Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 21

‫إعداد‬

‫معالي‬
‫الشيخ‬

‫عضو هيئة كبار العلما ‬ء‬


‫القاضي األسبق بمحكمة التمييز بالرياض‬
‫الجمعية العلمية القضائية السعودية (قضاء)‬
‫مركز قضاء للبحوث والدراسات‬

‫‪ qadha.org.sa/ar/books‬‬
‫‪ m@qadha.org.sa‬‬
‫‪ 966538999887‬‬
‫‪ @qdha‬‬
‫‪/qadha_ksa‬‬
‫‪   /qadha.ksa‬‬
‫‪3‬‬

‫‪‬‬
‫إن احلمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا‬
‫وسيئات أعاملنا‪ ،‬من هيد اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫حممدا عبده ورسوله‪ ،‬صىل‬
‫أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫اهلل عليه وآله وسلم تسلي ًام كثري ًا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا بحث خمترص حول السوابق القضائية‪ ،‬أقدمه ملركز التميز البحثي‬
‫جلامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬والبحث حيتوي عىل املباحث‬
‫التالية‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف السوابق القضائية‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬وظيفة السوابق القضائية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فوائد السوابق القضائية‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬حجية السابقة القضائية‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬ما جرى به العمل وعالقته بالسوابق القضائية‪.‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬السوابق القضائية يف القضاء السعودي‪.‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬السوابق القضائية يف القوانني الوضعية‪.‬‬
‫أرجو من اهلل التوفيق والسداد‪ ،‬وهذا أوان البدء يف تناول املوضوع‬
‫حسب املواضيع املشار إليها آنف ًا‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫مدخل‬
‫القضايا التي تعرض عىل القايض منها ما هو منصوص عىل حكمه‬
‫الكيل يف الكتاب والسنة‪ ،‬أو كالم أهل العلم‪ ،‬ومنها ما ال نص فيه من‬
‫كتاب وال سنة ومل يتكلم عنه العلامء ويقرروا حكمه(((‪.‬‬
‫ويف احلال األوىل‪ :‬فإن وظيفة القايض حتديد النص وتطبيقه عىل‬
‫الواقعة وفق ًا إلجراءات تنزيل األحكام عىل الوقائع‪.‬‬
‫ويف احلال الثانية‪ :‬يقع عىل القايض عبئان‪:‬‬
‫األول‪ :‬االجتهاد يف تقرير احلكم الكيل املالقي للواقعة‬
‫استمداد ًا من مصادر الرشع املعروفة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تنزيل ما حيرره القايض من احلكم الكيل عىل الواقعة‬
‫حمل النظر القضائي وفق ًا إلجراءات تنزيل احلكم عىل الوقائع‪.‬‬
‫ويف احلال الثانية يكون القايض يف حكمه قد قرر ح ًّ‬
‫ال لواقعة جديدة‬
‫مل يسبق تقرير حكم هلا من قبل ويف هذه احلال يكون احلكم سابقة هلذه‬
‫النازلة مل يسبق له نظري‪ ،‬وهذا ما يعرف اليوم بالسابقة القضائية‪.‬‬
‫***‬

‫((( الفتوى يف الرشيعة اإلسالمية؛ للباحث ‪.49 -48/1‬‬


‫‪5‬‬

‫املبحث األول‬
‫تعريف السوابق القضائية‬
‫نتناول ألفاظ العنوان بالتعريف ثم تعريفه مركب ًا‪.‬‬
‫تعريف السوابق يف اللغة‪:‬‬
‫السوابق مجع مفرده سابقة‪ ،‬وهو مأخوذ من لفظ سبق‪ ،‬وهو كام‬
‫يقول ابن فارس (ت‪395 :‬هـ)‪« :‬السني والباء والقاف أصل واحد‬
‫صحيح يدل عىل التقدم‪ ،‬يقال سبق يسبق سبق ًا»(((‪ ،‬فالسبق هو التقدم‬
‫يف اليشء فيقال‪ :‬سبق الفرس يف احللبة‪ :‬جاء قبل األفراس‪ ،‬وسبق عىل‬
‫قومه‪ :‬عالهم كرم ًا(((‪.‬‬
‫تعريف القضائية‪:‬‬
‫القضائية نسبة إىل القضاء‪ ،‬والقضاء يطلق يف اللغة عىل معان منها(((‪:‬‬
‫ََ َ‬
‫‪-1‬إحكام اليشء والفراغ منه‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬فقضى ٰ ُه َّن َس ۡب َع‬
‫ََۡۡ‬
‫ي﴾ [فصلت‪.]12 :‬‬‫ِ‬ ‫ات ِف يوم‬
‫ٖ‬ ‫َس َم ٰ َو‬
‫َ َ َ َ ُّ َ َ َّ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َّ ٓ‬
‫ض ربك أل تعبدوا إِل‬ ‫ ‪-2‬اإلجياب واألمر‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬وق ٰ‬
‫إِيَّاهُ﴾ [اإلرساء‪.]23:‬‬
‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫ ‪-3‬احلكم واإللزام‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬فل َّما قض ۡي َنا عل ۡيهِ‬
‫ٱل ۡ َم ۡوتَ‬
‫﴾ [سبأ‪.]14:‬‬

