Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 271

‫‪1‬‬ ‫مقدمة عن الكتاب‬

‫تمهيد‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعين به‪ ،‬ونسترشده‪ ،‬ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال ُمضل‬

‫له‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬إق ار اًر بربوبيته‪ ،‬وإرغاماً‬
‫لمن جحد به وكفر‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى هللا عليه وسلم رسول هللا‪ ،‬سيد الخلق والبشر‪ ،‬ما اتصلت‬
‫عين بنظر‪ ،‬أو سمعت أذن بخبر‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه‪ ،‬وعلى ذريته‬
‫ومن وااله‪ ،‬ومن تبعه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫اللهم ال علم لنا إال ما َّ‬
‫علمتنا‪ ،‬إنك أنت العليم الحكيم‪.‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫علمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا بما علمتنا‪ ،‬وزدنا علماً‪ ،‬وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً‬
‫وارزقنا اجتنابه‪ ،‬واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين‪.‬‬

‫الرزق وآدابه ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬الشك أن اإلنسان مجبول‬


‫حب وجوده‪ ،‬وعلى ِّ‬
‫حب سالمة وجوده‪،‬‬ ‫على ِّ‬
‫حب كمال وجوده‪ ،‬وعلى ِّ‬
‫حب استمرار‬ ‫وعلى ِّ‬

‫وجوده‪ ،‬وأن اإلنسان يشقى حينما يجهل‪ ،‬وأزمة‬


‫أهل النار وهم في النار أزمة علم‪ ،‬ليس غير‪:‬‬

‫﴿ َوَقاُلوا َل ْو ُكَّنا َن ْس َم ُع أ َْو َن ْع ِق ُل َما ُكَّنا ِفي‬


‫ير ﴾‬ ‫الس ِع ِ‬
‫اب َّ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫أْ‬
‫( سورة الملك ‪)10 :‬‬

‫ما الذي يأتي بعد أولوية ِّ‬


‫حب وجود اإلنسان؟‬

‫اإلنسان حريص على رزقه‪ ،‬حريص على وجوده‪ ،‬ومن فروع وجوده سالمة وجوده‪ ،‬وكمال وجوده‪ ،‬واستمرار‬
‫وجوده‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫تمهيد‬
‫بعد حرصه على وجوده هو حريص حرصاً ال حدود له على رزقه‪ ،‬وهناك أقوال شتى‪ ،‬وهناك طروحات‬
‫شتى‪ ،‬وهناك تصورات شتى عن الرزق‪ ،‬معظمها ال أصل له في الدين‪ ،‬معظمها ناتج عن حركة الحياة‪ ،‬لكن‬
‫الحقيقة أن قضية الرزق أصل كبير من أصول الدين‪.‬‬

‫موضوع الخطبة اليوم كيف يزداد الرزق؟ وما المرتكزات العقدية حول الرزق؟ وما هي آداب كسب الرزق؟‬

‫مشكلة البطالة ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬لعل أكبر مشكلة على وجه‬


‫األرض تعاني منها كل المجتمعات مشكلة‬
‫البطالة‪.‬‬
‫في المقياس العصري يقاس تقدم األمة بنسبة‬
‫البطالة إلى عدد سكانها‪.‬‬

‫ففي الدول المتخلفة ترتفع نسب البطالة إلى‬


‫أرقام كبيرة جداً‪ ،‬بل وهناك مصطلح جديد هو‬
‫البطالة المقنعة‪ ،‬أي هناك دخل ال يكفي‬
‫صاحبه قوت يومه‪ ،‬إذاً‪ :‬هو عاطل عن العمل بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬البطالة شيء‪ ،‬وأن ترتاح للبطالة شيء آخر‪ ،‬إذا سرى داء البطالة في دماء شبابنا قتل‬
‫انتماءهم لدينهم وأمتهم‪ ،‬وأقعدهم عن العطاء‪ ،‬وأقنعهم بالكسل‪ ،‬وصور لهم أنهم‬
‫َ‬ ‫استل منهم‬
‫فيهم همتهم‪ ،‬و َّ‬
‫فريسة قلة فرص العمل‪ ،‬وأن هذه أقدارهم‪ ،‬وأن هذه أرزاقهم التي كتبت لهم‪ ،‬وهذا فهم سقيم‪.‬‬

‫ذكرت في خطب سابقة أن هناك فقر القدر‪ ،‬وهناك فقر الكسل‪ ،‬وهناك فقر اإلنفاق‪.‬‬

‫فقر اإلنفاق وسام شرف‪ ،‬وفقر القدر صاحبه معذور‪ ،‬ولكن الفقر المذموم هو فقر الكسل‪ ،‬أحيانًا تكون هناك‬
‫بطالة‪ ،‬وفي أحايين كثيرة تكون هناك رغبة في البطالة‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫تمهيد‬
‫عالج مشكلة البطالة ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬إذا توجهت هذه المشكلة إلى شريحة من المجتمع فهي تتوجه أول ما تتوجه إلى الشباب‪،‬‬
‫فيجب أن نقنع الشباب بما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬شرف العمل ‪:‬‬

‫وأنه من سنن األنبياء والمرسلين‪ ،‬ومن سنن‬


‫الشرفاء في األرض‪ ،‬فما من نبي إال ورعى‬
‫الغنم‪ ،‬وكان داود عليه السالم حدادًا‪ ،‬وكان نوح‬
‫نجا ًار‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬
‫سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أي‬
‫الكسب أطيب أو أفضل؟ قال‪:‬‬
‫(( عمل الرجل بيده‪ ،‬وكل بيع مبرور ))‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الحاكم في مستدركه ]‬

‫وسيدنا عمر يقول‪ :‬أرى الفتى فيعجبني‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬ال حرفة له سقط من عيني‪.‬‬
‫ويقول كذلك‪ :‬ال يحملن أحدكم على ترك الرزق أن يكتفي بالدعاء‪.‬‬
‫ويقول‪ :‬يقول أحدكم‪ :‬اللهم ارزقني‪ ،‬وقد علمتم أن السماء ال تمطر ذهباً وال فضة‪.‬‬
‫وقد شوهد خليفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو اإلنسان األول بعد رسول هللا‪ ،‬في اليوم التالي لتوليه‬
‫الخالفة‪ ،‬وقد جعل على كتفه حزمة من الثياب‪ ،‬متوجهاً إلى السوق ليبيعها‪.‬‬
‫اشدين‪.‬‬
‫هذا ما ورد في سيرة النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬وفي سيرة صاحبيه الر ْ‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬وكان بعض العلماء العاملين كإبراهيم بن األدهم‪ ،‬رحمه هللا‪ ،‬يسقي‪ ،‬ويرعى‪ ،‬ويعمل‬
‫بالكراع‪ ،‬يعني باألجرة‪ ،‬ويحفظ البساتين‪ ،‬ويحصد بالنهار‪ ،‬ويصلي بالليل‪.‬‬
‫اإلنسان شرفه عمله‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )2‬التقوى تجلب الرزق ‪:‬‬

‫هللا عز وجل يقول‪:‬‬

‫(*)وَيْرُزْق ُه‬
‫َ‬ ‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجًا‬
‫ِم ْن َحْي ُث ال َي ْح َت ِس ُب ﴾‬
‫( سورة الطالق‪)3-2 :‬‬

‫إذاً‪ :‬أنت حينما تؤمن أن طاعة هللا عز وجل‬


‫تجلب لك الرزق الكريم‪ ،‬الذي يمنعك من أن‬
‫تريق ماء وجهك‪ ،‬هذه أساسية في موضوع‬
‫طلب الرزق‪.‬‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وعن الزبير بن العوام رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫طب على ظهره فيبيعها‪ ،‬خير له من أن يسأل‬
‫بح ْزمة من َح َ‬
‫الجبل فيأتي ُ‬
‫َ‬ ‫أحبَله‪ ،‬ثم يأتي‬
‫أحدكم ْ‬
‫(( ألن يأخذ ُ‬
‫عوه ))‬
‫ط ْوه أم َمَن ُ‬
‫أع َ‬
‫الناس ْ‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري ]‬

‫شيء آخر‪ ،‬أيها اإلخوة‪ ،‬يجب أن نذكر قول نبينا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( لو أنكم توكلون على هللا حق توكله‪ ،‬لرزقكم كما يرزق الطير‪ ،‬تغدو خماصًا وتروح بطانًا ))‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه النسائي ]‬

‫وعلى كل إنسان أن يذكر أنه ينبغي أال يتردد في قبول عمل يعلم يقيناً أنه يرضي هللا عز وجل‪ ،‬ولو بمقابل‬
‫يسير‪ ،‬فالرزق الحالل يباركه هللا تعالى‪ ،‬والحرام ممحوق البركة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويجب أن يذكر الشباب أال‬
‫ٍ‬
‫عندئذ‬ ‫يجعلوا أعين الناس مانعاً لهم من مزاولة أعمالهم‪ ،‬فقد يأخذ الشاب شهادة‪ ،‬وهو يتمتع بحجم كبير‪،‬‬
‫يرفض أي عمل ال يليق به‪ ،‬ولكن كسب الرزق المشروع عمل شريف مهما يكن نوعه‪.‬‬

‫‪ )3‬عدم التذلل والسؤال ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬جاء في حديث شريف‪:‬‬


‫باب مسألة‪ ،‬إال فتح هللا عليه بها باب فقر ))‬
‫(( ‪ ..‬وال ف َت َح عبد َ‬
‫[ من حديث أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ]‬

‫اطلبوا الحوائج بعزة األنفس فإن األمور تجري بالمقادير‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫تمهيد‬
‫ال رائعًا‪ ،‬فقد قدم المدينة فقي ًار‪ ،‬فعرض عليه أخوه من األنصار‬
‫وقد ضرب سيدنا عبد الرحمن بن عوف مث ً‬
‫سعد بن الربيع أن يناصفه ماله‪ ،‬فأبى‪ ،‬وقال‪ :‬بارك هللا لك في مالك‪ ،‬ولكن دلني على السوق‪.‬‬
‫ومن غريب ما يروى‪ :‬أن األنصار والمهاجرين آخاهم النبي عليه الصالة والسالم اثنين اثنين‪ ،‬ولم يذكر‬
‫التاريخ أن مهاج اًر أخذ من أنصاري شيئاً‪ ،‬مع أن األنصار رضي هللا عنهم عرضوا على إخوانهم المهاجرين‬
‫نصف ما يملكون‪.‬‬
‫أرأيت إلى السخاء عند األنصار‪ ،‬وإلى التعفف عند المهاجرين؟‬

‫‪ )4‬التحلي بالصبر ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬ويجب أن يتحلى الشباب بالصبر‪ ،‬فالنجاح الحقيقي ال يأتي في ليلة أو ضحاها‪ ،‬البد من‬
‫الصبر حتى يأتي فرج هللا عز وجل‪.‬‬

‫مرتكزات العقيدة في شأن الرزق ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬قضية الرزق متعلقة بعقيدة اإلنسان‪ ،‬مرتكزات العقيدة في شأن الرزق عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ )1‬الرزق من هللا وحده ‪:‬‬

‫هللا سبحانه وتعالى وحده هو الرزاق‪ ،‬ذو القوة المتين‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫يك ْم ﴾‬ ‫َّللا َّال ِذي َخَلَق ُك ْم ثُ َّم َرَزَق ُك ْم ثُ َّم ُي ِم ُ‬
‫يت ُك ْم ثُ َّم ُي ْحِي ُ‬ ‫﴿ َّ ُ‬
‫( سورة الروم ‪)40 :‬‬

‫وجاء ذكر الرزق بالفعل الماضي تطمين َا ًً لكم‪ ،‬قال‪ :‬هللا الذي خلقكم‪ ،‬ولم يقل‪ :‬ثم يرزقكم‪ ،‬قال‪ :‬ثم رزقكم‪.‬‬
‫مادام هللا قد خلقك فلك عنده رزق‪ ،‬اصبر عن الحرام ِّ‬
‫يأتك الرزق الحالل‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬
‫ات أَ َفِباْلب ِ‬
‫الطِيب ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا جعل َل ُكم ِمن أَْن ُف ِس ُكم أ َْزواجاً وجعل َل ُكم ِمن أ َْزو ِ ِ‬
‫اط ِل‬ ‫َ‬ ‫ين َو َح َف َد ًة َوَرَزَق ُك ْم م َن َّ َ‬
‫اج ُك ْم َبن َ‬ ‫ْ َ َ َََ ْ ْ َ‬ ‫﴿ َو َّ ُ َ َ َ ْ ْ‬
‫ي ْؤ ِمُنو َن وبِِنعم ِة َّ ِ‬
‫َّللا ُه ْم َي ْك ُفُرو َن ﴾‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ‬
‫( سورة النحل ‪)72 :‬‬

‫النقطة األولى في عالقة الرزق بالعقيدة‪ :‬أن هللا وحده هو الرزاق ذو القوة المتين‪ ،‬هذا ينبغي أن يكون اإليمان‬
‫به يقينياً‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫تمهيد‬
‫رزق الخلق في الدنيا من الصفات الدالة على كمال ربوبية هللا عز وجل‪ ،‬وكمال قيوميته‪ ،‬وهذا يعني أن هللا‬
‫سبحانه وتعالى من كمال ربوبيته لخلقه أنه خلقهم‪ ،‬وأنه يرزقهم‪.‬‬

‫‪ )2‬ما كتب للعبد ال بد أن يصيبه ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬


‫من مسلمات العقيدة في شأن الرزق‪ :‬أن كل خير‪ ،‬وأن كل رزق يقدره هللا للعبد ال يمكن أن يخطئه‪ ،‬ويستحيل‬
‫أن يصيب غيره‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫اب ُمِب ٍ‬
‫ين ﴾‬ ‫ض إال عَلى َّ ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها َوَي ْعَل ُم ُم ْس َتَقَّرَها َو ُم ْس َت ْوَد َع َها ُك ٌّل ِفي ِك َت ٍ‬ ‫﴿ َوما ِم ْن َد َّاب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫( سورة هود ‪)6 :‬‬

‫حينما يأتي حرف‪ :‬على‪ ،‬قبل لفظ الجاللة‪ ،‬أي‬


‫أن هللا ألزم ذاته العلية برزق العباد‪:‬‬

‫ض إال عَلى َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫﴿ َوما ِم ْن َد َّاب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِرْزُق َها﴾‬
‫( سورة هود ‪)6 :‬‬

‫أما‪ِّ :‬م ْن‪ ،‬فتفيد استغراق أفراد النوع‪.‬‬

‫يعني‪ :‬أنا إذا دخلت إلى صف‪ ،‬وخاطبت‬


‫الطالب‪ ،‬وقلت‪ :‬لكل واحد منكم هدية مني‪،‬‬
‫هذا كالم واضح كالشمس‪ ،‬أما إذا قلت لهم‪ :‬ما منكم واحد إال وله هدية‪ ،‬أي هذه الهدية شملت الغائبين عن‬
‫الدرس‪ ،‬شملت كل طالب‪ ،‬كائناً من كان‪:‬‬

‫ض إال عَلى َّ ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها ﴾‬ ‫األر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫﴿ َو َما م ْن َد َّاب ٍة في ْ‬
‫( سورة هود ‪)6 :‬‬

‫قصر‪ ،‬ويوجد استغراق ألفراد النوع‪ ،‬ويوجد حصر‪ ،‬ويوجد ما يفيد أن هللا ألزم ذاته العلية برزق العباد‪.‬‬
‫يوجد ْ‬

‫‪ )3‬قلة الرزق تربية وتأديب ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬


‫ومن المنطلقات العقدية في شأن الرزق‪:‬‬

‫‪7‬‬ ‫تمهيد‬
‫أن تقسيم األرزاق بين الناس ال عالقة له ال بالحسب‪ ،‬وال بالنسب‪ ،‬وال بالعقل‪ ،‬وال بالذكاء‪ ،‬وال بالوجاهة‪ ،‬وال‬
‫يوزع هللا عز وجل الرزق على العباد لحكمة هو يعلمها‪ ،‬ونحن قد‬
‫بالمكانة‪ ،‬وال بالطاعة‪ ،‬وال بالعصيان‪ ،‬إنما ِّ‬
‫نعلمها‪ ،‬وقد ال نعلمها‪ ،‬فقد يعطي المجنون‪ ،‬ويحرم العاقل‪ ،‬وقد يعطي الوضيع‪ ،‬ويمنع الحسيب‪ ،‬وعقلنا‬
‫قاصر عن أن ندرك أحياناً حكمة هللا فيما يرزق به العباد‪.‬‬
‫أما أن تقول‪ :‬يجب على هللا األصلح‪ ،‬فهذا كالم مرفوض‪ ،‬ألن عقلنا قاصر عن فهم األصلح الذي يختاره هللا‬
‫عطاء‪ ،‬وربما كان العطاء منعاً‪ ،‬وإذا كشف لك هللا‬
‫ً‬ ‫لإلنسان‪ ،‬لذلك قال بعض العارفين‪ :‬ربما كان المنع‬
‫الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء‪ ،‬هذا معنى قوله تعالى‪:‬‬
‫َن ُت ِحُّبوا َشْيئًا َو ُه َو َشٌّر َل ُك ْم ﴾‬
‫َن َت ْكَرُهوا َشْيئًا َو ُه َو َخْيٌر َل ُك ْم َو َع َسى أ ْ‬
‫﴿ َو َع َسى أ ْ‬
‫( سورة البقرة ‪)216 :‬‬

‫ألن هللا علم ما كان‪ ،‬ويعلم ما يكون‪ ،‬ويعلم ما سيكون‪ ،‬وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون‪.‬‬
‫تشكو قلة الرزق‪ ،‬وأنت ال تعلم أن هللا لو أمدك برزق وفير ما كنت مستم اًر في طاعته‪:‬‬

‫األر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬


‫ض﴾‬ ‫الرْز َق لعَباده َلَب َغ ْوا في ْ‬
‫َّللا ِ‬
‫ط َّ ُ‬
‫﴿ َوَل ْو َب َس َ‬
‫( سورة الشورى‪)27 :‬‬

‫ينبغي أن تعلم علم اليقين أن التقنين اإللهي في الرزق تقنين تربية وتأديب‪ ،‬ولن يكون تقنين عجز إطالقاً‪،‬‬
‫ألن هللا عز وجل يقول‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِن ِم ْن َش ْي ٍء إال عْن َدَنا َخ َزائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه إال ِبَق َد ٍر َم ْعُل ٍ‬
‫وم ﴾‬ ‫﴿ َوإ ْ‬
‫( سورة الحجر ‪)21 :‬‬

‫عن أبي ذر رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫فأعطيت ُك َّل إنسان‬
‫ُ‬ ‫وجَّنكم‪ ،‬قاموا في صعيد واحد‪ ،‬فسألوني‪،‬‬ ‫وآخركم‪ ،‬وإنسكم ِ‬ ‫أن َّأولكم َ‬ ‫(( ‪ ..‬يا عبادي‪ ،‬لو َّ‬
‫َ‬
‫البحر‪ ،‬يا عبادي‪ ،‬إنما هي أعماُلكم‬ ‫خل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫مسألته‪ ،‬ما نقص ذلك مما عندي إال كما َيْنُقص الم ْخَيطُ إذا أُد َ‬ ‫َ‬
‫وم َّن إال َن ْف َسه ))‬ ‫ِ‬
‫فلي ْح َمد هللا‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فال َيُل َ‬
‫أُحصيها لكم‪ ،‬ثم أُوفيكم َّإياها‪ ،‬فمن َو َج َد خي اًر َ‬
‫[ من حديث صحيح‪ ،‬أخرجه مسلم والترمذي ]‬

‫‪ )4‬توظيف الرزق في طاعة هللا ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬

‫ومن منطلقات العقيدة في شأن الرزق‪:‬‬

‫‪8‬‬ ‫تمهيد‬
‫أن هللا سبحانه وتعالى يرزق عبده في األصل ليستعين العبد على طاعة هللا عز وجل‪ ،‬فكيف إذا َّ‬
‫سخ َر العبد‬
‫الرزق الذي رزقه هللا إياه ليستعين به على معاصي هللا؟‬

‫هذا موقف عجيب‪ ،‬تأكل رزقه وتعصيه؟ تسكن أرضه وتعصيه؟ تعصيه وهو يراك؟ تعصيه وال تخاف‬
‫العقاب؟‬

‫‪ )5‬ارتباط الرزق باإلنفاق ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬ومن منطلقات العقيدة في‬


‫شأن الرزق‪:‬‬
‫أن القرآن الكريم كثي اًر ما يربط بين رزق هللا‬
‫ِّ‬
‫ومطالبة العباد باإلنفاق في سبيل هللا‪:‬‬ ‫للعباد‪،‬‬
‫ِ‬
‫َمُنوا ال ُتْل ِه ُك ْم أ ْ‬
‫َم َواُل ُك ْم َوال‬ ‫ين آ َ‬ ‫﴿ َيا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫أَوالد ُكم عن ِذ ْك ِر َّ ِ‬
‫َّللا َو َم ْن َي ْف َع ْل َذِل َك َفأُوَلِئ َك ُه ُم‬ ‫ْ ُ ْ َْ‬
‫اك ْم ِم ْن َقْب ِل‬ ‫(*)وأَْن ِفُقوا ِم ْن َما َرَزْقَن ُ‬
‫َ‬ ‫اسُرو َن‬ ‫اْل َخ ِ‬

‫َخْرَتِني‬
‫ول َرِب َل ْوال أ َّ‬ ‫َح َد ُك ُم اْل َم ْو ُت َفَيُق َ‬
‫أ ِ‬
‫َن َيأْت َي أ َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫َك ْن ِمن َّ ِ‬
‫َّللا َخِب ٌير ِب َما َت ْع َمُلو َن﴾‬
‫َجُل َها َو َّ ُ‬
‫اء أ َ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َن ْفسًا إ َذا َج َ‬
‫(*)وَل ْن ُي َؤخَر َّ ُ‬
‫َ‬ ‫الصال ِح َ‬
‫ين‬ ‫َصَّد َق َوأ ُ َ‬ ‫يب َفأ َّ‬ ‫ِإَلى أ َ‬
‫َج ٍل َق ِر ٍ‬
‫( سورة المنافقون ‪)11-9‬‬

‫الصال َة ويْن ِفُقوا ِم َّما رَزْقَناهم ِس اًر وع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬


‫النَي ًة ﴾‬ ‫ََ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫يموا َّ‬
‫َمُنوا ُيق ُ‬ ‫﴿ ُق ْل لعَباد َي َّالذ َ‬
‫ين آ َ‬
‫( سورة إبراهيم ‪)31 :‬‬

‫اه ْم ُيْن ِفُقو َن ﴾‬


‫الصال َة َو ِم َّما َرَزْقَن ُ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫﴿ َّال ِذ ِ‬
‫ين ُيق ُ‬
‫َ‬
‫( سورة األنفال ‪)3 :‬‬

‫وكأن هللا رزقك لتنفق من هذا الرزق تقربًا إليه‪ ،‬وإذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل‪ ،‬ونسبه إليك‪.‬‬

‫‪ )6‬حكمة توزيع الرزق ‪:‬‬

‫ومن مرتكزات العقيدة في شأن الرزق‪:‬‬


‫فضل بعض الناس على بعض في الرزق‪ ،‬أعطى هذا وبسط له الكثير‪ ،‬وأعطى هذا‬
‫أن هللا سبحانه وتعالى َّ‬
‫أقل منه بكثير‪ ،‬وحرم الثالث‪ ،‬فلم يعطه شيئاً‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َّ‬

‫‪9‬‬ ‫تمهيد‬
‫ض ِفي ِ‬
‫الرْز ِق﴾‬ ‫َّللا َف َّ‬
‫ض َل َب ْع َض ُك ْم َعَلى َب ْع ٍ‬ ‫﴿ َو َّ ُ‬
‫( سورة النحل ‪)71 :‬‬

‫إذًا‪ :‬هناك حكمة إلهية تناسب هذا اإلنسان‪،‬‬


‫وهذه الحكمة قطعية ثابتة‪ ،‬عِّلمها من ِّ‬
‫علمها‪،‬‬ ‫َ َ َ‬
‫وجهلها َمن جهلها‪ ،‬يؤكد هذا ما ورد في‬ ‫ِّ‬

‫األثر‪:‬‬

‫أتاني جبريل فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬ربك يق أر عليك‬


‫السالم‪ ،‬ويقول لك‪ :‬إن من عبادي من ال‬
‫يصلح إيمانه إال بالغنى‪ ،‬ولو أفقرتُه لكفر‪ ،‬وإن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالفقر‪ ،‬ولو أغنيته لكفر‪،‬‬
‫وإن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالسقم‪ ،‬ولو أصححته لكفر‪ ،‬وإن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال‬
‫بالصحة‪ ،‬ولو أسقمته لكفر‪.‬‬

‫‪ )7‬طلب الرزق من هللا وحده ‪:‬‬

‫ومن مسلمات العقيدة في شأن الرزق‪:‬‬


‫أن الرزق ال يطلب إال من هللا تعالى‪ ،‬وال يسأل إال وجهه الكريم‪:‬‬
‫فاست ِع ْن باهلل ))‬ ‫ِ‬
‫فاسأل هللا‪ ،‬وإِذا استعنت َ‬ ‫سألت‬
‫َ‬ ‫(( ِإذا‬
‫[ من حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الترمذي ]‬

‫ذم هللا تعالى أولئك الذين يدعون غيره في طلب الرزق‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ولذلك َّ‬
‫يعو َن ﴾‬ ‫ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ويعبدو َن ِمن دو ِن َّ ِ‬
‫َّللا َما ال َي ْمِل ُك َل ُه ْم ِرْزقًا ِم َن َّ‬
‫ض َشْيئًا َوال َي ْس َتط ُ‬ ‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ ُُْ‬
‫( سورة النحل ‪)73 :‬‬

‫إذًا‪ :‬ينبغي أن تسأل هللا وحده‪ ،‬وأن تتوجه إليه وحده‪ ،‬وأن تكف عن سؤال الناس إال من باب األخذ باألسباب‪،‬‬
‫وأنت موقن أنك تسأل هللا عز وجل‪ ،‬فمن جلس إلى غني وتضعضع له‪ ،‬أي تمسكن له‪ ،‬وعقد عليه األمل‪،‬‬
‫وتوقع أنه يعطيه‪ ،‬فقد ذهب ثلثا دينه‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )8‬الرزق الكثير ال يدل على الرضا ‪:‬‬

‫القضية األهم المتعلقة بالرزق‪ :‬أن عطاء هللا في الدنيا وإغداقه على عبده في رزقه ال يدل على محبة هللا لهذا‬
‫العبد‪ ،‬وال على غير ذلك‪ ،‬فقد أعطى الرزق لمن يحب‪ ،‬ولمن ال يحب‪ ،‬ومادام هذا المال أعطي لمن يحب‪،‬‬
‫ولمن ال يحب‪ ،‬فهو ليس دليالً كافياً على محبة هللا‪.‬‬
‫إن عطاء هللا وإغداقه في الرزق على العبد ال يدل على محبة هللا لهذا العبد ورضاه عنه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫س اْل َم ِص ُير ﴾‬
‫الن ِار َوبِْئ َ‬ ‫طُّرُه ِإَلى َع َذ ِ‬
‫اب َّ‬ ‫َض َ‬ ‫ُمِت ُعهُ َقِلي ً‬
‫ال ُث َّم أ ْ‬ ‫﴿ قال َو َم ْن َك َفَر َفأ َ‬
‫( سورة البقرة ‪)126 :‬‬

‫َّ‬
‫تظنن أن هذا‬ ‫وسع عليك في رزقك‪ ،‬وأصبحت تربح األلوف بدل المئات‪ ،‬والماليين بدل األلوف‪ ،‬فال‬
‫فلو َّ‬
‫بسبب محبة هللا لك‪.‬‬
‫أعطى هللا المال لقارون‪ ،‬وهو ال يحبه‪ ،‬وأعطى الملك لفرعون‪ ،‬وهو ال يحبه‪ ،‬أما الذين يحبهم فأعطاهم‬
‫الحكمة‪ ،‬أعطاهم العلم‪ ،‬أعطاهم شيئًا ثمينًا‪:‬‬
‫َّللا َعَلْي َك َع ِظيماً ﴾‬
‫﴿ وعَّلمك ما َلم َت ُكن َتعَلم وَكان َف ْضل َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ ََ َ ْ ْ ْ ُ َ َ‬
‫( سورة النساء ‪)113 :‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬في الحديث عن عقبة بن عامر رضي هللا عنه‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬

‫(( إذا رأيت هللا عز وجل يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج‪ ،‬ثم تال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم‬
‫بغت ًة فإذا هم مبلسون ))‬
‫[ حديث رواه اإلمام أحمد في مسنده ]‬

‫أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬

‫تحدثنا عن قيمة طلب الرزق‪.‬‬

‫وتحدثت بعد ذلك عن المرتكزات العقدية في شأن الرزق‪.‬‬

‫بقي األسباب التي إذا أخذنا بها ازداد رزقنا‪ ،‬وهذا أهم ما في الخطبة‪:‬‬

‫‪11‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )1‬االستغفار ‪:‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬
‫ان َغ َّفا ًار‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫(*)وُي ْم ِد ْد ُك ْم‬
‫َ‬ ‫اء َعَلْي ُك ْم ِم ْدَار اًر‬ ‫(*)يْرِس ِل َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫ُ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم َجَّن ٍ‬ ‫ِبأَمو ٍ ِ‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َْ‬
‫أَْن َها اًر ﴾‬
‫( سورة نوح‪)12-10‬‬

‫يقول اإلمام القرطبي‪ :‬هذه اآلية دليل على أن‬


‫االستغفار يُستَنزل به الرزق واألمطار‪.‬‬

‫وقد جاء رجل إلى الحسن البصري فشكا إليه الجدب‪ ،‬أي قلة المطر‪ ،‬فقال‪ :‬استغفر هللا‪ ،‬ثم جاءه آخر فشكا‬
‫الفقر فقال‪ :‬استغفر هللا‪ ،‬ثم جاءه آخر فقال‪ :‬ادع هللا أن يرزقني ولدًا؟ فقال‪ :‬استغفر هللا‪ ،‬فقال أصحاب‬
‫الحسن‪ :‬ما هذا؟ سألوك في مسائل شتى‪ ،‬وأجبتهم بجواب واحد‪ ،‬وهو االستغفار‪ ،‬فقال رحمه هللا‪ :‬ما ُقلت من‬
‫عندي شيئاً‪ ،‬إن هللا تعالى يقول‪:‬‬

‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار اًر (*)ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫(*)يْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫ان َغ َّفا اًر ُ‬
‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم َأْن َها ًار ﴾‬
‫( سورة نوح‪)12-10‬‬

‫‪ )2‬التوكل على هللا ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬


‫سول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬ ‫َن َر َ‬ ‫روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ ،‬أ َّ‬
‫وح ِبطاناً ))‬ ‫ق َّ‬ ‫ِ‬
‫توكله‪َ ،‬لُرِز ُ‬ ‫(( لو َّأنكم كنتم تتوكلون على هللا َّ‬
‫وتُر ُ‬
‫الطْيُر‪َ ،‬ت ْغدو خماصاً َ‬ ‫قت ْم كما ُتْرز ُ‬ ‫حق‬
‫[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ]‬

‫لكن هل انتبهتم إلى ملمح في الحديث‪:‬‬


‫تَ ْغدو‪ ،‬وتَُرو ُح‪ ،‬أي يوجد حركة‪ ،‬أما قاعد في البيت‪ ،‬ال يتحرك‪ ،‬وال يخرج‪ ،‬وال يسأل‪ ،‬وال يطالع بعض‬
‫اإلعالنات‪ ،‬وال يفعل شيئًا‪ ،‬ويقول‪ :‬ليس هناك أعمال‪ ،‬فهذا ال يتحرك‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫تمهيد‬
‫تغدو‪ :‬يوجد حركة‪ ،‬يوجد سؤال‪ ،‬يوجد طلب‪ ،‬يوجد أخذ باألسباب‪.‬‬
‫تغدو خماصاً وتروح بطاناً‪.‬‬
‫يقول هللا عز وجل‪:‬‬
‫َّللا ِل ُك ِل َشي ٍء َق ْد اًر ﴾‬ ‫َّللا َب ِال ُغ أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ومن ي َتوَّكل عَلى َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َم ِره َق ْد َج َع َل َّ ُ‬
‫ْ‬ ‫َّللا َف ُه َو َح ْسُبهُ إ َّن َّ َ‬ ‫ََْ َ َ ْ َ‬
‫( سورة الطالق ‪)3 :‬‬

‫التوكل هو السبب الثاني‪.‬‬

‫‪ )3‬العناية بالعبادات ‪:‬‬

‫ومن أسباب الرزق عبادة هللا‪ ،‬والتفرغ له‪،‬‬


‫واالعتناء بالواجبات الدينية‪:‬‬
‫فقد أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند‬
‫صحيح‪ ،‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(( إن هللا يقول‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬تفرغ لعبادتي‬
‫أمأل صدرك غنى‪ ،‬و َّ‬
‫أسد فقرك‪ ،‬وإال تفعل مألت‬
‫ً‬
‫ال‪ ،‬ولم َّ‬
‫أسد فقرك ))‬ ‫يديك شغ ً‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الترمذي ]‬

‫ورد في األثر‪:‬‬
‫كن لي كما أريد أكن لك كما تريد‪ ،‬عبدي أنت تريد‪ ،‬وأنا أريد‪ ،‬فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد‪ ،‬وإن لم‬
‫تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد‪ ،‬ثم ال يكون إال ما أريد‪.‬‬
‫أوحى ربك إلى الدنيا أنه َمن خدمني فاخدميه‪ ،‬ومن خدمك فاستخدميه‪.‬‬
‫أقبلت عليها وحدها تغر‪ ،‬وتضر‪ ،‬وتمر‪ ،‬هي دار من ال دار له‪ ،‬ولها يسعى من ال عقل له‪.‬‬
‫فالدنيا إذا َ‬

‫‪13‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )4‬الحج والعمرة ‪:‬‬

‫من أسباب الرزق المتابعة بين الحج و العمرة‪:‬‬


‫ففي الحديث الذي رواه اإلمام النسائي عن عبد‬
‫هللا بن مسعود رضي هللا عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫(( َتا ِب ُعوا بين الحج والعمرة‪ ،‬فإنهما َيْن ِفيان‬
‫الكير َخَب َث الحديد‬
‫وب والفقر كما ينفي ُ‬
‫ال ُذُن َ‬
‫ِ‬
‫الفضة ))‬
‫والذهب و‬
‫[ من حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الترمذي النسائي ]‬

‫هذا السبب الرابع‪.‬‬

‫‪ )5‬صلة الرحم ‪:‬‬

‫لك أقارب‪ ،‬لك أخوات‪ ،‬لك بنات‪ ،‬لك عمات‪،‬‬


‫لك خاالت في أطراف المدينة‪ ،‬أنت حينما‬
‫تصلهم‪ ،‬وتعطيهم‪ ،‬وتأخذ بيدهم‪ ،‬وتتولى‬
‫شؤونهم‪ ،‬وترعاهم‪ ،‬وتهديهم إلى هللا عز وجل‪،‬‬
‫يزداد رزقك‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪،‬‬
‫َّللاِّ صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫رسول َّ‬
‫َ‬ ‫أ َّ‬
‫َن‬
‫هللا عليه في ِرْزِق ِه‪ ،‬أو‬
‫ط ُ‬ ‫بس َ‬
‫(( َمن َسَّره أن َي ُ‬
‫أثره‪َ ،‬فْلَي ِص ْل رحمه ))‬
‫َيْن َسأ في ِ‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري ومسلم ]‬

‫حمه‪.‬‬
‫فليصل ر َ‬
‫ْ‬ ‫المعنى‪ :‬من سره أن يعظم هللا رزقه‪ ،‬وأن يمد في أجله‬
‫تتصل بهم أوالً‪ ،‬ولو هاتفياً‪ ،‬ثم تزورهم‪ ،‬ثم تتفقد‬
‫َ‬ ‫تزورهم‪ ،‬يعني أن‬
‫التواصل بين األرحام‪ ،‬التواصل يعني أن َ‬
‫أحوالهم المعيشية والدينية والتربوية واالجتماعية‪ ،‬ثم تعينهم‪ ،‬ثم تأخذ بيدهم إلى هللا‪ ،‬عندئذ يتولى هللا أن‬
‫يعطيك ما تريد‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )6‬اإلنفاق والصدقات ‪:‬‬

‫من أسباب الرزق اإلنفاق في سبيل هللا‪:‬‬


‫﴿ َو َما أَْن َف ْق ُت ْم ِم ْن َش ْي ٍء َف ُه َو ُي ْخِل ُف ُه َو ُه َو َخْيُر َّ‬
‫الر ِازِق َ‬
‫ين ﴾‬
‫( سورة سبأ ‪)39 :‬‬

‫وفي الحديث‪:‬‬

‫(( أنفق بالل وال تخش من ذي العرش إقالالً ))‬


‫[ من حديث رواه الطبراني بإسناد حسن ]‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬


‫َ‬ ‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬أن‬
‫غيضها نفقة‪ ،‬سحَّاء الليل‬ ‫(( قال هللا عز وجل‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬أنفق أ ِ‬
‫ُنف ْق عليك‪ ،‬وقال‪ :‬يد هللا مآلى‪ ،‬ال َي ُ‬ ‫ْ‬
‫والنهار ))‬
‫[ من حديث صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري ومسلم ]‬

‫أحد أسباب وفرة الرزق كثرة اإلنفاق‪.‬‬

‫‪ )7‬التواضع للمساكين ‪:‬‬

‫رسول هللا صلى هللا‬


‫ُ‬ ‫عن مصعب بن سعد قال‪ :‬رأى سعد رضي هللا عنه أن له فضالً على َمن دونه‪ ،‬فقال‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫رزقون ِإال بضعفائكم؟ ))‬ ‫نصرون ُ‬
‫وت َ‬ ‫(( هل ُت َ‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري ]‬

‫وأيضًا‪:‬‬

‫وتنصرون بضعفائكم ))‬


‫ض َع َفاءكم‪ ،‬فإنما ُترزُقو َن ُ‬
‫(( أُْب ُغوني ُ‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه أبو داود ]‬

‫‪ )8‬الهجرة في سبيل هللا ‪:‬‬

‫من أسباب زيادة الرزق الهجرة في سبيل هللا‪:‬‬


‫إذا كنت في بيئة تحول بينك وبين طاعة هللا‪ ،‬تحول بينك وبين عبادة هللا‪ ،‬أو تحول بينك وبين أوالدك‪ ،‬أو‬
‫تحول بينك وبين أوالد أوالدك‪ ،‬أو تحول بينك وبين أو ِّ‬
‫الد أوالد أوالدك فيجب أن تغادر هذا المكان‪ ،‬ألن علة‬

‫‪15‬‬ ‫تمهيد‬
‫وجودك في األرض أن تعبد هللا‪ ،‬فأي شيء حال بينك وبين عبادة هللا ينبغي أن تهجره‪ ،‬والهجرة أحد أسباب‬
‫الرزق الوفير‪.‬‬
‫إياكم أن تتوهموا أن الهجرة من بلد مسلم‪ ،‬تستطيع أن تقيم فيه شعائر هللا‪ ،‬وتستطيع بشكل أو بآخر أن تنشئ‬
‫أوالدك على طاعة هللا‪ ،‬إلى بلد ترتكب فيه المعاصي على قارعة الطريق‪ ،‬أن هذه هجرة‪ ،‬هي هجرة ولكن في‬
‫سبيل الشيطان‪.‬‬
‫أما الهجرة التي في سبيل الرحمن‪ ،‬فأن تدع بلداً فيه ما تشتهيه النفس‪ ،‬وتلذ األعين‪ ،‬وأن تغادره إلى بلد‬
‫مص َّنف في العالم أنه بلد نامٍ‪ ،‬فيه صعوبات ال يعلمها إال هللا في كل مجاالت الحياة‪ ،‬تؤثر مرضاة هللا‪،‬‬
‫وتصون دين أوالدك‪ ،‬هذا المهاجر يقول هللا عنه‪:‬‬
‫ض ُمَار َغماً َكِثي اًر َو َس َع ًة ﴾‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫اجْر ِفي سِب ِ‬
‫َّللا َي ِج ْد في ْ‬
‫األر ِ‬ ‫َ‬
‫﴿ َوم ْن ُي َه ِ‬
‫َ‬
‫( سورة النساء ‪)100 :‬‬

‫أي يجد رزقاً يرغم أنف من انتقده في هذه الهجرة‪.‬‬

‫أناس كثيرون َيدعون بالداً غنية ومتقدمة بمفهوم العصر‪ ،‬ويعودون إال بالدهم اإلسالمية‪ ،‬فالذين حولهم هناك‬
‫يتهمونهم بالجنون‪ ،‬وأنهم سوف يفتقرون‪ ،‬ولكن هللا يبشرهم أن هللا سيرزقهم رزقًا يرغمون أنوف من انتقدهم في‬
‫هذه الهجرة‪ ،‬فالهجرة أحد أسباب وفرة الرزق‪.‬‬

‫‪ )9‬إقامة شرع هللا ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬استنباطاً من قوله تعالى‪:‬‬


‫﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة واإلنجيل وما أنزل‬
‫إليهم من ربهم ألكلوا َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم‬
‫ُم ٌة ُم ْق َت ِص َد ٌة َوَكِث ٌير ِمْن ُه ْم َسا َء َما‬
‫ِمْن ُه ْم أ َّ‬
‫َي ْع َمُلو َن ﴾‬
‫( سورة المائدة ‪ :‬اآلية ‪)66‬‬

‫صقيع مس محافظات كثيرة‪ ،‬وصلت الح اررة‬


‫إلى سبع أو عشر درجات تحت الصفر‪،‬‬
‫فأتلفت كل اإلنتاج‪ ،‬طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون‪ ،‬انقطاع األمطار خمسة أسابيع‪ ،‬في هذا الوقت‬
‫الحرج ذهبت كل المحاصيل‪ ،‬األمر بيد هللا عز وجل‪ ،‬مع هللا ليس هناك ذكي أبداً‪ ،‬هناك مستقيم‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )10‬التوبة ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬


‫أحد أسباب زيادة الرزق‪ :‬التوبة‪:‬‬
‫َج ٍل ُم َس ًّمى َوُي ْؤ ِت ُك َّل ِذي َف ْض ٍل َف ْضَلهُ ﴾‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وبوا ِإَلْيه ُي َمت ْع ُك ْم َم َتاعاً َح َسنًا ِإَلى أ َ‬
‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ثُ َّم ُت ُ‬ ‫﴿ َوأ ِ‬
‫َن ْ‬
‫( سورة هود ‪)3 :‬‬

‫إذًا‪ :‬التوبة النصوح أحد أسباب وفرة الرزق‪.‬‬

‫‪ )11‬الدعاء ‪:‬‬

‫ومن أسباب وفرة الرزق‪ :‬الدعاء‪:‬‬


‫كان عليه الصالة و السالم يقول في دعائه‪:‬‬
‫(( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر‪،‬‬
‫وعذاب القبر ))‬
‫[ حديث أخرجه ابن خزيمة بإسناد صحيح ]‬

‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬


‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( تعوذوا باهلل من الفقر‪ ،‬والقلة‪ ،‬والذلة‪ ،‬وأن‬
‫ِ‬
‫تظلم‪ ،‬أو تظَلم ))‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه النسائي ]‬

‫‪ )12‬التقوى ‪:‬‬

‫ومن أسباب زيادة الرزق‪ :‬تقوى هللا عز وجل‪:‬‬


‫(*)وَيْرُزْق ُه ِم ْن َحْي ُث ال َي ْح َت ِس ُب ﴾‬
‫َ‬ ‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجًا‬
‫( سورة الطالق ‪)3-2‬‬

‫األر ِ‬ ‫ات ِمن َّ ِ‬ ‫ى‬


‫ض﴾‬ ‫الس َماء َو ْ‬ ‫َمُنوا َو َّاتَق ْوا َل َف َت ْحَنا َعَلْي ِه ْم َبَرَك ٍ َ‬
‫َه َل اْلُقَر آ َ‬
‫َن أ ْ‬
‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫( سورة األعراف ‪)96 :‬‬

‫‪17‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )13‬ذكر هللا تعالى ‪:‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫ض َع ْن ِذ ْكرِي َفِإ َّن َل ُه َم ِع َ‬


‫يش ًة َضْنكًا ﴾‬ ‫َعَر َ‬
‫﴿ َو َم ْن أ ْ‬
‫( سورة طه ‪)124 :‬‬

‫يقابل ذلك‪:‬‬

‫طِبْر َعَلْي َها ال َن ْسأَُل َك ِرْزقاً َن ْح ُن َنْرُزُق َك ﴾‬


‫اص َ‬ ‫﴿ وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الصالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫( سورة طه ‪)132 :‬‬

‫‪ )14‬التبكير إلى طلب الرزق ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬


‫من أسباب زيادة الرزق‪ :‬التبكير إلى طلب‬
‫الرزق‪:‬‬
‫وهللاِّ أيها اإلخوة‪ ،‬مشكلة يعانيها أهل هذه‬
‫البلدة‪ ،‬ال يكون عمل فيها قبل الساعة الحادية‬
‫عشرة‪ ،‬الناس كلهم نائمون‪ ،‬المحالت التجارية‬
‫مغلقة‪ ،‬حتى بعض كبار الموظفين ال أحد‬
‫يتحرك قبل الساعة الحادية عشرة‪.‬‬
‫وهللاِّ في بالد الكفر الساعة الخامسة صباحاً ال تجد مكاناً في الطريق‪ ،‬هؤالء ال يعرفون هللا‪ ،‬وهم يبكرون إلى‬
‫أعمالهم‪ ،‬وهؤالء المسلمون يمضون الوقت الذي ينبغي أن يمضيه اإلنسان مع أهله ومع أوالده في السوق‬
‫حتى ساعة متأخرة من الليل‪ ،‬والوقت الذي ينبغي أن يبكر فيه إلى رزقه يمضيه في النوم‪ ،‬قال بعض الشعراء‬
‫متهكماً‪:‬‬
‫ناموا وال تستيقظوا ما فـاز إال الُنوم‬
‫ودعوا التفهم جانبًا فالخير أال تفهموا‬
‫هذه مشكلة كبيرة‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫تمهيد‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬‫َ‬ ‫عن صخر الغامدي رضي هللا عنه‪َّ ،‬‬
‫أن‬
‫ُمِتي في ُب ُك ِ‬
‫ورها ))‬ ‫بارك أل َّ‬ ‫(( َّ‬
‫الل ُه َّم ْ‬
‫[ من حديث حسن‪ ،‬أخرجه أبو داود والترمذي ]‬

‫ما تفعله أحياناً من صالة الفجر إلى الساعة الثانية ال تستطيع أن تفعله في النهار كله‪ ،‬حدثني عالم جليل‬
‫أنه ألف موسوعتين كبيرتين في التفسير وفي الفقه‪ ،‬وكل موسوعة تقترب من عشرين مجلدًا‪ ،‬قال لي‪ :‬وهللاِّ‬
‫َّ‬
‫المؤلفان الكبيران ألفتهما فيما بين الفجر والساعة الثامنة‪ ،‬لمدة أربع سنوات‪ ،‬هذا الوقت الثمين وقت‬ ‫هذان‬
‫مبارك‪.‬‬

‫(( ولو يعلمون ما في َ‬


‫الع َتمة والصبح ألتوهما ولو َحْبوًا ))‬
‫[ من حديث صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري ومسلم ]‬

‫‪ )15‬اإلنفاق على طالب علم ‪:‬‬

‫قد تستغربون‪:‬‬
‫النفقة على طالب العلم تزيد في الرزق‪:‬‬
‫على طالب العلم بالذات‪ ،‬هذا الذي جاء بلدكم‬
‫ليطلب العلم ليعود خطيبًا‪ ،‬ليعود داعي ًة‪ ،‬ليعود‬
‫معهد شرعي‪ ،‬ليعود مفتياً‪ ،‬هذا إكرامه‪،‬‬‫ٍ‬ ‫مدير‬
‫َ‬
‫واإلنفاق عليه‪ ،‬وإشعاره أنه في بلده‪ ،‬وبين أهله‬
‫يزيد الرزق‪ ،‬والدليل‪:‬‬

‫عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪:‬‬


‫(( كان أخوان على عهد النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكان أحدهما يأتي النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫واآلخر يحترف‪ ،‬فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬لعلك ترزق به ))‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الحاكم في مستدركه ]‬

‫هذا دليل قطعي‬

‫إما أن تكون داعية‪ ،‬أو أن تكون في خدمة داعية‪ ،‬في خدمة طالب علم أتى إلى هذا البلد الطيب‪ ،‬ونرجو هللا‬
‫أن يستمر بقاؤهم في هذا البلد إلى ما شاء هللا‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )16‬شكر هللا تعالى ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬أن تشكر هللا عز وجل‪:‬‬


‫قد تكون مغمو ًار بنعم ال تعد وال تحصى‪ ،‬أكبرها أنك في صحة تامة‪.‬‬
‫لو أن جها اًز من أجهزة جسمك تعطل ألصبحت حياة اإلنسان جحيماً ال يطاق‪.‬‬
‫لو أن الكليتين تعطلتا‪ ،‬كل أسبوع ثالث جلسات لتصفية الدم‪ ،‬كل جلسة أربع ساعات‪ ،‬كل جلسة ثالثة آالف‬
‫ليرة‪ ،‬تحتاج إلى أربعين ألف ليرة في الشهر‪ ،‬لو تعطلت إحدى الكليتين‪.‬‬
‫أحد أكبر النعم التي تتمتع بها نعمة الصحة‪ ،‬وأن هللا عافاك في بدنك‪ ،‬وعافاك في حواسك الخمس‪ ،‬ومنحك‬
‫القوة‪ ،‬تتحرك‪ ،‬وال تستعين بأحد‪.‬‬
‫إن شكرت نعماً بين يديك حفظ هللا لك هذه النعم‪ ،‬وزادك من فضله‪:‬‬
‫يدَّن ُك ْم ﴾‬ ‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم ِ‬
‫ألز َ‬
‫( سورة إبراهيم ‪)7 :‬‬

‫أحد أسباب زيادة الرزق شكر النعم التي أنت فيها‪:‬‬

‫لك مأوى‪ ،‬وكم ممن ال مأوى له‪.‬‬

‫لك زوجة‪ ،‬وكم ممن ال زوجة له‪.‬‬

‫تتمتع بصحة‪ ،‬وكم ممن يعاني من آالم ال تحتمل‪ ،‬وال يملك ثمن الدواء‪.‬‬

‫‪ )17‬إتقان العمل ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪:‬‬


‫ألن النبي عليه الصالة والسالم يقول‪:‬‬
‫ال أن يتقنه ))‬
‫(( إن هللا يحب إذا عمل أحدكم عم ً‬
‫[ حديث أخرجه أبو يعلى فيه رجل مختلف فيه ]‬

‫أقول لكم هذه الحقيقة‪:‬‬


‫في وقت الكساد المتقنون ال يتعطلون‪ ،‬أما في وقت الرخاء والسعة الكل يعمل‪ ،‬أما المتقن فليس عنده ما‬
‫يسمى البطال َة إطالقاً‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫تمهيد‬
‫‪ )18‬الصالة ‪:‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬
‫طِبْر َعَلْي َها ال َن ْسأَُل َك ِرْزقًا ﴾‬
‫اص َ‬ ‫﴿ وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الصالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫( سورة طه ‪)132 :‬‬

‫ذكرتها مع الدعاء‪ ،‬لكن هي بند مستقل‪.‬‬


‫ثمانية عشر سبباً لزيادة الرزق‪.‬‬
‫هذا كالم خالق األكوان‪ ،‬وكالم سيد ولد آدم‪ ،‬عليه أتم الصالة والسالم‪.‬‬
‫وحيين‪ ،‬دين كالم هللا‪ ،‬ودين سنة رسوله‪ ،‬وما بعد هذه القوانين من قوانين‪.‬‬
‫هذا ديننا‪ ،‬دين ْ‬

‫أوهام وتصورات خاطئة ‪:‬‬

‫هناك أقوال تطرح في قضية الرزق‪ ،‬أقوال ال تؤمن باهلل عز وجل‪ ،‬يقولون‪ :‬هناك مجاعة تنتظر البشر‪ ،‬هناك‬
‫شح في المياه‪ ،‬هناك حرب على المياه‪ ،‬هناك حرب على القمح‪ ،‬هناك حرب على منابع النفط‪ ،‬هذا الكالم‬
‫يصِّدرونه لنا كي نضعف عن مقاومتهم‪.‬‬
‫َ‬

‫أي فقير فقط‪،‬‬


‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬آخر شيء في هذه الخطبة أنه يوجد تصور سقيم خطأ عند الناس‪ :‬مؤمن ْ‬
‫كافر يعني غني‪.‬‬
‫ال‪ ،‬حبذا المال أصون به عرضي‪ ،‬وأتقرب به إلى ربي‪.‬‬
‫اإلنسان إذا طلب الرزق الحالل‪ ،‬وكان الرزق وفي اًر بين يديه‪ ،‬فخياراته في العمل الصالح ال تعد وال تحصى‪،‬‬
‫الخيارات التي أمامه في العمل الصالح ال تعد وال تحصى‪ ،‬لذلك‪:‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫ص على ما ينفعك‪ ،‬واستعن‬ ‫أحب إلى هللا من المؤمن الضعيف‪ ،‬وفي كل خير‪ِ ،‬‬
‫احر ْ‬ ‫خير و ُّ‬ ‫(( المؤمن القو ُّي ْ‬
‫اء َف َعل‪،‬‬ ‫تعجز‪ ،‬وإن أصابك شيء فال َتُقل‪ :‬لو َّأني ُ‬
‫فعلت لكان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪َ :‬قدَّر هللا وما ش َ‬ ‫ْ‬ ‫باهلل وال‬
‫تفتح َع َم َل الشيطان ))‬
‫فإن‪ ،‬لو‪ُ ،‬‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه مسلم ]‬

‫فإذا طلبت الرزق الحالل‪ ،‬وكان وفي اًر كانت يدك هي العليا‪ ،‬واستطعت أن تهيمن على أسرتك باإلنفاق‬
‫عليهم‪ ،‬وأن تضمهم إليك‪ ،‬وأن ترشدهم إلى ما فيه خيرهم‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫تمهيد‬
‫وأخي اًر ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫المستحبات في كسب الرزق ‪:‬‬

‫َّللا عَل ِّ‬


‫يه َوسل َم‪:‬‬ ‫َّللا َّ‬
‫صلى َّ‬ ‫عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول َّ‬

‫ط َأ َعْن َها َف َّاتقوا‬ ‫ستوِف َي ِرزَق َها‪َ ،‬و ْ‬ ‫إن نفساً َل ْن َتموت َّ‬ ‫َّللا وأَجملوا ِفي َّ‬ ‫(( أَُّيها َّ‬
‫إن أَْب َ‬ ‫حتى َت َ‬ ‫الطلب‪َ ،‬ف َّ‬ ‫الناس َّاتقوا َّ َ‬
‫حل َوَدعوا َما َحُرم ))‬
‫لب‪ُ ،‬خ ُذوا َما َّ‬ ‫أجملوا ِفي َّ‬
‫الط ِ‬ ‫َّللا َو ْ‬
‫َّ‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه ابن ماجة ]‬

‫ِّ‬
‫أوضح لكم ذلك بمثال‪:‬‬
‫بستان فيه تفاح‪ ،‬لو قلنا‪ :‬الشجرة السابعة‪ ،‬الغصن الرابع‪ ،‬الفرع الخامس فيه تفاحة‪ ،‬هذه لفالن‪ ،‬فالن مخير‪،‬‬
‫إما أن يأكلها ضيافة‪ ،‬وإما أن يأكلها هدية‪ ،‬وإما أن يأكلها شراء‪ ،‬وإما أن يأكلها تسوالً‪ ،‬وإما أن يأكلها سرقة‪.‬‬
‫طريقة وصول الرزق إليك باختيارك‪ ،‬أما الرزق فهو لك‪ ،‬لذلك اصبر عن الحرام ِّ‬
‫يأتك الحالل‪ ،‬أعيد الحديث‪:‬‬
‫ط َأ َعْن َها‪َ ،‬ف َّاتقوا‬ ‫ستوِف َي ِرزَق َها‪َ ،‬و ْ‬ ‫إن نفساً َل ْن َتموت َّ‬ ‫َّللا وأَجملوا ِفي َّ‬ ‫(( أَُّيها َّ‬
‫إن أَْب َ‬ ‫حتى َت َ‬ ‫الطلب‪َ ،‬ف َّ‬ ‫الناس َّاتقوا َّ َ‬
‫حل َوَدعوا َما َحُرم ))‬
‫لب‪ُ ،‬خ ُذوا َما َّ‬ ‫أجملوا ِفي َّ‬
‫الط ِ‬ ‫َّللا َو ْ‬
‫َّ‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬هذا حديث دقيق جداً‪.‬‬
‫اآلن‪ :‬يستحب‪:‬‬

‫‪ )1‬اإلجمال في طلب الرزق ‪:‬‬

‫اإلجمال في طلب الرزق‪ ،‬واكتساب المعيشة‪:‬‬


‫ما معنى اإلجمال؟‬
‫أن تهتم بطلب الحالل دون الحرام‪ ،‬لو جاءك رزق وفير فيه شبهة حرام اركله برجلك‪ ،‬وال تعبأ‪ ،‬وقل‪ :‬هللا‬
‫الغني‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫تمهيد‬
‫وكذلك‪ :‬عدم اإلضرار بالنفس بتعريضها‬
‫للمشاق والصعوبات الهائلة في طلب الرزق‪:‬‬
‫اإلنسان يتوهم رزقه في الممنوعات‪ ،‬يغامر‬
‫بحياته‪ ،‬يغامر بمصادرة أمواله كلها‪ ،‬يغامر أن‬
‫يكون في السجن يومًا‪ ،‬ما كلفك هللا فوق ما‬
‫تطيق‪ ،‬من اإلجمال في طلب الرزق عدم‬
‫اإلضرار بالنفس‪ ،‬وعدم تعريضها للمشاق‬
‫والصعوبات الهائلة في طلب الرزق‪.‬‬
‫ومن اإلجمال في طلب الرزق‪:‬‬
‫عدم ترك ما أراد هللا من اإلنسان من واجبات‪ ،‬أو مندوبات‪ ،‬أو عبادات‪ ،‬أو أعمال دينية‪ ،‬أو طلب علم‪.‬‬
‫أقول لكم هذه الكلمة‪ :‬من كانت مهنته أو حرفته مشروعة‪ ،‬وسلك بها الطرق المشروعة‪ ،‬وابتغى بها كفاية‬
‫نفسه وأهله‪ ،‬وخدمة المسلمين‪ ،‬ولم تشغله عن واجب‪ ،‬وال عن فريضة‪ ،‬وال عن عمل علمي‪ ،‬وال عن عمل‬
‫خيري انقلبت إلى عبادة‪ ،‬لذلك قالوا‪ :‬عادات المؤمن عبادات‪ ،‬وعبادات المنافق سيئات‪.‬‬

‫‪ )2‬إقالة النادم بيعته ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬من آداب كسب الرزق إقالة النادم‪:‬‬


‫(( من أقال مسلماً بيعته أقاله هللا عثرته يوم القيامة ))‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه ابن حبان في صحيحه ]‬

‫أي‪ :‬اشترى البضاعة‪ ،‬ما فتحها‪ ،‬ال زالت في علبتها‪ ،‬والزالت مغلفة بغالف الشركة‪ ،‬وندم على شرائها‪،‬‬
‫أعطاك ثمنها كامالً‪ ،‬يرغبك الشرع في إرجاعها‪:‬‬
‫(( من أقال مسلمًا بيعته أقاله هللا عثرته يوم القيامة ))‬

‫‪ )3‬عدم التمييز باألسعار ‪:‬‬

‫عدم التمييز باألسعار بين الزبائن‪:‬‬


‫هذا من آداب البيع والشراء‪ ،‬وااللتزام بسعر موحد لكل المتعاملين‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬لكن لك أن تخفض السعر لقريبك أو إلنسان أخذ كمية كبيرة‪ ،‬هذا مشروع‪ ،‬أما هذا التذبذب في‬
‫األسعار فيشكك في مصداقية البائع‪ ،‬وهو مسلم‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫تمهيد‬
‫أن يعطى كيالً راجحًا عند البيع والشراء‪ ،‬حذ ًار من بخس الناس أشياءهم‪ ،‬وحذ ًار من أن تكون من المطففين‪.‬‬

‫‪ )4‬عدم التمسك بقيمة واحدة ‪:‬‬

‫عدم التشدد في القيمة عند البيع‪ :‬يقول لك‪ :‬الليرة قبل األلف‪ ،‬هذا تشدد‪.‬‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫فر هللا لرجل كان قبلكم‪ ،‬سهالً إذا باع‪َ ،‬سهالً إذا اشترى‪ ،‬سهالً إذا اقتضى ))‬
‫(( َغ َ‬
‫[ حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الترمذي ]‬

‫ال تتعنت في أداء ما عليك‪ ،‬وال ِّ‬


‫تعسر في مطالبتك لمن لك عليه دين‪.‬‬

‫‪ )5‬المبادرة ألداء الصالة ‪:‬‬

‫المبادرة إلى أداء الصالة في أول وقتها‪ ،‬وعدم التذرع باالنشغال بالتجارة أو الوظيفة‪.‬‬

‫‪ )6‬ذكر هللا ‪:‬‬

‫ذكر هللا تعالى في األسواق‪ ،‬والمراكز التجارية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬وذلك بتالوة األدعية والمأثورات‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬

‫اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال‬
‫أنت‪.‬‬
‫اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها‬
‫مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪ ،‬وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪.‬‬

‫اللهم ال تؤمنا مكرك‪ ،‬وال تهتك عنا سترك‪ ،‬وال تنسنا ذكرك يا رب العالمين‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫تمهيد‬
‫أذل‬ ‫اللهم بفضلك ورحمتك ِّ‬
‫أعل كلم َة الحق والدين‪ ،‬وانصر اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪َّ ،‬‬
‫أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم شتت شملهم‪ ،‬فرق جمعهم‪ ،‬خالف فيما بينهم‪ ،‬اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم أرنا قدرتك بتدميرهم كما أريتنا قدرتهم في تدميرنا يا رب العالمين‪ ،‬إنك سميع قريب مجيب الدعاء‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪25‬‬ ‫تمهيد‬
‫الفصل األول ‪ :‬مفهوم الرزق‬

‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬

‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬

‫‪26‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬مفهوم الرزق‬


‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫قال تعالى ‪ :‬وأن لو استقاموا على الطريقة ألسقيناهم ماء غدقا‪.‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين ‪ ،‬اللهم ال علم لنا إال ما‬
‫وزْدنا ِّعلما ‪ ،‬وأ َِّرنا الحق حقاً و ْارزقنا‬ ‫علمنا ما ْينفعنا و ْانفعنا ِّبما َّ‬
‫علمتنا ِّ‬ ‫علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫أحسنه و ْأد ِّخلنا بر ْحمتك في‬ ‫يستمعون القول َف َيتَِّّبعون ْ‬ ‫اجعلنا ممن ْ‬ ‫اجتنابه ‪ ،‬و ْ‬ ‫ِّاتباعه و ِّأرنا الباطل باطالً و ُ‬
‫ارزقنا ْ‬
‫عبادك الصالحين ‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام؛ اآلية السادسة عشرة من سورة الجن وهي قوله تعالى‪:‬‬

‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقًا﴾‬ ‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَنا ُه ْم َم ً‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآلية‪]16 :‬‬

‫سؤال‪ :‬هل الرزق مضمون؟!!‬

‫قد يسأل ِّ‬


‫الرْز ُق ْ‬
‫مضمون؟‬ ‫سائل سؤال فيقول‪ :‬هل ِّ‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ولكن َك ِّم َيته تتناسب مع ِّح ْكمة هللا عز وجل ‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪:‬‬ ‫الرزق مضمون َّ‬ ‫وم ْوزون فأصل ِّ‬ ‫مضمون َ‬ ‫ْ‬
‫اء ِإَّنهُ ِب ِعَب ِاد ِه َخِب ٌير َب ِص ٌير﴾‬ ‫ِ‬ ‫الرْز َق ِل ِعب ِاد ِه َلب َغوا ِفي ْاألَر ِ ِ‬
‫ض َوَلك ْن ُيَن ِز ُل بَق َد ٍر َما َي َش ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّللا ِ‬
‫ط َّ ُ‬
‫﴿ َوَل ْو َب َس َ‬
‫[ سورة الشورى اآلية‪]27 :‬‬

‫الرزق بالمع ِّ‬


‫ص َية‪ ،‬فاهلل‬ ‫قد ُي ْح َرم المرء بعض ِّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َّت أشياء كثيرة‬ ‫الرزق وثَب َ‬
‫سبحانه وتعالى َح َّرك ِّ‬
‫ِّليستَِّق َّر ِّ‬
‫النظام على األرض‪...‬‬ ‫َْ‬

‫وغروبها ِّمن مليون سنة وهي‬


‫ُشروق الشمس ُ‬
‫بالدقيقة يقول لك ‪ :‬سنة ألفين وعشرة شروق‬
‫الشمس الخامسة وثالثة ِّ‬
‫دقائق ‪ ،‬الليل والنهار‬
‫و َّ‬
‫الد َوران واألنظمة العامة وخصائص المواد‬

‫‪27‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬


‫الخصائص للعناصر ِّ‬
‫ثابتَة‪ُ ،‬ك ُّل‬ ‫ِّ‬ ‫ضة‪ ،‬والب ْذرة ب ْذرة‪ُ ،‬ك ُّل‬ ‫ضة ِّف َّ‬ ‫الذهب ذهب‪ ،‬والنحاس نحاس و ِّ‬
‫الف َّ‬ ‫الحديد حديد و َّ‬
‫ُ‬
‫األمطار ُمتَ َغِّيرة قد تأتي ْ‬
‫أعو ٌام كثيرة َف َيأكل الناس‬ ‫أن ْ‬ ‫دوَرات الكواكب ثابتة‪ ،‬إال َّ‬‫خصائص البذور ثابتة‪ ،‬وكذا َ‬
‫أعو ٌام شحيحة ْيتركون َ‬
‫أرضهم‪.‬‬ ‫من فوقهم ومن تحت ْأرجلهم‪ ،‬وقد تأتي ْ‬

‫تخِّدمه ‪ِّ -‬‬


‫دقق ‪ِّ -‬لتَ ْرب َِّية اإلنسان‪ ،‬الدليل َّ‬
‫أن هذه اآلية السادسة‬ ‫ويس ْ ُ ُ‬
‫يستخدمه كيف يشاء ْ‬‫فالرزق من عند هللا ْ‬
‫ِّ‬
‫عشرة من سورة الجن وهي قوله تعالى‪:‬‬

‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقاً﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآلية‪]16 :‬‬

‫سؤال‪ :‬ما هي العوامل التي تكثر الرزق؟‬

‫ال ثاني‪...‬‬ ‫اآلن َس َي ْنشأُ سؤ ٌ‬


‫ومتََبِّدل في َك ِّم َيِّت ِّه ِّب َح َس ِّب حال اإلنسان‪.‬‬
‫أصله ُ‬‫مضمون في ْ‬ ‫الرْزق ْ‬ ‫ِّ‬
‫الرْزق؟‬
‫ثر ِّ‬
‫فما العوامل التي تُ ْك ُ‬
‫فهو ُمْف ِّتقٌر إلى الطعام‬ ‫َّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أن يأكل ُ‬‫يص ُك َّل الح ْرص على ِّرْزقه؛ ألنهُ قو ُام حياته‪ ،‬البد من ْ‬ ‫أن ُك َّل ْإن ٍ‬
‫سان حر ٌ‬ ‫مع َّ‬
‫أن‬
‫تعمل من أجل ْ‬
‫ُ‬ ‫أن ْتبقى؛‬
‫طر للعمل كي تأكل ومن أجل ْ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ثم ِّن الطعام والشراب؛ فأنت ُم ْ‬
‫والشراب‪ ،‬وإلى َ‬
‫زوجة‬
‫الف ْرد‪ ،‬وحينما ْتبحث عن ْ‬‫تكسب المال لكي تأكل َفتَْبقى‪ ،‬فالحاجة إلى الطعام والشراب من أجل بقاء َ‬ ‫ْ‬
‫تكمل النْقص في الطرف اآلخر جعل هللا الزوجين م ِّ‬
‫تكامَلين؛ هي‬ ‫فهذا من أجل أن تُ ْك ِّمل ضعَفك‪ ،‬وأن ِّ‬
‫ْ َْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ْ ْ‬
‫تاج إلى من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يح ُ‬
‫يقودها‪ ،‬وهو عاطَفتُ ُه ضعيفة ْ‬
‫يحتويها ومن ُ‬‫تاج إلى من ْيرعاها ومن ْ‬ ‫وتح ُ‬
‫عاطَفتُها ُمتأججة ْ‬
‫زوجة من أجل بقاء النَّ ْوع‪،‬‬ ‫ُيحيطه بها؛ هي َس َك ٌن له وهو َس َك ٌن لها‪ ،‬وهذه ُسَّنة هللا في خْلقه َ‬
‫فالب ْحث عن ْ‬
‫وتأكيد الذات والتََّفُّوق من أجل بقاء ِّ‬
‫الذ ْكر ثالث دو ِّاف ٍع ِّ‬
‫أساسيَّة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ودافع تأكيد الذات‪.‬‬ ‫الج ْنس ‪،‬‬ ‫دافع الطعام والشراب ‪ ،‬ودافع ِّ‬
‫ُ‬
‫الذ ْكر‪.‬‬‫للحفاظ على ِّ‬ ‫النوع‪ ،‬والثالث ِّ‬ ‫للحفاظ على َّ‬ ‫الفرد‪ ،‬والثاني ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فاألو ُل للحفاظ على َ ْ‬
‫َّ‬
‫الرْزق أداة تَ ْرب َِّية ِّب َيِّده قال هللا تعالى‪:‬‬
‫فاهلل عز وجل جعل ِّ‬
‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقاً﴾‬‫اه ْم َم ً‬
‫َسَقْيَن ُ‬‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآلية‪]16 :‬‬

‫‪28‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬


‫أو ًال‪ :‬االستقامة سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫الرْزق ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬


‫منهج هللا تز ُيد في ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُيْف َه ُم من هذه اآلية َّ‬
‫االستقامة على ْ‬ ‫أن ْ‬
‫َّللا َح ِديثاً﴾‬
‫﴿ ومن أَصدق ِمن َّ ِ‬
‫ََْ ْ َ ُ َ‬
‫[ سورة النساء اآلية‪]87 :‬‬

‫أ ْقوى كلمة َ‬
‫تتم َّس ُك بها هي هذه اآلية ؛ ال ْتنسوا‬
‫يعرفونها ‪ -‬إذا كان‬
‫المحامين ْ‬
‫إخواننا ُ‬
‫‪ -‬هذه ْ‬
‫المحامي‬ ‫ِّ‬
‫هناك َقضيَّة عويصة بالماليين ‪ ،‬و ُ‬
‫النْقد ِّلصالح‬ ‫بمحكمة َّ‬
‫ْ‬ ‫الم َوَّكل وجد ِّا ْجِّتهادًا‬ ‫ُ‬
‫الد ْعوى وهو‬ ‫ِّح َت َّ‬ ‫مو ِّكِّل ِّه ي َ ِّ‬
‫ط ْمئ ُن ُه ويقول له ‪ :‬رب ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫لك َّن هذا ِّا ْجِّتهاد ‪ ،‬والقاضي ُمْل َزٌم به‬ ‫لم يربح ِّ‬
‫ْ‬
‫الم َوَّكل طمأنينة ‪ ،‬فكيف إذا قال هللا تعالى ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫محكمة النْقد يمأل قلب ُ‬ ‫فإذا كان هذا ا ْجتهاد ْ‬
‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقًا﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآلية‪]16 :‬‬

‫َّق هذه اآلية‬ ‫أن هللا يرُزُقك من حيث ال ِّ‬ ‫أن تستقيم ِّ‬
‫وع ْندها ترى كيف َّ‬
‫تحتسب ‪ ،‬وما من مؤمن طب َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فما عليك إال ْ ْ‬
‫وقطف ِّثمارها ؛ من أين ؟ ال ْيدري ‪.‬‬
‫َ‬ ‫إال‬

‫ثانياً‪ :‬التقوى سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫اآلية ِّ‬
‫الثان َية قال تعالى‪:‬‬
‫اه ْم ِب َما َكاُنوا‬ ‫ض َوَل ِك ْن َك َّذُبوا َفأ َ‬
‫َخ ْذَن ُ‬ ‫السم ِ‬
‫اء َو ْاألَْر ِ‬ ‫َهل اْلُقرى آَمُنوا و َّاتَقوا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫َي ْك ِسُبو َن﴾‬
‫[ سورة األعراف اآلية‪]96 :‬‬

‫أن ال يَُنَّفذ كالم خالق الكون ؟!‬ ‫ِّ‬


‫أن يكون هذا الكالم ال ْ‬
‫معنى له ؟! وهل يمكن ْ‬ ‫يعصوا ‪ ،‬هل يُمكن ْ‬ ‫اتََّقوا ْ‬
‫أن ْ‬

‫إذا اْلتََقيت ِّبمو َّ‬


‫ظف كبير وأصدر تعليمات وما َّنفذها ؛ تَ ْحتَِّق ُرهُ أليس كذلك؟‬ ‫ْ َ َُ‬
‫وهللا أيها اإلخوة عندنا أخ ال يملك من الدنيا إال ِّثيابه؛ ال بيت‪ ،‬وال مأوى‪ ،‬ترك بْلدته ِّبمحافظة ِّ‬
‫نائ َية ‪ ،‬وطلب‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫استقام على أمر هللا‪،‬‬ ‫العلم ينام عند بعض أص ِّ‬
‫بإخالص و ْ‬ ‫دقائه طلبة العلم ؛ حفظ كتاب هللا‪ ،‬وطلب العلم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬

‫‪29‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬


‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫مسجد‬ ‫مسجد‪َ ،‬ف َرَّش ْحتُ ُه ِّب َي ْو ٍم واحد مدير ْ‬
‫معهد َش ْرعي وخطيب ْ‬ ‫أة طلبوا مني بأحد المناطق الراق َية عندنا إمام ْ‬
‫فج ً‬
‫ْ‬
‫صَّدق ! فهذا هو قوله تعالى ‪:‬‬ ‫وساعات في التعليم الثانوي‪ٍ ،‬‬
‫شيء ال يُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫وزوجة؛‬
‫وبيت وسيارة ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقاً﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآلية‪]16 :‬‬

‫طمأنينة ‪ ،‬تأتي الدنيا وهي ر ِّ‬


‫اغ َمة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ِّ‬
‫وهو اآلن يتَ َمت ُع ب َمكانة كبيرة وب َِّد ْخل كبير و ُ َ‬

‫َّللا َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صَّلى َّ‬ ‫س ب ِّن م ِّال ٍك َقال‪َ :‬قال رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫ِّ‬
‫َع ْن أ ََن ْ َ‬

‫اغ َم ٌة َو َم ْن َكاَن ِت ُّ‬


‫الدْنيا و ِهي ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا ِغَن ِ‬ ‫(( َم ْن َكاَن ِت ْاآل ِخَرُة َه َّم ُه‬
‫الدْنَيا‬ ‫اه في َقْلِبه َو َج َم َع َل ُه َش ْمَلهُ َوأ ََت ْتهُ ُّ َ َ َ َ‬ ‫َج َع َل َّ ُ ُ‬
‫َف ْقَرُه َبْي َن َعْيَنْي ِه َوَفَّر َق َعَلْي ِه َش ْمَل ُه َوَل ْم َيأِْت ِه ِم َن ُّ‬
‫الدْنَيا ِإَّال َما ُق ِدَر َل ُه))‬ ‫َّللا‬
‫َه َّم ُه َج َع َل َّ ُ‬
‫[ رواه الترمذي]‬

‫َّ‬
‫ويتكلم ِّبكال ٍم غير‬ ‫ظ َرًة غير شرِّعيَّة‬
‫الم َحل من ينظر ن ْ‬ ‫يؤِّدبُنا عن طريق ِّ ق‬ ‫ال ْتن َسوا َّ‬
‫الرْز ‪ ،‬إذا كان في َ‬ ‫أن هللا َ‬
‫الغش وال كالم بذيء‬ ‫خال عن الكذب و ِّ‬ ‫صية ‪ ،‬وإذا المحل ٍ‬‫ألن هناك ِّ‬
‫فإن هذا المحل لن ْيربح َّ‬
‫مسمو ٍح به َّ‬
‫مع َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مرزوق‪.‬‬ ‫أسعار معتدلة َّ‬
‫فإن هذا المحل ْ‬ ‫وْ‬
‫األزمة الموجودة اآلن باألسواق في البيع و ِّ‬
‫الشراء ‪،‬‬ ‫أن أُكثر عليكم من القصص‪ ،‬رْغ َم ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫أيها اإلخوة؛ أنا ال أُحب ْ‬
‫يغش ‪ ،‬وهو ُيعامل هللا‬‫أن بضاعته بيعت على َشهرين حتى ال يجد أن يَلِّبي المتطلبات ؛ ألنه ال ِّ‬‫أخ َّ‬
‫حدثني ٌ‬‫َّ‬
‫ْ ُ‬ ‫َْْ‬ ‫َْ‬
‫السعر وموادك ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ضيفها‪،‬‬ ‫عال َية؛ َح ْتماً عندك َّ‬
‫مادة تُ ُ‬ ‫صَّدق َّأن ُه كيف يبيع ِّبهذا ْ‬‫التموين فما َ‬ ‫عز وجل ‪ ،‬جاء ْ‬
‫النسب مواصفات ِّق ِّ‬
‫ياسيَّة للقطر‪ ،‬هذا ْيدفع‬ ‫ِّ‬ ‫َفحصوا المصنع مكان مكان ‪ِّ ،‬‬
‫طبخة أمامهم فجعلوا تلك ْ ُ َ‬ ‫وعم َل ْ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شيء مْلموس‪ ،‬ال تُقل لي هناك‬ ‫ٌ‬ ‫ومع َم ُل بسيط جدًا؛ هذا‬
‫وكل واحد سيارة‪ْ ،‬‬‫وزَّو َج ْأوالده ُ‬
‫يغش َ‬
‫زكاة وصدقات وال ُ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫طرق‪ ،‬لما ربُّنا عز وجل يَُوف ُق عبده يُصبح هذا الكالم كله ال ْ‬
‫معنى له ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫ُ‬

‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقاً﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآلية‪]16 :‬‬

‫‪30‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬


‫ثالثًا‪ :‬صلة الرحم سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫الرِّحم تز ُيد في ِّ‬


‫الرْزق ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫صَلةُ َّ‬

‫قد ْم َت لهم َهِّديَّة‪.‬‬


‫اس ْيتَ ُهم ِّب َرَمضان ‪َّ ،‬‬
‫أك َرْمتَ ُهم وو َ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لك أ ْقرباء ‪ ،‬وأخوات ِّب َم َحل بعيد ُزْرتَ ُه ْم وتََفق ْد َت ْ‬
‫أحوالهم‪ْ ،‬‬

‫رابعًا‪ :‬الصالة سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫قال تعالى ‪:‬‬


‫طِبْر َعَلْي َها َال َن ْسأَُل َك ِرْزقاً َن ْح ُن َنْرُزُق َك َواْل َع ِاقَب ُة ِل َّلت ْق َوى﴾‬
‫اص َ‬ ‫﴿ وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫[ سورة طه اآلية‪]132 :‬‬

‫مرزوق‪.‬‬
‫الخمس هو ْبي ٌت ْ‬
‫ُ‬ ‫قام فيه الصلوات‬
‫فالب ْي ُت الذي تُ ُ‬
‫َ‬

‫خامساً‪ :‬الصدقة سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫أسباب ِّ‬
‫الزيادة الصدقة‪.‬‬ ‫أحد ْ‬
‫بالص َدَقة ‪ُ ،‬‬ ‫ِّا ْستَ ْم ِّطروا ِّ‬
‫الرْزق َّ‬

‫سادساً‪ :‬االستغفار سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫االسِّت ْغفار قال تعالى ‪:‬‬ ‫ْ‬


‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار اًر * ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫ان َغ َّفا اًر * ُيْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َها ًار﴾‬
‫[ سورة نوح اآليات‪]12-10 :‬‬

‫االسِّتقامة والتَّْقوى؛ هذه ُكلُّها عوامل ِّ‬


‫الرْزق‪.‬‬ ‫الرحم والصالة واإليمان و ْ‬
‫االسِّت ْغفار ِّ‬
‫وصَلةُ َّ ِّ‬
‫ْ‬

‫‪31‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬


‫سابعًا‪ :‬إتقان العمل سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫أن ُيتِّْق َن ُه" أصبح هناك ٌ‬


‫كساد‬ ‫يحب من العبد إذا عمل عمالً ْ‬ ‫الع َم ِّل ‪َّ " :‬‬
‫إن هللا ُّ‬ ‫قان َ‬
‫أشياء كثيرة منها ؛ ْإت ُ‬
‫وهناك ْ‬
‫اإلتقان‪.‬‬
‫باألسواق من عدم ْ‬

‫ثامنًا‪ :‬األمانة سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫ِّ‬
‫الحميديَّة على‬ ‫الرزق قال عليه الصالة والسالم ‪ :‬األمانة ِّغنى‪ ،‬أحدهم كان يبيع في‬ ‫األمانة هي من أسباب ِّ‬
‫ً‬
‫ترت منه واحدة ِّب َخ ْمسين ليرة وهو ما ُيعادل واحد دوالر ‪ ،‬بعد دقيقتَ ْين وجد‬
‫فاش ْ‬
‫امرأةٌ ْ‬
‫فجاءت ْ‬
‫ْ‬ ‫الرصيف أقمشة‬
‫َّ‬
‫ط ْته مائة دوالر فرجع إليها وأعطاها الزِّائد ‪ ،‬أحد التجار كان يراقب من محِّله ما فعله هذا ِّ‬
‫البائع‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّأن ُه قد ْ‬
‫أع َ ُ‬
‫شارُكني في َم َحِّلي ؟! فقال ‪ :‬يا ْليت! فأصبح شريكه‬ ‫صنيع ُه هذا فقال له ‪ :‬هل تُ ِّ‬‫ُ‬ ‫فأع َج َب ُه‬
‫على الرصيف ‪ْ ،‬‬
‫امرأة ِّب َنْفس الطريقة السابقة‬ ‫ِّ‬ ‫المقابل ‪ِّ -‬ق َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ‬
‫جاء ْت ْ‬
‫صة ُمشابهة ‪ -‬بالس ْت ُرَقيَّة َ‬ ‫وهو اآلن ب َب ْيت وسيارة ومحل ! ب ُ‬
‫وض َرَبتْ ُه وأخذت منه المائة‬ ‫جاء ْت الشرطة َ‬ ‫وخبَّأها في اليوم الثاني َ‬ ‫في الخطأ لكن هذا أخذ المائة دوالر َ‬
‫ِّ‬
‫مرَك ُزهُ‪.‬‬
‫معاش ُه وي ْرتَقي ْ‬
‫داد ُ‬‫وستَرى ‪ ،‬مادام أمينًا َس َي ْز ُ‬
‫دوالر‪ ،‬ودفع ع َوضًا خمسة آالف ليرة !! ُك ْن أمينًا َ‬
‫االسِّتقامة والتَّْقوى واألمانة ؛ هذه ُكلُّها عوامل ِّ‬
‫الرْزق‪.‬‬ ‫وصَلةُ َّ ِّ‬
‫الرحم والصالة واإليمان و ْ‬
‫االسِّت ْغفار ِّ‬
‫ْ‬

‫تاسعاً‪ :‬التغيير سبب لزيادة الرزق‪.‬‬

‫أمر آخر قال تعالى ‪:‬‬ ‫هناك ٌ‬


‫َّللا ِبَق ْو ٍم ُسوءًا َف َال َمَرَّد َل ُه َو َما َل ُه ْم ِم ْن ُدوِن ِه ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َال ُي َغيُر َما بَق ْو ٍم َح َّتى ُي َغيُروا َما بأَْن ُفس ِه ْم َوِإ َذا أََرَاد َّ ُ‬
‫ِ‬
‫﴿ إ َّن َّ َ‬
‫ال﴾‬‫َو ٍ‬
‫[ سورة الرعد اآلية‪]11 :‬‬

‫وتدليس ‪،‬‬ ‫غِّير يغيَّر لك ! ضع ِّحساباً ِّلنْف ِّسك ‪ ،‬أين ثغرات المعاصي ؟ بيتُك وزوجتُك ودخَلك وغل ٌ ِّ‬
‫ط وكذ ٌب ْ‬ ‫َْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َُ‬
‫المَل َّخص‪.‬‬ ‫ومفيدة ‪ ،‬وهذا هو ُمَل َّخ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ص ُ‬ ‫ص َرة ُ‬
‫هذه هي الكلمات َغير كي يُ َغير فإذا ما َغي َّْر َت ما َغي ََّر كلمات ُم ْختَ َ‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪32‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق‬


‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعين به‪ ،‬ونسترشده‪ ،‬ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال ُمضل‬

‫له‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬إق ار اًر بربوبيته‪ ،‬وإرغاماً‬
‫لمن جحد به وكفر‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى هللا عليه وسلم رسول هللا‪ ،‬سيد الخلق والبشر‪ ،‬ما اتصلت‬
‫عين بنظر‪ ،‬أو سمعت أذن بخبر‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلم‪ ،‬وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه‪ ،‬وعلى‬
‫ذريته ومن وااله‪ ،‬ومن تبعه إلى يوم الدين‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا بما علمتنا‪ ،‬وزدنا علمًا‪ ،‬وأرنا الحق‬
‫حقاً وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه‪ ،‬و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪،‬‬
‫وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين‪ ،‬أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم‪ ،‬ومن‬
‫وحول الشهوات إلى جنات القربات‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حرص اإلنسان على حياته‪ ،‬وعلى صحته‪ ،‬وعلى رزقه‪ ،‬هذه الموضوعات تقع في الدرجة‬
‫األولى‪.‬‬

‫ض ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها‬ ‫آب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫‪ 1‬ـ َو َما ِمن َد َّ‬
‫َ‬

‫أيها األخوة‪ ،‬الحقيقة األولى‪:‬‬


‫ض ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها‬ ‫آب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬
‫َ‬
‫﴾‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫إن جاءت كلمة ( على ) مع لفظ الجاللة‬


‫فتعني أن هللا ألزم ذاته العلية برزق كل‬
‫المخلوقات‪.‬‬

‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬


‫آب ٍة ﴾‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫( من ) تفيد استغراق أفراد النوع‪ ،‬فإن نملة سمراء على صخرة صماء في ليلة ظلماء رزقها على هللا‪ ،‬وإن‬
‫ال في قمة جبل رزقه على هللا‪.‬‬
‫َوع ً‬

‫‪33‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬
‫آب ٍة ﴾‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫( من ) تفيد استغراق أفراد النوع‪.‬‬

‫( ما من ) تفيد الحصر والقصر ‪ ،‬و( دابة )‪ ،‬نكرة تنكير شمول‪.‬‬

‫( على هللا ) أي أن هللا سبحانه وتعالى ألزم نفسه برزق العباد‪ ،‬هذا قرآن‪ ،‬لو أن اآلية‪ :‬ما من دابة إال هللا‬
‫يرزقها‪ ،‬فالمعمى‪ :‬يرزقها أو ال يرزقها‪ ،‬لكن‪:‬‬

‫﴿ ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها ﴾‬ ‫َ‬
‫قد ينصرف الذهن إلى أنواع من دواب معينة‪ ،‬وما من دابة‪ ،‬النفي واالستثناء والتنكير والحصر والقصر‪ ،‬هذه‬
‫في آية واحدة تؤكد أن هللا تكفل برزق العبادة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ فقراء الكسل‪:‬‬

‫ولكن هناك إشكالية تقفز إلى الذهن‪ ،‬أليس هناك مجاعات ؟‬


‫الحقيقة المكملة لهذه اآلية‪:‬‬
‫ور ﴾‬ ‫اكِب َها َوُكُلوا ِم ْن ِرْزِق ِه َوِإَلْي ِه ُّ‬
‫الن ُش ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫﴿ ُه َو اَّل ِذي َج َع َل َل ُك ُم ْاألَْر َ‬
‫ض َذُلوًال َفام ُشوا ِفي مَن ِ‬
‫( سورة الملك )‬

‫لذلك ال ينال رزق هللا جل جالله‪ ،‬أو ال ينال الرزق الذي ضمنه هللا عز وجل إال بسعي وعمل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫﴿ َوُق ِل ْ‬
‫اع َمُلوا (‪﴾ )105‬‬
‫( سورة التوبة )‬

‫لذلك أوسع شريحة من الفقراء فقراء الكسل‪ ،‬لكن قد يبتلى اإلنسان بعاهة تمنعه أن يكسب رزقه‪ ،‬هذا الفقر‬
‫القدر‪ ،‬و إنسان كسيدنا الصديق أنفق كل ماله ولم يبق‬ ‫ِّ‬
‫الذي قدر على اإلنسان صاحبه معذور‪ ،‬وهو فقر َ‬
‫لنفسه شيئاً‪ ،‬هذا سماه العلماء فقر اإلنفاق‪ ،‬األول صاحبه معذور والثاني صاحبه مشكور‪ ،‬أما الفقر الذي‬
‫صاحبه مذموم فهو فقر الكسل‪ ،‬فقر عدم اإلتقان‪ ،‬فقر التأجيل‪ ،‬فقر الخلود إلى الراحة‪ ،‬فقر كراهية العمل‪،‬‬
‫هذه أشياء تسبب الفقر‪.‬‬

‫‪34‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫‪ 3‬ـ البد من السعي لكسب الرزق‪:‬‬

‫الرزق المضمون في اآلية األولى‪:‬‬


‫ض ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها ﴾‬ ‫آب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬
‫َ‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫هذا الرزق المضمون ال ينال إال بسعي وعمل‪ ،‬ومشي في مناكب األرض‪ ،‬وابتغاء فضل هللا فيها‪:‬‬

‫ور (‪﴾)15‬‬ ‫اكِب َها َوُكُلوا ِم ْن ِرْزِق ِه َوِإَلْي ِه ُّ‬


‫الن ُش ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫﴿ ُه َو َّال ِذي َج َع َل َل ُك ُم ْاألَْر َ‬
‫ض َذُلوًال َفام ُشوا ِفي مَن ِ‬
‫( سورة الملك )‬

‫قمم البشر األنبياء كانوا يأكلون الطعام‪ ،‬ألنهم بشر‪ ،‬ألنهم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام‪ ،‬لكنهم‬
‫يمشون في األسواق‪ ،‬ومفتقرون إلى ثمن الطعام‪ ،‬وثمن الطعام يحصل بالسعي والكسب المشروع‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬اآلية‪:‬‬

‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ين ِإَّال ِإَّن ُه ْم َلَيأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ام َوَي ْم ُشو َن في ْاأل ْ‬
‫َس َو ِ‬
‫اق ﴾‬ ‫ْكُلو َن الط َع َ‬ ‫﴿ َوما أَْر َسْلَنا َقْبَل َك م َن اْل ُمْر َسل َ‬
‫( سور الفرقان‪) 20 :‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬في المشي في السوق يمتحن اإلنسان‪ ،‬يصدق أو يكذب‪ ،‬يتقن أو يهمل‪ ،‬ينصح أو يغش‪ ،‬علة‬
‫وجودنا في الدنيا االمتحان‪ ،‬وهللا عز وجل خلق فينا حاجة إلى الطعام والشراب‪ ،‬وحاجة إلى الزواج‪ ،‬ومن‬
‫أجل هاتين الحاجتين األساسيتين نتحرك‪ ،‬وفي أثناء التحرك نمتحن‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬يقول بعض العلماء‪ " :‬علينا أن نجتهد في طلب الحالل لنأكل منه‪ ،‬ونلبس منه‪ ،‬وننفق‬
‫على عيالنا وإخواننا منه‪ ،‬فإنه موجود ما دام المكلفون في الدنيا "‪.‬‬

‫َّللا َّال ِذي َخَلَق ُك ْم ثُ َّم َرَزَق ُك ْم (‪﴾ )40‬‬


‫﴿ َّ ُ‬
‫( سورة الروم )‬

‫في الماضي‪ ،‬الرزق ٍ‬


‫منته‪ ،‬وإذا قنن هللا عز وجل فتقنينه تقنين تأديب ال تقنين عجز‪:‬‬

‫ِ‬ ‫﴿ َوإِن ِمن َش ْي ٍء ِإالَّ ِع َ‬


‫ندَنا َخ َزائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُل ٍ‬
‫وم ﴾‬
‫( سورة الحجر )‬

‫أحياناً غلة القمح في بلدنا الطيب تزيد على ستة ماليين طن‪ ،‬وحاجتنا إلى مليون طن‪ ،‬ستة أضعاف‪ ،‬وأحياناً‬
‫ال تزيد غلة القمح عندنا على ستمئة ألف طن‪ ،‬من ستة ماليين إلى ستمئة ألف طن‪ ،‬بحسب األمطار‪،‬‬
‫فالتقنين اإللهي تقنين تأديب ال تقنين عجز‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫أيها اإلخوة‪ ،‬يقول بعض العلماء‪ " :‬إذا صدق اإلنسان في طلب الحالل استخرجه هللا من بين الحرام‬
‫والشبهات "‪.‬‬

‫﴿ ِم ْن َبْي ِن َفْر ٍث َوَد ٍم (‪﴾ )66‬‬


‫( سور النحل )‬

‫كيف أن األرض تعج بالدخل الحرام وبالمصادر الحرام‪ ،‬فأي عبد صدق في أن يكون رزقه حالالً يسوقه هللا‬
‫عز وجل إلى الحالل‪.‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬ورد في بعض األحاديث أنه‪:‬‬

‫(( من أصاب ماالً في نهاوش من حرام أذهبه هللا في نهابر ))‬


‫[ الجامع الصغير عن أبي سلمة الحمصي بسند فيه ضعف ]‬

‫يصادر‪ ،‬أو أن يحترق‪ ،‬أو أن يسرق‪،‬‬


‫َ‬ ‫فإما أن‬

‫(( من أصاب ماالً في نهاوش من حرام أذهبه هللا في نهابر ))‬

‫‪ 4‬ـ طلب الحالل فريضة على كل مسلم‪:‬‬

‫لكن الذي ينبغي أن يكون واضحاً أيها اإلخوة أن طلب الحالل فريضة على كل مسلم‪ ،‬بل طلب الحالل‬
‫فريضة بعد الفريضة‪ ،‬الصالة فريضة‪ ،‬والصوم فريضة‪ ،‬والحج فريضة‪ ،‬وأداء الزكاة فريضة‪ ،‬بعد هذه‬
‫الفرائض الفريضة التي تلي أركان اإلسالم الكسب الحالل‪.‬‬
‫وذكرت في لقاء سابق أن حرفتك التي‬
‫تحترفها‪ ،‬ومهنتك التي تمتهنها‪ ،‬ووظيفتك التي‬
‫تعيش منها إن كانت في األصل مشروعة‪،‬‬
‫وسلكت بها الطرق المشروعة‪ ،‬وابتغيت منها‬
‫كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين والناس‬
‫عامة‪ ،‬وما شغلتك عن واجب ديني‪ ،‬وال عن‬
‫فريضة‪ ،‬وال عن طلب علم‪ ،‬وال عن عمل‬
‫صالح انقلبت الحرفة إلى عبادة‪ ،‬فأنت في‬

