Professional Documents
Culture Documents
01 - الحكم على المدعى عليه لتغيبه دون بينة
01 - الحكم على المدعى عليه لتغيبه دون بينة
00966552689988
00966112584669
00966112584701
M@qadha.org.sa
www.qadha.org.sa
@qdha
/qadha.ksa
2
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
مقدمة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم عىل املبعوث رمحة
للعاملني ،نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني أما بعد:
فإن القضاء من أعظم ما تقوم عليه ركائز الدولة املسلمة،
واحلكم بام أنزل اهلل -تعاىل -شعرية من شعائر اإلسالم التي ال
جيوز تركها ،ومن نِ َع ِم اهلل علينا يف هذه البالد أن َج َعل لنا القرآن
ٍ
قاض يف وح َّق ِّ
لكل مرجع ًا و َمصدر ًا لألحكام الرشعيةُ ، والسنة ِ
وإن بحث مسائل القضاء بعامة هذه البالد أن َي ْف َرح هبذه النعمةَّ ،
من األمهية بمكان ،ال سيام وفيها البحث عام يصيب به القايض رشع
اهلل ،وقد أكثر فقهاء األمة من الكالم عىل أحكام القضاء والتفصيل
ال ليس بعده ذكر ،وما زال قضاتنا -بحمد اهلل تعاىل - فيها تفصي ً
حلكَّام ،مقتدين هبدهيم، سلف من القضاة وا ُ َ متتبعني آلثار من
وي ُس ُن أن نتذاكر مسائل قد ُتر َفع فوق متمسكني بام عليه األوائلْ َ ،
قدرها ،أو تعطى فوق ما تستحقه يف ميزان العدل ،ومن ذلك مسألة
القضاء عىل الغائب ،ولن أتكلم ها هنا عن املسألة ب ُع َجرها و ُب َجرها،
مدونة يف كتب الفقه ويسهل الوصول فقد أكثر فيها ال ُك َّتاب وهي َّ
حمل للطرح وال للنظر يف إليها ،وإنام أردت اإلشارة إىل مسألة ليست َّ ً
كالم الفقهاء ،وإنام ُوجد الكالم فيها مؤخر ًا ،وهي مسألة( :احلكم
وسأبي فيها كالم فقهاء املذاهب ِّ املدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة)،
عىل َّ
3
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((( وال يدخل يف الكالم عىل هذه املسألة تغ ُّيب املدعى عليه بعد توجيه اليمني
عليه؛ إذ أن تلك مسألة أخرى خارجة عن حدود هذا البحث.
4
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
5
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
6
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
قوال واحد ًا ،نص عىل ذلك أبو الربكات ابن ((( حيكم عىل من كان هذا حاله ً
تيمية يف املحرر يف الفقه ط مكتبة املعارف ( ،)210/2وأطلق احلنابلة االمتناع
واالستتار ومل أجد هلم يف ذلك حد ًا ،وقد تناقلوا ما قرره أبو الربكات ،ينظر:
رشح الزركيش عىل خمترص اخلرقي ط العبيكان ( ،)290/7واإلنصاف
للمرداوي ت الرتكي (.)525/28
((( ينظر :البيان والتحصيل ط دار الغرب اإلسالمي (.)180/9
7
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
فشد ُدوا يف هذا تشديد ًا مل حيلف اليمني مع الب ِّينة إذا أقامها(َّ ،)1 أن ِ
ُي َش ِّد ْد ُه احلنابلة والشافعية( ،)2ونص ابن تيمية عىل نحو ما
نص عليه املالكية يقول« :وإن أمكن القايض أن ُيرسل إىل الغائب
رسوالً ،ويكتب إليه الكتاب والدعوى وجييب عن الدعوى بالكتاب
والرسول = فهذا هو الذي ينبغي ،كام فعل النبي
عليهم َق ْت َل صاحبهم ،وكا َت َب ُهماألنصاري ِ
ُّ بمكاتبة اليهود َّملا ا َّدعى
ِ ومل ُي ِ
إنكار ُه إذا
ُ إقرار ُه أو
ب ُ كل غائب ُطل َ ض ُهم ،وهكذا ينبغي يف ِّ ْ
مل ُي ِقم الطالب ب ِّينة ،وإن أقام ب ِّينة فمن املمكن أيض ًا أن يقال :إذا كان
اخلصم يف البلد مل جيِب عليه حضور جملس احلاكم ،بل يقول :أرسلوا
رسولٌ عيل ،وإذا كان ال ُب َّد أن يقوم مقامه إيل من يعلمني بام َّيدعي به َّ َّ
يب ِّلغه الدعوى ،فإن املقصود من حضور اخلصم سامع الدعوى ور ُّد
ٍ
بإقرار أو إنكارٍ»(.)3 اجلواب إما
8
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((( ينظر :رشح خمترص خليل للخريش ط دار الفكر ( ،)172/7والرشح الكبري
عىل خمترص خليل للدردير ط دار الفكر ( ،)162/4وهناية املطلب يف دراية
املذهب ط دار املنهاج ( ،)504/18وحتفة املحتاج مع حوايش الرشواين
والعبادي ط دار إحياء الرتاث ( ،)186/10واإلنصاف يف معرفة الراجح
من اخلالف ت الرتكي ( ،)515/28وكشاف القناع ط دار الكتب العلمية
(.)353/6
9
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
10
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
11
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
أتعرض يف بحث هذه املسألة إىل الكالم عن حكم القضاء عىل الغائب يف((( لن َّ
غري األموال ونحوها ،وللفقهاء فيام جيوز احلكم فيه عىل الغائب وما ال جيوز
تفصيالت تراجع يف حملها ،ينظر :رشح خمترص خليل للخريش ط دار الفكر
( ،)173/7والبهجة الوردية ط امليمنية ( ،)266/5وأسنى املطالب ط دار
الفكر ( ،)315/4واملغني البن قدامة ط مكتبة القاهرة (.)96/10
((( زعم بعض الباحثني أن ابن حجر حكى اإلمجاع عىل جواز القضاء
عىل الغائب يف حقوق اآلدميني ،وقد رجعت إىل كالمه يف فتح الباري ط دار
املعرفة ( )171/13فوجدت نصه« :قوله (القضاء عىل الغائب) أي يف حقوق
اآلدميني دون حقوق اهلل باالتفاق» ،واملتأ ِّمل يف كالمه جيد أن االتفاق
الذي نقله ليس يف جواز سامع القضاء عىل الغائب يف حقوق اآلدميني ،وإنام
أراد نفي جواز القضاء عىل الغائب يف حقوق اهلل ،وهو ظاهر من كالمه إذ نقل
بعد ذلك خالف الفقهاء يف مسألة القضاء عىل الغائب فليتنبه له.
