ُي َكلِّ َمـ ُه اللَّـ ُه �إِ َّلا‪َ :‬و ْح ًيــا‪� ،‬أ ْو ِمــن َو َرا ِء ِح َجـ ٍ‬
‫ـاب‪� ،‬أ ْو‬ ‫وذلــك فــي قولــه‪َ :‬و َمــا ك َ‬
‫وحـ َـي بِ إِ� ْذنِـ ِه َمــا َيشَ ــا ُء ‪٥١‬۝ الشــورى‪ .‬و �إن كانــت هــذه ال�آيــة تعنــي تواصــل‬ ‫ُي ْر ِسـ َل َر ُســو ًلا َف ُي ِ‬
‫اللــه مــع ال�أنبيــاء تحديــداً‪� ،‬إلا �أنــه يمكننــا �أن نتســاءل‪ :‬لمــاذا لا يســتخدم اللــه �إحــدى‬
‫هــذه الطــرق للتواصــل مــع البشــر جميعـاً؟‬
‫لقــد اعتــرض النــاس فــي زمــن محمــد علــى نبوتــه‪ ،‬وقال ـوا‪َ :‬ل ـ ْو َلا أ�ن ـزِلَ �إِ َل ْي ـ ِه َم َلــكٌ‬
‫ـون َم َعـ ُه َن ِذيـ ًرا(((‪ .‬قــد لا تشــير هــذه ال�آيــة فــي الوهلــة ال�أولــى �إلــى اعتـراض النــاس‬ ‫َف َي ُكـ َ‬
‫علــى فكــرة النبــوة بحــد ذاتهــا و �إنمــا علــى صفــة النبــي‪ .‬ولكــن قــد ُيفهــم مــن ال�آيــة‬
‫رغبــة النــاس فــي مــلاك يرســله اللــه �إليهــم مباشــرة‪ .‬فكمــا �أرســل اللــه جبريــل �إلــى‬
‫محمــد‪ ،‬فلمــاذا لا يرســله �إلــى البقيــة؟ ولكــن هــذه الطريقــة قــد لا تكــون ملائمــة للتبليغ‬
‫العــام! ل�أن ظهــور مــلاك للنــاس جميع ـاً ســينفي عــن الديــن صفــة الاختيــار حينهــا‪،‬‬
‫وســيكون ال�إ يمــان حتمي ـاً �أو شــبه حتمــي‪.‬‬
‫و �إذا نظرنــا للطريقــة الثانيــة مــن طــرق تواصــل اللــه مــع البشــر‪ ،‬وهــي «الخطــاب‬
‫مــن وراء حجــاب»‪ ،‬ف إ�نهــا تعانــي ممــا تعانــي منــه الطريقــة �أعــلاه‪ .‬فمــن المفتــرض‬
‫�أن اللــه اختــار عــدم التواصــل المباشــر مــع خلقــه ل�أنــه يريــد اختبارهــم ورؤيــة هــل‬
‫ســيؤمنون بــه وهــو محتجــب خلــف �أســتار الغيــب �أم لا‪ .‬وعليــه‪ ،‬فـ إ�ن مخاطبتــه للنــاس‬
‫مــن وراء حجــاب لا تصلــح �أن تكــون طريقــة لتبليــغ الديــن للعمــوم‪ .‬وال�إ لــه اختــار‬
‫مخاطبــة موســى فقــط مــن وراء حجــاب ل�أنــه �أراد منــه �أن يؤمــن مباشــرة‪ .‬ولــو اتبــع‬
‫ذات ال�أســلوب مــع جميــع النــاس‪ ،‬ف إ�نهــم ســيؤمنون مباشــرة‪ ،‬وفــي هــذه الحالــة ينتهــي‬
‫الاختبــار وينتفــي الاختيــار ويصبــح ال�إ يمــان نوع ـاً مــن الفــرض وال�إ رغــام‪ ،‬وهــو مــا لا‬

‫((( ال�آيتان‪ ٣١ :‬الزخرف َو ‪ ٧‬الفرقان‪.‬‬


‫‪- 17 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫يريــده ال�إ لــه كمــا يزعــم ُر ُســله(((!‬


‫يبقــى لدينــا طريقــة �أخيــرة محتملــة ‪-‬بحســب القــر�آن‪ -‬لمخاطبــة اللــه للبشــر‪،‬‬
‫وهــي «الوحــي الشــخصي»‪ .‬واســتخدام الوحــي‪ ،‬الــذي يشــبه هنــا ال�إ لهــام �أو مخاطبــة‬
‫الضميــر لصاحبــه‪� ،‬أراه الخيــار ال�أفضــل مــن بيــن الخيــارات الثلاثــة‪ .‬فالوحــي متجــاوز‬
‫لحــدود الزمــان والمــكان‪ ،‬ويمكــن لل�إ لــه مــن خلالــه مخاطبــة كل شــخص((( بمــا يتـواءم‬
‫مــع عقلــه وثقافتــه‪ ،‬دون التجلــي لــه وكشــف حجــاب الغيــب‪ .‬فــلا يكــون هنــاك �إجبــار‬
‫علــى الاتبــاع‪ ،‬بــل تُم َنــح الفرصــة لــكل شــخص لكــي ُيع ِمــل عقلــه ويتبــع مــا يوحيــه‬
‫�إليــه «ضميــره النبــوي» �أو ُيرفضــه �إن �أراد‪ .‬وبذلــك يتحقــق الاختبــار والامتحــان وتُ َ‬
‫نجــز‬
‫العدالــة والمســاواة‪.‬‬
‫وقــد يقــول قائــل‪ :‬الوحــي الــذي تصفــه لا يصلــح لتبليــغ ديــن ضخــم ومتكامــل‬
‫كالديــن ال�إ ســلامي! ولكــن قائــل هــذا الــكلام َيفتــرِض �أن الديــن لابــد �أن يكــون‬
‫تفصيليـاً يتنــاول كل جوانــب الحيــاة‪ ،‬بينمــا هــذا ليــس ضروريـاً فــي الحقيقــة‪ .‬فالديــن‬
‫يمكنــه �أن يكــون َمب َدئِيـاً ومخــ َتصراً‪ُ ،‬يركــز علــى ال�أساســيات وقواعــد ال�أخــلاق والتعامل‪.‬‬
‫وســيتمكن ال�إ نســان �إن اســتجاب لهــذه ال�أســس و�آمــن بهــا‪� ،‬أن َيبنــي عليهــا نظام ـاً‬
‫حياتي ـاً ُيص ِلــح بــه دنيــاه و�آخرتــه‪ .‬فال�إ ســلام يزعــم �أن اللــه قــد وهــب ال�إ نســان العقــل‬
‫والقــدرة علــى التعلُّــم‪ ،‬وبالتالــي فب إ�مــكان هــذا ال�إ نســان وضــع التشــريعات التــي تحقــق‬
‫غايــات الديــن متــى مــا كان لديــه القاعــدة المناســبة لهــذا‪.‬‬

‫((( هذا التخفي والسرية التي يمارسها ال�إ له ال�إ براهيمي لا تدل �إلا على الخداع‪ ،‬و�أن رسله‬
‫المزعومين يستغلون وجوده المفترض ل�إ قناع الناس باتباعهم وال�إ يمان بالوهم! وال�إ سلام يح ّذر الناس‬
‫من المطالبة برؤية الله المتخفي هذا‪ ،‬و ُيذكّرهم ب�أن الله قد َصعق بني �إسرائيل و�أماتهم عندما طالبوا‬
‫۝ النساء‪ .‬بينما هو لم يعاقب موسى‬ ‫الص ِاع َق ُة بِ ُ‬
‫ظ ْل ِم ِه ْم ‪١٥٣‬‬ ‫برؤيته جهرة! َفقَالُوا �أ ِرنَا اللَّ َه َج ْه َر ًة َف�أ َخ َذ ْت ُه ُم َّ‬
‫۝‬ ‫عندما طلب رؤيته واكتفى بقول‪َ :‬لن َت َرانِي َو َل ٰ ِكنِ ان ُظ ْر �إِ َلى ا ْل َج َبلِ َف إ� ِِن ْاس َت َق َّر َم َكا َن ُه ف ََس ْو َ‬
‫ف َت َرانِي ‪١٤٣‬‬
‫ال�أعراف!‬
‫((( هذه الفكرة تطرق لها الفيلسوف جان جاك روسو في كتابه الق ّيم «دين الفطرة»‪.‬‬
‫‪- 18 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫�إن طريقـة �إبـلاغ الديـن لـكل شـخص بواسـطة الوحـي ال�إ لهـي المباشـر تليـق �أكثـر‬
‫باللـه القـادر علـى كل شـيء ‪-‬بحسـب العقيدة ال�إ سـلامية‪ .-‬فلماذا يحتـاج الله لملاك‬
‫يحمل كلامه �إلى رسـول؟ ولماذا يحتاج لرسـول يبلغ كلامه لمن حوله؟ ولماذا يحتاج‬
‫لـرواة يحملـون رسـالته �إلـى مـن بعدهـم؟ ولمـاذا يحتـاج لعلمـاء يشـرحون دينـه للعـرب؟‬
‫ولمـاذا يحتـاج لمترجميـن يترجمـون كتابـه لغيـر العـرب؟ �إن هـذا ُيظهـر ال�إ لـه بمظهـر‬
‫الضعيـف العاجـز المحتـاج لغيـره‪ ،‬بينمـا الوحي الشـخصي المباشـر ُيظ ِهـره بمظهر ال�إ له‬
‫العـادل القـادر علـى الوصـول �إلـى كل فـرد مـن خلقـه دونمـا وسـاطات! وهـذه الطريقـة‬
‫ليسـت بغريبـة علـى ال�إ سـلام! فلـدى هـذا الديـن فكـرة «الشـيطان» الـذي يوسـوس‬
‫لل�إ نسـان (�أي يخاطـب ال�إ نسـان مـن داخلـه)‪ .‬وعليـه‪ ،‬فطالمـا �أن الشـيطان يمكنـه‬
‫الوسوسـة لـكل �إنسـان فـي �أي زمـان ومـكان ومخاطبتـه مـن داخلـه بمـا يفهـم‪ ،‬فاللـه‬
‫‪-‬بحسـب المنطـق الدينـي‪ -‬ليـس عاجـزاً عـن هـذا‪ ،‬ويمكنـه مخاطبـة كل �إنسـان وحيـاً‪.‬‬
‫بـل �إن مخاطبـة ال�إ لـه لل�إ نسـان كمـا يفعـل الشـيطان سـتكون �أكثـر عـدلاً‪� ،‬إذ سـتجعل‬
‫المعركـة متكافئـة بيـن داعـي الخيـر (الوحـي) وداعي الشـر (الوسوسـة)‪ ،‬وال�إ نسـان يختار‬
‫ما يشـاء‪.‬‬
‫بقــي �أن �أقــول �إن رفــض مبــد�أ �إرســال اللــه ل ُر ُســلٍ مــن البشــر يقــود �إلــى رفــض كل‬
‫ديــن تــم تبليغــه بهــذه الطريقــة‪ ،‬سـواء كان ال�إ ســلام �أم غيــره‪ .‬فهــذه الطريقــة ظالمــة‪،‬‬
‫ولا يمكــن �أن تكــون طريقــة ال�إ لــه العــادل ‪-‬علــى افتـراض وجــوده‪.-‬‬

‫۞حاجز اللغة‬
‫س َب ِشــي ًرا َو َن ِذي ـ ًرا‬
‫يخاطــب الق ـر�آن محمــد ًا قائــلاً لــه‪َ :‬و َمــا أ� ْر َس ـ ْل َناكَ �إِلَّا كَافَّ ـ ًة لِّلنَّــا ِ‬
‫ـون ‪٢٨‬۝ ســب�أ‪� .‬إن ال�إ ســلام هنــا يتجاهــل حاجــز اللغــة تمام ـاً‬ ‫َو َل ٰ ِكـ َّـن �أ ْك َث ـ َر النَّــا ِ‬
‫س َلا َي ْع َل ُمـ َ‬
‫ويقفــز فــوق اختــلاف لغــات البشــر! فكيــف يدَّعــي ال�إ ســلام �أنــه للبشــر جميع ـاً ثــم‬
‫يخاطبهــم بلغــة واحــدة فقــط؟ وك�أنــه لا وجــود لحاجــز لغــوي بينهــم �أو �أنــه بــلا ت�أثيــر!‬

‫‪- 19 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫المشــكلة �أن الق ـر�آن نفســه يعتــرف بالحاجــز اللغــوي فــي �آيــات �أخــرى وت�أثيــر ذلــك‬
‫علــى الدعــوة‪ ،‬فنجــده يقــول مثــلاً‪َ :‬ف إِ�نَّ َمــا َي َّس ـ ْر َنا ُه بِ ِل َســانِ َك لِ ُت َبشِّ ـ َر بِـ ِه ا ْل ُمتَّ ِقيـ َـن َوتُن ـ ِذ َر‬
‫۝ الشــعراء‪ ،‬و�أيضـاً‪َ :‬وك َ َٰذلِـ َ‬
‫ـك �أ ْو َح ْي َنــا‬ ‫ـان َع َر بِــي ُّم ِبيــنٍ ‪١٩٥‬‬
‫ٍّ‬ ‫بِـ ِه َق ْو ًمــا لُّـدًّا ‪٩٧‬۝ مريــم‪ ،‬ويقــول‪ :‬بِ ِل َسـ ٍ‬
‫ـك قُ ْر�آ ًنــا َع َر بِ ًّيــا لِّ ُتن ـ ِذ َر �أ َّم ا ْل ُق ـ َرىٰ َو َمـ ْـن َح ْو َل َهــا ‪٧‬۝ الشــورى‪ .‬فمــاذا يريــد �إلــه ال�إ ســلام‬ ‫�إِ َل ْيـ َ‬
‫هنــا؟! هــل يريــد �أن يتنــازل البشــر جميعـاً عــن هويّاتهــم وحضاراتهــم ولغاتهــم (طوعـاً �أو‬
‫كرهـاً!) ويلتحقــون بالعــرب ويتعلمــون العربيــة مــن �أجــل ال�إ يمــان بكتــاب لــم ُي َرســل لهــم‬
‫ولا يــدرون مــا فيــه ابتــدا ًء!‬
‫�إن تجاهــل ال�إ ســلام لاختــلاف لغــات البشــر فيــه ظلــم لغيــر الناطقيــن بالعربيــة‪،‬‬
‫وذلــك باعتـراف القـر�آن نفســه‪ .‬فهــو قــد َي َّســر الرســالة و َبـ َّيــ َنها للعــرب ولــم ييســرها ويبينها‬
‫لغيرهــم‪ .‬وهــذا يعنــي �أن ال�إ ســلام ديــن عنصــري خــاص بالعــرب فقــط �أو �أنــه ديــن غيــر‬
‫عــادل‪ ،‬وبالتالــي ليــس مــن لــدن �إلــه عــادل وحكيــم كمــا يزعــم المســلمون‪.‬‬
‫قــد يحــاول البعــض التقليــل مــن ت�أثيــر حاجــز اللغــة مستشــهدين بالواقــع كــون‬
‫المســلمين مــن غيــر العــرب هــم ال�أكثريــة‪ .‬كمــا قــد يحاولــون التبريــر بالترجمــة و�أنهــا‬
‫تحــل مشــكلة حاجــز اللغــة‪ .‬وفيمــا يلــي سـ�أناقش هذيــن التبريريــن بنــوع مــن الاقتضاب‪.‬‬
‫ـان لا يعرفــون لغتهــا ال�أصليــة هــي الســمة ال�أبــرز فــي كل مــكان‪،‬‬
‫�إيمــان النــاس ب�أديـ ٍ‬
‫ف�أكثــر المســيحيين مثــلاً لا يعرفــون العبريــة ولا اللاتينيــة‪� .‬إن الغالبيــة الســاحقة مــن‬
‫المؤمنيــن بال�أديــان قــد ورث ـوا �إيمانهــم مــن �آبائهــم‪ ،‬ومعظمهــم منشــغلون بمعايشــهم‬
‫اليوميــة �أصــلاً ولا يعيــرون الديــن وتفصيلاتــه كثيــر اهتمــام‪ .‬بــل حتــى �إن �أجــداد هــؤلاء‬
‫عندمــا دخلـوا فــي ال�أديــان �أول مــرة �إنمــا دخلوهــا نتيجــة ظــروف سياســية �أو اقتصاديــة‬
‫فــي الغالــب ال�أعــم‪ ،‬ولــم يكــن دخولهــم فيهــا بعــد دراســة وتمحيــص وفهــم عميــق!‬
‫لقــد �أوجــد النــاس مراجــع دينيــة لهــم مــع مــرور الزمــن‪ ،‬وانتشــرت بينهــم معلومــات‬
‫عــن �أديانهــم بلغاتهــم‪ .‬ولكــن هــذا لا يعفــي ال�أديــان مــن ظلــم هــؤلاء حيــن وضعــت‬
‫بينهــم وبينهــا حاجــزاً وحرمتهــم مــن التعــرف عليهــا بلغتهــم ال�أم‪ ،‬وعا َم َل ْت ُهــم ‪�-‬أي‬
‫‪- 20 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ال�أديــان‪ -‬بتمييــز مجحــف حيــن �أجبرتهــم علــى بــذل مجهــود مضاعــف لتعلّــم لغتهــا‬
‫�إن �أرادوا فحصهــا ب�أنفســهم �أو الاســتزادة منهــا! وال�إ لــه ُمط َلــق ال ُقــدرة كان ســيجد حــلاً‬
‫لهــذه المعضلــة اللغويــة ويتيــح دينــه لجميــع خلقــه بلغاتهــم علــى قــدم المســاواة‪� .‬أمــا‬
‫البشــر فهــم عاجــزون عــن فعــل ذلــك‪ ،‬ولذلــك جــاءت ال�أديــان بلغــة واحــدة‪ ،‬وتركــت‬
‫عــبء تجــاوز حاجــز اللغــة علــى النــاس‪ .‬و �إن ســير ال�إ ســلام علــى ذات النهــج الظالــم‬
‫تجــاه غيــر الناطقيــن بالعربيــة يفضــح مصــدره البشــري‪.‬‬
‫�أمــا فيمــا يتعلــق بقــدرة البشــر علــى الترجمــة‪ ،‬و�أن هــذا يعفــي ال�إ لــه مــن مخاطبــة‬
‫خلقــه بلغاتهــم المختلفــة مباشــرة‪ ،‬فهــذا عــذر ســاقط مــن وجــوه‪ .‬فاعتمــاد ال�إ لــه علــى‬
‫�أهــل لغــة معينــة لترجمــة كلامــه يشــي بعجــزه عــن الوصــول �إلــى جميــع خلقــه‪ .‬ثــم �إن‬
‫الترجمــة تســتغرق وقت ـاً لتشــمل جميــع اللغــات‪ .‬فهــل ال�إ لــه يريــد حجــب نــور هدايتــه‬
‫عــن جــزء مــن خلقــه �إلــى حيــن ترجمــة كلامــه بلغــة هــؤلاء المحروميــن؟!‬
‫�إن الواقــع يخبرنــا بـ�أن ترجمــة القـر�آن لــم تشــمل جميــع لغــات ال�أرض حتــى اليــوم‪.‬‬
‫يترجــم �إليهــا القـر�آن �إلا فــي الســنوات ال�أخيــرة‪ ،‬مثــل ال�أوكرانيــة‬
‫و�أن بعــض اللغــات لــم َ‬
‫التــي لــم تحصــل علــى ترجمــة للقـر�آن �إلا فــي ســنة ‪٢٠١٥‬م((( فقــط! وحتــى الترجمــات‬
‫التــي تمــت فــي �أزمنــة ســابقة لــم تنتشــر بيــن الناس بســبب صعوبات تقنيــة �أو اقتصادية‪،‬‬
‫و �إنمــا انتشــرت اليــوم بعــد التطــور فــي وســائل الطباعــة والاتصــالات‪ .‬فهــل كان ال�إ لــه‬
‫ينتظــر ظهــور الطابعــات وشــيوع الكتــب وال�إ نترنــت حتــى يصــل هديـ ُه للنــاس؟!‬
‫ثــم هــل ســتكون ترجمــة القـر�آن معجــزة لغويـاً لغيــر العــرب مثلمــا �أن القـر�آن العربــي‬
‫معجــز للعــرب ‪-‬بحســب زعــم المســلمين‪-‬؟ المســلمون يقولــون �أن كلمــات الق ـر�آن‬
‫لا يمكــن ترجمتهــا و �إنمــا معانيــه فقــط! وهــذا يدخلنــا فــي معضــلات جديــدة! �أولاً‪،‬‬
‫لمــاذا يتنــازل ال�إ لــه عــن ال�إ عجــاز اللغــوي فــي الق ـر�آن مــع غيــر العــرب‪ ،‬مــع �أن هــذا‬
‫ال�إ عجــاز المزعــوم هــو مــن �أقــوى ال�أدلــة التــي يتمســك بهــا المســلمون العــرب علــى‬

‫((( المصدر‪https://bit.ly/2MNVLEr :‬‬


‫‪- 21 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫صحــة دينهــم!‬
‫وثاني ـاً‪ ،‬طالمــا �أن الترجمــة تكــون للمعانــي‪ ،‬فمــن يضمــن جــودة الترجمــة؟ وفيمــا‬
‫لــو �أخطـ�أ المترجمــون فــي �إيصــال وحــي ال�إ لــه‪ ،‬فمــن ســيتحمل ال�أضـرار الناتجــة عــن‬
‫�أخطائهــم؟ �أم �أن وســطاء الترجمــة هــؤلاء معصومــون مثــل ال�أنبيــاء؟!‬
‫وثالثـاً‪ ،‬لمــاذا يرســل ال�إ لــه ِدينـاً شــخصياً‪ ،‬ثــم يجعــل بيــن الشــخص والديــن وســطاء‬
‫مــن المترجميــن؟ هــل يريــد ال�إ لــه جعــل العلاقــة بينــه وبيــن عبيــده علاقــة مباشــرة �أم‬
‫علاقــة تتــم عبــر وســطاء؟‬
‫ومــن جهــة �أخــرى‪ ،‬فـ إ�ن لغــة القـر�آن صعبــة حتــى علــى العــرب‪ ،‬وتحتــوي كلمــات‬
‫غيــر عربيــة �أصــلاً‪ .‬ومحــاولات ق ـراءة الق ـر�آن باللغــة ال�آراميــة �أو الســريانية تشــير �إلــى‬
‫�أن كثيــر مــن القـر�آن تــم اســتعارته مــن تلــك اللغــات(((‪ .‬فلمــاذا اســتخدم القـر�آن هــذه‬
‫الكلمــات الغريبــة فــي حيــن كان عنــده بدائــل عربيــة لهــا؟ ولــو ا ّدعــى مدعــي �أنــه‬
‫اســتخدمها لكونهــا مع ّربــة ومشــهورة‪ ،‬فلمــاذا لــم يفهــم كثيــر مــن الصحابــة والمفســرين‬
‫بعــض �أو �أغلــب تلــك الكلمــات؟ هــل يريــد ال�إ لــه �إضــلال حتــى �أصحــاب اللغــة‬
‫ال�أصليــة التــي نــزل بهــا وحيــه؟ وفــي الحقيقــة‪ ،‬يبــدو �أن ال�إ لــه قــد حقــق م ـراده فــي‬
‫�إضــلال العــرب! فالعــرب لديهــم الكثيــر والكثيــر مــن تفاســير القـر�آن‪ ،‬والتــي تشــبه فــي‬
‫حقيقتهــا الترجمــات!‬
‫وفــي المحصلــة‪ ،‬ف ـ إ�ن مخاطبــة الخلــق جميعهــم بلغــة واحــدة فقــط هــي دلالــة‬
‫واضحــة علــى بشــرية هــذا الديــن ال�إ ســلامي‪ .‬و�أن محاولــة المســلمين تبريــر هــذا‬
‫القصــور فــي دينهــم لــن تجــدي نفع ـاً‪ ،‬فالشــق �أكبــر مــن الرقعــة كمــا ُيقــال!‬

‫((( يمكن للمهتم البحث عن التفسيرات السريانية للقر�آن‪ ،‬فمصادرها متوفرة على ال�إ نترنت‪.‬‬
‫‪- 22 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ال�نسان‬
‫۞ إ�غواء إ‬
‫َتب ُّجــح الق ـر�آن ب إ�غ ـواء النــاس ودفعهــم للضــلال ثــم معاقبتهــم علــى ذلــك هــو مــن‬
‫�أبــرز ملامــح الظلــم فــي ال�إ ســلام‪ .‬وفيمــا يلــي �أمثلــة مــن ال�آيــات فــي هــذا الســياق‬
‫وتعليقــات مختصــرة عليهــا‪:‬‬
‫ ‪�-‬إِ َّن اللّ ـ َه لاَ َي ْه ـ ِدي ا ْل َق ـ ْو َم ال َّظالِ ِميـ َـن ‪٥١‬۝ المائــدة‪ :‬يؤكــد اللــه هنــا علــى‬
‫�إغــلاق بــاب الهدايــة فــي وجــوه الظالميــن! فلمــن يفتحــه �إذاً �إن لــم‬
‫يفتحــه للظالميــن والعصــاة؟! ومــن الــذي هــدى غيــر المؤمنيــن الذيــن‬
‫دخل ـوا فــي ال�إ ســلام؟!‬

‫۝‬‫اب �ألِيـ ٌم ‪١٠٤‬‬


‫ـات اللّـ ِه لاَ َي ْه ِدي ِهـ ُم اللّـ ُه َو َل ُهـ ْم َعـ َـذ ٌ‬ ‫ ‪�-‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن لاَ ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫ـون بِ�آ َيـ ِ‬
‫النحــل‪ :‬و�أيضـاً هنــا نجــد �أن اللــه لــن يهــدي الذيــن لا يؤمنــون ب�آياتــه!‬
‫ومــرة �أخــرى نسـ�أل مــن ســيهدي اللــه �إن لــم يهـ ِد غيــر المؤمنيــن؟!‬
‫۝ البقــرة‪ :‬وتتكــرر ذات ال�أســئلة هنــا!‬ ‫ ‪َ -‬واللّـ ُه لاَ َي ْهـ ِدي ا ْل َقـ ْو َم ا ْل َكافِرِيـ َ‬
‫ـن ‪٢٦٤‬‬
‫هــل يهــدي اللــه المؤمنيــن فقــط؟ ومــن يهــدي الكافريــن ويجعلهــم‬
‫يدخلــون فــي الديــن‪ ،‬اللــه �أم غيــره؟!‬

‫ ‪َ -‬و َمــن ُيــ ِر ْد �أن ُي ِضلَّــ ُه َي ْج َعــ ْل َصــ ْد َر ُه َ‬


‫ض ِّيقــاً َح َرجــاً ‪١٢٥‬‬
‫۝ ال�أنعــام‪ :‬اللــه‬
‫يتقصــد شــخصاً بالضــلال‪ ،‬ثــم يضيــق عليــه حياتــه ومعيشــته‪ .‬وبعــد‬
‫موتــه يقــوم بتعذيبــه! هــل هــذا مــن العــدل؟! حاشــا وكلا!‬
‫۝ المائــدة‪ :‬حتى الفاســقين لا يهديهم‬ ‫ين ‪١٠٨‬‬ ‫ ‪َ -‬واللّـ ُه لاَ َي ْهـ ِدي ا ْل َقـ ْو َم ا ْلف ِ‬
‫َاسـ ِق َ‬
‫اللــه! بــل يجعلهــم فاســقين طـوال حياتهــم‪ ،‬ثــم يقــوم بمعاقبتهــم علــى‬
‫شــيء �أجبرهــم هــو عليــه! عبــث!‬
‫ ‪َ -‬و َمــن ُي ْض ِلـ ْل اللَّـ ُه َف َمــا َلـ ُه ِمـ ْـن َهــا ٍد ‪٢٣‬۝ الزمــر‪ :‬اللــه يضــل النــاس ويمنــع‬

‫‪- 23 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫عنهــم الهدايــة‪ .‬ولــو لــم يرفــع الضــلال عنهــم‪ ،‬ف إ�نــه ســيعذبهم! ذات‬
‫الظلــم يتكــرر!‬
‫ ‪�-‬أ َلـ ْم َتـ َر �أنَّــا �أ ْر َسـ ْل َنا الشَّ ـ َي ِاط َين َع َلــى ا ْل َكافِرِيـ َـن َت ُؤ ُّز ُهـ ْم �أ ًّزا ‪٨٣‬۝ مريــم‪ :‬بــدلاً‬
‫مــن �أن ييســر اللــه الرحيــم ‪-‬بزعمهــم‪ -‬ســبل الهدايــة للخلــق‪ ،‬ف إ�نــه‬
‫يرســل الشــياطين عليهــم لتزيــد غوايتهــم وفســادهم فــي ال�أرض!‬
‫ِص َع َلـى ُهدَا ُهـ ْم فَـ إِ� َّن اللّـ َه لاَ َي ْهـ ِدي َمـن ُي ِضـ ُّل َو َمـا َل ُهـم ِّمـن‬
‫ ‪�-‬إِن َت ْحـر ْ‬
‫ِيـن ‪٣٧‬۝ النحـل‪ :‬وحتـى مـع حـرص النبـي علـى هدايـة الضالين‪ ،‬ف إ�ن‬ ‫ن ِ‬
‫َّاصر َ‬
‫اللـه يمنـع عنهـم الهدايـة! هـل هـذا �إلـه عـادل؟ �أم �أن هـذه ال�آية مجرد‬
‫عـذر لتبريـر فشـل محمـد فـي �إقنـاع النـاس بدينـه؟ هـذا مـا �أظنه!‬

‫و�أختــم ال�أمثلــة بهاتيــن ال�آيتيــن مــن ســورة يونــس‪:‬‏‏�إِ َّن الَّ ِذيـ َـن َح َّقـ ْ‬
‫ـت َع َل ْي ِهـ ْم َك ِل َمـ ُة‬
‫اب ا ْل�ألِي ـ َم ‪٩٧‬۝‪ .‬فهــل َث َّمــة‬ ‫ـك َلا ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫ـون ‪٩٦‬۝ َو َل ـ ْو َجا َء ْت ُه ـ ْم ُك ُّل �آ َي ـ ٍة َحتَّـ ٰـى َي ـ َر ُوا ا ْل َعـ َـذ َ‬ ‫َربِّـ َ‬
‫تبريــر ُمق ِنــع ل�إ رادة �إضــلال ال�إ نســان القهريــة الظاهــرة فــي هاتيــن ال�آيتيــن‪ ،‬ورغبــة الانتقــام‬
‫منــه لكونــه لــم يـ�أ ِت علــى هــوى محمــد؟ وال�إ جابــة هــي‪ :‬لا‪ ،‬ليــس ثمــة تبريــر منطقــي‬
‫وعقلانــي لهــذا الظلــم!‬
‫اجتهــد المســلمون بالطبــع قديمـاً وحديثـاً فــي محاولــة تبريــر هــذه ال�آيــات الظالمــة‪.‬‬
‫وتحججـوا بحجــج كثيــرة منهــا القضــاء والقــدر وال�إ رادة الكونيــة والشــرعية وغيرهــا‪ .‬كمــا‬
‫اســتخدم المســلمون تناقــض الق ـر�آن فــي �آيــات �أخــرى تدعــو للرحمــة وتنســب العــدل‬
‫للــه لتبريــر ال�آيــات الظالمــة والمجحفــة فــي حــق ال�إ نســان‪ .‬وقالـوا يجــب الجمــع بيــن‬
‫ال�آيــات وعــدم ال�أخــذ بمفرداتهــا‪ .‬ولجــؤوا �أيضــاً ل�إ ســكات المتســائلين‪ ،‬وقالــوا �إن‬
‫ـك ِمـ َـن اللَّـ ِه شَ ـ ْي ًئا �إ ِْن‬
‫الخلــق ُم ْلــكٌ للــه يفعــل بهــم مــا يشــاء‪ ،‬بدليــل قولــه‪َ :‬ف َمــن َي ْم ِلـ ُ‬
‫ض َج ِمي ًعــا ‪١٧‬۝ المائــدة!‬ ‫ـيح ا ْبـ َـن َم ْر َيـ َم َو�أ َّمـ ُه َو َمــن فِــي ا ْل�أ ْر ِ‬
‫ـك ا ْل َم ِسـ َ‬
‫�أ َرا َد �أن ُي ْه ِلـ َ‬
‫�إن جميــع هــذه المحــاولات البئيســة فــي ترقيــع هــذا الظلــم الصــارخ فــي القـر�آن لا‬

‫‪- 24 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫تجــدي نفعـاً‪ .‬ولــو حــاول المســلم النظــر فــي القـر�آن بتجــرد وحيــاد‪ ،‬فســيرى بوضــوح �أن‬
‫ال�آيــات التــي يمنــع اللــه فيهــا الهدايــة عــن خلقــه �إنمــا هــي �آيــات تبــرر فشــل محمــد‬
‫فــي الدعــوة((( بطريقــة غيــر مباشــرة‪ ،‬وتُل ِقــي باللائمــة علــى اللــه ‪-‬المزعــوم‪ -‬الــذي قــرر‬
‫عــدم هدايــة النــاس! كمــا �أنهــا �آيــات انفعاليــة‪ ،‬تُنــفِّس عــن غضــب بشــري تجــاه �أفـراد‬
‫�أو جماعــات مــن المعارضيــن والمنافســين‪ ،‬ولا علاقــة لهــا ب إ�لــه مطلــق العــدل والرحمــة‬
‫والحكمة!‬

‫۞العذاب ال� أ ْخ َروِي‬


‫�إن الناظــر فــي ال�إ ســلام بِتم ّعــن وشــمولية يــرى �أنــه ديــن ملتبــس وغيــر واضــح‪،‬‬
‫تتعــدد مذاهبــه وتفســيراته وت�أويلاتــه‪ ،‬وتكثــر فيــه الاختلافــات والعــداوات‪ .‬كمــا تحــوم‬
‫حــول �أصلــه ومنشـ�أه العديــد مــن الشــكوك والاســتفهامات‪ .‬فـ إ�ن كان الحــال كذلــك‪،‬‬
‫فالسـؤال يكــون‪ :‬لمــاذا يرســل ال�إ لــه دينـاً مضطربـاً كهــذا ثــم يعــذب بالنــار مــن لا يؤمــن‬
‫بــه؟‬

‫�ألــم يكــن مــن ال�أكثــر عــدلاً �أن يرســل ال�إ لــه دينـاً واضحـاً قاطعـاً لا َل ْبـ َ‬
‫ـس فيــه ولا‬
‫شُ ـ ْب َهة‪ ،‬ثــم بعــد ذلــك يعاقــب مــن لا يؤمــن بــه؟ فالعقوبــة علــى عــدم ال�إ يمــان تحتــاج‬
‫جلــي َبيِّــن لا ِجــدَال فيــه ولا شــك ‪-‬علــى ال�أقــل عنــد الغالبيــة مــن‬ ‫لديــن واضــح ّ‬
‫البشــر‪ .-‬ومــن غيــر هــذا الوضــوح‪ ،‬ف إ�نــه لا يمكــن «�إقامــة ال ُح َّجــة» علــى ال�إ نســان‪،‬‬
‫وبالتالــي لا تجــوز معاقبتــه‪.‬‬

‫((( محمد لم يستطع �إقناع سوى القليل من ال�أفراد في مكة حينما كان يحاول استمالة الناس‬
‫بالكلام المسجوع والوعد والوعيد ال�أخروي‪ .‬ولقد زاد �أتباعه في المدينة حينما �أصبح �أكثر واقعية‬
‫واستخدم القوة في الاستيلاء على ال�أراضي والغنائم والسبايا والعبيد! قال الشاعر‪:‬‬
‫وخطــاب‬
‫ُ‬ ‫جــانب‬
‫ٌ‬ ‫دعا المصطفـى دهـ ًرا بمكة لم ُي َجب وقــد لان منـه‬
‫فلمــا دعـــا والســيف َص ْل ٌ‬
‫ــت بكفّـــه لــه �أســـلموا واستســـلموا و�أنــابوا‬
‫‪- 25 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ومــن جهــة �أخــرى‪ ،‬لمــاذا يعــذب اللــه غيــر المؤمنيــن عذابـاً �أبديـاً بالنــار! �إن جهنــم‬
‫كمــا يصفهــا ال�إ ســلام هــي عقوبــة شــنيعة وعــذاب وحشــي دائــم لا ينقطــع‪ ،‬يقــول‬
‫ـت ُج ُلو ُد ُهــم‬ ‫الق ـر�آن مثــلاً‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن َك َف ـ ُروا بِ�آ َياتِ َنــا َس ـ ْو َف نُ ْص ِلي ِه ـ ْم َنــا ًرا ُكلَّ َمــا َن ِض َجـ ْ‬
‫اب ‪٥٦‬۝ النســاء‪ ،‬ويقــول �أيضـاً‪� :‬إِنَّــا �أ ْع َت ْد َنــا لِلظَّالِ ِميـ َـن‬ ‫َب َّد ْل َنا ُهـ ْم ُج ُلــو ًدا َغ ْي َر َهــا لِ َي ُذوقُـوا ا ْل َعـ َـذ َ‬
‫ـاط بِ ِه ـ ْم ُس ـ َرا ِدق َُها ۚ َو �إِن َي ْس ـ َت ِغيثُوا ُيغَاثُـوا بِ َمــا ٍء كَا ْل ُم ْه ـ ِل َيشْ ـوِي ا ْل ُو ُجــو َه ۚ بِ ْئـ َ‬
‫ـس‬ ‫َنــا ًرا �أ َحـ َ‬
‫اب َو َســا َء ْت ُم ْر َت َف ًقــا ‪٢٩‬۝ الكهــف‪ .‬وهــذا العــذاب الفظيــع هــو علــى مجــرد فكــرة لــم‬ ‫الشَّ ـ َر ُ‬
‫يقتنــع بهــا ال�إ نســان! و �إنــه مــن المقــرر عنــد العقــلاء والمنصفيــن عــدم ج ـواز معاقبــة‬
‫ال�إ نســان علــى عــدم اقتناعــه بفكــرة �أو ب ـر�أي‪ .‬فكيــف يريــد �إلــه ال�إ ســلام معاقبــة غيــر‬
‫المؤمنيــن بــه علــى شــيء رفضتــه عقولهــم ب إ�خــلاص؟! �إن مــن يعاقــب ال�إ نســان علــى‬
‫عــدم اقتناعــه بديــن لا يمكــن �أن يكــون �إله ـاً عــادلاً‪.‬‬
‫ثــم ولــو سـلَّمنا جــدلاً بـ�أن ال�إ نســان يســتحق العقــاب علــى عــدم ال�إ يمان بال�إ ســلام‪،‬‬
‫فلمــاذا تتــم معاقبتــه �أبــد ال�آبديــن؟! هــل ال�إ نســان الــذي عــاش فــي الدنيــا وهــو غيــر‬
‫مؤمــن لســبعين �أو ثمانيــن �أو حتــى مئــة وعشــرين ســنة يســتحق عقوبــة ســرمدية لا‬
‫تنتهــي؟! مليــارات ومليــارات الســنين مــن العــذاب المســتمر! �إن مقــدار العقوبــة هنــا لا‬
‫يتناســب مطلق ـاً مــع ال ُجــرم المفتــرض‪ ،‬وهــذا ظلــم لا يمكــن تبريــره‪.‬‬
‫ومــن الظلــم الواقــع فــي ال�آخــرة بحســب الشــريعة ال�إ ســلامية تحميــل البعــض وزر‬
‫البعــض ال�آخــر دون مسـ ّوغ مقبــول‪ .‬فنجــد فــي القـر�آن �آيــات مثــل‪َ :‬و �إِذَا ِقيـ َل َل ُهــم َّمــاذَا‬
‫۝ لِ َي ْح ِم ُلـوا �أ ْو َزا َر ُهـ ْم كَا ِم َلـ ًة َيـ ْو َم ا ْل ِق َيا َمـ ِة َو ِمـ ْـن �أ ْو َزا ِر‬ ‫ـاطي ُر ا ْل�أ َّو لِيـ َ‬
‫ـن ‪٢٤‬‬ ‫�أنـ َزلَ َربُّ ُكـ ْم قَالُـوا �أ َسـ ِ‬
‫الَّ ِذيـ َـن ُي ِضلُّو َن ُهــم بِ َغ ْيـ ِر ِع ْلـ ٍم ‪٢٥‬۝ النحــل‪ ،‬فمــن �أجــل �أن البعــض لــم يقتنــع بالقـر�آن و َو َص َفـ ُه‬
‫كمــا يـراه (�أســاطير ال�أوليــن) �أصبــح مجرمـاً فــي نظــر ال�إ ســلام وعليــه �أن يحمــل وزر كل‬
‫مــن يقــول بمثــل قولــه‪ ،‬وك�أنــه هــو المســؤول ع ّمــا يعتقــده ال�آخــرون ومــا يقولونــه!‬
‫ـت‬‫�آيــة ظالمــة �أخــرى نجدهــا فــي ســورة ال�أعـراف‪َ :‬قــالَ ا ْد ُخ ُلـوا فِــي �أ َمـ ٍم َقـ ْد َخ َلـ ْ‬
‫س فِــي النَّــا ِر ۖ ُكلَّ َمــا َد َخ َلـ ْ‬
‫ـت �أ َّمـ ٌة لَّ َع َنـ ْ‬
‫ـت �أخْ َت َهــا ۖ َحتَّـ ٰـى �إِذَا‬ ‫ِمــن َق ْب ِل ُكــم ِّمـ َـن ا ْل ِجـ ِّـن َوا ْل إِ�نـ ِ‬

‫‪- 26 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ـت �أخْ َرا ُهـ ْم لِ�أو َلا ُهـ ْم َربَّ َنــا َهـ ُؤ َلا ِء �أ َضلُّو َنــا َف�آتِ ِهـ ْم َع َذا ًبــا ِض ْع ًفــا‬
‫ا َّدا َر ُكـوا فِ َيهــا َج ِمي ًعــا قَا َلـ ْ‬
‫ـون ‪٣٨‬۝ ال�أعـراف‪ ،‬فمــا دخْ ــل ال�أمــم الســابقة‬ ‫ـف َو َل ِكــن لَّا َت ْع َل ُمـ َ‬
‫ِّمـ َـن النَّــا ِر ۖ َقــالَ لِـ ُك ٍّل ِض ْعـ ٌ‬
‫بمــا تعتقــده ال�أمــم اللاحقــة؟! �إنــه مــن الظلــم تحميــل ال�أمــم البائــدة ق ـرارات ال�أمــم‬
‫بعدهــا‪ ،‬فلــكل مجتمــع وحقبــة تاريخيــة ظروفهــا ومعطياتهــا ومبرراتهــا المختلفــة‪ .‬ثــم �إن‬
‫اعتنــاق الديــن ُيف َتــرض بــه �أن يكــون �أمـراً شــخصياً‪ ،‬ولا علاقــة لل�أمــم الســابقة واللاحقــة‬
‫بمــا يعتقــد المــرء صوابــه‪ .‬وهــذا مــا كان يجــدر بالق ـر�آن ترســيخه فــي �أنفــس النــاس‪،‬‬
‫وليــس النظــر �إلــى ال�إ نســان كفــرد فــي قطيــع‪ ،‬مجــرد تابــع لا اختيــار لــه ولا قـرار! ثــم‬
‫كيــف يكــون لــكل �أمــة ضعــف عــذاب ال�أمــم ال�أخــرى؟! لــو نظرنــا لل�أمــر كمعادلــة‬
‫رياضيــة (كل �أمــة تحصــل علــى ضعــف مــا تحصــل عليــه ال�أخــرى) فســيكون لدينــا‬
‫عــذاب يشــتد ويتصاعــد لانهائيـاً علــى جميــع ال�أمــم وبوتيــرة ســريعة!‬
‫َان َيـ ْو ُم ا ْل ِق َيا َمـ ِة َد َفـ َـع اللَّـ ُه‬
‫ومــن ال�أحاديــث التــي تقــرر الظلــم يــوم القيامــة قولــه‪� :‬إِذَا ك َ‬
‫َعـ َّز َو َجـ َّل �إِ َلــى ُك ِّل ُم ْسـ ِل ٍم َي ُهو ِديًّــا �أ ْو َن ْص َرانِ ًّيــا َف َي ُقــولُ َهـ َـذا فِـ َكاك َُك ِمـ ْـن النَّــارِ؛ رواه مســلم‪.‬‬
‫ـوب‬‫ـاس ِمـ ْـن ا ْل ُم ْس ـ ِل ِم َين بِ ُذنُـ ٍ‬ ‫وجــاء لفــظ �آخــر للحديــث َن ُّصــه‪َ :‬ي ِجــي ُء َي ـ ْو َم ا ْل ِق َيا َم ـ ِة َنـ ٌ‬
‫ـال‪َ ،‬ف َي ْغ ِف ُر َهــا اللَّ ـ ُه َل ُه ـ ْم َو َي َض ُع َهــا َع َلــى ا ْل َي ُهــو ِد َوالنَّ َصــا َرى؛ �أخرجــه الطبرانــي‪.‬‬
‫ـال ا ْل ِج َبـ ِ‬ ‫�أ ْم َثـ ِ‬
‫ـال مــن‬ ‫فمــا دخــل اليهــود والنصــارى هنــا بذنــوب المســلمين؟! �إن هــذا حكــم ظالــم وخـ ٍ‬
‫المنطــق! �إنــه مجــرد كلام ُم َرســل و ُمل َقــى علــى عواهنــه لا زمــام لــه ولا خطــام‪ ،‬ولقــد‬
‫اب ُت ِلـ َـي بــه المســلمون واحتــاروا فــي تبريــره وتجميلــه‪ .‬ولــم يكلِّــف �أحـ ٌد المســلمين بهــذا‬
‫العنــاء‪ ،‬هــم مــن �أثقلـوا علــى �أنفســهم عندمــا �آمنـوا بهــذا العبــث خوفـاً مــن �إلــه محمــد‬
‫والنــار التــي تنتظرهــم بحســب �أوهامهــم!‬
‫وفــي المحصلــة‪ ،‬فلقــد اســتخدم محمــد ودعــاة ال�إ ســلام مــن بعــده العــذاب‬
‫ال�أخــروي ل�إ خافــة النــاس وابتزازهــم وضمــان تبع ّيتهــم وولاءهــم لهــم‪ .‬فــلا يوجــد �إلــه‬
‫حكيــم عــادل رحيــم ســيقوم ب إ�رســال ديــن ُم ْل َت ِبــس كال�إ ســلام ثــم يعاقــب علــى عــدم‬
‫الاقتنــاع بــه بهــذه الطريقــة الظالمــة‪ ،‬وبهــذه الوحشــية الســادية التــي لا تنــم �إلا عــن‬
‫نفســية بشــرية ذات خيــالات �إجراميــة مريضــة!‬
‫‪- 27 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫۞الموا َطنة‬
‫تؤطِّــر المواطنــة فــي المفهــوم الحديــث علاقــة الفــرد بدولتــه مــن حيــث الحقــوق‬
‫والواجبــات‪ ،‬وذلــك وفــق مجموعــة مــن القوانيــن الوضعيــة‪ .‬وهــذه القوانيــن قــد تطــورت‬
‫خــلال مســيرة البشــر الطويلــة وتراكــم تجاربهــم ونمــو معارفهــم‪ ،‬ووصلــت اليــوم �إلــى‬
‫درجــة عاليــة مــن العدالــة وال�إ نســانية‪ .‬وهــي قابلــة لمزيــد مــن التطــور والتحديــث‪ ،‬كونهــا‬
‫قوانيــن حــرة تراعــي مصلحــة ال�إ نســان ولا تخضــع لحتميــة مقدســة‪.‬‬
‫ال�إ ســلام يخلــو مــن مفهــوم الدولــة والمواطنــة بمعناهمــا الحديــث‪ .‬فدولــة ال�إ ســلام‬
‫تقــوم علــى فكــرة «ال�أمــة» التــي يكــون انتمــاء الفــرد �إليهــا قائمـاً علــى الديــن �أكثــر مــن‬
‫كونــه انتمــاء لوطــن محــدد ببقعــة جغرافيــة وجنســية مميــزة‪ .‬وال�إ نســان فــي دولــة ال�إ ســلام‬
‫ليــس ســوى فــرد مــن الرعيــة‪ ،‬عليــه الخضــوع لش ـرائع الديــن والقائميــن علــى تطبيقــه‬
‫مــن ولاة ال�أمــر‪ .‬فحقــوق الرعيــة هــي مــا فرضهــا الديــن‪ ،‬وواجبــات الرعيــة هــي �أيض ـاً‬
‫مــا فرضهــا الديــن‪ .‬وهــذا يعنــي �أن الفــرد فــي الدولــة ال�إ ســلامية محكــوم بمجموعــة‬
‫تشــريعات مقدســة وجامــدة ومتخلِّفــة‪ ،‬قادمــة مــن عمــق التاريــخ‪ ،‬مــن عصــور الظــلام‬
‫والظلــم‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬لا يمكــن لل�إ ســلام اللحــاق ب�آخــر مــا وصلــت �إليــه البشــرية مــن‬
‫قوانيــن �إنســانية تُعلــي مــن قيمــة الفــرد المواطــن وتمنحــه الحقــوق والحريــات‪ .‬وحتــى‬
‫لــو حــاول المســلمون اليــوم تبديــل ش ـرائع دينهــم ال�أصليــة‪ ،‬واللحــاق بركــب ال�أمــم‬
‫المتحضــرة‪ ،‬فـ إ�ن هــذا ســيكون دليــلاً علــى اعترافهــم بنقــص دينهــم وخللــه‪ ،‬و�أنــه ليــس‬
‫بــذاك الديــن الكامــل الــذي طالمــا َتغَــنَّوا بــه!‬
‫�إن �أهــم مــا يميــز المواطنــة الحديثــة هــو تســاوي «المركــز القانونــي» لجميــع مواطنــي‬
‫الدولــة بغــض النظــر عــن انتماءاتهــم العرقيــة والدينيــة والفكريــة‪ .‬فالحقــوق والواجبــات‬
‫للمواطــن «�أ» هــي ذاتهــا للمواطــن «ب»‪ ،‬سـواء كان المواطــن «�أ» مســلماً �أو كافـراً‬
‫وكان المواطــن «ب» �أســوداً �أو �أبيضـاً علــى ســبيل المثــال‪ .‬وهــذه المســاواة هــي عيــن‬
‫العــدل‪ ،‬فــلا يمكــن التمييــز بيــن المواطنيــن بنــا ًء علــى فروقاتهــم القه ِّريَّــة (صفاتهــم‬

‫‪- 28 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ِ‬
‫الجبلِّــ َّية)‪ .‬فال�إ نســان لا يختــار �أبويــه ولاجنســه ولا عرقــه ولا لونــه قبــل الــولادة‪ ،‬كمــا �أنــه‬
‫فــي العــادة لا يختــار دينــه �أو مذهبــه كذلــك‪ .‬وبالتالــي فلــو َمــيَّزنا بيــن المواطنيــن بنــا ًء‬
‫علــى هــذه الفروقــات‪ ،‬ف إ�ننــا نكــون قــد ظلمنــا طرفـاً لصالــح طــرف �آخــر‪ ،‬ومنحنــا حقوقـاً‬
‫لطــرف ومنعناهــا عــن الطــرف ال�آخــر‪ .‬وكمــا �أنــه مــن الظلــم التمييــز بيــن المواطنيــن على‬
‫�أســس الفروقــات القه ِّريَّــة‪ ،‬ف إ�نــه كذلــك مــن الظلــم التمييــز بينهــم بنــا ًء علــى اختياراتهــم‬
‫الحــرة التــي لا تلحــق الضــرر بال�آخريــن‪ .‬فلــو اعتقــد مواطـ ٌـن مــا �أن ال�إ ســلام هــو الديــن‬
‫الحــق واعتنقــه ومــارس شــعائره دون �إيــذاء ال�آخريــن �أو فــرض معتقداتــه عليهــم‪ ،‬ف ـ إ�ن‬
‫صنيعــه هــذا لا يؤثــر علــى مركــزه القانونــي‪ ،‬وســيبقى مواطن ـاً متمتع ـاً بحقوقــه وقائم ـاً‬
‫بواجباتــه‪ .‬ولــو غيّــر هــذا المواطــن ر�أيــه لاحقــاً‪ ،‬واعتقــد �أن ال�إ ســلام ليــس بالديــن‬
‫الحــق‪ ،‬فـ إ�ن فعلــه هــذا لــن يؤثــر علــى مركــزه القانونــي �أيضـاً‪ ،‬وســيبقى مواطنـاً لــه حقوقــه‬
‫وعليــه واجباتــه‪ .‬والخلاصــة هــي �أن الموا َطنــة العادلــة لا تحا ِكــم المواطــن بنــا ًء علــى‬
‫الجبلِّــ َّية �أو اختياراتــه الفكريــة التــي لا تلحــق ضــرراً معتبـراً بال�آخريــن‪.‬‬
‫صفاتــه ِ‬

‫�إن حقــوق الفــرد وواجباتــه فــي ال�إ ســلام تخالــف المواطنــة العادلــة‪ .‬فال�إ ســلام يميــز‬
‫بيــن المواطنيــن علــى �أســس انتماءاتهــم الدينيــة وعقائدهــم الفكريــة‪ ،‬و�أيضـاً بنــا ًء علــى‬
‫�أجناســهم (رجــال ونســاء ومغايريــن) وعلــى طبقاتهــم (ســادة وعبيــد)‪ .‬كمــا قــد يصــل‬
‫بــه ال�أمــر للتميــز بينهــم بنــا ًء علــى �أعراقهــم و �إثنياتهــم‪ ،‬وذلــك فيمــا لــو نظرنــا لتشــريعات‬
‫ال�إ ســلام المتعلقــة بالقرشــية فــي الحكــم وتكافــؤ النســب فــي الــزواج‪ .‬وال�إ ســلام بــكل‬
‫هــذا التمييــز الدينــي والجنســي والطبقــي والعرقــي يفتــح البــاب واســعاً �أمــام كــم كبيــر‬
‫مــن المظالــم التــي يوقعهــا بالنــاس‪ ،‬كمــا ســنرى لاحقـاً‪.‬‬
‫لــو نظرنــا �إلــى تصنيــف المواطنيــن فــي دولــة ال�إ ســلام بنــا ًء علــى معتقداتهــم الدينيــة‪،‬‬
‫ف إ�نــه ســيمكننا تمييــز الدرجــات التاليــة بيــن المواطنين‪:‬‬
‫‪1.‬مواطــن درجــة �أولــى‪ :‬الرجــل المســلم المنتمــي لمذهــب الحاكــم‪ ،‬سـواء كان‬
‫مذهبــه ســنياً �أو شــيعياً �أو صوفيـاً �أو غيــر ذلــك‪.‬‬

‫‪- 29 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫‪2.‬مواطــن درجــة ثانيــة‪ :‬المســلم علــى مذهــب �آخــر مغايــر لمذهــب الحاكــم‪،‬‬
‫ك�أن يكــون الحاكــم ســنياً والمواطــن شــيعياً �أو العكــس‪.‬‬
‫‪3.‬مواطــن درجــة ثالثــة‪ :‬المنتمــي ل�أهــل الكتــاب الذيــن يدينــون بالمســيحية �أو‬
‫اليهوديــة (وربمــا المجوســية �أيض ـاً)‪ ،‬وهــؤلاء يســميهم ال�إ ســلام «�أهــل الذمــة»‪.‬‬
‫‪4.‬مواطــن درجــة رابعــة‪ :‬المنافــق الــذي ينتمــي لــل�أرض ولكنــه دينيــاً يخالــف‬
‫النظــام الحاكــم س ـراً‪ ،‬فيعيــش فــي بلــده مضط ـراً خائف ـاً‪ ،‬لا يهن ـ�أ لــه بــال ولا‬
‫يطيــب لــه مقــام‪.‬‬
‫‪5.‬مواطــن درجــة خامســة‪ :‬العبــد الرقيــق‪ ،‬س ـواء كان رجــلاً �أو ام ـر�أة �أو طفــلاً‪.‬‬
‫والمنتمــون لهــذه الدرجــة ُيعا َملــون معاملــة الممتلــكات‪ ،‬فيجــوز تشــغيلهم بــلا‬
‫مقابــل‪ ،‬وبيعهــم وشـراءهم بالمــال‪ ،‬ومبادلتهــم‪ ،‬والتفريــق بيــن عوائلهــم‪ ،‬وحتــى‬
‫ممارســة الجنــس مــع العازبــات منهــم دون حــرج‪ .‬كمــا �أن الطفــل الــذي يولــد‬
‫ل�أم مــن الدرجــة الخامســة (�أ َمــة) يكــون عبــداً لمالــك والدتــه تلقائي ـاً (مــا لــم‬
‫يكــن المالــك هــو �أبــو الطفــل)‪ ،‬وليــس لوالدتــه �أو والــده فــي هــذه الحالــة ولايــة‬
‫عليــه!‬
‫‪6.‬مواطــن درجــة سادســة‪ :‬الوثنــي �أو المرتــد الــذي �أعلــن عــن �أفــكاره ومعتقداتــه‪،‬‬
‫وهــذا ليــس �أمامــه �إلا التراجــع مكرهـاً �إلــى منزلــة المواطــن المنافــق مــن الدرجــة‬
‫الرابعــة‪� ،‬أو مواجهــة �أحــكام «التطهيــر»((( العنيــف التــي يشــرعنها ال�إ ســلام‪،‬‬
‫ف ُي ْق َتــل ولا يســمح لــه بالوجــود!‬
‫ولــو نظرنــا �إلــى المواطنيــن بنــا ًء علــى �أجناســهم‪ ،‬ف إ�ننــا نجــد رجــال الدرجــة ال�أولــى‬
‫والثانيــة ُم َقدَّمــون علــى نســائهم‪ .‬فالرجــل فــي ال�إ ســلام يتمتــع بحقــوق لا تتمتــع بهــا‬
‫النســاء‪ .‬فبمجــرد �أن يبلــغ الرجــل‪ ،‬ف إ�نــه يصبــح مســتقلاً وكامــل ال�أهليــة‪ ،‬بينمــا المـر�أة‬
‫تبقــى محكومــة ومقيــدة طـوال حياتهــا‪ .‬كمــا لا ُيســمح للمـر�أة تولي الحكــم �أو القضاء‪،‬‬

‫((( راجع هنا لمعلومات �أكثر عن جرائم التطهير التي تمارسها ال�أنظمة المستبدة والقمعية‪.‬‬
‫‪- 30 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫فلقــد قــال محمــد‪ :‬لــن يفلــح قــوم ولـوا �أمرهــم امـر�أة؛ رواه البخــاري‪ .‬ولقــد تطرقــت لوضــع‬
‫المـر�أة فــي فصــل «حقــوق المـر�أة» مــن هــذا الكتــاب‪ ،‬فل ُير َ‬
‫اجــع‪.‬‬
‫�أمــا المواطنــون المغايــرون والمتحولــون والمضطربــون جنســياً مــن �أي درجــة‪ ،‬فــلا‬
‫حقــوق لهــم مطلقـاً‪ ،‬ويطبــق عليهــم ال�إ ســلام �أحكامــه فــي «التطهيــر» العنيــف‪ ،‬فيقتلهم‬
‫ولا يســمح لهــم بالوجــود!‬
‫�إن ال�إ ســلام لا َيمنــح المواطنيــن حقوقــاً متســاوية‪ ،‬ويميــز بينهــم تبعــاً لدرجــة‬
‫مواطنتهــم‪ .‬فبينمــا يتمتــع مواطنــو الدرجــة ال�أولــى بحريــة التعبيــر عــن معتقداتهــم والدعــوة‬
‫�إليهــا‪ ،‬ف ـ إ�ن مواطنــي الدرجــات ال�أدنــى لا ُيس ـ َمح لهــم بذلــك‪ .‬فــلا ُيســمح لمواطــن‬
‫شــيعي مثــلاً بالدعــوة لمذهبــة فــي دولــة ســنية‪ ،‬بينمــا ذلــك يكــون مســموحاً لمواطــن‬
‫ســني‪ .‬كمــا لا ُيســمح لمواطــن مــن الدرجــة الثالثــة (مســيحي مثــلاً) ب إ�قامــة شــعائره‬
‫علانيــة والدعايــة لدينــه ودعــوة النــاس لاعتناقــه‪ ،‬بينمــا ذلــك يكــون مســموحاً للمواطنيــن‬
‫المســلمين مــن الدرجــة ال�أولــى‪ .‬فال�إ ســلام يجبــر المواطنيــن مــن الدرجــات الدنيــا علــى‬
‫التخفــي وممارســة طقوســهم الدينيــة بشــكل ســري ومعــزول‪.‬‬
‫ال�إ ســلام َيح ـرِم �أيض ـاً �أبنــاء مواطنــي الدرجــات الدنيــا مــن الحصــول علــى تعليــم‬
‫عــام يتوافــق مــع معتقداتهــم الدينيــة‪ .‬فهــو يعتبــر مــا يخالــف ديــن ومذهــب الســلطة‬
‫كفـراً وضلالــة وهرطقــة لا يجــوز نشــرها وتعليمهــا‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فهــو يفــرض علــى جميــع‬
‫الطــلاب فــي المــدارس العامــة تعلُّــم الديــن والمذهــب الــذي تعتنقــه الســلطة‪ ،‬بغــض‬
‫النظــر عــن معتقــدات الطــلاب و�أهاليهــم‪.‬‬
‫�أمــا فــي المجــال السياســي‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ ســلام يمــارس التطهيــر اللاعنفــي علــى الفئــات‬
‫ال�أدنــى مــن المواطنيــن‪ ،‬وذلــك عبــر �إقصاءهــم والتضييــق عليهــم‪ .‬فمــن غيــر المســموح‬
‫للمواطنيــن مــن الدرجــات الثانيــة ومــا دون �أن يتولـوا مناصــب عامــة عليــا‪ ،‬مثــل رئاســة‬
‫الدولــة �أو قيــادة الجيــش �أو الــوزارات‪ ،‬يقــول الق ـر�آن‪َ :‬و َلـ ْـن َي ْج َع ـ َل اللَّـ ُه لِ ْل َكافِرِيـ َـن َع َلــى‬
‫۝ النســاء‪ .‬كمــا يحــرض الســلطة علــى �إقصاءهــم وعــدم الوثــوق بهــم‪،‬‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم ِنيـ َ‬
‫ـن َسـ ِبي ًلا ‪١٤١‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫فيقــول الق ـر�آن‪َ :‬يــا �أيُّ َهــا الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُن ـوا َلا َتتَّ ِخ ـ ُذوا بِ َطا َن ـ ًة ِّمــن ُدو نِ ُك ـ ْم َلا َي�أْلُو َن ُك ـ ْم َخ َبــا ًلا‬
‫َت ا ْل َبغ َْضــا ُء ِمـ ْـن �أ ْف َوا ِه ِهـ ْم َو َمــا تُخْ ِفــي ُصدُو ُر ُهـ ْم �أ ْك َبـ ُر ۚ َقـ ْد َب َّينَّــا‬ ‫َو ُّدوا َمــا َع ِنتُّـ ْم َقـ ْد َبـد ِ‬
‫۝ �آل عمـران‪.‬‬ ‫ـون ‪118‬‬ ‫ـات ۖ �إِن كُن ُتـ ْم َت ْع ِق ُلـ َ‬
‫َل ُكـ ُم ا ْل�آ َيـ ِ‬