‫((( مقاييس اللغة ‪.129/3‬‬


‫((( املعجم الوسيط؛ إلبراهيم أنيس وآخرين ‪.414/1‬‬
‫((( خمتار الصحاح ‪ ،540‬املصباح املنري ‪ ،507‬املعجم الوسيط ‪.742/2‬‬
‫‪6‬‬

‫تعريف القضاء يف االصطالح‪:‬‬


‫عرفه احلنابلة بأنه‪ :‬تبيني احلكم الرشعي واإللزام به وفصل‬ ‫َّ‬
‫اخلصومات ‪ ،‬وعند احلنفية واملالكية والشافعية ما يقارب هذا‬
‫(((‬

‫التعريف(((‪ ،‬وهذا التعريف اشتمل عىل العنارص اآلتية‪:‬‬


‫ أ ‪-‬حكم قضائي ملزم مصدره الرشع‪.‬‬
‫ ب‪-‬واقعة متنازع فيها‪.‬‬
‫وصاغ ذلك حممد نعيم ياسني (معارص) بأنه‪ :‬فصل اخلصومات‬
‫بإظهار حكم الشارع فيها عىل سبيل اإللزام(((‪ ،‬وهو تعريف موجز‬
‫مشتمل عىل العنارص األساس املذكورة آنف ًا‪.‬‬
‫تعريف السابقة القضائية بالنظر إليها مركبة‪:‬‬
‫مل أقف عىل من عرفها مركبة رشع ًا‪ ،‬وقد صغت هلا التعريف التايل‪:‬‬
‫هي‪ :‬ما صدر من األحكام القضائية عىل وقائع معينة مل يسبق تقرير‬
‫حكم كيل هلا(((‪.‬‬
‫وقد اشتمل هذا التعريف عىل العنارص اآلتية‪:‬‬
‫‪-1‬أن السابقة تكون حك ًام قضائ ّي ًا عىل واقعة معينة متنازع فيها‪.‬‬
‫ ‪-2‬أن هذا احلكم القضائي الصادر يف هذه الواقعة املعينة مل يسبق له‬
‫نظري‪ ،‬بل هذا احلكم هو أسبق حكم يف النازلة الفقهية حمل احلكم‪،‬‬
‫فلم يسبق تقرير حكم موضوعي هلا من قبل الفقهاء‪ ،‬ومل يقرر‬
‫القضاء قبلها حك ًام نظري ًا له‪.‬‬
‫رشح منتهى اإلرادات ‪ ،459/3‬الروض املربع ‪.506/7‬‬ ‫(((‬
‫الدر املختار ‪ ،352/5‬مواهب اجلليل ‪ ،86/6‬مغني املحتاج ‪.372/4‬‬ ‫(((‬
‫نظرية الدعوى ‪.47/1‬‬ ‫(((‬
‫توصيف األقضية؛ للباحث ‪.441/1‬‬ ‫(((‬
‫‪7‬‬

‫املبحث الثاني‬
‫وظيفة السابقة القضائية‬
‫لقد اهتم الفقهاء بأحكام القضاة وجعلوا منها زاد ًا يستفيد به خلف‬
‫القضاة من سلفهم‪ ،‬فقالوا يف آداب القايض‪ :‬يكون مطلع ًا عىل أحكام‬
‫من قبله من القضاة بصري ًا هبا(((‪ ،‬قال الشيخ‪ :‬حممد بن إبراهيم آل الشيخ‬
‫(ت‪1389:‬هـ)‪ :‬ليستيضء هبا ويبني عليها(((‪.‬‬
‫وهذا يشمل السوابق القضائية ويبني وظيفتها يف القضاء سواء‬
‫للقايض أو غريه ممن يستضيئون باألحكام القضائية ويستعينون هبا يف‬
‫أداء مهامهم كاملحامي‪ ،‬ووظيفة السوابق القضائية تعود إىل أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬استناد القضاة إليها يف أحكامهم‪:‬‬
‫إن سبق القايض إىل احلكم يف واقعة تعد من النوازل الفقهية مل يسبقه‬
‫تقرير حكم كيل هلا جيعل تلك السابقة مستند ًا ملن جيئ بعده من القضاة‬
‫يستيضء هبا ويعتمد عليها ما دام قد صح مأخذها وعلم أصلها وبان‬
‫تقعيدها بام ظهر يف أسباب حكمها(((‪ ،‬وقد كان القضاء بام قىض به‬
‫الصاحلون منهج ًا عند سلفنا فهذا عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬فيام روى‬
‫عرض له منكم قضا ٌء بعد اليوم‪،‬‬‫عنه عبد الرمحن بن يزيد يقول‪« :‬م ْن َ‬
‫ِ‬
‫فليقض بام‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‬ ‫ليس يف‬
‫أمر َ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬فإن جا َء ٌ‬ ‫ِ‬
‫فليقض بام يف‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬وال قىض‬‫ِ‬ ‫ليس يف‬
‫أمر َ‬
‫قىض به نب ُّي ُه ‪ ،‬فإن جا َء ٌ‬
‫ليس‬ ‫َ‬
‫الصاحلون‪ ،‬فإن جا َء أمر َ‬ ‫ِ‬
‫فليقض بام َقىض به‬ ‫ِبه نب ُّي ُه ‪،‬‬
‫((( معني احلكام؛ البن عبد الرفيع ‪ ،608/2‬الروض املربع ‪.524/7‬‬
‫((( فتاوى ورسائل الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ‪.333/12‬‬
‫((( توصيف األقضية؛ للباحث ‪.442/1‬‬
‫‪8‬‬

