Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 17

‫السحر لغة‪ :‬ما خفي‬

‫‪ .‬أما السحر ‪ :‬فهو حقيقة وليس بوهم وال بخيال ‪ ،‬وله تأثير بإذن اهلل تعالى‬

‫قال القرافي ‪ :‬السحر له حقيقة ‪ ،‬وقد يموت المسحور ‪ ،‬أو يتغير طبعه وعادته ‪ ،‬وإن لم يباشره ‪ ،‬وقال به‬
‫… الشافعي وابن حنبل‬

‫‪ .‬الفروق " ( ‪" ) 149 / 4‬‬

‫‪ .‬قوله تعالى ‪ :‬ومن شر النفاثات في العقد الفلق ‪4 /‬‬

‫والنفاثات في العقد ‪ :‬الساحرات اللواتي يعقدن في سحرهن ‪ ،‬وينفثن فيه ‪ ،‬فلوال أن للسحر حقيقة لما أمر‬
‫‪ .‬اهلل تعالى باالستعاذة منه‬

‫ومن األدلة سحره صلى اهلل عليه وسلم من ِقَبل اليهودي لبيد بن األعصم ‪ ،‬وهو حديث صحيح رواه ‪3.‬‬
‫‪ .‬البخاري ومسلم‬

‫وقال ابن القيم ‪ :‬والسحر الذي يؤثر مرضًا وثقًال وعقًال وحّبًا وبغضًا ونزيفًا موجود ‪ ،‬تعرفه عامة الناس ‪،‬‬
‫‪ .‬وكثير من الناس عرفه ذوقًا بما أصيب به منهم‬

‫‪،‬ومنه مسي الَّس َح ر آلخر الليل‪ ،‬ألن األفعال اليت تقع فيه تكون خفية‬

‫فكل شيء خفي سببه يسمى سحرًا‬


‫قراءات وطالسم يتوصل هبا الساحر إىل استخدام الشياطني فيما يريد به ضرر املسحور‪ ،‬لكن قد قال اهلل‬
‫تعاىل‪َ :‬و َم ا ُهم ِبَض آِّر يَن ِبِه ِمْن َأَح ٍد ِإَّال ِبِإْذ ِن ِهّللا‬

‫وجود ظاهرة السحر بأنواعه المختلفة في غالب األمم‪ ،‬كما دل ذلك قوله تعالى‪َ - :‬ك َذ ِلَك َم ا ‪.‬‬
‫َأَت ى اَّلِذيَن ِمن َقْب ِلِه م ِّم ن َّر ُس وٍل ِإَّال َقاُلوا َس اِحٌر َأْو َمْج ُنوٌن‬
‫كما أن اليهود لما انحرفوا فأعرضوا عن كتاب هللا تعالى‪ ...‬أقبلوا على السحر‪ ،‬واتبعوا ما تتلو‬
‫‪: -‬الشياطين كما قال سبحانه‬
‫َو اَّت َبُع وْا َم ا َتْت ُلوْا الَّش َي اِط يُن َع َلى ُم ْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َك َفَر ُس َلْيَم اُن َو َلـِكَّن الَّش ْي اِط يَن َك َفُر وْا ُيَع ِّلُم وَن‬
‫‪....‬الَّن اَس الِّس ْح َر‬

‫يقول الشيخ السعدي – رحمه هللا ‪( :-‬لما كان من العوائد القدسية والحكمة اإللهية أن من ترك‬
‫ما ينفعه وأمكنه االنتفاع به ولم ينتفع‪ ،‬ابتلي باالشتغال بما يضره‪ ،‬فمن ترك عبادة الرحمن‪،‬‬
‫ابتلي بعبادة األوثان‪ ،‬ومن ترك محبة هللا وخوفه ورجاه‪ ،‬ابتلي بمحبة غير هللا وخوفه ورجائه‪،‬‬
‫ومن لم ينفق ماله في طاعة هللا أنفقه في طاعة الشيطان ومن ترك الذل لربه‪ ،‬ابتلي بالذل‬
‫‪.‬للعبيد‪ ،‬ومن ترك الحق ابتلي بالباطل‬
‫)‪...‬كذلك هؤالء اليهود لما نبذوا كتاب هللا اتبعوا ما تتلو الشياطين وتختلق من السحر‬

‫بالفعل هؤالء اليهود لما نبذوا كتاب هللا تعالى‪ ،‬وانحرفوا عن عبادة هللا وحده‪ ،‬عوقبوا بعبادة‬
‫الشيطان عن طريق السحـر‪ ،‬فتعرضوا للخذالن والحرمان‪ ،‬وأنواع الضنك والشقاء في الدنيا‬
‫‪:-‬واآلخرة‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية بقوله‬

‫السحر في لغة العرب هو كل ما لطف مأخذه ودق‪ ،‬وأصل السحر‪ :‬صرف الشيء عن حقيقته‬
‫( ‪)5‬‬
‫‪ .‬إلى غيره‪ ،‬وسحره بمعنى خدعه‪ ،‬وسحره بكالمه‪ :‬استماله برقته‪ ،‬وحسن تركيبه‬
‫وأما تعريفه اصطالحًا فإن السحر ليس نوعًا واحدًا يمكن حده بحد يميزه عن غيره‬
‫حكم السحر‬

‫‪:‬أوًال‪ :‬السحر ينقسم إىل قسمني‬


‫‪.‬شرك‪ ،‬وهو األول الذي يكون بواسطة الشياطني‪ ،‬يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على املسحور ‪-‬‬
‫‪.‬عدوان‪ ،‬وفسق وهو الثاين الذي يكون بواسطة األدوية والعقاقري وحنوها ‪-‬‬

‫هل يكفر الساحر أو ال يكفر؟‬


‫‪:‬اختلف يف هذا أهل العلم‬
‫‪.‬فمنهم من قال‪ :‬إنه يكفر‬
‫‪.‬ومنهم من قال‪ :‬إنه ال يكفر‬
‫ولكن التقسيم السابق الذي ذكرناه يتبني به حكم هذه املسألة‪ ،‬فمن كان سحره بواسطة الشيطان‪ ،‬فإنه يكفر ألنه‬
‫ال يتأتى ذلك إال بالشرك غالبًا‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن‬
‫ِن ِم‬ ‫ِط‬ ‫ِك‬
‫َو َلـ َّن الَّش ْيا يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر َو َم ا ُأنِز َل َعَلى اْلَم َلَك ْيِن ِبَباِبَل َه اُروَت َو َم اُروَت َو َم ا ُيَعِّلَم ا ْن‬
‫َأَح ٍد َح َّتى َيُقوَال ِإَّنَم ا َنْح ُن ِفْتَنٌة َفَال َتْك ُفْر ‪ ...‬إىل قوله‪َ :‬و َم ا ُه م ِبَض آِّر يَن ِبِه ِم ْن َأَح ٍد ِإَّال ِبِإ ْذِن الّلِه َو َيَتَعَّلُم وَن َم ا‬
‫َيُضُّر ُه ْم َو َال َينَف ُعُه ْم َو َلَق ْد َعِلُم وْا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه ِفي اآلِخ َر ِة ِم ْن َخ َالٍق [البقرة‪ ،]102:‬وأما قتل الساحر‪ ،‬فإن‬
‫‪.‬كان سحره باألدوية والعقاقري وحنومها‪ ،‬فال يكفر‪ ،‬ولكن يعترب عاصيًا معتديًا‬
‫وأما قتل الساحر‪ ،‬فإن كان سحره كفرًا‪ُ ،‬قِتل قتل ردة‪ ،‬إال أن يتوب على القول بقبول توبته‪ ،‬وهو الصحيح‪ ،‬وإن‬
‫كان سحره دون الكفر‪ُ ،‬قِتل قتل الصائل‪ ،‬أي‪ :‬قتل لدفع أذاه وفساده يف األرض‪ ،‬وعلى هذا يرجع يف قتله إىل‬
‫اجتهاد اإلمام وظاهر النصوص ‪ ...‬أنه يقتل بكل حال‪ ،‬فاملهم أن السحر يؤثر بال شك‪ ،‬لكنه ال يؤثر بقلب‬
‫األعيان إىل أعيان أخرى‪ ،‬ألنه ال يقدر على ذلك إال اهلل ـ عز وجل ـ‪ ،‬وإمنا خييل إىل املسحور أن هذا الشيء انقلب‬
‫وهذا الشيء حترك أو مشى وما أشبه ذلك‪ ،‬كما جرى ملوسى عليه الصالة والسالم أمام سحرة آل فرعون‪ ،‬حيث‬
‫‪...‬كان خييل إليه من سحرهم أهنا تسعى‬

‫‪.‬قوله‪( :‬حد الساحر ضربة بالسيف)‪ .‬حده يعين‪ :‬عقوبته احملددة شرعًا‬
‫‪.‬وظاهره أنه ال يكفر‪ ،‬ألن احلدود تطهر احملدود من اإلمث‬
‫‪.‬والكافر إذا قتل على ردته‪ ،‬فالقتل ال يطهره‬

