Professional Documents
Culture Documents
03 - السوابق القضائية
03 - السوابق القضائية
معالي
الشيخ
qadha.org.sa/ar/books
m@qadha.org.sa
966538999887
@qdha
/qadha_ksa
/qadha.ksa
3
إن احلمد هلل نحمده ،ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا
وسيئات أعاملنا ،من هيد اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد
حممدا عبده ورسوله ،صىل
أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له ،وأشهد أن ً
اهلل عليه وآله وسلم تسلي ًام كثري ًا ،أما بعد:
فهذا بحث خمترص حول السوابق القضائية ،أقدمه ملركز التميز البحثي
جلامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،والبحث حيتوي عىل املباحث
التالية:
املبحث األول :تعريف السوابق القضائية.
املبحث الثاين :وظيفة السوابق القضائية.
املبحث الثالث :فوائد السوابق القضائية.
املبحث الرابع :حجية السابقة القضائية.
املبحث اخلامس :ما جرى به العمل وعالقته بالسوابق القضائية.
املبحث السادس :السوابق القضائية يف القضاء السعودي.
املبحث السابع :السوابق القضائية يف القوانني الوضعية.
أرجو من اهلل التوفيق والسداد ،وهذا أوان البدء يف تناول املوضوع
حسب املواضيع املشار إليها آنف ًا.
4
مدخل
القضايا التي تعرض عىل القايض منها ما هو منصوص عىل حكمه
الكيل يف الكتاب والسنة ،أو كالم أهل العلم ،ومنها ما ال نص فيه من
كتاب وال سنة ومل يتكلم عنه العلامء ويقرروا حكمه(((.
ويف احلال األوىل :فإن وظيفة القايض حتديد النص وتطبيقه عىل
الواقعة وفق ًا إلجراءات تنزيل األحكام عىل الوقائع.
ويف احلال الثانية :يقع عىل القايض عبئان:
األول :االجتهاد يف تقرير احلكم الكيل املالقي للواقعة
استمداد ًا من مصادر الرشع املعروفة.
الثاين :تنزيل ما حيرره القايض من احلكم الكيل عىل الواقعة
حمل النظر القضائي وفق ًا إلجراءات تنزيل احلكم عىل الوقائع.
ويف احلال الثانية يكون القايض يف حكمه قد قرر ح ًّ
ال لواقعة جديدة
مل يسبق تقرير حكم هلا من قبل ويف هذه احلال يكون احلكم سابقة هلذه
النازلة مل يسبق له نظري ،وهذا ما يعرف اليوم بالسابقة القضائية.
***
املبحث األول
تعريف السوابق القضائية
نتناول ألفاظ العنوان بالتعريف ثم تعريفه مركب ًا.
تعريف السوابق يف اللغة:
السوابق مجع مفرده سابقة ،وهو مأخوذ من لفظ سبق ،وهو كام
يقول ابن فارس (ت395 :هـ)« :السني والباء والقاف أصل واحد
صحيح يدل عىل التقدم ،يقال سبق يسبق سبق ًا»((( ،فالسبق هو التقدم
يف اليشء فيقال :سبق الفرس يف احللبة :جاء قبل األفراس ،وسبق عىل
قومه :عالهم كرم ًا(((.