‫َ‬
‫الصاحلون؛‬ ‫كتاب اهلل‪ ،‬وال قىض به نب ُّي ُه ‪ ‬وال قىض ِبه‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫فليجتهد رأ َي ُه»(((‪.‬‬
‫ْ‬
‫ليس يف‬
‫أمر َ‬
‫والشاهد منه قول عبد اهلل بن مسعود ‪« :‬فإن جا َء ٌ‬
‫ليس يف ِ‬
‫كتاب‬ ‫أمر َ‬ ‫ِ‬
‫فليقض بام قىض به نب ُّي ُه ‪ ،‬فإن جا َء ٌ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‬
‫َ‬
‫الصاحلون‪،»...‬‬ ‫ِ‬
‫فليقض بام َقىض به‬ ‫اهلل‪ ،‬وال قىض ِبه نب ُّي ُه ‪،‬‬
‫فقد جعل القضاء بام سبقه من قضاء الصاحلني مستند ًا للحكم وقدمه‬
‫عىل اجتهاد الرأي‪.‬‬
‫مما يدل عىل أمهية السابقة القضائية ومكانتها وأهنا مستند لألحكام‬
‫التالية هلا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬االستضاءة بها يف اإلجراءات‪:‬‬
‫ثم إجراءات يسلكها القايض حينام يريد حل النزاع يف قضية‪،‬‬ ‫َّ‬
‫منذ بدء الدعوى وحتى احلكم فيها مما هو مقرر رشع ًا أو نظام ًا وفق ًا‬
‫للنظام اإلجرائي وقد تكون بعض املسائل اإلجرائية مل يتعرض هلا‬
‫الفقهاء وال النظام فيجتهد القايض يف رسم بعض اإلجراءات أثناء‬
‫نظر الدعوى وتسيريها فتكون تلك السوابق اإلجرائية زاد ًا يستنري به‬
‫القضاة يف إجراءاهتم القضائية الالحقة‪ ،‬فيسريون عىل ضوئه ويسلكون‬
‫الطريقة التي سلكتها تلك السابقة يف تسيري قضاياهم وهذا أمر جمرب‬
‫ومعمول به‪.‬‬
‫***‬
‫((( رواه النسائي ‪ ،230/8‬وهو برقم ‪ ،5397 ،5398‬والبيهقي يف السنن الكربى ‪،115/10‬‬
‫قال عبد القادر األرناؤوط يف تعليقه عىل جامع األصول البن األثري (‪« :)180/10‬وإسناده‬
‫صحيح»‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫فوائد السوابق القضائية‬
‫للسوابق القضائية فوائد وثمرات مجة من أبرزها‪:‬‬
‫‪-1‬تذليل السبل أمام القضاة‪.‬‬
‫فتكون هذه السوابق معينة للقضاة يف حل النوازل احلادثة مما يسهل‬
‫عليهم الفصل يف األحكام ويزيل عنهم الريب والرتدد فيها‪ ،‬ألنه جيد من‬
‫سبقه قد كفاه مؤنة حتليل النازلة وتذليلها وتقعيدها وتأصيلها فيكون ذلك‬
‫زاد ًا مهيئ ًا له للفصل يف النازلة التي ينظرها‪ ،‬وهذا يؤكد عىل القضاة يف حل‬
‫مثل هذه النوازل االعتناء بتسبيبها بام يظهر ما ذكرنا من التقعيد والتأهيل‬
‫للمسألة حمل احلكم‪.‬‬
‫ ‪-2‬إثراء االجتهاد الفقهي‪.‬‬
‫فتكون هذه السوابق إضاءة للفقهاء فيام يقررونه من أحكام النوازل‬
‫الفقهية فيام سبق تناول القضاة له من السوابق القضائية‪ ،‬فيجد الفقهاء أن‬
‫القضاة قد كفوهم مؤنة تصوير املسألة‪ ،‬وتقرير أدلتها مما يعينهم عىل تقرير‬
‫حكم كيل هلا مبني عىل التهيئة الظاهرة ملا ال يتناهى من وقائع الفتيا والقضاء‪.‬‬
‫ ‪-3‬إثراء التجارب واخلربات لطالب العلم والقضاة املبتدئني‪.‬‬
‫ال للدراسة والبحث‬ ‫إن إحكام وتأصيل هذه السوابق القضائية جيعلها حم ًّ‬
‫يف قاعات اجلامعات املتخصصة‪ ،‬ودور تدريب القضاة‪ ،‬فيكون ذلك عون ًا‬
‫هلم يف صقل ملكاهتم ونقل اخلربات إليهم‪ ،‬مما هييئهم لالنطالق نحو ما‬
‫يلونه من أعامل تتعلق بتنزيل األحكام عىل الوقائع‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ ‪-4‬توحيد االجتهاد يف األحكام‪.‬‬
‫من فوائد السوابق القضائية أهنا تعني عىل توحيد االجتهاد يف القضايا‬
‫املتشاهبة فال حيصل خالف وال تضاد يف أحكام صورها ومناطها واحد ويف‬
‫ذلك طمأنة للمرتافعني‪.‬‬
‫***‬
‫‪11‬‬