((( ينظر :بدائع الصنائع ط دار الكتب العلمية ( )222/6و( ،)8/7وتبيني
احلقائق ط دار الكتاب اإلسالمي ( ،)191/4وحاشية ابن عابدين ط دار الفكر
( ،)414/5إال أن احلنفية استثنوا صور ًا منها ما ذكره الكاساين قال:
«وكذلك إذا كان للغائب مال حارض وهو من جنس النفقة وله أوالد صغار
فقراء وكبار ذكور زمنى فقراء أو إناث فقريات ووالدان فقريان فإن كان املال يف
أيدهيم فلهم أن ينفقوا منه عىل أنفسهم وإن طلبوا من القايض فرض النفقة منه
فرض؛ ألن الفرض منه يكون إعانة ال قضاء وإن كان املال يف يد مودعه أو كان
دينا عىل إنسان فرض القايض نفقتهم منه» بدائع الصنائع ط دار الكتب العلمية
( ،)28/4واعرتض هبا عليهم أصحاب القول الثاين :إال أهنم أجابوا عنها بأهنا=
12
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
= ليست من القضاء عىل الغائب« ،ألن نفقة هؤالء واجبة من غري قضاء القايض،
وهلذا لو ظفروا بامله أخذوه من غري قضاء ،ويكون القضاء إعانة هلم ،فال يكون
قضاء عىل الغائب »..تبيني احلقائق ط دار الكتاب اإلسالمي (.)311/3
((( ينظر :اإلرشاف عىل مذاهب العلامء البن املنذر ط مكتبة مكة (،)203/4
رشيح :فإنه ال يصح
ٌ وض َّعف ابن حزم النقل يف هذا عن رشيح ،قال« :وأما
عنه؛ ألنه عن جمالد وجمالد ضعيف ،والطريق األخرى :إنام فيها أنه ال يلقن
خص ًام فقط» املحىل باآلثار ط دار الفكر (.)438/8
((( ينظر :بداية املجتهد وهناية املقتصد ط دار احلديث ( ،)254/4إنام جعلته
هكذا عىل صيغة التمريض ألن الشيخ عليش نقل عن ابن املاجشون أنه قال
باحلكم عىل الغائب ينظر :منح اجلليل ط دار الفكر (.)371/8
((( ينظر :اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف ت الرتكي (.)516/28
((( ينظر :بدائع الصنائع للكاساين ط دار الكتب العلمية ( ،)222/6ودرر احلكام
رشح جملة األحكام ط دار اجليل (.)630/4
((( ينظر :البيان والتحصيل ط دار الغرب ( ،)180/9والرشح الكبري عىل خمترص
خليل للدردير ط دار الفكر ( ،)162/4ون َّبهت سابق ًا أن املالكية :وإن مل يسموا
جوزوا احلكم عليه بعد إعذاره كام سيأيت ،وعليه املمتنع واملسترت غائب ًا إال أهنم َّ
فيصح حكاية اخلالف يف املسألة بكوهنا مسألة واحدة ،إذ املالكية ال يامنعون يف
احلكم عليه ،وإنام يامنعون يف عدِّ ه غائب ًا ،ويفرتقون -حقيقة -عن الشافعية=
13
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
14
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
وجه الداللة:
النبي هناه عن القضاء ألحد اخلصمني قبل َّ أن
املدعى عليه َقضا ٌء غياب َّ ِ الدعوى مع امع َّ وس ُ
سامع كالم اآلخرَ ،
ي قبل سامع كالم اآلخر فكان منه َّي ًا عنه(.)1 ألحد اخلَ ْص َم ْ ِِ
نوقش:
حضور اخلصمني ،أما يف حال الغياب فليس ِ بأن ذلك يف حال
حاض ًا حتى ُي ْس َم َع منه( ،)2بدليل قوله : املدعى عليه ِ َّ
حل ْك ِم املذكور،ها يف ا ُ ور ُ َ إليك َر ُج َل ِن))َ َ :
فاشت َط ُح ُض َ اض َ ((إذا َت َق َ
ٍ
واحد مل َ ِ ٍ ضا إليه يف ومفهومه :أهنام إذا مل َي َت َق َ
ب ي ْ جملس وي ُ َ
اض َيا إليه َ ْ
حلكْم(.)3
عليه السامع من اآلخر قبل ا ُ
الدليل الثاين:
رسول اهلل قال: َ حديث أ ِّم َس َل َمة :أن ُ
بح َّجتِ ِه من بعض ،فمن
إيل ،و َل َع َّل َب ْع َضكُم َأ َْل ُن ُ
ِ
((إ َّنك ُْم َت َتص ُم ْو َن َّ
= برقم )646( :وأبو داود يف «سننه» ( )327/3برقم )3582( :والرتمذي يف
«جامعه» ( )12/3برقم )1331( :والنسائي يف «الكربى» ( )420/7برقم:
( ،)8363وأبو يعىل يف «مسنده» ( )252/1برقم )268/1( ،)293( :برقم:
( )305/1( ،)316برقم )323/1( ،)371( :برقم )401( :وابن حبان
يف «صحيحه» ( )451/11برقم )5065( :والضياء املقديس يف «األحاديث
املختارة» ( )317/2برقم )388/2( ،)696( :برقم.)774( :
((( ينظر :بدائع الصنائع ط دار الكتب العلمية (.)223/6
((( ينظر :رشح الزركيش عىل خمترص اخلرقي ط دار العبيكان (.)287/7
((( ينظر :الذخرية للقرايف ط دار الغرب (.)115/10
15
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
16
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
17
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
بذلك بل َذك ََر ْت ذلك عىل هيئة السائل ،ومنها :أهنا َس َأ َلت هل عليها
ناح من ذلك ،وهذا ليس َطلب ًا للقضاء وإنام استفتاء وسؤال؛ إذ ُج ٌ
إثم من فعلها ذلك أم ال(.)1
سألت هل عليها ٌ
ْ
يقول ابن القيم :
ِ
جواب «فهذه فتي ًا ال ُحك ٌْم؛ إذ مل َي ْد ُع بأيب سفيان ،ومل َي ْس َأ ْل ُه عن
الدعوى ،وال َس َأ َلَا الب ِّينة»(.)2
قال ابن عبد اهلادي :
ِ
السبب ِ
إثبات تاج إىل«بل قد يقالَ :ي َت َع َّي للفتوى؛ ألن احلكم َي ُ
ِ ِ
اج إىل ذلك يف الفتوى، ا ُمل َس ِّلط عىل األخذ من مال الغري ،وال ُ ْ
ي َت ُ
ِ
الغائب حاض ًا يف البلد ،وال ُي ْق َض عىل وقد يقال :إن أبا سفيان كان ِ
َ
وسامع ِه الدعوى عليه يف املشهور من ِ إحضار ِه
ِ ِ
احلارض مع إمكان
مذاهب العلامء»(.)3
حمل النزاع َن ْق ُل ِ
اتفاق الفقهاء عىل َع َد ِم جواز وقد َس َب َق عند حترير ِّ
غري املم َتنِع.
حل ْك ِم عىل احلارض ِ ا ُ
18
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
الدليل الثاين:
ََ
حل ْك ِم بال َع ْد ِل كقوله تعاىل﴿ :وأ ِن الدالة عىل ا َ ُ
عموم األدلة ََّ
ٓ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ َ ٓ َ َ َّ ُ َ َ َّ
ۡ َ َ ُ ۡ ()1 ۡ
ٱحكم بينهم بِما أنزل ٱلل ول تتبِع أهواءهم﴾ ،وكذا األدلة
النبي (( :إذا َل َيك ُْن ِ
الدال ُة عىل احلك ِم بالب ِّينة كقول ِّ َّ
مني))(.)2 ِ
طلوب ال َي ُ ب َب ِّينَ ٌة ف َع َل ا َمل لِلطالِ ِ
وجه الداللة:
النبي َ ج َع َل القضاء بال َب ِّينة أمر ًا مرشوع ًا ،ومل أن َّ
ٍ
وغائب(.)3 ٍ
حارض ُي َف ِّرق بني
الدليل الثالث:
إمجاع الصحابة عىل القضاء عىل الغائب إذا ُو ِج َدت ُ
يقول اب ُن حزم « :الصحيح عن عمر وعثامن: ُ الب ِّينة(،)4
أحد من احلق ِقب َله ،وال ي ِصح عن ٍ
َ ُّ القضاء عىل الغائب إذا َص َّح ُّ َ ُ
((( سورة املائدة :آية رقم (.)٤٩
((( أخرجه البيهقي يف «سننه الكبري» ( )253/10برقم )21266( :من طريق
إسحاق بن إبراهيم عن روح بن عبادة عن احلجاج بن أيب عثامن الصواف
واللفظ له ،والدارقطني يف «سننه» ( )391/5برقم )4513( :من طريق نعيم
بن محاد عن مروان بن معاوية عن احلجاج به ،وأخرجه ابن أيب شيبة يف «مصنفه»
( )681/10برقم )21222( :من طريق حممد بن برش عن احلجاج به ،ومن
طريقه أخرجه الطرباين يف «الكبري» ( )159/5برقم ،)4937( :وأورده ابن
حجر يف «املطالب العالية» ( )207/10برقم )2/2189( :بألفاظ متقاربة،
واللفظ املثبت لفظ البيهقي ،وإسناده ثقات.