‫قوله‪( :‬ضربة بالسيف)‪ .‬روي بالتاء بعد الباء‪ ،‬وروي باهلاء‪ ،‬وكالمها صحيح‪ ،‬لكن األوىل أبلغ‪ ،‬ألن التنكري‬
‫‪.‬وصيغة الوحدة يدالن على أهنا ضربة قوية قاضية‬
‫ويف (صحيح البخاري) عن جبالة بن عبدة‪ ،‬قال‪(( :‬كتب عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪ :‬أن اقتلوا كل ساحر‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .‬وساحرة))‪ .‬قال‪(( :‬فقتلنا ثالث سواحر))‬
‫‪....‬هذا كناية عن القتل‪ ،‬وليس معناه أن يضرب بالسيف مع ظهره مصفحًا‬
‫وهذا القتل هل هو حد أم قتله لكفره؟‬
‫حيتمل هذا وهذا بناء على التفصيل السابق يف كفر الساحر‪ ،‬ولكن بناء على ما سبق من التفصيل نقول‪ :‬من خرج‬
‫به السحر إىل الكفر فقتله قتل ردة‪ ،‬ومن مل خيرج به السحر إىل الكفر فقتله من باب دفع الصائل جيب تنفيذه‬
‫حيث رآه اإلمام‬
‫احلاصل‪ :‬أنه جيب أن تقتل السحرة‪ ،‬سواء قلنا بكفرهم أم مل نقل‪ ،‬ألهنم ميرضون ويقتلون‪ ،‬ويفرقون بني املرء‬
‫وزوجه‪ ،‬وكذلك بالعكس‪ ،‬فقد يعطفون فيؤلفون بني األعداء‪ ،‬ويتوصلون إىل أغراضهم‪ ،‬فإن بعضهم قد يسحر‬
‫أحدًا ليعطفه إليه وينال مأربه منه‪ ،‬كما لو سحر امرأة ليبغي هبا‪ ،‬وألهنم كانوا يسعون يف األرض فسادًا‪ ،‬فكان‬
‫واجبًا على ويل األمر قتلهم بدون استتابة مادام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم‪ ،‬فإن احلد ال يستتاب صاحبه‪ ،‬مىت‬
‫‪.‬قبض عليه وجب أن ينفذ فيه احلد‬
‫(‬
‫وصح عن حفصة رضي اهلل عنها‪( ،‬أهنا أمرت بقتل جارية هلا سحرهتا‪ ،‬فقتلت) (‪ . )2‬وكذلك صح عن جندب‬
‫‪ . )3.‬قال أمحد‪ :‬عن ثالثة من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪.‬قوله‪( :‬قال أمحد عن ثالثة من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم)‬
‫‪.‬وهم‪ :‬عمر‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وجندب اخلري‪ ،‬أي‪ :‬صح قتل الساحر عن ثالثة من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية‪ ،‬ألهنم يسعون يف األرض فسادًا‪ ،‬وفسادهم من أعظم الفساد‪ ،‬فقتلهم‬
‫واجب على اإلمام‪ ،‬وال جيوز لإلمام أن يتخلف عن قتلهم‪ ،‬ألن مثل هؤالء إذا تركوا وشأهنم انتشر فسادهم يف‬
‫‪.‬أرضهم ويف أرض غريهم‪ ،‬وإذا قتلوا سلم الناس من شرهم‪ ،‬وارتدع الناس عن تعاطي السحر‬

‫وقال ابن هبرية‪( :‬اختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله‪ ،‬فقال أبو حنيفة ومالك وأمحد‪ - :‬يكفر بذلك‪ ،‬إال أن من‬
‫أصحاب أيب حنيفة من فصل ذلك‪ ،‬فقال إن تعلمه ليتقه أو ليتجنبه فال يكفر بذلك‪ ،‬وإن تعلمه معتقدًا جلوازه أو‬
‫معتقدًا أنه ينفعه فإنه يكفر‪ ،‬ومل ير اإلطالق‪ ،‬وإن اعتقد أن الشياطني تفعل ما يشاء فهو كافر‪ ،‬وقال الشافعي‪- :‬‬
‫إذا تعلم السحر قلنا له صف سحرك‪ ،‬فإن وصف ما يوجب الكفر مبثل ما اعتقد أهل بابل من التقرب إىل‬
‫الكواكـب السبعة‪ ،‬وأهنا تفعل ما يلتمس منها فهو كافر‪ ،‬وإن كان ال يوجب الكفر‪ ،‬فإن اعتقد إباحته فهو كافر)‬

‫‪:-‬ما القائلون بتكفري الساحر‪ ،‬فنورد أمثلة من أقواهلم على النحو التايل‬
‫يقول الدردير املالكي‪( :‬فقول اإلمام رضي اهلل عنه‪ - :‬إن تعلم السحر وتعليمه كفر‪ ،‬وإن مل يعمل به‪ ،‬ظاهر ‪...‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ .‬يف الغاية إذ تعظيم الشياطني ونسبة الكائنات إليها ال يستطيع عاقل يؤمن باهلل أن يقول فيه‪ :‬إنه ليس بكفر)‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ .‬وقال اخلرشي‪( :‬واملشهور أن تعلم السحر كفر‪ ،‬وإن مل يعمل به)‬
‫وقال ابن قدامة‪ ( :‬إن تعلم السحر وتعليمه حرام ال نعلم فيه خالفًا بني أهل العلم‪ ،‬قال أصحابنا‪ :‬ويكفر الساحر‬
‫بتعلمه وفعله سواء اعتقد حترميه أو إباحته‪ ،‬وروي عن اإلمام أمحد ما يدل على أنه ال يكفر‬
‫أما الفريق اآلخر‪ ،‬فهذا اإلمام الشافعي – رمحه اهلل – يقول‪( :‬والسحر اسم جامع ملعان خمتلفة‪ ،‬فيقال للساحر‬
‫صف السحر الذي تسحر به‪ ،‬فإن كان ما يسحر به كالم كفر صريح استتيب منه‪ ،‬فإن تاب وإال قتل وأخذ ماله‬
‫فيئًا‪ ،‬وإن كان ما يسحر به كالمًا ال يكون كفرًا‪ ،‬وكان غري معروف ومل يضر به أحد هني عنه‪ ،‬فإن عاد عزر‪،‬‬
‫وإن كان يعمل عمًال إذا عمله ُقِتل املعمول به‪ ،‬وقال عمدت قتله‪ ،‬قتل به قودًا‪ ،‬إال أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا‬
‫ديته‪)...‬‬

‫‪:‬وإن السحر الذي يعد كفرًا‪ ،‬قد يقع قوًال باللسان‪ ،‬أو اعتقادًا بالقلب‪ ،‬أو عمًال باجلوارح‪ ،‬ونورد أمثلة على ذلك‬
‫فمنه السحر الذي ال يتأتى إال عن طريق الشياطني‪ ،‬كأن يستغيث هبم‪ ،‬ويدعوهم فيما ال يقدر عليه إال اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وينطق بكلمة الكفر من أجل رضاهم واالستمتاع هبم‪ ،‬أو يعتقد نفعهم وضرهم بغري إذن اهلل تعاىل‪ ،‬أو يذبح لتلك‬
‫الشياطني وحنوهم ويتقرب إليهم‪ ،‬أو يهني ما أوجب اهلل تعظيمه من الكتاب العزيز وغريه‪ ،‬أو يدعي لنفسه أو‬
‫‪.‬لشياطينه علم الغيب ومشاركة اهلل يف ذلك‬

‫‪.‬األلعاب البلهوانية ليست من السحر الذي يكفر صاحبه‪ ،‬ولكنها ال ختلو من بعض احملاذير الشرعية‬

‫‪:‬احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه‪ ،‬أما بعـد‬

‫فإن السحر يطلق يف اللغة على كل ما لطف ودق مأخذه‪ ،‬ومنه احلديث‪ :‬إن من البيان لسحرًا‪ .‬ويطلق على‬
‫اخلدعة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ :‬قاُلوا ِإَمَّنا َأنَت ِم َن اْلُمَس َّح ِر يَن {الشعراء‪ :}153:‬أي املخدوعني كذا يف املوسوعة‬
‫‪.‬الفقهية‬

‫وأما يف االصطالح الشرعي فقد عرفه أهل العلم بعدة تعريفات فمنها‪ :‬أنه عقد ورقي وكالم يتكلم به أو يعمل به‬
‫الساحر شيئًا يؤثر يف عقل املسحور أو بدنه‪ ،‬وعرفه البيضاوي فقال‪ :‬املراد بالسحر ما يستعان يف حتصيله بالتقرب‬
‫إىل الشيطان مما ال يستقل به اإلنسان‪....‬اهـ‬