‫املبحث الرابع‬
‫حجية السابقة القضائية‬
‫من املعلوم أن احلكم القضائي جزئي بالنسبة ألطراف اخلصومة‬
‫فهو خاص ال يتعدامها إىل غريمها إال إىل اخللف يف اإلرث أو االنتقال‬
‫ببيع ونحوه‪ ،‬فإنه ينتقل إىل اخللف حمم ً‬
‫ال هبذا احلكم‪ ،‬وهذا فيام يتعلق‬
‫بحجيته بني أطراف اخلصومة‪ ،‬فال يمكن تعديه إىل غريمها لكن ما الشأن‬
‫يف اعتبار احلكم كالقاعدة الرشعية فيطبق عىل نظائر الواقعة ويستند إليه‬
‫يف احلكم فيكون رشيعة عامة تلزم سائر املرتافعني فيام مل يفصل فيه من‬
‫القضايا باعتباره سابقة قضائية؟‬
‫للجواب عىل هذا‪ ،‬جيب أن يتحرر أن القايض عند قضائه يتلقى‬
‫احلكم املوضوعي الذي يستند إليه من مصادره‪ ،‬فيجب عىل احلاكم‬
‫كام يقول ابن تيمية (ت‪728:‬هـ)‪« :‬أن ينصب عىل احلكم دليالً؛ وأدلة‬
‫األحكام الكتاب والسنة واإلمجاع وما تكلم الصحابة والعلامء فيه إىل‬
‫اليوم بقصد حسن»(((‪ ،‬فهو يعتمد عىل هذه األدلة ومنها كالم أهل‬
‫العلم وال يلزمه استئناف االجتهاد يف تقرير ذلك‪ ،‬إال بقدر الرتجيح‬
‫بني األقوال عند االقتضاء وهذا ما عليه العمل منذ أزمنة مديدة‪ ،‬وإذا‬
‫حصل أن حكم القايض يف نازلة جديدة مما مل ينص عليه أهل العلم فهل‬
‫ذلك ملزم له أو لغريه فيام يستقبل من األقضية؟‬
‫احلق‪ :‬أن السابقة القضائية إذا جرى االجتهاد فيها بتقعيدها وتأصيلها‬
‫وصح مأخذها فإهنا تكون مستند ًا للقايض الذي أصدرها أو لغريه من‬
‫((( االختيارات الفقهية من فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية؛ للبعيل ‪ ،333‬الفتاوى الكربى؛ البن‬
‫تيمية ‪.556/5‬‬
‫‪12‬‬
‫القضاة يستأنس هبا‪ ،‬وقد كان القضاء بام قىض به الصاحلون منهج ًا عند‬
‫سلفنا فهذا عبد اهلل بن مسعود ‪ ‬فيام روى عنه عبد الرمحن بن‬
‫كتاب‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فليقض بام يف‬ ‫عرض له منكم قضا ٌء بعد اليوم‪،‬‬ ‫يزيد يقول‪« :‬م ْن َ‬
‫فليقض بام قىض به نب ُّي ُه ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‬ ‫ليس يف‬ ‫أمر َ‬‫اهلل‪ ،‬فإن جا َء ٌ‬
‫ِ‬
‫فليقض‬ ‫كتاب اهلل‪ ،‬وال قىض ِبه نب ُّي ُه ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ليس يف‬
‫أمر َ‬ ‫فإن جا َء ٌ‬
‫ِ‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬وال قىض به نب ُّي ُه‬ ‫ليس يف‬ ‫َ‬
‫الصاحلون‪ ،‬فإن جا َء أمر َ‬ ‫بام َقىض به‬
‫فليجتهد رأ َي ُه»(((‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الصاحلون؛‬ ‫‪ ‬وال قىض ِبه‬
‫وهذا ما يعرف عند العلامء باالتباع ومعناه‪ :‬متابعة قول الغري بعد‬
‫معرفة دليله(((‪.‬‬
‫أما إذا مل يصح مأخذها ومل يبن تقعيدها فال يستند إليها؛ ألن الواقعة‬
‫واحلال ما ذكر مل يتحقق صواب االجتهاد فيها‪.‬‬
‫ال يعمل هبا‬ ‫عىل أنه إذا استمر العمل بالسابقة القضائية صارت أص ً‬
‫وال جيوز للقايض خمالفتها إال بتسبيب معترب‪ ،‬أخذ ًا من لزوم القضاء بام‬
‫جرى به العمل وهو مذهب معتمد عند كثري من علامء املالكية وقرروا‬
‫نقض ما خيالفه(((‪.‬‬
‫وهل للقايض تغيري اجتهاده السابق إذا ظهر له ما هو أرجح منه‬
‫بأن بان له اجتهاد أقوى من اجتهاده األول أو قياس هو أوىل مما صدر‬
‫منه قبالً؟‬