تعريف القضائية:
القضائية نسبة إىل القضاء ،والقضاء يطلق يف اللغة عىل معان منها(((:
ََ َ
-1إحكام اليشء والفراغ منه ،ومنه قوله تعاىل﴿ :فقضى ٰ ُه َّن َس ۡب َع
ََۡۡ
ي﴾ [فصلت.]12 :ِ ات ِف يوم
ٖ َس َم ٰ َو
َ َ َ َ ُّ َ َ َّ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َّ ٓ
ض ربك أل تعبدوا إِل -2اإلجياب واألمر ،ومنه قوله تعاىل﴿ :وق ٰ
إِيَّاهُ﴾ [اإلرساء.]23:
ََ َ َ ََ
-3احلكم واإللزام ،ومنه قوله تعاىل﴿ :فل َّما قض ۡي َنا عل ۡيهِ
ٱل ۡ َم ۡوتَ
﴾ [سبأ.]14:
املبحث الثاني
وظيفة السابقة القضائية
لقد اهتم الفقهاء بأحكام القضاة وجعلوا منها زاد ًا يستفيد به خلف
القضاة من سلفهم ،فقالوا يف آداب القايض :يكون مطلع ًا عىل أحكام
من قبله من القضاة بصري ًا هبا((( ،قال الشيخ :حممد بن إبراهيم آل الشيخ
(ت1389:هـ) :ليستيضء هبا ويبني عليها(((.
وهذا يشمل السوابق القضائية ويبني وظيفتها يف القضاء سواء
للقايض أو غريه ممن يستضيئون باألحكام القضائية ويستعينون هبا يف
أداء مهامهم كاملحامي ،ووظيفة السوابق القضائية تعود إىل أمرين:
األول :استناد القضاة إليها يف أحكامهم:
إن سبق القايض إىل احلكم يف واقعة تعد من النوازل الفقهية مل يسبقه
تقرير حكم كيل هلا جيعل تلك السابقة مستند ًا ملن جيئ بعده من القضاة
يستيضء هبا ويعتمد عليها ما دام قد صح مأخذها وعلم أصلها وبان
تقعيدها بام ظهر يف أسباب حكمها((( ،وقد كان القضاء بام قىض به
الصاحلون منهج ًا عند سلفنا فهذا عبد اهلل بن مسعود فيام روى
عرض له منكم قضا ٌء بعد اليوم،عنه عبد الرمحن بن يزيد يقول« :م ْن َ
ِ
فليقض بام ِ
كتاب اهلل ليس يف
أمر َ ِ
كتاب اهلل ،فإن جا َء ٌ ِ
فليقض بام يف
كتاب اهلل ،وال قىضِ ليس يف
أمر َ
قىض به نب ُّي ُه ،فإن جا َء ٌ
ليس َ
الصاحلون ،فإن جا َء أمر َ ِ
فليقض بام َقىض به ِبه نب ُّي ُه ،
((( معني احلكام؛ البن عبد الرفيع ،608/2الروض املربع .524/7
((( فتاوى ورسائل الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ .333/12
((( توصيف األقضية؛ للباحث .442/1
8
َ
الصاحلون؛ كتاب اهلل ،وال قىض به نب ُّي ُه وال قىض ِبه ِ يف
فليجتهد رأ َي ُه»(((.
ْ
ليس يف
أمر َ
والشاهد منه قول عبد اهلل بن مسعود « :فإن جا َء ٌ
ليس يف ِ
كتاب أمر َ ِ
فليقض بام قىض به نب ُّي ُه ،فإن جا َء ٌ ِ
كتاب اهلل
َ
الصاحلون،»... ِ
فليقض بام َقىض به اهلل ،وال قىض ِبه نب ُّي ُه ،
فقد جعل القضاء بام سبقه من قضاء الصاحلني مستند ًا للحكم وقدمه
عىل اجتهاد الرأي.
مما يدل عىل أمهية السابقة القضائية ومكانتها وأهنا مستند لألحكام
التالية هلا.
الثاني :االستضاءة بها يف اإلجراءات:
ثم إجراءات يسلكها القايض حينام يريد حل النزاع يف قضية، َّ
منذ بدء الدعوى وحتى احلكم فيها مما هو مقرر رشع ًا أو نظام ًا وفق ًا
للنظام اإلجرائي وقد تكون بعض املسائل اإلجرائية مل يتعرض هلا
الفقهاء وال النظام فيجتهد القايض يف رسم بعض اإلجراءات أثناء
نظر الدعوى وتسيريها فتكون تلك السوابق اإلجرائية زاد ًا يستنري به
القضاة يف إجراءاهتم القضائية الالحقة ،فيسريون عىل ضوئه ويسلكون
الطريقة التي سلكتها تلك السابقة يف تسيري قضاياهم وهذا أمر جمرب
ومعمول به.