((( ينظر :الذخرية للقرايف ط دار الغرب (.)113/10
((( حكى اإلمجاع يف املسألة ابن حزم كام سيأيت قريب ًا ،والقرايف يف الذخرية ط دار
الغرب (.)114/10
19
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
ِ
قضاء خالف ذلك»( ،)1وقال َب ْع َد أن َذك ََر عدد ًا من صور ُ ِ
الصحابة
الصحابة عىل الغائب« :ولو ُت ُت ِّب َع ذلك للصحابة بعدما
جد ًا - للنبي -صىل اهلل عليه وآله وسلم -ل َك ُث َر َّ ِّ يوجد من ذلك
أحد من يصح عن ٍ والذي أوردنا عن ُعمر ،وعثامن صحيح ،وال ِ
ُّ ٌ ََ
ٍ
بإسناد الصحابة ِخال ُف ُه أبد ًا»( ،)2ومما اس َت َد َّل به ما روا ُه عبد الرزاق
ِ
ص ت َّب ُ أن ُع َم َر وعثامن َ ق َض َيا يف املفقود أن امرأته َت َ َ صحيح َّ
ٍ
زوج َها أشهر وعرش ًا بعد ذلك ،ثم ُت َز َّوج فإن جاء ُ ٍ سنني وأربع َة أر َب َع َ
داق وبني امرأته(.)3 الص ِ األول ُخ ِّي بني َّ
الدليل الرابع:
ٍ
وإنكار ،فإِ ْن َأ َق َّر فالب ِّينَ ُة ٍ ض :لكان بني
إقرار «أن الغائب لو َح َ َ
ِ
مانع من احلك ِم ُمواف َق ٌة ،وإن أنك ََر فالب ِّين ُة ُح َّج ٌة ،فلم َيكُن يف الغيبة ٌ
وإنكار ِه»(.)4
ِ ِ
إقراره بالب ِّينة يف حال َتي
الدليل اخلامس:
ي يف بعض الصور، ِ
الغائبِ ْ َ استصحاب اإلمجا ِع يف القضاء عىل ُ
ومن ذلك:
إمجاعهم عىل القضاء عىل العاقلة وهم غائبون ،وإمجا ُع ُهم يف
أعظم من الغائب(.)5 ُ القضاء عىل امليت وهو
20
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
الرتجيح:
يرتجح عندي القول الثاين قول اجلمهور القائلني بجواز القضاء َّ
ِ
املسائ ِل القادمة إن شاء اهلل ،ألمور: عىل الغائب برشطِ ِه عىل ما يأيت يف
الدا َل َة عىل القضاء بالبين ِ
َات عا َّم ٌة مل ُت ََّصص األول :أن األدلة َّ
ِّ
باحلارض.
رضوان اهلل عليهم ،بل ُن ِق َل
ُ الثاين :أ َّنه الذي َع ِم َل به الصحابة
إمجا ُع ُهم عليه كام سبق.
تقض به املصلحة ،إذ لو ِقيل بأنه ال ُي ْق َض الثالث :أنه الذي ِ
حق، حق من كان له عىل الغائب ٌّ عىل الغائب أل َّدى ذلك إىل ضياع ِّ
الناس
ُ ألخ َذ
حلك ُْم عىل الغائب َ يقول القرايف « :وأل َّنه لوال ا ُ
أموال الناس وغا ُب ْوا ،ف َت ِض ْي َع األموال ،وجيوز ذهاب مال الغائب
القائلني
َ احلق»( ،)1ويؤك ُِّد ذلك :أن احلنفية - قبل القدوم ِ
فيض ْي َع ُّ
عدد من املسائل إىلاض ُطروا يف ٍ - الغائب عىل ِ
القضاء ِ
جواز بعد ِم
ُّ ْ
يشء منها ،كام اض ُط َّر بعضهم ٍ احلكم عىل الغائب وقد َس َب َق ُ
بيان
املدعى عليه لتقو َمب عن َّ ي ْي ُ إىل إجياب إقامة (ا ُمل َس َّخ ِر) وهو الذي ُ ِ
الب ِّينَ ُة مع اإلنكار ،و َي ْظ َه ُر من هذا إدراك ُُهم ألمهية مسألة القضاء عىل
الغائب(.)2
21
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
22
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
23
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
املدعى عليه
الدعوى ضد َّ ش َط سامع َّ
بعض احلنابلة أن َ ْ ورأى ُ
ٍ
كاملة (شاهدين) ،وأنه ال تسمع الدعوى ِض َّد الغائب :وجو ُد ب ِّي ٍنة
الغائب إذا كانت الب ِّينَ ُة شاهد ًا ويمين ًا ،يقول الشيخ مرعي الكرمي
« :وي َّتجه :ال شاهد ويمني»( ،)1وع َّلله الرحيباين يف
مطالب أويل النهى فقال« :ولو فيام يقبل فيه؛ لضعفه ،وهو م َّتجه»(.)2
الدعوى
امع َّ
ومما تقدم يتبني أنه ال جيوز عند أحد من الفقهاء َس ُ
ِض َّد الغائب إال بوجود ب ِّي ٍنة.