‫((( سبق خترجيه‪.‬‬


‫((( جامع بيان العلم وفضله ‪ ،787/2‬توصيف األقضية؛ للباحث ‪ 367/1‬ط‪.2‬‬
‫((( العرف والعمل يف املذهب املالكي ‪.365‬‬
‫‪13‬‬
‫إذا وقع ذلك فله احلكم فيام يستقبل بام ظهر له أخري ًا‪ ،‬ولقد قرر‬
‫عمر ‪ ‬ذلك تقعيد ًا وتطبيق ًا‪ ،‬فقد قال يف خطابه الذي وجهه أليب‬
‫اج ْع َت فِ ِيه‬ ‫«ل َي ْمنَ ُع ُك َق َضا ٌء َق َض ْي َت ُه بِ ْالَ ْم ِ‬
‫س َر َ‬ ‫موسى األشعري ‪َ :‬‬
‫ال َّق؛ َفإِ َّن ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َن ْفس َك وه ِد َ ِ ِ ِ ِ‬
‫اج َع َة‬ ‫ال َّق َقد ٌ‬
‫يم َو ُم َر َ‬ ‫َ‬ ‫يت فيه ل ُر ْشد َك َأ ْن ُت َراج َع ْ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ال ِّق َخ ْ ٌي ِم َن ال َّت َم ِدي ِف ا ْل َباطِ ِل»(((‪.‬‬
‫َْ‬
‫وقد طبق عمر ‪ ‬ذلك‪ :‬فقد رفع إليه امرأة تركت زوجها‬
‫فرشك بني اإلخوة لألم‬ ‫وابنتها وإخوهتا ألمها وإخوهتا ألبيها وأمها‪ّ ،‬‬
‫وبني اإلخوة لألم واألب‪ ،‬جعل الثلث بينهم سواء‪ ،‬فقال رجل‪ :‬يا أمري‬
‫املؤمنني‪ ،‬إنك مل ترشك بينهم عام كذا وكذا‪ ،‬فقال عمر‪« :‬تلك عىل ما‬
‫قضينا يومئذ‪ ،‬وهذه عىل ما قضينا اليوم»(((‪.‬‬
‫***‬

‫((( هذا جزء من خطاب عمر ‪ ‬املوجه إىل أيب موسى األشعري ‪ ‬والذي رواه أبو املليح‬
‫اهلذيل‪ ،‬أخرجه الدارقطني يف سننه ‪ 111/2‬وهو برقم [‪ ،]4426‬والبيهقي يف السنن الكربى‬
‫وقوى أمحد شاكر إسناده عن سفيان بن‬‫‪ ،150/10‬وصححه األلباين يف اإلرواء ‪َّ ،241/8‬‬
‫عيينة عن إدريس [تعليق أمحد شاكر عىل املحىل البن حزم ‪.]60/1‬‬
‫((( أخرجه البيهقي ‪ ،120/10‬والدارمي ‪ ،162/1‬والدارقطني ‪ ،88/4‬وعبد الرزاق ‪،249/10‬‬
‫وابن أيب شيبة ‪ 247/6‬كلهم من حديث احلكم بن مسعود الثقفي‪ ،‬قال ابن حجر يف لسان‬
‫امليزان ‪« :338/2‬هذا إسناد صالح وذكره ابن حبان يف الثقات»‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫املبحث اخلامس‬
‫ما جرى به العمل وعالقته بالسابقة القضائية‬
‫بعد معرفتنا بالسابقة القضائية من جهة حقيقتها وحترير معناها نبني‬
‫العالقة بينهام وبني ما جرى به العمل يف املطلبني التاليني‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املراد بام جرى به العمل ورشوطه‪.‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الفرق بني السابقة القضائية وما جرى به العمل‪.‬‬
‫املطلب األول‬
‫املراد مبا جرى به العمل وشروطه‬
‫املعمول به من األحكام الفقهية التي تطبق عىل النزاع منها ما يكون‬
‫مشهور ًا راجح ًا‪ ،‬ومنها ما يكون مرجوح ًا‪ ،‬واألصل جريان األحكام‬
‫ٍ‬
‫مقتض‬ ‫بالقول الراجح القوي‪ ،‬وجيوز العمل بالقول املرجوح إذا قام‬
‫لذلك‪ ،‬وهذا مقرر عند الفقهاء يف سائر املذاهب(((‪ ،‬بل ما جرى به‬
‫العمل معدود من طرق الرتجيح بني األقوال يف املذهب كام رصح به‬
‫احلنفية((( واملالكية(((‪.‬‬
‫وال شك يف العمل بام كان مشهور ًا راجح ًا‪ ،‬ولكن العمل باملرجوح‬
‫إذا كان مقتضيه مستمر ًا متجه ويعمل به‪ ،‬وقد أواله فقهاء املالكية‬