***
((( رواه النسائي ،230/8وهو برقم ،5397 ،5398والبيهقي يف السنن الكربى ،115/10
قال عبد القادر األرناؤوط يف تعليقه عىل جامع األصول البن األثري (« :)180/10وإسناده
صحيح».
9
املبحث الثالث
فوائد السوابق القضائية
للسوابق القضائية فوائد وثمرات مجة من أبرزها:
-1تذليل السبل أمام القضاة.
فتكون هذه السوابق معينة للقضاة يف حل النوازل احلادثة مما يسهل
عليهم الفصل يف األحكام ويزيل عنهم الريب والرتدد فيها ،ألنه جيد من
سبقه قد كفاه مؤنة حتليل النازلة وتذليلها وتقعيدها وتأصيلها فيكون ذلك
زاد ًا مهيئ ًا له للفصل يف النازلة التي ينظرها ،وهذا يؤكد عىل القضاة يف حل
مثل هذه النوازل االعتناء بتسبيبها بام يظهر ما ذكرنا من التقعيد والتأهيل
للمسألة حمل احلكم.
-2إثراء االجتهاد الفقهي.
فتكون هذه السوابق إضاءة للفقهاء فيام يقررونه من أحكام النوازل
الفقهية فيام سبق تناول القضاة له من السوابق القضائية ،فيجد الفقهاء أن
القضاة قد كفوهم مؤنة تصوير املسألة ،وتقرير أدلتها مما يعينهم عىل تقرير
حكم كيل هلا مبني عىل التهيئة الظاهرة ملا ال يتناهى من وقائع الفتيا والقضاء.
-3إثراء التجارب واخلربات لطالب العلم والقضاة املبتدئني.
ال للدراسة والبحث إن إحكام وتأصيل هذه السوابق القضائية جيعلها حم ًّ
يف قاعات اجلامعات املتخصصة ،ودور تدريب القضاة ،فيكون ذلك عون ًا
هلم يف صقل ملكاهتم ونقل اخلربات إليهم ،مما هييئهم لالنطالق نحو ما
يلونه من أعامل تتعلق بتنزيل األحكام عىل الوقائع.
10
-4توحيد االجتهاد يف األحكام.
من فوائد السوابق القضائية أهنا تعني عىل توحيد االجتهاد يف القضايا
املتشاهبة فال حيصل خالف وال تضاد يف أحكام صورها ومناطها واحد ويف
ذلك طمأنة للمرتافعني.
***
11
املبحث الرابع
حجية السابقة القضائية
من املعلوم أن احلكم القضائي جزئي بالنسبة ألطراف اخلصومة
فهو خاص ال يتعدامها إىل غريمها إال إىل اخللف يف اإلرث أو االنتقال
ببيع ونحوه ،فإنه ينتقل إىل اخللف حمم ً
ال هبذا احلكم ،وهذا فيام يتعلق
بحجيته بني أطراف اخلصومة ،فال يمكن تعديه إىل غريمها لكن ما الشأن
يف اعتبار احلكم كالقاعدة الرشعية فيطبق عىل نظائر الواقعة ويستند إليه
يف احلكم فيكون رشيعة عامة تلزم سائر املرتافعني فيام مل يفصل فيه من
القضايا باعتباره سابقة قضائية؟
للجواب عىل هذا ،جيب أن يتحرر أن القايض عند قضائه يتلقى
احلكم املوضوعي الذي يستند إليه من مصادره ،فيجب عىل احلاكم
كام يقول ابن تيمية (ت728:هـ)« :أن ينصب عىل احلكم دليالً؛ وأدلة
األحكام الكتاب والسنة واإلمجاع وما تكلم الصحابة والعلامء فيه إىل
اليوم بقصد حسن»((( ،فهو يعتمد عىل هذه األدلة ومنها كالم أهل