24
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
املدعى عليه؟
املسألة الرابعة :عال َم حيمل غياب َّ
استبان فيام سبق :أن القائلني بجواز القضاء عىل الغائب َ
ولعل سؤاالً يتبادر إىل ِذ ْه ِن القارئ
الدعوىَّ ، يشرتطون الب ِّين َة لسامع َّ
املدعى ِ
إنكار َّ الكريم :وهو أنه إذا َّقر ْر َنا بأن الب ِّينَ َة ال ُت ْس َم ُع إال َ
بعد
غائب ،فعال َم محل الفقهاء غياب
ٌ ِ
الصور واملدعى عليه يف هذه
عليهَّ ،
املدعى عليه؟
َّ
واجلواب أن يقال:
وقرر ، املالكية ذلك عىل نص نكر، ُ
ملا ِ
م ْ
ك ح يف م ه ْد
َ ن إن الغائب ِ
ع
َّ
()1
َّ ُ ُ
كسكُوتِه ،كام َّقرروا بأن املدعى عليه ُ الشافعية واحلنابلة أن غياب َّ
احلاض إن سكت عن اجلواب، ِ ِ املدعى عليه مواج َه ِة َّ
سم ُع يف َ ال َب ِّين َة ُت َ
حال الغياب( ،)2يقول اجلويني « :إذا ِ فل ُت ْس َمع الب ِّين ُة يف
يحص ِ الدعوى ،أو قال :ال ُأ ِق ُّر ،وال ُأ ْن ِك ُر ،كان ذلك كال َّت ْ ِ بعد َّ
َت َ َسك َ
كوت ،والب ِّينَ ُة باإلنكار»( ،)3ويقول املرداوي « :ال َغ ْي َب ُة ُس ٌ
((( ينظر :الذخرية للقرايف ط دار الغرب ( ،)255/7وينظر :حاشية الصاوي عىل
الرشح الصغري ط دار املعارف (.)530/3
((( ينظر :أسنى املطالب ط دار الكتاب اإلسالمي ( ،)315/4ومغني املحتاج ط
دار الكتب العلمية ( ،)309/6ورشح املحيل عىل املنهاج مع حاشيتي قليويب
وعمرية ( ،)309/4وروضة الطالبني وعمدة املفتني ط املكتب اإلسالمي
( ،)44/12واإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف ت الرتكي (-446/28
،)447والفروع مع تصحيح الفروع ط الرسالة ( ،)203/11وكشاف القناع
ط دار الكتب العلمية (.)354/6
((( ينظر :هناية املطلب يف دراية املذهب ط دار املنهاج (.)87/7
25
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
26
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
27
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
28
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
29
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
ِ
اليمني املدعي يمين ًا أخرى بعد ون عىل َّ ِ
فيوج ُب َ أما عند الشافعية:
التي تكون مع الشاهد ،وتكون لنَ ْف ِي ا ُملس ِق ِ
ط: ْ
يقول الشيخ زكريا األنصاري (« :و ُي ْق َض عىل الغائب
حل َّج ِة واألخرى) َب ْع َد َها (لنفي
كميل ا ُ ِ ها ل َتأحد ُ َ
َي ُ ٍ
بشاهد ويمين ْ ِ
ويسمى يمني االستظهار»(.)1 غريه أو ط) من ٍ
إبراء ا ُملس ِق ِ
َّ ْ
وبنحو هذا قال املالكية(.)2
وأما عند احلنابلة فعىل القول بلزوم اليمني فإنه يلزم أن يضاف إىل
ِ
صاد َق ٌة ،يقول ُب ْر َهان الدين اليمني التي تكون مع الشاهد أن الب ِّينَ َة
اب ُن مفلح « :وال َي َت َع َّرض يف يمينه لصدق الب ِّي ِنة لكامهلا،
ف معه»(.)3 بخالف ما إذا أقام شاهد ًا ،فإنه حيلِ ُ
((( أسنى املطالب يف رشح روض الطالب ط دار الكتاب اإلسالمي (،)317/4
وينظر :حاشية الشربامليس عىل هناية املحتاج ط دار الفكر (.)268/8
((( ينظر :رشح خمترص خليل للخريش ط دار الفكر ( )199/4وينظر إىل ما قرره
العدوي يف حاشيته عليه حيث قرر أنه قد يصحبه ثالثة أيامن يمينان لالستظهار
ويمني لتكملة النصاب ...فلرياجع.
((( املبدع يف رشح املقنع ط دار الكتب العلمية ( ،)207/8واإلنصاف يف معرفة
الراجح من اخلالف ت الرتكي ( ،)521/28وحكى بعض احلنابلة وجه ًا آخر
وهو أنه ال يقبل عىل الغائب إال شاهدان فقط :يقول الشيخ مرعي الكرمي
يف غاية املنتهى ط مؤسسة غراس (« :)598/2ومن ادعى عىل غائب مسافة
قرص بعمله أو ال أو مسترت بالبلد أو دون مسافة قرص أو ميت أو غري مكلف،
خرجها عىل ما حكوه يف وله بينة ،ويتجه :ال شاهد ويمني»ا.هـ ،قلت :ولعله َّ
مسألة الوارث ينكر التدبري فيقيم العبد الشاهد الواحد وحيلف معه اليمني
املورث د َّبره ،فقد حكوا يف هذه املسألة روايتني :األوىل :أنه ال حيكم=
عىل أن ِّ
30
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
وجودها ابن قدامة يف املغني ط مكتبة القاهرة َّ = هبا ،والثانية :أنه حيكم هبا،
( ،)356/10ووجه اتفاق املسألتني :أن املد ِّبر ميت ،وقد حكوا أنه أبلغ من
الغائب كام تقدم حكاية ذلك عنهم.
31
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((( وقد سبق التنبيه عىل أنه ال يدخل يف الكالم عىل هذه املسألة تغيب املدعى
عليه بعد توجيه اليمني عليه؛ إذ أن تلك مسألة أخرى خارجة عن حدود هذا
البحث.
32
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
33
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
للمدعي املدعى عليه الغائب دون ب ِّي ٍنة ُحك ٌْم َّ كام أن احلكم عىل َّ
بمجر ِد
َّ الع ْل ِم عىل أنه ال جيوز للقايض أن حيك َُمأهل ِ أج َع ُ بدعواه ،وقد ْ َ
املدعيَ ،ن َق َل اإلمجاع عىل هذا مجع من العلامء: دعوى َّ
يقول ابن املنذر ..« :وقول مجيع أهل العلم أن أحد ًا ال
يعطى بدعواه شيئ ًا»(.)1
ويقول ابن عبد الرب :
«وأمجعوا أنه ال يعطى أحد بدعواه وأن البينة عليه فيام يدعيه»(.)2
ويقول أبو الوليد الباجي :
«ال خالف أنه ال حيكم ألحد بدعواه»( ،)3والقول بأن القايض
حكم للمدعي بدعواه. ٌ املدعى عليه دون ب ِّينة حيكم بمجرد ختلف َّ
ومستند اإلمجاع يف هذه املسألة :قول النبي (( :لو
يعطى الناس بدعواهم الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم ولكن
املدعى عليه))( ،)4ويف احلديث اآلخر(( :إذا َل َيك ُْن اليمني عىل َّ
مني))(.)5 ِ
طلوب ال َي ُ لِلطالِ ِ
ب َب ِّينَ ٌة ف َع َل ا َمل
((( ينظر :اإلرشاف عىل مذاهب العلامء البن املنذر ط مكتبة مكة (.)41/8
((( االستذكار ط دار الكتب العلمية (.)210/7
((( املنتقى رشح املوطأ ط السعادة ( ،)204/5وحكى اإلمجاع عىل ذلك غري
من ذكرت ،ولرتاجع :موسوعة اإلمجاع يف الفقه اإلسالمي ط دار الفضيلة
( )144/7وما بعدها.
((( أخرجه البخاري يف «صحيحه» ( )143/3برقم ،)2514( :ومسلم يف
«صحيحه» ( )128/5برقم )128/5( ،)1711( :برقم )1711( :من
حديث ابن عباس .
((( أخرجه البيهقي يف «سننه الكبري» ( )253/10برقم )21266( :من طريق
إسحاق بن إبراهيم عن روح بن عبادة عن احلجاج بن أيب عثامن الصواف =
34
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
قرص ولو غائب مساف َة ٍ ٍ يقول البهويت (« :وإن ا َّدعى عىل
(م ْ َتنِ ٍع) من احلضور ملجلس احلكم (أي يف غري عمله أو) ا َّدعى عىل ُ
قرص أو ا َّدعى عىل ميت أو صغري دون مسافة ٍ ُم ْس َت ِ ٍت إما يف البلد أو َ
يك َْم َل ُه) بام ٍ
أو جمنون بال ب ِّينَة مل ُت ْس َم ْع دعواه) ألنه ال فائد َة فيها (ومل ُ ْ
حلديث ((لو يعطى الناس بدعواهم)).)1(»... ِ ا َّد َعا ُه
ومع هذا البيان الرصيح منهم -رمحة اهلل عليهم -فال فائدة من
بحث هذه املسألة حقيق ًة ،و ُعلِ َم منه أيض ًا أنه ال قائِ َل بجواز ِسام ِع ِ
الدعوى عىل الغائب دون ب ِّينة.