‫((( للحنفية‪ :‬رشح عقود رسم املفتي ‪ ،28 ،26‬حاشية ابن عابدين ‪،192 ،108/1 ،339/4‬‬
‫للاملكية‪ :‬املوافقات ‪ 203،205/4‬للشافعية‪ :‬الفوائد املدنية ‪ ،236‬للحنابلة‪ :‬مطالب أويل النهى‬
‫‪ ،447 ،446/6‬العقود الياقوتية ‪ ،143‬فتاوى ورسائل الشيخ حممد بن إبراهيم ‪،19 ،16/2‬‬
‫‪ ،21‬وانظر رشوط ذلك يف كتاب‪ :‬توصيف األقضية؛ للباحث ‪.377/1‬‬
‫((( رشح عقود رسم املفتي ‪ ،38‬الفواكه البدرية ‪.61‬‬
‫((( تبرصة احلكام ‪.71/1‬‬
‫‪15‬‬
‫اهتامم ًا بالغ ًا عىل سائر الفقهاء من املذاهب األخرى وخصوه بمصطلح‬
‫(ما جرى به العمل)‪.‬‬
‫واملراد به عندهم‪ :‬األخذ باملرجوح ويسمونه‪ :‬الضعيف‪ ،‬وتطبيقه‬
‫عىل الوقائع يف الفتيا والقضاء وتقديمه عىل الراجح(((‪.‬‬
‫وقد اشرتط فقهاء املالكية لألخذ بام جرى به العمل الرشوط اآلتية(((‪:‬‬
‫‪-1‬ثبوت العمل بالقول قضاء أو فتيا‪.‬‬
‫ ‪-2‬اندراجه حتت أصل رشعي من أصول الرشيعة وقواعدها‪.‬‬
‫ ‪-3‬أن يكون صدور احلكم أو الفتيا املعمول هبا من قبل العلامء املعتد‬
‫باجتهادهم‪.‬‬
‫واجته كثري من علامء املالكية إىل نقض احلكم إذا خالف ما جرى‬
‫به العمل(((‪.‬‬
‫املطلب الثاني‬
‫الفرق بني السابقة القضائية وما جرى به العمل‬
‫يشرتك كل من السابقة القضائية وما جرى به العمل يف أن ك ًّ‬
‫ال منهام‬
‫صدر احلكم فيه فص ً‬
‫ال لواقعة معينة‪.‬‬
‫وخيتلفان يف اآليت‪:‬‬
‫‪-1‬أن السابقة القضائية يكون فيها تقرير حكم لواقعة نزاع مل يسبق‬
‫تقرير حكم كيل هلا‪ ،‬وما جرى به العمل يكون أخذ ًا بقول مقرر‬
‫((( رشح العمل الفايس؛ للسلجامين ‪ً 128/9‬‬
‫نقال عن نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي ‪.66‬‬
‫((( انظر ذلك مبسوط ًا يف كتاب‪ :‬نظرية ما جرى به العمل؛ للعرسي ‪ 147‬وما بعدها‪ ،‬والعرف‬
‫والعمل يف املذهب املالكي؛ للجيدي ‪ 359‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( العرف والعمل يف املذهب املالكي؛ للجيدي ‪ 365‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫سابق ًا لكنه مرجوح يف مقابلة الراجح‪ ،‬فحكمها مقرر بأدلته عند‬
‫القائلني به‪.‬‬
‫ ‪-2‬أن السابقة القضائية خاصة بالنزاع الذي تفصل فيه املحاكم‪ ،‬أما ما‬
‫جرى به العمل فكام يكون يف القضاء يكون يف الفتوى‪.‬‬
‫ ‪-3‬ما جرى به العمل جيب احرتامه والعمل به ما مل يكن طبق استثناء‪،‬‬
‫وأما السابقة فيستأنس هبا وال تلزم‪.‬‬
‫***‬
‫‪17‬‬