‫�أمــا فــي المجــال التشــريعي والقضائــي‪ ،‬فــلا ُيس ـ َمح للمواطنيــن ذوي الدرجــات‬
‫الدنيــا �أن يتول ـوا القضــاء‪� ،‬إلا فــي نطــاق ضيــق جــداً‪ ،‬بحيــث ينحصــر دورهــم علــى‬
‫ال�أح ـوال الشــخصية الخاصــة ب�أتبــاع دينهــم �أو مذهبهــم‪.‬‬
‫ومــن التمييــز الــذي تفرضــه الشــريعة ال�إ ســلامية بيــن المواطنيــن التفريــق فــي‬
‫الالتزامــات الماليــة‪ .‬فالمواطنــون المســلمون يدفعــون ضريبــة تُســمى «الــزكاة»‪ ،‬وهــي‬
‫محــددة بنصــوص مقدســة وبالتالــي لا يمكــن تغييرهــا‪� .‬أمــا المواطنــون مــن �أهــل الذمــة‬
‫فتؤخــذ منهــم ضريبــة تُســمى «الجزيــة»‪ ،‬وهــي غيــر محــددة المقــدار بــل تخضــع لرغبــة‬
‫لحاكــم يحددهــا بالمقــدار الــذي يريــده‪ .‬ال�أمــر مشــابه �أيض ـاً فــي عقوبــة ال�إ عــدام‪.‬‬
‫فالقصــاص مــن قاتــل المواطــن المســلم يكــون بالقتــل‪� ،‬أمــا القصــاص من قاتــل المواطن‬
‫غيــر المســلم فيكــون بالدِّيــة‪ .‬والنســاء لســن ب�أفضــل حــالاً هنــا‪ ،‬فعقوبــة قاتــل الرجــل‬
‫المســلم بالخطـ�أ تكــون ديــة كاملــة (مئــة ر�أس مــن ال�إ بــل)‪ ،‬بينمــا قاتــل المـر�أة المســلمة‬
‫فــي ظــروف مشــابهة ُيعاقــب بنصــف الديــة فقــط!‬
‫�إن ال�إ ســلام يقــدم نظامـاً ظالمـاً وبشــعاً فــي طريقــة تعاملــه مــع المواطنيــن والتفريــق‬
‫بينهــم‪ .‬فهــو لا يؤمــن بالمواطنــه ولا بالمســاواة بيــن المواطنيــن‪ ،‬ويعلــن ذلــك صراحــة‬
‫۝‬‫ـون ‪٣٦‬‬ ‫بقولــه مســتنكراً‪� :‬أ َف َن ْج َع ـ ُل ا ْل ُم ْس ـ ِل ِم َين كَا ْل ُم ْجر ِِميـ َـن ‪٣٥‬۝ َمــا َل ُك ـ ْم َك ْيـ َ‬
‫ـف َت ْح ُك ُمـ َ‬
‫القلــم‪ .‬ولــو كان هــذا الديــن مــن لــدن �إلــه حكيــم وعليــم فعــلاً كمــا يقــول المســلمون‪،‬‬
‫لــكان س ـبَّاقاً فــي �إرســاء قواعــد المواطنــة العادلــة و �إعطــاء النــاس حقوقهــم وحرياتهــم‪،‬‬
‫و َل َمــا عاقبهــم علــى صفاتهــم القهريــة �أو علــى اختياراتهــم الفكريــة المســالمة‪.‬‬

‫‪- 32 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫۞قتل المرتد‬
‫ـف ال�إ ســلام بتو ّعــد غيــر المؤمــن بــه بالعــذاب فــي ال�آخــرة‪ ،‬بــل تتبعهــم‬ ‫لــم يكتـ ِ‬
‫بالعــذاب فــي الدنيــا �أيضـاً! حيــث شــرع قتــال الكافريــن وقتــل المرتدين‪ .‬وبينما ســنناقش‬
‫قتــال الكافريــن (الجهــاد) فــي مــكان ال�آخــر‪ ،‬فلننظــر هنــا �إلــى حــد الــردة فــي ال�إ ســلام‪.‬‬
‫لقــد بقــي حــد الــردة (وهــو قتــل مــن يتــرك ال�إ ســلام بعــد اســتتابته) مقــرراً ومعمــولاً‬
‫بــه فــي ال�إ ســلام طـوال تاريخــه‪ .‬ومؤخـراً فقــط‪ ،‬بعــد تطــور حقــوق ال�إ نســان فــي العالــم‪،‬‬
‫ظهــر مــن المســلمين مــن ينفــي هــذا الحــد ويدّعــي ب�أنــه ليــس مــن ال�إ ســلام! وهــذا‬
‫جيــد فــي الحقيقــة‪ ،‬ل�أن ال�إ نســان الســوي َي ْسـ َع ُد برفــع الظلــم عــن المظلوميــن وبتعزيــز‬
‫الحريــات‪ .‬ولكــن كان ال�أجــدر بالمســلمين رافضــي هــذا الحــد �أن َيتحلّـوا بالمصداقيــة‬
‫والشــجاعة و�أن يعترفــوا بنســبة الحــد لل�إ ســلام‪ ،‬و�أن يعلنــوا رفضهــم لــه والمطالبــة‬
‫ب إ�ســقاطه مــن التشــريعات الدينيــة والقوانيــن المقــررة فــي بعــض الــدول ال�إ ســلامية‪ ،‬ومــن‬
‫ثــم يعتــذرون عــن ال�أذى وال�أضـرار الســابقة التــي تســبب بهــا هــذا الحــد الظالــم‪� .‬أمــا‬
‫�أن يكتفــي الرافضــون للحــد فقــط بالدفــاع عــن دينهــم دون الالتفــات للواقــع‪ ،‬فهــذا‬
‫لا يجعلهــم مدافعيــن عــن الحريــة‪ ،‬و �إنمــا يجعلهــم مجــرد �أعضــاء فــي حملــة دعائيــة‬
‫(بروباغنــدا) لتجميــل صــورة الديــن!‬
‫القر�آنيــون((( اليــوم هــم �أكثــر المســلمين الرافضيــن لحــد الــردة‪ .‬وهــم ينطلقــون فــي‬
‫رفضهــم هــذا مــن رفضهــم للســنة‪ .‬فيقولــون �إن حــد الــردة ُمشــر َعن بالحديــث النبــوي‬
‫فقــط‪ ،‬مثــل حديــث‪ :‬مــن بـدّل دينــه فاقتلــوه‪ .‬وطالمــا �أن الســنة ليســت مصدراً للتشــريع‬
‫عندهــم‪ ،‬فـ إ�ن حــد الــردة ليــس مــن الشــرع تبعـاً لذلــك! وعلــى الرغــم مــن تهافــت حجــة‬

‫((( القر�آنيون جماعة من الاعتذاريين ظهرت حديثاً يرفضون السنة وال�أحاديث ويجعلون القر�آن مصدر‬
‫التشريع الوحيد‪ .‬وهدفهم من ذلك مواءمة ال�إ سلام ليتوافق مع معايير العصر‪ .‬ويقولون يجب �إعادة قراءة‬
‫القر�آن في كل زمان وفهمه وفق معطيات ذلك العصر‪ .‬ولا �أدري ما حاجة المسلمين حينها للقر�آن‬
‫�إن كانت وظيفتهم ستغدو فقط مواءمته مع معطيات كل عصر؟! سيصبح القر�آن حينها تابعاً لا قائداً‬
‫لهم‪ ،‬وسيكون مجرد عبء لا داعي له!‬
‫‪- 33 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫القر�آنييــن‪� ،‬إلا �أنهــم لــم يفطنـوا �إلــى �أن حــد الــردة يمكــن اســتنباطه مــن القـر�آن �أيضـاً!‬
‫ففــي ال�آيــة رقــم ‪ ١١‬مــن ســورة التوبــة((( يحــدد كاتــب القـر�آن طريقــة دخــول البعــض فــي‬
‫الص ـ َلا َة َو�آ َت ـ ُوا ال ـ َّزكَا َة َف إِ�خْ َوانُ ُك ـ ْم فِــي الدِّيــنِ ‪ .‬وفــي‬ ‫ال�إ ســلام بقولــه‪َ :‬ف ـ إ�ِن َتا ُب ـوا َو�أقَا ُم ـوا َّ‬
‫ال�آيــة التاليــة (رقــم ‪ )١٢‬يبــيّن عقوبــة هــؤلاء �إن ارتــدوا عــن الديــن‪َ :‬و �إِن نَّ َكثُـوا �أ ْي َما َن ُهــم‬
‫ِّمــن َب ْعـ ِد َع ْه ِد ِهـ ْم َو َط َع ُنـوا فِــي ِدي ِن ُكـ ْم َفقَاتِ ُلـوا �أئِ َّمـ َة ا ْل ُك ْفـ ِر ۙ �إِنَّ ُهـ ْم َلا �أ ْي َمـ َ‬
‫ـان َل ُهـ ْم َل َعلَّ ُهـ ْم‬
‫ـون! �إذاً فقتــال((( المرتديــن مشــروع بنــص القـر�آن وليــس كمــا يدّعيــه القر�آنيــون‪.‬‬ ‫َين َت ُهـ َ‬
‫وقــد يتحجــج البعــض بــ�أن ال�آيــات الســابقة تبيــح قتــال المرتديــن المعتديــن‬
‫فقــط‪ ،‬وليــس جميــع المرتديــن‪ .‬ولكــن هــذه ال�آيــات ليســت الوحيــدة التــي تبيــح‬
‫قتــال المرتديــن دون جريــرة! فال�آيــة ‪ ١٤‬مــن ســورة التوبــة تقــول‪ :‬قَاتِ ُلو ُهـ ْم ُي َع ِّذ ْب ُهـ ُم اللَّـ ُه‬
‫بِ�أ ْي ِدي ُك ـ ْم‪ .‬وعــذاب اللــه هــذا ب�أيــدي المؤمنيــن هــو المطلــوب لمعاقبــة المرتديــن فــي‬
‫ـون بِاللَّـ ِه َمــا قَالُـوا َو َل َقـ ْد قَالُـوا َك ِل َمـ َة ا ْل ُك ْفـ ِر‬ ‫الدنيــا بحســب ال�آيــة ‪ ٧٤‬التــي نصهــا‪َ :‬ي ْح ِل ُفـ َ‬
‫َو َك َف ـ ُروا َب ْع ـ َد �إ ِْس ـ َل ِام ِه ْم َو َه ُّم ـوا بِ َمــا َل ـ ْم َي َنالُ ـوا ۚ َو َمــا َن َق ُم ـوا �إِ َّلا �أ ْن �أ ْغ َنا ُه ـ ُم اللَّ ـ ُه َو َر ُســولُ ُه‬
‫ـك َخ ْيـ ًرا لَّ ُهـ ْم ۖ َو �إِن َي َت َولَّـ ْوا ُي َع ِّذ ْب ُهـ ُم اللَّـ ُه َع َذا ًبــا �ألِي ًمــا فِــي ال ُّد ْن َيــا‬
‫ِمــن ف َْض ِلـ ِه ۚ َفـ إ�ِن َي ُتو ُبـوا َيـ ُ‬
‫َوا ْل�آ ِخ ـ َر ِة‪ .‬فمــن يس ـ�أل‪ :‬كيــف يعــذب اللــه المرتديــن فــي الدنيــا؟ يكــون جوابــه فــي‬
‫ال�آيــة ‪� ،١٤‬أي‪ :‬ب�أيــدي المؤمنيــن! وهنــا نجــد تشــريعاً واضح ـاً لقتــال المرتديــن فــي‬
‫الدنيــا علــى مجــرد تراجعهــم عــن الاقتنــاع بديــن ال�إ ســلام و �إفصاحهــم عــن ذلــك!‬
‫هــذا و �إن �أحــكام الــردة لــم تقــف عنــد قتــل المرتــد‪ ،‬بــل شــملت �أيضـاً �إيــذاءه ماليـاً‬
‫واجتماعي ـاً‪ .‬فلــو َن َف ـ َد المرتــد بجلــده وهــرب مــن بــلاد المســلمين «الظالــم �أهلهــا»‪،‬‬
‫فـ إ�ن �أهلــه و�أبنــاءه الذيــن تركهــم خلفــه ســيعانون‪ .‬فســيتم فصــل زوجتــه عنــه‪ .‬وسـ ُيح َرم‬

‫((( لقد تورط القر�آنيون في كثير من �أحكام سورة التوبة! وعندما عجزوا عن �إيجاد تبريرات ل�أحكامها‬
‫العنيفة والظالمة‪ ،‬قاموا بتنحيتها هي ال�أخرى عن التشريع‪ ،‬والقول ب�أنها من السور النبوية!‬
‫((( قد يتحجج البعض ب�أن «قتال» المرتدين لا يعني «قتل» المرتدين‪ .‬نعم‪ ،‬يوجد اختلاف‬
‫لغوي بين اللفظتين‪ ،‬ولكن المحصلة الواقعية هي واحدة‪ .‬فالقتال يؤدي �إلى القتل والغرض هو �إخافة‬
‫الرافضين للدين و �إرغامهم على قبوله ولو نفاقاً‪.‬‬
‫‪- 34 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫المرتــد مــن حقــه فــي �أي ميـراث‪ .‬كمــا ســيتم حرمــان �أبنــاءه و�أهلــه مــن �أموالــه‪ ،‬حيــث‬
‫ســتؤول ملكيــة تلــك ال�أمـوال �إلــى بيــت مــال المســلمين! وليــس هــذا فقــط‪ ،‬بــل ســيتم‬
‫تشــويه ســمعة المرتــد فــي المجتمــع لتنفيــر النــاس منــه ومــن �أفــكاره‪ ،‬ممــا ســيعود بالضرر‬
‫علــى عائلتــه!‬
‫�إن المت�أ ِّمــل فــي عقوبــات المرتــد يلمــس دوافعهــا السياســية المتســقة مــع معاييــر‬
‫القــرون الوســطى‪ .‬فال�إ ســلام �أقــام دولتــه علــى �أســاس الانتمــاء الدينــي‪ .‬فالانتمــاء للدولــة‬
‫فــي ذلــك الزمــان لــم يقــم علــى �أســاس الجنســية الوطنيــة(((‪ ،‬و �إنمــا قــام علــى القبــول‬
‫بديــن الدولــة‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فـ إ�ن رفــض ديــن الدولــة بعــد الدخــول فيــه يعنــي رفــض الــولاء‬
‫للدولــة‪ ،‬وهــذا يضــع ال�إ نســان فــي خانــة «خيانــة» الدولــة �آليـاً‪ .‬وككيــان سياســي‪ ،‬شــرع‬
‫ال�إ ســلام حــد الــردة للحفــاظ علــى وجــوده‪ .‬فلــو ســمح ال�إ ســلام للنــاس ب إ�ظهــار رفضهــم‬
‫للديــن علانيــة ف ـ إ�ن دولتــه ســتنهار! ومــن هنــا نــرى ُبعــد هــذا الديــن عــن المفاهيــم‬
‫الحديثــة‪ ،‬و�أنــه مجــرد ديــن بشــري عفــا عليــه الزمــن ولــم يعــد صالحـاً لعا َلــم اليــوم‪.‬‬
‫ـت قوانيــن حقــوق ال�إ نســان الحديثــة حريــة الاعتقــاد للنــاس جميعـاً‪ .‬كمــا‬ ‫لقــد َمنحـ ْ‬
‫منحتهــم حريــة التعبيــر والدعــوة لمعتقداتهــم طالمــا �أنهــا لا تنــادي بالكراهيــة ولا تلحــق‬
‫ال�أذى بال�آخريــن‪ .‬ولكــن ال�إ ســلام علــى النقيــض مــن ذلــك‪ ،‬ظلــم ال�إ نســان حينمــا‬
‫حرمــه مــن حريــة الاعتقــاد وجعلــه‪� :‬إمــا كافـراً يســتحق القتــل‪� ،‬أو ِكتابيـاً ذليــلاً مــن �أهــل‬
‫الذمــة يدفــع الجزيــة عقوبــة لــه علــى تمســكه بدينــه‪� ،‬أو مرتــداً منافقـاً يخــاف انكشــاف‬
‫�أمــره حتــى لا ُيق َطــع ر�أســه!((( وهكــذا ديــن ظالــم لا يمكــن �أن يكــون مــن لــدن �إلــه‬
‫عــادل‪.‬‬

‫((( مفهوم الوطن الذي نعرفه اليوم لم يكن موجوداً في زمن ظهور ال�إ سلام‪ .‬فالوطن بمفهومه‬
‫الحديث بد�أ بعد نشوء ال�إ سلام بمدة طويلة‪ ،‬وتحديداً عقب صلح وستفاليا سنة ‪١٦٤٨‬م‪.‬‬
‫((( راجع فصل «المواطنة» في هذا الكتاب للمزيد عن التمييز الديني بين الناس في ال�إ سلام‪.‬‬
‫‪- 35 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫۞حقوق المر أ�ة‬


‫لقــد قيــل الكثيــر والكثيــر عــن وضــع المــر�أة فــي ال�إ ســلام‪ ،‬وعــن الظلــم الــذي‬
‫يلحقهــا‪ ،‬وعــن التمييــز الــذي تتعــرض لــه بســبب تشــريعات هــذا الديــن المجحفــة‬
‫فــي حقهــا وال ُم ْم َت ِه َنــة لكرامتهــا ومكانتهــا‪ .‬و �إنــه يمكــن ت�أليــف كتــب كاملــة وتســويد‬
‫صفحــات طـوال فــي هــذا الموضــوع‪ ،‬ولكنــي سـ�أختصر كمــا العــادة فــي هــذا الكتــاب‬
‫و�أذكــر رؤوس �أقــلام ونمــاذج علــى ال�أذى الــذي ُي ِ‬
‫لح ُقــه ال�إ ســلام بالم ـر�أة‪.‬‬
‫ال�إ ســلام يحتقــر المـر�أة ويجعلهــا محكومــة‪ ،‬وعالــة‪ ،‬وناقصــة عقــل و�أهليــة‪ .‬بــل �إنــه‬
‫يجعلهــا عــورة‪� ،‬أي �أنهــا �أداة جنســية ووســيلة لمتعــة الرجــل وخدمتــه فــي منزلــه‪ .‬وبعــد‬
‫هــذا يمكنهــا �أن تقــوم ب ـ�أدوار محــدودة شــريطة موافقــة الرجــل القريــب وعــدم اســتثارة‬
‫الرجــل البعيــد!‬
‫لقــد َض َّيــق ال�إ ســلام علــى المـر�أة فــي اللبــاس والخــروج والتنقــل والعمــل‪ ،‬وجعلهــا‬
‫شُ ـ ْب َهة �أينمــا حلّــت‪ُ ،‬يســاء بهــا الظــن كثي ـراً‪ ،‬و ُينظــر لهــا غالب ـاً نظــرة الريبــة �أو نظــرة‬
‫الشــهوة‪ .‬ممــا حرمهــا �أو حــد مــن قدرتهــا علــى �إقامــة علاقــات طبيعيــة مــع الرجــل‬
‫اجتماعي ـاً �أو مهني ـاً �أو غيــر ذلــك‪.‬‬
‫ولــم يكتــف ال�إ ســلام بمــا ســبق‪ ،‬بــل تمــادى فــي امتهــان المـر�أة وشــبهها بالحيوانات‬
‫مــن حميــر كلاب‪ ،‬وجعلهــا تُقبــل وتُدبــر فــي صــورة شــيطان! حتــى �أن قــارئ الق ـر�آن‬
‫يشــعر �أحيان ـاً ب�أنــه لا يعتبــر النســاء مــن جنــس البشــر‪� ،‬إذ يقــول مثــلاً‪ُ :‬زيِّـ َـن لِلنَّــا ِ‬
‫س‬
‫ات ِمـ َـن النِّ َســا ِء َوا ْل َب ِنيـ َـن َوا ْل َق َن ِاطيـ ِر ا ْل ُمقَن َطـ َر ِة ِمـ َـن ال َّذ َهـ ِ‬
‫ـب َوا ْل ِف َّضـ ِة َوا ْل َخ ْيــلِ‬ ‫ـب الشَّ ـ َـه َو ِ‬
‫ُحـ ُّ‬
‫ا ْل ُم َسـ َّو َم ِة َوا ْل�أ ْن َعــا ِم َوا ْل َحـ ْر ِث ‪١٥‬۝ �آل عمـران‪ .‬فانظــر كيــف جعــل «النــاس» هنــا هــم الرجــال‬
‫فقــط‪ ،‬وجعــل النســاء((( مــن جنــس الجمــادات وال�أنعــام!‬

‫((( القر�آنيون كعادتهم يحاولون التملص من كل ما يدين القر�آن‪ ،‬ويقولون �أن لفظة «النساء» في هذه‬
‫ال�آية لا تعني �إناث البشر‪ ،‬و �إنما تعني الموديلات الحديثة من المنتجات الاستهلاكية!‬
‫‪- 36 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫وبال�إ ضافــة لمــا ســبق‪ ،‬فقــد جعــل ال�إ ســلام المــر�أ َة بنصــف شــهادة وديــة و �إرث‬
‫الرجــل! كمــا هضــم حقوقهــا فــي الــزواج �أيض ـاً‪ .‬فمنعهــا مــن تزويــج نفســها‪ ،‬وجعــل‬
‫ولايتهــا بيــد وليهــا قــد يزوجهــا وهــي طفلــة �أو يرفــض مــن تريــد الارتبــاط بــه وهــي‬
‫بالغــة! كمــا وجعــل الطــلاق بيــد الرجــل يمارســه وقــت يشــاء ودون مبــررات‪� .‬أمــا �إن‬
‫�أرادت المـر�أة الانفصــال عــن زوجهــا‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ ســلام ُي ّصعــب هــذا عليهــا ويضــع �أمامهــا‬
‫الكثيــر مــن العراقيــل والغرامــات! كمــا ويتجاهــل ال�إ ســلام حقــوق المـر�أة بعــد الانفصــال‬
‫ويظلمهــا فــي التعويــض والنفقــة والحضانــة‪.‬‬
‫ولا يتوقــف ال�إ ســلام عنــد ال�إ يــذاء المعنــوي للنســاء‪ ،‬بــل ُيشـ ِّرع �إيذاءهــن جســدياً‪.‬‬
‫فيعطــي الــزوج حــق ضــرب زوجتــه بمجــرد خوفــه مــن عــدم قيامهــا بواجباتهــا تجاهــه‪.‬‬
‫كمــا يتغاضــى عــن جريمــة «الاغتصــاب الزوجــي»((( ويراهــا حقــاً يمكــن للــزوج‬
‫ممارســته دونمــا غضاضــة!‬
‫كمــا ويقــوم ال�إ ســلام بتحميــل المــر�أة جــزءاً مــن المســؤولية فيمــا لــو تعرضــت‬
‫للتحــرش �أو الاغتصــاب مــن الغربــاء‪ ،‬ويجعلهــا مســؤولة عــن كبــح شــهوات الرجــال‬
‫تجاههــا!‬
‫وال�إ ســلام يظلــم المـر�أة حتــى فــي الثـواب والعقوبــة ال�أخرويــة‪ .‬فنعيــم الجنــة للرجــال‬
‫بشــكل �أساســي‪ ،‬حيــث يحصــل الرجــل علــى عش ـرات وربمــا مئــات و�آلاف النســاء‬
‫(الحــور العيــن) للتمتــع بهــن‪ ،‬بينمــا المـر�أة تُجــ َبر علــى الاقتـران فــي الجنــة بزوجهــا (�أو‬
‫�أحــد �أزواجهــا) لتكــون واحــدة ضمــن جيــش نســاء المتعــة! ولا يقــف ال�أمــر عنــد هــذا‬
‫الحــد‪ ،‬بــل �إن ال�إ ســلام يزيــد تماديــه ضــد المـر�أة فــي ال�آخــرة ويقــرر �أن �أكثــر �أهــل النــار‬
‫مــن النســاء! وقــد يتســاءل المــرء لمــاذا النســاء ال�أكثــر هنــاك؟ ويتوقــع �أن الجـواب يكــون‬

‫((( الاغتصاب الزوجي هو �إجبار الزوج زوجته على ممارسة الجنس معه وقتما يشاء‪ .‬وفي حال كان‬
‫هناك مانع شرعي يمنعها‪ ،‬مثل الحيض‪ ،‬فيمكنه الاستمتاع بها رغماً عنها ولكن من غير �إيلاج‪،‬‬
‫بالتفخيذ مثلاً‪.‬‬
‫‪- 37 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ل�أن النســاء �أكثــر فســاداً و�أذيــة فــي الدنيــا ربمــا‪ .‬ولكــن ال�إ جابــة ت�أتــي صادمــة وغيــر‬
‫ـرن‬
‫نكـ َ‬‫متوقعــة كمــا هــي عــادة ال�إ ســلام! فالنســاء �أكثــر �أهــل النــار بســبب �أنهــن قــد ُي ِ‬
‫�إحســان الرجــال لهــن فــي ســاعة غضــب(((! ولا يســع المــرء حينمــا يعــرف هــذا التبريــر‬
‫ال�إ ســلامي �إلا �أن يتســاءل‪ :‬مــا هــذا العبــث والظلــم؟!‬
‫ــك اليميــن‪.‬‬ ‫ومــن الظلــم الصــارخ للنســاء فــي ال�إ ســلام تشــريع امتلاكهــن بِ ُم ْل ِ‬
‫فــ ُي ِجي ُز للرجــل شـراء النســاء مــن الســوق‪� ،‬أو �أخذهــن كســبايا فــي الحــروب‪ ،‬وممارســة‬
‫الجنــس معهــن دون اشــتراط رضاهــن‪ .‬ولــه معاملتهــن معاملــة العبيــد‪ ،‬فيســتخدمهن‬
‫دونمــا �أجــر رغم ـاً عنهــن‪ .‬كمــا �أن لــه بـــيعهن متــى مــا �أراد ولمــن يدفــع �أكثــر! كمــا‬
‫يتســاهل القـر�آن فــي مسـ�ألة �إرغــام النســاء علــى الدعــارة‪ ،‬ويكتفــي بطلــب المغفــرة لهــن‬
‫‪�-‬أو لمــن �أجبرهــن علــى البغــاء!‪ -‬دون �أي �أمــر صريــح ومباشــر لرفــع الظلــم عنهــن‬
‫و �إنقاذهــن ممــن يســتغلّهن! حيــث يقــول القـر�آن‪َ :‬و َلا تُ ْك ِر ُهـوا َف َت َياتِ ُكـ ْم َع َلــى ا ْل ِب َغــا ِء �إ ِْن‬
‫ض ا ْل َح َيــا ِة ال ُّد ْن َيــا ۚ َو َمــن ُي ْكرِه ُّهـ َّـن َفـ إِ� َّن اللَّـ َه ِمــن َب ْعـ ِد �إِ ْك َرا ِه ِهـ َّـن‬
‫�أ َر ْد َن َت َح ُّص ًنــا لِّ َت ْب َت ُغـوا َعـ َر َ‬
‫َغ ُفــو ٌر َّر ِحي ـ ٌم ‪٣٣‬۝ النــور!‬
‫�إن وضــع المـر�أة فــي ال�إ ســلام كفيــل ببيــان بشــرية ال�إ ســلام ومــدى بشــاعته والظلــم‬
‫الــذي تحتويــه تشــريعاته‪ .‬و �إن ال�إ نســان الســوي ليعجــب مــن وجــود نســاء مؤمنــات‬
‫بهــذا الديــن حتــى اليــوم! ولكنــه التلقيــن والخــوف والعــادات الاجتماعيــة التــي �أسســها‬
‫ال�إ ســلام ورعاهــا ُح َماتــه!‬

‫۞العبودية والرق‬
‫لا يختلــف �أصحــاب العقــول الســوية والضمائــر الح ّيــة علــى �أن اســتعباد ال�إ نســان‬

‫((( يقول محمد في الحديث المتفق عليه‪�« :‬أريت النار ف�إذا �أكثر �أهلها النساء‪ .‬قيل‪� :‬أيكفرن بالله؟‬
‫قال‪ :‬يكفرن العشير ويكفرن ال�إ حسان‪ ،‬لو �أحسنت �إلى �إحداهن الدهر ثم ر�أت منك شيئا قالت‪ :‬ما‬
‫ر�أيت منك خيراً قط»‬
‫‪- 38 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ل�أخيــه ال�إ نســان هــو ضــرب مــن ضــروب الظلــم العظيــم والجــور ال�أليــم‪ .‬كيــف لا‬
‫والعبوديــة تحــط مــن قيمــة ال�إ نســان �إلــى مرتبــة الحيـوان والجمــادات‪ ،‬وربمــا �أدنــى مــن‬
‫ذلــك! وتســلب ال�إ نســان �أغلــى مــا يملــك‪ :‬حريتــه وكرامتــه‪ ،‬وتُ ِ‬
‫لحــق بــه ال�أذى النفســي‬
‫والجســدي والعائلــي والاجتماعــي والاقتصــادي‪ .‬وعلــى الرغــم مــن �أن العبوديــة كانــت‬
‫منتشــرة فــي قديــم ال�أزمــان فــي غالــب البلــدان‪� ،‬إلا �أن مقاومتهــا كانــت مســتمرة دائمـاً‪.‬‬
‫قاومهــا العبيــد �أنفســهم‪ ،‬وقاومهــا الكثيــر مــن �أصحــاب ال�أخــلاق والضمائــر والعقــول‪.‬‬
‫ولقــد �أثمــرت هــذه المقاومــة ال�إ نســانية �إلــى �إلغــاء الــرق اليــوم مــن جميــع دول العالــم(((‪.‬‬
‫لقــد وقــف ال�إ ســلام ‪-‬كبقيــة ال�أديــان ال�إ براهيميــة‪ -‬موقف ـاً مخزي ـاً مــن الــرق ف�أقـ ـ َّره‬
‫وســن لــه التشــريعات‪ .‬والمســلمون اليــوم‪ ،‬كعادتهــم‪ ،‬يحاولــون جاهديــن الدفــاع عــن‬
‫هــذا الظلــم ويبــررون لل�إ ســلام �إباحتــه للعبوديــة‪ .‬فيقولــون �أن ال�إ ســلام جــاء والــرق موجــود‬
‫ولــم يســتطع منعــه ل�أنــه كان ضــرورة اقتصاديــة‪ .‬وهــذا عــذر ســاذج وغيــر مقبــول‪.‬‬
‫ف�أيــن كانــت هــذه الضــرورة الاقتصاديــة المزعومــة عندمــا حـ َّـرم ال�إ ســلام الربــا مثــلاً؟‬
‫ثــم كيــف يقبــل «ديــن الرحمــة والعــدل» ب إ�يقــاع ال�أذى والظلــم علــى ملاييــن وربمــا‬
‫مليــارات البشــر بذريعــة الضــرورة الاقتصاديــة؟! هــل عجــز ال�إ لــه الحكيــم العليــم عــن‬
‫�إيجــاد حــل اقتصــادي لهــذه المشــكلة؟! وهــل البشــر الذيــن �ألغـوا الــرق و�أعطـوا العمــال‬
‫حريتهــم وفرضـوا لهــم ال�أجــور و َم َن ُحو ُهــم الحقــوق كانـوا �أكثــر علمـاً وقــدرة ورحمــة مــن‬
‫�إلــه ال�إ ســلام؟‬
‫يقــول المســلمون �أيض ـاً �أن �إلغــاء الــرق دفعــة واحــدة كان ســيؤدي �إلــى مشــاكل‬
‫واضطرابــات‪ .‬وهــذا �أيضـاً عــذر مرفــوض! فالمســلمون يتباهــون بـ�أن ال�إ ســلام جــاء لتغييــر‬
‫واقــع العــرب والبشــر جميع ـاً‪ ،‬و�أنــه ح ـ ّرم الكثيــر مــن مظاهــر الفســاد والظلــم‪ .‬فلمــاذا‬
‫اســتثنى ال�إ ســلام العبوديــة ولــم يح ّرمهــا‪ ،‬ســواء مباشــرة كتحريــم الربــا‪� ،‬أو بالتــد ّرج‬
‫كتحريــم الخمــر؟‬

‫((( ما تزال بعض صور العبودية قائمة في بعض البلدان‪ ،‬مثل موريتانيا‪ ،‬ولكنها ممنوعة نظاماً‪.‬‬
‫‪- 39 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫يســتمر المســلمون بالدفــاع عــن �إباحــة الــرق ويقولــون �أن ال�إ ســلام �أراد �إنهــاء‬
‫العبوديــة عبــر تشــريع ال َك َّفــارات والتشــجيع علــى عتــق الرقــاب! وهــذا �أيضـاً عــذر مــردود‬
‫ومرفــوض‪ .‬فمــن �أراد �إنهــاء الــرق بهــذه الطريقــة فــ إ�ن عليــه التضييــق علــى مصــادره‬
‫والتوســيع علــى مصارفــه‪ .‬وال�إ ســلام لــم يفعــل ذلــك‪ ،‬بــل �أبقــى مصــادر الرقيــق متدفقــة!‬
‫ف�أســرى الحــروب وســباياها يصبحــون رقيق ـاً‪ .‬و�أطفــال العبيــد يصبحــون عبيــداً �أيض ـاً‪.‬‬
‫و�أسـواق النخاســة مباحــة وتجارتهــا رائجــة فــي كافــة ال�أقطــار ال�إ ســلامية‪� .‬إذاً‪ ،‬فال�إ ســلام‬
‫وســع بــاب العتــق فــي الكفــارات بحيــث يتجــاوز عــدد العتقــاء عــدد المســتعبدين‬ ‫لــم ُي ِّ‬
‫الجــدد‪ .‬ويالتالــي‪ ،‬فعتــق الكفــارات لــن يــؤدي �أبــداً �إلــى تحريــر جميــع العبيــد‪.‬‬
‫ال�إ ســلام �أيضــاً لــم يدعــم عتــق العبيــد �أو يشــجع عليــه دائمــاً‪ .‬فالعبــد ال�آبــق‬
‫(الهــارب مــن س ـ ّيده) مثــلاً لا َيـــقبل اللــه منــه صلاتــه حتــى يعــود �إلــى ســيده! ولــو‬
‫كان ال�إ ســلام جــاداً فــي تقديــر قيمــة الحريــة واعتبارهــا حقـاً �إنســانياً‪ ،‬لمــا �أجبــر العبــد‬
‫الهــارب علــى العــودة �إلــى العبوديــة‪ ،‬ولــكان فــرض عليــه �أي عقوبــة �أخــرى �إن �أراد‬
‫تعويــض ســيده عــن قيمتــه مثــلاً‪ .‬ومــن ظلــم تشــريعات ال�إ ســلام �أيضـاً تفضيــل �إهــداء‬
‫العبــد �إلــى ال�أقــارب علــى منحــه حريتــه! ففــي الحديــث المتفــق عليــه‪ :‬عــن �أم المؤمنيــن‬
‫ميمونــة بنــت الحــارث �أنهــا �أعتقــت وليــدة (جاريــة) ولــم تســت�أذن النبــي‪ ،‬فلمــا كان‬
‫يومهــا الــذي يــدور عليهــا فيــه‪ ،‬قالــت‪ :‬يــا رســول اللــه �إنــي �أعتقــت وليدتــي؟ قــال‪� :‬أ َو‬
‫فعلــت؟ قالــت‪ :‬نعــم‪ .‬قــال‪� :‬أمــا �إنــك لــو �أعطيتهــا �أخوالــك كان �أعظــم ل�أجــرك!‬
‫�إن الواقــع والتجربــة التاريخيــة تدحــض عــذر المســلمين فــي كــون ال�إ ســلام يريــد‬
‫التخلــص مــن العبوديــة‪ .‬فهــذا المقصــد ال�إ ســلامي المزعــوم لــم يفلــح ط ـوال ‪ ١٤‬قرن ـاً‬
‫فــي �إنهــاء العبوديــة! ولــم تنتهــي العبوديــة فــي البلــدان ال�إ ســلامية �إلا فــي �أواخــر القــرن‬
‫العشــرين‪ ،‬وبق ـرارات دوليــة‪ .‬حيــث كانــت موريتانيــا هــي �آخــر بلــد فــي العالــم ينهــي‬
‫العبوديــة بشــكل رســمي عــام ‪١٩٨١‬م!‬
‫وعلــى الرغــم ممــا وصــل لــه ال�إ نســان اليــوم مــن رقــي فــي مجــال حقــوق ال�إ نســان‪،‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫�إلا �أن المســلمين لــم ُيلغـوا �أو ُيج ِّرمـوا تشــريعات الــرق فــي كتبهــم ونصوصهم المقدســة!‬
‫وهــذا يعنــي �أن المســلمين((( قــد يعــودون �إلــى ممارســة الــرق والاتجــار بالبشــر فــي‬
‫�أي وقــت مســتقبلاً �إذا مــا ســنحت لهــم الظــروف! ف ـ�أي عــدل و�أخــلاق يتبجــح بهــا‬
‫�أصحــاب عقيــدة كهــذه؟!‬
‫�إن الديــن الــذي يشــرعن الــرق ويســمح باســتغلال عذابــات ال�إ نســان مــن �أجــل‬
‫مصالــح اقتصاديــة �أو توازنــات سياســية هــو بالت�أكيــد ديــن بشــري ولا يمــت لل�إ لــه‬
‫الرحيــم العــادل بِ ِص َلــة‪.‬‬

‫۞ظلم الحيوان‬
‫لــم يقتصــر ظلــم ال�إ ســلام لل�إ نســان‪ ،‬بــل تع ـدَّاه َ‬
‫ليلحــق بالحي ـوان! ومــن مظاهــر‬
‫هــذا الظلــم تشــريع ال�إ ســلام لذبــح الحيوانــات((( فــي الحــج بــال�آلاف وربمــا بالملاييــن‬
‫خــلال يــوم واحــد �أو بضعــة �أيــام ولغيــر ضــرورة معيشــية! ومــن فــرط ال�إ سـراف فــي ذبــح‬
‫الحيوانــات فــي ذلــك الطقــس الدينــي‪ ،‬فلقــد واجهــت الســعودية علــى ســبيل المثــال‬
‫مشــكلة حقيقيــة ط ـوال ســنوات فــي كيفيــة التعامــل مــع �أك ـوام اللحــوم والفضــلات‬
‫الناتجــة عــن هــذا العبــث‪ .‬ويعــود الفضــل ل�أم ـوال النفــط التــي مكنتهــا ســنة ‪١٩٨٣‬م‬
‫مــن توفيــر مســالخ ضخمــة وثلاجــات كبيــرة ووســائل نقــل مبــردة لاســتيعاب وتوزيــع‬
‫اللحــوم والتخلــص مــن ال�أشــلاء وذلــك تحــت مســمى «مشــروع ال�إ فــادة مــن الهــدي‬
‫وال�أضاحــي»‪ .‬فقبــل وجــود هــذا المشــروع‪ ،‬كانــت �أكثــر ال�أضاحــي تُذبــح و ُيلقــى‬
‫بجثثهــا فــي الطرقــات وبيــن المخيمــات وعلــى ســفوح الجبــال‪ .‬فهــدف الحجــاج كان‬

‫((( ويشاركهم في هذا اليهود �أيضاً‪ ،‬فهم لم يلغوا نصوص الاستعباد من نصوصهم المقدسة بحسب‬
‫ما �أعلم‪.‬‬
‫((( ذبح الحيوانات كقرابين لل�آلهة هو طقس ديني مارسه ال�إ نسان القديم في �أنحاء كثيرة من العالم‪.‬‬
‫ومحافظة ال�إ سلام على هذا الطقس البدائي دليل على �أصوله البشرية‪.‬‬
‫‪- 41 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫ت�أديــة «النُّ ُســك» وليــس �أكل اللحــم! كانــت تلــك اللحــوم وال�أشــلاء تُد َفــن �أو تُح ـ َرق‬
‫«منــى» حينــذاك تتحــول �إلــى‬ ‫�أو تتعفــن فــي الع ـراء دون �أن يســتهلكها �أحــد! كانــت ِ‬
‫مســلخ منتــن وقــذر نتيجــة للقتــل العشــوائي لتلــك الحيوانــات المســكينة(((‪ .‬ولقــد‬
‫ـمعت عــن بعــض التجــار ضعــاف ال�أنفــس فــي تلــك ال�أيــام الذيــن كان ـوا ي�أخــذون‬ ‫سـ ُ‬
‫مــن الجثــث الملقــاة ويطبخونهــا للزبائــن فــي مطاعمهــم فــي مكــة والبلــدات التــي‬
‫حولهــا!‬
‫وفــي مظهــر �آخــر مــن مظاهــر ظلــم ال�إ ســلام للحي ـوان‪ ،‬ف إ�ننــا نجــد ال�إ ســلام قــد‬
‫جعــل نعيــم ال�إ نســان فــي الجنــة نعيمـاً حيوانيـاً متمحــوراً حــول ال�أكل والشــرب والراحــة‬
‫والجنــس‪ .‬وهكــذا نعيــم هــو ممــا تحبــه وترغبــه الحيوانــات �أيضـاً‪ .‬فلمــاذا َيحـرِم ال�إ ســلام‬
‫الحيوانــات مــن هكــذا نعيــم؟‬
‫َيدّعــي ال�إ ســلام �أن اللــه هــو خالــق كل شــيء بمــا فــي ذلــك الحيوانــات‪ .‬وعليــه‪،‬‬
‫فهــو قــد خلــق الحيوانــات فــي بيئــة ال�أرض القاســية‪ ،‬وحرمهــا مــن العقــل الــذي كان‬
‫سيســاعدها فــي تجــاوز الكثيــر مــن مصاعــب حياتهــا (�أســوة بال�إ نســان)‪ .‬ونحــن نــرى‬
‫الكثيــر مــن الحيوانــات التــي ُظ ِلمــت و�أو ِذ َيــت‪ ،‬والتــي مرضــت وتعبــت‪ ،‬والتــي شــقيت‬
‫وحزنــت دون ذنــب �أو جريــرة اقترفتهــا‪ .‬فلمــاذا لا يجعلهــا هــذا ال�إ لــه تتنعــم بمتــع الجنــة‬
‫الحيوانيــة نظيــر مــا �أصابهــا فــي الدنيــا؟‬
‫�إن َتن ُّعــم الحيوانــات فــي الجنــة ســيكون �أقــرب للعــدل والرحمــة مــن مجــرد تحويلهــا‬
‫�إلــى تــراب يــوم القيامــة بعــد محاســبتها(((! وقــد يجــادل البعــض بــ�أن العجمــاوات‬

‫((( ثمة �إشارات عابرة ع ّما كان يحدث في منى قديماً بخصوص ال�أضاحي في هاتين المقالتين‬
‫الحديثتين في صحيفتي البلاد َو مكة السعوديتين‪ .‬ويمكن للمهتم البحث في ملفات البنك ال�إ سلامي‬
‫للتنمية كونه المعني بمشروع ال�إ فادة من ال�أضاحي‪.‬‬
‫((( جاء في الحديث الصحيح‪ :‬يقضي الله بين خلقه الجن وال�إ نس والبهائم‪ ،‬و �إنه ليقيد يومئذ‬
‫الجماء من القرناء‪ ،‬حتى �إذا لم يبق تبعة عند واحدة ل�أخرى قال الله‪ :‬كونوا ترابا‪ ،‬فعند ذلك يقول‬
‫الكافر‪ :‬يا ليتني كنت تراباً‪.‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫ةصوقنملا ةلادعلاو ملظلا‬

‫(الحيوانــات) لا تملــك عقــلاً‪ ،‬وبالتالــي لا تــدرك شــقاءها‪ ،‬وعليــه فليــس لهــا نعيــم‬
‫وليــس عليهــا عــذاب‪ .‬ولهــؤلاء �أقــول‪� :‬إن كان ال�أمــر كذلــك‪ ،‬فلمــاذا يبعثهــا اللــه‬
‫ويقضــي بينهــا حتــى تقتــص الشــاة الجلحــاء مــن الشــاة القرنــاء‪ ،‬ثــم ُيص ِّيــر الجميــع‬
‫ترابـاً؟! فـ إ�ن كانــت البهائــم لا تــدرك شــقاءها ال�أبــدي‪ ،‬فهــي �أيضـاً لا تــدرك مظالمهــا‬
‫الطارئــة‪ .‬وبالتالــي يكــون حســابها والقصــاص بينهــا فــي حكــم اســتحقاقها للنعيــم‬
‫والعــذاب‪ ،‬عبثــي ولا داعــي لــه!‬
‫�إن ظلــم الحيوانــات وقتلهــا دون حاجــة وعــدم تعويضهــا ع ّمــا لحقهــا مــن عــذاب‬
‫وشــقاء فــي الدنيــا هــو جانــب ظاهــر مــن المظالــم التــي شــرعها ال�إ ســلام‪ .‬وهــذه المظالم‬
‫تــدل بوضــوح علــى بشــرية هــذا الديــن وعبثيــة تشــريعاته‪.‬‬

‫***‬

‫‪- 43 -‬‬
‫الجناية على العقل‬
‫بعــد �أن اســتعرضنا بعــض مظاهــر الظلــم فــي ال�إ ســلام‪ ،‬نتطــرق فــي هــذا الفصــل‬
‫�إل ــى جناي ــة ال�إ س ــلام عل ــى العق ــل‪ .‬وعل ــى الرغ ــم م ــن الدعاي ــة والش ــعارات الت ــي‬
‫يبثه ــا المس ــلمون للتروي ــج لدينه ــم ب�أن ــه يحت ــرم العق ــل ويح ــث عل ــى التفكي ــر(((‪،‬‬
‫�إلا �أنن ــا س ــنرى كي ــف ُي ِ‬
‫لح ــق ال�إ س ــلام بعق ــل ال�إ نس ــان �أش ــد الض ــرر‪.‬‬

‫۞تعطيل العقل وسلب الحرية‬


‫لا خيــار للمســلم بعــد حكــم اللــه ورســوله! كمــا لا يحــق لــه التفكيــر �أو الشــك فــي‬
‫صلاحيــة مــا شــرعه اللــه‪� ،‬أو ال�إ تيــان بتشــريع بديــل‪ .‬ومــن ظــن �أن العقــل يمكنــه ال�إ تيــان‬
‫بتشــريع �أفضــل مــن تشــريعات اللــه فهــو كافــر ُمخلّــد فــي النــار! وهــذا مــا يقــرره القـر�آن‬
‫ـون َحتَّــى ُي َح ِّك ُمــوكَ فِي َمــا شَ ـ َ‬
‫ـج َر َب ْي َن ُه ـ ْم‬ ‫ـك َلا ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬ ‫فــي مواضــع كثيــرة‪ ،‬مثــل‪َ :‬ف ـ َلا َو َربِّـ َ‬
‫ـت َو ُي َسـلِّ ُموا َت ْسـ ِلي ًما ‪٦٥‬۝ النســاء‪ .‬ومثــل‪� :‬إ ِْن‬ ‫ثُـ َّم َلا َي ِجـ ُدوا فِــي �أنف ُِسـ ِه ْم َح َر ًجــا ِم َّمــا ق ََض ْيـ َ‬
‫س َلا َي ْع َل ُمـ َ‬
‫ـون‬ ‫ـك الدِّيـ ُـن ا ْل َق ِّيـ ُم َو َل ِكـ َّـن �أ ْك َثـ َر النَّــا ِ‬ ‫ا ْل ُح ْكـ ُم �إِ َّلا لِلَّـ ِه �أ َمـ َر �أ َّلا َت ْع ُبـ ُدوا �إِ َّلا �إِيَّــا ُه ذَلِـ َ‬
‫ون ‪٤٤‬۝ المائــدة‪.‬‬ ‫ـك ُهـ ُم ا ْل َكافِـ ُر َ‬ ‫‪٤٠‬۝ يوســف‪ .‬ومثــل‪َ :‬و َمـ ْـن َلـ ْم َي ْح ُكـ ْم بِ َمــا �أ ْنـ َزلَ اللَّـ ُه َف�أو َل ِئـ َ‬
‫ـان عقــلاً وحريـ ًة ثــم يســلبهما‬
‫ولل�إ نســان �أن يتســاءل هنــا‪ :‬كيــف يمنــح ال�إ لـ ُه ال�إ نسـ َ‬
‫منــه ب إ�عطائــه حلــولاً جاهــزة لا يمكنــه فحصهــا �أو نقدهــا �أو تنحيتهــا �أو الاعتــراض‬
‫عليهــا؟! �إن مثــل هــذه المعاملــة تليــق بمــن ليــس عنــده عقــل‪� ،‬أو بمــن هــو مســلوب‬
‫الحريــة‪ .‬وقــد يكــون هــذا بالفعــل مــا يقــرره ال�إ ســلام صراحــة‪:‬‬
‫ ‪-‬فلقــد نفــى ال�إ ســلا ُم العق ـ َل عــن �أكثــر البشــر الذيــن لا يؤمنــون بــه حيــن‬

‫((( سنتناول زيف دعوة ال�إ سلام للتفكير في فصل «المغالطات» تحت موضوع «الشعارات الزائفة»‬
‫‪- 44 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫قــال الق ـر�آن‪َ :‬بــل �أ ْك َث ُر ُه ـ ْم َلا َي ْع ِق ُلـ َ‬


‫ـون ‪٦٣‬۝ العنكبــوت‪.‬‬
‫َان لِ ُم ْؤ ِمــنٍ َو َلا ُم ْؤ ِم َنـ ٍة‬
‫وسـ َل َب الحريــة مــن المؤمنيــن بــه حيــن قــال‪َ :‬و َمــا ك َ‬ ‫ ‪َ -‬‬
‫ـون َل ُهـ ُم ا ْل ِخ َيـ َر ُة ِمـ ْـن �أ ْم ِر ِهـ ْم ‪٣٦‬۝ ال�أحـزاب‪.‬‬
‫�إِذَا ق ََضــى اللَّـ ُه َو َر ُســولُ ُه �أ ْمـ ًرا �أن َي ُكـ َ‬
‫ونجــد معــاداة ال�إ ســلام الصريحــة للعقــل فــي �آيــة �أخــرى �أيضــاً‪ ،‬حيــث يقــول‪:‬‬
‫الس ـ ِعي ِر ‪10‬۝ الملــك‪ .‬فــكل مــن‬‫ـاب َّ‬‫َوقَالُ ـوا َل ـ ْو ُكنَّــا َن ْس ـ َم ُع �أ ْو َن ْع ِق ـ ُل َمــا ُكنَّــا فِــي �أ ْص َحـ ِ‬
‫لــم يؤمــن بال�إ ســلام بحســب هــذه ال�آيــة يكــون غيــر عاقــل‪ ،‬حتــى و �إن امتلــك عقــلاً‬
‫يوصــل صاحبــه �إلــى ال�إ يمــان بال�إ ســلام هــو فــي حكــم‬ ‫فــي الحقيقــة؛ فالعقــل الــذي لا ِ‬
‫وصــل لهــا‬ ‫العــدم! وحتــى لــو اســتخدم ال�إ نســان عقلــه واتّبــع النتيجــة المنطقيــة التــي َت َّ‬
‫بعــد التفكيــر فــي هــذا الديــن‪ ،‬ف إ�نــه يبقــى بــلا عقــل بحســب هــذه ال�آيــة! وفــي هــذا‬
‫قمــع للعقــل وترهيــب للنــاس مــن اســتخدامه‪ ،‬ل�أن اســتخدامه قــد يــؤدي بصاحبــه �إلــى‬
‫العــذاب ال�أبــدي فــي النــار! لــذا فمــن ال�أســلم �أن يمتنــع ال�إ نســان عــن التفكيــر ويع ِّطـ َل‬
‫عقلــه و َيتَّ ِبـ َـع مــا جــاء بــه الديــن لكــي َيسـ َلم!‬
‫ومــن هنــا يتضــح �أن ال�إ ســلام يمــارس الابتـزاز العاطفــي((( علــى البشــر فــي محاولــة‬
‫�إلغــاء عقولهــم ومصــادرة ُحرياتهــم‪ .‬و�أكثــر مــا يبتزهــم بــه هــو تخويفهــم وتهديدهــم‬
‫بالعــذاب‪ .‬يقــول القـر�آن فــي �آيــة �أخــرى‪َ :‬ف ْل َي ْحـ َـذ ِر الَّ ِذيـ َـن ُي َخالِ ُفـ َ‬
‫ـون َعـ ْـن �أ ْمـ ِر ِه �أ ْن تُ ِصي َب ُهـ ْم‬
‫اب �ألِيــ ٌم ‪٣٦‬۝ النــور‪ .‬ومــن يقــع فــي حبائــل ابتــزاز ال�إ ســلام ف إ�نــه‬ ‫فِ ْت َنــ ٌة �أ ْو ُي ِصي َب ُهــ ْم َع َــذ ٌ‬
‫يغــدو �أســيراً بالكامــل لهــذا الديــن وتعاليمــه بدافــع الخــوف‪ .‬فيفقــد حريــة التفكيــر‬
‫وحريــة التعبيــر والقــدرة علــى النقــد‪ ،‬ولا يبقــى �أمامــه ســوى الانقيــاد الكامــل لل�إ ســلام‬
‫وللناطقيــن باســمه مــن علمــاء وشــيوخ! وليــت �أن ال�أمــر يقــف عنــد هــذا الحــد‪ ،‬بــل‬
‫يصبــح المؤمــن يتهــم نفســه ويتهــم عقلــه فيمــا لــو َف َّكــر بشــيء يخالــف الديــن! فيغــدو‬

‫((( الابتزاز العاطفي هو �أحد �أشكال التلاعب النفسي‪ ،‬ويحدث خلاله استخدام منظومة من‬
‫التهديدات و�أنواع مختلفة من العقوبات يوقعها شخص ما على �آخر قريب منه في محاولة للسيطرة‬
‫على سلوكه‪ .‬وسنتطرق له لاحقاً في فصل «�أخلاق ال�إ سلام»‪.‬‬
‫‪- 45 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫يــرى خطـ�أ الديــن ولا يعتــرف بــه‪ ،‬بــل يناقــض نفســه ويكابِــر مــع مجادليــه‪ ،‬و ُيصـ ّر علــى‬
‫�أن الديــن هــو الص ـواب وكل مــا غيــره هــو الباطــل! علــى طريقــة‪ :‬عنــز ولــو طــارت!‬
‫�إن العقــل هــو ال�أداة الوحيــدة التــي يمتلكهــا ال�إ نســان ل�إ دراك الوجــود ولتحليــل‬
‫الموجــودات والحــوادث ومــن ثــم الحكــم عليهــا‪ .‬ونتيجــة لتنحيــة العقــل ومعــاداة‬
‫حريــة التفكيــر‪َ ،‬ف َقـ َد المســلمون القــدرة علــى تحليــل ونقــد �أوضاعهــم و �إيجــاد الحلــول‬
‫لمشــاكلهم‪ .‬لقــد توفق ـوا عــن التط ـ ّور وتمســكوا ب�أفــكار ناقصــة عتيقــة ِ‬
‫حســبوا �أنهــا‬
‫جــاءت مــن عنــد ال�إ لــه! لقــد استســلموا تمامـاً للدين‪ ،‬و�أصبحوا يلتمســون عنــده الحلول‬
‫الجاهــزة لجميــع شــؤونهم‪ .‬وبتخلــي المســلمين عــن جــزء مــن عقولهــم وخوفهــم مــن‬
‫اســتخدامها ومعاداتهــم لهــا ف إ�نهــم قــد َتخلَّـوا عــن جــزء كبيــر مــن �إنســانيتهم لل�أســف‪.‬‬
‫ف ـ�أي ديــن هــذا الــذي َيجنــي علــى معتنقيــه كل هــذه الجنايــة؟!‬

‫۞الغيـبـيـات‬
‫ال�إ يمــان بالغيــب فــي ال�إ ســلام يعنــي التصديــق بــكل �أمــر لا يعلمــه �إلا اللــه ولا‬
‫يمكــن لل�إ نســان معرفتــه �إلا عــن طريــق «الوحــي ال�إ لهــي» المزعــوم الــذي �أخبــر بــه‬
‫النبــي‪ .‬ومــن �أمثلــة الغيبيــات‪ :‬ال�إ لــه وصفاتــه والملائكــة والجنــة والنــار �إلــخ‪َ .‬يف ـرِض‬
‫ال�إ ســلام ال�إ يمــان بالغيــب علــى �أتباعــه دون منحهــم �أي دليــل حســي �أو عقلــي عليــه‪،‬‬
‫وهــذا ممــا يتناقــض مــع العقــل حتم ـاً! و �إنــه لمــن العبــث �أن َيخ ُلــق ال�إ لــه ‪-‬المزعــوم‪-‬‬
‫ـان فــي عالــم الشــهادة((( ثــم يطالبــه بال�إ يمــان بالغيــب ويحاســبه علــى ذلــك! �إن‬ ‫ال�إ نسـ َ‬
‫هــذا يشــبه‏وضــع شــخص فــي مختبــر للكيميــاء‪ ،‬وتقديــم جميــع مراجــع الكيميــاء لــه‪،‬‬
‫ومطالبتــه بالدراســة والبحــث فــي مجــال الكيميــاء‪ ،‬ثــم فــي النهايــة اختبــاره فــي مــادة‬
‫الجغرافيــا!‬

‫((( «عالم الشهادة» هو تعبير ُيستخدم في مقابل عالم الغيب‪ .‬وهو يعني العالم المشهود الذي‬
‫يمكننا �إدراكه بحواسنا �أو قياسه بطريقة مباشرة �أو غير مباشرة‪.‬‬
‫‪- 46 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫كيـف يسـتقيم تجهيـز ال�إ نسـان بهـذه الحـواس التـي تتعامـل مـع الوجـود المـادي‪،‬‬
‫ومنحـه العقـل الـذي ُيم ّكنـه مـن �إدراك وفِهـم هـذا الوجود المادي‪ ،‬ثـم مطالبته بال�إ يمان‬
‫بعوالم ماورائية (ميتافيزيقية) لا دليل على وجودها؟! �إن هذا السـلوك هو امتهان للعقل‪،‬‬
‫ومحاولـة لتعطيلـه و �إخراجـه مـن دائـرة صنـع القـرار‪ ،‬ومنعـه من تحديد مصير ال�إ نسـان‪.‬‬
‫ولــو �أن هنــاك �إلــه حقيقــي يريــد اختبــار عبــاده فــي الدنيــا بواســطة ديــن يرســله لهــم‪،‬‬
‫ف إ�نــه مــا كان ســيقيم دينــه هــذا علــى مــا هــو غيبــي‪ ،‬بــل كان َس ُيـ ِقـــيمه علــى مــا هــو‬
‫مشــهود (�أي العالــم الواقعــي الــذي يعيــش فيــه ال�إ نســان)‪َ .‬‬
‫ولج َع ـ َل هــذا ال�إ لــه العمــل‬
‫الصالــح فريضــة علــى عبــاده فــي الدنيــا ومــن �أجــل الدنيــا‪ .‬وبهــذه الطريقــة‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ لــه‬
‫ســيحقق عــدة منافــع‪:‬‬
‫‪1.‬سيجعل عباده «عقلانيين» يستخدمون عقولهم التي وهبها لهم‪.‬‬
‫‪2.‬ســيجعل عبــاده « َع َملييــن» َيـ ْتـ ـ َبعون المصلحــة مــن �أجــل تحســين حياتهــم‬
‫وتطويرهــا‪.‬‬
‫‪3.‬ســيجعل عبــاده « ِع ْلمييــن» ّ‬
‫يتمســكون بالعلــم ومنافعــه ويبتعــدون عــن الخرافــة‬
‫ومســاوئها‪.‬‬
‫‪4.‬ســيحمي نفســه مــن �إقامــة ال ُح َّجــة عليــه‪ .‬فال�إ لــه ســيكون قــد وضــع البشــر فــي‬
‫بيئــة مغلقــة ُيم ِكـــنهم بحثهــا ومعرفتهــا وتطويرهــا‪ ،‬وليــس هنــاك شــيء خــارج‬
‫تلــك البيئــة (غيبيــات �أو ماورائيــات) يرتبــط بهــا مصيرهــم‪ .‬فهــذه الماورائيــات‬
‫قــد يقتنــع بهــا البعــض وقــد لا يقتنــع‪ .‬فالقناعــة بهــا تقــوم علــى مجــرد �أمانــي‬
‫�أو علــى منطــق ركيــك يســهل نقضــه‪ ،‬وليــس للعقــل فيهــا كبيــر نصيــب‪ .‬وفــي‬
‫هــذه الحالــة ســيكون لمــن لا يؤمــن بتلــك الماورائيــات حجــة علــى ال�إ لــه لــو‬
‫�أراد ال�إ لــه محاســبته عليهــا‪.‬‬
‫وفــي المحصلــة‪ ،‬فـ إ�ن قيــام الديــن علــى الغيــب يــدل بوضــوح علــى هــدف مؤســس‬

‫‪- 47 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫الديــن المتمثِّــل فــي جعــل النــاس يتبعونــه اتِّباعــاً �أعمــى بحجــة الخــوف مــن �إلــه‬
‫ميتافيزيقــي يملــك نــاراً ميتافيزيقيــة يعــذب بهــا النــاس! وفــي هــذه الحالــة لا يكــون‬
‫للعقــل والعلــم كبيــر قيمــة‪ ،‬بــل ولــن يكــون للدنيــا �أيضـاً كبير قيمــة‪ ،‬ففســادها وصلاحها‬
‫ســيان‪ .‬المهــم هــو صــلاح ال�آخــرة (الغيــب)‪ ،‬وهــذا الصــلاح لا يـ�أ ِت بصــلاح الدنيــا‬
‫عبــر العقــل والعلــم‪ ،‬و �إنمــا باتبــاع مؤســس الديــن! وهكــذا ديــن يقــوم علــى هكــذا غيــب‬
‫ليــس �إلا وصفــة خبيثــة للاســتبداد وقهــر ال�إ نســان وتجريــده مــن حريتــه وعقلــه!‬

‫۞الخرافات وال�أساطير‬
‫يمتلــئ ال�إ ســلام بالخرافــات والمعج ـزات وال�أســاطير والخ ـوارق‪ ،‬وفيمــا يلــي بعــض‬
‫النمــاذج‪:‬‬
‫ ‪-‬اســتخدام ال�أنبيــاء لوســائل نقــل غريبــة‪ ،‬مثــل ســفر محمــد �إلــى الســماء‬
‫علــى ظهــر دابــة وتن ّقــل ســليمان عبــر الريــح‪.‬‬
‫ ‪-‬تحويــل الجمــادات �إلــى كائنــات حيــة‪ ،‬مثــل تحويــل عصــا موســى �إلــى‬
‫ثعبــان و �إخـراج ناقــة صالــح مــن الصخــر‪.‬‬
‫ ‪-‬شق البحر لموسى والقمر لمحمد‪.‬‬
‫ ‪-‬تك ـرار �أســاطير الشــعوب القديمــة‪ ،‬ك�أســطورة ي�أجــوج وم�أجــوج وذي‬
‫القرنيــن‪.‬‬
‫ ‪-‬كلام الحيوانات مع البشر‪.‬‬
‫ ‪-‬ت�أثير الجن والملائكة والسحر‪.‬‬
‫ ‪-‬ربــط الظواهــر الطبيعيــة بغضــب ال�آلهــة‪ ،‬مثــل الخســوف والكســوف‬
‫والريــاح‪.‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫ ‪-‬ت�أثير الكلام المج َّرد (الدعاء) على ال�أشياء والظواهر الطبيعية‪.‬‬