املدعى عليه حل ْك ِم عىل َّ جواز ا ُ َ ولكن سمعت ورأيت من يرى
دون ب ِّي ٍنة ويس َتنِد يف ذلك إىل أ َّد ٍلة عا َّم ٍة ،ومل يتف َّطن إىل ما
ملجر ِد تغ ُّيبِ ِه َ
َّ
أهل العلم يف شأن القضاء عىل َف ِه َم ُه ُ
أهل العلم منها ،وال إىل ما َّقر َر ُه ُ
ون به وما رأي ُت ُهم يس َتنِدون عليه.
الغائب ،وسأذكر ها هنا ما يس َت ِد ُّل َ
ول َف ْه ِم حقيقة خمالفة هذا القول ملا قرره الفقهاء فال ُب َّد من
استحضار ما سبقت حكايته عنهم.
= واللفظ له ،والدارقطني يف «سننه» ( )391/5برقم )4513( :من طريق نعيم بن
محاد عن مروان بن معاوية عن احلجاج به ،وأخرجه ابن أيب شيبة يف «مصنفه»
( )681/10برقم )21222( :من طريق حممد بن برش عن احلجاج به ،ومن
طريقه أخرجه الطرباين يف «الكبري» ( )159/5برقم ،)4937( :وأورده ابن
حجر يف «املطالب العالية» ( )207/10برقم )2/2189( :بألفاظ متقاربة،
واللفظ املثبت لفظ البيهقي ،وإسناده ثقات.
((( كشاف القناع ط دار الكتب العلمية (.)354/6
35
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((( أخرجه الطرباين يف املعجم األوسط ط دار احلرمني ( )7541من طريق خالد
بن نافع األشعري عن سعيد بن أيب بردة عن أيب موسى األشعري
وقال يف كنز العامل (( )14539ج )849/5ط الرسالة« :أبو سعيد النقاش
وفيه خالد بن نافع ،ضعيف» ،وفيه كام ترى خالد بن نافع األشعري ،وهو
ضعيف ضعفه أبو زرعة والنسائي ،وقال أبو حاتم :شيخ ليس بقوي يكتب
حديثه ،ينظر :اجلرح والتعديل البن أيب حاتم ط دار إحياء الرتاث (،)355/3
ولسان امليزان ط دار البشائر ( ،)342/3وقال اهليتمي يف جممع الزوائد ومنبع
الفوائد ط مكتبة القديس (« :)197/4وفيه خالد بن نافع األشعري :قال أبو
حاتم :ليس بقوي يكتب حديثه ،وض َّعفه األئمة» ،واخلالصة أن هذا احلديث
ضعيف.
36
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
ونوقش من أوجه:
الوجه األول:
ضعيف ،ألن يف إسناده خالد بن نافع األشعري
ٌ َ
احلديث أن هذا
تبي ذلك :فإن كان ضعيف ،كام سبق عند ختريج احلديث ،فإذا َّ َ ٌ وهو
ي َت ُاج إىل الكالم عليه؛ أل َّنه ال درج َة االعتبار فال ُ ْاحلديث مل يب ُل ْغ َ
أرج ُح منه ،و َع َد ُم َ ِِ العمل به عىل َف ْر ِ
ُ
معارضته ملا هو َ ض عدم جيوز
ُ
أرج ُح َ ِ خمال َفتِ ِه للقواعد الرشعية،
احلديث ُم َع َار ٌض بام هو َ والواق ُع أن
تقدم ،ومع ذلك منه من األدلة والقواعد الرشعية هذا مع ضعفه كام َّ
فإن عنه أجوب ًة -عىل فرض صحته ْ َ -ت َم ُع بينه وبني نصوص ُك ِّلهَّ :
الباب( ،)1وستأيت يف األوجه التالية.
الوجه الثاين:
حل ْك ِم عىل الغائب م َّت ِف ُق ْو َن عىل أ َّنه ال ُ
جيوز ِ
بجواز ا ُ َّ
أن القائلني
الدعوى ضده إال بب ِّي ٍنة فكيف باحلكم بغري ب ِّي ٍنة! وقد سبق سامع َّ
نقل اتفاقهم عىل ذلك( ،)2فإذا ُأ ِخ َذ ذلك ِ
بعني االعتبار ،و ُع ِل َم َّ
أن
37
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
القضاء عىل الغائب عىل قولنيَ :أ َح ُد ُها أ َّنه ال ِ أهل العلم اختلفوا يف
كم عىل حل َأن ا ُ يك َُم عليه بالب ِّين َِةُ ،ع ِل َم َّ َ
واآلخ ُر أ َّنه ُ ْ يك َُم عليه مطلق ًا، ُْ
قول مل َي ُق ْل ُه أحد من فقهاء اإلسالم. املدعى عليه بال ب ِّين ٍَة ٌ
َّ
فإن قيل :فام اجلواب عن هذه األحاديث؟
فيقال:
الوجه الثالث:
حل ْك ِم عىل الغائب ح ُلوا هذه األحاديث عىل جواز ا ُ أهل العل ِم َ َ أن ََّ
النبي يف ِّ بالب ِّين َِة ال ِم ْن دون ب ِّي ٍنة ،وهو الز ٌم؛ لقول
احلديث الذي أخرجه الشيخان(( :لو ُي ْع َطى ُ
الناس َبد ْع َو ُاه ْم ال َّد َعى
املدعى عليه)) (،)1 اليمني عىل َّ
َ وأموالم ولكِ َّن
َُ ٍ
رجال دماء
َ ناس
ٌ
النبي َ حك ََم عىل بأن َّووج ُه الداللة منه :أ َّنه لو ِق ْي َل َّ
املدعي املدعى عليه ألجل غيابِ ِه َف َقط َل َل ِز َم من ذلك أن يكون َأ ْع َطى َّ َّ
النبي هذا املعنى يف هذا احلديث، بدعواه ،وقد نفى ُّ
حديث آخر(( :إذا َل َيك ُْن ٍ طريق احلكم وأ َّنه باليمني ،ويف َ وبيَّ
مني))( ،)2يقول القايض أبو يعىل طلوب ال َي ُِ ب َب ِّينَ ٌة ف َع َل ا َمل لِلطالِ ِ
((( أخرجه البخاري يف «صحيحه» ( )143/3برقم ،)2514( :ومسلم يف
«صحيحه» ( )128/5برقم )128/5( ،)1711( :برقم )1711( :من
حديث ابن عباس .