‫وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب احليل مبعونة اآلالت واألدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغري سحر وإن‬
‫كان مذموما من جهة شبهه بالسحر أو ما قد يرتتب عليه ‪ ،‬وبناء على هذا فإن كانت هذه األلعاب حركات‬
‫حتصل هبا عجائب تذهل املشاهدين دون استعانة باجلان يف التأثري على عقول الناس فإهنا ال تعترب من السحر مبعناه‬
‫‪.‬الشرعي وإن مل تسلم مما جيعلها مذمومة كما تقدم‬
‫وأما إخراج احليوانات فإن كان أخفاها حبيث مل يرها املشاهدون فهو حمتال‪ ،‬وإن كان يتعامل مع اجلان يف‬
‫‪.‬إحضارها فهو ساحر أو مشعوذ وحيرم إتيانه ومشاهدته‬

‫‪:-‬وأما وجه كون هذا السحر كفرًا فذلك لعدة اعتبارات منها‬
‫قوله تعاىل‪َ - :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن َو َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا )أ(‬
‫ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر َو َم ا ُأنِز َل َعَلى اْلَم َلَك ْيِن ِبَباِبَل َه اُر وَت َو َم اُروَت َو َم ا ُيَعِّلَم اِن ِم ْن َأَح ٍد َح َّتى َيُقوَال ِإَّنَم ا‬
‫َّل وَن ِم ْنُه ا ا َف ِّر ُقوَن ِبِه ْي اْل ِء َز ِج ِه ا ُه م ِبَض آِّر ي ِبِه ِم َأ ٍد ِإَّال ِبِإ ْذِن‬ ‫ِف‬
‫َن ْن َح‬ ‫َب َن َمْر َو ْو َو َم‬ ‫َم َم ُي‬ ‫َنْح ُن ْتَنٌة َفَال َتْك ُفْر َفَيَتَع ُم‬
‫َلَق ْد َعِل وْا َل ِن اْش اُه ا َلُه ِفي اآلِخ ِة ِم َخ َالٍق َلِبْئ ا َش ْا ِبِه‬ ‫ِه‬
‫َو َس َم َر ْو‬ ‫َر ْن‬ ‫ُم َم َتَر َم‬ ‫الّل َو َيَتَعَّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُه ْم َو َال َينَف ُعُه ْم َو‬
‫‪َ.‬أنُفَس ُه ْم َلْو َك اُنوْا َيْع َلُم وَن [البقرة‪]103 -102:‬‬
‫‪:-‬فيستدل هبذه اآليات على كفر الساحر من وجوه‬
‫قوله تعاىل‪َ - :‬و َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن َو َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر ‪1 -‬‬
‫فظاهر هذا أهنم إمنا كفروا بتعليمهم السحر؛ ألن ترتيب احلكم على الوصف يشعر بعليته‪ ،‬فصرحت اآلية بكفر‬
‫(‪)15‬‬
‫‪ .‬الشياطني منوطًا بتعليم السحر للناس‬
‫قوله تعاىل‪َ - :‬و َيَتَعَّلُم وَن َم ا َيُضُّر ُه ْم َو َال َينَف ُعُه ْم َو َلَق ْد َعِلُم وْا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه ِفي اآلِخ َر ِة ِم ْن َخ َالٍق يعين ‪2 -‬‬
‫‪.‬من حظ وال نصيب‬
‫يقول الشيخ حافظ احلكمي – يف ذلك –‪( :‬وهذا الوعيد مل يطلق إال فيما هو كفر ال بقاء لإلميان معه‪ ،‬فإنه ما من‬
‫(‪)16‬‬
‫‪.‬مؤمن إال ويدخل اجلنة‪ ،‬وكفى بدخول اجلنة خالقًا‪ ،‬وال يدخل اجلنة إال نفس مؤمنة)‬
‫‪..‬قوله تعاىل‪َ - :‬و َلْو َأَّنُه ْم آَم ُنوْا واَّتَق ْو ا َلَم ُثوَبٌة ِّمْن ِع نِد الَّله َخ ْيٌر ‪3 -‬‬
‫يقول اجلصاص – عن هذه اآلية ‪( :-‬فجعل ضد هذا اإلميان فعل السحر؛ ألنه جعل اإلميان يف مقابلة فعل السحر‪،‬‬
‫وهذا يدل على أن الساحر كافر‪ ،‬فإذا ثبت كفره‪ ،‬فإن كان مسلمًا قبل ذلك‪ ،‬فقد كفر بفعل السحر‪ ،‬فاستحق‬
‫(‪)17‬‬
‫‪ .‬القتل)‬
‫(‪)18‬‬
‫‪ .‬يقول ابن كثري‪( :‬وقد استدل بقوله َو َلْو َأَّنُه ْم آَم ُنوْا واَّتَق ْو ا‪ ..‬من ذهب إىل تكفري الساحر)‬
‫ويقول احلكمي – عن هذا الدليل ‪( :-‬وهذا من أصرح األدلة على كفر الساحر‪ ،‬ونفي اإلميان عنه بالكلية‪ ،‬فإنه ال‬
‫يقال للمؤمن املتقي‪ :‬ولو أنه آمن واتقى‪ ،‬وإمنا قال تعاىل ذلك ملن كفر‪ ،‬وفجر‪ ،‬وعمل بالسحر‪ ،‬واتبعه‪ ،‬وخاصم به‬
‫رسوله‪ ،‬ونبذ الكتاب وراء ظهره)‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( -:‬من عقد عقدة مث نفث فيها فقد سحر‪ ،‬ومن سحر فقد أشرك‪ ،‬ومن تعلق‬
‫(‪)22‬‬
‫‪ .‬شيئًا وكل إليه))‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ - :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪(( :‬إن الرقى والتمائم‬
‫والتولة شرك))‬

‫)والتولة ضرب من السحر‪ ،‬قال األصمعي‪ - :‬وهو الذي حيبب املرأة إىل زوجها‬

‫ن الصحابة رضي اهلل عنهم أمروا بقتل أولئك السحرة‪ ،‬وقد تقرر شرعًا أن دماء املسلمني حمظورة إال ما استثناه‬
‫الشرع لقوله صلى اهلل عليه وسلم ((ال حيل دم امريء مسلم إال بإحدى ثالث‪ :‬الثيب الزاين‪ ،‬والنفس بالنفس‪،‬‬
‫(‪)27‬‬
‫‪ .‬والتارك لدينه املفارق للجماعة))‪.‬‬
‫‪.‬وليس الساحر زانيًا حمصنًا‪ ،‬وال قاتل نفس‪ ،‬فتعني أن يكون كافرًا مرتدًا‬
‫يقول ابن تيمية‪( :‬أكثر العلماء على أن الساحر كافر جيب قتله‪ ،‬وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن اخلطاب‪،‬‬
‫(‪)28‬‬
‫‪ .‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وحفصة بنت عمر‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وجندب بن عبداهلل‪)...‬‬
‫فمن هذه اآلثار ما جاء (عن جبالة بن عبدة (‪ )29‬أنه قال‪( :‬كتب عمر بن اخلطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة‪.‬‬
‫(‪)30‬‬
‫‪ .‬قال‪ :‬فقتلنا ثالث سواحر)‪.‬‬
‫‪.‬يقول ابن قدامة – معلقًا على هذا األثر‪( :‬وهذا اشتهر فلم ينكر‪ ،‬فكان إمجاعًا)‬
‫وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال إن أم املؤمنني حفصة رضي اهلل عنها سحرهتا جارية هلا‪ ،‬فأقرت بالسحر‪،‬‬
‫وأخرجته‪ ،‬فقتلتها‪ ،‬فبلغ ذلك عثمان رضي اهلل عنه فغضب‪ ،‬فأتاه ابن عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬فقال‪ :‬جاريتها سحـرهتا‬
‫(‪)31‬‬
‫‪ .‬أقرت بالسحر وأخرجـته‪ ،‬قـال‪ :‬فكف عثمان رضي اهلل عنه‪ ،‬قال إمنا كان غضبه لقتلها إياها بغري أمره‬
‫(‪)32‬‬
‫‪ .‬وعن جندب اخلري رضي اهلل عنه قال‪( :‬حد الساحر ضربة بالسيف)‬
‫(‪)33‬‬
‫‪ .‬وقتل جندب بن عبد اهلل البجلي رضي اهلل عنه ساحرًا كان عند الوليد بن عقبه‬
‫وأما ما ورد عن أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنهما عندما باعت جارية مدبرة سحرهتا‪ ،‬فيحمل على أن سحرها‬
‫من قبيل األدوية الضارة‪ ،‬والتدخينات املؤذية‪ ،‬كي متوت أم املؤمنني‪ ،‬فيتحقق عتقها‪ ،‬ولذا أمرت عائشة رضي اهلل‬
‫‪:-‬عنها بعقاب تلك اجلارية بنقيض قصدها‪ ،‬كما هو ظاهر يف احلديث التايل‬
‫فعن عمرة قالت‪ (( - :‬اشتكت عائشة فطال شكواها‪ ،‬فقدم إنسان املدينة يتطبب فذهب بنو أخيها يسألونه عن‬
‫وجعها‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل إنكم تنعتون نعت امرأة مطبوبة (‪ ، )34‬قال هذه امرأة مسحورة سحرهتا جارية هلا‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫نعـم (‪ )35‬أردت أن متـويت فأعتق‪ ،‬قال وكانت مدبرة‪ ،‬قالت‪ :‬فبيعوها يف أشد العرب ملكة (‪ ، )36‬واجعلوا مثنها يف‬
‫(‪)37‬‬
‫‪ .).‬مثلها))‬
‫‪:-‬وقد أجاب اإلمام الشافعي عن هذا األثر قائًال‬
‫وأما بيع عائشة اجلارية ومل تأمر بقتلها‪ ،‬فيشبه أن تكون مل تعرف ما السحر فباعتها؛ ألن هلا بيعها عندنا‪ ،‬وإن مل (‬
‫)‪(38‬‬
‫)تسحرها‪ ،‬ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك‪ ،‬ما تركت قتلها إن مل تتب‪ ،‬أو دفعتها إىل اإلمام ليقتلها‬ ‫‪.‬‬