‫ال�إ ســلام ُيقـدّم هــذه الخرافــات كحقائــق لا شــك فيهــا ال َبتَّــة‪ ،‬و ُيك ِّفــر مــن لا يؤمــن‬
‫بهــا ويتو َّعــده بالعــذاب ال�أبــدي فــي نــار جهنــم! كمــا �أنــه يجعــل مــن هــذه القصــص‬
‫وال�أحــداث اللاعقلانيــة ركنــاً ركينــا فــي بنــاء عقيدتــه وتشــريعاته‪ ،‬ويســتخدمها فــي‬
‫الدعــوة والوعيــد وضــرب ال�أمثــال واســتخلاص ال ِعـ ـ َبر‪.‬‬
‫ويبــدو جلي ـاً مــدى اتســاق ال�إ ســلام فــي هــذا المجــال مــع فكــر القــرون الوســطى‬
‫وتماهيــه مــع حــدود المعرفــة التــي كانــت منتشــرة حينهــا بيــن النــاس‪ .‬وهــو بهــذا يدلــل‬
‫بشــكل قاطــع علــى بشــريته واســتحالة قدومــه مــن عنــد �إلــه ُيفتـ َرض بــه �أن يكــون عالمـاً‬
‫وحكيمـاً‪.‬‬
‫ولنناقــش باقتضــاب جانبــاً مــن جوانــب الخرافــة فــي ال�إ ســلام‪ ،‬وهــو معجــزات‬
‫ال�أنبيــاء‪� .‬إن موقــف ال�إ ســلام مــن المعجـزات ُم ْل َت ِبــس‪ .‬فهــو يقــول �أنــه لــن َيمنــح الرســول‬
‫محمــداً �أي معجــزة ل�أن هــذا ال�أســلوب فشــل مــع ال�أمــم الســابقة‪ ،‬كمــا جــاء فــي‬
‫القـر�آن‪َ :‬و َمــا َم َن َع َنــا �أن نُّ ْر ِسـ َل بِا ْل�آ َيـ ِ‬
‫ـات �إِ َّلا �أن َكـ َّذ َب بِ َهــا ا ْل�أ َّولُـ َ‬
‫ـون ‪٥٩‬۝ ال�إ سـراء‪ .‬ولكننــا نجــد‬
‫القـر�آن يستشــهد بمعجـزات الرســل الســابقين ويطلــب مــن النــاس ال�إ يمــان بهــا! فكيــف‬
‫يقــول �إنــه لــن يعطــي محمــداً معجــزة ل�أن النــاس ســيكفرون بهــا‪ ،‬ثــم يطلــب مــن النــاس‬
‫ال�إ يمــان بمعج ـزات لــم يروهــا ل�أنبيــاء ســابقين؟! ولا يكتفــي ال�إ ســلام بالتناقــض عنــد‬
‫هــذا الحــد‪ ،‬بــل نجــده يتراجــع عــن كلامــه الســابق ويعطــي محمــداً معجــزة «انشــقاق‬
‫القمــر» و «ال�إ سـراء والمعـراج» وغيرهــا كمــا يزعــم كثيــر مــن المســلمين!‬
‫�إن الاستشــهاد بالمعج ـزات يجعــل ال�إ ســلام غيــر صالــح لــكل زمــان كمــا يدّعــي‬
‫المســلمون‪ .‬فالمعجــزة ُح ّجــة علــى مــن يشــهدها‪ ،‬وهــي لمــن س ـواه مجــرد غيــب‪.‬‬
‫وهــذا النــوع مــن الغيــب نســبة تكذيبــه �أعلــى مــن نســبة تصديقــه‪ ،‬ل�أنــه مــن خ ـوارق‬
‫العــادات وقــد يكــون مســتحيل الوقــوع‪� ،‬أي �أنــه مجــرد �أســاطير �أو خرافــات‪ .‬وبالتالــي‪،‬‬
‫فطــرح تلــك ال�أحــداث كحقائــق يقينيــة يزيــد مــن �إشــكالية الديــن‪ ،‬ويمنــح الكافريــن‬
‫‪- 49 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫تبريـراً �إضافيـاً لرفضــه‪ .‬فهــل اللــه كان حريصـاً علــى صــد النــاس عــن دينــه حينمــا �أورد‬
‫القصــص ال�أســطورية فــي كتابــه‪� ،‬أم �أن كاتــب الق ـر�آن لــم يجــد شــيئاً يمــل�أ بــه كتابــه‬
‫ســواها؟! ولقــد فطــن النــاس زمــن محمــد لهــذه ال�إ شــكالية وحاججــوه بهــا‪ ،‬كمــا‬
‫ـاطي ُر ا ْل�أ َّو لِيـ َـن ا ْك َت َت َب َهــا َف ِهـ َـي تُ ْم َلـ ٰـى َع َل ْيـ ِه ُب ْكـ َر ًة‬
‫�أشــار لذلــك القـر�آن فــي قولــه‪َ :‬وقَالُـوا �أ َسـ ِ‬
‫َو�أ ِصي ـ ًلا ‪٥‬۝ الفرقــان‪.‬‬
‫ُيحدِّثنــا القـر�آن �أيضـاً عــن قــدرات اللــه الخرافيــة التــي لا دليــل عليهــا ولا فائــدة مــن‬
‫معرفتهــا �أصــلاً! مثــل مخاطبــة اللــه‪ :‬لل�أج ـرام الســماوية ولــل�أرض وللجمــادات كالنــار‬
‫والجبــال وللعجمــاوات كالطيــور والحيتــان! ثــم يقــوم بتصويــر هــذه ال�أشــياء ككائنــات‬
‫عاقلــة تســمع وتســتجيب وتفكــر وتختــار!‬
‫وبال�إ ضافــة لهــذا العبــث‪ ،‬فــ إ�ن ال�إ ســلام يجعــل ال�إ نســان يعتقــد ويؤمــن بوجــود‬
‫مخلوقــات غيبيــة (ماورائيــة �أو ميتافيزيقيــة) لا دليــل علــى وجودهــا‪ ،‬مثــل الملائكــة‬
‫والجــن والشــياطين‪ .‬ويحــث ال�إ نســان علــى حبهــا وتقديرهــا �أو كرههــا والخــوف منهــا!‬
‫كمــا �أن ال�إ ســلام يوهــم النــاس بحقيقــة الســحر والعيــن وضررهمــا‪ .‬وفــي الحقيقــة‪،‬‬
‫فال�إ يمــان بـ�أن ل�أعمــال الشــعوذة ولل�أشــباح ت�أثيــر وتداخــل مــع الواقــع يؤثــر ســلباً علــى‬
‫الصحــة النفســية والســلامة العقليــة ل�أعــداد كبيــرة مــن المســلمين!‬
‫�إن العقيــدة المتضمنــة للخرافــات وال�أســاطير تحكــم علــى معتنقهــا بالجمــود‬
‫العقلــي‪ ،‬وتحــدد لــه ســقفاً معرفيـاً لا يتجــاوز مــا كان ســائداً فــي ال�أزمنــة الغابــرة‪� ،‬أزمنــة‬
‫الجهــل والطفولــة العقليــة! وال�إ يمــان بهكــذا عقيــدة ليــس �إلا جريمــة فــي حــق العقــل‪.‬‬
‫فهــذه العقيــدة حتم ـاً لا تصلــح لل�إ نســان الحديــث الــذي يســعى نحــو المزيــد مــن‬
‫العلــم والمعرفــة الحقيقيــة‪ ،‬ولا يقتنــع �إلا بالتجربــة والدليــل والبرهــان‪.‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫۞منع ال�أسئلة‬
‫َيمنــع ال�إ ســلام �أتباعــه مــن مســاءلة اللــه �أو مناقشــة �أحكامــه‪ ،‬حيــث يقــول القـر�آن‬
‫عــن اللــه‪َ :‬لا ُي ْسـ�ألُ َع َّمــا َي ْف َعـ ُل َو ُهـ ْم ُي ْسـ�ألُ َ‬
‫ون ‪٢٣‬۝ ال�أنبيــاء‪.‬‬
‫ويمنــع ال�إ ســلام �أيضـاً مــن طــرح ال�أســئلة علــى النبــي‪ ،‬حيــث يقــول القـر�آن‪َ :‬يــا �أيُّ َهــا‬
‫الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُنـوا َلا َت ْسـ�ألُوا َعـ ْـن �أشْ ـ َيا َء �إِن تُ ْبـ َد َل ُكـ ْم َت ُسـ ْـؤ ُك ْم َو �إِن َت ْسـ�ألُوا َع ْن َهــا ِحيـ َـن ُي َنـ َّزلُ‬
‫۝ َقـ ْد َسـ�أ َل َها َقـ ْو ٌم ِّمــن َق ْب ِل ُكـ ْم ثُـ َّم‬ ‫كـ ْم َع َفــا اللَّـ ُه َع ْن َهــا ۗ َواللَّـ ُه َغ ُفــو ٌر َح ِليـ ٌم ‪١٠١‬‬‫ا ْل ُقـ ْر�آ ُن تُ ْبـ َد َل ُ‬
‫۝ المائــدة‪.‬‬ ‫ـن ‪١٠٢‬‬‫�أ ْص َب ُحـوا بِ َهــا كَافِرِيـ َ‬
‫�إذاً‪ ،‬فال�إ ســلام يبــرر منــع طــرح ال�أســئلة علــى النبــي بالتخفيــف علــى المؤمنيــن‪ ،‬ل�أن‬
‫السـؤال يســتلزم �إجابــة‪ ،‬وال�إ جابــة قــد ت�أتــي بتشــريع جديــد ســكت عنــه اللــه‪ ،‬وقــد ت�أتــي‬
‫ب�أمــر شــديد لا يطيقــه المؤمنــون �أو غريــب لا يصدقونــه‪ ،‬فيكــون ذلــك وبــالاً عليهــم! ولا‬
‫يمكــن تصـ ّور ديــن يدّعــي �أنــه مــن عنــد الخالــق العالــم بــكل شــيء ثــم يمنــع ال�أســئلة‬
‫ويخشــاها! �إن منــع ســؤال النبــي بهــذه الطريقــة يعنــي �أن اللــه ليــس لديــه �أحــكام‬
‫مســبقة محــددة فــي اللــوح المحفــوظ كمــا يدّعــي‪ .‬بــل هــو �إلــه انفعالــي يغضــب‬
‫لمجــرد السـؤال ويعاقــب عبــاده جميعـاً ‪-‬وليــس الســائل فقــط‪ -‬بمزيــد مــن التشــريعات‬
‫وال�أحــكام الانتقاميــة الجديــدة‪ ،‬عوضـاً عــن معاملتهــم برحمــة و �إجابتهــم بحكمــة!‬
‫يقــول محمــد فــي الحديــث المتفــق عليــه‪ :‬دعونــي مــا تركتكــم‪� ،‬إنمــا �أهلــك‬
‫مــن كان قبلكــم كثــرة س ـؤالهم واختلافهــم علــى �أنبيائهــم‪ ،‬ف ـ إ�ذا َنهي ُتكــم عــن شــيء‬
‫فاجتنبــوه‪ ،‬و �إذا �أمرتكــم ب�أمــر ف�أت ـوا منــه مــا اســتطعتم؛ متفــق عليــه‪.‬‬
‫ونجــد فــي هــذا الحديــث ســبباً �آخ ـراً يســوقه ال�إ ســلام لمنــع س ـؤال النبــي‪ ،‬وهــو‬
‫الا ِّدعــاء بـ�أن طــرح ال�أســئلة يقــود �إلــى الاختــلاف! وهــذا مخالــف للحقيقــة التاريخيــة‬
‫وللواقــع المج ـ َّرب! فالتاريــخ والواقــع يقــولان �أن طــرح ال�أســئلة هــو بدايــة كل معرفــة‪،‬‬
‫وبالتالــي فال�أســئلة تزيــد مــن علــم ال�إ نســان‪ ،‬وكلمــا زاد العلــم َق ـ َّل الاختــلاف وليــس‬

‫‪- 51 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫العكــس‪.‬‬
‫المجــال ال�آخــر الــذي مــ َنع ال�إ ســلام السـؤال عنــه هــو مجــال ال�أســئلة الوجوديــة‪.‬‬
‫فلقــد م َنــع المســلمين مــن طرحهــا علــى ال�آخريــن وحتــى علــى �أنفســهم‪ ،‬مثــل سـؤال‪:‬‬
‫مــن َخ َلـ َـق اللــه؟ كمــا اعتــ َبر �أن هــذه ال�أســئلة مــن وسوســة الشــيطان! وقـدّم لهــا �أجوبــة‬
‫�أو ت�أويــلات محــددة‪ ،‬و�أوجــب علــى المســلمين اتِّباعهــا وعــدم مخالفتهــا‪ .‬قــال محمــد‪:‬‬
‫ي�أتــي الشــيطا ُن �أحدَكــم فيقــول مــن خلــق كــذا وكــذا؟ حتــى يقــول لــه مــن خلــق ربَّــك؟‬
‫فـ إ�ذا بلــغ ذلــك فليســتعذ باللــه ولينتــه؛ رواه مســلم‪.‬‬
‫لــو حــاول ال�إ نســان فهــم الســبب الحقيقــي لمنــع ال�أســئلة فــي ال�إ ســلام‪ ،‬ف إ�نــه‬
‫ـف رغبــة محمــد فــي ســد بــاب قــد يــؤدي �إلــى فضــح كذبــه‪ .‬فكثيــر مــن �أحــكام‬ ‫َيس َت ِشـ ّ‬
‫دينــه غيــر عقلانيــة‪ ،‬ولــو تُـرِك البــاب مفتوحـاً للاعتراضــات العقلانيــة والمنطقيــة‪ ،‬فـ إ�ن‬
‫حقيقــة الديــن ستنكشــف وســينهار المشــروع كامــلاً‪.‬‬
‫و �إن كان فقهــاء ال�إ ســلام بعــد محمــد قــد فتحـوا الباب لل�أســئلة‪ ،‬ف إ�نه ف َــ ْت ٌح مشــروط‬
‫بقبــول �إجابــات الديــن وعــدم رفضهــا �أو تحدِّيهــا‪ .‬وحـ َّذر �أولئــك الفقهــاء النـ َ‬
‫ـاس مــن �أ َّن‬
‫عــدم قبــول �إجابــات الديــن علــى �أســئلتهم ُي َعـ ُّد معصيــة تســتوجب العقوبــة فــي الدنيــا‬
‫وال�آخــرة! كمــا حـ َرم �أولئــك الفقهــاء المســلمين مــن تعلُّــم مهــارات التفكيــر والتحليــل‬
‫والاســتنتاج‪ ،‬فمنعـوا عنهــم علــم المنطــق والفلســفة مثــلاً ‪ ،‬فقــال بعضهــم «مــن تمنطــق‬
‫فقــد تزنــدق»‪ .‬وغرسـوا فــي عقولهــم اتِّبــاع �أوامــر الديــن حتــى و �إن لــم يعرفـوا مبرراتهــا‬
‫ولــم يفهمـوا الحكمــة منهــا! وكانـوا يــروون عــن علــي بــن �أبــي طالــب قولــه‪« :‬لــو كان‬
‫ـف �أولــى بالمســح مــن �أعــلاه»!‬ ‫الديــن بالـر�أي لــكان �أســفل ُ‬
‫الخـ ِّ‬
‫وبمثــل هــذا التخويــف والتجهيــل يســتمر ال�إ ســلام‪ ،‬ويســتمر الحكــم علــى عقــول‬
‫المســلمين بالجمــود‪ ،‬و �إرغامهــم علــى قبــول ال�إ جابــات ال ُمقَو َلبــة والجاهــزة‪ .‬و�أ َّمــة هــذا‬
‫حــال �أفرادهــا لا يمكنهــا �أن تتطــور اجتماعيـاً �أو حقوقيـاً �أو سياســياً �أو علميـاً �أو صناعياً‪.‬‬

‫‪- 52 -‬‬
‫لقعلا ىلع ةيانجلا‬

‫�إن الموقــف المخــزي لل�إ ســلام مــن طــرح ال�أســئلة و �إعمــال العقــول هــو دليــل‬
‫واضــح علــى بشــرية هــذا الديــن‪ .‬ورغبتــه فــي تكويــن مجــرد �أتْبــاع يفعلــون مــا ُيؤ َمــرون‬
‫دونمــا تفكيــر �أو اختيــار ُحــر‪ .‬ولا يمكــن �أن يكــون هــذا مـراد �إلــه يزعــم �أنــه الخالــق و�أنــه‬
‫واهــب العقــل والحريــة للبشــر!‬

‫***‬

‫‪- 53 -‬‬
‫المغالطات‬
‫المنتصــر علــى مخالفيــه‪ .‬ويزعــم �أنه صاحب‬ ‫ِ‬ ‫يحــاول ال�إ ســلام دائمـاً الظهــور بمظهــر‬
‫فحــم‪ ،‬و�أنــه قــد ســد �أبـواب الشــك جميعهــا �أمــام الخلــق‪،‬‬ ‫الحجــة الدامغــة والــرد ال ُم ِ‬
‫و�أجــاب علــى كل شُ ـ ُب َهاتِ ِهم(((‪ ،‬و�أنــه لــم َي ُع ـ ْد �أمامهــم �إلا ال�إ يمــان بــه �أو القبــول‬
‫بجهنــم! ولقــد َص ـدَّق المســلمون هــذه المزاعــم تحــت وط ـ�أة التقديــس والخــوف‬
‫مــن العــذاب‪ ،‬و�آمن ـوا ب ـ�أن لل�إ ســلام الكعــب العالــي فــي مقارعــة الحجــج ومنازلــة‬
‫الخصــوم والــرد علــى المشــككين! ف�أصبحــت عندهــم ردود الق ـر�آن والســنة علــى‬
‫المخالفيــن هــي الــردود المفحمــة والحجــج الدامغــة‪ ،‬حتــى و �إن كانــت تلــك الردود‬
‫هزيلــة وجوفــاء! فوجــود رد علــى كل شــبهة هــو الغايــة عنــد المســلمين‪ ،‬بغــض النظــر‬
‫عــن قــوة تلــك الــردود و ُح ِّج َي ِت َهــا‪ .‬و �إذا مــا نظرنــا للواقــع وجدنــا �أن ال�إ ســلام لا َيــكاد‬
‫ُيق ِنــع �أحــداً مــن غيــر المســلمين(((! وسنســتعرض فــي هــذا الفصــل مع ـاً عزيــزي‬
‫القــارئ بعــض مغالطــات ال�إ ســلام ونحــاول تفنيــد عــدد مــن حججــه وبيــان خوائهــا‪.‬‬

‫۞غياب ال�أدلة‬
‫ُيقـدِّم ال�إ ســلا ُم «اللـ َه» كتفســير وحيــد للكثيــر ممــا يجهلــه �أو كان يجهلــه ال�إ نســان!‬
‫فعندمــا لا يعــرف ال�إ نســان مــن َخ َلـ َـق الكائنــات مثــلاً‪ ،‬فـ إ�ن هــذا الديــن يتقـدّم ويدّعــي‬
‫بــ إ�ن �إلهــه «اللــه» هــو خالــق هــذه الكائنــات‪ ،‬بــل وخالــق كل شــيء‪ ،‬ومدبــر كل‬

‫((( «الشبهة» تعبير �إسلامي ُيس َتخدَم ل�إ دانة �أي اعتراض �أو تشكيك �أو نقد لل�إ سلام حتى قبل‬
‫تمحيصه والرد عليه! ف�إدانة ال�إ سلام مرفوضة ابتدا ًء بغض النظر عن صحة تلك ال�إ دانة من عدمها!‬
‫((( سيقول بعض المسلمين هنا ب�أن ال�إ سلام هو �أسرع ال�أديان انتشاراً‪ .‬ولكن الحقيقة هي �أن انتشار‬
‫ال�إ سلام يعود لزيادة نسبة المواليد المسلمين‪ ،‬ولا علاقة لها باعتناق �أناس جدد له‪.‬‬
‫‪- 54 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫شــيء‪ ،‬وهــو ســبب كل شــيء‪ ،‬ومــا �إلــى ذلــك‪ .‬وهــذا النمــوذج مــن ال�آلهــة ُيس ـ َّمى‬
‫«�إلــه الفجـوات» ل�أنــه يقــوم بمــلء �أي فجــوة معرفيــة يعانــي منهــا ال�إ نســان بمجــرد ا ِّدعــاء‬
‫بــلا �أدلــة!‬
‫�إن الق ـر�آن يكتفــي بطــرح الادعــاءات‪ ،‬ويجعلهــا فــي مقــام الحقائــق الثابتــة‪ ،‬ثــم‬
‫يبنــي علــى هــذه الحقائــق المزيَّفــة تشــريعات ويفــرض بهــا تكليفــات علــى البشــر‪.‬‬
‫فمثــلاً‪ ،‬نجــده يدّعــي �أن‪ :‬اللَّـ ُه َخالِـ ُـق ُك ِّل شَ ـ ْـي ٍء َو ُهـ َو َع َلـ ٰـى ُك ِّل شَ ـ ْـي ٍء َو ِكيـ ٌل ‪٦٢‬۝ الزمــر‪.‬‬
‫ثــم يجعــل هــذا الا ّدعــاء فــي مقــام الحقيقــة المطلقــة دون تقديــم �أي دليــل عليــه‪،‬‬
‫ويســتخدمه لمطالبــة النــاس بعبــادة اللــه ل�أنــه الخالــق المســتحق للعبــادة! فيقــول‪َ :‬يــا‬
‫ـاس ا ْع ُبـ ُدوا َربَّ ُكـ ُم الَّـ ِذي َخ َل َق ُكـ ْم َوالَّ ِذيـ َـن ِمــن َق ْب ِل ُكـ ْم َل َعلَّ ُكـ ْم َتتَّ ُقـ َ‬
‫ـون ‪٢١‬۝ البقــرة!‬ ‫�أيُّ َهــا النَّـ ُ‬
‫والق ـر�آن يســتخدم عــدة �أســاليب للتهـ ُّـرب مــن تقديــم �أدلــة حقيقيــة ومقنعــة علــى‬
‫ادعاءاتــه تلــك‪ .‬فلــو طا َلــب �أحدهــم مثــلاً بِدليــلٍ علــى �أن اللــه هــذا هــو الخالــق‬
‫الفعلــي‪ ،‬ف ـ إ�ن كاتــب الق ـر�آن ســيته ّرب مــن تقديــم �أي دليــل حقيقــي‪ ،‬وســيطلب مــن‬
‫الســائل النظــر �إلــى نفســه �أو �إلــى الجبــال وال�إ بــل �إلــخ‪ .‬وذلــك فــي محاولــة ل�إ يـــهام‬
‫الســائل بـ�أن هــذه ال�أشــياء هــي الدليــل علــى كــون اللــه هــو الخالــق! يقــول القـر�آن‪َ :‬وفِــي‬
‫ـت ‪١٧‬۝‬ ‫ـف ُخ ِل َقـ ْ‬‫ون �إِ َلــى ا ْل إِ�بِـ ِل َك ْيـ َ‬
‫ون ‪٢١‬۝ الذاريــات‪ ،‬ويقــول‪� :‬أ َفـ َلا َين ُظـ ُر َ‬ ‫�أنف ُِسـ ُك ْم �أ َفـ َلا تُ ْب ِصـ ُر َ‬
‫ـف‬
‫ض َك ْيـ َ‬ ‫ـت ‪١٩‬۝ َو �إِ َلــى ا ْل�أ ْر ِ‬ ‫ـف نُ ِص َبـ ْ‬ ‫ـف ُرفِ َعـ ْ‬
‫ـت ‪١٨‬۝ َو �إِ َلــى ا ْل ِج َبـ ِ‬
‫ـال َك ْيـ َ‬ ‫السـ َما ِء َك ْيـ َ‬ ‫َو �إِ َلــى َّ‬
‫ُسـ ِـط َح ْت ‪٢٠‬۝ الغاشــية!‬
‫ف�أيــن الدليــل هنــا علــى �أن �أنفســنا وال�إ بــل والســماء والجبــال وال�أرض هــي مــن خلــق‬
‫�إلــه ال�إ ســلام (اللــه) هــذا؟ لمــاذا لا تكــون مــن خلــق �إلــه غيــره �أو تكــون قــد ُو ِج ـدَت‬
‫بـ�أي طريقــة �أخــرى؟! فـ�أي مغالطــة هــذه و�أي اســتخفاف بالعقــول هــذا عندمــا يطــرح‬
‫القـر�آن هــذه الادعــاءات ويحتـ ّـج بهــا علــى النــاس بينمــا هــو لــم ُيبرهــن عليهــا �أصــلاً؟!‬
‫وللقـر�آن �أســاليب �أخــرى فــي المغالطــة والتهـ ّرب مــن تقديــم �أي دليــل حقيقــي ُيث ِبــت‬
‫بــه كلامــه‪ .‬فنجــده فــي �أحيـ ٍ‬
‫ـان كثيــرة يضــع عــبء ال�إ ثبــات علــى مــن يطالبــه بالدليــل!‬
‫‪- 55 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫فلــو سـ�أل �أحدهــم مثــلاً‪� :‬أيــن الدليــل علــى �أن اللــه هــو خالــق الحشـرات؟ فـ إ�ن �إجابــة‬
‫القـر�آن قــد تكــون علــى النحــو التالــي‪:‬‬
‫ ‪-‬قُ ـ ْل َه ـ ْل ِمــن شُ ـ َركَائِ ُكم َّمــن َي ْب ـ َد�أ ا ْل َخ ْلـ َـق ثُ ـ َّم ُي ِعي ـ ُد ُه قُــلِ اللَّ ـ ُه َي ْب ـ َد�أ‬
‫ــون ‪٣٤‬۝ يونــس‪،‬‬ ‫ــق ثُــ َّم ُي ِعيــ ُد ُه َف�أن ٰ‬
‫َّــى تُ ْؤ َف ُك َ‬ ‫ا ْل َخ ْل َ‬
‫ـون ِمـ ْـن ُد ِ‬
‫ون اللَّ ـ ِه َلـ ْـن َيخْ ُل ُق ـوا ُذ َبا ًبــا َو َل ـ ِو‬ ‫ ‪�-‬أو قــد يقــول‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن َت ْد ُعـ َ‬
‫اج َت َم ُع ـوا َل ـ ُه ‪٧٣‬۝ الحــج‪،‬‬
‫ْ‬
‫ ‪�-‬أو‪� :‬أ ْم َج َع ُل ـوا لِلَّ ـ ِه شُ ـ َركَا َء َخ َل ُق ـوا ك ََخ ْل ِق ـ ِه َف َتشَ ــا َب َه ا ْل َخ ْلـ ُـق َع َل ْي ِه ـ ْم قُــلِ‬
‫اللَّ ـ ُه َخالِـ ُـق ُك ِّل شَ ـ ْـي ٍء َو ُه ـ َو ا ْل َو ِاح ـ ُد ا ْل َق َّهــا ُر ‪١٦‬۝ الرعــد‪،‬‬

‫ ‪�-‬أو‪ٰ َ :‬هـ َـذا َخ ْلـ ُـق اللَّـ ِه َف�أ ُرو نِــي َمــاذَا َخ َلـ َـق الَّ ِذيـ َـن ِمــن ُدو نِـ ِه َبــلِ ال َّظالِ ُمـ َ‬
‫ـون‬
‫ال ُّم ِبيــنٍ ‪١١‬۝ لقمــان‪.‬‬ ‫فِــي َضـ َل ٍ‬

‫ونــرى هنــا كيــف �أن القـر�آن لا يعطــي �أي دليــل علــى �أن اللــه هــو الخالــق‪ ،‬بــل يريــد‬
‫مــن ال�آخريــن �إثبــات �أن غيــر اللــه يمكنــه الخلــق! �أي �أنــه يتهــرب مــن �إثبــات ادعاءاتــه‬
‫و ُيلقــي بعــبء ال�إ ثبــات علــى ال�آخريــن‪ .‬فـ إ�ن فشــلوا فــي تقديــم ال�إ ثبــات‪ ،‬جعــل فشــلهم‬
‫بمثابــة الدليــل علــى صحــة ادعاءاتــه! وبعبــارة �أخــرى‪ :‬ادعــاءات الق ـر�آن صحيحــة ولا‬
‫تحتــاج ل�إ ثبــات بدليــل افتقــار ادعــاءات ال�آخريــن لل�إ ثبــات! وهــذا يعنــي �أن القــر�آن‬
‫لا يملــك غيــر التلاعــب بال�ألفــاظ والاحتــكام لجهــل ال�آخريــن واللجــوء للمغالطــات‬
‫المنطقيــة الدائريــة! ولــو نظــر المســلم بعيــن العقــل ل ـر�أى �أن ادعــاءات الق ـر�آن هنــا لا‬
‫تختلــف عــن ادعــاءات �أي مؤمــن بديــن �آخــر ينســب ل�إ لهــه القــدرة علــى الخلــق‪.‬‬
‫هــذا‪ ،‬ونجــد الق ـر�آن تــارة �أخــرى يتهــرب مــن تقديــم ال�أدلــة باللجــوء �إلــى تحقيــر‬
‫الســائل �أو تهديــده بالعــذاب‪ ،‬مــع محاولــة الخــروج مــن الجــدال بمظهــر المنتصــر‬
‫و �إظهــار مخالفيــه بمظهــر الجهلــة المعانديــن‪ .‬فلــو جــادل �أحدهــم النبــي �أو �أحــد‬
‫ـون فِــي �آ َيـ ِ‬
‫ـات‬ ‫الفقهــاء‪ ،‬فـ إ�ن الجـواب عليــه يمكــن �أن يكــون مــن قبيــل‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن ُي َجا ِدلُـ َ‬
‫‪- 56 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫اللَّـ ِه بِ َغ ْيـ ِر ُسـ ْل َط ٍان �أ َتا ُهـ ْم �إِن فِــي ُصدُو ِر ِهـ ْم �إِ َّلا ِك ْبـ ٌر َّمــا ُهــم بِ َبالِ ِغيـ ِه ف َْاسـ َت ِع ْذ بِاللَّـ ِه �إِنَّـ ُه‬
‫السـ ِم ُيع ا ْل َب ِصيـ ُر ‪٥٦‬۝ غافــر؛ هكــذا دون تقديــم �أي تفنيــد �أو حجــة �أو دليــل مضــاد!‬ ‫ُهـ َو َّ‬
‫وقــد يحــاول القـر�آن المراوغــة وتشــتيت الخصــم للهــروب مــن تقديــم ال�أدلــة‪ .‬فمثــلاً‪،‬‬
‫نجــد فــي الق ـر�آن �آيــة كهــذه‪َ :‬و َي ُقــولُ الَّ ِذيـ َـن َك َف ـ ُروا َل ـ ْو َلا �أن ـزِلَ َع َل ْي ـ ِه �آ َي ـ ٌة ِّمــن َّربِّ ـ ِه ‪٧‬۝‬
‫الرعــد‪ .‬ثــم نق ـر�أ بعدهــا �آيــات طويلــة تكــرر ادعــاءات الق ـر�آن ب ـ�أن الرســول مجــرد نذيــر‪،‬‬
‫و�أن اللــه يعلــم مــا فــي ال�أرحــام‪ ،‬و�أنــه عالــم الغيــب والشــهادة‪ ،‬و�أنــه يعلــم ال�أقـوال ســرها‬
‫وعلانيتهــا‪ ،‬ومــا يحصــل فــي الليــل والنهــار‪ ،‬و�أن لــه معقبــات مــن �أمــره‪ ،‬و�أنــه يملــك‬
‫الرعــد والبــرق والصواعــق‪ ،‬وكلام كثيــر لا علاقــة لــه بتقديــم الدليــل المطلــوب وهــو �إنـزال‬
‫�آيــة (معجــزة ماديــة)! فـ�أي نــوع مــن المحاججــة المتهافتــة هــذه؟!‬
‫لقــد فشــل الق ـر�آن فــي تقديــم �أي �أدلــة مقبولــة علــى ادعاءاتــه التــي ســاقها ومــل�أ‬
‫بهــا الدنيــا ضجيج ـاً‪ .‬والمؤســف فعــلاً �أن هــذه المغالطــات والادعــاءات قــد انطلــت‬
‫علــى المســلمين‪ ،‬وصدّقوهــا واعتقــدوا جازميــن �أن اللــه هــو الخالــق والمدبــر والمســتحق‬
‫للعبــادة وحــده ومــا �إلــى ذلــك‪ .‬ولــو نظــر المســلمون بعيــن فاحصــة وتخلَّـوا عــن بعــض‬
‫التقديــس ال�أعمــى لـر�أوا �أن كل مــا لديهــم هــو مجــرد كلمــات و ُج َمــل قر�آنيــة تدّعــي مــا‬
‫يؤمنــون بــه‪ ،‬وليــس عندهــم دليــل مــادي قــوي يدعــم �إيمانهــم! وال�أمــل معقــود بـ�أن يتن ّبــه‬
‫المســلمون لهــذه المغالطــات والادعــاءات الجوفــاء التــي تمــادى فيهــا ال�إ ســلام كثيـراً‪،‬‬
‫و�أن ُين ِقــذوا �أنفســهم مــن هــذا الوهــم الــذي عاشـوا فيــه علــى مــدى ‪ ١٤‬قرنـاً‪.‬‬

‫۞دين ال ِفطرة‬
‫ـك لِلدِّيــنِ‬
‫َيدَّعــي القـر�آن �أن ال�إ ســلام هــو ديــن الفطــرة(((‪ ،‬حيــث يقــول‪َ :‬ف�أ ِقـ ْم َو ْج َهـ َ‬

‫((( ثمة بالطبع �إشكالات وعدم اتفاق على مفهوم «الفطرة» ولكني لن �أتطرق لها‪ .‬س�أتبنى هنا‬
‫مفهوم ال�إ سلام عن الفطرة من �أجل �إظهار تناقضه فيما يدَّعيه‪.‬‬
‫‪- 57 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫ـك الدِّيـ ُـن ا ْل َق ِّيـ ُم‬‫ـاس َع َل ْي َهــا ۚ َلا َت ْب ِديـ َل لِ َخ ْلــقِ اللَّـ ِه ۚ َ ٰذلِـ َ‬
‫َح ِني ًفــا فِ ْطـ َر َت اللَّـ ِه الَّ ِتــي َف َطـ َر النَّـ َ‬
‫ـون ‪٣٠‬۝ الــروم‪ .‬ومــن الغريــب �أن نجــد مــا يدحــض هــذا الادعــاء‬ ‫س َلا َي ْع َل ُمـ َ‬ ‫َو َل ٰ ِكـ َّـن �أ ْك َثـ َر النَّــا ِ‬
‫ـون! فكيــف‬ ‫س َلا َي ْع َل ُمـ َ‬ ‫فــي ال�آيــة نفســها‪ ،‬التــي يقــول فــي �آخرهــا‪َ :‬و َل ِكـ َّـن �أ ْك َث ـ َر النَّــا ِ‬
‫يكــون ديــن الفطــرة ولا يعلــم النــاس �أنــه كذلــك؟! فالنــاس يدركــون فطرتهــم بحكــم‬
‫الطبيعــة‪ ،‬ولــو كان ال�إ ســلام ديــن الفطــرة فعــلاً لعــرف النــاس ‪�-‬أو �أغلبهــم‪ -‬بهــذا‪.‬‬
‫فال�إ ســلام ســيكون حينهــا متوافقــاً ومتســقاً مــع فطرتهــم ويجــب �أن لا يجــدوا فــي‬
‫�أنفســهم مقاومــة قويــة لقبولــه واتِّبــاع تعاليمــه‪.‬‬
‫لقــد �أقــام محمــد فــي مكــة طيلــة ‪ ١٣‬عامـاً ولــم يســتطع �إقنــاع ســوى العشـرات!‬
‫ثــم انتقــل �إلــى المدينــة وهنــاك شــرع القتــال مــن �أجــل نشــر الديــن و �إدخــال النــاس فيــه‪،‬‬
‫حيــث قــال‪� :‬أ ِمـ ُ‬
‫ـرت �أن �أقاتــل النــاس حتــى يشــهدوا �أن لا �إلــه �إلا اللــه و�أن محمــداً رســول‬
‫اللــه ويقيمـوا الصــلاة ويؤتـوا الــزكاة فـ إ�ذا فعلـوا ذلــك عصمـوا منــي دمائهــم و�أموالهــم �إلا‬
‫بحــق ال�إ ســلام وحســابهم علــى اللــه تعالــى؛ متفــق عليــه‪ .‬فلمــاذا يحتــاج «ديــن الفطــرة»‬
‫لــكل هــذا المجهــود فــي �إقنــاع النــاس بفطرتهــم؟! كان مــن المفتــرض �أن يكــون اقتنــاع‬
‫النــاس بــه �أســهل و�أكثــر سلاســة‪.‬‬
‫وقــد َي ـ ُر ّد البعــض علــى مــا ســبق بحديــث محمــد الــذي يقــول فيــه‪ :‬كل �إنســان‬
‫تلــده �أمــه علــى الفطــرة ف�أبـواه يهودانــه �أو ينصرانــه �أو يمجســانه؛ متفــق عليــه‪ .‬بمعنــى �أن‬
‫فطــرة ال�إ نســان قــد تتشــوه �أو تفســد بت�أثيــر التربيــة والتعليــم والمجتمــع‪ .‬والجـواب علــى‬
‫هــذا يكمــن فــي النظــر �إلــى حالــة المجتمعــات ال�إ ســلامية ال�أصيلــة التــي يولــد فيهــا‬
‫غالبيــة البشــر علــى ال�إ ســلام‪ .‬فنحــن نجــد �أن هــذه المجتمعــات تُر بِــي النــاس علــى‬
‫ال�إ ســلام منــذ نعومــة �أظافرهــم‪ ،‬وتعطيهــم جرعــات كبيــرة مــن التعليــم الدينــي‪ .‬ومــع‬
‫ذلــك تحتــاج لدعــوة مســتمرة‪ ،‬وبشــكل شــبه يومــي‪ ،‬مــن �أجــل حــث النــاس فيهــا علــى‬
‫التق ّيــد بال�إ ســلام والحفــاظ علــى شــعائره‪ .‬فيقــف الدعــاة علــى المنابــر و َيظهــرون فــي‬
‫ال�إ عــلام مــن �أجــل مــدح الديــن وتســويقه والدعــوة �إليــه وتهديــد مخالفيــه‪ .‬كمــا يجوبــون‬
‫ـك النــاس بتعاليــم الديــن وعــدم الخــروج عليهــا!‬ ‫الطرقــات وال�أسـواق للت�أكــد مــن َت َم ُّسـ ِ‬
‫‪- 58 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫وفــي هــذا دليــل علــى بطــلان كــون ال�إ ســلام ديــن الفطــرة‪ ،‬و�أن هــذا ليــس ســوى �إدعــاء‬
‫هدفــه تســويق الديــن وخــداع النــاس‪ .‬ولــو كان ال�إ ســلام ديــن الفطــرة فعــلاً لوجــده‬
‫النــاس متســقاً مــع ضمائرهــم ومتوافقـاً مــع �أفكارهــم ومتصالحـاً مــع رغباتهــم‪ ،‬ولاتَّبعــوه‬
‫دون الحاجــة لــكل ذلــك الجهــد فــي ســبيل �إقناعهــم بــه و �إفهامهــم �إيــاه وحثهــم �أو‬
‫تهديدهــم علــى العيــش وفــق تعاليمــه!‬

‫۞التحدي بالقر آ�ن‬


‫�أقــوى دليــل يملكــه المســلمون اليــوم ل�إ ثبــات صحــة دينهــم هــو زعمهــم بـ�أن القـر�آن‬
‫ُم ِ‬
‫عجــز‪َ .‬و ُهـ ْم ي َت َحـدَّون �أي ناقــد لدينهــم ويطالبونــه �أن ي�أتــي بمثــل قر�آنهــم �أو يصمــت!‬
‫وليســمح لــي القــارئ المســلم �أن �أقــول بـ�أن هــذا التحــدي مضحــك فعــلاً‪ ،‬وسـ�أحاول‬
‫فيمــا يلــي بيــان لِـ َم هــو كذلــك!‬
‫يتحــدى القــر�آن غيــر المؤمنيــن بال�إ تيــان بمثلــه‪� ،‬أو بعشــر ســور مثلــه‪� ،‬أو بســورة‬
‫واحــدة‪� ،‬أو حتــى ب ـ�أي حديــث مثلــه! و �إن عجــزوا عــن القيــام بهــذا التحــدي‪ ،‬ف ـ إ�ن‬
‫القــر�آن يعلــن فــوزه ويجعــل مــن عجزهــم دليــلاً علــى صحــة مــا فيــه! ولكــن علينــا‬
‫�أن نس ـ�أل‪ :‬مــاذا يقصــد الق ـر�آن بكلمــة « ِمث ِلــه»؟ هــل يقصــد مماثلتــه فــي ال�أســلوب‬
‫والصياغــة؟ �أم مماثلتــه فــي المعلومــات وال�أخبــار؟ �أم مماثلتــه فــي الت�أثيــر والنتائــج؟ �أو‬
‫ربمــا مماثلتــه فــي ال�إ عجــاز العــددي(((؟ �إن المماثلــة هنــا مبهمــة وغيــر محــددة! فمــن‬
‫الــذي ســيحددها؟ هــل هــم المســلمون؟ ومــن َسـ ُيمثِّل المســلمين؟ العلمــاء �أو العـوام؟‬
‫�أم �أن تفســير المماثلــة متــروك لمــن ســيقبل بالتحــدي مــن الخصــوم؟ لا �أحــد يــدري!‬
‫ثــم لــو تجاوزنــا تحديــد المماثلــة المطلوبــة‪ ،‬فمن ســيقوم بالتحكيم و �إعــلان المنتصر‬

‫((( ال�إ عجاز العددي في القر�آن هو نوع من «علم ال�أعداد ‪ »Numerology‬وهو علم زائف يدّعي‬
‫وجود علاقة خفية بين ال�أعداد وال�أفكار �أو ال�أشياء‪ .‬وهو موجود في ثقافات وديانات قديمة عديدة‪.‬‬
‫‪- 59 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫فــي التحــدي؟ هــل المســلمون مــن ســيحكم؟ �أم المتحــدي هــو مــن ســيحكم؟ �أم �أن‬
‫ثمــة طــرف ثالــث لا �أحــد يعرفــه هــو مــن ســيحكم ويقــرر نتيجــة التحــدي؟! كل هــذه‬
‫�أســئلة مهمــة ولكــن لا �أحــد يســتطيع تحديــد مــن ســيجيب عليهــا!‬
‫بالطبــع المســلملون لــن يكون ـوا حكم ـاً محايــداً فــي هــذا التحــدي‪ ،‬فهــم طــرف‬
‫فيــه! ‪،‬حتــى لــو قبلنــا بهــم حكمـاً ‪-‬مــن بــاب التنــازل‪ -‬فكيــف نضمــن صحــة حكمهــم‬
‫ونحــن لا نعــرف مــا هــي «المماثلــة» وليــس لدينــا معاييــر نتَّبعهــا لتقييمهــا! ولــو اتفقنــا‬
‫علــى �أن المماثلــة تعنــي المماثلــة فــي اللغــة والبلاغــة وال�أســلوب‪ ،‬كمــا يفهمهــا‬
‫�أكثــر المســلمين‪ ،‬فكيــف يمكــن لِـ ـ َن َّصين �أ َدبِ َّييــن �أن يكونــا متماثليــن دون �أن يكونــا‬
‫متطابقيــن؟! هــل يســتطيع �أحــد مثــلاً �أن يماثــل المتنبــي �أو شكســبير فيمــا كتبــاه‪ ،‬دون‬
‫ُم َحاكَاتِهمــا؟ فلــو حــاول �أحدهــم مماثلــة كتابــات «�أبــو العــلاء المعــري» �أو «الجاحظ»‬
‫تمامـاً‪ ،‬فســيقول النــاس �إنــك لــم تماثلــه و �إنمــا قلّدتــه واقتبســت منــه! وهــذا بالضبــط مــا‬
‫يقولــه المســلمون لــكل مــن يحــاول مماثلــة القـر�آن! ُيضــاف �إلــى لــك‪� ،‬أن لــكل نــص‬
‫�أدبــي لونــه ورونقــه الخــاص‪ .‬والحكــم علــى النصــوص ال�أدبيــة لا معاييــر منضبطــة لــه‪،‬‬
‫فهــو يعتمــد علــى الذائقــة ال�أدبيــة والجماليــة للمتلقــي‪ ،‬وبالتالــي لا يمكــن الوصــول فيــه‬
‫�إلــى ر�أي محــد وقطعــي لا يقبــل الاختــلاف!‬
‫(((‬
‫ـت بعــدة تجــارب لمماثلــة القـر�آن فــي اللغــة وال�أســلوب‪ .‬فقدَّمـ ُ‬
‫ـت �آيــات‬ ‫لقــد ق ُْمـ ُ‬
‫حســبها البعــض مــن القـر�آن فعــلاً‪ ،‬وذلــك ل�أنهــم لا يحفظــون القـر�آن كامــلاً‪ .‬وعندمــا‬
‫ـفت لهــم �أنهــا مــن ت�أليفــي تراجع ـوا وقال ـوا شــتان بيــن �أســلوبك و�أســلوب الق ـر�آن!‬ ‫كشـ ُ‬
‫كمــا تحدانــي �أحدهــم مــرة �أن �آتــي ولــو ب�آيــة واحــدة مــن مثــل القـر�آن‪ ،‬اعتمــاداً علــى‬
‫ـت التحــدي وكتبــت‬ ‫التحــدي‪َ :‬ف ْل َي�أْتُـوا بِ َح ِديـ ٍ‬
‫ـث ِم ْث ِلـ ِه �إ ِْن كَانُـوا َصا ِد ِقيـ َـن ‪٣٤‬۝ الطــور‪ .‬فق ِب ْلـ ُ‬
‫ـص ‪١‬۝﴾ والتــي تماثــل ال�آيــة ﴿ح ـ ٓم ‪١‬۝﴾‪ .‬لكنــه رفــض الاعت ـراف ب ـ�أن «ثــص»‬ ‫لــه ﴿ثـ ٓ‬
‫تشــبه «حــم»!‬

‫((( كانت �آيات من سورة «ع»‪ ،‬وهي منشورة ‪-‬مع غيرها‪ -‬على حسابي في يوتيوب‪.‬‬
‫‪- 60 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫ومــن جهــة �أخــرى‪ ،‬ف ـ إ�ن الشــكل (ال�أســلوب) لا يبرهــن بالضــرورة علــى صحــة‬
‫المضمــون‪ .‬وال�أدلــة تُ ْط َلــب مــن جنــس مــا تحــاول برهنتــه‪ .‬فمثــلاً‪ ،‬لــو ت ّقــدم عالــم‬
‫فيزيــاء بنظريــة جديــدة حــول ال�أج ـرام الكونيــة‪ ،‬ف ـ إ�ن النــاس ســتطالبه ب إ�ثبــات فيزيائــي‬
‫نظــري �أو تجريبــي لهــا‪ .‬ولكــن لــو قــال العالِـ ُم للنــاس‪ :‬نظريتــي صحيحــة بدليــل الحبــر‬
‫الخــاص الــذي كتبتهــا بــه‪ ،‬و�أتحــدى كل مــن يحــاول التشــكيك فيهــا �أن ي�أتــي بحبــر‬
‫مثلــه! فهــل ســيقبل �أحــد هكــذا «دليــل» مــن عالــم الفيزيــاء؟ بالطبــع لــن يقبلــه �أحــد‪،‬‬
‫وســيتهمه النــاس بالجنــون ربمــا!‬
‫وقــس علــى ذلــك كل خبــر �أو معلومــة يتقــدم بهــا �أي �إنســان فــي �أي مجــال‪ .‬فـ إ�ن‬
‫علــى صاحبهــا �إثباتهــا مــن جنســها وعــدم اســتجداء دليلهــا مــن غيــر مجالهــا‪ .‬وهــاك‬
‫مثــال �آخــر‪ :‬لــو صاغــت قنــاة تلفازيــة نشــرة ال�أخبــار ِشــعراً‪ ،‬وقدمتهــا للنــاس كقطعــة‬
‫�أدبيــة راقيــة‪ ،‬وتحــدَّت النــاس �أن ي�أتــوا بمثــل قصيدتهــا‪ ،‬و �إن عجــزوا فــ إ�ن عجزهــم‬
‫ســيكون دليــلاً علــى صحــة كل مــا ورد فــي نشــرة ال�أخبــار تلــك‪ .‬فهــل ســيقبل �أحــد‬
‫منهــا هــذا؟ بالطبــع لا! ل�أن لغــة و�أســلوب صياغــة الخبــر لا يمكــن �أن يكونــا دليــلاً علــى‬
‫صحتــه‪ .‬بــل �إن النــاس قــد َيشـ ُّكون فــي صــدق ال�أخبــار‪ ،‬ويقولــون �إن القنــاة ال�إ خباريــة‬
‫مــا لج ـ�أت لهــذا ال�أســلوب �إلا لمــداراة كذبهــا وتزييفهــا! وكــذا الحــال مــع الق ـر�آن‪،‬‬
‫ف ـ إ�ن لغتــه و�أســلوب صياغتــه لا يمكــن �أن يكونــا برهان ـاً علــى ِص ّحــة مــا يحتويــه مــن‬
‫ادعــاءات و�أخبــار ومعلومــات‪ ،‬بــل قــد يكــون ُمثي ـراً للريبــة والشــك!‬
‫�إن اســتخدام روعــة البيــان للت�أثيــر علــى المتلقيــن وجعلهــم ُيصدّقــون فحوى الخطاب‬
‫هــو �أســلوب معــروف فــي التواصــل مــع الجماهيــر‪ .‬ولقــد اســتخدمه ُك ّهــان العــرب منــذ‬
‫مــا قبــل ال�إ ســلام فــي محاولــة �إقنــاع النــاس ب�أقوالهــم‪� ،‬أو جعلهــم ُيصدّقــون بـ�أن لديهــم‬
‫قــدرات خارقــة �أو تواصــل مــع قــوى ماورائيــة! وكان العــرب يســم ّون كلامهــم بســجع‬
‫الكهــان‪ ،‬وكانـوا يهتمــون بــه ويولونــه عنايتهــم! ومــن �أمثلــة ســجع الكهــان قبــل ال�إ ســلام‬
‫قــول «ربيــع بــن ربيعــة» فــي وصــف يــوم القيامــة‪ :‬يــوم ُيج َمــع فيــه ال�أولــون وال�آخــرون‪،‬‬
‫َيســعد فيــه المحســنون‪ ،‬و َيشــقى فيــه ال ُم ِســيئون‪ .‬وقولــه �أيضـاً‪ :‬والشــفق والغســق‪ ،‬والفلق‬
‫‪- 61 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫�إذا اتســق‪� ،‬إن مــا �أنب�أتــك بــه لحــق‪ .‬وقــول الكاهنــة «زبـراء»‪ :‬واللــوح الخافــق‪ ،‬والليــل‬
‫الغاســق‪ ،‬والصبــاح الشــارق‪ ،‬والنجــم الطــارق‪ ،‬وال ُمـ ْزن الـوادق‪� ،‬إن شــجر الـوادي ل َيـ�أْ ُدو‬
‫َخ ْتــلاً‪ ،‬و َيخْ ـ ُـرق �أنيا ًبــا ُع ْصــلاً‪ ،‬و �إن صخــر ال َّطـ ْود َل ُي ْنـ ِذر ثُـ ْكلاً‪ ،‬لا تجــدون عنــه َم ْعــلاً‪.‬‬
‫ا‪.‬ه‪ .‬وهــذا الســجع كمــا نــرى يشــبه �أســلوب القـر�آن المكــي فــي �أول زمــن البعثــة‪.‬‬
‫ومــن كل هــذه ال�إ شــكالات التــي تحــوم حــول هــذا الموضــوع‪ ،‬ف إ�ننــا نخلــص‬
‫�إلــى �أن تحــدي الق ـر�آن بــلا معنــى‪ .‬و�أن المســلمين لــن يقبل ـوا الاعت ـراف ب ـ�أي نــص‬
‫�آخــر ينافــس الق ـر�آن مهمــا كان‪ .‬فالمســلمون ليس ـوا طرف ـاً محايــداً هنــا بالطبــع‪ ،‬وهــم‬
‫متشــبعون بتقديــس الق ـر�آن والخــوف مــن رب الق ـر�آن حــد الثمالــة!‬
‫وقبــل �أن نختــم هــذا الموضــوع‪ ،‬ف إ�نــه تجــدر ال�إ شــارة �إلــى �أن القـر�آن يدعــو النــاس‬
‫لتحديــه ولكــن المســلمين يمنعونهــم‪ ،‬و ُيجر ّمــون تحــدي القــر�آن‪ ،‬و ُير ِهبــون كل مــن‬
‫يحــاول القيــام بذلــك! ولا �أدري مــا قيمــة التحــدي �إن كان النــاس ممنوعــون مــن القيــام‬
‫بــه؟! لــو كان المســلمون واثقــون فعــلاً مــن الق ـر�آن ل�أقام ـوا مســابقات علنيــة لتحــدي‬
‫الق ـر�آن حتــى ُيثبت ـوا عجــز البشــر عــن ال�إ تيــان «بمثلــه»! ولكــن مــاذا عســانا �أن نقــول‬
‫عــن لوثــة التقديــس عندمــا تصيــب العقــول!‬

‫۞الاستدلال بالمجهول‬
‫ُيــ ِق ُّر القـر�آن بـ�أن «الماضــي» غيــب‪ ،‬حيــث يقــول بعــد ســرد قصــة يوســف‪ :‬ذَلِـ َ‬
‫ـك‬
‫۝ يوســف‪ .‬فـ إ�ن كان زمن يوســف غيب بالنســبة لمحمد‪،‬‬ ‫ـب نُ ِ‬
‫وحيـ ِه �إِ َل ْيـ َ‬
‫ـك ‪١٠٢‬‬ ‫ِمـ ْـن �أن َبــا ِء ا ْل َغ ْيـ ِ‬
‫ويحتــاج وحيـاً �إلهيـاً لت�أكيــده والتيّـــقن منــه‪ ،‬فـ إ�ن زمــن محمــد غيــب بالنســبة لنــا اليــوم‪،‬‬
‫ونحــن نحتــاج لوحــي لت�أكيــده والتيّـــقن منــه(((‪ .‬فكيــف يســتدل ال�إ ســلام علينــا بغيــب‬

‫((( هذا يجعل النبوة ضرورية في كل زمان‪ .‬ل�أن �أهل كل زمان يحتاجون نبياً يؤكد لهم صحة نبوة‬
‫محمد الماضية‪ .‬وهذا له علاقة بما تحدثنا عنه في موضوع «الرسالة» في �أول هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪- 62 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫الماضــي (زمــن البعثــة) مــن �أجــل ال�إ يمــان بــه دون �إعطاءنــا وحــي يؤكــده؟ وقــد يقــول‬
‫قائــل‪ :‬الوحــي موجــود وهــو الق ـر�آن! ولكــن هــذا لــن يكــون مقبــولاً‪ ،‬فالق ـر�آن هــو ممــا‬
‫نريــد �إثباتــه‪ ،‬ولا يمكــن �أن يكــون هــو ذاتــه ال�إ ثبــات علــى ذاتــه‪ .‬فمحمــد والنــاس فــي‬
‫زمانــه كانـوا يعرفــون قصــة يوســف ومــع ذلــك سـ ّماها القـر�آن غيبـاً وقــام بت�أكيدهــا‪ .‬ونحــن‬
‫نريــد وحيـاً يعامــل القـر�آن بــذات الطريقــة‪ .‬نريــد وحيـاً يســمي القـر�آن ونبــوة محمــد غيبـاً‬
‫بحكــم �أنهمــا وقعــا فــي الماضــي‪ ،‬ثــم يقــوم هــذا الوحــي الجديــد بســرد مــا حصــل فــي‬
‫الماضــي ويؤكــده لنــا‪ .‬وذلــك لكــي نطمئــن ب�أننــا نتبــع الديــن الحــق!‬
‫ولكــون الوحــي انقطــع بمــوت محمــد كمــا يزعــم ال�إ ســلام‪ ،‬فـ إ�ن هــذا الديــن يريــد‬
‫منــا ال�إ يمــان بالغيــب (اللــه والملائكــة والحســاب �إلــخ‪ ).‬بدلالــة الغيــب (نبــوة محمــد)!‬
‫فهــل يصــح �أن يكــون المجهــول دليــلاً علــى المجهــول؟! �إن هــذا مخالــف للمنطــق‬
‫وممــا ترفضــه العقــول!‬
‫هــذا النقــاش يقودنــا �إلــى ال ُح َّجيــة التاريخيــة‪ ،‬والتــي يســتمد ال�إ ســلام جــزءاً كبي ـر ًا‬
‫مــن شــرعيته باســتناده عليهــا‪ .‬فالمســلم ي�أخــذ مــن التاريــخ الــذي وصلنــا قصــة ال�إ ســلام‬
‫ورجالــه ومحاســنهم و �إنجازاتهــم‪ .‬كمــا وي�أخــذ المســلم بالوقائــع والتبريـرات التــي تجعلــه‬
‫يفهــم �أحــكام وتشــريعات دينــه‪ ،‬ك�أســباب النــزول مثــلاً‪ .‬والتاريــخ يعطــي المســلم �أيضـاً‬
‫تبري ـرات لل�أعمــال الســيئة التــي قــام بهــا المســلمون فــي الماضــي كالاغتيــال والقتــال‬
‫والــرق والســبي وتهجيــر النــاس عــن ديارهــم‪.‬‬
‫ال�إ شــكالية هنــا �أن التاريــخ لا يمكــن �أن يرتقــي بحــال لمرتبــة اليقيــن الــذي لا شــك‬
‫رضــة للتزويــر‪ ،‬خاصــة �إذا مــا‬
‫فيــه‪ ،‬فرواياتــه متعــددة وقــد تكــون متضاربــة‪ .‬والتاريــخ ُع َ‬
‫ارتبــط بالعاطفــة الدينيــة �أو المصالــح الدنيويــة وعلــى ر�أســها المصالــح السياســية‪ .‬كمــا‬
‫�أنــه ُعرضــة للنســيان والخطـ�أ والنقــص بقصــد �أو بغيــر قصــد‪ .‬ومــا ِمــن �أحـ ٍد يضمــن �أن‬
‫مــا وصلنــا مــن التاريــخ هــو الحقيقــة �أو هــو كامــل الحقيقــة‪ .‬فقــد يكــون هنــاك �أحــداث‬
‫لــم تصلنــا‪ ،‬ولــو وصلتنــا لغ ّيــرت فهمنــا و ُح ْك َمنــا علــى التاريــخ �إلــى الضــد تمامـاً!‬

‫‪- 63 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫وعليــه‪ ،‬فجــزء كبيــر مــن ال�إ يمــان بال�إ ســلام مبنــي علــى حجيــة التاريــخ‪ ،‬والــذي هــو‬
‫مجــرد قصــص وروايــات تحتمــل الص ـواب والخط ـ�أ‪ .‬ف ـ�أي �إيمــان هــذا؟ و�أي �إلــه يبنــي‬
‫دينــه الخا َتــم علــى هكــذا �أســاس هــش؟‬

‫۞الحق المطلق‬
‫يدّعــي ال�إ ســلام �أنــه الص ـواب والحــق المطلــق ل�أنــه مــن عنــد �إلــه مطلــق العلــم‬
‫والحكمــة‪ .‬حســناً‪ ،‬ولكــن عقــول النــاس نســبية! وبالتالــي‪ ،‬فــ إ�ن النــاس تختلــف‬
‫�أحكامهــم تبعــاً لاختــلاف عقولهــم ومــا تحتويــه مــن ذكاء وعلــم وتجربــة‪� .‬أي �أن‬
‫ال�إ نســان قــد يرفــض ‪-‬وهــو صــادق‪ -‬الاعتقــاد بصحــة �أمــر مــا‪ ،‬وذلــك ل�أن عقلــه‬
‫لــم يوافــق علــى صحتــه‪ ،‬وليــس ل�أنــه فاســد �أو ظالــم �أو مســتكبر كمــا يزعــم الق ـر�آن‪:‬‬
‫َان َع ِاق َب ـ ُة ا ْل ُم ْف ِس ـ ِد َين‬ ‫َو َج َح ـ ُدوا بِ َهــا َو ْاس ـ َت ْي َق َن ْت َها �أنف ُُس ـ ُه ْم ُظ ْل ًمــا َو ُع ُل ـ ًّوا فَان ُظ ـ ْر َك ْيـ َ‬
‫ـف ك َ‬
‫‪١٤‬۝ النمــل‪.‬‬
‫�إن تفــاوت العقــول كان مــن ال�أســباب التــي جعلــت النــاس ت�أخــذ ب ـر�أي ال�أغلبيــة‬
‫مثــلاً‪� ،‬أو تلجـ�أ للحلــول الوســط‪� ،‬أو الحلــول المتعــددة لمشــكلة واحــدة‪ ،‬وذلــك بــدلاً‬
‫مــن اشــتراط �إجمــاع الــكل علــى ر�أي واحــد‪ .‬فهكــذا اجتمــاع يكــون متعــذراً فــي‬
‫الغالــب‪ .‬وحتــى لــو اتفــق جماعــة مــن النــاس �أو �أمــة مــن ال�أمــم علــى ر�أي واحــد‪،‬‬
‫فـ إ�ن هــذا ُيعــد اســتثنا ًء‪ ،‬وعــادة مــا يتــم علــى المبــادئ ال�أساســية والبســيطة �أو ال�أفــكار‬
‫الجزئيــة‪ ،‬وليــس علــى ال�آراء ال ُمركَّبــة �أو ال�أفــكار المعقــدة مثــل الديــن ال�إ ســلامي‪.‬‬
‫ليــس ثمــة مــكان للحقائــق المطلقــة العامــة فــي عالــم ال�إ نســان طالمــا �أن عقــول‬
‫النــاس متفاوتــة ونســبية‪ .‬و �إن مــن يحــاول جمــع جماعــة �أو �أمــة علــى الاتفــاق علــى‬
‫ر�أي واحــد �أو القبــول بفكــرة واحــدة‪ ،‬ف إ�نــه �إنمــا يطلــب المســتحيل‪ .‬ولــو �أصــر علــى‬
‫طلــب المســتحيل‪ ،‬ف إ�نــه لــن يجــد �أمامــه ســوى �إرهــاب النــاس و �إخافتهــم للقبــول بالـر�أي‬