‫‪36‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫دكانك تعبد هللا‪ ،‬وأنت في عيادتك تعبد هللا‪ ،‬وأنت في مكتبك الهندسي تعبد هللا‪ ،‬وأن في صفك تعلم تعبد هللا‪،‬‬
‫فطلب‬
‫ُ‬ ‫وأنت في حقلك تزرعه لخدمة الناس تعبد هللا‪ ،‬وعادات المؤمن عبادات‪ ،‬وعبادات المنافق سيئات‪،‬‬
‫وطلب الحالل فريضة بعد الفريضة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الحالل واجب على كل مسلم‪،‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬ال يعجبنك كما قال عليه الصالة والسالم ام أر كسب ماالً من حرام‪ ،‬ال تعجب به ال تقل هنيئاً له‪،‬‬
‫دخَله‪ ،‬إذا كان الدخل حراماً إن أنفقه أو تصدق به لم يقبل منه‪ ،‬وإن تركه لم يبارك له فيه‪،‬‬
‫أكثر ْ‬
‫ال تقل‪ :‬ما َ‬
‫وإن بقي منه شيء كان زاده إلى النار‪.‬‬
‫دقق‪ ،‬عن ابن عباس رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫رحب الذراعين بالدم‪ ،‬وال جامع المال من غير حله‪ ،‬فإنه إن تصدق لم يقبل منه‪ ،‬وما بقي‬
‫(( ال يعجبنك َ‬
‫كان زاده إلى النار ))‬
‫[ البيهقي عن ابن عباس ]‬

‫سهل‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وكسب الحرام‬
‫ُ‬ ‫صعب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫كسب الحالل‬
‫‪5‬ـ ُ‬

‫لكن لحكمة بالغة جعل كسب الحالل صعباً‪ ،‬وجعل كسب الحرام سهالً‪ ،‬ألنه لو كان كسب الحالل سهالً‬
‫ألقبل الناس على الحالل ال خوفًا من هللا‪ ،‬وال طمعًا في الجنة‪ ،‬ولكن ألنه سهل‪ ،‬لكن الحالل يحتاج إلى‬
‫جهد‪ ،‬بينما الحرام يكفي أن تغض بصرك عن مستودع لتأخذ الماليين مملينة‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم في هذا المعنى‪:‬‬
‫(( من بات كا ًال من عمله‪ ،‬تعبان‪ ،‬بات مغفو ًار له ))‬
‫[ الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف ]‬

‫ألن كسب الحالل أصل في الورع‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ تحريم السؤال لغير حاجة‪:‬‬

‫شيء آخر‪ ،‬لقد حرم هللا السؤال من غير حاجة‪ ،‬ولكن النبي صلى هللا عليه وسالم رخص لحاالت ثالث‪،‬‬
‫فع ْن أ ََن ِّ‬
‫س‬ ‫وسوف تأتي هذه الحاالت بعد قليل‪ ،‬لكن رجالً من األنصار أتى النبي عليه الصالة والسالم يسأله‪َ ،‬‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِّ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫َن َر ُج ًال ِّم ْن ْاأل َْنص ِّار أَتَى َِّّ‬
‫ْب ِّن َم ِّال ٍك أ َّ‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َي ْسأَُل ُه َفَق َ‬ ‫النب َّي َ‬ ‫َ‬
‫س َب ْع َضهُ‪َ ،‬وَنْب ُسطُ َب ْع َض ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫(( أ ِ ِ‬
‫س ـ يعني كساء يجلل ظهر الدابة ـ َنْلَب ُ‬ ‫ال‪َ :‬بَلى‪ ،‬حْل ٌ‬ ‫َما في َبْيت َك َش ْي ٌء ؟ َق َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َعَلْي ِه‬ ‫َخ َذ ُهما َرسول َّ ِ َّ‬
‫َّللا َصلى َّ ُ‬ ‫اه ب ِه َما‪َ ،‬فأ َ َ ُ ُ‬
‫اء‪َ ،‬قال‪ْ :‬ائِتِني ِب ِهما‪َ ،‬قال‪َ :‬فأ ََت ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَقعب ـ إناء ـ َن ْشرب ِف ِ‬
‫يه ِم ْن اْلم ِ‬
‫َُ‬ ‫َ ٌْ‬
‫يد َعَلى ِدْرَه ٍم ـ هذه المزايدة‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬
‫ال‪َ :‬م ْن َي ِز ُ‬ ‫ال‪َ :‬م ْن َي ْش َترِي َه َذْي ِن ؟ َق َ‬
‫ال َر ُج ٌل‪ :‬أََنا آ ُخ ُذ ُه َما بدْرَه ٍم‪َ ،‬ق َ‬ ‫َو َسل َم بَيده‪َ ،‬وَق َ‬

‫‪37‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫ـ َمَّرَتْي ِن‪ ،‬أ َْو َث َال ًثا‪َ ،‬ق َ‬
‫ال َر ُج ٌل‪َ :‬أَنا آ ُخ ُذ ُه َما‬
‫َخ َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫الدْرَه َمْي ِن‪،‬‬ ‫اه‪َ ،‬وأ َ‬‫اه َما ِإَّي ُ‬
‫ط ُ‬ ‫ِبدْرَه َمْي ِن‪َ ،‬فأ ْ‬
‫َع َ‬
‫َح ِد ِه َما‬
‫اش َت ِر ِبأ َ‬
‫ال‪ْ :‬‬ ‫ِي‪َ ،‬وَق َ‬
‫اه َما ْاألَ ْن َصارَّ‬
‫ط ُ‬ ‫َع َ‬
‫َوأ ْ‬
‫َهِل َك‪َ ،‬و ْ ِ‬ ‫اما َفاْنِب ْذ ُه ِإَلى أ ْ‬
‫اش َت ِر ب ْاآل َخ ِر َق ُد ً‬
‫وما‬ ‫ط َع ً‬
‫َ‬
‫يه رسول َّ ِ‬
‫َّللا َصَّلى‬ ‫ِ ِ‬ ‫َفأِْتِني ِب ِه‪َ ،‬فأ ََت ِ ِ‬
‫اه به‪َ ،‬ف َشَّد ف َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ال َل ُه‪ :‬ا ْذ َه ْب‬ ‫َّللا عَلي ِه وسَّلم ع ِ ِ ِ‬
‫ودا بَيده‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬ ‫َّ ُ َ ْ َ َ َ ُ ً‬
‫ِع َوَال أََرَيَّن َك َخ ْم َس َة َع َشَر َي ْو ًما‪،‬‬ ‫َف ِ‬
‫اح َتط ْب َوب ْ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫اء َوَق ْد‬ ‫يع‪َ ،‬ف َج َ‬‫الر ُج ُل َي ْح َتط ُب‪َ ،‬وَيِب ُ‬ ‫َف َذ َه َب َّ‬
‫َّللا َعَلْي ِه َو َسَّل َم‪َ :‬ه َذا َخْيٌر‬ ‫ط َعاما‪َ ،‬فَقال َرسول َّ ِ َّ‬
‫َّللا َصلى َّ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫اهم‪َ ،‬ف ْ ى ِ ِ‬
‫اش َتَر بَب ْعض َها َث ْوًبا‪َ ،‬وبَِب ْعض َها َ ً‬
‫ِ‬
‫اب َع ْشَرَة َدَر َ‬
‫َص َ‬
‫أَ‬
‫ام ِة‪ِ ،‬إ َّن اْل َم ْسأََل َة َال َت ْصُل ُح ِإَّال ِل َث َال َثةٍ‪ِ ،‬ل ِذي َف ْق ٍر ُم ْد ِق ٍع‪ ،‬أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يء اْل َم ْسأََل ُة ُن ْك َت ًة في َو ْجه َك َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫َل َك ِم ْن أ ْ ِ‬
‫َن َتج َ‬
‫ِل ِذي ُغْرٍم م ْف ِظ ٍع‪ ،‬أ َْو ِل ِذي َد ٍم م ِ‬
‫وج ٍع ))‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫[ أبو داود ]‬

‫ِ‬
‫المتعففين‪:‬‬ ‫مدح هللا‬
‫‪7‬ـ ُ‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬لقد مدح هللا المتعففين فقال‪:‬‬


‫اس ِإْل َحا ًفا (‪﴾)273‬‬ ‫﴿ َال َي ْسأَُلو َن َّ‬
‫الن َ‬
‫(سورة البقرة)‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صَّلى َّ‬ ‫ِّ‬
‫ال النَّب ُّي َ‬
‫ول‪َ :‬ق َ‬
‫َّللاُ َع ْنهُ َيُق ُ‬
‫ضي َّ‬‫عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين َّالذي َي َت َع َّف ُ‬
‫ف‪َ ،‬وا ْقَرُءوا‬ ‫ان‪ِ ،‬إَّن َما اْلم ْسك ُ‬ ‫الل ْقم ُة َوَال ُّ‬
‫الل ْق َم َت ِ‬ ‫ُّ‬
‫ان‪َ ،‬وَال َ‬ ‫الت ْمَرَت ِ‬
‫الت ْمَرُة َو َّ‬ ‫ين َّالذي َتُرد ُ‬
‫ُّه َّ‬ ‫س اْلم ْسك ُ‬
‫(( َلْي َ‬
‫اس ِإْل َحا ًفا ﴾ ))‬‫الن َ‬ ‫ِإ ْن ِشْئ ُت ْم َي ْعِني َق ْوَل ُه‪َ ﴿ :‬ال َي ْسأَُلو َن َّ‬
‫[ متفق عليه ]‬

‫التع ُّف ِ‬ ‫ِ‬


‫اهل أَ ْغِني ِ‬
‫ف (‪﴾ )273‬‬ ‫اء م َن َّ َ‬
‫﴿ َي ْح َسُب ُه ُم اْل َج ُ َ َ‬
‫(سورة البقرة)‬

‫لقد أثنى النبي على المتعففين‪ ،‬لذلك ورد في بعض الروايات أن المسكين الذي ال يجد غنى يغنيه‪ ،‬وال يفطن‬
‫به‪ ،‬فيتصدق عليه‪ ،‬وال يسأل الناس‪ ،‬ال ينتبه إليه‪ ،‬وهو ال يسأل‪ ،‬بينما هو ال يجد حاجته‪ ،‬هذا هو المسكين‬
‫هذا الذي أمرنا أن نعينه‪ ،‬وأن نبحث عنه‪.‬‬

‫‪38‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫أيها اإلخوة‪ ،‬بل إن اإلمام النووي رحمه هللا تعالى يرى أن اإلنسان إذا كان غنيًا ليس بالمعنى المألوف‪ ،‬إذا‬
‫كان عنده ما يكفيه‪ ،‬وسأل فسؤاله حرام‪ ،‬وما أخذه محرم عليه‪ ،‬إذا كان غنياً بمعنى أنه عنده ما يكفيه‪ ،‬وسأل‬
‫كان سؤاله حراما‪ ،‬وما أخذه سحت يحاسب عليه‪ ،‬أما سؤال المحتاج العاجز فليس بحرام‪ ،‬وال بمكروه‪ ،‬وإذا‬
‫سأل ينبغي أال يذل نفسه‪ ،‬وال يؤذي المسؤول‪ ،‬وال يلح في السؤال‪.‬‬

‫َّللاِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أيها اإلخوة‪ ،‬الموضوع دقيق جداً‪ ،‬ونحن في أمس الحاجة إليه‪َ ،‬ع ْن أَِّبي َك ْب َش َة ْاألَنَّ َمارِّ‬
‫ول َّ‬‫ِّي أََّن ُه َسم َع َرُس َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ِّ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َيُق ُ‬ ‫َ‬

‫ال َعْب ٍد ِم ْن َص َد َقةٍ‪َ ،‬وَال ُ‬


‫ظِل َم َعْبٌد َم ْظَل َم ًة‬ ‫ِ‬ ‫(( َث َال َث ٌة أُ ْق ِسم عَلي ِه َّن‪ ،‬وأ ِ‬
‫ص َم ُ‬ ‫ال‪َ :‬ما َنَق َ‬ ‫وه‪َ ،‬ق َ‬
‫اح َفظُ ُ‬
‫ُحدثُ ُك ْم َحدي ًثا َف ْ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َْ‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫َفصبر عَليها ِإَّال َزَاده َّ ِ‬
‫اب َف ْق ٍر ))‬ ‫َّللا َعَلْيه َب َ‬ ‫َّللا عًّاز ـ أخطر شيء الثالثة ـ َوَال َف َت َح َعْبٌد َب َ‬
‫اب َم ْسأََل ٍة إال َف َت َح َّ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ََ َ ْ َ‬
‫[ الترمذي ]‬

‫المؤمن متعفف‪ ،‬ويصبر‪ ،‬إلى أن يتخذ ق ار ًار أن يمد يده للناس‪ ،‬وأن يسأل‪ ،‬وأن يتضعضع‪ ،‬عندئذ في هذا‬
‫الحديث الخطير يفتح هللا عليه باب فقر‪.‬‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صَّلى َّ‬ ‫ود َقال‪َ :‬قال رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬
‫َّللاِّ ْب ِّن مسع ٍ‬
‫َُْ‬ ‫أيها اإلخوة‪َ ،‬ع ْن َع ْبِّد َّ‬

‫َّللا َل ُه ِب ِرْز ٍق‬ ‫اس َلم ُتسَّد َفا َق ُته‪ ،‬ومن َن َزَل ْت ِب ِه َفا َق ٌة َفأَْن َزَلها ِب َّ ِ‬ ‫(( َم ْن َن َزَل ْت ِب ِه َفا َق ٌة َفأَْن َزَل َها ِب َّ‬
‫اَّلل َفُي ِ‬
‫وش ُك َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََْ‬ ‫الن ِ ْ َ‬
‫آج ٍل ))‬ ‫اج ٍل أ َْو ِ‬
‫َع ِ‬
‫[ الترمذي‪ ،‬أبو داود‪ ،‬أحمد ]‬

‫ِّ‬
‫وصل ركعتين‪ ،‬ألن هللا عز وجل‬ ‫يعاب من يشكو الرحيم إلى الذي ال يرحم‪ ،‬إن نزلت بك فاقة فقم قبل الفجر‪،‬‬
‫َّللاِّ‬
‫ول َّ‬ ‫ِّ ٍ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ال َرُس ُ‬
‫فيما أعلمنا النبي عليه الصالة والسالم ينزل إلى السماء الدنيا‪َ ،‬ع ْن أَبي َسعيد َوأَبي ُه َرْي َرَة َق َاال‪َ :‬ق َ‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬
‫صَّلى َّ‬
‫َ‬

‫ول‪َ :‬ه ْل ِم ْن ُم ْس َت ْغ ِف ٍر ؟ َه ْل ِم ْن‬


‫الدْنَيا َفَيُق ُ‬ ‫اء ُّ‬ ‫السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( ِإ َّن َّ َ ِ‬
‫َّللا ُي ْمه ُل َح َّتى إ َذا َذ َه َب ُثُل ُث اللْيل ْاأل ََّو ُل َن َز َل إَلى َّ َ‬
‫اع ؟ َح َّتى َيْن َف ِجَر اْل َف ْجُر ))‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َتائ ٍب ؟ َه ْل م ْن َسائ ٍل ؟ َه ْل م ْن َد ٍ‬
‫[ مسلم ]‬

‫إن نزلت بأحدنا فاقة فليضعها في باب هللا‪ ،‬وال يضعها في باب إنسان‪.‬‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صَّلى َّ‬ ‫َّللا َع ْن ُه َقال‪َ :‬قال َِّّ‬
‫النب ُّي َ‬ ‫َ َ‬
‫ِّ‬ ‫عن عبِّد َّ ِّ‬
‫َّللا ْب ِّن ُع َم َر َرض َي َّ ُ‬ ‫َ َْ‬

‫س ِفي َو ْج ِه ِه ُم ْز َع ُة َل ْح ٍم ))‬ ‫الناس ح َّتى يأِْتي يوم اْل ِقي ِ‬


‫َل َّ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫امة َلْي َ‬ ‫الر ُج ُل َي ْسأ ُ‬
‫ال َّ‬
‫(( َما َي َز ُ‬
‫[ متفق عليه ]‬

‫‪39‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‬
‫صَّلى َّ‬ ‫ِّ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه َع ْن النَّب ِّي َ‬
‫ضي َّ‬‫ام ر ِّ‬ ‫سقط لحم وجهه من كثرة السؤال‪ ،‬لذلك عن ُّ‬
‫الزبي ِّر ب ِّن العو ِّ‬
‫َ ْ َ ْ ْ ْ َ َّ َ َ‬
‫ال‪:‬‬
‫َق َ‬

‫َّللا ِب َها َو ْج َه ُه َخْيٌر َل ُه ِم ْن أ ْ‬


‫َن‬ ‫ف َّ ُ‬ ‫ظ ْه ِرِه‪َ ،‬فَيِب َ‬
‫يع َها‪َ ،‬فَي ُك َّ‬ ‫َح ُد ُك ْم َحْبَلهُ َفَيأِْت َي ِب ُح ْزَم ِة اْل َح َ‬
‫ط ِب َعَلى َ‬ ‫َن َي ْأ ُخ َذ أ َ‬
‫(( َأل ْ‬
‫وه ))‬
‫ط ْوُه أ َْو َمَن ُع ُ‬
‫َع َ‬
‫اس‪ ،‬أ ْ‬ ‫َل َّ‬
‫الن َ‬ ‫َي ْسأ َ‬
‫[ البخاري ]‬

‫‪ 8‬ـ السعي على العيال واألوالد من العبادة‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬من أوليات العمل أن تسعى لرزق عيالك ؛ أنت أب‪ ،‬وفي عنقك مسؤولية‪ ،‬وأن هؤالء الصغار‬
‫أنت متكفل بتأمين حاجاتهم‪ ،‬طعامهم وشرابهم‪ ،‬وكسوتهم وتعليمهم‪ ،‬حينما تسعى من أجل تأمين رزق أسرتك‬
‫ف أنت في عبادة‪ ،‬الدليل‪ :‬عن كعب بن عجرة رضي هللا عنه قال‪ :‬مر النبي عليه الصالة والسالم برجل فرأى‬
‫أصحاب النبي من جلده ونشاطه فقالوا‪ :‬يا رسول هللا شاب في ريعان الشباب جلد نشيط‪ ،‬يا رسول هللا لو كان‬
‫هذا في سبيل هللا ؟ فقال عليه الصالة والسالم‪ ،‬دققوا جيداً‪:‬‬
‫صغار فهو في سبيل هللا ـ عنده أوالد يحتاجون إلى طعام وشراب‪ ،‬وكساء‬
‫ًا‬ ‫إن كان خرج يسعى على ولده‬
‫(( ْ‬
‫وأدوية وحليب‪ ،‬فبكر إلى عمله وتعب‪ ،‬أو عنده أب وأم متقدمين في السن ـ وإن كان خرج يسعى على‬
‫أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل هللا‪ ،‬وإن كان خرج يسعى على نفسه ليعفها ـ يتزوج‪ ،‬ويغض بصره ـ‬
‫رياء ومفخرة فهو في سبيل الشيطان ))‬
‫فهو في سبيل هللا‪ ،‬وإن كان خرج يسعى ً‬
‫[ الطبراني‪ ،‬ورجاله رجال الصحيح ]‬

‫دقق‪ ،‬حينما تقوم إلى عملك‪ ،‬وقد يكون العمل شاقًا‪ ،‬ويحتاج إلى دوام طويل‪ ،‬وإلى خضوع إلى مدير العمل‪،‬‬
‫اء متعباً منهكاً فأنت في سبيل هللا‪ ،‬أنت في عبادة‪.‬‬‫وإلى اإلخالص‪ ،‬والتفاني واإلتقان‪ ،‬وتأتي مس ً‬
‫حينما يلبي األب حاجات أسرته يملكهم‪ ،‬يملك قلوبهم‪ ،‬يرشدهم‪ ،‬يوجههم‪ ،‬أما األب الكسول الذي ال يعمل‬
‫كلما طلب منه شيء يقول ليس معي‪ ،‬ينصرفون عنه إلى رفقاء السوء‪ ،‬وحينما تكسب المال الحالل من دون‬
‫إسراف‪ ،‬وتنفق على أهلك وأوالدك ووالديك من دون إسراف‪ ،‬من دون تبذير‪ ،‬من دون زهو‪ ،‬هذا العمل في‬
‫سبيل هللا‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬يقول سيدنا عمر‪ << :‬ال يقعدن أحدكم عن طلب الرزق‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم ارزقني >>‪.‬‬
‫ليس لديك عمل‪ ،‬فتحت الصحف التي فيها طلبات أعمال‪ ،‬درستها كلها‪ ،‬خرجت من البيت‪ ،‬سألت زيداً‪،‬‬

‫‪40‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫رجوت عبيدًا‪ ،‬تحرك يا أخي‪ <<،‬ال يقعدن أحدكم عن طلب الرزق‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم ارزقني‪ ،‬فقد علمتم أن‬
‫السماء ال تمطر ذهباً وال فضة >>‪.‬‬

‫وقال سيدنا عمر أيضاً‪ << :‬إني ألرى الرجل يعجبني فأقول‪ :‬أله حرفة ؟ يعني عمالً‪ ،‬فإن قالوا‪ :‬ال‪ ،‬سقط من‬
‫عيني >>‪.‬‬

‫وفي قول آخر لعبد هللا بن مسعود‪ << :‬إني ألمقت الرجل فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا‪ ،‬وال عمل‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫وأمسك النبي عليه الصالة والسالم يد عبد هللا بن مسعود‪ ،‬وكانت خشنة من العمل‪ ،‬رفعها أمام أصحابه‪،‬‬
‫وقال‪:‬‬

‫(( إن هذه اليد يحبها هللا ورسوله ))‬


‫[ ورد في األثر ]‬

‫دقق أيها األخ‪ ،‬إذا خرجت إلى عملك‪ ،‬وأتقنته‪ ،‬وكسبت المال الحالل‪ ،‬لكن أخطر ما في هذه الخطبة الرزق‬
‫الذي ضمنه هللا لك في قوله تعالى‪:‬‬

‫ض ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها ﴾‬ ‫آب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬
‫َ‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫هذا الرزق ال ينال إال بسعي وعمل‪ ،‬ال سعي‪ ،‬ال عمل‪ ،‬ال إتقان‪ ،‬ال تطوير ال التزام‪ ،‬ال أداء‪ ،‬تصبح فقي ًار‪،‬‬
‫وأنت بهذه الحالة فقرك فقر كسل ال فقر قدر‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ العمل واجب في اإلسالم‪:‬‬

‫لذلك أيها اإلخوة‪ ،‬يستنبط من هذا أن العمل في اإلسالم واجب‪ ،‬سيدنا عمر سأل أحد الوالة قال له‪ << :‬ماذا‬
‫تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال له‪ :‬أقطع يده‪ ،‬قال للوالي‪ :‬إذاً إن جاءني من رعيتك من هو‬
‫جائع أو عاطل فسأقطع يدك‪ ،‬إن هللا قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم‪ ،‬ونستر عورتهم‪ ،‬ونوفر له‬

‫حرفتهم‪ ،‬فإن وفرنا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها‪ ،‬إن هذه األيدي خلقت لتعمل‪ ،‬فإن لم تجد في الطاعة عمالً‬
‫التمست في المعصية أعماالً‪ ،‬فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية >>‪.‬‬
‫حينما قاطعنا الدانمرك‪ ،‬ألن بعض رساميها أساءوا إلى النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬نشرت أبحاث كثيرة عن‬
‫الدانمرك‪ ،‬لفت نظري أن هذا الشعب الذي ال يزيد على خمسة ماليين إنسان يطعم خمسين مليون إنسان في‬

‫العالم‪ ،‬لفت نظري أيضًا أن شركة سيارات واحدة في اليابان موظفوها أربعون ً‬
‫ألفا‪ ،‬دخلها يزيد على دخل دولة‬

‫‪41‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫باحا‪ ،‬هذه الشركة تزيد على الدخل‬ ‫عربية تعد سبعين مليون إنسان‪ ،‬شركة واحدة موظفوها أربعون ً‬
‫ألفا أر ً‬
‫مليونا‪ ،‬هل تصدقون أن هناك معايير دقيقة جداً‪ ،‬المواطن في بعض البالد‬
‫ً‬ ‫القومي لدولة يعد سكانها سبعين‬
‫النامية ال يزيد وقت عمله على سبع عشر دقيقة‪ ،‬ومواطن في بلد آخر وقت عمله سبع وعشرون دقيقة‪ ،‬وفي‬
‫بالد متقدمة وقوية‪ ،‬وتملك زمام أهل األرض يعمل المواطن ثماني ساعات كاملة‪ ،‬ال تصدق‪ ،‬كن واقعياً أن‬
‫أمة يعمل أفرادها ثماني ساعات‪ ،‬وتأتي أمة يعمل أفرادها سبعة عشر دقيقة في اليوم‪ ،‬كيف تنتصر هذه على‬
‫مذكورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫تلك ؟ هذا كالم علمي مزعج‪ ،‬لكن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح‪ ،‬يا أخي‪ ،‬كن شيئا‬
‫هذه الدنيا من أجل التفوق‪ ،‬ابحث عن عمل‪ ،‬طور عملك‪ ،‬فكر بشيء مبدع في عملك‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬لذلك العمل حتم واجب على كل مسلم‪ ،‬هو فريضة بعد الفريضة‪ ،‬طلب الحالل فريضة‪ ،‬ال‬
‫تحل الصدقة لغني وال ذي مرة قوي‪ ،‬فالشاب القوي ال تحل له الصدقة‪ ،‬والغني أيضاً ال تحل له الصدقة‪.‬‬
‫أبلغ ما قرأت أن النبي عليه الصالة والسالم رأى شابًا يق أر القرآن في وقت العمل‪ ،‬سأله‪:‬‬
‫(( من يطعمك ؟ قال‪ :‬أخي‪ ،‬قال‪ :‬أخوك أعبد منك ))‬
‫[ورد في األثر ]‬

‫هللا عز وجل يحب اليد العليا‪ ،‬وال يحب اليد السفلى‪ ،‬ال يحبك أن تتضعضع أمام غني‪ ،‬ال يحب أن تذل‬
‫نفسك‪ ،‬اعمل‪ ،‬وابحث عن عمل‪ ،‬واكسب الرزق الحالل‪ ،‬وأنفق‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ أهمية التجارة والزراعة‪:‬‬

‫مرة ثالثة ورابعة وخامسة الرزق المضمون‪،‬‬


‫لذلك التاجر الصدوق األمين مع النبيين و‬
‫الصديقين والشهداء‪ ،‬ومن منكم يصدق أن أكبر‬
‫بلد إسالمي اآلن إندونيسيا فيها مئتان وخمسون‬
‫مليونا من هؤالء الذين نقلوا لهم اإلسالم ؟‬
‫ً‬
‫تسعة تجار فقط‪ ،‬التاجر الصدوق األمين مع‬
‫النبيين‪ ،‬هو داعية إلى هللا‪ ،‬قدم لك سلعة جيدة‬
‫متقنة بسعر معتدل‪ ،‬وعاملك معاملة طيبة‪،‬‬
‫أحببته‪ ،‬وأحببت دينه‪ ،‬فأسلمت على يديه‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫التاجر الصدوق األمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة‪ ،‬التاجر الصدوق في ظل العرش يوم القيامة‪ ،‬إن‬
‫أطيب الكسب كسب التجار‪ ،‬الذين إذا حدثوا لم يكذبوا‪ ،‬وإذا وعدوا لم يخلفوا‪ ،‬وإذا ائتمنوا لم يخونوا‪ ،‬وإذا‬
‫اشتروا لم يذموا‪ ،‬وإذا باعوا لم يطروا‪ ،‬وإذا كان لهم لم يعسروا‪ ،‬وإذا كان عليهم لم يمطلوا‪ ،‬وإذا كان لم‬
‫يعسروا‪ ،‬أما إذا حدثوا فكذبوا‪ ،‬ائتمنوا فخانوا‪ ،‬ووعدوا فأخلفوا‪ ،‬واشتروا فذموا‪ ،‬يبخس لك بضاعتك‪ ،‬وإذا باعوا‬
‫مدحوا‪ ،‬وإذا كان عليهم أمطلوا‪ ،‬وإذا كان لهم ضيقوا‪ ،‬هؤالء التجار هم الفجار‪ ،‬بالكلمة الصريحة‪.‬‬
‫هذه التجارة والزراعة‪ ،‬ما من مسلم يزرع زرعاً‪ ،‬أو يغرس غرساً‪ ،‬فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إال كان‬
‫له به صدقة‪.‬‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِّ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫َّللا َع ْنهُ َع ْن َِّّ‬ ‫ِّ‬ ‫أثنى النبي على التجارة وعلى الزراعة‪ِّ َ ،‬‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َق َ‬ ‫النب ِّي َ‬ ‫فع ْن أَبي ُه َرْي َرةَ َرض َي َّ ُ‬
‫َه ِل َم َّك َة ))‬ ‫َّللا َنِبًّيا ِإَّال رعى اْل َغَنم‪َ ،‬فَقال أَصحابه‪ :‬وأَْنت ؟ َفَقال‪َ :‬نعم‪ُ ،‬كْنت أَرعاها عَلى َقر ِاري َ ِ‬
‫ط أل ْ‬ ‫ُ َْ َ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ْ َ ُُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫(( َما َب َع َث َّ ُ‬
‫[ البخاري ]‬

‫وضيعا في أعين الناس‪:‬‬


‫ً‬ ‫شرف مهما كان‬
‫ٌ‬ ‫‪ 11‬ـ العمل‬

‫وهللا سمعت من عالم في مصر أنه كان يمشي فرأى شاباً يبيع الناس كؤوس الشاي في الطريق‪ ،‬في طريق‬
‫نزهة‪ ،‬ويعرفه جامعيًّا‪ ،‬قال له‪ :‬ست سنوات وأنا بال عمل‪ ،‬وأنا أبيع وأكسب رزقًا حالالً‪ ،‬وأنا به سعيد‪ ،‬نزل‬
‫وشكره‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬ودعاه إلى بيته‪ ،‬العمل ليس عيباً‪ ،‬العيب أن تسرق‪ ،‬أن تكذب‪ ،‬أن تغش‪ ،‬يحمل‬
‫ليسانس‪ ،‬اضطر أن يعمل في بيع الشاي والقهوة‪ ،‬طبعاً العمل أشرف ألف مرة من ذل السؤال‪.‬‬
‫وهللا‪ ،‬وهللا‪ ،‬مرتين‪ ،‬لحفر بئرين بإبرتين‪ ،‬وكنس أرض الحجاز بريشتين‪ ،‬ونقل بحرين زاخرين بمنخلين‪ ،‬وغسل‬
‫عبدين أسودين حتى يصي ار أبيضين أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬كنت مرة في مكان إلصالح السيارة‪ ،‬صاحب المرآب أراد أن يصغر أحد موظفيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هذا معه ليسانس يعمل في الميكانيكا‪ ،‬فذكرت له هذا الحديث‪ ،‬قلت له‪:‬‬
‫ْك ُل ِم ْن َع َم ِل‬
‫ان َيأ ُ‬ ‫َّللا َد ُاوَد َعَلْي ِه َّ‬
‫الس َالم َك َ‬
‫ِن َنِبي َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ْك َل ِم ْن َع َم ِل َيده‪َ ،‬وإ َّ َّ‬ ‫ط َخْيًار ِم ْن أ ْ‬
‫َن َيأ ُ‬ ‫طعاما َق ُّ‬
‫َحٌد َ َ ً‬
‫َك َل أ َ‬
‫(( َما أ َ‬
‫َي ِد ِه ))‬
‫[ البخاري عن المقدام ]‬

‫نبي عظيم يأكل من عمل يده‪ ،‬هو أراد أن يصغره‪ ،‬ال‪ ،‬وسام شرف له أن يعمل‪ ،‬وأن يأكل الطعام الحالل من‬
‫كسبه‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫يأتي وقت تبقى الثقافة للثقافة فقط‪ ،‬الكسب يحتاج إلى عمل‪ ،‬إلى حرفة تحترفها‪ ،‬ال مانع إذا تعذر التعيين‬
‫فع ْن ُج َم ْي ِّع ْب ِّن‬
‫بالوظائف‪ ،‬أصالً هي ضيقة‪ ،‬إذاً نعمل بأي عمل‪ ،‬لقد سئل عليه الصالة والسالم عن هذا‪َ ،‬‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫َّللا َعَلي ِّه وسَّلم َع ْن أَ ْف َ ِّ‬ ‫عمي ٍر عن َخ ِّال ِّه َقال‪ :‬سِّئل النَِّّب ُّي َّ‬
‫ضل اْل َك ْسب َفَق َ‬ ‫صلى َّ ُ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ َْ َ ْ‬

‫الر ُج ِل ِبَي ِد ِه ))‬


‫ور َو َع َم ُل َّ‬
‫(( َبْي ٌع َمْبُر ٌ‬
‫[ أحمد ]‬

‫هؤالء الذين يصنعون‪ ،‬لكن يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( إنما أهلك الصنعة قول‪ :‬غد وبعد غد ))‬


‫[ ورد في األثر ]‬

‫المماطلة‪.‬‬
‫لكن سئل أي الكسب أطيب أو أفضل‪ ،‬قال‪:‬‬

‫الر ُج ِل ِبَي ِد ِه ))‬


‫ور َو َع َم ُل َّ‬
‫(( َبْي ٌع َمْبُر ٌ‬
‫وخير الكسب كسب يد إذا نصح صاحبها‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ المال الحالل سبب الدعوة المستجابة والعيش الهنيء والصحة الجيدة‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬قيل لسعد بن أبي وقاص‪ :‬تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول هللا ما السبب ؟ قال‪:‬‬
‫<< ما رفعت إلى فمي لقمة إال أنا عالم من أين مجيئها‪ ،‬ومن أين خرجت ؟ >>‪.‬‬
‫(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))‬
‫[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس بسند فيه ضعف ]‬

‫لذلك قال بعضهم‪ :‬لو قمت مقام هذه السارية ـ صالة طوال الليل ـ لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل بطنك‬
‫حالالً أم حراماً‪.‬‬

‫هذا الذي أكلته من أين ؟ و هللا زرت صديقاً لي استقبلني والده‪ ،‬قال لي‪ :‬أنا عمري ست وتسعون سنة‪،‬‬
‫وأجريت البارحة فحوص دم كاملة‪ ،‬جميع النتائج طبيعية‪ ،‬وهللا شيء غريب‪ ،‬قال لي‪ :‬ولكن وهللا ما أكلت‬

‫قرشاً حراماً في حياتي‪ ،‬وال أعرف الحرام‪ ،‬بالمعنى التالي‪ ( :‬حرام النساء )‪ ،‬ال هذه وال تلك‪ ،‬من عاش تقياً‬
‫عاش قويًا‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫أحد العلماء يقول‪َ " :‬رُّد درهم من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم‪ ،‬وترك دانق من حرام خير‬
‫من ثمانين حجة بعد اإلسالم‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫سحت فالنار أولى به ))‬


‫ٍ‬ ‫نبت ِمن‬
‫جسد َ‬
‫كل ٍ‬
‫(( ُّ‬
‫[ الجامع الصغير عن أبي بكر بسند صحيح ]‬

‫و من جمع ماالً من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر و كان إثمه عليه‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪،‬‬

‫ين ِه‬
‫ات اس َتب أَر ِل ِد ِ‬
‫ْ َْ‬
‫الشبه ِ‬ ‫ات َال َي ْعَل ُم َها َكِث ٌير ِم ْن َّ‬
‫الن ِ‬
‫اس‪َ ،‬ف َم ْن َّاتَقى ُّ ُ َ‬ ‫ام َبِي ٌن‪َ ،‬وَبْيَن ُه َما ُم ْش َتِب َه ٌ‬ ‫ِ‬
‫(( اْل َح َال ُل َبي ٌن‪َ ،‬واْل َحَر ُ‬
‫ات َوَق َع ِفي اْل َحَارمِ‪ ،‬كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه‪)) ...‬‬ ‫الشبه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو ِعْرضه‪َ ،‬و َم ْن َوَق َع في ُّ ُ َ‬
‫[ متفق عليه]‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا‬


‫آي ٌة عظيمة مفتاح الرزق ‪َ :‬و َمن َي َّت ِق َّ َ‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬أشعر أحياناً أن الحاجة ملحة لكسب الرزق الحالل‪ ،‬وقد تضيق األمور بالناس‪ ،‬وقد تعم البطالة‪،‬‬
‫أقسم لكم باهلل إن آية في كتاب هللا زوال الكون أهون على هللا من أال تُ َحَّقق‪.‬‬
‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫في الرزق‪:‬‬

‫(( وما ترك عبد شيئًا هلل إال عوضه هللا خي اًر منه في دينه ودنياه ))‬
‫[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]‬

‫لذلك أيها اإلخوة‪ ،‬تقول‪ :‬هناك ظروف صعبة‪ ،‬تقول‪ :‬األعمال قليلة‪ ،‬المكاسب نادرة‪ ،‬هناك بطالة‪ ،‬قل ما‬
‫شئت‪ ،‬ولكن هذه اآلية تلغي كل هذه األشياء‪ ،‬بأي ظرف‪ ،‬بأي وضع‪ ،‬بأي معطيات‪ ،‬بأي ضائقة‪.‬‬

‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَر ًجا (‪َ )2‬وَيْرُزْق ُه ِم ْن َحْي ُث َال َي ْح َت ِس ُب (‪﴾)3‬‬


‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫‪45‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫تعامل مع هللا مباشرة‪ ،‬استقم على أمره‪ ،‬وارفع رأسك‪ ،‬وكن عزي ًاز‪ ،‬وقل‪ :‬يا رب‪ ،‬أنت الذي قلت‪:‬‬

‫ض ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها ﴾‬ ‫آب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬
‫َ‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫ال يا رب‪ ،‬بالدعاء والعمل والحركة والسعي‪ ،‬وأنا أخاطب الشباب‪ ،‬الشاب يحتاج إلى ثمن‬
‫وأنا أسألك رزقًا حال ً‬
‫بيت‪ ،‬يحتاج إلى دخل مستقر‪ ،‬يحتاج إلى زوجة‪ ،‬ليس له إال هللا‪.‬‬

‫َّللا َي ْج َعل َّلهُ َم ْخَر ًجا ﴾‬


‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫اكتب هذه اآلية في صدر غرفتك‪ ،‬وتذكرها كل يوم‪.‬‬

‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬


‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫وزوال الكون أهون على هللا من أال يحقق وعوده للمؤمنين‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬في العراق‪ ،‬وفي غزة‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا‬
‫رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪46‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة‬


‫الفصل الثاني ‪ :‬أحكام الرزق‬

‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬

‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬

‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬

‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬

‫‪47‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬أحكام الرزق‬


‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأفضل الصالة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين‪ ،‬اللهم ال علم لنا إال‬
‫ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا‪ ،‬وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا‬
‫أتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وأدخلنا برحمتك في‬
‫عبادك الصالحين‪.‬‬
‫أيها األخوة المؤمنون‪ ،‬مع الدرس الرابع من سورة الذاريات‪ ،‬ومع اآلية الثالثة والعشرين‪.‬‬

‫هللا عز وجل موجود ِبذاته وال يعتمد في وجوده على ما سواه‪:‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫ق ِم ْث َل َما أََّن ُك ْم َتْن ِطُقو َن(‪﴾)23‬‬


‫ض ِإَّن ُه َل َح ٌّ‬ ‫السم ِ‬
‫اء َو ْاألَْر ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ُدو َن (‪َ )22‬ف َوَرب َّ َ‬
‫﴿ وِفي َّ ِ‬
‫الس َماء ِرْزُق ُك ْم َو َما ُت َ‬ ‫َ‬
‫[ سورة الذاريات ]‬

‫سيكون الدرس الحالي حول هاتين اآليتين‪ ،‬أيها األخوة‪ :‬بادئ ذي بدء هناك واجب الوجود‪ ،‬وهناك ممكن‬
‫الوجود هو ما ِّسوى هللا‬
‫الوجود هو هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وممكن ُ‬
‫الوجود‪ ،‬وهناك مستحيل الوجود‪ ،‬فواجب ُ‬‫ُ‬
‫تعالى‪ ،‬ومستحيل الوجود ال يمكن أن يوجد‪ ،‬كيف ؟ فال يمكن أن يكون الجزء أكبر من الكل‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫إله مثل هللا‬
‫مستحيل أن يكو ن هناك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫يكون االبن قد ُوِّلد قبل األب‪ ،‬هذه أشياء يستحيل على العقل تصديقها‪،‬‬
‫تماما ! فهناك واجب الوجود هو هللا جل جالله‪ ،‬وهناك ممكن الوجود وهو ما سوى هللا ؛ الكون وما فيه من‬
‫مخلوقات‪ ،‬وهناك مستحيل الوجود‪َ ،‬دعونا من مستحيل الوجود وْل َن ْبق في واجب الوجود وفي ممكن الوجود‪.‬‬

‫صمد‪ ،‬وال يعتمد في وجوده على ما سواه‪ ،‬وال في استمرار وجوده‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫هللا عز وجل موجود بذاته‪ ،‬واحٌد أحد ْفرد َ‬
‫قال تعالى‪:‬‬

‫َحٌد (‪﴾ )4‬‬ ‫ِ‬


‫الص َم ُد (‪َ )2‬ل ْم َيل ْد َوَل ْم ُيوَل ْد (‪َ )3‬وَل ْم َي ُك ْن َل ُه ُك ُفوًا أ َ‬
‫َّللا َّ‬
‫َحٌد (‪ُ َّ )1‬‬
‫َّللا أ َ‬
‫﴿ ُق ْل ُه َو َّ ُ‬
‫[ سورة اإلخالص]‬

‫‪48‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫أكبر شيئين في حياة اإلنسان ُوجوده ِ‬
‫ورزقه‪:‬‬

‫يوجده‪ ،‬ومفتَِّقر في ِّ‬


‫استمرار وجوده إلى َمن يُ ِّمُّدهُ‪،‬‬ ‫لكن ممكن الوجود‪ ،‬اآلن دققوا‪ :‬مفتقر في وجوده إلى َمن ِّ ُ ُ ُ ٌ‬
‫ونحن من بني البشر‪ ،‬وهذه ِّ‬
‫صفتنا‪ ،‬مفتقرون في وجودنا إلى هللا تعالى‪ ،‬وهو الذي ْأو َج َدنا‪ ،‬وهو الذي خلقنا‪،‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬

‫ين ِم َن َّ‬
‫الد ْه ِر َل ْم‬ ‫ان ِح ٌ‬ ‫﴿ه ْل أ ََتى َعَلى ِْ‬
‫اإل ْن َس ِ‬ ‫َ‬
‫َي ُك ْن َشْيئًا َم ْذ ُكو اًر﴾‬
‫[ سورة اإلنسان ]‬

‫ومفتقرون في ِّ‬
‫استمرار ُوجودنا إلى من يُ ِّمُّدنا‬
‫بالهواء وبالماء‪ ،‬والطعام والشراب‪ ،‬وبالزوجة‪،‬‬
‫وباألجهزة ؛ القلب و الرئتين‪ ،‬وبالمعدة‪،‬‬
‫واألوردة‪،‬‬ ‫واألنسجة‪،‬‬ ‫والكليتين‪،‬‬ ‫واألمعاء‪،‬‬
‫والشرايين‪ ،‬فاإلنسان جزٌء من ممكن الوجود‪،‬‬
‫وهو الكون‪ ،‬ومن خصائص ممكن الوجود َّأنه مفتقر في وجوده إلى من ِّ‬
‫يوج ُدهُ وهو هللا جل جالله‪ ،‬ومفتقر‬ ‫ُ‬
‫في استمرار ُوجوده إلى من يُ ِّمُّده‪.‬‬

‫الم ِّمد‪ ،‬خلقنا و َّ‬


‫أمدنا ِّب ُكل ما نحتاج لذلك هللا عز‬ ‫أي هو ُ‬
‫ِّ‬
‫لذلك هللا جل جالله هو الخالق أي الموجد‪ ،‬وهو الرب ْ‬
‫ألن ُوجوده من دون‬ ‫موجد‪ ،‬ورازق يعني ُم ِّمد‪ ،‬وأكبر شيئين في حياة اإلنسان ُوجوده ِّ‬
‫ورزقه َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وجل خالق يعني‬
‫رزقه من دون رازق موت ! لذلك من أسماء هللا الحسنى َّأنه هو الرازق‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫موجد عدم‪ ،‬و َّ‬
‫ألن ْ‬

‫لإلنسان ثالث حاجات أساسية هي‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ حاجة اإلنسان إلى الطعام و الشراب الستمرار وجوده‪:‬‬

‫شيء آخر‪ ،‬هذا اإلنسان أودع هللا فيه حاج ًة إلى الطعام والشراب ؛ ِّمن أجل اسِّتمرار وجوده‪ ،‬فلو لم ِّ‬
‫يودع فيه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫ون ِّسي أن يأكل لمات‪ ،‬فهذه الحاجة هي التي ْتدفعه لألكل والشرب‪ ،‬هل هناك قانون في األرض‬ ‫هذه الحاجة‬
‫َ َ‬
‫ُيْل ِّزم الناس بالطعام والشراب ؟ مستحيل‪َّ ،‬‬
‫ألن الجوع هو الذي يأكل كبد اإلنسان‪ ،‬ينطلق إلى الطعام والشراب‬
‫الفرد‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫من أجل أن يسد هذه الحاجة‪ ،‬فهناك حاجة أساسيَّة إلى الطعام والشراب‪ ،‬وهذه الحاجة من أجل بقاء ْ‬

‫‪49‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫‪ 2‬ـ حاجة اإلنسان إلى الزواج الستمرار النوع‪:‬‬

‫وهناك حاجة ال تقل في قيمتها عن حاجة الطعام والشراب‪ ،‬وهي الحاجة إلى الزواج‪ ،‬هذه من أجل بقاء‬
‫النوع‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ حاجة اإل نسان إلى تأكيد الذات‪:‬‬

‫ماديَّة ؛ حاجة إلى بقاء ِّ‬


‫الذكر‪ ،‬أو إلى تأكيد‬ ‫وهناك حاجة ثالثة ال تقل عن األولى والثانية إال َّأنها ليست ِّ‬
‫َْ‬
‫الذات‪ ،‬أو إلى الشعور باألهميَّة‪ ،‬هذه الحاجات الثالث‪ ،‬هللا سبحانه وتعالى حينما خلقها في اإلنسان خلق ما‬
‫وكبدًا‪ ،‬و دمًا‪ ،‬وإحساساً بالجوع فال بد أن ِّ‬
‫يوج َد لهذا الجسم ما‬ ‫ي ِّلبيها‪ ،‬فما دام أنه خلق فمًا‪ِّ ،‬‬
‫ومعدةً‪ ،‬وأمعاء‪ِّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ثم إن هللا سبحانه وتعالى ما دام قد ْأوَدع في اإلنسان الحاجة إلى الزواج فال بد من أن يخلق‬
‫يسد جوعه‪َّ ،‬‬
‫اإلنسان َذك ًار وأنثى‪.‬‬

‫تساوي الذكر و األنثى في التشريف و التكليف و اختالفهما في الخصائص‪:‬‬

‫العقليَّة والنَّفسيَّة‬ ‫ِّ‬ ‫العقليَّة و َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬


‫خصائصها الج ْسميَّة و َ‬
‫ُ‬ ‫النفسيَّة واالجتماعيَّة‪ ،‬ولألنثى‬ ‫خصائص ُه الج ْسميَّة و َ‬
‫ُ‬ ‫للذ َكر‬
‫واالجتماعيَّة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫الزو َجْي ِن َّ‬


‫الذ َكَر َو ْاألُ ْن َثى﴾‬ ‫﴿وأََّن ُه َخَل َق َّ ْ‬
‫َ‬
‫[ سورة النجم ]‬

‫ِّ‬
‫متساويان تساوياً تاماً عند هللا في التكليف والتشريف والمسؤوليَّة‪ ،‬ومختلفان‬ ‫َّ‬
‫الذكر واألنثى (يشكل سريع)‬
‫ألن كالًّ منهما له خصائص تناسب وظيفته قال تعالى‪:‬‬
‫اختالفًا كبي ًار في الخصائص َّ‬

‫‪50‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫الرِجيمِ﴾‬ ‫طِ‬
‫ان َّ‬ ‫الشْي َ‬ ‫الذ َكر َك ْاألُ ْن َثى وإِِني س َّمي ُتها مريم وإِِني أ ِ‬
‫ُعي ُذ َها ِب َك َوُذ ِرَّي َت َها ِم َن َّ‬ ‫َّ‬
‫َ ْ َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫﴿وَلْي َ‬
‫َ‬
‫[ سورة آل عمران ]‬

‫كل مخلوق على سطح األرض له رزق يصله بأية طريقة‪:‬‬

‫ع في اإلنسان الرغبة إلى تأكيد ذاته‪ ،‬وإلى اإلحساس باألهميَّة‪ ،‬وهذه هي الوقائع‬ ‫ثم إن هللا سبحانه وتعالى ْأوَد َ‬
‫أوج َد ما يسدها أو ُي ِّلبيها‪ ،‬ما ْأو َج َدها إال و َ‬
‫أوج َد ما‬ ‫الثالث التي أوجدها هللا في اإلنسان وما ْأو َج َدها إال و َ‬
‫يسدها‪.‬‬
‫لذلك هللا جل جالله هو الرزاق ذو القوة المتين‪ ،‬يرزق النملة السوداء على الصخرة الصماء‪ ،‬في الليلة‬
‫بح ْر َت في اسم الرزاق ولو جدت الشيء‬
‫العجاب‪ ،‬لو ت َّ‬
‫لوجدت العجب ُ‬‫تبح ْر َت في اسم الرزاق ْ‬
‫الظلماء‪ ،‬ولو َّ‬
‫الذي ال يوصف‪ ،‬فكل مخلوق يصُل ُه رزقه بطريقة أو بأخرى‪.‬‬

‫امتحان اإلنسان من خالل بقائه في المجتمع‪:‬‬

‫اخِّتصاصاً و ِّ‬
‫احداً‪،‬‬ ‫طاقاته وإمكاناته تُتيحان له أن يُ ْتِّق َن ْ‬ ‫أيها األخوة الكرام‪ :‬هناك شيء آخر‪ ،‬وهو أن اإلنسان‬
‫ُ‬
‫لكنه ِّبحاجة إلى ماليين الحاجات‪ ،‬إذًا هو َمقهور أن يكون في مجتمع‪ ،‬لو كتبت‬ ‫اخِّتصاصين‪ ،‬أو ثالثة‪َّ ،‬‬
‫أو ْ‬
‫تستهلكه في اليوم الواحد ؛ تحتاج إلى خبز‪ ،‬إلى ماء‪ ،‬إلى طعام‪ ،‬إلى شراب‪ ،‬إلى بيت‪ ،‬إلى‬
‫ُ‬ ‫على ورقة ما‬
‫يسر هللا لك عمالً‬
‫فراش‪ ،‬إلى غرف‪ ،‬إلى تعليم‪ ،‬و إلى طبابة‪ ،‬أي تحتاج إلى أشياء ال تعد وال تحصى‪ ،‬وقد َّ‬
‫اخِّتصاصًا و ِّ‬
‫احدًا‪ ،‬ما معنى ذلك ؟ أنَّك مقهور أن تكون في مجتمع ‪.‬‬ ‫و ِّ‬
‫احدًا أو ْ‬

‫اآلن من ِّخالل حاجتك إلى الطعام والشراب تنطلق إلى العمل‪ ،‬ومن خالل حاجتك إلى الزوجة تنطلق إلى‬
‫الزواج‪ ،‬ومن خالل حاجتك إلى تأكيد الذات تنطلق إلى أعمال تسعى إلى أن تكون لك ِّن ْبراساً في المجتمع‪،‬‬
‫ومن أجل حاجتك إلى آالف المواد تعيش في مجتمع‪ ،‬كل هذا من أجل أن تُ ْمتَحن بالخير أو الشر‪ ،‬وبالعطاء‬
‫أو ِّ‬
‫الحرمان‪ ،‬وباإلحسان أو اإلساءة‪ ،‬وبالصدق أو الكذب‪ ،‬وباإلخالص أو الخيانة‪ ،‬وباالستقامة أو االنحراف‪،‬‬
‫بالكبر أو التواضع‪ ،‬وباإلنصاف أو الجحود‪ ،‬ومن ِّخالل العمل‪ ،‬ومن خالل الزواج‪ ،‬ومن خالل تأكيد الذات‪،‬‬
‫ومن خالل بقائك في المجتمع تُمتَحن أشد ِّ‬
‫االمتحان‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ْ َ‬

‫ور﴾‬ ‫َح َس ُن َع َمالً َو ُه َو اْل َع ِز ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬


‫يز اْل َغ ُف ُ‬ ‫﴿الذي َخَل َق اْل َم ْو َت َواْل َحَيا َة لَيْبُل َوُك ْم أَُّي ُك ْم أ ْ‬
‫[ سورة الملك ]‬

‫‪51‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫وقال تعالى‪:‬‬

‫َمَّنا َو ُه ْم َال ُي ْف َتُنو َن﴾‬


‫َن َيُقوُلوا آ َ‬
‫َن ُي ْتَرُكوا أ ْ‬
‫اس أ ْ‬ ‫َح ِس َب َّ‬
‫الن ُ‬ ‫﴿أ َ‬
‫[ سورة العنكبوت ]‬

‫األعمال الصالحة ثمن الجنة‪:‬‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫ِ‬ ‫﴿وَلَق ْد َف َتَّنا َّال ِذين ِمن َقبِل ِهم َفَليعَلم َّن َّ ِ‬
‫َّللا َّالذ َ‬
‫ين َص َد ُقوا َوَلَي ْعَل َم َّن اْل َكاذِب َ‬
‫ين﴾‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ ْ َْ َ‬ ‫َ‬
‫[ سورة العنكبوت]‬

‫ؤهلُ َك ِّل َجَّنة عرضها السماوات واألرض‪،‬‬


‫إذاً أنت في الحياة الدنيا م ْبَتلى من أجل أن تعمل عمالً صالحاً ُي ِّ‬
‫ُ‬
‫فأنت مخلوق للجنة‪ ،‬للجنة وحدها‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫س ِإَّال ِلَي ْعُب ُدو ِن﴾‬ ‫﴿وما َخَل ْق ُت اْل ِج َّن َو ِْ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫ََ‬
‫[ سورة الذاريات ]‬

‫فيسعدوا ِّبُقربي في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وهذا هو الهدف‪.‬‬


‫ليعرفوني فيُطيعوني ْ‬

‫أنواع الرزق‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نوع ميسور بال ثمن‪:‬‬

‫ِّ‬
‫وباالحتكار لهَل َك‬ ‫الرزق أيها األخوة أنواع ؛ نوع َم ْيسور بال ثمن‪ ،‬الهواء‪ ،‬ولو كان الهواء بالثَّمن و بالقسائم‪،‬‬
‫الناس‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ نوع يحتاج إلى سعي‪:‬‬

‫نوع يحتاج إلى سعي طفيف كالماء ليس له ثمن‪ ،‬وثمنه ثمن خدماته‪ ،‬وتوفيره من مكان إلى مكان‪ ،‬نوع‬
‫يحتاج إلى ثمن‪ ،‬ونوع يحتاج إلى عمل‪.‬‬

‫تستخدمه مباشرًة‪ ،‬وبعضها يحتاج إلى‬


‫ُ‬ ‫الرزق ْأوَدعها هللا تعالى في األرض‪ ،‬وبعضها‬
‫وهناك أنواع ُم َنَّوعة من ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فيرقى أو‬ ‫الج ْهد البشري َ‬
‫المبني على العلم والعمل ُي ْمتَ َح ُن اإلنسان ْ‬ ‫تدخل من جهد بشري‪ ،‬ومن خالل هذا ُ‬
‫ْين َحِّدر‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫الثوابت و المتغيرات في الكون‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬شيء آخر في الموضوع‪ ،‬وهذه كلها موضوعات تَ ْمهيدية ؛ هناك في الكون ثوابت‬
‫ومتَ َغِّيرات‪ ،‬فمن الثوابت مثالً دورة األرض حول نفسها‪ ،‬ومن خالل آالف السنوات بل مئات ألوف السنوات‪،‬‬
‫ُ‬
‫بل مئات مئات ألوف السنوات ما رأينا مرة األرض َّ‬
‫توقفت عن الدوران ‪.‬‬

‫تدور بسرعة ثابتة‪ ،‬وتتحرك بمواقيت موزونة‪،‬‬


‫بشكل مذهل‪ ،‬حتى إن أدق الساعات في العالم‬
‫ضبط على حركة الكواكب‪ ،‬فحركة األرض‬
‫تُ ْ‬
‫وميل‬
‫حول نفسها‪ ،‬وكذا حركتها حول الشمس‪ْ ،‬‬
‫ِّمحورها من الثوابت‪ ،‬لكن نزول األمطار من‬
‫المتغيرات‪ ،‬مع إن األمطار َم ْبِّنيَّة على ِّعل ٍم‬
‫دقيق إال َّ‬
‫أن مفتاح التشغيل بيد هللا عز وجل‪،‬‬
‫فلو نظرت إلى ٍ‬
‫آلة بالغة التعقيد ؛ كل شيء‬
‫يعمل فيها بانتظام‪ ،‬ولكن لهذه اآللة مفتاح إن لم تدر هذا المفتاح اآللة ال تعمل‪.‬‬

‫أن هللا سبحانه وتعالى جعل الثوابت‬‫فاألرض من الثوابت‪ ،‬أما نزول األمطار َف ِّمن المتغيرات‪ ،‬والذي ُي ْدهش َّ‬
‫ِّل َيستقر الكون على ِّنظام ؛ ِّنظام األيام واألسابيع والشهور والسنوات‪ِّ ،‬‬
‫ونظام الليل والنهار‪ِّ ،‬‬
‫ونظام الفصول هذه‬ ‫ْ‬
‫كلها ثبَّتها هللا عز وجل‪ ،‬ومن الثوابت خصائص األشياء‪ ،‬فالحديد صلب ما قولكم إذا كان الحديد مرة صلباً‪،‬‬
‫ومرة مائعاً ؟ بعد أن أشدت البناء وقع‪ ،‬تغيرت خصائص الحديد‪ ،‬الحديد حديد‪ ،‬والنحاس نحاس‪ ،‬والفضة‬
‫فضة‪ ،‬والرصاص رصاص‪ ،‬وبذرة الخيار خيار‪ ،‬والتفاح تفاح‪ ،‬واألجاص أجاص‪ ،‬فخصائص األشياء ثابتة‪،‬‬
‫هذه من الثوابت‪ ،‬خصائص األشياء‪.‬‬

‫الهدف من التثبيت االستقرار و الهدف من التغيير التربية‪:‬‬

‫غيره من أجل‬‫ولم غيَّر ؟ الذي ثبَّته من أجل االستقرار‪ ،‬والذي َّ‬


‫فلم ثبَّت ؟ َ‬
‫نزول األمطار من المتغيرات َ‬
‫التربية‪ ،‬فاألب يُعطيك غرفة في البيت لك وحدكً دائم ًة ِّب َشكل ثابت‪ ،‬أما المصروف فقد يدفعه إليك أو ال‬
‫الرزق متغير‪.‬‬
‫تغيرات كي ُيربَّى اإلنسان‪ ،‬إذا ِّ‬ ‫يدفعه تأديباً وإثابة لك‪ ،‬فالثوابت كي يستقر الكون‪ ،‬و ُ‬
‫الم َّ‬ ‫ُ‬

‫‪53‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫الفرق بين الرزق و الكسب‪:‬‬

‫الرزق ما ِّ‬
‫تنتف ُع به فقط‪ ،‬فالطعام الذي أكلته‪،‬‬ ‫الرزق والكسب ؟ ِّ‬
‫َّأوالً هناك موضوع دقيق وهو ما الفرق بين ِّ‬
‫والقميص الذي ترتديه‪ ،‬والسرير الذي تنام عليه‪ ،‬والبيت الذي تسكنه ؛ والطعام الذي تستهلكه‪ ،‬هذا فقط ووحده‬
‫هو الرزق‪ ،‬وأما الكسب فقد يكون لك في ِّ‬
‫الحساب مئات األلوف‪ ،‬أو بضعة ماليين‪ ،‬أو مئات الماليين‪ ،‬أو‬
‫الرزق فهو مستهلكاتك‪ ،‬الكسب‬
‫لكنها كسب وليس رزقاً‪ ،‬فالكسب حجمك المالي‪ ،‬أما ِّ‬
‫عشرات مئات الماليين َّ‬
‫فاع َك به فعلى ثالثة أقسام ؛ ِّق ْس ٌم‬ ‫ِّ‬
‫كله تُحاسب عليه وال تنتفع به‪ ،‬لكن الرزق تُحاسب عليه‪ ،‬وتنتفع به‪ ،‬أما ْانت ُ‬
‫سم يبقى كالصدقات يقول ابن آدم مالي مالي مالي‪ ،‬وليس‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫سم َيبلى كالثياب‪ ،‬وق ٌ‬
‫هلك ُه كالطعام والشراب‪ ،‬وق ٌ‬
‫تستَ ُ‬
‫ْ‬
‫الثلث‪ ،‬وما ِّسوى هذه‬
‫تصد ْق َت فأبَقيت‪ ،‬من التي لك ُّ‬
‫ْ‬ ‫لك من مالك إال ما أكْل َت فأ ْف َن ْيت‪ ،‬أو َلِّب ْست ْ‬
‫فأبَليت‪ ،‬أو َّ‬
‫الثالثة ليست لك‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫يم َف َع َل َو َع ْن َم ِال ِه ِم ْن أَْي َن‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫(( َال َت ُزول َقدما عب ٍد يوم اْل ِقي ِ‬
‫اه َو َع ْن عْلمه ف َ‬ ‫َل َع ْن ُع ُم ِره ف َ‬
‫يما أَ ْفَن ُ‬ ‫امة َح َّتى ُي ْسأ َ‬ ‫ُ َ َ َْ َ ْ َ َ َ‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم أَْن َفَق ُه َو َع ْن ج ْسمه ف َ‬
‫يم أَْب َال ُه ))‬ ‫ا ْك َت َسَب ُه َوف َ‬
‫[ رواه الترمذي عن أبي بزرة أألسلمي ]‬

‫الرزق أنواع كالطعام و الشراب و الزوجة و العلم‪:‬‬

‫الرزق أنواع‪ ،‬هناك ِّرزق كالطعام والشراب‪ ،‬وهناك ِّرزق من‬


‫أن ِّ‬
‫أيها األخوة‪ ،‬أُريد أن أقول لكم حقيقة‪ ،‬وهي َّ‬
‫النوع الثاني كالزوجة رزق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ول َرَّبَنا آَِتَنا ِفي ُّ‬


‫الدْنَيا َح َسَن ًة‬ ‫﴿و ِمْن ُه ْم َم ْن َيُق ُ‬
‫َ‬
‫وِفي ْ َ ِ‬
‫اب َّ‬
‫الن ِار﴾‬ ‫اآلخَرِة َح َسَن ًة َوِقَنا َع َذ َ‬ ‫َ‬
‫[ سورة البقرة ]‬

‫لما ُسِّئل أحد العلماء الكبار عن حسنة الدنيا‬


‫قال‪ :‬هي المرأة الصالحة‪ ،‬فالمرأة الصالحة‬
‫ِّرزق‪ ،‬و ِّ‬
‫العلم ِّرزق‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪:‬‬

‫﴿وَت ْج َعُلو َن ِرْزَق ُك ْم أََّن ُك ْم ُت َك ِذُبو َن﴾‬


‫َ‬
‫[ سورة الواقعة ]‬

‫ِّرْز ُق العلم ُح ِّرْمتُم منه‪:‬‬

‫‪54‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫﴿وَت ْج َعُلو َن ِرْزَق ُك ْم أََّن ُك ْم ُت َك ِذُبو َن﴾‬
‫َ‬
‫[ سورة الواقعة ]‬

‫أن اإلنسان ِّبحاجة إلى الطعام والشراب َف ِّمن ِّ‬


‫الرزق الطعام والشراب‪ ،‬وكما َّأنه ِّبحاجة إلى الزوجة فمن‬ ‫فكما َّ‬
‫الرزق الزوجة‪ ،‬وكما َّأنه ِّبحاجة إلى علُو ِّ‬
‫الذ ْكر ِّ‬
‫فالعلم والحكمة من الرزق‪ ،‬وما استرذل هللا عبداً إال أحضر‬ ‫ُ‬
‫عليه ِّ‬
‫العلم واألدب‪.‬‬

‫الرزق أداة ابتالء‪:‬‬

‫تنتفع به‪ ،‬وكالهما تُحاسب عنه‪ ،‬اآلن‬ ‫ُ‬ ‫تنتفع به‪ ،‬والكسب هو الذي ال‬ ‫ُ‬ ‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الرزق هو الذي‬
‫ُع ِّطي‪ ،‬ويُ ْمتَحن بما ُح ِّرم !‬
‫ابتالء‪ ،‬وأداة ثواب‪ ،‬وأداة ِّعقاب‪ ،‬أما َّأنه أداة ابتالء فاإلنسان يُ ْمتحن بما أ‬
‫الرزق أداة ِّ‬
‫ْ َ‬
‫امِّتحانه َك ِّسب الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإذا‬‫نج َح الغني في ْ‬‫تحن بالفْقر‪ ،‬فإذا َ‬ ‫تحن بالغنى‪ ،‬وأن الفقير ُم ْم ٌ‬
‫أن الغني ُم ْم ٌ‬‫أي َّ‬
‫ْ‬
‫امِّتحانه كسب الدنيا واآلخرة‪ ،‬اإلنسان ممتحن فيما أعطي‪ ،‬وممتحن فيما حرم‪ ،‬وربما كان‬ ‫نجح الفقير في ْ‬
‫امِّتحان العطاء أشد على اإلنسان‪ ،‬فالفقير مث ً‬
‫ال ِّخياراته قليلة‪ ،‬وخياراته محدودة‪ ،‬يمتحن بالصبر فقط‪ ،‬لكن‬ ‫ْ‬
‫ص ْبر الغني في‬ ‫الغني عنده ألف خيار وخيار ِّل َيعصي هللا تعالى‪ ،‬فإذا قال‪ِّ :‬‬
‫إن أخاف هللا رب العالمين‪ ،‬كان َ‬
‫االبتالء أشد من صبر الفقير‪ ،‬والضعيف خياراته محدودة‪ ،‬ولكن القوي بإمكانه أن يْفعل ويْفعل‪ ،‬وأن يؤذي‬ ‫ِّ‬

‫ظا‪ ،‬لذا اإلنسان ُيمتحن‬


‫دفع الثمن باه ً‬ ‫ويسحق‪ ،‬ومع ذلك حينما يكف يدهُ عن ظلم الناس خوًفا من هللا فقد َ‬ ‫ْ‬
‫فيما أُعطي‪ ،‬ويمتحن فيما أ ِّ‬
‫ُخذ منه‪ ،‬ومن عادتي َّأنني أقول إلخوتي الكرام دائماً إن رْأيتُهُ في َبحبوحة أقول له‪:‬‬
‫تؤدي ُش ْكر هذه ِّ‬
‫مادة امِّتحانك مع هللا تعالى‪ ،‬هل ِّ‬
‫النعمة ؟ وهل تدَف ُع جزءًا من هذا المال للفقراء‬ ‫هذه َّ ْ‬
‫امِّتحانك مع هللا تعالى‪.‬‬ ‫إنسانا آخر ُم ْبَتَلى أقول له الكلمة نفسها ؛ هذه َّ‬
‫مادة ْ‬ ‫ً‬ ‫والمساكين ؟ وحينما أرى‬

‫ِ‬
‫العبرة في خواتم األعمال‪:‬‬

‫دت عليه دينه‪ ،‬و َّ‬


‫إن‬ ‫الرزق ابِّتالء‪ ،‬و َّ ِّ‬
‫أيها األخوة الكرام‪ِّ ،‬‬
‫أغ ْنيتُهُ أ ْف َس ُ‬
‫يصُل ُح له إال الفقر فإذا ْ‬
‫إن من عبادي َمن ال ْ‬ ‫ْ‬
‫أفسدت عليه دينه‪ ،‬فأنت ممتحن بالفقر و ممتحن بالغنى‪،‬‬ ‫الغنى فإذا أ ْفقرتُ ُه‬‫من عبادي من ال يصلُح له إال ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫نج َح في امتحان الفقر‪،‬‬ ‫عاشا ثمانين عاماً ؛ أحدهما فقير‪ ،‬والثاني غني‪ ،‬لو َّ‬
‫أن الفقير َ‬ ‫ولكن لو أن إنسانين َ‬
‫يسعد الفقير في َّ‬
‫جنة ربه إلى أبد اآلبدين‪،‬‬ ‫أن الغني رسب في امتحان الغنى‪ ،‬ما النتيجة ؟ َّأنه بعد الموت ْ‬
‫ولو َّ‬
‫العبرة في خواتم األعمال‬ ‫ويشقى الغني الذي رسب في ِّ‬
‫امتحان الغنى يشقى في جهنم إلى أبد اآلبدين‪ ،‬إ ًذا ِّ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫والعبرة كما قال تعالى‪:‬‬

‫‪55‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫ِ‬
‫َعَل ْو َن ِإ ْن ُكْن ُت ْم ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين﴾‬ ‫﴿وَال َت ِهُنوا َوَال َت ْح َزُنوا َوأَْن ُت ُم ْاأل ْ‬
‫َ‬
‫[ سورة آل عمران ]‬

‫أهون من امتحان الغنى‪:‬‬


‫امتحان الفقر ْ‬

‫الدنيا إن أتَ ْت أو لم تأت لم تكن ِّمقياسًا إلرضاء هللا عنك‪ ،‬فاهلل عز وجل أعطى المال لمن ال يحبه ؛ قارون‪،‬‬
‫وأعطاه ِّلمن يحبه ؛ سيدنا سليمان وعبد الرحمن بن عوف رضي هللا عنه‪ ،‬ولبعض أغنياء الصحابة كسيدنا‬
‫منعه دليل الفْقر‪ ،‬النبي‬
‫ُ‬ ‫عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬فالمال يُعطى وليس هو دليل الرضا‪ ،‬ويُ ْمنع‪ ،‬وال يعني أن‬
‫نبيًا عبدًا ؟ فقال‪:‬‬
‫نبيًا ملكاً أم ًّ‬ ‫عليه الصالة والسالم ِّ‬
‫سئل‪ :‬أَتُ ِّح ُّب أن تكون ًّ‬

‫فأش ُكُرُه ))‬


‫أشَب ُع يومًا ْ‬
‫ع يومًا فأ ْذ ُكرُه‪ ،‬و ْ‬
‫عبداً‪ ،‬أجو ُ‬
‫نبيًا ْ‬
‫(( ًّ‬
‫ولعل النبي عليه الصالة والسالم ِّل ِّحكمة بالغة أراد األقرب إلى العبودية‪ ،‬وأراد األسلوب من امتحان الغنى‪،‬‬
‫أهون من امتحان الغنى‪ ،‬ويكفي أن تقول حسبي هللا ونعم الوكيل‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬أما‬
‫فامتحان الفقر ْ‬
‫الغني هناك ألف ُمنز ٍ‬
‫لق ومنزلق أمامه‪ ،‬فإذا نجا من هذا قد ال ينجو من الثاني‪.‬‬

‫الرزق أداة ثواب و عقاب‪:‬‬

‫وعقاب والدليل ؛ أما ِّ‬


‫العقاب ورد في‬ ‫أيها األخوة‪ ،‬والرزق أيضًا فضالً على أنه أداة ِّ‬
‫ابتالء هو أداة ثواب ِّ‬
‫الحديث الشريف‪:‬‬

‫اما أهلك هللا‬ ‫(( قد ُيحرم المرء بعض الرزق بالذنب ُيصيبه‪ ،‬فمن َّ‬
‫نمى ماله بالربا يمحقها هللا‪ ،‬وأكل ما ًال حر ً‬
‫ماله‪ ،‬وأهلكه معه))‬
‫أحيانا أداة ثواب‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫فالرزق‬
‫ِّ‬
‫أحيانا أداة عقاب‪ ،‬و ً‬
‫ً‬

‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقًا﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿وَأ َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫َ‬
‫[ سورة الجن ]‬

‫قال تعالى‪:‬‬

‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم﴾‬


‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َربِ ِه ْم َأل َ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫﴿وَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموا َّ‬ ‫َ‬
‫[ سورة المائدة‪ :‬اآلية ‪] 66‬‬

‫إذاًً الرزق من المتغيرات‪ ،‬وأداة ْابِّتالء‪ ،‬وأداة ثواب‪ ،‬وأداة ِّعقاب‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫َضمان هللا عز وجل الرزق المفيد لإلنسان‪:‬‬

‫أما أنه مضمون‪ ،‬فقوله تعالى‪:‬‬

‫ق ِم ْث َل َما أََّن ُك ْم َتْن ِطُقو َن﴾‬


‫ض ِإَّن ُه َل َح ٌّ‬ ‫السم ِ‬
‫اء َو ْاألَْر ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َف َوَرب َّ َ‬
‫[ سورة الذاريات ]‬

‫ما دام هذا الفم ُخِّل َق لِّ َيأكل فال بد له ِّمن طعا ٍم‬
‫وشراب‪ ،‬فالرزق مضمون وقد يكون في حدوده‬
‫الخ ِّشن‬
‫الدنيا‪ ،‬فال أحد يعلم أن هذا الطعام َ‬
‫الذي يأكله المحرومون ربما كان في من المواد‬
‫ِّ‬
‫الغذائية ما يفوق الطعام الثمين‪ ،‬فأمراض القلب‬
‫في البالد ِّ‬
‫الصناعية الغنيَّة ثمانية أمثال‪،‬‬
‫ُج ِّرَيت ِّدراسة على طعام‬
‫وبالمناسبة قد أ ْ‬
‫الشعوب في كل أنحاء العالم‪ ،‬فكان طعام‬ ‫ُّ‬
‫ِّ‬
‫المتوسط (وهي ُشعوب فقيرة) أفضل طعام في العالم‪ ،‬والسبب أنهم يُكثرون من المواد‬ ‫ُشعوب حوض‬
‫السيللوزيَّة‪ ،‬وهذه المواد تَصون الغشاء المخاطي في الجهاز الهضمي‪ ،‬وتمتص الكولسترول الزائد‪ ،‬وتُ ْسرع في‬
‫انتقال الطعام وإخراجه‪.‬‬

‫إذا الطعام الخشن غير العصير‪ ،‬غير المعالج‪ ،‬طعام مفيد جداً‪ ،‬واكتشفوا أيضاً أن هذه ُّ‬
‫الشعوب تُ ْكثر من‬
‫البروتينات النباتية كالحمص والفول‪ ،‬وهذا أسلم للجسم من اللحم الذي قد يؤذي كثرته‪ ،‬ثم َّإنهم يستعملون زيت‬
‫الزيتون‪ ،‬وهو من أفضل الدهون التي تُعين على مرونة الشرايين واإلنسان ُعمرهُ من عمر شرايينه‪.‬‬

‫دراسة دقيقة أجريت في مقارنة فيما بين الطعوم التي يأكلها الشعوب‪ ،‬وجد أن الطعام الذي في البالد التي‬
‫ض ِّمن هللا عز وجل‬
‫هي في الحوض المتوسط‪ ،‬وهي في األعم بالد فقيرة‪ ،‬أفضل طعام على اإلطالق‪ ،‬لذلك َ‬
‫الرزق المفيد‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫زيادة الرزق يكون بـ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اإليمان و التقوى‪:‬‬

‫ألفا‪ ،‬هذه ليست مضمونة للكل‪ ،‬للمترفين مضمونة‪ ،‬أما أن تأكل ما يقيم‬ ‫عشاء ِّب َخمسين ً‬
‫ً‬ ‫أما الترف فأن تأكل‬
‫أودك‪ ،‬هذا للجميع‪ ،‬الرزق مضمون‪ ،‬والرزق موزون‪ ،‬فهناك ِّحكمة بالغة ِّمن كون هذا الرزق و ِّاف اًر أو قليالً‪،‬‬
‫ولكن السؤال الدقيق‪ :‬هذا الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬واألدلة كثيرة‪ ،‬وأول دليل‬
‫قوله تعالى‪:‬‬

‫اه ْم ِب َما َكاُنوا‬ ‫ض َوَل ِك ْن َك َّذُبوا َفأ َ‬


‫َخ ْذَن ُ‬ ‫السم ِ‬
‫اء َو ْاألَْر ِ‬ ‫َهل اْلُقرى آَمُنوا و َّاتَقوا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫﴿وَل ْو أ َّ‬
‫َ‬
‫َي ْك ِسُبو َن﴾‬
‫[ سورة األعراف ]‬

‫فالرزق يزيد باإليمان والتقوى‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ االستقامة‪:‬‬

‫يزيد أيضاً باالستقامة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقاً﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿وأَ َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫َ‬
‫[ سورة الجن ]‬

‫‪ 3‬ـ التزام أحكام الشرع‪:‬‬

‫يزيد باْلِّتزام أحكام الشرع‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم ِمْن ُه ْم أ َّ‬


‫ُم ٌة‬ ‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َربِ ِه ْم َأل َ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫﴿وَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموا َّ‬ ‫َ‬
‫اء َما َي ْع َمُلو َن﴾‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْق َتص َدةٌ َوَكث ٌير مْن ُه ْم َس َ‬
‫[ سورة المائدة ]‬

‫فالرزق إ ًذا يزيد بالطاعة واإليمان والتقوى‪ ،‬واالستقامة وهذه األدلة‪ ،‬ثالث آيات قرآنية‪:‬‬

‫‪58‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫‪ 4‬ـ االستغفار‪:‬‬

‫والرزق يزيد باالستغفار‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار اًر (‪ )11‬ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين َوَي ْج َع ْل‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫ان َغ َّفا اًر (‪ُ )10‬يْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َل ُك ْم َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َها اًر (‪﴾ )12‬‬
‫[ سورة نوح ]‬

‫يزيد باالستقامة واأليمان والطاعة‪ ،‬ويزيد أيضا باالستغفار‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ إقامة الصالة‪:‬‬

‫يزيد الرزق بإقامة الصالة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫طِبْر َعَلْي َها َال َن ْسأَُل َك ِرْزقًا َن ْح ُن َنْرُزُق َك َواْل َع ِاقَب ُة ِل َّلت ْق َوى﴾‬
‫اص َ‬ ‫﴿وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫[ سورة طه ]‬

‫بيت في األعم األغلب ؛ هللا سبحانه و تعالى يرزقه فالرزق ليس بالذكاء ولكن‬
‫الصلوات ؛ هذا ٌ‬
‫بيت تُقام فيه َّ‬
‫ٌ‬
‫بالتوفيق‪ ،‬والرزق ليس بالحركة الطائشة الدؤوبة‪ ،‬ولكن ِّبتَوفيق هللا تعالى‪ ،‬إذا االلتزام يزيد في الرزق‪،‬‬
‫واالستغفار يزيد في الرزق‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ الصدقة‪:‬‬

‫وفي الحديث الشريف الصدقة تزيد في الرزق قال تعالى‪:‬‬

‫ِ‬ ‫الربا ويربِي َّ ِ‬


‫َّللا َال ُي ِح ُّب ُك َّل َك َّف ٍار أَث ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫الص َد َقات َو َّ ُ‬ ‫َّللا ِ َ َ ُ ْ‬
‫ق َّ ُ‬‫﴿ي ْم َح ُ‬
‫َ‬
‫[ سورة البقرة ]‬

‫المال الذي تنفق منه الصدقات يربو و يزيد وقد قال عليه الصالة والسالم‪ :‬استمطروا الرزق بالصدقة ! ْ‬
‫أي‬
‫ول ِّحكمة أرادها هللا عز وجل على اآللة الحاسبة اإلنفاق ينقص المال‪ ،‬ولكن‬
‫فتصدقوا‪ِّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫وفير‬
‫رزًقا ًا‬
‫أردتم ْ‬
‫إذا ْ‬
‫القرآن الكريم على كالم خالق الكون اإلنفاق يزيد المال‪ ،‬فاإلنفاق بالحسابات ِّ‬
‫المادية ينقصه‪ ،‬لكنه ِّ‬
‫بالحسابات‬
‫الربانيَّة ي ِّ‬
‫نميه يكثرهُ‪ ،‬لذلك ما نقص مال من صدقة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪59‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫‪ 7‬ـ اإلتقان‪:‬‬

‫شيء آخر‪ ،‬وهو أن الرزق يزيد باإلتقان‪ ،‬فإتقان العمل جزء من ِّ‬
‫الدين و هو أحد أسباب الرزق‪َّ ،‬‬
‫ألن هللا يحب‬
‫ِّ‬
‫عمل عمالً أن ي ْتِّقنه‪ ،‬وأنتم أمام هذه الحقيقة وجهاً ِّلوجه‪ ،‬فكل أصحاب المصالح ِّ‬
‫المتقنون ال‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ‬ ‫من العبد إذا َ‬
‫المهملين إذا صار الكساد َّ‬
‫تعطلوا‪ ،‬أما المتقن ال‬ ‫ِّ‬ ‫يتعطلون‪ ،‬مهما عم الكساد‪ ،‬ومهما فشت البطالة‪ ،‬ولكن‬ ‫َّ‬

‫يتعطل‪ ،‬فاإلتقان أحد أسباب نماء الرزق‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ األمانة‪:‬‬

‫واألمانة كما قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫((األمانة ِغًنى ))‬


‫تمتل ُك أكبر ْثروة في األرض‪ ،‬أال وهي ِّثقة الناس‪ ،‬الناس ُيعطونك أموالهم حينما يأمنوك‪،‬‬
‫فحينما تكون أميناً ِّ‬
‫العامة ؛ في األعمال ِّ‬
‫التجارية والصناعية والزراعية‪ ،‬فالعامل المخلص‬ ‫َّ‬ ‫فاألمانة ِّغ َنى‪ ،‬وهذا في كل المجاالت‬
‫األمين له مستقبل مزهر‪ ،‬ينتهي به األمر إلى أن يكون صاحب العمل‪ ،‬والذي يخون ويأخذ ما ليس له ُيلقى‬
‫أمينا تهافت عليك الناس‪،‬‬
‫طرد‪ ،‬األمانة غنى بالمعنى المادي‪ ،‬فإذا كنت ً‬
‫في مزبلة التاريخ‪ ،‬يلقى في المزبلة ويُ ْ‬
‫يضموك إليهم‪ ،‬األمين‪ ،‬وأصحاب األعمال يغفرون كل خطيئة إال ِّ‬
‫الخيانات فقد ترتكب أكبر‬ ‫ُّ‬ ‫وتنافسوا على أن‬
‫األغالط في العمل‪،‬يمكن‪ ،‬أما أن تأخذ ما ليس لك‪ ،‬هذه ال تغفر لذلك ورد في الحديث‪:‬‬

‫(( ُي ْطَب ُع اْل ُم ْؤ ِم ُن َعَلى اْل ِخ َال ِل ُكِل َها ِإَّال اْل ِخَياَن َة َواْل َك ِذ َب ))‬
‫[ رواه أحمد عن أبي أمامة]‬

‫المؤمن ال يكذب وال يخون‪:‬‬

‫(( ُي ْطَب ُع اْل ُم ْؤ ِم ُن َعَلى اْل ِخ َال ِل ُكِل َها ِإَّال اْل ِخَياَن َة َواْل َك ِذ َب ))‬
‫[ رواه أحمد عن أبي أمامة]‬

‫‪ 9‬ـ صلة الرحم‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬االستقامة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬وإتقان العمل‪ ،‬واألمانة والصالة ؛ هذه كلها تزيد في الرزق !‬
‫الرِّحم أيضاً تزيد في الرزق فمن أراد أن ينسأ له في أجله‪ ،‬و أن يزداد له في رزقه فْلي ِّ‬
‫صل رحمه‪،‬‬ ‫ثم َّ‬
‫إن صلة َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يوجد شخص إشرافه كان على كل األسرة‪ ،‬على أخواته‪ ،‬على أصهاره‪ ،‬على أوالد عمه‪ ،‬على من حوله‪،‬‬

‫‪60‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫يواسيهم‪ ،‬يمدهم بالمساعدة‪ ،‬فهذا فالذي يصل رحمه‪ ،‬بالزيارة‪ ،‬والتوجيه‪ ،‬وإنفاق المال‪ ،‬هذا يزيد رزقه‪ ،‬بشكل‬
‫أو بآخر‪ ،‬أنت عندما تنفق من مالك‪ ،‬ويجعل هللا رزق غيرك عندك‪ ،‬فإذا أردت أن تنفق يأتيك رزق اآلخرين‬
‫ال‪ ،‬وعبدي أ َْنِّفق أ ُْنِّفق‬
‫ال وال تخشى من ذي العرش إقال ً‬ ‫إليك ألجل أن تنفق‪ ،‬فالذي ينفق يزداد رزقه‪ْ ،‬أنِّفق بال ً‬
‫بالخلف والتَّعويض‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫فق ُ‬ ‫الم ْن َ‬
‫حص اًر وعد هللا ُ‬
‫عليك‪ ،‬ويوجد ثمانية آيات ْ‬

‫ين﴾‬ ‫﴿و َما أَْن َف ْق ُت ْم ِم ْن َش ْي ٍء َف ُه َو ُي ْخِل ُف ُه َو ُه َو َخْيُر َّ‬


‫الر ِازِق َ‬ ‫َ‬
‫[ سورة سبأ ]‬

‫وهذه حقيقة ثابتة في القرآن الكريم‪.‬‬

‫قلة الرزق مع توافر شروط زيادة الرزق ُتعزى إلى حكمة هللا عز وجل‪:‬‬

‫الرزق أحد أكبر الموضوعات التي تشغل اإلنسان بعد ُوجوده‪ ،‬فإذا كان موجوداً فالموضوع‬ ‫أيها األخوة الكرام‪ِّ ،‬‬
‫ال‪ ،‬كلمة الحق ال تقطع رزًقا‬ ‫غله هو الرزق‪ ،‬وقد ورد َّ‬
‫أن كلمة الحق ال تقطع رزقاً وال تقرب أج ً‬ ‫يش ُ‬‫األول الذي ْ‬
‫َّ‬
‫وال تقرب أجالً‪ ،‬وهللا سبحانه وتعالى هو الرزاق‪.‬‬

‫فالن‬
‫ولكن هناك سؤال ؛ فقد يقول أحدكم ؛ ٌ‬
‫مستقيم‪ ،‬واالستقامة أحد أسباب ِّزيادة الرزق‪،‬‬
‫وفالن متصدق‪ ،‬ومستغفر‪ ،‬ومتقن‪ ،‬ويصل‬
‫رحمه‪ ،‬وذو أمانة‪ ،‬ويصلي‪ ،‬ويأمر أهله‬
‫بالصالة‪ ،‬ومع كل هذه الشروط نجد ِّرزقه‬
‫قليالً! فما تفسير ذلك ؟ التَّفسير َّأنه إذا‬
‫افرت كل هذه الشروط‪ ،‬ولم يكن الرزق وفي ًار‪،‬‬‫تو َ‬
‫الخاصة تُعزى إلى ِّحكمة‬
‫َّ‬ ‫فهذه الحالة النادرة‬
‫دت عليه دينه‪ ،‬وألن هللا تعالى َعِّلم ما‬ ‫إن ِّمن عبادي من ال ُيصلِّ ُحه إال الفقر‪ ،‬فإذا ْ‬
‫أغ َن ْيتُ ُه أ ْف َس ُ‬ ‫هللا تعالى‪ ،‬و َّ‬
‫كان‪ ،‬وعلم ما سيكون‪ ،‬وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون استسلم‪ ،‬و َّ‬
‫إن هللا َلي ْحمي صفيَّه من الدنيا كما‬
‫إن هللا ليحمي عبده المؤمن من الدنيا‪ ،‬كما يحمي الراعي َّ‬
‫الشفيق غنمه‬ ‫يحمي أحدكم مريضه من الطعام‪ ،‬و َّ‬
‫مما أعطاني‪.‬‬
‫من مراتع الهلكة‪ ،‬وليس في اإلمكان أبدع مما كان‪ ،‬وليس في إمكاني ْأبدعُ َّ‬

‫‪61‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫إن ِّمن عبادي من‬
‫دت عليه دينه‪َّ ،‬‬
‫أغ َن ْيتُهُ أ ْف َس ُ‬ ‫إن ِّمن عبادي من ال ي ِّ‬
‫صل ُحه إال الفقر‪ ،‬فإذا ْ‬ ‫ُ‬ ‫أيها األخوة الكرام‪َّ ،‬‬
‫دت عليه دينه‪ ،‬وهذه متى تعرفها ؟ يوم القيامة‪ ،‬يوم يكشف عن ساق‪،‬‬ ‫ال ي ِّ‬
‫صل ُحه إال الغنى‪ ،‬فإذا أفقرته أ ْف َس ُ‬ ‫ُ‬
‫حينها يكشف لك عن حكمة أفعال هللا معك‪ ،‬ال تملِّك إال أن تقول‪ :‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الله َّم وَت ِحَّي ُتهم ِفيها س َالم وآ ِ‬ ‫﴿دعو ُ ِ‬
‫َن اْل َح ْم ُد ََّّلل َرِب اْل َعاَلم َ‬
‫ين﴾‬ ‫اه ْم أ ِ‬
‫َخُر َد ْع َو ُ‬ ‫ُْ َ َ ٌ َ‬ ‫يها ُس ْب َحاَن َك َّ ُ َ‬
‫اه ْم ف َ‬ ‫َ َْ‬
‫[ سورة يونس ]‬

‫الرزق الوفير ال ينفع اإلنسان إن ُحجب عن رحمة هللا‪:‬‬

‫أن الرزق المادي قد يتوافر وتُ ْحجب عنك رحمة هللا‪ ،‬فإذا هذا‬
‫بقي في هذا الموضوع موضوع دقيق‪ ،‬وهو َّ‬
‫المال الوفير هو أكبر عدو لك‪ ،‬هو سبب طالق زوجتك‪ ،‬وسبب انحراف أوالدك‪ ،‬وسبب عداوتهم لك‪ ،‬وسبب‬
‫طلب من هللا‬‫قمة رأسك بالمال‪ ،‬وربما كان هذا المال الوفير سبب الشقاء في الدنيا‪ ،‬لذلك اُ ْ‬ ‫ْان ِّشغالك إلى َّ‬
‫ال عليك‪ ،‬وكان المال أكبر عدو لك‪،‬‬ ‫وح ِّج َبت عنك رحمة هللا كان المال وبا ً‬ ‫ال‪ ،‬فإذا جاءك المال ُ‬
‫رحمته َّأو ً‬
‫وربما ُقِّتل اإلنسان من أجل ماله‪ ،‬وربما انتَ َه ْت حياتُهُ طمعاً ِّب َماله‪ ،‬وربَّما قتله أقرب الناس إليه‪ ،‬لذلك إذا‬
‫أعطيت رحمة هللا عز وجل وكان‬ ‫وح ِّج َبت عنك رحمة هللا كالرزق أكبر أعدائك‪ ،‬وأما إذا ْ‬ ‫جاءك المال الوفير‪ُ ،‬‬
‫مالك قليالً كان هذا المال القليل فيه بركة‪ ،‬ففي اآللة الحاسبة هناك تسعة أرقام وصفر‪ ،‬فيه زائد‪ ،‬ناقص‪ ،‬فيه‬
‫ً‬
‫جذر‪ ،‬وفيه ذاكرة‪ ،‬وأزرار أخرى ولكن ال يوجد زر البركة إطالقاً‪َّ ،‬‬
‫لكن البركة حقيقية مع المؤمن‪ ،‬فقد يعطيك‬
‫وتشرب وتستمتع‪ ،‬وتُعطي من حولك‪ ،‬شيء عجيب‪ ،‬وقد يُؤتيك الرزق‬
‫ويبارك لك فيه‪ ،‬تأكل ْ‬
‫هللا رزًقا قليالً ُ‬
‫وتنفقه في أصعب الظروف وألتفه األسباب تدفع مئة ألف‪ ،‬ومئتي ألف‪ ،‬وأربعة‬
‫ُ‬ ‫صحتك‪،‬‬
‫الكثير َفتُْنفُقه على َّ‬
‫الماليين لغلطة صغيرة تستوجب عشرين عامًا من السجن‪ ،‬تدفعها لتنجو من السجن‪ ،‬المؤمن المستقيم هللا جل‬
‫جالله ُيبارك له في رزقه القليل‪ ،‬لذا إن كان رزقك كفاًفا‪ ،‬يكفيك من دون زيادة‪ ،‬فقد أصابتْك دعوة النبي عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬ال تخف من هذه الدعوة‪ ،‬وا ْف َرح لها‪:‬‬

‫اه ))‬ ‫َّللا ِب َما َ‬


‫آت ُ‬ ‫َسَل َم َوُرِز َق َك َفا ًفا َوَقَّن َعهُ َّ ُ‬
‫(( َق ْد أَ ْفَل َح َم ْن أ ْ‬
‫[ رواه مسلم عن عبد هللا بن عمرو بن العاص ]‬

‫المال الوفير للمؤمن الحقيقي أحد مفاتيح الجنة‪:‬‬

‫ألن هللا سبحانه وتعالى يُ َم ِّكنك بهذا‬ ‫وإذا أعطاك هللا الرزق الوفير‪ ،‬وكنت مؤمناً‪ْ ،‬‬
‫فاس ُجد هلل تعالى‪ ،‬لماذا ؟ َّ‬
‫الجنة‪ِّ ،‬بإنفاق المال‪ ،‬دع األمر له‪ ،‬استسلم له‪ ،‬إن جعلك ذا‬ ‫المال الوفير أن تصل إلى أعلى الدرجات في َّ‬

‫‪62‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫دخل محدود‪ ،‬وقد عافاك في إيمانك‪ ،‬وفي صحتك‪ ،‬وفي أهلك‪ ،‬وأوالدك‪ ،‬فهذه دعوة النبي لك‪ ،‬اللهم من‬
‫أحبني‪ ،‬فاجعل رزقه كفافاً‪ ،‬وإذا أعطاك المال الوفير على إيمان كبير‪ ،‬كان هذا المال الوفير‪ ،‬أحد مفاتيح‬
‫الجنة‪ ،‬والنبي عليه الصالة والسالم يقول وهو ال ينطق عن الهوى‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‬ ‫اء الن َه ِار‪َ ،‬وَر ُج ٌل آ َت ُ‬
‫اه هللا الُقْر َ‬ ‫اء اللْيل وآَن َ‬ ‫منه آَن َ‬
‫ق ُ‬ ‫اه هللا َماالً َف ُه َو ُيْنف ُ‬
‫آت ُ‬ ‫((ال َح َس َد ِإال في ا ْثَن َتْي ِن‪َ :‬ر ٌ‬
‫جل َ‬
‫اء الن َه ِار))‬ ‫ِ‬ ‫َفهو يُق ِ ِ‬
‫اء اللْيل َوآَن َ‬
‫وم به آَن َ‬ ‫َُ َ ُ‬
‫[ البخاري عن أبي هريرة]‬