‫السحر يدخل يف الشرك من جهتني‪ - :‬من جهة ما فيه من استخدام الشياطني ومن التعلق هبم‪ ،‬ورمبا تقرب إليهم‬
‫مبا حيبون ليقوموا خبدمته ومطلوبه‪ ،‬ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب‪ ،‬ودعوى مشاركة اهلل يف علمه وسلوك‬
‫الطرق املفضية إىل ذلك‪ ،‬وذلك من شعب الشرك والكفر‬

‫ويقول ابن تيمية‪( :‬إذا تقرب صاحب العزائم وكتب الروحانيات السحرية وأمثال ذلك إىل الشياطني مبا حيبون من‬
‫الكفر والشرك‪ ،‬صار ذلك كالرشوة هلم‪ ،‬فيقضون بعض أغراضه‪ ،‬كمن يعطي غريه ماًال ليقتل له من يريد قتله‪...‬‬
‫وهلذا كثري من هذه األمور يكتبون فيها كالم اهلل بالنجاسة‪ ،‬وقد يقلبون حروف كالم اهلل عز وجل‪ ،‬إما حروف‬
‫الفاحتة‪ ،‬وإما حروف قل هو اهلل أحد وإما غريمها‪ ..‬فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطني‪ ،‬أعانتهم على بعض‬
‫(‪)48‬‬
‫‪ .‬أغراضهم‪)...‬‬
‫ويقول السبكي‪ - :‬وأما مذهب الشافعي فحاصله أن السحر له ثالثة أحوال‪ :‬حال يقتل كفرًا‪ ،‬وحال يقتل‬
‫قصاصًا‪ ،‬وحال ال يقتل أصًال بل يعزر‪ ،‬أما احلالة اليت يقتل فيها كفرًا‪ ،‬فقال الشافعي رمحه اهلل‪ - :‬أن يعمل‬
‫بسحره‪ ،‬ما يبلغ الكفر‪ ،‬وشرح أصحابه ذلك بثالثة أمثلة‪ - :‬أحدمها أن يتكلم بكالم هو كفر وال شك يف أن‬
‫‪.‬ذلك موجب للقتل‬
‫‪.‬املثال الثاين‪ - :‬أن يعتقد ما اعتقده من التقريب إىل الكواكب السبعة‪ ،‬وأهنا تفعل بأنفسها فيجب عليه أيضًا القتل‬
‫)املثال الثالث‪ - :‬أن يعتقد أنه يقدر به علـى قلب العيان‪ ،‬فيجب عليه القتل كما قاله القاضي حسني واملاوردي‬

‫ويف إيراد املصنف (البخاري) هذه اآلية إشارة إىل اختيار احلكم بكفر الساحر لقوله فيها‪َ - :‬و َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن‬
‫َو َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر فإن ظاهرها أهنم كفروا بذلك‪ ،‬وال يكفر بتعليم الشيء إال وذلك‬
‫الشيء كفر‪ ،‬وكذا قوله يف اآلية على لسان امللكني‪ِ :‬إَّنَم ا َنْح ُن ِفْتَنٌة َفَال َتْك ُفْر فإن فيه إشارة إىل أن تعلم السحر‬
‫كفر‪ ،‬فيكون العمل به كفرًا‪ ،‬وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه‪ ،‬وقد زعم بعضهم أن‬
‫(‪)53‬‬
‫‪ .‬السحر ال يصح إال بذلك‪ ،‬وعلى هذا فتسميته ما عدا ذلك سحرًا جماز)‬
‫وقال الدردير‪( :‬وسحر فيكفر بتعلمه‪ ،‬وهو كالم يعظم به غري اهلل تعاىل‪ ،‬وينسب إليه املقادير‪ ،‬مث إن جتاهر به‬
‫فيقتل إن مل يتب‪ ،‬وإن أسره فحكم الزنديق‪ ،‬يقتل بدون استتابة‪ ،‬وشهر بعضهم عدم االستتابة مطلقًا)‬

‫قال تعاىل‪َ :‬و ِم ن َشِّر الَّنَّف اَثاِت ِفي اْلُعَق ِد [الفلق‪ ]4:‬والنفاثات هن السواحر يعقدن وينفثن‪ .‬واملقصود أنه قد ثبت‬
‫‪.‬هبذه النصوص وغريها مما سنذكر ومما ال نذكر أن السحر حقيقة وجوده‬

‫فمنه ما ميرض ومنه ما يقتل ومنه ما يأخذ بالعقول ومنه ما يأخذ باألبصار ومنه ما يفرق بني املرء )وله تأثري(‬
‫وزوجه‪( ،‬لكن) تأثريه ذلك إمنا هو (مبا قَّدره القدير) سبحانه وتعاىل‪ ،‬أي مبا قضاه وقدره عندما يلقى الساحر ما‬
‫ألقى‪ ،‬ولذا قلنا (أعين بذا التقدير) يف قوله مبا قدره القدير (ما قد قدره يف الكون) وشاءه (ال) أنه أمر به (يف‬
‫الشرعة) اليت أرسل اهلل هبا رسله وأنزل هبا كتبه (املطهرة)‪ ،‬من ذلك وغريه كما تقدم أن القضاء واألمر واحلكم‬
‫واإلرادة كل منها ينقسم على كوين وشرعي‪ ،‬فالكوين يشمل ما يرضاه اهلل وحيبه شرعًا‪ ،‬وما ال يرضاه يف الشرع‬
‫وال حيبه‪ ،‬والشرعي خيتص مبرضاته سبحانه وتعاىل وحمابه‪ ،‬وهلذا قال تعاىل يف الشرعي‪ُ :‬يِر يُد الّلُه ِبُك ُم اْلُيْسَر َو َال‬
‫ُيِر يُد ِبُك ُم اْلُعْسَر [البقرة‪]185:‬وقال عز وجل‪َ :‬و ال َيْر َض ى ِلِعَباِدِه اْلُكْف َر َو ِإن َتْش ُك ُر وا َيْر َضُه َلُك ْم [الزمر‪:‬‬
‫‪ ]7‬فأخرب تعاىل أنه يريد بعباده اليسر وال يريد هبم العسر وأنه يرضى هلم الشكر وال يرضى هلم الكفر‪ ،‬مع كون‬
‫كل من العسر واليسر والشكر والكفر واقع بقضاء اهلل وقدره وخلقه وتكوينه ومشيئته‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬الَّلُه َخ اِلُق‬
‫ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه َو َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َو ِكيٌل [الزمر‪ ]62:‬وقال تعاىل‪ِ :‬إَّنا ُك َّل َش ْي ٍء َخ َلْق َناُه ِبَق َد ٍر [القمر‪]49:‬واملقصود‬
‫أن السحر ليس مبؤثر لذاته نفعًا وال ضرًا وإمنا يؤثر بقضاء اهلل تعاىل وقدره‪ ،‬وخلقه وتكوينه‪ ،‬ألنه تعاىل خالق اخلري‬
‫ِب‬ ‫ِء ِج ِه‬ ‫ِبِه‬ ‫ِم‬
‫والشر‪ ،‬والسحر من الشر‪ ،‬وهلذا قال تعاىل‪َ :‬فَيَتَعَّلُم وَن ْنُه َم ا َم ا ُيَف ِّر ُقوَن َبْيَن اْلَمْر َو َز ْو َو َم ا ُه م َض آِّر يَن‬
‫ِبِه ِم ْن َأَح ٍد ِإَّال ِبِإ ْذِن الّلِه [البقرة‪ ]102:‬وهو القضاء الكوين القدري‪ ،‬فإن اهلل تعاىل مل يأذن بذلك شرعًا‪ ،‬وقد‬
‫ثبت يف (الصحيحني) من طرق عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪(( :‬سحر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حىت إنه‬
‫ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله‪ ،‬حىت إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا اهلل عز وجل ودعاه مث قال‪ :‬أشعرت‬
‫يا عائشة‪ ،‬إن اهلل قد أفتاين فيما استفتيته فيه قلت‪ :‬وما ذاك يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬جاءين رجالن فجلس أحدمها عند‬
‫رأسي واآلخر عند رجلي‪ ،‬مث قال أحدمها لصاحبه‪ :‬ما وجع الرجل؟ قال‪ :‬مطبوب‪ .‬قال‪ :‬ومن طبه؟ قال‪ :‬لبيد بن‬
‫األعصم اليهودي من بين زريق‪ .‬قال‪ :‬فبماذا؟ قال‪ :‬مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر‪ .‬قال‪ :‬فأين؟ قال‪ :‬يف بئر ذي‬
‫أروان‪ .‬قال فذهب النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أناس من أصحابه إىل البشر فنظر إليها وعليها خنل مث رجع إىل‬
‫عائشة فقال‪ :‬واهلل لكأن ماءها نقاعة احلناء‪ ،‬ولكأن خنلها رءوس الشياطني‪ .‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل أفأخرجته‪ :‬قال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬أما أنا فقد عافاين اهلل عز وجل وشفاين وخشيت أن أثور على الناس منه شرًا وأمر هبا فدفنت)) (‪ . )56‬ويف‬
‫رواية قال‪(( :‬ومن طبه؟ قال لبيد بن األعصم رجل من بين زريق حليف ليهود كان منافقًا‪ .‬قال وفيم؟ قال يف‬
‫مشط ومشاقة‪ .‬قال‪ :‬وأين؟ قال يف جف طلعة ذكر حتت راعوفة يف بئر ذروان – وذكره –)) (‪ )57‬هذا لفظ‬
‫البخاري املشاطة ما خيرج من الشعر‪ ،‬واملشط أسنان ما ميشط به‪ ،‬واملشاقة من مشاقة الكتان‪ ،‬وجف طلعة‬
‫غشاؤها وهو الوعاء الذي يكون فيه الطلع‪ ،‬حتت راعوفة هو حجر يرتك يف البئر عند احلفر ثابت ال يستطاع قلعه‬
‫يقوم عليه املستقى‪ ،‬وقيل حجر على رأس البئر يستقي عليه املستقي‪ ،‬وقيل حجر بارز من طيها يقف عليها املستقي‬
‫‪.‬والناظر فيها‪ ،‬وقيل يف أسفل البئر جيلس عليه الذي ينظفها ال ميكن قلعه لصالبته‪ .‬واهلل سبحانه وتعاىل أعلم‬