((( أخرجه البيهقي يف «سننه الكبري» ( )253/10برقم )21266( :من طريق
إسحاق بن إبراهيم عن روح بن عبادة عن احلجاج بن أيب عثامن الصواف
واللفظ له ،والدارقطني يف «سننه» ( )391/5برقم )4513( :من طريق نعيم
بن محاد عن مروان بن معاوية عن احلجاج به ،وأخرجه ابن أيب شيبة يف =
38
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
حمل االستدالل« :ومعلو ٌم أ َّن ُه مع ِّلق ًا عىل حديث أيب موسى ِّ
بد ْع َوا ُه ،ف َث َب َت أ َّنه َق َض بِ َب ِّين ٍَة»(.)1
مل َيكُن َي ْق ِض عليه َ
الوجه الرابع:
ي ُص ُل هبا اجلمع ِ ح ُل احلديث عىل ٍ
األوجه التي َ ْ ُ عدد من أ َّن ُه ُيمكن َ ْ
بني هذا احلديث وغريه ،فمن ذلك:
خاصمي كانت بعد ال َّت ُ بني اخلَ ْص َم ْ ِ
أن يف احلديث :أن املواعدة َ أَّ -
حيث قال« :كان إذا اخ َت َص َم إليه اخلَ ْص َم ِن، النبي ُ ، عند ِّ
املوع َد »..ف ُعلم منه أنه َس َب َق للنبي معهام ِ فا َّت َع َدا
ُ
الدليل من حماكمة ،فال َق َضا ُء مل ُير َّتب عىل عدم حضور اخلَ ْص ِم ،فأي َن
أن احلكْم كان ملجر ِد خت ُّل ِ
ف اخلَ ْص ِم عن احلضور؟ وهل َّ احلديث عىل َّ ُ َ
حلك َْم إ َّنام كان بام َح َص َل يف التحاكم بأن ا ُ هذا ال ُق ْو ُل َبأ ْو َل من أن َ
يقال َّ
يعارض ج َع ًا بني األدلة عىل َف ْر َض صحة هذا احلديث؟! وهل ِ األول َ ْ
األحاديث الصحيح َة َ اإلسناد -كام تقدم - ِ الضعيف
ُ ُ
احلديث هذا
ِ
احلديث ض ِص َّحة
الدعوى؟ َف َع َل َف ْر ِ
بمجرد َّ الدال َة عىل أ َّنه ال ُي ْق َض
َّ
َّ
جل ْم ِع بني هذا احلديث واألحاديث األخرى، املصي إىل ا َ ب فإنه َ ِ
ي ُ
ُْ
39
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
ٍ
حديث تقديم ِه عىل
ِ ٍ
ضعيف أو ال أن ُيصار إىل ترجيح حديث
ٍ
صحيح(.)1
املدعي فإ َّنه ال جيوز أن ُي ْق َط َع
ض هو َّ
يُ ْإن كان الذي مل َ ْب -أ َّنه ْ
فبأي ٍ
دليل ِ ِِ ِ َح ُّق ُه إال
بإقراره ببطالن دعواهِّ ، املدعى عليه ،أوبيمني َّ
املدعي مع قول النبي (( :ولكن اليمني عىل
يك َُم عىل َّ
ُْ
()2
املدعى عليه))؟
َّ
النبي َ س ِم َع من َّ يقال َّ
بأن ت -أ َّنه ُي ْم ِك ُن أن َ
املدعيللبت يف احلكم ،إما بب ِّين ٍَة من َّ مر ٍة ما يكفي ِّ ِ
ي يف َّأول َّ صم ْ ِاخلَ َ
املدعى عليه ونحو ذلك(.)3 بيمني من ٍَّ أو
ض من ِ
املتناز ُع فيها يف يد الذي َح َ َ َ العني
ُ ث -أ َّنه يمكن أن تكون
النبي أ َم َر ُه أن أن َّ فيكون ال َق َضا ُء املقصود َُّ ي،اخلصم ْ ِ
َ
حلك َْم له(.)4 ا ب بيشء ِ
يوج ٍ يستم َّر ق ْب ُض ُه عليها لعدم حضور َخ ْص ِم ِه ِ
ُ ُ
املدعي ي هو َّ مك ُن أن يكون الذي َح َض من اخلَ ْص َم ْ ِ ج -أ َّنه ي ِ
َ ُ
النبي
ُّ فس ِم َعاملدعى عليهَ ، غاب هو َّ َ أحض ب ِّينَ َت ُه ،والذي وقد َ َ
وحك ََم ل ُه(.)5
ب ِّينَ َت ُه َ
40
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((( أخرجه البزار يف مسنده ط مكتبة العلوم واحلكم برقم ( ،)4680من طريق
خالد بن يوسف السمتي عن أبيه يوسف ،عن جعفر بن سليامن بن سمرة بن
جندب ،وأخرجه الطحاوي يف مشكل اآلثار ط مؤسسة الرسالة برقم ()4635
من طريق مروان بن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب عن حممد بن إبراهيم
بن خبيب بن سليامن بن سمرة بن جندب ،مجيعهم عن جعفر بن سعد بن
سمرة بن جندب عن خبيب بن سليامن بن سمرة بن جندب عن أبيه ،ومداره
عندمها عىل جعفر بن سعد ،قال عنه ابن عبد الرب :ليس بالقوي ،وقال ابن
حزم وابن القطان ومغلطاي :جمهول ،وقال عبد احلق اإلشبييل :ليس ممن يعتمد
عليه ،ينظر :إكامل هتذيب الكامل ط دار الفاروق احلديثة ( ،)218/3وهتذيب
التهذيب ط دائرة املعارف النظامية ( ،)94/2ويرويه عن جعفر عن خبيب بن
سليامن :وهو جمهول أيض ًا قال ذلك ابن حجر وابن حزم وابن القطان الفايس
ينظر :تقريب التهذيب ط دار الرشيد ص( ،)192وهتذيب التهذيب ط دائرة
املعارف النظامية ( ،)135/3وإكامل هتذيب الكامل ط دار الفاروق احلديثة
( ،)172/4ويف إسناد البزار يوسف السمتي وهو مرتوك احلديث كذاب ،قاله
عمرو بن عيل وابن معني وأبو داود السجستاين ،وقال عنه احلاكم :ال يروي عنه
أهل الديانة واملعرفة ،وقال أبو حاتم :ذاهب احلديث ،وقال ابن حجر :يوسف
تالف ،وما دام مداره عىل جعفر فاحلديث ضعيف لضعف جعفر وجهالة شيخه
خبيب.
41
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
( )3الدليل الثالث :عن احلسن البرصي :قال :قال رسول اهلل
(( :من دعي إىل سلطان فلم جيب فهو ظامل ال حق
له))(.)1
ووجه الداللة من هذين احلديثني:
ظالِ ًا ،وأ َّنه َّ َ
بي ُحك َْم ُه ي ُض َ
سمى من مل َ ْ
النبي َّ أن َّ َّ
وأنه ال َح َّق له.
ونوقش هذان احلديثان من عدة أوجه:
الوجه األول :من جهة اإلسناد:
فمدار ُه عىل جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب
ُ أما حديث سمرة
عفر
ويرويه عن خبيب بن سليامن بن سمرة بن جندب ،فأما َج ُ
((( أخرجه أبو داود يف املراسيل ( )391من طريق مسلم بن إبراهيم عن جعفر بن
حيان عن احلسن به ،ومن طريق البيهقي يف السنن الكبري ( ،)20548وأخرجه
ابن أيب حاتم يف تفسريه برقم ( )14744عن أبيه عن موسى بن إسامعيل عن
مبارك عن احلسن به ،وأخرجه الدارقطني يف سننه ( ،)4495من طريق حممد بن
سليامن املالكي عن عمرو بن عيل عن حييى بن سعيد القطان عن أيب األشهب عن
احلسن به ،وهو من مراسيل احلسن ،وقد قال اإلمام أمحد« :ليس يف املرسالت
يشء أضعف من مرسالت احلسن وعطاء بن أيب رباح فإهنام كانا يأخذان عن
كل أحد» ،هتذيب الكامل يف أسامء الرجال ط مؤسسة الرسالة (،)83/10
وهتذيب التهذيب ط النظامية ( ،)266/2وجامع التحصيل للعالئي ط عامل
الكتب ص( ،)78وقال عنه أبو حاتم« :هذا حديث منكر» العلل ابن أيب حاتم
ط احلمييض ( ،)295/4وقال عنه ابن كثري بعد أن ساقه يف تفسريه« :وهذا
حديث غريب ،وهو مرسل» تفسري ابن كثري ط العلمية ( ،)68/6وقال عبد
احلق اإلشبييل يف أحكامه الوسطى بعد أن ذكر احلديث« :هذا مرسل ،ومراسيل
احلسن عندهم ضعاف جد ًا» األحكام الوسطى ط مكتبة الرشد (.)341/3
42
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
43
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((( أخرجه ابن أيب حاتم يف تفسريه برقم ( )14744عن أبيه عن موسى بن
إسامعيل عن مبارك عن احلسن به.