العلم وال يلزمه استئناف االجتهاد يف تقرير ذلك ،إال بقدر الرتجيح
بني األقوال عند االقتضاء وهذا ما عليه العمل منذ أزمنة مديدة ،وإذا
حصل أن حكم القايض يف نازلة جديدة مما مل ينص عليه أهل العلم فهل
ذلك ملزم له أو لغريه فيام يستقبل من األقضية؟
احلق :أن السابقة القضائية إذا جرى االجتهاد فيها بتقعيدها وتأصيلها
وصح مأخذها فإهنا تكون مستند ًا للقايض الذي أصدرها أو لغريه من
((( االختيارات الفقهية من فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية؛ للبعيل ،333الفتاوى الكربى؛ البن
تيمية .556/5
12
القضاة يستأنس هبا ،وقد كان القضاء بام قىض به الصاحلون منهج ًا عند
سلفنا فهذا عبد اهلل بن مسعود فيام روى عنه عبد الرمحن بن
كتابِ ِ
فليقض بام يف عرض له منكم قضا ٌء بعد اليوم، يزيد يقول« :م ْن َ
فليقض بام قىض به نب ُّي ُه ، ِ ِ
كتاب اهلل ليس يف أمر َاهلل ،فإن جا َء ٌ
ِ
فليقض كتاب اهلل ،وال قىض ِبه نب ُّي ُه ، ِ ليس يف
أمر َ فإن جا َء ٌ
ِ
كتاب اهلل ،وال قىض به نب ُّي ُه ليس يف َ
الصاحلون ،فإن جا َء أمر َ بام َقىض به
فليجتهد رأ َي ُه»(((.
ْ َ
الصاحلون؛ وال قىض ِبه
وهذا ما يعرف عند العلامء باالتباع ومعناه :متابعة قول الغري بعد
معرفة دليله(((.
أما إذا مل يصح مأخذها ومل يبن تقعيدها فال يستند إليها؛ ألن الواقعة
واحلال ما ذكر مل يتحقق صواب االجتهاد فيها.
ال يعمل هبا عىل أنه إذا استمر العمل بالسابقة القضائية صارت أص ً
وال جيوز للقايض خمالفتها إال بتسبيب معترب ،أخذ ًا من لزوم القضاء بام
جرى به العمل وهو مذهب معتمد عند كثري من علامء املالكية وقرروا
نقض ما خيالفه(((.
وهل للقايض تغيري اجتهاده السابق إذا ظهر له ما هو أرجح منه
بأن بان له اجتهاد أقوى من اجتهاده األول أو قياس هو أوىل مما صدر
منه قبالً؟
((( هذا جزء من خطاب عمر املوجه إىل أيب موسى األشعري والذي رواه أبو املليح
اهلذيل ،أخرجه الدارقطني يف سننه 111/2وهو برقم [ ،]4426والبيهقي يف السنن الكربى
وقوى أمحد شاكر إسناده عن سفيان بن ،150/10وصححه األلباين يف اإلرواء َّ ،241/8
عيينة عن إدريس [تعليق أمحد شاكر عىل املحىل البن حزم .]60/1
((( أخرجه البيهقي ،120/10والدارمي ،162/1والدارقطني ،88/4وعبد الرزاق ،249/10
وابن أيب شيبة 247/6كلهم من حديث احلكم بن مسعود الثقفي ،قال ابن حجر يف لسان
امليزان « :338/2هذا إسناد صالح وذكره ابن حبان يف الثقات».
14
املبحث اخلامس
ما جرى به العمل وعالقته بالسابقة القضائية
بعد معرفتنا بالسابقة القضائية من جهة حقيقتها وحترير معناها نبني
العالقة بينهام وبني ما جرى به العمل يف املطلبني التاليني:
املطلب األول :املراد بام جرى به العمل ورشوطه.