‫ال اإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل يف (شرح مسلم)‪ :‬قال املازري رمحه اهلل تعاىل‪ :‬مذهب أهل السنة ومجهور علماء‬
‫األمة على إثبات السحر وأن له حقيقة كحقيقة غريه من األشياء الثابتة خالفًا ملن أنكر ذلك ونفى حقيقته وأضاف‬
‫ما يقع منه إىل خياالت باطلة ال حقائق هلا‪ ،‬وقد ذكره اهلل تعاىل يف كتابه وذكر أنه مما يتعلم‪ ،‬وذكر ما فيه إشارة‬
‫إىل أنه مما يكفر به‪ ،‬وأنه يفرق بني املرء وزوجه‪ ،‬وهذا كله ال ميكن فيما ال حقيقة له‪ ،‬وهذا احلديث أيضًا مصرح‬
‫بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت‪ ،‬وهذا كله يبطل ما قالوه فإحالة كونه من احلقائق حمال‪ ،‬وال يستنكر يف العقل‬
‫أن اهلل سبحانه وتعاىل خيرق العادة عند النطق بكالم ملفق أو تركيب أجسام أو املزج بني قوى على ترتيب ال‬
‫يعرفه إال الساحر‪ ،‬وإذا شاهد اإلنسان بعض األجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كاألدوية احلادة ومنها‬
‫مضرة كاألدوية املضادة للمرض مل يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتاله أو كالم مهلك أو مؤد إىل‬
‫التفرقة‪ .‬قال‪ :‬ومن أنكر من بعض املبتدعة هذا احلديث بسبب آخر فزعم أنه حيط من منصب النبوة ويشكك فيها‬
‫وأن جتويزه مينع الثقة بالشرع‪ ،‬وهذا الذي ادعاه هؤالء املبتدعة باطل ألن الدالئل القطعية قد قامت على صدقه‬
‫وصحته‪ ،‬وعصمته صلى اهلل عليه وسلم فيما يتعلق بالتبليغ واملعجزة شاهدة بذلك‪ ،‬وجتويز ما قام الدليل خبالفه‬
‫باطل‪ .‬فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا اليت مل يبعث بسببها وال كان مفضًال من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغري‬
‫بعيد أن خييل إليه من أمور الدنيا ما ال حقيقة له‪ ،‬وقد قيل إنه إمنا كان خييل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ‪،‬‬
‫وقد يتخيل اإلنسان مثل هذا يف املنام فال يبعد ختيله يف اليقظة وال حقيقة له‪ ،‬وقيل إنه خييل إليه أنه فعل وما فعله‪،‬‬
‫ولكن ال يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد‪ .‬قال القاضي عياض رمحه اهلل تعاىل‪ :‬وقد جاءت‬
‫روايات هذا احلديث مبينة أن السحر إمنا تسلط على جسده وظواهر جوارحه ال على عقله وقلبه واعتقاده‪.‬‬
‫ويكون معىن قوله يف احلديث حىت يظن أنه يأيت أهله وال يأتيهن‪ ،‬ويروى خييل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم‬
‫عادته القدرة عليهن‪ ،‬فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأهتن ومل يتمكن من ذلك كما يعرتي املسحور‪ .‬وكل‬
‫ما جاء يف الروايات من أنه خييل إليه فعل شيء مل يفعله وحنوه فمحمول على التخيل بالبصر ال كاخللل تطرق إىل‬
‫العقل وليس يف ذلك ما يدخل لبسًا على الرسالة وال طعنًا ألهل الضاللة واهلل أعلم ا‪ .‬هـ‪ .‬قلت‪ :‬قول املازري‬
‫خالفًا ملن أنكر ذلك‪ ،‬قال ابن هبرية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬أمجعوا على أن السحر له حقيقة‪ ،‬إال أبا حنيفة فإنه قال‪ :‬ال‬
‫حقيقة له عنده‪ .‬مث ذكر االختالف يف حكم الساحر‪ ،‬وقال القرطيب رمحه اهلل تعاىل‪ :‬وعندنا أن السحر حق وله‬
‫‪.‬حقيقة خيلق اهلل عنده ما يشاء خالفًا للمعتزلة وأيب إسحاق اإلسفراييين حيث قالوا إنه متويه وختييل اهـ‬
‫قلت‪ :‬قد ثبت وتقرر من هذا وغريه حتقق السحر وتأثريه بإذن اهلل بظواهر اآليات واألحاديث وأقوال عامة‬
‫الصحابة‪ ،‬ومجاهري العلماء بعدهم رواية ودراية‪ ،‬فأما القتل به واألمراض والتفرقة بني املرء وزوجه وأخذه باألبصار‬
‫فحقيقة ال مكابرة فيها‪ ،‬وأما قلب األعيان كقلب اجلماد حيوانًا وقلب احليوان من شكل إىل آخر فليس مبحال يف‬
‫قدرة اهلل عز وجل وال غري ممكن‪ ،‬فإنه هو الفاعل يف احلقيقة وهو الفعال ملا يريد‪ ،‬فال مانع من أن حيول اهلل ذلك‬
‫عندما يلقى الساحر ما ألقى امتحانًا وابتالء وفتنة لعباده‪ ،‬ولكن الذي أخربنا اهلل تعاىل به يف الواقع من سحرة‬
‫فرعون يف قصتهم مع موسى إمنا هو التخييل واألخذ باألبصار حىت رأوا احلبال والعصي حيات‪ ،‬فنؤمن باخلرب‬
‫‪.‬ونصدقه وال نتعداه وال نبدل قوًال غري الذي قيل لنا وال نقول على اهلل ما ال نعلم‪ .‬وباهلل التوفيق‬