‫في مستوى واحد‪.‬‬

‫حتفه وهو ال يشعر‪.‬‬ ‫وخذ ِّبَق َد ِّرها ًّ‬


‫همًا‪ ،‬ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه‪ ،‬أخذ من ْ‬ ‫شئت ُ‬
‫لذلك ُخ ْذ من الدنيا ما ْ‬

‫الحكمة أعظم أنواع الرزق‪:‬‬

‫فأحيانا تعد ِّ‬


‫الحكمة أعظم أنواع الرزق‪ ،‬والدليل قوله تعالى‪:‬‬ ‫أيها األخوة‪ ،‬ليس كل رزق يكون حتماً ِّ‬
‫مادياً‪،‬‬
‫ً‬

‫﴿ي ْؤِتي اْل ِح ْكم َة م ْن َي َشاء َوم ْن ُي ْؤ َت اْل ِح ْكم َة َفَق ْد أُوِتي َخْي اًر َكِثي اًر َوما َي َّذ َّكُر ِإَّال أُوُلو ْاألَ ْلَب ِ‬
‫اب﴾‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬
‫[ سورة البقرة ]‬

‫أوتيت خي ًار ال يعلمه إال هللا‪ ،‬ماذا‬


‫َ‬ ‫ومن يؤتى الحكمة‪ ،‬فإذا آتاك هللا تعالى الحكمة فعرفت هللا سبحانه فقد‬
‫ِّ‬
‫ورسله ؟ هل‬‫أعطى هللا األنبياء الذين أحبوه ؟ هل في الكون كله مخلوقات أحب إلى هللا تعالى من أنبيائه ُ‬
‫دخل بيته يقول‪:‬‬
‫جعلهم أغنياء جميعاً ؟ كان عليه الصالة والسالم إذا َ‬

‫ال َفِإِني َص ِائ ٌم‪َ ،‬قاَل ْت‪َ :‬ف َخَر َج‬ ‫ِ‬ ‫(( يا ع ِائ َش ُة هل ِعْند ُكم َشيء ؟ َقاَل ْت َفُقْلت يا رسول َّ ِ‬
‫َّللا َما عْن َدَنا َش ْي ٌء‪َ ،‬ق َ‬ ‫ُ َ َُ َ‬ ‫َْ َ ْ ٌْ‬ ‫َ َ‬
‫َّللا صَّلى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللهم عَلي ِه وسَّلم َفأ ِ‬ ‫رسول َّ ِ‬
‫اللهم‬ ‫ول َّ َ‬ ‫اءَنا َزْوٌر‪َ ،‬قاَل ْت‪َ :‬فَل َّما َر َج َع َر ُس ُ‬ ‫َّللا َصَّلى َّ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫ُهدَي ْت َلَنا َهدَّي ٌة أ َْو َج َ‬ ‫َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫َّللا أ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ال‪َ :‬ما ُه َو ؟ ُقْل ُت‪:‬‬ ‫ْت َل َك َشْيًئا‪َ ،‬ق َ‬ ‫ُهدَي ْت َلَنا َهدَّي ٌة أ َْو َج َ‬
‫اءَنا َزْوٌر َوَق ْد َخَبأ ُ‬ ‫ول َّ ْ‬ ‫َعَلْيه َو َسل َم ُقْل ُت َيا َر ُس َ‬
‫طْلح ُة َفحَّد ْث ُت مجا ِهًدا ِبه َذا اْلح ِد ِ‬
‫يث‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ال َ َ َ‬
‫ِ‬
‫َصَب ْح ُت َصائ ًما‪َ ،‬ق َ‬ ‫ال َق ْد ُكْن ُت أ ْ‬ ‫يه َف ِجْئ ُت ِب ِه َفأ َ‬
‫َك َل‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫حيس‪َ ،‬قال‪ :‬ه ِات ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ ٌ‬
‫َم َس َك َها ))‬
‫اء أ ْ‬
‫ِن َش َ‬
‫اها َوإ ْ‬
‫َم َض َ‬
‫اء أ ْ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َد َق َة م ْن َماله َفإ ْن َش َ‬ ‫اك ِب َمْن ِزَل ِة َّ‬
‫الر ُج ِل ُي ْخ ِر ُج َّ‬ ‫ال َذ َ‬
‫َفَق َ‬
‫[ رواه مسلم عن عائشة ]‬

‫‪63‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫الرزق القليل أحيانًا يكون دافعًا إلى هللا عز وجل‪:‬‬

‫سيد الخلق‪ ،‬وحبيب الحق‪ ،‬وكان إذا أراد أن يصلي الليل ِّ‬
‫تنحي السيدة عائشة رضي هللا عنها بعض جسمها‬
‫ليصلي‪ ،‬ألن الغرفة ال تتسع لصالته ونومه‪ ،‬أربعمئة متر‪ ،‬ثالث جبهات مفتوحة‪ ،‬كاشف الشام كله‪ ،‬فالنبي‬
‫عليه الصالة والسالم ما كان هكذا بيته‪ ،‬بيته متواضع‪ ،‬ورزقه محدود‪ ،‬وامتحنه هللا بالفقر فصبر وبالغنى‬
‫فشكر‪ ،‬وامتحنه بالنصر فتواضع‪ ،‬لما دخل مكة فاتحاً‪ ،‬كادت ذؤابة عمامته تالمس عنق بعيره‪ ،‬ولما امتحنه‬
‫َ‬
‫بالقهر في الطائف‪ ،‬قال إن لم يكن بك علي غضب فال أبالي‪ ،‬ولك العتبى حتى ترضى‪ ،‬لكن عافيتك أوسع‬
‫لي‪.‬‬

‫السعي‪ ،‬فقل الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬أنا ال أرضى ألحدكم‬ ‫ِّا ْسع أيها األخ الكريم َس ْعيًا حثيثاً‪ ،‬وحيثما انتهى بك َّ‬
‫اكل‪ ،‬وال يتَّفق مع اإليمان إطالقًا ولكن إذا َس َعيت سعياً حثيثاً‪،‬‬
‫أن يقعد‪ ،‬و يقول‪ :‬هكذا أراد هللا لي‪ ،‬هذا تو ُ‬
‫السعي إلى هذا الرزق فُقل‪ :‬الحمد هلل رب العالمين هذا الذي أراد هللا لي‪ ،‬وربما أعطاك َف َم َن َعك‪،‬‬ ‫وانتهى بك َّ‬
‫وربَّما منعك فأعطاك‪ ،‬وقد يكون الرزق القليل أحيانًا ِّ‬
‫دافعًا إلى هللا عز وجل‪.‬‬ ‫ََ‬

‫أحد أكبر أسباب السعادة أن يرضى اإلنسان بما قسمه هللا له‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬حقيقة أقولها لكم ؛ الدنيا العريضة‪ ،‬واألموال الطائلة‪ ،‬والبيوت الفاخرة‪ ،‬والمركبات الفارهة‪،‬‬
‫والرزق الوفير‪ ،‬والتمتع ِّبمباهج الدنيا ‪.‬‬

‫في البالد الغنية‪ ،‬جعلت بينهم وبين هللا تعالى‬


‫ِّحجابًا‪ ،‬والفقر أحيانًا‪ ،‬والحاجة أحياناً‪ ،‬والشدة‬
‫أحياناً ِّ‬
‫داف ٌع لنا إلى باب هللا تعالى‪ ،‬فربما‬
‫أعطاك َف َم َن َعك‪ ،‬بالتعبير العامي خذها وانمحي‪،‬‬
‫منع َك فأعطاك‪ ،‬أعطاك العلم الغزير‪،‬‬ ‫وربَّما َ‬
‫وأعطاك ِّ‬
‫الحكمة‪ ،‬وأعطاك معرفته‪ ،‬و أعطاك‬
‫ُسبل َّ‬
‫الجنة وأعطاك سعادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬لذا‬
‫ُقل‪ :‬يا رب لك الحمد‪ ،‬ال تعترض على رزق‬
‫قس َم ُه هللا لك‪ ،‬هللا قسم لك هذا الدخل‪ ،‬قسم لك هذه‬ ‫ِّ‬
‫السعادة أن ترضى بما َ‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬فأحد أكبر أسباب َّ‬
‫ارض بها‪ ،‬دارها تعش بها‪ ،‬قسم لك هذا البيت‪ ،‬أخي صغير‪،‬‬ ‫الزوجة التي فيها ألف علة‪ ،‬هللا قسم لك إياها‪َ ،‬‬

‫‪64‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫ماشي الحال‪ ،‬مأوى‪ ،‬معك مفتاح بيت‪ ،‬كان عليه الصالة والسالم يقول إذا دخل بيته‪ :‬الحمد هلل الذي آواني‪،‬‬
‫وكم ممن ال مأوى له‪ ،‬معك مفتاح بيت‪.‬‬

‫الغنى الحقيقي أن يكون اإلنسان معافى في جسده‪:‬‬

‫أردت‬ ‫و ِّ‬
‫الغنى الحقيقي أن تكون م‬
‫عافى في جسدك‪ ،‬كلية واقفة‪ ،‬ثمانمئة ألف‪ ،‬دسام خمسمئة ألف‪ ،‬فأنت إن ْ‬‫ُ ً‬
‫فشل كَل ِّوي‬
‫تحسب ثمن أجهزتك السليمة‪ ،‬مئة مليون حقها‪ ،‬التي في الجسم لوجدتها ال تُحسب بالمال‪َ ،‬‬‫أن ْ‬
‫باألسبوعين غسيل كلوي‪ ،‬تقف بالدور ثمان ساعات‪ ،‬الجلسة ست ساعات‪ ،‬بقول لك تبخش بدني‪ ،‬لم يعد‬
‫هناك محل‪ ،‬يبقى بالمئة عشرون من حمض البول‪ ،‬يجعلك إنساناً عصبياً‪ ،‬ال تحتمل أحداً‪ ،‬شيء غير‬
‫معقول‪ ،‬الذي كليته سليمة‪ ،‬وقلبه سليم‪ ،‬والدسامات سليمة‪ ،‬والشريان التاجي مفتوح‪ ،‬يستطيع المشي‪ ،‬ينام‪،‬‬
‫يقف‪ ،‬يقدر أن يفرغ مثانته من دون مشكلة‪ ،‬هذا غنى كبير‪:‬‬

‫وت َي ْو ِم ِه َف َكأََّن َما ِح َ‬


‫يز ْت َلهُ ُّ‬
‫الدْنَيا ))‬ ‫ِ‬ ‫(( م ْن أَصبح ِمْن ُكم معا ًفى ِفي جس ِد ِه ِ‬
‫آمًنا ِفي ِسْربِه ِعْن َد ُه ُق ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ ََْ‬
‫صارِّ‬
‫ِّي ]‬ ‫َّللاِّ ْب ِّن ِّم ْح ٍ‬
‫[ رواه ابن ماجه َع ْن َسَل َم َة ْب ِّن ُعَب ْي ِّد َّ‬
‫صن ْاأل َْن َ‬
‫َ‬

‫هذا كالم النبي‪ ،‬كالم رسول هللا‪ ،‬الذي ال ينطق عن الهوى‪:‬‬

‫وت َي ْو ِم ِه َف َكأََّن َما ِح َ‬


‫يز ْت َلهُ ُّ‬
‫الدْنَيا ))‬ ‫ِ‬ ‫(( م ْن أَصبح ِمْن ُكم معا ًفى ِفي جس ِد ِه ِ‬
‫آمًنا ِفي ِسْربِه ِعْن َد ُه ُق ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ ََْ‬
‫وكان عليه الصالة والسالم إذا استيقظ من نومه يقول‪:‬‬

‫(( الحمد هلل الذي رد إلي روحي ))‬


‫تعيش يوماً جديداً‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫أي َّ‬
‫أن هللا سمح لي أن َ‬ ‫ْ‬

‫((الحمد هلل الذي عافاني في بدني ))‬


‫يقف‪ ،‬بصر سليم‪ ،‬سمع سليم‪ ،‬حركة سليمة‪ ،‬قضى حاجة‪ ،‬ما فيه مشكلة‪ ،‬الطرق سالكة كلها‪ ،‬انتهى ثم‬
‫يقول‪:‬‬

‫(( والحمد هلل الذي أذن لي بذكره ))‬

‫‪65‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫موضوع الرزق من أكبر الموضوعات بعد وجود اإلنسان‪:‬‬

‫إخواننا الكرام‪ ،‬موضوع الرزق من أكبر الموضوعات بعد وجود اإلنسان‪ ،‬لذلك أن تعرف أسبابه‪ ،‬أن تعرف‬
‫وحكمته‪ ،‬وأن تعرف أسباب زيادته و أسباب نقصانه‪ ،‬وكيف تنفقه‪ ،‬هذا جزء من اإليمان‪ ،‬وآية اليوم‪ ،‬قوله‬
‫تعالى‪:‬‬

‫ق ِم ْث َل َما أََّن ُك ْم َتْن ِطُقو َن(‪﴾)23‬‬ ‫السما ِء َو ْاألَْر ِ‬


‫ض ِإَّن ُه َل َح ٌّ‬ ‫ِ‬
‫وع ُدو َن (‪َ )22‬ف َوَرب َّ َ‬
‫﴿ وِفي َّ ِ‬
‫الس َماء ِرْزُق ُك ْم َو َما ُت َ‬ ‫َ‬
‫[ سورة الذاريات ]‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪66‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه‬


‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫أبواب الرزق‪....‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين‪.‬‬

‫اآلية األولى‪....‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام؛ يقول هللا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم‪:‬‬


‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم﴾‬
‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َرب ِِه ْم َأل َ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموا َّ‬
‫[ سورة المائدة اآلية‪]66 :‬‬

‫اآلية الثانية‪....‬‬

‫هذه اآلية تؤكدها آية أخرى‪:‬‬


‫﴿ وأَن َل ِو اس َتَقاموا عَلى الطَّ ِر َيق ِة َألَسَقيَناهم ماء َغدقاً * ِلَن ْفِتَنهم ِف ِ‬
‫يه﴾‬ ‫ُْ‬ ‫ْ ْ ُْ َ ً َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫[ سورة الجن اآليات‪]17-16 :‬‬

‫اآلية الثالثة‪....‬‬

‫السم ِ‬
‫اء َو ْاألَْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َهل اْلُقرى آَمُنوا و َّاتَقوا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫[ سورة األعراف اآلية‪]96 :‬‬

‫الوسائل التي تزيد في الرزق‪:‬‬

‫الوسائل التي تزيد في الرزق ‪.‬‬


‫َ‬ ‫العلماء استنبطوا من الكتاب والسنة‬

‫‪67‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫أول وسيلة االستغفار ‪...‬‬

‫قال تعالى ‪:‬‬


‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار اًر * ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫ان َغ َّفا ًار * ُيْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َها اًر﴾‬
‫[ سورة نوح اآليات‪]12-10 :‬‬

‫الذي يستغفر هللا من ذنوبه يجلب له وألهله الرزق باالستغفار‪ ،‬هذه واحدة‪ ،‬فمن شكا من ضيق الرزق فعليه‬
‫باالستغفار‪ ،‬هذا قرآن‪ ،‬وهو كالم خالق الكون‪.‬‬

‫ثاني وسيلة الصالة‪...‬‬

‫فقال تعالى‪:‬‬
‫طِبْر َعَلْي َها َال َن ْسأَُل َك ِرْزقاً َن ْح ُن َنْرُزُق َك﴾‬
‫اص َ‬ ‫﴿ وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫[ سورة طه اآلية‪]132 :‬‬

‫فالبيت الذي تقام فيه الصلوات‪ ،‬يتلى فيه القرآن‪ ،‬تقام فيه حدود هللا عز وجل‪ ،‬فهذا بيت مرزوق‪ ،‬فالرزق بيد‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬إن هللا هو الرزاق ذو القوة المتين‪.‬‬

‫العامل األول ‪ ...‬هو االستغفار ‪.‬‬

‫العامل الثاني ‪ ...‬إقامة الصلوات وشعائر هللا في البيت ‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫ثالث وسيلة األمانة‪...‬‬

‫مستنبط من الحديث الشريف ‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم ‪:‬‬


‫(( األمانة غنى ))‬
‫[ هكذا ورد باألثر]‬

‫ٍ‬
‫شيء تملكه ثقة الناس‪ ،‬وإذا ملكت ثقة الناس فأنت أغنى الناس‪ ،‬وأكبر خسارة‬ ‫ألمين موثوق‪ ،‬فإذاً أنت أثمن‬
‫تحيط بك أن تفقد ثقة الناس‪ ،‬فالنبي عليه الصالة والسالم يقول ‪" :‬األمانة غنى "‪.‬‬

‫إ ًذا‪ :‬وسائل الرزق هي ‪:‬‬

‫ال‪ ،‬وإقامة الصلوات والشعائر الدينية في البيوت ثانيًا‪ ،‬واألمانة ثالثاً‪.‬‬


‫االستغفار أو ً‬

‫رابع وسيلة صلة الرحم‪...‬‬

‫قيل‪ :‬صلة الرحم تزيد في الرزق‪.‬‬


‫ط َل ُه ِفي ِرْزِق ِه َوُيْن َس َأ َل ُه ِفي أَ َث ِرِه َفْلَي ِص ْل َر ِح َمهُ ))‬
‫َن ُيْب َس َ‬
‫َح َّب أ ْ‬
‫(( َم ْن أ َ‬
‫[ البخاري‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو داود‪ ،‬أحمد عن أََنس ْبن َمالِّ ٍك ]‬

‫أن تصل رحمك‪ ،‬وصلة الرحم تعني أشياء ثالثة‪:‬‬


‫إذاً ْ‬

‫أن تزورهم أوالً ‪ ،‬وأن تتفقد أحوالهم تمهيداً لمساعدتهم ثانياً ‪ ،‬وأن تدلهم على هللا ثالثاً‪.‬‬

‫العامل الرابع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هذا ما تعنيه صلة الرحم‪ ،‬وهو‬

‫االستغفار وإقامة الصالة واألمانة وصلة الرحم‪.‬‬

‫خامس وسيلة صلة اإلتقان‪...‬‬

‫إتقان العمل جزء من الدين ‪ ،‬إن هللا يحب من العبد إذا عمل عمالً أن يتقنه ‪ ،‬وهذه حقيقة ‪ ،‬فالشركات‬
‫المصنعة المتقنة ‪ ،‬بضاعتها محجوزة لسنوات ‪ ،‬وصاحب الحرفة المتقن محجوز لسنوات ‪ ،‬وإذا كسدت‬
‫البضائع وبارت األعمال فالمتقنون ال يتعطلون أبداً‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫فاإلتقان عامل ‪ ،‬وصلة الرحم عامل ‪،‬‬
‫واالستغفار عامل ‪ ،‬وإقامة الصلوات واألمر بها‬
‫عامل‪ ،‬وإقامة القرآن الكريم عامل‪.‬‬
‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫يل َو َما أُْن ِز َل‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫اموا َّ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت‬‫ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َرب ِِه ْم َأل َ‬
‫أَْر ُجِل ِه ْم﴾‬
‫[ سورة المائدة اآلية‪]66 :‬‬

‫سادس وسيلة صلة الصدقة‪...‬‬

‫وهناك عامل سادس وهو قول النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫(( استمطروا الرزق بالصدقة))‬
‫[الجامع الصغير عن جبير بن مطعم]‬

‫صدقة السر تطفئ غضب الرب‪ ،‬بادروا بالصدقة فإن البالء ال يتخطاها‪.‬‬

‫سابع وسيلة االستقامة‪...‬‬

‫فاإلنسان المستقيم على أمر هللا‪.‬‬


‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقًا ﴾‬
‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿ َوأ ْ‬
‫[ سورة الجن اآليات‪]17-16 :‬‬

‫المستقيم على أمر هللا‪ ،‬والمقيم للصلوات‪ ،‬وهو يأمر بها أهله ومن يلوذ به‪ ،‬والمستغفر‪ ،‬والواصل لرحمه‪،‬‬
‫والمتقن لعمله‪ ،‬واألمين‪ ،‬هؤالء جمعيًا أرزاقهم وفيرة‪ ،‬وهي قوانين ربنا عز وجل‪.‬‬

‫مثال للتوضيح‪:‬‬

‫فلما يكون اإلنسان ر ً‬


‫اكبا مركبة في سفر‪ ،‬وفجأة تتوقف المركبة! ويطالعك هنا سلوكان؛ فأيهما السلوك الذكي؟‬
‫أول سلوك‪ :‬يصيح المسافر ويبكي ويزعبر؟‬
‫السلوك الثاني‪ :‬يفتح غطاء المحرك ‪ ،‬ويبحث لماذا وقفت المركبة‪ ،‬هذا هو السلوك العلمي‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫فإذا شعر اإلنسان أن رزقه ضيق‪ ،‬فإنه‬
‫يتساءل ‪:‬‬
‫يا ترى هل ِّمن سبب؟‬
‫عدم إتقان‪ ،‬أو عدم أمانة‪ ،‬أو تفريط في أوامر‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬أم ِّمن َّقلة االستغفار‪ ،‬أم من في‬
‫قطيعة رحم مثالً‪ ،‬إ ًذا هناك أسباب‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬

‫لذلك فاإلنسان حينما يشعر أن رزقه أقل مما ينبغي‪ ،‬فليبحث عن السبب‪ ،‬وربنا عز وجل قال ‪:‬‬

‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم ِمْن ُه ْم أ َّ‬


‫ُم ٌة‬ ‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َرب ِِه ْم َأل َ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموا َّ‬
‫اء َما َي ْع َمُلو َن ﴾‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْق َتص َد ٌة َوَكث ٌير مْن ُه ْم َس َ‬
‫[ سورة المائدة اآلية‪]66 :‬‬

‫بعد هذا يقول هللا عز وجل‪:‬‬

‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ُك ْم ِم ْن َربِ ُك ْم﴾‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬


‫اإل ْنج َ‬ ‫يموا َّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ُقل َيا أ ْ ِ ِ‬
‫َه َل اْلك َتاب َل ْس ُت ْم َعَلى َش ْي ٍء َح َّتى ُتق ُ‬ ‫ْ‬
‫[ سورة المائدة اآلية‪]68 :‬‬

‫ونحن كمسلمين‪ ،‬وهللاِّ الذي ال إله إال هو لسنا على شيء حتى نقيم القرآن الكريم في بيوتنا ‪ ،‬لذلك قال‬
‫تعالى‪:‬‬

‫َّللا ِلُي َع ِذَب ُه ْم َوأَْن َت ِف ِ‬


‫يه ْم﴾‬ ‫ان َّ ُ‬
‫﴿ َو َما َك َ‬
‫[ سورة األنفال اآلية‪]33 :‬‬

‫قال علماء التفسير‪ :‬أنت فيهم‪ ،‬أي سنتك قائمة في بيوتهم‪ ،‬وفي أعمالهم‪ ،‬ما دامت سنة النبي علية الصالة‬
‫والسالم فينا‪ ،‬وفي عالقاتنا‪ ،‬وفي كسبنا للمال‪ ،‬وفي إنفاقنا للمال‪ ،‬وفي نشاطاتنا‪ ،‬وفي بيوتنا‪ ،‬فاهلل ال يعذبنا‪.‬‬

‫َّللا ُم َع ِذَب ُه ْم َو ُه ْم َي ْس َت ْغ ِفُرو َن﴾‬


‫ان َّ ُ‬
‫﴿و َما َك َ‬
‫َ‬
‫[ سورة األنفال اآلية‪]33 :‬‬

‫وإذا عرفنا أغالطنا‪ ،‬وتبنا منها أيضًا فنحن في بحبوحة‪ ،‬فنحن في بحبوحة مرتين‪ ،‬إذا أذنبنا واستغفرنا‪ ،‬أو إذا‬
‫أم ٍن من هللا عز‬
‫تبنا واصطلحنا‪ ،‬فإذا كنا في أحد هذين الحالين‪ ،‬فنحن في بحبوحة‪ ،‬ونحن في سالم‪ ،‬وفي ْ‬
‫وجل‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫الخاتمة‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام؛ هاتان اآليتان مع أنهما موجهتان ألهل الكتاب إال أن هللا سبحانه وتعالى خاطبنا بأسلوب‬
‫شخصا‪ ،‬وهو يعني شخصًا آخر‪ ،‬فالشخص اآلخر ال يأتيه الكالم مباش ًار‪،‬‬
‫ً‬ ‫تربوي‪ ،‬فأحيانًا اإلنسان يخاطب‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم ﴾‬
‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َرب ِِه ْم َأل َ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموا َّ‬
‫[ سورة المائدة اآلية‪]66 :‬‬

‫هذا كالم خالق الكون ‪ ،‬وال شيء يمنع أن تكون هذه اآلية قانوناً‪.‬‬

‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫يموا َّ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ُقل َيا أ ْ ِ ِ‬
‫يل ﴾‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫َه َل اْلك َتاب َل ْس ُت ْم َعَلى َش ْي ٍء َح َّتى ُتق ُ‬ ‫ْ‬
‫[ سورة المائدة اآلية‪]68 :‬‬

‫لذلك أداء الصلوات والصيام والحج‪ ،‬أو أداء العبادات الشعائرية‪ ،‬إذا لم يرافقه التزام بإنفاق المال وكسبه‪ ،‬و لم‬
‫يرافقه التزام بالجوراح‪ ،‬وتطبيق للشرع اإللهي في بيوتنا وأعمالنا‪ ،‬فهذه الشعائر ال تقدم وال تؤخر‪ ،‬وسأسمعكم‬
‫بسرعة‪.‬‬

‫َّللا َي ْعَل ُم َما َت ْصَن ُعو َن﴾‬ ‫اء واْلمْن َك ِر وَل ِذ ْكر َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫﴿ ِإ َّن َّ‬
‫َّللا أَ ْكَبُر َو َّ ُ‬ ‫الص َال َة َتْن َهى َع ِن اْل َف ْح َش َ ُ َ ُ‬
‫[ سورة العنكبوت اآلية‪]45 :‬‬

‫تنه ُه فصالته ال قيمة لها‪.‬‬


‫فإن لم َ‬

‫العمل به فليس هلل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‪.‬‬


‫قول الزور و َ‬
‫ومن لم يدع َ‬
‫َ‬

‫هذا مع الصيام‪.‬‬

‫أما الحج‪:‬‬

‫فإذا حج اإلنسان بمال حرام‪ ،‬وقال‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬يقول هللا عز وجل‪ :‬ال لبيك وال سعديك ‪ ،‬وحجك مردود‬
‫عليك‪.‬‬
‫مستقيما ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ً‬ ‫وإذا أنفق من مال حرام ‪ ،‬أو لم يكن‬

‫طوعًا أَو َكرهًا َل ْن ي َتَقَّبل ِمْن ُكم ِإَّن ُكم ُكْن ُتم َقوماً َف ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾‬
‫اسق َ‬ ‫ْ ْ ْ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫﴿ ُق ْل أَْنفُقوا َ ْ ْ ْ‬
‫[ سورة التوبة اآلية‪]53 :‬‬

‫‪72‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫هذه آيات قرآنية‪ ،‬فالصالة والصوم والحج والزكاة‪ ،‬إذا لم رافقها استقامة تامة فال تُ َقبل‪ ،‬وحتى ال يضيع وقته‪،‬‬
‫وحتى ال يتوهم أنه يصلي كما قلت سابًقا‪ ،‬بل أقم الصالة‪ ،‬فإقامةُ الصالة التزٌام بقواعد الشرع الذي يسبق‬
‫شعرت بهذه الصلة التي بينك وبين هللا عز وجل‪.‬‬‫َ‬ ‫الصالة‪ ،‬حتى إذا دخلت في الصالة‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪73‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق‬


‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعين به‪ ،‬ونسترشده‪ ،‬ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال ُمضل‬

‫له‪ ،‬ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬إق ار اًر بربوبيته‪ ،‬وإرغاماً‬
‫لمن جحد به وكفر‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى هللا عليه وسلم رسول هللا‪ ،‬سيد الخلق والبشر‪ ،‬ما اتصلت‬
‫عين بنظر‪ ،‬أو سمعت أذن بخبر‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه‪ ،‬وعلى ذريته‬

‫ومن وااله ومن تبعه إلى يوم الدين‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا‪ ،‬وانفعنا بما علمتنا‪ ،‬وزدنا علمًا‪ ،‬وأرنا الحق حقاً‬
‫وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه‪ ،‬و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه‪ ،‬وأدخلنا‬
‫برحمتك في عبادك الصالحين‪ ،‬أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم‪ ،‬ومن وحول‬
‫الشهوات إلى جنات القربات‪.‬‬

‫الرزق أوسع بكثير من أن يقيد بالمال ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬القضية االقتصادية يهتم لها كل الناس في هذه األيام‪ ،‬فاإلنسان حريص على شيئين‬
‫اثنين‪ ،‬حريص على حياته وصحته‪ ،‬وحريص على رزقه‪ ،‬لو أخذنا الجانب اآلخر الحرص على الرزق ‪.‬‬
‫يتوهم معظم الناس أن كلمة رزق تعني المال‬
‫والحقيقة خالف ذلك‪ ،‬ألن هللا عز وجل حينما‬
‫قال في مطلع سورة البقرة‪:‬‬
‫يه ُهًدى‬‫﴿ الم (‪َ )1‬ذِلك اْل ِك َتاب َال ريب ِف ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫يمو َن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ين (‪َّ )2‬ال ِذ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ُي ْؤمُنو َن باْل َغْيب َوُيق ُ‬ ‫لْل ُم َّتق َ‬
‫اه ْم ُيْن ِفُقو َن (‪﴾ )3‬‬
‫الص َال َة َو ِم َّما َرَزْقَن ُ‬
‫َّ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫الرزق أوسع بكثير من أن يقيد بالمال‪ ،‬إن آتاك‬


‫ال‪ ،‬إن آتاك هللا منصبًا‪ ،‬إن آتاك هللا علمًا‪.‬‬
‫هللا وجاهة‪ ،‬إن آتاك هللا طالقة‪ ،‬إن آتاك هللا حكمة‪ ،‬إن آتاك هللا ما ً‬

‫اه ْم ُيْن ِفُقو َن (‪﴾ )3‬‬


‫﴿ َو ِم َّما َرَزْقَن ُ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫‪74‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫ِ‬
‫اق ُذو اْلُق َّوِة اْل َمت ُ‬
‫ين (‪﴾ )58‬‬ ‫الرَّز ُ‬
‫َّللا ُه َو َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿ إ َّن َّ َ‬
‫( سورة الذاريات)‬

‫الرزق و الكسب ‪:‬‬

‫لذلك قال بعض العلماء‪ :‬الرزق هو ما يقدره هللا تعالى لخلقه من مقومات حياته‪ ،‬من مأكل‪ ،‬ومشرب‪،‬‬
‫وملبس‪ ،‬ومأوى‪ ،‬ومن دابة‪ ،‬ونحو ذلك من الحاجات األصلية للمخلوقات‪ ،‬كما يدخل في الرزق النعم المعنوية‬
‫مثل األمن واالستقرار والحرية والعقل‪ ،‬كلها أرزاق‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعالى خص نفسه بملك أرزاق العباد وكل ما على األرض‪ ،‬حتى من أسمائه الحسنى الرزاق‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫يد أ ْ ِ ِ‬ ‫يد ِمْن ُه ْم ِم ْن ِرْز ٍق َو َما أ ُِر ُ‬
‫س ِإَّال ِلَي ْعُب ُدو ِن (‪َ )56‬ما أ ُِر ُ‬ ‫﴿ َوما َخَل ْق ُت اْل ِج َّن َو ِْ‬
‫َن ُي ْطع ُمون (‪ )57‬إ َّن َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫اإل ْن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين (‪﴾)58‬‬ ‫اق ُذو اْلُق َّوِة اْل َمت ُ‬
‫الرَّز ُ‬
‫ُه َو َّ‬
‫( سورة الذاريات )‬

‫لكن العلماء فرقوا بين الكسب وبين الرزق‪ ،‬الرزق هو ما انتفعت به‪ ،‬الطعام الذي تأكله‪ ،‬الكساء الذي ترتديه‪،‬‬
‫البيت الذي تسكنه‪ ،‬الزوجة التي تسكن إليها‪ ،‬األوالد الذين حولك‪ ،‬أي شيء انتفعت به هو من الرزق وأي‬
‫شيء كسبته ولم تنتفع منه هو الكسب‪ ،‬وشتان بين الرزق وبين الكسب‪.‬‬

‫الرزق نوعان ظاهر و باطن ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬الرزق نوعان ظاهر هو األقوات‬


‫واألطعمة وكل ما ينتفع به الجسم المأوى‪،‬‬
‫المركبة‪ ،‬أما الرزق الباطن هو أن تعرف هللا‪،‬‬
‫هو أن تتصل به‪ ،‬هو أن تتقرب إليه‪ ،‬هو أن‬
‫تقبل عليه‪ ،‬هو أن يلقي في قلبك نو ًار‪ ،‬لو أن‬
‫أحدكم قال لي ما الدليل ؟ هو قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ َوَت ْج َعُلو َن ِرْزَق ُك ْم أََّن ُك ْم ُت َك ِذُبو َن (‪﴾ )82‬‬
‫( سورة الواقعة )‬

‫معرفة هللا رزق‪ ،‬طاعته رزق‪ ،‬التوكل عليه رزق‪ ،‬الثقة به رزق‪ ،‬اإلقبال عليه رزق‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الرزق األول متعلق بالجسد وموقت بالدنيا‪ ،‬فإذا مات اإلنسان انتهت األرزاق الظاهرة‪ ،‬أما‬
‫األرزاق الباطنة ينتفع بها في حياته وفي البرزخ وفي جنة عرضها السماوات واألرض‪.‬‬

‫أحب األشياء إلى هللا أن تكون سببًا في رزق القلوب و رزق األبدان ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬أن يرزق اإلنسان علماً‬


‫هادياً‪ ،‬ولساناً مرشداً معلماً‪ ،‬ويداً منفقة‬
‫متصدقة‪ ،‬ويكون سببًا لوصول األرزاق الشريفة‬
‫إلى القلوب باألقوال واألعمال‪ ،‬ووصول األرزاق‬
‫إلى األبدان بأفعاله وأعماله‪ ،‬هذا من أحب‬
‫األشياء إلى هللا‪ ،‬أن تكون سببًا في رزق القلوب‬
‫وأن تكون سبباً في رزق األبدان‪ ،‬هو في‬
‫مجموعه العمل الصالح‪ ،‬لذلك قال عليه‬
‫الصالة والسالم‪:‬‬
‫ين ))‬ ‫ِِ‬
‫َح ُد اْل ُم َت َصدق َ‬ ‫ُمَر ِب ِه َ‬
‫طِيَب ًة َن ْف ُس ُه أ َ‬
‫َمين َّال ِذي ي َؤِدي ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫(( اْل َخ ِاز ُن ْاأل ُ‬
‫[ متفق عليه عن أبي موسى األشعري]‬

‫اختالف مفهوم الرزق بين المؤمن و غير المؤمن ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬يقول هللا عز وجل‪:‬‬


‫ض ِإالَّ عَلى ِ‬
‫َّللا ِرْزُق َها ﴾‬ ‫آب ٍة ِفي األَْر ِ‬
‫﴿ َو َما ِمن َد َّ‬
‫َ‬
‫( سورة هود اآلية‪) 6 :‬‬

‫هذه من تفيد استغراق أفراد النوع‪ ،‬أي شيء‬


‫يدب على وجه األرض حتى النملة السمراء‬
‫التي تدب على الصخرة الصماء في الليلة‬
‫الظلماء رزقها على هللا‪ ،‬أحيانًا في قمم الجبال‬
‫تجد ينابيع المياه وليس لها تفسير دقيق إال أن‬
‫يكون مستودع هذه الينابيع في جبل أعلى من‬
‫أجل بضعة وعول تعيش في قمم الجبال‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫أيها األخوة‪ ،‬مفهوم الرزق فيه اختالف بين مؤمن وبين غير مؤمن‪ ،‬فالمؤمن يعلم علمًا يقيناً بحسب درجة‬
‫إيمانه أن الرزق من هللا وأن عليه أن يأخذ باألسباب ثم يتوكل على هللا بينما غير المؤمن يعتمد في يقينه أن‬
‫الرزق من عمله‪:‬‬

‫يته عَلى ِعْلم ِع ِ‬


‫ندي ﴾‬ ‫ٍ‬ ‫﴿ ِإَّن َما أُوِت ُ ُ َ‬
‫( سورة القصص اآلية‪) 78 :‬‬

‫قارون‪ ،‬هذا هو الفرق‪ ،‬المؤمن يعلم علم اليقين أن رزقه من هللا وعليه أن يأخذ باألسباب بينما غير المؤمن‬
‫يعتقد أنه صانع رزقه‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬أهل اإليمان يفهمون الرزق أن يكون ما ً‬


‫ال‪ ،‬أو قوتًا‪ ،‬أو ملبسًا‪ ،‬أو مسكناً‪ ،‬وفي درجاتهم العليا‬
‫يرونه العافية في الدين والدنيا‪ ،‬والعافية في النفس واألهل والولد‪ ،‬ويرون الرزق في سعادة الدارين‪ ،‬أما أهل‬

‫اليقين يرون أن الرزق أن يصرفك هللا عن كل ما سواه‪ ،‬وأن تكون قريبًا من هللا‪ ،‬وأه ً‬
‫ال لجنة هللا في ملكوت‬
‫هللا‪.‬‬

‫المال قوم الحياة ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬ال شك أن الرزق يزيد ويقل‪،‬‬


‫هذه الزيادة إن شاء هللا في خطبة أتحدث عن‬
‫بضعة عشرات بل قريب من خمسين بنداً من‬
‫الكتاب والسنة يسهم في زيادة الرزق‪ ،‬أال يتمنى‬
‫كل واحد منا أن يكون رزقه وفي اًر ؟ ألن المال‬
‫قوام الحياة وألن الصحابي الجليل له مقولة‬
‫رائعة قال‪ :‬حبذا المال أصون به عرضي‬
‫وأتقرب به إلى ربي‪ .‬إلى الموضوعات‬
‫الحساسة‪ ،‬الوسائل القرآنية والنبوية في زيادة الرزق هذا في الخطبة بعد القادمة إن شاء هللا عز وجل‪.‬‬
‫أيها األخوة‪ ،‬من هذه األسباب مثالً بشكل سريع صلة الرحم تكون سبباً في زيادة الرزق‪ ،‬هذه بعض األسباب‬
‫وهناك أسباب كثيرة سوف آتي إليها إن شاء هللا عز وجل‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫المال رزق ولكنه ليس كل الرزق بل أحد أنواعه ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬أنواع الرزق أوالً المال أحد أنواع الرزق‪ ،‬الصحة رزق والعلم رزق‪ ،‬وطاعة هللا رزق‪،‬‬
‫والحكمة رزق‪ ،‬والزوجة الصالحة رزق‪ ،‬والزوجة العفيفة رزق‪ ،‬واألوالد األبرار رزق‪ ،‬والمأوى رزق‪ ،‬والسمعة‬
‫العطرة رزق‪ ،‬فإذا توهمنا أن الرزق هو المال الذي يأتينا فهذا وهم خطير ‪.‬‬
‫فالمال رزق ولكنه ليس كل الرزق بل أحد‬
‫أنواعه وهو وسيلة وليس بغاية‪ ،‬هناك آالف‬
‫النعم نتمتع بها وقد نغفل عنها ونتوهم أن‬
‫الرزق هو المال‪.‬‬
‫الحقيقة الثانية هو ما انتفعت به أما الذي لم‬
‫تنتفع به ليس رزقاً بل هو كسب‪ ،‬والكسب‬
‫تحاسب عنه أشد الحساب كيف كسبته من‬
‫طريق مشروع أو من طريق غير مشروع؟‬
‫كسبته بالصدق أم بالكذب ؟ باألمانة أم بالخيانة ؟ بالحقيقة أم بالوهم ؟ كسبته بقوتك وضغوطك واحتيالك أم‬
‫كسبته بعرقك وكدك ؟ هذا هو مناط الموضوع‪.‬‬
‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الرزق ما انتفعت به‪ ،‬اآلن حالالً أو حرامًا‪ ،‬طيبًا أو خبيثًا‪ ،‬مشروعًا أو غير مشروع‪.‬‬
‫طِيب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك ْم ﴾‬
‫ات َما َرَزْقَن ُ‬ ‫آمُنوا ُكُلوا م ْن َ َ‬ ‫﴿ َيا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َ‬
‫( سورة البقرة اآلية‪) 172 :‬‬

‫ألصق شيء بحياة اإلنسان عمله وحرفته فعليه أن يتحرى الحالل فيها ‪:‬‬

‫الحقيقة أن بعض الرزق الذي انتفعت به ليس‬


‫مشروعاً أضرب مثالً أضربه كثي اًر ‪.‬‬
‫تفاحة رابعة على غصن خامس من فرع سادس‬
‫من شجرة تفاح في بستان بمكان في بلدة هذه‬
‫التفاحة لك‪ ،‬قسمت لك‪ ،‬أنت باختيارك تأخذها‬
‫اء مشروع‪ ،‬ضيافة مشروع‪ ،‬تأكلها هدية‬
‫شر ً‬
‫مشروع‪ ،‬تأكلها سرقة غير مشروع‪ ،‬تأكلها‬

‫‪78‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫ال غير مشروع‪ ،‬هي لك ولكن طريقة وصولها إليك باختيارك‪.‬‬
‫احتيا ً‬
‫إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها‪ ،‬فاتقوا هللا عباد الحق‪ ،‬وأجملوا في‬
‫الطلب‪ ،‬وفي زيادة لهذا الحديث واستجملوا مهنكم‪.‬‬
‫ألن ألصق شيء في حياة اإلنسان عمله وحرفته‪ ،‬فإن كانت مشروعة عاش مرتاحاً‪ ،‬وعاش ناعماً‪ ،‬وعاش‬
‫طيب النفس‪ ،‬أما إذا كان كسب المال من طريق غير مشروع‪ ،‬من حرفة ال ترضي هللا‪ ،‬من بضاعة محرمة‪،‬‬
‫أو إذا كان طريق كسب الرزق من ابتزاز الناس‪ ،‬أو إيهامهم‪ ،‬أو إلقاء الرعب في قلوبهم‪ ،‬فهذا رزق خبيث‬
‫ابتعد عنه‪.‬‬
‫إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا هللا عباد هللا وأجملوا في الطلب‬
‫واستجملوا مهنكم‪.‬‬

‫ال ‪:‬‬
‫الحكمة من جعل الكسب الحالل صعبًا و الكسب الحرام سه ً‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬ليس كل رزق حال ً‬


‫ال‪ ،‬هناك شبهات من دخل السوق من دون فقه أكل الربا شاء أو أبى‪:‬‬
‫(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))‬
‫[ رواه الطبراني عن ابن عباس ]‬

‫معنى أطب مطعمك أي ِّ‬


‫اشتر طعاماً بمال كسبته حالالً‪ ،‬ال فيه كذب وال تدليس وال إيهام وال احتكار وال‬
‫ابتزاز وال من أي طريق ال يرضي هللا عز وجل‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬لحكمة بالغة بالغة بالغة جعل‬


‫الكسب الحالل أقل من الكسب الحرام لذلك‬
‫قيل‪ :‬قليل تؤدي شكره خير من كثير ال تؤدي‬
‫شكره‪ ،‬وقليل يكفيك خير من كثير يطغيك‪.‬‬

‫(( بادروا إلى األعمال الصالحة ما ينتظر‬


‫أحدكم من الدنيا إال ِغَنى ُم ْط ِغياً‪ ،‬أو َف ْق اًر‬
‫ً‬
‫ُمْن ِسيًا‪ ،‬أو َمَرضًا ُم ْف ِسدًا‪ ،‬أو َهَرمًا ُمَقِيدًا‪ ،‬أو‬
‫َمر ))‬ ‫شر ِ‬‫َم ْوتًا ُم ْج ِه ًاز ؛ أو الدجال‪ ،‬فالدجال ُّ‬
‫اعةُ‪ ،‬والساعة أدهى وأ َ‬
‫الس َ‬
‫ظر ؛ أو َّ‬
‫غائ ٍب ُيْن َت َ‬
‫[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]‬

‫‪79‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫لو أن الرزق الحالل سهل جدًا وكثير جدًا ألقبل الناس على الحالل ؛ ال طاعة هلل‪ ،‬وال حبًا به‪ ،‬وال طمعاً‬
‫بجنته‪ ،‬أقبلوا عليه ألنه سهل يسير وكثير وفير‪ ،‬لكن لحكمة بالغة بالغة جعل الكسب الحالل صعبا‪ ،‬وأحياناً‬
‫الكسب الحرام سهل جدًا‪ ،‬يعني أن تغض البصر عن مستودع قد تأخذ الماليين المملينة‪ ،‬أما حينما تكسب‬
‫هذا المال من تجارة مشروعة يعني هناك جهد ال يعلمه إال هللا كي تكسب المال من التجارة‪ ،‬فالكسب الحالل‬
‫ال‪.‬‬
‫ال ولو كان قلي ً‬
‫يبدو للمتوهم أنه صعب لكن الذي يؤمن باهلل واليوم اآلخر ال يقبل إال رزقاً حال ً‬

‫ِ‬ ‫﴿ ِإَّنا َج َعْلَنا ما َعَلى ْاألَْر ِ‬


‫ض ِزيَن ًة َل َها لَنْبُل َو ُه ْم أَُّي ُه ْم أ ْ‬
‫َح َس ُن َع َم ًال (‪﴾ )7‬‬ ‫َ‬
‫( سورة الكهف )‬

‫من لوازم اإليمان أن تختار عمالً يرضي هللا ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬من لوازم اإليمان أن تختار‬

‫ال يرضي هللا‪ ،‬اختيار الحرفة شيء مهم جداً‬


‫عم ً‬
‫بل كنت أقول دائماً‪ :‬إن اختيار الزوجة والحرفة‬
‫أخطر شيئين في حياة اإلنسان ألنهما ألصق‬
‫شيئين بنفسك‪ ،‬البيت يبدل والمركبة تبدل لكن‬
‫الحرفة بعد أن تستقر بها سنوات وسنوات‬
‫وتشكل فيها خبرات وخبرات يصعب تركها‪،‬‬
‫وكذلك الزواج لك منها أوالد‪ ،‬فلذلك أنا أخاطب‬
‫الشباب بطولة الشاب أن يحسن شيئين مصيريين أن يحسن اختيار زوجته وأن يحسن اختيار حرفته‪.‬‬

‫الرزق األعظم الذي يناله اإلنسان هو رزق القيم ‪:‬‬

‫مرة ثانية أيها األخوة‪ ،‬هناك رزق مادي هو الطعام‪ ،‬والشراب‪ ،‬والمسكن‪ ،‬والمركبة‪ ،‬والمأوى‪ ،‬هو ماء األمطار‪،‬‬
‫الصحة صحة األجهزة‪ ،‬األعضاء‪ ،‬الحواس‪ ،‬المأوى‪ ،‬الثياب‪ ،‬هذا كله رزق مادي‪ ،‬ولكن الرزق األعظم هو‬
‫رزق القيم دقق‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ﴾‬ ‫﴿ َو َعَّل َم َك َما َل ْم َت ُك ْن َت ْعَل ُم َوَك َ‬
‫ان َف ْض ُل َّللا َعَلْي َك َعظ ً‬
‫( سورة النساء )‬

‫‪80‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫هؤالء الذين أعطاهم هللا الملك ؛ منهم من ال‬
‫يحبهم هللا عز وجل‪ ،‬أعطى الملك لفرعون وهو‬
‫ال يحبه‪ ،‬أعطاه لنبي كريم سيدنا سليمان وهو‬
‫يحبه‪ ،‬هؤالء الذين أعطاهم هللا المال منهم من‬
‫ال يحبهم هللا عز وجل‪ ،‬أعطاه لقارون وهو ال‬
‫يحبه‪ ،‬أعطاه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف‬
‫وسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبهما‪ ،‬لكن الذي‬
‫يحبه هللا ماذا يعطيه ؟ حص ًار‪:‬‬

‫اه ُح ْكمًا َو ِعْلمًا (‪﴾ )14‬‬


‫اس َت َوى آ ََتْيَن ُ‬
‫َّه َو ْ‬
‫َشد ُ‬
‫﴿ َوَل َّما َبَل َغ أ ُ‬
‫( سورة القصص )‬

‫َّللا َعَلْي َك َع ِظيمًا (‪﴾ )113‬‬


‫﴿ وعَّلمك ما َلم َت ُكن َتعَلم وَكان َف ْضل َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ ََ َ ْ ْ ْ ُ َ َ‬
‫( سورة النساء)‬

‫يعني أعظم فضل تناله منه أن تعرفه‪ ،‬إنك إن عرفته عرفت كل شيء‪ ،‬وإنك إذا لم تجده لم تجد شيئاً‪ ،‬يا‬
‫رب‪ ،‬ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان هللا معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟‬
‫أما رزق القيم هذا بين يديك‪ ،‬هذا متاح لكل الناس‪ ،‬هذا يحتاج إلى محاكمة صحية‪ ،‬وتوبة نصوحة‪ ،‬وإقبال‬
‫على هللا‪ ،‬وصلح معه‪.‬‬

‫الرزق الروحي رزق تبدأ ثماره في الدنيا وتستمر إلى اآلخرة ‪:‬‬

‫الرزق الروحي‪ ،‬رزق المعرفة‪ ،‬رزق الطاعة‪،‬‬


‫رزق االتصال‪ ،‬رزق التألق الروحي‪ ،‬رزق‬
‫الدعوة إلى هللا‪ ،‬هذه أرزاق ال يعلمها إال هللا‪،‬‬
‫وهذه تبدأ ثمارها في الدنيا وتستمر إلى أبد‬
‫اآلبدين‪ ،‬يقول اإلنسان مالي مالي وهل لك يا‬
‫بن آدم من مالك إال ما أكلت فأفنيت‪ ،‬أو لبست‬
‫فأبليت‪ ،‬أو تصدقت فأبقيت‪ ،‬الدنيا لها سقف لو‬
‫معك مئة مليار كم تأكل صباحاً ؟ كم تأكل‬

‫‪81‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫مساء ؟ على كم سرير تنام ؟ كم ثياب ترتدي ؟ كم مركبة تركب ؟ لو معك ألف مليار‬
‫ً‬ ‫ظه ًار ؟ كم تأكل‬
‫فالدنيا لها سقف ومحدودة وتنتهي بالموت لكن اآلخرة ليس لها سقف‪:‬‬
‫يم (‪﴾ )4‬‬ ‫ات ِعْن َد َرب ِِه ْم َو َم ْغ ِفَرٌة َو ِرْز ٌ‬
‫ق َك ِر ٌ‬ ‫﴿ َل ُه ْم َدَر َج ٌ‬
‫( سورة األنفال)‬

‫ات ِم َّما َع ِمُلوْا ﴾‬


‫﴿ و لِ ُك ٍل َدَر َج ٌ‬
‫( سورة األنعام اآلية‪) 132 :‬‬

‫َت‪َ ،‬وَال أُ ُذ ٌن َس ِم َع ْت‪َ ،‬وَال َخ َ‬ ‫(( أَع َد ْد ُت ِل ِعب ِادي َّ ِ‬


‫طَر َعَلى َقْل ِب َب َش ٍر))‬ ‫الصال ِح َ‬
‫ين َما َال َعْي ٌن َأر ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫[ متفق عليه عن أبي هريرة]‬

‫الرزق هو العمل الصالح ‪:‬‬

‫صدقتك من رزقك‪ ،‬حضور هذه الخطبة من الرزق‪ ،‬أن تنطق بالحق هذا من الرزق‪ ،‬أن تحفظ بعض آيات‬
‫القرآن الكريم هذا من الرزق‪ ،‬أن تطلع على سيرة النبي عليه الصالة والسالم هذا من الرزق ‪.‬‬
‫ماذا قال سيدنا موسى حينما سقى للفتاتين ؟‬
‫﴿ َرِب ِإِني ِل َما أَْن َزْل َت ِإَل َّي ِم ْن َخْي ٍر َف ِق ٌير‬
‫(‪﴾)24‬‬
‫( سورة القصص)‬

‫استنبط علماء التفسير أن الرزق هو العمل‬


‫الصالح‪ ،‬وأن الغنى هو غنى العمل الصالح‪،‬‬
‫وأن الفقر هو فقر العمل الصالح‪ ،‬الغنى والفقر‬
‫بعد العرض على هللا‪.‬‬

‫يما َتَرْك ُت َك َّال ِإَّن َها َكِل َم ٌة ُه َو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ال َرِب ْارِج ُعو ِن (‪َ )99‬ل َعلي أ ْ‬
‫َع َم ُل َصال ًحا ف َ‬ ‫َح َد ُه ُم اْل َم ْو ُت َق َ‬
‫اء أ َ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َح َّتى إ َذا َج َ‬
‫َق ِائُل َها َو ِم ْن َوَرِائ ِه ْم َبْرَز ٌخ ِإَلى َي ْومِ ُيْب َعثُو َن (‪﴾ )100‬‬
‫( سورة المؤمنون)‬

‫الغنى والفقر بعد العرض على هللا‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫المال قوة حيادية ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬المال قوام الحياة‪ ،‬المال ليس نعمة وليس نقمة‪ ،‬شيء موقوف على طريقة استخدامه‪،‬‬
‫المال ربما كان درجات ترقى بها إلى أعلى عليين‪ ،‬وربما كان دركات يهوي بها اإلنسان إلى أسفل سافلين‪،‬‬
‫هو قوة ولكنها قوة حيادية قال تعالى‪:‬‬
‫ول َربِي أَ ْكَرَم ِن (‪﴾ )15‬‬ ‫اإل ْن َس ُ ِ‬
‫َما ِْ‬
‫ان إ َذا َما ْاب َت َال ُه َرُّب ُه َفأَ ْكَرَم ُه َوَن َّع َم ُه َفَيُق ُ‬ ‫﴿ َفأ َّ‬
‫( سورة الفجر)‬

‫هو يقول‪:‬‬

‫َهاَن ِن (‪﴾ )16‬‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َوأ َّ ِ‬


‫َما إ َذا َما ْاب َت َال ُه َفَق َدَر َعَلْيه ِرْزَقهُ َفَيُق ُ‬
‫ول َربِي أ َ‬
‫( سورة الفجر)‬

‫جاء الجواب اإللهي جواب ردع‪:‬‬

‫كال ليس عطائي إكرامًا وال منعي حرمانًا‪ ،‬عطائي ابتالء وحرماني دواء‪ ،‬المال مادة امتحانك قد تنجح في‬
‫امتحان المال وقد ال تنجح‪ ،‬الفقر مادة امتحانك وقد تنجح في هذا االمتحان الصعب وقد ال تنجح‪ ،‬فالمال‬
‫ليس خي ًار مطلقًا وال ش ًار مطلقًا موقوف على طريقة كسبه وإنفاقه‪ ،‬وقد يكون المال فتنة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫َن َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫يم (‪﴾ )28‬‬
‫َجٌر َعظ ٌ‬
‫َّللا عْن َد ُه أ ْ‬ ‫اعَل ُموا أََّن َما أ ْ‬
‫َم َواُل ُك ْم َوأ َْوَال ُد ُك ْم ف ْتَن ٌة َوأ َّ َ‬ ‫﴿ َو ْ‬
‫( سورة األنفال)‬

‫تقنين هللا على العبد تقنين تأديب و ليس تقنين عجز ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬إذا قنن هللا على العبد رزقه فليعلم علم اليقين أن التقنين ليس تقنين عجز ولكنه تقنين‬
‫تأديب والدليل‪:‬‬
‫الرْز َق ِل ِعَب ِاد ِه َلَب َغ ْوا ِفي‬
‫َّللا ِ‬
‫ط َّ ُ‬ ‫﴿ َوَل ْو َب َس َ‬
‫اء ِإَّن ُه ِب ِعَب ِاد ِه‬ ‫ِ‬ ‫ْاألَر ِ ِ‬
‫ض َوَلك ْن ُيَن ِز ُل بَق َد ٍر َما َي َش ُ‬ ‫ْ‬
‫َخِب ٌير َب ِص ٌير (‪﴾ )27‬‬
‫( سورة الشورى)‬

‫ندَنا َخ َزِائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه‬


‫﴿ َوإِن ِمن َش ْي ٍء ِإالَّ ِع َ‬
‫وم ﴾‬ ‫ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُل ٍ‬
‫( سورة الحجر )‬

‫‪83‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫طْي ُت ُك َّل ِإْن َس ٍ‬
‫ان‬ ‫َع َ‬‫اح ٍد‪َ ،‬ف َسأَُلوِني‪َ ،‬فأ ْ‬‫يد و ِ‬ ‫ِ‬
‫اموا في َصع ٍ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( َيا ِعَب ِادي‪َ ،‬ل ْو أ َّ‬
‫َن أ ََّوَل ُك ْم َوآخَرُك ْم‪َ ،‬وِإْن َس ُك ْم َوجَّن ُك ْم َق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ص اْلم ْخَيطُ ِإ َذا أ ُْد ِخ َل اْلَب ْحَر‪َ ،‬يا عَبادي‪ِ ،‬إَّن َما ه َي أ ْ‬
‫َع َماُل ُك ْم‬ ‫ص َذل َك م َّما عْندي ِإَّال َك َما َيْنُق ُ‬ ‫َم ْسأََل َت ُه َما َنَق َ‬
‫وم َّن ِإَّال َن ْف َسهُ ))‬ ‫ِ‬
‫َّللا‪َ ،‬و َم ْن َو َج َد َغْيَر َذل َك َف َال َيُل َ‬
‫اها‪َ ،‬ف َم ْن َو َج َد َخْيًار َفْلَي ْح َم ْد َّ َ‬ ‫يها َل ُك ْم‪ُ ،‬ث َّم أ َُوِف ُ‬
‫يك ْم ِإَّي َ‬ ‫ُحص َ‬
‫أ ِ‬
‫ْ‬
‫[ مسلم عن أبي ذر]‬

‫وبعد الحديث إن شاء هللا في الخطبة بعد القادمة سيكون الحديث عن أسباب زيادة الرزق‪ ،‬وكلها مدللة‬
‫بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫الحكمة اإللهية من تفضيل بعض الناس على بعض في الرزق ‪:‬‬

‫هناك حقيقة ال بد من وضعها بين أيديكم‪ ،‬عن أنس رضي هللا عنه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فيما‬
‫أخبر عن ربه يقول هللا عز وجل‪:‬‬
‫أفقرته لكفر))‬
‫((إن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالغنى‪ ،‬ولو ُ‬
‫[الجامع الصغير للسيوطي عن عمر‪ ،‬والفردوس بمأثور الخطاب عن أنس]‬

‫هذا موضوع ثان‪:‬‬

‫(( إن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال‬


‫بالفقر‪ ،‬ولو أغنيته لكفر))‬
‫[الجامع الصغير للسيوطي عن عمر‪ ،‬والفردوس بمأثور الخطاب عن‬
‫أنس]‬

‫يوجد إنسان مقاومته ضعيفة على المال يفكر‬

‫بالعصيان‪ ،‬على دخل محدود يبقى مستقيماً‬


‫فرحمة هللا به أن يكون ذا دخل محدود‪ ،‬في‬

‫إنسان على الدخل الوفير ينفق يمينًا وشماالً‬


‫ينفق إلطعام الفقراء والمساكين‪ ،‬لذلك‪:‬‬

‫(( وإن من عبادي من ال يصلح إيمانه إال بالسقم‪ ،‬ولو أصححته لكفر‪ ،‬وإن من عبادي من ال يصلح‬
‫إيمانه إال بالصحة‪ ،‬ولو أسقمته لكفر))‬
‫[الجامع الصغير للسيوطي عن عمر‪ ،‬والفردوس بمأثور الخطاب عن أنس]‬

‫‪84‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫أحيانًا المؤمن الكامل يستسلم لقضاء هللا وقدره‪ ،‬يبذل قصارى جهده في أن يرفع مستوى معيشته‪ ،‬فإذا بذل‬
‫قصارى جهده وبلغ به التعب والجهد إلى مكان ما‪ ،‬هذا الذي أراده هللا ال يستسلم إال بعد األخذ باألسباب أما‬
‫قبل أن يأخذ بها هو مؤاخذ عند هللا عز وجل‪.‬‬

‫من حرص على المال ذهب شرفه و دينه و أصبح خادماً لهما ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الناس في كسب المال ثالثة‬


‫أطباق‪ ،‬رجل شغله معاشه عن معاده فهو من‬
‫الهالكين‪ ،‬ومن شغله معاده عن معاشه فهو من‬
‫الفائزين‪ ،‬ورجل شغله معاشه لمعاده فهو من‬
‫المقتصدين‪.‬‬
‫والنبي عليه الصالة والسالم يقول‪ :‬ما يسرني‬
‫أن عندي مثل أُحد هذا ذهبًا تمضي علي‬
‫ثالثة أيام وعندي منه دينار واحد‪ .‬حبب إلينا‬
‫إنفاق المال وقال أيضًا‪:‬‬
‫ِ‬
‫لدينه ))‬ ‫بأفس َد لها ِم ْن ِح ِ‬
‫رص المرء على المال و َّ‬
‫الشَرف‬ ‫(( َما ذئبان َج ِائ َع ِ‬
‫ان أ ِ‬
‫ُرسالَ في َغَن ٍم َ‬
‫[ أخرجه الترمذي عن كعب بن مالك ]‬

‫حرصه على المال قد يذهب بشرفه ودينه و يصبح خادماً لهما‪.‬‬

‫استخدم وفق ما يرضي هللا عز وجل ‪:‬‬


‫المال قوة إذا ُ‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬مرة ثانية حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي‪ ،‬هذان الهدفان الكبيران‬
‫المشروعان وراء كسب المال‪ ،‬لكن الذي أتمنى أن أقوله لكم ختامًا لهذا الموضوع إذا كان طريق كسب المال‬
‫سالكاً وفق منهج هللا ينبغي أن تكون غنياً‪ ،‬ألنك بهذا المال تستطيع أن تفعل من األعمال الصالحة الكثير‬
‫ماال يستطيع أن يفعلها إنسان آخر ‪.‬‬
‫المال قوة يمكن أن تفتح بهذا المال ميتماً‪ ،‬معهداً شرعياً‪ ،‬أن تطعم الجياع‪ ،‬أن تزوج الشباب‪ ،‬المال قوة كبيرة‬
‫جداً بل إن النبي عليه الصالة والسالم يقول‪:‬‬

‫‪85‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫َّللا‬
‫اه َّ ُ‬
‫آت ُ‬
‫رجل َ‬‫((' ال َح َس َد إال على ا ْثَن ْتي ِن‪ٌ :‬‬
‫ورجل‬ ‫اء َّ‬
‫النه ِار‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫آن فقام به آناء الليل َوآَن َ‬ ‫القر َ‬
‫وآناء‬ ‫يل‬ ‫هو ُيْن ِف ِق ُه آَناء َّ‬
‫الل ِ‬ ‫َّللا ماال‪َ ،‬ف َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫طاه َّ ُ‬
‫أع ُ‬
‫ْ‬
‫هار ))‬ ‫َّ‬
‫الن ِ‬
‫[ متفق عليه عن عبد هللا بن عمر ]‬

‫فالمال قوة وأنت بالمال أمام خيارات للعمل‬


‫الصالح ال يعلمها إال هللا‪ ،‬فإذا كان طريق‬
‫كسب المال سالكاً وفق منهج هللا ينبغي أن‬
‫تكون غنياً كي تنفقه في سبيل هللا‪ ،‬أما إذا كان طريق كسب المال على حساب دينك واستقامتك ورضوان ربك‬
‫فاعلم علم اليقين أن الفقر وسام شرف لك‪ ،‬وقل معاذ هللا إني أخاف هللا رب العالمين‪.‬‬

‫يوجد حرف اآلن لها دخل فلكي لكن أساسها إفساد أخالق الشباب أو أساسها بث الرعب في قلوب الناس‪،‬‬
‫ابحث عن حرفة ترضي هللا‪.‬‬

‫المال أحد أدوات التقرب إلى هللا عز وجل ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬بقي موضوع أخير يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫ام ِعيالهم بالمدينة‪َ :‬ج َم ُعوا ما كان عندهم في َث ْوب واحد‪ ،‬ثم‬ ‫ين إذا ْأرَمُلوا في ال َغ ْز ِو‪ ،‬وَق َّل َ‬
‫ط َع ُ‬ ‫إن األشعريِ َ‬
‫(( َّ‬
‫وي ِة‪ ،‬فهم ِمِني وأنا ِمْن ُهم))‬
‫بالس َّ‬
‫ا ْق َت َس ُموا بينهم في إناء واحد َّ‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى األشعري]‬

‫وهللا ما آمن‪ ،‬وهللا ما آمن‪ ،‬وهللا ما آمن‪ ،‬من‬


‫بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم‪،‬‬
‫الفكرة األخيرة إذا كان معك فضل مال أعطي‬
‫من هذا الفضل على من ال مال له‪ .‬فالمال‬
‫أحد أدوات التقرب إلى هللا عز وجل‪ ،‬لذلك ورد‬
‫في بعض اآلثار أن هللا عز وجل يسأل عبدين‬
‫من عباده يقول لألول‬

‫‪86‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫(( أن عبدي أعطيتك ما ًال فماذا صنعت فيه ؟ يقول‪ :‬يا رب لم أنفق منه شيئًا مخافة الفقر على أوالدي من‬
‫بعدي‪ ،‬فيقول هللا له‪ :‬ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أوالدك من بعدك قد‬
‫أنزلته بهم‪ ،‬ويقول للثاني‪ :‬أعطيتك ما ًال فماذا صنعت في ؟ يقول‪ :‬يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين‪،‬‬
‫لثقتي بأنك خير حافظاً‪ ،‬وأنت أرحم الراحمين‪ ،‬فيقول هللا له‪ :‬أنا الحافظ ألوالدك من بعدك ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫أيها األخوة الكرام‪:‬‬

‫ين (‪﴾ )64‬‬ ‫الر ِ ِ‬ ‫اَّلل َخْيٌر َح ِاف ً‬


‫احم َ‬ ‫ظا َو ُه َو أَْر َح ُم َّ‬ ‫﴿ َف َّ ُ‬
‫( سورة يوسف )‬

‫األب الصالح الذي كسب المال الحالل وأنفقه على أوالده يجب أن يوقن يقينًا قطعيًا أن هللا يحفظ أوالده من‬
‫بعده‪ ،‬أما األب الذي كسب المال الحرام من أجل أن يرفه أوالده من بعده قد تكون المعاصي واآلثام الذين‬
‫يقترفونها في صحيفة األب‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫حظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتالء وفي اآلخرة توزيع جزاء ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬من تتمات الموضوع أن‬


‫الحظوظ (المال حظ‪ ،‬الوسامة حظ‪ ،‬الذكاء‬
‫حظ‪ ،‬القوة حظ‪ ،‬الصحة حظ ) موزعة في‬
‫الدنيا توزيع ابتالء‪ ،‬الغني مبتلى بالمال أي‬
‫ممتحن‪ ،‬والفقير ممتحن بالفقر‪ ،‬الحظوظ موزعة‬
‫في الدنيا توزيع ابتالء وسوف توزع في اآلخرة‬
‫توزيع جزاء‪ ،‬الدنيا محدودة‪:‬‬
‫ض‬‫ف َف َّضْلَنا َب ْع َض ُه ْم َعَلى َب ْع ٍ‬
‫ظْر َكْي َ‬
‫﴿ اْن ُ‬
‫ات َوأَ ْكَبُر َت ْف ِض ً‬
‫يال (‪﴾ )21‬‬ ‫آل ِخَرُة َأ ْكَبُر َدَر َج ٍ‬
‫َوَل ْ َ‬
‫( سورة اإلسراء)‬

‫‪87‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫أما اآلخرة أبدية‪ ،‬فالبطولة أن تنجح في أي امتحان امتحنت به في الدنيا‪ ،‬قد تمتحن بالغنى‪ ،‬وقد تمتحن‬
‫بالفقر‪ ،‬البطولة أن تنجح في امتحان الغنى‪ ،‬أن تنفقه في سبيل هللا‪ ،‬وامتحان الفقر أن ترضى عن هللا‪ ،‬وأن‬
‫تتجمل‪ ،‬وأن تكون عفيفاً‪.‬‬

‫بطولة اإلنسان أن ينجح في أي امتحان يمتحنه هللا به في الدنيا ‪:‬‬

‫إيتاء أو‬
‫ً‬ ‫البطولة أن تنجح في مادة المال‬
‫حرمانًا‪ ،‬إن نجحت دخلت إلى جنة ربك إلى‬

‫أبد اآلبدين‪ ،‬للتوضيح رجالن عاشا ستين عاماً‬


‫بالتمام والكمال األول امتحن بامتحان الغنى فلم‬
‫ينجح والثاني امتحن بامتحان الفقر فنجح ماتا‪،‬‬
‫يوم القيامة استحق الذي نجح في امتحان الفقر‬
‫جنة عرضها السماوات واألرض‪ ،‬والذي لم‬
‫ينجح في امتحان الغنى دخل النار من هو‬
‫الرابح ؟ على الشبكية الغني في الدنيا‪ ،‬أما بعد إدراك الحقائق الذي نجح في اآلخرة هو الذي نجح في‬
‫امتحانه في الدنيا‪ ،‬فعد مادة المال أهم مواد االمتحان‪ ،‬قد تمتحن بالمال وفرة‪ ،‬وقد تمتحن بالمال تقتي ًار‪ ،‬فأنت‬
‫بطولتك أن تنجح في أي امتحان‪ ،‬النبي عليه الصالة والسالم أصابه الفقر لو لم يكن فقي ًار لما صدقه الفقراء‪،‬‬
‫كان إذا دخل بيته يقول أعندكم شيء ؟ يقولون‪ :‬ال‪ ،‬يقول فإني صائم‪ ،‬فالبطولة أن تنجح في امتحان المال‬
‫وفرة أو تقتي اًر إن نجحت فزت ورب الكعبة‪.‬‬

‫الفقر ثالثة أنواع ‪ :‬فقر اإلنفاق وفقر الكسل وفقر القدر ‪:‬‬

‫كن أن تكون فقي ًار فقر كسل هذا فقر مذموم وليس قضاء وقدر‪ ،‬الفقر المذموم فقر الكسل‪ ،‬عملك غير متقن‪،‬‬
‫ترجئ األعمال‪ ،‬ال تهتم ال بالمواعيد وال بالدوام وال باإلتقان‪ ،‬إذاً تكون متخلفاً في دنياك‪ ،‬والمتخلف يكون فقي اًر‬
‫باألعم األغلب‪ ،‬هذا فقر الكسل مرفوض هذا ليس من أخالق المؤمن‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫هناك فقر الكسل صاحبه مذموم‪ ،‬وال يقول‬
‫اسع‪ ،‬من‬
‫هكذا هللا رتب لي هذا كالم فيه دجل َ‬
‫أنتم ؟ قالوا‪ :‬نحن المتوكلون‪ ،‬قال‪ :‬كذبتم‪،‬‬
‫المتوكل من ألقى حبة في األرض ثم توكل‬
‫اسع هذا فقر الكسل مذموم أما فقر‬
‫على هللا‪َ ،‬‬
‫القدر هذا معذور إنسان معه عاهة من لوازم‬
‫هذه العاهة أنه فقير هذا فقر معذور صاحبه‪،‬‬
‫أما الفقر المحمود فقر اإلنفاق يا أبا بكر ماذا‬
‫أبقيت لنفسك ؟ قال‪ :‬هللا ورسوله‪ ،‬أنفق كل ماله‪.‬‬
‫هناك فقر اإلنفاق وفقر الكسل وفقر القدر صاحبه معذور‪ ،‬اإلنفاق محمود‪ ،‬الكسل مذموم‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬خذ بيد والة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين‪،‬‬
‫إنك على ما تشاء قدير‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من القانطين‪ ،‬ال تأخذنا بالسنين‪ ،‬وال تعاملنا بفعل‬
‫المسيئين يا رب العالمين‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث‪ ،‬وال تجعلنا من القانطين‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث‪ ،‬وال تجعلنا من‬
‫ال قانطين‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من القانطين‪ ،‬اللهم أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر اإلسالم‪ ،‬وأعز‬
‫المسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬دمر أعداءك أعداء الدين اجعل تدميرهم في تدبيرهم‪ ،‬اجعل الدائرة تدور‬
‫عليهم يا رب العالمين‪ ،‬انصر عبادك المؤمنين في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬وفي شمالها وجنوبها‪ ،‬إنك على‬
‫ما تشاء قدير‪ ،‬وباإلجابة جدير‪.‬‬

‫‪89‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق‬


‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين‪.‬‬

‫امتحان اإلنسان في الحياة الدنيا ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪:‬‬


‫عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫فناظر كيف تعملون؟ َّ‬
‫فاتُقوا الدنيا‪ ،‬و َّاتقوا النساء))‬ ‫ٌ‬ ‫((ِإن الدنيا‪ُ :‬حْلوٌة َخ ِضَرة‪ ،‬وإن هللا ُم َ‬
‫ست ْخِل ُفكم فيها‪،‬‬
‫[أخرجه مسلم والنسائي عن أبي سعيد الخدري]‬

‫فاتقوا الدنيا‪ ,‬واتقوا النساء؛ أما أن الدنيا ُحْلوةٌ‬


‫ض َرة فاهلل عز وجل أودع في اإلنسان‬ ‫خ ِّ‬
‫َ‬
‫شهوات‪ ,‬وهذه الشهوات تدفعه إلى أن يرويها‪,‬‬
‫وأن يمارسها من خالل حركته في الحياة الدنيا؛‬
‫فالمال محبب‪ ,‬والبيت محبب‪ ,‬والمركبة محببة‪,‬‬
‫والمرأة محببة‪ ,‬هذه شهوات الدنيا محببة للنفس؛‬
‫كالنبات األخضر الرَيان‪ ,‬خضرة أي نضرة‬
‫النضر المتألق‪ ,‬وإن هللا ُمستَ ْخِّلُفكم فيها؛ من‬
‫معاني خضرة أنها محببة‪ ,‬ومن معاني خضرة أنها سريعة الذبول‪ ,‬الشيء األخضر سريع الذبول‪ ,‬ال يستمر‬
‫ال‪ :‬سريعة االنقضاء‪ ,‬وثانياً‪:‬‬
‫ال‪ ,‬فأو ً‬
‫ال؛ الربيع قصير‪ ,‬األزهار قصيرة العمر‪ ,‬األشياء الجميلة ال تدوم طوي ً‬
‫طوي ً‬
‫محببة‪.‬‬
‫الحقيقة اإلنسان ممتحن في الدنيا‪ ,‬قد تعرض له شهوة‪ ,‬ال ترضي هللا عز وجل‪ ,‬فاإلنسان يمتحن بمال يأتيه‬
‫وفي اًر من طريق غير مشروع؛ فإما أن يتقي هللا‪ ,‬ويقول‪ :‬هللا غني‪ ,‬معاذ هللا! وإما أن تضعف نفسه‪ ,‬فيأخذ هذا‬
‫المال ـ امتحن بالمال ـ قد يسكن بيتًا‪ :‬القانون معه؛ فإما أن يغتصبه‪ ,‬ويتمتع بمساحته‪ ,‬وميزاته‪ ,‬ويغضب هللا‬
‫عز وجل‪ ,‬وإما أن يدعه لصاحبه‪ ,‬ويسكن بيتاً أقل منه ـ امتحن ببيت ـ قد يمتحن بمركبة‪ ,‬تأتيه بطريق غير‬
‫مشروع‪ ,‬وقد يرفضها‪ ,‬أي الشهوات التي أودعها هللا في اإلنسان‪:‬‬

‫‪90‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬


‫الذ َه ِب َواْل ِف َّض ِة َواْل َخْي ِل اْل ُم َس َّو َم ِة‬
‫طرِة ِم َن َّ‬ ‫اء واْلبِنين واْلَقَن ِ‬
‫اط ِ‬
‫ير اْل ُمَقْن ََ‬
‫اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ ِ‬
‫الش َه َوات م َن الن َس َ َ َ َ‬
‫ُ ِ‬
‫﴿زِي َن ل َّلن ِ ُ‬
‫َو ْاألَ ْن َعا ِم َواْل َحْر ِث﴾‬
‫[سورة آل عمران اآلية‪]14:‬‬

‫هذه الشهوات‪ :‬إما أن يسلك في تحقيقها منهج هللا عز وجل؛ وال شيء عليه‪ ,‬وإما أن يتجاوز منهج هللا؛ فيأخذ‬
‫ما ليس له‪ ,‬ويستمتع فيما ال يحل له‪ ,‬ويغتصب ما ال يملكه‪,‬‬

‫فناظر كيف تعملون؟ َّ‬


‫فاتُقوا الدنيا‪ ،‬و َّاتقوا النساء))‬ ‫ٌ‬ ‫ست ْخِل ُفكم فيها‪،‬‬
‫((وإن هللا ُم َ‬

‫المال والمرأة نقطتا ضعف في حياة اإلنسان ‪:‬‬

‫الحقيقة يبدو أن الشهوات المتغلغلة في أعماق اإلنسان هي شهوة النساء؛ فلذلك‪ :‬اإلنسان قد يترفع عن‬
‫السرقة‪ ,‬لكن قد ال يستطيع أن يغض بصره‪ ,‬أو أن يمد يده؛ فهذا توجيه نبوي‪" :‬إن فتنة بني إسرائيل كانت في‬
‫النساء"‪.‬‬
‫المال والمرأة نقطتا ضعف في حياة اإلنسان؛ فإذا حصن نفسه في هاتين النقطتين نجا‪ ،‬فاتَُّقوا الدنيا أي اتقوا‬
‫زينة الدنيا‪ ,‬اتقوا مال الدنيا‪ ,‬اتقوا مباهج الدنيا‪ ,‬اتقوا الشهوات التي في الدنيا‪ ,‬واتَّقوا النساء ـ عطف الخاص‬
‫على العام ـ والنساء في الدنيا‪ ،‬لكن ألهمية هذا الشيء خص بكلمة مستقلة‪:‬‬

‫((فاتُقوا الدنيا‪ ،‬و َّاتقوا النساء))‬


‫َّ‬
‫وفي روايات كثيرة‪" :‬إن فتنة بني إسرائيل‪ :‬كانت في النساء"؛ فاإلنسان عندما يكون عفيف النفس؛ يستعمل‬
‫غض البصر‪ ,‬وال يخلو بامرأة‪ ,‬وال يمد عينه إلى ما متع هللا به أزواجاً غيره ينجو‪ ،‬ألن‪:‬‬

‫((من غض بصره عن محارم هللا ـ أو عن محاسن امرأة ـ أورثه هللا حالوة في قلبه إلى يوم يلقاه))‬
‫[ورد في األثر]‬

‫فالصفة األساسية للمؤمن هي العفة‪.‬‬

‫من يؤمن بقضاء هللا وقدره وبحكمة هللا المطلقة يقنع باليسير ‪:‬‬

‫وعن أبي عبد الرحمن الحبلي قال‪:‬‬

‫‪91‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬


‫((سمعت عبد هللا بن عمرو بن العاص ـ رضي هللا عنهما ـ‪ ،‬وسأَله رجل‪ ،‬فقال‪ :‬ألست من فقراء‬
‫ُ‬
‫مسكن َت ْسكُن ُه؟‬
‫ٌ‬ ‫المهاجرين؟ ـ أي ألست فقي اًر؟ ـ فقال له عبد هللا‪ :‬أَلك ام أر ٌة تأوي إليها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ألك‬
‫فإن لي خادمًا‪ ،‬قال‪ :‬فأَنت من الملوك))‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأنت من األغنياء‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫[أخرجه مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي]‬

‫انظر إلى أساسيات الحياة؛ مسكن يأوي إليه؛ له أهل‪ ,‬له أوالد‪ ,‬وله دخل يغطي نفقاته‪ ,‬وعنده خادم‪ ,‬قال له‪:‬‬
‫أنت من الملوك‪ ,‬أين الفقر إذاً؟ هذا مصداق النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫فكأنما ِح َ‬
‫يز ْت له الدنيا بحذافيرها ))‬ ‫قوت يو ِمه‪َّ ،‬‬
‫عنده ُ‬
‫ُ‬ ‫آمنا في ِسْربه‪ُ ،‬معافى في َج َس ِد ِه‪،‬‬
‫(( م ْن أصبح منكم ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫[أخرجه الترمذي عن عبيد هللا بن محصن ]‬

‫مسكن‬
‫ٌ‬ ‫((قال له‪ :‬ألست من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد هللا‪ :‬أَلك ام أر ٌة تأوي إليها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ألك‬
‫فإن لي خادماً‪ ،‬قال‪ :‬فأَنت من الملوك))‬
‫َت ْسكُن ُه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأنت من األغنياء‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫[أخرجه مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي]‬

‫وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا‬


‫عنه‪ ,‬أ َّ‬
‫َن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬

‫ورِز َق كفافاً‪ ،‬وَقَّنعه هللا‬


‫((قد أ ْفَل َح َم ْن أسلم‪ُ ،‬‬
‫بما آتاه))‬
‫[أخرجه مسلم والترمذي عن عبد هللا بن عمرو بن العاص]‬

‫أحياناً الدنيا تغر‪ ,‬وتضر‪ ,‬وتمر‪ ,‬فالذي آتاه هللا‬


‫رزقًا كفافاً يغطي حاجاته‪ ,‬وهللا عز وجل متعه‬
‫بصحة‪ ,‬وَقنعه بما آتاه‪ ،‬فقد أفلح‪ ،‬هناك إنسان‬
‫على مال كثير؛ لكنه غير قانع‪ ,‬يتطلع إلى مال اآلخرين‪ ,‬على مال وفير؛ لكنه غير قانع‪ ,‬يتطلع إلى مال‬
‫اآلخرين‪ ,‬وإنسان هللا عز وجل رزقه حالالً طيباً‪ ,‬قد يكون قليالً؛ لكنه قانع فيه‪ ،‬العبرة بالقناعة؛ حينما تؤمن‬
‫بقضاء هللا وقدره‪ ,‬وحينما تؤمن بحكمة هللا المطلقة‪ ,‬وحينما تؤمن بأنه ليس في اإلمكان أبدع مما كان‪ ,‬حينما‬
‫تؤمن بهذا اإليمان عندئذ تقنع باليسير‪.‬‬

‫من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو ال يشعر ‪:‬‬

‫القاعدة الشهيرة‪" :‬خذ من الدنيا ما شئت‪ ,‬وخذ بقدرها هماً‪ ,‬ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه‪,‬‬
‫وهو ال يشعر"‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬


‫هناك مئات القصص عن إنسان غني غنى فاحشًا‪ ,‬يُبلغ أن عليه ضريبة‪ ,‬فيصاب بالجلطة‪ ,‬ويقع ميتًا‪ ,‬يبلغ‬
‫بالضريبة فقط‪ ,‬هذا شهيد الضريبة؛ "فخذ من الدنيا ما شئت‪ ,‬وخذ بقدرها هماً‪ ,‬ومن أخذ من الدنيا فوق ما‬
‫يكفيه أخذ من حتفه‪ ,‬وهو ال يشعر"‪.‬‬

‫اإلنسان عندما يكبر حجمه كثي ًار تأتيه هموم ال يعلمها إال هللا‪ ,‬وهو ماذا يأكل؟ لقيمات؛ ينام على سرير واحد‪,‬‬
‫ويلبس رداء واحداً‪ ,‬ويأكل لقيمات‪ ,‬وما سوى ذلك خادم‪ ,‬وعبد لهذا المال‪ ,‬ال ينام الليل؛ فأنا دائماً أقول‪ :‬في‬
‫حد بالمادة خط أحمر‪ ,‬دونه‪ :‬هو في خدمتك‪ ,‬وهو من هذا الخط أنت في خدمته‪ ,‬وإذا كنت في خدمته‬
‫ضيعت الدنيا واآلخرة‪ ،‬لذلك‪:‬‬

‫ق كفافاً ‪ ،‬وَقَّنعه هللا بما آتاه))‬


‫ورِز َ‬
‫((قد أ ْفَل َح َم ْن أسلم ‪ُ ،‬‬
‫[أخرجه مسلم والترمذي عن عبد هللا بن عمرو بن العاص]‬

‫من رزق كفافاً و راحة فهو ملك من ملوك الدنيا ‪:‬‬

‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬


‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫وعن أبي هريرة قال‪:‬‬
‫اجعل ِرز َق ِ‬
‫آل محم ٍد ُقوتاً ‪ ,‬وفي رواية‪َ :‬ك َفافاً))‬ ‫هم َ‬ ‫َّ‬
‫((الل َّ‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]‬

‫أي المنتمي إلى هذا النبي العظيم‪ ,‬المتبع لهذا‬


‫النبي‪ ,‬الذي يحب هذا النبي‪" ,‬اجعل قوته رزقاً"‬
‫أي يكفيه‪ ,‬يعيش ليس عنده هموم‪.‬‬

‫اآلن هناك إنسان ال ينام مساء؛ البناء الفالني‪,‬‬


‫والمبلغ الفالني‪ ,‬واالستثمار الفالني‪ ,‬والشركة‬
‫الفالنية‪ ,‬إذا فكر في كل جهة خمس دقائق ال‬
‫ينام ‪.‬‬

‫اجعل ِرز َق ِ‬
‫آل محم ٍد ُقوتًا‪ ,‬أي‪ :‬كفافًا))‬ ‫هم َ‬ ‫َّ‬
‫((الل َّ‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]‬

‫‪93‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬


‫والعادة إذا كان رزق اإلنسان كفافًا‪ ,‬أي مستور اليدين‪ ،‬ال يوجد شيء يضايقه‪ ,‬فقد ملك الدنيا‪ ،‬ألنه أحيانًا‬
‫تأتي على بعض التجار أيام‪ ,‬يقول لك‪ :‬أشتهي أن آكل خبز و زعتر عند الظهيرة لكن ال أقع في مشكلة‪,‬‬
‫تأتيه مشكالت ال ينام الليل؛ خوف‪ ,‬وقلق‪ ,‬واضطراب‪ ,‬هناك كثير من أمراض العضال تأتي فجأة من أخبار‬
‫سيئة؛ فراحة البال ال تقدر بثمن؛ الذي ليس عنده مشكلة كبيرة‪ ,‬ال يوجد مشكلة صحية كبيرة‪ ,‬ال يوجد مشكلة‬
‫مالية كبيرة‪ ,‬ليس مالحقًا‪ ,‬ليس متهمًا‪ ,‬ال يوجد عليه محكمة‪ ,‬ال يوجد إذاعة بحث‪ ,‬ال يوجد تقرير طبي مزعج‬
‫جداً‪ ,‬يريد عملية في أمريكا‪ ،‬أموره العامة جيدة‪ ،‬هذه نعمة كبيرة جداً؛ هذا الذي رزق كفافاً‪ ,‬ورزق راحة البال‪,‬‬
‫هذا ملك من ملوك الدنيا‪.‬‬

‫العاقل من أعد آلخرته قبل دنياه ‪:‬‬

‫وعن أنس بن مالك عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬

‫الميت ثالث‪ :‬أهُله‪ ،‬وماُله‪َ ،‬و َع َمُله؛ فيرجع اثنان‪ ،‬ويبقى واحد‪ ،‬يرجع أهُله وماُله‪ ،‬ويبقى َع َمُله))‬
‫َ‬ ‫((ي ْتَب ُع‬
‫َ‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك]‬

‫مشى األهل‪ ,‬وقد يمشي معه بعض ماله‪,‬‬


‫سيارته تمشي في الجنازة مثالً‪ ,‬ابنه سائق‬
‫السيارة؛ قد يمشي بعض ماله إلى القبر‪,‬‬
‫وبعض أهله‪ ،‬يصل إلى القبر‪ ,‬يوضع في القبر‬
‫وحده مع عمله‪ ,‬ويرجع الباقي‪.‬‬

‫أي عملت ببيت‪ ,‬بعد أن انتهت الترتيبات‬


‫األخيرة‪ ,‬كل شيء انتهى؛ أي‪ :‬أفخر أنواع‬
‫الكسوة‪ ,‬أفخر أنواع البلور‪ ,‬أفخر أنواع‬
‫الجبصين‪ ,‬أفخر أنواع المطابخ‪ ,‬أفخر أنواع األجهزة الكهربائية‪ ،‬البيت أصبح منظمًا‪ ,‬يريد أن يسكنه صاحبه‬
‫غداً‪ ،‬في اليوم الثاني كان خبره‪ ،‬جاء أهله‪ ,‬سكنوا‪ ,‬نسوا‪ ،‬و انتهى كل شيء‪ ،‬هكذا اإلنسان تجده دائماً ينسى‪.‬‬

‫اآلن انظر‪ :‬أول يوم وفاة؛ شيء ال يحتمل؛ صراخ‪ ,‬وقتل‪ ,‬وضرب‪ ,‬هؤالء الجهلة‪ ,‬بعد شهر تجد ال يوجد‬
‫شيء؛ صار هناك غناء بالبيت‪ ,‬وضحك‪ ,‬تمضي سنة ال تجد شيئاً؛ كأن الرجل ما كان موجوداً‪ ,‬البيت يعمر‪,‬‬
‫ال؛ كل الجهود هذه أصبح شخصًا عاديًا‪ ,‬األهل عاديون جدًا؛ أكلوا‪,‬‬
‫والذي أمن البيت‪ ,‬والذي أمن لألوالد أعما ً‬
‫وشربوا‪ ,‬وسافروا‪ ,‬ورجعوا‪ ,‬وهكذا‪.....‬‬

‫‪94‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬


‫ال يبكي‪ ,‬ويبكون‪ ,‬والمجرم يعامل أقسى‬
‫فالعاقل إذا جاءت منيته يضحك وحده‪ ,‬ويبكي من حوله‪ ,‬واألقل عق ً‬
‫ِّ‬
‫يصل وقتاً‬ ‫معاملة بعد الموت‪ ,‬وأهله يقولون‪ :‬وجهه منور‪ ,‬ويمدحونه مدحاً خرافياً؛ مدحاً ليس له أي معنى؛ لم‬
‫في حياته‪ ,‬وجهه ممتلئ نو ًار ـ هؤالء النسوة يبالغن كثي ًار ـ هو يتعذب‪ ,‬والناس يمدحونه؛ فهذه مشكلة كبيرة‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪95‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف‬


‫الفصل الثالث ‪ :‬طلب الرزق‬

‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬

‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬

‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬

‫‪96‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬طلب الرزق‬


‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬يا مجيب دعاء المضطرين ‪ ،‬يا ولي عبادك المؤمنين ‪ ،‬يا غاية آمال العارفين ‪ ،‬يا‬
‫منتهى أمل الراجين ‪ ،‬يا حبيب قلوب الصادقين ‪ ،‬يا خير من سئل ‪ ،‬ويا أرحم من استرحم ‪ ،‬يا من ال يخفى‬
‫عليه إغماض الجفون وال لحظ العيون ‪ ،‬وال ما استقر في المكنون كيف نستدل عليك ‪ ،‬ونحن في وجودنا‬
‫مفتقرون إليك ‪.‬‬

‫المقدمة ‪:‬‬

‫قيل لإلمام علي كرم هللا وجهه ‪ ،‬حدثنا عن ربك ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سبحان ربي ‪ ،‬ال يدرك بالحواس ‪ ،‬وال يقاس بالناس ‪ ،‬فوق كل شيء ‪ ،‬وليس تحته شيء ‪ ،‬وهو في كل‬
‫شيء‪ ،‬ال كشيء في شيء ‪ ،‬ليس كمثله شيء ‪ ،‬وهو السميع البصير ‪.‬‬
‫متبعض ‪ ،‬وال متجزئ ‪ ،‬وال ٍ‬
‫متناه ‪ ،‬وال متلون ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ليس بجسم ‪ ،‬وال صورة ‪ ،‬وال محدود ‪ ،‬وال‬
‫وال ُيسأل عنه بمتى كان ‪ ،‬ألنه خالق الزمان ‪.‬‬
‫وال ُيسأل عنه بأين هو ‪ ،‬ألنه خالق المكان ‪.‬‬
‫فكل ما خطر ببالك فاهلل بخالف ذلك ‪ ،‬علم ما كان وعلم ما يكون ‪ ،‬وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان‬
‫يكون‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬خلقت فسويت ‪ ،‬وقدرت وقضيت ‪ ،‬وأمت وأحييت ‪ ،‬وأمرضت‬
‫وشفيت ‪ ،‬وعافيت وابتليت ‪ ،‬وأغنيت وأقنيت ‪ ،‬وأضحكت وأبكيت ‪ ،‬والمرجع والمآل إليك ‪ ،‬نحن بك وإليك ‪.‬‬
‫ينادي الحق جل وعال على عباده المؤمنين ‪:‬‬
‫أن يا عبادي إنكم ال تملكون ضري فترضوني ‪ ،‬وال تملكون نفعي فتنفعوني ‪.‬‬
‫يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار ‪ ،‬وأنا أغفر الذنوب جميعًا ‪ ،‬فاستغفروني أغفر لكم ‪ ،‬لو أن أولكم‬
‫وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنَّكم ‪ ،‬وقفوا على صعيد رجل واحد ‪ ،‬وسألني كل واحد منكم مسألته ‪ ،‬وأعطيت كل سائل‬
‫مسألته ‪ ،‬ما نقص ذلك في ملكي شيئًا ‪ ،‬إن هي إال أعمالكم أحصيها عليكم ‪ ،‬فمن وجد خي ًار فليحمد هللا ‪،‬‬
‫َّ‬
‫يلومن إال نفسه ‪.‬‬ ‫ومن وجد غير ذلك ‪ ،‬فال‬

‫‪97‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ‪ ،‬سيدي يا رسول هللا ‪ ،‬أشهد أن الذين بهرتهم عظمتك لمعذورون ‪ ،‬وأن‬
‫الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون ‪ ،‬أي إيمان ‪ ،‬وأي عزم ‪ ،‬وأي مضاء ‪ ،‬أي صدق ‪ ،‬وأي طهر ‪ ،‬وأي‬
‫نقاء ‪ ،‬أي تواضع ‪ ،‬وأي حب ‪ ،‬وأي وفاء ‪.‬‬
‫فيوم كنت طفالً ‪ ،‬يا سيدي يا رسول هللا ‪،‬‬
‫عزفت عن لهو األطفال وعن مالعبهم ‪ ،‬وعن‬
‫أسمارهم ‪ ،‬وكنت تقول ألترابكم ‪ ،‬إذا دعوك‬
‫إلى اللهو أنا لم أخلق لهذا ‪.‬‬
‫ويوم جاءتك رسالة الهدى ‪ ،‬وحملت أمانة‬
‫التبليغ ‪ ،‬قلت لزوجتك وقد دعتك إلى أخذ قسط‬
‫من الراحة ‪ ,‬أنقضى عهد النوم يا خديجة ‪.‬‬

‫ويوم فتحت مكة ‪ ،‬التي آذتك وآخرجتك ‪ ،‬وكادت لك ‪ ،‬وأتمرت على قتلك ‪ ،‬وقد مألت راياتك األفق ظافرًة‬
‫عزيزة ‪ ،‬قلت لخصومك باألمس ‪ :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء ‪.‬‬
‫ويوم دانت لك الجزيرة العربية ‪ ،‬وجاء نصر هللا والفتح ‪ ،‬ودخل الناس في دين هللا أفواجًا ‪ ،‬صعدت المنبر ‪،‬‬