‫‪- 64 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫ال�أوحــد ظاهري ـاً فقــط‪ ،‬وســيعجز عــن �إقناعهــم جميع ـاً فــي دواخــل �أنفســهم‪.‬‬
‫وممــا ســبق نفهــم الســبب وراء اســتخدام ال�إ ســلام ل�أســلوب التهديــد والوعيــد‪،‬‬
‫ولجوئــه لاتهــام رافضيــه بالجهــل والفســق والظلــم‪ ،‬وتماديــه حتــى �إلــى العــدوان والقتــال‪.‬‬
‫فهــو �أراد المســتحيل حينمــا �أراد مــن الجميــع ال�إ يمــان بــه‪ .‬وعندمــا فشــل فــي بلــوغ‬
‫هــذا المســتحيل‪ ،‬لجـ�أ للعنــف وللتهديــد والوعيــد ولاتهــام مخالفيــه وتحميلهــم مســؤولية‬
‫فشــله!‬
‫ولــو نظرنــا لاتهــام ال�إ ســلام لغيــر المؤمنيــن بــه مــن زاويــة �أخــرى‪ ،‬لوجدنــا دليــلاً‬
‫�آخــر يكشــف لنــا بجــلاء عــدم منطقيــة هكــذا اتهــام‪ .‬يقــول الق ـر�آن‪َ :‬و َج َح ـ ُدوا بِ َهــا‬
‫َو ْاسـ َت ْي َق َن ْت َها �أنف ُُسـ ُه ْم ُظ ْل ًمــا َو ُع ُلـ ًّوا‪ .‬فهــل مــن المعقــول �أن يســتيقن ال�إ نســان مــن صحــة‬
‫ال�إ ســلام‪ ،‬ويت�أكــد مــن تع ّرضــه للعــذاب الرهيــب ال�أبــدي �إن لــم يؤمــن بــه‪ ،‬ثــم يرفــض‬
‫فبحســبة يســيرة للمكاســب‬ ‫ال�إ يمــان بــه؟! �إن هــذا ممــا لا تقبلــه العقــول الســو ّية‪ِ .‬‬
‫والخســائر‪ ،‬فـ إ�ن �أي �إنســان عاقــل لــن يرفــض ال�إ ســلام بعدمــا يت�أكــد مــن صحتــه‪ ،‬ل�أن‬
‫�أي مكاســب دنيويــة ســيحصل عليهــا مــن رفضــه لا تســاوي شــيئاً مــع الخســائر التــي‬
‫ســيتكبدها فــي ال�آخــرة‪ .‬و �إن �أقصــى مــا يمكــن �أن يقــع مــن ال�إ نســان بعدمــا يعــرف‬
‫صحــة ال�إ ســلام هــو ارتــكاب المعاصــي بعــد اعتنــاق الديــن‪ .‬فالعاصــي قــد يتــوب ويغفــر‬
‫اللــه لــه‪ ،‬وقــد يعذبــه لمــدة ثــم يدخلــه الجنــة‪� .‬أمــا الكافــر بال�إ ســلام الجاحــد لــه فـ إ�ن‬
‫عقوبتــه فــي النــار �أبديــة!‬
‫المحصلــة‪ ،‬ف ـ إ�ن محاولــة ال�إ ســلام �إيهــام النــاس ب�أنــه الحــق المطلــق‪ ،‬وب ـ�أن‬
‫ّ‬ ‫وفــي‬
‫العيــب ليــس فيــه و �إنمــا فــي رافضيــه‪ ،‬ليــس �إلا مغالطــة متهافتــة �أخــرى يحــاول مــن‬
‫خلالهــا حــرف ال�أنظــار عــن تقديــم �أدلــة و �إثباتــات مقنعــة‪.‬‬

‫‪- 65 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫۞وجود الله‬
‫يحتاج الناس من �إله ال�إ سلام «الله» ل�إ ثباتين من �أجل ال�إ يمان به‪:‬‬
‫‪� )١‬إثبات ضرورة وجود خالق للكون‪،‬‬
‫‪� )٢‬إثبات �أن هذا الخالق هو «الله» حصراً‪.‬‬
‫ولــو نظرنــا �إلــى �أدلــة ال�إ ســلام فــي هــذا المجــال لوجدناهــا تعانــي مــن نقــص كبيــر‪.‬‬
‫فال�إ ســلام فــي نصوصــه ال�أصليــة (الق ـر�آن والحديــث) لا يولــي مس ـ�ألة وجــود الخالــق‬
‫عنايــة كبيــرة‪ .‬فهــذه المســ�ألة ليســت �أولويــة عنــده وذلــك باعتبــار �أن كفــار قريــش‬
‫والعــرب قديم ـاً كان ـوا يؤمنــون بوجــود خالــق‪ .‬يقــول الق ـر�آن‪َ :‬و َل ِئــن َس ـ�أ ْل َت ُهم َّمـ ْـن َخ َلـ َـق‬
‫ات َوا ْل�أ ْر َ‬
‫ض َل َيقُولُـ َّـن اللَّ ـ ُه ‪٣٨‬۝ الزمــر‪.‬‬ ‫الس ـ َما َو ِ‬
‫َّ‬
‫اهتــم ال�إ ســلام �أكثــر ب إ�ثبــات ال�أمــر الثانــي‪� ،‬أي ب إ�قنــاع النــاس بـ�أن الخالق المســتحق‬
‫للعبــادة هــو حصـراً «اللــه» وليــس �أي �إلــه �آخــر‪ .‬وكمــا ر�أينــا ســابقاً فــي بــاب «غيــاب‬
‫ال�أدلــة»‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ ســلام لــم يقــدم �أي دليــل يبرهــن علــى �أن «اللــه» هــو ال�إ لــه الخالــق‬
‫فعــلاً‪ .‬و�أن كل مــا قدمــه ال�إ ســلام فــي هــذا المجــال مجــرد ادعــاءات مصحوبــة‬
‫بالمغالطــات والتهديــد والوعيــد‪.‬‬
‫�إن مــن �أبــرز معضــلات «اللــه» فــي ال�إ ســلام اشــتماله علــى كــم كبير مــن الصفات‪،‬‬
‫مــع اتســام جميــع تلــك الصفــات بالكمــال! فال�إ ســلام �أراد مــدح �إلهــه ور ْف ِعــه فــوق‬
‫بقيــة �آلهــة البشــر‪ ،‬فقــام بنســبة جميــع الصفــات الحســنة �إليــه‪ ،‬مــع جعــل كل تلــك‬
‫الصفــات كاملــة! وهــذا التصـ ّـرف المســتعجل والبعيــد عــن الحصافــة �أوقــع ال�إ ســلام‬
‫فــي معضــلات كثيــرة بســبب تضــاد وتصــادم الصفــات المطلقــة والكاملــة مــع بعضهــا‬
‫البعــض! وهــذا بــدوره ُي َسـ ِّهل مهمــة نفــي وجــود «اللــه»‪ ،‬ليــس باعتبــاره الخالــق‪ ،‬ولكــن‬
‫باعتبــاره �إلــه ال�إ ســلام‪ .‬وذلــك ل�أنــه يســتحيل وجــود كائــن كامــل القــدرة َو مطلــق‬
‫وجد �أفعــال لا يســتطيع هــذا ال�إ لــه القيــام بهــا‬ ‫الكمــال مع ـاً‪ .‬ففــي هــذه الحالــة س ـ ُت َ‬
‫‪- 66 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫كونهــا تتناقــض مــع كمــال �إحــدى صفاتــه ال�أخــرى‪ ،‬ومــن ال�أمثلــة علــى ذلــك‪:‬‬
‫ ‪-‬عجز الله عن نقل شيء خارج ُم ِ‬
‫لكه‪.‬‬
‫ ‪-‬عجز الله عن خلق من هو �أعظم منه‪.‬‬
‫ ‪-‬عجز الله عن �إفناء نفسه‪.‬‬
‫ ‪-‬عجز الله عن تبرير معضلة الشر((( المعروفة‪.‬‬
‫وبالعــودة �إلــى العجــز الــذي تعانــي منــه نصــوص ال�إ ســلام فــي التدليــل علــى ضــرورة‬
‫وجــود الخالــق‪ ،‬نجــد �أن رجــال الديــن ال�إ ســلامي قام ـوا بمحاولــة ســد هــذا النقــص‬
‫بكميــة كبيــرة مــن المؤلفــات والنقاشــات طـوال تاريــخ ال�إ ســلام‪ .‬واعتمــدوا كثيـراً‪ ،‬قديمـاً‬
‫وحديث ـاً‪ ،‬علــى مــا لــدى غيرهــم فــي هــذا المجــال‪ .‬فاســتخدموا مثــلاً ُطـ ُـرق فلاســفة‬
‫اليونــان‪ ،‬وحجــج الخلقييــن المســيحيين(((‪ .‬و �إن لجــوء المســلمين لمــا عنــد غيرهــم‬
‫هــو فــي الحقيقــة عامــل �إدانــة ضدهــم! فهــو يفضــح قصــور ونقــص ال�إ ســلام فــي هــذا‬
‫المجــال‪ ،‬كمــا يدلــل علــى صحــة �إلــه الفلاســفة �أو صحــة الثالــوث المســيحي ربمــا‪،‬‬
‫وليــس علــى صحــة �إلــه ال�إ ســلام «اللــه»!‬
‫ولنتنــاول فيمــا يلــي بعــض �أبــرز الحجــج التــي يســتخدمها المســلمون اليــوم فــي‬
‫مجــال �إثبــات وجــود الخالــق عنــد مناقشــتهم للملحديــن(((‪.‬‬
‫((( هنا صياغة مختصرة لمعضلة الشر كما وضعها الفيلسوف �إبيقور‪:‬‬
‫كلي القدرة والعلم والرحمة‪ ،‬فلن يوجد شر في العا َلم (كالكوارث وال�أمراض)‪.‬‬ ‫‪� -‬إذا ُو ِجد �إله ّ‬
‫‪ -‬ولكن يوجد شر في هذا العا َلم‪.‬‬
‫‪� #‬إذاً‪ ،‬لا يوجد �إله كامل يجمع القدرة والعلم والرحمة في ال�آن ذاته‪.‬‬
‫((( انظر لردود المسلمين اليوم على «نظرية التطور» واعتمادهم الكلي تقريباً على الخلقيين‬
‫المسيحيين والمؤمنين بفكرة التصميم الذكي‪.‬‬
‫((( ال�إ لحاد نوع من �أنواع اللادينية‪ ،‬ويعني رفض الدين مع �إنكار وجود خالق للكون‪ .‬وعليه‪ ،‬فليس‬
‫كل لاديني ملحد‪ .‬فهناك لادينيون غير ملحدين‪ ،‬مثل الربوبيون الذي يرفضون ال�أديان مع اعترافهم‬
‫بوجود مو ِجد للكون (ك�إله �أو كقوة طبيعية)‪ .‬وهناك لا�أدريون يرفضون ال�أديان ولكنهم لا يستطيعون‬
‫الحسم في مس�ألة الخالق‪ ،‬وهناك لا�إكتراثيون لا يولون مس�ألة ال�إ له �أي �أهمية‪.‬‬
‫‪- 67 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫يستشــهد المســلمون بقــول ال�أعرابــي‪ :‬ال�أثــر يــدل علــى المســير‪ ،‬والبعــرة تــدل علــى‬
‫البعيــر‪ ،‬فســماء ذات �أبـراج‪ ،‬و�أرض ذات فجــاج‪ ،‬وبحــار ذات �أمـواج‪� ،‬ألا تــدل علــى‬
‫الســميع البصيــر؟ ا‪.‬ه‪ .‬وهــذا القــول مبنــي علــى المعرفــة الســابقة‪ .‬فلــو �أن شــخصاً لا‬
‫يعــرف البعيــر وبعــره‪ ،‬فـ إ�ن البعــرة عنــده لــن تــدل علــى البعيــر‪ .‬وهــذا يعنــي �أنــه لا يمكــن‬
‫اســتخدام هــذا القيــاس للحكــم علــى الخالــق‪ ،‬ل�أننــا فــي هــذه الحالــة نفتقــد للمعرفــة‬
‫الســابقة‪� .‬إذ لــم يســبق ل�أحــد منــا �أن ر�أى كون ـاً وخالقــه‪ ،‬فقــاس كوننــا وخالقــه علــى‬
‫تلــك الحالــة! وبالتالــي‪ ،‬فهــذه الحجــة ســطحية ولــن يقبلهــا �إلا مــن ينظــر لل�أمــور نظــرة‬
‫عابــرة وغيــر مدققــة‪.‬‬
‫ولــو نظرنــا �إلــى ِ‬
‫«علــم ال َكـ ّم» اليــوم لوجدنــا مــا تحــار فيــه العقــول و َي ْب ُطـ ُل معــه كل‬
‫قيــاس ومنطــق نعرفــه ســلفاً! �إذ ليــس فــي عا َلــم الكــم معنــى للمــكان والزمــان كمــا‬
‫نعرفهمــا‪ ،‬فالشــيء قــد يكــون فــي كل مــكان‪ ،‬وقــد َيسـ ُلك الشــيء فيــه مســارين فــي‬
‫ذات الوقــت‪ ،‬وقــد يحــدث الســبب فيــه بعــد حــدوث المتســبب! فهــل َمــن يعــرف‬
‫ِعلــم الكــم سيســتدل ِمــن خلالــه علــى اللــه ال�إ ســلامي كمــا اســتدل ال�أعرابــي بالبعــرة‬
‫علــى البعيــر؟ لا يمكــن!‬
‫الدليــل ال�آخــر الــذي يستشــهد بــه المســلمون علــى �إثبــات وجــود اللــه كخالــق هــو‬
‫«مبــد�أ الســببية»‪ ،‬الــذي يقــول �أن لــكل ســبب مســبب‪ .‬وبمــا �أننــا موجــودون فــي كــون‬
‫مــادي حــادث‪ ،‬ف إ�نــه مــن الضــروري وجــود ُمح ـ ِدث لهــذا الكــون‪ ،‬وهــذا ال ُمح ـ ِدث‬
‫لابــد �أن يكــون اللــه! يعانــي مبــد�أ الســببية هــذا مــن مشــكلات معروفــة عنــد اســتخدامه‬
‫لغــرض �إثبــات اللــه‪� ،‬أ ْج ِم ُلــ َـها فيمــا يلــي‪:‬‬
‫‪ )١‬مــن المفتــرض �أن تتـــتابع سلســلة ال�أســباب والمســببات �إلــى مالانهايــة‪ ،‬فكمــا‬
‫وجــد �أوجــد اللــه! ولكــن المســلمين‬‫وجــد هــو اللــه‪ ،‬ف إ�نــه لابــد مــن ُم ِ‬
‫�أن للكــون ُم ِ‬
‫ُي ِوق ُفــون السلســلة عنــد اللــه ويقولــون يســتحيل �أن تتجــاوزه‪ ،‬دون تقديــم حجــة مقنعــة‬
‫تمام ـاً لهــذا ال�إ يقــاف!‬

‫‪- 68 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫وجد هذا الكون المعقَّد والمتقن بدون خالق‪ .‬ولكن‬ ‫‪ )٢‬المؤمن يقول لا يمكن �أن ُي َ‬
‫المؤمن هنا يغفل عن �أن الخالِق يجب �أن يكون �أكثر تعقيداً و�أكثر �إتقاناً مما َخ َلق‪،‬‬
‫فالصانع �أكثر تعقيداً من المصنوع‪ .‬وعليه‪ ،‬وبذات منطق المؤمن‪ ،‬ف إ�نه يستحيل �أن‬
‫يوجد خالق للخالق‪ ،‬ل�أن الخالق معقَّد و ُمتقَن!‬ ‫يوجد خالق للكون دون �أن َ‬
‫َ‬
‫‪ )٣‬المؤمــن ينفــي ال�أزليــة عــن الوجــود المــادي‪ ،‬ويقــول �أنــه حــادث‪ .‬ولكنــه فــي‬
‫نفــس الوقــت يقــول �أن اللــه �أزلــي! �أي �أنــه يهــرب مــن الاعت ـراف ب�أزليــة الوجــود �إلــى‬
‫الاعت ـراف ب�أزليــة ِ‬
‫الموجــد!‬
‫‪ )٤‬الســببية تحتــاج للتراتبيــة‪ ،‬بحيــث يفصــل مقــدار مــن الوقــت بيــن الســبب‬
‫والمســبب‪ .‬وبعبــارة �أخــرى‪ ،‬الســببية تحتــاج للزمــن‪ .‬ولكــن الزمــن لــم َ‬
‫يوجــد قبــل‬
‫الكــون‪ ،‬فالزمــن عنــد المؤمــن حــادث وليــس �أزليـاً‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬لا يمكــن �أن يعمــل مبــد�أ‬
‫الســببية قبــل وجــود الزمــن والكــون‪� ،‬إلا �إن جعلنــا معاييــر الزمــن تعمــل علــى ال�إ لــه‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا يرفضــه المســلمون!‬
‫‪ )٥‬الســببية تحتــاج ل�إ ثبــات المتســبب‪ .‬فـ إ�ذا جعلنــا اللــه=؏ وجعلنــا الكــون=ڪ‪،‬‬
‫فــلا يكفــي �أن نقــول ؏ هــو ســبب ڪ دون تقديــم دليــل علــى كــون ؏ ســبب ڪ‬
‫فعــلاً‪ .‬وفــي حــال عــدم تقديــم الدليــل الــذي يربــط بيــن ؏ َو ڪ بعلاقــة الســبب‬
‫والمســبب‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ صـرار علــى ارتبــاط ؏ َو ڪ بهــذه العلاقــة لا يعــدو عــن كونــه ا ِّدعــاء‬
‫�أو مغالطــة �أو ربمــا فرضيــة فــي �أحســن ال�أح ـوال‪.‬‬
‫ومــن جميــع مــا ســبق‪ ،‬نجــد ال�إ ســلام قــد فشــل فــي �إثبــات وجــود الخالــق وفــق‬
‫التصــور الــذي َبنــى عليــه حتميــة وجــود اللــه‪ .‬و�أن الاســتدلالات التــي يعتمــد عليهــا‬
‫المســلمون اليــوم ليســت جديــدة‪ ،‬بــل يشــاركهم فيهــا غيرهــم مــن المؤمنيــن بال�أديــان‪.‬‬
‫كمــا �أنــه قــد تــم الــرد علــى تلــك الاســتدلالات قديمـاً وحديثـاً �أيضـاً‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فليــس‬
‫لــدى المســلمين ميــزة فــي هــذا المضمــار تجعلهــم ُي ِصـ ّرون علــى �أحقيــة �إلههــم «اللــه»‬
‫بالعبــادة وحــده لا شــريك لــه! و �إن �أقصــى مــا يقدمونــه عندمــا ُيع ِييهــم الدليــل هــو سـؤال‬
‫‪- 69 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫ات َوا ْل�أ ْرضِ!‬


‫السـ َما َو ِ‬ ‫القـر�آن الاســتنكاري‪� :‬أفِــي اللَّـ ِه شَ ـ ٌّ‬
‫ـك ف َِاطـ ِر َّ‬

‫۞الشعارات الزائفة‬
‫ال�إ ســلام ديــن شــعارات دعائيــة (بروباغنــدا) بامتيــاز! وهــو يســتخدم هــذه الشــعارات‬
‫لبــث مغالطاتــه‪ ،‬ولخــداع النــاس مــن �أجــل جذبهــم �إليــه وضمهــم �إلــى صفوفــه‪.‬‬
‫تمامـاً كمــا يفعــل السياســيون المخادعــون فــي دعاياتهــم ل�أحزابهــم �أو فــي حملاتهــم‬
‫الانتخابيــة!‬
‫فال�إ ســلام يعــرف انجــذاب النــاس �إلــى المثاليــات والمفاهيــم الراقيــة‪ ،‬مثــل العــدل‬
‫والحريــة وال�إ حســان ومحاســن ال�أخــلاق‪ .‬فيقــوم برفــع شــعارات هــذه المفاهيــم و َيدَّعــي‬
‫فــي نصوصــه وفــي خطاباتــه �أنــه حريــص علــى حفظهــا وتطبيقهــا‪ .‬وغرضــه فــي ذلــك‬
‫ليــس تطبيقهــا فعــلاً‪ ،‬و �إنمــا اســتغلال النــاس وجعلهــم يؤمنــون بــه‪ .‬ولكــن �إذا مــا نظرنــا‬
‫بعيــن المدقــق المحايــد والمتجــرد للحقيقــة �إلــى هــذا الديــن وواقــع المؤمنيــن بــه وجدنــا‬
‫اختلافــات كثيــرة وكبيــرة بيــن الشــعارات والتطبيــق‪.‬‬
‫ال�إ ســلام مثــلاً يرفــع شــعار «العــدل»‪ ،‬حيــث يقــول الق ـر�آن‪� :‬إِ َّن اللَّـ َه َي�أْ ُم ـ ُر بِا ْل َع ـد ِْل‬
‫س �أ ْن َت ْح ُك ُمـوا بِا ْل َعـد ِْل ‪٥٨‬۝ النســاء‪.‬‬ ‫َوا ْل إِ� ْح َسـ ِ‬
‫ـان ‪٩٠‬۝ النحــل‪ ،‬ويقــول‪َ :‬و �إِذَا َح َك ْم ُتـ ْم َب ْيـ َـن النَّــا ِ‬
‫ويقــول النبــي علــى لســان اللــه‪ :‬يــا عبــادي �إنــي حرمــت الظلــم علــى نفســي وجعلتــه‬
‫بينكــم محرمــا فــلا تظالمـوا؛ رواه مســلم‪.‬‬
‫ولكــن كمــا ر�أينــا فــي الفصــل ال�أول مــن هــذا الكتــاب‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ ســلام يعانــي مــن‬
‫عدالــة ناقصــة ويزخــر بمظالــم كثيــرة! فهــو يظلــم البشــر المت�أخريــن بعــد زمــن النبــوة‪،‬‬
‫ويظلــم غيــر العــرب‪ ،‬ويظلــم فــي تشــريعاته المواطنيــن غيــر المســلمين فــي الــدول‬
‫ال�إ ســلامية‪ ،‬ويظلــم المـر�أة‪ ،‬كمــا يســمح بغــزو النــاس وقتلهــم و�أخــذ �أموالهــم وغيــر هــذا!‬

‫ـت تُ ْكـ ِر ُه النَّـ َ‬


‫ـاس َحتَّــى‬ ‫وال�إ ســلام يرفــع شــعار «الحريــة»‪ ،‬حيــث يقــول القـر�آن‪� :‬أ َف�أ ْنـ َ‬
‫‪- 70 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َي ُك ْونُـ ْوا ُم ْؤم ِن ْيـ َـن ‪٩٩‬۝ يونــس‪ ،‬ويقــول‪ :‬لا �إِ ْكـ َرا َه فـ ْـي ال ِّد ْيــنِ َقـ ْد َت َب َّيـ َـن ال ُّرشْ ـ ُد مـ َ ِّ‬
‫ـن ال َغــي ‪٢٥٦‬‬
‫۝‬
‫البقــرة‪ .‬ويتغنــى المســلمون بمقولــة عمــر بــن الخطــاب‪« :‬متــى اســتعبدتم وقــد ولدتهــم‬
‫�أمهاتهــم �أحـراراً»‪.‬‬
‫ولكــن �إذا نظرنــا للتشــريعات والتطبيقــات‪ ،‬نجــد �أن ال�إ ســلام يجيــز الغزو والاحتلال‪،‬‬
‫ويبــارك تنصيــب قــادة جيوشــه ُح ّكامــاً علــى البلــدان المحتلــة و �إقصــاء ســكانها‬
‫ال�أصلييــن‪ .‬كمــا نجــده يؤســس الحكــم الدينــي (الثيوقراطــي)‪ ،‬و ُيشَ ـ ْر ِعن الاســتبداد‬
‫السياســي بمنــح الحاكــم (ولــي ال�أمــر) ســلطات تــكاد مطلقــة‪ .‬ونجــده يصــادر حريــة‬
‫التعبيــر وحريــة التج ّمــع‪� .‬أمــا حريــة الاعتقــاد فيجــازي عليهــا بالقتــل (حــد الــردة)‪.‬‬
‫ويشــرعن �أيض ـاً التمييــز بيــن المواطنيــن علــى �أســس‪ :‬دينيــة (�أهــل الذمــة) �أو جنســية‬
‫(الولايــة علــى النســاء) �أو عرقيــة (تكافــؤ النســب) �أو طبقيــة (عبيــد وجـواري)‪ .‬وغيــر هــذا‬
‫مــن جرائــم يقترفهــا هــذا الديــن ضــد الحريــة!‬
‫ـب َربُّ ُكـ ْم َع َلــى َن ْف ِسـ ِه‬ ‫ويرفــع ال�إ ســلام شــعار «الرحمــة»‪ ،‬حيــث يقــول القـر�آن‪َ :‬ك َتـ َ‬
‫۝‬ ‫ال َّر ْح َمــ َة ‪٥٤‬۝ ال�أنعــام‪ ،‬ويقــول عــن نبيــه محمــد‪َ :‬و َمــا �أ ْر َســ ْل َناك �إِ َّلا َر ْح َمــة لِ ْل َعا َل ِم َ‬
‫يــن ‪١٠٧‬‬
‫ال�أنبيــاء‪.‬‬
‫ولكــن �إذا نظرنــا للتشــريعات والتطبيقــات‪ ،‬وجدنــا ِخــلاف هــذه الرحمــة! فعقوبــات‬
‫ال�إ ســلام ال�أخرويــة شــنيعة وظالمــة‪ ،‬وقــد تكــون حتــى ســرمدية! �أمــا عقوباتــه الدنيويــة‬
‫وسـ ْـمل العيــون وصلــب‬ ‫فح ـدِّث ولا حــرج‪ ،‬جــز الرقــاب وقطــع ال�أيــدي وبتــر ال�أرجــل َ‬
‫ال�أجســاد وجلــد ال�أبــدان! ناهيــك عــن تشــريعات الظلــم ومصــادرة الحريــات التــي‬
‫َتط ّرقنــا لهــا ســابقاً والتــي ينعــدم فيهــا �أي معنــى للرحمــة‪ .‬ولــو نظرنــا �أيض ـاً للتاريــخ‬
‫وللواقــع‪ ،‬لوجدنــا المجتمعــات ال�إ ســلامية كثيـراً مــا تعانــي مــن القمــع والفقــر وال�أمـراض‬
‫النفســية والعضويــة‪ .‬فمتــى تتجلــى رحمــة اللــه المزعومــة هــذه وتنقــذ المســتضعفين‬
‫وتغيــث المحتاجيــن؟!‬
‫ومــن الشــعارات الدعائيــة المزيفــة التــي يرفعهــا ال�إ ســلام �أيضــاً شــعار «حقــوق‬
‫‪- 71 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫المــر�أة»‪ .‬ولقــد ر�أينــا((( كيــف �أنــه يظلمهــا ويقمعهــا ويزدريهــا و ُيح ِّجــم دورهــا!‬
‫ويرفــع ال�إ ســلام شــعار «العقلانيــة والتف ّكــر والتدّبــر»‪ ،‬حيــث يقــول القـر�آن‪ :‬قُـ ْل َهـ ْل‬
‫۝‬ ‫ـون ‪١٦٤‬‬ ‫ـات لِّ َق ـ ْو ٍم َي ْع ِق ُلـ َ‬
‫ون ‪٥٠‬۝ ال�أنعــام‪ ،‬ويقــول‪ :‬ل�آيَـ ٍ‬ ‫َي ْس ـ َتوِي ا ْل�أ ْع َمـ ٰـى َوا ْل َب ِصي ـ ُر �أ َف ـ َلا َت َت َف َّك ـ ُر َ‬
‫۝ �آل عم ـران‪ ،‬ويقــول‪� :‬أ َف ـ َلا‬ ‫ض ‪١٩١‬‬ ‫ون فِــي َخ ْلــقِ َّ‬
‫الس ـ َما َو ِ‬
‫ات َوال�أ ْر ِ‬ ‫البقــرة‪ ،‬ويقــول‪َ :‬و َي َت َف َّك ـ ُر َ‬
‫ـوب �أ ْقفَالُ َهــا ‪٢٤‬۝ ســورة محمــد‪.‬‬ ‫ون ا ْل ُق ـ ْر� َآن �أ ْم َع َلـ ٰـى قُ ُلـ ٍ‬ ‫َي َت َدبَّ ـ ُر َ‬
‫�إن �أكثــر شــعارات ال�إ ســلام زيف ـاً وخداع ـاً هــي مناداتــه باســتخدام العقــل! فهــذا‬
‫الديــن يدعــو المســلم للتفكيــر‪ ،‬ولكنــه يعاقــب َمــن يوصلــه فكــره �إلــى نتائــج تخالــف‬
‫مــا قــرره الديــن ســلفاً! وهــذا يعنــي �أنــه لا حريــة حقيقيــة للعقــل فــي ال�إ ســلام‪ .‬فدعــوة‬
‫ال�إ ســلام للتفكيــر �إذاً هــي دعــوة مخا ِدعــة ل�أنهــا مؤطَّــرة ضمــن �إطــار الديــن فقــط‪.‬‬
‫وخــروج العقــل خــارج ذلــك ال�إ طــار هــو فعــل ُم َج ـ َّرم‪ ،‬يســتحق مقترفــه العقوبــة فــي‬
‫الدنيــا �أو فــي ال�آخــرة �أو فيهمــا مع ـاً!‬
‫�إن ال�إ ســلام‪ ،‬كمــا ر�أينــا ســابقاً(((‪ ،‬يغتــال العقــل ويفــرض عليــه ال�إ يمــان بالغيبيــات‬
‫وال�أســاطير‪ .‬كمــا شَ ـ ِهد هــذا الديــن نزاعــات وعــداوات عديــدة مــع المفكريــن والعلمــاء‬
‫والفلاســفة‪ .‬حيــث كان دائمـاً عامــلاً ُم ِعيقـاً �أمــام التفكيــر الحــر والمخترعــات الحديثــة‪.‬‬
‫فلقــد �أثَّــر ســلباً علــى علــوم الفلــك(((‪ ،‬كمــا عــادى علــوم الفيزيــاء والكيميــاء فــي فتــرة‬
‫مــن تاريخــه‪ .‬ووقــف حائــلاً ضــد تطـ ّور علــوم الاقتصــاد والفلســفة‪ .‬وهنــاك قائمــة طويلــة‬
‫مــن المخترعــات الحديثــة التــي ح ّرمهــا عنــد ظهورهــا ثــم تراجــع بعــد ذلــك! واليــوم نـراه‬
‫يعــادي علــم التطــور البيولوجــي‪ .‬بــل �إن هنــاك مــن المســلمين اليــوم مــن يقــول بمركزيــة‬
‫ال�أرض ودوران الشــمس حولهــا فقــط ل�أن القـر�آن والحديــث يقــولان بذلــك!‬

‫((( راجع فصل «حقوق المر�أة»‬


‫((( راجع فصل «الجناية على العقل»‬
‫((( ستتم مناقشة موضوع �أخطاء ال�إ سلام العلمية لاحقاً في هذا الكتاب مع �إعطاء �أمثلة �أكثر‬
‫تفصيلاً‪.‬‬
‫‪- 72 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫وال�سناد‬
‫۞الرواية إ‬
‫يقــوم ال�إ يمــان بالديــن ال�إ ســلامي علــى ال�إ يمــان بنبــوة محمــد‪ ،‬وال�إ يمــان بنبــوة‬
‫محمــد يســتند علــى ال ُح ِّجيــة التاريخيــة‪ ،‬وهــذه الحجيــة َتســ َت ِّمد مصداقيتهــا عنــد‬
‫المســلم مــن الثقــة فــي الــرواة الذيــن نقل ـوا الق ـر�آن وال�أحاديــث والســيرة‪� .‬إذاً‪ ،‬ف إ�ســناد‬
‫الروايــات �إلــى رواة موثوقيــن قــد يكــون هــو حجــر ال�أســاس فــي العقيــدة ال�إ ســلامية ‪-‬ويــا‬
‫لــه مــن �أ ٍّس وا ٍه!‪-‬‬
‫�إن محاولــة �إيهــام النــاس بــ�أن الروايــة طريقــة موثوقــة لنقــل الوحــي وال�أحــكام‬
‫والتشــريعات وال�أخبــار والوقائــع ليــس �إلا مغالطــة ومحاولــة للخــداع! �إذ لا يمكــن‬
‫الوثــوق بــكلام يتناقلــه الــرواة شــفهياً عبــر العصــور! ودعنــا عزيــزي القــارئ نلقــي مزيــداً‬
‫مــن الضــوء علــى هــذا الموضــوع فيمــا يلــي‪.‬‬
‫يبــد�أ ســند جميــع الروايــات مــن الصحابــة‪ ،‬وذلــك باعتبــار �أنهــم الذيــن َتلقَّــوا‬
‫الوحــي (القـر�آن والســنة) مــن الرســول‪ .‬والصحابــة بالمجمــل((( عــدول عنــد المســلمين‬
‫لا يتســرب �إليهــم الشــك مطلق ـاً‪ ،‬وذلــك ل�أن اللــه اختارهــم لصحبــة نبيــه كمــا يقــول‬
‫علمــاء الحديــث! وعليــه‪ ،‬فبمجــرد ثبــوت ســند �أي روايــة �إلــى الصحابــي ومنــه �إلــى‬
‫النبــي‪ ،‬تصبــح هــذه الروايــة (قـر�آن �أو ســنة) جــزءاً مــن الشــريعة ال�إ ســلامية يجــب العمــل‬
‫بمقتضاهــا‪.‬‬
‫المشــكلة التــي يمكــن ملاحظتهــا هنــا هــي‪ :‬كيــف يمكــن الوثــوق بهــؤلاء‬
‫الصحابــة؟! فالق ـر�آن نفســه ُيخبرنــا بوجــود منافقيــن حــول محمــد لا يعرفهــم‪ ،‬وذلــك‬
‫ـون َو ِمـ ْـن �أ ْهــلِ ا ْل َم ِدي َنـ ِة َمـ َر ُدوا َع َلــى النِّ َفـ ِ‬
‫ـاق‬ ‫اب ُم َنافِ ُقـ َ‬ ‫فــي قولــه‪َ :‬و ِم َّمـ ْـن َح ْو َل ُكــم ِّمـ َـن ا ْل�أ ْعـ َر ِ‬
‫۝ التوبــة‪.‬‬ ‫اب َع ِظي ـ ٍم ‪١٠١‬‬ ‫ون �إِ َلــى َعـ َـذ ٍ‬ ‫َلا َت ْع َل ُم ُه ـ ْم َن ْحـ ُـن َن ْع َل ُم ُه ـ ْم َس ـ ُن َع ِّذ ُب ُهم َّم َّر َت ْيــنِ ثُ ـ َّم ُي ـ َر ُّد َ‬

‫((( �أهل السنة يزكون �أي صحابي (قابل النبي و�آمن به) ويقبلون روايته‪ ،‬بينما الشيعة لا يقبلون الرواية‬
‫�إلا عن عدد محدود من الصحابة‪.‬‬
‫‪- 73 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫والمنافقــون هــم مــن ُيظ ِهــرون لمحمــد �إيمانهــم بــه ولكنهــم يخفــون كفرهــم عنــه‪ .‬ولقــد‬
‫اتهــم القـر�آن هــؤلاء المنافقيــن‪ ،‬الــذي ُيع َتبــرون مــن الصحابــة ظاهريـاً‪ ،‬بتحريــف الــكلام‬
‫ون فِــي ا ْل ُك ْف ـ ِر ِمـ َـن الَّ ِذيـ َـن قَالُ ـوا‬ ‫ـك الَّ ِذيـ َـن ُي َســا ِر ُع َ‬
‫فــي قولــه‪َ :‬يــا �أيُّ َهــا ال َّر ُســولُ َلا َي ْح ُزنـ َ‬
‫ون لِ َقـ ْو ٍم‬
‫ون لِ ْل َكـ ِذ ِب َسـ َّما ُع َ‬ ‫�آ َمنَّــا بِ�أ ْف َوا ِه ِهـ ْم َو َلـ ْم تُ ْؤ ِمــن قُ ُلو ُب ُهـ ْم َو ِمـ َـن الَّ ِذيـ َـن َهــا ُدوا َسـ َّما ُع َ‬
‫اض ِعـ ِه ‪٤١‬۝ المائــدة‪ .‬وطالمــا �أنــه لا يمكننــا‬ ‫ـون ا ْل َك ِلـ َم ِمــن َب ْعـ ِد َم َو ِ‬ ‫� َآخرِيـ َـن َلـ ْم َي�أْتُــوكَ ۖ ُي َح ِّرفُـ َ‬
‫تفريــق الصحابــي المؤمــن مــن الصحابــي المنافــق‪� ،‬إذاً‪ ،‬فــلا يمكننــا الوثــوق بمــا يرويــه‬
‫الصحابــة عــن محمــد‪.‬‬
‫ولا ننســى �أيض ـاً ب ـ�أن اللــه ‪-‬كمــا يزعــم الق ـر�آن‪ -‬كان قــد حكــم علــى القرشــيين‬
‫الذيــن قاومـوا محمــد بالكفــر ال�أبــدي وبعــدم الهدايــة مطلقـاً‪ ،‬حيــث قــال‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن‬
‫َك َف ـ ُروا َس ـ َواءٌ َع َل ْي ِه ـ ْم �أ�أ َنذ ْر َت ُه ـ ْم �أ ْم َل ـ ْم تُن ِذ ْر ُه ـ ْم َلا ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫ـون ‪٦‬۝ َخ َت ـ َم اللَّ ـ ُه َع َلـ ٰـى قُ ُلو بِ ِه ـ ْم‬
‫اب َع ِظي ـ ٌم ‪٧‬۝ البقــرة‪ .‬وهــؤلاء قــد‬ ‫َو َع َلـ ٰـى َسـ ْـم ِع ِه ْم َو َع َلـ ٰـى �أ ْب َصا ِر ِه ـ ْم ِغشَ ــا َو ٌة َو َل ُه ـ ْم َعـ َـذ ٌ‬
‫�أظهــروا �إســلامهم بعــد فتــح مكــة‪ ،‬وســماهم المســلمون «الطلقــاء»‪ .‬وهــم قــد �أصبحـوا‬
‫عنــد المســلمين مــن الصحابــة ورووا عــن الرســول! وبالتالــي‪ ،‬فــلا يمكــن الوثــوق‬
‫بال�آيــات وال�أحاديــث التــي نقلهــا هــؤلاء((( �أيض ـاً‪.‬‬
‫المشــكلة ال�أخــرى فــي الصحابــة هــي �أنهــم لــم يكونـوا جميعـاً علــى ذات الدرجــة‬
‫مــن التمكــن وال�إ تقــان‪ .‬فــكان منهــم‪ :‬الكبيــر والصغيــر‪ ،‬والعالــم والجاهــل‪ ،‬والحافــظ‬
‫والنسـ ّـي‪ ،‬والمصيــب والمخطــئ‪ ،‬ومــن لازم محمــد طـوال حياتــه ومــن قابلــه ســاعة مــن‬
‫نهــار فقــط‪ ،‬ونحــو هــذا‪ .‬وعليــه‪ ،‬فــلا يصــح وضعهــم جميعـاً فــي ذات المنزلــة وقبــول‬
‫كل مــا يقولونــه!‬
‫يقودنــا تفــاوت الصحابــة �إلــى الحديــث عــن «علــم الرجــال» �أو «علــم الجــرح‬
‫والتعديــل»‪ .‬وهــذا علــم زائــف يفتخــر بــه المســلمون كثيــراً‪ ،‬و َيدَّعــون قدرتهــم مــن‬
‫خلالــه علــى تمييــز الــرواة الصادقيــن مــن الكاذبيــن! وهــذا كلام غريــب فعــلاً! �إذ كيــف‬

‫((( معاوية بن �أبي سفيان هو �أحد الطلقاء و�أحد كتبة القر�آن!‬


‫‪- 74 -‬‬
‫يمكــن لعالِــم الحديــث �أن يقــوم بتزكيــة �أو جــرح �أشــخاص ماتـوا قبلــه بعشـرات ومئــات‬
‫الســنين! فـ إ�ن كان ال�إ نســان لا يعــرف صــدق �أو كــذب �أقــرب النــاس �إليــه وهــو يتحــدث‬
‫معــه وجهـاً لوجــه‪ ،‬فكيــف يعــرف صــدق �أو كــذب شــخص لــم يقابلــه �أبــداً ولــم يعــش‬
‫فــي بلــده ويفصلــه عنــه مئــات الســنين؟! كيــف يحكــم علــى نيّتــه وينزهــه مــن الخطـ�أ‬
‫والنســيان والمصلحــة وســوء القصــد والنفــاق ونحوهــا؟! �إن المنطــق والتجربــة يقــولان �أن‬
‫تزكيــة �أو جــرح ال�أشــخاص بهــذه الطريقــة لا يمكــن الوثــوق بهــا مطلقـاً‪.‬‬
‫ُي ِصـ ّر علمــاء((( الحديــث علــى تمســكهم بمعاييرهــم الباطلــة فــي الجــرح والتعديــل‪.‬‬
‫ولقــد وقع ـوا فــي ســوء �أعمالهــم نتيجــة لذلــك! فقــد �أدى بهــم ال�إ ص ـرار علــى تلــك‬
‫المعاييــر �إلــى الاختــلاف فــي كل شــيء وعلــى كل شــيء تقريب ـاً! فقــد اختلف ـوا فــي‬
‫تعريــف الـراوي‪ ،‬وفــي طريقــة تحديــد عدالــة الـراوي‪ .‬كمــا اختلفـوا علــى الرواة �أنفســهم‪،‬‬
‫فهــذا ال ـراوي قــوي عنــد فــلان مــن العلمــاء‪ ،‬ولكنــه ضعيــف عنــد عالِــم �آخــر! ومــن‬
‫عجائــب تخبطهــم هــذا �أنهــم يجرحــون فــي عدالــة «حفــص بــن عاصــم» ولا يقبلــون‬
‫ال�أحاديــث النبويــة التــي يرويهــا‪ ،‬بينمــا يقبلــون منــه روايــة الق ـر�آن! وبالطبــع يلجــؤون‬
‫لكافــة ال�أعــذار والتبري ـرات عنــد مواجهتهــم بهــذه الفضيحــة!‬
‫هــذا و �إن علينــا هنــا �ألا نغفــل عــن �أهميــة مبــد�أ «موثوقيــة» العلمــاء والمصــادر‬
‫العلميــة فــي كافــة فــروع العلــم المعتبــرة اليــوم‪ .‬و�ألا نخلــط بيــن الطريقــة التــي يكتســب‬
‫بهــا العلمــاء والمصــادر موثوقيتهــم فــي العلــوم الحقيقيــة‪ ،‬والطريقــة التــي يســتخدمها‬
‫المســلمون لتوثيــق رواتهــم ومصادرهــم! فالعلمــاء يكتســبون الثقــة فــي فــروع العلــم‬
‫المختلفــة نظيــر مــا يقدّمونــه مــن علــوم مكتوبــة يمكــن تجربتهــا وتوثيقهــا مــن �أط ـراف‬
‫خارجيــة‪ .‬ولــو حــاول عالــم مــا التلبيــس �أو التلاعــب‪ ،‬فـ إ�ن البيئــة العلميــة بمــا فيهــا مــن‬
‫علمــاء ومراكــز بحثيــة و �إعــلام ستكتشــف فعلتــه تلــك‪ ،‬وستســقط مكانتــه فــي المجتمــع‬

‫((( لا يصح �إطلاق لقب «علماء» على المنشغلين بالعلوم الزائفة‪ ،‬كعلم الحديث‪ .‬ولكن �أرجو �أن‬
‫يسمح لي القارئ هنا بذلك من �أجل توضيح العبارة وتقريب المعنى‪.‬‬
‫‪- 75 -‬‬
‫تاطلاغملا‬

‫العلمــي‪ ،‬وســيجد صعوبــة مســتقبلاً فــي النشــر �أو حتــى فــي ت�أميــن عمــل لــه!‬
‫�أمــا الـراوي فــلا يمكــن معاملتــه بالمثــل‪ .‬ف�أكثــر مــا كان يقولــه الــرواة مجــرد كلام‬
‫شــفهي‪ ،‬وبالتالــي يمكنهــم تغييــره �أو �إنــكاره �إذا مــا �أرادوا(((‪ .‬كمــا لا يمكــن تجربــة كلام‬
‫الــرواة عمليـاً والتحقــق مــن صحتــه عبــر طــرف ثالــث! وبالتالــي‪ ،‬فـ إ�ن عمليــة تزكيــة �أو‬
‫جــرح الـراوي لا تقــوم علــى �أســاس تجريبــي موثــوق مثــل عمليــة تزكيــة �أو جــرح العالِــم‬
‫فــي مجــالات العلــوم الحقيقيــة‪ ،‬بــل هــي تقــوم علــى مجــرد ظنــون �أو ولاءات دينيــة �أو‬
‫مذهبيــة(((‪.‬‬
‫َيظهــر لنــا مــن جمــع مــا ســبق �أن الاعتمــاد علــى الروايــة وال�إ ســناد ليــس �إلا مغالطــة‬
‫يلج ـ�أ لهــا رجــال الديــن المســلمين لخــداع النــاس ومحاولــة �إقناعهــم �أن الديــن قــد‬
‫وصلنــا كامــلاً صحيحـاً كمــا «�أنزلــه اللــه علــى نبيــه»! بينمــا الحقيقــة هــي �أن الروايــة‬
‫وال�إ ســناد �أســاليب بدائيــة تخلــو مــن �أي معاييــر علميــة يمكــن الوثــوق بهــا‪.‬‬

‫***‬

‫((( الصحابي �أبي هريرة مثلاً قام ب�إنكار �أحاديث كان يرويها عند مجابهته بها‪ ،‬مثل حديث‪ :‬لا‬
‫عدوى ولا طيرة!‬
‫((( علماء الحديث لا يقبلون رواية الكافر والزنديق!‬
‫‪- 76 -‬‬
‫عيوب القر آ�ن‬
‫يتغنــى المســلمون بفصاحــة الق ـر�آن وب إ�عجــازه الــذي تحــدى اللــه بــه البشــر‪ .‬كمــا‬
‫يصفــون هــذا الكتــاب ب�أنــه �أصــح الكتــب علــى ال�أرض‪ ،‬وب�أنــه محفــوظ لا يمكــن‬
‫�أن يطالــه التحريــف �أو التزييــف‪ .‬وغيــر هــذا مــن المديــح والتبجيــل لهــذا الكتــاب‬
‫العتيــق‪ .‬ولكــن مــاذا لــو نظــر ال�إ نســان لهــذا الكتــاب بحياديــة وهــو متجــرد للحقيقــة‬
‫ومت َنـ ِّزه عــن التقديــس؟ هــل ســيرى مــا يـراه المســلمون فــي كتابهــم؟ الجـواب هــو‪:‬‬
‫بالطبــع لا! وس ـ�أحاول بيــان ذلــك فــي هــذا الفصــل‪.‬‬

‫۞التناقض‬
‫يعانــي القـر�آن مــن التناقــض بيــن �آياتــه ممــا يجعلــه كتــاب عائــم وغيــر محــدد المعالِــم‬
‫فــي الكثيــر مــن موضوعاتــه و�أفــكاره‪� .‬إذ يمكــن اســتخدام القــر�آن فــي �أ ٍ‬
‫حيــان كثيــرة‬
‫(((‬
‫للتدليــل علــى الشــيء ونقيضــه فــي �آن واحــد!‬
‫�إن تناقُــض ال�آيــات موضــوع كبيــر‪ ،‬وهــو مــن �أكثــر عيــوب الق ـر�آن التــي تــد ّل علــى‬
‫نقصــه‪ ،‬وبالتالــي علــى بشــريته‪ .‬ولقــد حــاول الق ـر�آن نفســه تــدارك هــذا الخلــل الكبيــر‬
‫فيــه وجــاء بفكــرة «النســخ» التــي تعنــي �إلغــاء �أحكامــه الســابقة وتشــريع �أحــكام بديلــة‬
‫عنهــا‪ .‬ولقــد اعتمــد المســلمون((( مبــد�أ النســخ((( هــذا لتــدارك بعــض تناقضــات القـر�آن‪.‬‬

‫((( �أذكر هنا ما قاله د‪ .‬حسن حنفي حين وصف القر�آن ب�أنه «مثل السوبرماركت‪ ،‬يمكن لل�إ نسان �أن‬
‫(بتصرف)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ينتقي منه ما يشاء!»‬
‫((( القر�آنيون يقولون لا يوجد نسخ بمعنى ال�إ لغاء في القر�آن‪ .‬ولكن كلامهم هذا مردود عليهم كما‬
‫سيتضح لاحقاً‪.‬‬
‫((( ومن طوائف المسلمين كالشيعة من يؤمن بـ «البداء» �أيضاً‪.‬‬
‫‪- 77 -‬‬
‫�����������‬

‫نس َـها َنـ�أْ ِت بِ َخ ْي ٍر ِّم ْن َهـا �أ ْو ِم ْث ِل َها‬


‫يشـرعن القـر�آن النسـخ بقولـه‪َ :‬مـا َن َنس ْـخ ِم ْـن �آ َيـ ٍة �أ ْو نُ ِ‬
‫۝ البقـرة‪ .‬ولكنـه يتناقـض حتـى فـي تشـريعه هـذا! فهو يدّعي على سـبيل المثـال �أن الله‬ ‫‪١٠٦‬‬
‫َي َو َمـا �أ َنا بِ َظـ َّلا ٍم لِّ ْل َع ِبي ِد ‪٢٩‬۝ ق(((‪.‬‬‫لا « ُيبـدِّل» كلامـه‪َ :‬مـا ُي َبـدَّلُ ا ْلقَـ ْولُ َلـد َّ‬
‫يحـاول القـر�آن التهـ ّرب مـن التناقض في تشـريع النسـخ ويقـول‪َ :‬و �إِذَا َب َّد ْل َنـا �آ َي ًة َّم َك َان‬
‫۝ النحـل؛ فهو لا‬ ‫ـون ‪١٠١‬‬ ‫�آ َيـ ٍة َواللَّـ ُه �أ ْع َلـ ُم بِ َمـا ُي َنـ ِّزلُ قَالُـوا �إِنَّ َمـا �أ َ‬
‫نـت ُم ْف َتـ ٍر َبـ ْل �أ ْك َث ُر ُهـ ْم َلا َي ْع َل ُم َ‬
‫يكتفـي بالتناقـض‪ ،‬بـل يتهـم بالجهـل مـن يعيب عليه هـذا التناقض!‬
‫اجــا َو ِص َّيـ ًة‬‫ون �أ ْز َو ً‬ ‫ومــن �أمثلــة النســخ فــي القـر�آن قولــه‪َ :‬والَّ ِذيـ َـن ُي َت َوفَّـ ْو َن ِمن ُكـ ْم َو َيـ َـذ ُر َ‬
‫۝ البقــرة‪ .‬وهــذه ال�آيــة تجعــل ِع ـدّة الم ـر�أة‬ ‫اج ‪٢٤٠‬‬ ‫ِّل�أ ْز َو ِاج ِهــم َّم َتا ًعــا �إِ َلــى ا ْل َح ـ ْو ِل َغ ْي ـ َر �إِخْ ـ َر ٍ‬
‫المتوفــى زوجهــا تســتمر لمــدة ســنة كاملــة! وعندمــا وجــد اللــه �أن هــذه المــدة طويلــة‬
‫جــداً علــى النســاء‪ ،‬تراجــع وجعلهــا �أربعــة �أشــهر وعشــرة �أيــام فقــط! حيــث نســخ‬
‫اجــا‬ ‫الحكــم الســابق وجــاء بحكــم جديــد فــي قولــه‪َ :‬والَّ ِذيـ َـن ُي َت َوفَّـ ْو َن ِمن ُكـ ْم َو َيـ َـذ ُر َ‬
‫ون �أ ْز َو ً‬
‫۝ البقــرة‪.‬‬ ‫َي َت َربَّ ْصـ َـن بِ�أنف ِ‬
‫ُس ـ ِه َّن �أ ْر َب َع ـ َة �أشْ ـ ُه ٍر َو َعشْ ـ ًرا ‪٢٣٤‬‬

‫ومن ال�أمثلة �أيضاً قوله‪َ :‬يا أ�يُّ َها الَّ ِذ َين آ� َم ُنوا �إِذَا َن َ‬
‫اج ْي ُت ُم ال َّر ُسولَ َف َق ِّد ُموا َب ْي َن َيد َْي‬
‫َن ْج َوا ُك ْم َص َد َق ًة ‪١٢‬۝ المجادلة‪ .‬وعندما ابتعد الناس عن محمد ولم يعد �أحد يس�أله بسبب‬
‫فرض هذا الرسم المالي على السؤال‪ ،‬عاد القر�آن ونسخ الحكم بقوله‪� :‬أ�أشْ َف ْق ُت ْم �أن‬
‫اب اللَّ ُه َع َل ْي ُك ْم ‪١٣‬۝ المجادلة!‬ ‫تُ َق ِّد ُموا َب ْي َن َيد َْي َن ْج َوا ُك ْم َص َدق ٍ‬
‫َات َف إِ� ْذ َل ْم َت ْف َع ُلوا َو َت َ‬
‫ولعــل ال�آيــة التــي يســميها الفقهــاء والمفســرون بـــ «�آيــة الســيف» �أخطــر �أحــكام‬
‫النســخ علــى ال�إ طــلاق! ونــص هــذه ال�آيــة ال�إ جراميــة هــو‪َ :‬فـ إِ�ذَا ان َْسـ َل َخ ا ْل�أشْ ـ ُه ُر ا ْل ُحـ ُر ُم‬

‫((( يقول �أهل السنة �أن النسخ يتعلق بال�أحكام الشرعية فقط‪� ،‬أما الغيب والحقائق الكونية فليس‬
‫فيها نسخ (وهذا �أحد اختلافات النسخ عن ال ِبداء)‪ .‬وبالتالي ف�إن ال�آية ‪ ٢٩‬من سورة ق لا تتناقض‬
‫مع النسخ ل�أنها تتحدث عن الغيب وما سيحدث يوم القيامة‪ .‬ولكن تبرير المسلمين هنا غير مقبول‬
‫لسبب بسيط وهو �أن ال�آية تقول �إن «قول» الله لا يتبدّل‪ ،‬هكذا على ال�إ طلاق‪ .‬وبما �أن ال�أحكام‬
‫والغيبيات لا فرق بينها في القر�آن‪ ،‬فهي جميعها مجرد «�أقوال»‪ ،‬ف�إنه يجب �ألا تتبدل بحسب نص‬
‫هذه ال�آية‪.‬‬
‫‪- 78 -‬‬
‫�����������‬

‫اح ُص ُرو ُه ـ ْم َوا ْق ُع ـ ُدوا َل ُه ـ ْم ُك َّل َم ْر َص ـ ٍد‬


‫ـث َو َج ْدتُ ُمو ُه ـ ْم َو ُخ ُذو ُه ـ ْم َو ْ‬ ‫فَا ْق ُت ُل ـوا ا ْل ُمشْ ـ ِر ِك َين َح ْيـ ُ‬
‫الص ـ َلا َة َو�آ َت ـ ُوا ال ـ َّزكَا َة ف ََخلُّـوا َس ـ ِبي َل ُه ْم �إِ َّن اللَّـ َه َغ ُفــو ٌر َر ِحي ـ ٌم ‪٥‬۝ التوبــة‪.‬‬
‫َف ـ إ� ِْن َتا ُب ـوا َو�أقَا ُم ـوا َّ‬
‫ولقــد نســخ المفســرون والفقهــاء بهــذه ال�آيــة كل �آيــات الصفــح والعفــو والتســامح‬
‫والســلام الـواردة فــي القـر�آن‪ .‬قــال ابــن كثيــر(((‪ :‬وهــذه ال�آيــة الكريمــة هــي �آيــة الســيف‬
‫التــي قــال فيهــا الضحــاك بــن مزاحــم �إنهــا نســخت كل عهــد بيــن النبــي وبيــن �أحــد‬
‫مــن المشــركين‪ ،‬وكل عهــد وكل مــدة‪ .‬ا‪.‬ه‪.‬‬
‫يقــول موقــع «صــوت الحكمــة» التابــع لمنظمــة التعــاون ال�إ ســلامي((( �أن الفقهــاء‬
‫نســخوا ب�آيــة الســيف مــا عــدده ‪� ١٢٤‬آيــة فــي ‪ ٥٢‬ســورة مــن القـر�آن‪ ،‬مــن �أمثلتهــا‪َ :‬لا‬
‫۝ البقــرة‪ .‬و�أيض ـاً‪َ :‬و �إ ِْن َج َن ُح ـوا لِ َّ‬
‫لس ـ ْل ِم‬ ‫�إِ ْك ـ َرا َه فِــي الدِّيــنِ َق ـ ْد َت َب َّيـ َـن ال ُّرشْ ـ ُد ِمـ َ‬
‫ـن ا ْل َغــي ‪٢٥٦‬‬
‫ِّ‬
‫َاج َنـ ْـح َل َهــا َو َت ـ َو َّك ْل َع َلــى اللَّ ـ ِه ‪٦١‬۝ ال�أنفــال‪.‬‬
‫ف ْ‬
‫وهنــاك �أمثلــة �أخــرى كثيــرة علــى النســخ‪ ،‬منهــا‪ :‬التراجــع عــن تحريــم جمــاع الرجــل‬
‫لزوجتــه فــي ليــل رمضــان‪ ،‬والتخفيــف عــن المقاتليــن بعدمــا علــم �أن فيهــم ضعف ـاً‬
‫فجعــل المئــة منهــم يغلبــون مئتيــن بعدمــا كان المئــة منهــم يغلبــون �ألفـاً‪ ،‬وغيــر ذلــك‪.‬‬
‫ولنا �أن نس�أل هنا‪ :‬كيف ل�إ له‪ ،‬يدَّعي �أنه يعلم غيب المستقبل و�أن القول لا ُيبدَّل‬
‫لديه‪� ،‬أن يتراجع عن �أقواله و�أحكامه بحسب تغـ ُّير الظروف؟ �أيعجز هذا ال�إ له عن ال�إ تيان‬
‫ب�أحكام ثابتة لمدة ‪ ٢٣‬سنة (مدة النب ّوة) ويضطر لتغييرها مرات عديدة خلال هذه‬
‫الفترة القصيرة‪ ،‬ثم يريدنا �أن نؤمن ب�أن �أحكامه بعد ذلك صالحة ل�آلاف وربما ملايين‬
‫السنين؟! �إن هذا غير معقول بالطبع ولن يوافق عليه من لديه ُم ْز َعة من عقل!‬
‫والتناقــض فــي الق ـر�آن لا يقــف عنــد حــد �آيــات الناســخ والمنســوخ التــي عالجهــا‬

‫((( المصدر‪ :‬تفسير ابن كثير‪.‬‬


‫((( هذا الرابط‪ .‬وبالطبع‪ ،‬يحاول الموقع المذكور تبرئة القر�آن من العنف ووضع اللوم على الفقهاء‪،‬‬
‫التنصل من �أحكام دينهم ال�أصلية وال�إ تيان ب�أحكام جديدة تتوافق مع‬
‫كعادة المسلمين عندما يريدون ّ‬
‫المعايير الحضارية الحديثة!‬
‫‪- 79 -‬‬
‫�����������‬

‫المســلمون وحاول ـوا تبريرهــا‪ ،‬بــل يتعداهــا �إلــى مــا هــو �أبعــد منهــا‪� .‬إنــه كتــاب ملــيء‬
‫بال�آيــات المتناقضــة‪ ،‬ولــو �أضفنــا �إلــى ذلــك تناقضــه مــع الســنة والســيرة‪ ،‬ف ـ إ�ن ال�أمــر‬
‫يــزداد ســوءاً‪� .‬إن وجــود ولــو تناقــض واحــد فــي القـر�آن يكفــي ل�إ بطالــه‪ ،‬فمــن المف َتـ َرض‬
‫�أنــه مــن عنــد ال�إ لــه الكامــل الــذي يســتحيل منــه الخط ـ�أ والارتبــاك! فكيــف بــه وهــو‬
‫ملــيء بالتناقضــات وال�أحــكام الارتجاليــة والتراجعــات والاعتــذارات؟‬
‫وفيما يلي بعض �آيات القر�آن المتناقضة مع تعليقات مختصرة عليها‪:‬‬

‫(ف ََس ْو َف ُي َح َاس ُب ِح َسا ًبا َي ِسي ًرا ‪٨‬۝‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫⇄‬ ‫(‬ َف إِ� َذا‪‬‭‬نُ ِف َ‪‭‬خ‬فِي‪ُّ ‭‬‬
‫‬الصوِ‪‭‬ر‬ َف َلا‪�‬‭‬أ َنس َ‪‭‬‬
‫اب‬
‫َو َين َقل ُب �إِ َل ٰى �أ ْهله َم ْس ُرو ًرا)‬
‫‬ َب ْي َن ُه ْ‪‭‬م‬ َي ْو َم ِئ ٍ‪‭‬ذ‬ َو َلا‪َ ‬‭‬ي َت َسا َءلُ َ‬
‫ون‪)‭‬‬
‫ض َي َت َسا َءلُ َ‬
‫ون)‬ ‫( َو�أ ْق َب َل َب ْع ُض ُه ْم َع َل ٰى َب ْع ٍ‬
‫كيف يكون لل�إ نسان "�أهل" يوم القيامة وقد انتهت علاقة النسب بين الناس بعد‬
‫نفخ الصور؟ ثم هل الناس يوم القيامة يتساءلون �أو لا يتساءلون؟!‬

‫( َلن َت َنالُوا ا ْل ِب َّر َحتَّ ٰى تُن ِف ُقوا ِممَّا‬


‫ِ‬ ‫( َو َلا َي ْس�أ ْل ُك ْم �أ ْم َوا َل ُك ْم)‬
‫ون)‬ ‫تُح ُّب َ‬ ‫⇄‬
‫( َوا ْع َل ُموا �أنَّ َما َغ ِن ْم ُتم ِّمن شَ ْي ٍء َف�أ َّن لِلَّهِ‬ ‫(قُل َّلا �أ ْس�ألُ ُك ْم َع َل ْي ِه �أ ْج ًرا)‬
‫(اتَّ ِب ُعوا َمن َّلا َي ْس�ألُ ُك ْم �أ ْج ًرا)‬
‫ُخ ُم َس ُه َو لِل َّر ُسول)ِ‬
‫يخوف‬ ‫يقول �أن الرسول لا يس�أل الناس �أجراً‪ ،‬ثم يعطيه ُخ ْمس الغنائم! و�أيضاً ِّ‬
‫الناس لكي ينفقوا‪ ،‬ثم يجعل الرسول هو المسؤول عن استلام تلك النفقات!‬

‫(�إِنَّ َما ا ْل ُم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون الَّ ِذ َين �إِذَا ُذ ِك َر اللَّ ُه‬ ‫⇄‬
‫(الَّ ِذ َين �آ َم ُنوا َو َت ْط َم ِئ ُّن قُ ُلو ُب ُهم بِ ِذ ْك ِر‬
‫َو ِج َل ْت قُ ُلو ُب ُه ْم)‬ ‫وب)‬ ‫اللَّ ِه �أ َلا بِ ِذ ْك ِر اللَّ ِه َت ْط َم ِئ ُّن ا ْل ُق ُل ُ‬
‫ذكر الله ُيطمئن القلوب في ال�آية اليمنى‪ ،‬ولكنه يتسبب في وجلها وخوفها في‬
‫ال�آية اليسرى!‬