‫املبحث السادس‬
‫السوابق القضائية يف القضاء السعودي‬
‫السابقة القضائية هلا مكانة يف القضاء السعودي‪:‬‬
‫ففي نظام القضاء السعودي امللغى الصادر عام ‪1395‬هـ كام يف املادة‬
‫(‪ )14‬منه أنه‪« :‬إذا رأت إحدى دوائر املحكمة يف شأن قضية تنظرها‪،‬‬
‫العدول عن اجتهاد سبق أن أخذت به هي أو دائرة أخرى يف أحكام‬
‫سابقة أحالت القضية إىل اهليئة العامة ملحكمة التمييز وتصدر اهليئة‬
‫العامة قرارها بأغلبية ال تقل عن ثلثي أعضائها باإلذن بالعدول‪ ،‬فإذا‬
‫مل تصدر القرار به عىل الوجه املذكور أحالت القضية إىل جملس القضاء‬
‫األعىل ليصدر قراره يف ذلك بمقتىض الفقرة (‪ )1‬من املادة (‪.»)8‬‬
‫وقد حل حمل هذه املادة يف النظام اجلديد الصادر عام ‪1428‬هـ‬
‫املادة (‪ )14‬ونصها‪« :‬إذا رأت إحدى دوائر املحكمة العليا ‪ -‬يف شأن‬
‫قضية تنظرها ‪ -‬العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة‬
‫أخرى يف املحكمة نفسها يف قضايا سابقة‪ ،‬أو رأت إحدى دوائر حمكمة‬
‫االستئناف العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر املحكمة‬
‫العليا يف قضايا سابقة‪ ،‬فريفع األمر إىل رئيس املحكمة العليا إلحالته إىل‬
‫اهليئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه»‪.‬‬
‫ويلحظ هنا أن النظام اجلديد اجته إىل العمل باملبادئ السابقة الصادرة‬
‫من املحكمة العليا وجعل هلا حجية اإللزام فال يعدل عنها إال بقرار من‬
‫إحدى دوائر املحكمة العليا سواء أكان العدول عن املبدأ من املحكمة‬
‫العليا نفسها أو من إحدى دوائر االستئناف‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫واملبدأ هو ما قررته املحكمة العليا ابتداء وفق ًا ملا جاء يف املادة (‪)13‬‬
‫من نظام القضاء اجلديد الصادر عام ‪1428‬هـ أو ما يستخلص من عمل‬
‫املحاكم وسريها عىل قاعدة معينة عند فصلها يف النزاع مما استقر عليه‬
‫عملها وأيدته املحاكم األعىل(((‪ .‬وهذا شبيه بام جرى به العمل من جهة‬
‫االعتداد به وعدم خمالفته‪.‬‬
‫عىل أن احرتام السوابق القضائية يف القضاء السعودي معترب‬
‫يف اجلملة سواء يف حماكم القضاء العام‪ ،‬أو قضاء املظامل‪ ،‬ويف أحكام‬
‫حديثة يف قضاء املظامل احتج القضاة بالسوابق القضائية ودونوا ذلك يف‬
‫أسباب أحكامهم(((‪.‬‬
‫***‬