‫واستقبلت الناس باكياً وقلت لهم ‪ ،‬من كنت جلت له ظه اًر ‪ ،‬فهذا ظهري فليقتد منه ‪ ،‬ومن كنت أخذت له ماالً‬
‫فهذا مالي فليأخذ منه ‪.‬‬
‫ونحن نقول مع من قال ‪ ،‬يا سيدنا يا رسول هللا ‪ ،‬ما أعقلك ‪ ،‬وما أرحمك ‪ ،‬وما أوصلك ‪ ،‬وما أحكمك ‪،‬‬
‫جزاك هللا خير ما جزى نبياً عن أمته ‪ ،‬لقد كنت رحم ًة مهداة ‪ ،‬ونعمة مجزاة ‪.‬‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ‪ ،‬الهداة المهديين الذين‬
‫اختارهم هللا له تكريماً وتأييداً ‪.‬‬
‫عباد هللا أوصيكم ونفسي بتقوى هللا وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير ‪.‬‬

‫أصناف الناس من خالل كسبهم للمال‬

‫أيها اإلخوة المؤمنون ؛ في كل مكان الناس في كسب المال ثالثة أطباق ‪:‬‬
‫‪ -1‬رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الهالكين ‪.‬‬
‫‪ -2‬ورجل شغله معاده عن معاشه فهو من الفائزين ‪.‬‬
‫‪ -3‬ورجل شغله معاشه لمعاده فهو من المقتصدين ‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫فقد ورد عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قوله ‪ :‬تكون أمتي في الدنيا على ثالثة أطباق ‪:‬‬
‫‪ -1‬أما الطبق األول ‪ :‬فال يرغبون في جمع المال وال ادخاره ‪ ،‬وال يسعون في اقتنائه واحتكاره ‪ ،‬إنما رضاهم‬
‫من الدنيا ما سد جوع ًة وستر عورة ‪ ،‬وغناهم فيها ‪ ،‬ما بلغ بهم اآلخرة ‪ ،‬فأولئك الذين ال خوف عليهم وال هم‬
‫يحزنون ‪.‬‬
‫‪ -2‬أما الطبق الثاني ‪ :‬فيحبون جمع المال من أطيب ُسبله ‪ ،‬وصرفه في أحسن وجوهه ‪ ،‬يصلون قرابتهم‬
‫وأرحامهم ‪ ،‬ويؤثرون به إخوانهم ‪ ،‬ويواسون فيه فقراءهم ‪ ،‬وألن َّ‬
‫يعض أحدهم على الحجارة أسهل عليه من أن‬
‫يكتسب درهمًا من غير حله ‪ ،‬وأن يضعه في غير وجهه ‪ ،‬وأن يمنعه من يستحقه ‪ ،‬وأن يكون له خازنًا إلى‬
‫حين موته ‪ ،‬فأولئك إن نوقشوا عذبوا ‪ ،‬وإن ُعفي عنهم سلموا ‪.‬‬
‫حل وحرم ‪ ،‬ومنعه َمن ُفرض له ‪ ،‬وإن أنفقوه أنفقوه إسرافاً ‪،‬‬ ‫‪ -3‬وأما الطبق الثالث ‪ :‬فيحبون جمع المال مما َّ‬
‫ال واحتكا ًار ‪ ،‬أولئك ملكت الدنيا قلوبهم ‪ ،‬حتى أوردتهم النار بذنوبهم‪.‬‬
‫وإن أمسكوه أمسكوه بخ ً‬
‫وقد روي عن اإلمام علي كرم هللا وجهه أنه قال ‪ :‬الدنيا حاللها حساب ‪ ،‬وحرامها عذاب ‪ ،‬وشبهتها عقاب ‪.‬‬

‫طلب الرزق ‪:‬‬

‫لقد حضنا هللا على طلب الرزق ‪ ،‬ويسر لنا ُسبله فقال تعال ‪:‬‬
‫﴿و َج َعْلَنا َّ‬
‫الن َه َار َم َعاشاً﴾‬ ‫َ‬
‫[سورة النبأ اآلية‪]11:‬‬

‫وقال ‪:‬‬

‫ش َقِلي ً‬
‫ال َما َت ْش ُكُرو َن﴾‬ ‫يها َم َعايِ َ‬ ‫ِ‬ ‫اك ْم ِفي ْاألَْر ِ‬
‫﴿وَلَق ْد َم َّكَّن ُ‬
‫ض َو َج َعْلَنا َل ُك ْم ف َ‬ ‫َ‬
‫[سورة األعراف اآلية‪]10:‬‬

‫قال ‪:‬‬

‫َّللا َكِثي اًر َل َعَّل ُك ْم ُتْفِل ُحو َن﴾‬ ‫ض واب َت ُغوا ِمن َف ْض ِل َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ُق ِضَي ِت َّ‬
‫َّللا َوا ْذ ُكُروا َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫الص َال ُة َفاْن َتشُروا في ْاألَْر ِ َ ْ‬
‫[سورة الجمعة اآلية‪]10:‬‬

‫وفي الحديث الشريف عن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما قال ‪ :‬سئل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫فقال ‪:‬‬

‫(( إن هللا كتب عليكم السعي فاسعوا ))‬


‫[أخرجه الطبراني]‬

‫‪99‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضي هللا عنه ‪:‬‬

‫ال يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول ‪ :‬اللهم‬

‫ارزقني ‪ ،‬فقد علمتم أن السماء ال تمطر ذهباً‬


‫وال فضة ‪.‬‬

‫وقال أيضًا ‪:‬‬

‫استغن عن الناس يكن أصون لدينك ‪ ،‬وأكرم‬


‫لك عليهم ‪.‬‬

‫ولكن دفعاً للقلق من أجل الرزق ‪ ،‬ومنعاً من‬


‫ارتكاب المعاصي من أجل الرزق ‪ ،‬واحتراز من أن يقف اإلنسان موقف مذلة من أجل الرزق ‪ ،‬طمأن النبي‬
‫الكريم صلى هللا عليه وسلم المؤمن بأن رزقه مقسوم ‪ ،‬ومضمون ‪ ،‬وموزون ‪ ،‬وأن رزق هللا تعالى ال يجره‬
‫حرص حريص ‪ ،‬وال ترده كراهة كاره ‪ ،‬وأن هللا تعالى جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ‪ ،‬وجعل الهم‬
‫والحزن في الشك والسخط ‪.‬‬

‫وقال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( إن روح القدس نفثت في روعين أن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها ‪ ،‬فاتقوا هللا عباد هللا تعالى ‪،‬‬
‫وأجملوا في الطب ‪ ،‬واستجملوا مهنكم ‪ ،‬وال يحملنكم استبطاء شيء من الرزق على أن تطلبوه بمعصية‬
‫فإن هللا تعالى ال ينال ما عنده بمعصيته ))‬
‫[حديث صحيح بشواهده ‪ ،‬ابن ماجه ‪ / 2144/2‬وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان‪]..‬‬

‫وقد ورد في بعض اآلثار القدسية ‪:‬‬

‫عبدي خلقت السماوات واألرض ‪ ،‬ولم أعي بخلقهن ‪ ،‬أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ لي عليك فريضة‬
‫َ‬
‫ولك علي رزق ‪ ،‬فإن خالفتني في فريضتي ‪ ،‬لم أخالفك في رزقك ‪ ،‬وعزتي وجاللي إن لم ترض بما قسمته‬
‫لك ‪ ،‬فألسلطن عليك الدنيا ‪ ،‬تركض فيها ركض الوحش في البرية ‪ ،‬ثم ال ينالك منها إال ما قسمته لك ‪ ،‬وال‬
‫أبالي وكنت عندي مذموم َا ‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫لذلك نهانا ربنا جل وعال ‪ ،‬أن نتشاغل بما‬
‫ضمنه لنا عما افترضه علينا ‪ ،‬ولكن ليس كل‬
‫رزق حالالً ‪ ،‬وال كل كسب مشروعاً ‪ ،‬فالمؤمن‬
‫يتحرى الحالل في كسبه ‪ ،‬ألنه يعلم أن المال‬
‫الحرام يذهب من حيث أتى ‪ ،‬وأنه َيتلف ويُتلف‬
‫صاحبه ‪ ،‬وهو يعلم علم اليقين أنه من كان‬
‫كسبه حراماً سقط من عين هللا ‪ ،‬وألن يسقط‬
‫اإلنسان من السماء إلى األرض أهون من أن‬
‫يسقط من عين هللا ‪ ،‬لذلك أمرنا هللا عز وجل بصريح اآلية المحكمة أن نأكل الحالل الطيب ‪ ،‬فقال ‪:‬‬

‫ان ِإَّن ُه َل ُك ْم َع ُد ٌّو ُمِب ٌ‬


‫ين﴾‬ ‫طِ‬ ‫طِيباً وَال َت َّتِبعوا ُخطُو ِ‬
‫ات َّ‬
‫الشْي َ‬ ‫اس ُكُلوا ِم َّما ِفي ْاألَْر ِ‬ ‫﴿يا أَُّي َها َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َح َال ًال َ َ‬ ‫الن ُ‬ ‫َ‬
‫[سورة البقرة اآلية‪]168:‬‬

‫والحالل ما كان حالالً في ذاته وفي طريق كسبه ‪ ،‬فهو يحل لكم ويُبقي على الصلة بينكم وبين ربكم ‪،‬‬
‫والطيب ما طابت به أجسامكم ونفوسكم وحياتكم ‪.‬‬

‫وقد يكون الحالل الطيب أقل من الحرام الخبيث ‪ ،‬من حيث الكم ‪ ،‬وفي هذا ابتالء من هللا لعباده المؤمنين ‪،‬‬
‫فمن نجح في هذا االمتحان وآثر القليل من الحالل الطيب على الكثير من الحرام الخبيث ‪ ،‬بارك هللا له في‬
‫ماله ‪ ،‬فانتفع منه وفي أهله وأوالده فسعد بهم ‪ ،‬وحفظ هللا له صحته ومكانته وضمن له سعادته في الدنيا‬
‫واآلخرة قال هللا تعالى ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫﴿ ِإَّنا َج َعْلَنا ما َعَلى ْاألَْر ِ‬


‫ض ِزيَن ًة َل َها لَنْبُل َو ُه ْم أَُّي ُه ْم أ ْ‬
‫َح َس ُن َع َمالً﴾‬ ‫َ‬
‫[سورة الكهف اآلية‪]7:‬‬

‫ولحكمة بالغة جعل كسب الحالل الطيب أصعب وأشق من كسب الحرام الخبيث ‪ ،‬ليبتلى المؤمن ثانية في‬
‫مدى حرصه على الحالل الطيب ‪ ،‬بل في مدى حرصه على رضوان هللا‪.‬‬

‫قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( من بات كا ًال ( متعبا ) في طلب الحالل ‪ ،‬بات مغفو اًر له ‪)) ..‬‬
‫[رواه ابن عساكر عن أنس ‪ ،‬والطبري عن ابن عباس ]‬

‫‪101‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫منهج الشرع الحنيف في كسب المال‬

‫والشرع الحنيف ‪ ،‬حينما يأمر المؤمن يتحرى الحالل في كسبه ‪ ،‬ينهاه أشد النهي عن أن يتحرى الحالل‬
‫والحرام في كسب اآلخرين ‪ ،‬فمن حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه ‪ ،‬وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب‬
‫الناس ‪ ،‬وقد بين النبي صلى هللا عليه وسلم أنه من طلب الرزق من طرقه المشروعة ‪ ،‬وتقصى الحالل من‬
‫الكسب ‪ ،‬وابتغى كف نفسه عن المسألة ‪ ،‬وإغناء أبويه وأهله وأوالده ‪ ،‬لقي هللا تعالى وهو عنه راض ‪.‬‬
‫فقال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( من طلب الدنيا حالالً وتعففاً عن المسألة ‪ ،‬وسعياً على عياله وتعطفاً على جاره لقي هللا ووجهه كالقمر‬
‫ليلة البدر ))‬
‫[رواه البيهقي ]‬

‫وقد كان صلى هللا عليه وسلم جالسًا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ‪ ،‬ذي جلد وقوة ‪ ،‬وقد بكر يسعى‬
‫فقالوا ‪ :‬ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل هللا ‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( ال تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسألة ويغنيها عن الناس ‪ ،‬فهو في سبيل هللا‬
‫‪ ،‬وإن كان يسعى تفاخ اًر وتكاث اًر فهو في سبيل الشيطان ))‬
‫لقد أكد النبي صلى هللا عليه وسلم من خالل هذين الحديثين الشريفين ‪:‬‬

‫عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال ‪:‬‬


‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬

‫(( إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما‬


‫نوى))‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم]‬

‫أن النية وحدها تحدد قيمة العمل ‪ ،‬فقد يلتقط‬


‫الرجل لقطة فإن نوى أخذها فهو معتد ‪ ،‬وإن‬
‫نوى البحث عن صاحبها فهو محسن ‪ ،‬وشتان‬
‫بين العدوان واإلحسان ‪.‬‬

‫‪102‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫فالعمل على إطالقه أساس الرقي عند هللا ‪ ،‬فمن العمل الصالح العمل الذي تكسب به رزقك أيها المؤمن ‪،‬‬
‫إذا بني هذا العمل على اإلتقان والنصح وعدم الغش ‪ ،‬واهتم صاحبه في تطويره وتحسينه ‪ ،‬توصالً لخدمة‬
‫الخلق ‪ ،‬الذين هم عيال هللا ‪ ،‬وترفق بالناس باألجر أو السعر وعاملهم باللين والحكمة ‪ ،‬كان هذا العمل نفسه‬
‫وسيلة لكسب رضوان هللا والفوز بنعيم الجنة األبدي ‪.‬‬

‫كسب الرزق الحالل بالجهد والتعب‬

‫عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما ‪ ،‬عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫(( إن هللا تعالى يحب المؤمن المحترف ))‬
‫[أخرجه الطبراني]‬

‫بل ربما كان الذي يكسب رزقه حالالً باذالً من أجله جهدًا ووقتاً وعرقًا ‪ ،‬أفضل عند هللا تعالى ممن انقطع‬
‫للعبادة وهو عالة على غيره ‪ ،‬يروى أن رجالً كان يعبد هللا فقيل له ‪ :‬ما تصنع ؟ قال ‪ :‬أتعبد هللا ‪ ،‬فسئل ‪:‬‬

‫فمن يطعمك ؟ فقال ‪ :‬أخي ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أخوك أعبد منك ‪.‬‬

‫والنبي صلى هللا عليه وسلم ينهى عن المسألة مبيناً أنها تفتح على العبد أبواب الفقر فقال ‪:‬‬

‫(( ألن يأخذ أحدكم حبله ‪ ،‬فيحتطب على ظهره ‪ ،‬خير له من أن يأتي رجالً فيسأله ‪ ،‬أعطاه أو منعه ))‬
‫[رواه البخاري عن أبي هريرة ‪]1401/‬‬

‫وقال ‪:‬‬

‫(( من فتح على نفسه بابًا من السؤال فتح هللا عليه سبعين بابًا من الفقر ))‬
‫[رواه ابن جرير ]‬

‫يذل نفسه ‪ ،‬بل ينبغي أن يطلب الحوائج بعزة األنفس ؛ فإن األمور تجري بالمقادير ‪،‬‬
‫فال ينبغي للمؤمن أن َّ‬
‫فاليد المعطاءة العليا خير من اليد الممدودة السفلى ‪.‬‬

‫أكل أموال الناس بالباطل‬

‫ولقد نهانا الشرع الحنيف ‪ ،‬عن أكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬وجعله من كبائر المحرمات ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬

‫َن َت ُكو َن ِت َج َارًة َع ْن َتَر ٍ‬


‫اض ِمْن ُك ْم َوَال َت ْقُتُلوا أَْن ُف َس ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َواَل ُك ْم َبْيَن ُك ْم ِباْلَباط ِل ِإَّال أ ْ‬
‫ْكُلوا أ ْ‬
‫َمُنوا َال َتأ ُ‬ ‫﴿يا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ين آ َ‬ ‫َ‬
‫ان ِب ُك ْم َر ِحيماً﴾‬‫َّللا َك َ‬
‫إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫[سورة النساء اآلية‪]29:‬‬

‫‪103‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫لقد أشارت كلمة ال تأكلوا أموالكم ‪ ،‬إلى ما هو عليه المؤمنون ‪ ،‬أو إلى ما ينبغي أن يكون عليه من أخوة‬
‫صادقة ‪ ،‬ومشاركة وجدانية حانية يجسدها الشعور ‪ ،‬بأن مال أخيك هو مالك ‪ ،‬من زاوية أنه يجب عليك أن‬
‫تحافظ عليه ‪ ،‬وأن تصونه من التلف والضياع ‪ ،‬فألن تمتنع عن أكله بالباطل من باب أولى ‪ ،‬فإذا أكلت مال‬
‫أخيك أضعفته ‪ ،‬وفي ضعفه ضعف لك ‪ ،‬فأنت بهذا قد أكلت مالك وأشارت كلمة (بينكم ) إلى أن المال‬
‫ال بين األغنياء فقط ‪ ،‬وفي هذا‬ ‫يجب أن يكون متداو ً‬
‫ال بين جميع أفراد األمة ‪ ،‬وأكله بالباطل يجعله متداو ً‬
‫تضييق على الفقراء ‪ ،‬بل سحق لهم ‪.‬‬

‫والمال قوام الحياة ‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل عدوان على قوام حياتهم ‪ ،‬وهذا يستوجب غضب هللا ‪ ،‬وعقابه‬
‫األليم ‪ ،‬فاإلضرار بالناس يقترب من الشرك باهلل ‪ ،‬أما أكل المال بالحق ‪ :‬فهو أن يكون نظير عوض حقيقي‪،‬‬
‫أو خدمة صحيحة ‪ ،‬وأن يكون المأكول ماله راضياً أشد الرضا حتى لو كشف الغطاء ‪ ،‬وهذا مستنبط من‬
‫قوله تعالى ‪:‬‬

‫َن َت ُكو َن ِت َج َارًة َع ْن َتَر ٍ‬


‫اض ِمْن ُك ْم َوَال َت ْقُتُلوا أَْن ُف َس ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َواَل ُك ْم َبْيَن ُك ْم ِباْلَباط ِل ِإَّال أ ْ‬
‫ْكُلوا أ ْ‬
‫َمُنوا َال َتأ ُ‬ ‫﴿يا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ين آ َ‬ ‫َ‬
‫ان ِب ُك ْم َر ِحيمًا﴾‬‫َّللا َك َ‬
‫إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫[سورة النساء اآلية‪]29:‬‬

‫حرمة المال الحرام‬

‫وقد شدد النبي صلى هللا عليه وسلم على حرمة المال الحرام وجعلها كحرمة الدم والعرض فقال ‪:‬‬
‫(( كل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعرضه ))‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم عن أبو هريرة رضي هللا عنه ]‬

‫وفيما رواه البيهقي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬

‫ئ مسلم إال بطيب نفس منه وقال ‪ " :‬من انتهب نهبة فليس منا ))‬
‫(( أال ال تظلموا ‪ ،‬أال ال يحل مال امر ٍ‬
‫ومن أكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬الغصب والنهب والسلب والرشوة والغلول والسرقة والميسر والربا ‪ ،‬وهذه‬
‫األنواع من أكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬بينةٌ حرمتها ‪ ،‬واضحةٌ حدودها ‪ ،‬وظاهرة نتائجها ‪ ،‬لذلك تجد الكثرة‬
‫الكاثرة من المسلمين يبتعدون عنها خشية أن َّ‬
‫يحل عليهم غضب هللا ‪ ،‬ومن يحلل عليه غضب هللا فقد هوى ‪.‬‬

‫ولكن هناك أنواعًا من أكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬يخفى على كثير من المسلمين ‪ ،‬بسبب توانيهم عن‬
‫حضور مجالس العلم ‪ ،‬أو عزوفهم عن سؤال أهل الذكر وقد روي عن سيدنا عمر رضي هللا عنه أنه كان‬
‫يطوف بالسوق ‪ ،‬ويعنف بعض التجار ويقول ‪ :‬ال يبع في سوقنا إال من تفقه ‪ ،‬وإال أكل الربا شاء أم أبى ‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫االحتكار‬

‫ومن أكل أموال الناس بالباطل " االحتكار " وهو بالتعريف الدقيق ؛ حبس ٍ‬
‫مال أو منفعة أو عمل واالمتناع‬
‫ِّ‬
‫مظانه ‪ ،‬مع‬ ‫عن بيعه وبذله حتى يرتفع سعره ارتفاعًا فاحشًا غير معتاد ‪ ،‬بسبب قلته أو انعدام وجوده في‬
‫شدة الحاجة إليه ‪ ،‬والمحتكر خالل أحاديث سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ملعون وخاطئ ‪ ،‬وقد برئت‬
‫منه ذمة هللا ‪ ،‬وقد توعده هللا بالنار ‪.‬‬
‫فقد قال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫طعاماً َف ُه َو خاطئ))‬
‫تكَر َ‬
‫اح َ‬
‫((من ْ‬
‫[أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود]‬

‫وقال ‪ :‬عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما ‪َّ ،‬‬
‫أن عمر رضي هللا عنه قال ‪:‬‬

‫(( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ))‬


‫[أخرجه زيادات رزين]‬

‫وقيل ‪ :‬من احتكر الطعام أربعين ليلة يريد به الغالء ‪ ،‬قد برئ من هللا وبرئ هللا منه ‪.‬‬

‫وقد أثنى النبي صلى هللا عليه وسلم على من ترك االحتكار خوفًا من هللا ‪ ،‬وإشفاقًا على المسلمين ‪ ،‬وتيسي ًار‬
‫عليهم فقال ‪:‬‬

‫(( من جلب طعاماً فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به ))‬


‫[أخرجه ابن مردويه من حديث ابن مسعود]‬

‫فاالحتكار ‪ :‬أكل األموال بالباطل ‪ ،‬وابتزازها بافتعال قلة العرض مع كثرة الطبل ‪ ،‬وليس هذا الربح الزائد الذي‬
‫يجنيه المحتكر حالالً ؛ ألنه ليس نظير خدمات حقيقية يقدمها التاجر ‪ ،‬ولم ُيؤخذ بالرضى الحقيقي للمشتري‪،‬‬
‫إنما هو إلجاء أصحاب الحاجات إلى شراء حاجاتهم ‪ ،‬بأكثر من أثمانها الحقيقية ‪ ،‬وقد قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬

‫(( بئس العبد المحتكر ‪ ،‬إن أرخص هللا األسعار حزن وإن أغالها فرح ))‬
‫[ذكره الطبراني في الكبير والبيهقي عن معاذ ]‬

‫بل إن علماء األصول بنوا حكم االحتكار ال على النصوص الجزئية التفصيلية الخاصة به فحسب بل على‬
‫أصول عامة ‪ ،‬تثبت باالستقراء قطعيتها ‪.‬‬

‫قال اإلمام أبو يوسف رحمه هللا ‪ :‬كل ما أضر بالناس حبسه فهو احتكار ‪.‬‬

‫‪105‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫وقال بعض الفقهاء المحدثين ‪ :‬كل إيهام أو تضليل ‪ ،‬من شأنه أن يزيد في الطلب على السلعة ‪ ،‬مع قلة‬
‫العرض ‪ ،‬تمهيداً لرفع السعر فهو احتكار ‪.‬‬

‫الغش‬

‫ومن أكل أموال الناس بالباطل ‪ :‬الغش ‪ ،‬والغش أنواع كثيرة وصور شتى ‪ ،‬يرجع معظمها إلى المخادعة ‪،‬‬
‫بإظهار شيء وإخفاء خالفه ‪ ،‬في باطنه ‪ ،‬ومن ذلك الكذب في التعريف فيعرف الرديء بأنه جيد ‪ ،‬وذو‬
‫السعر الرخيص بأنه ذو السعر الغالي ‪.‬‬
‫ومن الغش دس الرديء في ثنايا الجيد ‪ ،‬وبيعه‬
‫جميعاً بقيمة الجيد دون بيان الواقع والحقيقة ‪،‬‬

‫ومن الغش أن يقول البائع اشتريته بكذا كذباً‬


‫ليخدع المشتري في هامش ربحه ‪ ،‬ومن الغش‬
‫إخفاء العيب والتالعب بالوزن ‪ ،‬والكيل والعدد‪،‬‬
‫والطول والحجم والمساحة ‪ ،‬ومن الغش عرضها‬
‫بطريقة تزيد من مزاياها ‪ ،‬وتخفي من عيوبها ‪،‬‬
‫ومن الغش توجيه المشتري إلى بضاعة رديئة‬
‫كاسدة استغالالً لجهله ‪ ،‬ومن الغش استغالل جهل المشتري ‪ ،‬ورفع السعر أضعافاً مضاعفة ‪ ،‬وهذا المشتري‬
‫الجهول بنوعية البضاعة وقيمتها سماه الني صلى هللا عليه وسلم " المسترسل " فقال ‪:‬‬
‫بن المسترسل ربا ‪ ،‬وقال ‪ :‬غبن المسترسل حرام ))‬
‫(( َغ ُ‬
‫[رواه البيهقي عن انس و الطبراني عن أبي أمامة ]‬

‫وهكذا فكل ٍ‬
‫مال يكسبه اإلنسان عن طريق الغش فهو حرام ‪ ،‬وهو سحت وظلم وهو من أكل أموال الناس‬
‫بالباطل ‪.‬‬

‫والغش كما يكون بالبيع يكون في الشراء ‪ ،‬فقد نهى النبي صلى هللا عليه وسلم عن تلقي الركبان لشراء‬
‫بضاعتهم قبل أن يعرفوا قيمتها الحقيقية ‪ ،‬ونهى عن كل جهالة تمكن البائع أو الشاري من الغش وتفضي إلى‬
‫منازعة ‪.‬‬

‫وسواء في اإلثم أن تغش المسلمين ‪ ،‬أو غيرهم ؛ ألن الحق ال يفرق وال يج أز ‪ ،‬فالخلق كلهم عيال هللا وأحبهم‬
‫إلى هللا أنفعهم لعياله ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫‪106‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫(( من غش فليس منا ))‬
‫[رواه الترمذي عن أبي هريرة ]‬

‫وكلمة غش جاءت مطلقة ‪.‬‬

‫بل إن غش غير المسلمين أشد إثماً ألنه يؤدي إلى جرح مكانة الدين فأنت أيها المسلم على ثغرة من ثغر‬
‫اإلسالم فال ُيؤتََي َّن من قبلك ‪.‬‬

‫روى مسلم عن أبي هريرة رضي هللا عنه ‪ :‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬

‫ال فقال ‪ " :‬ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ‪ " ..‬فقال‬


‫صبرة طعام ‪ ،‬فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بل ً‬
‫مر على ُ‬
‫(( َّ‬
‫أصابته السماء يا رسول هللا ‪ ،‬قال ‪ :‬أفال جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غش فليس منا ))‬

‫أخالق المؤمنين في تعاملهم مع الناس‬

‫وقد أثنى النبي صلى هللا عليه وسلم على التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا وعدوا لم يخلفوا ‪ ،‬وإذا ائتمنوا‬
‫لم يخونوا ‪ ،‬وإذا باعوا لم يطروا ‪ ،‬وإذا اشتروا لم يذموا ‪ ،‬وإذا كان عليهم لم يمطلوا ‪ ،‬وإذا كان لهم لم يعسروا ‪.‬‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( من عامل الناس فلم يظلمهم ‪ ،‬وحدثهم فلم يكذبهم ‪ ،‬ووعدهم فلم يخلفهم ‪ ،‬فهو ممن كملت مروءته ‪،‬‬
‫وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته ))‬
‫فإذا ظلمهم ‪ ،‬أو كذبهم ‪ ،‬أو أخلفهم ‪ ،‬فقد سقطت عدالته ‪ ،‬لكن الفقهاء عدوا بنوداً كثيرة تجرح العدالة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أكل لقمة من حرام ‪ ،‬منها تطفيف بتمرة ‪..‬‬

‫المبادئ والقيم والمثل ال تعيش إال في المثل الحي ‪ ،‬والمثل الحي يجسد المبادئ ‪ ،‬ويحقق القيم ‪ ،‬ويجعل‬
‫المثالية واقعاً ‪ ،‬والمثل الحي حقيقة مع البرهان عليها ‪ ،‬والمثل الحي نموذج إنساني خالد ‪ ،‬ونبراس لألجيال‬
‫من بعده ‪ ،‬فأبو حنيفة النعمان رحمه هللا ‪ ،‬أكرم علمه ونفسه وحزم أمره على أن يأكل من كسب يمينه ‪ ،‬وأن‬
‫تكون يده هي العليا دائمًا ‪ ،‬وقد أيقن أنه ما أكل أمرؤ لقمة أزكى وال أعز من لقمة ينالها من كسب يده ‪،‬‬
‫لذلك خصص شط اًر من وقته لكسب رزقه ‪ ،‬فاتجر بالخز (القماش) وأثوابه ‪.‬‬

‫فكان له متجر معروف يقصده الناس ‪ ،‬فيجدون فيه الصدق في المعاملة ‪ ،‬واألمانة في األخذ والعطاء ‪،‬‬
‫وكانوا يجدون فيه أيضاً الذوق الرفيع ‪ ،‬وكان يأخذ المال من حله ويضعه في محله ‪ ،‬وكان كلما حال عليه‬

‫‪107‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫الحول أحصى أرباحه من تجارته ‪ ،‬واستبقى منها ما يكفيه لنفقته ثم يشتري بالباقي حوائج القراء والمحدثين‬
‫والفقهاء وطالب العلم وأقواتهم وكسوتهم ‪.‬‬

‫ومثل حي آخر ‪ ،‬الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي هللا عنه الذي كان مثالً أعلى في العدالة والرحمة‬
‫والزهد ‪ ،‬وقد أتعب الذين أتوا من بعده ‪ ،‬ففي عهده وفد إلى المدينة المنورة رسول من أذربيجان ‪ ،‬وقد وصلها‬
‫في ساعة متأخرة من الليل ‪ ،‬وكره أن يطرق باب أمير المؤمنين في هذا الوقت ‪ ،‬فتوجه إلى مسجد رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فسمع صوتًا فيه األنين والحنين إلى هللا ‪ ،‬سمع صاحب هذا الصوت يقول ‪ :‬يا رب أنا‬
‫واقف ببابك ‪ ،‬مستمسك بحبالك ‪ ،‬هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي ‪ ،‬أو رددتها فأعزيها ‪ ،‬فقال الرسول من أنت‬
‫يرحمك هللا ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال يا أمير المؤمنين أال تنام الليل ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬إنني إن نمت‬
‫الليل كله أضعت نفسي أمام ربي ‪ ،‬وإن نمت النهار أضعت رعيتي ‪ ،‬ويمكثان في المسجد حتى صالة‬
‫الفجر ‪ ،‬وبعد الصالة يدعو عمر رسول عالمه على أذربيجان إلى بيته ‪ ،‬ويسأل عمر أم كلثوم زوجته ماذا‬
‫عندك من طعام يا بنت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ؟ فقالت ‪ :‬ليس عندنا وهللا إال الخبز وبعض حصاة‬
‫الملح ‪ ،‬ويتناوالن هذا الطعام الخشن ‪ ،‬ويسأل عمر ضيفه فيم جئتنا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إن عاملك هناك أرسلني بهذه‬
‫الهدية إليك علبة فيها بعض الحلوى ‪ ،‬ال تصنع إال هناك ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬أو يأكل عامة المسلمين هناك هذا‬
‫الطعام ‪ ،‬قال ‪ :‬ال هذا طعام الخاصة ‪ ،‬قال ‪ :‬أو أعطيت كل فقراء المدينة مثلما أعطيتني ‪ ،‬قال ‪ :‬ال هذا لك‬
‫وحدك ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬بلغ األمير هناك أن يأكل مما يأكل منه عامة المسلمين ‪ ،‬وأن ال يعود إلى مثلها ‪ ،‬وأمر‬
‫الرسول أن يذهب بهذه الحلوى إلى فقراء المسلمين في المسجد ‪ ،‬وأن يقسمها فيما بينهم ‪ ،‬وقال قولته الشهيرة‪:‬‬
‫حرام على بطن عمر أن يذوق حلوى ال يطعمها فقراء المسلمين ‪.‬‬

‫كيف ال وهو الذي خاطب بطنه من قبل بعد أن حرمه اللحم أشه اًر عدة في عام المجاعة ‪ ،‬خاطبه فقال ‪:‬‬
‫قرقر أيها البطن ‪ ،‬أو ال تقرقر ‪ ،‬فو هللا لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين ‪.‬‬

‫هلل در صحابة رسول هللا ‪ ،‬ماذا نقول بحقهم ؟ أنقول إنهم بشر ‪ ،‬نعم ولكن ليسوا ككل البشر ‪ ،‬أنقول إنهم‬
‫مالئكة ؟ نعم ‪ ،‬ولكن من في الطهر والصفاء والنقاء ‪.‬‬

‫‪108‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫لدعاء ‪:‬‬

‫اللهم أغننا بالعلم ‪ ،‬وزينا بالحلم ‪ ،‬وأكرمنا بالتقوى ‪ ،‬وجملنا بالعافية وطهر قلوبنا من النفاق ‪ ،‬وأعمالنا من‬
‫الرياء ‪ ،‬وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة ‪ ،‬وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا‬
‫التي فيها معاشنا ‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ‪ ،‬وجعل الموت‬
‫راح ًة لنا من كل شر ‪.‬‬
‫اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إال إليك ‪ ،‬ومن الذل إال لك ‪ ،‬ومن الخوف إال منك ‪ ،‬نعوذ بك من عضال الداء‪،‬‬
‫ومن شماتة األعداء ومن السلب بعد العطاء ‪.‬‬
‫اللهم استر عوراتنا ‪ ،‬وآمن روعاتنا ‪ ،‬وآمنا في أوطاننا ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمنًا سخيًا رخيًا ‪ ،‬وسائر بالد‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪109‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق‬


‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬

‫سم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل ثم الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي هدانا لهذا ‪ ،‬وما كنا ِّل َن ْهتَِّد َي لوال أن هدانا هللا ‪ ،‬وما توفيقي وال‬
‫غاما لمن‬
‫بربوبيَّته ‪ ،‬وإر ً‬
‫ار ُ‬
‫اعتصامي وال توكلي إال على هللا ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬إقرًا‬
‫صَلت عين‬ ‫َّ‬
‫جحد به وكفر ‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمًدا صلى هللا عليه وسلم رسول هللا سيد الخلق والبشر ‪ ،‬ما ات َ‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه ‪ ،‬وعلى ذريته‬ ‫بنظر ‪ ،‬أو سمعت أذن ِّب َخبر ‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫زدنا علما ‪ ،‬وأرنا الحق ًّ‬
‫حقا‪،‬‬ ‫ومن وااله ومن تبعه إلى يوم الدين‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا ‪ ،‬وانفعنا بما علمتنا ‪ ،‬و ْ‬
‫ً‬
‫أحسنه ‪ ،‬و ْأدخلنا‬‫ممن يستمعون القول فيتبعون ْ‬ ‫وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه ‪ ،‬واجعلنا َّ‬
‫برحمتك في عبادك الصالحين‪.‬‬

‫مهنة اإلنسان أخطر شيء في حياته ‪:‬‬

‫يا أيها األخوة األكارم ؛ ورد في بعض األحاديث القدسية قول النبي عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫((إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا‬


‫لن تموت حتى تستكمل أجلها ‪ ،‬وتستوعب‬
‫رزقها ‪ ،‬فاتقوا هللا ‪ ،‬وأجملوا في الطلب ‪ ،‬وال‬
‫يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه‬
‫بمعصية هللا ؛ فإن هللا تعالى ال ينال ما عنده‬
‫إال بطاعته ))‬
‫[ ابن ماجه وأبو نعيم والحاكم وابن حبان وأخرجه الطبراني عن أبي‬
‫أمامة الباهلي ]‬

‫ومورد رزقه ‪ ،‬حرف ًة‬


‫ُ‬ ‫هنته‪،‬‬
‫وم ُ‬ ‫فته ِّ‬
‫جدا في حياته ‪ ،‬فإذا كانت حر ُ‬‫خطير ًّ‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬ ‫أيها األخوة‬ ‫مهنة اإلنسان‬
‫ٌ‬
‫معصية هلل عز وجل ‪ ،‬أو فيها إيقاعٌ لألذى‬ ‫بها ‪ ،‬ونفع بها المسلمين ‪ ،‬وإن كانت حرف ًة فيها‬ ‫مشروع ًة ِّ‬
‫سع َد‬
‫َ‬
‫ابحث‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫وسببا ل َهالكه ‪ْ ،‬ابحث عن مهنة فيها َنْف ٌع للناس ‪َ ،‬‬
‫بالمسلمين ‪ ،‬كانت هذه الحرفةُ نْقمة على صاحبها ‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫شروعة في أصلها‬ ‫ٍ‬
‫مهنة َم‬ ‫مهنة ترضي هللا عز وجل ‪ْ ،‬ابحث عن‬ ‫مهنة فيها عطاء للناس ‪ ،‬ابحث عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫َْ‬ ‫ٌ‬
‫الحرفة إلى عبادة ‪.‬‬‫وخدمة المسلمين كي تنقلب هذه ِّ‬ ‫طر ٍ‬
‫يقة مشروعة ‪ ،‬وابتغ بها وجه هللا عز وجل ِّ‬ ‫وطبقها ِّب َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬

‫‪110‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫يا أيها األخوة المؤمنون ؛ انطالًقا من أن تسعة أعشار المعاصي من كسب الرزق ‪ ،‬وانطالًقا من أن الدعاء‬
‫اإلنسان ماالً حالالً من كسبه ‪ ،‬وكد يمينه ‪ ،‬وعرق جبينه ‪ ،‬كانت هذه السلسلة من‬
‫ُ‬ ‫ال ُيستجاب إال إذا أكل‬
‫الخطب المتعلقة ِّب َك ْسب الرزق ‪.‬‬
‫ُ‬

‫ُجرة ‪:‬‬
‫أجر وأ ْ‬
‫أعظم األعمال في الدنيا ما كان له ٌ‬
‫ُ‬

‫أيها األخوة المؤمنون ؛ أباح اإلسالم التَّ َك ُّسب عن طريق الزراعة ‪ٌ ،‬‬
‫باب كبير مباح ‪ ،‬ولكن األحاديث الشريفة‬
‫أجر‬
‫طعم الناس ‪ ،‬ويسعى في توفير حاجاتهم الغذائية له عند هللا ٌ‬ ‫الصحيحة تز ُيد عن اإلباحة بأن هذا الذي يُ ُ‬
‫وسَّلم قال ‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫بي َّ‬ ‫كبير ‪ ،‬فقد روى اإلمام البخاري عن ٍ‬
‫أنس عن َّ‬
‫َّللاُ عليه َ‬
‫صلى َّ‬ ‫الن ِّ‬

‫طير ‪ ،‬أو بهيم ٌة إالَّ كان ْت لهُ‬


‫إنسان ‪ ،‬أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫فيأكل منهُ‬
‫ُ‬ ‫يزرع زرعاً ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يغرس غرساً ‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫مسلم‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫((ما ْ‬
‫صدقة))‬
‫[البخاري عن أنس ]‬

‫إضافة إلى َّأنك تعمل ‪ ،‬إضاف ًة إلى أنك‬


‫تكسب‪ ،‬حينما توفر حاجات المسلمين الغذائية‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهي الحاجات األولى ‪ ،‬حينما توفر هذه‬
‫بح بها‬
‫الحاجات للمسلمين إضاف ًة إلى أنك تر ُ‬
‫َّإنها تسجل لك صدق ًة ‪.‬‬

‫أردت أن تعرف‬
‫لذلك قال بعض العارفين ‪ :‬إذا ْ‬
‫ظر فيما استعملك ‪ ،‬أي أيها األخ‬
‫فان ُ‬
‫مقامك ْ‬
‫ذه َن َك ‪:‬‬
‫الكريم سؤال خطير ‪ ،‬ال ينبغي أن ْيبرح ْ‬
‫كثير ‪ :‬األُبوة ِّ‬
‫المثالية‬ ‫وقلت لكم ًا‬ ‫عمل ألقى هللا تعالى ؟ األعمال الصالحة كثيرةٌ ًّ‬‫كيف ألقى هللا ؟ بأي ٍ‬
‫جدا ‪ُ ،‬‬
‫الح ْرفة المشروعة في األصل ‪ ،‬وفي‬ ‫عمل صالح تلقى هللا به‪ ،‬البنوة المثالية عمل صالح تلقى هللا به ‪ ،‬و ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مسلم‬ ‫صالح تلقى هللا به ‪ ،‬اإلمام‬ ‫عمل‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫التعامل بها ‪ ،‬وفي ابتغاء َوجه هللا بها ‪ ،‬وفي ابتغاء نفع المسلمين بها ٌ‬
‫في صحيحه أخبرني عمرو بن دينار؛ أنه سمع جابر بن عبد هللا يقول ‪:‬‬

‫‪111‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫(( دخل النبي صلى هللا عليه وسلم على أم معبد ‪ ،‬فقال يا أم معبد ! من غرس هذا النخل ؟ أمسلم أم‬
‫كافر ؟ فقالت ‪ :‬بل مسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فال يغرس المسلم غرساً ‪ ،‬فيأكل منه إنسان وال دابة وال طير ‪ ،‬إال كان‬
‫له صدقة إلى يوم القيامة ))‬
‫[مسلم عن عمرو بن دينار]‬

‫عمر ستة آالف عام ‪ ،‬هذا الذي زرع هذه الشجرة ‪ ،‬وأكل الناس‬ ‫من منكم يصدق أن بعض أشجار النخيل تُ ِّ‬

‫منها ‪ ،‬إلى ستَّة آالف عام كل هذا العمل في صحيفته ‪ ،‬هكذا علَّمنا النبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬وقد يسأل‬
‫سائل ‪ :‬لماذا كان هذا الموضوع في هذا األسبوع ؟ بعضهم قد يربط بين هذا الموضوع وبين عيد الشجرة ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫هذا ممكن ‪:‬‬

‫((‪...‬ال يغرس المسلم غرسًا ‪ ،‬فيأكل منه إنسان وال دابة وال طير ‪ ،‬إال كان له صدقة إلى يوم القيامة ))‬
‫[مسلم عن عمرو بن دينار]‬

‫أعظم األعمال في‬


‫ُ‬ ‫يا أيها األخوة األكارم ؛‬
‫يعمل‬
‫ُ‬ ‫ُجرة ‪ ،‬هناك من‬
‫أجر وأ ْ‬
‫الدنيا ما كان له ٌ‬
‫فله‬
‫في التعليم ‪ ،‬يعلم األطفال القرآن الكريم ‪ُ ،‬‬
‫َجٌر‪،‬‬
‫من الناس أجرة ‪ ،‬وله من عند هللا أ ْ‬
‫عطاء مزدوج ‪ ،‬هذه أعمال‬
‫ٌ‬ ‫األعمال التي فيها‬
‫احرصوا عليها ‪ ،‬واإلمام البخاري في صحيحه‬
‫عن أنس رضي هللا عنه يروي حديثًا تعرفونه‬
‫جميعا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ً‬

‫أحد ‪ -‬وفي يد أحدكم فسيلة ‪ ،‬فإن‬


‫(( إن قامت الساعة ‪ -‬قامت الساعة ‪ ،‬وانتهى كل شيء ‪ ،‬ولم يبق ٌ‬
‫استطاع أال يقوم حتى يغرسها فليغرسها ))‬
‫[البخاري عن أنس ]‬

‫معروف‬
‫ٌ‬ ‫منطوقه‬
‫ُ‬ ‫هكذا جاء تَوجيه النبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬هذا الحديث له منطوق ‪ ،‬وله مفهوم ‪،‬‬
‫نافعا في المجتمع ‪ ،‬عليه‬
‫عضوا ً‬
‫ً‬ ‫عندكم‪ ،‬لكن مفهوم هذا الحديث أن على اإلنسان أن يعمل ‪ ،‬عليه أن يكون‬
‫حسن ‪ ،‬كيف يبدو دينك للناس ؟ من خالل عملك ‪ ،‬ومن خالل‬ ‫شيئا ‪ ،‬ألن قيمة اإلنسان ما ي ِّ‬ ‫أن ِّ‬
‫يقد َم ً‬
‫ُ‬
‫تدخل‬ ‫صدقك ‪ ،‬ومن خالل أمانتك ‪ ،‬كيف‬
‫إنتاجك ‪ ،‬ومن خالل استقامتك ‪ ،‬ومن خالل ْ‬‫صنعتك ‪ ،‬ومن خالل ِّ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫الجنة ؟ قال تعالى ‪:‬‬

‫‪112‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫﴿اد ُخُلوا اْل َجَّن َة ِب َما ُكْن ُت ْم َت ْع َمُلو َن ﴾‬
‫ْ‬
‫[ سورة النحل ‪]32 :‬‬

‫شرع هللا عز وجل َّإنما‬ ‫فأنت من خالل العمل ْيبدو إسالمك ‪ ،‬ويبدو إيمانك ‪ ،‬ومن ْأدراك أن الذي يعمل وْفق ْ‬
‫عت ِّه ْ‬
‫متِّقًنا ‪،‬‬ ‫داعيةٌ ‪ ،‬وهو ال يدري ‪ ،‬تدعو إلى هللا ‪ ،‬هكذا المسلم ‪ ،‬هكذا في صنعِّت ِّه مخلصا ‪ ،‬وفي صن ِّ‬
‫َْ‬ ‫ً‬ ‫َْ‬
‫ِّ‬
‫هو َ‬
‫أمينا ‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫تعامله مع الناس ً‬ ‫ص ْن َعِّت ِّه صادًقا ‪ ،‬هكذا في‬
‫هكذا في َ‬

‫(( األمانة غنى ))‬


‫ً‬
‫[الجامع الصغير عن أنس ]‬

‫أمينا ِّ‬
‫وث َق الناس فيك ‪.‬‬ ‫كنت ً‬‫المعنى المادي ‪ ،‬إذا َ‬

‫قيمة المرء ما ِ‬
‫يحسُن ُه ‪:‬‬

‫ابع ‪ :‬اإلمام السيوطي عن ابن جرير عن عمارة ابن خزيمة بن ثابت ‪ :‬سمعت‬ ‫يا أيها األخوة المؤمنون ؛ ٌ‬
‫أثر ر ٌ‬
‫عمر بن الخطاب يقول ألبي ‪:‬‬

‫(( يمنعك أن تغرس أرضك ؟ فقال له أبي ‪ :‬أنا شيخ كبير أموت غداً ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬أعزم عليك لتغرسها‬
‫‪ ،‬فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي ))‬
‫[السيوطي عن ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت]‬

‫((إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها ‪ ،‬وتستوعب رزقها ‪ ،‬فاتقوا هللا ‪،‬‬
‫وأجملوا في الطلب ‪ ،‬وال يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية هللا ؛ فإن هللا تعالى ال ينال ما‬
‫عنده إال بطاعته ))‬
‫[ ابن ماجه وأبو نعيم والحاكم وابن حبان وأخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ]‬

‫ليس من شأن المسلم أن يكون كسو ً‬


‫ال ‪ ،‬ليس‬
‫من شأن المسلم أن يكون كالً على اآلخرين ‪،‬‬
‫ليس من شأن المسلم أن يعمل عمالً غير‬
‫متقن‪ ،‬ليس من شأن المسلم أن يكون أنانيًّا ‪،‬‬
‫افرت حاجاته فعلى الدنيا السالم ‪ ،‬إذا‬
‫إذا تو َ‬
‫افرت حاجته فْليمت الناس من بعده ‪ ،‬ليس‬
‫تو َ‬
‫من شأن المسلم هذا ‪ ،‬وهللا ما آمن ‪ ،‬وهللا ما‬
‫آمن‪ ،‬وهللا ما آمن ‪ ،‬من بات شبعان وجارهُ إلى‬

‫‪113‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫جانبه جوعان وهو يعلم ‪ ،‬سيدنا عمر وهو خليفة المسلمين قام وغرس هذه األرض ِّ‬
‫بيده مع أبيه‪ ،‬ليس هذا‬ ‫َ‬
‫الخْلق‪ ،‬سيد المؤمنين بعد‬
‫غر ًيبا ‪ ،‬سيدنا الصديق ‪ ،‬وما أدراكم ما سيدنا الصديق ‪ ،‬خليفة رسول هللا ‪ ،‬وسيد َ‬
‫أفضل من أبي بكر ‪ ،‬لو ُوزن إيمان الخلق مع إيمان أبي‬
‫َ‬ ‫شمس على رجل بعد نبي‬ ‫ٌ‬ ‫طلع ْت‬
‫رسول هللا ‪ ،‬ما َ‬
‫ان له مساكين ‪ ،‬فلما صار خليفة المسلمين دخل الحزن على هؤالء‬ ‫شياها ِّ‬
‫لجير ٍ‬ ‫لب‬
‫ً‬ ‫يح ُ‬
‫لرج َح ‪ ،‬كان ْ‬
‫بكر َ‬
‫ستنقطع عنهم ‪ ،‬طرق الباب في صبيحة اليوم الذي صار هذا‬ ‫الجيران ألن هذه ِّ‬
‫الخدمة التي كان يقدمها لهم‬
‫ُ‬
‫الخليفة العظيم خليفة المسلمين ‪ ،‬طرق باب هؤالء الجيران ‪ ،‬فقاَلت صاحبة البيت ‪ ،‬وكان زوجها قد تُُوفي ‪:‬‬

‫وقالت ‪ :‬يا أُماه جاء ِّ‬


‫حال ُب الشاة !‬ ‫ْ‬ ‫فعادت إلى أُمها ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫يا بنيتي ا ْفتحي الباب‪ْ ،‬انطَلَقت هذه الفتاة لِّتَْفتح الباب ‪،‬‬
‫نفسه جاء ‪ ،‬وهو خليفة المسلمين !‬ ‫الذي يحلب لنا ِّ‬
‫الشياه ‪ ،‬هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫متاعه ‪ ،‬يستمد قيمته من‬ ‫يا أيها األخوة األكارم ؛ قيمة المرء ما ِّ‬
‫يحس ُنهُ ‪ ،‬بينما في آخر الزمان ‪ ،‬قيمة المرء‬
‫ُ‬
‫مساحة بيته ‪ ،‬من موقع بيته ‪ِّ ،‬من نوع ْفرش بيته ‪ ،‬من نوع مركبته ‪ ،‬من دخله ‪ ،‬من ثيابه ‪ ،‬من نوع ثيابه ‪،‬‬
‫تمد الرجل قيمته ِّم َّما يحسن ‪ ،‬ماذا يقدم‬
‫اس َّ‬ ‫تمُّدوا قيمتهم من متاعهم ‪ ،‬فإذا َّ‬
‫تقدم المجتمع ‪ْ ،‬‬ ‫اس َ‬
‫َّ‬
‫إذا تخلف الناس ْ‬
‫يلد المال ‪ ،‬وفي اإلسالم ال يجوز أن‬
‫شيئا ‪ ،‬المال عنده ُ‬
‫يفعل ً‬
‫حرم هللا الربا ؟ ألن المرابي ال ُ‬ ‫للناس ؟ لماذا َّ‬
‫يلد المال المال ال ِّيل ُد المال إال ِّمن ٍ‬
‫عمل منتج تقدمه للمجتمع ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫أيها األخوة األكارم ؛ وقد روى اإلمام البخاري رحمه هللا تعالى عن نافع بن عاصم ‪ ،‬قال ‪ :‬سمع عبد هللا بن‬
‫عمالك ؟ ‪ -‬ابن عمر رأى رجالً خرج من‬ ‫ٍ‬
‫بستان ‪َ -‬أي ْع َم ُل َّ‬ ‫عمر قال البن أ ٍخ له خرج من الوهطة ‪ -‬أي من‬

‫عمالك ؟ قال ‪ :‬ال أدري ‪ ،‬قال ‪ :‬أما لو كنت ً‬


‫ثقفيا ‪ -‬من بني‬ ‫مل َّ‬
‫بستان وهو صاحب البستان ‪ -‬قال ‪َ :‬أي ْع ُ‬
‫التفت إلينا وقال ‪ :‬إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره كان عامالً من‬
‫يعمل عمالك ‪ ،‬ثم َ‬
‫ُ‬ ‫لع ِّمْل ُت ما‬
‫ثقيف ‪َ -‬‬
‫عمال هللا عز وجل ‪.‬‬

‫سك َبيِّد عبد‬


‫أم َ‬
‫أن النبي عليه الصالة والسالم حينما ْ‬‫تدفع إلى قيمة العمل ‪ ،‬وكلكم يعلم َّ‬
‫كأن هذه األحاديث ُ‬
‫هللا بن مسعود ورآها ِّ‬
‫خش َنة ‪ ،‬أمسكها وقال ‪ " :‬هذه اليد يحبها هللا عز وجل "‪.‬‬

‫أخ ًذا عن حديث‬ ‫ٍ‬ ‫وعن عبد هللا بن سالم َّأنه قال ‪ :‬إذا ِّ‬
‫سم ْع َت َّ‬
‫غرَسة فاغرسها ‪ْ ،‬‬
‫بالدجال قد خرج ‪ ،‬وأنت على ْ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪114‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫للكون وظيفتان خطيرتان ؛ إرشادية و نفعية ‪:‬‬

‫يا أيها األخوة المؤمنون ؛ ماذا يقول هللا عز وجل في سورة األنعام في اآلية التاسعة والتسعين ؟ دققوا في هذه‬
‫الكلمات ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫َخرجَنا ِمْنه َخ ِض اًر ُن ْخ ِرج ِمْنه حبًا م َتر ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿و ُهو َّال ِذي أَْن َزل ِمن َّ ِ‬
‫اكباً‬ ‫ُ ُ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ات ُك ِل َش ْي ٍء َفأ ْ َ ْ‬ ‫َخَر ْجَنا ِبه َنَب َ‬ ‫اء َفأ ْ‬ ‫الس َماء َم ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ان ُم ْش َتِبهاً َو َغْيَر ُم َت َشا ِب ٍه اْنظُُروا ِإَلى‬ ‫الزْي ُتو َن َو ُّ‬
‫اب َو َّ‬ ‫ان َد ِاني ٌة وجَّن ٍ ِ‬ ‫الن ْخ ِل ِم ْن َ ِ ِ‬
‫َو ِم َن َّ‬
‫الرَّم َ‬ ‫َعَن ٍ‬
‫ات م ْن أ ْ‬ ‫طْلع َها قْن َو ٌ َ َ َ‬
‫ات ِلَق ْو ٍم ُي ْؤ ِمُنو َن﴾‬ ‫َث َم ِرِه ِإ َذا أَ ْث َمَر َوَيْن ِع ِه ِإ َّن ِفي َذِل ُك ْم َ َ‬
‫آلَي ٍ‬
‫[ سورة األنعام ‪]99 :‬‬

‫ظاهرة النبات ‪ ،‬هذه الظاهرة لها نْف ٌع عميم ‪ ،‬ولها إرشاد كبير ‪ ،‬ويجب أن تعلموا علم اليقين أن الكون له‬
‫أسماكه ‪ ،‬وأطيارهُ ‪،‬‬
‫يان ُه ‪ ،‬و ُ‬ ‫وجباله ‪ ،‬وأنهارهُ ‪ِّ ،‬‬
‫ووْد ُ‬ ‫ُ‬ ‫أرضه ‪،‬‬
‫اته ‪ ،‬و ُ‬
‫سماؤه ‪ ،‬ومجر ُ‬‫ُ‬ ‫وظيفتان خطيرتان ؛‬
‫شيء في الكون له وظيفتان خطيرتان ‪ ،‬الوظيفة األولى وظيف ٌة إرشادية إلى هللا عز‬ ‫ٍ‬ ‫اناته‪ ،‬ونباتُه ‪ ،‬كل‬
‫وحيو ُ‬
‫ظهر ألسماء هللا الحسنى ‪ ،‬ووظيفةٌ أخرى نفعيَّة ِّ‬
‫ننتف ُع به ‪ ،‬فربنا سبحانه وتعالى ُيشير‬ ‫ُ‬ ‫وجل ‪ ،‬فهذا الكون َم ْ ٌ‬
‫القوت من النبات ‪ ،‬من القمح والشعير والذرة ‪ ،‬وكل‬ ‫ٍ‬
‫نبات كل شيء ‪ ،‬طعامنا من النبات ‪ ،‬و ُ‬ ‫في قوله تعالى َ‬
‫ساء من النبات ‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫أنواع المحاصيل ‪ ،‬والخض اروات نبات ‪ ،‬واألشجار المثمرة نبات ‪ ،‬والدواء من النبات ‪ ،‬والك ُ‬
‫األصِّبغة من النبات ‪ ،‬واأللوان من النبات ‪ ،‬وهذا الليف‬
‫البهجة من النبات ‪ ،‬و ْ‬
‫العين بهذه األزهار ذات ْ‬
‫وإمتاعُ َ‬
‫الذي ننظف به أجسامنا من النبات ‪ ،‬وهذا السواك الذي ننظف به أسناننا من النبات ‪ ،‬وأحصى بعض‬
‫حيث األنواع ‪ ،‬ال من حيث األعداد ‪ ،‬لذلك صدق النبي‬ ‫ص ٍ‬
‫ناعة تقوم على النبات من ُ‬ ‫العلماء أن عشرين أْلف ِّ‬

‫عليه الصالة والسالم حينما يقول ‪:‬‬

‫(( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ‪ ،‬فإن استطاع أال يقوم حتى يغرسها فليغرسها ))‬
‫[البخاري عن أنس ]‬

‫فوائد األشجار ‪:‬‬

‫طع أشجارها ‪ ،‬وقال بعض العلماء ‪ :‬إن‬


‫أرضا فا ْق َ‬ ‫ِّ‬
‫أردت أن تَُدم َر ً‬
‫أيها األخوة األكارم ؛ قال بعضهم ‪ :‬إذا ْ‬
‫تص َن ُع الصحة ‪ ،‬وهي في حقيقتها رئة األرض ‪ ،‬اإلنسان له رئة ‪ ،‬ورئة األرض األشجار ‪ ،‬من‬
‫األشجار ْ‬
‫المعلومات التي يعرفها جميع الناس أن األشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون ‪ ،‬مشكالت األرض اآلن ‪ ،‬هذا‬
‫التحول في األجواء ‪ ،‬ارتفاع الح اررة على مستوى األرض كلها ‪ْ ،‬ان ِّحباس األمطار ‪ِّ ،‬ب َسبب ْازدياد نسبة غاز‬
‫ُّ‬
‫نسب غاز ثاني أكسيد الكربون ‪.‬‬ ‫الكربون في الجو‪ ،‬بل إن خْل َخَلة طبقة األوزون في الجو من أسبابها ارتفاع ِّ‬

‫‪115‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫إن هذه الشجرة التي صممها هللا عز وجل‬
‫ذاء لها ‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫تمتص هذا الغاز السام ‪ ،‬هو غ ٌ‬ ‫ْ‬
‫تمتص ثاني أكسيد الكربون ‪ِّ ،‬لتح ِّوله إلى ٍ‬
‫كتلة‬ ‫َُ‬
‫حي ِّوية ليس أقلها الغذاء ‪ ،‬هذه األشجار ماذا‬
‫َ‬
‫تطرُح ؟ تطرح الغاز الذي نحن في أشد الحاجة‬
‫عر‬ ‫إليه ‪ ،‬لماذا إذا ِّسرت بين األشجار ْ‬
‫تش ُ‬
‫شاط عجيب ور ٍ‬
‫احة نفسية ؟ ألن هذه األشجار‬ ‫ِّبن ٍ‬
‫َ‬
‫تطرُح لك األكسجين ‪ ،‬هؤالء الذين يضعون‬

‫كمامات أكسجين لماذا يرتاحون بها ؟ ألنه الغاز المناسب لإلنسان ‪ ،‬ما هذا ُّ‬
‫الص ْنع المتقن ؟ األشجار إضاف ًة‬ ‫َّ‬
‫إلى جمالها ‪ ،‬وإلى موادها ‪ ،‬وإلى منافعها تمتص غاز الفحم ‪ ،‬وتعطي األكسجين ‪.‬‬
‫التلوث والغبار ‪ ،‬وتحمي التربة من‬
‫أن األشجار تنقي الجو من ُّ‬ ‫يا أيها األخوة المؤمنون ؛ ثبت في ِّ‬
‫العْلم َّ‬ ‫ََ‬
‫الجوفية ‪ ،‬ورْفع نسب الرطوبة في‬
‫االنجراف ‪ ،‬وتز ُيد في خصوبة التربة ‪ ،‬وتزيد األشجار من تخزين المياه َ‬
‫ِّ‬
‫عاما ‪ ،‬شجرةٌ‬
‫خمسة وعشرين ً‬ ‫استغر َق إجر ُ‬
‫اؤه ْ‬ ‫بح ٌث عْلمي ْ‬
‫فشيء ال ُيصدق ‪ْ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫األرض ‪ ،‬أما بعض التفصيالت‬
‫التلوث ‪ ،‬تحمي التربة من‬
‫طنا من األكسجين ‪ ،‬وتنقي الهواء من ُّ‬ ‫واحدة عمرها خمسون ً‬
‫عاما تقدم خمسين ً‬
‫االنجراف ‪ ،‬تزيد مخزون رطوبة األرض ‪ ،‬تحمي الطيور ‪ ،‬وتطعمها ‪ ،‬تقدم البروتين النباتي ما قيمته قر ًيبا‬
‫صناعية الستغرق هذا العمل وْقتًا‬ ‫طر ٍ‬
‫يقة ِّ‬ ‫أردنا أن نقوم ِّب َوظائفها ِّب َ‬
‫عشرة ماليين ليرة ‪ ،‬شجرة واحدة ‪ ،‬لو ْ‬
‫من ْ‬
‫مديدا ‪ ،‬ونفقات باهظة ‪.‬‬
‫ً‬
‫ِّ‬ ‫أيها األخوة المؤمنون ؛ بعض علماء النفس يقول ‪َّ :‬‬
‫شيعهُ‬
‫سبب في ص َّحة اإلنسان النفسية ‪ ،‬لما تُ ُ‬
‫إن الشجرة ٌ‬
‫من جو ُمريح ‪.‬‬
‫سارت هذه الرياح المشحونة‬‫يا أخوة اإليمان ‪ ،‬الجو المشحون بالجراثيم ‪ ،‬والميكروبات ‪ ،‬والغبار ‪ ،‬إذا َ‬
‫بالجراثيم واألوبِّئة والميكروبات والغبار في ٍ‬
‫غابة ‪ ،‬فإنه في وْقت قياسي ال يز ُيد عن خمس دقائق يُ َّنقى هذا‬ ‫ْ‬
‫الجو من كل الجراثيم والميكروبات عن طريق األشجار ‪.‬‬
‫ط من ثالثين إلى خمسة وثالثين طنًّا من الغبار ‪،‬‬
‫هكتار من أشجار الصنوبر يلتق ُ‬
‫ًا‬ ‫قال بعض العلماء ‪ :‬إن‬
‫هكتار واحد من أشجار‬
‫ٌ‬ ‫لوال هذه األشجار لكان هذا الغبار في طريقه إلى أُلوف البشر ‪ ،‬وإلى رئات البشر ‪،‬‬
‫الصنوبر يلتقط في العام الواحد ما يزيد عن خمسة وثالثين ًّ‬
‫طنا من الغبار ‪.‬‬

‫‪116‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫وتصحر المكان كانت الحياة فوق ُه ال تُطاق ‪ ،‬إن ِّن َسب‬
‫َّ‬ ‫يا أيها األخوة األكارم ؛ لو ُقِّل َع ْت األشجار ‪،‬‬
‫التلوث العام من أسبابه قطع األشجار ‪ ،‬فهذا الذي يقطع األشجار ‪ ،‬قبل أن‬
‫األمراض‪ ،‬وانتشار األمراض ‪ ،‬و ُّ‬
‫خالف منطوق القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫يجب أن يعلم َّأنه ُيخالف ْ‬
‫أمر النبي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬ويُ ُ‬ ‫يقطع األشجار ُ‬

‫النهي عن قطع األشجار ‪:‬‬

‫أيها األخوة األكارم ؛ حقيقة أخرى مذهلة ‪ ،‬اإلنسان يحتاج إلى ستمئة وثمانين غر ً‬
‫اما من األكسجين كل يو ٍم ‪،‬‬
‫تستهلكه السيارة ‪ ،‬يستهلك سبعين كيلو غرام من األكسجين ‪ ،‬أي كل سيارة‬
‫ُ‬ ‫عشرون ًا‬
‫لتر من البنزين الذي‬
‫ٍ‬
‫إنسان من األكسجين ‪ ،‬مئة ضعف‪ ،‬هذه المركبات تستهلك حاجة مئة إنسان بينما الشجرة‬ ‫تستهلك حاجة مئة‬
‫ُ‬
‫حاجته من األكسجين ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تُعطيه‬

‫أيها األخوة األكارم ؛ حقيقة أخرى مذهلة أن‬


‫جرف منها ما‬ ‫ِّ‬
‫ضا منحدرة في عام واحد ُي ُ‬‫ْأر ً‬
‫يزيد عن ثمانين ًّ‬
‫طنا في كل هكتار في العام‬
‫الواحد ِّب َسبب ُنزول األمطار ‪ ،‬نزول األمطار‬
‫يجرف منها ثمانين طنًّا ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫أرض منحدرة‬ ‫على‬
‫أما إذا كانت هذه األرض مزروع ًة بأية زراعة‬
‫في ْجرف منها عشرون ًّ‬
‫طنا ‪ ،‬أما إذا كانت‬ ‫ُ‬
‫جرف منها أربعةٌ في‬
‫في ُ‬‫مزروع ًة باألشجار ‪ُ ،‬‬
‫األلف من الطن الواحد ‪ ،‬هذه الحقائق استغرق إجر ُ‬
‫اؤها سنوات طويلة ‪.‬‬

‫فيا أيها األخوة المؤمنون ؛ حينما قال النبي عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫(( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ‪ ،‬فإن استطاع أال يقوم حتى يغرسها فليغرسها ))‬
‫[البخاري عن أنس ]‬

‫منهي عنه في السنة المطهرة ‪.‬‬


‫طع األشجار فهو ْ‬
‫أما ق ْ‬

‫وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ‪ ،‬واعلموا أن ملك‬


‫أيها األخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ‪ِّ ،‬‬
‫الموت قد تخطانا إلى غيرنا ‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا فْل َنتَّ ِّخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد‬
‫بع نفسه هواها وتمنى على هللا األماني ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫الموت‪ ،‬والعاجز من ْأت َ‬

‫‪117‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت ‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت ‪ ،‬وتوَلنا فيمن توَليت ‪ ،‬وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ‪ ،‬وقنا‬
‫واصرف عنا شر ما قضيت ‪ ،‬فإنك تقضي وال يقضى عليك ‪ ،‬اللهم أعطنا وال تحرمنا ‪ ،‬أكرمنا وال تهنا ‪ ،‬آثرنا‬
‫وال تؤثر علينا ‪ ،‬أرضنا وارض عنا ‪ ،‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ‪ ،‬ومن‬
‫طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ‪ ،‬ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ‪ ،‬ومتعنا اللهم بأسماعنا ‪،‬‬
‫وأبصارنا ‪ ،‬وقوتنا ما أحييتنا ‪ ،‬واجعله الوارث منا ‪ ،‬واجعل ثأرنا على من ظلمنا ‪ ،‬وانصرنا على من عادانا ‪،‬‬
‫وال تجعل الدنيا أكبر همنا‪ ،‬وال مبلغ علمنا ‪ ،‬وال تسلط علينا من ال يخافك وال يرحمنا ‪ ،‬موالنا رب العالمين ‪،‬‬
‫اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك ‪ ،‬وبطاعتك عن معصيتك ‪ ،‬وبفضلك عمن سواك ‪ ،‬اللهم استر عوراتنا‪ ،‬وآمن‬
‫روعاتنا ‪ ،‬وآمنا في أوطاننا ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بالد المسلمين ‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث وال‬
‫تجعلنا من القانطين ‪ ،‬وال تهلكنا بالسنين ‪ ،‬وال تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك‬
‫ِّ‬
‫أعل كلمة الحق والدين ‪ ،‬وانصر اإلسالم وأعز المسلمين ‪ ،‬وخذ بيد والتهم إلى ما تحب وترضى ‪ ،‬إنك على‬
‫ما تشاء قدير ‪ ،‬وباإلجابة جدير ‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪118‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق‬


‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين ‪،‬‬
‫اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ‪ ،‬ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ‪.‬‬

‫قانون الرزق ‪:‬‬

‫أعزائي المشاهدين ‪ ...‬أخوتي المؤمنين ‪ ...‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ‪ ،‬الزلنا في قوانين القرآن ‪،‬‬
‫والقانون اليوم ‪ ،‬بل قوانين زيادة الرزق ‪ ،‬والبد من مقدمة ‪.‬‬

‫تثبيت هللا عز وجل ماليين القوانين و تحريك الصحة و الرزق لتأديب البشر ‪:‬‬

‫هللا جل جالله ثبت ماليين ماليين القوانين في الكون ‪.‬‬


‫قانون الحركة ثابت ‪ ،‬وقانون السقوط ثابت ‪،‬‬
‫الجاذبية ثابت ‪ ،‬خواص المواد ثابت ‪ ،‬ماليين ‪،‬‬
‫ماليين القوانين ثبتها هللا عز وجل كي تستقر‬
‫الحياة ‪ ،‬كي يتعامل اإلنسان معها تعامالً‬
‫مريحًا ‪.‬‬
‫فكل شيء له قانون ‪ ،‬والقانون يعني ببعض‬
‫تعريفاته ‪ :‬عالقة ثابتة بين متغيرين تطابق‬
‫الواقع ‪ ،‬وعليها دليل ‪ ،‬ومقطوع بصحتها ‪.‬‬
‫أيها األخوة األحباب ‪ ،‬هذه القوانين ثبتها هللا عز وجل ‪ ،‬ولكن حرك قضيتين خطيرتين ‪ ،‬حرك قضية‬
‫الصحة‪ ،‬وقضية الرزق ‪ ،‬فاإلنسان قد يمرض ‪ ،‬بل إن اإلنسان حريص حرصاً ال حدود له على صحته ‪،‬‬
‫وعلى حياته ‪ ،‬وعلى رزقه ‪ ،‬من هنا من خالل هذين المتحركين يأتي التأديب اإللهي ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫اب ْاألَ ْكَب ِر َل َعَّل ُه ْم َيْرِج ُعو َن ﴾‬ ‫﴿ َوَلُن ِذ َيقَّن ُهم ِم َن اْل َع َذ ِ‬
‫اب ْاأل َْدَنى ُدو َن اْل َع َذ ِ‬
‫ْ‬
‫( سورة السجدة )‬

‫ير ﴾‬ ‫َص َاب ُك ْم ِم ْن ُم ِص َيب ٍة َفِب َما َك َسَب ْت أَْي ِد ُ‬


‫يك ْم َوَي ْع ُفو َع ْن َكِث ٍ‬ ‫﴿ َو َما أ َ‬
‫( سورة الشورى )‬

‫‪119‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫قوانين زيادة الرزق ‪:‬‬

‫اليوم الحديث عن قوانين زيادة الرزق ‪ ،‬ألن اإلنسان حريص حرصاً ال حدود له على زيادة رزقه ‪ ،‬والحقيقة ‪:‬‬
‫إن هللا سبحانه وتعالى هو الرزاق ‪.‬‬
‫ِ‬
‫اق ُذو اْلُق َّوِة اْل َمت ُ‬
‫ين ﴾‬ ‫الرَّز ُ‬
‫َّللا ُه َو َّ‬ ‫ِ‬
‫﴿ إ َّن َّ َ‬
‫( سورة الذاريات )‬

‫وألنه رازق وضع قواعد ثابتة نجدها في كتاب هللا ‪ ،‬وفي سنة نبيه صلى هللا عليه وسلم لزيادة الرزق ‪ ،‬فالذي‬
‫يرى أنه البد من أن يزداد رزقه عليه أن يسلك القواعد التي شرعها هللا عز وجل ‪ ،‬ال أن يسلك طريقاً آخر ‪،‬‬
‫ألن هذا الرزق إما أن يكون وفق طريق غير شرعي يسمى رزقًا حرامًا ‪ ،‬غير مشروع يسبب تدهور اإلنسان‬
‫في الشقاء في الدنيا وفي اآلخرة ‪ ،‬وإما أن يكون رزقاً حالالً يسبب لإلنسان سعادة في الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ تقوى هللا عز وجل وطاعته ‪:‬‬

‫أيها األخوة األحباب ‪ ،‬القانون األول ‪ :‬تقوى‬


‫هللا عز وجل وطاعته ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجًا ﴾‬
‫( سورة الطالق )‬

‫أحيانًا كلمة مخرج توحي أن األبواب كلها‬


‫مغلقة‪ ،‬فحينما يتساءل اإلنسان من أين المخرج‬
‫ٍ‬
‫بالغة بالغة يغلق هللا جميع األبواب يفتح‬ ‫لحكمة‬
‫باب السماء ‪ ،‬حتى يتوجه اإلنسان إلى هللا عز‬
‫وجل‬

‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجًا ﴾‬
‫﴿ َوَيْرُزْق ُه ِم ْن َحْي ُث َال َي ْح َت ِس ُب ﴾‬
‫( سورة الطالق اآلية ‪) 3 :‬‬

‫فمن كان يعاني من ضائقة مالية وهو مقيم على مخالفات شرعية ‪ ،‬فيزيل كل مخالفة ‪ ،‬ويأتمر بما أمر ‪،‬‬
‫وينتهي عما نهى هللا عنه ‪ ،‬وهذه اآلية زوال الكون أهون على هللا من أال تحقق ألنها السهم األخير في حل‬
‫مشكالت اإلنسان ‪.‬‬

‫‪120‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجًا ﴾‬
‫من كل ضائقة ‪ ،‬يجعل له مخرجاً من الضيق المادي ‪ ،‬يجعل له مخرجاً من الضيق المعنوي ‪ ،‬يجعل له‬
‫مخرجًا من اإلحباط ‪ ،‬يجعل له مخرجًا من مشكالت قد ال تحل‬

‫﴿ َو َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجًا ﴾‬

‫‪ 2‬ـ التوكل على هللا بعد األخذ باألسباب ‪:‬‬

‫هذا القانون األول ‪ ،‬أما القانون الثاني ‪ ،‬هللا عز وجل يقول ‪:‬‬

‫﴿ ومن ي َتوَّكل عَلى َّ ِ‬


‫َّللا َف ُه َو َح ْسُبهُ ﴾‬ ‫ََْ َ َ ْ َ‬
‫( سورة الطالق اآلية ‪) 3 :‬‬

‫أنت حينما تتوكل على هللا ال بجوارحك ‪ ،‬تسعى جاهدًا باألخذ باألسباب ‪ ،‬وبعدها تتوكل على رب األرباب ‪،‬‬
‫تسعى جاهداً إلغالق كل ثغرة في حياتك ‪ ،‬وبعدها تتوكل ‪.‬‬

‫لذلك اإلنسان ينبغي أن يأخذ باألسباب وكأنها كل شيء ‪ ،‬ثم يتوكل على هللا وكأنها ليست بشيء ‪ ،‬لكن هللا‬
‫جل جالله يقول‬

‫﴿ ومن ي َتوَّكل عَلى َّ ِ‬


‫َّللا َف ُه َو َح ْسُبهُ ﴾‬ ‫ََْ َ َ ْ َ‬
‫لكن المسلمين حينما ضعف عندهم اإليمان باهلل ‪ ،‬وحينما تخلفوا عن فهم دينهم جعلوا محل التوكل الجوارح ‪،‬‬
‫مع أن محل التوكل هو القلب ‪ ،‬أما الجوارح ينبغي أن تتحرك ‪.‬‬

‫لذلك رأى سيدنا عمر أناساً يتكففون الناس في موسم الحج ‪ ،‬فسألهم من أنتم ؟ فقالوا ‪ :‬نحن المتوكلون ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كذبتم ‪ ،‬المتوكل من ألقى حبة في األرض ثم توكل على هللا ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ صلة الرحم ‪:‬‬

‫أيها األخوة األحباب ‪ ،‬قانون ثالث لزيادة الرزق إنه صلة الرحم ‪ ،‬فقد قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫(( من سره أن ينسأ له في أجله ويوسع عليه في رزقه فليصل رحمه ))‬
‫[ رواه اإلمام البخاري عن أنس بن مالك ]‬

‫‪121‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫يبدو أن الناس فهموا صلة الرحم فهما محدودًا جدًا ‪ ،‬يعني في العيد يطل على بعض أقربائه ‪ ،‬ويتمنى أال‬
‫يجدهم ليضع بطاقة مكان زيارته ‪ ،‬وجلسته معهم ‪ ،‬لكن الحقيقة أن صلة الرحم تعني أن تتصل به ‪ ،‬وأن‬
‫تزوره ‪ ،‬وأن تتفقد أحواله ‪ ،‬وأن تمد له يد العون ‪ ،‬العون المادي ‪ ،‬أو الروحي أحياناً ‪ ،‬أو العلمي ‪ ،‬البد من‬
‫أن يرعى الغني الفقير ‪ ،‬ويرعى القوي الضعيف ‪ ،‬ويرعى العالم غير المتعلم ‪ ،‬صلة الرحم أحد أسباب زيادة‬
‫الرزق ‪.‬‬

‫االستقامة على أمر هللا عز وجل دوام للنعمة ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام ‪ ،‬يقول هللا عز وجل ‪:‬‬

‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬


‫يدَّن ُك ْم ﴾‬
‫( سورة إبراهيم اآلية ‪) 7 :‬‬

‫اإلنسان حينما يكرمه هللا بمأوى ‪ ،‬يقول ‪ :‬الحمد‬


‫هلل لهذا المأوى ‪ ،‬حينما يكرمه هللا بشهادة‬
‫عالية‪ ،‬أو بمنصب معقول ‪ ،‬أو بدخل يغطي‬
‫حاجاته ‪ ،‬أو بزوجة صالحة ‪ ،‬أو بأوالد أبرار ‪،‬‬
‫حينما يعزو هذه النعم الجليلة إلى هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬ويشكره عليها ‪ ،‬هذه النعم تدوم وتزيد ‪،‬‬

‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬


‫يدَّن ُك ْم ﴾‬
‫يعني ضمان النعمة ال أن تفكر كيف تهاجم خصومك المنافسين ‪ ،‬ال ‪ ،‬دوام النعمة أن تستقيم على أمر هللا ‪،‬‬
‫وأن تشكر هللا عليها ‪ ،‬شكر النعمة حصن لها ‪ ،‬وبالشكر تدوم النعم ‪ ،‬والنعمة حينما تعزوها إلى هللا أوالً ‪ ،‬ثم‬
‫يمتلئ قلبك امتنانًا منه ثانياً ‪ ،‬ثم حينما تقابل هذه النعمة بخدمة الخلق ثالثًا كقوله تعالى ‪:‬‬

‫ود ُش ْك ًار ﴾‬
‫َل َد ُاو َ‬
‫اع َمُلوا آ َ‬
‫﴿ ْ‬
‫( سورة سبأ اآلية ‪) 13 :‬‬

‫فأنت شاكر لها ‪ ،‬وهذه النعمة لم تتحول عنك ‪.‬‬

‫َّللا َال ُي َغِيُر َما ِبَق ْو ٍم َح َّتى ُي َغِيُروا َما ِبأَْن ُف ِس ِه ْم ﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿ إ َّن َّ َ‬
‫( سورة الرعد اآلية ‪) 11 :‬‬

‫‪122‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫من استغفر ربه و اعترف بذنبه فهو في بحبوحة زيادة الرزق ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام ‪ ،‬في القرآن الكريم ‪:‬‬


‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار اًر * ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫ان َغ َّفا ًار * ُيْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َها اًر ﴾‬
‫( سورة نوح )‬

‫فما دام اإلنسان معترفًا بذنبه ‪ ،‬مستغف ًار لربه ‪ ،‬تائبًا من ذنبه فهو في بحبوحة ‪ ،‬بحبوحة زيادة الرزق ‪،‬‬

‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار اًر * ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫ان َغ َّفا ًار * ُيْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َها اًر ﴾‬
‫َّللا ِلُي َع ِذَب ُه ْم َوأَْن َت ِف ِ‬
‫يه ْم ﴾‬ ‫ان َّ ُ‬
‫﴿ َو َما َك َ‬
‫( سورة األنفال اآلية ‪) 33 :‬‬

‫أي ما دامت سنتك قائمة في حياتهم ‪ ،‬في بيوتهم ‪ ،‬في أعمالهم ‪ ،‬في كسب أموالهم ‪ ،‬في إنفاق أموالهم ‪ ،‬أي‬
‫وما داموا يستغفرون ‪.‬‬

‫َّللا ُم َع ِذَب ُه ْم َو ُه ْم َي ْس َت ْغ ِفُرو َن ﴾‬


‫ان َّ ُ‬
‫﴿ َو َما َك َ‬
‫( سورة األنفال )‬

‫هم في بحبوحة ‪ ،‬وفي خير ‪ ،‬وفي عطاء ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ الصالة ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام ‪ ،‬أما القانون الذي يلي هذا القانون هو الصالة ‪ :‬فالصالة عماد الدين ‪ ،‬من أقامها فقد أقام‬
‫الدين ‪ ،‬ومن تركها فقد هدم الدين ‪ ،‬وال خير في دين ال صالة فيه ‪ ،‬يقول هللا عز وجل ‪:‬‬

‫طِبْر َعَلْي َها َال َن ْسأَُل َك ِرْزقاً َن ْح ُن َنْرُزُق َك ﴾‬


‫اص َ‬ ‫﴿ وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫( سورة طه اآلية ‪) 132 :‬‬

‫‪123‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫بيت تؤدى فيه الصلوات ‪ ،‬يتلى فيه القرآن ‪ ،‬فيه انضباط ‪ ،‬انضباط أخالقي انضباط اجتماعي ‪ ،‬العورات‬
‫مستورة ‪ ،‬هذا البيت مرزوق ‪ ،‬ومحل تجاري تؤدى فيه الصلوات ‪ ،‬وفيه أمر بالمعروف ‪ ،‬ونهي عن المنكر ‪،‬‬
‫وفيه انضباط أخالقي ‪ ،‬وفيه غض بصر ‪ ،‬هذا المحل أيضاً مرزوق عند هللا ‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ الصدقة ‪:‬‬

‫أيها األخوة ‪ ،‬أما الصدقة هللا عز وجل يقول ‪ ،‬وكلمة رائعة جداً في هذه اآلية ‪:‬‬

‫َّللا َقْرضًا َح َسنًا ﴾‬


‫ض َّ َ‬‫﴿ َم ْن َذا َّال ِذي ُي ْق ِر ُ‬
‫( سورة البقرة اآلية ‪) 245 :‬‬

‫أية آية كائن من كان هو قرض هلل عز وجل ‪،‬‬

‫َّللا َقْرضًا َح َسنًا ﴾‬


‫ض َّ َ‬ ‫﴿ َم ْن َذا َّال ِذي ُي ْق ِر ُ‬
‫َض َعافاً َكِث َيرًة ﴾‬ ‫﴿ َفي َض ِ‬
‫اع َف ُه َل ُه أ ْ‬ ‫ُ‬
‫( سورة البقرة اآلية ‪) 245 :‬‬

‫‪ 6‬ـ اإلحسان إلى مخلوقات هللا عز وجل ‪:‬‬

‫لذلك أحد أسباب زيادة الرزق أن تحسن إلى مخلوقات هللا عز وجل ‪ ،‬والبيت الذي يتلى فيه القرآن الكريم بيت‬
‫مرزوق ‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫(( إن البيت الذي يق أر فيه القرآن يكثر خيره والبيت الذي ال يق أر فيه القرآن يقل خيره ))‬
‫[أخرجه البزار عن أنس بن مالك ]‬

‫‪124‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫‪ 7‬ـ التوسعة على العيال ‪:‬‬

‫بل إنه من غرائب الحديث ‪ :‬أن التوسعة على العيال أحد أسباب زيادة الرزق ‪.‬‬

‫(( ليس منا من وسع هللا عليه ثم قتر على عياله ))‬
‫[ الديلمي عن عائشة]‬

‫لذلك ‪:‬‬

‫(( يا ابن آدم ‪ ،‬أنفق أ ِ‬


‫ُنف ْق عليك ))‬ ‫ْ‬
‫[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]‬

‫بالل وال تخش من ذي العرش إقال ًال ))‬


‫(( أنفق ُ‬
‫[أخرجه الطبراني عن بالل ]‬

‫‪ 8‬ـ النكاح ‪:‬‬

‫أيها األخوة ‪ ،‬قانون آخر من قوانين زيادة الرزق وهو النكاح ‪ ،‬فقد قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬

‫الناكح الذي يريد‬


‫األداء ‪ ،‬و ُ‬
‫َ‬ ‫الم َك ِات ُب الذي يريد‬
‫المجاهد في سبيل هللا ‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫(( ثالثة حق على هللا َع ْوُنهم ‪:‬‬
‫اف ))‬
‫الع َف َ‬
‫َ‬
‫[أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]‬

‫ومن بحث عن الحالل أكرمه هللا ‪ ،‬حق العباد على هللا أن يعين الشاب إذا طلب الحالل ‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ طلب العلم ‪:‬‬

‫قانون آخر ‪ :‬هو طلب العلم ‪ ،‬من طلب العلم‬


‫تكفل هللا له برزقه ‪.‬‬

‫هذه بعض القوانين التي تزيد الرزق واإلنسان‬


‫حريص حرصاً ال حدود له على زيادة رزقه ‪.‬‬
‫أيها األخوة الك ارم ‪ ،‬إلى لقاء آخر إن شاء هللا‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪125‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق‬


‫الفصل الرابع ‪ :‬زيادة الرزق‬

‫الدرس (‪ : )1-4‬اسباب زيادة الرزق‬

‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬

‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬

‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬

‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬

‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬

‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬

‫رس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬

‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬

‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬

‫‪126‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬زيادة الرزق‬


‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة ألسباب زيادة الرزق ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬الزلنا في سلسلة خطب تتمحور حول الرزق‪ ،‬وألن حرص اإلنسان على حياته وعلى رزقه‬
‫حرص ال حدود له لذلك أردت ـ وهللا الموفق ـ أن أربط بين طاعة هللا واتباع سنة نبيه وبين تطبيق منهجه‬
‫وتحقيق حاجات اإلنسان األساسية‪ ،‬فحينما يتوجه الدين إلى معالجة مشكالت اإلنسان‪ ،‬واإلنسان بحسب‬
‫حرصه على وجوده‪ ،‬وعلى سالمة وجوده‪ ،‬وعلى كمال وجوده‪ ،‬وعلى استمرار وجوده عندئذ يصغي‪.‬‬

‫أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ االستقامة والتقوى‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬تقوى هللا عز وجل أحد أكبر األسباب التي تزيد في الرزق‪:‬‬

‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اهم َّماء‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿ َوأَل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬
‫َغ َد ًقا ﴾‬
‫( سورة الجن )‬

‫الت ْوَار َة َو ِ ِ‬
‫يل ﴾‬
‫اإل نج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم َأ َق ُ‬
‫اموْا َّ‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 66 :‬‬

‫ويقاس على هذه اآلية ولو أنهم أقاموا القرآن‪:‬‬

‫الت ْوَار َة َو ِ ِ‬
‫يل َو َما أ ِ‬
‫ُنز َل‬ ‫اإل نج َ‬ ‫اموْا َّ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫ألكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن َت ْح ِت‬
‫يهم ِمن َّرب ِِه ْم َ‬ ‫ِإَل ِ‬
‫أَْر ُجِل ِهم ﴾‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 66 :‬‬

‫وفي خطبة سابقة تحدثت عن موانع الرزق‪ ،‬وهي عشرة‪.‬‬

‫‪127‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫‪ 2‬ـ صدق التوكل على هللا وحسن التسليم له‪:‬‬

‫واليوم مع سبب آخر يضاف إلى تقوى هللا‪ ،‬وهو صدق التوكل عليه وحسن التسليم له‪.‬‬

‫عالقة التوحيد بالرزق ‪:‬‬

‫الحقيقة األولى في هذا الموضوع‪ :‬عالقة التوحيد بالرزق‪ ،‬كلكم يعلم أن هللا جل جالله لحكمة بالغة جعل نظام‬
‫الكون وفق مبدأ السببية‪ ،‬فجعل لكل نتيجة سببًا‪ ،‬ولكل سبب نتيجة‪ ،‬إال أن الناس أحيانًا بدافع من ضعف‬
‫توحيدهم يتوهمون أن السبب وحده هو الذي يخلق النتيجة‪ ،‬هذا نوع من أنواع الشرك‪ ،‬لذلك هناك من يأخذ‬
‫باألسباب ويعتمد عليها‪ ،‬وينسى مسبب األسباب‪ ،‬بل يؤله األسباب كحال أهل الغرب‪ ،‬وهناك من ال يأخذ بها‬
‫أصالً كحال أهل الشرق‪ ،‬الغرب حينما أخذ باألسباب‪ ،‬واعتمد عليها‪ ،‬واكتفى بها‪ ،‬وألهها‪ ،‬ونسي هللا عز وجل‬
‫وقع في الشرك األكبر‪ ،‬والشرق حينما لم يأخذ باألسباب وقع في المعصية‪ ،‬دائماً وأبدًا التطرف سهل‪ ،‬كإنسان‬
‫وقع ابنه في ذنب‪ ،‬أن يضربه ضرباً مبرحاً يتشفى منه القضية سهلة جداً‪ ،‬أي أب بعيد عن الدين بعيد عن‬
‫الحكمة وعن الفهم يفعل هذا‪ ،‬أو يتساهل فال يحاسبه أبدًا‪ ،‬لكن البطولة أن يحبك ابنك بقدر ما يخاف منك‪،‬‬
‫هذا الوضع الوسطي الحكيم يحتاج إلى جهد كبير‪ ،‬فأن نأخذ باألسباب‪ ،‬وأن نؤلهها‪ ،‬وأن ننسى هللا قضية‬
‫سهلة جداً‪ ،‬كالعالم الغربي‪ ،‬وأال نأخذ بها‪ ،‬ونتواكل على هللا بسذاجة ما بعدها سذاجة أيضاً القضية سهلة‪،‬‬
‫لكن الموقف الكامل أن تأخذ باألسباب‪ ،‬وكأنها كل شيء‪ ،‬ثم تتوكل على هللا‪ ،‬وكأنها ليست بشيء‪ ،‬هذا‬
‫الموقف الكامل في طلب الرزق‪ ،‬في النجاح بالعمل‪ ،‬في العناية بالصحة‪ ،‬في تربية األوالد‪ ،‬أن تأخذ‬
‫باألسباب‪ ،‬وكأنها كل شيء‪ ،‬وأن تتوكل على هللا‪ ،‬وكأنها ليست بشيء‪.‬‬

‫الصدقة بمنطق الحساب الرياضي والحقيقة الشرعية ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬على اإلنسان أن يسعى في طلب الرزق‪ ،‬لكن بالتأكيد لو توهم أن هناك أسباباً تجلب له الرزق‪،‬‬
‫ولو أنها تتناقض مع منهج هللا وقع في الشرك األكبر‪ ،‬ووقع في خطأ ال يتصور‪ ،‬لذلك من ابتغى أم اًر‬
‫بمعصية كان أبعد مما رجا‪ ،‬وأقرب مما اتقى‪ ،‬وأوضح مثل أنك إذا أقرضت قرضاً ربوياً بالحسابات باآللة‬
‫الحاسبة وبمنطق الرياضيات يزداد مالك‪ ،‬أقرضت مئة ألف عادت هذه المئة ألف مئة ألف وزيادة بالفائدة‪،‬‬
‫لكن هللا عز وجل يقول‪:‬‬
‫َّللا ِ‬
‫الرَبا (‪﴾ )276‬‬ ‫ق َّ ُ‬
‫﴿ َي ْم َح ُ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫‪128‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫وأنك إذا تصدقت قل مالك بالحساب واآللة‬
‫الحاسبة‪ ،‬ومنطق الرياضيات‪ ،‬صدقة تُ ِّنقص‬
‫المال‪ ،‬والربا يزيده‪ ،‬أما الواقع فعكس ذلك‪ ،‬هللا‬
‫عز وجل ينمي المال الذي تصدق منه‪ ،‬بل إن‬
‫الزكاة سميت زكاة من معنى النمو‪ ،‬فالمال‬
‫ينمو بالزكاة‪.‬‬

‫ال َعْب ٍد َص َد َق ٌة ))‬ ‫(( َما َنَّق َ‬


‫ص َم َ‬
‫[ أحمد عن أبي كبشة األنماري ]‬

‫(( يا عبدي‪ ،‬أَْن ِف ْق أُْن ِف ْق َعَلْي َك ))‬


‫[ الترغيب والترهيب بسند صحيح ]‬

‫تخش من ذي العرش إقالال ))‬


‫(( أنفق بالل‪ ،‬وال َ‬
‫[ الطبراني في الكبير والبزار عن أبي هريرة بسند صحيح ]‬

‫الحسنة بعشرة أمثالها‪.‬‬

‫وهللاِّ في هذا المسجد مرة حدثني أخ كريم ميسور توفي ابن عمه األستاذ الجامعي‪ ،‬فزار أوالده‪ ،‬وقال لهم‪َ :‬د ْين‬
‫ألفا‪ ،‬فوجئ أنها ثالثمئة وثمانون‬
‫أبيكم علي‪ ،‬لكنه ال يعلم كم الدين‪ ،‬تصور الديون عشرة آالف إلى عشرين ً‬
‫ألفا فدفعها‪ ،‬ألن وعد الحر دين‪ ،‬وحدثني عن قصته في صحن المسجد‪ ،‬وبكى‪ ،‬قال‪ :‬وهللا بعد أيام جاءني‬
‫ً‬
‫مبلغ من صفقة لبضاعة كاسدة من سنوات طويلة جاء من يشتريها‪ ،‬وكنت آيسًا من بيعها‪ ،‬ونصيبي من هذه‬
‫الصفقة المبلغ الذي دفعته‪.‬‬

‫وهللا معي آالف القصص‪ ،‬هذه واحدة‪ ،‬بمنطق اإليمان إن دفعت صدقة يزداد مالك‪ ،‬بعكس منطق اآللة‬
‫الحاسبة والرياضيات‪ ،‬بمنطق اإليمان إن أكلت الربا يمحق مالك‪ ،‬بعكس الحساب والرياضيات واآللة‬
‫الحاسبة‪ ،‬فلذلك من ابتغى أم ًار بمعصية كان أبعد مما رجا‪ ،‬وأقرب مما اتقى‪.‬‬

‫َد ِع المال الحرام والمشبوه فإن هللا ِ‬


‫يعوض عليك خي ار منه ‪:‬‬

‫أخذه ال يرضي هللا‪،‬‬


‫شيء آخر‪ ،‬لحكمة بالغة يعرض عليك مبلغ كبير تحل به كل مشكالتك‪ ،‬لكن فيه شبة‪ ،‬و ْ‬
‫فالمؤمن الصادق قوي اإليمان يركل هذا العرض بقدمه‪ ،‬ويقول‪ :‬معاذ هللا‪ ،‬إني أخاف هللا رب العالمين‪ ،‬وهللا‬
‫الذي ال إله إال هو هذا إيماني‪ ،‬أن زوال الكون أهون على هللا من أال يعوضك خي اًر منه بالحالل‪.‬‬