((( ينظر :حسن التنبه ملا ورد يف التشبه ط دار النوادر (.)238/2
((( ينظر :التجريد للقدوري ط دار السالم ( ،)3067/6وتبرصة احلكام يف
أصول األقضية ومناهج األحكام ط مكتبة الكليات األزهرية (،)369/1
ومعني احلكام فيام يرتدد بني اخلصمني من األحكام ط دار الفكر ص(.)97
44
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
وسمعت من يعذرهم:
املدعى عليه بأن املن ِّظم السعودي م َّك َن القايض من ا ُ
حل ْك ِم عىل َّ
ض َب ًا من رضوب السياسة الرشعية ون هذا منه َْ عند تغ ُّيبِ ِه ،قال :ف َي ُع ُّد َ
املبن َّي ِة عىل املصلحة ،ويستنِ ُدون عىل ما جاء يف الفقرة األوىل من املادة
السابعة واخلمسني من نظام املرافعات الرشعية ونصها« :إذا غاب
املدعى عليه عن اجللسة األوىل ،ومل يكن تب َّلغ لشخصه أو وكيله يف َّ
فيؤجل النظر يف الدعوى إىل جلسة الحقة يب َّله هبا َّ الدعوى نفسها
املدعى عليه ،فإن غاب عن هذه اجللسة دون عذر تقبله املحكمة َّ
ومل يكن تب َّلغ لشخصه أو وكيله فتحكم املحكمة يف الدعوى ،ويعد
املدعى عليه غيابي ًا». حكمها يف حق َّ
املدعى عليه ومل قالوا :فقد م َّك َن املن ِّظ ُم القايض من احلكم عىل َّ
َي ْش َ ِتط وجو َد ب ِّي ٍنة.
و ُينا َق ُش هذا االستدالل من أوجه:
الوجه األول يف اجلواب عن املقدمة األوىل:
أنه ال اعتبار للسياسة إذا خالفت أدلة الرشع ،فإن السياسة
ِ املرس َل ِة ،وال ِ ض ِ
للمصلحة اعتبار
َ وب املص َل َحة َ ض ٌب من ُ ُ الرشعية َ ْ
إذا خالفت الرشع(.)1
الوجه الثاين يف اجلواب عن املقدمة األوىل:
أن املن ِّظم َج َع َل املادة األوىل يف هذا النظا ِم نظا ِم املرافعات
موضوعي ،جا َء يف آخر وبي أ َّنه إجرائي ال ِ ِ
ٌّ الرشعية يف بيان حدودهَّ ،
((( ينظر :بدائع الفوائد ط عامل الفوائد (.)1088/3
45
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
نصه« :وتتق َّيد يف إجراءات َن َظ ِر َها بام ورد يف هذا املادة املذكورة ما ُّ
وج َع َل املن ِّظ ُم َم َر َّد
النظام»ا.هـ ،وما نحن فيه موضوعي ال إجرائيَ ،
نص النَّ َظ ِر يف األمور املوضوعية أحكا َم الرشيعة اإلسالمية ،جاء يف ِّ
املعروض ِة
َ املادة املذكورة« :املادة األوىلُ :ت َط ِّب ُق املحاكم عىل القضايا
الكتـاب
ُ دل عليه الرشيعـة اإلسالم َّي ِة ،وفق ًا ملا َّ
ِ أما َم َها أحكا َم
يصد ُر ُه و ُّيل األمر من أنظِ َم ٍة ال َت َت َع َار ُض مع الكتـاب والسن ُة ،وما ِ
صد ُر ُه و ُّيل األمر من األنظمة بام ال والسنَّة»ا.هـ فقي َد العم َل بام ي ِ
ُ َّ َ َ ُّ
دونملجر ِد تغ ُّيبِ ِه َحلك ُْم عىل الغائب َّ يتعارض مع الكتاب والسنة ،وا ُ
للسن َِّة،ف ُ كون كالم املن ِّظم ال حيتمله كام سيأيت -فهو خمالِ ٌ ب ِّي ٍنة -مع َ
ف لإلمجاع كام سبق. وخمالِ ٌ
فإن قيل :فأين وجه املخالفة؟
فيقال:
النبي « :لو يعطى
إن القول هبذا خمالف حلديث ِّ
الناس بدعواهم الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم »..وقد سبق
بمجر ِد
َّ للمدعي
حلك ُْم َّ أهل العلم قد َأ ْ َ
ج ُعوا عىل أ َّنه ال جيوز ا ُ قريب ًا أن َ
اعتبار هبذه املصلحة ملخالفتها لرشع اهلل. َ دعواه ،وعليه؛ فال
الوجه الثاين :يف اجلواب عن املقدمة الثانية:
املدعى عليه أنه ال ُي َس َّل ُم أن املن ِّظم َمكَّن القايض من ا ُ
حل ْك ِم عىل َّ
َّظر إىل الصورة الكل ِّيةويظه ُر هذا بالن ِ
َ الدعوى دون ب ِّي ٍنة، بمجر ِد َّ
َّ
ص ُم ْ َت َزأ من مادة: للنِّظام ،ال بالنَّ َظ ِر إىل َن ٍّ
46
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
فإن املن ِّظ َم قد َج َع َل الباب التاسع يف إجراءات اإلثبات فقط، أَّ -
السري عليه، َ وبي إجراءات اإلثبات وما َي ْل َزم القايض و َف َّص َل فيه َّ
املدعي عن الب ِّي ِنة ،وما جيريه عند وبي ما جيريه القايض عند َع ْج ِز َّ َّ
تغ ُّيب من كان اإلثبات يف مواجهته ،فلو كان جمرد الغياب عند املن ِّظم
كافي ًا ملا احتاج إىل بيان هذه اإلجراءات ،أو جلعله وسيلة من وسائل
حل ْك ِم ا من القايض ن َّ
ك م م ِّ
ظ املن إن َ
ال َ
ق ي أن ح اإلثبات ،وعليه فال ِ
يص
ُ َ َ َ ُ ُّ
ظاه ٌر يف املادة السادسة والعرشين بعد املئة الدعوى ،كام هو ِ بمجر ِد َّ
َّ
من نظام املرافعات الرشعية وغريها من املواد ذات العالقة.