املطلب الثاين :الفرق بني السابقة القضائية وما جرى به العمل.
املطلب األول
املراد مبا جرى به العمل وشروطه
املعمول به من األحكام الفقهية التي تطبق عىل النزاع منها ما يكون
مشهور ًا راجح ًا ،ومنها ما يكون مرجوح ًا ،واألصل جريان األحكام
ٍ
مقتض بالقول الراجح القوي ،وجيوز العمل بالقول املرجوح إذا قام
لذلك ،وهذا مقرر عند الفقهاء يف سائر املذاهب((( ،بل ما جرى به
العمل معدود من طرق الرتجيح بني األقوال يف املذهب كام رصح به
احلنفية((( واملالكية(((.
وال شك يف العمل بام كان مشهور ًا راجح ًا ،ولكن العمل باملرجوح
إذا كان مقتضيه مستمر ًا متجه ويعمل به ،وقد أواله فقهاء املالكية
((( للحنفية :رشح عقود رسم املفتي ،28 ،26حاشية ابن عابدين ،192 ،108/1 ،339/4
للاملكية :املوافقات 203،205/4للشافعية :الفوائد املدنية ،236للحنابلة :مطالب أويل النهى
،447 ،446/6العقود الياقوتية ،143فتاوى ورسائل الشيخ حممد بن إبراهيم ،19 ،16/2
،21وانظر رشوط ذلك يف كتاب :توصيف األقضية؛ للباحث .377/1
((( رشح عقود رسم املفتي ،38الفواكه البدرية .61
((( تبرصة احلكام .71/1
15
اهتامم ًا بالغ ًا عىل سائر الفقهاء من املذاهب األخرى وخصوه بمصطلح
(ما جرى به العمل).
واملراد به عندهم :األخذ باملرجوح ويسمونه :الضعيف ،وتطبيقه
عىل الوقائع يف الفتيا والقضاء وتقديمه عىل الراجح(((.
وقد اشرتط فقهاء املالكية لألخذ بام جرى به العمل الرشوط اآلتية(((:
-1ثبوت العمل بالقول قضاء أو فتيا.
-2اندراجه حتت أصل رشعي من أصول الرشيعة وقواعدها.
-3أن يكون صدور احلكم أو الفتيا املعمول هبا من قبل العلامء املعتد
باجتهادهم.
واجته كثري من علامء املالكية إىل نقض احلكم إذا خالف ما جرى
به العمل(((.
املطلب الثاني
الفرق بني السابقة القضائية وما جرى به العمل
يشرتك كل من السابقة القضائية وما جرى به العمل يف أن ك ًّ
ال منهام
صدر احلكم فيه فص ً
ال لواقعة معينة.
وخيتلفان يف اآليت:
-1أن السابقة القضائية يكون فيها تقرير حكم لواقعة نزاع مل يسبق
تقرير حكم كيل هلا ،وما جرى به العمل يكون أخذ ًا بقول مقرر
((( رشح العمل الفايس؛ للسلجامين ً 128/9
نقال عن نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي .66
((( انظر ذلك مبسوط ًا يف كتاب :نظرية ما جرى به العمل؛ للعرسي 147وما بعدها ،والعرف
والعمل يف املذهب املالكي؛ للجيدي 359وما بعدها.
((( العرف والعمل يف املذهب املالكي؛ للجيدي 365وما بعدها.
16
سابق ًا لكنه مرجوح يف مقابلة الراجح ،فحكمها مقرر بأدلته عند
القائلني به.
-2أن السابقة القضائية خاصة بالنزاع الذي تفصل فيه املحاكم ،أما ما
جرى به العمل فكام يكون يف القضاء يكون يف الفتوى.
-3ما جرى به العمل جيب احرتامه والعمل به ما مل يكن طبق استثناء،
وأما السابقة فيستأنس هبا وال تلزم.