‫‪129‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫وهللاِّ أخ كريم حدثني عن قصة‪ ،‬ورجاني أن‬
‫أنقلها لكم‪ ،‬وقد نقلتها لكم كثي ًار‪ ،‬أنه جاءه‬
‫ض أرباحه من هذا العرض حوالي مئتي‬
‫عر ٌ‬
‫ْ‬
‫ألف ليرة‪ ،‬لكن تبين أن هذا العرض من أجل‬
‫صناعة الخمور‪ ،‬فرفضه‪ ،‬الذي طلب منه هذا‬
‫العرض أغراه بأشياء كثيرة‪ ،‬يقسم باهلل العظيم‬
‫بعد اثنين وعشرين يوماً جاءه عرض أرباح‬
‫الصفقة الثانية أكثر من مئة ضعف‪ ،‬احفظوا‬
‫هذا الحديث‪:‬‬
‫(( وما ترك عبد شيئًا هلل إال عوضه هللا خي اًر منه في دينه ودنياه ))‬
‫[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]‬

‫لذلك األسباب وحدها ال تكفي‪ ،‬بل ال بد من أن يأذن مسبب األسباب‪.‬‬

‫اإلنسان أحيانا من ضعف توحيده يتوهم أن الرزق بيد فالن‪ ،‬فإذا أرضاه ولو بمعصية هللا يزداد رزقه‪ ،‬وإن‬
‫أغضبه ولو بطاعة هللا ينقطع رزقه‪ ،‬الذي يحصل أنك إذا لم تعبأ بغضب زيد‪ ،‬وال بغضب عبيد وقصدت‬
‫إرضاء هللا عز وجل عندئذ يخضعك هللا عز وجل لقانون العناية اإللهية‪ ،‬فيزداد رزقك‪ ،‬مع أن القواعد‬
‫المستنبطة من حركة الحياة تؤكد أنك ستخسر هذا الرزق‪ ،‬هللا عز وجل موجود‪ ،‬وما شاء هللا كان‪ ،‬وما لم يشأ‬
‫لم يكن‪ ،‬هو الرزاق‪ ،‬ذو القوة المتين‪.‬‬

‫أول حقي قة في هذا الموضوع ينبغي أن تكسب رزقك من طريق مشروع‪ ،‬ألن ما عند هللا ال ينال بمعصية هللا‪،‬‬
‫وإذا توهمت أنك إذا أقمت منهج هللا عز وجل سوف ينقطع رزقك‪ ،‬أو يقل فهذا وهم من الشيطان‪:‬‬

‫ِ‬ ‫﴿ ِإَّن َما َذِل ُك ُم َّ‬


‫وه ْم َو َخا ُفو ِن ِإ ْن ُكْن ُت ْم ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين (‪﴾ )175‬‬ ‫ف أ َْوِلَي َ‬
‫اء ُه َف َال َت َخا ُف ُ‬ ‫ان ُي َخ ِو ُ‬
‫طُ‬ ‫الشْي َ‬
‫( سورة آل عمران)‬

‫(( وما ترك عبد شيئاً هلل إال عوضه هللا خي اًر منه في دينه ودنياه ))‬
‫[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]‬

‫‪130‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫األخذ باألسباب والتوكل على هللا ‪:‬‬

‫لكن هناك حقيقة‪ ،‬النبي صلى هللا عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫وم َعَلى اْل َع ْج ِز ))‬ ‫ِ‬
‫َّللا َيُل ُ‬
‫(( إ َّن َّ َ‬
‫[ أبو داود]‬

‫ليس هناك عمل‪ ،‬وال وظيفة‪ ،‬ماذا أفعل ؟ أنا‬


‫محتاج إلى عمل‪ ،‬إلى دخل‪ ،‬إلى زواج‪ ،‬إلى‬
‫بيت‪ ،‬لكنك جالس في البيت ال تتحرك‪ ،‬هللا‬
‫عز وجل أمرنا أن نأخذ باألسباب‪ ،‬ثم نتوكل‬
‫على رب األرباب‪ ،‬فترك األخذ باألسباب‬
‫معصية‪ ،‬وأن تأخذ بها وتنسى هللا عز وجل‬
‫شرك‪ ،‬لذلك أعيد وأقول‪ :‬ينبغي أن تأخذ‬
‫باألسباب وكأنها كل شيء‪ ،‬وأن تتوكل على‬
‫هللا وكأنها ليست بشيء‪.‬‬

‫اآلن اقتربنا من لب الموضوع‪ ،‬معظم المسلمين يتوهمون التوكل أال تأخذ باألسباب‪ ،‬الحقيقة الخطيرة أنه ال‬
‫تناقض إطالقاً بين األخذ باألسباب والتوكل على هللا أبداً‪ ،‬تأخذ باألسباب تعبداً‪.‬‬

‫هناك مثل صارخ‪ ،‬النبي صلى هللا عليه وسلم ماذا فعل ؟ أخذ باألسباب كلها‪ ،‬اتجه في الهجرة مساحالً‬
‫بخالف االتجاه نحو المدينة‪ ،‬وقبع في الغار أيامًا ثالثة ليخف عليه الطلب‪ ،‬هيأ من يأتيه بالزاد‪ ،‬هيأ من‬
‫يمحو اآلثار‪ ،‬هيأ من يأتي له باألخبار‪ ،‬اختار دليالً رجح فيه الخبرة على الوالء‪ ،‬وكان مشركًا‪ ،‬أخذ باألسباب‬
‫كلها‪ ،‬ومع ذلك وصلوا إليه‪ ،‬ما حكمة أنهم وصلوا إليه ؟ ليبين هللا ألمته من بعده أنه أخذ باألسباب تعبداً‪،‬‬
‫لكنه في حقيقته متوكل على هللا‪ ،‬فلما وصلوا إليه‪ ،‬واضطرب سيدنا الصديق‪ ،‬قال له‪ :‬يا رسول هللا لو نظر‬
‫أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا‪ ،‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫ظن َك ِبا ْثَنْي ِن هللا َث ِالثُ ُه َما ))‬


‫(( َيا أَبا َب ْك ٍر َما َ‬
‫[ متفق عليه ]‬

‫انظر إلى الموقف المتوازن‪ ،‬أخذ باألسباب وكأنها كل شيء‪ ،‬ووصلوا إليه فلم يضطرب‪ ،‬هو متوكل‪.‬‬

‫‪131‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫نحن بتطبيقاتنا العملية حينما تسافر تجري مراجعة لمركبتك‪ ،‬مراجعة تامة‪ ،‬العجالت‪ ،‬الزيوت‪ ،‬المكابح‪،‬‬

‫مراجعة تامة‪ ،‬وأنت في أعماق أعماقك موقن أن هللا هو المسلم‪ ،‬تقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أنا راجعت المركبة تنفيذاً‬
‫ألمرك‪ ،‬لكنني متوكل عليك‪ ،‬مستسلم لك‪ ،‬وأنا موقن أنك أنت الحافظ‪ ،‬وأنت المسير‪ ،‬هذا هو الموقف‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫إذا مرض االبن‪ ،‬آخذه ألمهر طبيب‪ ،‬أشتري له الدواء الجيد‪ ،‬أشرف بنفسي على إعطاء الدواء‪ ،‬ومن أعماق‬
‫أعماقي أقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أنت الشافي‪ ،‬وال شفاء إال شفاءك‪ ،‬أن تجمع بين األخذ باألسباب والتوكل على رب‬
‫األرباب‪ ،‬لذلك الكلمة الشائعة التي أصبحت مثالً هي من كالم النبي صلى هللا عليه وسلم أن أعرابيًا دخل‬
‫ِّ ٍ‬ ‫عليه‪ ،‬وترك ناقته بغير رباط‪َ ،‬ف َعن أ ََن ِّ‬
‫ال َر ُج ٌل‪:‬‬ ‫س ْب ِّن َمالك َيُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ق َ‬

‫اع ِقْل َها َوَت َوَّك ْل ))‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّللا‪ ،‬أ ِ‬
‫َعقُل َها َوأ ََت َوَّك ُل‪ ،‬أ َْو أُ ْطلُق َها َوأ ََت َوَّك ُل ؟ َق َ‬
‫ال‪ْ :‬‬ ‫ول َّ ْ‬ ‫(( َيا َر ُس َ‬
‫[ الترمذي ]‬

‫خذ باألسباب وتوكل على هللا‪.‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬هذا الذي يقوله معظم الناس‪:‬‬


‫اعقل وتوكل‪ ،‬خذ باألسباب‪ ،‬ثم توكل على رب‬
‫األرباب‪.‬‬
‫هناك حديث يتوهمه بعض المسلمين أنه‬
‫يريحهم من األخذ باألسباب‪.‬‬

‫ق َت َوُّكِل ِه َلَرَزَق ُك ْم‬ ‫(( َلو أََّن ُكم َتوَّكْل ُتم عَلى َّ ِ‬
‫َّللا َح َّ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ‬
‫الطْيَر ـ الطير ماذا فعلت ؟ ـ َت ْغ ُدو‬ ‫ق َّ‬ ‫َك َما َيْرُز ُ‬
‫طاًنا ))‬ ‫وح ِب َ‬ ‫ِ‬
‫اصا‪َ ،‬وَتُر ُ‬
‫خ َم ً‬
‫[ أحمد‪ ،‬النسائي‪ ،‬ابن ماجه‪ ،‬الحاكم‪ ،‬وقال الترمذي حسن صحيح ]‬

‫الطير لم تقبع في عشها‪ ،‬بل تحركت‪ ،‬وتوجهت إلى السوق على أسباب الرزق‪ ،‬فالحديث حجة على َمن فهمه‬
‫فهماً خاطئاً‪ ،‬يرزق هللا الطير‪ ،‬ولكنها تحركت وطارت‪.‬‬

‫وح ِب َ‬ ‫ِ‬ ‫ق َتوُّكِل ِه َلرَزَق ُكم َكما َيْرُز ُ َّ‬ ‫(( َلو أََّن ُكم َتوَّكْل ُتم عَلى َّ ِ‬
‫طاًنا ))‬ ‫ق الطْيَر‪َ ،‬ت ْغ ُدو خ َم ً‬
‫اصا‪َ ،‬وَتُر ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َّللا َح َّ َ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ‬
‫سيدنا عمر بن الخطاب لقي أناسًا من أهل اليمن قال‪ :‬من أنتم ؟ رآهم يتكففون الناس ويتسولون‪ ،‬قال‪ :‬من‬
‫أنتم ؟ قالوا‪ :‬نحن المتوكلون‪ ،‬وهذا النموذج موجود في كل زمان‪ ،‬ماذا تفعل ؟ األمر بيده‪ ،‬ترتيب سيدك‪ ،‬قاعد‬

‫‪132‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫في البيت ال يتحرك وال يسأل‪ ،‬وال يبحث عن عمل‪ ،‬هللا لم يأذن‪ ،‬حتى يأذن‪ ،‬فقال‪ :‬كذبتم‪ ،‬المتوكل من ألقى‬
‫حبة في األرض‪ ،‬ثم توكل على هللا‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬سئل اإلمام أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد‪ ،‬وقال‪ :‬ال أعمل شيئاً حتى‬
‫يأتيني رزقي‪ ،‬فقال‪ :‬هذا الرجل جهل العلم‪ ،‬فقد قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫َمرِي‪)) ...‬‬ ‫((‪ ...‬وج ِعل ِرْزِقي َتحت ِظ ِل رم ِحي‪ ،‬وج ِعل ِ‬
‫الذَّل ُة َو َّ‬
‫ف أْ‬
‫الص َغ ُار َعَلى َم ْن َخاَل َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ‬
‫[ أحمد عن ابن عمر ]‬

‫بين فقر الكسل وفقد القدر وفقر اإلنفاق ‪:‬‬

‫صاحبه ال يتحرك‪ ،‬وال ينطلق إلى عمله‪ ،‬وال يضبط‬


‫ُ‬ ‫وأنا أقول لكم‪ :‬هناك فقر الكسل‪ ،‬وهذا الفقر مذموم‪،‬‬
‫مواعيده‪ ،‬وال يسجل على دفتره جدول أعماله‪ ،‬هكذا بال تخطيط‪ ،‬بال انضباط‪ ،‬بال نشاط‪ ،‬بال همة‪ ،‬هذا فقير‪،‬‬
‫لكن هذا فقر مذموم‪ ،‬ال تقل إلنسان يهمل عمله‪ ،‬وال يداوم‪ ،‬ويؤثر الراحة على العمل‪ ،‬ويقبع في بيته يتواكل‪،‬‬
‫ويرجئ كل شيء‪ ،‬ال تقل له‪ :‬أنت فقير مسكين‪ ،‬هذا فقره عقاب له‪ ،‬هذا فقر الكسل‪ ،‬ونعوذ باهلل من فقر‬
‫الكسل‪ ،‬لكن هناك فقر القدر‪ ،‬إنسان معه عاهة تمنعه من كسب المال‪ ،‬صاحبه معذور‪ ،‬أما الفقر الذي‬
‫‪.‬صاحبه ممدوح فهو فقر سيدنا الصديق‪ ،‬يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال‪ :‬هللا ورسوله‪ ،‬أنفق كل ماله‬
‫‪:‬وفي بعض الروايات أن رجالً قال‬
‫(( يا رسول هللا إني أحبك‪ ،‬قال‪ :‬انظر ما تقول‪ ،‬قال‪ :‬وهللا إني أحبك قال‪ :‬انظر ما تقول‪ ،‬قال‪ :‬وهللا إني‬
‫للفقر أقرب إليك من شرك نعليك ))‬
‫أحبك‪ ،‬قال‪ :‬إن كنت صادقًا فيما تقول ُ‬
‫[ ورد في األثر]‬

‫إذا كان معك مال‪ ،‬وأخوك المسلم بحاجة إلى المال هل من المعقول أال تساعده ؟ يكون قلبك ً‬
‫قاسيا‪ ،‬أنت‬
‫معك مال احتياطي‪ ،‬وعندك أموال طائلة‪ِّ ،‬‬
‫ومن حولك أناس يموتون من الجوع‪ ،‬لكنك تبخل عليهم‪ ،‬إذاً أنت ال‬
‫تحب رسول هللا‪ ،‬انظر ما تقول ؟ إن كنت صادقاً فيما تقول‪ ،‬هنا الفقر يعني أنه ال بد من أن تنفق من مالك‪،‬‬
‫لكن الحقيقة الدقيقة حينما قال هللا عز وجل‪:‬‬

‫الت ْهُل َك ِة (‪﴾ )195‬‬ ‫َّللا َوَال ُتْلُقوا ِبأَْي ِد ُ‬


‫يك ْم ِإَلى َّ‬ ‫يل َّ ِ‬
‫﴿ َوأَْن ِفُقوا ِفي سِب ِ‬
‫َ‬
‫( سورة البقرة )‬

‫قال‪ :‬إن لم تنفقوا‪ ،‬إن لم تنفقوا ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة‪ ،‬وقال بعض العلماء‪ :‬أما إذا أنفقتم كل أموالكم أيضًا‬
‫باستثناء سيدنا الصديق فله خصوصية‪ ،‬ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة‪.‬‬

‫‪133‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫اإلنسان الذي ال يعمل‪ ،‬ويدعي أنه متوكل فهو كاذب‪ ،‬والدليل أنه يخاف أن يعمل فيفتن‪ ،‬يخاف أن يعمل‬
‫فيحب الدنيا‪ ،‬يخاف أن يعمل فتستهويه الدنيا‪ ،‬إذاً ال يعمل‪ ،‬فاق أر قوله تعالى‪:‬‬

‫يهم ِتجارٌة وَال بيع عن ِذ ْك ِر َّ ِ‬


‫َّللا ﴾‬ ‫ال َّال ُتْل ِه ِ ْ َ َ َ َ ْ ٌ َ‬
‫﴿ ِر َج ٌ‬
‫( سورة النور اآلية‪) 37 :‬‬

‫يتاجرون‪ ،‬ويدهم عليا‪ ،‬وينفقون‪ ،‬ويعطون‪ ،‬وهم عند هللا أبطال‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( التزموا الرزق في خبايا األرض ))‬


‫[ الجامع الصغير عن عائشة بسند فيه ضعف ]‬

‫إذا قامت الساعة وهللا هذا لحديث يلفت النظر‪ ،‬إذا قامت الساعة انتهى كل شيء‪.‬‬

‫ِ‬ ‫الساع ُة وبِي ِد أ ِ‬


‫وم َح َّتى َي ْغ ِر َس َها َفْلَي ْف َع ْل ))‬
‫َن َال َيُق َ‬
‫اع أ ْ‬
‫ط َ‬ ‫َحد ُك ْم َفسيَل ٌة َفِإ ْن ْ‬
‫اس َت َ‬ ‫ام ْت َّ َ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫(( إ ْن َق َ‬
‫[ رواه أحمد في المسند ]‬

‫في بعض الروايات أن النبي صلى هللا عليه وسلم رأى شاباً يصلي في أثناء النهار‪ ،‬قال له‪:‬‬

‫(( من يطعمك ؟ قال‪ :‬أخي‪ ،‬قال‪ :‬أخوك أعبد منك ))‬


‫[ ورد في األثر ]‬

‫أمسك النبي عليه الصالة والسالم يد عبد هللا بن مسعود فرآها خشنة من العمل‪ ،‬رفعها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫(( هذه اليد يحبها هللا ورسوله ))‬


‫[ ورد في األثر ]‬

‫وسيدنا عمر يقول‪ << :‬إني أرى الرجل ال حرفة له فيسقط من عيني >>‪.‬‬

‫أقسم لكم باهلل وال أبالغ الشاب الذي ينطلق إلى‬


‫عمله باك ًار‪ ،‬ويتقن عمله‪ ،‬وينمي خبرته‪ ،‬ويأتي‬
‫بمال‪ ،‬ثم يتزوج‪ ،‬بالتعبير العامي جبر خاطر‬
‫فتاة‪ ،‬الفتاة إذا تزوجت نجحت في حياتها‪،‬‬
‫أسس ًّ‬
‫عشا إسالميا‪ ،‬جاءه بأوالد فرباهم تربية‬
‫صالحة‪ ،‬نفعوا الناس من بعده‪ ،‬هل تصدقون‬
‫أن عمله نوع من العبادة‪.‬‬

‫أنا أقول دائماً‪ :‬عملك الذي ترتزق منه‪،‬‬


‫حرفتك‪ ،‬مهنتك‪ ،‬إذا كانت في األصل مشروعة‪ ،‬إصالح كهرباء‪ ،‬إصالح مركبات‪ ،‬ال شيء عليه‪ ،‬بيع‬

‫‪134‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫أخشاب‪ ،‬بيع أقمشة‪ ،‬إذا كانت الحرفة مشروعة في األصل‪ ،‬وسلكت بها الطرق المشروعة‪ ،‬ال فيها كذب‪ ،‬وال‬
‫غش‪ ،‬وال تدليس‪ ،‬وال احتيال‪ ،‬وال بيع باطل‪ ،‬وال بيع ربوي‪ ،‬وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك‪ ،‬وخدمة‬
‫ال مسلمين‪ ،‬ولم تشغلك عن فريضة‪ ،‬وال عن واجب‪ ،‬كمن يترك أربع صلوات‪ ،‬ويقول‪ :‬يا سيدي‪ ،‬أليس الشغل‬
‫عبادة ؟ الشغل عوض الصالة ؟! أعوذ باهلل !!! ولم تشغلك عن فريضة‪ ،‬وال عن واجب‪ ،‬وابتغيت خدمة‬
‫المسلمين‪ ،‬وكفاية نفسك وأهلك‪ ،‬وهذه الحرفة مشروعة صدق وال أبالغ انقلبت إلى عبادة‪ ،‬لذلك قالوا‪ :‬عبادات‬
‫المنافق سيئات‪ ،‬وعادات المؤمن عبادات‪.‬‬

‫ِ‬
‫األخذ باألسباب ‪:‬‬ ‫ومحل‬
‫ُّ‬ ‫محل التوكل‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬ما هو الدليل القطعي على أن التوكل أحد أسباب زيادة الرزق ؟‬
‫بالمناسبة أين محل التوكل ؟ ألن التوكل له محل‪ ،‬أين محل األخذ باألسباب ؟ وأين محل التوكل ؟ محل‬
‫َّ‬
‫المحل ْين‪ ،‬يتوكل‬ ‫التوكل القلب‪ ،‬محل األخذ باألسباب الجوارح‪ ،‬تنطلق لتعمل‪ ،‬المسلمون اليوم عكسوا‬
‫بجوارحه‪ ،‬ويتمنى بقلبه أن يرزقه هللا‪ ،‬هو جالس ال يتحرك‪ ،‬ال يعمل‪ ،‬ال يسأل‪ ،‬وبقلبه يتمنى أن يرزق‪ ،‬وكأن‬
‫القضية قضية معجزة‪ ،‬واآلن المسلمون باعتبار هم مؤمنون وهللا واعدهم بالنصر في عندهم حلم ساذج أن هللا‬
‫عز وجل يخلق معجزة يدمر إسرائيل‪ ،‬عليك بهم يا رب إنهم ال يعجزونك‪ ،‬أنت ماذا أعدت لهم ألم يقل هللا‬
‫عز وجل‪:‬‬
‫اط اْل َخي ِل ُترِهبو َن ِب ِه ع ْد َّو ِ‬
‫طع ُتم ِمن ُق َّوٍة و ِمن ِرب ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َو َع ُد َّوُك ْم ﴾‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َوأَعُّدوْا َل ُهم َّما ْ‬
‫اس َت َ ْ‬
‫( سورة األنفال اآلية‪) 60 :‬‬

‫الخطورة أن تجعل قلبك محل تمنياتك وأن تجعل جوارحك محل توكلك‪ ،‬هذا ليس توكل‪ ،‬بل تواكل‪ ،‬التوكل‬
‫محله القلب واألخذ باألسباب محلها الجوارح‪.‬‬

‫الدليل على زيادة الرزق بالتوكل ‪:‬‬

‫الدليل القطعي على أن التوكل على هللا يزيد في الرزق قوله تعالى‪:‬‬
‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫‪135‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫يا إخوتي الشباب‪ ،‬هذه اآلية لكم‪ ،‬أنتم على‬
‫مفترق طرق‪ ،‬أنتم مقبلون على الدنيا‪ ،‬أنا أعلم‬
‫علم اليقين أن كل شاب يحتاج إلى زواج‪ ،‬هذه‬
‫سنة هللا في خلقه‪ ،‬يحتاج إلى مأوى‪ ،‬يحتاج‬
‫إلى رزق‪ ،‬هذه أهداف ثالثة‪ ،‬عمل ترتزق منه‪،‬‬
‫وزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها‪،‬‬
‫وتحفظك إذا غبت عنها‪ ،‬وتطيعك إن أمرتها‪،‬‬
‫عمل وزوجة ومأوى‪ ،‬الطريق إليها‪:‬‬

‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا ﴾‬
‫وزوال الكون أهون على هللا من أن تتقي هللا ثم ال تجد ما وعدك هللا به من رزق وفير‪ ،‬فضع أملك باهلل‪ ،‬وخذ‬
‫باألسباب‪ ،‬وتوكل على هللا‪.‬‬

‫اآلية‪:‬‬

‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬


‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫الوقفة عند كلمة‪ ( :‬مخرًجا )‪ :‬متى تبحث عن مخرج ؟ إن رأيت األبواب كلها مغلقة‪ ،‬قدمت مسابقة فما‬
‫عرضا لعمل فلم يوافق عليه‪ ،‬األبواب كلها مغلقة‪ ،‬هللا عز وجل‬
‫نجحت‪ ،‬بعثة دراسية ما ُسمح لك فيها‪ ،‬قدمت ً‬
‫يقول‪:‬‬

‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬


‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫أيت األبواب كلها مغلقة اطرق باب هللا عز وجل‪:‬‬


‫بعد أن ر َ‬

‫﴿ َوَيْرُزْق ُه ِم ْن َحْي ُث َال َي ْح َت ِس ُب (‪﴾ )3‬‬


‫( سورة الطالق )‬

‫الشاهد‪:‬‬

‫﴿ ومن ي َتوَّكل عَلى َّ ِ‬


‫َّللا َف ُه َو َح ْسُبهُ (‪﴾ )3‬‬ ‫ََْ َ َ ْ َ‬
‫(سورة الطالق)‬

‫‪136‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫وفي الحديث‪:‬‬

‫لث اللْي ِل اآلخر ـ دققوا اآلن قبل الفجر ـ َفَيُقو ُل‪َ :‬م ْن‬ ‫اء الدْنَيا َحتى َيْبَقى ُث ُ‬ ‫(( يْن ِزل ربَنا ُكل َليَل ٍة ِإلى السم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬
‫ُع ِطَي ُه ؟ َو َم ْن َي ْس َت ْغ ِفُرِني فأَ ْغ ِفَر َله ؟ حتى ينفجر الفجر ))‬ ‫ِ‬
‫فأس َت ِج َ‬
‫يب َل ُه ؟ َم ْن َي ْسأُلني فأ ْ‬ ‫َي ْد ُعوِني ْ‬
‫[ مسلم َع ْن أبي ُه َرْي َرَة ]‬

‫ساعات ما قبل الفجر‪:‬‬

‫(( َوَل ْو َي ْعَل ُمو َن َما ِفي اْل َع َت َم ِة َو ُّ‬


‫الصْب ِح َأل ََت ْو ُه َما َوَل ْو َحْب ًوا ))‬
‫[ متفق عليه ]‬

‫الصبح َفهو ِفي ِذ َّم ِة َّ ِ‬


‫َّللا ))‬ ‫(( َم ْن َصَّلى ُّ ْ َ ُ َ‬
‫[ مسلم ]‬

‫َ ِّ‬
‫وع ْن أَبي َذ ٍر َق َ‬
‫ال‪:‬‬

‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَر ًجا ﴾ َح َّتى َفَر َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫(( َج َعل َرسول َّ ِ َّ‬
‫غ‬ ‫َّللا َعَلْيه َو َسل َم َيْتُلو َعَل َّي َهذه ْاآلَيةَ‪َ ﴿ :‬و َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َصلى َّ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫َخ ُذوا ِب َها َل َك َف ْت ُه ْم ))‬‫اس ُكَّل ُه ْم أ َ‬ ‫َن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الن َ‬ ‫ال‪َ :‬يا أََبا َذ ٍر‪َ ،‬ل ْو أ َّ‬
‫م ْن ْاآلَية‪ ،‬ثُ َّم َق َ‬
‫[ أحمد ]‬

‫وهللاِّ إن العالم اإلسالمي يعاني من المشكالت ما يعاني‪ ،‬وهللا يعاني من المشكالت ما ال سبيل إلى وصفه‪،‬‬
‫ويقع في رأس هذه المشكالت الفقر‪ ،‬هناك بالد إسالمية تعد من أفقر شعوب األرض‪ ،‬وعندها ثروات ال‬
‫يعلمها إال هللا‪:‬‬

‫ال‪َ :‬ف َج َع َل َيْتُلو ِب َها َوُيَرِد ُد َها َعَل َّي َح َّتى َن َع ْس ُت ))‬ ‫اس ُكَّل ُهم أ َ ِ‬
‫َخ ُذوا ب َها َل َك َف ْت ُه ْم‪َ ،‬ق َ‬ ‫ْ‬ ‫َن َّ‬
‫الن َ‬ ‫(( َيا أََبا َذ ٍر‪َ ،‬ل ْو أ َّ‬
‫(( من انقطع إلى هللا كفاه هللا كل مؤونة‪ ،‬ورزقه من حيث ال يحتسب‪ ،‬ومن انقطع إلى الدنيا وكله هللا‬
‫إليها ))‬
‫[ رواه الطبراني في األوسط ]‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬أحد أكبر أسباب زيادة الرزق التوكل على هللا‪ ،‬والتوكل على هللا يعني الحركة‪َّ ،‬‬
‫مر سيدنا‬
‫عمر برجل معه جمل أجرب‪ ،‬قال له‪ << :‬يا أخ العرب‪ ،‬ما تفعل به ؟ قال‪ :‬أدعو هللا أن يشفيه‪ ،‬قال له‪:‬‬
‫هال جعلت مع الدعاء قطرانًا ؟ >>‪.‬‬

‫اسأل الطبيب‪ ،‬تحرك‪.‬‬

‫‪137‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫تصور إنسانا يركب مركبة فتوقفت‪ ،‬خرج من المركبة وهو يقول‪ :‬يا رب‪ ،‬أنقذنا‪ ،‬لو دعا مليون مرة‪ ،‬نقول له‪:‬‬
‫افتح غطاء المحرك‪ ،‬وانظر أين الخلل‪ ،‬واطلب من هللا أن يلهمك أين الخلل‪ ،‬واطلب من هللا أن يعينك على‬
‫إصالح الخلل‪ ،‬هذا موقف علمي عملي‪ ،‬أما أال تفعل شيئاً‪ ،‬وتكتفي بالدعاء‪ ،‬فالدعاء من دون سعي ال يقبل‪،‬‬
‫بل هو استهزاء بالدعاء‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫االقتصاد في المعيشة أفضل من بعض التجارة ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬أنا ال أنكر أن النفس إذا أحرزت ُقوتَها اطمأنت‪ ،‬ألن فيها اضطرابا‪ ،‬وهذا االضطراب‬
‫يسكنه أن يكون لك رزق يكفيك‪ ،‬وكأن النبي عليه الصالة والسالم يقول‪:‬‬
‫(( اللهم َمن أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))‬
‫عبدا جعل رزقه كفافا "‪ ،‬وسند عن علي فيه ضعف]‬
‫[ الجامع الصغير بلفظ‪ " :‬إن هللا إذا أحب ً‬

‫هناك رزق ال يكفي صاحبه‪ ،‬فهو فقير‪ ،‬وهناك‬


‫رزق فوق ما يكفي صاحبه‪ ،‬فهو مفتون‪ ،‬فقليل‬
‫يكفيك خير من كثير يطغيك‪ ،‬واالقتصاد في‬
‫المعيشة أفضل من بعض التجارة‪ ،‬تجارة فيها‬
‫مهربات بضربة واحدة تخسر كل شيء‪ ،‬تجارة‬
‫فيها مواد محرمة واالقتصاد في المعيشة أفضل‬
‫من بعض التجارة‪ ،‬فلذلك ال تبحث عن رزق‬
‫يطغيك‪ ،‬النبي عليه الصالة والسالم دعا لمن‬
‫أحبه بالكفاف‪ ،‬أي برزق يكفيه‪.‬‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صلَّى َّ‬ ‫ط ِّم ِّي َقال‪َ :‬قال رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬ ‫ص ٍن اْل َخ ْ‬ ‫عن عبِّد َّ ِّ ِّ‬
‫َّللا ْب ِّن م ْح َ‬ ‫َ ْ َْ‬

‫وت َي ْو ِم ِه‪َ ،‬ف َكأََّن َما ِح َ‬


‫يز ْت َل ُه ))‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫آمًنا ِفي ِسْربِه‪ُ ،‬م َعا ًفى ِفي َج َسده‪ِ ،‬عْن َد ُه ُق ُ‬
‫(( م ْن أَصبح ِمْن ُكم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ََْ‬
‫[ أخرجه الترمذي وابن ماجة ]‬

‫‪138‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫ال صحة طيبة‪ ،‬وأن تعرف هللا‪ ،‬ومستقيم على أمره‪ ،‬وعندك زوجة صالحة‪ ،‬وأوالد أبرار‪ ،‬ودخل معقول‪ ،‬فقد‬
‫ِّحيزت لك الدنيا بحذافيرها‪ ،‬وليس فوق هذه الشروط من شرط مسعد‪.‬‬

‫البد من الجمع بين العالقة الحسنة مع هللا ومع عباد هللا ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬ال بد من أن نجمع بين حسن العالقة مع هللا‪ ،‬وحسن العالقة مع األهل واألوالد‪ ،‬والنجاح في‬
‫العمل والنجاح في الصحة‪ ،‬أربع محطات كبرى أي خلل في إحداها ينعكس على بقية المحطات‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬في العراق‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا‬
‫رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪139‬‬ ‫الدرس (‪ : )1-4‬أسباب زيادة الرزق‬


‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫أسباب سعة الرزق ‪:‬‬


‫تقوى هللا عز وجل‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الزلنا في سلسلة خطب تتحدث عن الرزق‪ ،‬وصلنا اليوم إلى أسباب سعة الرزق‪ ،‬وال أعتقد‬
‫واحداً منا ال يحرص على سعة رزقه‪ ،‬ألن الرزق قوام الحياة‪ ،‬ولكن هذا الرزق له أسباب ذكرها القرآن الكريم‪،‬‬
‫وأوردتها بعض األحاديث في السنة المطهرة‪ ،‬وهناك أسباب تمنع الرزق‪ ،‬ففي هذا اللقاء وهذه الخطبة الحديث‬
‫عن أول سبب من أسباب زيادة الرزق وهي تقوى هللا عز وجل‪.‬‬

‫تعريف التقوى ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬التقوى أن تتقي غضب هللا‪ ،‬وأن‬


‫تتقي عقابه‪ ،‬بأن تجعل بينك وبينه ست اًر يحول‬
‫دون أن تعاقب أو دون أن تدمر‪ ،‬هذا الستر‬
‫هو التقوى‪ ،‬وفي القرآن الكريم ما يزيد عن‬
‫ثالثمئة آية تتحدث عن التقوى‪ ،‬لذلك بتعريف‬
‫جامع مانع هي القيام بأمر هللا وترك ما نهى‬
‫هللا‪ .‬التقوى ليست هيئة معينة‪ ،‬لباس معين‪،‬‬
‫حركات معينة‪ ،‬إيماءات‪ ،‬كلمات‪ ،‬إيحاءات‪،‬‬
‫إنما هي تطبيق ألوامر هللا وترك لما حرم هللا‪ .‬ليس الولي الذي يطير في الهواء‪ ،‬وال الذي يمشي على وجه‬
‫الماء‪ ،‬ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحالل والحرام‪ ،‬أن يراك حيث أمرك‪ ،‬وأن يفتقدك حيث نهاك‪.‬‬
‫من أدق تعريفات الولي القرآنية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫﴿ أََال ِإ َّن أَوِلياء َّ ِ‬
‫َمُنوا َوَكاُنوا َي َّتُقو َن (‪﴾ )63‬‬ ‫ف َعَلْي ِه ْم َوَال ُه ْم َي ْح َزُنو َن (‪َّ )62‬الذ َ‬
‫ين آ َ‬ ‫َّللا َال َخ ْو ٌ‬ ‫َْ َ‬
‫( سورة يونس)‬

‫‪140‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫أن تعرف هللا‪ ،‬وأن تحمل نفسك على طاعته‪ ،‬وأن تتقرب إليه بالعمل الصالح‪ ،‬والتقوى ال يمكن أن تكون‬
‫دعوى‪ ،‬إنما هي حقيقة مع البرهان عليها‪ ،‬البرهان عليها الطاعة‪ ،‬أما ادعاؤها ال يقدم وال يؤخر‪.‬‬

‫وليلى ال تقر لهم بذاكا‬ ‫كل يدعي وصالً بليلى‬


‫***‬
‫ق ُتَق ِات ِه ﴾‪ .‬في قوله‬ ‫َمُنوا َّاتُقوا َّ َ‬
‫َّللا َح َّ‬ ‫ين آ َ‬
‫ِ‬
‫عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‪ :‬يفسر قوله تعالى‪َ ﴿ :‬يا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ق ُتَق ِاته ﴾‪ .‬قال‪ :‬أن يطاع فال يعصى وأن يشكر فال يكفر وأن يذكر فال ينسى‪.‬‬ ‫تعالى‪َّ ﴿ :‬اتُقوا َّ َ‬
‫َّللا َح َّ‬

‫[الحديث موقوف رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح واآلخر ضعيف]‬

‫من كمال التقوى البعد عن الشهوات ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬لو دخلنا في التفاصيل‪ ،‬من كمال التقوى البعد عن الشهوات ألن النبي عليه الصالة والسالم‬
‫يقول‪:‬‬
‫وقاء لدينه‪ ،‬ومن توقع فيهن يوشك أو‬
‫(( إن الحالل بين‪ ،‬والحرام بين‪ ،‬وبينهما شبهات‪ ،‬من توقاهن كن ً‬
‫يواقع الكبائر‪ ،‬كالمرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه‪ ،‬لكل ملك حمى ))‬
‫[رواه أبو يعلى وفيه موسى بن عبيدة وهو متروك]‬

‫وفي رواية أن يرتع فيه‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬وال زلنا في التفاصيل يدخل في تعريف التقوى الكاملة فعل الواجبات‪ ،‬وترك المحرمات‬
‫والشبهات‪ ،‬بل ربما دخل فيها أيضاً فعل المندوبات‪ ،‬وترك المكروهات‪ ،‬وهي أعلى درجات التقوى‪ ،‬لذلك العبد‬
‫التقي يتنزه عن كثير من المباحات التي يخشى أن تنقله إلى بعض الشبهات‪.‬‬

‫(( إن الرجل ال يكون من المتقين حتى يدع ما ال بأس به حذ ار لما به بأس ))‬
‫[ هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬قال فيه الذهبي‪ :‬صحيح عن عطية السعدي]‬

‫ال يسلم للرجل الحالل حتى يجعل بينه وبين الحرام حاج اًز من الحالل ‪:‬‬

‫من صفات المتقين أنهم يدعون ما ال بأس به حذ اًر مما به بأس‪ ،‬من تمام التقوى أن يتقي العبد هللا حتى‬
‫يتقيه في مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حالل خشية أن يكون حرامًا حجابًا بينه وبين الحرام‪.‬‬

‫‪141‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫وقال بعض العلماء إنما سمي المتقون متقين ألنهم اتقوا ما ال يتقى عادة‪ .‬الشيء الذي ال شيء عليه عند‬
‫معظم الناس يدعه ورعاً‪.‬‬
‫(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))‬
‫[ أخرجه الشيرازي و البيهقي عن أنس ]‬

‫إني ألحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة ال أخرقها‪ ،‬يعني ترك ما ال بأس به حذ ًار مما به بأس‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬ال يسلم للرجل الحالل حتى يجعل بينه وبين الحرام حاج ًاز من الحالل‪ .‬يعني في حالل يجعله بين‬
‫الحالل وبين الح ارم هذا الحالل هو هامش األمان‪.‬‬

‫من يتق هللا يجعل له من كل ضيق فرجًا ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬كيف يتقي اإلنسان ربه ؟ ببساطة‬


‫ما بعدها بساطة كيف تعالج نفسك ال سمح هللا‬
‫وال قدر من ارتفاع الضغط ؟ حينما تعلم أن‬
‫ضغطك مرتفع فالبد للتقوى من العلم‪ ،‬كيف‬
‫تقع في الشبهات ؟ توهمًا من أنها مباحات‪،‬‬
‫كيف تقع في المحرمات ؟ جهالً بحرمتها‪،‬‬
‫فلذلك الطريق الوحيد إلى التقوى أن تطلب‬
‫العلم الشرعي وأنت بالكون تعرفه و بالشرع‬
‫تعبده وطلب الحالل فريضة بعد الفريضة‪ ،‬وطلب الحالل حتم واجب على كل مسلم‪.‬‬
‫أيها األخوة‪ ،‬اآلية األولى في هذه الخطبة والتي ذكرت لكم من قبل أن زوال الكون أهون على هللا من أال‬
‫تحقق نتائجها مع أي مؤمن من دون استثناء‪:‬‬
‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫نت أَظُُّنها ال ُت َ‬
‫فر ُج‬ ‫ُف ِر َجت َوُك ُ‬ ‫قاتها‬
‫حك َمت َحَل ُ‬ ‫ضا َقت َفَلما ِا َ‬
‫ست َ‬
‫***‬
‫أحياناً تسد عليك كل سبل الرزق‪ ،‬ال في سفر‪ ،‬وال في وظيفة‪ ،‬وال في تعيين‪ ،‬وال في شراكة‪ ،‬وال في استثمار‪،‬‬
‫كل السبل مغلقة‪ ،‬إذًا ِّ‬
‫اتق هللا حتى يجعل هللا لك من هذا الضيق فرجًا‪.‬‬

‫‪142‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫من عالمة أنك تتقي هللا أن تأتيك األرزاق من حيث ال تحتسب ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬المخرج النجاة من الفقر‪ ،‬وكاد الفقر أن يكون كف ًار‪ ،‬وإذا كان باإلمكان أن أتوسع بهذه المقولة‬
‫التي تعزى لإلمام علي رضي هللا عنه وكاد الفقر أن يكون إرهاباً أحيانًا‪ ،‬وكاد الفقر أن يكون نهباً وسلبًا‪،‬‬
‫وكاد الفقر أن يكون وقوعاً في الشبهات‪ ،‬من هنا يقول اإلمام علي رضي هللا عنه‪ :‬قوام الدين والدنيا أربعة‬
‫علمه‪ ،‬وجاهل ال يستنكف أن يتعلم‪ ،‬وغني ال يبخل بماله‪ ،‬وفقير ال يبيع آخرته بدنياه‪،‬‬ ‫رجال‪ :‬عالم مستعمل َ‬
‫فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم‪ ،‬وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره‪.‬‬
‫ومن عالمة أنك تتقي هللا أن تأتيك األرزاق من‬
‫حيث ال تحتسب‪ ،‬من جهة غير متوقعة من‬
‫جهة ما كانت تخطر في بالك‪.‬‬
‫أيها األخوة‪ ،‬اآليات الداعمة‪ ،‬اآلية األصل‪:‬‬
‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫أنا أخاطب الشباب‪ ،‬المستقبل يقول لك مجهول‬


‫يا ترى أتمكن من دخول الجامعة ؟ أتمكن من‬
‫دخول اختصاص نادر أعيش منه ؟ أتمكن أن أشتري بيتاً ؟ أتمكن أن أتزوج ؟ إله الكون‪ ،‬خالق السماوات‬
‫واألرض الذي بيده كل شيء كن فيكون زل فيزول‪.‬‬

‫طْي ُت ُك َّل ِإْن َس ٍ‬


‫ان‬ ‫اح ٍد‪َ ،‬ف َسأَُلوِني َفأ ْ‬
‫َع َ‬ ‫يد و ِ‬ ‫ِ‬
‫اموا في َصع ٍ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( َيا ِعَب ِادي‪َ ،‬ل ْو أ َّ‬
‫َن أ ََّوَل ُك ْم َوآخَرُك ْم َوِإْن َس ُك ْم َوجَّن ُك ْم َق ُ‬
‫ص اْل ِم ْخَيطُ ِإ َذا أ ُْد ِخ َل اْلَب ْحَر ))‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ص َذل َك م َّما عْندي ِإَّال َك َما َيْنُق ُ‬ ‫َم ْسأََل َت ُه َما َنَق َ‬
‫[ مسلم عن أبي ذر]‬

‫أي اذهب إلى البحر‪ ،‬واركب قارباً‪ ،‬وامسك بإبرة‪ ،‬واغمسها في ماء البحر‪ ،‬واكتب لي نسبة هذا المال الذي‬
‫حملته اإلبرة إلى ماء البحر كله‪ ،‬هذا من وصف النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬قال‪:‬‬

‫وم َّن ِإالَّ َن ْف َس ُه ))‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّللا َعزَ َو َجلَ‪َ ،‬و َم ْن َو َج َد َغْيَر َذل َك َفال َيُل َ‬
‫(( َف َم ْن َو َج َد َخْي ًار َفْلَي ْح َمد َّ َ‬
‫[ رواه مسلم عن أبي ذر ]‬

‫‪143‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ‪:‬‬
‫ََ َمن َي َّت ِق َّ َ‬

‫أنا أخاطب الشباب‪ ،‬أخاطب من سدت أمامه سبل الرزق‪ ،‬من كان رزقه قليالً‪ ،‬من شكا من قلة الرزق‪ ،‬من‬
‫شكا من التعسير‪.‬‬
‫َّللا َي ْج َعل َّلهُ َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫لكنك ال تقنعني أنك تتقي هللا‪ ،‬أقنع نفسك‪ ،‬بإمكانك أن تقنعني فتحرجني‪ ،‬أنا أتقي هللا‪ ،‬دقق هل أنت على ما‬
‫ينبغي أن تكون ؟ هل توجهت هلل عز وجل ؟ هل تركت كل شبهة ؟‬

‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬


‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫زوال الكون أهون على هللا من أال يحقق وعود هذه اآلية لكل شاب مؤمن ‪:‬‬

‫مرة ثانية زوال الكون أهون على هللا من أال يحقق وعود هذه اآلية لكل شاب مؤمن في أي مكان وفي أي‬
‫زمان‪ ،‬طبعاً أحياناً هللا عز وجل يعقب على قصة تعقيباً يجعلها قانوناً‪:‬‬
‫اه ِم َن‬ ‫َن َال ِإَله ِإَّال أَْن َت سبحاَن َك ِإِني ُكْن ُت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫﴿ َفَن َادى ِفي ُّ ِ‬
‫اس َت َجْبَنا َل ُه َوَنجَّْيَن ُ‬
‫ين (‪َ )87‬ف ْ‬
‫الظالم َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ‬ ‫َ‬ ‫الظُل َمات أ ْ‬
‫اْل َغمِ﴾‬
‫( سورة األنبياء)‬

‫التعقيب‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوَك َذل َك ُنْن ِجي اْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين (‪﴾ )88‬‬
‫( سورة األنبياء)‬

‫في أي عصر‪ ،‬في أي مصر‪ ،‬إله أصحاب محمد عليه الصالة والسالم هو إلهنا‪ ،‬وهذا اإلله العظيم الذين‬
‫تصلون له بيده كل شيء‪ ،‬بيده األقوياء‪ ،‬بيده ماء السماء‪ ،‬بيده رزق األرض‪ ،‬بيده أعداؤنا‪ ،‬بيده أصدقاؤنا‪،‬‬
‫بيده من فوقنا‪ ،‬بيده من تحتنا‪.‬‬

‫‪144‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫هللا عز وجل ثبت ماليين األشياء و حرك الرزق و الصحة لتربية اإلنسان ‪:‬‬

‫اصَيِت َها‬
‫َخ ٌذ ِبَن ِ‬
‫ِكم ما ِم ْن َد َّاب ٍة ِإَّال ُهو آ ِ‬ ‫﴿ َف ِكيدوِني ج ِميعا ثُ َّم َال ُتْن ِظرو ِن (‪ِ )55‬إِني َتوَّكْلت عَلى َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َّللا َربِي َوَرب ُ ْ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫يم (‪﴾ )56‬‬ ‫اط ُم ْس َت ِق ٍ‬
‫ِإ َّن َربِي َعَلى ِصَر ٍ‬
‫( سورة هود)‬

‫من اآليات الداعمة‪:‬‬

‫السماء َواألَْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َهل اْلُقرى آمُنوْا و َّاتَقوْا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫( سورة األعراف اآلية‪) 96 :‬‬

‫هللا عز وجل ثبت ماليين األشياء‪ ،‬ماليين القوانين‪ ،‬ثبت حركة األفالك‪ ،‬ثبت خصائص المواد‪ ،‬ثبت قوانين‬
‫الفيزياء‪ ،‬قوانين الكيمياء‪ ،‬قوانين الحركة‪ ،‬ثبت مليارات القوانين لكنه حرك الرزق وحرك الصحة‪ ،‬أنت ال تملك‬
‫صحتك‪ ،‬ال تدري ماذا يكون غدًا وال تملك رزقك‪ ،‬كأن هللا عز وجل أراد حينما حرك الرزق والصحة معًا أن‬
‫يكونا سببين لتربيتنا‪.‬‬

‫الرزق المحدود مع بركة هللا عز وجل يكفي اإلنسان و يغطي نفقاته ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬سيدنا معاذ بن جبل رضي هللا عنه‪ :‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬

‫(( يا أيها الناس اتخذوا تقوى هللا تجارة يأتكم الرزق بال بضاعة وال تجارة‪ .‬ثم قرأ‪َ { :‬و َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َلهُ‬
‫َم ْخَرجًا َوَيْرُزْق ُه ِم ْن َحْي ُث َال َي ْح َت ِس ُب } ))‬
‫(رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف عن معاذ بن جبل)‬

‫أقول لكم مرة ثانية أيها الشباب أنتم ُمْقدمون‬


‫على حياة‪ ،‬أنت بحاجة إلى زواج مع هذا‬
‫الفساد العريض‪ ،‬أنت بحاجة إلى بيت مع‬
‫ارتفاع أسعار البيوت‪ ،‬أنت بحاجة إلى حرفة‬
‫تدر عليك رزقاً يحفظ لك ماء وجهك‪ ،‬أنا أعلم‬
‫علم اليقين ما من شاب إال ويطمح إلى عمل‬
‫وزواج وحرفة وبيت‪ِّ ،‬‬
‫اتق هللا‪.‬‬

‫‪145‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬نحن ما أدخلنا بحساباتنا ما يسمى بالبركة‪ ،‬أحياناً يأتيك رزق محدود مع بركة هللا عز‬
‫وجل‪ ،‬يكفيك ويغطي كل نفقاتك‪ ،‬وأنت في راحة‪ ،‬وفي بحبوحة‪ ،‬وقد ينطبق عليك قول‪ :‬أحدهم االقتصاد في‬
‫المعيشة خير من بعض التجارة‪ ،‬التي فيها أخطار‪ ،‬فيها إثم‪ ،‬فيها قهر‪.‬‬

‫السماء َواألَْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َهل اْلُقرى آمُنوْا و َّاتَقوْا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫( سورة األعراف اآلية‪) 96 :‬‬

‫مرة في بعض بالد الخليج نزل مط اًر ما ينزل على دمشق في عام بأكمله‪ ،‬وفي مدينة في إفريقيا كنت فيها‬
‫نزل في ليلة واحدة ما ينزل من أمطار على دمشق في عامين‪ ،‬إذا أعطى أدهش‪ ،‬وال يمكن أن يكون تقنين‬
‫هللا تقنين عجز بل تقنين تأديب‪.‬‬

‫ِ‬ ‫﴿ َوإِن ِمن َش ْي ٍء ِإالَّ ِع َ‬


‫ندَنا َخ َزائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُل ٍ‬
‫وم ﴾‬
‫( سورة الحجر )‬

‫هللا عز وجل إذا أعطى أدهش ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬آية ثالثة داعمة لآلية األصل‪:‬‬


‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫ألكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِهم ﴾‬


‫يهم ِمن َّرب ِِه ْم َ‬
‫ُنز َل ِإَل ِ‬
‫يل َو َما أ ِ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِ ِ‬
‫اإل نج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموْا َّ‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 66 :‬‬

‫ال في بعض السنوات نجني من القمح ما‬


‫وما أنزل إليهم من ربهم‪ ،‬القرآن‪ ،‬هللا عز وجل أحيانًا يعطينا مث ً‬
‫يساوي ستة ماليين طن‪ ،‬وحاجة بلدنا كله إلى مليون طن ست أضعاف حاجتنا‪ ،‬في سنوات ال يكون مجموع‬
‫القمح فوق الخمسمئة ألف فقط‪ ،‬إذا أعطى أدهش‪.‬‬

‫من آثر طاعة هللا على هوى نفسه قلل هللا همومه و نزع الفقر من قلبه ‪:‬‬

‫آية رابعة‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اهم َّماء َغ َد ًقا ﴾‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿ َوأَل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬
‫( سورة الجن )‬

‫قال بعض العارفين‪ :‬إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل هللا تعالى في تيسير رزق حالل مما قسمه هللا‬
‫عز وجل‪.‬‬

‫‪146‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫وقال سفيان الثوري‪ِّ :‬‬
‫اتق هللا فما رأيت فقي ًار محتاجًا‪ .‬كالم رائع‪.‬‬

‫َمْن ُت ْم (‪﴾ )147‬‬ ‫﴿ ما َي ْف َعل َّ ِ ِ ِ‬


‫َّللا ب َع َذاب ُك ْم إ ْن َش َكْرُت ْم َوآ َ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫( سورة النساء)‬

‫ورد في بعض اآلثار القدسية‪ :‬وعزتي وجاللي وعظمتي ما من عبد آثر هواي على هواه‪ ،‬أي آثر طاعة هللا‬
‫على هوى نفسه‪ ،‬إال أقللت همومه‪ ،‬وجمعت عليه ضيعته‪ ،‬ونزعت الفقر من قلبه‪ ،‬وجعلت الغنى بين عينيه‪.‬‬

‫وحديث آخر‪:‬‬

‫(( من أصبح وأكبر همه اآلخرة جعل هللا غناه في قلبه‪ ،‬وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة‪ ،‬ومن‬
‫أصبح وأكبر همه الدنيا جعل هللا فقره بين عينيه‪ ،‬وشتت عليه شمله ولم يؤتيه من الدنيا إال ما قدر له ))‬
‫[ أخرجه ابن ماجة عن أنس بن مالك ]‬

‫طاعة هللا عز وجل خير من الدنيا و ما عليها ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬عن اإلمام علي رضي هللا عنه أنه سمع من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬من نقله هللا‬
‫عز وجل من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بال مال‪ ،‬وأعزه بال عشيرة‪ ،‬وآنسه بال أنيس‪ ،‬ومن خاف هللا‬
‫أخاف هللا تعالى منه كل شيء‪ ،‬ومن لم يخف هللا أخافه هللا تعالى من كل شيء‪ ،‬ومن رضي من هللا باليسير‬
‫من الرزق رضي هللا تعالى منه باليسير من العمل‪.‬‬
‫أيها األخوة الكرام‪:‬‬
‫(( جاء رجل إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول هللا أوصني‪ .‬قال‪ ' :‬عليك بتقوى هللا فإنه‬
‫جماع كل خير ))‬
‫[رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري]‬

‫يعني عليك بطاعة هللا‪.‬‬

‫نا فإنا منحنا بالرضا من أحـبنـــا‬ ‫أطع أمرنا نرفع ألجـلك حجب‬
‫لنحميك مما فيه أشرار خلقــنــا‬ ‫و لذ بحمانا واحـتــم بجنابنا‬
‫تلق المسرة والـــهنا‬
‫و أخلص لنا َ‬ ‫و عن ذكرنا ال يشغلنك شاغـل‬
‫فما القرب واإلبعاد إال بأمــــرنا‬ ‫و سلم إلينا األمر في كل ما يكن‬
‫***‬

‫‪147‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫من أوتي رزقًا ماديًا و حرم رزقًا روحيًا فهذا استدراج من هللا تعالى ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬اإلنسان أحياناً يؤتى رزقاً‬


‫ماديًا ويحرم رزقًا روحيًا‪ ،‬علق األمل على كل‬
‫أنواع األرزاق‪ ،‬معرفة هللا رزق عظيم‪ ،‬طاعته‬
‫زرق عظيم‪ ،‬أن تشعر بالخشوع في الصالة‬
‫رزق عظيم‪ ،‬أن تق أر القرآن فيخشع قلبك رزق‬
‫عظيم‪ ،‬وأن يعطيك هللا ماالً تغطي به حاجاتك‬
‫هذا أيضًا رزق‪ ،‬لذلك قال تعالى‪:‬‬

‫ِ ِ ِ‬ ‫ين (‪َّ )2‬ال ِذ َ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫الص َال َة َو ِم َّما َرَزْقَن ُ‬
‫اه ْم‬ ‫يمو َن َّ‬
‫ين ُي ْؤمُنو َن باْل َغْيب َوُيق ُ‬ ‫اب َال َرْي َب فيه ُهًدى لْل ُم َّتق َ‬
‫﴿ الم (‪َ )1‬ذل َك اْلك َت ُ‬
‫ُيْن ِفُقو َن (‪﴾ )3‬‬
‫( سورة البقرة)‬

‫ومما رزقناهم من علم‪ ،‬أو من جاه‪ ،‬أو من قوة‪ ،‬أو من خبرة‪ ،‬أو من مال‪.‬‬

‫ويجزي بها في اآلخرة))‬


‫(( إن هللا ال يظلم مؤمناً حسنة‪ُ ،‬يعطى بها في الدينا‪ُ ،‬‬
‫[أخرجه مسلم عن أنس بن مالك]‬

‫عطاء هللا ابتالء وحرمانه دواء ‪:‬‬

‫لكن والعياذ باهلل إذا رأيت هللا يعطي العبد من الدنيا على معاصيه مما يحب فإنما هو استدراج‪ ،‬إذا كانت‬
‫الدنيا تأتي من أوسع أبوابها واإلنسان ليس على طاعة هللا فهذا استدراج يعقبه قصم شديد‪.‬‬

‫اب ُك ِل َش ْي ٍء َح َّتى ِإ َذا َف ِر ُحوا ِب َما أ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اه ْم َب ْغ َت ًة َفِإ َذا ُه ْم‬
‫ُوتوا أَ َخ ْذَن ُ‬ ‫﴿ َفَل َّما َن ُسوا َما ُذكُروا ِبه َف َت ْحَنا َعَلْي ِه ْم أَْب َو َ‬
‫ُمْبِل ُسو َن (‪﴾ )44‬‬
‫( سورة األنعام اآلية‪) 44 :‬‬

‫ع َلهم ِفي اْل َخير ِ‬


‫ات َبل َال َي ْش ُعُرو َن (‪﴾ )56‬‬ ‫﴿ أَيحسبو َن أََّنما ُن ِمُّدهم ِب ِه ِمن م ٍ ِ‬
‫َْ‬ ‫ين (‪ُ )55‬ن َس ِار ُ ُ ْ‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ََُْ‬
‫( سورة المؤمنون )‬

‫َما ِإ َذا َما ْاب َت َال ُه َفَقَدَر َعَلْي ِه ِرْزَق ُه‬


‫ول َربِي أَ ْكَرَمن * َوأ َّ‬ ‫نس ُ ِ‬
‫ان إ َذا َما ْاب َت َال ُه َرُّب ُه َفأَ ْكَرَم ُه َوَن َّع َم ُه َفَيُق ُ‬ ‫َما ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫﴿ َفأ َّ‬
‫َهاَن ِن ﴾‬ ‫ول َربِي أ َ‬
‫َفَيُق ُ‬
‫( سورة الفجر )‬

‫‪148‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫الرد اإللهي‪:‬‬

‫﴿ َك َّال ﴾‬
‫( سورة الفجر اآلية‪) 17 :‬‬

‫ليس كذلك‪ ،‬ليس عطائي إكرامًا‪ ،‬وال منعي حرمانًا‪ ،‬عطائي ابتالء‪ ،‬وحرماني دواء‪.‬‬

‫من اتقى هللا عز وجل رزقه هللا من حيث ال يعلم ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الرزق قوام الحياة‪ ،‬وما من إنسان إال بحاجة إلى مال يغطي به نفقاته‪ ،‬فإذا اتقى هللا عز‬
‫وجل هيأ له رزقاً وقد يكون كفافاً‪ ،‬فإذا كان الرزق كفافاً ال تحزن بل استبشر لهذا الحديث الشريف‪ :‬اللهم من‬
‫أحبني فاجعل رزقه كفافاً‪.‬‬
‫فإذا سألت أخاً كريماً عن رزقه قال لي مستورة‪ ،‬أقول له إذاً أصابتك دعوة النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬قلة‬
‫المال أمر صعب جدًا وكثرة أمر صعب جدًا‪.‬‬

‫(( بادروا إلى األعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إال ِغَن ًى ُم ْط ِغياً‪ ،‬أو َف ْق اًر ُمْن ِسياً‪ ،‬أو َمَرضاً‬
‫اعةُ‪ ،‬والساعة‬ ‫شر ِ‬ ‫ُم ْف ِسداً‪ ،‬أو َهَرمًا ُمَقِيدًا‪ ،‬أو َم ْوتًا ُم ْج ِه ًاز ؛ أو الدجال‪ ،‬فالدجال ُّ‬
‫الس َ‬
‫ظر ؛ أو َّ‬ ‫غائ ٍب ُيْن َت َ‬
‫َمر ))‬
‫أدهى وأ َ‬
‫[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]‬

‫كاد الفقر أن يكون كف ًار‪ ،‬الغنى الذي يحملك إلى المعصية من أكبر المصائب لذلك هللا عز وجل كما قال‬
‫بعض العلماء‪ :‬علم ما كان‪ ،‬وعلم ما يكون‪ ،‬وعلم ما سيكون‪ ،‬وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون‪.‬‬

‫ليس في اإلمكان أبدع مما كان‪ ،‬وإذا كشف هللا لك الحكمة فيما ساقه إليك‪ ،‬وما أقامك فيه من بحبوحة‪ ،‬أو‬
‫من ضيق يوم القيامة‪ ،‬ينبغي أن تذوب شك ًار هلل على ما ساقه إليك من أشياء قد تكون في الدنيا قد كرهتها‪.‬‬

‫َّللا َي ْعَل ُم َوأَْن ُت ْم َال َت ْعَل ُمو َن‬ ‫َن َت ْكرُهوا َشيًئا و ُهو َخير َل ُكم وعسى أ ْ ِ‬
‫َن ُتحُّبوا َشْيًئا َو ُه َو َشٌّر َل ُك ْم َو َّ ُ‬ ‫ْ َ َ ٌْ ْ َ َ َ‬ ‫﴿ َو َع َسى أ ْ َ‬
‫(‪﴾ )216‬‬
‫( سورة البقرة)‬

‫‪149‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫المعاصي أحد أكبر أسباب قلة الرزق ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬في الخطبة القادمة إن شاء‬


‫هللا الحديث عن المعاصي التي تمنع الرزق‪ ،‬قد‬
‫يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية‪ ،‬تقوى هللا‬
‫أحد أكبر أسباب زيادة الرزق‪.‬‬
‫َّللا َي ْج َعل َّل ُه َم ْخَر ًجا ﴾‬
‫﴿ َو َمن َي َّت ِق َّ َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫وهناك مجموعة معاصي أحد أكبر أسباب قلة‬


‫الرزق‪ ،‬هذا موضوع الخطبة القادمة إن شاء هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫هللا عز وجل يرزق العبد على قدر نيته ‪:‬‬

‫ال صالحًا يحتاج إلى مال فإن هللا عز وجل‬


‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬من مسلمات اإليمان أنك إذا سألت هللا عم ً‬
‫يرزقك رزقاً يعينك على هذا العمل الصالح‪ ،‬أما حينما تقول اللهم هب لنا عمالً صالحاً يقربنا إليك‪ ،‬هناك‬
‫أعمال صالحة تحتاج إلى مال‪ ،‬فلذلك ينطوون على نوايا حسنة‪ ،‬وعلى رغبة في خدمة الخلق‪ ،‬لعل هللا‬
‫يرزقهم رزقاً يكافئ نواياهم‪ ،‬يعني الشيء الذي ينبغي أن يقال اخرج من نفسك إلى خدمة الخلق‪ ،‬عندئذ‬
‫يمكنك هللا من خدمتهم ولو أن خدمتهم كانت تحتاج إلى أموال‪ ،‬هللا عز وجل يرزق العبد على قدر نيته‪،‬‬
‫فالذي ينوي خدمة أمته‪ ،‬وحل مشكالت فقرائها‪ ،‬ومعاونة المرضى‪ ،‬ومعاونة من هو بحاجة إلى زواج‪ ،‬هللا‬
‫سبحانه وتعالى يرزقه من حيث ال يحتسب‪ ،‬ما في قاعدة للرزق‪.‬‬
‫هلكن إذن من جهلهن البهائم‬ ‫ولو كانت األرزاق تجري مع الحجى‬
‫***‬

‫‪150‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫أحيانًا هللا عز وجل يفتح لك باب رزق واسع‪ ،‬المؤمن يسأل هللا رزقًا حال ًال طيبًا يعينه على عمل صالح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء الن َه ِار‪،‬‬
‫اء اللْيل وآَن َ‬
‫منه آَن َ‬
‫ق ُ‬ ‫اه هللا َما ًال َف ُه َو ُيْنف ُ‬
‫آت ُ‬ ‫يقربه إليه‪ ،‬يعني‪ (( :‬ال َح َس َد ِإال في ا ْثَن َتْي ِن‪َ :‬ر ٌ‬
‫جل َ‬
‫اء الن َهار ))‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫آتاه هللا ال ُقرآن َفهو يُق ِ ِ‬
‫اء اللْيل َوآَن َ‬ ‫وم به آَن َ‬
‫ْ َ َُ َ ُ‬ ‫َوَر ُج ٌل َ ُ‬
‫[ البخاري عن أبي هريرة]‬

‫حجم كل إنسان عند ربه بحجم عمله الصالح ‪:‬‬

‫هناك أعمال صالحة يصعب العقل تصورها‬


‫ممكن أن تنشئ ميتماً‪ ،‬مؤسسة تعليمية تعلم‬
‫الدين‪ ،‬مستشفى‪ ،‬أن تبني بيوتاً للشباب‪ ،‬أن‬
‫تغدق مالك على الفقراء والمساكين‪ ،‬أن تقيم‬
‫مشاريع حضارية تعزز هذه األمة‪ ،‬الطرائق إلى‬
‫الخالق بعدد أنفاس الخالئق‪ ،‬وأنت في الدنيا‬
‫حجمك عند هللا بحجم عملك الصالح‪ ،‬واإلنسان‬
‫حينما يأتيه ملك الموت ال يندم إال على شيء‬
‫واحد ؛ على عمل صالح‪:‬‬
‫َع َم ُل َص ِال ًحا ﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿ َرِب ْارِج ُعو ِن * َل َعلي أ ْ‬
‫( سورة المؤمنون اآلية‪) 100 :‬‬

‫(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫واإلنسان حينما يموت بثانية واحدة يفقد كل شيء‪ ،‬الذي جمعه في عمر مديد يخسره في ثانية واحدة‪ ،‬لمجرد‬
‫أن يقف قلبه انتهى‪ ،‬كل أمواله لغيره‪ ،‬لمجرد أن يقف قلبه انتهى‪ ،‬كل أمواله لغيره‪ ،‬وأندم الناس من عاش‬
‫ِّ‬
‫الناس من دخل ورثته بماله الجنة‪ ،‬ودخل هو بماله النار‪.‬‬ ‫فقي ًار ليموت غنيًا‪ ،‬وأندم‬

‫أعظم األعمال الصالحة أن تنفق ما ًال حالالً لحل مشكالت المسلمين ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬تُسأل عن حياتك‪ ،‬وعن عمرك‪ ،‬وعن شبابك‪ ،‬وعن علمك‪ ،‬إال عن مالك تسأل سؤالين من‬
‫أين اكتسبته وفيما أنفقته ؟ والمال قوام الحياة‪ ،‬وبطولة المؤمن أن يعرف كيف يكسب المال الحالل وكيف‬

‫‪151‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫ينفقه في وجوهه الصحيحة‪ ،‬لبعض الصحابة الكرام كلمة رائعة‪ :‬حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى‬
‫ربي‪.‬‬
‫ال في العمل الصالح ال تعد وال تحصى‪ ،‬من هنا إذا كان طريق‬
‫ال حال ً‬
‫يعني خيارات اإلنسان الذي جمع ما ً‬
‫كسب المال الحالل سالكاً وفق منهج هللا ينبغي أن تسلك هذا الطريق‪ ،‬ألنك إن أصبحت غنياً من مال‬
‫حالل‪ ،‬من طريق مشروع‪ ،‬خيارات العمل الصالح أمامك ال تعد وال تحصى‪ ،‬أما إذا كان كسب المال على‬
‫حساب دينك‪ ،‬وعلى حساب مبادئك وقيمك‪ ،‬فاعتقد اعتقاداً جازماً أن الفقر وسام شرف لك‪ ،‬لذلك قالوا‪ :‬هناك‬

‫فقر اإلنفاق‪ ،‬يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال‪ :‬هللا ورسوله‪ ،‬ومن أعظم األعمال الصالحة أن تنفق ماالً‬
‫حالالً جمعته من ٍ‬
‫كد حالل ومن كسب حالل لحل مشكالت المسلمين‪ ،‬ورب درهم سبق ألف درهم‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬في الع ارق‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا‬
‫رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪152‬‬ ‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى‬


‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تمهيد موضوع أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬


‫‪ – 1‬سبب اختيار موضوع أسباب زيادة الرزق‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬في أربع خطب سابقة تحدثت عن أسباب زيادة الرزق‪ ،‬وأحد اإلخوة الكرام طرح علي هذا‬
‫السؤال‪ :‬لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات ؟ فقلت له‪ :‬هناك معلومات دقيقة جداً أن هناك أزمات اقتصادية‬
‫في العالم كله من دون استثناء‪.‬‬

‫متداوالً بين الناس‪:‬‬


‫المال َ‬
‫ُ‬ ‫‪ – 2‬البد أن يكون‬

‫وألن هللا عز وجل في منهجه أراد أن يكون المال متداوالً بين كل أفراد البشر‪ ،‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿كي َال ي ُكو َن ُدوَل ًة بين ْاألَ ْغِني ِ‬
‫اء ِمْن ُك ْم (‪﴾ )7‬‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ َ‬
‫( سورة الحشر)‬

‫األصل في منهج هللا أن يتقارب الناس في مستوى معيشتهم‪.‬‬

‫‪ – 3‬العاَلم اليوم بين غني وفقير‪:‬‬

‫ولكن العالم اآلخر جمع الثروات بأيدي قليلة‪ ،‬فالذين يسكنون في شمال الكرة األرضية ال يزيدون على عشرين‬
‫بالمئة من سكان األرض‪ ،‬وهم يملكون تسعين بالمئة من ثروات األرض‪ ،‬والذين يسكنون في نصف الكرة‬
‫الجنوبي ال يملكون إال عشرة بالمئة‪ ،‬نسبتهم ثمانون بالمئة من سكان األرض‪ ،‬ويملكون عشرة بالمئة من‬
‫الثروات‪ ،‬فهذا العالم الذي ابتعد عن منهج هللا قسم العالم إلى قسمين‪ ،‬عالم يتفنن في إنفاق المال‪ ،‬فقد يشتري‬
‫أحدهم لوحة زيتية ال تزيد على حجم صغير بخمسين مليون دوالر‪ ،‬وترى شعوبًا بأكملها تموت من الجوع‪،‬‬
‫وفي بالد يتم إعدام عشرين مليون رأس غنم بالرصاص‪ ،‬وتُدفن حفاظًا على مستوى األسعار المرتفع‪،‬‬
‫ومحاصيل الحليب ومشتقات الحليب ألقيت في البحر بحجم يزيد على أهرامات مصر حفاظاً على أسعاره‬
‫المرتفعة‪.‬‬

‫‪153‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫وحشا‪،‬‬
‫إن هذا اإلنسان إذا ابتعد عن هللا يصير ً‬
‫ومحاصيل الحمضيات في بالد بعيدة أتلفت‪،‬‬
‫ولم ُي َبع منها شيء‪ ،‬والزنوج تسللوا تحت‬
‫األسوار ليأكلوا هذه الحمضيات مجاناً‪ ،‬ففي‬
‫العام القادم ُس ِّمم المحصول حتى إذا أكل هذا‬
‫الزنجي برتقالة يموت‪.‬‬
‫وضع العالم لم يسبق في تاريخ‬
‫ُ‬ ‫أيها اإلخوة‪،‬‬
‫البشرية أن عانى من قسوة وعنصرية‪ ،‬واإلنسان‬
‫األبيض يجب أن يعيش وحده‪ ،‬وأن يموت الناس‪.‬‬
‫تجرب على بني البشر ؟ في تاريخ الطب األدوية الجديدة تجرب على الجرذان والفأران‪،‬‬
‫متى كانت األدوية َّ‬
‫تجرب في دول نامية على اإلنسان‪.‬‬
‫اآلن َّ‬
‫متى تأتي المساعدات إلى بلد يعاني من حرب أهلية‪ ،‬وفي الباخرة أربعة أخماسها نفايات ذرية تلقى في‬
‫السواحل ؟‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬
‫صَّلى َّ‬ ‫ِّي َقال‪َ :‬قال رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬
‫ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬
‫أيها اإلخوة‪َ ،‬ع ْن أَبي َسعيد اْل ُخ ْدرِّ َ َ َ ُ ُ‬
‫ض ِق ْس ً‬
‫طا َو َع ْدًال َك َما ُملَِئ ْت‬ ‫اس َوََزال ِز َل‪َ ،‬فَي ْم َألُ ْاألَْر َ‬ ‫ف ِم ْن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫اخِت َال ٍ‬ ‫(( أَُب ِشُرُك ْم ِباْل َم ْه ِد ِي ُيْب َع ُث ِفي أ َّ‬
‫ُمِتي َعَلى ْ‬
‫ِ‬ ‫ض‪ ،‬ي ْق ِسم اْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫اكن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫احا ؟‬ ‫ال َل ُه َر ُج ٌل‪َ :‬ما ص َح ً‬ ‫احا‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ال ص َح ً‬ ‫الس َماء َو َساك ُن ْاألَْر ِ َ ُ َ َ‬ ‫َج ْوًار َوظُْل ًما‪َ ،‬يْر َضى َعْنهُ َس ُ‬
‫اس‪)) ...‬‬ ‫الس ِوَّي ِة َبْي َن َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ال‪ِ :‬ب َّ‬‫َق َ‬
‫[ أحمد ]‬

‫لكن أنا أردت باختيار هذا الموضوع أن هناك أزمات اقتصادية‪ ،‬وقد كنت في مصر فحدثني أحد اإلخوة أن‬
‫سعر كيلو العدس ارتفع من جنيه إلى تسع جنيهات‪ ،‬أسعار عالمية‪ ،‬هذا االرتفاع في األسعار يمتص كل‬
‫دخل الطبقة المتوسطة والدنيا‪ ،‬أنا اخترت هذا الموضوع بالذات ألن المؤمن له معاملة خاصة مع كل‬
‫األزمات‪:‬‬

‫﴿ َم ْن َع ِم َل َص ِال ًحا ِمن َذ َك ٍر أ َْو أُن َثى َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفَلُن ْحِيَيَّنهُ َحَيا ًة َ‬


‫طِيَب ًة ﴾‬
‫( سورة النحل اآلية‪) 97 :‬‬

‫اخترت هذا الموضوع ألنه من هللا عز وجل ؛ من كتابه ومن سنة رسوله‪ ،‬فهذه الخطبة الرابعة‪ ،‬وهناك خطب‬
‫عديدة تقترب من عشر خطب حول أسباب زيادة الرزق‪ ،‬ألن الدين هو الحياة‪ ،‬وألن وعد هللا بحفظ المؤمن‬
‫ونصره وإكرامه فوق كل الظروف‪.‬‬

‫‪154‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫ِمن أسباب زيادة الرزق ‪ :‬القناع ُة ‪:‬‬
‫اض بما قسم هللا له من الرزق‪:‬‬
‫‪ – 1‬المؤمن ر ٍ‬

‫الموضوع اليوم عن السبب الثالث لزيادة الرزق‪ ،‬أال وهو القناعة‪ ،‬فالمؤمن راض بما قسم هللا له من الرزق‪،‬‬
‫ألنه مؤمن بعدل هللا وحكمته فيما قسم من أرزاق‪ ،‬وهناك عشرات من كلمات العوام هي الكفر بعينه‪ ،‬هناك‬
‫حكمة بالغة في توزيع األرزاق‪ ،‬ربما ال ندركها‪ ،‬لذلك قال أحد علماء العقيدة‪ " :‬عقولنا قاصرة عن إدراك حكم‬
‫هللا عز وجل "‪ ،‬لكن هناك حكمة‪.‬‬

‫‪ – 2‬رزق هللا ال يسوقه إليك حرص حريص‪ ،‬وال يرده عنك كراهة كاره‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫تذمن أحدًا على ما ال يؤِتك هللا‪ ،‬فإن‬
‫(( ال ترضين أحدًا بسخط هللا‪ ،‬وال تحمدن أحدًا على فضل هللا‪ ،‬وال َّ‬
‫رزق هللا ال يسوقه إليك حرص حريص‪ ،‬وال يرده عنك كراهة كاره ))‬
‫[ الترغيب والترهيب عن عبد هللا بن مسعود بسند فيه مقال كبير ]‬

‫كنت أضرب هذا المثل مئات المرات‪ :‬بستان مزروع بالتفاح‪ ،‬سابع بستان‪ ،‬الشجرة العاشرة‪ ،‬الغصن الثالث‪،‬‬
‫التفاحة الخامسة‪ ،‬هذه لك‪ ،‬لكن أنت مخيَّر في طريقة وصولها إليك‪ ،‬هي لك‪ ،‬و ال سمح هللا قد تسرقها سرقة‪،‬‬
‫ال‪ ،‬هي لك‪ ،‬وقد تشتريها بمالك‪ ،‬وهي لك‪ ،‬وقد تأكلها ضيافة‪ ،‬هي لك‪ ،‬لذلك‪:‬‬
‫تسو ً‬
‫هي لك‪ ،‬وقد تأخذها ُّ‬

‫(( إن رزق هللا ال يسوقه إليك حرص حريص‪ ،‬وال يرده عنك كراهة كاره‪ ،‬وإن هللا تعالى بقسطه وعدله جعل‬
‫الروح والفرح في الرضا واليقين‪ ،‬وجعل الهم والحزن في السخط ))‬

‫الكسل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ – 3‬ليس من مفهومات القناعة‬

‫نصوصا كثيرة حول القناعة‪ ،‬ولكن الذي‬


‫ً‬ ‫سأورد‬
‫أتمنى أال يفهم من كالمي أن تقعد‪ ،‬وأن‬
‫تتكاسل‪ ،‬وأن تقول‪ :‬أنا قانع يا رب بما رزقتني‪،‬‬
‫هذا فقر الكسل ‪.‬‬
‫أنا أتحدث عن القناعة بعد أن تبذل قصارى‬
‫جهدك لرفع مستوى معيشتك‪ ،‬تحسن دراستك‪،‬‬
‫تقوم بدورة علمية‪ ،‬تأخذ الدبلوم‪ ،‬تبحث عن‬

‫‪155‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫وظيفة‪ ،‬يجب أن تستنفذ كل أسباب الرزق‪ ،‬فإذا بلغ جهدك الالنهائي إلى مستوى معين أراده هللا لك فاآلن‬

‫ارض بما قسمه هللا لك‪ ،‬لكن متى ترضى ؟ بعد أن تبذل كل ما تستطيع‪ ،‬عندئذ يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً‬
‫َ‬
‫ال محدودًا لذبت كالشمعة محبة هلل‪" ،‬‬
‫أن هللا لو كشف لك بعلمه األزلي حقيقتك فيما لو أغناك‪ ،‬وجعل لك دخ ً‬
‫إن من عبادي من ال يصلح له إال الفقر‪ ،‬فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه‪ ،‬وإن من عبادي من ال يصلح له إال‬
‫الغنى‪ ،‬فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه "‬
‫حجابا كامال‪ ،‬سافر إلى بلد نفطي‪،‬‬
‫ً‬ ‫أخت كريمة تحضر هذه الدروس لها زوج دخله محدود‪ ،‬هي محجبة‬
‫وجاءه دخل كبير‪ ،‬اتصل بها أن تأتيه‪ ،‬مكان وجوده إن لم تأتي بالبنطال‪ ،‬وأن يظهر جزء من بطنك للناس‬
‫فلن تكوني زوجتي‪.‬‬
‫ماذا قال النبي صلى هللا عليه وسلم ؟‬
‫ال َسْب ًعا‪َ ،‬ه ْل َتْن َت ِظُرو َن ِإَّال َف ْقًار ُمْن ِسًيا ؟ أ َْو ِغًنى ُم ْط ِغًيا ؟))‬
‫َعم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(( َبادُروا ب ْاأل ْ َ‬
‫[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]‬

‫‪ – 4‬العمل المشروع عبادة‪:‬‬

‫بعد أن تستنفذ كل جهدك‪ ،‬ترفع مستوى دراستك‪ ،‬تعمل عمال إضافيا‪ ،‬ألن تربية األوالد يحتاج إلى مال‪،‬‬
‫والمال قوام الحياة‪ ،‬وحينما تعمل عمال شاقا‪ِّ ،‬‬
‫وتؤمن حاجات أسرتك فأنت وهللا في عبادة‪ ،‬هذا الذي يستيقظ‬
‫قبل الفجر‪ ،‬ويذهب إلى عمله ليعمل‪ ،‬وليكسب المال‪ ،‬ليأتي إلى بيته‪ ،‬ويده ممتلئتان بالطعام والشراب والثياب‬
‫واللباس واأللعاب ألوالده الصغار‪ ،‬هو في عبادة‪ ،‬وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة‪.‬‬
‫اليد العليا خير من اليد السفلى‪ ،‬رأى النبي صلى هللا عليه وسلم شاباً يتعبد هللا في وقت العمل‪ ،‬قال له‪ :‬من‬
‫أعبد منك‪.‬‬
‫يطعمك ؟ قال‪ :‬أخي‪ ،‬قال‪ :‬أخوك ُ‬
‫أمسك النبي صلى هللا عليه وسلم يد ابن مسعود‪ ،‬وكانت خشنة من العمل‪ ،‬رفعها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫(( إن هذه اليد يحبها هللا ورسوله ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫وهللا الذي ال إله إال هو حينما أرى أخاً يتقن عمله‪ ،‬بل يتفوق في عمله‪ ،‬وكسب منه ماالً‪ ،‬ثم اختار فتاة‪ ،‬هيأ‬
‫ال‪ ،‬ال تقل‪ :‬كل شيء بيد‬
‫لفتاة زواجًا‪ ،‬هي زوجته‪ ،‬أنجب أوالدًا فرباهم‪ ،‬ال تزهدوا بالعمل‪ ،‬ال تكن مسلمًا كسو ً‬
‫هللا‪ ،‬وهذا ترتيب سيدك‪ ،‬هذا كله كالم يتناقض مع القرآن الكريم‪َ << ،‬من أنتم ؟ قالوا‪ :‬نحن المتوكلون‪ ،‬قال‬
‫سيدنا عمر‪ :‬كذبتم‪ ،‬المتوكل من ألقى حبة في األرض‪ ،‬ثم توكل على هللا >>‪.‬‬

‫‪156‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫نم خبرتك‪ ،‬ادخل دورة‪ ،‬ابحث‬
‫خذ شهادة عليا‪ِّ ،‬‬

‫عن وظيفة‪ ،‬ارفع مستوى دخلك‪ ،‬كن أباً‬


‫ناجحًا‪ ،‬أنا ال أطالبك أن تأخذ المال الحرام‬
‫لترضي أهلك‪ ،‬لكنني أطالبك أن ترفع مستوى‬
‫خبرتك ليزداد دخلك لتربي أوالدك التربية‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬كلمة مؤلمة‪ ،‬لكن أضطر أن‬
‫كنت كسوالً ما معك دخل‪ ،‬كلما‬
‫أقولها‪ :‬إذا َ‬
‫طلب منك شيء تقول‪ :‬ما معي‪ ،‬األوالد عندئذ ينصرفون عنك إلى أصدقائهم األغنياء‪ ،‬ما الذي جعل هذا‬
‫الطفل ينسلخ عن أمه وأبيه ؟ ألن أباه كسول‪ ،‬ال يعمل‪ ،‬ما معه إال ثمن طعام وشراب‪ ،‬اشتهى الطفل‬
‫مشروعا ليرقى به‪ ،‬ما معي‪ ،‬ماذا تفعل أنت ؟‬
‫ً‬ ‫شيئا‬
‫الكومبيوتر‪ ،‬ما معي‪ ،‬اشتهى ً‬

‫أنا أؤكد لكم أن عملك الذي ترتزق منه ‪ ,‬أن حرفتك ‪ ,‬وأن مهنتك ‪ ,‬وأن وظيفتك ‪ ,‬وأن عيادتك ‪ ,‬ومكتبك‬
‫الهندسي‪ ،‬ودكانك كتاجر ‪ ,‬وحقلك كمزارع‪ ،‬حرفتك التي ترتزق منها إذا كانت في األصل مشروعة‪ ،‬وسلكت‬
‫بها الطرق المشروعة‪ ،‬وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك‪ ،‬ولم تشغلك عن طاعة‪ ،‬وال عن أداة صالة‪ ،‬وال عن‬
‫طلب علم‪ ،‬انقلبت إلى عبادة‪ ،‬وأنت في محلك التجاري حينما تنصح المسلمين ‪ ,‬وال تبتز أموالهم ‪ ,‬تبيعهم‬
‫بضاعة جيدة بسعر معتدل فأنت في عبادة‪.‬‬

‫الطرف اآلخر اآلن يريد إفقار المسلمين ‪ ,‬خمس دول إسالمية محتلة ‪ ,‬ألن معظمها عندها طاقة‪ ،‬أما في‬
‫راوندا تم قتل ثمانمئة ألف في أسبوع‪ ،‬الغرب ما تدخل‪ ،‬وقال أحد زعماء الغرب كلينتون‪ :‬لو تدخلنا ألنقذنا‬
‫أربعمئة ألف‪ ،‬لكن ما تدخلنا‪ ،‬لماذا لم يتدخلوا ؟ ليس هناك بترول‪ ،‬األمر واضح جدًا‪ ،‬أين البترول ؟ في‬
‫دارفور‪ ،‬في أفغانستان‪ ،‬أينما يكون التدخل من أجل حقوق اإلنسان‪ ،‬من أجل الديمقراطية يكون البترول‪ ،‬هذا‬
‫هو الغرب‪ ،‬وهو معذور‪ ،‬هذا شأن الطرف اآلخر‪ ،‬لكن نحن لسنا معذورين أن نخضع لخططه‪.‬‬

‫محتَرٌم عند الناس‪:‬‬


‫س في اإلسالم َ‬
‫مقد ٌ‬ ‫ِ‬
‫الحالل َّ‬ ‫‪ – 5‬العامل في‬

‫أقول لكم أيها اإلخوة‪ ،‬تخدم أسرتك‪ ،‬وتخدم أمتك بإتقان عملك‪ ،‬وهللا الذي ال إله إال هو حينما أرى أخاً‬
‫صناعياً متواضعاً محسناً فتح ثمانين بيتًا‪ ،‬عنده ثمانون عامال‪ ،‬وهللا أقدسه‪ ،‬هذا فتح ثمانين بيتًا‪ ،‬ضرب‬
‫خمسة‪ ،‬أربع مئة إنسان يأكلون ويشربون بسبب هذا المعمل‪ ،‬أنا أتمنى من الشباب أال سكون خامل‪ ،‬المسلم‬

‫‪157‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫شيئا‪ ،‬يقول فقط‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬كله ترتيب سيدك‪ ،‬انتهينا‪ ،‬ما هذا الكالم‪ ،‬هل هكذا‬
‫السلبي ال يعمل ً‬
‫كان الصحابة الكرام ؟ وهللا لو ِّ‬
‫فهم الصحابة الكرام الدين كما نفهمه َلما خرج من مكة للمدينة ووصل إلينا‪،‬‬
‫لكنه وصل إلى أطباق الدنيا بفه ٍم عميق‪.‬‬
‫دور‪ ،‬أنت أب‪ ،‬أنا ال أطالبك أن‬
‫لك في الحياة ٌ‬
‫تأخذ المال الحرام‪ ،‬ولكن أطالبك أن تتقن‬
‫عملك كي يزداد دخلك‪.‬‬
‫أقول هذه الحقيقة‪ :‬في كل ِّ‬
‫الح َرف في أثناء‬
‫الرواج االقتصادي أسوء محترف يرتزق‪ ،‬وأسوء‬
‫فمن الذي‬
‫بضاعة تباع‪ ،‬أما إذا جاء الكساد َ‬
‫يعمل وحده ؟ المتقن فقط‪ ،‬يكون مئة إنسان‬
‫يعمل في حرفة معينة‪ ،‬تسعين منهم بال عمل‪،‬‬
‫عملهم من الدرجة الخامسة‪ ،‬أما المتقنون فعندهم مواعيد لشهرين قادمين‪.‬‬
‫لذلك إتقان العمل جزء من الدين‪ ،‬قلت لكم كثي ًار‪ :‬اآلن ال يحترم دينك إال إذا تفوقت في دنياك‪ ،‬والتفوق بين‬
‫يديك بالعلم‪.‬‬
‫هم أمتي ؟ قلت له‪ :‬تابع دراستك‪ ،‬فقد يأتي خبير في بالده من‬
‫قال لي مرة طالب‪ :‬ماذا أفعل حتى أحمل َّ‬
‫الدرجة العاشرة فيأخذ خمسمئة ألف كل شهر‪ ،‬إذا أتقنت عملك نستغني عن خبير‪ ،‬هذا هو الواقع‪ ،‬ففي‬
‫المعامل الكبرى كومبيوتر صناعي‪ ،‬هذا بقدرة قادر يتعطل كل فترة‪ ،‬هناك لوحة معقدة جدًا نرسلها إلى بالد‬
‫رجل من هذا البلد‬ ‫َّ‬
‫الغرب فتعود بعد أسبوع‪ ،‬وقد تعطل المعمل مع مليوني ليرة ثمن تصليحها‪ ،‬حتى استطاع ٌ‬
‫الطيب أن يحلل هذه اللوحة‪ ،‬الورق الذي ترجمها فيه طوله ستة أمتار‪ ،‬ويأخذ عشرة آالف إلصالحها‪ ،‬من‬
‫مليونين إلى عشرة آالف‪ ،‬اآلن هو معتمد في القطر‪ ،‬فأي معمل عنده لوحة إلكترونية معطلة‪ ،‬وهي عبارة‬
‫عن ( فيوز ) ضعيف خصوصي‪ ،‬يبتزون أموالنا ابت از ًاز‪.‬‬

‫نكون أو ال نكون ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬نحن اآلن في معركة نكون أو ال نكون‪ ،‬ليست قضية يجب أن ننتصر‪ ،‬بل المعركة معركة‬
‫وجود‪ ،‬نكون أو ال نكون‪ ،‬هم يفقروننا‪ ،‬وفي بالد أخرى في العراق تم قتل حتى اآلن ثالثة آالف وثمانمئة‬

‫شيعيا‪ ،‬أو كرديًّا‪ ،‬أو عربيًّا‪ ،‬بين طيار‪ ،‬وأستاذ جامعة‪ ...‬يريدون ً‬
‫شعبا بال‬ ‫ً‬ ‫عالم‪ ،‬ال يهم إن كان سنيًّا‪ ،‬أو‬
‫نجوم‪ ،‬بال أعالم‪ ،‬بال علماء‪َ ،‬من الذين يطورون الحياة ؟ المتفوقون‪.‬‬

‫‪158‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫هناك خبر دقيق أقوله لكم‪ :‬العالم الغربي اآلن ال يعنى بإنشاء الجامعات‪ ،‬ينشئ جامعة تكلف مليارات فيها‬
‫عشرة آالف طالب‪ ،‬الذين يعنيهم من هؤالء الطالب جميعاً خمسة بالمئة فقط‪ ،‬المتفوقون هؤالء يحدثون‬
‫تغيرات جذرية في الحياة في الصناعة‪ ،‬في التجارة‪ ،‬في الفلك‪ ،‬في الطب‪ ،‬في الهندسة‪ ،‬بدل أن ينشئوا‬
‫جامعات تكلفهم مليارات يأخذون من العالم الثالث المتفوقون‪ ،‬فعند ( مايكروسوفت ) مثالً خمسة وثالثون ألف‬
‫مهندس قمم في العالم‪ ،‬بجنسية ودخل كبير‪ ،‬واستغنوا عن إنشاء الجامعات‪ ،‬أحياناً الصناعات ذات الربح‬
‫القليل تترك لنا‪ ،‬نستهلك ماءنا وإمكانياتنا بأرباح هامشية قليلة‪ ،‬فقد آن األوان أن يصحو المسلمون من‬
‫غفوتهم‪ ،‬أال يكونوا خطة يخطط لها أعدائهم‪.‬‬

‫اه‪:‬‬ ‫َّللا ِب َما َ‬


‫آت ُ‬ ‫َسَل َم َوُرِز َق َك َفا ًفا‪َ ،‬وَقَّن َع ُه َّ ُ‬
‫‪َ – 6‬ق ْد أَ ْفَل َح َم ْن أ ْ‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬ما قصدت أبدًا أن أقول لك‪ :‬اقنع بما آتاك هللا‪ ،‬وأنت قاعد‪ ،‬فمتى تقنع ؟ بعد أن تبذل كل جهدك‬
‫إما بالدارسة‪ ،‬أو تطوير العمل‪ ،‬أو بالتحديث‪ ،‬أو بشيء يرفع مستوى دخلك‪.‬‬
‫ويا أيها اآلباء يجب أن تعلموا أنك إذا كسبت المال الحالل وأنفقته على أهلك وأوالدك فأنت في عبادة‪ ،‬يقول‬
‫أحد الصحابة‪ << :‬حبذا المال أصون به عرضي‪ ،‬وأتقرب به إلى ربي >>‪ ،‬ومع ذلك ليس الغنى عن كثرة‬
‫العرض‪ ،‬ولكن الغنى غنى النفس‪.‬‬
‫إباء‪،‬‬
‫وهللا أيها اإلخوة‪ ،‬ألتقي بإخوة كرام ما معه شيء‪ ،‬وهللا عنده من غنى النفس ما يمأل به األرض عزة و ً‬
‫ليست البطولة أن يكون مالك كثي ًار‪ ،‬البطولة أن تعرف ربك‪ ،‬وأن تقوم بدور إيجابي في الحياة‪ ،‬لذلك يجب أن‬
‫تحترم صاحب الدخل المحدود المستقيم‪ ،‬وأال تصغي إلى إنسان دخله غير محدود‪ ،‬لكنه غير مستقيم‪ ،‬يقول‬
‫عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫اه ))‬ ‫َّللا ِب َما َ‬
‫آت ُ‬ ‫َسَل َم َوُرِز َق َك َفا ًفا‪َ ،‬وَقَّن َع ُه َّ ُ‬
‫(( َق ْد أَ ْفَل َح َم ْن أ ْ‬
‫َّللاِّ ْب ِّن َعم ِّرو ْب ِّن اْل َع ِّ‬
‫اص ]‬ ‫[ مسلم َع ْن َع ْب ِّد َّ‬
‫ْ‬

‫مرة قلت إلنسان‪ :‬كيف الحال ؟ قال‪ :‬الدخل يغطي كل نفقاتي‪ ،‬قلت له‪ :‬معنى ذلك قد أصابتك دعوة رسول‬
‫هللا‪ ،‬قلق‪ ،‬بماذا دعا علي ؟‬

‫(( اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافًا ))‬


‫[ ورد في األثر ]‬

‫رزق يكفيه‪ ،‬وال يطغيه‪.‬‬

‫وت َي ْو ِم ِه َف َكأََّن َما ِح َ‬


‫يز ْت َل ُه ُّ‬
‫الدْنَيا ))‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫آمًنا ِفي ِسْربِه‪ُ ،‬م َعا ًفى ِفي َج َسده‪ِ ،‬عْن َد ُه ُق ُ‬
‫(( م ْن أَصبح ِمْن ُكم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ََْ‬
‫[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد هللا بن محصن ]‬