‫‪- 80 -‬‬
‫�����������‬

‫(ا ْل َي ْو َم نَخْ ِت ُم َع َل ٰى �أ ْف َوا ِه ِه ْم َوتُ َكلِّ ُم َنا‬


‫ِ‬ ‫⇄‬
‫( َي ْو َم َتشْ َه ُد َع َل ْي ِه ْم �أ ْل ِس َن ُت ُه ْم َو�أ ْي ِدي ِه ْم‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬
‫� ْيديه ْم َو َتشْ َه ُد � ْر ُجل ُهم ب َما كَانُوا‬ ‫ِ‬ ‫أ‬
‫ِ‬ ‫ون)‬‫َو�أ ْر ُج ُل ُهم بِ َما كَانُوا َي ْع َم ُل َ‬
‫ون)‬ ‫َيكس ُب َ‬ ‫ْ‬
‫كيف يتكلم الناس (تشهد عليهم �ألسنتهم) يوم القيامة وقد ختم الله المزعوم على‬
‫�أفواههم؟‬

‫( َك َّلا �إِنَّ ُه ْم َعن َّربِّ ِه ْم َي ْو َم ِئ ٍذ‬


‫(�أو َل ٰ ِئ َك ُي ْع َر ُض َ‬
‫ون َع َل ٰى َربِّ ِه ْم)‬ ‫⇄‬
‫لَّ َم ْح ُجو ُب َ‬
‫ون)‬
‫لم نفهم! هل الكفار محجوبون عن ربهم ولا ُيع َرضون عليه �أم ُيع َرضون عليه؟‬

‫( َو َزيَّ َن َل ُه ُم الشَّ ْي َطا ُن َما كَانُوا‬


‫⇄‬
‫(ك ََذلِ َك َزيَّنَّا لِ ُك ِّل �أ َّم ٍة َع َم َل ُه ْم)‬
‫ون)‬‫َي ْع َم ُل َ‬
‫لا ندري من يزين للناس �أعمالهم السيئة بحسب ال�آيتين‪ :‬الله �أم الشيطان؟!‬

‫(�أ ْم َح ِس ْب ُت ْم �أن َتد ُْخ ُلوا ا ْل َجنَّ َة َو َل َّما‬


‫َي�أْتِ ُكم َّم َث ُل الَّ ِذ َين َخ َل ْوا ِمن َق ْب ِل ُكم‬
‫( َو َل ْو �أ َّن �أ ْه َل ا ْل ُق َرىٰ �آ َم ُنوا َواتَّ َق ْوا‬
‫َّم َّس ْت ُه ُم ا ْل َب�أْ َسا ُء َو َّ‬
‫الض َّرا ُء َو ُز ْل ِزلُوا)‬ ‫⇄‬
‫( َو َل َن ْب ُل َونَّ ُكم بِشَ ْي ٍء ِّم َن ا ْل َخ ْوفِ‬ ‫الس َما ِء‬‫َات ِّم َن َّ‬ ‫َل َف َت ْح َنا َع َل ْي ِهم َب َرك ٍ‬
‫َوا ْل�أ ْرضِ)‬
‫س‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫أ‬
‫ص ِّم َن ال� ْم َوال َوال�ن ُف ِ‬ ‫ْ‬ ‫َوا ْل ُجو ِع َو َن ْق ٍ‬
‫ات)‬ ‫َوالثَّ َم َر ِ‬
‫تريدون الخير والبركة؟ حسناً‪� ،‬آمنوا بالله‪� .‬آمنتم ومستكم الضراء و�أصابكم الجوع‬
‫والفقر؟ هذا ابتلاء من عند الله ل�أنكم �آمنتم به وهو يريد اختباركم! واضح �أن‬
‫القر�آن يعطي الناس مجرد كلام بحسب الحالة‪ ،‬فليس هناك شيء ثابت يمكن‬
‫الاعتماد عليه!‬

‫‪- 81 -‬‬
‫�����������‬

‫⇄ ( َو �إِذَا �أ َر ْد َنا �أن ن ُّْه ِل َك َق ْر َي ًة �أ َم ْر َنا ُم ْت َرفِ َيها‬ ‫(قُ ْل �إِ َّن اللَّ َه َلا َي�أْ ُم ُر بِا ْلف َْحشَ ا ِء‬
‫َفف ََس ُقوا فِ َيها)‬ ‫ون َع َلى اللَّ ِه َما َلا َت ْع َل ُم َ‬
‫ون)‬ ‫�أ َتقُولُ َ‬
‫الله لا ي�أمر بالفحشاء‪ ،‬جميل! ولكنه في ال�آية اليسرى ي�أمر الناس بالفسق لكي‬
‫يهلكهم بسبب ما �أمرهم بالقيام به!‬

‫(س َيقُولُ الَّ ِذ َين �أشْ َر ُكوا َل ْو شَ ا َء اللَّ ُه َما‬‫َ‬


‫( َو َل ْو شَ ا َء اللَّ ُه َما �أشْ َر ُكوا َو َما َج َع ْل َناكَ‬
‫�أشْ ر ْك َنا َولا �آَ َبا ُؤ َنا َولا َح َّر ْم َنا ِم ْن شَ ي ٍء ⇄‬
‫ْ‬
‫َع َل ْي ِه ْم َح ِفي ًظا َو َما �أن َْت َع َل ْي ِه ْم بِ َو ِكيلٍ )‬ ‫َ‬
‫ك ََذلِ َك َك َّذ َب الَّ ِذ َين ِم ْن َق ْب ِل ِه ْم)‬
‫في ال�آية ال�أولى تكذيب لمن يقول �أن الشرك يقع بمشيئة الله‪ .‬وفي ال�آية ال�أخرى‬
‫يعترف الله ب�أن الشرك يقع بمشيئته!‬

‫(ا ْق َر�أْ ِك َتا َب َك َكف َٰى بِ َن ْف ِس َك ا ْل َي ْو َم‬


‫َع َل ْي َك َح ِسي ًبا)‬
‫⇄‬
‫( َو َن ْحشُ ُر ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َع َل ٰى‬
‫(قَالَ َر ِّب لِ َم َحشَ ْر َت ِني �أ ْع َم ٰى َو َق ْد‬
‫ُو ُجو ِه ِه ْم ُع ْم ًيا َو ُب ْك ًما َو ُصمًّا)‬
‫۝ قَالَ ك َ َٰذلِ َك �أ َت ْت َك‬ ‫ُنت َب ِ‬
‫صي ًرا ‪١٢٥‬‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫�آ َياتُ َنا َف َن ِسي َت َها َوك َ َٰذلِ َك ا ْل َي ْو َم تُ َنس ٰى)‬
‫كيف يقر�أ الكفار كتبهم وقد حشرهم الله عمياً؟ وكيف يقولون لربهم وقد حشرهم‬
‫ُبكماً؟ وكيف يسمعون كلامه وقد حشرهم ُصمَّاً؟ طبعاً التبرير جاهز عند المسلم‪،‬‬
‫ولكن لماذا يتسبب الله "الحكيم" بهذه ال�إ شكالية في كتابه الخاتم؟ عبث!‬

‫⇄ ( َو�أ َّما َث ُمو ُد ف ََه َد ْي َنا ُه ْم ف َْاس َت َح ُّبوا ا ْل َع َم ٰى‬


‫( َو َمن َي ْه ِد اللَّ ُه َف َما َل ُه ِمن ُّم ِض ٍّل)‬
‫َع َلى ا ْل ُهدَىٰ )‬
‫لا يوجد من يستطيع �إضلال من يهده الله بحسب ال�آية ال�أولى‪ .‬ولكن بحسب‬
‫ال�آية ال�أخرى‪ ،‬ف إ�ن ثمودكانوا �أقوى من الله واستطاعوا �إضلال �أنفسهم بعد �أن‬
‫هداهم!‬

‫‪- 82 -‬‬
‫�����������‬

‫( َو ِقي َل ا ْل َي ْو َم َن َنسا ُك ْم)‬ ‫⇄‬ ‫َان َربُّ َك َن ِسيًّا)‬


‫( َو َما ك َ‬
‫هل الله ينسى �أم لا ينسى؟!‬

‫(خالِ ِد َين فِ َيها �إِ َّلا َما شَ ا َء اللَّ ُه)‬


‫َ‬
‫⇄‬ ‫(خالِ ِد َين فِ َيها �أ َبدًا َو ْع َد اللَّ ِه َحقًّا)‬
‫ات‬
‫الس َما َو ُ‬ ‫(خالِ ِد َين فِ َيها َما َدا َم ِت َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض �إِ َّلا َما شَ ا َء َربُّ َك)‬ ‫َوا ْل�أ ْر ُ‬
‫هل سيخلدون في النار‪� :‬أبداً (�إلى ما لا نهاية)‪� ،‬أو �إلى ما شاء الله‪� ،‬أو �إلى مدة‬
‫تساوي عمر السماوات وال�أرض؟ مجرد كلام مرسل كيفما اتفق!‬

‫( َوك َ َٰذلِ َك �أ ْو َح ْي َنا �إِ َل ْي َك قُ ْر�آ ًنا َع َر بِ ًّيا‬ ‫س َب ِشي ًرا‬‫�إِلَّا كَافَّ ًة لِّلنَّا ِ‬ ‫( َو َما �أ ْر َس ْل َناكَ‬
‫لِّ ُتن ِذ َر �أ َّم ا ْل ُق َرىٰ َو َم ْن َح ْو َل َها)‬ ‫⇄‬ ‫َو َن ِذي ًرا)‬
‫( َوك َ َٰذلِ َك �أن َز ْل َنا ُه ُح ْك ًما َع َر بِ ًّيا)‬ ‫�إِلَّا َر ْح َم ًة لِّ ْل َعا َل ِم َين)‬ ‫( َو َما �أ ْر َس ْل َناكَ‬
‫هل ال�إ سلام للناس جميعاً‪� ،‬أم هو للعرب فقط؟!‬

‫المســلمون بالطبــع يرفضــون الاعتـراف بـ�أي تناقــض فــي القـر�آن‪ ،‬ويســوقون التبريـرات‬
‫والتعليــلات متحججيــن بالســياق وبضــرورة الجمــع بيــن ال�آيــات وغيــر هــذا‪ .‬وهــم‬
‫مدفوعــون فــي هــذا بتقديــس عميــق لهــذا الكتــاب‪ ،‬وخــوف مــن �إلهــه الموهــوم الــذي‬
‫ينتظرهــم بعــد المــوت لتعذيبهــم فيمــا لــو �أعمل ـوا عقولهــم وتجــردوا للحقيقــة واعترف ـوا‬
‫بتناقــض كتابــه!‬
‫َان ِمـ ْـن ِعن ـ ِد َغ ْي ـ ِر اللَّ ـ ِه‬
‫ون ا ْل ُق ـ ْر� َآن َو َل ـ ْو ك َ‬
‫و�أخي ـراً‪ ،‬فلنتذكــر قــول الق ـر�آن‪� :‬أ َف ـ َلا َي َت َدبَّ ـ ُر َ‬
‫اســتجبت �أنــا لدعــوة القــر�آن وتدبَّرتُــه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َل َو َجــ ُدوا فِيــ ِه اخْ ِت َلافًــا َك ِثيــ ًرا ‪٨٢‬۝ النســاء! ولقــد‬
‫فوجــدت فيــه اختلافـاً كثيـراً‪ .‬ولــذا سـ�أحكم عليــه بقلــب مطمئــن ب�أنــه مــن عنــد غيــر‬
‫اللــه حتمـاً وقطعـاً‪ .‬فلمــاذا يت ّوعــد �إلــه القـر�آن مــن يســتجيب لــه ويتدبّــر القـر�آن ويكفــر بــه‬
‫بالعــذاب؟! ولمــاذا ُيعــا ِدي المســلمون مــن َيع َمــل ب�أمــر الق ـر�آن هــذا؟!‬

‫‪- 83 -‬‬
‫�����������‬

‫۞التحريف‬
‫قــد يعجــب البعــض مــن كــون التحريــف هــو �أحــد عيــوب الق ـر�آن فــي حيــن �أن‬
‫المســلمين يفتخــرون كثي ـراً بكــون كتابهــم محفــوظ غايــة الحفــظ! والحقيقــة هــي �أن‬
‫المســلمين ينطلقــون فــي فخرهــم هــذا مــن مجــرد شــعار ودعايــة دينيــة ر ّوج لهــا الفقهــاء‬
‫والدعــاة والساســة فــي الجماعــات الدينيــة‪ .‬والدعايــة هــذه تقــوم علــى ال�آيــة‪� :‬إِنَّــا َن ْحـ ُـن‬
‫ــون ‪٩‬۝ الحجــر‪ .‬ولكــن الباحــث فــي مخطوطــات القــر�آن‬ ‫َن َّز ْل َنــا ال ِّذكْــ َر َو �إِنَّــا َلــ ُه َل َحافِ ُظ َ‬
‫القديمــة يجــد عــدداً مــن الاختلافــات بينهــا وبيــن نُ َســخ الق ـر�آن الموجــودة اليــوم‪.‬‬
‫وقبــل اســتعراض عــدد مــن الاختلافــات بيــن نُ َســخ القـر�آن‪ ،‬تجــدر ال�إ شــارة �إلــى �أنــه‬
‫لا توجــد ُح َّجــة فــي حفــظ الق ـر�آن �أصــلاً! فمــا علاقــة حفــظ �أي كتــاب بصحــة مــا‬
‫فيــه؟! فال�أصــل فــي جميــع الكتــب هــو حفظهــا‪ .‬ولــو اشــترى �أي �إنســان اليــوم نســخة‬
‫ـاب مــا مــن الســعودية و�أخــرى مــن البرازيــل‪ ،‬ووجــد النســختين متطابقتــان‪ ،‬فهــل‬ ‫مــن كتـ ٍ‬
‫هــذا دليــل علــى صحــة محتويــات الكتــاب؟ بالطبــع لا! ولا فــرق فــي هــذا بيــن الكتــب‬
‫القديمــة والحديثــة‪ ،‬فالحفــظ مــن التحريــف ليــس دليــلاً علــى شــيء‪.‬‬
‫�أمــر �آخــر تجــدر ال�إ شــارة �إليــه هــو مقــدار التحريــف الــذي يمكــن اعتبــاره قادح ـاً‬
‫فــي صحــة �أي كتــاب‪ .‬وهــذا المقــدار يجــب �أن يكــون كبي ـراً بحيــث يغيــر �أســلوب‬
‫الكتــاب �أو المعلومــات الـواردة فيــه‪ .‬فلــو وجدنــا كتابيــن بعنـوان واحــد منســو َبين لمؤلــف‬
‫واحــد ولكــن معلوماتهمــا متناقضــة �أو لغتهمــا ال�أدبيــة مختلفــة‪ ،‬فعندهــا يمكننــا القــول‬
‫�أن �أحــد هذيــن الكتابيــن هــو الكتــاب ال�أصلــي وال�آخــر منحــول (وقــد يكــون كلاهمــا‬
‫ـيص ُّب فــي صالــح الق ـر�آن‪ ،‬وذلــك ل�أن‬ ‫منحــولاً)‪ .‬وهــذا ال�أمــر فــي الحقيقــة كان سـ ُ‬
‫�أغلــب الاختلافــات التــي نجدهــا فــي نُ َســخ القـر�آن لا تغيــر مــن �أســلوبه �أو معانيــه كثيراً‪.‬‬
‫ولكــن المشــكلة �أن المســلمين يقولــون �أن القـر�آن محفــوظ تمامـاً ولــم يتغيــر منــه حتــى‬
‫حــرف واحــد منــذ نــزل علــى محمــد �إلــى اليــوم! وادعاءهــم هــذا فــي الحقيقــة ُيسـ ِّهل‬
‫علينــا �إثبــات تحريــف القـر�آن وفــق تعريفهــم؛ فمــن فمــك �أدينــك!‬

‫‪- 84 -‬‬
‫�����������‬

‫وقبــل المقارنــة بيــن النســخ القديمــة والحديثــة مــن القـر�آن‪ ،‬دعونــا نبــد�أ باســتعراض‬
‫الاختلافــات بيــن �أشــهر روايــات القـر�آن المعتمــدة عنــد المســلمين اليــوم (القـراءات)‪،‬‬
‫فهــي ليســت متفقــة علــى نــص القــر�آن! ولن�أخــذ بعــض الاختلافــات((( بيــن روايــة‬
‫«حفــص عــن عاصــم» المتداولــة فــي الســعودية ومصــر وروايــة «ورش عــن نافــع»‬
‫المتداولــة فــي المغــرب‪:‬‬
‫رواية ورش‬ ‫رواية حفص‬ ‫ال�آية‬
‫‪ ١٨‬الزخرف َو َج َع ُلوا ا ْل َم َلائِ َك َة الَّ ِذ َين ُه ْم ِع َبا ُد َو َج َع ُلوا ا ْل َم َلائِ َك َة الَّ ِذ َين ُه ْم ِعن َد‬
‫ال َّر ْح َ ٰمنِ �إِ َنا ًثا‬ ‫ال َّر ْح َ ٰمنِ �إِ َنا ًثا‬
‫َف إِ� َّن اللَّ َه ا ْل َغ ِن ُّي ا ْل َح ِمي ُد‬ ‫‪ ٢٤‬الحديد َف إِ� َّن اللَّ َه ُه َو ا ْل َغ ِن ُّي ا ْل َح ِمي ُد‬
‫نش ُز َها َوان ُظ ْر �إِ َلى ا ْل ِع َظا ِم َك ْي َف نُ ِ‬
‫نشر َها‬ ‫‪ ٢٥٩‬البقرة َوان ُظ ْر �إِ َلى ا ْل ِع َظا ِم َك ْي َف نُ ِ‬
‫َف َلا َي َخ ُ‬
‫اف ُع ْق َبا َها‬ ‫‪ ١٥‬الشمس َو َلا َي َخ ُ‬
‫اف ُع ْق َبا َها‬
‫َل�أ ِج َد َّن َخ ْي ًرا ِّم ْن َهما ُمن َق َل ًبا‬ ‫‪ ٣٦‬الكهف َل�أ ِج َد َّن َخ ْي ًرا ِّم ْن َها ُمن َق َل ًبا‬

‫وهنــا �أمثلــة علــى الاختلافــات((( بيــن روايــة حفــص وروايــة «قالــون عــن نافــع»‬
‫المتداولــة فــي ليبيــا وتونــس (لاحــظ اختــلاف ترقيــم بعــض ال�آيــات!)‪:‬‬
‫رواية قالون‬ ‫رواية حفص‬ ‫السورة‬
‫قُ َل �أ َو َل ْو ِج ْئ ُت ُك ْم ‪٢٣‬۝‬ ‫الزخرف قَالَ �أ َو َل ْو ِج ْئ ُت ُك ْم ‪٢٤‬۝‬
‫َو َك�أيِّ ْن ِم ْن َن ِبئ قُ ِت َل َم َع ُه ِربِّ ُّي َ‬
‫ون َك ِثي ٌر‬ ‫�آل عمران َو َك�أيِّ ْن ِم ْن َن ِب ٍّي قَا َت َل َم َع ُه ِربِّ ُّي َ‬
‫ون‬
‫۝‬‫‪١٤٦‬‬ ‫۝‬‫َك ِثي ٌر ‪١٤٦‬‬

‫۝‬ ‫ج ِحي ِم ‪١١٨‬‬ ‫اب ا ْل َ‬ ‫اب ا ْل َج ِحي ِم ‪١١٩‬۝ َو َلا َت ْس َئل َع ْن �أ ْص َح ِ‬ ‫َو َلا تُ ْس�ألُ َع ْن �أ ْص َح ِ‬ ‫البقرة‬

‫((( المصدر ولمزيد من ال�أمثلة‪http://ar.hanif.de/?p=15 :‬‬


‫((( المصدر ولمزيد من ال�أمثلة‪https://bit.ly/2JhLzC1 :‬‬
‫‪- 85 -‬‬
‫�����������‬

‫رواية قالون‬ ‫رواية حفص‬ ‫السورة‬


‫َف إِ� َّن اللَّ َه ا ْل َغ ِن ُّي ا ْل َح ِمي ُد ‪٢٣‬۝‬ ‫الحديد َف إِ� َّن اللَّ َه ُه َو ا ْل َغ ِن ُّي ا ْل َح ِمي ُد ‪٢٤‬۝‬
‫قَالَ �إِنَّ َما �أ َنا َر ُسولُ َربِّ ِك لِ َي َه َب َل ِك‬ ‫قَالَ �إِنَّ َما �أ َنا َر ُسولُ َربِّ ِك لِ�أ َه َب‬ ‫مريم‬
‫ُغ َلا ًما ‪١٩‬۝‬ ‫َل ِك ُغ َلا ًما ‪١٩‬۝‬

‫ف�أيــن حفــظ القـر�آن الــذي يدَّعيــه المســلمون هنــا؟! قــد يحــاول المســلمون تبرير هذه‬
‫الاختلافــات وغيرهــا ب�أســطورة نــزول الق ـر�آن علــى ســبعة �أو عشــرة �أحــرف (ق ـراءات)‪.‬‬
‫وهــذا فــي الحقيقــة ليــس �إلا تبريــر دينــي يقبلــه المؤمنــون حتــى يطمئن ـوا بــه �أنفســهم!‬
‫فمثــلاً‪ ،‬هــل �أنــزل اللــه ( َو َج َع ُل ـوا ا ْل َم َلائِ َك ـ َة الَّ ِذيـ َـن ُه ـ ْم ِع َبــا ُد ال َّر ْح َ ٰمــنِ �إِ َنا ًثــا) بلســان‬
‫قريــش‪ ،‬ثــم �أنزلهــا ( َو َج َع ُل ـوا ا ْل َم َلائِ َك ـ َة الَّ ِذيـ َـن ُه ـ ْم ِعن ـ َد ال َّر ْح َ ٰمــنِ �إِ َنا ًثــا) بلســان قبيلــة‬
‫�أخــرى كمــا يزعــم �أهــل الق ـراءات؟! �إن هــذا �أمــر غيــر مقنــع ولا يمكــن قبولــه‪.‬‬
‫وقبـل التحـ ّول عـن مسـ�ألة اختـلاف القـراءات ف إ�نـه يجـب التنبيه على �أسـطورة حفظ‬
‫القـر�آن فـي الصـدور! فكمـا هـو معلـوم‪ ،‬ثمـة اختلافـات فـي طريقـة نطـق كلمـات كثيرة‬
‫جـداً فـي القـر�آن(((‪ .‬و �إن جميـع المنشـغلين بقـراءات القـر�آن يقولـون مثـلاً «قَـ َر�أ» حفص‬
‫كـذا كـذا و «قَـ َر�أ» نافـع كـذا وكـذا بطريقـة مختلفـة‪ .‬وهذا الاختلاف فـي القراءة يدل‬
‫علـى �أن نـص القـر�آن كان مكتوبـاً وقـر أ�ه كل واحـد منهـم بطريقتـه‪ .‬وهـذا الاختـلاف‬
‫سـببه عـدم تنقيـط وتشـكيل النـص ال�أصلـي للقـر�آن‪ .‬فلـو كان الجميـع يحفـظ القـر�آن‬
‫عـن ظهـر قلـب فعـلاً لمـا كان هنـاك اختـلاف فـي قـراءة النـص‪ ،‬ولقـر�أه الجميـع كمـا‬
‫يحفظونـه وليـس كمـا يرو َنـه مكتوبـاً �أمامهـم‪ .‬وهـذا يدلـل علـى �أن القـر�آن �إنمـا انتشـر‬
‫فـي البلـدان علـى شـكل نـص مكتـوب وليـس محفـوظ‪ .‬ولـذا اختلـف �أهـل البلـدان فـي‬
‫قراءته‪.‬‬
‫لننتقــل ال�آن �إلــى الاختلافــات فــي نُ َســخ القــر�آن القديمــة التــي وصلتنــا (وهــي‬

‫((( �أنظر مثلاً‪ :‬المصحف المنسوب �إلى عثمان بن عفان ‪ -‬نسخة طوپ ڤاپي‪ ،‬صفحة ‪ ٨٤‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪- 86 -‬‬
‫�����������‬

‫قمــت بدراســة مخطوطــة‬ ‫ُ‬ ‫بالمناســبة ليســت نســخ «كاملــة» مــن القــر�آن)‪ .‬لقــد‬
‫ـدت فيهــا اختلافــات كثيــرة عــن القـر�آن الموجــود بيــن �أيدينــا‪ ،‬خاصــة‬
‫برمنجهــام((( ووجـ ُ‬
‫فيمــا يتعلــق بزيــادات ال�ألــف والهمــز‪ .‬وفيمــا يلــي صفحــة مــن هــذه المخطوطــة مــن‬
‫ســورة «طــه» ال�آيــات ‪� ١٤‬إلــى ‪ ،٣٩‬حيــث تجــد الكلمــات المختلفــة بيــن القــر�آن‬
‫الحديــث والمخطوطــة القديمــة للمقارنــة‪:‬‬

‫((( ورقتان مخطوطة ُع ِثر عليهما في جامعة برمنجهام‪ ،‬يعدُّهما البعض من �أقدم نسخ القر�آن؛ انظر هنا‬
‫‪- 87 -‬‬
‫�����������‬

‫والفروقــات موجــودة فــي بقيــة مخطوطــات القـر�آن القديمــة �أيضـاً‪ ،‬مثــل‪ :‬مخطوطات‬
‫صنعــاء((( ومصاحــف ســمرقند((( وطــوپ قاپــي((( والمشــهد الحســيني‪ .‬وهــذا دليــل قــوي‬
‫(ل�أنــه دليــل �أركيولوجــي ملمــوس وليــس فقــط روايــات تاريخيــة) علــى عــدم حفــظ القـر�آن‬
‫بالطريقــة التــي يدَّعيها المســلمون‪.‬‬
‫وبعــد كل هــذه الاختلافــات بيــن روايــات القـر�آن ونُ َســخ القـر�آن القديمــة والحديثــة‪،‬‬
‫ف إ�نــه لا يمكــن القــول بـ�أن القـر�آن محفــوظ‪ .‬وهــذا يخالــف تعهــد اللــه بحفــظ القـر�آن‪،‬‬
‫وبالتالــي يــدل علــى عجــزه و�أنــه ليــس ب إ�لــه فعــلاً‪.‬‬

‫۞نقص البلاغة‬
‫بينمــا يقــول الق ـر�آن �أنــه بلســان عربــي مبيــن‪ ،‬ويتغنــى المســلمون بمــدى فصاحتــه‬
‫وبلاغتــه‪ ،‬نجــد �أن القـر�آن فــي الحقيقــة كتــاب ملتبــس ومبهــم وغامــض‪ ،‬عســير الفهــم‬
‫وصعــب القـراءة علــى كثيريــن!‬
‫اشْ ُتــقَّت «البلاغــة» مــن الفعــل « َب َلـ َـغ» والــذي يــدل علــى التبليــغ َو البلــوغ‪ .‬وعليــه‪،‬‬
‫فهــي تعنــي اســتخدام �أقــل عــدد ممكــن مــن ال�ألفــاظ ل�إ يصــال المعنــى الــذي يريــده‬
‫ال ُم َتكلِّــم كامــلاً �إلــى المتلقــي (تبليــغ المعنــى) مــع الت�أثيــر فيــه (بلــوغ الهــدف)‪� .‬إذاً‪،‬‬
‫فالبلاغــة تحمــل غايــة عقليــة هــي ال�إ فهــام و �إيصــال المعنــى‪ .‬كمــا تحمــل غايــة عاطفيــة‬
‫هــي الت�أثيــر النفســي فــي المتلقــي مــن �أجــل �إقناعــه �أو اســتثارته‪ .‬و �إذا مــا فقــد الــكلام‬

‫((( مخطوطات صنعاء تحتوي على فروقات في النص ال�أصلي‪ ،‬كما تحتوي على نص سفلي‬
‫ممسوح ُيظهر تعديلات على الصياغة؛ راجع هنا‪.‬‬
‫((( راجع هذا الرابط لرؤية بعض الاختلافات في مخطوطة سمرقند‪:‬‬
‫‪https://www.answering-islam.org/PQ/ch9a-index.html‬‬
‫((( المصحف الشريف المنسوب �إلى عثمان بن عفان ‪ -‬نسخة طوپ ڤاپي سرايي‪ ،‬الصفحة ‪ ٨٢‬فقرة ب‬
‫فيما يتعلق بمصحف سمرقند‪ ،‬والصفحة ‪ ٨٦‬فيما يتعلق بمصحف طوپ قاپي‪.‬‬
‫‪- 88 -‬‬
‫�����������‬

‫هذيــن ال ُمق ّوميــن �أو �أحدهمــا (المعنــى �أو الت�أثيــر) ف إ�نــه لا ُيعـ ّد بليغـاً‪.‬‬
‫لــو نظرنــا �إلــى الق ـر�آن وفــق تعريــف البلاغــة �أعــلاه لوجدنــاه ناقــص البلاغــة‪ .‬فهــو‬
‫يعجــز كثيـراً عــن �إيصــال المعنــى كامــلاً وواضحـاً �إلــى المتلقــي‪ .‬ولــذا نجــد المســلمين‬
‫قديمـاً وحديثـاً بحاجــة ل�أرتــال مــن التفاســير ول�أقـوال الــرواة والعلمــاء التــي تحمــل الكثيــر‬
‫مــن الاختلافــات والتناقضــات!‬
‫فــي القـر�آن كلمــات كثيــرة غيــر عربيــة �أو غيــر مفهومــة‪ ،‬والمفســرون فقــط يضعــون‬
‫لهــا معانــي تخمينيــة تناســب الســياق الــذي يريدونــه �أو يفهمونــه‪ .‬ف ـ إ�ن كان الســياق‬
‫ســياق مــدح مثــلاً جعلــوا تلــك الكلمــات تعنــي المــدح‪ ،‬و �إن كانــت فــي ســياق‬
‫العــذاب جعلوهــا تعنــي العــذاب‪ ،‬وهكــذا! وحديثـاً ظهــر عــدد مــن التفســيرات الجديــدة‬
‫للقـر�آن التــي تقــول باحتوائــه علــى عــدد كبيــر مــن الكلمــات والتعابيــر الســريانية ال�آراميــة‪.‬‬
‫و�أشــهر هــذه التفســيرات كتــاب «قـراءة �آراميــة ســريانية للقـر�آن» لكاتــب �ألمانــي يكتــب‬
‫باســم مســتعار هــو «كريســتوفر لكســنبرغ»‪ .‬ولقــد �أحــدث هــذا الكتــاب ضجــة كبيــرة‬
‫فــي �أوســاط المهتميــن بالقـر�آن ولغتــه وتاريخــه‪.‬‬
‫مــن �أمثلــة الكلمــات المبهمــة �أو غيــر العربيــة فــي القـر�آن‪�« :‬أبّـاً»‪« ،‬كنــود»‪« ،‬طود»‪،‬‬
‫«الصاخــة»‪« ،‬المؤتفكــة»‪« ،‬الزقــوم»‪« ،‬حــور»‪« ،‬غســلين»‪« ،‬قُــروء»‪�« ،‬أرائــك»‪،‬‬
‫«المســجور» وغيرهــا الكثيــر(((‪ .‬ولقــد �أدى تعامــل المفســرين قديم ـاً مــع الق ـر�آن �إلــى‬
‫�إدخــال هــذه كلمــات وغيرهــا �إلــى اللغــة العربيــة‪ ،‬كمــا �أدى تعاملهــم معهــا �إلــى �إكســاب‬
‫بعــض الكلمــات العربيــة لمعانــي جديــدة حتــى تتوافــق مــع مــا فــي القـر�آن‪ ،‬ففقــدت تلك‬
‫الكلمــات معانيهــا المحــددة و�أصبحــت تــدل علــى �أكثــر مــن معنــى! ونظـراً ل�أن قواميــس‬
‫اللغــة العربيــة تــم وضعهــا بعــد نــزول القـر�آن وكتابــة تفســيراته‪ ،‬فلقــد دخلــت الكلمــات‬
‫والمعانــي الجديــدة �إلــى تلــك القواميــس و�أصبحــت مرجعـاً يستشــهد بــه العــرب!‬

‫((( ثمة مراجع كثيرة تعتني بغريب �ألفاظ القر�آن‪ .‬وهنا صفحة مختصرة تجمع عدداً من هذه‬
‫ال�ألفاظ‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=332332 :‬‬
‫‪- 89 -‬‬
‫�����������‬

‫ولــو جئنــا �إلــى ال�آيــات المبهمــة والملتبســة فــي الق ـر�آن ف إ�ننــا ســنجد العجائــب!‬
‫و�أبــرز مــا يلفــت نظرنــا فــي هــذا المجــال هــو اســتخدام الق ـر�آن للســجع المتكلِّــف‬
‫علــى طريقــة كهنــة العــرب القدمــاء‪ ،‬خاصــة فــي القـر�آن المكــي‪ .‬فكاتــب القـر�آن اهتــم‬
‫بجانــب الت�أثيــر فــي البلاغــة علــى حســاب المعنــى‪ .‬لقــد �أراد الت�أثيــر فــي النــاس ْ‬
‫وكســب‬
‫ال�أتبــاع مــن خــلال الســجع والعنايــة بالجــرس الصوتــي للــكلام‪ ،‬حتــى و �إن قــال كلامـاً‬
‫مبهم ـاً وغيــر مفهــوم! وقــد يكــون هــذا �أحــد ال�أســباب التــي �أدت لعــدم نجاحــه فــي‬
‫مكــة‪ .‬ل�أن النــاس ر�أوا فيــه حينهــا مجــرد كاهــن يــردد �أســاطير ال�أوليــن‪ ،‬و�أنــه يريــد‬
‫حملهــم علــى تصديقــه واتِّباعــه فقــط باســتخدام ِ‬
‫الح َيــل الكلاميــة والصوتيــة(((!‬
‫مــن �أمثلــة ال�آيــات المســجوعة علــى طريقــة الكهــان والتــي لا تحمــل معنــى واضحـاً‬
‫ـات َقد ًْحــا ‪٢‬۝ فَا ْل ُم ِغيـ َر ِ‬
‫ات ُص ْب ًحــا ‪٣‬۝ َف�أ َثـ ْر َن‬ ‫�أو مفيــداً قولــه‪َ :‬وا ْل َعا ِد َيـ ِ‬
‫ـات َض ْب ًحــا ‪١‬۝ فَا ْل ُمو ِر َيـ ِ‬
‫بِـ ِه َن ْق ًعــا ‪٤‬۝ َف َو َسـ ْط َن بِـ ِه َج ْم ًعــا ‪٥‬۝ �إلــخ‪ .‬ســورة العاديــات‪.‬‬
‫الســابِ َح ِ‬
‫ات َس ـ ْب ًحا ‪٣‬۝‬ ‫ات َنشْ ـ ًطا ‪٢‬۝ َو َّ‬‫ـات َغ ْر ًقــا ‪١‬۝ َوالنَّ ِاش ـ َط ِ‬ ‫و�أيض ـاً قولــه‪َ :‬والنَّا ِز َعـ ِ‬
‫ات �أ ْم ـ ًرا ‪٥‬۝ �إلــخ‪ .‬ســور النازعــات‪.‬‬ ‫َات َس ـ ْبقًا ‪٤‬۝ فَا ْل ُم َدبِّ ـ َر ِ‬
‫َالســابِق ِ‬
‫ف َّ‬
‫ين‬‫ومــن ال�آيــات التــي احتــار النــاس فــي فهمهــا واختلفـوا‪َ :‬واتَّ َب ُعـوا َمــا َت ْت ُلــو الشَّ ـ َي ِاط ُ‬
‫ـح َر‬
‫السـ ْ‬ ‫ـاس ِّ‬ ‫ـون النَّـ َ‬ ‫ـك ُسـ َل ْي َم َان ۖ َو َمــا َك َفـ َر ُسـ َل ْي َما ُن َو َل ٰ ِكـ َّـن الشَّ ـ َي ِاط َين َك َفـ ُروا ُي َعلِّ ُمـ َ‬ ‫َع َلـ ٰـى ُم ْلـ ِ‬
‫ـان ِمـ ْـن �أ َحـ ٍد َحتَّـ ٰـى َي ُقــو َلا‬ ‫وت ۚ َو َمــا ُي َعلِّ َمـ ِ‬ ‫وت َو َمــا ُر َ‬ ‫َو َمــا �أنـزِلَ َع َلــى ا ْل َم َل َك ْيــنِ بِ َبابِـ َل َهــا ُر َ‬
‫ـون ِم ْن ُه َمــا َمــا ُي َف ِّرقُـ َ‬
‫ـون بِـ ِه َب ْيـ َـن ا ْل َمـ ْر ِء َو َز ْو ِجـ ِه ۚ َو َمــا‬ ‫�إِنَّ َمــا َن ْحـ ُـن فِ ْت َنـ ٌة َفـ َلا َت ْك ُفـ ْر ۖ َف َي َت َعلَّ ُمـ َ‬
‫ـون َمــا َي ُض ُّر ُه ـ ْم َو َلا َين َف ُع ُه ـ ْم ۚ َو َل َق ـ ْد‬ ‫ُهــم بِ َضا ِّريـ َـن بِ ـ ِه ِمـ ْـن �أ َح ـ ٍد �إِ َّلا بِ ـ إِ� ْذ ِن اللَّ ـ ِه ۚ َو َي َت َعلَّ ُمـ َ‬
‫ـس َمــا شَ ـ َر ْوا بِـ ِه �أنف َُسـ ُه ْم ۚ َلـ ْو‬ ‫َع ِل ُمـوا َل َمــنِ اشْ ـ َت َرا ُه َمــا َلـ ُه فِــي ا ْل�آ ِخـ َر ِة ِمـ ْـن َخـ َل ٍ‬
‫اق ۚ َو َل ِب ْئـ َ‬
‫۝ البقــرة‪.‬‬‫ـون ‪١٠٢‬‬ ‫كَانُـوا َي ْع َل ُمـ َ‬
‫كمــا احتــار المفســرون فــي علاقــة ال�أيتــام بتعــدد الزوجــات فــي هــذه ال�آيــة‪َ :‬و �إ ِْن‬

‫((( ُروِي عن محمد قوله‪� :‬إن من البيان لسحراً!‬


‫‪- 90 -‬‬
‫�����������‬

‫اث‬‫ـاب َل ُكــم ِّمـ َـن النِّ َســا ِء َم ْث َنـ ٰـى َوثُ ـ َل َ‬ ‫َانك ُح ـوا َمــا َطـ َ‬ ‫ِخ ْف ُت ـ ْم �أ َّلا تُ ْق ِس ـ ُطوا فِــي ا ْل َي َتا َمـ ٰـى ف ِ‬
‫ـت �أ ْي َمانُ ُكـ ْم ۚ َ ٰذلِـ َ‬
‫ـك �أ ْد َنـ ٰـى �أ َّلا َت ُعولُـوا‬ ‫َو ُر َبــا َع ۖ َفـ إ� ِْن ِخ ْف ُتـ ْم �أ َّلا َت ْع ِدلُـوا َف َو ِاحـ َد ًة �أ ْو َمــا َم َل َكـ ْ‬
‫‪٣‬۝ النســاء‪.‬‬
‫وبالطبــع ال�أمثلــة كثيــرة جــداً‪ ،‬والتفاســير وغيرهــا مــن ال ُكتــب المهتمــة بالقـر�آن تطفــح‬
‫بالحيــرة والاختلافــات والترجيحــات والظنون!‬
‫ومــن �أســباب عــدم فهــم القــر�آن �أيضــاً ســوء صياغــة الكثيــر مــن �آياتــه (عيــوب‬
‫�إنشــائية)‪ .‬فهــو يقــدِّم ويؤخــر كثيــراً‪ ،‬فيجعــل الخبــر قبــل المبتــد�أ �أو يجعــل الفاعــل‬
‫بعــد المفعــول بــه مثــلاً‪ .‬كمــا يحتــوي علــى الكثيــر مــن الحــذف والتقديــر للكلمــات‬
‫والمعانــي‪ .‬والقـر�آن �أيضـاً يعانــي اضطرابـاً فــي اســتخدام ال�أزمنــة‪ ،‬وقــد يخلــط بيــن عــدة‬
‫�أزمنــة فــي �آيــة واحــدة‪ ،‬فيــروي حادثــة مســتقبلية مثــلاً ويخلــط بيــن ال�أفعــال المضارعــة‬
‫والماضيــة مثــلاً! هــذا ناهيــك عــن اضطرابــه فــي اســتخدام الضمائــر‪ ،‬فنجــده مثــلاً‬
‫(((‬
‫يتكلــم بصيغــة المتكلــم ثــم ينتقــل فج ـ�أة �إلــى ال�إ خبــار بصيغــة الغائــب‪.‬‬
‫ـف باســتخدام لغــة غيــر بليغــة‪ ،‬غامضــة وملتبســة‪ ،‬بــل قــام بتمزيــق‬ ‫والقـر�آن لــم يكتـ ِ‬
‫المواضيــع وتشــتيت الســرد وتقطيــع الســياقات! فهــو ينتقــل بيــن المواضيــع ويخلــط بيــن‬
‫القصــص و ُي ِ‬
‫داخــل بيــن ال�أحــكام‪ .‬يبــد�أ موضوعـاً وقبــل �أن ُيت ّمــه يقفــز �إلــى غيــره دونمــا‬
‫ســبب! ثــم �إنــه قــد لا يعــود للموضــوع ال�أول �أبــداً وقــد يعــود �إليــه بعــد عــدة �آيــات‬
‫و�أحيان ـاً فــي ســور �أخــرى! وهــذا ال�أســلوب العش ـوائي فــي تنــاول المواضيــع والخلــط‬
‫بينهــا يعمــل علــى تشــتيت ذهــن قــارئ القـر�آن ويقطــع حبــل �أفــكاره‪ ،‬ممــا ُيسـ ِهم فــي‬
‫عــدم فهمــه للقـر�آن‪ .‬وبالتالــي يلجـ�أ القــارئ لكتــب التفســير ال�أكثــر انضباطـاً فــي محاولــة‬
‫فهــم مــا يريــد �أن يقولــه القـر�آن!‬
‫ولنــا �أن نتســاءل هنــا‪ :‬هــل القـر�آن للمختصيــن فقــط �أم هــو لل�إ نــس والجــن عامتهــم‬
‫((( راجع مقدمة كتاب «القر�آن الكريم بالتسلسل التاريخي» ت�أليف د‪ .‬سامي الذيب للمزيد عن‬
‫المشاكل ال�إ نشائية واللغوية في القر�آن‪.‬‬
‫‪- 91 -‬‬
‫�����������‬

‫وخاصتهــم؟ القـر�آن متناقــض فــي هــذه المسـ�ألة! فتــارة يقــول �إنــه ســهل وميســر للجميع‪،‬‬
‫كمــا فــي ال�آيــة‪َ :‬و َل َقـ ْد َي َّسـ ْر َنا ا ْل ُقـ ْر� َآن لِل ِّذ ْكـ ِر ف ََهـ ْل ِمــن ُّم َّد ِكـ ٍر ‪١٧‬۝ القمــر‪ .‬وتــارة يقــول �إنــه‬
‫خاصــة الــذي يســتطيعون فهمــه كمــا ينبغــي‪ ،‬مثلمــا فــي ال�آيــة‪:‬‬ ‫متــاح فقــط للعلمــاء ّ‬
‫َل َع ِل َم ـ ُه الَّ ِذيـ َـن َي ْس ـ َتن ِب ُطو َن ُه ِم ْن ُه ـ ْم ‪٨٣‬۝ النســاء‪ .‬كمــا يوصــي الق ـر�آن عامــة النــاس بالرجــوع‬
‫لهــؤلاء العلمــاء وسـؤالهم‪ :‬ف َْاسـ�ألُوا �أ ْهـ َل ال ِّذ ْكـ ِر �إِن كُن ُتـ ْم َلا َت ْع َل ُمـ َ‬
‫ـون ‪٤٣‬۝ النحــل!‬
‫فـ إ�ن كان القـر�آن للعلمــاء المختصيــن فقــط‪ ،‬فلمــاذا يحاســب اللــه عامــة النــاس �إن‬
‫هــم رفضـوا ال�إ يمــان بالقـر�آن ل�أنهــم لــم يفهمــوه؟ و �إن كان القـر�آن للنــاس عامــة‪ ،‬فلمــاذا‬
‫يجعــل اللــه وســطاء (العلمــاء) بيــن كتابــه وبيــن النــاس؟!‬
‫يشــير الواقــع العملــي للق ـر�آن �إلــى حاجــة النــاس لل�إ يمــان بكتــب التفســير و�أق ـوال‬
‫العلمــاء‪ ،‬بال�إ ضافــة �إلــى �إيمانهــم بالقــر�آن‪� .‬إذ لا يمكــن للنــاس فهــم القــر�آن دون‬
‫الاعتمــاد علــى هــذه الكتــب وال�أق ـوال‪ .‬وال�إ شــكالية �أننــا لا نــدري ب ـ�أي مــن كتــب‬
‫التفســير و�أقـوال العلمــاء يريدنــا اللــه هــذا �أن نؤمــن! هــل يريدنــا ال�إ يمــان بمــا عنــد الســنة‬
‫�أم الصوفيــة �أم الشــيعة �أم القر�آنييــن �أم َمــن؟!‬
‫ومــع كل مــا يعانيــه القـر�آن مــن نقــص البلاغــة بســبب غمــوض كثيــر مــن مفرداتــه‬
‫و�آياتــه والتباســها‪ ،‬فـ إ�ن للمــرء �أن يتســاءل‪ :‬لمــاذا لــم يقــم الرســول محمــد بتفســير وشــرح‬
‫هــذا الغمــوض القر�آنــي؟ �ألــم تكــن وظيفتــه «لِ ُت َب ِّيـ َـن لِلنَّــا ِ‬
‫س َمــا نُـ ِّزلَ �إِ َل ْي ِهـ ْم» بحســب مــا‬
‫جــاء فــي القـر�آن نفســه؟ �ألا ُي َعـ ّد اختــلاف المســلمين طـوال تاريخهــم علــى فهــم القـر�آن‬
‫دليــل علــى عــدم قيــام محمــد بوظيفتــه؟ والجـواب هــو‪ :‬بالطبــع نعــم!‬
‫لقــد �أ َّدى نقــص بلاغــة الق ـر�آن‪ ،‬وغرابــة و �إبهــام معانيــه و�أفــكاره‪ ،‬وعش ـوائية ترتيــب‬
‫�آياتــه وســوره‪ ،‬وعــدم انتظــام ســياقاته وموضوعاتــه‪� ،‬أ َّدى كل هــذا �إلــى مشــاكل لا حصــر‬
‫لهــا‪ ،‬وتســبب فــي الكثيــر مــن الفُر َقــة والعــداء والكراهيــة والاقتتــال بيــن المســلمين‪.‬‬
‫َف ُهـ ْم طوائــف وفِــرق ومذاهــب متشــاحنة متباغضــة‪ .‬و �إنــه لمــن الحكمــة البالغــة تنحيــة‬
‫هــذا الكتــاب عــن مســرح الحيــاة‪ ،‬ووضعــه علــى الــرف‪ ،‬ليدرســه المختصــون باللغــة‬
‫‪- 92 -‬‬
‫�����������‬

‫والتاريــخ كغيــره مــن الكتــب التراثيــة‪ .‬فلقــد �أضــر بنــا القـر�آن �أيمــا ضــرر‪ ،‬وحــان الوقــت‬
‫لمقاومتــه وكــف �أذاه عنــا‪.‬‬

‫۞التفاهة والحشو‬
‫وفــي موضــوع ذي صلــة بنقــص البلاغــة‪ ،‬نجــد �أن ثمــة تشــريعات وتفصيــلات تافهة‬
‫وغيــر ضروريــة كثيــرة فــي الق ـر�آن! وهــذه التفاهــة والحشــو لا تليــق بكتــاب لــه منزلــة‬
‫عظيمــة كالمنزلــة التــي يدّعيهــا القـر�آن لنفســه‪ .‬فيفتـ َـرض بهــذا كتــاب �أن يكــون الرســالة‬
‫الخاتمــة للبشــر جميع ـاً‪ ،‬بــل وحتــى للمخلوقــات الخف ّيــة التــي يســميها الجــن! هــذه‬
‫الرســالة قادمــة مــن الخالــق العظيــم الــذي �أوجــد كل شــيء‪ .‬ولــذا‪ ،‬يجــب �أن يحمــل‬
‫هــذا الكتــاب الكلمــات النهائيــة لل�إ لــه ال�أوحــد فــي الكــون‪ ،‬والــذي ســيصمت صمتـاً‬
‫�إلهيـاً مهيبـاً بعــد �إنـزال القـر�آن حتــى نهايــة الزمــان وفنــاء الوجــود! وســيقوم خــلال هــذا‬
‫الصمــت بمراقبــة الخلــق ليــرى كيــف َي ْح َيـ َون ويموتــون وفــق كلمــات وحيــه الخالــدة!‬
‫�إن ال�إ نســان ليتوقَّــع �أن يجــد فــي القـر�آن �أعظــم الِح َكمــة و�أروع الفلســفات؛ يتوقــع‬
‫�أن يقـر�أ كتابـاً يحتــرم عقلــه ويزيــد علمــه و ُيهـ ِّذب �أخلاقــه‪ .‬ولكــون هــذا الكتــاب ُم ِ‬
‫عجــز‬
‫كمــا يدّعــي‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ نســان يتوقــع �ألا يجــد فيــه زيــادة ولا نقصـاً‪ ،‬و�أن تنســاب معانيــه‬
‫وصــ َو ُره الجماليــة المبهــرة �إلــى نفســه وعقلــه دون مقاومــة‪ ،‬و�أن يفهمهــا دون‬ ‫الراقيــة ُ‬
‫جهــد‪ ،‬و�أن َيتـَّـ ِبعها دون عنــاء‪.‬‬
‫وبعــد كل هــذه المكانــة العظيمــة والتوقعــات العاليــة‪ ،‬نجــد فــي القـر�آن �آيــة تقــول‪:‬‬
‫ـت‬‫َف َل َّمــا ق ََضـ ٰـى َز ْي ـ ٌد ِّم ْن َهــا َو َط ـ ًرا َز َّو ْج َناك ََهــا! و�آيــة �أخــرى تقــول‪َ :‬وا ْم ـ َر�أ ًة ُّم ْؤ ِم َن ـ ًة �إِن َو َه َبـ ْ‬
‫ـس َع َلــى ا ْل�أ ْع َمـ ٰـى‬ ‫نك َح َها‪ ،‬و�آيــة ثالثــة تقــول‪ :‬لَّ ْيـ َ‬ ‫َن ْف َسـ َـها لِلنَّ ِبــي �إ ِْن �أ َرا َد النَّ ِبــي �أن َي ْس ـ َت ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ض َح ـ َر ٌج َولا َع َلـ ٰـى �أنفُس ـ ُك ْم �أن َت�أ ُك ُل ـوا‬ ‫ْ‬
‫َح ـ َر ٌج َو َلا َع َلــى ال�أ ْع ـ َر ِج َح ـ َر ٌج َولا َع َلــى ا ْل َمرِي ـ ِ‬
‫َ‬
‫ِمــن ُب ُيو تِ ُكـ ْم! فيــا لخيبــة قــارئ القـر�آن‪ ،‬ويــا لشــقاء المؤمنيــن بــه!‬

‫‪- 93 -‬‬
‫�����������‬

‫فهــل ال�آيــات الســابقة وغيرهــا هــي التشــريعات الخالــدة التــي �أرادهــا �إلــه الكــون‬
‫العظيــم لخلقــه مــن العالميــن ل�أبــد ال�آبديــن؟! لا يمكــن تصديــق هــذا!‬
‫س منبع تفاهة تشريعات القر�آن لنجدها تنش�أ من‪:‬‬ ‫يمكن �أن َن َت َل َّم َ‬
‫ ‪-‬خصوصية السبب‪ ،‬كالتشريعات الجنسية الخاصة بمحمد‪.‬‬
‫ ‪-‬انتفاء الحاجة‪ ،‬كتشريع زواج طليقة الابن بالتبني بعد تحريم التبني!‬
‫ ‪-‬البداهــة والســطحية‪ ،‬كتشــريع ال�أكل مــن بيــت ال�إ نســان �أو مــن بيــت‬
‫صديقــه‪� ،‬أو �أن ي ـ�أكل النــاس مجتمعيــن �أو فُ ـراداً!‬
‫ولا تقتصــر التفاهــة علــى جانــب التشــريعات‪ ،‬بــل تشــمل المصيــر ال�أخــروي الخالــد‬
‫للجنــس البشــري فيمــا لــو �آمــن بمحمــد! وهــذا نجــده ظاهراً فــي النعيم الــذي وعد «الله‬
‫العظيــم» بــه البشــر‪ ،‬فنجــده ُيمنِّيهــم‪ :‬بــال�أكل والشــرب‪ ،‬وبال ُفـ ُرش وال�أقمشــة وال�أثــاث‪،‬‬
‫وبـ�أن يكــون لهــم خيــام وغــرف وبيــوت خاصــة بهــم‪ ،‬ونســاء كثيـرات يمارســون الجنــس‬
‫معهــم وقتمــا شــاءوا! فهــل هكــذا وعــود لائقــة بال�إ لــه‪ ،‬بــل هــل هــي لائقــة بالبشــر؟ وهــل‬
‫ســتغري هــذه الوعــود النــاس جميعـاً بال�إ يمــان بمحمــد‪ ،‬بمــا فيهــم ال�إ نســان المتحضــر‬
‫الــذي يملــك فــي منزلــه اليــوم �أفضــل ممــا يصفــه الق ـر�آن‪� ،‬أو ال�إ نســان الوفــي لام ـر�أة‬
‫واحــدة يحبهــا طـوال حياتــه؟ �إن هــذه الوعــود الســخيفة لــم تُغـ ِر حتــى ســادات قريــش‬
‫و�أثريائهــا الذيــن امتلكـوا البيــوت وال�أثــاث والســندس والاســتبرق((( والحريــر والنســاء! �إن‬
‫القــارئ المحايــد للقـر�آن ســيفهم �أن النعيــم ال�أخــروي المتمحــور حــول البيــوت والطعــام‬
‫والجنــس �إنمــا كان لدغدغــة �أحــلام الفقــراء والصعاليــك والعبيــد والمحروميــن فــي‬
‫المجتمــع ومحاولــة تجنيدهــم للانضمــام لمشــروع محمــد‪.‬‬
‫ومــن تفاهــة التشــريعات وال�أجوبــة الوجوديــة‪ ،‬نجــد تفاهــة القصــص التــي يقدمهــا‬
‫القــر�آن للبشــرية! فنقــر�أ فيــه قصصــاً لل�أطفــال عــن حيوانــات تتكلــم وتفكــر وتتخــذ‬

‫((( �أنواع من ال�أقمشة الغالية كان �أثرياء العرب قديماً ُي ِ‬


‫حضرونها من بلاد فارس‪.‬‬
‫‪- 94 -‬‬
‫�����������‬

‫الق ـرارات وتقــوم بال�أعمــال كالبشــر! ومــن هــذه ال�آيــات الطفوليــة‪ :‬قَا َلـ ْ‬
‫ـت َن ْم َل ـ ٌة َيــا �أيُّ َهــا‬
‫النَّ ْمــ ُل ا ْد ُخ ُلــوا َم َســا ِك َن ُك ْم! و�آيــات طفوليــة �أخــرى تنبــئ البشــرية المتعطشــة للمعرفــة‬
‫عــن طائــر الهدهــد الــذي كان يعمــل جاسوسـاً لصالــح ســليمان وينقــل لــه ال�أخبــار مــن‬
‫ـك ِمــن َس ـ َب إٍ� بِ َن َب ـ إٍ� َي ِقيــنٍ ! وفــي‬
‫ـط بِ ـ ِه َو ِج ْئ ُتـ َ‬
‫ـت بِ َمــا َل ـ ْم تُ ِحـ ْ‬
‫اليمــن �إلــى فلســطين‪� :‬أ َحطـ ُ‬
‫قصــة �أخــرى نجــد وصــف القـر�آن العظيــم لكيفيــة َت َحـ ُّو ِل عصــا موســى �إلــى ثعبــان‪� :‬أ ْل َقــى‬
‫َع َصــا ُه َفـ إِ�ذَا ِهـ َـي ثُ ْع َبــا ٌن ُّم ِبيـ ٌـن‪ ،‬ولاحــظ �أنــه ليــس �أي ثعبــان بــل ثعبــان مبيــن لا شُ ــبهة‬
‫فيــه ولا شــك!‬
‫الح َكــم التــي تســتخدم الحيوانــات‪،‬‬ ‫كمــا نقـر�أ فــي القـر�آن الكثيــر مــن التشــبيهات و ِ‬
‫وك�أن ال�إ لــه العالِــم بــكل شــيء ‪-‬كمــا يزعــم القـر�آن‪ -‬لا يعــرف �إيصــال ال�أفــكار المجــردة‬
‫�أو ضــرب ال�أمثــال الراقيــة للبشــر‪ ،‬و�أن غايــة بلاغتــه تكمــن فــي اســتخدام الحيوانــات‬
‫الجـدَّات ل�أحفادهــن!‬ ‫ل�إ يصــال المعانــي للنــاس‪ ،‬تمامـاً كمــا فــي القصــص التــي ترويهــا َ‬
‫ــاس ُضــر َِب َم َثــ ٌل‬ ‫وال�أمثلــة فــي هــذا المجــال كثيــرة‪ ،‬نذكــر منهــا قولــه‪َ :‬يــا �أيُّ َهــا النَّ ُ‬
‫اج َت َم ُعـوا َلـ ُه! وقولــه‪:‬‬ ‫ون اللَّـ ِه َلــن َيخْ ُل ُقـوا ُذ َبا ًبــا َو َلـ ِو ْ‬ ‫ـون ِمــن ُد ِ‬
‫ف َْاسـ َت ِم ُعوا َلـ ُه �إِ َّن الَّ ِذيـ َـن َت ْد ُعـ َ‬
‫َك�أنَّ ُهـ ْم ُح ُمـ ٌر ُم ْسـ َت ْن ِف َر ٌة ‪٥٠‬۝ َفـ َّر ْت ِمـ ْـن ق َْسـ َو َر ٍة ‪٥١‬۝‪ ،‬وال ُح ُمــر هنــا هــي الحميــر‪ ،‬والقســورة‬
‫ـث �أ ْو‬ ‫ـب �إِن َت ْح ِم ـ ْل َع َل ْي ـ ِه َي ْل َهـ ْ‬ ‫هــو ال�أســد! ويقــول فــي مثــال �آخــر‪َ :‬ف َم َث ُل ـ ُه َك َم َث ـ ِل ٱ ْل َك ْلـ ِ‬
‫َت ْت ُر ْك ـ ُه َي ْل َهــث!‬
‫ولقــد انتقــد القرشــيون تفاهــة �إلــه محمــد‪ ،‬وعاب ـوا عليــه قصــص الحيوانــات التــي‬
‫يحــاول �إقناعهــم بهــا‪ .‬ف�أنــزل اللــه المزعــوم هــذا �آيــة تقــول‪� :‬إِ َّن اللَّــ َه َلا َي ْســ َت ْح ِيي �أن‬
‫ـون �أنَّـ ُه ا ْل َحـ ُّـق ِمــن َّربِّ ِهـ ْم َو�أ َّمــا‬
‫وضـ ًة َف َمــا َف ْوق ََهــا َف�أ َّمــا الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُنـوا َف َي ْع َل ُمـ َ‬
‫َي ْضـر َِب َم َثـ ًلا َّمــا َب ُع َ‬
‫ـون َمــاذَا �أ َرا َد اللَّـ ُه بِ َ ٰهـ َـذا َم َثـ ًلا ۘ ُي ِضـ ُّل بِـ ِه َك ِثيـ ًرا َو َي ْهـ ِدي بِـ ِه َك ِثيـ ًرا َو َمــا‬ ‫الَّ ِذيـ َـن َك َفـ ُروا َف َيقُولُـ َ‬
‫َاسـ ِق َين ‪٢٦‬۝ البقــرة! َف َلــم ُيقـدّم كعادتــه �أي تبريــر �أو تفســير منطقــي لســبب‬ ‫ُي ِضـ ُّل بِـ ِه �إِ َّلا ا ْلف ِ‬
‫اســتخدامه لل�أمثــال والقصــص الطفوليــة التافهــة‪ ،‬و �إنمــا اكتفــى بــذم منتقديــه الفاســدين‪،‬‬
‫و�أخبرهــم ب�أنــه لا يســتخدم هــذه ال�أمثــال �إلا حتــى يقهرهــم و ُيضلهــم! فـ�أي �إلــه هــذا؟!‬
‫وبال�إ ضافــة �إلــى التفاهــة‪ ،‬نجــد �أيضـاً حشـواً كثيـراً فــي القـر�آن‪ .‬فكثيــر مــن ال�آيــات‬
‫‪- 95 -‬‬
‫�����������‬