‫‪:‬حكم الساحر‬
‫تعَّلمه أو عَّلمه عمل به أو مل يعمل (بالتكفري) أي بأنه كفر هبذا الذنب الذي هو السحر‪) ،‬واحكم على الساحر(‬
‫‪:‬وذلك واضح صريح يف آية البقرة بأمور‬
‫وٌل ِّم ِع نِد الّلِه‬
‫منها سبب عدول اليهود إليه وهو نبذهم الكتاب كتاب اهلل وراء ظهورهم‪َ :‬و َلَّم ا َج اءُه ْم َرُس ْن‬
‫ُمَص ِّد ٌق ِّلَم ا َم َعُه ْم َنَبَذ َفِر يٌق ِّم َن اَّلِذ يَن ُأوُتوْا اْلِكَتاَب ِكَتاَب الّلِه َو َر اء ُظُه وِر ِه ْم َك َأَّنُه ْم َال َيْع َلُم وَن [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]101‬سواء أريد بالكتاب التوراة اليت بأيديهم أو القرآن الذي جاء به حممد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬كل ذلك نبذه‬
‫كفر‪ ،‬وقد علم أن السحر ال يعمل إال مع من كفر باهلل‪ ،‬وهذا معلوم من سبب نزول اآلية كما قال الربيع بن أنس‬
‫وغريه‪ :‬إن اليهود سألوا حممدًا صلى اهلل عليه وسلم زمانًا عن أمور التوراة ال يسألونه عن شيء من ذلك إال أنزل‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل ما سألوه عنه فيخصمهم‪ ،‬فلما رأوا ذلك قالوا‪ :‬هذا أعلم مبا أنزل إلينا منا‪ ،‬وأهنم سألوه عن‬
‫السحر وخاصموه به فأنزل اهلل عز وجل‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن‬
‫‪َ.‬و َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر [البقرة‪ ]102:‬اآليات‬
‫ومنها قوله‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن تتقوله وتزوره َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن أي يف ملكه وعهده‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫استبدال ما تتلوه الشياطني وتتقوله واالنقياد له والعمل به عوضًا عما أوحى اهلل تعاىل إىل رسوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم هذا من أعظم الكفر‪ ،‬وهو من عبادة الطاغوت اليت هي أصل الكفر‪ ،‬وقد مسى اهلل تعاىل طاعة العلماء‬
‫واألمراء يف حتليل ما حرم اهلل أو حترمي ما أحله‪ ،‬مسى ذلك عبادة وأنه اختاذ هلم أربابًا من دون اهلل فقال‬
‫تعاىل‪ :‬اَّتَخ ُذ وْا َأْحَباَر ُه ْم َو ُر ْه َباَنُه ْم َأْرَباًبا ِّمن ُدوِن الّلِه[التوبة‪ ]31:‬اآلية‪ ،‬قال عدي بن حامت رضي اهلل عنه حني‬
‫مسع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يتلوها‪ :‬إنا لسنا نعبدهم‪ ،‬قال‪(( :‬أليس حيلون ما حرم اهلل فتحلونه‪ ،‬وحيرمون‬
‫ما أحل اهلل فتحرمونه؟)) قال بلى‪ .‬قال‪(( :‬فتلك عبادتكم إياهم)) (‪ ، )58‬وهلذا قال تعاىل بعدها‪َ :‬و َم ا ُأِم ُر وْا ِإَّال‬
‫ِلَيْع ُبُد وْا ِإَلـًه ا َو اِح ًد ا َّال ِإَلـَه ِإَّال ُه َو ُس ْبَح اَنُه َعَّم ا ُيْش ِر ُك وَن [التوبة‪ ]31:‬فإذا كان هذا يف طاعة األحبار والرهبان‬
‫فكيف يف طاعة الشيطان فيما ينايف الوحي‪ ،‬فهل فوق هذا الشرك من كفر؟ ُس ْبَح اَن الَّلِه َعَّم ا ُيْش ِر ُك وَن وعبادة‬
‫الشيطان هي اتباعه فيما أمر به من الكفر والضالل ودعا إليه‪ ،‬كما قال عز وجل فيه إمنا يدعو حزبه ليكونوا من‬
‫ِن‬
‫أصحاب السعري‪ ،‬وكما يقول للمجرمني يوم القيامة‪َ :‬أَلْم َأْع َه ْد ِإَلْيُك ْم َيا َب ي آَدَم َأن َّال َتْع ُبُد وا الَّش ْيَطاَن ِإَّنُه َلُك ْم‬
‫َعُد ٌّو ُّمِبيٌن َو َأْن اْع ُبُد وِني َه َذ ا ِص َر اٌط ُّمْس َتِق يٌم َو َلَق ْد َأَض َّل ِم نُك ْم ِج ِبًّال َك ِثيًر ا َأَفَلْم َتُك وُنوا َتْع ِق ُلوَن [يس‪-60:‬‬
‫‪]62.‬‬
‫ومنها قوله تعاىل‪َ :‬و َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن ‪ ،‬بَّر أ اهلل سبحانه وتعاىل نبيه عليه السالم من الكفر‪ ،‬وهذا الكفر الذي برأه اهلل‬
‫تعاىل منه هو علم الساحر وعمله‪ ،‬وإن كان بريئًا من الكفر كله كان معصومًا مما هو دونه‪ ،‬لكن سياق اآلية يف‬
‫خصوص السحر وأنه بريء منه‪ ،‬ولو فرض وجود عمله به لكفر ألنه شرك والشرك أقبح الذنوب وأعظم احملبطات‬
‫لألعمال كما قال تعاىل يف مجيع رسله سليمان وغريه عليهم السالم بعد أن ذكرهم‪َ :‬ذِلَك ُه َد ى الّلِه َيْه ِد ي ِبِه َم ن‬
‫َيَش اء ِم ْن ِع َباِدِه َو َلْو َأْش َر ُك وْا َلَح ِبَط َعْنُه م َّما َك اُنوْا َيْع َم ُلوَن [األنعام‪ ،]88 :‬وهذا معلوم من أصل القصة فإن‬
‫اليهود قاتلهم اهلل تلقوا السحر عن الشياطني ونسبوه إىل سليمان عليه السالم‪ ،‬فربأه اهلل تعاىل من إفكهم هبذه اآلية‪،‬‬
‫كما قال جماهد رمحه اهلل تعاىل يف هذه اآلية‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن قال‪ :‬كانت‬
‫الشياطني تستمع الوحي فما مسعوا من كلمة زادوا فيها مائتني مثلها‪ ،‬فأرسل سليمان عليه السالم إىل ما كتبوا من‬
‫ذلك‪ ،‬فلما تويف سليمان وجدته الشياطني وعلمته الناس وهو السحر‪ .‬وقال سعيد بن جبري رمحه اهلل تعاىل‪ :‬كان‬
‫سليمان عليه السالم يتبع ما يف أيدي الشياطني من السحر فيأخذه منهم فيدفنه حتت كرسَّيِه يف بيت خزانته فلم‬
‫تقدر الشياطني أن يصلوا إليه‪ ،‬فدنت إىل اإلنس فقالوا هلم‪ :‬أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطني‬
‫والرياح وغري ذلك؟ قالوا نعم‪ .‬قالوا فإنه يف بيت خزانته وحتت كرسيه‪ ،‬فاستثار به اإلنس واستخرجوه وعملوا به‪،‬‬
‫فقال أهل احلجاز – يعين اليهود من أهل احلجاز – كان سليمان يعمل هبذا وهو سحر‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل على نبيه‬
‫حممد صلى اهلل عليه وسلم براءة سليمان عليه السالم فقال تعاىل‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن‬
‫َو َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن َو َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر وقال حممد بن إسحاق بن يسار‪( :‬عمدت‬
‫الشياطني حني عرفت موت سليمان بن داود عليهما السالم فكتبوا أصناف السحر‪ ،‬من كان حيب أن يبلغ كذا‬
‫وكذا فليفعل كذا وكذا‪ ،‬حىت إذا صنفوا السحر جعلوه يف كتاب مث ختموه خبامت على نقش خامت سليمان وكتبوا‬
‫يف عنوانه‪ :‬هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم‪ ،‬مث دفنوه حتت‬
‫كرسيه واستخرجته بعد ذلك بقايا بين إسرائيل حىت أحدثوا ما أحدثوا‪ ،‬فلما عثروا عليه قالوا واهلل ما كان ملك‬
‫سليمان إال هبذا‪ ،‬فأفشوا السحر يف الناس فتعلموه وعلموه‪ ،‬فليس هو يف أحد أكثر منه يف اليهود لعنهم اهلل‪ ،‬فلما‬
‫ذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيما نزل عليه من اهلل سليمان بن داود وعده فيمن عد من املرسلني قال من‬
‫كان باملدينة من اليهود‪ :‬تعجبون من حممد يزعم أن ابن داود كان نبيًا‪ ،‬واهلل ما كان إال ساحرًا‪ .‬وأنزل اهلل تعاىل‬