‫‪159‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫ملك‪ ،‬جاءني خاطر لطيف‪ ،‬لو عرضنا على هذا ِّ‬
‫الملك أن يعود إلى صحته التامة‪ ،‬لكن على أن‬ ‫مرة توفي ِّ‬
‫يكون خادما بآلة كاتبة في قصره الملكي‪ ،‬وهللا ال يتردد لحظة‪ِّ ،‬من ِّ‬
‫ملك إلى خاد ٍم بآلة كاتبة‪ ،‬فإذا كنت‬
‫معافى في جسمك‪ ،‬سمعك‪ ،‬بصرك‪ ،‬صحتك‪ ،‬وعقلك برأسك فهذا هو الفضل من هللا‪.‬‬

‫في فترة من الفترات كلما جاء طفل مع والده أعطيه هدية حلوى‪ ،‬بعد حين أصبح األطفال أصناًفا عندي‪ ،‬أول‬
‫طفل ال يقبل الهدية‪ُ ،‬ربِّي على العفة‪ ،‬بجهد جهيد‪ ،‬برجاء حار‪ ،‬أستعين بوالده ليأخذ هذه القطعة‪ ،‬هذا رقم‬
‫مهذب يأخذها ببساطة‪ ،‬لكن يشكرني عليها‪ ،‬هذا الثاني‪ ،‬وطفل ثالث قبل أن يصل‬ ‫واحد‪ ،‬هناك طفل آخر َّ‬

‫عينه على القطعة‪ ،‬ال يرى أحداً إال القطعة‪ ،‬يأخذها ويمشي‪ ،‬الرابع يأتي مرتين ويدور‪ ،‬أما الخامس فهو‬
‫إلي ُ‬
‫أطول مني‪ ،‬قال‪ :‬أين قطعتي ؟ نعمة العقل ال تعدلها نعمة إطالقًا‪.‬‬

‫اه ))‪.‬‬ ‫َّللا ِب َما َ‬


‫آت ُ‬ ‫َسَل َم َوُرِز َق َك َفا ًفا‪َ ،‬وَقَّن َع ُه َّ ُ‬
‫فيا أيها اإلخوة الكرام‪َ (( ،‬ق ْد أَ ْفَل َح َم ْن أ ْ‬

‫‪ – 7‬ال قيمة للدنيا إال باإليمان‪:‬‬

‫كنت في بلدة فزرت علية القوم بأغنى أحيائها‪ ،‬وزرت جامعا في أفقر أحيائها‪ ،‬سبحان هللا ! هؤالء الفقراء‬
‫حاجبا في مدرسة‪ ،‬لكنك مستقيم على أمر‬
‫ً‬ ‫طابت نفوسهم بهذا الخبر‪ ،‬قد تكون فقي ار ودخلك محدود‪ ،‬تعمل‬
‫هللا‪ ،‬أما عند علية القوم فقلت لهم‪ :‬أنا في بلدي عندنا حي من أغنى أحياء دمشق‪ ،‬البيت ثمنه مئة وثمانون‬

‫مليون إلى مئتي مليون‪ ،‬فحينما أضطر أن أعزي أهل هذا البيت أقول في نفسي‪َ :‬‬
‫من اختار هذا الرخام ؟‬
‫المرحوم‪ ،‬من اختار هذه الثريات ؟ المرحوم‪ ،‬من اختار الطالء ؟ المرحوم‪ ،‬هناك قلت لهم‪ :‬هكذا الدنيا زائلة‪،‬‬
‫ويبقى العمل الصالح‪ ،‬وهذا الجامع من فضل هللا علي منذ خمس وثالثين سنة أنطلق من حقيقة‪ :‬ال يضاف‬
‫عفيفا متواضعا‪ ،‬والغني سخي‪ ،‬والمثقف يستخدم ثقافته لتأييد هذا الدين‪،‬‬
‫على كلمة مسلم كلمة‪ ،‬تحبه فقي اًر ً‬
‫وغير المثقف فطري‪ ،‬مدني‪ ،‬ريفي‪ ،‬مثقف‪ ،‬غير مثقف‪ ،‬ال يضاف على كلمة مؤمن كلمة‪ ،‬ألن اإليمان طهر‬
‫قلبه‪ ،‬وما لم نضع كل هذه الترجيحات االجتماعية تحت قدمنا فلن نفلح‪ ،‬اإلنسان يقيَّم بعلمه وعمله‪ ،‬والدليل‬
‫هللا عز وجل قال‪:‬‬
‫ُوتوا اْل ِعْل َم َدَر َج ٍ‬ ‫َّللا َّال ِذين آمُنوا ِم ُ ِ‬
‫ات ﴾‬ ‫نك ْم َو َّالذ َ‬
‫ين أ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫﴿ َيْرَف ِع َّ ُ‬
‫( سورة المجادلة )‬

‫حدث ولو كان شيخًا‪ ،‬والعالم شيخ ولو كان حدثًا‪ ،‬أليس كذلك ؟‬
‫المقياس هو العلم‪ ،‬والجاهل ٌ‬

‫‪160‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫ويقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( من قنع بما رزق دخل الجنة ))‬


‫[ الجامع الصغير عن ابن مسعود‪ ،‬وسنده موضوع ]‬

‫بدأت بالمقدمة‪ ،‬لكن إياكم أن تفهموا أن‬


‫أقنع وأنا كسول‪ ،‬متى أقنع ؟ بعد أن تبذل كل‬
‫ما تستطيع لتحسين دخلك ومستواك‪ ،‬وتكون‬
‫عَل ًما في عملك‪ ،‬بعد ذلك تقنع‪ ،‬تقنع بعد‬
‫استنفاذ الجهد‪ ،‬أما إذا ما درس الطالب ثم‬
‫طالب كذاب‪ ،‬لو درس دراسة‬
‫ٌ‬ ‫رسب‪ ،‬وقال‪ :‬سبحان هللا ! هكذا ترتيب هللا‪ ،‬هللا ما كتب لي أن أنجح‪ ،‬هذا‬
‫جيدة‪ ،‬وأصيب بمرض حال بينه وبين االمتحان‪ ،‬وقال‪ :‬حسبي هللا ونعم الوكيل‪ ،‬هللا ما كتب لي أن أنجح‪،‬‬
‫فهذا صحيح‪ ،‬ال أقبل كلمة‪ :‬حسبي هللا ونعم الوكيل‪ ،‬هكذا أراد هللا لي‪ ،‬إال بعد استنفاذ الجهد‪ ،‬المشكلة في‬
‫هذا اللقاء أن كل األدلة على القناعة‪ ،‬لكن متى القناعة ؟ ليس قبل استنفاذ الجهد‪ ،‬بل بعد استنفاذ الجهد‪،‬‬
‫ويقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( من رضي بما رزقه هللا قرت عيناه ))‬


‫[ ورد في األثر ]‬

‫‪ – 8‬الرضى من أعلى مقامات المؤمن‪:‬‬

‫المؤمن راض‪ ،‬والرضا أحد أحوال المؤمن الراقية‪ ،‬فهو راض عن هللا‪ ،‬راض عن شكله‪ ،‬راض عن صحته‪،‬‬
‫راض عن أن هللا اختاره من هذه األم وهذا األب‪ ،‬ليس في اإلمكان أبدع مما كان‪ ،‬اختاره أن يأتي في دمشق‪،‬‬
‫وما جاء في شيكاغو‪ ،‬مثالً‪ ،‬هذه نعمة كبيرة‪ ،‬اختاره في عصر معين‪ ،‬اختاره في الخمسينات‪ ،‬وليس في‬
‫الثالثينات‪.‬‬
‫من رضي بالقليل من الرزق رضي هللا منه بالقليل من العمل‪.‬‬
‫محدودا‪ ،‬ووقته قليال‪ ،‬لكن يصلي خمس صلوات‪ ،‬وبالصالة له صلة باهلل‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫اإلنسان شاًقا‪ ،‬ودخله‬ ‫إذا كان عمل‬
‫قوية‪ ،‬هذا أفضل ألف مرة من واحد فارغ‪ ،‬وهو يتنقل من جامع إلى جامع‪ ،‬وال يطبق شيئا‪ ،‬وهو مهوس من‬
‫جامع إلى جامع‪ ،‬ومن عالم لعالم‪ ،‬سيدي فالن قال ذلك‪ ،‬ما قولك أنت ؟ يحدث فتنة‪ ،‬أما إذا كان الواحد‬

‫‪161‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫درسا واحدا أو درسين قدر إمكانه فهذا أفضل من إنسان ما خال عالم‬
‫مشغوال برزقه‪ ،‬وأدى صلواته‪ ،‬وحضر ً‬
‫ما تتلمذ على يديه‪ ،‬وال يطبق من كالمهم شيئاً‪.‬‬

‫‪ – 9‬الراضي عن قسمة هللا ِ‬


‫مل ٌك حقيقي‪:‬‬

‫ويقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫(( خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫الملك يخوف‪ ،‬قال‪ :‬أنت‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ِّ ،‬‬


‫الملك رجل ال نعرفه‪ ،‬وال يعرفنا‪ ،‬له بيت‬ ‫ملك وزيره‪ " :‬من الملك ؟ ِّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫سأل ٌ‬
‫يؤويه‪ ،‬وزوجة ترضيه‪ ،‬ورزق يكفيه‪ ،‬إنه ْ‬
‫إن عرفنا جهد في استرضائنا‪ ،‬وإن عرفناه جهدنا في إحراجه "‪.‬‬

‫إن اإلنسان إذا آتاه هللا مأوى صغيرا‪ ،‬وزوجة صالحة‪ ،‬ودخالً بعد استنفاذ الجهد يغطي حاجاته فهو ِّ‬
‫ملك‪،‬‬ ‫ً‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬

‫ارض بما قسمه هللا لك تكن أغنى الناس ))‬


‫(( َ‬
‫[ الترمذي عن أبي هريرة ]‬

‫واآلن‪ :‬من سره أن يكون أغنى الناس ـ دققوا ـ‬


‫فليكن بما في يدي هللا أوثق منه بما في يديه‪.‬‬

‫ترى الواحد عنده قلق للمستقبل‪ ،‬له أرصدة في‬


‫عدة دول بكل العمالت‪ ،‬يخاف أن ينزل‬
‫الدوالر‪ ،‬معه األورو‪ ،‬لكم له احتياط‪ ،‬وهو قلق‪،‬‬
‫يأتي إنسان ما عنده إال خمسة آالف في‬
‫الشهر‪ ،‬أو عشرة آالف‪ ،‬ما عنده شيء إطالقًا‪،‬‬
‫أمنا يفوق األول‪ ،‬الذي‬
‫هللا عز وجل أعطاه ً‬
‫طا‪ ،‬ما ترك وسيلة إال أمنها‪ ،‬وقلبه‬
‫جعل في كل جهة مبالغ طائلة بكل العمالت‪ ،‬ومعه جنسية ثانية احتيا ً‬
‫مفعم بالقلق‪ ،‬ثم يأتي إنسان بعشرة آالف فقط ال غير‪ ،‬وبيته باألجرة‪ ،‬ما عنده شيء احتياطي إطالقًا‪ ،‬لذلك‬
‫َمن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يدي هللا أوثقك منه بما في يديه‪.‬‬

‫‪162‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫اس‪،‬‬ ‫ض ِإَّال الثََّقَلْي ِن‪َ :‬يا أَُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َه َل ْاألَْر ِ‬
‫ان أ ْ‬ ‫ان ُيَن ِادَي ِ‬
‫ان ُي ْس ِم َع ِ‬ ‫ط ِإَّال ُب ِع َث ِب َجْنَب َتْي َها َمَل َك ِ‬
‫س َق ُّ‬
‫طَل َع ْت َش ْم ٌ‬
‫(( َما َ‬
‫ِك ْم‪َ ،‬فِإ َّن َما َق َّل َوَك َفى َخْيٌر ِم َّما َكثَُر َوَأْل َهى ))‬‫َهُل ُّموا ِإَلى َرب ُ‬
‫[أحمد عن أبي الدرداء]‬

‫احذروا وساوس الشيطان وتلبيسه ‪:‬‬

‫تعلمون أن الشيطان ذكي جداً‪ ،‬يوسوس بالكفر فإن رأى المؤمن على إيمان وسوسه له بالشرك‪ ،‬إن رآه على‬
‫توحيد وسوس له بالكبائر‪ ،‬إن رآه على طاعة وسوس له بالصغائر‪ ،‬إن رآه على ورع فهناك ثالث ورقات‬
‫رابحة أخيرة‪ ،‬وسوس له بالتحريش بين المؤمنين‪ ،‬هذا الشيخ ال يفهم اتركه‪ ،‬اذهب إلى هذا‪.‬‬
‫إنسانا متنقالً من جامع لجامع‪ ،‬أحضر لي‬ ‫أنا اقدس شيخا توفي ـ رحمه هللا ـ يقول‪ :‬يا بني‪ ،‬ال ِّ‬
‫تحضر لي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال من ملهى إلى جامع‪ ،‬بطولتك ليس أن تنتقل من جامع إلى جامع تفسد الناس على شيوخهم‪،‬‬
‫إنسانا متنق ً‬
‫ً‬
‫أقنع هذا الذي ال يصلي أصالً‪ ،‬وسوس له بالتحريش بين المؤمنين‪ ،‬هذه ورقة رابحة بيد الشيطان‪ ،‬وهناك‬
‫إلها يُعبد من‬
‫ورقة أخيرة االستغراق في المباحات‪ ،‬ما عنده وال معصية‪ ،‬ولكن همه الرفاه‪ ،‬هذا الرفاه صار ً‬
‫دون هللا‪ ،‬العالم الغربي كله رفاه‪ ،‬لو دخلنا في الصميم واألعماق فاألساسيات موفرة لكل الناس‪ ،‬لكن التفاوت‬
‫في الرفاه فقط‪.‬‬
‫اس‪،‬‬ ‫ض ِإَّال الثََّقَلْي ِن‪َ :‬يا أَُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬ ‫َه َل ْاألَْر ِ‬
‫ان أ ْ‬ ‫ان ُيَن ِادَي ِ‬
‫ان ُي ْس ِم َع ِ‬ ‫ط ِإَّال ُب ِع َث ِب َجْنَب َتْي َها َمَل َك ِ‬
‫س َق ُّ‬
‫طَل َع ْت َش ْم ٌ‬
‫(( َما َ‬
‫ِك ْم‪َ ،‬فِإ َّن َما َق َّل َوَك َفى َخْيٌر ِم َّما َكثَُر َوَأْل َهى ))‬‫َهُل ُّموا ِإَلى َرب ُ‬
‫[أحمد عن أبي الدرداء]‬

‫الله َّم أ ِ ِ‬ ‫(( ما ِمن يوم يصِبح اْل ِعباد ِف ِ‬


‫ول ْاآل َخُر‪:‬‬ ‫َح ُد ُه َما‪ْ ُ َّ :‬‬
‫َعط ُمْنفًقا َخَل ًفا‪َ ،‬وَيُق ُ‬ ‫ان َيْن َِزال ِن َفَيُق ُ‬
‫ول أ َ‬ ‫يه ِإَّال َمَل َك ِ‬ ‫َ ْ َْ ٍ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫َع ِط ُم ْم ِس ًكا َتَل ًفا ))‬ ‫َّ‬
‫الل ُه َّم أ ْ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه]‬
‫ضي َّ‬‫[ البخاري عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬ ‫َْ‬

‫احذروا هللا في إتالفه لألموال المحرمة ‪:‬‬

‫اآلن كم من طريقة لإلتالف المال ؟ يقول لك‪ :‬المصادرة‪ ،‬هناك ألف سبب‪ ،‬وفي القوانين خطأ غير مقصود‬
‫سيحرر الضبط‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يذهب كل ماله‪ ،‬سرقت سيارته الساعة الثانية عشرة‪ ،‬افتقدها فلم يجدها‪ ،‬قال‪ :‬صباحًا‬
‫صباحاً استيقظ الساعة التاسعة‪ ،‬تمت بها سرقة كبيرة‪ ،‬ونقلوا فيها أسلحة‪ ،‬وما كان لها ضبط في المخفر‪،‬‬
‫فليس مع هللا ذكي‪ ،‬وهناك ألف سبب أن يذهب مالك كله‪ ،‬وأنت بأعلى درجة من اليقظة‪.‬‬

‫‪163‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫الحديث ‪:‬‬
‫الله َّم أ ِ ِ‬ ‫(( ما ِمن يوم يصِبح اْل ِعباد ِف ِ‬
‫ول ْاآل َخُر‪:‬‬ ‫َح ُد ُه َما‪ْ ُ َّ :‬‬
‫َعط ُمْنفًقا َخَل ًفا‪َ ،‬وَيُق ُ‬ ‫ان َيْن َِزال ِن َفَيُق ُ‬
‫ول أ َ‬ ‫يه ِإَّال َمَل َك ِ‬ ‫َ ْ َْ ٍ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫َع ِط ُم ْم ِس ًكا َتَل ًفا ))‬ ‫َّ‬
‫الل ُه َّم أ ْ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه]‬
‫ضي َّ‬‫[ البخاري عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬ ‫َْ‬

‫مصادرات‪ ،‬ضرائب غير معقولة‪ ،‬حادث يكلفك‪.‬‬

‫أحدهم‪ :‬ابني استأجر سيارة في العيد‪ ،‬أصيب بحادث‪ ،‬والسيارة غالية‪ ،‬كلفتني ثمانمئة ألف‪ ،‬هذه‬
‫قال لي ُ‬
‫واحدة‪.‬‬

‫يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫َّللا‪ ،‬وما أ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬


‫طا ًء َخْيًار‬
‫َحٌد َع َ‬ ‫َّللا‪َ ،‬و َم ْن َي َت َصَّبْر ُي َصِبْرُه َّ ُ َ َ ْ‬
‫ُعط َي أ َ‬ ‫َّللا‪َ ،‬و َم ْن َي ْس َت ْغ ِن ُي ْغنه َّ ُ‬
‫(( َم ْن َي ْس َت ْعف ْف ُيعف ُه َّ ُ‬
‫الصْب ِر ))‬ ‫َوأ َْو َس َع ِم ْن َّ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه ]‬
‫ضي َّ‬ ‫[البخاري َع ْن أَِّبي َس ِّع ٍيد الخدرِّ‬
‫ِّي ر ِّ‬
‫ْ ُْ َ َ‬
‫هذا خيار المؤمنين القانع‪ ،‬أما اآلخرون الذين ذمهم النبي صلى هللا عليه وسلم فيقع في رأسهم الطامع‪ ،‬فكن‬
‫قانعاً‪ ،‬وال تكن طامعاً‪.‬‬

‫وإذا أراد هللا بعباده خي اًر رزقهم الرفق في معاشهم‪ ،‬وإذا أراد بهم ش اًر رزقهم الخرق في معاشهم‪.‬‬

‫يمكن أن تأكل في بيتك أطيب أكل بأقل سعر‪ ،‬ويمكن أن تدخل إلى مطعم للمباهاة‪ ،‬يقول لك‪ :‬العشاء بثمانية‬
‫ألفا‪ ،‬هذا فوق طاقة كل الناس‪ ،‬وهو يريد المظاهر‪ ،‬مع أن الطعام في البيت رخيص جدًا‪ ،‬وفيه‬
‫وثالثين ً‬
‫هناءة‪ ،‬وأوالدك أمامك‪.‬‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬

‫‪164‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪165‬‬ ‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة‬


‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫تأديب هللا عباده بحبس األمطار ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬ذكرت لكم في الخطبة‬


‫السابقة أن السبب الذي حملني على أن أعالج‬
‫موضوع زيادة الرزق في خطب عديدة هو أن‬
‫هناك أزمة عالمية تجتاح العالم كله‪ ،‬وأن وعود‬
‫هللا عز وجل فوق الظروف وفوق األزمات‬
‫وفوق الحوادث الطارئة‪ ،‬وعد هللا عز وجل ال‬
‫بد واقع‪ ،‬بل إن زوال الكون أهون على هللا من‬
‫أال يحقق وعوده للمؤمنين‪ ،‬أذكركم ببعض‬
‫اآليات‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اهم َّماء َغ َد ًقا لنفنتهم فيه ﴾‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿ َوأَل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬
‫( سورة الجن )‬

‫يؤدب هللا عباده بحبس األمطار‪ ،‬هذا البلد الطيب أحياناً ينتج من القمح ما يساوي ستة أضعاف حاجته‬
‫وأحياناً ال يوجد أمطار أبدًا‪.‬‬

‫ألكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِهم ﴾‬


‫يهم ِمن َّرب ِِه ْم َ‬
‫ُنز َل ِإَل ِ‬
‫يل َو َما أ ِ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِ ِ‬
‫اإل نج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموْا َّ‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 66 :‬‬

‫ويقاس عليه القرآن الكريم‪.‬‬

‫السماء َواألَْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َهل اْلُقرى آمُنوْا و َّاتَقوْا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫( سورة األعراف اآلية‪) 96 :‬‬

‫‪166‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫وعد هللا قائم لكل مؤمن آمن باهلل و كفر بالطاغوت ‪:‬‬

‫إياكم أن تقنطوا‪ ،‬أزمة الغذاء عالمية‪ ،‬قد ال تصدقون بعض أسبابها أنهم اآلن يصنعون الوقود من الغذاء‪ ،‬من‬
‫أجل أن يركب الغني المترف طائرة تتحرك بوقود من الغذاء من الذرة‪ ،‬من فول الصويا‪ ،‬من القمح والشعير‪،‬‬
‫يصنعون الوقود للطائرات وللمركبات من غذاء الفقراء‪ ،‬ألم أقل لكم قبل أنه تم إعدام عشرين مليون رأس غنم‬
‫في بلد يعد األول في تصدير األغنام حفاظاً على األسعار المرتفعة‪ ،‬والعالم يموت من الجوع‪ ،‬ما لم نكفر‬
‫بالكفر لن نؤمن باهلل‪:‬‬
‫اس َت ْم َس َك ِباْل ُعْرَوِة اْل ُوْثَقى (‪﴾ )256‬‬ ‫وت وي ْؤ ِمن ِب َّ ِ‬
‫﴿ َفمن ي ْك ُفر ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َفَق ْد ْ‬ ‫الطا ُغ َ ُ ْ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫( سورة البقرة )‬

‫لن تؤمن باهلل إال إذا كفرت بالطاغوت‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬الحقائق مرة جداً لكنها تجمد‬


‫وتعطل إذا طبقت منهج هللا عز وجل‪ ،‬كالم‬
‫دقيق‪ :‬الحقائق مرة ال يوجد خبر سار‪ ،‬والعالم‬
‫يمشي في اتجاه الحروب ألن الطرق أصبحت‬
‫كلها مسدودة‪ ،‬ارتفاع األسعار يفوق طاقة‬

‫الغني فكيف بالفقير ؟ لكنني وهللا أؤمن إيماناً‬


‫يفوق حد الخيال أن وعد هللا قائم‪ ،‬وعد هللا قائم‬
‫لكل مؤمن والمؤمن له معاملة خاصة‪ ،‬أنا أتمنى أن يعود الناس جميعاً إلى ربهم وهذه بغيتي وهللا أما إن لم‬
‫يستجيبوا‪ ،‬الحد األدنى‪:‬‬

‫ِ‬
‫ضُّرُك ْم َم ْن َض َّل ِإ َذا ْ‬
‫اه َت َدْي ُت ْم ﴾‬ ‫َمُنوا َعَلْي ُك ْم أَ ْن ُف َس ُك ْم َال َي ُ‬ ‫﴿ َيا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ين آ َ‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 105 :‬‬

‫لذلك كانت هذه السلسلة من الخطب المتعلقة بأسباب زيادة الرزق لنواجه بهذه الحقائق ما ينتظره العالم من‬
‫أزمة طاحنة ربما انتهت إلى حروب ال يعلم إال هللا مداها‪.‬‬

‫‪167‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫من أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬
‫صلة األرحام‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬اآلن السبب الرابع أمضينا خطبًا عديدة في أسباب عديدة‪ ،‬اليوم السبب الرابع لزيادة الرزق صلة‬
‫األرحام‪:‬‬

‫ط َل ُه ِفي ِرْزِق ِه َوُيْن َس َأ َل ُه ِفي أَ َث ِرِه َفْلَي ِص ْل َر ِح َمهُ ))‬


‫َن ُيْب َس َ‬
‫َح َّب أ ْ‬
‫(( َم ْن أ َ‬
‫[ البخاري‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو داود‪ ،‬أحمد عن أََنس ْبن َمالِّ ٍك ]‬

‫وْلي ِّ‬
‫ص ْل َرِّح َم ُه‪ ،‬هذا‬ ‫ََ‬ ‫وفي رواية َفْل َي َب َّر َو ِّال َد ْي ِّه‬
‫الصحاح‪.‬‬ ‫في‬ ‫الحديث‬
‫أيها األخوة‪ ،‬حديث آخر‪:‬‬

‫َن ُي َمَّد َلهُ ِفي ُع ْم ِرِه َوُي َو َّس َع َلهُ ِفي‬


‫(( َم ْن َسَّرُه أ ْ‬
‫الس ِ‬
‫وء َفْلَي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫ِرْزِق ِه َوُي ْد َف َع َعْن ُه ِم َ‬
‫يت ُة ُّ‬
‫َوْلَي ِص ْل َر ِح َم ُه))‬
‫[ أخرجه أحمد َع ْن َعلِّ ٍي]‬

‫بالدين رأي شخصي ال يوجد‪ ،‬هذا دين هللا‪ ،‬كل فكرة طالب بالدليل‪ ،‬أين الدليل ؟ هذا كالم سيد األنبياء وال‬
‫َن ُي َمَّد َلهُ ِفي ُع ْم ِرِه‪ ،‬أي أن تزداد أعماله الصالة وكأنه عاش مئة عام‪،‬‬ ‫ينطق عن الهوى‪َ (( ،‬م ْن َسَّرُه أ ْ‬
‫َّللا َوْلَي ِص ْل َر ِح َمهُ))‬ ‫الس ِ‬
‫وء َفْلَي َّت ِق َّ َ‬ ‫َوُي َو َّس َع َلهُ ِفي ِرْزِق ِه َوُي ْد َف َع َعْنهُ ِم َ‬
‫يت ُة ُّ‬

‫[رواه عبد هللا بن أحمد والبزار والطبراني عن علي بن أبي طالب]‬

‫وعن بثرة رضي هللا عنها قال لها النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬يا بثرة اذكري هللا عند الخطيئة يذكرك عندها‬
‫بالمغفرة وأطيعي زوجك يكفك خير الدنيا واآلخرة وبري والديك يكثر خير بيتك‪.‬‬

‫من له أعما ًال طيبة مع أرحامه زاد هللا رزقه ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬في مفارقة قد تكون محيرة‪ ،‬إنسان معه أعلى شهادة في إدارة األعمال يتمتع بذكاء لماح ورزقه‬
‫محدود‪ ،‬وإنسان آخر بال علم وبال ذكاء وبال أخذ باألسباب رزقه وفير‪ ،‬ما تفسير ذلك ؟ هذا شيء واقع‪ ،‬قال‬

‫‪168‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫بعضهم‪ :‬هؤالء الذين ازداد رزقهم لهم أعمال طيبة مع أرحامهم‪ ،‬أحد أسباب وفرة أرزاقهم أعمالهم الطيبة مع‬
‫أرحامهم‪ ،‬دقق اآلن ولو كانوا عصاة‪ ،‬يجازون على خير عملهم مع أرحامهم رزقاً وفي اًر في الدنيا ‪.‬‬
‫دائمًا وأبدًا هللا عز وجل حينما يأمر عباده‬
‫بعمل طيب إن فعل هذا العمل الطيب ابتغاء‬
‫مرضاة هللا له الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن فعله عن‬
‫طيب قلب ولم يقصد به اآلخرة له الدنيا قطعاً‪،‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪ :‬إن أعجل الطاعة‬
‫ثواباً‪ .‬الطاعات لها ثمار طيبة ومعظم ثمارها‬
‫باآلخرة إال أن بعض األعمال الصالحة شاءت‬
‫حكمة هللا أن يعجل هللا ثوابها في الدنيا منها‬
‫تربية األوالد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫﴿ َرَّبَنا َه ْب َلَنا ِم ْن أ َْزَو ِ‬
‫اجَنا َوُذ ِرَّياتَنا ُقَّرَة أ ْ‬
‫َعُي ٍن (‪﴾ )74‬‬
‫( سورة الفرقان)‬

‫منها صلة الرحم‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم وإن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا‬
‫تواصلوا ))‬
‫[صحيح عن أبي بكرة]‬

‫حديث غريب حقيقة لو لم تكن ملتزمًا بأوامر الدين‪ ،‬إياكم أن تظنوا أنني أدعو إلى ذلك‪ ،‬لكن هذا قانون الذي‬
‫يصل رحمه‪ ،‬يهتم بأسرته‪ ،‬بأقربائه‪ ،‬بأخوته‪ ،‬بأخوته البنات‪ ،‬بأوالد عمته‪ ،‬بأوالد خالته‪ ،‬يرعى شؤون العائلة‬
‫الكبيرة رزقه وفير‪ ،‬بكالم سيدنا محمد عليه أتم الصالة والتسليم‪.‬‬

‫(( إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا‬
‫تواصلوا‪ ،‬وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون ))‬
‫[صحيح عن أبي بكرة]‬

‫‪169‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫من أطاع هللا عز وجل بإخالص ربح الدنيا واآلخرة ‪:‬‬

‫قوانين منهج هللا عز وجل منهج موضوعي لو طبقه إنسان غير ملتزم بل لو طبقه ملحد لقطف ثماره ‪.‬‬

‫أال ترى فيمن حولك إنسان ال يصلي لكن عنده‬


‫عطف على أقربائه يرعى أخواته البنات‪ ،‬يرعى‬
‫أوالد خالته‪ ،‬أوالد عمته‪ ،‬يهتم بمن حوله فيرزقه‬
‫هللا رزقاً وفي اًر مكافأة له‪ ،‬لذلك قول قرأته من‬
‫أربعين عاماً فيما أذكر وال أنساه أبدًا‪ :‬ما أحسن‬
‫عبد من مسلم أو كافر إال وقع أجره على هللا‬
‫ٌ‬
‫في الدنيا أو في اآلخرة‪ ،‬مستحيل وألف ألف‬
‫ألف مستحيل أن ِّ‬
‫تقدم عمالً طيباً ألي جهة في‬
‫األرض‪ ،‬ألي كائن في األرض‪ ،‬كافر ملحد حينما تعمل عمالً صالحاً لهذا العمل جزاؤه في الدنيا فكيف إذا‬
‫كنت مؤمناً ؟ كنت مؤمناً تعتقد باآلخرة وترجوها‪:‬‬

‫ِ‬ ‫﴿ وم ْن أَرَاد ِ‬
‫ور ﴾‬ ‫اآلخَرَة َو َس َعى َل َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َفأُوَلئ َك َك َ‬
‫ان َس ْعُي ُهم َّم ْش ُك ًا‬ ‫ََ َ‬
‫( سورة اإلسراء )‬

‫لذلك حينما تطيع هللا عز وجل بإخالص لك الدنيا واآلخرة‪ ،‬من هنا طالب العلم يؤثر اآلخرة على الدنيا‬
‫فيربحهما معاً‪ ،‬بينما الجاهل يؤثر الدنيا على اآلخرة فيخسرهما معاَ ًً‪.‬‬

‫من تكفل بنفقات من حوله وهبه هللا رزقاً وفي اًر ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪:‬‬
‫(( ما من أهل بيت تواصلوا إال أجرى هللا‬
‫عليهم الرزق وكانوا في كنف هللا ))‬
‫[رواه الطبراني عن ابن عباس]‬

‫تتفقد أختك زوجها فقير‪ ،‬الوقود ارتفع سعره‬


‫مثالً لو تلطفت وأكرمتها بمبلغ من المال‪ ،‬وهللا‬
‫أعرف أناساً وهللا لهم رزق يفوق حد الخيال‬
‫يتفقد أخواته البنات‪ ،‬هذه األخت زوجها دخله‬

‫‪170‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫محدود عندها عملية جراحية‪ ،‬يتكفل بها‪ ،‬هذا الذي يتكفل بنفقات من حوله‪ ،‬هللا عز وجل (أنا أمام نصوص‬
‫من عند سيد الخلق وحبيب الحق ) يهبه رزقاً وفي ًار‪ ،‬لكن أال تعجبون أن الغرب البعيد عن هللا المنحرف‪،‬‬
‫المعاصي واآلثام كلها عنده‪ ،‬أال تعجبون أنهم في بحبوحة كبيرة ؟ هل تصدقون أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫أنبأ بذلك‪ ،‬أنا مرة كنت بأستراليا سمعت هذه القصة أن امرأة أنجبت ثالثة توائم‪ ،‬األسبوع انتهى في المستشفى‬
‫أرادت أن تغادر منعت‪ ،‬إنك ال تستطيعين العناية بهذه التوائم‪ ،‬أبقوها شه ًار بأكمله حتى دربوها على العناية‬
‫بتوائمها‪ ،‬ثم كلفوها أن تعتني بهم وهي في المستشفى‪ ،‬ليتأكدوا من ذلك فلما انتقلت إلى البيت زاروها في‬
‫البيت زيارات دورية للتأكد من حسن إدارتها وقيامها بواجباتها تجاه هذه التوائم‪.‬‬

‫قصة مشابهة تماماً كنت في جنوب السودان في قرية اسمها جوبه هذه أقصى قرية في الجنوب زرنا مستشفى‬
‫ما فيها شيء امرأة أنجبت ثالثة توائم حاضنات ما في‪ ،‬األول مات‪ ،‬ال يوجد حليب في أثدائها من الجوع‪ ،‬ال‬
‫يوجد دواء الثالثة ماتوا‪ ،‬بلد غير مسلم وبلد مسلم‪ ،‬هذه الظاهرة أنا وهللا ال أمدحهم أبداً‪ ،‬لكن في حديث للنبي‬
‫الكريم يثير االنتباه‪:‬‬

‫ول َّ ِ‬ ‫اس َفَقال َل ُه َعمٌرو أَْب ِصْر ما َتُقول‪َ ،‬قال‪ :‬أَ ُقول ما س ِم ْع ُت ِم ْن َرس ِ‬
‫َّللا‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الن ِ َ‬ ‫وم أَ ْك َثُر َّ‬
‫الر ُ‬
‫السا َع ُة َو ُّ‬
‫وم َّ‬ ‫(( َتُق ُ‬
‫َسَر ُع ُه ْم‬ ‫النا ِ ِ ِ‬ ‫ال‪َ :‬لِئ ْن ُقْل َت َذِل َك ِإ َّن ِف ِ‬
‫يه ْم َل ِخ َص ًاال أَْرَب ًعا ِإَّن ُه ْم َأل ْ‬
‫َحَل ُم َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َّ‬
‫س عْن َد ف ْتَنةٍ‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫َّللا َعَلْيه َو َسل َم‪َ ،‬ق َ‬
‫َصلى َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم َو َض ِع ٍ‬ ‫ِإ َفا َق ًة بع َد م ِصيبةٍ‪ ،‬وأَو َش ُكهم َكَّرًة بع َد َفَّرٍة‪ ،‬و َخيرهم ِل ِمس ِك ٍ ِ‬
‫يف‪َ ،‬و َخام َس ٌة َح َسَن ٌة َجميَل ٌة َوأ ْ‬
‫َمَن ُع ُه ْم‬ ‫ين َوَيت ٍ‬ ‫َ ُْ ُ ْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ َ َ ْ ُْ‬
‫وك ))‬ ‫ِم ْن ظُْل ِم اْلمُل ِ‬
‫ُ‬
‫[مسلم‪ ،‬أحمد َع ِّنِّ َعم ِّرو ْب ِّن اْل َع ِّ‬
‫اص ]‬ ‫ْ‬

‫الغرب يتحرك بعقله و يخطط لكل شيء أما نحن فنتحرك بعواطفنا بال روية وال منهج ‪:‬‬

‫نحن إذا مصور أساء نغضب ونثور ونتحرك بال روية وبال منهج وبال علم‪ ،‬نقاطع ثم نسمح بكلمات ساذجة‬
‫قيلت لنا وانتهى األمر‪ ،‬نحن نتحرك بعواطفنا أما هم يتحركون بعقولهم‪ ،‬يخططون‪ ،‬يحافظون على هدوئهم‬
‫ص َيب ٍة‪ ،‬هذه المصائب التي تنزل بالمسلمين‬
‫اس ِّع ْند ِّف ْتن ٍة وأَسرعهم ِّإَفاَق ًة بعد م ِّ‬
‫ََْ ُ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُُْ‬
‫الن ِّ‬
‫َحَلم َّ‬ ‫ن ِّ َّ‬
‫لكنهم يخططو ‪ ،‬إن ُه ْم َأل ْ ُ‬
‫هل صحونا ؟ ال وهللا‪ ،‬هل صحونا من غفلتنا ؟ ال وهللا‪ ،‬هل ترون أيها األخوة‪ ،‬ما يحصل في غزة ؟‬
‫اس ِّع ْن َد‬
‫الن ِّ‬
‫َحَلم َّ‬ ‫ِّ َّ‬
‫المالهي‪ ،‬الوالئم‪ ،‬الحفالت‪ ،‬والرقص‪ ،‬والغناء‪ ،‬والمحطات الخالعية على قدم وساق‪ ،‬إن ُه ْم َأل ْ ُ‬
‫ص َيب ٍة‪.‬‬
‫ِّف ْتن ٍة وأَسرعهم ِّإَفاَق ًة بعد م ِّ‬
‫ََْ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُُْ‬

‫‪171‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫عاشرهم النبي صلى هللا عليه وسلم ؟ التقى بهم‬
‫؟ هذه من دالئل نبوته‪ ،‬ال ينطق عن الهوى‪،‬‬
‫َوأ َْو َش ُك ُه ْم َك َّرًة َب ْع َد َف َّ ٍرة‪ ،‬الشاهد هنا‪َ :‬و َخ ْي ُرُه ْم‬
‫ين ويِّتي ٍم وض ِّع ٍ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫يف‪ .‬نحن نفرح بصندوق‬ ‫لم ْسك ٍ َ َ َ َ‬
‫العافية إنجاز رائع لكن عندهم الطب كله‬
‫مجاني‪ ،‬أغلى عملية عشرة ماليين‪ ،‬أحد أخوتنا‬
‫الكرام اضطر إلى عملية كلفت عشرة ماليين له‬
‫إقامة هناك أجراها مجاناً‪.‬‬
‫ين َوَيِّتيمٍ‬
‫أيها األخوة‪ ،‬أي إنسان بال دخل يقدم طلباً يأخذ راتباً شهرياً إلى أن يتأمن له دخل‪َ :‬و َخ ْي ُرُهم ِّل ِّم ْس ِّك ٍ‬
‫ْ‬
‫ظْل ِّم اْلمُل ِّ‬
‫وك‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫و ِّ ٍ‬
‫َم َن ُع ُه ْم م ْن ُ ُ‬
‫ضعيف َو َخام َس ٌة َح َس َن ٌة َجميَل ٌة َوأ ْ‬‫َ َ‬
‫ام َسةٌ َح َس َنةٌ َج ِّميَلةٌ‬ ‫أنظمتهم الداخلية فيها حرية‪ ،‬هذا وصف من ؟ وصف رسول هللا ألسنا أولى بذلك ؟ وخ ِّ‬
‫ََ‬
‫ظْل ِّم اْلمُل ِّ‬
‫وك‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫َم َن ُع ُه ْم م ْن ُ ُ‬
‫َوأ ْ‬
‫يعني هذا الكالم ذكرني بآية كريمة‪:‬‬

‫ض َي ِرثُ َها ِعَب ِاد َي َّ‬


‫الص ِال ُحو َن (‪﴾ )105‬‬ ‫ور ِمن بع ِد ِ‬
‫الذ ْك ِر أ َّ‬
‫َن ْاألَْر َ‬ ‫﴿وَلَق ْد َك َتْبَنا ِفي َّ‬
‫الزُب ِ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫( سورة األنبياء)‬

‫الصالحون هنا‪ ،‬الصالحون إلدارتها‪.‬‬

‫الغرب كل إيجابياته إسالمية ال ألنهم يعبدون هللا لكن حياتهم هكذا ‪:‬‬

‫لذلك صدقوا وال أبالغ أنا زرت بالدًا غربية كثي ًار وهللا كل إيجابياتها إسالمية‪ ،‬ال ألنهم يعبدون هللا لكن حياتهم‬
‫هكذا‪ ،‬يعتنون بالفقراء‪ ،‬باأليتام‪ ،‬بالضعفاء‪،‬‬
‫بالمرضى ‪.‬‬
‫يعني موضوع طبيب يغلط مع مريض‪ ،‬زرت‬
‫مرة طبيباً في أمريكا أطلعني على أضابير‬
‫لمرضاه الذين توفوا قال لي‪ :‬يجب أن نحتفظ‬
‫بهذه األضابير خمس سنوات لعل خطأ منا‬
‫صدر تجاه إنسان توفي‪ ،‬بإمكان أوالده أن‬
‫يقيموا دعوى ويربحوها بعد موت أبيهم بخمس‬

‫‪172‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫سنوات‪ ،‬أحيانًا يكون في خطأ طبي قاتل يقول لك ترتيب ربك‪ ،‬ال‪ ،‬هناك مسؤولية الدليل‪:‬‬
‫طَّبب وَلم يعَلم ِمْنه ِط ٌّب َقبل َذِل َك َفهو َض ِ‬
‫ام ٌن ))‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬ ‫(( َم ْن َت َ َ َ ْ ُ ْ ْ ُ‬
‫[ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عمرو بن شعيب]‬

‫هذا منهج‪ ،‬أنا أتمنى أن أوضح لكم هذه المفارقة على كفرهم‪ ،‬وانحرافهم‪ ،‬وتفلتهم لكنهم يحرصون على‬
‫ضعفائهم‪ ،‬ومساكينهم‪ ،‬وأيتامهم‪ ،‬لذلك قال النبي صلى هللا عليه وسلم وهللا هذا الحديث ال أفتأ أكرره‪:‬‬

‫ض َع َف ِائ ُك ْم ))‬
‫(( َه ْل ُتْن َصُرو َن َوُتْرَزُقو َن ِإَّال ِب ُ‬
‫[ البخاري عن سهل بن سعد]‬

‫مساعدة األقارب و الفقراء من آثار صلة الرحم ‪:‬‬

‫إذا أردنا أن ننتصر على أقوى قوة في األرض ونحن ضعاف‪ ،‬الطريق عجيب‪ ،‬أن تنصر من هو أضعف‬
‫منك‪ ،‬الفقير‪ ،‬اليتيم‪ ،‬الضعيف‪ ،‬الذي ال يملك قوت يومه‪ ،‬المرأة الوحيدة‪ ،‬الشيخ الكبير ذي العيال الكثير‬
‫والدخل القليل ‪.‬‬

‫فاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر‬


‫بن عبد العزيز دخلت عليه فجأة في مصاله‬
‫فرأته يبكي‪ ،‬قالت‪ " :‬ما لي أراك باكياً ؟ قال‪:‬‬
‫دعيني وشأني‪ ،‬فلما ألحت عليه قال‪ :‬ويحك يا‬
‫وليت أمر هذه األمة‪ ،‬ففكرت‬
‫ُ‬ ‫فاطمة‪ ،‬إني قد‬
‫في الفقير الجائع‪ ،‬والمريض الضائع‪ ،‬والعاري‬
‫المجهول‪ ،‬واليتيم المكسور‪ ،‬والمظلوم المقهور‪،‬‬
‫والغريب‪ ،‬واألسير‪ ،‬والشيخ الكبير‪ ،‬واألرملة‬
‫الوحيدة‪ ،‬وذي العيال الكثير والرزق القليل‪ ،‬فعلمت أن هللا سيسألني عنهم جميعاً‪ ،‬وأن خصمي دونهم رسول‬
‫هللا‪ ،‬فخفت أال تثبت حجتي‪ ،‬فلهذا أبكي "‪.‬‬

‫وهللا أخ كريم سمع لي خطبة عن صلة الرحم قبل سنوات وهو صادق عندي‪ ،‬وهللا له قريب ال يعرفه فجاء‬
‫العيد فسأل عن بيته وذهب لزيارته ما وجده وضع له بطاقة‪ ،‬قال هذا القريب أخالقه عالية جداً رأى قريبه ازره‬
‫رد له الزيارة‪ ،‬ساكن في بيت تحت األرض‪ ،‬شمالي‪ ،‬رطوبته عالية‪ ،‬ومع أوالده أمراض مزمنة‪ ،‬قال له‪ :‬هذا‬

‫‪173‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫المكان ال يصلح لك وألوالدك‪ ،‬رجل ميسور قال لي وهللا أعطاني مبلغاً اشتريت بيتاً في الطابق الثالث باتجاه‬
‫القبلة تدخله الشمس إلى أعماقه‪ ،‬هذه من آثار صلة الرحم‪.‬‬

‫الدين ليس صيامًا و صالة فقط إنما هو صلة رحم و رعاية اجتماعية ‪:‬‬

‫يا أيها األخوة نحن مقصرون كثي ًار‪ ،‬نحن فهمنا‬


‫الدين صالة‪ ،‬وصوم فقط‪ ،‬وأذكار‪ ،‬واستعالء‬
‫على الناس‪ ،‬وتوزيع ألقاب‪ ،‬ما فهمنا الدين‬
‫عمل‪ ،‬ما فهمنا الدين رعاية اجتماعية‪ ،‬ما‬
‫فهمنا الدين صلة رحم‪ ،‬وهللا في أغنياء يتفننون‬
‫في إنفاق األموال‪ ،‬وهللا الذي ال إله إال هو‬
‫ولهم أقرباء يموتون من الجوع‪ ،‬أنت معك أموال‬
‫طائلة‪ ،‬يا أيها األخوة الكرام‪ ،‬أحياناً إنسان‬
‫يعطي معاش ال يكفي أربعة أيام‪ ،‬خمسة أيام‪ ،‬وينفق في اليوم ما ينفقه الفقير بمئة يوم‪ ،‬مرتاح يصلي‬
‫ومصحف في السيارة وفي المحل إنا فتحنا لك فتحًا مبيناً‪ ،‬أي فتح هذا ؟ كالم فارغ‪ ،‬صار في عندنا صور‬
‫براقة ال تقدم وال تؤخر‪ ،‬وهللا لو اهتم كل واحد منا بأقربائه فقط‪ ،‬من يلوذون به‪ ،‬لكنا في حال غير هذا الحال‪.‬‬
‫(( إن أعجل الطاعة ثوابًا صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا‬
‫تواصلوا‪ ،‬وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون ))‬
‫[صحيح عن أبي بكرة]‬

‫الغرب خسر اآلخرة بفسقه و المسلم خسر الدنيا بتقصيره و اآلخرة بمعاصيه ‪:‬‬

‫أعيد على أسماعكم الحديث الذي قاله النبي صلى هللا عليه وسلم عن الروم‪:‬‬
‫ول َّ ِ‬
‫َّللا َصَّلى‬ ‫اس َفَقال َل ُه َعمٌرو أَْب ِصْر ما َتُقول َقال أَ ُقول ما س ِم ْع ُت ِم ْن َرس ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الن ِ َ‬ ‫وم أَ ْك َثُر َّ‬ ‫الر ُ‬‫اع ُة َو ُّ‬ ‫الس َ‬ ‫وم َّ‬ ‫(( َتُق ُ‬
‫َسَر ُع ُه ْم ِإ َفا َق ًة َب ْع َد‬ ‫الن ِ ِ ِ‬ ‫ال َلِئ ْن ُقْل َت َذِل َك ِإ َّن ِف ِ‬
‫يه ْم َل ِخ َص ًاال أَْرَب ًعا ِإَّن ُه ْم َأل ْ‬
‫َحَل ُم َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫اس عْن َد ف ْتَن ٍة َوأ ْ‬ ‫َّللا َعَلْيه َو َسل َم َق َ‬ ‫َّ ُ‬
‫َمَن ُع ُه ْم ِم ْن ظُْل ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف َو َخام َس ٌة َح َسَن ٌة َجميَل ٌة َوأ ْ‬‫ين َوَيِتيمٍ َو َض ِع ٍ‬ ‫ُم ِص َيب ٍة َوأ َْو َش ُك ُه ْم َكَّرًة َب ْع َد َفَّرٍة َو َخْيُرُه ْم ِل ِم ْس ِك ٍ‬
‫اْلمُل ِ‬
‫وك ))‬ ‫ُ‬
‫[مسلم‪ ،‬أحمد َع ِّنِّ َعم ِّرو ْب ِّن اْل َع ِّ‬
‫اص ]‬ ‫ْ‬

‫‪174‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫هذه صفات وصفوا بها من قبل سيد العناية‬
‫اإللهية النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قوانين عند‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬اآلخرة خسروها بفسقهم وفجورهم‬
‫ومعاصيهم لكنهم ربحوا الدنيا‪ ،‬وأما المسلمون‬
‫فاتتهم اآلخرة والدنيا‪ ،‬فاتتهم اآلخرة بمعاصيهم‪،‬‬
‫طبعاً األعم األغلب‪ ،‬والدنيا بتقصيرهم‪ ،‬ال‬
‫حصلوا الدنيا وال حصلوا اآلخرة‪ ،‬يجب أن‬
‫نصحو أيها األخوة‪ ،‬ال تقبل أن يكون إسالمك‬
‫حضور خطبة جمعة في هذا المسجد‪ ،‬وهللا الذي ال إله إال هو الدين ليس في المسجد هنا تتلقى التعليمات‬
‫وتقبض الجائزة فقط‪ ،‬الدين في بيتك‪ ،‬في عندك امرأة ضعيفة متوفي والدها ووالدتها تتفنن في إذاللها أمام‬
‫أوالدها‪ ،‬وتضربها‪ ،‬وتهينها وأنت مسلم‪ ،‬لك شريك ما له اسم في الشركة وثق منك‪ ،‬تخطط تخرجه من الشركة‬
‫بعدما أخذت خبرته‪ ،‬تصلي أول صف‪ ،‬أنت مسلم ؟‬

‫(( ْتر ُك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد اإلسالم ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫هللا عز وجل ال يحابي أحداً ‪:‬‬

‫سبعمئة ألف دعوى كيدية في قصر العدل‪،‬‬


‫أكثرها كيدية‪ ،‬مسلمون‪ ،‬مدرس عقد زواجه على‬
‫فتاة وعنده بيت على الهيكل ليس معه مال‬
‫لكسوته لم يدع طريقة‪ ،‬مضى شهر‪ ،‬اثنين‪،‬‬
‫سنة‪ ،‬سنة وشهران‪ ،‬أهل الفتاة قرروا فسخ العقد‬
‫ما في أمل‪ ،‬تكلم ألصدقائه عن حاله أحد‬
‫األصدقاء أصحاب المروءة قال له عندي بيت‬
‫فارغ أعيرك إياه إلى أن تكسو بيتك‪ ،‬عاره البيت‬
‫وتزوج وتم العقد وانتهى كل شيء‪ ،‬من ذوقه العالي انتظره أربع سنوات ثم طرق بابه قال له ما الذي حصل ؟‬
‫قال له أنا وهللا منذ وقت طويل كسيته وأجرته‪ ،‬ما هذا الكالم ؟ قال له أنا ما أجرتك البيت أنا أعرتك إعارة‪،‬‬

‫‪175‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫قال أنا مستأجر وهذا الواقع وهذه المحاكم‪ ،‬مدرس تربية إسالمية‪ ،‬وكل أحد إخواننا مقيم هنا في الشام‬
‫يتوسطوا معه‪ ،‬قال له يا رجل الصالة في هذا البيت ال تجوز‪ ،‬قال له أنا أصلي في المسجد‪.‬‬
‫مثل هؤالء المسلمين يريدون قه ًار‪ ،‬يريدون أن يكونوا في الدرجة الدنيا في الحياة‪ ،‬أنا اعتراضي أن واقع العالم‬
‫اإلسالمي ال يرضي هللا عز وجل أبداً‪ ،‬والدليل‪:‬‬
‫ين ِم ْن َقْبِل ِه ْم َوَلُي َم ِكَن َّن َل ُه ْم ِديَن ُه ُم َّال ِذي ْارَت َضى َل ُه ْم ﴾‬ ‫ِ‬
‫ف َّالذ َ‬
‫اس َت ْخَل َ‬
‫﴿ َك َما ْ‬
‫( سورة النور اآلية‪) 55 :‬‬

‫ِّ‬
‫يرض هللا عز وجل‪ ،‬هللا ال‬ ‫فإن لم يمكنهم معنى ذلك أن فهمهم للدين‪ ،‬تطبيقهم للدين‪ ،‬عرضهم للدين‪ ،‬لم‬
‫يحابي أحدًا‪.‬‬

‫بر الوالدين يزيد في الرزق و يبارك في العمر ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪:‬‬
‫ال َمْن َسأَ ٌة ِفي‬
‫َه ِل م ْثَار ٌة ِفي اْلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( َتعَّلموا ِم ْن أَْنسا ِب ُكم ما َت ِصُلو َن ِب ِه أَرحام ُكم َفِإ َّن ِصَل َة َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الرح ِم َم َحَّب ٌة في ْاأل ْ َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْاألَ َث ِر ))‬
‫[البخاري‪ ،‬الترمذي عن أبي هريرة]‬

‫َم ْن َسأَةٌ ِّفي ْاألَثَ ِّر‪ :‬في العمر‪.‬‬

‫((البر يزيد في الرزق ))‬


‫[ صحيح عن ثوبان]‬

‫بر الوالدين يزيد في الرزق‪.‬‬

‫وعن النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫احِب ِه‬
‫َّللا ِلص ِ‬
‫َن ُي َع ِج َل َّ ُ َ‬
‫َج َدُر أ ْ‬ ‫ِ‬
‫(( َما م ْن َذْن ٍب أ ْ‬
‫َّخُر َل ُه ِفي ْاآل ِخَرِة‬
‫الدْنيا مع ما يد ِ‬
‫وب َة في ُّ َ َ َ َ َ‬
‫اْلعُق ِ‬
‫ُ َ‬
‫يع ِة َّ‬
‫الر ِحمِ ))‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن اْلَب ْغ ِي َوَقط َ‬
‫[أبو داود‪ ،‬أحمد‪ ،‬الترمذي عن أبي بكرة]‬

‫(( إن هللا ليعمر بالقوم الديار‪ ،‬ويثمر لهم األموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم '‪ .‬قيل‪ :‬وكيف ذلك‬
‫يا رسول هللا ؟ قال‪ ' :‬بصلتهم أرحامهم ))‬
‫[رواه الطبراني عن ابن عباس]‬

‫‪176‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫الدْنَيا َو ْاآل ِخَرِة َو ِصَل ُة َّ‬
‫الر ِح ِم َو ُح ْس ُن اْل ُخُل ِق‬ ‫ظ ُه ِم ْن َخْي ِر ُّ‬‫ُع ِطي َح َّ‬ ‫(( ِإَّنه من أُع ِطي حظَّه ِمن ِ‬
‫الرف ِق فقد أ‬
‫ُ َ ْ ْ َ َ ُ ْ ْ ََ ْ ْ َ‬
‫َع َم ِار ))‬ ‫يد ِ ِ‬ ‫وحسن اْل ِجو ِار يعمر ِ ِ‬
‫ان في ْاأل ْ‬ ‫ان الدَي َار َوَي ِز َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َ ْ َُ‬
‫[متفق عليه َع ْن َع ِّائ َش َة]‬

‫أعلى صلة رحم أن تأخذ بيد المسلمين إلى هللا عز وجل ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬آخر شيء إياكم ثم إياكم ثم إياكم أن تفهموا صلة الرحم جاء عيد األضحى نضع البطاقات في‬
‫الجيب‪ ،‬نعمل قائمة إن شاء هللا ما نجده ما في وقت‪ ،‬نطرق الباب نضع كرت ونمشي‪ ،‬خالص‪ ،‬هذا المعنى‬
‫السخيف ما جاء به النبي صلى هللا عليه وسلم صلة الرحم أن تزوره على موعد‪ ،‬أن تجلس إليه‪ ،‬أن تحادثه‪،‬‬
‫أن تحاوره‪ ،‬أن تستمع إلى شكواه‪ ،‬كيف وضعه الصحي ؟ لك أصدقاء أطباء‪ ،‬وضعه االجتماعي‪ ،‬وضعه‬
‫التربوي‪ ،‬وضعه العلمي‪ ،‬وضعه االقتصادي‪ ،‬عليه ديون‪.‬‬
‫أنت إنسان قوي‪ ،‬دائماً القوي والغني هو الذي‬
‫يكلف بادئ ذي بدء أن يبدأ بالصلة‪ ،‬أن تمده‬
‫بالمال‪ ،‬أن تعين له ابنه عندك في المحل‬
‫التجاري وابنه بطال وعبء على أبيه وأنت‬
‫عندك مجال للوظيفة‪ ،‬لما أنت تفكر تزور‬
‫أقرباءك تحل مشاكلهم أحياناً الدينية‪ ،‬عندهم‬
‫أخطاء كثيرة دلهم على جامع أنت واثق منه‪،‬‬
‫أعطيهم شريطاً‪ ،‬أو حالتهم االقتصادية بحاجة‬

‫إلى دعم مالي‪ ،‬أو مشكالت اجتماعية في خالف بين األب واألوالد ادخل وسيطًا‪ ،‬ما لم تفكر تفكي ًار جاداً‬
‫بخدمة من حولك فال أمل في هذا الدين الذي تعتنقه‪ ،‬ما قدمت شيئاً‪ ،‬الناس هل يهتمون بصالتك ؟ ِّ‬
‫صل ما‬
‫تشاء‪ ،‬يهمهم المعاملة لهم‪ ،‬فيا أيها األخوة‪ ،‬تصورت أن صلة الرحم تبدأ باتصال ثم بزيارة ثم بتفقد ثم‬
‫بمساعدة وأعلى صلة رحم أن تأخذ بيدهم إلى هللا عز وجل‪.‬‬
‫أنا أعرف شخصاً سمع خطبة صلة الرحم فدعا أخواته البنات إلى درس أسبوعي عنده في البيت‪ ،‬أخواته‬
‫وبنات أخواته‪ ،‬السبب أن إحدى أخواته البنات على خالف مع زوجها فقدم لها مبلغاً من المال مساعدة لها‬
‫كي يرأب الصدع بينها وبين زوجها‪ ،‬هذا المبلغ ترك فيها أث اًر كبي اًر‪ ،‬طلبت منه درساً أسبوعياً هو ما له عالقة‬
‫بالعلم الشرعي‪ ،‬لكن درس آية وحديث يشرحهم ألخواته وبنات أخواته‪ ،‬أقسم لي باهلل بعد حين معظم بنات‬
‫أخوته تحجبن والتزمن‪ ،‬هذه صلة رحم‪ ،‬اعمل لهم لقاء أسبوعياً‪ ،‬لقاء كل أسبوعين‪ ،‬تفقد أحوالهم‪ ،‬وضعهم‬

‫‪177‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫المادي‪ ،‬المعنوي‪ ،‬التربوي‪ ،‬الديني‪ ،‬العلمي‪ ،‬االقتصادي‪ ،‬أنت أقوى يمكن تحل مشكلتهم بتزويج بنت من‬
‫بناتهم‪ ،‬تحل مشكلتهم بتعين أحد أبنائه موظفاً عندك ممكن‪ ،‬هذا العمل‪.‬‬
‫فيا أيها األخوة الكرام‪ ،‬موضوع صلة الرحم السبب الرابع لزيادة الرزق‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪178‬‬ ‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم‬


‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫‪ِ – 1‬من نع ِم هللا الكبرى ُ‬


‫ثبات خصائص األشياء‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬الزلنا في سلسلة خطب تتمحور حول أسباب زيادة الرزق‪ ،‬وألن هللا سبحانه وتعالى ثبت مليارات‬
‫القوانين‪ ،‬ثبت خصائص المواد‪ ،‬ثبت دورة األفالك‪ ،‬ثبت كل شيء استق ار اًر للنظام‪ ،‬وتطميناً لإلنسان‪ ،‬فلو بدل‬
‫بناء من ثالثين طابقاً‪ ،‬فإذا بدل خصائصه انهار البناء‪ ،‬فثبات خصائص المواد‪،‬‬
‫خصائص الحديد‪ ،‬وأنشأت ً‬
‫وثبات خصائص البذور‪ ،‬وثبات خصائص األفالك نعمة عظمى‪ ،‬هذه النعمة مؤداها استقرار النظام‪ ،‬استنباط‬
‫القوانين‪ ،‬التعامل مع الكون تعامال علميا‪.‬‬

‫‪ – 2‬الرزق والصحة ِ‬
‫متغيران ال ثبات لهما‪:‬‬

‫لكن لحكمة بالغة حرك شيئين‪ ،‬حرك الصحة‪ ،‬وحرك الرزق‪ ،‬ليكون الرزق والصحة سببين لتربية اإلنسان‪.‬‬
‫و ِّ‬
‫أذكركم باآليات الثالث‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اهم َّماء َغ َد ًقا ﴾‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿ َوأَل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬
‫( سورة الجن )‬

‫السماء َواألَْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َن أَ ْهل اْلُقرى آمُنوْا و َّاتَقوْا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ َ َ َ َ‬
‫( سورة األعراف اآلية‪) 96 :‬‬

‫ألكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِهم ﴾‬


‫يهم ِمن َّرب ِِه ْم َ‬
‫ُنز َل ِإَل ِ‬
‫يل َو َما أ ِ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِ ِ‬
‫اإل نج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموْا َّ‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 66 :‬‬

‫ويقاس عليهما ما في القرآن‪.‬‬

‫إذاً‪ :‬في هذه اآليات الثالث ربط هللا الرزق الوفير باالستقامة‪ ،‬وبالتقوى‪ ،‬وبإقامة منهج هللا عز وجل‪ ،‬وألن‬
‫العاَلم كله يشهد أزمات اقتصادية طاحنة ألسباب ال مجال لذكرها اآلن‪ ،‬وألن هذا الدين يصلح أن يكون دين‬
‫األمة‪ ،‬ويصلح أن يكون دين الفرد‪ ،‬فإذا استقمت وحدك‪ ،‬وأقمت أمر هللا وحدك‪ ،‬وطبقت سنته وحدك فلك‬
‫معاملة خاصة‪ ،‬لذلك في خطب عديدة تقترب من عشر كنت أعالج في كل خطبة أحد أسباب زيادة الرزق‪.‬‬

‫‪179‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫الشكر ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ِمن أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬

‫اآلن محور هذه الخطبة الشكر‪ ،‬واآلية الواضحة الصارخة‪:‬‬

‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬


‫يدَّن ُك ْم ﴾‬
‫( سورة إبراهيم‪ :‬اآلية ‪) 7‬‬

‫‪ِ –1‬‬
‫عوْد نفسك على شكر النعم المألوفة‪:‬‬

‫ِّ‬
‫عود نفسك إذا استيقظت صباحاً تتمتع بحواس تامة‪ ،‬وبقوة‪ ،‬وبأجهزة سليمة أن تقول‪ :‬يا رب‪ ،‬لك الحمد‪،‬‬
‫الحمد هلل الذي أحياني بعد أن أماتني‪ ،‬النوم موت‪ ،‬وبعده تتمتع بالقوة‪ ،‬ترى‪ ،‬تسمع‪ ،‬تنطق‪ ،‬تتكلم‪ ،‬جلست إلى‬
‫الطعام‪ ،‬عندك طعام‪ ،‬ومعك ثمن طعام ‪.‬‬
‫قد يكون طعام ٍ‬
‫قوت يكفيك‪ ،‬عندك زوجة أمامك‬
‫تلبي حاجتك بالرعاية‪ ،‬عندك أوالد‪ ،‬حاول أن‬
‫تشكر على النعم المألوفة التي لو تبدلت واحدة‬
‫منها لكانت حياة اإلنسان جحيمًا ال يطاق‪.‬‬
‫للتقريب‪ :‬يكون عند اإلنسان هموم ال تعد وال‬
‫تحصى‪ ،‬لكن صحته طيبة‪ ،‬أوالده بصحة‬
‫جيدة‪ ،‬زوجته كذلك‪ ،‬يسكن في بيت‪ ،‬ال سمح‬
‫هللا وال قدر وال قدر‪ ،‬وعافاكم هللا جميعاً من كل‬
‫داء لو ظهر ورم في الجسم لنسيت كل هذه الهموم‪ ،‬أليس كذلك ؟‬
‫ملك‪ ،‬قلت في خطبة‪ ،‬وأنا أعني ما أقول‪ :‬لو ع ِّرض على هذا ِّ‬
‫الملك أن يرجع عامال على آلة كاتبة‬ ‫مرة مات ِّ‬
‫ُ‬
‫في قصره‪ ،‬وأن يعافى من مرضه‪ ،‬وهللا الذي ال إله إال هو ال يتردد ثانية واحدة أن ينقلب ِّمن ِّ‬
‫مل ٍك إلى عامل‬ ‫ُ‬
‫على آلة كاتبة على أن يعافى من مرضه الخبيث‪.‬‬
‫ِه ))‬‫آمًنا ِفي ِسرب ِ‬‫(( م ْن أَصبح ِمْن ُكم ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََْ‬
‫ليس ُمالَحًقا‪ ،‬هو حر‪ ،‬له مأوى‪ ،‬معه مفتاح بيت ـ ُم َعاًفى ِّفي َج َسِّدِّه ـ سمعه‪ ،‬بصره‪ ،‬قوته‪ ،‬جهاز الهضم‪،‬‬
‫جهاز القلب‪ ،‬جهاز الدوران‪ ،‬الكليتان ‪.‬‬

‫وت َي ْو ِم ِه َف َكأََّن َما ِح َ‬


‫يز ْت َل ُه ُّ‬
‫الدْنَيا ))‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫آمًنا ِفي ِسْربِه‪ُ ،‬م َعا ًفى ِفي َج َسده‪ِ ،‬عْن َد ُه ُق ُ‬
‫(( م ْن أَصبح ِمْن ُكم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ََْ‬
‫[ أخرجه الترمذي وابن ماجة عن عبد هللا بن محصن ]‬

‫‪180‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫‪ – 2‬كثرة الشكوى مخالفة للشكر‪ ،‬وهي ِمن ُ‬
‫طُرق الشيطان‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬نكون غارقين في نعم ال تعد وال تحصى‪ ،‬ونشكو‪ ،‬نتعلم الشكوى‪ ،‬لذلك هذه الشكوى من أين‬
‫تأتي؟ استمعوا إلى هذه اآلية الكريمة‪ ،‬يقول هللا عز وجل في معرض حديثه عن الشيطان‪:‬‬

‫يم (‪ )16‬ثُ َّم َآلَِتَيَّن ُه ْم ِم ْن َبْي ِن أَْي ِد ِ‬


‫يه ْم َو ِم ْن َخْل ِف ِه ْم َو َع ْن أَْي َم ِان ِه ْم َو َع ْن َش َم ِائِل ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َألَ ْق ُع َد َّن َل ُه ْم ِصَار َ‬
‫ط َك اْل ُم ْس َتق َ‬
‫ِ‬
‫ين (‪﴾ )17‬‬ ‫َوَال َت ِج ُد أَ ْك َثَرُه ْم َشاك ِر َ‬
‫( سورة إبراهيم )‬

‫ِ‬
‫دخله بالماليين‪ ،‬ثم يقول لك‪ :‬ال يعاش في هذا البلد‪ ،‬التجارة مقيَّدة‪َ ﴿ ،‬وَال َت ِج ُد أَ ْك َثَرُه ْم َشاك ِر َ‬
‫ين ﴾‪.‬‬ ‫يكون ْ‬
‫الذي يتأفف‪ ،‬ويتشكى‪ ،‬وينسى نعم هللا عليه‪ ،‬ينسى أنه في بلد مسلم مسموح له أن يأتي إلى المسجد‪ ،‬وال‬
‫ُيساءل‪ ،‬هذه نعمة أنتم ال تعرفونها‪ ،‬أما في بالد أخرى مسلمة وهللا لو دخلت المسجد مرة واحدة ألصبحت‬
‫ثيابا نصف يدها عار‪ ،‬لكن القبة مرتفعة قليالً‪ ،‬وثوبها إلى ركبتها‬
‫مسؤوالً عن هذا الدخول‪ ،‬ولو أن فتاة ارتدت ً‬
‫محجبة‪ ،‬ويسرح كل أقاربها من وظائفهم‪ ،‬نحن والحمد هللا نساؤنا محجبات‪ ،‬والحجاب بأعلى درجة‬
‫َّ‬ ‫هذه تعد‬
‫اآلن‪ ،‬المساجد ممتلئة‪ ،‬هذه نعم ال نعرفها نحن إال إذا فقدناها‪ ،‬لذلك من أدعية النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( اللهم أرنا نعمك بدوامها ال بزوالها ))‬
‫عاما يوم كان هناك توازن بين المعسكرين كيف أن الدول الصغيرة تتمتع بحرياتها‪،‬‬
‫أال تذكرون قبل خمسين ً‬
‫وتأتيها المساعدات بالمليارات‪ ،‬فإذا شحت المساعدات من معسكر غازلت المعسكر اآلخر فبادر الثاني إلى‬
‫إكرامها‪ ،‬اآلن هناك العصا فقط من غير حبة َج َزٍر‪ ،‬والحمار أحياناً توضع أمامه حبة ٍ‬
‫جزر‪ ،‬والعصا مع‬
‫صاحبها‪ ،‬اآلن العصا فقط تساق بها الشعوب‪ ،‬وتقهر بها‪ ،‬وتؤخذ ثروات الشعوب‪ ،‬ويقتل أبناء األمة‪.‬‬

‫‪ِ –3‬‬
‫عوْد نفسك على رؤية اإليجابيات‪:‬‬

‫انس همومك‪،‬‬ ‫عود نفسك أن ترى اإليجابيات‪ِّ ،‬‬


‫عود نفسك أن تشكر هللا‪ ،‬أنا ال أقول لك‪َ :‬‬ ‫أيها اإلخوة الكرام‪ِّ ،‬‬
‫الهموم هموم‪ ،‬والمشكالت مشكالت‪ ،‬لكن ال تغفل عن اإليجابيات‪.‬‬
‫مرة جاءني إنسان يستأذنني في تطليق زوجته‪ ،‬أنا أردت أن أستفزه‪ ،‬قلت له‪ :‬هل تخونك ؟ قال‪ :‬معاذ هللا‪،‬‬
‫هي طاهرة شريفة‪ ،‬قلت‪:‬هل هي قذرة ؟ قال‪ :‬أعوذ باهلل‪ ،‬إنها نظيفة جدًا‪ ،‬قلت له‪ :‬ال تعتني بك ؟ قال‪ :‬بل‬
‫تنس أن زوجتك أمينة‪ ،‬تحسن‬
‫تنس أن زوجتك عفيفة‪ ،‬ال َ‬
‫تعتني‪ ،‬هو استحى بحاله‪ ،‬فلم يكمل الحديث‪ ،‬فال َ‬
‫إدارة البيت‪ ،‬مع أن ثمة خالفيات ال تتعامى عن كل ذلك‪.‬‬

‫‪181‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫هذا الذي دخل المسجد‪ ،‬وأحدث جلبة‬
‫وضجيجا‪ ،‬وشوش على الصحابة صالتهم‪ ،‬لما‬
‫انتهى النبي صلى هللا عليه وسلم من صالته‬
‫اء‬
‫َن أ ََبا َب ْك َرَة َج َ‬‫فع ْن اْل َح َس ِّن أ َّ‬
‫ماذا قال له ؟ َ‬
‫ف‪ ،‬ثُ َّم َم َشى‬ ‫الص ِّ‬
‫اك ٌع‪َ ،‬ف َرَك َع ُدو َن َّ‬ ‫َّللاِّ ر ِّ‬
‫ول َّ َ‬ ‫َوَرُس ُ‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِّه‬
‫صَّلى َّ‬ ‫ضى َِّّ‬
‫النب ُّي َ‬
‫ِّإَلى َّ ِّ‬
‫الصف‪َ ،‬فَل َّما َق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ص َالتَ ُه َق َ‬
‫َو َسل َم َ‬

‫َّللا َعَلْي ِه َو َسَّل َم‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ف ؟ َفَقال أَُبو َب ْكَرَة‪ :‬أََنا‪َ ،‬فَقال َّ ِ‬
‫النب ُّي َصلى َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الص ِ‬
‫ف ثُ َّم َم َشى ِإَلى َّ‬ ‫(( أَُّي ُك ْم َّال ِذي َرَك َع ُدو َن َّ‬
‫الص ِ‬

‫َّللا ِحْر ًصا‪َ ،‬وَال َت ُع ْد ))‬


‫َزَاد َك َّ ُ‬
‫َّنوه إلى حرصه‪ ،‬وقال له‪َ (( :‬وَال َت ُع ْد ))‪.‬‬

‫إن اإلنسان الناجح ال يتعامى عن اإليجابيات في حياته‪ ،‬أما اإلنسان الذي يشكو لي سوء ظنه بزوجته‪،‬‬
‫يخشى أن تخونه‪ ،‬أراه كالمرجل‪ ،‬الذي عنده زوجة صالحة يسافر مدة طويلة وال يخطر في باله خاطر سيئ‪،‬‬
‫أليست هذه نعمة كبيرة ؟‬

‫اإليجابيات التي ال تنتبه إليها هذه نعم كبيرة جداً‪.‬‬

‫‪ – 4‬إذا أردت الزيادة في كل شيء فاشكر ما أنت فيه‪:‬‬

‫اآلن إذا أردت الزيادة في كل شيء فاشكر ما‬


‫أنت فيه‪.‬‬

‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬


‫يدَّن ُك ْم (‪﴾ )7‬‬
‫( سورة إبراهيم )‬

‫إن أردت الزيادة في مكانتك فاشكر أن هللا رفع‬


‫ذكرك‪ ،‬لتزداد مكانتك‪ ،‬إن أردت الزيادة في‬
‫رزقك فاذكر أن لك نعمًا سلبية‪ ،‬وهي أنك‬
‫ٍ‬
‫تحليل يكلفك اآلالف‪ ،‬المرنان‬ ‫أقل‬
‫معافى‪ ،‬و ُّ‬

‫‪182‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫ألفا‪ ،‬وأقل حركة صحية تحتاج إلى ألوف‪ ،‬فإذا‬
‫بعشرات األلوف‪ ،‬واآلن هناك أجهزة حديثة بخمسة وعشرين ً‬
‫عافاك هللا من كل هذه األمراض فمعنى ذلك أن معك رزًقا سلبيًّا وفر هللا عليك ألوفا‪.‬‬

‫أحد اإلخوة الكرام قال لي‪ :‬اإلنسان إذا جاءه طفل معافى فمع هذا الطفل مليون ليرة‪ ،‬قلت له‪ :‬ما فهمت‬
‫عليك‪ ،‬اشرح لي ذلك‪ ،‬قال لي‪ :‬هناك طفل شريانه مكان الوريد‪ ،‬الج ارح طلب أربعمئة ألف في لبنان‪،‬‬
‫ألفا ِّ‬
‫دفعت‬ ‫والمستشفى ثالثمئة ألف‪ ،‬ونقله بعد الوالدة بساعات إلى لبنان بخمسين ألفا‪ ،‬قال‪ :‬سبعمئة وخمسون ً‬
‫خالل ساعتين‪ ،‬الذي عنده ولد سليم معافى فهذه نعمة كبيرة جدًا‪ ،‬وقد يأتي الطفل منغوليا فتصبح حياة األسرة‬
‫جحيماً ال يطاق‪ ،‬ابحث عن اإليجابيات‪ ،‬طريق كله حفر ما إيجابياته ؟ هذا الطريق ال تنام فيه إطالقاً‪ ،‬أما‬
‫الطرق الواسعة والسريعة فاحتمال النوم قائم‪ ،‬وبعد النوم حادث مروع‪ ،‬وهذه من باب الطرفة طبعًا‪.‬‬
‫تنس نعم هللا‪:‬‬
‫ابحث عن اإليجابيات في واقعك تَسعد وتُسعد‪ ،‬تَرض وتُرض‪ ،‬ال َ‬
‫اهرًة وب ِ‬
‫اطَن ًة ﴾‬ ‫﴿ وأَسب َغ عَلي ُكم ِنعمه َ ِ‬
‫ظ َ ََ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ْ ََ ُ‬
‫( سورة لقمان اآلية‪) 20 :‬‬

‫ما هو الشكر ؟‬

‫ما هو الشكر ؟ ما دام الشكر طريق الزيادة‪ ،‬في صحتك إذا شكرت هللا عز وجل على ما أنت عليه من‬
‫أجهزة سليمة ازدادت صحتك‪ ،‬إذا شكرت ربك أن لك دخالً تعيش به زاد دخلك‪ ،‬إن شكرت ربك على زوجة‬
‫إجماالً صالحة تزداد صالحاً‪ ،‬إن شكرت ربك على أوالد أمامك يحترمونك ازدادوا احتراماً لك‪:‬‬

‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬


‫يدَّن ُك ْم (‪﴾ )7‬‬
‫( سورة إبراهيم )‬

‫اجعل هذه اآلية شعارك‪ ،‬ولكن ما الشكر ؟‬

‫وعزوها إلى هللا‪:‬‬ ‫ِ‬


‫النعمة‬ ‫تص ُّوُر‬
‫ُ‬ ‫‪َ –1‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬لمجرد أن تتصور أن هذه نعمة من هللا فهذا أحد أنواع الشكر‪ ،‬هللا عز وجل وفقني‪ ،‬ونلت شهادة‬
‫عليا‪ ،‬وفقني وتعينت بعمل له دخل معقول يغطي نفقاتي‪ ،‬هللا عز وجل أكرمني بمأوى قد يكون بمساحة‬
‫مترا‪ ،‬لكنه مأوى معك مفتاح بيت‪ ،‬هللا عز وجل أكرمني بأوالد صالحين‪ ،‬عود نفسك أن تقول‪ :‬هللا‬ ‫خمسين ً‬
‫أكرمني‪ ،‬هللا وفقني‪ ،‬هللا مكنني‪ ،‬إياك أن تعزو ما أنت فيه إلى قدراتك فتكون من أتباع قارون‪:‬‬
‫يته عَلى ِعْلم ِع ِ‬
‫ندي ﴾‬ ‫ٍ‬ ‫﴿ ِإَّن َما أُوِت ُ ُ َ‬
‫( سورة القصص اآلية‪) 78 :‬‬

‫‪183‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫﴿ َف َخ َس ْفَنا ِب ِه َوب َِد ِارِه ْاألَْر َ‬
‫ض﴾‬
‫( سورة القصص اآلية‪) 81 :‬‬

‫اء مناسبًا‪،‬‬ ‫ن‬


‫االبن مريض‪ ،‬ح اررته أربعو ‪ ،‬أخذته إلى الطبيب‪ ،‬هللا عز وجل سمح لهذا الطبيب أن يصف له دو ً‬
‫وهذا الدواء أزال الداء‪ ،‬إياك أن تعزو شفاء ابنك إلى طبيب‪ ،‬الطبيب عبد‪ ،‬ألن الشفاء بيد هللا عز وجل‪ ،‬فإذا‬
‫أراد الشفاء إلنسان ألهم الطبيب صحة التشخيص والدواء المناسب‪.‬‬

‫إن الطبيب له علم يدل بـه إن كان للناس في اآلجال تأخير‬


‫متى ينفع علم الطبيب ؟ إن كان للناس في اآلجال تأخير‪:‬‬

‫حتى إذا ما انتهت أيام رحلت ه حار الطبيب و خانته العقاقير‬


‫تعطل إحدى كليتيه ؟ فال بد من استئصالها‪ ،‬ماذا فعل الطبيب األول ؟ استأصل السليمة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كم من إنسان شكا‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬أنا أقول‪ :‬حينما تنجح العملية الجراحية‪ ،‬هكذا أقول‪ :‬وهللا إذا أراد هللا لك الشفاء تكون يد الطبيب‬
‫بيد هللا فتنجح العملية‪ ،‬فعود نفسك أن تعزو الفضل إلى هللا‪ ،‬هذا ليس تواضعا‪ ،‬هذه حقيقة وواقع‪.‬‬
‫أيها األخوة‪ ،‬أول مستوى من مستويات الشكر أن تعزى النعمة إلى هللا‪ ،‬إلى أن يكون هذا من جبلتك‪ ،‬هللا‬
‫وفقني‪ ،‬هللا أكرمني‪ ،‬هللا سمح لي أن أدعو له‪ ،‬من أنت ؟ لوال أن هللا أطلق لسانك‪ ،‬لوال هللا أمدك بذاكرة‪ ،‬لوال‬
‫أن هللا ألقى محبتك في قلوب الخلق فال أحد يستمع إليك‪ ،‬لذلك من كالم النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫(( ألم تكونوا ضالال فهداكم هللا بي ))‬


‫[ أحمد عن أبي سعيد الخدري ]‬

‫ما قال‪ :‬فهديتكم‪.‬‬

‫إذاً‪ :‬المستوى األول أن تعزو النعمة إلى هللا‪ ،‬وهذه حقيقة‪ ،‬وكاستنباط بعيد إذا قال هللا عز وجل‪:‬‬

‫﴿ وما عَّلمَناه ِ‬
‫الش ْعَر (‪﴾ )69‬‬ ‫ََ َ ْ ُ‬
‫( سورة يس )‬

‫النبي صلى هللا عليه وسلم ليس بشاعر‪ ،‬لو خاطبنا شاع ًار كبي ًار‪َ :‬من الذي أعطاك هذه المَلكة ؟ هللا عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫استنباط آخر دقيق‪:‬‬

‫ال َواْل َح ِم َير لِ َتْرَكُب َ‬


‫وها َو ِزيَن ًة (‪﴾ )8‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ َواْل َخْي َل َواْلب َغ َ‬
‫( سورة النحل)‬

‫‪184‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫أكمل اآلية‪:‬‬

‫ق َما َال َت ْعَل ُمو َن (‪﴾ )8‬‬


‫﴿ َوَي ْخُل ُ‬
‫( سورة النحل)‬

‫إلى من عزي خلق الطائرة ؟ كفكرة‪ ،‬إلى هللا عز وجل‪ ،‬هو ِّمن ألهم‪ ،‬حتى العلماء الكبار المكتشفون يقولون‬
‫عرق‪،‬‬
‫لك‪ :‬االكتشاف ومضة وقفزة وتألق في المجهول‪ ،‬حتى قال بعض العلماء‪ :‬العبقرية تسعة وتسعون منها َ‬
‫يعني جهدا‪ ،‬وواحد بالمئة إلهام‪.‬‬

‫هللا عز وجل على الحقيقة يعزى إليه كل شيء‪ ،‬وكل ما أنت فيه من صحة‪ ،‬من زواج‪ ،‬من أوالد‪ ،‬من ذكاء‬
‫أحيانًا من هللا‪ ،‬هناك إنسان هللا عز وجل آتاه فهما دقيقا جدًا‪ ،‬إذا عزوت كل شيء إلى هللا عز وجل فأنت‬
‫شاكر‪ ،‬هذا أول مستوى‪ ،‬لذلك قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( ما أنعم هللا على عبد من نعمة فقال‪ :‬الحمد هلل إال وقد أدى شكرها ))‬
‫[ الجامع الصغير عن جابر بسند فيه ضعف ]‬

‫دخلت إلى بيتك قل‪ :‬الحمد هلل الذي آواني‪ ،‬وكم‬


‫ممن ال مأوى له‪.‬‬

‫نظرت إلى المرآة‪ ،‬ورجلت شعرك‪ ،‬قل‪ :‬يا رب‬


‫لك الحمد‪ ،‬الحمد هلل يا رب كما حسنت خلقي‬
‫حسن ُخلقي‪ ،‬وجه مقبول‪ ،‬ما فيه شيء منفر‪،‬‬
‫وهللا نحن غارقون في نعم ال تعد وال تحصى‪.‬‬
‫سأل ملك وزيره‪ :‬من ِّ‬
‫الملك ؟ قال‪ :‬أنت‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫ال‪ ،‬الملك رجل ال نعرفه‪ ،‬وال يعرفنا‪ ،‬له بيت‬
‫يؤويه‪ ،‬وزوجة ترضيه‪ ،‬ورق يكفيه‪ ،‬هذا ملك‪ ،‬الملك الذي له بيت صغير ساكن فيه‪ ،‬مدفأ في الشتاء‪ ،‬عنده‬
‫مروحة في الصيف‪ ،‬وله زوجة يحبها وتحبه‪ ،‬ومعه وظيفة تغطي مصروفه من دون بحبحة‪ ،‬هذا ملك ‪.‬‬
‫قال‪ :‬له بيت يؤويه‪ ،‬وزوجة ترضيه‪ ،‬ورق يكفيه‪.‬‬

‫‪185‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( ما أنعم هللا على عبد من نعمة فقال‪ :‬الحمد هلل إال وقد أدى شكرها‪ ،‬فإن قالها ثانية جدد هللا له ثوابها‪،‬‬
‫فإن قالها ثالثة غفر هللا له بها ذنوبه ))‬
‫[ الجامع الصغير عن جابر بسند فيه ضعف ]‬

‫هللا عز وجل أكرمني بهذه الشهادة‪ ،‬شهادة عليا في الطب‪ ،‬هذا المستوى األول‪.‬‬

‫‪ – 2‬أن يمتأل قلبك محبة هلل‪:‬‬

‫المستوى الثاني‪ :‬أن يمتأل قلبك محبة هلل‪ ،‬من أعماقك هللا أكبر‪ ،‬سبحان ربي العظيم‪ ،‬سبحان ربي العظيم‪،‬‬
‫سبحان ربي العظيم‪ ،‬اسمعوا اآلن‪ ،‬سمع هللا لمن حمده‪ ،‬يا رب‪ ،‬لك الحمد والشكر والنعمة والرضا‪ ،‬حمدًا كثي ًار‬
‫طيباً‪ ،‬يا رب‪ ،‬غمرتني بفضلك‪ ،‬غمرتني برحمتك‪ ،‬غمرتني بحلمك‪ ،‬غمرتني بتوبتك‪ ،‬سمع هللا لمن حمده‪ ،‬يا‬
‫رب‪ ،‬غمرتني بعطائك‪ ،‬غمرتني بسترك‪ ،‬غمرتني بحلمك‪ ،‬غمرتني برحمتك‪ ،‬غمرتني بحبك‪ ،‬سمع هللا لمن‬
‫حمده‪.‬‬

‫ارحك‪:‬‬
‫‪ – 3‬أن تشكر جو ُ‬

‫أما المستوى الثالث‪ :‬يا هللا هذا أرقى مستوى‪ ،‬أول مستوى أن تعزو النعمة إلى هللا‪ ،‬المستوى الثاني أن يمتأل‬
‫قلبك حباً هلل على هذه النعم‪ ،‬المستوى الثالث أن تشكر جوارحك‪ ،‬معنى قوله تعالى‪:‬‬
‫ود ُش ْكًار (‪﴾ )13‬‬
‫آل َد ُاو َ‬
‫اع َمُلوا َ‬
‫﴿ ْ‬
‫( سورة سبأ )‬

‫إطعام الهرة شكر هلل‪ ،‬وكذا إطعام المساكين‪.‬‬

‫أحد إخواننا األطباء ازرته معلمة عندها إشكال في أسنانها في المقدمة‪ ،‬الكلفة ستون ً‬
‫ألفا‪ ،‬ما تملك المبلغ‪،‬‬
‫قالت له‪ :‬شك ًار‪ ،‬وهي خارجة قال لي‪ :‬انكسر قلبي من أجلها‪ ،‬معلمة‪ ،‬قال لها‪ :‬يا أختي‪ ،‬تقبلي مني أن أقدم‬
‫لك هدية ؟ قالت له‪ :‬جزاك هللا خي ًار‪ ،‬قال لي‪ :‬بقيت ستة أشهر أعالجها حتى قومت لها أسنانها‪ ،‬قال‪ :‬أنا‬
‫أعيش ستة أشهر في جنة‪ ،‬ألن هذا العمل هلل‪.‬‬

‫يقول لي طبيب آخر‪ :‬أذهب إلى مستشفى عام‪ ،‬في العالم كله المشافي العامة فيها إهمال‪ ،‬قال لي‪ :‬أعامل‬
‫المرضى كأنهم بأرقى مستشفى‪ ،‬التحليل‪ ،‬اإليكو‪ ،‬المرنان‪ ،‬قال لي‪ :‬أنا أعيش في جنة‪ ،‬ألن هذا الفقير ال أحد‬
‫مهتم به إطالقاً‪ ،‬أنا أهتم به‪ ،‬أهتم بأدق تطورات مرضه‪.‬‬

‫‪186‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫ال في الصيف‪ :‬وجدت امرأة تقف في الطريق‬
‫قال لي مرة أخ جاء من منطقة الزبداني الساعة الثانية عشر لي ً‬
‫تمسك طفال‪ ،‬وهي تبكي‪ ،‬وإلى جانبها زوجها‪ ،‬توقفت‪ ،‬خير إن شاء هللا ؟ ح اررته إحدى وأربعون درجة‪ ،‬هم‬
‫من لبنان في أثناء أحداث الحرب األهلية‪ ،‬وما يعرفون أحدا في الشام‪ ،‬قال لي‪ :‬أخذتهم من مستشفى إلى‬
‫طبيعيا‪ ،‬وأوصلتهم الساعة الرابعة إلى البيت‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫صيدلية مناوبة حتى انخفضت الح اررة‪ ،‬ورجع الوضع‬
‫جلست معهم أربع ساعات‪ ،‬أقسم لي باهلل قائال‪ :‬طيلة أسبوعين وأنا أعيش في جنة‪ ،‬أال تريدون أن تعيشوا في‬
‫الجنة ؟ اخدم الناس‪ ،‬ارحم الضعفاء‪ ،‬المريض عالجه‪ ،‬الفقير أطعمه‪ ،‬اليتيم ِّ‬
‫اعتن به‪ ،‬شغله عندك‪.،‬‬

‫ملخص الملخص‪:‬‬

‫﴿ َفمن َكان يرجوا ِلَقاء رب ِ‬


‫ِه َفْلَي ْع َم ْل َع َم ًال َص ِال ًحا (‪﴾ )110‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ‬
‫( سورة الكهف )‬

‫بربكم في أي جيش في العالم هل يستطيع مجنَّد غر التحق البارحة بقطعة عسكرية‪ ،‬هل يستطيع الدخول‬
‫على هذا اللواء الكبير بحكم التسلسل العسكري بال إذن ؟ أمامه مئة رتبة‪ ،‬إال في حالة واحدة يستطيع الدخول‬

‫على هذا اللواء الكبير بال إذن ؛ إذا وجد ابنه يسبح‪ ،‬وكاد يغرق‪ ،‬فألقى بنفسه في الماء وأنقذه‪ ،‬يقول له‪ :‬أهالً‬
‫وسهالً‪ ،‬تفضل‪ ،‬اجلس‪ ،‬هاتوا لنا الشاي‪ ،‬أليس كذلك ؟‬

‫﴿ َفمن َكان يرجوا ِلَقاء رب ِ‬


‫ِه َفْلَي ْع َم ْل َع َم ًال َص ِال ًحا (‪﴾ )110‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ‬
‫( سورة الكهف )‬

‫تحب أن تصلي وتبكي في الصالة ؟ تحب أن تشعر أن هللا يحبك ؟ تحب أن تشعر أن لك ميزة خاصة ؟‬
‫غال على هللا ؟ اخدم له عباده‪ ،‬ال تقل له‪ :‬أنت ِّمن أين‪ ،‬هذا عبد هلل عز وجل‪ ،‬كن إنسانيا‪ ،‬واخدم من‬
‫أنت ٍ‬

‫كان‪.‬‬
‫ال‪:‬‬ ‫ِّ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫ول َّ ِّ‬
‫َّللا َع ْنهُ َع ْن رس ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َق َ‬ ‫َّللا َ‬ ‫َُ‬ ‫َع ْن أَبي ُه َرْي َرَة َرض َي َّ ُ‬

‫ش‪َ ،‬فَن َز َع ْت ُخ َّف َها‪َ ،‬فأ َْوَثَق ْتهُ ِب ِخ َم ِارَها‪،‬‬


‫طُ‬ ‫(( ُغ ِفَر ِال ْمَأَر ٍة مو ِم َس ٍة مَّر ْت ِب َكْل ٍب َعَلى َ ْأر ِ‬
‫س َرِك ٍي َيْل َه ُث َك َاد َي ْقُتُل ُه اْل َع َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اء‪َ ،‬ف ُغ ِفَر َل َها ِب َذِل َك ))‬
‫َفَن َزع ْت َله ِم ْن اْلم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫[ البخاري ]‬

‫باب النجاة مفتوح بين أيديكم جميعاً‪.‬‬

‫‪187‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫‪ – 4‬انظر إلى َمن هو أسفل منك‪ ،‬وال تنظر إلى َمن هو فوقك‪:‬‬

‫انظر إلى من هو أسفل منك وال تنظر إلى َمن هو فوقك‪ ،‬فذلك أجدر أال تزدري نعمة هللا عليك‪.‬‬
‫أحيانا تشاهد إنسانا معاقا‪ ،‬وأنت لست معاًقا‪ ،‬تشاهد ابنا عنده مرض التوحد‪ ،‬أنت ابنك عادي‪ ،‬يجب أن‬
‫تعرف سلبيات َمن حولك‪ ،‬لكن بأدب‪ ،‬ال تقل‪ :‬يا رب‪ ،‬لك الحمد‪ ،‬أمامهم‪ ،‬هذا سوء أدب‪ ،‬بينك وبين نفسك‪،‬‬
‫إنسانا بال عقل‪ ،‬يا رب‪ ،‬أنا‬
‫ً‬ ‫شاهدت إنسانا َفَقد حاسة من حواسه‪ ،‬يا رب‪ ،‬لك الحمد‪ ،‬تفضلت علي‪ ،‬رأيت‬
‫عندي عقل‪ ،‬يا رب‪ ،‬لك الحمد‪ ،‬إنسان ما عنده ولد‪ ،‬يموت على ولد‪ ،‬أنت عندك عدة أوالد‪ ،‬ما عندك هذه‬
‫فحاول دائماً أن تنظر‬
‫ْ‬ ‫تاحا لها‪ ،‬أنت مرتاح لزوجتك‪ ،‬هذه نعمة كبيرة‪،‬‬
‫المشكلة‪ ،‬إنسان عنده زوجة وليس مر ً‬
‫لمن هو أدنى منك‪ ،‬بالمقابل من دخل على األغنياء خرج ِّمن عندهم وهو على هللا ساخط‪ ،‬يقول لك‪ :‬هذه‬
‫السجادة ثمنها ثالثة ماليين‪ ،‬أنت ما عندك سجادة بهذا الثمن‪ ،‬عندك سجادة ثمنها ألفان ‪.‬‬

‫الدنيا فيها تفاضل ‪ ،‬واآلخرة أكبر درجات ‪:‬‬

‫مرة دخلت إلى بيت رجل‪ ،‬وأنا لم أدخل بعد قال لي‪ :‬هذا الطقم إيطالي‪ ،‬هللا يهنئك‪ ،‬البالط أحضرناه بشحن‬
‫جوي من إيطاليا‪ ،‬ضاقت نفسي منه‪ ،‬قلت له‪ :‬ما قولك بطبيب قلب جراح ؟ قال لي‪ :‬نعم‪ ،‬وممرض بمستشفى‬
‫مهمته تنظيف المرضى‪ ،‬قلت له‪ :‬حالة حادة‪ ،‬ما قولك أستاذ جامعي ؟ رئيس قسم ؟ أستاذ ذو كرسي ؟‬
‫وأستاذ في قرية كمعلم ابتدائي يحمل طعامه معه‪ ،‬ما قولك‪ :‬رئيس غرفة تجارة وبائع صحون في سوق‬
‫الحميدية ما قولك‪ :‬رئيس أركان و مجند على الخط األول في الشتاء‪ ،‬ذكرت له حاالت نادرة جداً‪ ،‬اسمع‬
‫القرآن الكريم‪:‬‬