أن ب -أن اللوائح التنفيذية للامدة السابعة واخلمسني :ب َّينَت َّ
أن احلكم يكون بال ب ِّي ٍنة ونحوها مما هو النص املذكور ال يدل عىل َّ َّ
وسيلة من وسائل اإلثبات ،جاء يف الالئحة التنفيذية اخلامسة للامدة
الدعوى: املدعى عليه بعد سامع َّ توج َهت اليمني عىل َّ ما نصه« :إذا َّ
ِ حض ْو ِر ِه فيب َّل ُغ بذلك
ألداء حسب إجراءات التبليغ ،و ُي ْش َع ُر بوجوب ُ َ
ال وسوف ف بغري ُع ْذ ٍر تقب ُله املحكمة ُع َّد ِ
ناك ً ت َّل َ اليمني ،وأنه إذا َ َ
َ ُ
ُي ْق َض عليه بالنُّكول وفق املادة الثالثة عرشة بعد املئة من هذا النظام،
إن كان له ُع ْذ ٌر َي ْمنَ ُع ُه من احلضور -تقبله املحكمة -ف ُيعا َم ُل أما ْ
ظاه ٌر وفق املادة الرابعة عرشة بعد املئة من هذا النظام»ا.هـ وهو ِ
ِ
إجراءات الدعوى عىل الغائب مع مراعاة أن القايض يسري يف َّ يف َّ
اليمي إال بعد حد َد ُه املن ِّظم ،ومعلو ٌم أ َّنه ال ُي َص ُار إىل ْ ِ وفق ما َّ اإلثبات َ
اكتفائ ِه باليمني عن إقامة الب ِّينة عند ِ املدعي َع ْج َز ُه عن الب ِّينة أو تقرير َّ
من يقول بذلك من الفقهاء.
47
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
املدعى عليه الغائب من االعرتاضفإن قيل :بأن املن ِّظ َم َمكَّن َّ
ضده ولو اكتسب القطعية بالتامس إعادة النظر،حل ْك ِم الصادر َّ عىل ا ُ
وله ال َّط ْع ُن عىل احلكم باألحوال املذكورة باملادة املئتني من نظام
املرافعات الرشعية وهو ٍ
كاف.
فيقال:
احلق لكل حمكو ٍم عليهِ ،
فلك ُِّل حمكو ٍم عليه ُّ احلق َم ْك ُف ْو ٌل ِّ
بأن هذا َّ
وح ُل هذا ِّ
احلق عىل املحكوم عليه غيابي ًا قد ِم بالتامس إعادة النظرْ َ ، بال َّت ُ
فقط حتك ٌُّم ،وجع ُله مستند ًا عىل إجازة املن ِّظم احلكم عىل الغائب دون
ٍ
بحال. ب ِّينة ال وجه له
مسوغات التامس إعادة النظر ص عىل َّ
أن من ِّ فإن قيل :بأن املن ِّظم َن َّ
كون احلكم غياب َّي ًا يف الفقرة (و) من املادة املئتني من نظام املرافعات ُ
املدعى عليه بمجرد تغ ُّيبه؟ كاف يف جواز احلكم عىل َّ الرشعية ،وهو ٍ
فيقال:
كل من ُح ِك َم عليه
بأن ذلك غري مس َّل ٍم ،فإن هذه الفقرة جاري ٌة عىل ِّ
املدعى
أي مادة جتيز للقايض أن حيك َُم عىل َّ غيابي ًا ،وليس يف النظام ُّ
عليه إذا كان غائب ًا بال ب ِّينة ،فلكل حمكوم عليه مع غيابه االعرتاض
بالتامس إعادة النظر استناد ًا عىل الفقرة املذكور حتى ملن ُح ِك َم عليه
غيابي ًا (بب ِّينة) بعد استيفاء ما جاء يف الفقرة (ط) من املادة السابعة
عرشة من نظام املرافعات الرشعية ،وبعد الرفع ملحكمة االستئناف
استناد ًا عىل الالئحة التنفيذية الثامنة للامدة السابعة واخلمسني من
48
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
49
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
اخلامتة
وبعد فإين أشري إىل أبرز النتائج التي توصلت إليها يف هذا البحث:
(((1أن الغائب يف اصطالح الفقهاء يطلق عىل الغائب عن جملس
احلكم ،فيدخلون يف حكم الغائب املسترت واملمتنع ،سوى
املالكية الذين جعلوا املوجود يف البلد الغائب عن املجلس
يف حكم احلارض ،واستبان أن قوهلم أشد األقوال يف حق من
يسميه الشافعية واحلنابلة ممتنع ًا أو مسترت ًا.
(((2أن امليت وغري املك َّلف له حكم الغائب يف القضاء عليه ،بل
هو أوىل كام ذكر الفقهاء.
(((3أن أهل العلم متفقون عىل جواز احلكم عىل امليت ،وأهنم
متفقون عىل جواز سامع ب ِّينة املدعي الغائب ضد الغائب،
وأن خالفهم إنام هو يف احلكم هبا.
(((4أن أهل العلم متفقون عىل أنه ال جيوز احلكم عىل احلارض يف
البلد القادر عىل احلضور غري املمتنع.
(((5أن مجهور العلامء عىل جواز احلكم عىل الغائب خالف ًا للحنفية،
ومذهب اجلمهور هو الراجح عند الباحث.
(((6أن القائلني بجواز احلكم عىل الغائب اشرتطوا جلواز سامع
دعواه أن تكون لديه ب ِّينة ،ونقل االتفاق عىل هذا.
املدعى عليه حممول عند من يقول بجواز احلكم (((7أن غياب َّ
عىل الغائب عىل السكوت ،وأن السكوت عندهم حممول
عىل اإلنكار ال عىل اإلقرار.
50
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
51
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
((1(1أن األدلة التي استدل هبا بعض املتأخرين عىل جواز احلكم
معارضة
عىل الغائب ملجرد تغ ُّيبه ضعيفة ،وهي مع ضعفها َ
لألدلة معارضة إلمجاع أهل العلم ،وأن سبيل ما كان كذلك
أن جيمع بينه وبني غريه إن أمكن أو ي َّطرح وقد مجع أهل
العلم بني هذه األدلة وبني ما يعارضها عىل فرض صحة
مرت يف ثنايا البحث. ِ
دليل املخالف بأجوبة َّ
((1(1أن استناد بعضهم عىل أن ويل األمر أجاز احلكم عىل الغائب
لتغ ُّيبه دون ب ِّينة مستدلني ببعض نصوص جمتزأة من نظام
املرافعات الرشعية = ال يصح ،ألن نظام املرافعات نظام
إجرائي ال موضوعي ،وأنه بالنظر إىل جمموع نصوص النظام
يلمح لذلك تلميح ًا. نجد أن ويل األمر مل ُ ِ
يز ذلك ،بل ومل ِّ
هذا ما تيرس إيراده وبحثه ،وأسأل اهلل بمنه وكرمه أن جيعل ما
ال عنده ،وأن ينفع به وأن يكتبكتبته خالص ًا لوجهه الكريم ،متقب ً
له القبول..
ِّ
وصل اللهم وسلم عىل نبينا حممد وعىل آله وصحبه أمجعني.
52
الم َّدعى عليه لتغ ُّيبه دون ب ِّينة
الحكم على ُ
ُ
الفهرس
3 مقدمة
5 املسألة األوىل :املراد بالغائب يف كالم الفقهاء
10 املسألة الثانية :حكم القضاء عىل الغائب
22 املسألة الثالثة :رشط سامع الدعوى عىل الغائب
25 املدعى عليه؟
املسألة الرابعة :عال َم حيمل غياب َّ
املسألة اخلامسة :هل يلزم عند احلكم عىل الغائب وسامع البينة أن
27 املدعي اليمني؟
حيلف َّ
32 املدعى عليه لتغيبه دون بينة
املسألة السادسة :احلكم عىل َّ
50 اخلامتة
53