‫يف ذلك‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن َو َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن‬
‫الَّناَس الِّس ْح َر )) [البقرة‪ ,]102 :‬اآلية) (‪ . )59‬وروى ابن أيب حامت عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬كان‬
‫آصف كاتب سليمان‪ ،‬وكان يعلم االسم األعظم‪ ،‬وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه حتت كرسيه‪ .‬فلما‬
‫مات سليمان أخرجته الشياطني فكتبوا بني كل سطرين سحرًا وكفرًا وقالوا‪ :‬هذا الذي كان سليمان يعمل به‪.‬‬
‫قال فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماء الناس‪ ،‬فلم يزل جهال الناس يسبونه حىت أنزل اهلل على حممد صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪َ :‬و اَّتَبُعوْا َم ا َتْتُلوْا الَّش َياِط يُن َعَلى ُمْلِك ُس َلْيَم اَن َو َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن َو َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا‬
‫ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر )) (‪)60‬وتفاسري السلف وآثارهم يف هذه اآلية كثرية جدًا‪ ،‬وما كان منه إسرائيليًا فهو من‬
‫القسم املقبول ملوافقته ظاهر اآلية يف أن اليهود تعلموا السحر من الشياطني ورموا به نيب اهلل سليمان وأكفروه به‬
‫وسبوه‪ ،‬وخاصموا به حممدًا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ونبذوا كتاب اهلل وراء ظهورهم‪ ،‬فبني اهلل تعاىل ما‬
‫لبسوه وهدم ما أسسوه وبرأ نبيه سليمان عليه السالم مما ائتفكوه وأقام احلجة عليهم يف بطالن ما انتحلوه فلله‬
‫‪.‬احلمد واملنة‬
‫ومنهـا قوله تعاىل‪َ :‬و َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر [البقرة‪ ]102:‬أكذب اهلل تعاىل اليهود فيما‬
‫نسبوه إىل نبيه سليمان عليه السالم بقوله‪َ :‬و َم ا َكَف َر ُس َلْيَم اُن وهم إمنا نسبوا السحر إليه‪ ،‬والزم ما نسبوه إليه هو‬
‫الكفر ألن السحر كفر‪ ،‬وهلذا أثبت كفر الشياطني بتعليمهم الناس السحر فقال تعاىل‪َ :‬و َلـِكَّن الَّش ْياِط يَن َكَف ُر وْا‬
‫ُيَعِّلُم وَن الَّناَس الِّس ْح َر وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطني الذين علموه‬
‫الناس‪ ،‬إذ ال فرق بينه وبينهم‪ ،‬بل هو تلميذ الشيطان وخرجيه‪ ،‬عنه روى وبه خترج وإياه اتبع‪ ،‬وهلذا قال تعاىل يف‬
‫امللكني‪َ :‬و َم ا ُيَعِّلَم اِن ِم ْن َأَح ٍد َح َّتى َيُقوَال ِإَّنَم ا َنْح ُن ِفْتَنٌة َفَال َتْك ُفْر فبني تعاىل أنه مبجرد تعلمه يكفر سواء عمل به‬
‫وعلمه أو ال‪ .‬وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪(( :‬فإذا أتامها علما اخلري والشر والكفر واإلميان فعرفا أن السحر‬
‫من الكفر‪ ،‬قال فإذا أىب عليهما أمراه أن يأيت مكان كذا وكذا فإذا أتى عاين الشيطان فعلمه‪ ،‬فإذا تعلمه خرج منه‬
‫النور فنظر إليه ساطعًا يف السماء فيقول‪ :‬يا حسرتاه يا ويله ماذا صنع)) (‪ . )61‬وروى ابن أيب حامت عن احلسن‬
‫البصري أنه قال يف تفسري هذه اآلية‪ (( :‬نعم أنزل امللكان بالسحر ليعلما الناس البالء الذي أراد اهلل تعاىل أن يبتلي‬
‫به الناس‪ ،‬فأخذ عليهما امليثاق أن ال يعلما أحدًا حىت يقوال إمنا حنن فتنة فال تكفر)) (‪ ، )62‬وقال قتادة كان أخذ‬
‫عليهما أن ال يعلما أحدًا حىت يقوال‪ِ :‬إَّنَم ا َنْح ُن ِفْتَنٌة أي بالء ابتلينا به َفَال َتْك ُفْر وقال السدي إذا أتامها إنسان يريد‬
‫السحر وعظاه وقاال له‪ :‬ال تكفر إمنا حنن فتنة‪ ،‬فإذا أىب قاال له ائت هذا الرماد فبل عليه فإذا بال عليه خرج منه‬
‫نور فسطع حىت يدخل السماء وذلك اإلميان‪ ،‬وأقبل شيء أسود كهيئة الدخان حىت يدخل يف مسامعه وكل شيء‬
‫وذلك غضب اهلل‪ ،‬فإذا أخربمها بذلك علماه السحر فذلك قول اهلل تعاىل‪َ :‬و َم ا ُيَعِّلَم اِن ِم ْن َأَح ٍد َح َّتى َيُقوَال ِإَّنَم ا‬
‫َنْح ُن ِفْتَنٌة َفَال َتْك ُفْر اآلية‪ .‬وعن ابن جريج يف هذه اآلية‪ :‬ال جيرتئ على السحر إال كافر‪ ،‬والفتنة هي احملنة‬
‫‪.‬واالختبار‬
‫ٍق ِب‬ ‫ِف ِخ ِة ِم‬ ‫ِل‬ ‫َّل‬
‫ومنها قوله تعاىل‪َ :‬و َيَتَع ُم وَن َم ا َيُضُّر ُه ْم َو َال َينَف ُعُه ْم َو َلَق ْد َع ُم وْا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه ي اآل َر ْن َخ َال َو َل ْئَس‬
‫‪َ.‬م ا َش َر ْو ْا ِبِه َأنُفَس ُه ْم َلْو َك اُنوْا َيْع َلُم وَن [البقرة‪]102:‬‬
‫ومنها قوله تعاىل‪َ :‬و َلْو َأَّنُه ْم آَم ُنوْا يعين مبحمد صلى اهلل عليه وسلم والقرآن واَّتَق ْو ا السحر وسائر الذنوب َو َلْو‬
‫َأَّنُه ْم آَم ُنوْا واَّتَق ْو ا َلَم ُثوَبٌة ِّمْن ِع نِد الَّله َخ ْيٌر [البقرة‪ ]103:‬وهذا من أصرح األدلة على كفر الساحر ونفي‬
‫اإلميان عنه بالكلية‪ ،‬فإنه ال يقال للمؤمن املتقي‪ :‬ولو أنه آمن واتقى‪ ،‬وإمنا قال تعاىل ذلك ملن كفر وفجر وعمل‬
‫بالسحر واتبعه وخاصم به رسوله ورمى به نبيه ونبذ الكتاب وراء ظهره‪ ،‬وهذا ظاهر ال غبار عليه واهلل أعلم‪ .‬وقد‬
‫صرح بذلك أئمة السلف من الصحابة والتابعني‪ ،‬وإمنا اختلفوا يف القدر الذي يصري به كافرًا‪ ،‬والصحيح أن السحر‬
‫‪.‬املتعلم من الشياطني كله كفر قليله وكثريه كما هو ظاهر القرآن‬
‫‪:‬عقوبة الساحر شرعًا ووعيدًا ‪-‬‬
‫أي حُّد الساحر (القتل) ضربة بالسيف (بال نكري) بل هو ثابت بالكتاب من عموم النصوص يف الكفار )وحده(‬
‫املرتدين وغريهم (كما أتى) ثابتًا (يف السنة املصرحة) الثابتة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم (مما رواه الرتمذي) حممد‬
‫بن عيسى بن سورة مبهملتني ابن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الرتمذي احلافظ الضرير أحد األعالم‬
‫وصاحب اجلامع والتفسري عن خلق مذكورين يف ترامجهم من جامعه وغريه‪ ،‬وعنه حممد بن إمساعيل السمرقندي‬
‫ومحاد بن شكر وأبو العباس حممد بن أمحد احملبويب راوي اجلامع واهليثم بن كليب وخلق من أهل مسرقند ونسف‬
‫وتلك الديار‪ ،‬وقال ابن حبان كان ممن مجع وصنف‪ ،‬قال أبو العباس املستغفري مات سنة تسع وسبعني ومائتني‪،‬‬
‫مرفوعًا (وصححه) موقوفًا (عن جندب) هو ابن عبد اهلل بن سفيان البجلي العلقمي أو العلقي له ثالثة وأربعون‬
‫حديثًا اتفقا على سبعة وانفرد مسلم خبمسة‪ .‬روى عنه احلسن وابن سريين وأبو جملز‪ ،‬مات بعد الستني‪ ،‬قال رمحه‬
‫اهلل تعاىل‪( :‬باب ما جاء يف حد الساحر حدثنا أمحد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن إمساعيل بن مسلم عن احلسن‬
‫عن جندب قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪(( :‬حد الساحر ضربة بالسيف)) (‪ , )63‬هذا حديث ال نعرفه‬