‫يتــم تكرارهــا دونمــا دا ٍع‪ ،‬مثــل قصــص موســى‪ .‬كمــا يتــم حشــو كلمــات وتفاصيــل‬
‫و�أحــداث لا فائــدة منهــا ولا مبــرر لتخليدهــا فــي �آخــر كتــاب للبشــرية! ولن�أخــذ مثــالاً هنــا‬
‫ـاب‬ ‫ات َو َمــا فِــي ا ْل�أ ْر ِ‬
‫ض ۗ َو َل َقـ ْد َو َّص ْي َنــا الَّ ِذيـ َـن �أوتُـوا ا ْل ِك َتـ َ‬ ‫فــي قولــه‪َ :‬و لِلَّـ ِه َمــا فِــي َّ‬
‫السـ َما َو ِ‬
‫ات َو َمــا فِــي‬ ‫الس ـ َما َو ِ‬‫ِمــن َق ْب ِل ُك ـ ْم َو �إِيَّا ُك ـ ْم �أ ِن اتَّ ُق ـوا اللَّ ـ َه ۚ َو �إِن َت ْك ُف ـ ُروا َف ـ إِ� َّن لِلَّ ـ ِه َمــا فِــي َّ‬
‫ض َو َك َفـ ٰـى‬ ‫ات َو َمــا فِــي ا ْل�أ ْر ِ‬ ‫الس ـ َما َو ِ‬ ‫َان اللَّ ـ ُه َغ ِن ًّيــا َح ِمي ـدًا ‪١٣١‬۝ َو لِلَّ ـ ِه َمــا فِــي َّ‬ ‫ض ۚ َوك َ‬ ‫ا ْل�أ ْر ِ‬
‫۝ النســاء‪ ،‬فهــذا التكـرار لعبــارة «للــه مــا فــي الســماوات ومــا فــي ال�أرض»‬ ‫كيـ ًلا ‪١٣٢‬‬ ‫بِاللَّـ ِه َو ِ‬
‫ليــس ســوى حشــو و �إطنــاب لا داعــي لــه!‬
‫ــت ا ْل َم َلائِ َكــ ُة َيــا َم ْر َيــ ُم �إِ َّن‬
‫مثــال �آخــر علــى الحشــو نلحظــه فــي قولــه‪َ :‬و �إِ ْذ قَا َل ِ‬
‫يــن ‪٤٢‬۝ �آل عمــران‪ ،‬حيــث نجــد‬ ‫ــى نِ َســا ِء ا ْل َعا َل ِم َ‬ ‫اص َطف ِ‬
‫َــاك َع َل ٰ‬ ‫َــاك َو َط َّهــ َر ِك َو ْ‬
‫اص َطف ِ‬
‫اللَّــ َه ْ‬
‫«اصطفــاك» ال�أولــى حشــو لا فائــدة منــه‪ .‬مثــال �آخــر نجــده فــي قولــه‪َ :‬فـ َرا َغ �إِ َلـ ٰـى �أ ْه ِلـ ِه‬
‫ف ََجــا َء بِ ِع ْجــلٍ َس ـ ِمينٍ ‪٢٦‬۝ الذاريــات! قــد يكــون وصــف العجــل بالســمين هنــا مفهوم ـاً لــو‬
‫كان القـر�آن مجــرد روايــة يقر�أهــا ال�إ نســان قبــل النــوم‪� .‬أمــا �أن يتــم ذكــر تفصيــل تافــه كهــذا‬
‫فــي الكتــاب ال�أخيــر الخالــد للبشــر فهــو مجــرد حشــو لا �أكثــر!‬
‫لصــق حروفـاً زائــدة لا حاجــة لهــا بالكلمــات التــي يســتخدمها‪.‬‬ ‫والقـر�آن كثيـراً مــا ُي ِ‬
‫مــن نمــاذج ذلــك �إدخــال حــرف الفــاء علــى «�أفَمــن» الاســتفهامية‪ ،‬فلــو حذفنــا هــذا‬
‫الحــرف الزائــد واســتخدمنا «�أ َِمــن» لمــا تغيــر المعنــى فــي ال�أمثلــة التاليــة‪:‬‬
‫ون ‪٥٩‬۝ النجم‪.‬‬ ‫يث َت ْع َج ُب َ‬ ‫ ‪�-‬أ َف ِم ْن َه َذا ا ْل َح ِد ِ‬
‫اب ‪١٩‬۝ الزمر‪.‬‬ ‫ ‪�-‬أ َف َم ْن َح َّق َع َل ْي ِه َك ِل َم ُة ا ْل َع َذ ِ‬
‫َان َع َل ٰى َب ِّي َن ٍة ِّمن َّربِّ ِه ‪١٧‬۝ هود‪.‬‬
‫ ‪�-‬أ َف َمن ك َ‬
‫س الَّ ِذي‬
‫ونمـوذج �آخـر علـى حشـو حـروف زائـدة لا حاجـة لها نجـده في ال�آيـة‪� :‬أ َو َل ْي َ‬
‫ض بِقَـا ِد ٍر َع َل ٰـى �أن َيخْ ُل َـق ِم ْث َل ُهـم ‪٨١‬۝ يـس‪ ،‬وهنـا يمكـن الاسـتغناء‬
‫ات َوا ْل�أ ْر َ‬
‫السـ َما َو ِ‬
‫َخ َل َـق َّ‬
‫عـن حرفـي‪ :‬الـواو فـي «�أوليـس» والبـاء فـي «بقـادر»‪ ،‬دونمـا ت�أثير علـى المعنى‪.‬‬

‫‪- 96 -‬‬
‫�����������‬

‫وفي نموذج �آخر على الحشو‪ ،‬نجد زيادة «�إلى» في �آيات كثيرة مثل‪:‬‬
‫ض َك ْم �أن َب ْت َنا فِ َيها ِمن ُك ِّل َز ْو ٍج َكرِي ٍم ‪٧‬۝ الشعراء‪.‬‬
‫ ‪�-‬أ َو َل ْم َي َر ْوا �إِ َلى ا ْل�أ ْر ِ‬
‫ ‪�-‬أ َل ْم َت َر �إِ َلى الَّ ِذ َين �أوتُوا َن ِصي ًبا ِّم َن ا ْل ِك َت ِ‬
‫اب ‪٢٣‬۝ �آل عمران‪.‬‬
‫ ‪�-‬أ َل ْم َت َر � إِ َلى ا ْل َم َل إِ� ِمن َب ِني � إ ِْس َرائِي َل ‪٢٤٦‬‬
‫۝ البقرة‪.‬‬
‫ولا يقــف الحشــو فــي القــر�آن علــى ال�آيــات والكلمــات والحــروف الزائــدة‪ ،‬بــل‬
‫يتعــداه �إلــى الســور الكاملــة! فهنــاك ســور فــي القـر�آن يمكــن اعتبارهــا زوائــد حشــوية لا‬
‫تنفــع البشــر فــي �أي شــيء‪ .‬ولــو ُح ِذ َفــت هــذه الســور فلــن ينتبــه قــارئ القـر�آن �إلــى عــدم‬
‫وجودهــا ولــن يشــعر ب ـ�أي نقــص‪ ،‬وذلــك مثــل ســور الفيــل والمســد والمعوذتيــن(((‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬فالقـر�آن ملــيء بالتشــريعات والقصــص التافهــة وبالحشــو الــذي لا فائــدة منــه‪.‬‬
‫وهــذا ينفــي عنــه ال�إ عجــاز والكمــال الــذي َيدّعيــه المســلمون‪ ،‬كمــا يقلــل مــن �أهميتــه‪،‬‬
‫ويضــع مــن مكانتــه‪ ،‬و َيشــي ب�أنــه كتــاب بشــري كتبــه شــخص (�أو �أكثــر) ل�أغـراض دنيويــة‬
‫لا علاقــة لهــا ب إ�لــه الكــون ‪-‬علــى افتـراض وجــوده‪ .-‬و �إنــه لا َي ِصـ ّـح بحــال مــن ال�أحـوال‬
‫�أن يكــون كتابـاً تهتــدي بــه البشــرية خــلال رحلتهــا الملحميــة علــى ظهــر هــذا الكوكــب‪.‬‬

‫۞ال�أخطاء اللغوية‬
‫علــى غيــر مــا يظنــه كثيــر مــن عامــة المســلمين‪ ،‬يزخــر القـر�آن بالكثيــر مــن ال�أخطــاء‬
‫اللغويــة‪ ،‬سـواء علــى مســتوى اســتخدام الكلمــات والضمائــر‪� ،‬أو علــى مســتوى ال�أخطــاء‬
‫النحويــة وال�إ ملائيــة‪.‬‬

‫مــن ال�أمثلــة علــى ذلــك مــا نجــده فــي ال�آيــة‪َ :‬حتَّـ ٰـى �إِذَا �أ َتـ ْوا َع َلـ ٰـى َوا ِد النَّ ْمـ ِل قَا َلـ ْ‬
‫ـت‬
‫َن ْم َلـ ٌة َيــا �أيُّ َهــا النَّ ْمـ ُل ا ْد ُخ ُلـوا َم َســا ِك َن ُك ْم َلا َي ْح ِط َمنَّ ُكـ ْم ُسـ َل ْي َما ُن َو ُج ُنــو ُد ُه َو ُهـ ْم َلا َيشْ ـ ُع ُر َ‬
‫ون‬

‫((( كان الصحابي عبدالله بن مسعود لا يضع سورتي المعوذتين في مصحفه‪.‬‬


‫‪- 97 -‬‬
‫�����������‬

‫‪١٨‬۝ النمــل‪ .‬يحــاول الكاتــب فــي هــذه ال�آيــة �أن يصــف مــا حــدث عندمــا وصــل جيــش‬
‫ســليمان وادي النمــل‪ ،‬ولكنــه اســتخدم عبــارة خاطئــة! فقولــه «حتــى �إذا �أتـوا علــى واد‬
‫النمــل» يعنــي بعــد �أن قطع ـوا وتجــاوزوا وادي النمــل! وهــذا مثــل �أن يقــول �أحدهــم‪:‬‬
‫«�أتيــت علــى القصعــة» يعنــي �أكلــت كل مــا فيهــا‪� ،‬أو يقــول‪�« :‬أتيــت علــى الصحـراء»‬
‫بمعنــى قطعتهــا وتجاوزتهــا‪ .‬لــذا‪ ،‬فلقــد كان ال�أصــوب �أن يقــول كاتــب هــذه ال�آيــة‪:‬‬
‫«حتــى �إذا بلغ ـوا واد النمــل»(((‪.‬‬
‫�أمــا بالنســبة لل�أخطــاء النحويــة فــي الق ـر�آن‪ ،‬فهــو موضــوع شــهير وقــد �أش ـ ِبع بحث ـاً‪.‬‬
‫ولــذا لــن �أســهب فيــه كثي ـراً هنــا‪ ،‬وس ـ�أكتفي ب إ�ي ـراد بعــض ال�أمثلــة فقــط‪.‬‬
‫•المثال ال�أول‪:‬‬
‫الصابِ ِئيـ َـن َمـ ْـن �آ َمـ َـن بِاللَّـ ِه‬
‫يقــول القـر�آن‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُنـوا َوالَّ ِذيـ َـن َهــا ُدوا َوالنَّ َصــا َرىٰ َو َّ‬
‫َوا ْل َيـ ْو ِم ا ْل�آ ِخـ ِر ‪٦٢‬۝ القـر�آن‪ .‬ويقــول �أيضـاً‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُنـوا َوالَّ ِذيـ َـن َها ُدوا َو َّ‬
‫الصابِ ِئيـ َـن َوالنَّ َصا َرىٰ‬
‫ـوس ‪١٧‬۝ الحــج‪ .‬وفــي ال�آيتيــن ت�أتــي كلمــة «الصابئيــن» منصوبــة بشــكل صحيــح‬ ‫َوا ْل َم ُجـ َ‬
‫ل�أنهــا معطوفــة علــى منصــوب‪.‬‬

‫ولكــن فــي هــذه ال�آيــة‪� :‬إِ َّن الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُن ـوا َوالَّ ِذيـ َـن َهــا ُدوا َو َّ‬
‫الصابِ ُئـ َ‬
‫ـون َوالنَّ َصــا َرىٰ ‪٦٩‬۝‬
‫المائــدة‪ ،‬نجــد «والصابئــون» وهــي هنــا خطـ�أ واضــح‪ ،‬حيــث �أوردهــا القـر�آن مرفوعــة بينمــا‬
‫كان يجــب �أن ينصبهــا ويقــول «والصابئيــن» ل�أنهــا معطوفــة علــى منصــوب‪.‬‬
‫•المثال الثاني‪:‬‬
‫فــي حيــن رفــع الق ـر�آن معطوف ـاً علــى منصــوب فــي المثــال ال�أول‪ ،‬نجــده هنــا قــد‬
‫ون فِــي ال ِع ْلـ ِم ِم ْن ُهـ ْم َوال ُم ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫ـون‬ ‫نصــب معطوفـاً علــى مرفــوع‪ ،‬حيــث قــال‪َ :‬ل ِكــنِ ال َّر ِاسـ ُـخ َ‬
‫الصــ َلا َة َوال ُم ْؤتُ َ‬
‫ــون الــ َّزكَا َة‬ ‫يــن َّ‬‫ــك َوال ُم ِقي ِم َ‬ ‫ــن َق ْب ِل َ‬ ‫ــك َو َمــا �أنْــزِلَ ِم ْ‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ــون بِ َمــا �أنْــزِلَ �إِ َل ْي َ‬
‫۝ النســاء‪ .‬حيــث كان مــن‬ ‫ـون بِاللـ ِه َوال َيـ ْو ِم ال�آ ِخـ ِر �أو َل ِئـ َ‬
‫ـك َسـ ُن ْؤ تِي ِه ْم �أ ْجـراً َع ِظيمـاً ‪١٦٢‬‬ ‫َوال ُم ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫المفتــرض قــول «والمقيمــون» �أســوة ببقيــة المعطوفــات فــي ال�آيــة‪.‬‬

‫((( المصدر‪https://youtu.be/czRXRxLSKrw :‬‬


‫‪- 98 -‬‬
‫�����������‬

‫•المثال الثالث‪:‬‬
‫قوله‪َ :‬و ُخ ْض ُت ْم كَالَّ ِذي َخ ُ‬
‫اضوا ‪٦٩‬۝ التوبة‪ ،‬والصواب هو «كالذين»‪.‬‬
‫وبالطبــع‪ ،‬يقــوم المســلمون بالــرد علــى كل «شــبهة» تقــول بوجــود �أخطــاء نحويــة‬
‫فــي القـر�آن‪ .‬فيقولــون �إن القـر�آن ســابق لقواعــد اللغــة العربيــة‪ ،‬وبالتالــي هــو حاكــم عليهــا‬
‫وليســت هــي التــي تحكمــه‪ .‬كمــا يقولــون �إن وجــود الخط ـ�أ فــي الق ـر�آن مســتحيل ل�أن‬
‫الرســول �أفصــح العــرب وهــو قــد جــاء بــه ل�أفصــح النــاس فــي زمانــه‪ .‬ولقــد �آمــن بــه‬
‫ـب القرشــيون علــى لغتــه‪ .‬ولــو كان فيــه �أخطــاء‬ ‫الصحابــة ولــم يستشــكلوه‪ ،‬كمــا لــم َي ِعـ ْ‬
‫لمــا قبلــه الصحابــة ولمــا ســكتت عنــه قريــش‪ .‬ثــم يســوقون لــكل خطـ�أ تخريجــات لغويــة‬
‫تجعلــه صحيح ـاً‪.‬‬
‫وتبريــرات المســلمين هنــا تقــوم علــى افتــراض �إيمــان ال�إ نســان بفضــل الصحابــة‬
‫�أساسـاً‪ ،‬وهــذا يجعــل تبريراتهــم مقبولــة عنــد المســلمين‪� .‬أمــا غيــر المســلم فلــن يقبلهــا‬
‫ل�أنــه غيــر مقــر بفضــل الصحابــة وعلــو كعبهــم فــي اللغــة‪ ،‬بــل يراهــم مجموعــة مــن‬
‫ال�أمييــن‪� ،‬آمــن �أغلبهــم بعدمــا انتقــل محمــد �إلــى المدينــة و�أصبــح لديــه دولــة وجيــش‬
‫يمــارس الغــزو والســبي!‬
‫تبريـرات المســلمين تفتــرض �أيضـاً �أن جميــع مــا قالــه كفــار قريــش قــد وصلنــا كامــلاً‪.‬‬
‫وهــذا ليــس صحيحـاً كــون مــا وصلنــا عنهــم �إنمــا جاءنــا عــن طريــق المســلمين الذيــن‬
‫هــم طــرف غيــر محايــد بطبيعــة الحــال! فمــا يدرينــا لعــل القرشــيين رفضـوا القـر�آن بســبب‬
‫�أخطــاءه اللغويــة‪ ،‬و�أنهــم قــد جــاؤوا ب�أحســن منــه‪ ،‬ولكــن المســلمين لــم ينقل ـوا ذلــك‬
‫وتع ّمــدوا �إخفــاءه حتــى طـواه النســيان‪ .‬وعلينــا �ألا ننســى �أن التاريــخ يكتبــه المنتصــر!‬
‫و�أي ـاً يكــن ال�أمــر‪ ،‬فيمكــن للقــارئ الكريــم البحــث بنفســه فــي مجــال ال�أخطــاء‬
‫النحويــة فــي القـر�آن‪ ،‬والاطــلاع �أكثــر علــى حجــج الطرفيــن والاقتنــاع بمــا يـراه صوابـاً‪.‬‬
‫ننتقل ال�آن ل�إ يراد بعض ال�أمثلة على ال�أخطاء ال�إ ملائية في القر�آن‪:‬‬

‫‪- 99 -‬‬
‫�����������‬

‫الصواب‬ ‫الخط�أ‬ ‫ال�آية‬


‫َوقَالُوا َما لِ َه َذا ال َّر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫َوقَالُوا َم ِال َ ٰه َذا ال َّر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫‪ ٧‬الفرقان‬
‫َن ْح ُن �أ ْب َنا ُء اللَّ ِه‬ ‫َن ْح ُن �أ ْب َنؤا اللَّ ِه‬ ‫‪ ١٨‬المائدة‬
‫ُسنَّ َت اللَّ ِه الَّ ِتي َق ْد َخ َل ْت فِي ِع َبا ِد ِه ُسنَّة اللَّ ِه الَّ ِتي َق ْد َخ َل ْت فِي ِع َبا ِد ِه‬ ‫‪ ٨٥‬غافر‬
‫ُون نِ ْع َمة اللَّ ِه‬
‫ي ْع ِرف َ‬ ‫ُون نِ ْع َم َت اللَّ ِه‬‫ي ْع ِرف َ‬ ‫‪ ٨٣‬النحل‬
‫ون َر ْح َمة اللَّ ِه‬ ‫ي ْر ُج َ‬ ‫ون َر ْح َم َت اللَّ ِه‬ ‫ي ْر ُج َ‬ ‫‪ ٢١٨‬البقرة‬
‫َو َلا َتقُو َل َّن لِشَ ْي ٍء‬ ‫َو َلا َتقُو َل َّن لِشَ اى ٍء‬ ‫‪ ٢٣‬الكهف‬
‫قَالَ َيا ا ْب َن �أ َّم َلا َت�أْ ُخ ْذ‬ ‫قَالَ يبنؤم َلا َت�أْ ُخ ْذ‬ ‫‪ ٩٤‬طه‬

‫ممــا يزيــد مــن صعوبــة تبريــر �أخطــاء القـر�آن ال�إ ملائيــة علــى المســلمين كتابــة بعضهــا‬
‫بشــكل صحيــح فــي �آيــات �أخــرى‪ .‬فلــو �أخذنــا ال�آيــة ال�أخيــرة مــن الجــدول �أعــلاه مثــلاً‪،‬‬
‫لوجدنــا « َقــالَ ا ْبـ َـن �أ َّم» قــد ُك ِتبــت صحيحــة فــي ال�آيــة ‪ ١٥٠‬مــن ســورة ال�أعـراف‪ ،‬ولــم‬
‫تُكتــب «بنــؤم» كمــا فــي ســورة طــه!‬
‫يقــول كثيــر مــن المســلمين �أن كتابــة القـر�آن توقيفيــة‪ .‬وهــي موجــودة بيــن �أيدينــا كما‬
‫كتبهــا الصحابــة ب�أمــر الرســول‪ ،‬وكمــا هــي فــي مصحــف عثمــان بــن عفــان‪ .‬ولكنهــم‬
‫فــي ذات الوقــت ُي ِقـ ّرون بـ�أن الكثيــر مــن حــروف ال�ألــف قــد �أضيفــت لاحقـاً(((‪ ،‬كمــا‬
‫تــم �إضافــة الهمـزات والنقــط وحــركات التشــكيل �إلــى نــص القـر�آن بعــد ذلــك!‬
‫لقــد �أق ـ ّر باحثــون مســلمون ُكثُــر بوجــود ال�أخطــاء ال�إ ملائيــة فــي النــص القر�آنــي‪.‬‬
‫و�أن ال�أمــر لا علاقــة لــه بخصوصيــة الرســم العثمانــي ولا لغيــره‪ .‬فـ ـ َيرى((( ابــن الف ـراء‬

‫((( ُيقال �أن الحجاج �أضاف �أكثر من �ألف (‪� )١٠٠٠‬ألِف ( ا ) �إلى رسم القر�آن‪ .‬ويشهد لهذا ن َُسخ‬
‫القر�آن القديمة التي َخ َلت من حروف ال�ألف؛ راجع فصل «التحريف» في هذا الكتاب‪.‬‬
‫((( مصدر �أقوال المسلمين في هذه الفقرة هو مقدمة‪ :‬المصحف الشريف المنسوب �إلى عثمان بن‬
‫عفان ‪ -‬نسخة طوپ ڤاپي سرايي‬
‫‪- 100 -‬‬
‫�����������‬

‫(ت‪٨٢٢‬م)‪� :‬أن قواعــد ال�إ مــلاء لــم تكــن متطــورة زمــن كتابــة المصحــف‪ ،‬و�أن ال َك َتبــة‬
‫مــن الصحابــة لــم يكون ـوا مــن المتمرســين فــي ال�إ مــلاء ولــذا ارتكب ـوا �أخطــا ًء �إملائيــة‬
‫مثــل‪ :‬حــذف اليــاء مــن «تغنــي» فــي قولــه‪َ :‬ف َمــا تُ ْغــنِ النُّـ ُذ ُر ‪٥‬۝ القمــر و �إثباتهــا فــي قولــه‪:‬‬
‫َو َمــا تُ ْغ ِنــي ا ْل�آ َيـ ُ‬
‫ـات َوالنُّ ـ ُذ ُر ‪١٠١‬‬
‫۝ يونــس‪.‬‬
‫ولقــد وافــق ابــن قتيبــة (ت ‪٨٨٩‬م) ابــن الف ـراء فــي عــدم تم ـ ّرس الصحابــة فــي‬
‫الكتابــة‪ .‬ووافقــه ابــن كثيــر (ت ‪١٣٧٣‬م) فــي عــدم تطــور قواعــد ال�إ مــلاء وقــت تدويــن‬
‫القـر�آن �أول مــرج‪ .‬كمــا وافقــه �أيضـاً ابــن خلــدون (ت ‪١٤٠٦‬م) و�أورد �أمثلــة علــى ســوء‬
‫�إمــلاء الق ـر�آن‪ ،‬مثــل زيــادة �ألــف لا حاجــة لهــا فــي قولــه‪َ :‬ل�أا ْذ َب َحنَّ ـ ُه ‪٢١‬۝ النمــل‪ ،‬وزيــادة‬
‫يــاء فــي‪ :‬بِ�أ ْيــيــ ٍد ‪٤٧‬۝ الذاريــات‪.‬‬

‫۞الاختلافات التاريخية‬
‫اشــتمل الق ـر�آن علــى مجموعــة مــن المعلومــات التاريخيــة التــي لا تتوافــق مــع مــا‬
‫كان مد َّونـاً فــي الكتــب المقدســة قبلــه ولا مــع مــا كان يعرفــه النــاس فــي زمانــه‪ .‬وفــي‬
‫الحقيقــة‪ ،‬لا يمكــن الوثــوق بالتاريــخ المــد َّون فــي الكتــب المقدســة‪ ،‬وعليــه لا يمكــن‬
‫وصــف معلومــات القـر�آن التاريخيــة بالخاطئــة‪ .‬فهكــذا وصــف يحمــل بيــن طياتــه تزكيــة‬
‫للكتــب المقدســة قبــل الق ـر�آن‪ ،‬ويجعلهــا مرجع ـاً تاريخي ـاً نحتكــم �إليــه‪ ،‬بينمــا هــي‬
‫ليســت كذلــك‪ .‬وعليــه‪ ،‬فـ إ�ن ال�إ شــكال الــذي وقــع فيــه القـر�آن كان خطـ�أه وارتباكــه فــي‬
‫النقــل عــن تلــك الكتــب القديمــة‪.‬‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬يوجد في التاريخ اليهودي شخصيتان شهيرتان باسم «مريم»‬
‫هما‪:‬‬
‫ ‪-‬مريم اِبنة عمران و�أخت هارون وموسى‪.‬‬
‫ ‪-‬مريم �أم عيسى‪ ،‬والشهيرة بمريم العذراء‪.‬‬

‫‪- 101 -‬‬


‫�����������‬

‫ولقــد خلــط القـر�آن بيــن الشــخصيتين‪ ،‬فجعــل �أخــت موســى هــي ذاتهــا �أم عيســى!‬
‫مــع �أن بيــن زمــن موســى وزمــن عيســى �أكثــر مــن �ألــف ســنة بحســب التاريــخ اليهــودي!‬
‫ـت َف ْر َج َهــا َف َنفَخْ َنــا فِي ـ ِه ِمـ ْـن ُر ِ‬
‫وح َنــا ‪٦٦‬۝‬ ‫يقــول الق ـر�آن‪َ :‬و َم ْر َي ـ َم ا ْب َن ـ َة ِع ْم ـ َر َان التــي �أ ْح َص َنـ ْ‬
‫ـك َب ِغيّـاً‬ ‫ـوك اِ ْمـ َر�أ َسـ ْو ٍء َو َمــا كَا َنـ ْ‬
‫ـت �أ ُّمـ ِ‬ ‫َان �أ ُبـ ِ‬
‫ون َمــا ك َ‬
‫ـت َهــا ُر َ‬ ‫التحريــم‪ ،‬ويقــول �أيضـاً‪َ :‬يــا �أخْ ـ َ‬
‫‪٢٨‬۝ مريــم!‬
‫ولقــد اســتنكر المســيحيون فــي زمــن محمــد هــذه المعلومــة الخاطئــة بالنســبة لهــم‪.‬‬
‫ولــم يجــد محمــد �إلا تبريـراً هزيــلاً لهــذا الخطـ�أ‪ ،‬وذلــك كمــا نقـر�أ فــي هــذا الحديــث‬
‫ـت نجـران سـ�ألوني فقالـوا‪� :‬إنكــم‬ ‫الــذي رواه مســلم‪ :‬قــال المغيــرة بــن شــعبة‪ :‬لمــا قَد ْمـ ُ‬
‫ـت علــى‬ ‫تقــرؤون «يــا �أخــت هــارون» وموســى قبــل عيســى بكــذا وكــذا‪ .‬فلمــا قَد ْمـ ُ‬
‫ون ب�أنبيائهــم والصالحيــن‬ ‫رســول اللــه سـ�ألته عــن ذلــك‪ .‬فقــال الرســول‪� :‬إنهــم كانـوا ُيسـ ُّم َ‬
‫قبلهــم! محمــد يقصــد �أن القـر�آن نســب مريــم العــذراء �إلــى هــارون ل�أن هــذا كان مــن‬
‫عــادة اليهــود؛ ولا يوجــد �أي منطــق فــي ادعــاء محمــد هــذا �أو دليــل يدعمــه!‬
‫ويمكــن للقــارئ الكريــم البحــث فــي هــذا الموضــوع((( لمعرفــة المزيــد‪ .‬فهنــاك مثــلاً‬
‫«هامــان» الــذي جعلــه القـر�آن وزيـراً لفرعــون بينمــا هــو كان وزيـراً فارســياً وليــس لــه علاقــة‬
‫بمصــر‪ .‬وكذلــك فعــل مــع «قــارون»‪ .‬و�أيضـاً الخطـ�أ فــي اســم والــد «�إبراهيــم»‪ .‬وتســمية‬
‫صانــع العجــل بالســامري قبــل �أن يكــون «للســامرة» وجــود‪ ،‬وغيــر هــذا‪.‬‬
‫ولا ننســى اقتبــاس القـر�آن ل�أســطورة «النيــام الســبعة» مــن موعظــة القديــس الســرياني‬
‫«يعقــوب الســروجي» وتقديمهــا كقصــة واقعيــة حصلــت فعــلاً باســم «�أصحــاب‬
‫ـف الق ـر�آن بهــذا الخط ـ�أ الواضــح‪ ،‬بــل اســتخدم القصــة للــرد‬ ‫الكهــف»(((! ولــم يكتـ ِ‬

‫((( يمكن البحث في جوجل مثلاً عن «�أخطاء تاريخية في القر�آن» والقراءة من المصادر المعتبرة‬
‫والاطلاع �أيضاً على ردود المسلمين‪.‬‬
‫((( قصة «النيام السبعة» معروفة في ال�أدب القديم للكثير من ال�أمم قبل ال�إ سلام وحتى قبل‬
‫المسيحية‪ .‬ويمكن الاطلاع على المزيد عنها هنا �أو هنا �أو هنا وفي غيرها من المراجع‪.‬‬
‫‪- 102 -‬‬
‫�����������‬

‫علــى سـؤال اليهــود عــن الفتيــة! فبحســب �أســباب نــزول ســورة الكهــف‪� ،‬أرادت قريــش‬
‫اختبــار محمــد‪ ،‬فاســتعانوا باليهــود ليعطوهــم �أســئلة الاختبــار‪ .‬ف�أعطاهــم اليهــود ثلاثــة‬
‫�أســئلة‪ ،‬مــن ضمنهــا س ـؤاله «عــن فتيــة ذهب ـوا فــي الدهــر ال�أول قــد كانــت لهــم قصــة‬
‫عجــب(((»‪ .‬وبعــد �أن ت�أخــر محمــد فــي الــرد متعلــلاً ب�أنــه لــم يقــل «�إن شــاء اللــه»‪ ،‬جــاء‬
‫وســرد عليهــم قصــة النيــام الســبعة‪ .‬واليهــود لا يؤمنــون بهــذه القصــة �أصــلاً ويعتبرونهــا مــن‬
‫تخريفــات المســيحيين! وبالطبــع‪ ،‬فالمصــادر ال�إ ســلامية لا تذكــر رد اليهــود �أو قريــش‬
‫علــى �إجابــات محمــد هــذه!‬

‫۞ال�أسبقية‬
‫لا يــكاد يوجــد فــي القـر�آن �أي جديــد‪� ،‬إلا مــا يتعلــق بال�أحــداث وال�أحــكام الخاصــة‬
‫بمحمــد وبعــض التفصيــلات الفقهيــة والاختلافــات التاريخيــة‪ .‬فــكل مــا فــي الق ـر�آن‬
‫تقريب ـاً مــن تشــريعات دينيــة وقصــص تاريخيــة نجــد مثيلــه فــي الكتــب وال�أديــان التــي‬
‫ســبقته‪ .‬فالقصــص التــي يســردها‪ ،‬والشــخصيات التــي يناقشــها‪ ،‬وال�أجوبــة الوجوديــة‬
‫التــي يطرحهــا‪ ،‬والمعــارف العلميــة التــي يقدمهــا‪ ،‬كل ذلــك مســبوق فــي معــارف وكتــب‬
‫و�أديــان و�أســاطير ال�أوليــن‪.‬‬
‫وال�أمثلــة فــي هــذا المجــال كثيــرة‪ .‬وس�أشــير لبعضهــا �إشــارات عابــرة(((‪ ،‬ويمكــن‬
‫للمهتــم البحــث عنهــا لمزيــد مــن التفاصيــل �إن �أراد‪.‬‬
‫�أســهب القـر�آن فــي ذكــر اليهــود وقصصهــم و�أنبيائهم‪ ،‬حتى �أن المــرء ليظن �أنه كتاب‬
‫يؤســس لمذهــب يهــودي جديــد! ولقــد �أخــذ عــن اليهــود‪ :‬فكــرة توحيــد ال�إ لــه‪ ،‬ووجــود‬

‫((( مصدر العبارة كتاب‪ :‬قريش تمتحن رسول الله‪ ،‬محمد رشيد رضا‪.‬‬
‫((( سردت �أكثر ال�أمثلة من ذاكرتي‪ ،‬و�أعتذر عن ذكر مصادر كل مثال ل�أنني لا �أتذكرها بالتحديد‪.‬‬
‫فهذه ال�أمثلة قد علقت في ذهني من قراءاتي المتعددة‪ ،‬ومن مشاهداتي لبرامج في قناة د‪ .‬سامي‬
‫الذيب على يوتيوب‪ ،‬وسؤال جريء لل�أخ رشيد‪ ،‬وصندوق ال�إ سلام لحامد عبدالصمد‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪- 103 -‬‬
‫�����������‬

‫الملائكــة والجــن والشــياطين‪ ،‬وتشــريع الصــلاة‪ ،‬والدعــاء‪ ،‬وســن الحــدود‪ ،‬وتحريــم لحــم‬
‫الخنزيــر‪ ،‬والســحر‪ ،‬والعيــن‪ ،‬والرقيــة وغيرهــا‪ .‬كمــا تنــاول قصصهــم التاريخيــة الرئيســية‬
‫جميعهــا‪ ،‬عــن ال�أنبيــاء ومصــر والتيــه وغيرهــا‪ ،‬و �إن باختصــار واقتضــاب شــديدين‪.‬‬
‫و�أخــذ القـر�آن عــن الديانــة الزرادشــتية(((‪ :‬قصــة شــق صــدر النبــي زرادشــت‪ ،‬وال�إ سـراء‬
‫والمعـراج‪ ،‬والصيــام شــهر فــي الســنة‪ ،‬وحــد الــردة‪ ،‬وعــذاب القبــر ونعيمــه‪ ،‬وغيرهــا‪.‬‬
‫�أمــا مــن المســيحية‪ ،‬ف�أخــذ القـر�آن بعــض القصــص وبعــض ِ‬
‫الحكــم مــن ال�إ نجيــل(((‪.‬‬
‫كمــا �أخــذ �أيضـاً مــن ال�أناجيــل المنحولــة‪ ،‬مثــل �أخــذه عــن «الناصرييــن» �إنــكار الطبيعــة‬
‫ال�إ لهيــة للمســيح و�أنــه مجــرد نبــي كغيــره مــن �أنبيــاء اليهــود‪ .‬و�أخــذ قصــة كلام المســيح‬
‫فــي المهــد مــن �إنجيــل الطفولــة‪ .‬و�أخــذ �أيض ـاً مــن ال�أدب المســيحي القديــم كقصــة‬
‫«النيــام الســبعة» الشــهيرة التــي قدّمهــا باســم قصــة «�أصحــاب الكهــف»‪.‬‬
‫جـ ّل مــا عملــه القـر�آن مــع الاقتباســات التــي �أخذهــا كان اختصارهــا و �إعــادة صياغتها‬
‫فــي قالبــه اللغــوي مــع تغييــر بعــض تفاصيلهــا لتتناســق مــع طرحــه الخاص‪.‬‬
‫المســلمون يقولــون �إن تشــابه ال�إ ســلام مــع مــا ســبقه مــن الديانــات الســماوية متوقَّــع‬
‫ولا �إشــكال فيــه طالمــا �أن مصــدر هــذه الديانــات واحــد‪ ،‬وهــو اللــه‪ .‬ولكــن هــذا التبريــر‬
‫الميتافيزيقــي لا ُيقنِــع غيــر المســلمين! والتفســير ال�أقــرب وال�أكثــر منطقيــة وقبــولاً هــو نقــل‬
‫مؤلــف (�أو مؤلفــو) القـر�آن عــن الثقافــات والديانــات التــي ســبقته‪ .‬وهــذا النقــل لــم يكــن‬
‫�أمين ـاً‪ ،‬حيــث لــم ُي ِحــل �إلــى المصــادر ال�أصليــة‪ ،‬و �إنمــا نســب المعلومــات �إلــى كائــن‬
‫غيبــي اســمه «اللــه»!‬
‫هنــاك بعــض المعلومــات ال ـواردة فــي الق ـر�آن قــد تبــدو فريــدة وغيــر مســبوقة‪ ،‬مثــل‬
‫المعلومــات التــي يبنــي عليهــا المســلمون «ال�إ عجــاز العلمــي»‪ .‬ولكــن وجــود هــذه‬

‫((( المصدر‪http://www.alzakera.eu/music/religon/religon-0118.htm :‬‬


‫((( انظر مثلاً كتاب «الله والكون وال�إ نسان»‪ ،‬فراس السواح‪ ،‬ص ‪١٣٧‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫�����������‬

‫المعلومــات لا يشــفع للق ـر�آن فــي �إثبــات �أصالتــه‪ ،‬كمــا لا يمكــن اعتبــاره دليــلاً علــى‬
‫مصــدره ال�إ لهــي! فمجــرد عــدم معرفــة مصــدر معلومــة مــا لا ُيعـ ّد دليــلاً علــى عــدم وجــود‬
‫هــذا المصــدر‪ .‬وفــي الحقيقــة‪ ،‬لــو تتبعنــا الكثيــر مــن معلومــات ال�إ عجــاز العلمــي فــي‬
‫القـر�آن لوجدنــا �إشــارات فــي ذات النــص تــدل علــى كونهــا مســبوقة‪ .‬فمثــلاً فــي قولــه‪:‬‬
‫ات َوا ْل�أ ْر َ‬
‫ض كَا َن َتــا َر ْت ًقــا َف َف َت ْق َنا ُه َمــا ‪٣٠‬۝ ال�أنبيــاء‪ ،‬نجــد‬ ‫�أ َو َل ـ ْم َي ـ َر الَّ ِذيـ َـن َك َف ـ ُروا �أ َّن َّ‬
‫الس ـ َما َو ِ‬
‫الق ـر�آن يحاجــج الكافريــن فــي زمــن محمــد بحقيقــة يعرفونهــا‪ ،‬وذلــك فــي قولــه «�أولــم‬
‫يــر الذيــن كفــروا»‪� .‬إذاً‪ ،‬ففكــرة فصــل الســماء عــن ال�أرض لــم تكــن فكــرة جديــدة �أو‬
‫ســبقاً علميـاً‪ .‬وبمزيــد مــن البحــث‪ ،‬يمكــن لل�إ نســان �أن يعــرف �أن فكــرة فصــل الســماء‬
‫عــن ال�أرض كانــت منتشــرة فــي الثقافــات القديمــة التــي ســبقت ال�إ ســلام(((‪ .‬وعلــى كل‬
‫حــال‪ ،‬فـ إ�ن القــول بـ�أن الســماء وال�أرض كانتــا رتقـاً (متصلتيــن) ثــم فصــل بينهمــا ال�إ لــه‬
‫(ف َت َق ُه َمــا) هــي فكــرة خاطئــة وتخالِــف العلــم الحديــث‪.‬‬

‫۞كتاب ُغ ْفل‬
‫يقــول القـر�آن علــى لســان اللــه‪� :‬إِنَّــا َن ْحـ ُـن َن َّز ْل َنــا ال ِّذ ْكـ َر ‪٩‬۝ الحجــر‪ ،‬وبالتالــي فالمســلمون‬
‫يقولــون‪ :‬الق ـر�آن ت�أليــف اللــه(((! ولكــن القاعــدة المعروفــة والم َّط ـرِدة هــي‪ :‬لــكل كتــاب‬
‫مؤلــف مــن البشــر‪ .‬واللــه ليــس بشـراً بالطبــع(((! �إذاً‪ ،‬فحتــى نقبــل الادعــاء بـ�أن اللــه هــو‬
‫مؤلــف القـر�آن‪ ،‬ف إ�ننــا نحتــاج لدليــل علــى كســر قاعــدة الت�أليــف‪.‬‬
‫يســتخدم المســلمون القـر�آن للتدليــل علــى قولهــم ال�آنــف الذكــر‪ .‬فيحتجــون بكــون‬
‫�أن اللــه قــد نســب القــر�آن �إلــى نفســه‪ ،‬و�أيضــاً بكــون القــر�آن كتــاب معجــز‪ .‬وهــذه‬
‫الحجــج ســاقطة مــن جهتيــن‪:‬‬

‫((( راجع موسوعة �أساطير الخلق في العالم ‪ Creation Myths of the World‬ص ‪.٣٤٦‬‬
‫((( المسلمون غير متفقين هل القر�آن كلام الله �أم مخلوق من مخلوقات الله‪ .‬و�أياً يكن‪ ،‬فهذا‬
‫الخلاف لا يشكل فرقاً جوهرياً فيما نحن بصدده هنا‪.‬‬
‫((( �أحيل بالفضل هنا �إلى د‪ .‬سامي الذيب الذي �أثار هذه الفكرة في �إحدى لقاءاته‪.‬‬
‫‪- 105 -‬‬
‫�����������‬

‫‪ )١‬لا يمكــن قبــول ا ّدعــاء اللــه نســبة الكتــاب لنفســه طالمــا �أنــه كائــن غيبــي لا‬
‫يمكــن التواصــل معــه للتوثيــق‪.‬‬
‫‪ )٢‬التحدي ب إ�عجاز القر�آن تحدي فارغ كما بي َّـنا سابقاً في هذا الكتاب‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬فمــع عــدم وجــود �إنســان ينســب الق ـر�آن لنفســه‪ ،‬ومــع عــدم قبــول ادعــاء‬
‫المســلمين‪ ،‬فـ إ�ن مؤلــف القـر�آن مجهــول ‪� ،Anonymous‬أي �أن القـر�آن كتــاب ُغ ْفــل‪.‬‬
‫لا توجــد مشــكلة مبدئيــة مــع ال ُك ُتــب ال�أغفــال‪ ،‬فثمــة كتــب رائعــة كثيــرة اختــار‬
‫مؤلفوهــا �إخفــاء هوياتهــم بســبب الخــوف علــى ســلامتهم �أو ل�أي �أســباب وجيهــة‬
‫�أخــرى(((‪ .‬لكــن المشــكلة مــع القـر�آن �أن مؤلفــه اختــار نســبة عملــه �إلــى «اللــه» بغــرض‬
‫الخــداع‪ ،‬ممــا يناقــض ال�أمانــة العلميــة والشــجاعة ال�أدبيــة‪ .‬ولــو �أن القـر�آن ســار علــى‬
‫طريقــة ال�أناجيــل‪ ،‬التــي يعتــرف بهــا مؤلفوهــا ولا ينكرونهــا‪ ،‬لــكان ذلــك �أفضــل فــي‬
‫حقــه(((‪ .‬لكــن التزييــف الــذي انتهجــه الق ـر�آن كان ضــرره عليــه �أكبــر مــن نفعــه‪.‬‬

‫***‬

‫((( كتابي هذا هو كتاب غفل!‬


‫((( هذا ليس مدحاً لل�إ نجيل‪ ،‬فهو كالقر�آن كتاب تراثي من صنع البشر ولا علاقة له ب�أي �آلهة!‬
‫‪- 106 -‬‬
‫أ�خلاق إ‬
‫ال�سلام‬
‫يظن المؤمنون �أن �أديانهم هي مصادر ال�أخلاق‪ ،‬و�أن البشر لا يمكن �أن يكونوا‬
‫�أخلاقيين من غير دين! ويبالغ المسلمون في هذا الجانب ويعتقدون �أن دينهم قد بلغ‬
‫الغاية في ال�أخلاق‪ ،‬و�أنه لا يمكن ل�أحد �أن يجد م�أخذاً في �أخلاق ال�إ سلام ناهيك‬
‫عن �أن ي�أتي ب�أفضل منها! وكالعادة‪ ،‬ف إ�ن حكم المؤمنين على �أديانهم يكون منحازاً‬
‫وبعيداً عن الصواب غالباً‪ .‬ولقد ر�أينا سابقاً ما يحتويه ال�إ سلام من ظلم لفئات كبيرة‬
‫من البشر‪ ،‬والظلم �أقبح ال�أخلاق و�أحطها‪ ،‬و �إ َّن كل ُخ ُلقٍ سيء بعد الظلم ُي َع ُّد هيّناً‬
‫نسبياً‪ .‬وسنستعرض في هذا الفصل نماذج �أخرى من سوء ال�أخلاق في ال�إ سلام‪.‬‬

‫۞مبادئ ال�أخلاق‬
‫يشــترك ال�إ نســان مــع غيــره مــن الكائنــات الحيــة فــي «غريــزة البقــاء»‪ ،‬وهــذه الغريــزة‬
‫تحتــم علــى كل كائــن الحفــاظ علــى وجــوده كفــرد و�أيضــاً علــى وجــوده كنــوع‪.‬‬
‫ومقاومــة الانقـراض هــذه تفــرض علــى الكائنــات نوعـاً مــن الســلوكيات يمكــن تســميتها‬
‫بـــ «ال�أخــلاق الغريزيــة»‪ .‬فالاعتــداء علــى ال�آخريــن مثــلاً يكــون مرفوض ـاً �إذا لــم يوجــد‬
‫مبــرر ضــروري لــه‪ ،‬كالحصــول علــى الطعــام الــلازم للحيــاة مثــلاً‪ .‬ورفــض الاعتــداء غيــر‬
‫المبــرر علــى ال�آخريــن ســببه الحفــاظ علــى ســلامة المعتــدي وليــس ال ُمع َت ـدَىٰ عليــه‪.‬‬
‫فال ُمع َتـ ِدي فــي هــذه الحالــة سيســتثير خــوف ال ُمع َتـدَىٰ عليــه ويجعلــه يدافــع عــن نفســه‪.‬‬
‫وهــذا الدفــاع قــد يعــود بــال�أذى علــى ال ُمع َتـ ِدي‪ ،‬ف َيه َلــك حينهــا دونمــا ســبب �أو حاجــة‬
‫لذلــك‪ .‬وعليــه‪ ،‬فـ إ�ن الاعتــداء فــي هــذه الحالــة يصبــح مرفوضـاً‪� ،‬أي �أنــه غيــر �أخلاقــي‬
‫غريزيـاً‪.‬‬
‫ومــع قــدرة ال�إ نســان علــى اســتخلاص الــدروس مــن تجاربــه وعلــى تراكــم معارفــه‪،‬‬

‫‪- 107 -‬‬


‫��������������‬

‫ف إ�نــه �أصبــح قــادراً علــى تطويــر منظوماتــه ال�أخلاقيــة بالشــكل الــذي يضمــن لــه �أفضــل‬
‫وجــود ممكــن‪ .‬كمــا �أنــه �أدخــل الــكلام ضمــن نطــاق ال�أخــلاق‪ ،‬ف�أصبــح متميـزاً عــن‬
‫الحيـوان بنــوع جديــد مــن ال�أخــلاق‪ ،‬وهــو �أدب الحديــث‪.‬‬
‫ويمكننــا �أن نــرى مــن هنــا �أن دافــع ال�أخــلاق ال�أساســي هــو دافــع المصلحــة‬
‫الذاتيــة‪ .‬وامتــلاك ال�إ نســان للعقــل جعلــه قــادراً علــى �إيجــاد منظومــة �أخلاقيــة �أكثــر‬
‫تعقيــداً و ُرقيـاً مــن ال�أخــلاق الغريزيــة‪ .‬فالمصلحــة عنــده لــم َت ُعــد مرتبطــة فقــط بالبقــاء‬
‫بشــكل مباشــر‪ ،‬و �إنمــا �أصبــح لديهــا تفرعــات كثيــرة‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫ ‪-‬الارتقاء بالمكانة الاجتماعية التي يدركها ال�إ نسان بالوعي‪،‬‬
‫ ‪-‬الرضى عن الذات عبر تلقي المديح بالنطق وفِ ْهم الكلام‪،‬‬
‫ ‪-‬رفــاه العيــش عبــر اســتتباب ال�أمــن وقــدرة ال�إ نســان علــى �إنتــاج �أكثــر‬
‫ممــا توفــره الطبيعــة‪.‬‬
‫ولــم يكــن ت�أثيــر العقــل �إيجابيـاً علــى ال�أخــلاق دومـاً‪ ،‬بــل هــو �أيضـاً جعــل ال�إ نســان‬
‫قــادراً علــى كســر الدوافــع ال�أخلاقيــة الغريزيــة �أحيان ـاً والتصــرف ضدهــا‪ .‬ولذلــك نــرى‬
‫ال�إ نســان مثــلاً يعتــدي ويظلــم بدافــع الطمــع معتمــداً علــى الثقــة بعقلــه ومتجاهــلاً‬
‫عواقــب ذلــك عليــه وعلــى نوعــه‪.‬‬
‫ولكــون الهــدف ال�أســمى لل�أخــلاق هــو الحفــاظ علــى الفــرد وعلــى النــوع‪ ،‬ول�أن‬
‫ال�إ نســان قــادر علــى تجــاوز هــذا الهــدف بمــا يملكــه مــن عقــل و �إرادة‪ ،‬ف ـ إ�ن الالت ـزام‬
‫بال�أخــلاق مــن �أقـوال و�أفعــال �أصبــح واجبـاً �أخلاقيـاً بحــد ذاتــه علــى ال�إ نســان‪ .‬فكلمــا‬
‫مــارس ال�إ نســان ال�أخــلاق بدافــع ذاتــي بعيــداً عــن الخــوف وعــن الفــرض والرقابــة‬
‫الخارجيــة‪ ،‬ف إ�نــه يكــون حينهــا �أكثــر �أخلاقـاً‪ ،‬وبالتالــي �أكثــر حفاظـاً علــى وجــوده ووجــود‬
‫نوعــه المتمثــل فــي عائلتــه ومجتمعــه‪.‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫��������������‬

‫�إذاً‪ ،‬فال�أخــلاق ال�إ نســانية قيمــة جوهريــة تنبــع مــن ذات ال�إ نســان ومــن �إرادتــه‬
‫ال ُحــرة‪ .‬ومتــى مــا نزعهــا ال�إ نســان مــن ذاتــه ومارســها بســبب فرضهــا عليــه مــن ِقبَــل قــوة‬
‫خارجيــة فقــط‪ ،‬ف إ�نهــا لا تغــدو �أخلاقـاً حينهــا‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬فيمكننــا القــول �أن ال�إ يمــان‬
‫بالديــن يفــرض علــى المؤمــن �أن يكــون «غيــر �أخلاقــي» حتــى و �إن مــارس �أقـوال و�أفعــال‬
‫ال�أخــلاق! ل�أن ممارســته ليســت نابعــة مــن ذاتــه‪ ،‬و �إنمــا مفروضــة عليــه بدافــع الخــوف‬
‫مــن �إلــه شــديد العقــاب‪.‬‬
‫وثمــة ضــرر �آخــر ُيلحقــه الديــن بال�أخــلاق هــو قلــب المفاهيــم ال�أخلاقيــة عنــد‬
‫ال�إ نســان‪ ،‬وت�أســيس مرجعيــات �أخلاقيــة لا تقبــل النقــد‪ .‬وهــذا يعنــي �أن ال�أخلاقيــات‬
‫الســيئة يتــم طرحهــا ك�أخلاقيــات حســنة يجــب علــى المســلمين قبولهــا والعمــل بهــا‬
‫والدفــاع عنهــا‪ .‬وحينهــا تغــدو تعاليــم الديــن هــي ال�أخــلاق وليســت تجــارب ال�إ نســان‬
‫ومصالحــه ومعارفــه المتراكمــة‪ .‬فالمؤمــن قــد يقتــل (يجاهــد) �أو يســتعبد (يســترق) �أو‬
‫يغتصــب (يســبي ويغنــم) وهــو يــرى �أن �أفعالــه هــذه هــي �أفعــال �أخلاقيــة ل�أن الديــن‬
‫ســمح لــه بهــا!‬
‫ال�إ ســلام �أيضـاً يوفــر غطــا ًء للســيئين يســتغلونه فــي خــداع ال�آخريــن‪ .‬فمحمــد كان‬
‫يمتــدح المؤمنيــن بــه كثيـراً ويلصــق بهــم الصفــات الحســنة‪ .‬وهــذا �أثّــر فــي الكثيــر مــن‬
‫المســلمين الســذج وجعلهــم يحســبون �أن الملتزميــن بالديــن �أطهــار �أنقيــاء وذوو �أخــلاق‬
‫نبيلــة! ولكــن الحقيقــة هــي �أن البشــر فيهــم الصالــح والطالــح‪ .‬فال�إ نســان الخلــوق يبقــى‬
‫كذلــك سـواء كان مســلماً ملتزمـاً �أو غيــر ملتــزم‪ ،‬وال�إ نســان الســيئ يبقــى كذلــك سـواء‬
‫كان ملتزمـاً �أو غيــر ملتــزم‪ .‬و �إن مــدح وتبجيــل ال�إ ســلام للملتزميــن بــه يوفــر فقــط بيئــة‬
‫خصبــة للســيئين تم ّكنهــم مــن خــداع النــاس بالمظاهــر‪ ،‬مثــل �إطــلاق اللحــى ولبــس‬
‫الثيــاب القصيــرة وترديــد بعــض العبــارات الدينيــة ونحــو ذلــك‪.‬‬
‫وبال�إ ضافــة لمــا ســبق‪ ،‬فـ إ�ن التوبــة والصــلاة والاســتغفار قــد تشــجع ال�إ نســان علــى‬
‫الســلوك الســيئ‪ .‬فال�أهــم عنــد المســلم هــو رضــا «اللــه» عنــه‪ ،‬وليــس رضــا النــاس‪.‬‬

‫‪- 109 -‬‬


‫��������������‬

‫وعليــه‪ ،‬فـ إ�ن �أخطـ�أ المســلم فــي حــق شــخص �آخــر �أو فــي حــق المجتمــع �أو الحيـوان‬
‫�أو البيئــة‪ ،‬ف ـ إ�ن عليــه �أن يتــوب �إلــى «اللــه» �أولاً‪ ،‬وت�أتــي حقــوق غيــره فــي مرتبــة ثانيــة!‬
‫ويمكــن �أن نلتمــس هــذا فــي قصــة موســى قبــل �أن يصبــح نبي ـاً‪ .‬حيــث �أنــه قــد قتــل‬
‫نفس ـاً بغيــر حــق‪ ،‬فاســتغفر اللــه فغفــر لــه وجعلــه نبي ـاً! �أمــا فرعــون الــذي طــارد موســى‬
‫و�أراد معاقبتــه علــى فعلتــه الشــنيعة تلــك فـ إ�ن القـر�آن يبالــغ فــي ذمــه وتشــويهه فقــط ل�أنــه‬
‫لــم يؤمــن بموســى! كمــا نجــد القـر�آن ينتقــد فرعــون علــى اســتعباد بنــي اسـرائيل‪ ،‬بينمــا‬
‫الق ـر�آن ذاتــه لا يعــارض اســتعباد المســلمين للرقيــق مــن ال�أمــم ال�أخــرى!‬
‫ضـرر �آخـر ُيلحقـه الديـن بال�أخـلاق هـو حرمـان ال�إ نسـان مـن قيمتيـن �أخلاقيتيـن‬
‫هامتيـن‪ ،‬همـا‪ :‬التجـ ّرد والنزاهـة‪ .‬فالمؤمـن ُيصـدِّق كل مـا في دينه و َيعمـل به و َيرفض كل‬
‫مـا سـواه دون �أن ُيع ِمـ َل عقلـه فيـه‪ .‬وهـذا عمـل لا �أخلاقـي ل�أنـه ُيفـ ّوت علـى ال�إ نسـان‬
‫فرصـة �إعمـال العقـل وتبـادل الخبـرات وتصويـب ال�أخطـاء وتطويـر ال�أفـكار وال�أخـلاق‪.‬‬
‫�إذاً‪ ،‬فالديـن يفـرض منظومـة �أخلاقيـة محـددة ويكسـر ذلـك الارتبـاط بيـن ال�أخـلاق‬
‫والمصلحة ال�إ نسـانية‪ .‬كما ويمنع ال�أخلاق من التطور بتطور ال�إ نسـان ومعارفه‪ .‬فالمؤمن‬
‫ينسـاق خلـف تعليمـات الديـن حتـى و �إن لـم تكـن �أخلاقيـة! فيحصـر المعاملـة الحسـنة‬
‫مثـلاً علـى «�إخوتـه» مـن المؤمنيـن ويمنعهـا عـن بقيـة الناس مـن الكافرين!‬

‫۞الدين المعاملة‬
‫يقــوم ال�إ ســلام بتفريــغ الكثيــر مــن الشــعارات ال�أخلاقيــة التــي يرفعهــا مــن مضامينهــا‪،‬‬
‫ومنهــا شــعار «الديــن المعاملــة»! فــ إ�ذا نظرنــا لتشــريعات ال�إ ســلام بشــمولية‪ ،‬ونظرنــا‬
‫لتطبيقــات التاريــخ وللواقــع‪ ،‬وجدنــا �أن الدعــوة لحســن المعاملــة فــي ال�إ ســلام ليســت‬
‫ســوى شــعار �أجــوف يــردده الخطبــاء والنــاس فــي كلامهــم كنــوع مــن الدعايــة لا �أكثــر‪.‬‬
‫فتعامــلات المســلمين فيمــا بينهــم ليســت ب�أفضــل حــالاً ممــا هــو عنــد بقيــة النــاس‪� ،‬إن‬
‫لــم تكــن �أسـو�أ! كمــا �أن تشــريعات ال�إ ســلام كثيـراً مــا تحصــر حســن التعامــل فيمــا بيــن‬
‫‪- 110 -‬‬
‫��������������‬

‫المســلمين �أو �أتبــاع المذهــب فقــط‪ ،‬وتمنعــه عــن غيرهــم بحجــة �أنهــم كفــار �أو عصــاة!‬
‫وبال�إ ضافــة للتمييــز الدينــي فــي التعامــل‪ ،‬يضيــف ال�إ ســلام مبــد�أ «الانتقــام» ويــرى‬
‫�أنــه العــدل الــذي يجــب �أن تقــوم عليــه علاقــات البشــر‪ .‬فمعاملــة المســيء بال ِمثــل‪،‬‬
‫مهمــا كانــت تلــك المعاملــة‪ ،‬هــي العــدل‪ .‬لا وجــود للتســامح والصبــر والعفــو �إلا فــي‬
‫حالــة الضعــف �أو عنــد وجــود مصلحــة‪ ،‬فالعيــن بالعيــن والســن بالســن‪ .‬ومهمــا كانــت‬
‫وضاعــة المعتــدي ف ـ إ�ن ال�إ ســلام يبيــح ل�أتباعــه �أن ينحــدروا �إلــى مســتواه! فيجيــز لهــم‬
‫قتــل النــاس مثــلاً ب�أبشــع الطــرق كالتحريــق بالنــار((( وتهشــيم رؤوســهم بالحجــارة! بــل �إن‬
‫ال�إ ســلام ُيظ ِهــر اللــه بجلالــة عظمتــه يمــارس الانتقــام ومقابلــة الشــر بالشــر! فالكفــار مثــلاً‬
‫يشــتمون محمــداً �أو يعايرونــه‪ ،‬فيقــوم اللــه بشــتمهم ومعايرتهــم بالعقــم والتتبيــب((( مثــلاً‪،‬‬
‫مــع تو ّعدهــم بالعــذاب‪ .‬فاللــه فــي ال�إ ســلام لا يصــون مكانتــه العاليــة ولا ُيبــدي حكمتــه‬
‫عنــد معاملــة خلقــه الناقصيــن الضعفــاء!‬
‫ونتيجــة لانعــدام التســامح الحقيقــي مــن قامــوس ال�أخــلاق ال�إ ســلامي‪ ،‬نجــد �أنــه‬
‫ليــس فــي �أنفــس المســلمين فســحة للاختــلاف‪ .‬فهــم يؤمنــون بمبــد�أ ال�أخــوة فــي الديــن‬
‫وبغــض الكافريــن‪ ،‬حتــى و �إن كان ـوا �آباءهــم �أو �إخوانهــم! يقــول الق ـر�آن‪ :‬لَّا َت ِج ـ ُد َق ْو ًمــا‬
‫ـون بِاللَّـ ِه َوا ْل َيـ ْو ِم ا ْل�آ ِخـ ِر ُيـ َوا ُّد َ‬
‫ون َمـ ْـن َحــا َّد اللَّـ َه َو َر ُســو َل ُه َو َلـ ْو كَانُـوا �آ َبا َء ُهـ ْم �أ ْو �أ ْب َنا َء ُهـ ْم‬ ‫ُي ْؤ ِم ُنـ َ‬
‫�أ ْو �إِخْ َوا َن ُهـ ْم �أ ْو َع ِشــي َر َت ُه ْم ‪٢٢‬۝ المجادلــة‪ .‬وعلــى هــذا قامــت عندهــم عقيــدة «الــولاء والبـراء»‬
‫التــي تحصــر الحــب والر�أفــة والمعاملــة الحســنة علــى المؤمنيــن ‪-‬وفــي �أحيــان كثيــرة علــى‬
‫�أتبــاع الطائفــة فقــط‪ -‬وتجعــل الكــره والشــدة والجفــاء مــن نصيــب الكافريــن ‪-‬وفــي‬
‫�أحيــان كثيــرة مــن نصيــب الطوائــف ال�أخــرى �أيضـاً‪ !-‬يقــول القـر�آن‪ُّ :‬م َح َّمـ ٌد َّر ُســولُ اللَّـ ِه‬
‫َوالَّ ِذيـ َـن َم َعـ ُه �أ ِشـدَّا ُء َع َلــى ا ْل ُك َّفــا ِر ُر َح َمــا ُء َب ْي َن ُهـ ْم ‪٢٩‬۝ الفتــح!‬
‫ونتيجــة لهكــذا ت�أســيس �أخلاقــي‪ ،‬ف إ�ننــا نجــد قلــوب عامــة المســلمين ضيقــة حرجــة‬

‫((( هناك خلاف بين المسلمين في مس�ألة حرق الناس‪ .‬ومن المعيب �أن يكون هذا محلاً للخلاف‬
‫�أصلاً!‬
‫((( انظر‪ :‬سورة النصر وسورة المسد في القر�آن‪.‬‬
‫‪- 111 -‬‬
‫��������������‬

‫تســتعر بالكراهيــة والبغضــاء‪ ،‬وتســيل �ألســنهم بالشــتيمة والتحقيــر تجــاه مخالفيهــم‪ .‬و �إذا‬
‫مــا كان ـوا الطــرف ال�أقــوى‪ ،‬ف إ�ننــا نجدهــم مــن �أقســى النــاس و�أكثرهــم دمويــة و�أجلفهــم‬
‫و�أشرســهم فــي معاملتهــم لل�آخريــن‪ ،‬كمــا قر�أنــا فــي التاريــخ ور�أينــا فــي الواقــع ممــن‬
‫يســمون �أنفســهم بالمجاهديــن‪.‬‬

‫۞الشتم والتحقير‬
‫كثيـراً مــا اســتوقفني الشــتم وتحقيــر النــاس فــي القـر�آن وفــي الســيرة وجعلنــي �أتســاءل‪:‬‬
‫كيــف ل�إ لــه الكــون العظيــم �أن يتفــ ّوه بهكــذا كلام مــن �أجــل �إقنــاع البشــرية بدينــه‬
‫الخاتــم؟! �إن النــاس ال�أســوياء يحتقــرون َســيئي ال�أخــلاق ويشــمئزون مــن كلامهــم‪ ،‬و �إنــه‬
‫مــن غيــر اللائــق ومــن غيــر المنطقــي �أن يضــع اللــه ورســوله نفســيهما فــي منزلــة هــؤلاء‪.‬‬
‫ولكــن القـر�آن والســيرة تخبرنــا �أن اللــه ورســوله قــد وضعــا نفســيهما فعــلاً فــي منزلــة ســيئي‬
‫ال�أخــلاق! فقــد ُروي عــن محمــد تفوهــه بالشــتم((( و�أيضـاً ت�أييــده لشــاتمي مخالفيــه(((‪.‬‬
‫كمــا �أنــه كان ُيحـ ّرض زيــد بــن ثابــت علــى شــتم قريــش ويقــول لــه‪ :‬اهجهــم �أو هاجهــم‬
‫وجبريــل معــك؛ رواه البخــاري‪.‬‬
‫�أما الله المزعوم‪ ،‬فهذا بعض كلامه كما ورد في القر�آن‪:‬‬
‫َس ِبي ًلا ‪٤٤‬‬
‫۝ الفرقان‬ ‫ ‪�-‬إ ِْن ُه ْم �إِ َّلا كَا ْل�أ ْن َعا ِم ۖ َب ْل ُه ْم �أ َض ُّل‬
‫۝ التوبة‬‫س ‪٢٨‬‬ ‫ُون َن َج ٌ‬ ‫ ‪�-‬إِنَّ َما ا ْل ُمشْ ِرك َ‬
‫۝ القلم‬ ‫ك َز نِي ٍم ‪١٣‬‬ ‫ ‪ُ -‬ع ُت ٍّل َب ْع َد َ ٰذلِ َ‬
‫ب ‪١‬‬
‫۝ المسد‬ ‫َو َت َّ‬ ‫ ‪َ -‬ت َّب ْت َيدَا �أبِي َل َه ٍب‬
‫ ‪�-‬أو َل ٰ ِئ َك كَا ْل�أ ْن َعا ِم َب ْل ُه ْم �أ َ‬
‫ض ُّل ‪١٧٩‬‬
‫۝ ال�أعراف‬