***
17
املبحث السادس
السوابق القضائية يف القضاء السعودي
السابقة القضائية هلا مكانة يف القضاء السعودي:
ففي نظام القضاء السعودي امللغى الصادر عام 1395هـ كام يف املادة
( )14منه أنه« :إذا رأت إحدى دوائر املحكمة يف شأن قضية تنظرها،
العدول عن اجتهاد سبق أن أخذت به هي أو دائرة أخرى يف أحكام
سابقة أحالت القضية إىل اهليئة العامة ملحكمة التمييز وتصدر اهليئة
العامة قرارها بأغلبية ال تقل عن ثلثي أعضائها باإلذن بالعدول ،فإذا
مل تصدر القرار به عىل الوجه املذكور أحالت القضية إىل جملس القضاء
األعىل ليصدر قراره يف ذلك بمقتىض الفقرة ( )1من املادة (.»)8
وقد حل حمل هذه املادة يف النظام اجلديد الصادر عام 1428هـ
املادة ( )14ونصها« :إذا رأت إحدى دوائر املحكمة العليا -يف شأن
قضية تنظرها -العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة
أخرى يف املحكمة نفسها يف قضايا سابقة ،أو رأت إحدى دوائر حمكمة
االستئناف العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر املحكمة
العليا يف قضايا سابقة ،فريفع األمر إىل رئيس املحكمة العليا إلحالته إىل
اهليئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه».
ويلحظ هنا أن النظام اجلديد اجته إىل العمل باملبادئ السابقة الصادرة
من املحكمة العليا وجعل هلا حجية اإللزام فال يعدل عنها إال بقرار من
إحدى دوائر املحكمة العليا سواء أكان العدول عن املبدأ من املحكمة
العليا نفسها أو من إحدى دوائر االستئناف.
18
واملبدأ هو ما قررته املحكمة العليا ابتداء وفق ًا ملا جاء يف املادة ()13
من نظام القضاء اجلديد الصادر عام 1428هـ أو ما يستخلص من عمل
املحاكم وسريها عىل قاعدة معينة عند فصلها يف النزاع مما استقر عليه
عملها وأيدته املحاكم األعىل((( .وهذا شبيه بام جرى به العمل من جهة
االعتداد به وعدم خمالفته.
عىل أن احرتام السوابق القضائية يف القضاء السعودي معترب
يف اجلملة سواء يف حماكم القضاء العام ،أو قضاء املظامل ،ويف أحكام
حديثة يف قضاء املظامل احتج القضاة بالسوابق القضائية ودونوا ذلك يف
أسباب أحكامهم(((.
***
املبحث السابع
السوابق القضائية يف القانون
ال خيرج تعريف السابقة القضائية يف القانون عن تعريفها املار ذكره يف
مستهل هذا البحث ،وقد تناولت القوانني السوابق القضائية وهلا اجتاهات
مضيقة كالقوانني الالتينية وهي التي تسري عىل القانون املكتوب كفرنسا
وأملانيا وغريمها ،وموسعة وهي القوانني اإلنجلوسكسونية وهي التي تسري
عىل القانون غري املكتوب كربيطانيا وأمريكا وجنوب أفريقيا.
فالقوانني الالتينية ال تلزم بالسوابق القضائية ،وتؤكد عىل مبدأ الفصل
بني السلطات فال جيمع القضاء بني الفصل يف اخلصومات وسن األنظمة.
ووظيفة السوابق القضائية يف القوانني الالتينية تنحرص يف أمرين مها:
-1تفسري القواعد القانونية.
-2اسرتشاد القايض هبا يف القضايا التي ال توجد هلا قواعد قانونية
تنطبق عليها.
ومن الناحية العملية جتد أن املحاكم حترتم السوابق القضائية للمحاكم
األعىل وحترص عىل عدم خمالفتها وذلك لسببني مها:
-1أن مهمة املحاكم العليا مراقبة تطبيق املحاكم للقاعدة القانونية،
فتحرص املحاكم عىل أن جتيء أحكامها مطابقة ملا استقر من
األقضية السابقة تفادي ًا لنقض أحكامها.