‫مرفوعًا إال من هذا الوجه وإمساعيل بن مسلم املكي يضعف يف احلديث من قبل حفظه وإمساعيل بن مسلم العبدي‬
‫البصري قال وكيع هو ثقة ويروي عن احلسن أيضًا والصحيح عن جندب موقوفًا والعمل على هذا احلديث عند‬
‫بعض أهل العلم من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم وغريهم وهو قول مالك بن أنس‪ ،‬وقال الشافعي‪ :‬إمنا يقتل‬
‫الساحر إذا كان يعمل من سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عمًال دون الكفر فلم ير عليه قتًال‪ .‬ويعين بقوله‪ :‬ما يبلغ‬
‫الكفر أي ما كان فيه اعتقاد التصرف لغري اهلل وصرف العبادة له كما يفعله عباد هياكل النجوم من أهل بابل‬
‫وغريهم واهلل أعلم‪( .‬وهكذا يف أثر أمر بقتلهم) يعين السحرة (روي عن عمر) ابن اخلطاب بن نفيل بن عبد العزى‬
‫العدوي أيب حفص املدين أحد فقهاء الصحابة ثاين اخللفاء الراشدين وأحد العشرة املشهود هلم باجلنة وأول من‬
‫مسي أمري املؤمنني‪ ،‬له مخسمائة وتسعة وثالثون حديثًا اتفقا على عشرة وانفرد البخاري بتسعة ومسلم خبمسة‬
‫عشر‪ ،‬وعنه أبناؤه عبد اهلل وعاصم وعبيد اهلل وعلقمة بن أيب وقاص وغريهم‪ ،‬شهد بدرًا واملشاهد واملواقف‪ ،‬وويل‬
‫أمر األمر بعد أيب بكر رضي اهلل عنهما وفتح يف أيامه عدة أمصار‪ ،‬أسلم بعد أربعني رجًال‪ ،‬عن ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما مرفوعًا‪(( :‬إن اهلل تعاىل جعل احلق على لسان عمر وقلبه)) (‪ , )64‬وملا دفن قال ابن مسعود رضي اهلل‬
‫عنه‪(( :‬ذهب اليوم بتسعة أعشار العلم)) (‪ . )65‬استشهد يف آخر سنة ثالث وعشرين ودفن يف أول سنة أربع‬
‫وعشرين يف احلجرة النبوية وهو ابن ثالث وستني وصلى عليه صهيب‪ ،‬ومناقبه مجة قد أفردت يف جملدات‪ .‬وهذا‬
‫األثر املشار إليه يف الباب هو ما رواه اإلمامان اجلليالن أمحد بن حنبل الشيباين وحممد بن إدريس الشافعي رمحهما‬
‫اهلل تعاىل قاال‪ :‬أخربنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنه مسع جبالة بن عبدة يقول كتب عمر بن اخلطاب‬
‫(‪)66‬‬
‫‪ .‬رضي اهلل عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة‪ ،‬قال فقتلنا ثالث سواحر‬
‫نقًال (عن حفصة) بنت عمر بن اخلطاب العدوية أم املؤمنني رضي اهلل عنها (عند مالك) بن أنس بن )وصح(‬
‫مالك بن أيب عامر بن عمرو بن احلارث األصبحي أيب عبد اهلل املدين أحد األعالم يف اإلسالم وإمام دار اهلجرة‪،‬‬
‫ولد سنة ثالث وتسعني ومحل به ثالث سنني‪ ،‬وتويف سنة تسع وسبعني ومائة ودفن بالبقيع رمحه اهلل تعاىل ورضي‬
‫عنه (ما) أي الذي (فيه أقوى) دليل (مرشد للسالك) وهو ما رواه يف موطأه يف باب ما جاء يف الغيلة والسحر من‬
‫كتاب العقول‪ :‬عن حممد بن عبد الرمحن بن سعد بن زرارة أنه بلغه (أن حفصة زوج النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫قتلت جارية هلا سحرهتا‪ ،‬وقد كانت دبرهتا فأمرت هبا فقتلت) (‪ ، )67‬قال مالك‪( :‬الساحر الذي يعمل السحر‪،‬‬
‫ِف ِخ ِة ِم‬ ‫ِل‬
‫ومل يعمل ذلك له غريه‪ ،‬هو مثل الذي قال اهلل تعاىل يف كتابه‪َ :‬و َلَق ْد َع ُم وْا َلَم ِن اْش َتَر اُه َم ا َلُه ي اآل َر ْن‬
‫َخ َالٍق فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه) اهـ‪ .‬قال ابن كثري رمحه اهلل‪( :‬وقد روي من طرق متعددة أن‬
‫الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بني يديه فكان يضرب رأس الرجل مث يصيح به فريد إليه رأسه‪ ،‬فقال‬
‫الناس‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬حييي املوتى! ورآه رجل من صاحل املهاجرين فلما كان الغد جاء مشتمًال على سيفه وذهب‬
‫يلعب لعبه ذلك فاخرتط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر وقال‪ :‬إن كان صادقًا فليحي نفسه‪ ،‬وتال قوله‬
‫تعاىل‪َ :‬أَفَتْأُتوَن الِّس ْح َر َو َأنُتْم ُتْبِص ُر وَن [األنبياء‪ ]3 :‬فغضب الوليد إذ مل يستأذنه يف ذلك فسجنه مث أطلقه واهلل‬
‫أعلم)‪ .‬وقال اإلمام أبو بكر اخلالل‪ :‬أخربنا عبد اهلل بن أمحد بن حنبل حدثين أيب أخربنا حيىي بن سعيد حدثين أبو‬
‫إسحاق عن حارثة فقال‪( :‬كان عند بعض األمراء رجل يلعب فجاء جندب مشتمًال على سيفه فقتله‪ ،‬قال أراه‬
‫(‪)68‬‬
‫‪ ...‬كان ساحرًا)‪ .‬ومحل الشافعي رمحه اهلل تعاىل قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركًا‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال ابن هبرية‪ :‬وهل يقتل مبجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأمحد‪ :‬نعم‪ ،‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ال‪ ،‬فأما إن‬
‫ُقتل بسحره إنسان فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأمحد‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ال يقتل حىت يتكرر منه ذلك أو يقر‬
‫بذلك يف حق شخص معني‪ ،‬وإذا فإنه يقتل حدًا عندهم‪ ،‬إال الشافعي فإنه قال يقتل واحلالة هذه قصاصًا‪ .‬قال وهل‬
‫إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأمحد يف املشهور عنه‪ :‬ال تقبل‪ .‬وقال الشافعي وأمحد يف‬
‫الرواية‪ :‬تقبل‪ ،‬وأما ساحر أهل الكتاب فعند أيب حنيفة إنه يقتل كما يقتل الساحر إذا كان مسلمًا‪ ،‬وقال مالك‬
‫وأمحد والشافعي‪ :‬ال يقتل يعفى لقصة لبيد بن األعصم‪ .‬واختلفوا يف املسلمة الساحرة فعند أيب حنيفة إهنا ال تقتل‬
‫ولكن حتبس‪ ،‬وقال الثالثة‪ :‬حكمها حكم الرجل واهلل أعلم)‪ .‬وقال أبو بكر اخلالل أخربنا أبو بكر املروزي قال‬
‫قرأ علي أيب عبد اهلل يعين أمحد بن حنبل‪ :‬عمر بن هارون أخربنا يونس عن الزهري قال يقتل ساحر املسلمني وال‬
‫يقتل ساحر املشركني ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها‪ .‬وقد نقل القرطيب‬
‫عن مالك رمحه اهلل تعاىل أنه قال يف الذمي‪ :‬يقتل إن قتل سحره‪ .‬وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتني يف‬
‫الذمي إذا سحر أحدًا‪ .‬األوىل أنه يستتاب فإن أسلم وإال قتل‪ .‬والثانية أنه يقتل وإن أسلم‪ .‬وأما الساحر املسلم فإن‬
‫تضمن سحره كفرًا كفر عند األئمة األربعة وغريهم لقوله تعاىل‪َ :‬و َم ا ُيَعِّلَم اِن ِم ْن َأَح ٍد َح َّتى َيُقوَال ِإَّنَم ا َنْح ُن ِفْتَنٌة‬
‫َفَال َتْك ُفْر َفَيَتَعَّلُم وَن ِم ْنُه َم ا َم ا ُيَف ِّر ُقوَن ِبِه َبْيَن اْلَمْر ِء َو َز ْو ِج ِه [البقرة‪ ,]102 :‬لكن قال مالك‪ :‬إذا ظهر عليه مل‬
‫تقبل توبته ألنه كالزنديق‪ ،‬فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاءنا تائبًا قبلناه‪ ،‬فإن قتل بسحره قتل‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬فإن‬
‫قال مل أتعمد القتل فهو خمطئ عليه الدية‬

You might also like