‫((( مثلاً حديث‪� :‬إذا الرجل تعزى بعزاء الجاهلية‪ ،‬ف�أعضوه بهن �أبيه‪ ،‬ولا تكنوا‪.‬‬
‫((( كت�أييد �أبي بكر حينما قال «امصص ببظر اللات» لعروة بن مسعود‪.‬‬
‫‪- 112 -‬‬
‫��������������‬

‫ا ْل َك ْل ِ‬
‫ب ‪١٧٦‬‬
‫۝ ال�أعراف‬ ‫ ‪َ -‬ف َم َث ُل ُه َك َم َثلِ‬
‫۝ الجمعة‬ ‫ح ِم ُل �أ ْسفَا ًرا ‪٥‬‬ ‫ ‪َ -‬ك َم َثلِ ا ْل ِح َما ِر َي ْ‬
‫۝ المدثر‬ ‫ح ُم ٌر ُّم ْس َتن ِف َر ٌة ‪٥٠‬‬ ‫ ‪َ -‬ك�أنَّ ُه ْم ُ‬
‫ين ‪٦٥‬‬
‫۝ البقرة‬ ‫ ‪َ -‬ف ُق ْل َنا َل ُه ْم كُونُوا ِق َر َد ًة َخ ِاس ِئ َ‬
‫فلمــاذا يحتــاج الخالــق القــوي العظيــم �إلــى شــتم وتحقيــر �أشــخاص �أو جماعــات مــن‬
‫الخلــق �أو العاجــز الضعيــف؟‬ ‫خلقــه؟ �أليــس هــذا ســلوكاً �إنســانياً يلجـ�أ �إليــه عــادة سـ ّيئ ُ‬
‫فهــل ال�إ لــه سـ ّيئ ال�أخــلاق �أو عاجــز عــن �إقنــاع خلقــه‪ ،‬فيلجـ�أ �إلــى تفريــغ غلّــه وحنقــه‬
‫منهــم بشــتمهم وتحقيرهــم فــي كتابــه الخالــد؟! �ألا ُيفتــرض �أن يكــون ال�إ لــه حليمــاً‬
‫حكيمــاً رحيمــاً عارفــاً لمحدوديــة خلقــه العقليــة والنفســية ومراعيــاً لهــا؟ �أليــس مــن‬
‫المفتــرض �أن يتســامى عــن الانفعــال والغضــب و ُيق ـدِّم نفســه �أمــام خلقــه كالمتج ـ ِّرد‬
‫والمتن ـ ِّزه عــن صفــات الخلــق الذميمــة؟‬
‫ولقــد تعلَّــم كثيــر مــن المســلمين لل�أســف �أســلوب الشــتم مــن ال�إ ســلام و�أخــذوا‬
‫يمارســونه للدفــاع عــن دينهــم! ف�أصبــح كل مــن يريــد نقــد ال�إ ســلام يفكــر �ألــف مــرة فــي‬
‫الشــتم الــذي ســيتلقاه مــن المســلمين ‪-‬ناهيــك عــن ال�أذى والتهديــد �أو حتــى القتــل‪!-‬‬
‫حجمــون عــن نقــد ال�إ ســلام حرص ـاً علــى �أنفســهم مــن قذاعــة �ألفــاظ وســوء‬ ‫وكثيــرون ُي ِ‬
‫�أخــلاق المدافعيــن عــن هــذا الديــن! والمســلمون �إنمــا يريــدون �إســكات مخالفيهــم‬
‫وناقــدي دينهــم دون تقديــم �أي حجــة �أو علــم‪ ،‬فقــط بالشــتم والتجريــح‪ .‬و �إن العاقــل‬
‫هــو مــن يطــرح مــا عنــده مــن نقــد و ُيعـرِض عــن الشـتَّامين ولا يخــوض فــي مســتنقعهم‪.‬‬

‫ال�نسان‬
‫۞احتقار إ‬
‫يزعــم اللــه فــي الق ـر�آن �أنــه واهــب العقــل لل�إ نســان‪ ،‬و�أنــه بذلــك قــد منحــه الحريــة‬
‫والقــدرة علــى التفكيــر والاختيــار‪ ،‬كمــا �أمــره باســتخدام عقلــه مــن �أجــل �أن يوصلــه لعبــادة‬

‫‪- 113 -‬‬


‫��������������‬

‫اللــه‪ .‬ومــن �أجــل هــذه الهبــة الربانيــة‪ ،‬رفــع اللــه مكانــة ال�إ نســان علــى بقيــة المخلوقــات‬
‫وك َّرمــه‪ ،‬حيــث قــال القـر�آن‪َ :‬و َل َقـ ْد َك َّر ْم َنــا َب ِنــي �آ َد َم َو َح َم ْل َنا ُهـ ْم فِــي ا ْل َبـ ِّر َوا ْل َب ْحـ ِر َو َر َز ْق َنا ُهــم‬
‫ـات َوف ََّض ْل َنا ُهـ ْم َع َلـ ٰـى َك ِثيـ ٍر ِّم َّمـ ْـن َخ َل ْق َنــا َت ْف ِضيـ ًلا ‪٧٠‬۝ ال�إ سـراء‪.‬‬
‫ِّمـ َـن ال َّط ِّي َبـ ِ‬

‫ـان وعق َلــه‪ ،‬ويغريــه بالراحــة وال�أكل‬ ‫لكننــا نجــد المفارقــة عندمــا يمتهــن الل ـ ُه ال�إ نسـ َ‬
‫والجنــس والخمــور فــي الجنــة! فـ إ�ن كان العقــل هــو جوهــر ال�إ نســان‪ ،‬وهــو الــذي يميــزه‬
‫عــن بقيــة المخلوقــات‪ ،‬وقــد ك ّرمــه اللــه بســببه‪ ،‬فلمــاذا ُين ِّحــي اللـ ُه العقـ َل جانبـاً عندمــا‬
‫ـان لل�إ يمــان بــه‪ ،‬و َي ِعـ ُد ُه بمتــع حيوانيــة �إن اســتجاب لــه؟! كان ال�أحــرى بهــذا‬
‫يدعــو ال�إ نسـ َ‬
‫ال�إ لــه �أن يزيــد تكريــم ال�إ نســان فــي الجنــة عــن طريــق تخليصــه مــن ســماته الحيوانيــة �أكثــر‬
‫وزيــادة نصيبــه مــن ال ِن َعــم العقليــة وال�إ دراكيــة‪ ،‬فيجعــل نعيــم الجنــة نعيمـاً عاليـاً متســامياً‬
‫مــن النــوع الــذي يليــق بالعقــل‪ .‬وطالمــا �أنــه لــم يفعــل هــذا‪ ،‬ف إ�نــه يمتهــن ال�إ نســان!‬
‫وفــي الحقيقــة‪ ،‬فالقـر�آن يحتقــر ال�إ نســان ويســتنقصه صراحــة‪ ،‬ويلصــق بــه كثيــر مــن‬
‫الصفــات المذمومــة والســلبية‪ .‬فهــو ظلــوم وجهــول وهلــوع وقتــور وكفــور وجاحــد وخصيــم‬
‫ويائــس �إلــخ‪.‬‬
‫َج ُهو ًلا ‪٧٢‬‬
‫۝ ال�أحزاب‬ ‫ ‪َ -‬و َح َم َل َها ا ْل إِ� َنسا ُن ۖ �إِنَّ ُه ك َ‬
‫َان َظ ُلو ًما‬
‫َه ُلو ًعا ‪١٩‬‬
‫۝ المعارج‬ ‫ ‪�-‬إِ َّن ا ْل إِ� َنس َان ُخ ِل َق‬
‫َق ُتو ًرا ‪١٠٠‬‬
‫۝ ال�إ سراء‬ ‫َان ا ْل إِ� َنسا ُن‬
‫ ‪َ -‬وك َ‬

‫ ‪َ -‬و َل ِئ ْن �أ َذ ْق َنا ا ْل إِ�ن َْس َان ِمنَّا َر ْح َم ًة ثُ َّم َن َز ْع َنا َها ِم ْن ُه �إِنَّ ُه َل َي ُئ ٌ‬
‫وس َكفُو ٌر ‪٩‬‬
‫۝ هود‬

‫ومــا ســبق مجــرد �أمثلــة‪ ،‬وهنــاك �آيــات �أخــرى و�أحاديــث تحتقــر ال�إ نســان وتمتهنــه‪.‬‬
‫بــل حتــى �أن �أصــل خلــق ال�إ نســان ســواء كان طينــاً ‪-‬كمــا يصــوره القــر�آن‪� -‬أو منيــاً‬
‫ـان ِم ـ َّم ُخ ِلـ َـق ‪٥‬۝ الطــارق‪.‬‬
‫يحتقــره الق ـر�آن ويمتهنــه‪َ ،‬ف ْل َي ْن ُظ ـ ِر ال�إ ن َْسـ ْ‬
‫كمــا ويحتقــر ال�إ ســلام حيــاة ال�إ نســان ويصفهــا ب�أنهــا متــاع الغــرور ولعــب ولهــو ولا‬

‫‪- 114 -‬‬


‫��������������‬

‫قيمــة لهــا‪ .‬و�أن الدنيــا ملعونــة وليســت ســوى ظــل شــجرة يقيــل ال�إ نســان تحتهــا ســاعة‬
‫مــن نهــار ثــم يرحــل‪� .‬أمــا المــوت ومــا بعــده مــن متــع حيوانيــة فهــو الغايــة وهــو النهايــة‬
‫التــي يجــب �أن ُيســخِّ ر ال�إ نســان حياتــه كلهــا مــن �أجلهــا! وهكــذا نظــرة تشــاؤمية للدنيــا‬
‫لهــا تبعــات �أمنيــة واقتصاديــة وسياســية ســيئة علــى المســلمين‪ .‬فهــي تحثّهــم علــى‬
‫احتقــار الدنيــا وعــدم �إقامــة �أي وزن لمــا فيهــا‪ ،‬وبالتالــي لا مشــكلة فــي خرابهــا طالمــا‬
‫�أن ال�آخــرة عامــرة! ولا حاجــة لبــذل قصــارى الجهــد فــي العمــل �أو فــي ال�إ بــداع �أو‬
‫العمــارة �أو الصناعــة ونحوهــا‪ ،‬بــل حســب ابــن �آدم لقيمــات يقمــن صلبــه‪ ،‬وحســبه �أن‬
‫يمســي �آمنـاً عنــده قــوت يومــه‪ .‬وهكــذا نظــرة تجعــل المســلم �أســيراً للاســتبداد �أيضـاً‪،‬‬
‫لا ي�أبــه بمــن يقــوده �أو يتولــى زمــام �أمــره‪ .‬فغايــة ُم َنــا ُه لقمــة يســد بهــا جوعــه وســقفاً فــوق‬
‫ر�أســه‪ ،‬حتــى و �إن تنــازل فــي مقابلهــا عــن حريتــه وحقوقــه! وبهــذا يحكــم ال�إ ســلام علــى‬
‫الح َقــار فــي الدنيــا‪ ،‬وبالحيوانيــة والشــهوانية فــي ال�آخــرة!‬ ‫المســلم بالــذل و َ‬

‫۞الانتهازية‬
‫قســم المســلمون الســيرة النبويــة �إلــى فترتيــن‪ :‬مكيــة و مدنيــة‪ .‬اتســمت الفتــرة‬‫ُي ِّ‬
‫المكيــة بالدعــوة الســلمية‪ ،‬وجــاء محمــد خلالهــا بالعديــد مــن ال�آيــات التــي تدع ـوا‬
‫الســلم والتعايــش‪ ،‬مثــل‪:‬‬
‫�إلــى ِّ‬
‫َي ْع َل ُم َ‬
‫ون ‪٨٩‬‬
‫۝ الزخرف‬ ‫َاصف َْح َع ْن ُه ْم َوقُ ْل َس َلا ٌم ف ََس ْو َف‬
‫ ‪-‬ف ْ‬
‫بِ ُم َص ْي ِط ٍر ‪٢٢‬‬
‫۝ الغاشية‬ ‫نت ُم َذ ِّك ٌر ‪٢١‬۝ لَّ ْس َت َع َل ْي ِهم‬ ‫ ‪-‬ف ََذ ِّك ْر �إِنَّ َم�آ �أ َ‬
‫ص َب َر �أ ْولُو ْا ا ْل َع ْز ِم ِم َن ال ُّر ُسلِ ‪٣٥‬‬
‫۝ ال�أحقاف‬ ‫َاص ِب ْر َك َما َ‬ ‫ ‪-‬ف ْ‬
‫ـت تُ ْك ـ ِر ُه‬ ‫ـك َل�آ َمـ َـن َمــن فِــي ا ْل�أ ْر ِ‬
‫ض ُكلُّ ُه ـ ْم َج ِمي ًعــا �أ َف�أنـ َ‬ ‫ ‪َ -‬و َل ـ ْو شَ ــا َء َربُّـ َ‬
‫۝ يونــس‬ ‫ـن ‪٩٩‬‬‫ـاس َحتَّـ ٰـى َي ُكونُ ـوا ُم ْؤ ِم ِنيـ َ‬ ‫النَّـ َ‬
‫ولكــن الوضــع تغيــر بعــد �أن انتقــل محمــد �إلــى المدينــة وبــد�أ فــي تكويــن قــوة ْ‬
‫وجمــع‬

‫‪- 115 -‬‬


‫��������������‬

‫الس ـ ْل ِم َو�أن ُت ـ ُم ا ْل�أ ْع َل ـ ْو َن‬


‫المقاتليــن حولــه‪ .‬فجــاءت �آيــة مثــل‪َ :‬ف ـ َلا َت ِه ُن ـوا َو َت ْد ُع ـوا �إِ َلــى َّ‬
‫َواللَّ ـ ُه َم َع ُك ـ ْم َو َلــن َي ِت َر ُك ـ ْم �أ ْع َما َل ُك ـ ْم ‪٣٥‬۝ محمــد‪ .‬كمــا نزلــت �آيــة الســيف التــي تحدثنــا‬
‫عنهــا ســابقاً‪ ،‬والتــي نســخت جميــع �آيــات التســامح والســلام و�أوجبــت نشــر ال�إ ســلام‬
‫بالقتــال!‬
‫فكيــف ل�إ لــه ‪-‬يدّعــي الرحمــة والعــدل‪� -‬أن يكــون انتهازي ـاً وبــلا مبــادئ هكــذا؟!‬
‫يشـ ّرع التســامح ثــم ينســخه بالعنــف! كيــف يســمح لعبــاده بمهادنــة النــاس والتســامح‬
‫معهــم و �إعطائهــم حريــة العقيــدة الدينيــة وقــت الضعــف والعجــز‪ .‬ثــم عندمــا يتقــوى‬
‫عبــاده بالســلاح‪ ،‬ي�أمرهــم بنبــذ التســامح و �إلغــاء الحريــة الدينيــة‪ ،‬ويشــرعن لهــم القتــال‬
‫و�أخــذ الجزيــة والغنائــم والعبيــد والج ـواري؟! هــذه التشــريعات تجعــل المســلمين بــلا‬
‫مبــادئ‪ ،‬فالســلام والتعايــش وقبــول الاختــلاف ليســت مبــادئ راســخة عنــد ال�إ لــه‪ ،‬بــل‬
‫هــي ضــرورة مرحليــة فقــط تحتمهــا حالــة الضعــف التــي يعانيهــا المســلمون! ومتــى مــا‬
‫اســتطاعوا التخلــص مــن ضعفهــم‪ ،‬ف ـ إ�ن للمســلمين ال�إ نقــلاب علــى تلــك المبــادئ‬
‫الكاذبــة‪ ،‬وممارســة الغــزو والســبي والاســتعلاء علــى ال�أخريــن وقهرهــم‪ ،‬كمــا فعــل‬
‫محمــد وشــرعن لــه اللــه فــي الق ـر�آن!‬
‫لا يمكــن �أن يكــون ال�إ لــه العــادل ‪-‬علــى افتـراض وجــوده‪ُ -‬مخا ِدعـاً وانتهازيـاً وبــلا‬
‫مبــادئ هكــذا! وهــذا يجعلنــا نســتنتج �أن ال�إ ســلام ليــس �إلا ديــن بشــري‪ ،‬ارتســمت‬
‫تشــريعاته مــع تطــور ال�أحــداث وبمــا يحقــق مصالــح و�أطمــاع الجماعــة المؤسســة لــه‪.‬‬

‫۞النرجسية ووهم التميز‬


‫ينطلــق ال�إ ســلام مــن كونــه الديــن الخاتــم لل�إ لــه العظيــم العالِــم بــكل شــيء والخالــق‬
‫لــكل شــيء‪ .‬وبالتالــي فهــو ديــن كامــل تمامـاً‪ ،‬مطلــق الصـواب ومطلق الخير‪ ،‬يســتحيل‬
‫�أن يحتــوي علــى �أي خط ـ�أ �أو نقــص �أو عيــب! وبالتالــي‪ ،‬فمــن يعتنقــه فقــد اصطــف‬

‫‪- 116 -‬‬


‫��������������‬

‫فــي الجانــب الصحيــح‪ ،‬جانــب اللــه الحــق القــوي؛ و�أن مــن يرفضــه فقــد اصطــف فــي‬
‫الجانــب الخطـ�أ‪ ،‬جانــب الشــيطان الباطــل الضعيــف‪ .‬هــذا التصــور ال�إ ســلامي المبالــغ‬
‫فيــه بالكمــال يــزرع تلقائيـاً فــي نفــس المســلم نرجســية َم َر ِض َّيــة‪ ،‬تجعلــه يتصــور نفســه‬
‫�أعلــى مــن بقيــة البشــر‪ ،‬و�أحــق منهــم فــي الاســتفادة مــن خيـرات ربــه الموهــوم‪ .‬وهــذا‬
‫بالتالــي يجعــل التمييــز بيــن المســلمين وبيــن غيرهــم حقـاً طبيعيـاً فــي نظــر المســلم‪ ،‬لا‬
‫يــرى فيــه �أي هضــم للحقــوق ولا �أي �إســاءة �أخلاقيــة!‬
‫وفــي نفــس الوقــت‪ ،‬فــ إ�ن هــذا التعالــي والتشــ ّبع ال َمرضــي بال�أنــا ُيضا ِعــف مــن‬
‫�ألــم المســلم النفســي عندمــا يــرى ال�أمــم والمجتمعــات «الكافــرة» �أكثــر ســعادة ورقيـاً‬
‫وعلم ـاً وقــوة منــه! وبــدلاً مــن �أن يبحــث عــن ال�أســباب الحقيقيــة فــي دينــه ومنظومتــه‬
‫الفكريــة وال�أخلاقيــة التــي �أعاقتــه عــن اللحــاق بركــب تلــك ال�أمــم علــى مــدى قــرون‪،‬‬
‫ف إ�نــه ينشــغل بتتبــع �أخطاءهــم واســتنقاصهم واختــلاق المثالِــب لهــم‪ ،‬فقــط مــن �أجــل‬
‫�إقنــاع نفســه ب�أنــه مــا يـزال �أفضــل منهــم‪ ،‬وبالتالــي �إرضــاء غــروره والحفــاظ علــى زهــرة‬
‫النرجــس يانعــة بداخلــه!‬
‫�إن دين ـاً مــن عنــد ال�إ لــه الحــق الحكيــم لــن يحتــوي علــى هــذه العلــة ال�أخلاقيــة‬
‫والعقليــة‪ .‬بــل كان ســينظر للبشــر كسواســية‪ ،‬وكان ســيجعل مــن �أتباعــه قــدوة فــي‬
‫الت�آخــي ال�إ نســاني والتســامح بيــن المختلفيــن‪ .‬فال�إ نســان الســوي يبحــث عــن المحبــة‬
‫والســلام والتعايــش‪ .‬وال�إ لــه الحــق الســوي كان ســيعزز هــذا التوجــه بيــن خلقــه‪ ،‬ولــن‬
‫يبــذر بينهــم بــذور التعالــي والتفرقــة والتمييــز بنــا ًء علــى معتقداتهــم فقــط‪ .‬فال�إ لــه العــارف‬
‫بطبيعــة النفــس البشــرية كان ســيعلم �أن ِ‬
‫الكـ ـ ْبر والتعالــي علــى ال�آخريــن لــن ُيث ِمــر �إلا‬
‫�أمراضـاً نفســية و�أحقــاد وكراهيــة‪ .‬وســيعود هــذا بالضــرر علــى النرجســي المغــرور‪ ،‬فيعيــش‬
‫فــي هــم وشــقاء �إن لــم يتحقــق لــه مــا يريــد‪ .‬كمــا قــد يدفــع هــذا الشــعور ب�أصحابــه �إلــى‬
‫صناعــة ال�أعــداء‪ ،‬وبالتالــي �إلــى اقتـراف جرائــم تتســبب فــي معانــاة وم�آســي!‬

‫‪- 117 -‬‬


‫��������������‬

‫۞الابتزاز العاطفي‬
‫َتحدَّثنــا عــن الابتـزاز العاطفــي الــذي يمارســه ال�إ ســلام علــى النــاس عنــد حديثنــا عــن‬
‫تعطيــل العقــل وســلب الحريــة‪ .‬وقلنــا �أن ال�إ ســلام يمــارس التهديــد بالعــذاب لتخويــف‬
‫النــاس و �إرغامهــم علــى القبــول بــه‪ .‬وســنتناول هنــا نوعـاً �آخـراً مــن الابتـزاز العاطفــي‪� ،‬ألا‬
‫وهــو «ال َمـ ّـن» الــذي يعنــي‪ :‬التذكيــر بالفضــل وال�إ حســان‪ .‬فال�إ ســلام يقــول للنــاس‪� :‬آمنـوا‬
‫باللــه الــذي َتف ََّض ـ َل عليكــم و�أ ْن َعــم‪ ،‬و �إن لــم تفعل ـوا فســتكونون حينهــا خونــة جاحديــن‬
‫لنعمــة ربكــم وناكريــن لفضلــه!‬
‫وال�أمثلة على هذا الابتزاز العاطفي كثيرة في القر�آن‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ـت اللّ ـ ِه لاَ تُ ْح ُصو َهــا �إِ َّن‬
‫ ‪َ -‬و�آ َتا ُكــم ِّمــن ُك ِّل َمــا َس ـ�أ ْل ُت ُمو ُه َو �إِن َت ُع ـ ُّدو ْا نِ ْع َمـ َ‬
‫ـان َل َظ ُلــو ٌم َك َّفــا ٌر ‪٣٤‬۝ �إبراهيــم‪.‬‬ ‫إِال� َنسـ َ‬
‫ـان لِ َربِّـ ِه َل َك ُنــو ٌد ‪٦‬۝ العاديــات‪ .‬والمفســرون فســروا «كنــود» علــى‬ ‫ ‪�-‬إِ َّن ا ْل إِ� َنسـ َ‬
‫احــد‪.‬‬ ‫�أنهــا تعنــي‪َ :‬ج ِ‬
‫ون ‪٨٣‬۝ النحل‪.‬‬ ‫ُون نِ ْع َم َت اللَّ ِه ثُ َّم ُي ْن ِك ُرو َن َها َو أ� ْك َث ُر ُه ُم ا ْل َكافِ ُر َ‬
‫ ‪َ -‬ي ْع ِرف َ‬
‫ـاح ُبشْ ـ ًرا َب ْيـ َـن‬ ‫ ‪�-‬أ َّمـ ْـن َي ْه ِدي ُكـ ْم فِــي ُظ ُل َمـ ِ‬
‫ـات ا ْل َبـ ِّر َوا ْل َب ْحـ ِر َو َمـ ْـن ُي ْر ِسـ ُل ال ِّر َيـ َ‬
‫ُون ‪٦٢‬۝ النمــل‪.‬‬ ‫َيـد َْي َر ْح َم ِتـ ِه �أ�إِ َلـ ٌه َمـ َـع اللَّـ ِه َت َعا َلــى اللَّـ ُه َع َّمــا ُيشْ ـ ِرك َ‬
‫ ‪-‬قُـ ْل ُهـ َو الَّـ ِذي �أنْشَ ـ�أ ُك ْم َو َج َعـ َل َل ُكـ ُم َّ‬
‫السـ ْـم َع َوا ْل�أ ْب َصــا َر َوا ْل�أ ْف ِئـ َد َة َق ِليـ ًلا‬
‫ون ‪٢٣‬۝ الملــك‪.‬‬ ‫َمــا َتشْ ـ ُك ُر َ‬
‫ـك ف ََس ـ َّواكَ‬ ‫ـك ا ْل َكرِي ـ ِم ‪٦‬۝ الَّ ـ ِذي َخ َل َقـ َ‬ ‫ ‪َ -‬يــا �أيُّ َهــا ا ْل إِ�ن َْســا ُن َمــا َغ ـ َّركَ بِ َربِّـ َ‬
‫ــك ‪٧‬۝ الانفطــار‪.‬‬ ‫َف َع َد َل َ‬
‫ويظهــر مــن هــذه ال�أمثلــة وغيرهــا �أن القـر�آن يريــد اســتدرار عطــف النــاس علــى ال�إ لــه‪،‬‬
‫ويدفعهــم �إلــى ال�إ يمــان بــه مــن بــاب الاعت ـراف بفضلــه‪ .‬وك�أن ال�إ لــه « َيتعشَّ ــم» مــن‬
‫البشــر �أن يعترفـوا بفضلــه الســابق عليهــم‪ ،‬و�أن َيـ ُر ُّدوا ذلــك الفضــل علــى شــكل عبادتــه‬
‫‪- 118 -‬‬
‫��������������‬

‫والخضــوع لــه‪ .‬فـ إ�ن لــم يفعلـوا‪ ،‬ف إ�نــه يريدهــم حينهــا �أن ينظــروا ل�أنفســهم نظــرة دونِّيــة‪.‬‬
‫فغيــر المؤمــن بحســب القـر�آن هــو فــي مقــام الخائــن للعهــد وال ُم ْن ِكـــر للفضــل والجاحــد‬
‫للجميــل‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فعلــى غيــر المؤمــن �أن يشــعر بالخــزي والعــار‪.‬‬
‫�إن ال�إ ســلام هنا يحاول اســتغلال مشــاعر ال�إ نســان النبيلة من �أجل تطويعه و �إخضاعه‬
‫لســيطرته‪ .‬فال�إ نســان الخ ِّيــر لا يريــد �أن يكــون ناك ـراً للجميــل‪ ،‬بــل يريــد مجــازاة مــن‬
‫يســدي لــه المعــروف‪ .‬فـ إ�ن جــاء ال�إ ســلام وقــال لــه‪« :‬كل مــا �أنــت فيــه مــن نعمــة وخيــر‬
‫هــو مــن عنــد كائــن غيبــي اســمه اللــه‪ ،‬وعليــك الخضــوع لهــذا الكائــن الغيبــي لمجازاتــه‬
‫تفضــل بــه عليــك»‪ .‬فــي هــذه الحالــة‪ ،‬قــد يســتجيب ال�إ نســان َ‬
‫الخ ِّيــر رغبــة منــه‬ ‫علــى مــا َّ‬
‫فــي الاعتـراف بفضــل ذلــك ال�إ لــه ومجازاتــه علــى نعمائــه!‬
‫وبالطبــع لــن يســتجيب جميــع النــاس لهــذا النــوع مــن الابتـزاز‪ .‬فهــم لا يعرفــون هــذا‬
‫ال�إ لــه الــذي يحــاول ال�إ ســلام �إقناعهــم بــه‪ .‬كمــا �أنهــم لــم يطلبـوا منــه �أي فضــل �أو جميــل‬
‫�أصــلاً‪ .‬فـ إ�ن كان هــذا ال�إ لــه قــد قــام مــن تلقــاء نفســه بخلــق النــاس و�أعطاهــم النِّعــم مــن‬
‫غيــر سـؤال‪ ،‬فلمــاذا ُي َح ِّملهــم ِو ْز َر قراراتــه؟!‬
‫ومــع الذيــن لا ينفــع معهــم هــذا النــوع مــن الابتـزاز العاطفــي‪ ،‬ينتقــل ال�إ ســلام �إلــى‬
‫نــوع �آخــر مــن الابتـزاز وهــو التهديــد بالعــذاب‪ .‬فـ إ�ن لــم ينفــع �أيضـاً‪ ،‬انتقــل �إلــى العــداء‬
‫وال�إ هانــة وحتــى القتــال! فهــل ال�إ لــه عاجــز عــن تقديــم �أدلــة عقليــة علــى صحــة دينــه‪،‬‬
‫فيلجـ�أ بالتالــي لهــذه ال�أســاليب و ِ‬
‫الح َيــل؟ وهــل ال�إ لــه الــذي وهــب العقــل لل�إ نســان يريــد‬
‫�أن يتخلــى ال�إ نســان عــن عقلــه ويؤمــن بــه بدافــع الشــفقة‪ ،‬بدافــع الخــوف‪ ،‬بدافــع الشــك‬
‫والاحتمــالات((( بــدلاً مــن ال َت�أ ُّكـ ِد واليقيــن؟‬

‫((( نتذكر هنا «رهان باسكال» الذي يلج�أ له كثير من المؤمنين بال�أديان لتبرير �إيمانهم‪.‬‬
‫‪- 119 -‬‬
‫��������������‬

‫۞ أ�خلاق محمد‬
‫ينظــر المســلمون �إلــى نبــي ال�إ ســلام «محمــد» كقــدوة �أخلاقيــة(((‪ ،‬فهــو الــذي‬
‫ـك َل َع َلـ ٰـى‬
‫يتمثَّــل ب�أخــلاق القـر�آن فــي شـ�أنه كلــه! بــل هــذا مــا يشــهد بــه القـر�آن لــه‪َ :‬و �إِنَّـ َ‬
‫ُخ ُلــقٍ َع ِظي ـ ٍم ‪٤‬۝ القلــم‪.‬‬
‫ولكننــا نجــد الكثيــر مــن الم�آخــذ ال�أخلاقيــة علــى هــذه القــدوة المزعومــة‪ .‬و�أول‬
‫م�أخــذ علــى هــذا الشــخص هــو تمييــزه لنفســه بتشــريعات خاصــة تتعلــق بالنســاء((( دونـاً‬
‫عــن بقيــة المســلمين‪ ،‬حيــث‪:‬‬
‫ ‪�-‬أباح لنفسه الجمع بين �أكثر من �أربع زوجات‪.‬‬
‫ ‪�-‬أباح الزواج من طليقة ابنه بالتبني‪ ،‬زينب بنت جحش(((‪.‬‬
‫ ‪-‬ســمح لنفســه بالــزواج مــن النســاء مــن غيــر ولــي ولا شــهود‪ ،‬مثــل‬
‫جويريــة بنــت الحــارث‪.‬‬
‫ ‪�-‬أجاز عقد قرانه على ميمونة بنت الحارث وهو ُمحرِم‪.‬‬
‫ ‪-‬شــرع للنســاء �أن يهبنــه �أنفســهن‪ .‬وكان يقبــل الجميــلات منهــن‪ ،‬مثــل‬

‫((( وقع كثير من المسلمين تحت ت�أثير الدعاية الدينية التي تص ّور النبي في غاية الكمال البشري‪ .‬ولو‬
‫�أنهم قارنوا بين �أخلاقهم و�أخلاق محمد لوجدوا �أنهم �أرقى �أخلاقاً منه! ف َمن ِمن المسلمين اليوم يرضا‬
‫ب�إرسال سرايا للاغتيال �أو لقتال ال�آمنين والاستيلاء على �أموالهم؟ وكم منهم يرضا باغتصاب �أسيرات‬
‫الحروب �أو بيعهن؟‬
‫((( يحتج المسلمون كثيراً بقصة «خديجة» ويستخدمونها كدليل على كون محمد لم يكن رجلاً‬
‫شهوانياً‪ .‬وهم هنا ُيك ِّذبون محمداً الذي قال عن نفسه‪ :‬حبب � ّإلي من دنياكم الطيب والنساء! كما‬
‫�أنهم يتجاهلون مكانة خديجة وعدم قدرته على الزواج عليها‪ .‬فخديجة �أرادت شاباً لنفسها وخطبت‬
‫محمداً الذي وافق بعدما لم يقبل تزويجه �أحد‪ .‬ولقد كانت تصرف عليه؛ كما �أقنعته ب�أنه نبي‪.‬‬
‫((( لم يكن ثمة حاجة تشريعية ل�إ باحة زواج ابنة الابن بالتبني‪ .‬وذلك ل�أن محمد قد �ألغى التبني‬
‫�أصلاً‪ ،‬كما لم يكن في العرب حينها رجال يريدون الزواج من زوجات �أبناءهم! وبهذا نفهم �أن محمداً‬
‫�أراد تحليل ال�أمر لنفسه فقط بعدما �أعجبته زينب‪ ،‬و�أراد �إظهار ذلك كتشريع عام فيه تخفيف عن‬
‫اج �أ ْد ِع َيائِ ِه ْم �إِذَا ق ََض ْوا ِم ْن ُه َّن َو َط ًرا»!‬
‫ون َع َلى ا ْل ُمؤْ ِم ِن َين َح َر ٌج فِي �أ ْز َو ِ‬
‫الناس‪« ،‬لِ َك ْي َلا َي ُك َ‬
‫‪- 120 -‬‬
‫��������������‬

‫غزيــة بنــت جابــر الدوســية‪ ،‬ويرفــض القبيحــات!‬


‫وبال�إ ضافــة للمميـزات التشــريعية‪ ،‬فقــد كان لــه تعامــلات غيــر �أخلاقيــة مــع النســاء‪،‬‬
‫ومــن �أمثلتهــا مــا يلــي‪:‬‬
‫ ‪-‬الــزواج مــن الطفلــة عائشــة وهــي بعمــر ‪ ٦‬ســنوات ومعاشــرتها جنســياً‬
‫وهــي بعمــر ‪ ٩‬ســنوات!‬
‫ ‪�-‬أســر صفيــة بنــت حيــي ومعاشــرتها جنســياً فــي الطريــق وهــو عائــد مــن‬
‫معركــة خيبــر التــي قتــل فيهــا عائلتهــا!‬
‫ ‪-‬قبوله للنساء كهدايا ومعاشرتهن جنسياً‪ ،‬مثل ماريا القبطية‪.‬‬
‫ولــم يقتصــر اســتغلاله الجنســي للنســاء عنــد هــذا الحــد‪ ،‬بــل ســمح بــه لصحابتــه‪.‬‬
‫ففــي ســرية «�أوطــاس»‪� ،‬أســر صحابتــه عــدداً مــن النســاء المتزوجــات‪ .‬وكان مــن عــادة‬
‫العــرب عــدم وطء ال�أســيرة المتزوجــة‪ ،‬ولكــن محمــد ســمح ل�أتباعــه بممارســة الجنــس‬
‫معهــن منــذ تلــك الحادثــة! و�أنــزل لهــم �آيــة تبيــح ذلــك وتريحهــم مــن �أي ت�أنيــب‬
‫ـات ِمـ َـن النِّ َســا ِء �إِ َّلا َمــا َم َل َكـ ْ‬
‫ـت �أ ْي َمانُ ُكـ ْم ‪٢٤‬۝ النســاء‪.‬‬ ‫للضميــر‪ ،‬حيــث قــال‪َ :‬وا ْل ُم ْح َص َنـ ُ‬
‫جانــب �آخــر مــن �أخــلاق محمــد يظهــر فــي ميلــه للعنــف واســتعباد النــاس و�أخــذ‬
‫�أراضيهــم و�أموالهــم ب�أوهــى ال�أعــذار‪ .‬فلــو نظرنــا �إلــى �أســباب غزواتــه‪ ،‬لوجدنــاه مثــلاً‬
‫كان جالس ـاً ذات يــوم �إلــى جانــب جــدار وهــو فــي نقــاش مــع يهــود بنــي النضيــر‪.‬‬
‫وفجـ�أة نهــض وغــادر بســرعة عائــداً �إلــى المدينــة! وعندمــا لحــق بــه صحابتــه وسـ�ألوه‪:‬‬
‫نهضــت ولــم نشــعر بــك! قــال لهــم بـ�أن جبريــل جــاء و�أخبــره عــن خطــة اليهــود لقتلــه!‬
‫هكــذا‪ ،‬مــن غيــر لا دليــل ولا بــ ّينة! فقــط جبريــل الــذي لا يـراه غيــره جــاء و�أخبــره! ولقــد‬
‫صدَّقــه الصحابــة طبعـاً‪ ،‬خاصــة بعدمــا علمـوا �أن هــذه التهمــة ســتكون مبــرراً لغــزو بنــي‬
‫النضيــر والاســتيلاء علــى بيوتهــم و�أموالهــم ومزارعهــم! وتكــرر اختــلاق مثــل هــذا الســبب‬
‫المتهافــت لغــزو قبائــل �أخــرى والاســتيلاء علــى �أملاكهــا‪.‬‬

‫‪- 121 -‬‬


‫��������������‬

‫جانــب �آخــر مــن ميلــه للعنــف يظهــر فــي عقوبــة «ال ُعرنييــن» الوحشــية الذيــن قَتلـوا‬
‫الراعــي وســرقوا الماشــية‪ .‬حيــث قــام محمــد بِ َسـ ْـم ِل �أعينهــم (خزقهــا) وقطــع �أيديهــم‬
‫الح َّــرة ينزفــون دمــاً تحــت لهيــب الشــمس دون حتــى �أن‬ ‫و�أرجلهــم‪ ،‬ورماهــم فــي َ‬
‫يســقيهم المــاء‪� ،‬إلــى �أن مات ـوا!‬
‫وهنــاك الكثيــر والكثيــر ممــا يمكــن ذكــره عــن �أخــلاق محمــد واســتخدامه للوهــم‬
‫(اللــه وجبريــل) فــي الخــداع مــن �أجــل الوصــول �إلــى غاياتــه‪ ،‬وممارســة الاغتيــال‬
‫السياســي‪ ،‬و �إرســال سـرايا الســطو والنهــب‪ ،‬واســتئثاره بال�أمـوال‪ ،‬وغيــر هــذا‪ .‬فهــل هــذا‬
‫هــو القــدوة ال�أخلاقيــة التــي يتخذهــا المســلمون لهــم؟ عجب ـاً مــن هــذا!‬

‫***‬

‫‪- 122 -‬‬


‫أ�خطاء إ‬
‫ال�سلام‬
‫ُيل ِقــي المســلمون باللائمــة دائمـاً فــي تــردي �أوضاعهــم وتخلّــف مجتمعاتهــم وتدهــور‬
‫اقتصاداتهــم علــى عــدم تطبيقهــم لل�إ ســلام كمــا ينبغــي! ويظنــون �أن تطبيــق ال�إ ســلام‬
‫‪-‬الــذي هــم غيــر متفقيــن عليــه �أصــلاً‪ -‬ســيحل جميــع مشــاكلهم ويضعهــم علــى‬
‫مســار التطــور والرفــاه! وهــم يبنــون �أحلامهــم هــذه علــى مجــرد دعايــات ســمعوها‬
‫مــن الدعــاة وال ُو َّعــاظ و�أعضــاء ال�أحـزاب والجماعــات الدينيــة! �إذ �أن الواقــع النظــري‬
‫للتشــريعات ال�إ ســلامية والتجربــة التاريخيــة يكشــفان لنــا عــن الكثيــر مــن ال�أخطــاء‬
‫وال�إ شــكالات‪ ،‬والتــي ســوف تكــون كارثيــة فيمــا لــو تــم تطبيقهــا اليــوم‪ .‬وفــي هــذا‬
‫البــاب ســنحاول التعــرف علــى بعــض هــذه ال�أخطــاء فــي مجا َلـ ّـي التشــريع والعلــم‪.‬‬

‫۞التعقيد والصعوبة‬
‫يعانــي ال�إ ســلام مــن التعقيــد والصعوبــة علــى صعيــد الخطــاب (النصــوص الدينيــة)‬
‫وعلــى صعيــد التشــريعات العقائديــة والفقهيــة‪ .‬وهــذا التعقيــد َيعنــي حاجــة ال�إ نســان‬
‫لوقــت ولجهــد مــن �أجــل دراســته وفهمــه والت�أكــد مــن كونــه الديــن الصحيــح‪ .‬فالمفتــرض‬
‫بال�إ نســان العاقــل الت�أكــد مــن كــون الديــن الــذي يعتنقــه هــو ديــن صحيــح بــلا �أخطــاء!‬
‫ول�أن �أغلــب البشــر لا يملكــون الوقــت والجهــد والرغبــة اللازمــة للقيــام بذلــك‪ ،‬فـ إ�ن هــذا‬
‫ســيؤدي ل�إ يمــان �أغلــب البشــر بالتلقيــن �أو بدافــع العــادة �أو المصلحــة فقــط‪.‬‬
‫مــن جانــب �آخــر‪ ،‬فـ إ�ن صعوبــة الديــن ســتؤدي لوجــود «رجــال ديــن» متخصصيــن‬
‫فــي الديــن ودراســته وحــل مشــكلاته وتناقضاتــه ومواءمتــه مــع المســتجدات‪ ،‬وســيكون‬
‫هــؤلاء المرجــع لبقيــة النــاس‪ .‬ولكــون رجــال الديــن مــن البشــر‪ ،‬فــ إ�ن هــذا ســيفتح‬
‫البــاب �أمامهــم لاســتغلال مكانتهــم واتّبــاع النــاس لهــم مــن �أجــل تحقيــق �أطماعهــم‬

‫‪- 123 -‬‬


‫��������������‬

‫ومصالحهــم الخاصــة‪ ،‬ممــا قــد يعــود علــى بقيــة النــاس بالضــرر‪ .‬ومــن جهــة �أخــرى‪،‬‬
‫فـ إ�ن وجــود رجــال الديــن يجعــل ثمــة واســطة بيــن العبــد وربــه‪ ،‬وهــذا مــا يقــول ال�إ ســلام‬
‫�أنــه يحاربــه‪ ،‬ولكنــه فــي الواقــع يطبـّــقه!‬
‫كمــا ينتــج عــن التعقيــد اختلافــات وتباينــات علــى فهــم الديــن وتطبيقــه‪ ،‬ممــا‬
‫يــؤدي �إلــى العــداء والتناحــر بيــن المســلمين كمــا هــو مشــاهد ومعــروف‪ .‬وهــذا يعنــي‬
‫�أن تعقيــد الديــن هــو عيــب خطيــر تســبب ولايـزال يتســبب فــي اضطـراب المجتمعــات‬
‫ال�إ ســلامية وتضعضعهــا‪.‬‬

‫۞النقص التشريعي‬
‫ــن تشــريعاتهم‬ ‫يكتــف ال�إ ســلام بوضــع مبــادئ كُل ّيــة عامــة تتيــح للنــاس َس ّ‬ ‫ِ‬ ‫لــم‬
‫بِ ُحريّــة‪ ،‬بــل جــاء بتشــريعات تفصيليــة كثيــرة فــي القـر�آن والســنة‪ .‬وعلــى الرغــم مــن زعــم‬
‫ـت َل ُكـ ْم ِدي َن ُكـ ْم َو�أ ْت َم ْمـ ُ‬
‫ـت َع َل ْي ُكـ ْم‬ ‫القـر�آن بـ�أن الديــن قــد اكتمــل فــي قولــه‪ :‬ا ْل َيـ ْو َم �أ ْك َم ْلـ ُ‬
‫ـت َل ُكـ ُم ا ْل إِ� ْسـ َلا َم ِدي ًنــا ‪٣‬۝ المائــدة‪� ،‬إلا �أن هــذا الديــن يعانــي مــن نقــص‬ ‫نِ ْع َم ِتــي َو َر ِضيـ ُ‬
‫تشــريعي واضــح‪ .‬فليــس هــو بالديــن الــذي اكتفــى بالكليــات والعموميــات‪ ،‬وليــس هــو‬
‫بالــذي ق ـدَّم تشــريعات كاملــة عندمــا دخــل فــي التفاصيــل! بــل تــرك ال�أمــر فــي كثيــر‬
‫مــن جوانبــه فــي حالــة بينــ َّية! وتــزداد المشــكلة عمقـاً �إذا مــا علمنــا �أن هــذا الديــن يطرح‬
‫نفســه كديــن خا َتــم يســتمر مــع البشــرية �إلــى نهايــة الوجــود‪ ،‬وبالتالــي ســيكون ُمل َزم ـاً‬
‫بتوفيــر التشــريعات الملائمــة طـوال التاريــخ!‬
‫�إن الناظــر فــي تاريــخ ال�إ ســلام وواقعــه‪ ،‬يجــده محتاجاً على الــدوام لل�إ تمام والتكميل‬
‫عبــر الاجتهــاد واســتحداث تشــريعات لــم تكــن منــه �أصــلاً‪ .‬ومثــال ذلــك مــا تــم فــي‬
‫عهــد عمــر بــن الخطــاب مــن �إكمــال التشــريعات الخاصــة بالمواريــث (الفرائــض)‪.‬‬
‫ومــا اســتحدثه فقهــاء المذاهــب مــن تشــريعات تفصيليــة لل�أحــكام الفقهيــة المتعــددة‪،‬‬

‫‪- 124 -‬‬


‫��������������‬

‫فيمــا يتعلــق مثــلاً بشــؤون ال�أحـوال الشــخصية وحقــوق ال�أطفــال �أو المعامــلات الماليــة‬
‫والتجاريــة �أو ال�أنظمــة السياســية‪ .‬ولــم يقــف نقــص التشــريعات علــى الفقــه‪ ،‬بــل شــمل‬
‫النواحــي العقائديــة والفلســفية المتعلقــة ب إ�ثبــات ضــرورة وجــود الخالــق وال�إ يمــان بالقضاء‬
‫والقــدر وبالغيبيــات وغيرهــا‪ ،‬حيــث يســتعين المســلمون علــى الــدوام بمــا عنــد �أصحــاب‬
‫الديانــات والفلســفات ال�أخــرى للبرهنــة علــى معتقداتهــم ومــا يؤمنــون بــه مــن غيبيــات‬
‫مثــل حاجــة ال�أخــلاق والتشــريعات للمصــدر الدينــي‪.‬‬
‫ولقــد �أدى كل هــذا النقــص �إلــى ظهــور الفــرق والمذاهــب فــي ال�إ ســلام‪ ،‬وبالتالــي‬
‫�إلــى نشــوب اختلافــات وخلافــات لا حصــر لهــا بيــن المســلمين! وذلــك ل�أن كل‬
‫طــرف منهــم يضــع تشــريعاً ثــم ينســبه للديــن‪ .‬ثــم يعــادي مخالفيــه ل�أنهــم يخالفــون‬
‫الديــن!‬
‫لــو �أن ال�إ ســلام اكتفــى بترســية المبــادئ ال�أخلاقيــة العامــة التــي ترتكــز عليهــا غالبيــة‬
‫تعامــلات البشــر‪ ،‬ولــم يدخــل فــي معمعــة التفاصيــل و َتـ َـركَ ذلــك للنــاس‪ ،‬لــكان حــق‬
‫التشــريع متــاح للجميــع كمــا هــو معمــول بــه عنــد �أمــم كثيــرة اليــوم‪ .‬و َل َوفّــر ال�إ ســلام‬
‫علــى المســلمين الكثيــر مــن الحــروب والدمــاء والعــداوات‪.‬‬

‫۞الجهاد‬
‫مــن �أبــرز �أخطــاء ال�إ ســلام التشــريعية تشــريع العــدوان المسـلَّح علــى ال�آخريــن تحــت‬
‫مســمى «جهــاد الطلــب»‪ .‬ولــو حاولنــا فهــم هــذا التشــريع وفــق ادعــاءات ال�إ ســلام‪،‬‬
‫ف إ�ننــا ســنجد صعوبــة فــي فهــم دوافــع ال�إ لــه فــي الطلــب مــن خلقــه المؤمنيــن قتــال‬
‫خلقــه الكافريــن! هــل هــذا ال�إ لــه عاجــز عــن �إقنــاع البشــر بالحجــة والبرهــان؟ �أم هــو‬
‫يســتعجل دخولهــم فــي دينــه ولا يريــد انتظارهــم حتــى يقتنعـوا مــن تلقــاء �أنفســهم؟ و �إن‬
‫كان مســتعجلاً‪ ،‬فلمــاذا انتظــر لعش ـرات ال�آلاف مــن الســنين منــذ بــدء الخليقــة ولــم‬

‫‪- 125 -‬‬


‫��������������‬

‫يرســل محمــداً �إلا قبــل ‪ ١٤‬قرنـاً فقــط وســط صحـراء نائيــة؟!‬


‫و �إن لــم يكــن ال�إ لــه عاجـزاً ولا مســتعجلاً‪ ،‬فلمــاذا يريــد �إثــارة العــداوات بيــن خلقــه؟‬
‫هــل جـ ّرب ال�إ لــه جميــع طــرق الدعــوة مــع ال�أنبيــاء الســابقين‪ ،‬بمــا فيهــا المعجـزات ولــم‬
‫تفلــح‪ ،‬ثــم لــم يجــد وســيلة لفــرض دينــه �إلا بالقــوة؟ وهــل هــو عاجــز عــن فــرض دينــه‬
‫بالقــوة مــن تلقــاء نفســه حتــى يســتخدم خلقــه المؤمنيــن لهــذه المهمــة؟!‬
‫�إن العقــل والضميــر يرفضــان التصديــق ب ـ�أن �إله ـاً حكيم ـاً ســيلج�أ للقــوة مــن �أجــل‬
‫فــرض دينــه علــى خلقــه! كمــا يرفضــان تصديــق نبــي يدّعــي الرحمــة بال�إ نســان ثــم يلجـ�أ‬
‫لســفك دم ذلــك ال�إ نســان والاســتيلاء علــى نســاءه و�أولاده و�أموالــه بحجــة �أن اللــه قــد‬
‫�أبــاح لــه الســبي والــرق والغنائــم والجزيــة!‬
‫قــد يحاجــج بعــض المســلمين الاعتذارييــن ويقولــون‪ :‬ال�إ ســلام لــم ُي ِجــ ْز جهــاد‬
‫الطلــب بــل شــرع الجهــاد للدفــاع عــن ال�أوطــان فقــط (جهــد الدفــع)‪ .‬و�أسـ�أل هــؤلاء‪:‬‬
‫هــل ثمــة حاجــة لتشــريع «�إلهــي» مثــل هــذا �أصــلاً؟! فالنــاس مــن قبــل ال�إ ســلام ومــن‬
‫بعــده مجبولــون علــى الدفــاع عــن �أنفســهم و�أهلهــم و�أموالهــم و�أوطانهــم‪ ،‬وعليــه فــلا‬
‫يحتــاج ال�أمــر لتشــريع �أصــلاً! والتشــريع ال�إ لهــي فــي هــذه المسـ�ألة ســيطيل �أمــد النزاعــات‬
‫بيــن البشــر‪ ،‬ل�أن المســلمين ســيعتقدون دوم ـاً �أنهــم ُم َؤيَّ ـدُون بالقــوة ال�إ لهيــة!‬
‫لقــد كان مــن ال�أجــدر بال�إ لــه الحكيــم ‪-‬علــى افتــراض وجــوده‪� -‬أن يعمــل علــى‬
‫ال�إ صــلاح بيــن البشــر والتوفيــق بينهــم وحثهــم علــى الســلام ونبــذ العنــف والقتــال‪ .‬لا‬
‫�أن يبعــث رســوله ب�آخــر كتــاب للبشــرية وهــو ملــيء ب�آيــات تحــث علــى الكراهيــة والعــداء‬
‫والقتــال والجهــاد ونبــذ الصلــح والســلام ومــا �إلــى ذلــك مــن تحريــض وت�أجيــج للصراعــات‬
‫بيــن النــاس‪.‬‬

‫‪- 126 -‬‬


‫��������������‬

‫۞التكفير‬
‫عيــب تشــريعي �آخــر فــي ال�إ ســلام نســتعرضه هنــا وهــو «التكفيــر»‪ ،‬والــذي قــد يكــون‬
‫مــن �أكبــر العيــوب التــي تبرهــن علــى محدوديــة �أفــق تشــريعات ال�إ ســلام وعلــى �أصلــه‬
‫البشــري‪ .‬فبينمــا يضــر الجهــاد بالعلاقــات الخارجيــة بيــن ال�أمــم‪ ،‬نجــد �أن الحكم بالكفر‬
‫�أو الزندقــة �أو الضــلال �أو مــا شــابه يــؤدي �إلــى ال�إ ض ـرار بالمجتمعــات ال�إ ســلامية مــن‬
‫الداخــل‪ .‬فالتكفيــر يحــد مــن حريــة النــاس ويعيــق تعايشــهم وت�آلفهــم ويؤجــج الكراهيــة‬
‫والعــداوة بينهــم‪.‬‬
‫�إننــا نجــد القـر�آن والســنة والفقهــاء ُيشـ ِّرعون التكفيــر ويطلقونــه علــى فئــات كثيــرة مــن‬
‫النــاس‪ .‬ونتيجــة لهــذا التشــريع‪ ،‬ف ـ إ�ن المســلم يريــد مــن غيــره �أن يكــون نســخة عنــه‪،‬‬
‫بتطابــق تــام �أو ب�أقــل قــدر مــن الفروقــات‪� .‬أي �أن الاختلافــات مرفوضــة‪ ،‬ولــو حدثــت‬
‫فيجــب �أن تكــون محــدودة‪ ،‬فـ إ�ن تجــاوزت حــداً معينـاً‪ ،‬بــد�أ المســلم فــي تكفيــر ُم َخالِ ِفـ ِه‬
‫وفــق مــا لديــه مــن نصــوص وفتــاوى! وهــذا يعنــي �أن المســلم لا يؤمــن بحــق غيــره فــي‬
‫امتــلاك ر�أيــه وقناعاتــه الخاصــة‪ ،‬بــل يريــد مــن غيــره َت َبنِّــي عقائــده و�آراءه‪ .‬وهــذا يعــارض‬
‫الطبيعــة البشــرية ويخالــف ســمات المجتمعــات الســويّة‪.‬‬
‫المشــكلة ال�أكبــر فــي التكفيــر ليســت الوصايــة الفكريــة ومحاولــة �إلـزام ال�آخريــن بـ�آراء‬
‫محــددة‪ ،‬و �إنمــا فيمــا يتبــع التكفيــر مــن عــداوة وكراهيــة وتحريــض وقتــل �أو قتــال‪ .‬وبســبب‬
‫التكفيــر انتشــرت الكراهيــة بيــن المذاهــب والطوائف ال�إ ســلامية‪ ،‬وبســبب تبعــات التكفير‬
‫عاشــت المجتمعــات والــدول ال�إ ســلامية قلاقــل وحــروب و�أوضاع ـاً متضعضعــة ط ـوال‬
‫تاريخها‪.‬‬
‫ولقــد حــاول المســلمون مؤخ ـراً تلافــي هــذا العيــب التشــريعي الخطيــر فــي دينهــم‬
‫بعدمــا اكتــووا بنــاره‪ .‬ف�أقامـوا الحمــلات لمنــع النــاس مــن تكفيــر بعضهــم البعــض‪ ،‬وقالـوا‬
‫�أن الفــرد لا يملــك صلاحيــة تكفيــر «ال ُم َعـ ـ َّين» بــل يعــود ذلــك �إلــى القاضــي فقــط!‬
‫ومــن ال�أمثلــة علــى شــدة تضررهــم مــن هــذا التشــريع ومحاولــة �إبعــاد النــاس عــن ممارســته‬
‫‪- 127 -‬‬
‫��������������‬

‫�أنــي ســمعت شــيخاً فــي مســجد «الملــك ســعود» فــي جــدة يفتــي بعــدم جـواز تكفيــر‬
‫الشــخص الكافــر والمشــرك‪ ،‬كالمســيحي‪ ،‬بحجــة �أنــه قــد يكــون مؤمنـاً يخفــي �إيمانــه‬
‫كمؤمــن �آل فرعــون!‬
‫ومــع كل الضــرر الــذي �ألحقــه التكفيــر بالمســلمين‪ ،‬ف إ�نهــم لــم يتجــرؤوا علــى‬
‫المســاس بقدســية نصــوص القـر�آن والســنة‪ ،‬وهــي منبــع تشــريعات التكفيــر‪ ،‬ولــم يحذفـوا‬
‫�أحــكام التكفيــر منهــا‪.‬‬
‫�إن ال�إ لــه الرحيــم الحكيــم ‪-‬علــى افتـراض وجــوده‪ -‬مــا كان لِــ ُي ِ‬
‫شرعن التكفيــر و ُيفـ ِّـرق‬
‫بيــن خلقــه ويثيــر الكراهيــة والعــداوات بينهــم ويمــزق مجتمعاتهــم‪ .‬بــل �إن ذلــك ال�إ له كان‬
‫ســيحرص علــى اســتتباب ال�أمــن وحفــظ الحقــوق وشــيوع الت�آخــي والت�آلــف بيــن خلقــه‪.‬‬
‫فلقــد منــح هــذا ال�إ لــه الحريــة والعقــل لجميــع خلقــه‪ ،‬وتكفيرهــم بســبب ممارســتهم‬
‫لحرياتهــم واســتخدامهم لعقولهــم يعنــي معاقبتهــم علــى مــا منحــه لهــم!‬

‫۞الحدود والعقوبات‬
‫ُيشــ ِّرع ال�إ ســلام �أحكامــاً جائــرة لعقوبــة المذنبيــن‪ ،‬مثــل القتــل والتعذيــب وبتــر‬
‫ال�أط ـراف والجلــد والرجــم والصلــب‪ .‬وفــي ذات الوقــت‪ ،‬لا يتنــازل ال�إ ســلام عــن هــذه‬
‫التشــريعات الهمجيــة والدمويــة ويضفــي عليهــا ســمة القداســة وال�أبديــة‪ .‬كمــا ُيك ِّفــر كل‬
‫مــن ينتقدهــا وينــادي ب إ�يقافهــا(((‪.‬‬
‫�إن ال�إ ســلام يجعــل هــذا التوحــش هــو الضمانــة لســلامة و�أمــن المجتمعــات‪ .‬ولكننــا‬
‫نــرى اليــوم كثي ـراً مــن المجتمعــات ال�إ نســانية فــي الشــرق والغــرب �آمنــة ومســتقرة دون‬
‫تطبيــق هــذه ال�أحــكام الهمجيــة‪ ،‬بــل �إن بعــض الــدول ال�أوروبيــة قــد �أغ َل َقــت عــدداً‬

‫((( لا يمكن دحض هذا بالاستشهاد بتعليق عمر بن الخطاب لحد القطع عام الرمادة‪ .‬فالتعليق‬
‫المؤقت للحد لا يعني الاعتراف بعدم شرعيته ولا يتساوى مع المطالبة بتجريمه وعدم تطبيقه مطلقاً‪.‬‬
‫‪- 128 -‬‬
‫��������������‬

‫مــن الســجون لقلــة المجرميــن والمحكــوم عليهــم(((! فهــذه الــدول قــد وصلــت لمرحلــة‬
‫متقدمــة مــن ال�أمــن دون الحاجــة ل�أحــكام متوحشــة وهمجيــة كال�أحــكام ال�إ ســلامية‪،‬‬
‫وانمــا اســتفادت مــن تجاربهــا الســابقة وطـ ّورت مــن قوانينهــا و�أحكامهــا مســتعينة بعلــوم‬
‫النفــس والاجتمــاع لتحقيــق ذلــك‪ .‬وهــذا ُيع ـ ِّري ال�إ ســلام ويكشــف خط ـ�أه التشــريعي‬
‫وفشــله التاريخــي‪ ،‬ويبـ ـ ّين زيــف الادعــاء ب�أنــه الديــن ال�أفضــل للبشــرية‪.‬‬

‫الم َح ِّلـ َّيـة‬


‫۞ َ‬
‫يزعــم ال�إ ســلام �أنــه جــاء للبشــر ‪-‬والجــن!‪� -‬أجمعيــن‪ .‬ولكننــا نجــده قــد جــاء بلغــة‬
‫العــرب حصـراً‪ ،‬كمــا جعــل كثيـراً مــن عــادات العــرب فــي زمانــه تشــريعات تُفـ َرض وتُع َّمم‬
‫علــى جميــع البشــر فــي كل ال�أماكــن وال�أزمنــة دون �أدنــى مراعــاة لاختــلاف البيئــات‬
‫والعــادات والتقاليــد والثقافــات! فمثــلاً‪ :‬الصــوم مــن الفجــر �إلــى المغــرب؛ والديــة مئــة‬
‫بعيــر؛ والسـواك ُسـ ّنة‪ .‬فــي حيــن‪� :‬أن هنــاك بلــدان لا تغيــب عنهــا الشــمس‪� ،‬أو تغيــب‬
‫الج َمــال غيــر موجــودة فــي كل مــكان؛ و�أن �أغلــب‬ ‫لســاعات قليلــة خــلال اليــوم؛ و�أن ِ‬
‫البشــر لا يعرفــون شــجر ال�أراك (مصــدر الس ـواك)!‬
‫ولقــد تمــادى ال�إ ســلام وفــرض علــى النــاس الحــج �إلــى مكــة �أيض ـاً‪ ،‬فــي حيــن �أن‬
‫التوجــه �إلــى مكــة كان طقسـاً للعــرب ولــه �أســباب تاريخيــة وسياســية واقتصاديــة خاصــة‪.‬‬
‫ومــع كل هــذه الســمات المحليــة فــي ال�إ ســلام‪ ،‬يدّعــي المســلمون �أن جميــع البشــر‬
‫جاءهــم ُر ُســ ٌل مــن عنــد اللــه‪ ،‬و�أن ديانــات �أولئــك الرســل هــي ال�إ ســلام‪ ،‬فقــط مــع‬
‫اختــلاف فــي التشــريعات الفقهيــة التفصيليــة! والسـؤال هنــا هــو‪� :‬إن كان الحــال كذلــك‬
‫فلمــاذا لا نجــد �أثــراً ل�أركان ال�إ ســلام وتشــريعاته ال�أساســية فــي الحضــارات ال�أخــرى‬

‫((( راجع هذا الرابط مثلاً عن �إغلاق السويد لعدد من السجون بعد تراجع عدد المساجين‪ ،‬وهذا الرابط‬
‫�أيضاً عن �إغلاق هولندا ‪ ١٩‬سجناً لذات السبب‪ .‬بعض السجون المغلقة تحولت �إلى فنادق ومطاعم‬
‫ومتاحف!‬
‫‪- 129 -‬‬
‫��������������‬