‫((( نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي ‪.135‬‬


‫((( ومن ذلك حكم ديوان املظامل رقم ‪ /63‬د‪1/‬أ‪ 4/‬لعام ‪1427‬هـ املؤيد من دائرة التدقيق باحلكم‬
‫رقم ‪/431‬ت‪ 6/‬لعام ‪1428‬هـ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫املبحث السابع‬
‫السوابق القضائية يف القانون‬
‫ال خيرج تعريف السابقة القضائية يف القانون عن تعريفها املار ذكره يف‬
‫مستهل هذا البحث‪ ،‬وقد تناولت القوانني السوابق القضائية وهلا اجتاهات‬
‫مضيقة كالقوانني الالتينية وهي التي تسري عىل القانون املكتوب كفرنسا‬
‫وأملانيا وغريمها‪ ،‬وموسعة وهي القوانني اإلنجلوسكسونية وهي التي تسري‬
‫عىل القانون غري املكتوب كربيطانيا وأمريكا وجنوب أفريقيا‪.‬‬
‫فالقوانني الالتينية ال تلزم بالسوابق القضائية‪ ،‬وتؤكد عىل مبدأ الفصل‬
‫بني السلطات فال جيمع القضاء بني الفصل يف اخلصومات وسن األنظمة‪.‬‬
‫ووظيفة السوابق القضائية يف القوانني الالتينية تنحرص يف أمرين مها‪:‬‬
‫‪-1‬تفسري القواعد القانونية‪.‬‬
‫ ‪-2‬اسرتشاد القايض هبا يف القضايا التي ال توجد هلا قواعد قانونية‬
‫تنطبق عليها‪.‬‬
‫ومن الناحية العملية جتد أن املحاكم حترتم السوابق القضائية للمحاكم‬
‫األعىل وحترص عىل عدم خمالفتها وذلك لسببني مها‪:‬‬
‫‪-1‬أن مهمة املحاكم العليا مراقبة تطبيق املحاكم للقاعدة القانونية‪،‬‬
‫فتحرص املحاكم عىل أن جتيء أحكامها مطابقة ملا استقر من‬
‫األقضية السابقة تفادي ًا لنقض أحكامها‪.‬‬
‫ ‪- 2‬أن قضاة املحاكم العليا عادة يكونون ممن بلغوا مبلغ ًا‬
‫متقدم ًا من التحصيل العلمي باألحكام‪ ،‬واخلربة يف تطبيقها عىل‬
‫‪20‬‬
‫الوقائع‪ ،‬مما يغلب عىل الظن صواب أحكامهم فتطمئن النفس‬
‫إىل األخذ هبا(((‪.‬‬
‫أما القوانني اإلنجلوسكسونية فإن السوابق القضائية عندها بمكان؛ إذ‬
‫تعترب أهم املصادر الرسمية التي يستند إليها القضاة يف أحكامهم وهي ملزمة‬
‫للقضاة يف مجيع أنحاء الدولة للمحاكم التي يف مرتبة املحكمة التي صدرت‬
‫منها السابقة وما دوهنا من املحاكم‪ ،‬لكن السوابق القضائية الصادرة من‬
‫املحاكم االبتدائية ال تعترب سوابق ألي جهة‪.‬‬
‫ومما جتدر اإلشارة إليه أن حجية السابقة يف هذا النظام القانوين إنام‬
‫تكون يف نص احلكم الذي ينصب مبارشة عىل الوقائع التي فصل احلكم‬
‫فيها‪ ،‬وأما األحكام العرضية الواردة يف سياق القرار فإنه استئنايس فقط‪.‬‬
‫ومسوغات العمل بالسابقة القضائية يف هذا النظام القانوين‬
‫(اإلنجلوسكسوين) هي‪:‬‬
‫‪-1‬املساواة بني املتخاصمني أمام املحاكم فيام يصدر من أحكام فيكون‬
‫حكم القضايا املتامثلة واحد ًا‪.‬‬
‫ ‪-2‬إرشاد اخلصوم واملحامني بمعرفة ما يتجه إليه احلكم منذ‬
‫بداية الدعوى‪.‬‬
‫ ‪-3‬توفري اجلهد والوقت عىل القايض الالحق‪ ،‬فيجد القضية يف النازلة‬
‫قد مهد له باحلكم فيها فيأخذ بذلك؛ مما خيفف العناء عن كاهله يف‬
‫التأصيل هلا‪.‬‬

‫((( نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي ‪ ،136 ،135‬حجية السوابق القضائية‪ :‬للدغيثر‪،‬‬
‫بحث منشور يف جملة العدل عدد (‪ )34‬ص‪.180-178‬‬
‫‪21‬‬
‫ ‪-4‬االستفادة من خربات وجتارب األجيال السابقة من القضاة ممن‬
‫بلغوا يف التفقه واألحكام مبلغ ًا حيمل عىل االطمئنان باالستفادة‬
‫من أحكامهم‪.‬‬
‫عيوب اإللزام بالسوابق القضائية عند أصحاب االجتاه املض ّيق‬
‫(القوانني الالتينية)‪:‬‬
‫يعيب أصحاب االجتاه املضيق للعمل بالسوابق (وهو النظام الالتيني)‬
‫العمل هبا من وجهني‪:‬‬
‫ أ ‪-‬أن التغري الرسيع الذي يطرأ عىل الوقائع واألحداث التي‬
‫ينظرها القضاء يضعف حجية هذه السوابق إذ التغري موجب‬
‫للتحول إىل حكم آخر غري حكم السابقة‪.‬‬
‫ ب‪-‬أن االعتامد عىل هذه السوابق جيعل القضاة يقومون بمهمة‬
‫سن األحكام والقضاء يف آن واحد‪ ،‬وهذا معارض ملبدأ‬
‫الفصل بني السلطات(((‪.‬‬
‫وعىل كل األحوال فإن السابقة القضائية معتربة عند الفريقني‪ ،‬إال أن‬
‫أحدمها يعتربها لالستئناس‪ ،‬وال يلزم هبا‪ ،‬واآلخر يعدها الزمة ومصدر ًا‬
‫ٍّ‬
‫ولكل منهام منزعه يف‬ ‫رسمي ًا ألحكام القضاة‪ ،‬وال يكتفي باالستئناس‪،‬‬
‫األخذ هبا‪ ،‬وحماذير يف اإللزام هبا أو االستئناس هبا‪ ،‬ورأيي سبق أن سطرته‬
‫يف املبحث الرابع حينام حتدثت عن حجية السوابق‪.‬‬
‫وباهلل التوفيق‪ ،‬وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد‪،‬‬
‫وعىل آله وصحابته أمجعني‪.‬‬
‫((( نظرية األخذ بام جرى به العمل؛ للعرسي ‪ ،140 -138‬حجية السوابق القضائية؛ للدغيثر‪،‬‬
‫بحث منشور جملة العدل عدد (‪ )34‬ص ‪.183-181‬‬

You might also like