‫ات َوأَ ْكَبُر َت ْف ِض ً‬


‫يال (‪﴾ )21‬‬ ‫ض َوَل ْآلَ ِخَرُة أَ ْكَبُر َدَر َج ٍ‬
‫ف َف َّضْلَنا َب ْع َض ُه ْم َعَلى َب ْع ٍ‬
‫﴿ اْنظُْر َكْي َ‬
‫( سورة اإلسراء)‬

‫حظوظ الدنيا ال معنى لها‪ ،‬وقد تعني العكس‪ ،‬لكن مراتب اآلخرة مراتب أبدية‪:‬‬

‫يك ُم ْق َت ِد ٍر(‪﴾ )55‬‬


‫)في َم ْق َع ِد ِص ْد ٍق ِعْن َد َمِل ٍ‬
‫ات وَنه ٍر(‪ِ 54‬‬ ‫﴿ ِإ َّن اْلم َّت ِق ِ‬
‫ين في َجَّن ٍ َ َ‬
‫ُ َ‬
‫( سورة القمر)‬

‫لذلك حاول أن تنظر إلى من هو أدنى منك فذلك أحرى أال تحتقر نعمة هللا عليك‪ ،‬تحبون نصيحة من القلب‬
‫إلى القلب‪ :‬في أمر الدنيا عش مع َمن هم أدنى منك‪ ،‬وفي أمر اآلخرة عش مع من هم فوقك‪ ،‬بميزان اآلخرة‬
‫هذا حافظ لكتاب هللا‪ ،‬هذا مستقيم تمامًا‪ ،‬هذا له أعمال كالجبال‪ ،‬في أمر اآلخرة صاحب َمن هو أرقى منك‬
‫إيمانًا ليقدم لك حوافز‪ ،‬وفي أمر الدنيا صاحب َمن هو أدنى منك لترى نفسك في نعمة كبيرة‪.‬‬

‫‪188‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫لو وسعنا األمر‪ ،‬سافر إلى بلد غربي تجد‬
‫نظافة‪ ،‬نظاما‪ ،‬وحضارة‪ ،‬وخدمات‪ ،‬مطارات‪،‬‬
‫طرقا معبدة‪ ،‬مترو أنفاق‪ ،‬واألمور ميسرة بشكل‬
‫يفوق حد الخيال‪ ،‬وقد سافرت إلى بلد في‬

‫إفريقيا بيننا وبين أكبر دولة متطورة حضارياً‬


‫ضعفا‪ ،‬لكن بيننا وبين الدولة اإلفريقية‬
‫ً‬ ‫خمسون‬
‫ألف ضعف‪ ،‬بالد ما في عندها شيء إطالقًا‪،‬‬
‫صيدلية دواء‪ ،‬مطعم‪ ،‬بيوت‪ ،‬كهرباء‪ ،‬ماء‪،‬‬
‫حتى على مستوى الدول انظر لمن هو أدنى منك‪ ،‬فذلك أحرى أال تحتقر نعمة هللا عليك‪.‬‬
‫األسعار مرتفعة‪ ،‬لكن في الخارج دماء تسيل‪ ،‬أليس كذلك ؟ كل يوم خبر لثالثين قتيال وسبعين جريحا‪،‬‬
‫أربعين قتيال‪ ،‬ثمانين قتيال‪ ،‬مئة وعشرة‪ ،‬ومئتي جريح كل يوم‪ ،‬إذا كنت في آمن فهذه نعمة ال يعرفها إال َمن‬
‫فقدها‪ ،‬فحاول أن تشكر ما أنت فيه‪.‬‬

‫األدلة النبوية على زيادة الرزق بالشكر ‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬الدليل على أن الشكر سبب الرزق الوفير‪:‬‬

‫الدليل األول‪:‬‬

‫يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‪َ ﴿ :‬لِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬
‫يدَّن ُك ْم ﴾ ))‬
‫[ رواه الطبراني في الصغير واألوسط وفيه محمود بن العباس وهو ضعيف ]‬

‫الدليل الثاني‪:‬‬

‫وقال أيضًا‪:‬‬
‫(( ما من عبد أنعم هللا عليه نعمة فأسبغها عليه‪ ،‬ثم جعل من حوائج الناس إليه‪ ،‬فتبرم‪ ،‬فقد عرض تلك‬
‫النعمة للزوال ))‬
‫[رواه الطبراني في األوسط وإسناده جيد عن عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما]‬

‫‪189‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫ال ونها ًار‪ ،‬لو‬
‫يقال لك‪ :‬يا أخي ما أرتاح‪ ،‬هل تحب أن ترتاح ؟ تأتي يوم القيامة مفلسًا‪ ،‬لو أزعجك الناس لي ً‬
‫حملوك فوق ما تطيق‪ ،‬ألن هللا جعل حوائج الناس عندك‪ ،‬ألنه أحبك‪ ،‬ألن هللا أحب أن يهبك عمالً صالحاً‪،‬‬
‫فجعل حوائج الناس عندك‪ ،‬فمن جعل هللا حوائج الناس عنده‪ ،‬وتبرم عرض هذه النعم إلى الزوال‪ ،‬جعلك‬
‫غنيا‪ ،‬الكل عقد عليك اآلمال‪ ،‬يا أخي ما أتحمل‪ ،‬هللا جعلك غنيا كي تنفق‪.‬‬

‫الدليل الثالث‪:‬‬

‫حديث آخر‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬


‫(( إن هلل أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد ـ دققوا اآلن ـ يقرهم فيها ما بذلوها‪ ،‬هناك بيت في منطقة‬
‫العمارة فيه شجرة ليمون تحمل خمسمئة حبة‪ ،‬وفي هذا البيت تقليد‪ ،‬هذه الحارة كل واحد يلزمه حبة ليمون‬
‫يطرق الباب‪ ،‬أعطونا ليمونة‪ ،‬امرأة كبيرة وقورة طاهرة عفيفة جعلت شجرة الليمون هذه وق ًفا لكل الحي‪،‬‬
‫فمن طرق الباب تعطيه ليمونة‪ ،‬ماتت هذه الجدة الراقية‪ ،‬جاءت َكنة شابة‪ ،‬طُرق الباب‪ ،‬قالت‪ :‬ما عندنا‬
‫َ‬
‫ليمون‪ ،‬فيبست الشجرة‪ ،‬وانتهت ـ فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم ))‬
‫[رواه الطبراني في األوسط والكبير عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬وسنده حسن ]‬

‫أقسم لي باهلل أحدهم في منطقة خان الشيح ثمانية وثالثون مزرعة‪ ،‬في سنة جدباء سبعة وثالثون مزرعة‬
‫جفت آبارها إال مزرعة واحدة‪ ،‬الرعاة كانوا يدخلون المزارع فيطردهم أصحابها‪ ،‬إال هو فعمل مجرى لسقي‬
‫الغنم‪ ،‬فإذا جاء الراعي يدخله مع الغنم ليشربوا‪ ،‬هذه المزرعة الوحيدة الذي بئرها ما جف‪.‬‬

‫(( إن هلل أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد‪ ،‬يقرهم فيها ما بذلوها‪ ،‬فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى‬
‫غيرهم ))‬
‫[رواه الطبراني في األوسط والكبير عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما ]‬

‫الدليل الرابع‪:‬‬

‫وفي حديث آخر‪:‬‬


‫(( ما أعطي أحد أربعة فمنع أربعة ـ مستحيل‪ ،‬إن أعطيت هذه النعمة أعطيت الثانية ـ ومن أعطي الشكر‬

‫أعطي الزيادة‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‪َ ﴿ :‬لِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬
‫يدَّن ُك ْم ﴾ ))‬
‫إن ِّ‬
‫تعط فهناك زيادة‪ ،‬ومن لوازم العطاء الزيادة‪ ،‬ومن أعطي الدعاء أعطي اإلجابة‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‪﴿ :‬‬
‫ِ‬
‫َس َت ِج ْب َل ُك ْم ﴾‪ ،‬ومن أعطي االستغفار أعطي المغفرة‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‪ْ ﴿ :‬‬
‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّنهُ‬ ‫ْاد ُعوِني أ ْ‬
‫فمِّنع التقبل‪ ،‬ألن هللا تعالى يقول‪:‬‬ ‫َك َ َّ‬
‫ان َغفا اًر﴾‪ ،‬وما أوتي أحد التوبة ُ‬

‫‪190‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫الت ْوَب َة َع ْن ِعَب ِاد ِه ﴾‬
‫﴿ َو ُه َو َّال ِذي َي ْقَب ُل َّ‬
‫[رواه الطبراني في الصغير واألوسط عن عبد هللا بن مسعود‪ ،‬وفيه محمود بن العباس‪ ،‬وهو ضعيف ]‬

‫التوبة معها قبول‪ ،‬واالستغفار معه مغفرة‪،‬‬


‫والدعاء معه إجابة‪ ،‬والعطاء معه زيادة‪ ،‬هذه‬
‫قوانين‪.‬‬
‫يقول بعض العلماء‪ " :‬من عرف نعمة هللا‬
‫بقلبه‪ ،‬وحمده بلسانه‪ ،‬لم يستتم حتى يرى‬
‫الزيادة‪ ،‬ألن هللا يقول‪َ ﴿ :‬لِئ ْن َش َكْرُت ْم‬
‫يدَّن ُك ْم﴾‪.‬‬
‫َأل َِز َ‬
‫نعود إلى فقرة مهمة جدًا‪َ :‬من دخل على‬
‫األغنياء خرج من عندهم وهو على هللا ساخط‪ ،‬ما عنده شيء‪ ،‬ادخل على فقير لترى أنك محاط بنعم ال تعد‬
‫وال تحصى‪.‬‬

‫سنتمترا‪ ،‬تجلس‬
‫ً‬ ‫كنت في تركيا فدعيت إلى طعام اإلفطار‪ ،‬عندهم عادة رائعة جدًا‪ ،‬الطاولة ارتفاعها أربعون‬
‫على األرض والطاولة أمامك‪ ،‬على هذه الطاولة قماشة زائدة تضعها على حضنك‪ ،‬فالنبي الكريم رأى في‬
‫البيت كسيرة ملقاة‪ ،‬مشى إليها‪ ،‬فرفعها‪ ،‬ومسحها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫(( يا عائشة‪ ،‬أحسني مجاورة نعم هللا‪ ،‬فإن النعمة إذا نفرت قلما تعود ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫هناك بقية من خبز‪ ،‬ضع عليه الماء‪ ،‬وضعه على السطح ليؤكل العصافير منه‪ ،‬ال تحاول أن تضيع تروح‬
‫حبة رز واحدة‪ ،‬هذا األدب مع هللا‪ ،‬و وهللا هناك بيوت ما زاد من الطعام يضعونه في القمامة‪.‬‬
‫آخر شيء في الموضوع‪:‬‬

‫كفر النعمة ‪:‬‬


‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يها ِرْزُق َها َر َغًدا ِمن ُك ِل َم َك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا‬
‫ان َف َك َفَر ْت بأَْن ُع ِم َّللا َفأَ َذا َق َها ُ‬ ‫َّللا َم َثالً َقْرَي ًة َكاَن ْت آمَن ًة ُّم ْط َمئَّن ًة َيأْت َ‬
‫﴿ َو َضَر َب ُ‬
‫ف ِب َما َكاُنوْا َي ْصَن ُعو َن ﴾‬ ‫ِلباس اْلجوِع واْل َخو ِ‬
‫َ َ ُ َ ْ‬
‫( سورة النحل )‬

‫معنى كفرت بأنعم هللا أي‪ :‬ما شكرت نعم هللا‪ ،‬ما شكرت‪:‬‬

‫‪191‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫﴿ َفأَ َذا َقها َّللا ِلباس اْلجوِع واْل َخو ِ‬
‫ف ِب َما َكاُنوْا َي ْصَن ُعو َن ﴾‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ ْ‬
‫أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر هللا العظيم لي ولكم‪ ،‬فاستغفروه يغفر لكم‪ ،‬فيا فوز المستغفرين‪ ،‬أستغفر هللا‪.‬‬

‫من أسدى إليكم معروفا فكافئوه ‪ ،‬فإن لم تجدوا فادعوا له ‪:‬‬

‫أحدهم باقة ورد‬ ‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬كتعقيب على هذا الموضوع الدقيق‪ :‬عود نفسك أن تشكر‪ ،‬فلو َّ‬
‫قدم لك ُ‬
‫شكر فالن "‪ ،‬اتصل به هاتفياً‪ ،‬قل له‪ :‬شك اًر على هذه الباقة‪ ،‬لو قدم لك أقل‬
‫فاكتب عندك في المذكرات‪ُ " :‬‬
‫‪:‬خدمة‪ ،‬لذلك اسمعوا الحديث الخطير‬
‫(( ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه‪ ،‬فإن لم تجدوا فادعوا له ))‬
‫[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ]‬

‫يستنبط من هذا أن كلمة ( جزاك هللا خي ًار ) غير مقبولة منك إذا كان باإلمكان أن تكافئه بما يقابل عمله‪،‬‬
‫النبي عليه الصالة والسالم قال‪:‬‬

‫(( َوَت َه َاد ْوا َت َح ُّابوا ))‬


‫[ مالك في الموطأ ]‬

‫قدمت لك خدمة كبيرة قل له‪ :‬شك ًار سيدي‪ ،‬هللا يجزيك الخير‪ ،‬ال هذه غير مقبولة ما دام عندك إمكانية أن‬
‫تقابله بعمل أو بخدمة أو بهدية‪ ،‬يجب أن تكافئ على المعروف‪ ،‬أما إذا ما عندك إمكانية فعندئذ يقبلها هللا‬
‫منك‪.‬‬
‫سهل لك مهمتك‪ ،‬أعانك‪ ،‬وافق لك‪ ،‬عمل‬
‫كنا في أول الخطبة مع النعم من هللا‪ ،‬اآلن إذا خدمك شخص‪َّ ،‬‬
‫معك عمال طيبا‪ ،‬ال بد من أن تشكره‪ ،‬إما باتصال هاتفي‪ ،‬أو برسالة‪ ،‬أو ببريد إلكتروني‪ ،‬أو بلقاء شخصي‪،‬‬

‫أو بهدية مقابلها‪ ،‬ولما يتهادى المسلمون يتحابون‪ ،‬الهدية تذهب َ‬


‫وح َر الصدر‪ ،‬فعود نفسك أن ترد على كل‬
‫عمل طيب ال بكلمة فارغة‪ ،‬بل بعمل طيب مقابل‪ ،‬هذا توجيه نبوي‪.‬‬

‫﴿ َوَال َتْن َس ُوا اْل َف ْض َل َبْيَن ُك ْم (‪﴾ )237‬‬


‫( سورة البقرة )‬

‫وردها‪ ،‬لماذا‬
‫استعرت كتابا جلده‪ ،‬وال تقل لصاحبه‪ :‬تعال خذه‪ ،‬فهو جاهز‪ ،‬استعرت حاجة لمعها‪ ،‬وحسنها ُ‬
‫كفر الناس بالعمل الصالح ؟‬

‫مرة قال رجل ألوالده أمام مكتبة من األرض إلى السقف أربعة حيطان‪ :‬يا أوالدي‪ ،‬إياكم أن تعيروا كتاباً من‬
‫هذه الكتب بعد موتي‪ ،‬ألنها كلها كتب معارة‪ ،‬يستعير كتاب وال يرده‪ ،‬ضاع الكتاب‪ ،‬فإذا ما سجلت نسيت‬

‫‪192‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫َمن أخذه منك‪ ،‬فأي شيء استعرته ترجعه مجلدا‪ ،‬وحاول أن تشكر دائماً‪ ،‬فما الذي زهد الناس بالخير ؟ ألن‬
‫الذين يأخذون الخير من الناس إما أنهم يسيئون إليهم‪ ،‬أو ال ُي َرد إليهم‪.‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬من عالمة اإليمان أن تعظم عندك‬


‫النعمة مهما دقت‪ ،‬إنسان خدمك قدم لك‬
‫معونة‪ ،‬قدم لك هدية يجب أن ترد عليه بهدية‬
‫مماثلة‪ ،‬هذا اإليمان‪ ،‬ال أن تكتفي بالشكر‪،‬‬
‫الشكر لمن كان ضعيفاً‪ ،‬وقدم له رجل قوي‬
‫هدية‪ ،‬أو غني‪ ،‬ال يقدر أن يكافئه عليها‪.‬‬

‫(( ومن أسدى إليكم معروفا فكافئوه‪ ،‬فإن لم تجدوا فادعوا له ))‬
‫[ رواه الطبراني عن الحكم بن عمير ]‬
‫[ هذا حديث صحيح اإلسناد على شرط الشيخين]‬

‫حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال‪ ،‬ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق‪ ،‬ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪193‬‬ ‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر‬


‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫حجم اإلنسان عند هللا بحجم عمله الصالح ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬األجل ال يتغير لكن في آيات تؤكد أنه يطول‪ ،‬العلماء فسروا ذلك بما يلي‪ ،‬إنسان له محل‬
‫تجاري فتحه عشر ساعات الغلة ألف ليرة‪ ،‬إنسان فتحه خمس ساعات الغلة مليون‪ ،‬المليون يساوي عشر دوام‬
‫دوام‪ ،‬العمر يطول بالعمل الصالح والدليل لما سيدنا موسى سقى للفتاتين ماذا قال ؟‬
‫﴿ َرِب ِإِني ِل َما أَْن َزْل َت ِإَل َّي ِم ْن َخْي ٍر َف ِق ٌير‬
‫(‪﴾ )24‬‬
‫( سورة القصص)‬

‫فتبين بهذه اآلية أن الغنى غنى العمل الصالح‬


‫وأن الفقر هو فقر العمل الصالح‪ ،‬والعمل‬
‫الصالح بيدك‪ ،‬أنت مخير وأسبابه متاحة لك‪،‬‬
‫يعني بإمكان إنسان عاش أربعين عاماً يكون‬
‫له أعمال صالحة تساوي خمسمئة عام‪ ،‬وفي‬
‫علماء كبار منهم الشافعي عاش دون الخمسين‪ ،‬في علماء معاصرين ابن باديس غير أمة بأكملها‪ ،‬لذلك‬
‫العمر زمنًا ليس بيدك أما مضمونًا بيدك‪ ،‬فبإمكانك أن تطيل عمرك إلى خمسمئة عام بحجم العمل الصالح‬
‫الذي تفعله في الدنيا‪ ،‬وحجمك عند هللا بحجم عملك الصالح‪.‬‬

‫الص ِال ُح َيْرَف ُع ُه (‪﴾ )10‬‬


‫﴿ َواْل َع َم ُل َّ‬
‫(سورة فاطر)‬

‫أعظم أعمال اإلنسان ما استمر بعد موته ‪:‬‬

‫مرة ثانية حجمك عند هللا بحجم عملك الصالح وأعظم األعمال الصالحة ما استمر بعد موتك‪،‬‬
‫ط َع َعْن ُه َع َمُلهُ ِإَّال ِم ْن َث َال َثةٍ‪ِ :‬إَّال ِم ْن َص َد َق ٍة َج ِارَيةٍ‪ ،‬أ َْو ِعْل ٍم ُيْن َت َف ُع ِب ِه‪ ،‬أ َْو َوَل ٍد َص ِال ٍح‬
‫ان اْنَق َ‬ ‫(( ِإ َذا َم َ‬
‫ات ِْ‬
‫اإل ْن َس ُ‬
‫َي ْد ُعو َل ُه ))‬
‫[ مسلم عن أبي هريرة ]‬

‫‪194‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫علماء كثر توفاهم هللا من سنوات طويلة‬
‫ودروسهم تبث كل يوم في تفسير القرآن‪ ،‬أليس‬
‫هذا العمل مستم ًار ؟ الذين ألفوا كتباً إسالمية‬
‫كبيرة جداً كرياض الصالحين هذا الكتاب‬
‫المبارك ال يخلو منه بيت في العالم اإلسالمي‬
‫ألفه اإلمام النووي‪.‬‬

‫ط َع َعْن ُه َع َمُلهُ ِإَّال ِم ْن‬


‫ان اْنَق َ‬ ‫(( ِإ َذا َم َ‬
‫ات ِْ‬
‫اإل ْن َس ُ‬
‫َث َال َثةٍ‪ِ :‬إَّال ِم ْن َص َد َق ٍة َج ِارَيةٍ‪ ،‬مسجد‪ ،‬معهد‪،‬‬
‫مستوصف‪ ،‬مستشفى‪ ،‬ميتم‪ ،‬جمعية خيرية‪ ،‬أ َْو ِعْل ٍم ُيْن َت َف ُع ِب ِه‪ ،‬دروس تبث‪ ،‬أ َْو َوَل ٍد َص ِال ٍح َي ْد ُعو َلهُ ))‬
‫وهللا حينما أستمع إلى إنسان توفاه هللا وترك ولداً صالحاً وهللا أقول في أعماق أعماقي هذا اإلنسان لم يمت‪،‬‬
‫هذا االبن استمرار له‪.‬‬

‫أثمن شيء يملكه اإلنسان الوقت فعليه أن يشغله بأعمال صالحة ‪:‬‬

‫البطولة أن تجهد وأنت حي بعمل صالح ال‬


‫ينتهي عند موتك‪ ،‬بل يستمر بعد موتك‪ ،‬هذه‬
‫الصدقة الجارية‪ ،‬مؤسسة‪ ،‬معهد‪ ،‬ثانوية‬
‫شرعية‪ ،‬كتاب‪ ،‬دروس‪ ،‬شريط‪ ،‬أي شيء‪،‬‬
‫والعياذ باهلل يوجد أشخاص يموتون وأعمالهم‬
‫السيئة مستمرة من بعدهم أليس كذلك ؟‬
‫إذًا العمر ليس بإمكانك أن تزيده أما كمضمون‬
‫بإمكانك أن تعمل أعماالً تحتاج إلى خمسمئة‬
‫ال صالحة تحتاج إلى‬
‫عام‪ ،‬هذا معنى بعض األحاديث أن هللا عز وجل ينسأ له في أجله‪ ،‬يعني يرزقه أعما ً‬
‫آجال مديدة‪.‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم عاش ثالثًا وستين عامًا لكن أثره عم األرض أقسم هللا بعمره الثمين قال له‪:‬‬
‫﴿ َل َع ْمُر َك ِإَّن ُه ْم َل ِفي َس ْكَرِت ِه ْم َي ْع َم ُهو َن ﴾‬
‫( سورة الحجر )‬

‫‪195‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫يعني أثمن شيء تملكه الوقت‪ ،‬أنت وقت‪ ،‬أنت بضعة أيام‪ ،‬كلما انقضى يوم انقضى بضع منك‪.‬‬

‫عمر اإلنسان محدود زمناً أما مضمونه ال حدود له يتسع بقدر عمله الصالح ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬ورد في بعض اآلثار‪ :‬ما‬


‫من يوم ينشق فجره إال وينادي يا ابن آدم أنا‬
‫خلق جديد‪ ،‬وعلى عملك شهيد‪ ،‬فتزود مني‬
‫فإني ال أعود إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫هذا اليوم سمح هللا لك أن تعيشه‪ ،‬كان عليه‬
‫الصالة والسالم إذا استيقظ يقول‪:‬‬
‫َّلل َّال ِذي َعا َف ِاني ِفي َج َس ِدي‪َ ،‬وَرَّد‬
‫(( اْلحمد َِّ ِ‬
‫َ ُْ‬
‫وحي‪َ ،‬وأ َِذ َن ِلي ِب ِذ ْك ِرِه ))‬
‫عَل َّي ر ِ‬
‫َ ُ‬
‫[ الترمذي عن أبي هريرة ]‬

‫العمر محدود زمناً أما مضمونه ال حدود له يتسع بقدر عملك الصالح‪ ،‬وأعظم األعمال الصالحة ما استمر‬
‫بعد موت اإلنسان‪ ،‬أما الرزق‪ ،‬يجب أن تعتقد اعتقاداً جازمًا من خالل خطب قد تزيد عن عشرين خطبة أنه‬
‫يتبدل وزيادته بيدك‪.‬‬

‫أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ االستغفار‪:‬‬

‫اآلن في هذه الخطبة أحد أسباب زيادة الرزق االستغفار والدليل (بالدين ال يوجد رأي شخصي‪ ،‬نص قرآن أو‬
‫سنة ) قال تعالى‪:‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اعا َح َسًنا ِإَلى أ َ‬
‫َج ٍل ُم َس ًّمى (‪﴾ )3‬‬ ‫وبوا ِإَلْيه ُي َمت ْع ُك ْم َم َت ً‬
‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ثُ َّم ُت ُ‬
‫َن ْ‬
‫﴿ َوأ ْ‬
‫( سورة هود)‬

‫المتاع الحسن من لوازمه الرزق الوفير‪.‬‬

‫﴿ َوُي ْؤ ِت ُك َّل ِذي َف ْض ٍل َف ْضَلهُ (‪﴾ )3‬‬


‫( سورة هود)‬

‫‪196‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫لذلك قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬دققوا‪:‬‬

‫َّللا َل ُه ِم ْن ُك ِل‬ ‫ِ ِ‬
‫(( َم ْن َل ِزَم اال ْست ْغ َف َار َج َع َل َّ ُ‬
‫يق َم ْخَر ًجا َو ِم ْن ُك ِل َه ٍم َفَر ًجا َوَرَزَق ُه ِم ْن‬ ‫ِض ٍ‬
‫َحْي ُث َال َي ْح َت ِس ُب))‬
‫[ أبي داود وابن ماجه والمستدرك للحاكم َع ْن ْاب ِّن َعب ٍ‬
‫َّاس ]‬

‫(( َم ْن أنعم هللا عليه بنعمة فليحمد هللا ومن‬


‫استبطأ الرزق فليستغفر هللا ومن حزبه أمر‬
‫فليقل ال حول وال قوة إال باهلل ))‬
‫[ َع ْن الحسن رضي هللا عنه ]‬

‫هذا كالم المعصوم‪ ،‬كالم األولين واآلخرين‪.‬‬

‫َّللا َل ُه ِم ْن ُك ِل ِض ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫يق َم ْخَر ًجا ‪:‬‬ ‫َم ْن َل ِزَم اال ْست ْغ َف َار َج َع َل َّ ُ‬

‫أصاب الناس قحط في عهد عمر فصعد المنبر فاستسقى فلم يزد على االستغفار فقط‪ ،‬صعد المنبر واستغفر‬
‫فقط‪ ،‬فقالوا له يا أمير المؤمنين ما سمعناك استسقيت ؟‬
‫أين دعاء االستسقاء‪ ،‬فقال‪ :‬لقد طلبت الغيث‬
‫بمفاتيح السماء التي يستنزل بها المطر ثم ق أر‬
‫اآلية الكريمة‪:‬‬
‫ان َغ َّف ًا‬ ‫ِ‬
‫ار (‪)10‬‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫ار (‪﴾ )11‬‬ ‫اء َعَلْي ُك ْم ِم ْدَرًا‬ ‫ُيْرِس ِل َّ‬
‫الس َم َ‬
‫(سورة نوح)‬

‫وقوله‪:‬‬

‫اء َعَلْي ُك ْم ِم ْدَرًا‬


‫ار َوَي ِزْد ُك ْم ُق َّوًة ِإَلى ُق َّوِت ُك ْم َوَال َت َت َوَّل ْوا‬ ‫وبوا ِإَلْي ِه ُيْرِس ْل َّ‬
‫الس َم َ‬
‫ِ‬
‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ثُ َّم ُت ُ‬
‫﴿ َوَيا َق ْو ِم ْ‬
‫ين(‪﴾ )52‬‬ ‫ُم ْج ِرِم َ‬
‫(سورة هود)‬

‫‪197‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫(( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعًا وعشرين مرة كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم‬
‫أهل األرض ))‬
‫[ رواه الطبراني عن أبي الدرداء ]‬

‫فاالستغفار أحد أسباب زيادة الرزق‪ ،‬االستغفار ندم‪ ،‬االستغفار توبة‪ ،‬االستغفار عودة إلى هللا‪.‬‬

‫عدم تعذيب المؤمن من ِقبل هللا عز وجل إن أستغفره و تاب إليه ‪:‬‬

‫لذلك‪:‬‬
‫َّللا ِلُي َع ِذَب ُه ْم َوَأْن َت ِف ِ‬
‫يه ْم (‪﴾ )33‬‬ ‫ان َّ ُ‬
‫﴿ َو َما َك َ‬
‫( سورة األنفال)‬

‫في معصية ال سمح هللا عز وجل‪ ،‬في تقصير‪:‬‬

‫َّللا ُم َع ِذَب ُه ْم َو ُه ْم َي ْس َت ْغ ِفُرو َن ﴾‬


‫ان َّ ُ‬
‫﴿ َو َما َك َ‬
‫( سورة األنفال)‬

‫أنت في بحبوحتين‪ ،‬أنت في مأمنين‪ ،‬أنت في‬

‫حرزين‪ ،‬أنت في حصنين‪ ،‬أن تكون مطبقاً‬


‫لمنهج رسول هللا‪ ،‬أو أن تكون نادماً مستغف اًر فاالستغفار أحد أسباب زيادة الرزق‪.‬‬

‫دوام النعمة و بقاؤها مرتبط بشكر هللا عز وجل و حمده ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬يقول اإلمام جعفر الصادق رضي هللا عنه‪ :‬إن كان عليك نعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر‬
‫من الحمد والشكر‪.‬‬
‫لك بيت‪ ،‬لك زوجة صالحة‪ ،‬عندك أوالد‪ ،‬لك دخل معين‪ ،‬هللا مكنك من حرفة أكثر من الحمد والشكر تستمر‬
‫هذه النعمة بل تزيد‪ ،‬هللا عز وجل يقول‪:‬‬

‫﴿ َلِئ ْن َش َكْرُت ْم َأل َِز َ‬


‫يدَّن ُك ْم (‪﴾ )7‬‬
‫( سورة إبراهيم )‬

‫مفتاح الرزق السعي مع االستغفار ومفتاح المزيد الشكر ‪:‬‬

‫اآلن وإذا استبطأت الرزق‪ ،‬بحثت‪ ،‬ذهبت‪ ،‬قدمت طلبات‪ ،‬دخلت مسابقات‪ ،‬بحثت في بعض اإلعالنات حول‬
‫العمل فلم تجد فرصة عمل مناسبة لك‪.‬‬

‫‪198‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫قال‪ :‬وإذا استبطأت الرزق فأكثر من االستغفار‬
‫فإن هللا تعالى يقول في كتابه‪:‬‬
‫ان َغ َّف ًا‬ ‫ِ‬
‫ار (‪)10‬‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫ار (‪﴾ )11‬‬ ‫اء َعَلْي ُك ْم ِم ْدَرًا‬ ‫الس َم َ‬‫ُيْرِس ِل َّ‬
‫ار تعني كل شيء‪،‬‬ ‫اء َعَل ْي ُك ْم ِّم ْد َرًا‬ ‫ُي ْرِّس ِّل َّ‬
‫الس َم َ‬
‫تعني تجد وظيفة‪ ،‬تجد عمالً‪ ،‬تجد حرفة‬
‫ناجحة‪ ،‬هللا عز وجل يروج اسمك في عالم‬
‫التجارة‪:‬‬

‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار ار (‪ )11‬ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬


‫ار (‪﴾ )12‬‬ ‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم َأْن َه ًا‬ ‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫﴿ ُيْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ ً‬
‫يا سفيان القول لجعفر الصادق‪ :‬إذا حزبك أمر من سلطان‪ ،‬يعني في مشكلة كبيرة مع جهة رسمية مصادرة‬
‫ال‪ ،‬في قضية أو غيره فأكثر من قول ال حول وال قوة إال باهلل فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة‪.‬‬
‫مث ً‬
‫لذلك قال ابن العربي مفتاح الرزق السعي مع االستغفار‪ .‬حركة‪ ،‬ومفتاح المزيد الشكر‪.‬‬

‫عدم االستجابة للمسلمين ألنهم هان أمر هللا عليهم فهانوا على هللا ‪:‬‬

‫قصة عجيبة لكنها واقعة رجل أتى الحسن شكا‬


‫إليه القحط فقال له استغفر هللا‪ ،‬الجواب كلمة‬
‫واحدة‪ ،‬أتاه آخر فشكا إليه الفقر فقال استغفر‬

‫هللا‪ ،‬أتاه آخر فقال له ادعُ هللا أن يرزقني ابناً‬


‫صالحاً فقال استغفر هللا‪ ،‬أتاه آخر شكا له‬
‫جفاف بساتينه قال له استغفر هللا‪ ،‬عجبنا من‬

‫هذا الكالم فقلنا أتاك رجال يشكون ألواناً‬


‫ويسألون أنواعًا فأمرتهم جميعًا باالستغفار‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما قلت من نفسي شيئاً إنما اعتبرت قوله تعالى حكاية عن نبيه نوح عليه السالم أنه قال لقومه‪:‬‬
‫ار (‪ )11‬ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬
‫اء َعَلْي ُك ْم ِم ْدَرًا‬ ‫ار (‪ُ )10‬يْرِس ِل َّ‬ ‫ان َغ َّف ًا‬ ‫ِ‬
‫ين َوَي ْج َع ْل‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫الس َم َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫ار (‪﴾ )12‬‬ ‫َل ُك ْم َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َه ًا‬

‫‪199‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫ال ونها ًار واألمور تزداد تعقيدًا‪ ﴿:‬ما َل ُكم َال َترجو َن َِّ ِ‬
‫َّلل َوَق ًارا﴾‬ ‫لماذا ال يستجاب للمسلمين ؟ يدعون هللا لي ً‬
‫ُْ‬ ‫َ ْ‬
‫السبب أن أمر هللا هان عليكم فهنتم على هللا‪ ﴿ ،‬ما َل ُكم َال َترجو َن َِّ ِ‬
‫َّلل َوَق ًارا﴾‪.‬‬ ‫َ ْ ُْ‬

‫لماذا ال تعظمون أمره‪ ،‬لماذا ال تأخذون أمره ونهيه أم اًر جدياً‪.‬‬

‫من أكثر من االستغفار كثر الرزق عليه ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬إذا تبتم إلى هللا كما يقول اإلمام‬


‫جعفر واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم‪،‬‬
‫وأسقاكم من بركات السماء‪ ،‬نحن في سنوات‬
‫محصول القمح ستة ماليين طن‪ ،‬السنة ما في‬
‫شيء إطالقاً والعياذ باهلل‪ ،‬الحقيقة مؤلمة‪ ،‬إذا‬
‫تبتم إلى هللا واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق‬
‫عليكم وأسقاكم من بركات السماء وأنبت لكم‬
‫من بركات األرض وأنبت لكم الزرع وأدر لكم‬
‫الضرع‪ ،‬وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم األموال واألوالد وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار‪.‬‬
‫نحن في سنة من السنوات نزل في دمشق ثالثمئة وخمسين ميليمتر يقول لي أخ كريم خبير بحوض دمشق‬
‫ثالثين ألربعين نبع جف منذ ثالثين سنة عاد وتفجر‪ .‬مياه منين وصلت إلى برزة‪ ،‬بأي لحظة هللا عز وجل‬
‫يرسل السماء عليكم مد ار ًار‪ ،‬كنت في بلدة بإفريقيا أمطارها في الليلة الواحدة تساوي أمطار دمشق لسنتين‪،‬‬
‫مئتين وأربعين مليمتر في ليلة واحدة‪.‬‬

‫من أطاع ربه و أخلص نيته استجاب له و فرج عنه ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬أناس كثيرون يستغفرون والفقر يزداد‪ ،‬هذه ظاهرة لو أنك حدثت من حولك بمضمون هذه الخطبة‬
‫حتمًا يقول لك أحدهم ال‪ ،‬أنا أستغفره ليالً ونها ًار واألمور تزداد تعقيدًا بماذا تجيبه ؟ قال أبو علي التنوخي في‬
‫كتاب الفرج بعد الشدة شكا إلى علي بن أبي طالب كرم هللا وجهه شدة لحقت به‪ ،‬وكثرة في العيال‪ ،‬فقال له ‪:‬‬

‫‪200‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫عليك باالستغفار‪ ،‬فإن هللا عز وجل يقول‪:‬‬
‫استغفروا ربكم إنه كان غفا اًر اآليات فعاد إليه‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين إني قد استغفرت هللا‬
‫كثي اًر وما أرى فرجاً مما أنا فيه‪ ،‬فقال ‪ :‬لعلك ال‬
‫تحسن أن تستغفر‪ ،‬قال ‪ :‬علمني‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أخلص نيتك‪ ،‬وأطع ربك‪ ،‬وقل ‪ :‬اللهم إني‬
‫أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك‪،‬‬
‫يعني يا رب أنا عصيتك بعافيتك‪ ،‬عافيتني‬
‫فعصيتك‪.‬‬

‫تعليم علي رضي هللا عنه صاحبه كيفية االستغفار ‪:‬‬

‫قل ‪ :‬اللهم إني أستغفرك من كل ذنب قوي عليه بدني بعافيتك‪ ،‬أو نالته قدرتي بفضل نعمتك‪ ،‬معي مال‬
‫بالمال عصيتك يا رب وأنت رزقتني هذا المال‪ ،‬أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك‪ ،‬أو اتكلت فيه عند خوفي‬
‫منك على حلمك‪ ،‬أو عولت فيه على كرم عفوك‪ ،‬اللهم إني أستغفرك من كل ذنب خنت فيه أمانتي‪ ،‬أو‬
‫بخست فيه نفسي‪ ،‬أو قدمت فيه لذاتي‪ ،‬أو آثرت فيه شهواتي‪ ،‬أو سعيت فيه لغيري‪ ،‬أو استغريت فيه من‬
‫تبعني يعني أغريت من تبعني بهذه المعصية أو غلبت فيه بفضل حيلتي فلم تغلبني على فعلي إذ كنت‬
‫سبحانك كارهاً لمعصيتي‪ ،‬لكن سبقك علمك في اختياري واستعمالي مرادي‪ ،‬وإيثاري فحلمت عني فلم تدخلني‬
‫فيه جب اًر ولم تحملني عليه قه اًر‪ ،‬ولم تظلمني شيئاً‪ ،‬يا أرحم الراحمين‪ ،‬يا صاحبي عند شدتي‪ ،‬يا مؤنسي في‬
‫وحدتي‪ ،‬يا حافظي في نعمتي‪ ،‬يا ولي في نفسي‪ ،‬يا كاشف كربتي‪ ،‬يا مستمع دعوتي‪ ،‬يا راحم عبرتي‪ ،‬يا‬
‫مقيل عثرتي‪ ،‬يا إلهي بالتحقيق‪ ،‬يا ركني الوثيق‪ ،‬يا جاري اللصيق‪ ،‬يا موالي الشفيق‪ ،‬يا رب البيت العتيق‪،‬‬
‫أخرجني من حلق المضيق إلى سعة الطريق وفرج من عندك قريب وثيق‪ ،‬واكشف عني كل شدة وضيق‬
‫واكفني ما أطيق وما ال أطيق‪ ،‬اللهم فرج عني كل هم وغم‪ ،‬وأخرجني من كل حزن وكرب‪ ،‬يا فارج الهم‬
‫وكاشف الغم ويا منزل القطر ويا مجيب دعوة المضطرين‪ ،‬يا رحمن الدنيا واآلخرة ورحيمهما‪ِّ ،‬‬
‫صل على‬
‫خيرتك من خلقك محمد النبي صلى هللا عليه وسلم وآله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وفرج عني ما قد ضاق به صدري‬
‫وعيل منه صبري وقلت فيه حيلتي وضعفت له قوتي‪ ،‬يا كاشف كل ضر وبلية ويا عالم كل سر وخفية يا‬
‫أرحم الراحمين أفوض أمري إلى هللا‪ ،‬إن هللا بصير بالعباد‪ ،‬وما توفيقي إال باهلل عليه توكلت وهو رب العرش‬

‫‪201‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫العظيم‪ ،‬قال األعرابي ‪ :‬فاستغفرت بذلك م ار ًار فكشف هللا عني الغم والضيق ووسع علي في الرزق وأزال‬
‫المحنة‪.‬‬

‫العاجز من يتكاسل في طلب ما يريد من هللا عز وجل ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬وصفة نبوية في الصحاح‬


‫اء الدْنَيا َحتى‬ ‫(( يْن ِزل ربَنا ُكل َليَل ٍة ِإلى السم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ول‪َ :‬م ْن َي ْد ُعوِني‬ ‫ِ‬
‫لث اللْيل اآلخر‪َ ،‬فَيُق ُ‬ ‫َيْبَقى ُث ُ‬
‫ُع ِطَي ُه ؟ َو َم ْن‬ ‫ِ‬
‫يب َل ُه ؟ َم ْن َي ْسأُلني فأ ْ‬‫فأس َت ِج َ‬
‫ْ‬
‫َي ْس َت ْغ ِفُرِني فأَ ْغ ِفَر َله ؟ حتى ينفجر الفجر ))‬
‫[ مسلم َع ْن أبي ُه َرْي َرَة ]‬

‫هللا عز وجل ينتظرك في وقت السحر قبيل‬


‫أذان الفجر‪َ :‬ه ْل ِّم ْن ُم ْستَ ْغِّف ٍر ؟ َه ْل ِّم ْن تَ ِّائ ٍب ؟‬
‫َه ْل ِّم ْن َس ِّائ ٍل ؟ َه ْل ِّم ْن َد ٍاع ؟ َحتَّى َي ْنَف ِّج َر اْلَف ْج ُر‪.‬‬

‫من هو الكسول‪ ،‬من هو العاجز‪ ،‬من هو األحمق‪ ،‬من هو الغبي ؟ الذي يتكاسل أن يطلب من خالق‬
‫السماوات واألرض وهللا ينتظرك‪ ،‬أنت في الصالة تقول سمع هللا لمن حمده‪ ،‬هو يسمعك اآلن اطلب منه‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الدعاء‪:‬‬

‫إن هللا يحب الملحين بالدعاء‪ ،‬إن هللا يحب من‬


‫عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع‪ ،‬إن هللا‬
‫يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه‪ ،‬إن هللا‬
‫يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها‪ ،‬األمر‬
‫بيده على كل شيء قدير‪ ،‬جسمك بيده‪ ،‬صحتك‬
‫بيده‪ ،‬أهلك بيده‪ ،‬أوالدك بيده‪ ،‬من هم فوقك‬
‫بيده‪ ،‬أعداؤك بيده‪ ،‬الطغاة بيده‪:‬‬

‫‪202‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫نظرو ِن * ِإِني َتوَّكْلت عَلى ِ‬
‫َّللا َربِي َوَربِ ُكم َّما ِمن َد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آب ٍة ِإالَّ ُهو ِ‬
‫آخ ٌذ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫يعا ثُ َّم َال ُت ُ‬ ‫﴿ ِمن ُدوِنه َف ِك ُ‬
‫يدوِني َجم ً‬
‫يم ﴾‬ ‫اصَيِت َها ِإ َّن َربِي َعَلى ِصَر ٍ‬
‫اط ُّم ْس َت ِق ٍ‬ ‫ِبَن ِ‬
‫( سورة هود )‬

‫الدعاء سالح المؤمن فعليه اإلكثار منه ‪:‬‬

‫الدعاء سالح المؤمن‪:‬‬


‫﴿ ُق ْل َما َي ْعَبأُ ِب ُك ْم َربِي َل ْوَال ُد َع ُاؤُك ْم َفَق ْد َك َّذْب ُت ْم ﴾‬
‫( سورة الفرقان اآلية‪) 77 :‬‬

‫ما معنى أن تدعوه ؟ أيها األخوة الكرام‪ ،‬أنا‬


‫أعني ما أقول المسلمون مقصرون في الدعاء‬
‫في دعاء شكلي في دعاء باللسان في دعاء‬
‫واالعتماد على غير هللا‪ ،‬في دعاء مع الشرك‪:‬‬

‫﴿ وما ي ْؤ ِمن أَ ْك َثرهم ِب ِ‬


‫اَّلل ِإالَّ َو ُهم ُّم ْش ِرُكو َن ﴾‬ ‫َ َ ُ ُ ُ ُْ‬
‫( سورة يوسف )‬

‫في دعاء مع الخوف من غير هللا‪ ،‬في دعاء‬


‫واألمل متعلق بغير هللا‪ ،‬كل هذه األدعية ال‬
‫قيمة لها‪ ،‬وال وزن لها وال يستجاب لها‪ ،‬أما حينما تعقد األمل على هللا وحينما تؤمن أن يد هللا تعمل وحدها‬
‫وأن هللا بيده كل شيء‪:‬‬

‫اعُب ْد ُه َوَت َوَّك ْل َعَلْي ِه ﴾‬


‫َمُر ُكُّل ُهَ ْ‬
‫ِ‬
‫﴿ َوِإَلْيه ُيْر َج ُع األ ْ‬
‫( سورة هود اآلية‪) 123 :‬‬

‫من دعا هللا مع الخوف من غيره ال يستجاب له أبداً ‪:‬‬

‫حينما تؤمن أن كل حركة وسكنة بيد هللا‪ ،‬حينما تؤمن أنه ال معطي إال هللا وال مانع إال هللا‪ ،‬وال رافع إال هللا‬
‫وال خافض إال هللا‪ ،‬وال معز إال هللا وال مذل إال هللا‪ ،‬حينما تؤمن أن كل األصنام التي في األرض‪ ،‬أن كل‬
‫الطغاة في األرض ال يستطيعون فعل شيء إال إذا سمح هللا‪ ،‬حينما تجعل عالقتك كلها باهلل‪ ،‬حينما تعقد‬
‫األمل على هللا‪ ،‬حينما تتوكل على هللا‪ ،‬حينما ال ترى يدًا تعمل في الكون إال هللا‪ ،‬حينما توحد يصح دعاؤك‪.‬‬

‫‪203‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫وإذا صح دعاؤك استجاب هللا لك فقويت‬
‫عقيدتك‪ ،‬قويت عقيدتك‪ ،‬إياك أن تدعو هللا‬
‫وأنت معتمد على زيد أو على عبيد‪ ،‬إياك أن‬
‫تدعو هللا وأنت ترى أن خالصك بيد زيد أو‬
‫عبيد‪ ،‬أو أن زيدًا أو عبيدًا إن شاء رفعك وإن‬
‫شاء خفضك‪ ،‬فتقول يا رب الدعاء ليس له‬
‫معنى إطالقًا‪.‬‬
‫أنا أغنى األغنياء عن الشرك‪ ،‬أنا أغنى‬
‫األغنياء عن الشرك‪ ،‬إن هللا عز وجل ال يقبل العمل المشترك وال يقبل على القلب المشترك‪.‬‬

‫التوحيد أساس الدعاء ‪:‬‬

‫ينبغي أن يرى هللا قلبك خاليًا إال من االعتقاد‬


‫به‪ ،‬أال يرى في قلبك شريكاً له عندئذ ال يقبل‬
‫عليك‪ ،‬أال يراك معتمدًا غيره‪ ،‬أال يراك تخاف‬
‫من غيره‪ ،‬التوحيد‪ ،‬التوحيد أساس الدعاء حينما‬
‫ترى أنه ال إله إال هللا وما شاء هللا كان وما لم‬
‫يشأ لم يكن وحينما ترى أن هللا في السماء إله‬
‫وفي األرض إله‪ ،‬حينما ترى أن هؤالء الطغاة‬
‫عصي بيد هللا يحركهم كما يريد‪ ،‬حينما تقتدي‬
‫بنبي كريم تحدى أقوياء أمته فقال‪:‬‬
‫نظرو ِن * ِإِني َتوَّكْلت عَلى ِ‬
‫َّللا َربِي َوَربِ ُكم َّما ِمن َد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آب ٍة ِإالَّ ُهو ِ‬
‫آخ ٌذ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫يعا ثُ َّم َال ُت ُ‬ ‫﴿ ِمن ُدوِنه َف ِك ُ‬
‫يدوِني َجم ً‬
‫ِبَنا ِصَيِت َها ِإ َّن َربِي َعَلى ِصَر ٍ‬
‫اط ُّم ْس َت ِق ٍ‬
‫يم ﴾‬
‫( سورة هود )‬

‫‪204‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫شروط الدعاء المقبول ‪:‬‬

‫حينما توحد يصح دعاؤك وإذا صح دعاؤك يستجاب لك‪.‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿ َوِإ َذا َسأََل َك عَبادي َعني َفِإني َق ِر ٌ‬
‫يب ﴾‬
‫( سورة البقرة اآلية‪) 186 :‬‬

‫أقرب إلينا من حبل الوريد‪ ،‬يحول بين المرء وقلبه‪:‬‬

‫اع ِإ َذا َد َع ِ‬ ‫يب أ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ان (‪﴾ )186‬‬ ‫يب َد ْع َوَة َّ‬
‫الد ِ‬ ‫ُج ُ‬ ‫﴿ َوِإ َذا َسأََل َك عَبادي َعني َفِإني َق ِر ٌ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫‪ 1‬ـ اإلخالص‪:‬‬

‫إذا دعان حقيقة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ اإليمان ‪:‬‬

‫إذا آمن بي حقيقة‪ ،‬إذا آمن بوحدانيتي حقيقة‪ ،‬إذا آمن بأني فعال لما أريد حقيقة‪ ،‬إذا آمن أن الخير والشر‬
‫بيدي ال بيد خلقي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ االستجابة هلل‪:‬‬

‫أنت حينما توحد تدعو‪ ،‬وإذا دعوت صادقًا يستجاب لك‪ ،‬وما أمرك أن تدعوه إال ليجيبك‪ ،‬وما أمرك أن‬
‫تستغفره إال يغفر لك‪ ،‬وما أمرك أن تتوب إليه إال ليتوب عليك‪:‬‬

‫‪205‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫ِ‬ ‫الشهو ِ‬
‫ات أ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (‪﴾)27‬‬
‫َن َتميُلوا َمْي ًال َعظ ً‬ ‫وب َعَلْي ُك ْم َوُي ِري ُد َّالذ َ‬
‫ين َي َّتِب ُعو َن َّ َ َ‬ ‫َن َي ُت َ‬ ‫َّللا ُي ِر ُ‬
‫يد أ ْ‬ ‫﴿ َو َّ ُ‬
‫( سورة النساء اآلية‪) 27 :‬‬

‫من دعا هللا فهو مؤمن بوجوده و قدرته ‪:‬‬

‫الدعاء سالح المؤمن بل إنني أفهم قوله تعالى حينما يقول‪:‬‬


‫ين ُه ْم َعَلى َص َال ِت ِه ْم َد ِائ ُمو َن(‪﴾ )23‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ َّالذ َ‬
‫( سورة المعارج)‬

‫كيف دائمون ؟ تأكل وتشرب وتمشي في‬


‫الطريق تؤسس عمالً تدرس‪ ،‬كيف دائمون ؟‬
‫بالدعاء‪ ،‬الدعاء صلة‪ (( ،‬الدعاء هو‬
‫العبادة))‪.‬‬

‫((الدعاء مخ العبادة ))‪.‬‬

‫[ أخرجه الترمذي عن أنس ]‬

‫﴿ ُق ْل َما َي ْعَبأُ ِب ُك ْم َربِي َل ْوَال ُد َع ُاؤُك ْم (‪﴾ )77‬‬


‫( سورة الفرقان)‬

‫ما معنى أنك تدعو هللا ؟ المعنى الحتمي أنت ال يمكن أن تخاطب جهة غير موجودة‪ ،‬يكون مجنوناً إذا دخل‬
‫إلى بيت ما فيه أحد‪ ،‬فالن ما قولك ؟ كيف صحتك ؟ ليس معقول‪ ،‬أنت ال تخاطب جهة غير موجودة‪ ،‬فإذا‬
‫دعوت هللا فأنت حتمًا موقن بوجوده‪ ،‬وأنت ال تخاطب جهة ال تسمعك فإذا دعوت هللا فأنت حتمًا موقن بأنه‬
‫يسمعك‪ ،‬وأنت ال تخاطب جه ًة ضعيفة ال تستطيع حل مشكلتك عليك مليونين دين ال تأتي على طفل في‬
‫الحضانة تقول له معك هذا المبلغ ؟ تكون مجنونًا‪ ،‬أنت ال تدعو إال جهة موجودة وتسمعك وقادرة على‬
‫تلبيتك‪ ،‬وأنت ال تدعو جه ًة قوية تسمعك وقادرة لكنها ال تحبك‪ ،‬ما في إنسان يطلب من عدوه قرض‪ ،‬إذاً أنت‬
‫حينما تدعو هللا مؤمن بوجوده‪ ،‬ومؤمن بسمعه‪ ،‬مؤمن بقدرته‪ ،‬مؤمن بأنه يحبك‪ ،‬الذي يدعو هللا معنى مؤمن‪،‬‬
‫الدعاء هو العبادة لذلك قال تعالى‪:‬‬

‫﴿ ُق ْل َما َي ْعَبأُ ِب ُك ْم َربِي َل ْوَال ُد َع ُاؤُك ْم (‪﴾ )77‬‬


‫( سورة الفرقان)‬

‫‪206‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫ما من شيء يقوي إيمان اإلنسان باهلل كالدعاء ‪:‬‬

‫فقد كذبتم‪ ،‬إذاً لمجرد أنك مؤمن وموحد تدعو‬


‫هللا عز وجل‪ ،‬اآلن صدقوا أيها األخوة‪ ،‬ما من‬
‫شيء يقوي إيمانك باهلل كالدعاء‪ ،‬تدعوه بينك‬
‫وبينه‪ ،‬األمور تسير بشكل آخر لمصلحتك‬

‫استجاب هللا دعاءك‪ ،‬هللا عز وجل أعطاك دليالً‬


‫واقعياً عملياً يقينياً قطعياً صارخاً حاداً أنه‬
‫سمعك واستجاب لك‪ ،‬ال يزداد إيمانك إال‬
‫بالدعاء‪ ،‬اجعل الدعاء ديدنك في هذه الحياة‬
‫اسأله كل حاجتك‪ ،‬قبل أن تخرج من البيت اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أُضل‪ ،‬أو أذل أو أُذل‪ ،‬أو أن‬
‫أجهل أو أن يجهل علي‪ ،‬قبل أن تقوم بعمل اللهم إني تبرأت من حول وقوتي‪ ،‬والتجأت إلى حولك وقوتك يا‬
‫ذا القوة المتين‪.‬‬
‫قبل أن تتزوج اللهم ارزقني زوجة صالحة‪ ،‬أنت حينما تجعل الدعاء ديدنك كل يوم كل ساعة في دخولك في‬
‫خروجك قبل أن تنام بعد أن تستيقظ‪ ،‬قبل أن تقبل على عمل إنك بهذا تعبر عن إيمانك باهلل وجربوا مع أن‬
‫هللا ال يجرب‪ ،‬جرب أن تتحرك بالدعاء‪ ،‬ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يخيب هللا ظنك‪ ،‬أنا عند حسن‬
‫ظن عبدي بي فليظن بي عبدي ما يشاء‪.‬‬

‫استجيب له ‪:‬‬
‫من آمن أن هللا على كل شيء قدير ُ‬

‫حدثني رجل سافر إلى الساحل عن طريق‬


‫الجبال أوقف مركبته في رأس جبل والوادي من‬
‫أعمق الوديان‪ ،‬وذهب ليأتي بالطعام ابنه حرك‬
‫السيارة فانحدرت في الوادي المتوقع معه خمسة‬
‫أوالد وزوجته أنهم سيموتون جميعاً فدعا هللا‬
‫دعاء من أعماق أعماق قلبه أن ينجي هللا أهله‬
‫ً‬
‫وأوالده استقرت في قعر الوادي وزوجته وأوالده‬
‫سالمون‪ ،‬هللا كبير‪.‬‬

‫‪207‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫حينما تؤمن أنه على كل شيء قدير‪ ،‬يجب أن تقبلوا مني أنا معي أدلة مرض خبيث بالدرجة الخامسة‪،‬‬
‫ممكن ينحسر نهائياً‪ ،‬أعرف رجالً قبل خمسة وعشرين سنة أجمع األطباء على أن هذا الورم ال دواء له‬
‫والمصير الموت المحقق في أقرب وقت‪ ،‬ال يملك إال الدعاء واآلن وهللا معافى‪ ،‬صديقي أعرفه جيدًا‪ ،‬هللا عز‬
‫وجل شفاه‪ ،‬الدعاء سالحك‪ ،‬إنسان أحياناً يكون له صلة مع قوي يمشي بالعرض‪ ،‬هللا قال لك اإلله العظيم أنا‬
‫معك‪ ،‬عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد‪ ،‬كن لي كما أريد وال تعلمني بما يصلحك‪ ،‬أنت تريد وأنا أريد‬
‫فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك وما تريد‪ ،‬وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد‪ ،‬ثم ال يكون إال ما أريد‪.‬‬

‫االستقامة أساس الدعاء ‪:‬‬

‫إله عظيم ينتظرك‪ ،‬ينتظر أن تدعوه‪ ،‬ما في عمل توافر عمل‪ ،‬ما في رزق يأتيك رزق‪ ،‬ما في امرأة صالحة‬
‫للزواج يختار هللا لك امرأة تسرك إن نظرت إليها‪ ،‬وتحفظك إذا غبت عنها‪ ،‬وتطيعك إن أمرتها‪.‬‬
‫علق أملك باهلل عز وجل‪:‬‬

‫طِي ٌب َال َي ْقَب ُل ِإَّال َ‬


‫طِيًبا‪)) ...‬‬ ‫َّللا َ‬ ‫ِ‬
‫(( إ َّن َّ َ‬
‫[ مسلم عن أبي هريرة]‬

‫ال تستطيع أن تدعوه إال إذا استقمت على أمره‪،‬‬


‫هنا العقبة‪:‬‬

‫يب أ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يب‬
‫ُج ُ‬ ‫﴿ َوِإ َذا َسأََل َك عَبادي َعني َفِإني َق ِر ٌ‬
‫يبوا ِلي َوْلُي ْؤ ِمُنوا‬‫ان َفْلَي ْس َت ِج ُ‬
‫الدا ِع ِإ َذا َد َع ِ‬
‫َد ْع َوَة َّ‬
‫ِبي َل َعَّل ُه ْم َيْر ُش ُدو َن (‪﴾ )186‬‬
‫( سورة البقرة )‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬ضعوا رحالكم في باب هللا‪،‬‬


‫ضعوا همومكم عند هللا‪ ،‬ضعوا طلباتكم عند‬
‫هللا‪ ،‬ضعوا كل همومكم عند هللا‪:‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ))‬
‫َّللا َه َّم ُدْنَي ُ‬ ‫وم َه ًّما َواحًدا َه َّم آخَرِته َك َف ُ‬
‫اه َّ ُ‬ ‫(( َم ْن َج َع َل اْل ُه ُم َ‬
‫[ ابن ماجه عن عبد هللا بن مسعود ]‬

‫(( اعمل لوجه واحد ِ‬


‫يكفك الوجوه كلها ))‬
‫[ أخرجه ابن عدي والديلمي عن أنس ]‬

‫والدعاء مخ العبادة وأحد أسباب زيادة الرزق االستغفار والدعاء‪.‬‬

‫‪208‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫هناك صنفان من الناس مستثنون من شروط الدعاء ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬لكن كاستثناء من شروط الدعاء‪:‬‬


‫يبوا ِلي َوْلُي ْؤ ِمُنوا ِبي َل َعَّل ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان َفْلَي ْس َت ِج ُ‬
‫اع ِإ َذا َد َع ِ‬ ‫يب َد ْع َوَة َّ‬
‫الد ِ‬ ‫يب أ ِ‬
‫ُج ُ‬ ‫﴿ َوِإ َذا َسأََل َك عَبادي َعني َفِإني َق ِر ٌ‬
‫َيْر ُش ُدو َن (‪﴾ )186‬‬
‫( سورة البقرة )‬

‫لكن العلماء استنبطوا من آيات كثيرة أن هناك صنفين من الناس مستثنون من شروط الدعاء‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المضطر‪:‬‬

‫من هما ؟ المضطر‪:‬‬

‫طَّر ِإ َذا َد َع ُ‬
‫اه (‪﴾ )62‬‬ ‫َم ْن ُي ِج ُ‬
‫يب اْل ُمض َ‬ ‫﴿ أ َّ‬
‫( سورة النمل)‬

‫المضطر ولو لم يملك شروط الدعاء المستجاب يستجيب هللا له ألنه رحيم‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ المظلوم‪:‬‬

‫المظلوم لو لم يملك شروط الدعاء المستجاب يستجيب هللا له بعدله‪ ،‬فالمضطر يدعو هللا كيفما كان وضعك‬
‫مستقيم غير مستقيم‪ ،‬محسن مسيء‪ ،‬اآلن ادعُ هللا ألنه ليس لك غيره‪.‬‬

‫طَّر ِإ َذا َد َع ُ‬
‫اه (‪﴾ )62‬‬ ‫َم ْن ُي ِج ُ‬
‫يب اْل ُمض َ‬ ‫﴿ أ َّ‬
‫( سورة النمل)‬

‫‪209‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫علينا أن نتقي دعوة المظلوم و لو كان كاف ًار ‪:‬‬

‫الثاني المظلوم دققوا اآلن‪ :‬اتقوا دعوة المظلوم‪ ،‬ولو كان كاف ًار‪ ،‬فإنها ليس بينها و بين هللا حجاب‪ ،‬إياك أن‬
‫يدعو عليك مظلوم ولو كان كاف ًار‪ ،‬ألنه عبد من عباده هللا عز وجل يقول‪:‬‬
‫َن َق ْو ٍم َعَلى أََّال َت ْع ِدُلوا (‪﴾ )8‬‬
‫﴿ َوَال َي ْج ِرَمَّن ُك ْم َشَنآ ُ‬
‫( سورة المائدة )‬

‫إياك أن يحملك عداؤك لكافر‪ ،‬لملحد على أن‬


‫تظلمه‪ ،‬إياك كافر ملحد‪ ،‬فإن هللا يسمع دعاءه‪،‬‬
‫الظلم ظلمات يوم القيامة‪ ،‬يروى أن أحد أكبر‬
‫المقربين لهارون الرشيد اسمه خالد البرمكي‪،‬‬
‫أقوى إنسان في هذه الدولة رأى نفسه فجأة في‬
‫السجن ف ازره أحدهم قال له ما حالك ؟ قال لعل‬
‫دعوة مظلوم أصابتني‪.‬‬

‫إياك ودعوة المظلوم مؤمن غير مؤمن‪ ،‬من دينك من غير دين‪ ،‬ما له عالقة له حق‪ ،‬الحق أحق أن يؤدى‪،‬‬
‫تغش هذا اإلنسان تبيعه بضاعة فاسدة هذا ما فيه دين‪ ،‬ال‪:‬‬

‫اع ِدُلوا ُه َو أَ ْقَر ُب ِل َّلت ْق َوى (‪﴾ )8‬‬ ‫ِ‬


‫َن َق ْو ٍم َعَلى أََّال َت ْعدُلوا ْ‬
‫﴿ َوَال َي ْج ِرَمَّن ُك ْم َشَنآ ُ‬
‫( سورة المائدة )‬

‫إن عدلتم معه قربتموه إليه وقربتموه إليكم‪.‬‬

‫بطولة المسلم أن يكون محسنًا ليدخل الناس في هذا الدين أفواجًا ‪:‬‬

‫يهودي ادعى أن هذا الدرع له وهو لسيدنا علي وقفا أمام القاضي‪ ،‬القاضي هو الذي عينه أمعك شهود يا‬
‫أمير المؤمنين ؟ قال معي أوالدي‪ ،‬قال غير مقبول أوالدك‪ ،‬من أوالده ؟ الحسن والحسين‪ ،‬ال يشهد ابن ألبيه‪،‬‬
‫ممنوع بالقضاء فحكم القاضي لهذا اليهودي بالدرع‪ ،‬فأسلم‪.‬‬
‫ليس معقول أمير مؤمنين والدرع له والشهود أوالده الوحيدون‪ ،‬فالقاضي نفذ الشرع وحكم له بالدرع‪:‬‬
‫اع ِدُلوا ُه َو أَ ْقَر ُب ِل َّلت ْق َوى (‪﴾ )8‬‬
‫﴿ ْ‬
‫( سورة المائدة )‬

‫‪210‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫هذا البعيد إذا أنصفته قد يسلم‪ ،‬قد يحبك‪ ،‬وهللا‬
‫حدثني أخ سائح يوناني بتركيا في أيام الصيف‬
‫ازدحام شديد ما في فنادق وال أربع نجوم وال‬
‫ثالثة وال اثنين وال نجمة طرق باب في مجال‬
‫تؤجرني غرفة عندك ؟ قال له تكرم البيت كله‬
‫لك‪ ،‬قال له عندي بيت ثاني‪ ،‬هيأ له عشاء‬
‫وطعام الفطور‪ ،‬أين البيت الثاني ؟ ما عنده‬
‫بيت ٍ‬
‫ثان نام هو وأهله تحت الشجرة‪ ،‬فلما رآه‬
‫صباحاً دخل في اإلسالم اآلن أكبر داعية‪ ،‬ما هذه األخالق األمور غير معقدة‪ ،‬كن مع الناس كامالً يحبك‬
‫الناس يحبوا دينك يحبوا إسالمك‪ ،‬يدخلون في دين هللا أفواجًا‪ ،‬وبالمقابل ِّ‬
‫صل واعمل كل سنة عمرة وكل مالك‬
‫حرام وغش الناس يخرجون من الدين أفواجاً‪ ،‬البطولة أن تكون كامالً‪ ،‬أن تكون محسناً‪ ،‬وهللا حدثوني عنه‬
‫اآلن أنه من أكبر الدعاة‪ ،‬هو غير مسلم معقول إنسان يضيفني ال يعرفني والساعة الثانية عشرة ما في مكان‬
‫ينام‪ ،‬هيأ له غرفة النوم وطعام العشاء واإلفطار حتى يرضى‪ ،‬قال له أنا عندي بيت ٍ‬
‫ثان‪ ،‬صباحاً وجده نائماً‬
‫هو وزوجته وأوالده تحت الشجرة‪ ،‬هي المنطقة ريفية وجميلة والدنيا صيف ما في مشكلة‪ ،‬لكن كيف أقنعه أن‬
‫ينام عنده وما أخذ منه شيء طبعاً‪ ،‬فكان سبب إسالمه‪.‬‬

‫من ابتعد عن االستقامة و العمل الصالح أساء إلى نفسه و إلى دينه ‪:‬‬

‫أسيرة وقعت في يد المسلمين عاملوها معاملة‬


‫هي حاقدة كثي ًار‪ ،‬ترى أن الدين تخلف‪ ،‬جهل‪،‬‬
‫إرهاب‪ ،‬دين قتل‪ ،‬عاملوها معاملة صعب‬
‫وصفها لكم‪ ،‬استفزتهم بكل أنواع االستفزاز تخلع‬
‫ثيابها أمامهم فيهربوا ال ينظرون إليها‪ ،‬تطلب‬
‫حاجات نادرة يؤمنوها لها‪ ،‬فلما أفرجوا عنها بعد‬
‫شهرين بحسب اتفاق معين عقدت مؤتم اًر‬
‫صحفياً وأول كلمة قالتها أشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وهي اآلن من كبيرات الدعاة في بريطانيا‪ ،‬بيدك إقناع الناس باإلسالم باإلحسان ليس بالكالم‪ ،‬بالعدل‪،‬‬
‫باإلنصاف‪.‬‬

‫‪211‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬نحن مقصرون كثي ًار هؤالء الذين أساؤوا للنبي عليه الصالة والسالم ألننا أسأنا له قبلهم‬
‫فأخذوا عنا فكرة غير صحيحة‪ ،‬فتوقعوا أن النبي مثل أتباعه‪ ،‬هذا ما قاله الرسام الدانمركي قال ظننته‬
‫كأتباعه‪ ،‬هكذا ظن نحن أسأنا إليه‪ ،‬نحن مقصرون‪ ،‬إياكم أن تتهموا جهة أخرى‪ ،‬من عالمات التوفيق أن‬
‫نتهم أنفسنا‪ ،‬نحن مقصرون‪ ،‬طبق هذا الدين‪ ،‬استقم كما أمر هللا يدخل الناس في دين هللا أفواجاً‪ ،‬وطبق‬
‫شعائره وابتعد عن االستقامة والعمل الصالح يخرج الناس منه أفواجًا‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪212‬‬ ‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح‬


‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫أيها األخوة األكارم‪ ،‬الزلنا في الموضوع المتسلسل األسباب التي وردت في القرآن والسنة من أجل زيادة‬
‫الرزق‪ ،‬واإلنسان حريص على حياته وحريص على رزقه وقد جعل هللا الحياة والرزق متغيرين‪ ،‬تتغير الحياة‬
‫بالمرض ويتغير الرزق بالزيادة والقلة‪.‬‬

‫تقنين هللا على عباده تقنين تأديب ال تقنين عجز ‪:‬‬

‫أوالً أيها األخوة ‪:‬‬


‫ال يليق بكمال هللا وقدرته وغناه أن يقنن على‬
‫العباد تقنين عجز هذا شأن البشر‪ ،‬تقل الموارد‬
‫فيقننون‪ ،‬تقل الموارد فيرفعون األسعار‪ ،‬تقل‬
‫الطاقة فيقطعون التيار الكهربائي‪ ،‬تقل المياه‬
‫فيقطعون المياه‪ ،‬هذا شأن البشر لكن شأن‬
‫خالق البشر أنه إذا قنن على عباده تقنينه‬
‫تقنين تأديب وتقنين تربية‪ ،‬ال تقنين عجز‬
‫والدليل أن هللا عز وجل يقول‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫اهم َّماء َغ َد ًقا لنفنتهم فيه ﴾‬ ‫اموا َعَلى الط ِريَقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫﴿ َوأَل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬
‫( سورة الجن )‬

‫ألكُلوْا ِمن َف ْوِق ِه ْم َو ِمن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِهم ﴾‬


‫يهم ِمن َّربِ ِه ْم َ‬
‫ُنز َل ِإَل ِ‬
‫يل َو َما أ ِ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِ ِ‬
‫اإل نج َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموْا َّ‬
‫( سورة المائدة اآلية‪) 66 :‬‬

‫السماء َواألَْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َهل اْلُقرى آمُنوْا و َّاتَقوْا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ‬ ‫﴿ َوَل ْو أ َّ‬
‫( سورة األعراف اآلية‪) 96 :‬‬

‫‪213‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫خزائن كل شيء بيد هللا سبحانه و تعالى ‪:‬‬

‫التقنين إذاً تقنين تأديب ال تقنين عجز والدليل‪:‬‬


‫ِ‬ ‫﴿ َوإِن ِمن َش ْي ٍء ِإالَّ ِع َ‬
‫ندَنا َخ َزائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُل ٍ‬
‫وم ﴾‬
‫( سورة الحجر )‬

‫دليل آخر‪:‬‬

‫الرْز َق ِل ِعَب ِاد ِه َلَب َغ ْوا ِفي ْاألَْر ِ‬


‫ض (‪﴾)27‬‬ ‫َّللا ِ‬
‫ط َّ ُ‬
‫﴿وَل ْو َب َس َ‬
‫َ‬
‫( سورة الشورى )‬

‫إذاً كل شيء عند هللا خزائنه‪ ،‬مرة كنت في العمرة وقعت تحت يدي مجلة علمية رصينة‪ ،‬طالعت فيها بحثاً‬
‫لفت نظري‪ ،‬هذا البحث أنه تم اكتشاف سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تمأل محيطات األرض كلها‬
‫ستين مرة في اليوم الواحد بالماء العذب‪:‬‬

‫ِ‬ ‫﴿ َوإِن ِمن َش ْي ٍء ِإالَّ ِع َ‬


‫ندَنا َخ َزائُن ُه َو َما ُنَن ِزُل ُه ِإالَّ ِبَق َد ٍر َّم ْعُل ٍ‬
‫وم ﴾‬
‫( سورة الحجر )‬

‫هللا عز وجل ثبت مليارات القوانين رحمة باإلنسان ‪:‬‬

‫والحقيقة الثانية أيها األخوة‪ ،‬أن هللا عز وجل رحمة بنا ثبت مليارات القوانين‪ ،‬أنت تركب اآلن مصعداً‪ ،‬هذا‬
‫الحبل الرفيع الذي يحمل هذه الغرفة بركابها ما الذي يجعلك تطمئن لركوب المصعد ؟ خصائص الحديد‬
‫الثابتة‪ ،‬الفوالذ المضفور أمتن عنصر في األرض‪ ،‬أحياناً في مصاعد عبر الجبال غرفة كبيرة يركبها سبعون‬
‫أو ثمانون إنساناً على حبل معلق‪ ،‬ما الذي يجعلك تطمئن ؟ أن القوانين ثابتة‪ ،‬الشروق ثابت‪ ،‬الغروب ثابت‪،‬‬
‫الحديد حديد‪ ،‬الفوالذ فوالذ‪ ،‬الذهب ذهب‪ ،‬الفضة فضة‪ ،‬البذور بذور‪ ،‬ثبات القوانين‪ ،‬ثبات الخصائص‪ ،‬ثبات‬
‫السنن‪ ،‬من نعم هللا العظمى صار في نظام‪ ،‬صار في استقرار‪ ،‬لكن اإلنسان إذا غفل عن هللا عز وجل هللا‬
‫عز وجل غير وحرك قضيتين كبيرتين‪ ،‬قضية الصحة وقضية الرزق‪ ،‬إذاً قد يحرم المرء بعض الرزق‬
‫بالمعصية‪.‬‬

‫‪214‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫أسباب وفرة الرزق ‪:‬‬

‫اآلن في هذه الخطبة الحديث عن العبادات‪ ،‬الصالة والصوم والحج والزكاة والصدقة‪ ،‬أي الصالة والصوم‬
‫والحج والزكاة أي الصدقة‪ ،‬نكتفي من هذه العبادات ال بتعريفاتها وال بخصائصها وال بأركانها وال بواجباتها‪،‬‬
‫نكتفي باألدلة المتعلقة بأن هذه العبادات إذا أديت كان الرزق واف ًار‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ الصالة‪:‬‬

‫(( كان النبي صلى هللا عليه وسلم إذا نزل‬


‫بأهله الصيف أمرهم بالصالة ثم ق أر ' { َوْأ ُمْر‬
‫طِبْر َعَلْي َها } ))‬
‫اص َ‬ ‫أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫ْ َ‬
‫[ رواه الطبراني في األوسط ورجاله ثقات عبد هللا بن سالم رضي هللا‬
‫عنه ]‬

‫وفي بعض األحاديث‪:‬‬

‫والنبي عليه الصالة والسالم كان إذا حزبه أمر‬


‫بادر إلى الصالة‪.‬‬

‫هذه نصيحة من سيد الخلق‪ ،‬ضاق الرزق‪ ،‬الموارد قليلة‪ ،‬األسعار ارتفعت‪ ،‬القلق عم‪ ،‬الحياة تكاد تتعطل‪،‬‬
‫ارتفاع السعر‪:‬‬

‫الص َال ِة‬


‫َهَل َك ِب َّ‬
‫(( كان النبي صلى هللا عليه وسلم إذا نزل بأهله الصيف أمرهم بالصالة ثم ق أر ' { َوْأ ُمْر أ ْ‬
‫طِبْر َعَلْي َها } ))‬
‫اص َ‬
‫َو ْ‬
‫[ رواه الطبراني في األوسط ورجاله ثقات عبد هللا بن سالم رضي هللا عنه ]‬

‫وكان عليه الصالة والسالم إذا أصابته خصاصة أي فقر نادى أهله يا أهاله صلوا صلوا‪.‬‬

‫هذه نصيحة ما في وظيفة الطرق مسدودة‪ ،‬األبواب مغلقة‪ ،‬قدمت ألعمال كثيرة كلها رفضت‪ ،‬بادر إلى‬
‫الصالة اسأل ربك رزقاً وفي ًار‪ ،‬تعامل معه مباشرة‪ ،‬اسأله‪.‬‬

‫‪215‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫‪ 2‬ـ الصيام‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬ننتقل إلى الصيام‪:‬‬

‫(( خطبنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في آخر يوم من شعبان‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس قد أظلكم شهر‬
‫عظيم‪ ،‬شهر مبارك‪ ،‬شهر فيه ليلة خير من ألف شهر‪ ،‬جعل هللا صيامه فريضة‪ ،‬وقيام ليله تطوعًا‪ ،‬من‬
‫تقرب فيه بخصلة من الخير‪ ،‬كان كمن أدى فريضة فيما سواه‪ ،‬ومن أدى فيه فريضة‪ ،‬كان كمن أدى‬
‫سبعين فريضة فيما سواه ـ دققوا اآلن ـ وهو شهر الصبر‪ ،‬والصبر ثوابه الجنة‪ ،‬وشهر المواساة (تواسي‬
‫إخوانك الفقراء)‪ ،‬وشهر يزداد فيه رزق المؤمن (أنت بالصيام أيضًا تستدر الرزق من هللا عز وجل)‪ ،‬من‬
‫فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه‪ ،‬وعتق رقبته من النار‪ ،‬وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره‬
‫شيء‪ .‬قالوا‪ :‬ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم‪ .‬فقال‪ :‬يعطي هللا هذا الثواب من فطر صائمًا على تمرة‪ ،‬أو‬
‫شربة ماء‪ ،‬أو مذقة لبن‪ ..،‬ومن أشبع فيه صائماً‪ ،‬سقاه هللا من حوضي شربة ال يظمأ حتى يدخل الجنة ‪.‬‬
‫وهو شهر أوله رحمة‪ ،‬وأوسطه مغفرة‪ ،‬وآخره عتق من النار‪ ،‬من خفف عن مملوكه غفر هللا له‪ ،‬وأعتقه‬
‫من النار‪ ،‬واستكثروا فيه من أربع خصال‪ :‬خصلتين ترضون بهما ربكم‪ ،‬وخصلتين ال غنى بكم عنهما‪ ،‬فأما‬
‫الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم‪ ،‬فشهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬وتستغفرونه‪ ،‬وأما اللتان ال غنى بكم‬
‫عنهما‪ ،‬فتسألون هللا الجنة‪ ،‬وتعوذون به من النار‪ ،‬ومن أشبع فيه صائماً‪ ،‬سقاه هللا من حوضي شربة ال‬
‫يظمأ حتى يدخل الجنة ))‬
‫[إسناده ضعيف ورد في صحيح ابن خزيمة في باب فضائل شهر رمضان عن سلمان الفارسي ]‬

‫صار الصالة والصيام أحد أسباب وفرة الرزق‪ ،‬لذلك‪:‬‬

‫(( إن هللا تعالى قال يا موسى إني افترضت الصيام على عبادي‪ ،‬يا موسى جعلت ثوابكم من صيامكم أن‬
‫أعتقكم من النار‪ ،‬وأن أحاسبكم حسابًا يسي ًار‪ ،‬وما عشتم في أيام الدنيا أن أوسع لكم الرزق وأخلف لكم من‬
‫النفقة وأقيلكم من العثرة ))‬
‫لكن طبعاً الصيام الذي أراده هللا‪ ،‬أما الصيام الحديث صيام السهر على المسلسالت‪ ،‬صيام االختالط والوالئم‬
‫والسهر حتى الفجر‪ ،‬ليس هذا الصيام الذي أراده هللا عز وجل الصيام كعبادة‪.‬‬

‫‪216‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫‪ 3‬ـ الحج‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬والحج‪:‬‬

‫الذُنوب وال َف ْقر‪ ،‬كما ينفي ِ‬


‫الك ُير َخَب َث الحديد والذهب والفضة‪،‬‬ ‫(( َتا ِبعوا بين الحج والعمرة‪ ،‬فإنهما يْن ِفيان ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حجة مبرورة ثواب إال الجنة ))‬ ‫يس ِل َّ‬‫وَل َ‬
‫[أخرجه الترمذي صحيح عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه]‬

‫و‪:‬‬

‫(( تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابعة ما بينهما تزيد في العمر والرزق وينفيان الفقر والذنوب كما ينفي‬
‫الكير خبث الحديد ))‬
‫[ رواه أحمد والطبراني في الكبير عن عامر بن ربيعة رضي هللا عنه]‬

‫وقوله صلى هللا عليه وسلم تنفيان الفقر أي تزيالنه وهو يحتمل أن يكون الفقر الظاهر‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ (( ،‬كثرة الحج والعمرة تمنع العيلة ))‬

‫[ عن أم سلمة]‬

‫خدمة الناس تعد من أرقى العبادات ‪:‬‬

‫لكن أنا أريد أن أبين بعض االنزالقات‪ ،‬أحياناً‬


‫إنسان عنده أوالد ال يزوجهم وعنده واجبات ال‬
‫يؤديها لكنه مغرم أن يحج كل عام‪ ،‬نقول له‪:‬‬
‫ال‪ ،‬الحج مرة في العمر وكل خمس سنوات مرة‬
‫ال يوجد مانع‪ ،‬أما أن تهمل أوالدك‪ ،‬أن تعيق‬
‫زواجهم‪ ،‬أن تقصر في واجباتك‪ ،‬يقول بعض‬
‫الفقهاء‪ :‬لإلمام الحق أن يمنع نافلة أدت إلى‬
‫ترك فريضة‪.‬‬
‫ابن المبارك حينما رأى طفلة صغيرة تأخذ طي اًر ميتاً من القمامة وتعود إلى البيت به تحقق من الموضوع‪ ،‬فإذا‬
‫أسرة تكاد تموت من الجوع‪ ،‬تأكل من القمامة ما كان ميتاً‪ ،‬أعطى هذه األسرة كل ما يملك وعاد ولم يحج‪،‬‬
‫هكذا فهم العبادة‪.‬‬

‫‪217‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫(( ألن أمشي مع أخ في حاج ٍة خير لي من أن أعتكف في مسجدي هذا ))‬
‫[ الطبراني عن ابن عمر ]‬

‫ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة اإلسالم‪ ،‬حينما تفهم الدين على أن خدمة الناس تساوي‬
‫أرقى العبادات والقصة معروفة ذكرتها كثي اًر‪ ،‬كان ابن عباس رضي هللا عنهما معتكفاً في مسجد رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فرأى في المسجد رجالً تبدو عليه الكآبة‪ ،‬فسأله مالك ؟ فقال‪ :‬ديون لزمتني ما أطيق‬
‫سدادها‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬لمن ؟ فقال لفالن‪ ،‬فقال ابن عباس أتحب أن أكلمه لك ؟ فقال الرجل إذا شئت‪،‬‬
‫فقام ابن عباس ليخرج من معتكفه‪ ،‬فقال أحد المعتكفين‪ :‬يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ فقال ابن عباس‪:‬‬
‫ال و هللا ما نسيت ولكني سمعت صاحب هذا القبر يعني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والعهد به قريب‪،‬‬
‫ودمعت عيناه سمعته يقول‪:‬‬

‫(( وهللا ألن أمشي مع أخ في حاجته‪ ،‬خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا ))‬
‫[ الطبراني عن ابن عمر ]‬

‫العبادات من أسباب زيادة الرزق إذا أُديت بما يرضي هللا عز وجل ‪:‬‬

‫حينما تفهم الدين فهمًا آخر‪ ،‬حينما تفهم أن ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد اإلسالم‪ ،‬أنا أقول‬
‫إن الصالة التي أرادها هللا‪ ،‬أي صالة تزيد الرزق ؟ حينما قال النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(( أ ََت ْدرو َن من اْلمْفِلس ؟ َقاُلوا‪ :‬اْلمْفِلس ِفيَنا يا رسول َّ ِ‬
‫ال‪ :‬اْل ُمْفل ُ‬
‫اع‪َ ،‬ق َ‬‫َّللا َم ْن َال َل ُه دْرَه َم َوَال ديَن َار َوَال َم َت َ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ام َوَزَكاةٍ‪َ ،‬وَيأِْتي َق ْد َش َت َم ِعْر َ‬ ‫ِ‬ ‫ُمِتي يوم اْل ِقي ِ‬
‫ال َه َذا‪،‬‬
‫َك َل َم َ‬
‫ف َه َذا‪َ ،‬وأ َ‬‫ض َه َذا‪َ ،‬وَق َذ َ‬ ‫امة َم ْن َيأْتي ِب َص َال ٍة َو ِصَي ٍ‬
‫م ْن أ َّ َ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬

‫ص َه َذا ِم ْن َح َسَن ِات ِه‪َ ،‬و َه َذا ِم ْن َح َسَن ِات ِه‪َ ،‬فِإ ْن َفِنَي ْت َح َسَن ُات ُه َقْب َل أَ ْن ُي ْق َضى َما َعَلْي ِه‬
‫َو َضَر َب َه َذا‪َ ،‬فُي ْق َع ُد َفَي ْق َت ُّ‬
‫اه ْم َفطُ ِر َح َعَلْي ِه‪ ،‬ثُ َّم طُ ِر َح ِفي َّ‬
‫الن ِار ))‬ ‫ط َاي ُ‬ ‫ُخ َذ ِم ْن َخ َ‬
‫أِ‬
‫[ مسلم عن أبي هريرة ]‬

‫الصالة التي معها استقامة‪ ،‬معها وقوف عند الحالل والحرام‪ ،‬معها التزام كامل‪ ،‬الصالة حينما تكون تاجاً‬
‫يكون االلتزام أخالقياً‪.‬‬

‫أي صيام ؟‬

‫(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))‬


‫[ متفق عليه عن أبي هريرة ]‬

‫لكن هللا عز وجل ال يرضى منا أن نصوم وأن نكذب‪ ،‬أن نصوم وأن نغتاب‪:‬‬

‫‪218‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس هلل حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))‬
‫[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]‬

‫(( كم من صائم ليس له من صيامه إال الجوع والعطش ))‬


‫[أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]‬

‫أي حج ؟ الحج الحالل بمال حالل‪:‬‬

‫(( من حج بمال حرام‪ ،‬ووضع رجله في الركاب‪ ،‬وقال‪ :‬لبيك اللهم لبيك ينادى أن ال لبيك وال سعديك وحجك‬
‫مردود عليك ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫‪ 4‬ـ الزكاة‪:‬‬

‫هذا الصيام والصالة والحج والزكاة‪:‬‬

‫نتم َقوما َف ِ ِ‬ ‫ط ْو ًعا أ َْو َكْرًها َّلن ُي َتَقَّبل ِم ُ ِ‬ ‫﴿أِ‬


‫ين {‪﴾ }53‬‬
‫اسق َ‬ ‫نك ْم إَّن ُك ْم ُك ُ ْ ْ ً‬ ‫َ‬ ‫َنفُقوْا َ‬
‫( سورة التوبة اآلية‪) 53 :‬‬

‫من أدى الصالة و الصيام و الحج و الزكاة بما يرضي هللا وسع له في رزقه ‪:‬‬

‫اعذروني أنا أذكر هذه االستثناءات ألن الصالة التي يرضى هللا عنها والتي يقبلها‪:‬‬
‫(( ليس كل مصل يصلي‪ ،‬إنما أتقبل صالة ممن تواضع لعظمتي‪ ،‬وكف شهواته عن محارمي‪ ،‬ولم يصر‬
‫على معصيتي‪ ،‬وأطعم الجائع‪ ،‬وكسا العريان‪ ،‬ورحم المصاب‪ ،‬وآوى الغريب كل ذلك لي))‬
‫[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]‬

‫هذه الصالة التي أرادها هللا عز وجل‪ ،‬الصالة كما ينبغي تزيد في الرزق‪:‬‬

‫طِبْر َعَلْي َها َال َن ْسأَُل َك ِرْزقًا َن ْح ُن َنْرُزُق َك (‪﴾ )132‬‬


‫اص َ‬ ‫﴿ وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬
‫( سورة طه )‬

‫أي صيام ؟‬

‫(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))‬


‫[ متفق عليه عن أبي هريرة]‬

‫(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))‬


‫[ متفق عليه عن أبي هريرة ]‬

‫‪219‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫ُم ُه ))‬ ‫(( من ح َّج َِّ ِ‬
‫َّلل َفَل ْم َيْرُف ْث َوَل ْم َي ْف ُس ْق َر َج َع َكَي ْو ِم َوَل َد ْتهُ أ ُّ‬ ‫َْ َ‬
‫َّللاُ َع ْنهُ]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬عن أم سلمة رضي هللا عنها قالت‪ :‬قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( كثرة الحج والعمرة تمنع العيلة ))‪ ،‬والعيلة هي الفقر و‪:‬‬

‫((‪...‬صوموا تصحوا وسافروا تستغنوا ))‬


‫[رواه الطبراني عن أبي هريرة]‬

‫وال أزال أذكر هذا الحديث بشكل كثيف إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه‪.‬‬

‫محل تجاري في غض بصر عن النساء مرزوق‪ ،‬محل تجاري في إطالق بصر‪ ،‬في حديث غزل مع النساء‪،‬‬
‫هذا المحل ال يرزق‪ ،‬أي صناعة شرعية صاحبها مرزوق وإال هللا عز وجل كما أنه قادر إذا أعطى أدهش‬
‫قادر إذا أخذ أدهش‪.‬‬

‫ما خالطت الصدقة ماالً إال أفسدته ‪:‬‬

‫اآلن الصدقة‪ ،‬أيها األخوة‪:‬‬


‫(( ما خالطت الصدقة ‪ -‬أو قال‪ :‬الزكاة ‪ -‬ما ًال إال أفسدته ))‬
‫[رواه البزار عن عائشة ]‬

‫يوجد مال لم تدفع زكاته‪ ،‬اآلن في مئة وسيلة‬


‫حريق‪ ،‬مصادرة‪ ،‬ضريبة فوق طاقة اإلنسان‪،‬‬
‫يوجد أناس كلفوا بالضرائب تكليفًا سببت لهم‬
‫هذه التكاليف أزمة قلبية وماتوا فيها‪ ،‬هللا عز‬
‫وجل عنده أدوية ال تعد وال تحصى‪ ،‬الذي‬
‫يبخل هناك إتالف للمال بطريقة أو بأخرى‪.‬‬

‫(( ما خالطت الصدقة ‪ -‬أو قال‪ :‬الزكاة ‪-‬‬


‫ماالً إال أفسدته ))‬
‫[رواه البزار عن عائشة ]‬

‫الدار مرهونة بحجر مغتصب فيها‪ ،‬حجر مغتصب بالدار رهن بخرابه‪ ،‬ومال فيه زكاة ال تؤدى هذا المال قد‬
‫يتلف‪.‬‬

‫‪220‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫(( حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وأعدوا للبالء الدعاء ))‬
‫[رواه الطبراني عن عبد هللا بن مسعود]‬

‫وقوله حصنوا أموالكم بالزكاة أي بإخراجها فإنه كما قال عليه الصالة والسالم دققوا‪ :‬ما تلف مال في بر أو‬
‫بحر إال بحبس الزكاة‪ ،‬وعندي وهللا مئات القصص‪.‬‬

‫الصدقة تطوع والزكاة فريضة ‪:‬‬

‫اآلن ننتقل إلى موضوع الصدقة‪ ،‬تحدثت عن الزكاة‪ ،‬والزكاة في القرآن جاءت باسم صدقة‪:‬‬
‫َم َو ِال ِه ْم (‪﴾ )103‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ ُخ ْذ م ْن أ ْ‬
‫( سورة التوبة)‬

‫أي تؤكد صدقهم‪ ،‬وجاءت باسم الزكاة‪ ،‬أما الصدقة لها معنى آخر والدليل‪:‬‬

‫الرَق ِ‬
‫اب (‪﴾ )177‬‬ ‫ين َوِفي ِ‬ ‫يل و َّ ِ ِ‬
‫السائل َ‬ ‫السِب ِ َ‬
‫ين َو ْاب َن َّ‬ ‫ِ‬
‫امى َواْل َم َساك َ‬ ‫ِ ِ ِي‬
‫ال َعَلى ُحبه َذو اْلُقْرَبى َواْلَي َت َ‬
‫﴿ َوآ ََتى اْل َم َ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫وبعد ذلك‪:‬‬

‫َتى َّ‬
‫الزَكا َة (‪﴾ )177‬‬ ‫الص َال َة َوآ َ‬ ‫﴿وَأ َق َ‬
‫ام َّ‬ ‫َ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫إيتاء الزكاة شيء ودفع الصدقة شيء آخر‪ ،‬الصدقة تطوع‪ ،‬والزكاة فريضة‪.‬‬

‫الصدقة قرض هلل عز وجل سيضاعفه لك أضعافاً كثيرة ‪:‬‬

‫هللا عز وجل يقول في موضوع الصدقة‪:‬‬


‫ط َوِإَلْي ِه ُتْر َج ُعو َن ﴾‬ ‫َّللا َي ْقِب ُ‬
‫ض َوَيْب ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫َض َعا ًفا َكث َيرًة َو َّ ُ‬
‫ض َّللا َقر ًضا حسًنا َفي َض ِ‬
‫اع َف ُه َلهُ أ ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ‬
‫﴿ َّمن َذا َّالذي ُي ْق ِر ُ َ ْ‬
‫( سورة البقرة اآلية‪) 245 :‬‬

‫ال وأنت قد دفعت زكاة مالك هذا من الصدقة‪ ،‬هو قرض هلل عز وجل‪ ،‬وهللا عز وجل‬
‫أي عمل صالح كلفك ما ً‬
‫سوف يرد لك هذا القرض أضعافاً مضاعفة‪ ،‬هذا أقوى دليل‪ ،‬وفي حديث آخر يقول عليه الصالة والسالم في‬
‫بعض خطبه‪:‬‬

‫َن ُت ْش َغُلوا َو ِصُلوا َّال ِذي َبْيَن ُك ْم‬ ‫ال َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الناس ُتوبوا ِإَلى َّ ِ‬
‫الص ِال َحة َقْب َل أ ْ‬ ‫َعم ِ‬
‫وتوا َوَبادُروا ب ْاأل ْ َ‬
‫َن َت ُم ُ‬‫َّللا َقْب َل أ ْ‬ ‫(( َيا أَُّي َها َّ ُ ُ‬
‫الس ِر َواْل َع َال ِنَي ِة ُتْرَزُقوا َوُتْن َصُروا َوُت ْجَبُروا ))‬
‫الص َد َق ِة ِفي ِ‬‫َوَبْي َن َربِ ُك ْم ِب َك ْثَرِة ِذ ْك ِرُك ْم َل ُه َوَك ْثَرِة َّ‬
‫[ابن ماجه عن جابر بن عبد هللا ]‬

‫‪221‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫المنفق يخلف هللا عليه أضعافًا مضاعفة والممسك يتلف هللا ماله ‪:‬‬

‫اآلن الصدقة أحد أسباب زيادة الرزق كما قال بعض الشعراء‪ :‬وداوها بالتي كانت هي الداء‪.‬‬
‫أنت فقير ادفع صدقة على نية أن ترزق‪ ،‬واآلية الكريمة‪:‬‬
‫﴿ َو َما أَْن َف ْق ُت ْم ِم ْن َشي ٍء َف ُه َو ُي ْخِل ُفهُ (‪﴾ )39‬‬
‫ْ‬
‫( سورة سبأ)‬

‫أما الشيطان‪:‬‬

‫ِ‬ ‫َّللا ي ِع ُد ُكم م ْغ ِفرًة ِمْن ُه وَف ْض ًال و َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِ‬