‫البعيــدة؟! لمــاذا لا يوجــد �أثــر للصــلاة �أو للحــج �إلــى مكــة فــي ثقافــات الصيــن و�أمريــكا‬
‫الجنوبيــة مثــلاً؟! خاصــة و�أن ال�إ ســلام يقــول �أن الكعبــة هــي �أول بيــت ِ‬
‫وضـ َـع للنــاس‬
‫جميعـاً! وعليــه‪ ،‬فلــو �أن �إلــه ال�إ ســلام قــد بعــث ُر ُســلاً لجميــع البشــر حقـاً‪ ،‬و�أن هــؤلاء‬
‫الرســل جــاؤوا بــذات الديــن‪ ،‬لوجدنــا قواســم ماديــة مشــتركة كثيــرة بيــن الحضــارات تــدل‬
‫علــى ال�أصــل الواحــد‪ .‬ولكننــا لا نجــد شــيء مــن هــذا فــي �أرض الواقــع‪ .‬بــل �إن ال�إ ســلام‬
‫منعــزل ومختلــف عــن الحضــارات البشــرية البعيــدة عنــه‪.‬‬
‫�إن محاولــة تعميــم عــادات وتقاليــد مجموعــة مــن النــاس فــي فتــرة تاريخيــة محــددة‪،‬‬
‫و �إلـزام البشــر جميعـاً بهــا طـوال تاريخهــم ليــس ســوى محاولــة ســاذجة بشــكل يصعــب‬
‫تصــوره! ويســتحيل �أن يقفــز ال�إ لــه الخالــق لــكل شــيء ‪-‬زعم ـاً‪ -‬علــى تاريــخ الشــعوب‬
‫ومواقعهــم الجغرافيــة واختــلاف لغاتهــم وبيئاتهــم ومواقيتهــم‪ ،‬و�أن يفــرض عليهــم جميع ـاً‬
‫طقــوس و�أعـراف مجموعــة مــن العــرب عاشــت فــي بدايــة القــرن الســابع الميــلادي!‬

‫۞معاداة الفنون‬
‫ربمــا �أن ال�إ نســان قــد ع ّبــر عــن ذاتــه بواســطة الفنــون قبــل قدرتــه علــى التعبيــر عنهــا‬
‫بواســطة الــكلام! فالنقــوش علــى جــدران الكهــوف القديمــة تَشَ ــي بلجــوء ال�إ نســان ال�أول‬
‫�إلــى الرســم والرقــص لمشــاركة �أفــكاره ومشــاعره مــع �أقرانــه‪ ،‬ولتمريــر معارفــه وتجاربــه �إلــى‬
‫�أبنــاءه‪� .‬إن التعبيــر بالفنــون كالموســيقى والرســم والنحــت والتمثيــل كان دائم ـاً رديــف‬
‫النطــق عنــد ال�إ نســان‪ ،‬بــل كان ومــازال الوســيلة ال�أكثــر رقيـاً فــي التعبيــر ع ّمــا يختلــج فــي‬
‫نفســه �أو يؤكــد بــه تفوقــه‪ .‬ولــن �أسـ ِه َب فــي الت�أكيــد علــى �أهميــة الفنــون عنــد ال�إ نســان‬
‫وفــي تاريــخ حضارتــه‪ ،‬فهــذا مــن نافلــة القــول وممــا هــو معلــوم بالبديهــة‪.‬‬
‫ومــع هــذه المكانــة الرفيعــة والمنزلــة العاليــة للفنــون‪ ،‬نجــد ال�إ ســلام قــد ناصبهــا العداء‬
‫وحـ َّـرم كثيــر منهــا علــى �أتباعــه! فطوائــف كثيــرة مــن الســنة والشــيعة َج َّرم ـوا الموســيقى‬
‫وعــا َدوا �ألحانهــا! وجعل ـوا �آلاتهــا بمثابــة �أســلحة بيــد رمــز الشــر المســتطير‪ ،‬الشــيطان!‬
‫‪- 130 -‬‬
‫��������������‬

‫بــل �إن بعضهــم تطـ َّـرف فــي معــاداة كل صــوت جميــل ل�إ نســان ‪-‬رجــل �أو امـر�أة‪ -‬يشــدو‬
‫ويطــرب ولــو مــن غيــر موســيقى(((!‬
‫�أمــا التصويــر والنحــت‪ ،‬فلل�إ ســلام معهمــا �أمــر عجــب! فهــو لا يــرى فــي الصــور �أي‬
‫جمــال‪ ،‬بــل يراهــا عمــلاً مســتفزاً يريــد راســمها تحــدي اللــه ومضاهــاة مــا يخلــق! فـ�أي‬
‫نفــس امتلكهــا نبــي ال�إ ســلام حينمــا نظــر �إلــى الصــور ولــم ي ـ َر فيهــا �أي مهــارة راقيــة �أو‬
‫بــوح عــذب �أو رســالة ســامية‪ ،‬بــل ر�أى فيهــا تحدي ـاً صارخ ـاً لكائــن وهمــي لا يوجــد‬
‫ســوى فــي مخيلتــه! وكذلــك الحــال مــع المنحوتــات والتماثيــل‪ .‬فهــي فــي نظــر ال�إ ســلام‬
‫ليســت تخليــداً لذكــرى �أو رمـزاً ل�إ نجــاز‪ ،‬بــل شــياطين منتصبــة تشــارك اللــه الموهــوم فــي‬
‫اســتعباد البشــر! ولذلــك قــام بمعاداتهــا و�أمـ َر بتحطيمهــا‪ ،‬فــي تشــريع همجــي لا يحمــل‬
‫�أي مثقــال مــن تقديــر لل�إ نســان وتاريخــه و �إنجازاتــه‪.‬‬
‫وتكــررت نظــرة ال�إ ســلام المريضــة للفنــون ومعاداتــه لهــا مــع التمثيــل‪ .‬فلــم يــ َر‬
‫ال�إ ســلام فــي الممثليــن فنانيــن يمتلكــون موهبــة تق ّمــص الشــخصيات والتعبيــر عــن‬
‫ال�إ نســان بكافــة �أحوالــه‪ ،‬بــل ر�آهــم كمجموعــة مــن المخادعيــن الذيــن يمتهنــون الكــذب‬
‫لكســب �أرزاقهــم ول�إ شــاعة الفاحشــة! ولذلــك فلقــد �أســقط ال�إ ســلام عدالــة الممثليــن‬
‫واتهمهــم فــي �أمانتهــم ولــم يقبــل شــهادتهم فــي المحاكــم! ونتيجــة لمعــاداة التمثيــل‪،‬‬
‫فلقــد تخلــف المســلمون فــي مجــال �أدب القصــة والروايــة والمســرح لفتـرات طويلــة مــن‬
‫تاريخهــم‪.‬‬
‫�إن معاداة ال�إ ســلام للفن واســتمراءه للقبح �أســهم في تجهيل المجتمعات ال�إ ســلامية‬
‫وســد �آفــاق التعبيــر �أمامهــا‪ .‬ولقــد كان لهــذا تبعــات نفســية واقتصاديــة وحضاريــة علــى‬
‫تلــك المجتمعــات‪ .‬فشــعر النــاس فيهــا بالملــل والضجــر نتيجــة خلــو مجتمعاتهــم مــن‬
‫الج َمــال ومــن وســائل الترفيــه والمتعــة‪ .‬كمــا شــعروا فيهــا بالاختنــاق والحصــار نتيجــة‬
‫َ‬
‫لعــدم وجــود قنــوات ُيعبِّــرون مــن خلالهــا عــن معاناتهــم وتطلعاتهــم‪ .‬كمــا تخلفــت‬

‫((( هناك من فقهاء السلفية من ح َّرم ال�أناشيد ال�إ سلامية!‬


‫‪- 131 -‬‬
‫��������������‬

‫المجتمعــات ال�إ ســلامية عــن غيرهــا فــي مجــالات الموســيقى وال�أزيــاء والرســم والســينما‬
‫وغيرهــا الكثيــر‪.‬‬
‫ومــع الضــرر الحضــاري لمعــاداة الفنــون‪ ،‬فلقــد لحــق بالمجتمعــات المســلمة �أضـرار‬
‫اقتصاديــة �أيضـاً نتيجــة انعــدام صناعــة الترفيــه فيهــا‪ ،‬وهــي صناعــة ذات مــردود اقتصــادي‬
‫عالــي كمــا هــو معلــوم‪.‬‬
‫وبالنظــر �إلــى كل هــذا‪ ،‬ف إ�نــه يبــدو بجــلاء مــدى جنايــة ال�إ ســلام علــى ال�إ نســان وعلــى‬
‫المجتمــع وعلــى الحضــارة حينمــا عــادى الكثيــر مــن الفنــون وح َّرمهــا‪ .‬فهــو قــد خالــف‬
‫�أحــد ثوابــت ال�إ نســان وركــن ركيــن مــن تكوينــه النفســي والعقلــي‪ .‬والديــن الــذي يقتــرف‬
‫جرمـاً بهــذه الفظاعــة هــو حتمـاً ويقينـاً ليــس مــن عنــد �إلــه عــادل وحكيــم!‬

‫۞منع التبنـِّي‬
‫يعــود تبنــي ال�أطفــال علــى المجتمعــات بفوائــد كثيــرة‪ .‬فهــو يلبــي حاجــات نفســية‬
‫هامــة لل�آبــاء ولل�أبنــاء بالتبنــي‪ ،‬حيــث يشــبع غريــزة ال�أمومــة �أو ال�أبــوة كمــا يمنــح الطفــل‬
‫اليتيــم �أو المنبــوذ فرصــة الانتمــاء �إلــى عائلــة‪ .‬وهــو ُيســهم �أيض ـاً فــي تحســين ال�أمــن‬
‫بالحــد مــن ظاهــرة �أطفــال الشـوارع مثــلاً ويضمــن لهــم تربيــة قويمــة ويبعدهــم عــن عالــم‬
‫الجريمــة‪ .‬ولــن �أطيــل فــي فوائــد التبنــي فهــي ظاهــرة لــكل مت�أمــل فيهــا ومطلِّــع عليهــا‪.‬‬
‫وح ـ َر َم المجتمعــات مــن فوائــده بســبب نــزوة‬ ‫مشــكلة ال�إ ســلام �أنــه َح ـ َّر َم التبنــي َ‬
‫لمحمــد! ولقــد اجتهــد علمــاء ال�إ ســلام فــي ترقيــع هــذه الفضيحــة التشــريعية‪ ،‬فقالـوا �أن‬
‫ال�إ ســلام ح ـ ّرم التبنــي منع ـاً لاختــلاط ال�أنســاب! فلــو نظرنــا لبعــض تشــريعات ال�إ ســلام‬
‫ال�أخــرى لوجدناهــا لا تحفــظ ال�أنســاب صراحـ ًة‪ ،‬فال�إ ســلام يقــول مثــلاً‪ :‬الابــن للفـراش‬
‫وللعاهــر الحجــر! فكيــف لا يتســبب ابــن الزنــا فــي اختــلاط ال�أنســاب بينمــا يتســبب‬
‫ابــن التبنــي فــي ذلــك؟!‬

‫‪- 132 -‬‬


‫��������������‬

‫يســتمر المســلمون بالدفاع عن دينهم ‪-‬وهذا حق لهم بالطبع‪ -‬ويقولون‪« :‬ال�إ ســلام‬
‫حـ ّرم التبنــي وحــثّ علــى كفالــة اليتيــم»‪ .‬ولكــن كفالــة اليتيــم ليســت كالتبنــي! فاليتيــم‬
‫لا ينتمــي للعائلــة التــي تكفلــه‪ ،‬بــل يعيــش معهــم كغريــب ولا يشــعر بالانتمــاء لهــم‪.‬‬
‫كمــا يتــم التخلــي عنــه عنــد بلوغــه‪ ،‬ويصبــح بعــد ذلــك غريبـاً حتــى عــن �أمــه التــي ربتــه‬
‫و�أخواتــه اللاتــي عــاش معهــن‪ ،‬وعليــه �أن ينفصــل عنهــن تمام ـاً مــا لــم تكــن لــه بهــن‬
‫صلــة رضاعــة‪ .‬كمــا �أنــه لا يــرث شــيئاً ممــن ربّــوه‪ ،‬وعليــه �أن يقبــل صدقــة منهــم �إن‬
‫�أرادوا منحــه شــيئاً فقــط‪.‬‬
‫�إن شــعور اليتيــم المكفــول بالعزلــة بعــد بلوغــه و �إحساســه بالخديعــة والظلــم يعــود‬
‫ـمعت قصصـاً‬ ‫عليــه بال�ألــم‪ .‬وقــد يحــاول الانتقــام مــن العائلــة التــي ربتــه حتــى‪ ،‬وقــد سـ ُ‬
‫فــي هــذا الشـ�أن‪ .‬حتــى �أن المجتمــع �أصبــح يعيــب اليتيــم ويعايــره بـــ «قليــل ال�أصــل»‬
‫�أو «ابــن الح ـرام» ويتوقــع منــه ال�أذى‪ ،‬دونمــا �إدراك بالمشــاكل النفســية والمعانــاة التــي‬
‫تدفعــه ل�إ ســاءة التصــرف‪.‬‬
‫هــذا‪ ،‬و �إن ال�إ ســلام بتحريمــه التبنــي يتدنــى بالعلاقات ال�إ نســانية �إلــى مرتبة الحيوانية‪،‬‬
‫فيجعــل البـُــ ّـنوة علاقــة بيولوجيــة فقــط‪ ،‬وليســت علاقــة راقيــة تنمــو فيهــا علاقــات ال�أبــوة‬
‫وال�أمومــة ال�إ نســانية‪ ،‬وترتبــط بســببها مشــاعر وطبــاع وذكريــات العائلــة الواحــدة‪ .‬وهــذا‬
‫خطـ�أ تشــريعي مــا كان ســيقع فيــه خالــق ال�إ نســان والعالــم بحالــه كما يدّعي المســلمون!‬

‫۞الاستبداد‬
‫الاســتبداد فــي اللغــة كمــا ع ّرفــه الكواكبــي((( هــو‪« :‬الاســتقلال فــي ال ـ ّر�أي وفــي‬
‫الحقــوق المشــتركة»‪ .‬يعلــم الجميــع مــدى ســوء الاســتبداد �أي ـاً كان نوعــه‪ .‬وال�إ ســلام‬
‫يرســخ الاســتبداد فــي كثيــر مــن جوانبــه‪ .‬فهــو يشــرعن الاســتبداد علــى المســتوى‬ ‫ّ‬
‫الفــردي ب إ�باحتــه للــرق‪ .‬ويشــرعن الاســتبداد ال�أســري مــن خــلال‪:‬‬
‫((( انظر مقدمة كتابه‪ :‬طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد‪.‬‬
‫‪- 133 -‬‬
‫��������������‬

‫ ‪-‬تمتــع الــزوج بحقــوق تفــوق حقــوق الزوجــة‪ ،‬مــع منحــه ســلطة الطــلاق‬
‫دونمــا مبــررات‪.‬‬
‫ ‪-‬منــح الرجــل ســلطة الولايــة علــى المـر�أة‪ ،‬سـواء كانــت زوجــة �أو بنتـاً �أو‬
‫�أختـاً �أو حتــى �أمـاً �أو غيــر هــذا‪.‬‬
‫ ‪�-‬إخضــاع ال�أبنــاء لتح ّكــم �آباءهــم شــبه المطلــق وذلــك باســم «البِّــر»‬
‫المبا َلــغ فيــه‪ .‬حيــث يحــدد ال�آبــاء علاقــات �أبناءهــم و ُي َن ِم ُّطــون لهــم‬
‫�أفكارهــم ويخ ِّوفنهــم باللــه مــن عصيانهــم ومخالفــة �أوامرهــم‪ .‬وقــد‬
‫يتجــاوز ال�أمــر �إلــى تحديــد ال�آبــاء للتخصصــات الدراســية ل�أبناءهــم‬
‫واختيــار �أزواجهــم وزوجاتهــم و�أماكــن �إقامتهــم وطبيعــة عملهــم‪ .‬كمــا‬
‫يجيــز ال�إ ســلام اســتيلاء ال�أب علــى مــال �أبنائــه‪ ،‬بــل وعــدم معاقبتــه فيمــا‬
‫لــو قتــل �أحدهــم!‬
‫هــذا و َيفـرِض ال�إ ســلام �أيضـاً نوعـاً مــن الاســتبداد المجتمعــي‪ ،‬فيحــدد �أ ُطـراً تتعلــق‬
‫بالشـ�أن الشــخصي‪ ،‬كاللبــاس �أو الطعــام والشـراب‪ ،‬ثــم يمنــع النــاس ِمــن تجاوزهــا‪ .‬و َمــن‬
‫«الحســبة»‬‫يتجاوزهــا‪ ،‬ف ـ إ�ن ال�إ ســلام يمنــح ال�آخريــن الحــق فــي ال�إ نــكار عليــه باســم ِ‬
‫والتــي ُتعـ َـرف �أيضـاً باســم شــعيرة «ال�أمــر بالمعــروف والنهــي عــن المنكــر»‪ .‬وهــذا ال�إ نكار‬
‫قــد يصــل لحــد المنــع بالقــوة‪ .‬وقــد يكــون علــى شــكل �أذى نفســي يتمثــل فــي النيــل‬
‫مــن ســمعة ال�إ نســان �أو مكانتــه الاجتماعيــة �أو التن ّمــر عليــه ونحــو هــذا‪ .‬ولتحاشــي هــذا‬
‫الضــرر‪ ،‬يلج ـ�أ كثيــرون فــي المجتمعــات ال�إ ســلامية �إلــى النفــاق و �إلــى الالت ـزام ب�أق ـوال‬
‫رغمــون‬ ‫وعــادات وســلوكيات معينــة تخالــف قناعاتهــم ورغباتهــم الحقيقــة‪ .‬ولكنهــم ُي ِ‬
‫�أنفســهم علــى الالتـزام بهــا ظاهريـاً لخوفهــم مــن المجتمــع‪ .‬ولهــذا الاســتبداد المجتمعــي‬
‫�آثــار ســلبية علــى الصحــة النفســية لكثيــر مــن النــاس‪ ،‬فنجدهــم فــي خــوف وقلــق دائميــن‬

‫‪- 134 -‬‬


‫��������������‬

‫مــع شــعور مســتمر بالتذمــر والغضــب(((‪ .‬ونتيجــة لهــذا الضغــط المســتمر‪ ،‬فقــد يفقــد‬
‫النــاس الشــعور بالانتمــاء الكامــل لمجتمعاتهــم �أو لبلدانهــم‪.‬‬
‫وتــزداد بشــاعة الاســتبداد فــي ال�إ ســلام �إذا انتقلنــا �إلــى الصعيــد العــام ونظرنــا فــي‬
‫اســتبداده السياســي(((‪ .‬فاللــه فــي ال�إ ســلام هــو الحاكــم المطلــق‪ ،‬يقــول القـر�آن‪َ :‬واللَّـ ُه‬
‫ـب لِ ُح ْك ِمـ ِه ‪٤١‬۝ الرعــد‪ .‬ول�أن اللــه ليــس لــه حضــور فــي الدنيــا‪ ،‬فـ إ�ن الرســول‬ ‫َي ْح ُكـ ُم َلا ُم َع ِّقـ َ‬
‫هــو الحاكــم باســمه‪ .‬وبعــد وفــاة الرســول‪ ،‬يكــون خليفــة الرســول هــو الحاكــم باســم اللــه‪،‬‬
‫يقــول القـر�آن‪َ :‬يــا �أيُّ َهــا الَّ ِذيـ َـن �آ َم ُنـوا �أ ِطي ُعـوا اللَّـ َه َو�أ ِطي ُعـوا ال َّر ُســولَ َو�أولِــي ا ْل�أ ْمـ ِر ِمن ُكـ ْم ‪٥٩‬۝‬
‫النساء‪.‬‬
‫�إذاً‪ ،‬فالحاكــم ال�إ ســلامي يســتمد شــرعيته مــن اللــه ذاتــه! وبالتالــي يكــون لــه ســلطات‬
‫شــبه مطلقــة‪ .‬كمــا ويتمتــع بنــوع مــن القدســية توجــب لــه نوعـاً مبالغـاً فيــه مــن الاحتـرام‬
‫والتقديــر! ونتيجــة لهــذه المكانــة العاليــة التــي جعلهــا ال�إ ســلام للحاكــم‪ ،‬ف إ�نــه يقــوم‬
‫بحمايتــه مــن النــاس‪ .‬فيمنعهــم مــن انتقــاده �أو حتــى تقديــم النصيحــة لــه بشــكل علنــي‪،‬‬
‫ل�أن فــي هــذا انتقــاص مــن مكانتــه الســامية و �إثــارة للفتنــة عليــه! كمــا ي�أمــر النــاس بالصبــر‬
‫عليــه والقبــول بحكمــه و �إن كان فاســقاً ظالم ـاً‪ .‬بــل وي�أمرهــم بالدعــاء لــه ع ـ َّل اللــه �أن‬
‫يهديــه ويصلحــه! يقــول محمــد نبــي ال�إ ســلام‪ :‬مــن َك ـ ِر َه مــن �أميــره شــيئاً فليصبــر ف إ�نــه‬
‫مــن خــرج مــن الســلطان شــبراً مــات ميتــة جاهليــة؛ رواه البخــاري‪.‬‬
‫وفــي ذات الوقــت‪ ،‬يمنــح ال�إ ســلام الحــق للحاكــم فــي قمــع �أي ِحـراك ســلمي يقــوم‬
‫بــه الشــعب للمطالبــة بحقوقــه المهــدورة �أو للتظلــم مــن قوانيــن جائــرة �أو ممارســات‬
‫تعســفية‪ ،‬ويعطيــه تصريح ـاً بقتــل كل مــن يتج ـر�أ علــى التشــكيك فــي شــرعيته �أو يريــد‬

‫((( ربما يستشهد المسلم هنا بقول القر�آن‪َ :‬و َمن ُي ِر ْد �أن ُي ِضلَّ ُه َي ْج َع ْل َص ْد َر ُه َض ِّيقًا َح َر ًجا َك�أنَّ َما‬
‫ٰ‬
‫ون! وهذا لا يعدو عن كونه هروباً من‬ ‫س َع َلى الَّ ِذ َين َلا ُيؤْ ِم ُن َ‬ ‫َي َّص َّع ُد فِي َّ‬
‫الس َما ِء ۚ ك ََذلِ َك َي ْج َع ُل اللَّ ُه ال ِّر ْج َ‬
‫المسؤولية و �إلقا ًء اللوم على الضحية‪.‬‬
‫((( الاستبداد السياسي وفق الكواكبي هو‪ :‬ت ََص ُّرف فرد �أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف‬
‫تبعة‪.‬‬
‫‪- 135 -‬‬
‫��������������‬

‫اســتبداله‪ ،‬كمــا لا يــدع �أي مجــال للحـوار �أو الاختيــار الشــعبي‪ ،‬حيــث يقــول محمــد‪:‬‬
‫مــن �أتاكــم و�أمركــم جميــع علــى رجــل واحــد يريــد �أن يشــق عصاكــم �أو يفــرق جماعتكــم‬
‫فاقتلــوه؛ رواه مســلم‪.‬‬
‫وال�إ ســلام فقيــر فــي التشــريعات السياســية التنظيميــة‪ .‬فهــو لا يحتــوي علــى �آليــات‬
‫محــددة لاختيــار ال ُحـ ّكام �أو مراقبتهــم �أو مســاءلتهم وعزلهــم مثــلاً‪ .‬كمــا ويمنــع النـ َ‬
‫ـاس‬
‫مــن تنظيــم �أنفســهم وال�أخــذ ب�أســاليب باتــت بديهيــة فــي كثيــر مــن المجتمعــات اليــوم‪.‬‬
‫فالديمقراطيــة((( حـرام ل�أنهــا تمنــح حــق التشــريع للنــاس‪ ،‬وهــذا يتنافــى مــع كــون التشــريع‬
‫حــق حصــري للــه! وال�أحــزاب حــرام ل�أنهــا مــن ال ُف ْرقَــ ِة التــي تتنافــى مــع الاعتصــام‬
‫بحبــل اللــه! والحريــة الدينيــة ح ـرام ل�أنهــا كفــر و ِر ّدة عــن ال�إ ســلام تســتوجب القتــل!‬
‫والمظاه ـرات ح ـرام ل�أنهــا خــروج علــى الحاكــم وتــؤدي �إلــى الفتنــة و �إزهــاق ال�أنفــس‬
‫و �إتــلاف الممتلــكات‪ .‬ويســتمر مسلســل الاســتبداد وهضــم حقــوق النــاس فــي ال�إ ســلام‬
‫علــى هــذا النحــو!‬
‫�إن لــون الاســتبداد فــي ال�إ ســلام فاقــع جــداً! و�أراه �أكبــر عيــب فيــه‪ .‬وهــو المســؤول‬
‫بشــكل رئيســي عــن هضــم حقــوق المســلمين ك�أف ـراد و�أســر ومجتمعــات‪ ،‬وعــن تــردي‬
‫�أح ـوال �أوطانهــم بيــن ال�أمــم‪ .‬ومــن المؤســف فعــلاً �أن يؤمــن المســلمون بهــذا الديــن‬
‫الــذي فــرض عليهــم هــذا الاســتبداد وهــذا الــذل‪ ،‬وبــل وينتظــرون عنــده العــزة والنصــر(((!‬

‫((( طبعاً سعى كثير من المسلمين ‪-‬وكالعادة‪ -‬ل�إ صلاح �أخطاء ال�إ سلام التشريعية هنا‪ ،‬فا ّدعوا �أن‬
‫الديمقراطية وال�أحزاب مثلاً لا تتنافى مع ال�إ سلام‪ ،‬بل هي من ال�إ سلام! ولا �أدري �أي كانت تختبئ‬
‫ديموقراطية ال�إ سلام المزعومة هذه طيلة ‪ ١٤٠٠‬سنة!‬
‫((( لا �أقصد هنا «العزة والنصر» كما يفهمها المسلمون‪� ،‬أي القيام بالجهاد والفتح والسيطرة‪ .‬بل‬
‫�أقصد الحرية للناس والتوزيع العادل للثروات ومنح حقوق المواطنة الكاملة و �إزالة التمييز الديني والطائفي‬
‫ونحو هذا‪.‬‬
‫‪- 136 -‬‬
‫��������������‬

‫۞التقويم الهجري‬
‫لا يمكــن تصـ ّور الحيــاة علــى هــذه ال�أرض مــن غيــر الشــمس‪ .‬فهــذا النجــم الــذي‬
‫يتوســط مجموعتنــا الفلكيــة يضطلــع ب�أعظــم دور من ِّظــم للحيــاة علــى كوكبنــا‪ .‬فبســبب‬
‫دوران ال�أرض حــول الشــمس تتغيــر حرارتهــا‪ ،‬ومــع تغيــر حرارتهــا تتغيــر فصولهــا ومــا‬
‫يصحــب ذلــك مــن عوامــل مناخيــة كالمطــر والريــاح‪ .‬وتبعـاً لهــذا يتغيــر كل شــيء تقريبـاً‬
‫علــى ظهرهــا‪ ،‬فتنشــط كائنــات وتســبت �أخــرى‪ ،‬تتوالــد حيوانــات وتهاجــر �أخــرى‪ ،‬تنمــو‬
‫نباتــات وتذبــل �أخــرى‪.‬‬
‫لقــد �أدرك ال�إ نســان ارتبــاط التغيـرات المناخيــة علــى ال�أرض بالشــمس منــذ ال ِقــدم‪،‬‬
‫ممــا جعــل مصيــره ‪�-‬أي ال�إ نســان‪ -‬يرتبــط بالشــمس �أيضــاً‪ .‬ولذلــك كان لزامــاً عليــه‬
‫�أن يعــرف دورتهــا حتــى يســتطيع تنظيــم �أمــور معيشــته مــن �أجــل ضمــان �أفضــل بقــاء‬
‫لــه‪ .‬فمعرفتــه بــدورة الشــمس يعنــي معرفتــه بــدورة حيــاة الحيوانــات والطيــور ومتــى و�أيــن‬
‫يصيــد‪ .‬وبعــد �أن اســتقر وامتهــن الزراعــة‪� ،‬أصبــح لزامـاً علــى ال�إ نســان معرفــة دورة حيــاة‬
‫النباتــات ومتــى ومــاذا يــزرع ويخــزن‪ .‬وبعدمــا ترقَّــى ال�إ نســان فــي الحضــارة قليــلاً و�أصبــح‬
‫بمقــدوره الســفر علــى اليابســة والبحــر‪ ،‬غــدا مــن الــلازم عليــه معرفــة متــى يســتقر الطقــس‬
‫وتصبــح الــدروب ســالكة لقوافلــه وســفنه‪ .‬كمــا �أصبــح لزامـاً عليــه معرفــة وجهــات ســفره‬
‫ومــا يتوفــر فــي كل جهــة خــلال المواســم والفصــول المختلفــة‪.‬‬
‫ويســتمر ترقــي ال�إ نســان فــي الحضــارة وتنمــو متطلباتــه وتكثــر حاجتــه لتنظيمهــا مــا‬
‫بيــن تعليــم وصحــة وتجــارة وســفر وغيــر ذلــك الكثيــر‪ .‬وفــي كل درجــة يرتقيهــا ال�إ نســان‬
‫فــي ســلم الحضــارة‪ ،‬يشــتد ارتباطــه بالشــمس وبنظامهــا الرتيــب والتغييـرات التــي تُح ِدثهــا‬
‫وتؤثِّــر بهــا علــى حياتــه‪.‬‬
‫ومــن هــذا الارتبــاط الوثيــق بالشــمس‪ ،‬انشــغل ال�إ نســان منــذ ال ِقـدَم بدراســتها‪ ،‬وســعى‬
‫لوضــع معيــار لقيــاس مســيرتها‪ .‬فنش ـ�أت عنــده فكــرة «التقويــم» الــذي ينبئــه بتعاقــب‬
‫الفصــول وتكـرار التغيـرات‪ .‬ول�أن ال�إ نســان لــم يفهــم تمامـاً دورة الشــمس �أول مــرة‪ ،‬فلقــد‬
‫‪- 137 -‬‬
‫��������������‬

‫ســعى لربــط ترددهــا وتك ـرار فصولهــا بظاهــرة طبيعيــة يمكنــه رؤيتهــا وقياســها بســهولة‪.‬‬
‫فــكان �أقــرب شــيء يقيــس بــه دورة الشــمس هــو القمــر‪ .‬فلاحــظ ال�إ نســان �أن القمــر‬
‫يظهــر ويختفــي ‪ ١٢‬مــرة تقريب ـ ًا خــلال دورة الشــمس الواحــدة‪ .‬ولكــن هــذا التقريــب‬
‫لــم يكــن كافيـاً‪ ،‬فال�إ نســان بحاجــة لمعرفــة دورة الشــمس وفصولهــا بدقــة معقولــة‪ .‬وبعــد‬
‫قيــاس وطــول متابعــة‪ ،‬عــرف النــاس �أن الشــمس وفصولهــا تتعاقــب كل ‪ ١٢‬شــهر قمــري‬
‫و‪ ١١‬يــوم تقريبــاً‪ .‬ومــن هــذه المعرفــة ال�أساســية‪ ،‬ابتكــر ال�إ نســان مفهومــي‪ :‬الشــهر‬
‫والســنة‪ .‬ووضعــت الحضــارات القديمــة تقاويمهــا لحســاب ال�أشــهر والســنين لمعرفــة‬
‫دورات الشــمس وتعاقــب الفصــول‪ ،‬فعــل ذلــك العــرب القدمــاء‪ ،‬واليهــود العبريــون‪،‬‬
‫وال�أقبــاط‪ ،‬والهنــود‪ ،‬والصينيــون‪ ،‬وغيرهــم‪ .‬جميعهــم قســموا الســنة الشمســية �إلــى ‪١٢‬‬
‫شــهر قمــري‪ ،‬واختلفـوا فــي طريقــة حســاب ال�أحــد عشــر يومـاً المتبقيــة‪ ،‬كمــا اختلفـوا‬
‫فــي دقــة حســاب ذلــك‪ .‬فبعضهــم �أضــاف شــهراً قمري ـاً (شــهر رقــم ‪ )١٣‬كل ثــلاث‬
‫ســنوات‪ .‬وبعضهــم �أضــاف شــهراً كل ســبع ســنوات‪ ،‬وغيــر ذلــك‪.‬‬
‫لقــد كانــت الســنة التــي يزيــد فيهــا عــدد ال�أشــهر عــن اثنــي عشــر شــهراً تُســمى ســنة‬
‫«كبيســة»‪ ،‬وكان الشــهر الثالث عشــر الزائد يســمى «النســيء»‪.‬‬
‫اســتمر البشــر على هذه التقاويم القمرية وتعديلها ب�أشــهر النســيء لضبط الحســاب‪.‬‬
‫وانتظمــت شــؤونهم ومعايشــهم مــن صيــد وزراعــة وســفر ونحــو ذلــك‪ .‬ولكــن �أمــة العــرب‬
‫(ومــن تبعهــم) اختلطــت �أمورهــم وتشــتت �أوقاتهــم منــذ اليــوم الــذي تــلا عليهــم محمــد‬
‫ات‬ ‫السـ َما َو ِ‬ ‫ـاب اللَّـ ِه َيـ ْو َم َخ َلـ َـق َّ‬ ‫قولــه‪� :‬إِ َّن ِعـ َّد َة الشُّ ـ ُهو ِر ِعنـ َد اللَّـ ِه ا ْث َنــا َعشَ ـ َر شَ ـ ْـه ًرا فِــي ِك َتـ ِ‬
‫ــن �أنف َُســ ُك ْم َوقَاتِ ُلــوا‬ ‫ِّيــن ا ْل َق ِّيــ ُم فَــ َلا َت ْظ ِل ُمــوا فِي ِه َّ‬
‫ــك الد ُ‬ ‫ض ِم ْن َهــا �أ ْر َب َعــ ٌة ُحــ ُر ٌم ٰذلِ َ‬ ‫َوا ْل�أ ْر َ‬
‫ا ْل ُمشْ ـ ِر ِك َين كَافَّـ ًة َك َمــا ُيقَاتِ ُلو َن ُكـ ْم كَافَّـ ًة َوا ْع َل ُمـوا �أ َّن اللَّـ َه َمـ َـع ا ْل ُمتَّ ِقيـ َـن ‪٣٦‬۝ �إِنَّ َمــا النَّ ِســي ُء‬
‫ِز َيــا َد ٌة فِــي ا ْل ُك ْفـ ِر ۖ ُي َضـ ُّل بِـ ِه الَّ ِذيـ َـن َك َف ـ ُروا ُي ِحلُّو َنـ ُه َعا ًمــا َو ُي َح ِّر ُمو َنـ ُه َعا ًمــا لِّ ُي َو ِاط ُئـوا ِعـ َّد َة‬
‫َمــا َح ـ َّر َم اللَّ ـ ُه َف ُي ِحلُّ ـوا َمــا َح ـ َّر َم اللَّ ـ ُه ۚ ُزيِّـ َـن َل ُه ـ ْم ُســو ُء �أ ْع َمالِ ِه ـ ْم َواللَّ ـ ُه َلا َي ْه ـ ِدي ا ْل َق ـ ْو َم‬
‫ا ْل َكافِرِيـ َـن ‪٣٧‬۝ التوبــة!‬
‫لقــد ظــن محمــد �أن شــهر النســيء مــا هــو �إلا تلاعــب يمارســه «الكفــار» ليعتــدوا‬
‫‪- 138 -‬‬
‫��������������‬

‫علــى تشــريعات �إلهــه الموهــوم‪ .‬فحــذف هــذا الشــهر مــن التقويــم العربــي القمــري‪ ،‬مــن‬
‫غيــر �أن يفهــم ســبب وجــوده الفعلــي والحاجــة �إليــه! فارتكــب بذلــك خطـ�أً فادحـاً فــي‬
‫حســاب ال�أع ـوام‪ ،‬وك ََس ـ َر �إرث ـاً حضاري ـاً وتجربــة �إنســانية ممتــدة ل�آلاف الســنين قبلــه!‬
‫وال�آثــار الســيئة لهــذا واضحــة حتــى اليــوم‪ ،‬فالتقويــم الهجــري المزعــوم لا يفيــد فــي الزراعــة‬
‫�أو الصيــد‪ ،‬كمــا لا يمكنــه حتــى تســيير مكتــب ســفريات متواضــع علــى قارعــة �أي‬
‫طريــق مثــلاً‪ ،‬فمــا بالــك بمــا هــو �أعظــم و�أهــم! ولــذا تخلــى عنــه جـ ّل المســلمون عمليـاً‬
‫وحصــروا اســتخدامه علــى الطقــوس الدينيــة فقــط‪.‬‬
‫وعليــه‪ ،‬فــ إ�ن هــذا التشــريع الدينــي المتســ ّرع بحــذف شــهر النســيء مــن الســنة‬
‫القمريــة والعبــث بالتقويــم لهــو دليــل دامــغ علــى بشــرية ديــن ال�إ ســلام وعــدم ارتباطــه بـ�أي‬
‫�آلهــة عليمــة وحكيمــة‪.‬‬

‫۞ال�أخطاء العلمية‬
‫يحظــى ال�إ عجــاز العلمــي فــي الق ـر�آن والســنة بزخــم وباهتمــام شــديدين عنــد كثيــر‬
‫مــن المســلمين اليــوم‪ .‬فهــم يــرون فيــه الحصــن الــذي يتمترســون خلفــه وطــوق النجــاة‬
‫الــذي يتشــبثون بــه فــي معركتهــم الخالــدة للدفــاع عــن دينهــم‪ ،‬وذلــك بعدمــا فشــلت‬
‫جميــع �أســلحتهم الســابقة‪ ،‬وبــان فشــل ال�إ ســلام علــى المســتوى الاجتماعــي وال�أمنــي‬
‫والاقتصــادي والسياســي!‬
‫�إن الناظــر فــي نصــوص ال�إ ســلام المقدســة‪ ،‬التــي يزعــم المســلمون احتواءهــا �إعجــازاً‬
‫علمي ـاً‪ ،‬ليصــاب بالدهشــة مــن اختصارهــا الشــديد وعموميــة �ألفاظهــا وعــدم انضباطهــا‬
‫بشــكل محــدد وواضــح‪ .‬وعندمــا نقارنهــا بالعلــوم الحديثــة اليــوم‪ ،‬ف إ�ننــا نلحــظ مباشــر ًة‬
‫مــدى ســطحية تلــك النصــوص وخلوهــا مــن �أي تفاصيــل‪ .‬ونتيجــة لهــذا‪ ،‬فلــم تــؤ ِد‬
‫تلــك النصــوص العلميــة المزعومــة �إلــى �أي كشــف علمــي جديــد طـوال تاريخهــا‪ ،‬ولــم‬
‫تنتفــع البشــرية منهــا مطلقـاً‪َ .‬ف َلـ ْم تــؤ ِّد مثــلاً �إلــى كشــف علمــي �أو اختـراع ُيسـ ّهل حيــاة‬
‫‪- 139 -‬‬
‫��������������‬

‫النــاس �أو �إلــى دواء يستشــفي بــه البشــر(((‪ .‬لقــد اقتصــر دور مدَّعــي ال�إ عجــاز العلمــي‬
‫علــى التط ُّفــل علــى العلــوم‪ ،‬ومحاولــة نســبة كل كشــف �أو اختـراع �إلــى دينهــم‪ .‬وعملهــم‬
‫هــذا ليــس مــن �أجــل ال�إ ســهام فــي تطــور العلــم �أو لنشــره بيــن النــاس‪ ،‬و �إنمــا هــو ضمــن‬
‫حملــة دعايــة دينيــة (بروباغنــدا) مــن �أجــل �أن يســتمر الوهــم ويبقــى النــاس �أســارى لــه!‬
‫لقــد َك َتــب علمــاء كُثــر‪ ،‬مســلمون((( وغيــر مســلمين‪ ،‬عــن زيــف ادعــاءات ال�إ عجــاز‬
‫العلمــي فــي ال�إ ســلام‪ .‬و�أثبتـوا �أن مــا جــاء بــه ال�إ ســلام فــي هــذا المجــال لا يتعدى حدود‬
‫معــارف عصــره‪ ،‬و�أنــه مســبوق فــي كتابــات وثقافــات قديمــة‪ .‬ومــع هــذا‪ ،‬فــلا مانــع مــن‬
‫ال�إ شــارة فيمــا يلــي �إلــى بعــض ال�إ عجــاز العلمــي المزعــوم وبيــان خطـ�أه ومناقضتــه للعلــوم‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫مــن �أبــرز �أخطــاء ال�إ ســلام العلميــة تصويــره المبســط للكــون واتفاقــه مــع المعرفــة‬
‫الشــائعة قديم ـاً فــي هــذا المجــال‪ .‬فهــو مثــلاً ُيص ـ ّور الســماء كالتالــي‪:‬‬

‫ ‪-‬قُـ َّبـــة مرفوعــة فــوق ال�أرض ب�أعمــدة غيــر مرئيــة‪ :‬اللَّـ ُه الَّ ِذي َرف ََع َّ‬
‫السـ َما َو ِ‬
‫ات‬
‫بِ َغ ْيـ ِر َع َمـ ٍد َت َر ْو َن َهــا ‪٢‬‬
‫۝ الرعد‬

‫ ‪-‬هــذه القبــة مكونــة مــن ســبع ســماوات‪� :‬أ َلـ ْم َتـ َر ْوا َك ْيـ َ‬
‫ـف َخ َلـ َـق اللَّـ ُه َسـ ْب َع‬
‫۝ نــوح‬ ‫ات ِط َبا ًقــا ‪١٥‬‬
‫َسـ َما َو ٍ‬
‫الســ َما َء َســ ْقفًا‬ ‫ ‪-‬الســماء الدنيــا عبــارة عــن ســقف ُمص َمــت‪َ :‬و َج َع ْل َنــا َّ‬
‫۝ ال�أنبيــاء‬ ‫َّم ْحفُو ً‬
‫ظــا ‪٣٢‬‬

‫ ‪-‬يســير كل جــرم رئيســي (كالقمــر والشــمس والشــعرى) فــي فلــك خــاص‬


‫س َين َب ِغــي َل َهــا �أن تُـ ْدرِكَ ا ْل َق َمـ َر‬
‫عبــر �إحــدى تلــك الســماوات‪َ :‬لا الشَّ ـ ْـم ُ‬

‫((( وهنا �أتذكر علاج ال�إ يدز التي زعم الشيخ عبدالمجيد الزنداني اكتشافه بمساعدة النصوص‬
‫ال�إ سلامية‪� .‬أو علاج السرطان الذي زعمت الباحثة السعودية فاتن خورشيد اكتشافه في بول ال�إ بل!‬
‫وبالطبع‪ ،‬فهذه الادعاءات لم تسفر عن شيء حقيقي!‬
‫((( انظر مثلاً‪� :‬إعلان �إسطنبول حول ال�إ سلام والعلم‪ ،‬سنة ‪٢٠١٦‬م‪.‬‬
‫‪- 140 -‬‬
‫��������������‬

‫ون ‪٤٠‬‬
‫۝ يــس‬ ‫َي ْسـ َب ُح َ‬ ‫َو َلا اللَّ ْيـ ُل َســابِ ُق النَّ َهــا ِر ۚ َو ُك ٌّل فِــي َف َلـ ٍ‬
‫ـك‬
‫ ‪-‬النجــوم ليســت ســوى زينــة للســماء الدنيــا وظيفتهــا رجــم الشــياطين‪:‬‬
‫يــح َو َج َع ْل َنا َهــا ُر ُجو ًمــا لِّلشَّ ــ َي ِاطينِ ‪٥‬۝‬
‫الســ َما َء ال ُّد ْن َيــا بِ َم َصابِ َ‬
‫َو َلقَــ ْد َزيَّنَّــا َّ‬
‫الملــك‬

‫ ‪-‬النجــوم التــي ترجــم الشــياطين مصنوعــة مــن نحــاس مشــتعل‪ُ :‬ي ْر َس ـ ُل‬
‫ـاس َف ـ َلا َتن َت ِص ـ َر ِ‬
‫ان ‪٣٥‬‬
‫۝ الرحمــن‬ ‫َع َل ْي ُك َمــا شُ ـ َو ٌ‬
‫اظ ِّمــن نَّــا ٍر َونُ َحـ ٌ‬
‫وبالطبــع‪ ،‬فــكل مــا ســبق ُيعتبــر اليــوم مجــرد خرافــات مضحكــة و�أفــكار قديمــة عفــا‬
‫(((‬
‫عليهــا الزمــن‪.‬‬
‫وعلــى ضــوء هــذا التصـ ّور القديــم للكــون‪ ،‬فـ إ�ن كثيــر مــن المســلمين اليــوم لا يزالــون‬
‫يعتقــدون بمركزيــة ال�أرض‪ ،‬و�أن الشــمس تــدور حولهــا‪ .‬ممــا يضــع هــؤلاء المســلمين‬
‫الطيبيــن خــارج �إطــار الزمــن فعــلاً‪ ،‬ويعيدهــم �إلــى زمــن العصــور الوســطى مــا قبــل‬
‫نيكــولاس كوبرنيكــوس((( ومحاكمــات جاليليــو جليلــي!‬
‫ومــن ال�إ عجــاز الــذي يدّعيــه المســلمون قولهــم ب�أســبقية الق ـر�آن فــي كشــف تطــور‬
‫الجنيــن داخــل رحــم المـر�أة‪ ،‬وذلــك فــي قــول القـر�آن‪ :‬ثُـ َّم َخ َل ْق َنــا النُّ ْط َفـ َة َع َل َقـ ًة ف ََخ َل ْق َنــا‬
‫ا ْل َع َل َق ـ َة ُم ْض َغ ـ ًة ف ََخ َل ْق َنــا ا ْل ُم ْض َغ ـ َة ِع َظا ًمــا َف َك َس ـ ْو َنا ا ْل ِع َظــا َم َل ْح ًمــا ثُـ َّم �أنشَ ـ�أْ َنا ُه َخ ْل ًقــا � َآخ ـ َر‬
‫يــن ‪١٤‬۝ المؤمنــون‪ .‬وعلــم ال�أجنــة اليــوم لا يتفــق مــع هــذه‬ ‫ــن ا ْل َخالِ ِق َ‬ ‫َف َت َبــا َركَ اللَّــ ُه �أ ْح َس ُ‬
‫ال�أط ـوار‪ .‬فمثــلاً‪ ،‬تقــول ال�آيــة �أن العظــام تتكــون ثــم يتــم كســوها باللحــم‪ ،‬وهــذا كلام‬
‫عــا ٍر عــن الصحــة تمام ـاً‪ .‬وعلــى الرغــم مــن خط ـ�أ هــذه ال�آيــة‪ ،‬يصــر المســلمون علــى‬
‫وجــود �إعجــاز فيهــا ويستشــهدون بــكلام كتبــه العالــم «كيــث مــور» فــي مجلــة رابطــة‬

‫((( لن �أناقش مدى تهافت التصوير القر�آني للسماء‪ ،‬فخط�أه ظاهر للعيان و�أقل من الرد عليه‪ .‬ويمكن‬
‫�إجراء بحث يسير لمعرفة حقيقة السماء والنجوم وال�أجرام السماوية ال�أخرى وفقاً للعلوم الحديثة‪.‬‬
‫((( بالمناسبة‪ ،‬كوبرنيكوس لم يكن �أول من قال بمركزية الشمس ودوران ال�أرض حولها‪ .‬بل سبقه في‬
‫هذا الفيلسوف «فيلولاوس» في القرن الخامس قبل الميلاد‪ ،‬ولكن فكرته اندثرت‪ ،‬ربما بسبب ت�أثير‬
‫الدين المسيحي الذي كان يرفض نموذج مركزية الشمس‪.‬‬
‫‪- 141 -‬‬
‫��������������‬

‫الطــب ال�إ ســلامي((( حينمــا كان يعمــل فــي «جامعــة الملــك عبدالعزيــز» بمدينــة جــدة‪.‬‬
‫وقــد اعتمــد فــي كتابتــه علــى ترجمــة �إنجليزيــة قُدّمــت لــه كونــه لا يجيــد اللغــة العربيــة‪.‬‬
‫ولقــد تراجــع مــور بعــد ذلــك عــن كلامــه‪ ،‬و�أزال �إشــارة للموضــوع كان قــد �أضافهــا فــي‬
‫كتابــه ‪ .Clinically Oriented Anatomy‬و�أيـاً يكــن ال�أمــر‪ ،‬فال�آيــة القر�آنيــة لــم تـ�أ ِت‬
‫بجديــد لا يعرفــه البشــر حينهــا‪ ،‬فهنــاك علمــاء وفلاســفة ســبقوا القـر�آن فــي ذكــر مراحــل‬
‫تك ـ ّون الجنيــن بمئــات وربمــا ب ـ�آلاف الســنين(((‪.‬‬
‫�إذا مــا تتبعنــا �آيــات و�أحاديــث ال�إ عجــاز العلمــي‪ ،‬نجدهــا لا تخــرج عــن واحــدة مــن‬
‫الحــالات ال�أربعــة التاليــة‪:‬‬
‫‪ )١‬غير صحيحة علمياً (وهي ال�أكثر)‪،‬‬
‫‪ )٢‬مختصرة �أو مبهمة (غير صريحة) لغوياً‪،‬‬
‫‪ )٣‬بديهية و ُمشَ ا َهدة‪،‬‬
‫‪ )٤‬مسبوقة ومعروفة في زمنها‪.‬‬
‫وهنــا بعــض ال�أمثلــة مــن ال�آيــات وال�أحاديــث التــي يزعــم المســلمون وجــود �إعجــاز‬
‫علمــي فيهــا‪:‬‬
‫ ‪َ -‬م َر َج ا ْل َب ْح َر ْينِ َي ْل َت ِق َي ِان ‪٢٠‬۝ َب ْي َن ُه َما َب ْر َز ٌخ َّلا َي ْب ِغ َي ِان ‪٢١‬۝ الرحمن‪.‬‬
‫ ‪َ -‬و َمــن ُي ـ ِر ْد �أن ُي ِضلَّ ـ ُه َي ْج َع ـ ْل َص ـ ْد َر ُه َض ِّي ًقــا َح َر ًجــا َك�أنَّ َمــا َي َّص َّع ـ ُد فِــي‬
‫۝ ال�أنعــام‪.‬‬ ‫الســ َما ِء ‪١٢٥‬‬
‫َّ‬
‫الس َما ِء َوال َّطار ِِق ‪١‬۝ َو َما �أ ْد َراكَ َما ال َّطارِقُ ‪٢‬۝ النَّ ْج ُم الثَّا ِق ُب ‪٣‬۝ الطارق‪.‬‬ ‫ ‪َ -‬و َّ‬
‫الص ْل ِب َوالتَّ َرائِ ِب ‪٧‬۝ الطارق‪.‬‬ ‫ ‪َ -‬يخْ ُر ُج ِمن َب ْينِ ُّ‬

‫((( المصدر‪https://bit.ly/2Nhwjrr :‬‬


‫((( راجع على سبيل المثال الحلقات رقم ‪ ٢٦٠ ،٢٥٩‬و ‪ ٢٦١‬من برنامج «سؤال جريء» على‬
‫يوتيوب‪.‬‬
‫‪- 142 -‬‬
‫��������������‬

‫ ‪َ -‬و ِمن ُك ِّل شَ ْي ٍء َخ َل ْق َنا َز ْو َج ْينِ َل َعلَّ ُك ْم َت َذ َّك ُر َ‬


‫ون ‪٤٩‬۝ الذاريات‪.‬‬
‫ ‪-‬حديــث‪� :‬إذا وقــع الذبــاب فــي شـراب �أحدكــم فليغمســه ثــم لينزعــه فـ إ�ن‬
‫فــي �إحــدى جناحيــه داء وال�أخــرى شــفاء؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫ثمــة �إشــكالية تواجــه المســلمين فــي ال�إ عجــاز العلمــي تتمثــل فــي َحدَاثــة فَه ِمهــم‬
‫لهــذا ال�إ عجــاز‪ ،‬وهــذا يثيــر س ـؤالين وجيهيــن‪:‬‬
‫احتج القر�آن على قريش والعرب قديماً بكلام لا يفهمونه؟‬
‫‪ )١‬كيف َّ‬
‫‪ )٢‬وكيف �آمن المسلمون طوال قرون ب�آيات لا يعرفون معانيها الصحيحة؟‬

‫فمثــلاً‪ ،‬عندمــا يقــول المســلمون اليــوم �أن �آيــة‪َ :‬ب َلـ ٰـى قَا ِدرِيـ َـن َع َلـ ٰـى �أن ن َُّسـ ِّو َي َب َنا َنـ ُه ‪٤‬۝‬
‫القيامــة‪ ،‬تحمــل ســبقاً �إســلامياً فــي كشــف اختــلاف بصمــات ال�أصابــع بيــن البشــر‪ .‬فهنــا‬
‫يكــون الس ـؤال‪ :‬ومــا �أدرى كفــار قريــش بالبصمــات حتــى يســتخدمها الق ـر�آن فــي الــرد‬
‫عليهــم؟ فهكــذا رد ســيكون بــلا ُح ّجــة ولا منطــق بالنســبة لهــم‪ ،‬وبالتالــي فهــم معــذورون‬
‫فــي رفضــه! وبالتالــي يكــون عقابهــم علــى رفضهــم ظلــم محــض‪ .‬ومــن جهــة �أخــرى‪،‬‬
‫كيــف �آمــن المســلمون بهــذه ال�آيــة قبــل اكتشــاف اختــلاف بصمــات ال�أصابــع؟ هــل‬
‫كانـوا يؤمنــون بمــا لا يفهمــون؟ �أم �أن اللــه �أراد �أن يعبــدوه علــى جهــل وليــس علــى علــم؟!‬
‫وقــد يقــول قائــل‪« :‬ال�آيــة تحمــل المعنييــن‪ ،‬معنى اختلاف �أطـوال ال�أصابع واختلاف‬
‫البصمــات»‪ .‬ولكــن هــذا لا ُيزيــل ال�إ شــكال‪ ،‬بــل يعنــي �أن للقـر�آن �أو لل�أحاديــث معانــي‬
‫وعبــارات النصــوص الدينيــة دلالاتهــا‪،‬‬ ‫ظاهــرة ومعانــي باطنــة! وحينهــا تفقــد كلمــات ِ‬
‫ويصبــح بال�إ مــكان تحميلهــا �أي معنــى يريــده القــارئ‪ .‬وفــي هــذا جنايــة علــى اللغــة ذاتهــا‬
‫باعتبارهــا وســيلة تواصــل بيــن البشــر!‬
‫�إن دعــاة ال�إ عجــاز العلمــي فــي ال�إ ســلام يســتغلون جهــل غالبيــة النــاس بالمســائل‬
‫العلميــة التــي يتحدثــون عنهــا‪ ،‬ويمارســون فذلــكات لغويــة ويعتســفون معانــي القــر�آن‬
‫المســتقرة منــذ قــرون مــن �أجــل تســويق ادعاءاتهــم‪ .‬وك�أنهــم يحاولــون اخت ـراع �آيــات‬

‫‪- 143 -‬‬


‫��������������‬

‫جديــدة لاســتخدامها فــي مجــال الدعــوة بعدمــا اســتنفدت ال�آيــات القديمــة حجيتهــا‬
‫وت�أثيرهــا!‬
‫وصـدَق مــن �أســماه «ال�إ زعاج‬
‫�إن ال�إ عجــاز العلمــي اليــوم لا يحمــل �أي قيمــة علميــة‪َ .‬‬
‫العلمــي» �أو «العجــز العلمــي»‪ .‬فهــو ليــس ســوى جــزء مــن دعايــة دينيــة كمــا �أسـ ُ‬
‫ـلفت‪.‬‬
‫وهــو يعيــق تطــور العلــوم ويمنــع المســلمين مــن ال�إ ســهام فيهــا‪ .‬وخيــر مثــال علــى ذلــك‬
‫موقــف المســلمين العدائــي مــن نظريــة التطــور‪ .‬فهــم يرفضونهــا فقــط ل�أنهــا تخالــف‬
‫ال�إ ســلام‪ ،‬دون �إج ـراء �أي تجــارب �أو تقديــم �أي بحــث �أو دليــل علمــي يؤيــد رفضهــم‬
‫ويســاهم بالتالــي فــي تصحيــح مســار العلــم وتطويــره‪.‬‬
‫�إن الدوغمائيــة((( وال ِعلــم لا يتفقــان‪ .‬وهنــاك مــن المســلمين مــن عــرف ضــرر ال�إ عجــاز‬
‫العلمــي المزعــوم علــى الديــن فيمــا لــو انكشــفت حقيقتــه للنــاس‪ ،‬ولــذا نجدهــم‬
‫يتراجعــون عنــه وينكــرون وجــوده(((‪ .‬وليــت جميــع المســلمين يحــذون حذوهــم ويتخلَّــون‬
‫عــن الاعتقــاد بوجــود �إعجــاز علمــي فــي دينهــم وذلــك مــن �أجــل مصلحتهــم ومصلحــة‬
‫ال ِعلــم‪.‬‬

‫***‬

‫((( الدوغمائية هي التشدد لمعتقد ديني �أو �أيديولوجي ورفض كل ما يخالفه‪.‬‬


‫((( تجد هنا مثلاً ترا ُجع «حمزة تزورتزس» عن القول بال�إ عجاز العلمي‪:‬‬
‫‪https://youtu.be/fyf4gecrY8c?t=3m13s‬‬ ‫ ‬
‫‪- 144 -‬‬
‫الخاتمة‬
‫ـت عــدداً‬‫ـتعرضت جانبـاً مــن ظلــم ال�إ ســلام وجنايتــه علــى العقــل‪ ،‬وتناولـ ُ‬
‫ُ‬ ‫وبعــد �أن اسـ‬
‫ـت جــزءاً مــن عيــوب الق ـر�آن و�أخــلاق‬ ‫مــن المغالطــات التــي يخــدع بهــا النــاس‪ ،‬وعرفـ ُ‬
‫ال�إ ســلام و�أخطــاءه‪ ،‬ف إ�نــه لــم يعــد يســعني �إلا الاســتنتاج بــ�أن هــذا الديــن ‪-‬كبقيــة‬
‫ال�أديــان‪ -‬مــا هــو �إلا صنيعــة بشــرية كاملــة‪ .‬و�أنــه لا يمكــن �أن يكــون مــن لــدن �إلــه‬
‫حكيــم رحيــم عليــم خبيــر كمــا يدّعــي‪.‬‬
‫ولــو �أردنــا مزيــد تدليــل علــى مــا ســبق مــن اســتنتاج ف إ�نــه يكفينــا قــراءة التاريــخ‬
‫ورؤيــة الواقــع‪� ،‬إذ �أ َّن خيــ َر ُح ْك ٍــم هــو مــا يحصــل عليــه المــرء بعــد التجربــة‪ .‬فلقــد‬
‫فشــل ال�إ ســلام‪ ،‬علــى الرغــم مــن طــول تجربتــه‪ ،‬فــي تحقيــق العدالــة ونشــر الحريــات‬
‫وتطويــر العلــوم وتحقيــق الرفــاه‪� .‬إذ عــاش �أفـراد النــاس فــي معظــم تاريــخ ال�إ ســلام حيــاة‬
‫جهــل وخــوف وشــقاء‪ .‬و �إن مــرت بالمســلمين �أيــام خيــر وعــز‪ ،‬فـ إ�ن خيرهــا كان يختــص‬
‫بالحــكام وحاشــيتهم وقــادة جيوشــهم(((‪� .‬أمــا بقيــة النــاس فلــم يكــن لهــم ســوى التبعيــة‬
‫والســمع والطاعــة والرضــا بمــا �أعطاهــم ولــي ال�أمــر والصبــر علــى مــا حرمهــم! فلــم يكــن‬
‫للنــاس حقــوق ولــم يكــن لهــم صــوت‪ .‬وليــس هــذا بمســتغرب‪ ،‬فال�إ ســلام ت�أســس عمليـاً‬
‫فــي يثــرب (المدينــة) كمشــروع دولــة وســلطة مســتبدة‪ ،‬وليــس كمشــروع �إنســاني يقــوم‬
‫علــى الحريــات والحقــوق‪ .‬وحتــى �إ ْن َر َفـ َـع شــعار « َر ْح َمـ ًة لِّ ْل َعا َل ِميـ َـن» فـ إ�ن الواقــع ُيك ِّذبــه!‬
‫واليــوم نجــد المســلمين‪ ،‬والعــرب خاصــة‪ ،‬خــاوي الوفــاض علــى المســتوى‬
‫«النظــري»‪ ،‬لــم يطــوروا �أنظمــة حكــم ولا فلســفة تعليــم ولا مبــادئ اقتصــاد ولا قوانيــن‬
‫علــوم ولا شــيء‪ .‬بــل هــم عالــة فــي كل ذلــك علــى غيرهــم‪ .‬ينتظــرون مــا تجــود بــه ال�أمــم‬

‫((( يستشهد كثير من المسلمين بحكم عمر بن عبدالعزيز وكيف �أن الزكاة لم تجد من ي�أخذها في‬
‫عهده‪ .‬ولو سلمنا ب�أن عهده عاد بالخير على الناس‪� ،‬إلا �أن حكمه استمر زهاء العامين فقط؛ ول َع ْمري‬
‫�أ ّن السنتين لا تُع ّد شيئاً في مقابل ‪ ١٤‬قرناً من الزمن!‬
‫‪- 145 -‬‬
‫ةمتاخلا‬

‫مــن فلســفات ونظريــات‪ ،‬ثــم ي�أخــذون منهــا ويســيئون تطبيقهــا‪ ،‬ويــا لل�أســف!‬
‫�أمــا وضــع المســلمين علــى المســتوى «العملــي» ف�أسـو�أ‪� .‬إذ �أن غالــب بلدانهــم فقيــرة‬
‫ومضطربــة‪ ،‬ليــس عندهــم زراعــة �أو صناعــة تنتــج لهــم مــا يســد حاجاتهــم ناهيــك عــن �أن‬
‫ينافسـوا بهــا ال�آخريــن‪ .‬وهــم �أيضـاً يعانــون مــن القمــع والاســتبداد والخــوف‪.‬‬
‫�إن �أصــل الخلــل الــذي يعانــي منــه المســلمون علــى كافــة ال�أص ِعــدة يعــود لمنظومــة‬
‫ال�أفــكار وال�أخــلاق التــي يؤمنــون بهــا‪ .‬فهــم مقتنعــون ب ـ�أن تلــك المنظومــة ال�إ ســلامية‬
‫صالحــة للتطبيــق‪ ،‬بينمــا هــي فــي الحقيقــة ســيئة ومعطوبــة‪ ،‬ويســتحيل �أن تــؤدي لنهضــة‬
‫�أو �إصــلاح حقيقييــن‪ .‬والمســلمون لا يريــدون الاقتنــاع بهــذا الخلــل فــي منظومتهــم‬
‫الفكريــة وال�أخلاقيــة‪ ،‬ولذلــك نجدهــم َيدْعــون اللــه جيــلاً بعــد جيــل �أن ُيم ّكــن لهــم‬
‫دينهــم الــذي ارتضــى لهــم‪ .‬وطــال انتظارهــم ولــم يســتجب اللــه دعاءهــم! �إنهــم ببســاطة‬
‫يؤمنــون بكذبــة ويعبــدون وهمـاً لا وجــود لــه‪ .‬و �إن نهايــة الوهــم هــي �إدراك ماه ّيتــه علــى‬
‫حقيقتهــا(((‪ .‬فمتــى ُيــدرِك المســلمون حقيقــة هــذا الوهــم؟‬
‫تـم ‪،،،‬‬

‫***‬

‫((( هكذا وصف �إيكهارت تول �إدراك الوهم في كتابه «�أرض جديدة»‪.‬‬
‫‪- 146 -‬‬

You might also like