- 2أن قضاة املحاكم العليا عادة يكونون ممن بلغوا مبلغ ًا
متقدم ًا من التحصيل العلمي باألحكام ،واخلربة يف تطبيقها عىل
20
الوقائع ،مما يغلب عىل الظن صواب أحكامهم فتطمئن النفس
إىل األخذ هبا(((.
أما القوانني اإلنجلوسكسونية فإن السوابق القضائية عندها بمكان؛ إذ
تعترب أهم املصادر الرسمية التي يستند إليها القضاة يف أحكامهم وهي ملزمة
للقضاة يف مجيع أنحاء الدولة للمحاكم التي يف مرتبة املحكمة التي صدرت
منها السابقة وما دوهنا من املحاكم ،لكن السوابق القضائية الصادرة من
املحاكم االبتدائية ال تعترب سوابق ألي جهة.
ومما جتدر اإلشارة إليه أن حجية السابقة يف هذا النظام القانوين إنام
تكون يف نص احلكم الذي ينصب مبارشة عىل الوقائع التي فصل احلكم
فيها ،وأما األحكام العرضية الواردة يف سياق القرار فإنه استئنايس فقط.
ومسوغات العمل بالسابقة القضائية يف هذا النظام القانوين
(اإلنجلوسكسوين) هي:
-1املساواة بني املتخاصمني أمام املحاكم فيام يصدر من أحكام فيكون
حكم القضايا املتامثلة واحد ًا.
-2إرشاد اخلصوم واملحامني بمعرفة ما يتجه إليه احلكم منذ
بداية الدعوى.
-3توفري اجلهد والوقت عىل القايض الالحق ،فيجد القضية يف النازلة
قد مهد له باحلكم فيها فيأخذ بذلك؛ مما خيفف العناء عن كاهله يف
التأصيل هلا.
((( نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي ،136 ،135حجية السوابق القضائية :للدغيثر،
بحث منشور يف جملة العدل عدد ( )34ص.180-178
21
-4االستفادة من خربات وجتارب األجيال السابقة من القضاة ممن
بلغوا يف التفقه واألحكام مبلغ ًا حيمل عىل االطمئنان باالستفادة
من أحكامهم.
عيوب اإللزام بالسوابق القضائية عند أصحاب االجتاه املض ّيق
(القوانني الالتينية):
يعيب أصحاب االجتاه املضيق للعمل بالسوابق (وهو النظام الالتيني)
العمل هبا من وجهني:
أ -أن التغري الرسيع الذي يطرأ عىل الوقائع واألحداث التي
ينظرها القضاء يضعف حجية هذه السوابق إذ التغري موجب
للتحول إىل حكم آخر غري حكم السابقة.
ب-أن االعتامد عىل هذه السوابق جيعل القضاة يقومون بمهمة
سن األحكام والقضاء يف آن واحد ،وهذا معارض ملبدأ
الفصل بني السلطات(((.
وعىل كل األحوال فإن السابقة القضائية معتربة عند الفريقني ،إال أن
أحدمها يعتربها لالستئناس ،وال يلزم هبا ،واآلخر يعدها الزمة ومصدر ًا
ٍّ
ولكل منهام منزعه يف رسمي ًا ألحكام القضاة ،وال يكتفي باالستئناس،
األخذ هبا ،وحماذير يف اإللزام هبا أو االستئناس هبا ،ورأيي سبق أن سطرته
يف املبحث الرابع حينام حتدثت عن حجية السوابق.
وباهلل التوفيق ،وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد،
وعىل آله وصحابته أمجعني.
((( نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي ،140 -138حجية السوابق القضائية؛ للدغيثر،
بحث منشور جملة العدل عدد ( )34ص .183-181