‫يم(‪﴾ )268‬‬
‫َّللا َواس ٌع َعل ٌ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ان َيع ُد ُك ْم اْل َف ْقَر َوَي ْأ ُمُرُك ْم ِباْل َف ْح َشاء َو َّ ُ َ ْ َ َ‬ ‫﴿ َّ‬
‫الشْي َ ُ‬
‫( سورة البقرة)‬

‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال لقيس بن سلع األنصاري رضي هللا عنه أنفق ينفق هللا عليك ثالث مرات‪.‬‬

‫َع ِط مْن ِفًقا َخَل ًفا َوَيُقول ْاآل َخُر َّ‬ ‫َّ‬ ‫(( ما ِمن يوم يصِبح اْل ِعباد ِف ِ‬
‫يه ِإَّال َمَل َك ِ‬
‫الل ُه َّم‬ ‫ُ‬ ‫َح ُد ُه َما الل ُه َّم أ ْ ُ‬ ‫ان َيْن َِزال ِن َفَيُق ُ‬
‫ول أ َ‬ ‫َ ْ َْ ٍ ُ ْ ُ َ ُ‬
‫َع ِط ُم ْم ِس ًكا َتَل ًفا ))‬
‫أْ‬
‫َّللاُ َع ْن ُه]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫المنفق يخلف هللا عليه أضعافًا مضاعفة والممسك يتلف ماله‪:‬‬

‫َع ِط‬ ‫آخَر َيُقول َّ‬


‫الل ُه َّم أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫اْلَي ْوَم ُي ْج َزى َغًدا َو َمَل ًكا ِبَب ٍ‬
‫اب َ‬ ‫ض‬ ‫ول َم ْن ُي ْق ِر ْ‬ ‫اب َّ ِ‬
‫الس َماء َيُق ُ‬
‫اب ِم ْن أَْب َو ِ‬
‫(( ِإ َّن َمَل ًكا ِبَب ٍ‬
‫ِل ُم ْم ِس ٍك َتَل ًفا ))‬ ‫ُمْن ِفًقا َخَل ًفا َو َع ِج ْل‬
‫َّللاُ َع ْنهُ]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في حديث صحيح يخاطب أبا بكر الصديق يقول له‪:‬‬

‫ظِل َم َعْبٌد َم ْظَل َم ًة‬ ‫َص َد َق ٍة َوَال‬ ‫ال َعْب ٍد ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫(( َث َال َث ٌة أُ ْق ِسم عَلي ِه َّن وأ ِ‬
‫ُ‬ ‫ص َم ُ‬ ‫ال‪َ :‬ما َنَق َ‬
‫وه َق َ‬
‫ظ ُ‬ ‫اح َف ُ‬
‫ُحدثُ ُك ْم َحدي ًثا َف ْ‬
‫ُ َْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬ ‫َفصبر عَليها ِإَّال َزَاده َّ ِ‬
‫َف ْق ٍر ))‬ ‫اب‬
‫َعَلْيه َب َ‬ ‫اب َم ْسأََل ٍة إال َف َت َح َّ ُ‬
‫َّللا‬ ‫َّللا عًّاز َوَال َف َت َح َعْبٌد َب َ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ََ َ ْ َ‬
‫يح عن أبي كبشة األنماري]‬ ‫يث حسن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫صح ٌ‬ ‫[حد ٌ َ َ ٌ َ‬‫َ‬

‫من تصدق مبتغيًا وجه هللا عز وجل زاده هللا كثرة ‪:‬‬

‫عندما يأخذ ق ار ًار يمد يده و يسأل الناس وليس مضط ًار ضرورة قصوى‪ ،‬إذا جعل من السؤال طريقًا للرزق فتح‬
‫هللا عليه باب فقر‪.‬‬
‫وما فتح رجل على نفسه باب صدقة يبتغي بها وجه هللا إال زاده هللا كثرة‪.‬‬

‫‪222‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫وفي الحديث القدسي عبدي‪:‬‬
‫(( أَْن ِف ْق أُْن ِف ْق َعَلْي َك ))‬
‫َّللاُ َع ْن ُه]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫وفي حديث آخر‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َعَّز َو َج َّل‪ :‬أَْنف ْق أُْنف ْق َعَلْي َك‪َ ،‬وَق َ‬
‫ال‬ ‫ال َّ ُ‬
‫(( َق َ‬
‫يض َها (أي ال تنقصها) َن َفَق ٌة‬ ‫يد َّ ِ‬
‫َّللا َم ْألَى َال َت ِغ ُ‬ ‫َُ‬
‫سحَّاء (أي مستمرة) َّ‬
‫اللْي َل َو َّ‬
‫الن َه َار ))‬ ‫َ ُ‬
‫َّللاُ َع ْنهُ]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم يخاطب أسماء بنت أبي بكر‪:‬‬

‫وكى َعَلْي ِك ))‬


‫(( َال ُتوِكي َفُي َ‬
‫َّللاُ َع ْن َها ]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه عن أَسماء ر ِّ‬
‫َْ ْ َ َ َ َ‬
‫وكى َعَل ْي ِّك قلل يقلل عليك‪.‬‬ ‫يعني المال بكيس أحياناً يربط الكيس‪ ،‬يا أسماء َال تُ ِّ‬
‫وكي َفيُ َ‬

‫من أنفق ماله بال حساب أعطاه هللا بال حساب ‪:‬‬

‫قصة رمزية لعلي ذكرتها في بيت بأحد أحياء دمشق في ليمونة تحمل أكثر من خمسمئة حبة‪ ،‬لكن بهذا‬
‫البيت امرأة صالحة جداً ما طرق أحد باب هذا البيت وطلب حبة إال لبت رغبته منذ أربعين سنة‪ ،‬توفيت هذه‬
‫المرأة الصالحة وجاءت زوجة ابنها أول سائل طردته بعد هذا يبست هذه الليمونة‪ ،‬شيء عجيب أعرف منطقة‬
‫فيها سبع عشرة مزرعة كان الرعيان يدخلون أغنامهم إلى هذه المزارع‪ ،‬الكل أغلق األبواب وطرد الرعاة إال‬
‫مزرعة واحدة بنت لهم ساقية لشرب الغنم‪ ،‬يقسم لي أحد أقربائي باهلل أن سبع عشرة مزرعة جفت آبارها إال‬
‫هذه المزرعة التي كان صاحبها يسقي منها األغنام‪.‬‬
‫وكى َعَلْي ِك ))‪ ،‬ال تبخل‪ ،‬إذا أعطى أدهش‪ ،‬وفي رواية يا أسماء أنفقي وال تحصي فيحصي هللا‬
‫(( َال ُتوِكي َفُي َ‬
‫عليك‪ ،‬أنفق بال حساب وعندئذ يعطيك هللا بال حساب‪ ،‬هذا رأي شخصي ألحد العارفين باهلل قال‪ :‬الذي يأذن‬
‫لزوجته بالتصدق بما جرت به العادة هذا مرزوق طبعاً‪ ،‬ليس من حق الزوجة أن تتصدق بمال زوجها إال‬
‫بإذنه‪ ،‬لكن في أزواج عندهم كرم إال إذا في سائل أعطيه‪ ،‬طبعاً بالمعقول‪ ،‬أحيانًا سائل يسأل رغيف خبز‪،‬‬
‫حاجة طعام‪ ،‬فالزوجة التي يأذن زوجها لها أن تتصدق من ماله بحسب اجتهادها هذا زوج صالح ولعل هللا‬
‫عز وجل يرزقه رزقاً وفي ًار‪.‬‬

‫‪223‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫مشكالت اإلنسان من صنعه و بإمكانه أن يزيلها بتأدية العبادات كما أرادها هللا تعالى ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬ذكرت في هذه الخطبة الصالة التي أرادها هللا‪ ،‬والصيام الذي أراده هللا‪ ،‬والحج الذي أراده‬
‫هللا‪ ،‬والزكاة التي أرادها هللا‪ ،‬العبادات الشعائرية أحد أسباب الرزق‪ ،‬بل أحد أسباب زيادات الرزق‪ ،‬واألمر بين‬
‫أيديكم واإلنسان مخير‪ ،‬ودائماً مشكلة اإلنسان منه وبيده أن يزيلها‪.‬‬
‫في األعم األغلب مشكلتك منك وبيدك أن تزيلها بطاعة هللا والصلح معه‪ ،‬وأصعب مشكلة يواجهها العالم‬
‫اليوم مشكلة وهللا مفتعلة صدقوا كيف مفتعلة ؟ أنت أحيانًا في نظام اقتصادي متى ترتفع األسعار عشرة‬
‫أضعاف ؟ في عندنا احتمالين اقتصاديين أن يزداد المستهلكون عشرة أمثال‪ ،‬أو أن يقل اإلنتاج إلى العشر‬
‫فقط‪ ،‬أما بال سبب األرض هي هي‪ ،‬واألرزاق هي هي‪ ،‬والثروات الزراعية هي هي‪ ،‬واألمطار هي‪ ،‬والبشر‬
‫هم هم‪ ،‬فجأة في أي مكان في العالم اآلن خمسة أضعاف عشرة أضعاف‪ ،‬ما الذي حصل ؟ في أدمغة‬
‫مخططة إليقاع الفقر في البشر حتى يبقوا هم المسيطرون‪ ،‬دائماً في إحصاء أن عشرة بالمئة من سكان‬
‫األرض تملك تسعين بالمئة اآلن من ثروات األرض‪.‬‬
‫(( تمتلئ األرض ظلمًا وعدوانًا))‬
‫[ ابن ماجه عن عبد هللا بلفظ قريب منه ]‬

‫من استثمر ماله بطريقة غير شرعية دمره هللا دما اًر كامالً ‪:‬‬

‫أوضح مثل أضعه بين أيديكم طبعاً هذا المثل صدر فيه قرار من مجمع الفقه اإلسالمي سوق البورصة ‪.‬‬
‫الحديث اآلن ليس عن شرعيته موضوع طويل‬
‫لكن ما الذي يحصل ؟ هناك حيتان في هذه‬
‫األسواق يطرحون أسهمهم فجأة األسعار تهبط‪،‬‬
‫أما صغار المستثمرين الذي معه مليون‪،‬‬
‫خمسمئة ألف‪ ،‬ال يملك سواهم‪ ،‬يرى األسعار‬
‫بدأت تهبط يخاف يعرض أسهمه للبيع‪ ،‬يزداد‬
‫السعر هبوطاً إلى أن يصل السعر إلى النهاية‬
‫الصغرى‪ ،‬هؤالء الحيتان يشترون كل هذه‬
‫األسهم بهذه الطريقة‪ ،‬يأخذون من صغار المستثمرين كل أموالهم‪ ،‬يعني خمسة آالف مليون تنتقل من صغار‬
‫المستثمرين إلى الحيتان‪ ،‬وبعدئذ يرفعون األسعار‪ ،‬هذه اللعبة تتم كل عدة أشهر في بعض البالد اإلسالمية‬

‫‪224‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫دخل للمستشفيات سبعة وثالثين ألف إنسان‪ ،‬بسبب البورصة في ستين مليار خسر الناس‪ ،‬يوجد دراسة عندي‬
‫أن كل أموال النفط استردها الغربيون بسوق البورصة‪ ،‬يعطوك ثمن النفط هذه السذاجة بعقول المسلمين‪ ،‬أنت‬
‫تحت رحمتهم يرفعوا السعر تفرح‪ ،‬ثم ينزل السعر تخاف تبيع‪ ،‬هذه لعبة تتم كل شهرين ثالثة مرة‪ ،‬الذهب‬
‫يطلع‪ ،‬مرة ينزل‪ ،‬وصل برميل النفط بعمل مفتعل إلى دون تكلفته أذكر تماماً تكلفة استخراج البرميل ثمانية‬
‫ونصف دوالر‪ ،‬وصل إلى ستة ونصف‪ ،‬اليوم مئة وعشرين‪ ،‬النفط قل ؟ ما قل‪ ،‬االستهالك زاد ؟ ال ما زاد‪،‬‬
‫لكن في حيتان تلعب بهذه المقاييس ونحن تابعون لهم هذه مشكلة‪ ،‬أكثر الناس وضعوا مالهم في البورصة‪،‬‬
‫مسكين قلبه واقف‪ ،‬يتابع األسعار‪ ،‬اعمل عمالً شريفًا يؤكد جهدك وذكاءك ال أن تبقى تحت رحمتهم‪ ،‬تحت‬
‫رحمة االتصاالت الهاتفية كم السعر اليوم ؟‬
‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬المال قوام الحياة‪ ،‬وهللا عندي قصص ال تعد وال تحصى عن دمار إنسان دما اًر كامالً‪،‬‬
‫ألنه حينما استثمر ماله بطريقة غير مشروعة لم يستشر ولم يسأل‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫تآمر البورصة على صغار المستثمرين ‪:‬‬

‫الم ْوطن‬
‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬التعليق على أسواق البورصة ليس حكمًا شرعيًا في قسم حالل‪ ،‬لكن اآلن ليس َ‬
‫موطن شرح تفاصيل األحكام الشرعية أما الذي يحصل هكذا‪ ،‬هناك قرار من مجمع الفقه اإلسالمي يصف‬
‫هذه الحالة التآمرية على صغار المستثمرين ودائماً الحيتان يزدادون غنى‪ ،‬و متوسطو الدخل بهذه األنظمة‬
‫ً‬
‫الغربية على حياتنا يزدادون فق ًار‪.‬‬
‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬الرزق بيد هللا وأنت حينما تطيع هللا عز وجل في كسب الرزق فالقوانين ثابتة‪ ،‬أما إذا صار‬
‫في توجه إلى مخالفة الشرع في كسب الرزق‪ ،‬في مطبات كثيرة جدًا‪ ،‬مطبات كبيرة وساحقة‪ ،‬مرة شركة‬
‫استثمارية لبعض البالد العربية المبالغ التي خسرتها العقل ال يصدقه ودمرت كل المودعين فيها‪ ،‬إذا كانت‬
‫شركة غير منهجية‪ ،‬قوامها غير صحيح‪ ،‬غير شرعي‪ ،‬فاحذر أن تكون أحد الضحايا‪ ،‬والضحايا كثر‪.‬‬

‫‪225‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪226‬‬ ‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات‬


‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫األسباب التي وردت بها آيات قرآنية أو نصوص نبوية صحيحة في زيادة الرزق ‪:‬‬

‫أيها األخوة األكارم‪ ،‬الزلنا في الموضوع المتسلسل األسباب التي ورد بها نص قرآني أو نبوي صحيح في‬
‫زيادة الرزق‪ ،‬وألن اإلنسان أي إنسان حريص على حياته وعلى رزقه‪ ،‬وهناك مؤشرات على مستوى العالم كله‬
‫أن هناك محاولة إلفقار الشعوب لصالح الحيتان الكبيرة في العالم الغربي‪ ،‬واإلنسان حينما يجوع يضعف‪ ،‬وقد‬
‫قال اإلمام علي رضي هللا عنه‪ :‬كاد الفقر أن يكون كف ًار‪.‬‬
‫لذلك الزلنا في هذا الموضوع حول األسباب التي وردت بها آيات قرآنية أو نصوص نبوية صحيحة في زيادة‬
‫الرزق‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ قراءة القرآن الكريم‪:‬‬

‫من هذه األسباب قراءة القرآن الكريم‪ ،‬وقد يعجب السامع ما عالقة قراءة القرآن الكريم بزيادة الرزق ؟‬
‫يقول النبي صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬

‫(( إن البيت الذي يق أر فيه القرآن يكثر خيره))‬


‫[رواه البزار عن أنس بن مالك رضي هللا عنه]‬

‫ويوسع على أهله وتحضره المالئكة وتهجره‬


‫الشياطين‪ .‬هل هناك أوضح من ذلك ؟‬

‫(( والبيت الذي ال يق أر فيه القرآن يقل خيره ))‬


‫[رواه البزار عن أنس بن مالك رضي هللا عنه]‬

‫يضيق على أهله ويقل خيره وتهجره المالئكة‬


‫وتحضره الشياطين‪.‬‬

‫إنك إذا قرأت القرآن الكريم اقتربت من هللا‪ ،‬وإذا اقتربت منه اقتربت من طاعته وإذا أطعته كافأك بسعة الرزق‪:‬‬

‫(( إن القرآن غنى ال فقر بعده وال غنى دونه ))‬


‫ً‬
‫[رواه أبو يعلى وفيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف عن أنس بن مالك رضي هللا عنه ]‬

‫‪227‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫وروى اإلمام الغزالي قصة أن رج ً‬
‫ال الزم باب عمر رضي هللا عنه‪ ،‬ضاق به ذرعًا قال يا هذا هاجرت إلى‬
‫عمر أم إلى هللا ؟ هذه المشكلة تقع في كل وقت‪ ،‬إنسان ينسى هللا يرى الشيخ كل يوم كل يوم‪ ،‬استقمت ما‬
‫صار معي شيء‪ ،‬أديت الصلوات الخمس وقيام الليل ما ارتزقت‪ ،‬ال يرى هللا يرى الشيخ‪ ،‬هذا خطأ كبير‪ ،‬قال‬
‫هاجرت إلى عمر أم إلى هللا ؟ تعلم القرآن فإنه يغنيك عن بابي‪ ،‬فغاب حتى فقده عمر فوجده يتعبد فقال‬
‫قرأت القرآن فأغناني عن عمر‪ ،‬فقال وما وجدت فيه ؟ قال وفي السماء رزقكم وما توعدون‪ ،‬فبكى عمر‬
‫رضي هللا عنه‪.‬‬

‫أول نقطة في هذه الخطبة أن قراءة القرآن توسع الرزق‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ الصالة على النبي عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫البند الثاني الصالة على النبي عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬أحد أصحاب رسول هللا ُسمرة‬


‫رضي هللا عنه قال كنا عند النبي عليه الصالة‬
‫والسالم إذ جاءه رجل فقال يا رسول هللا ما‬
‫أقرب األعمال إلى هللا عز وجل ؟ قال‪ :‬صدق‬
‫الحديث وأداء األمانة‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول هللا زدنا‪،‬‬
‫قال صالة الليل وصوم الهواجر‪ ،‬قلت‪ :‬يا‬
‫رسول هللا زدنا قال‪ :‬كثرة الذكر والصالة علي‬
‫تنفي الفقر‪ ،‬قلت يا رسول هللا زدنا قال من أم‬
‫قوم فليخفف فإن فيهم الكبير والعليل والضعيف وذا الحاجة‪.‬‬

‫وفي حديث آخر‪:‬‬

‫(( من ق أر القرآن وحمد الرب وصلى على النبي عليه الصالة والسالم فقد طلب الخير من مكامنه ))‬
‫[ورد في األثر]‬

‫أنت حينما تصلي على النبي‪ ،‬تذكر كماله‪ ،‬تذكر ورعه‪ ،‬تذكر استقامته‪ ،‬تذكر حبه هلل‪ ،‬فإذا اقتديت به وسع‬
‫هللا عليك في الرزق‪.‬‬

‫‪228‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫حديث آخر‪:‬‬

‫لك من‬
‫أجعل َ‬
‫ُ‬ ‫عليك‪ ،‬فكم‬
‫َ‬ ‫رسول هللا‪ ،‬إني أ ُِك ُثر الصالة‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬يا‬
‫(( عن أُبي بن كعب رضي هللا عنه‪ُ :‬‬
‫النصف ؟ قال‪ :‬ما‬
‫َ‬ ‫قلت‪:‬‬
‫زدت فهو خير لك‪ُ ،‬‬ ‫شئت‪ ،‬وإن َ‬ ‫الربع ؟ قال‪ :‬ما َ‬
‫َ‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫شئت‪ُ ،‬‬
‫صالتي؟ قال‪ :‬ما َ‬
‫قلت‪ :‬أَ ْج َع ُل لك صالتي‬
‫زدت فهو خير لك‪ُ ،‬‬ ‫شئت وإن َ‬ ‫زد َت فهو خير لك‪ ،‬قلت‪ :‬الثلثين ؟ قال‪ :‬ما َ‬ ‫شئت‪ ،‬وإن ِ‬
‫َ‬
‫نب َك ))‬ ‫ُكَّلها ؟ قال‪ :‬إذن ُتك َفى َه َّمك‪ُ ،‬‬
‫وي ْغ َفُر لك َذ ُ‬
‫[أخرجه الترمذي عن أُبي بن كعب رضي هللا عنه إسناد حسن]‬

‫هذا كالم المعصوم‪ ،‬هذا كالم سيد األنبياء والمرسلين‪ ،‬هذا كالم الذي ال ينطق عن الهوى‪.‬‬

‫من أيقن بالموت رضي بما هو فيه ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬يوجد مفهوم سلبي كي ترضى بالرزق قال ذكر الموت‪ ،‬مر النبي عليه الصالة والسالم بمجلس‬
‫من مجالس األنصار رآهم يمزحون ويضحكون‪ ،‬طبعًا مزاحاً بريئًا ومشروعًا لكنه أراد أن يعظهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(( أكثروا ذكر هاذم اللذات ‪ -‬يعني الموت ‪ -‬فإنه ما كان في كثير إال قلله‪ ،‬وال قليل إال جزأه ))‬
‫[رواه الطبراني عن عبد هللا بن عمر]‬

‫أنت حينما تفكر أن نهاية الحياة الموت‪ ،‬وأنه‬


‫ينتقل المرء من القصر إلى القبر فإذا كان في‬
‫بحبوحة كبيرة رآها زائلة‪ ،‬وإن كان في قلة رآها‬
‫مؤقتة‪.‬‬
‫لذلك ورد في بعض خطب النبي عليه الصالة‬
‫والسالم‪ :‬أن هذه الدنيا دار التواء ال دار‬
‫استواء‪ ،‬ومنزل ترح ال منزل فرح‪ ،‬فمن عرفها‬
‫لشقاء‪.‬‬ ‫يحزن‬ ‫ولم‬ ‫لرخاء‪،‬‬ ‫يفرح‬ ‫لم‬
‫ال يدخل ذكر الموت بيتاً إال رضي أهله بما قسم لهم‪.‬‬

‫يعني بالنهاية‪،‬‬

‫(( من أصبح منكم آمنا في سربه‪))،‬‬


‫يعني ما في عليه مذكرة بحث غير مالحق‪ ،‬غير مطلوب للعدالة‪.‬‬

‫‪229‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫(( من أصبح منكم آمنا في سربه‪ ،‬معافى في جسده‪ ،‬عنده قوت يومه‪ ،‬فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ))‬
‫[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد هللا بن محصن ]‬

‫هذا البند في الخطبة طابعه سلبي‪ ،‬إنك إن أيقنت أنك سوف تموت ترضى بما أنت فيه‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ عدم النوم بعد صالة الفجر‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬أحد أسباب زيادة الرزق عدم النوم بعد صالة الفجر فقد قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( الصبحة تمنع الرزق ))‬


‫[رواه أحمد وفيه إسحاق بن أبي فروة وهو ضعيف عن عثمان رضي هللا عنه]‬

‫وفي رواية تمنع بعض الرزق‪ ،‬والحديث المألوف والمشهور‪:‬‬

‫(( بورك ألمتي في بكورها ))‬


‫[رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ]‬

‫أثقل شيء عند الغرب العمل ‪:‬‬


‫أرخص شيء عند المسلمين الوقت و ُ‬
‫ُ‬

‫الذي يؤلم أشد األلم أن الغربيين في أوربا وفي أمريكا وأستراليا تبدأ الحركة الكثيفة بدءاً من الساعة الخامسة‬
‫مساء ما وجدت إنساناً في الطريق‪ ،‬وال‬
‫ً‬ ‫صباحاً‪ ،‬كنت قبل أسبوع في مدينة في فرنسا وهللا الساعة التاسعة‬
‫إنسان في مدينة كبيرة ينامون باك ًار لترتاح أجسامهم وينهضون باك اًر إلى أعمالهم ليركزوا في أعمالهم‪ ،‬نحن‬
‫أحق بهذا منهم‪ ،‬نحن للساعة الواحدة‪ ،‬اثنتين‪ ،‬ثالثة‪ ،‬ال يوجد شيء يبدأ قبل الساعة الثانية عشرة ثاني يوم ال‬
‫في المكاتب وال في المحالت التجارية‪ ،‬كل شيء إلى اآلن لم ِّ‬
‫يأت المعلم‪ ،‬الساعة الثانية عشر ما في حركة‪.‬‬

‫‪230‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫هؤالء الذين يعمل الواحد منهم ثماني ساعات‬
‫في بالد نامية ال يعمل اإلنسان أكثر من سبع‬
‫وعشرين دقيقة وفي بلد آخر سبع عشرة دقيقة‬
‫وفي بلد آخر أقل من دقيقة‪ ،‬ال تصدق أن‬
‫تستطيع أمة يعمل أفرادها بالدقائق أن تنتصر‬
‫على أمة يعمل أفرادها ثماني ساعات يومياً‪،‬‬
‫فلذلك أحد أسباب زيادة الرزق عدم النوم بعد‬
‫صالة الفجر‪ ،‬أنا ال أمنع هذا إطالقاً ال يوجد‬
‫حكم شرعي‪ ،‬إذا إنسان صلى الفجر في جماعة واستلقى ساعة أو ساعتين‪ ،‬المقصود أن تباكر إلى الرزق‪.‬‬

‫تجل و رحمة ‪:‬‬


‫بين صالة الفجر وطلوع الشمس وقت بركة و ٍ‬

‫أحد علماء دمشق ألف أكبر موسوعة فقهية عشرين جزءًا في الفقه تقريبًا وأكبر موسوعة في تفسير القرآن‬
‫أقسم لي باهلل أن هذين الكتابين الكبيرين ألفهما ما بين الساعة الرابعة صباحاً والساعة الثامنة‪.‬‬

‫وأنا أقول لكم وهللا الذي أنجزه أحياناً بعد صالة‬


‫الفجر إلى الساعة الثامنة يزيد عن أربعة‬
‫أضعاف ما أنجزه أثناء اليوم‪ .‬بورك ألمتي في‬
‫بكورها‪.‬‬
‫عود نفسك أن تنام باك ًار‪ ،‬تنام باك ًار تستيقظ‬
‫على صالة الفجر وكأنك حصان‪ ،‬هذا وقت‬
‫البركة‪ ،‬وقت التجلي‪ ،‬وقت الرحمة‪.‬‬

‫(( َوَل ْو َي ْعَل ُمو َن َما ِفي اْل َع َت َم ِة َو ُّ‬


‫الصْب ِح َأل ََت ْو ُه َما َوَل ْو َحْب ًوا ))‬
‫[ متفق عليه َع ْن أَِّبي ُه َرْي َرَة]‬

‫(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة هللا حتى يمسي‪ ،‬ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة‬
‫هللا حتى يصبح ))‬
‫[ أحمد]‬

‫‪231‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫السيدة فاطمة مر بها النبي عليه الصالة والسالم وهي مضجعة فقال يا بنيتي قومي اشهدي رزق ربك وال‬
‫تكوني من الغافلين‪ ،‬فإن هللا يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪.‬‬

‫مرة ينبغي أن ألتقي مع إنسان قال الساعة السادسة صباحاً في مكتبه لفت نظري الساعة السادسة صباحاً !‬
‫هذا وقت لم يألف الناس أن يلتقوا به‪ ،‬قال‪ :‬أنا كنت صغي ًار وكان أبي يوقظني لصالة قيام الليل كل يوم‪،‬‬
‫فألفت هذه العادة أنا قبل الفجر بساعة أستيقظ وأبقى إلى المساء وأنام باك ًار‪.‬‬

‫لو أخذ إنسان ق ار اًر بالسهر‪ ،‬قيل وقال وكالم فارغ وغيبة ونميمة حتى الساعة الواحدة في معظم األيام تفوته‬
‫صالة الفجر‪ ،‬وإذا إنسان فاتته صالة الفجر كم بال الشيطان في أذنه وفي حديث يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫إذا صليتم الفجر فال تناموا عن طلب أرزاقكم فإن هذه األمة قد بورك لها في بكورها‪.‬‬

‫والدعاء النبوي اللهم بارك ألمتي في بكورها‪ ،‬وكان عليه الصالة والسالم إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم أول‬
‫النهار‪.‬‬
‫ال تناموا على طلب أرزاقكم فيما بين صالة الفجر وطلوع الشمس‪ ،‬باكروا طلب الرزق والحوائج فإن الغدو‬
‫بركة ونجاح‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ التوسعة على األهل‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬بند آخر من أسباب زيادة الرزق التوسعة على األهل‪ ،‬التوسعة على العيال أحد أسباب زيادة‬
‫الرزق‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‪ :‬إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش ينزل هللا للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم‪.‬‬

‫‪232‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫من يوسع على من حوله يوسع هللا عليه‪ ،‬الذي يتولى ما تحتاجه أخواته الفقيرات يوسع هللا عليه‪ ،‬الذي يتولى‬
‫جيرانه يوسع هللا عليه‪ ،‬الذي يتولى الفقراء والمساكين يوسع هللا عليه‪ ،‬بقدر ما تنفق يأتيك الرزق‪ ،‬تضيق‬
‫يضيق عليك‪ ،‬توسع يوسع عليك‪.‬‬

‫هللا عز وجل يرزق عباده على قدر نفقاتهم ‪:‬‬

‫ينزل هللا للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر هللا له‪ ،‬ومن قلل قلل هللا له والحديث القدسي‪:‬‬
‫َّللا عَّز وج َّل‪ :‬أَ ْن ِفق أُْن ِفق عَليك‪ ،‬وَقال يد َّ ِ‬
‫َّللا َم ْألَى َال َت ِغ ُ‬
‫يض َها (أي ال تنقصها) َن َفَق ٌة َسح ُ‬
‫َّاء (أي‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ال َّ ُ َ َ َ‬ ‫(( َق َ‬
‫مستمرة) َّ‬
‫اللْي َل َو َّ‬
‫الن َه َار ))‬
‫َّللاُ َع ْنهُ]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫حديث آخر‪:‬‬

‫وبلغ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عن الزبير‬


‫إمساك فجذب عمامته إليه فقال‪:‬‬

‫(( يا بن العوام أنا رسول هللا إليك وإلى‬


‫الخاص والعام‪ ،‬يقول هللا عز وجل ‪ :‬أنفق‬
‫أُنفق عليك وال ترد فيشتد عليك الطلب‪ ،‬إن‬
‫في هذه السماء بابًا مفتوحًا ينزل فيه رزق‬
‫كل امرئ بقدر نفقته أو صدقته ونيته‪ ،‬فمن‬
‫قلل قلل له ومن كثر كثر له))‬
‫[كنز العمال في سنن األقوال واألفعال عن ابن عباس]‬

‫وفي حديث آخر عن عمران بن حصين قال‪:‬‬

‫(( أخذ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بطرف عمامتي فقال‪ :‬يا عمران إن هللا تبارك وتعالى يحب اإلنفاق‬
‫ويبغض اإلقتار‪ ،‬فأنفق وأطعم‪ ،‬وال تصر ص اًر فيعسر عليك الطلب ))‬
‫(( السخاء شجرة من أشجار الجنة أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن قاده ذلك الغصن إلى‬
‫الجنة‪ ،‬والبخل شجرة من شجر النار أغصانها متدليات في الدنيا فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن‬
‫إلى النار))‬
‫[رواه الدار قطني في األفراد‪ ،‬والبيهقي عن علي‪ ،‬وابن عدي عن أبى هريرة ]‬

‫‪233‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫(( أَْن ِف ْق أُْن ِف ْق َعَلْي َك ))‬
‫َّللاُ َع ْنهُ]‬
‫ضي َّ‬‫[ متفق عليه عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫َُ ْ ََ َ َ‬
‫تخش من ذي العرش إقالال ))‬
‫(( أنفق بالل‪ ،‬وال َ‬
‫[ رواه الطبراني عن ابن مسعود ]‬

‫‪ 5‬ـ حسن الخلق‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬عندنا بند آخر حسن الخلق أحد أسباب زيادة الرزق‪:‬‬

‫(( حسن الخلق وكف األذى يزيدان في الرزق ))‬


‫[عن أنس ]‬

‫الحليم مرزوق‪ ،‬العفو مرزوق‪ ،‬الكريم مرزوق‪ ،‬المنصف مرزوق‪،‬‬

‫عن عبادة بن الصامت أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يقول‪:‬‬

‫(( إذا أراد هللا بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف‪ ،‬وإذا أراد هللا بقوم اقتطاعا فتح لهم أو فتح عليهم‬
‫باب خيانة ))‬
‫[ ورواه أحمد وغيره عن عبادة بن الصامت]‬

‫‪ 6‬ـ األمانة‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬األمانة تجر الرزق‪ ،‬دققوا هذا قانون‪ :‬األمين موثوق يتمنى الناس أن يشاركونه‪ ،‬يعطيه‬
‫الناس أموالهم ليتجر فيها‪ ،‬أكبر ثروة تملكها على اإلطالق أن تكون أمينًا‪ ،‬أمانتك سبب وفرة الرزق في حديث‬
‫آخر‪:‬‬

‫‪234‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫(( األمانة غنى ))‬
‫[الجامع الصغير عن أنس]‬

‫بالمعنى المادي‪ ،‬بحقل األعمال التجارية‬


‫الموظف األمين مطلوب‪ ،‬وراتبه مرتفع ومركزه‬
‫قوي وينمو باستمرار‪،‬‬

‫(( األمانة غنى ))‬


‫الوفاء والصدق يجران الرزق‪ ،‬إذا شخص يعمل‬
‫بشركة‪ ،‬وفي لصاحب الشركة‪ ،‬لم يضع وقت‬
‫الدوام إطالقًا‪ ،‬الوفاء والصدق يجران الصدق و‬

‫(( األمانة غنى ))‬


‫ومن يحرم الرفق يحرم الخير‪.‬‬

‫(( َم ْن ُي ْحَرْم ِ‬
‫الرْف َق ُي ْحَرْم اْل َخْيَر كله ))‬
‫[مسلم عن جرير بن عبد هللا]‬

‫وهذا الكالم موجه للشباب‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ النكاح‪:‬‬

‫بند سابع من بنود هذه الخطبة أن النكاح أحد‬


‫أسباب زيادة الرزق‪ ،‬وقد ال يفهم اإلنسان هذا‬
‫المعنى‪ ،‬هو بضائقة‪ ،‬داوها بالتي كانت هي‬
‫الداء‪ ،‬هو بضائقة أنت حينما تطلب العفاف هللا‬
‫عز وجل يفتح لك أبواب الرزق‪ ،‬يأتيك رزقك‬
‫ورزق حليلتك‪ ،‬األدلة‪:‬‬

‫يقول عليه الصالة والسالم فيما رواه ابن‬


‫عباس‪:‬‬

‫(( التمسوا الرزق بالنكاح ))‬

‫‪235‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫أنت حينما تفكر أن تتزوج امرأة صالحة تسترها وتجبر خاطرها‪ ،‬أنت اآلن مرزوق‪.‬‬

‫(( تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال ))‬


‫[صحيح على شرط الشيخين عن عائشة ]‬

‫ال أتى النبي صلى هللا عليه وسلم فشكا إليه الحاجة والفقر فقال‬
‫يعني تأتي ومعها رزقها‪ ،‬واآلية الكريمة أن رج ً‬
‫عليك بالباءة‪ .‬شكا إليه الفقر ما معه قال عليك بالزواج‪.‬‬

‫وعن عمر رضي هللا عنه قال عجبت لرجل ال يطلب الغنى بالباءة (بالزواج)‪ ،‬وهللا تعالى يقول‪( :‬افهموها‬
‫ضِّل ِّه (بعد الزواج)‪.‬‬ ‫فهماً خاصاً هذه اآلية) ِّإن ي ُكونوا ُفَقراء (قبل الزواج) ي ْغِّن ِّهم َّ ِّ‬
‫َّللاُ م ْن َف ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ َ ُ ََ‬

‫حق المسلم على هللا أن يرزقه إذا طلب العفاف‪:‬‬

‫في الجامع الصغير عدة أحاديث تبدأ بكلمة‬


‫حق‪ ،‬حق الوالد على ولده‪ ،‬حق الولد على‬
‫أبيه‪ ،‬حق الزوجة على زوجها‪ ،‬حق الزوج على‬
‫زوجته‪ ،‬حق المسلم على المسلم‪ ،‬حق أحاديث‬
‫كثيرة لكن في حديث واحد إذا قرأه الشاب ينبغي‬
‫أن يقشعر جلده‪ ،‬حق المسلم على هللا أن يرزقه‬
‫إذا طلب العفاف‪.‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫(( ثالثة حق على هللا عونهم المجاهد في سبيل هللا والناكح يريد أن يستعفف والمكاتب يريد األداء ))‬
‫[ صحيح عن أبي هريرة]‬

‫و عن أبي بكر رضي هللا عنه عن النبي أنه قال‪:‬‬

‫(( أطيعوا هللا فيما أمركم به من النكاح ))‬


‫أنت حينما تتزوج تطيع هللا‪ ،‬الدليل‪:‬‬

‫امى ِمْن ُك ْم(‪﴾ )32‬‬ ‫ِ‬


‫﴿ َوأَْنك ُحوا ْاألََي َ‬
‫( سورة النور)‬

‫‪236‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫من وثق باهلل عز وجل رزقه هللا من حيث ال يعلم ‪:‬‬

‫أمر إلهي تزوجوا أيها الشباب‪ ،‬أطيعوا هللا فيما أمركم به من النكاح ينجز ما وعدكم به من الغنى‪.‬‬
‫َّللا ِم ْن َف ْضِل ِه (‪﴾ )32‬‬ ‫﴿ ِإن ي ُكوُنوا ُفَقر ِ‬
‫اء ُي ْغن ِه ْم َّ ُ‬
‫ََ‬ ‫ْ َ‬
‫( سورة النور)‬

‫عن جابر رضي هللا عنه قال جاء رجل إلى‬


‫النبي صلى هللا عليه وسلم يشكو إليه الفاقة‬
‫فأمره أن يتزوج‪.‬‬

‫صار عندنا مجموعة من األحاديث‪.‬‬

‫(( ثالث من فعلهن ثقة باهلل واحتساباً كان‬


‫حقًا على هللا أن يعينه وأن يبارك له‪ ،‬من‬
‫سعى في فكاك رقبة ثقة باهلل واحتسابًا كان‬
‫حقاً على هللا أن يعينه وأن يبارك له‪ ،‬ومن تزوج (يقول لك ما عندي بيت ما عندي عمل‪ ،‬كيف أقدم على‬
‫الزواج ؟ نقول لك أقدم على هللا ) ثقة باهلل‪))....‬‬
‫[رواه الطبراني عن جابر بن عبد هللا]‬

‫كل هذه األحاديث وتلك اآلية ينبغي أن تكفيك أن تثق باهلل‪:‬‬

‫((‪.....‬من تزوج ثقة باهلل واحتسابًا كان حقًا على هللا أن يعينه وأن يبارك له‪ ،‬ومن أحيا أرضًا ميت ًة ثق ًة‬
‫باهلل واحتساباً كان حقاً على هللا أن يعنيه وأن يبارك له‪))...‬‬
‫[رواه الطبراني عن جابر بن عبد هللا]‬

‫عليك بذات الدين تربت يداك ‪:‬‬

‫أما من يتزوج ؟ حديثان‪:‬‬


‫إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها‪ ،‬بدأ بدينها والجمال مطلوب‪ ،‬كان ذلك سداداً من عوز‪.‬‬
‫أما الحديث الذي يقصم الظهر‪:‬‬

‫‪237‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫(( من تزوج امرأة لعزها لم يزده هللا إال ذ ًال‪ ،‬ومن تزوجها لمالها فقط ما همه أمر دينها لم يزده هللا إال فق ًار‪،‬‬
‫ومن تزوجها لحسنها لم يزده هللا إال دناءة‪ ،‬ومن تزوجها لم يتزوجها إال ليغض بصره أو يحصن فرجه أو‬
‫ليصل رحمه بارك هللا له فيها وبارك لها فيه))‬
‫[رواه الطبراني عن أنس بن مالك]‬

‫عليك بذات الدين تربت يداك‪.‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬هذه بنود سبعة في زيادة‬


‫الرزق‪ ،‬وأرجو أن يكون هناك خطبتان حول‬
‫هذا الموضوع المتسلسل‪ ،‬فإذا جمعنا هذه‬
‫الموضوعات كلها أعتقد أكثر من اثني عشر‬
‫موضوعاً نكون قد عرفنا كيف يزداد الرزق‪،‬‬
‫وهذه وعود إلهية وزوال الكون أهون على هللا‬
‫من أال يحقق وعوده للمؤمنين ‪.‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫الفرق بين عبادة الهوية و عبادة الظرف ‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬في موضوع العبادة كنت‬


‫أذكر كثي ًار أن هناك عبادة الهوية‪ ،‬الغني له‬
‫عبادة‪ ،‬والعالم له عبادة‪ ،‬والقوي له عبادة‪،‬‬
‫والمرأة لها عبادة‪ ،‬هذه عبادة الهوية‪ ،‬وهناك‬
‫عبادة الظرف‪ ،‬عندك مريض العبادة األولى‬
‫العناية بالمريض‪ ،‬عندك ضيف العناية األولى‬
‫إكرام الضيف ‪.‬‬

‫‪238‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫عندك ابن عنده امتحان أتمنى على األسر الواعية أن تلغي أكثر برامجها في هذا الشهر‪ ،‬زيارات طويلة‪،‬‬
‫وسهرات مديدة‪ ،‬واحتفاالت والئم‪ ،‬أوقفوا هذه النشاطات‪ ،‬وهيؤوا أجواء ألوالدكم‪ ،‬كونوا ساهرين على دراستهم‬
‫وعلى توفير األجواء لهم‪ ،‬أخفضوا كل صوت يزعجهم‪ ،‬هذه حضارة األمة بشبابها‪ ،‬األمة بعلمائها‪ ،‬امتحان‬
‫الشهادة الثانوية‪ ،‬امتحان الشهادة اإلعدادية‪ ،‬امتحانات الجامعة‪ ،‬هذا الطالب مستقبله بنجاحه‪ ،‬عالمة واحدة‬
‫يمكن أن يكون في دمشق مع أهله واإلنفاق صفر صار بحلب يحتاج إلى نفقات مواصالت واستئجار بيت‬
‫عالمة واحدة‪ ،‬أنا أرى من باب عبادة الظرف‪ ،‬هذا الشهر لو تجمد الوالئم والسهرات واللقاءات والنزهات ويهيأ‬
‫ألوالدنا وشبابنا األجواء الدراسية‪.‬‬

‫على كل شخص أن يهيئ ألوالده جوًا دراسيًا ألن أوالدنا أمل األمة ‪:‬‬

‫الذي يخشى هللا أو يحب هللا أو عنده سلوك‬


‫حضاري ليغلق كل أجهزة المذياع والتلفزيون‪،‬‬
‫صوت ال يصل إلى أي مكان آخر‪ ،‬أما هذا‬
‫الذي يترنم بأي أغنية يحبها أين هو ؟ هذا‬
‫الذي يتغنى بغير القرآن ال يستمع فقط يريد أن‬
‫يسمع‪ ،‬أحياناً هناك احتفاالت تبقى للساعة‬
‫الرابعة صباحًا‪ ،‬يأتون بفرق موسيقية ومغنيان‬
‫لخمسمئة متر ال أحد ينام‪ ،‬هذا سلوك غير‬
‫حضاري‪ ،‬غير إسالمي‪ ،‬غير أخالقي‪ ،‬هناك مريض‪ ،‬هناك متألم‪ ،‬هناك طالب يدرس‪ ،‬أنا أتمنى في هذا‬
‫ال جذريًا‪ ،‬أن نهيئ لطالبنا‪ ،‬قد يقول شخص منكم أنا ما عندي أوالد‬
‫الشهر القادم أن تعدل برامج األسر تعدي ً‬
‫عندهم امتحان ؛ والجيران هذا الجار أليس له حق عليك ؟ عنده ولدان بالكفاءة وواحد بالبكالوريا أليس له حق‬
‫ال وأنت مرتاح هذا ال‬
‫عليك ؟ ما عندك شيء ال يصير‪ ،‬صوت مرتفع ومذياع وتمثيليات للساعة الثانية لي ً‬
‫يجوز يا أخوان‪.‬‬
‫أتمنى أن تهيؤوا ألوالدكم في هذا الشهر جو دراسي‪ ،‬أحياناً هناك مشكالت تحدث في البيت لو تؤجل إلى بعد‬
‫االمتحان‪.‬‬

‫‪239‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫ابنك ملك األمة واألمة بحاجة إليه ‪:‬‬

‫إذا نشب خالف حاد بين الزوج وزوجته في أيام االمتحان صدقوا قد ينال االبن عالمات أدنى بكثير ألنه‬
‫مشوش مضطرب‪ ،‬هذه أمه وهذا أبوه‪ ،‬فإذا في خالفات عائلية‪ ،‬لقاءات حميمة‪ ،‬في سهرات‪ ،‬في ندوات‪ ،‬في‬
‫مشاريع‪ ،‬في والئم كله جمده ابنك أولى‪ ،‬ابنك ملك األمة واألمة بحاجة إليه‪ ،‬بحاجة إلى ابن متفوق كما أن‬
‫األمة بحاجة إلى من يموت في سبيلها‪.‬‬
‫أقسم لكم باهلل هي في أمس الحاجة إلى من‬
‫يعيش في سبيلها‪ ،‬المعركة حضارية‪ ،‬معركة‬

‫نكون أو ال نكون‪ ،‬لما االبن تهيئ له جواً‬


‫دراسياً جيداً يأخذ عالمات عالية‪ ،‬يدخل فرعاً‬
‫محترماً‪ ،‬فرعًا يدر عليه رزقاً وفي ًار وينفع أمته‬
‫به‪ ،‬تكون أنت بهذا الشهر ضبطت أمورك‬
‫وجمدت نشاطاتك‪ ،‬أوقفت حفالتك مراعاة البنك‬
‫وهو أثمن شيء في حياتك‪ ،‬وهو يتألم أشد األلم‬

‫حينما أرى تفلتاً في فتح المذياع أو فتح األغاني وفتح التمثيليات إلى ساعة متأخرة من الليل‪ ،‬أو أن احتفاالً‬
‫ال‪ ،‬فرق النشيد لمئتي متر يصل صوتها‪ ،‬في بيوت‪ ،‬طبعاً في العالم‬
‫أو عرسًا أو كتابًا للساعة الواحدة لي ً‬
‫اآلخر الغربي تحس ما في إنسان في البيت تكون الساعة الثامنة صباحاً الطرقات ممتلئة بال صوت‪ ،‬إطالق‬
‫بوق السيارة في مؤاخذة كبيرة جدًا‪ ،‬جو الصخب جو همجي‪ ،‬جو الهدوء جو حضاري‪ ،‬جو إسالمي‪ ،‬الهدوء‬
‫والسكينة‪ ،‬أتمنى عليكم من أعماقي‪ ،‬تقول لي ما عندي ولد في المدرسة‪ ،‬غيرك عندهم‪ ،‬جارك عنده خمسة‬
‫أوالد في عندهم فحص‪ ،‬فهذا الشهر شهر دراسة وأنت من عبادة ربك حينما توفر ألوالدك أو ألوالد جيرانك‬
‫جواً مناسباً للدراسة‪.‬‬

‫‪240‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫االهتمام بالشباب في المرتبة األولى ‪:‬‬

‫أنا معلوماتي الدقيقة آالف الطالب يرسبون‬


‫ألنهم تأخروا عن االمتحان‪ ،‬لماذا تأخروا ؟‬
‫أهلهم نائمون واالبن درس دراسة مطولة حتى‬
‫الساعة الثانية‪ ،‬ما استيقظ صباحاً‪ ،‬خسر العام‬
‫الدراسي كله‪ ،‬يجب أن يكونوا األهل يقظين هم‬
‫يوقظونهم يهيؤون لهم الطعام المناسب‪،‬‬
‫حاجاته األساسية‪ ،‬يوصلونه إلى االمتحان‬
‫بسيارتهم‪ ،‬هذا الذي أتمناه عليكم أن تعتنوا‬
‫بأوالدكم‪ ،‬بصراحة لم يبق في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إال أوالدهم‪ ،‬واألوالد هم المستقبل‪ ،‬واألوالد‬
‫يحتاجون إلى أعمال وإلى بيوت وإلى زوجات‪ ،‬والشباب يجب أن يكون االهتمام بهم في المرتبة األولى‪.‬‬
‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬إني داع فأمنوا‪:‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪241‬‬ ‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم‬


‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫أسباب زيادة الرزق ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ الهجرة‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬الزلنا في موضوع أسباب زيادة الرزق‪ ،‬ولعل هذا الموضوع هو الموضوع األخير‪ ،‬في مقدمة‬

‫فقرات هذا الموضوع موضوع الهجرة‪ ،‬يعني أن تسافر‪ ،‬أن تترك بلداً إلى بلد آخر‪ ،‬فاإلنسان قد يسافر بحثاً‬
‫عن الرزق وهذا سفر مشروع‪ ،‬وقد يسافر ف ار ًار بدينه وهذا عمل عظيم يؤجر عليه اإلنسان بل ينجو بهذا‬
‫العمل من عذاب هللا يوم القيامة لقوله تعالى‪:‬‬

‫ين ِفي ْاألَْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْلم َال ِئ َك ُة َ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ض َقاُلوا أََل ْم َت ُك ْن‬ ‫ظالمي أَْن ُفس ِه ْم َقاُلوا ف َ‬
‫يم ُكْن ُت ْم َقاُلوا ُكَّنا ُم ْس َت ْض َعف َ‬ ‫َ‬ ‫ين َت َوَّف ُ‬
‫اه ُم‬ ‫﴿ ِإ َّن َّالذ َ‬
‫اء ْت َم ِص ًا‬ ‫ِ‬ ‫اسع ًة َف ُته ِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ير (‪﴾ )97‬‬ ‫اه ْم َج َهَّن ُم َو َس َ‬
‫يها َفأُوَلئ َك َمأ َْو ُ‬
‫اجُروا ف َ‬ ‫َّللا َو َ َ‬ ‫ض‬ ‫أَْر ُ‬
‫( سورة النساء )‬

‫شيء مخيب‪ ،‬يعني أنت من أجل المال تبقى في مكان تخسر أوالدك‪ ،‬تخسر أهلك‪ ،‬تخسر بناتك‪ ،‬من أجل‬
‫المال‪.‬‬

‫أشقى الناس من حصل أكبر ثروة و خسر أوالده ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬لو حصل اإلنسان أكبر ثروة في األرض وخسر أوالده فهو أشقى الناس ‪.‬‬

‫أوالدك امتداد لك‪ ،‬لذلك حينما تترك مكاناً‬


‫تتحقق فيه مصالحك وتنمو فيه أموالك وأنت‬
‫في قمة النجاح لكنك خفت على أوالدك‪.‬‬
‫من أقام مع المشركين برئت منه ذمة هللا‪ ،‬وأنا‬
‫سافرت كثي اًر حينما أخاطب هؤالء الذين أقاموا‬
‫إقامة دائمة في بالد الغرب حينما أذكر لهم‬
‫أوالدهم تتقطع نياط قلوبهم‪ ،‬مرة كنا في مؤتمر‬
‫في بالد الغرب وقام أحد العلماء وقال‪ :‬إن لم‬

‫‪242‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫تضمن أن يكون ابن ابن ابنك ثالثة أجيال مسلمًا فال ينبغي أن تبقى في هذه البالد‪ ،‬ثم عقد مؤتمر لألطباء‬
‫في دمشق والمؤتمرون جميعاً من أمريكا أطباء سوريون مقيمون هناك‪ ،‬أحدهم زوج ابنته وأجرى عقد قران‬
‫ودعاني لحضوره‪ ،‬وألقيت فيه كلمة ذكرت أمام هؤالء المئة مؤتمر بمؤتمر طبي هذه المقولة التي قالها بعض‬
‫العلماء‪ ،‬فبعد أن انتهيت من إلقاء كلمتي وانتهى الحفل تقدم أحد األطباء ودمعة على خده قال لي‪ :‬ابن ابن‬
‫ابني ؟ قلت له نعم‪ ،‬قال‪ :‬أنا ابني غير مسلم‪ ،‬ما في داعي تقول ابن ابن ابني‪ ،‬ابني ليس مسلماً‪.‬‬

‫من هاجر في سبيل هللا وعده هللا عز وجل بمكافأة كبيرة ‪:‬‬

‫لذلك اإلنسان حينما يكون في بلد مصالحه محققة‪ ،‬دخله وفير‪ ،‬أنا أقول دائماً على الشبكية إذا في جنة في‬
‫الدنيا على الشبكية فقط هناك‪ ،‬ومع ذلك لو وصلت هذه الصورة إلى الدماغ ألصبحت هذه البالد جحيمًا ال‬
‫يطاق‪ ،‬ألن اإلنسان يخسر فيها أهله وأوالده‪ ،‬أنا ال أقول بالتعميم المطلق‪ ،‬ال بد من حاالت استثنائية نادرة‬
‫جداً ال تزيد عن ثالثة بالمئة‪ ،‬لذلك هللا عز وجل وعد من هاجر في سبيل هللا ف ار اًر بدينه‪ ،‬وحفاظاً على إيمان‬
‫أوالده‪ ،‬وحفاظاً على بناته‪ ،‬وحفاظًا على مستقبلهم‪ ،‬وعاد إلى بلد قد يكون بلدًا ناميًا فيه مشكالت ال تعد وال‬
‫تحصى‪ ،‬الدخل قليل‪ ،‬المتاعب كثيرة‪ ،‬هذا شأن البالد النامية‪ ،‬الذي يعود إلى بلده ليقيم فيها‪ ،‬ويحفظ أوالده‪،‬‬
‫وأهله‪ ،‬وبناته‪ ،‬له عند هللا مكافأة وردت في هذه اآلية‪:‬‬
‫ض ُمَار َغ ًما َكِث ًا‬
‫ير َو َس َع ًة (‪﴾ )100‬‬ ‫يل َّ ِ‬
‫َّللا َي ِج ْد ِفي ْاألَْر ِ‬ ‫اجْر ِفي سِب ِ‬
‫﴿ َوم ْن ُي َه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫( سورة النساء )‬

‫أي يكافئه هللا عز وجل بثروة طائلة وبدخل كبير‪.‬‬

‫العاقل من وازن بين الدنيا و اآلخرة ال بين بالده و البالد األخرى ‪:‬‬

‫أحد أسباب زيادة الرزق أن تدع بلداً ال تستطيع‬


‫أن تقيم فيه شعائر هللا إلى بلد يمكن أن تقيم‬
‫فيه شعائر هللا‪ ،‬وأنا أقول ألخوتي الكرام الذين‬
‫أرادوا أن يقيموا إقامة دائمة في بالد الغرب ال‬
‫توازن بين تلك البالد وبين بالدك النامية‪ ،‬وازن‬

‫بين الدنيا واآلخرة‪ ،‬أنت حينما ترى ابنك صالحاً‬


‫يؤدي الصلوات‪ ،‬يعتز بدينه‪ ،‬يعظم كتاب هللا‪،‬‬
‫ينتمي إلى هذه األمة‪ ،‬أنت يدخل على قلبك‬

‫‪243‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫من السرور ما ال يوصف‪ ،‬فلذلك الحديث الشريف له عدة روايات من هذه الروايات‪:‬‬
‫(( من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة ))‬
‫[أخرج ابن المنذر عن جرير بن عبد هللا البجلي]‬

‫أقول لكم أنا سافرت كثي اًر الحياة هناك أقوى من أي دعوة إلى هللا‪ ،‬أينما ذهبت التفلت والتعري واإلباحية وكأن‬
‫البشر عاشوا كالحيوانات‪ ،‬وما من تعريف جامع مانع لكلمة العولمة كأن تقول معناها الحيونة‪ ،‬أن يعود‬
‫اإلنسان إلى حيوانيته‪ ،‬الشيطان يعري والرحمن يستر‪:‬‬

‫الت ْق َوى َذِل َك َخْيٌر (‪﴾ )26‬‬ ‫اسا ُي َوارِي َس ْوآَِت ُك ْم َو ِر ً‬


‫يشا َوِلَب ُ‬
‫اس َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َبني آ ََد َم َق ْد أَْن َزْلَنا َعَلْي ُك ْم لَب ً‬
‫(سورة األعراف)‬

‫أما الشيطان‪:‬‬

‫اس ُه َما ِلُي ِرَي ُه َما َس ْوآَِت ِه َما (‪﴾ )27‬‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َيْن ِز ُ‬
‫ع َعْن ُه َما لَب َ‬
‫( سورة األعراف)‬

‫من عاد إلى بلده بعدما كان في رفاه ال يوصف حفاظاً على دينه وأوالده ربح كل شيء ‪:‬‬

‫لذلك أيها األخوة‪ ،‬أنت حينما تكون في بالد فيها رفاه ال يوصف‪ ،‬وفيها دخول فلكية‪ ،‬وفيها استقرار‪ ،‬وفيها‬
‫حرية‪ ،‬وفيها ديمقراطية كما يزعمون‪ ،‬وجميع مصالحك محققة‪ ،‬وبالد جميلة جدًا كأنها جنة هللا في األرض‪،‬‬
‫حينما تضع تحت قدمك كل هذه الخصائص‪ ،‬وتعود إلى بلد ينمو في صعوبات‪ ،‬في أزمات سكن‪ ،‬في أسعار‬
‫مرتفعة‪ ،‬فرص العمل قليلة‪ ،‬وتعود إلى هذه البالد من أجل إرضاء هللا‪ ،‬ومن أجل إنقاذ أوالدك مكافأة هللا‬
‫كبيرة‪:‬‬
‫ض ُمَار َغ ًما َكِث ًا‬
‫ير َو َس َع ًة (‪﴾ )100‬‬ ‫يل َّ ِ‬
‫َّللا َي ِج ْد ِفي ْاألَْر ِ‬ ‫اجْر ِفي سِب ِ‬
‫﴿ َوم ْن ُي َه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫( سورة النساء )‬

‫وهللا أيها األخوة‪ ،‬خالل لقاءاتي الكثيرة مع أفراد الجاليات اإلسالمية في بالد الغرب والشرق سمعت العجب‬
‫العجاب‪ ،‬سمعت العجب العجاب حتى إن بعض الجاليات حينما ودعتني قالت لي‪ :‬أبلغ أخوتنا في الشام أن‬
‫مزابل الشام خير من جنات أستراليا‪ ،‬قلت لما ؟ قال‪ :‬ألن ابنك في الشام امتداد لك أنت مسلم وابنك مسلم‪،‬‬
‫لكن أوالدنا ونحن في أعلى درجات اليقظة احتمال أن يعتنق اإللحاد خمسون بالمئة واحتمال أن ترى في‬
‫آذانهم قرطًا في األذن اليمين والمعنى سيء جدًا‪ ،‬خمسين بالمئة‪ ،‬أو أن ترى في األذن اليسار قرطًا والمعنى‬
‫أسوأ خمسون بالمئة‪ ،‬وأن ترى في كال األذنين قرطين فالمعنى أسوأ وأسوأ شاذون‪ ،‬هذا كالم أخ كريم غيور‬
‫قال لي أبلغ أخوتنا في الشام هذه الحقيقة‪.‬‬

‫‪244‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫من أقام في بلد يستطيع أن يقيم فيه شعائر هللا فقد ربح الدنيا و اآلخرة معًا ‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬أقم في بلد تستطيع أن تقيم فيه شعائر هللا‪ ،‬أقم في بلد تستطيع أن تصلي في المسجد‪ ،‬وأن‬
‫تستمتع إلى خطاب ديني يمأل عقلك وقلبك‪ ،‬أقم في بلد تستطيع أن تحجب بناتك وال أحد يسائلك‪ ،‬أقم في بلد‬
‫من حولك على شاكلتك‪ ،‬أخوك وأختك‪ ،‬وابن أخيك‪ ،‬وابن أختك‪ ،‬وخالك‪ ،‬وعمك‪ ،‬مسلمون يصلون‪ ،‬نساؤهم‬
‫محجبة‪ ،‬يؤمنون باهلل‪.‬‬
‫وهللا حدثني أخ من أستراليا أقسم لي باهلل أن‬
‫التقليد هناك المتزمت الذي يعيش وراء العصر‬
‫إن رأى ابنته تتزين في أحد األيام ينصحها بأال‬
‫تحمل فقط‪ ،‬إلى هنا وصلوا‪ ،‬وصلوا في الغرب‬
‫إلى الشذوذ الذي أقرته القوانين‪ ،‬من يصدق أن‬
‫سفير أحد أكبر الدول في العالم له شريك ليس‬
‫له زوجة‪ ،‬وأقيم له حفل وداع في عاصمة بلده‬
‫هو وشريكه‪ ،‬يعني الشذوذ دخل في االعتراف‬
‫القانوني‪ ،‬فنحن في بالد ال تعرفون فضلها إال إذا غادرتموها‪ ،‬على الشبكية هناك متاعب كثيرة أما لو وصلتم‬
‫إلى بالد بعيدة ترون المجتمع كالحيوانات تمامًا يأكل ويشرب ويتمتع‪ ،‬لكن في بالدنا هناك إنسان معه رسالة‬
‫يسعى لهداية أوالده‪ ،‬يسعى لهداية جيرانه‪ ،‬يسعى لهداية الخلق‪ ،‬غيور على هذا الدين‪ ،‬هذه نعمة ال يعرفها‬
‫إال من فقدها‪.‬‬

‫العاقل من ترك بلدًا تتحقق فيه مصالحه إلى بلد يستطيع أن يقيم فيه شعائر هللا ‪:‬‬

‫فيا أيها األخوة‪ ،‬أحد أول وأكبر أسباب زيادة الرزق أن تدع بلداً تتحقق فيه مصالحك إلى بلد تستطيع أن تقيم‬
‫فيه شعائر هللا‪ ،‬هذه هجرة في سبيل هللا‪ ،‬وصدقوا أيها األخوة‪ ،‬أن أحد األخوة الكرام الذين كانوا يقيمون في‬
‫بريطانيا قال لي‪ :‬أنا عدت إلى هذا البلد وضمنت أوالدي وزوجته داعية وهللا عز وجل وفقه‪ ،‬قال لي‪ :‬لي‬
‫زميل بقي هناك حينما شبت بناته عن الطوق وتفلتن كشأن المجتمعات‪ ،‬هناك بقيت األم إلى جانب بناتها‬
‫واختلفت مع زوجها‪ ،‬الخالف تفاقم إلى أن ترك البيت وعاش وحده في بيت‪ ،‬كان يزوره من حين إلى آخر‪،‬‬
‫قال لي‪ :‬مرة رأيت قارورة حليب أمام البيت لم تؤخذ‪ ،‬في اليوم الثاني زرته قلقاً عليه رأيت قارورتين‪ ،‬في اليوم‬
‫الثالث أخبرت الشرطة فإذا هو ميت من أيام ثالثة مات وحده‪ ،‬قال لي أنا عدت إلى هذه البلد وزوجته داعية‬

‫‪245‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫وأوالده زوجهم‪ ،‬أوالدهم مستقيمون والحمد هلل‪ ،‬ما من إنسان رجع إلى بلده إنقاذًا ألوالده‪ ،‬وإنقاذًا لمستقبلهم إال‬
‫أكرمه هللا عز وجل بعمل ورزق وفير‪ ،‬أحد أسباب زيادة الرزق‪ :‬أن تهاجر من بلد حققت فيه مصالحك إلى‬
‫بلد ال تعرف ما إذا كنت توفق إلى عمل أو إلى غير عمل‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ ازدياد الرزق بطلب العلم‪:‬‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬شيء آخر الرزق يزداد بطلب العلم‪ ،‬سمعت من أحد العلماء ولم أق أر ذلك أن الذي حمل‬
‫أبو حنيفة النعمان على طلب العلم حديثًا وصل إليه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه‪:‬‬

‫(( من طلب العلم تكفل هللا له برزقه ))‬


‫[مسند الشهاب وقال المناوي في فيض القدير يجوز االحتجاج به]‬

‫أنت حينما تطلب العلم وتقتطع من وقتك الثمين‬


‫وقتًا لطلب العلم‪ ،‬حينما تحضر درس علم‪،‬‬
‫حينما تق أر كتاب في الفقه‪ ،‬حينما تحفظ كتاب‬
‫هللا حينما تلتزم في مسجد هذا وقت أنت‬
‫اقتطعته من وقت فراغك من وقت راحتك‬
‫مكافئة هللا عز وجل على من طلب العلم أن‬
‫يوسع هللا عليه في رزقه‪ ،‬هذا الحديث‪:‬‬

‫(( من طلب العلم تكفل هللا له برزقه ))‬


‫[مسند الشهاب وقال المناوي في فيض القدير يجوز االحتجاج به]‬

‫هذا سبب آخر‪ ،‬الهجرة في سبيل هللا تزيد في الرزق‪ ،‬وطلب العلم يزيد في الرزق‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‬
‫رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬

‫(( من غدا في طلب العلم صلت عليه المالئكة وبورك له في معيشته ولم ينقص من رزقه وكان عليه‬
‫مباركاً ))‬
‫[السلسلة الضعيفة لأللباني موضوع‪] 328‬‬

‫‪246‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫من طلب العلم تكفل هللا برزقه ‪:‬‬

‫هللا عز وجل حينما تطلب العلم يكافئك بمكافأة أخرى‪ ،‬يسمح لك بإلقاء العلم‪ ،‬يجعلك داعية‪ ،‬يقنع الناس‬
‫بدعوتك‪ ،‬تكون في حال ثم تصبح في حال آخر‪.‬‬
‫(( من طلب العلم تكفل هللا له برزقه ))‬
‫[مسند الشهاب وقال المناوي في فيض القدير يجوز االحتجاج به]‬

‫من غدا في طلب العلم صلت عليه المالئكة وبورك له في معيشته‪ ،‬دققوا هم في مساجدهم وهللا في‬
‫حوائجهم‪ ،‬أال تحب أن يتولى هللا لك أمرك‪ ،‬هم في مساجدهم وهللا في حوائجهم‪.‬‬

‫(( من غدا في طلب العلم صلت عليه المالئكة وبورك له في معيشته ولم ينقص من رزقه وكان عليه‬
‫مباركًا ))‬
‫[السلسلة الضعيفة لأللباني موضوع‪] 328‬‬

‫عن أنس بن مالك رضي هللا عنه‪:‬‬

‫(( من انقطع إلى هللا كفاه هللا كل مؤونة ورزقه من حيث ال يحتسب))‬
‫[ رواه الطبراني في األوسط عن عمران بن حصين ]‬

‫وعندي وهللا مئات القصص تؤكد هذه الحقيقة‪ ،‬من طلب العلم تكفل هللا له برزقه‪.‬‬

‫إذًا إذا هاجرت في سبيل هللا من أجل إنقاذ نفسك وأهلك وأوالدك أو إذا طلبت العلم‪ ،‬أيها األخوة‪ :‬أما الحديث‬
‫القدسي الذي ينبغي أن تقشعر منه األبدان‪:‬‬

‫(( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))‬


‫[ من الدر المنثور عن عمر بن الخطاب ]‬

‫عبدي‪ ،‬كن لي كما أريد أكن لك كما تريد‪ ،‬كن لي كما أريد وال تعلمني بما يصلحك‪ ،‬عبدي أنت تريد وأنا أريد‬
‫فإذا سلمت لي فيما أريد‪ ،‬كفيتك ما تريد‪ ،‬وإن لم تسلم لي فيما أريد‪ ،‬أتعبتك فيما تريد‪ ،‬ثم ال يكون إال ما أريد‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ اإلنفاق على طالب العلم‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬من أسباب زيادة الرزق دققوا أن تنفق على طالب العلم‪ ،‬وهذه البلدة وهللا ال أبالغ هي البلدة‬
‫األولى التي ترعى طالب العلم‪.‬‬

‫‪247‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫من كان له شريك متفرغ للدعوة إلى هللا وأتاح له أن يطلب العلم فله نصف األجر ‪:‬‬

‫لذلك أحد أسباب زيادة الرزق أن تنفق على طالب العلم‪ ،‬وعندي قصة وهللا سمعتها قبل أيام ال أزال أذكرها‬
‫في كل دقيقة‪ ،‬أخ كريم أنشأ ثانوية شرعية أنفق عليها من ماله لسنوات طويلة رزقه هللا رزقًا غطى كل هذه‬
‫النفقات بل أضعاف مضاعفة منها‪ ،‬أحد أسباب زيادة الرزق أن تنفق على طالب العلم‪ ،‬طالب من الطالب‬
‫في هذا المسجد‪ ،‬هللا أكرمني واعتنيت به‪ ،‬حضرت مؤتم اًر في القاهرة (مؤتم اًر إسالمياً كبي ًار) وألقيت كلمة هذا‬
‫البلد الطيب‪ ،‬فإذا هو إلى جواري مندوب دولة غينيا كان طالبًا من طالب العلم هنا‪ ،‬عاد إلى بلده يحمل‬
‫دكتوراه وارتقى إلى منصب رفيع وعينته حكومته مندوباً لبلدها في هذا المؤتمر‪ ،‬أنت إذا أنفقت على طالب‬
‫العلم هللا يكافئك في الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬طالب العلم من إفريقيا‪ ،‬من آسيا‪ ،‬من تركيا‪ ،‬من بالد فقيرة‪ ،‬إذا أسكنته‬
‫في غرفة أكرمته‪ ،‬كان األجر معقول أو أقل من معقول‪ ،‬وعاونته في بعض األثاث كله محفوظ عند هللا‪ ،‬وهذا‬
‫البلد سمعته طيبة جدًا في رعاية طالب العلم‪ ،‬الشاهد‪:‬‬
‫كان عليه الصالة والسالم قد التقى بأخوين في هللا أحدهما يأتي إلى مجلس رسول هللا والثاني يعمل وكالهما‬
‫شريك‪ ،‬يبدو أن الذي يعمل شكا إلى النبي عليه الصالة والسالم شريكه الذي ال يعمل فأجابه لعلك ترزق به‪.‬‬
‫هذا شاهد لطالب العلم قال لشريكه‪ :‬لعلك ترزق به‪ ،‬أي طالب العلم فقط يتعلم ليعلم‪ ،‬يتعلم ليعم الخير‪.‬‬
‫فلذلك إذا هناك شريكان أحدهما متفرغ للدعوة إلى هللا و الثاني يعمل مكانه‪ ،‬الثاني له أجر‪ ،‬بل له نصف‬
‫األجر‪ ،‬ألنه أتاح لألول أن يتفرغ لطلب العلم‪ ،‬الشاهد‪ :‬لعلك ترزق به‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ إكرام الفقراء و الضعفاء و المحرومين‪:‬‬

‫اآلن أول شاهد الهجرة في سبيل هللا‪ ،‬و الشاهد الثاني طلب العلم‪ ،‬و الشاهد الثالث اإلنفاق على طالب العلم‪،‬‬
‫و الشاهد الرابع‪ :‬إذا أكرمت الضعفاء و الفقراء و المحرومين‪ ،‬يقول عليه الصالة و السالم‪:‬‬

‫ض َع َف ِائ ُك ْم ))‬
‫(( َه ْل ُتْن َصُرو َن َوُتْرَزُقو َن ِإَّال ِب ُ‬
‫[ البخاري عن مصعب بن سعد ]‬

‫تنصرون و ترزقون‪ ،‬إن أردتم أن تنتصروا على من هو أقوى منكم فليكن همكم إكرام الضعفاء و الفقراء‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ مهاداة الطعام‪:‬‬

‫أيها األخوة‪ :‬هناك تفاصيل دقيقة منها‪ :‬مهاداة الطعام‪ ،‬أنا أذكر حينما كنت صغي ًار أن في األحياء عادة‬
‫إسالمية راقية جداً ؛ أن هذا البيت طبخ فيقدم صحناً إلى جاره‪ ،‬و الجار طبخ يقدم صحناً إلى جاره‪ ،‬هذه‬

‫‪248‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫مهاداة الطعام‪ ،‬و أحيانًا يلمح أهل الحارة أن جارهم معه ضيف كل شخص يقدم صحنًا‪ ،‬هذا الضيف وجد‬
‫أمامه أنواع منوعة من الطعام‪ ،‬هذا التكافل‪ ،‬فلذلك ابن عباس رضي هللا عنه يروي عن رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه و سلم أن‪:‬‬

‫(( تهادوا الطعام بينكم فإن ذلك توسعة في أرزاقكم ))‬


‫[السلسلة الضعيفة لأللباني موضوع‪] 1379‬‬

‫‪ 6‬ـ المداومة على الطهارة‪:‬‬

‫آخر موضوع في هذه الموضوعات أن المداومة على الطهارة أحد أسباب الرزق‪ ،‬ورد عن أحد أصحاب‬
‫رسول هللا أنه جاء رجل إلى النبي عليه الصالة والسالم فقال‪ :‬إني سائلك عما في الدنيا و اآلخرة‪ ،‬فقال عليه‬
‫الصالة و السالم‪ :‬سل عما بدا لك‪ ،‬فسأله عن أمور كثيرة و من جملتها سأله قال‪ :‬أحب أن يوسع هللا علي‬
‫في الرزق ؟ فقال له النبي الكريم‪ :‬دم على الطهارة يوسع هللا عليه في الرزق‪ ،‬أي النظافة و لعلي أوسع‬
‫المعنى‪ ،‬النظافة المادية و المعنوية‪.‬‬

‫بيت نظيف ال يوجد فيه اختالط‪ ،‬ليس فيه‬


‫معاص‪ ،‬ليس فيه آثام‪ ،‬اآلن محل تجاري‬
‫نظيف‪ ،‬مظهره نظيف‪ ،‬و الشباب أعفة‪ ،‬تدخل‬
‫إنسانة يغضون عنها البصر‪ ،‬ال يحاورونها‬
‫حوا ًار غزليًا‪ ،‬ال يملؤون أعينهم من محاسنها‪،‬‬
‫يوجد حياء‪ ،‬يوجد أدب‪ ،‬تؤدى فيه الصلوات‪،‬‬
‫محل نظيف بالمعنى المادي و المعنوي‪ ،‬محل‬
‫مرزوق‪ ،‬بيت نظيف ليس فيه لقاءات مختلطة‪،‬‬
‫ال يوجد فيه أغان تصدح‪ ،‬ال يوجد فيه محطات فضائية فاضحة‪ ،‬ليس فيه غيبة‪ ،‬ليس فيه نميمة‪ ،‬بيت نظيف‬
‫بيت مرزوق‪ ،‬محل نظيف‪ ،‬محل مرزوق‪.‬‬

‫أيها األخوة‪ ،‬بهذا تنتهي هذه السلسلة من الخطب التي تمحورت حول موضوع واحد و هو أسباب زيادة‬
‫الرزق‪ ،‬هذه األسباب بين أيديكم و أنا ال أكتمكم أن هناك أزمة عالمية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية و هللا‬
‫مفتعلة‪ ،‬يفتعلها العالم الغربي ليركع الشعوب و لكن المؤمن ال يركع‪ ،‬ال يركع مهما كان العدو قويًا‪ ،‬إنه يعتمد‬
‫على هللا عز وجل‪.‬‬

‫‪249‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زادًا لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا‬
‫قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪250‬‬ ‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة‬


‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫مطلب كل إنسان ‪:‬‬


‫ُ‬ ‫زيادة الرزق‬

‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬في سلسلة من الخطب نتحدث فيها عن الرزق‪ ،‬ومحور هذه الخطب أسباب زيادة الرزق‪،‬‬
‫ذلك ألن أي إنسان كائناً من كان حريص على شيئين‪ ،‬حريص على وجوده وعلى رزقه‪ ،‬الشيئان األساسيان‬
‫في حياة أي إنسان على وجه األرض ؛ أن يبقى حياً‪ ،‬وأن يكون رزقه وفي ًار‪.‬‬

‫اآلن مع الكتاب العزيز‪ ،‬وما صح من السنة في حقائق وقواعد وأسباب زيادة الرزق‪ ،‬هذه أمور تحدثنا عنها‬
‫في خطبة سابقة‪.‬‬
‫تقوى هللا عز وجل‪:‬‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَر ًجا (‪َ )2‬وَيْرُزْقهُ ِم ْن َحْي ُث َال َي ْح َت ِس ُب (‪﴾ )3‬‬
‫﴿و َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َ‬
‫( سورة الطالق )‬

‫األسباب المانعة للرزق ‪:‬‬

‫لكن ال بد من فرع من فروع هذا الموضوع الكبير‪ ،‬ما هي األسباب التي تمنع الرزق ؟ ما هي األسباب التي‬
‫تقرب من الفقر‪ ،‬ما هي األسباب التي تقلل من الرزق ؟ هذا الموضوع مهم جدًا إن تالفيناها كانت النتائج‬
‫طيبة‪.‬‬

‫‪251‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬ليس في الدين رأي شخصي‪ ،‬إنه دين هللا‪ ،‬ولوال الدليل لقال من شاء ما شاء‪ ،‬وال يجرؤ‬
‫إنسان على وجه األرض أن يقول في الدين برأيه‪ ،‬اآلن نحن أمام نصوص من كتاب هللا‪ ،‬ومما صح من‬
‫كالم رسول هللا‪.‬‬
‫ما األسباب التي تقلل الرزق ؟ تقرب إلى الفقر ؟‬

‫‪ – 1‬الزنا‪:‬‬

‫ال الزنا‪:‬‬
‫أو ً‬

‫اء َسِب ً‬
‫يال (‪﴾ )32‬‬ ‫الزَنا ِإَّن ُه َك َ ِ‬
‫﴿وَال َت ْقَرُبوا ِ‬
‫ان َفاح َش ًة َو َس َ‬ ‫َ‬
‫( سورة اإلسراء)‬

‫الزنا له عقابان ‪:‬‬

‫هناك عقابان للزنا‪ ،‬عقاب سببي‪ ،‬إ ْذ يصاب اإلنسان بأمراض خطيرة جداً‪ ،‬منها فيروس اإليدز الذي قضى‬
‫على عشرات الماليين من أهل األرض‪ ،‬واآلن تقريباً ستون مليون إنسان مصابون بهذا المرض‪ ،‬وهم في‬
‫طريقهم إلى الموت‪ ،‬فأحد أسباب انعدام الرزق أو قلته هو الزنا‪ ،‬وللزنا عقابان‪ ،‬عقاب علمي‪ ،‬هو نفسه سبب‬
‫لعاهة أو مرض خبيث أو فيروس‪ ،‬أو ما شاكل ذلك‪ ،‬وعقاب وضعي‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫(( إياكم والزنا‪ ،‬فإن فيه أربع خصال‪ :‬يذهب البهاء من الوجه‪ ،‬ويقطع الرزق‪ ،‬ويسخط الرحمن‪ ،‬ثم الخلود‬
‫في النار ))‬
‫[ ورد في األثر ]‬

‫عن علي بن أبي طالب رضي هللا عنه أنه نقل عن النبي صلى هللا عليه وسلم قوله‪:‬‬

‫(( في الزنا ست خصال‪ ،‬ثالث في الدنيا وثالث في اآلخرة‪ ،‬أما اللواتي في الدنيا فيذهب ببهاء لوجه‪،‬‬
‫ويورث الفقر‪ ،‬وينقص العمر‪ ،‬وأما الالتي في اآلخرة فيورث السخط وسوء الحساب والخلود في النار ))‬
‫( الطبراني في األوسط عن ابن عباس‪ ،‬وفي إسناده مقال كبير)‬

‫صدقوا أيها اإلخوة‪ ،‬وقع تحت سمعي قصة رجلين ممن يعمالن في طالء السيارات في هذا البلد‪ ،‬ذهبا إلى‬
‫ألمانية ليستوردا سيارتين‪ ،‬القصة قديمة‪ ،‬وعادا بالسيارتين ب ًار‪ ،‬نزال في فندق في بلدة من بلدان أوربة الشرقية‪،‬‬
‫طرِّق باب الرجلين ِّمن ِّقَبل امرأتين‪ ،‬األول فتح الباب‪ ،‬والثاني‬
‫يقول لي أحدهما‪ :‬بعد الساعة الثانية عشرة ُ‬
‫قال‪ :‬إني أخاف هللا رب العالمين‪ ،‬ثم وصال إلى الشام‪ ،‬األول في صعود‪ ،‬والثاني في هبوط‪ ،‬الثاني ضاقت‬
‫األحوال به‪ ،‬فباع محله‪ ،‬وطلق زوجته‪ ،‬وهللا وأعرفهما تماماً‪ ،‬األول في صعود مستمر‪.‬‬

‫‪252‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫أنا مؤمن إيماناً قطعيًا أن أحد أسباب الفقر الزنا‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم فيما رواه ابن عمر رضي هللا‬
‫عنهما‪:‬‬

‫(( الزنا يورث الفقر ))‬


‫منكر ]‬
‫[ الجامع الصغير عن ابن عمر وسنده َ‬

‫هذا عقاب وضعي‪ ،‬هللا بفعله يجعله فقي ًار‪ ،‬أما الزنا فسبب علمي ألمراض خبيثة‪ ،‬منها فيروس اإليدز‪.‬‬

‫فقر ذات اليد‪ ،‬وفقر القلب‪ ،‬الزاني محجوب عن هللا عز وجل‪ ،‬ألنه وقع في‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬طبعاً الفقر ُ‬
‫فاحشة‪.‬‬

‫اء َسِب ً‬
‫يال (‪﴾ )32‬‬ ‫الزَنا ِإَّن ُه َك َ ِ‬
‫﴿وَال َت ْقَرُبوا ِ‬
‫ان َفاح َش ًة َو َس َ‬ ‫َ‬
‫( سورة اإلسراء)‬

‫محرم ٌة ‪:‬‬
‫كل وسيلة إلى الزنا َّ‬

‫ما قال‪ :‬وال تزنوا‪ ،‬قال ‪:‬‬


‫﴿وَال َت ْقَرُبوا ِ‬
‫الزَنا ﴾‬ ‫َ‬
‫فأي شيء يفضي إلى الزنا فهو محرم‪ ،‬فالخلوة‬
‫باألجنبية محرم‪ ،‬صحبة األراذل شيء محرم‪،‬‬
‫إطالق البصر شيء محرم‪ ،‬متابعة أشياء‬
‫إباحية في اإلنترنت وفي الفضائيات شيء‬
‫محرم‪ ،‬ألن هذا طريق إلى الزنا‪ ،‬هذه الشهوة‬
‫تشبه صخرة في قمة جبل متمكنة في مكانها‪،‬‬
‫فإذا دفعتها‪ ،‬وظننت أنك تريد أن تدفعها مت ار واحدا في المنحدر فلن تستقر إال في قعر الوادي‪ ،‬األمر ليس‬
‫بيدك‪.‬‬

‫﴿وَال َت ْقَرُبوا ِ‬
‫الزَنا (‪﴾ )32‬‬ ‫َ‬
‫( سورة اإلسراء)‬

‫النهي ليس عن الزنا‪ ،‬بل النهي عن أسباب الزنا‪ ،‬كالخلوة‪ ،‬وإطالق البصر‪ ،‬واالختالط‪ ،‬وصحبة األراذل‪،‬‬
‫واإلثارة المستمرة‪ ،‬هذه تنتهي إلى الزنا‪.‬‬

‫‪253‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫‪ 2‬ـ نقص المكيال والميزان‪:‬‬

‫أيها اإلخوة‪ ،‬السبب الثاني للفقر نقص المكيال والميزان‪ ،‬استمعوا إلى حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وكأنه بيننا‪:‬‬

‫اح َش ُة ِفي َق ْو ٍم َق ُّ‬


‫وه َّن‪َ ،‬لم َت ْظهر اْل َف ِ‬ ‫يتم ِب ِه َّن‪ ،‬وأَعوُذ ِب َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪َ ،‬خم ٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫ط‬ ‫ْ َْ‬ ‫َن ُت ْد ِرُك ُ‬
‫اَّلل أ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫س إ َذا ْابُتل ُ ْ‬ ‫(( َيا َم ْع َشَر اْل ُم َهاج ِر َ ْ‬
‫ِ‬ ‫اع َّالِتي َلم َت ُك ْن م َض ْت ِفي أ ِ‬ ‫يهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َِّ‬
‫ين َم َض ْوا ))‬ ‫َس َالف ِه ْم َّالذ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اعو ُن َو ْاأل َْو َج ُ‬
‫الط ُ‬ ‫َح َّتى ُي ْعلُنوا ب َها إال َف َشا ف ِ ْ‬
‫هل هناك أوضح من هذا الكالم في موضوع فيروس اإليدز ؟‬

‫طِ‬
‫ان‬ ‫َّة اْل َمُئوَن ِة‪َ ،‬و َج ْو ِر ُّ‬
‫السْل َ‬ ‫السِنين ـ وهي القحط والجفاف ـ و ِشد ِ‬
‫َ‬ ‫ُخ ُذوا ِب ِ َ‬ ‫ان ِإَّال أ ِ‬ ‫ال َواْل ِم َ‬
‫يز َ‬
‫ِ‬
‫صوا اْلم ْكَي َ‬ ‫(( َوَل ْم َيْنُق ُ‬
‫ضوا عهد َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫اء‪َ ،‬وَل ْوَال اْلَب َه ِائ ُم َل ْم ُي ْم َ‬
‫السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫عَلي ِهم‪ ،‬وَلم يمَنعوا َزَكا َة أ ِ ِ َِّ ِ‬
‫طُروا‪َ ،‬وَل ْم َيْنُق ُ َ ْ َ‬ ‫َم َواله ْم إال ُمن ُعوا اْلَق ْطَر م ْن َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ َْ ُ‬
‫ض ما ِفي أَْي ِد ِ‬
‫يه ْم ))‬ ‫َخ ُذوا َب ْع َ َ‬ ‫َّللا َعَلْي ِه ْم َع ُد ًّوا ِم ْن َغْي ِرِه ْم‪َ ،‬فأ َ‬
‫ط َّ ُ‬‫َو َع ْه َد َر ُسوِل ِه ِإَّال َسَّل َ‬
‫في كل حرب في الشرق األوسط تنتقل مئات مليارات من العملة الصعبة من الشرق إلى الغرب‪.‬‬

‫الحكم بغير ما أنزل هللا‪:‬‬


‫ُ‬ ‫‪3‬ـ‬

‫ْس ُه ْم َبْيَن ُه ْم ))‬ ‫اب َّ ِ‬


‫َّللا‪َ ،‬وَي َت َخَّيُروا ِم َّما أَْن َزل َّ َِّ‬ ‫(( َوما َلم َت ْح ُكم أَِئ َّم ُت ُهم ِب ِك َت ِ‬
‫َّللا َبأ َ‬
‫َّللا إال َج َع َل َّ ُ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫[ ابن ماجه عن ابن عمر ]‬

‫حروب أهلية‪ ،‬هذه المعص ية الثانية‪ ،‬نقص المكيال والميزان‪ ،‬والحكم بغير ما أنزل هللا أحد أسباب الفقر‪.‬‬
‫نحن مع حديث رسول هللا الذي ال ينطق عن الهوى‪ ،‬ومع القرآن الكريم كالم رب العالمين‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ منع الزكاة‪:‬‬

‫المعصية الرابعة منع الزكاة‪ ،‬قال عليه الصالة‬


‫والسالم‪:‬‬

‫(( ما نقض قوم العهد قط إال كان القتل بينهم‬


‫))‬
‫[ أخرجه الحاكم عن بريدة‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح على شرط مسلم ]‬

‫بالمناسبة آية دقيقة جداً‪:‬‬

‫‪254‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َيْب َع َث َعَلْي ُك ْم َع َذ ًابا م ْن َف ْوِق ُك ْم أ َْو م ْن َت ْحت أَْر ُجل ُك ْم أ َْو َيْلِب َس ُك ْم شَي ًعا َوُيذ َ‬
‫يق َب ْع َض ُك ْم‬ ‫﴿ ُق ْل ُه َو اْلَقادُر َعَلى أ ْ‬
‫ض (‪﴾ )65‬‬
‫ْس َب ْع ٍ‬
‫َبأ َ‬
‫(سورة األنعام‪)65:‬‬

‫هذه الصواعق واآلن الصواريخ‪ ،‬هذه الزالزل‪ ،‬واآلن األلغام‪ ،‬والحروب األهلية‪.‬‬

‫(( ما نقض قوم العهد قط إال كان القتل بينهم‪ ،‬وال ظهرت الفاحشة في قوم قط إال سلط هللا عليهم الموت‪،‬‬
‫وما منع قوم الزكاة إال حبس هللا عنهم القطر ))‬
‫[ أخرجه الحاكم عن بريدة‪ ،‬وقال‪ :‬صحيح على شرط مسلم ]‬

‫هناك إحصاءات ربما ال تصدقونها‪ ،‬خمسة بالمئة فقط من أغنياء المسلمين يدفعون زكاة أموالهم‪ ،‬وفي حديث‬
‫آخر‪:‬‬

‫(( ما منع قوم الزكاة إال ابتالهم هللا بالسنين ))‬


‫[ الطبراني في األوسط عن بريدة بسند صحيحٍ ]‬

‫أول سبب الزنا‪ ،‬الثاني نقص المكيال والميزان‪ ،‬و الثالث الحكم بغير ما أنزل هللا‪ ،‬الرابع منع الزكاة‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ الربا‪:‬‬

‫والخامس الربا‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( ما من قوم يظهر فيهم الربا إال أخذوا بالسنة ـ أي بالفقر ـ وما من قوم يظهر فيهم الرشا إال أخذوا‬
‫بالرعب ))‬
‫[ الحاكم عن عمرو بن العاص‪ ،‬وفي سنده ضعف ]‬

‫الربا يؤدي إلى الفقر‪ ،‬والرشا تؤدي إلى الرعب‪.‬‬

‫ِ‬ ‫َّللا َوَذُروا َما َب ِقي ِم َن ِ‬ ‫ِ‬


‫ين (‪َ )278‬فِإ ْن َل ْم َت ْف َعُلوا َف ْأ َذُنوا ِب َحْرٍب‬
‫الرَبا ِإ ْن ُكْن ُت ْم ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫َ‬ ‫َمُنوا َّاتُقوا َّ َ‬ ‫﴿يا أَُّي َها َّالذ َ‬
‫ين آ َ‬ ‫َ‬
‫َم َو ِال ُك ْم َال َت ْظِل ُمو َن َوَال ُت ْظَل ُمو َن (‪﴾ )279‬‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َّ ِ‬
‫وس أ ْ‬ ‫َّللا َوَر ُسوِله َوإ ْ‬
‫ِن ُتْب ُت ْم َفَل ُك ْم ُرُء ُ‬ ‫َ‬
‫(سورة البقرة)‬

‫وقد روى ابن عباس رضي هللا عنهما عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪:‬‬

‫(( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب هللا ))‬
‫[ الحاكم عن ابن عباس‪ ،‬وسنده صحيح ]‬

‫الزنا والربا‪.‬‬

‫‪255‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫‪ 6‬ـ اليمين الكاذبة‪:‬‬

‫المعصية السادسة التي تؤدي إلى الفقر اليمين الكاذبة‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( اليمين الفاجرة ُتذهب المال‪ ،‬أو َتذهب بالمال ))‬


‫[ البزار عن عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسنده حسن ]‬

‫أن تحلف يميناً كاذبة‪ ،‬هذه اليمين الكاذبة سبب عند هللا للفقر‪،‬‬

‫(( و اليمين الفاجرة تذر الديار بالقع ))‬


‫[ البيهقي عن أبي هريرة بسند صحيح ]‬

‫بالقع أي‪َ :‬خ ِّربة‪.‬‬

‫وبعض التابعين قال ألحد التجار‪ " :‬يا عبد هللا‪ ،‬اتق هللا‪ ،‬وال تكثر الحلف‪ ،‬فإنه ال يزيد في رزقك إن حلفت‪،‬‬
‫وال ينقص من رزقك إن لم تحلف "‪ ،‬فال داعي أن تحلف أن هذه الحاجة سعرها كذا‪ ،‬هللا عز وجل هو‬
‫الرزاق‪ ،‬ويقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( إياكم وكثرة الحلف في البيع‪ ،‬فإنه ينفق ثم يمحق ))‬


‫[ مسلم عن أبي قتادة ]‬

‫الشاري قد يخجل منك فيشتري البضاعة بأيمان مغلظة‪ ،‬يشتريها‪ ،‬لكن هللا يمحق هذا المال‪.‬‬

‫وفي حديث آخر‪:‬‬

‫(( الحلف منفقة للسعلة ممحقة للبركة ))‬


‫[ متفق عليه عن أبي هريرة ]‬

‫ال تحلف‪.‬‬

‫كان اإلمام أبو حنيفة رضي هللا عنه يتصدق بدينار عن كل يمين حلفها صادقًا‪ ،‬فكيف إذا كان كاذباً‪ ،‬بل إن‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪:‬‬

‫يهم‪ ،‬وَلهم ع َذاب أَِليم‪َ ،‬قال‪َ :‬فَق أرَها رسول َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّللا َي ْوم اْل ِقَيام ِة‪َ ،‬وَال َيْن ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا‬ ‫ظُر إَلْي ِه ْم‪َ ،‬وَال ُي َزك ِ ْ َ ُ ْ َ ٌ ٌ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫(( َث َال َث ٌة َال ُي َكل ُم ُه ْم َّ ُ َ‬
‫ال‪ :‬اْل ُم ْسِب ُل‪،‬‬ ‫َّللا عَلي ِه وسَّلم َث َال َث ِمرارا‪َ ،‬قال أَبو َذ ٍر‪َ :‬خابوا و َخ ِسروا‪ ،‬من هم يا رسول َّ ِ‬ ‫َّ‬
‫َّللا ؟ َق َ‬ ‫ُ َ ُ َ ْ ُْ َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ًَ‬ ‫َصلى َّ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫ف اْل َك ِاذ ِب ))‬
‫واْلمَّنان‪ ،‬واْلمَن ِفق ِسْلع َته ِباْلحِل ِ‬
‫َ َ ُ َ ُ ُ َ ُ َ‬
‫[ مسلم عن أبي ذر ]‬

‫‪256‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫‪ 7‬ـ الكذب‪:‬‬

‫المعصية السابعة الكذب‪ ،‬الكذب من صفات الكافرين والمنافقين‪:‬‬

‫َّللا َوأ ُْوَلِئ َك ُه ْم اْل َك ِاذُبو َن(‪﴾ )105‬‬


‫ات َّ ِ‬
‫﴿ِإَّنما ي ْف َترِي اْل َك ِذب َّال ِذين َال ي ْؤ ِمُنو َن ِبآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫(سورة النحل)‬

‫المؤمن ال يكذب‪ ،‬قد يقع في معاص‪ ،‬لضعف‬


‫في نفسه‪ ،‬قد تغلبه شهوته‪ ،‬لكن الكذب ليس‬
‫بث‪ ،‬المؤمن ال يكذب‪ ،‬لذلك‬
‫شهوة‪ ،‬بل هو ُخ ٌ‬
‫ورد في بعض األحاديث‪:‬‬

‫(( يطبع المؤمن على الخالل كلها ))‬


‫[رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]‬

‫هناك مؤمن عصبي المزاج‪ ،‬على العين‬


‫والرأس‪ ،‬ومؤمن يحب البقاء في البيت‪ ،‬ومؤمن‬
‫يعتني بهندامه كثي ًار‪ ،‬ومؤمن هندامه أقل من غيره‪ ،‬ومؤمن يحب االختالط مع الناس‪ ،‬ومؤمن يؤثر العزلة‪،‬‬
‫هذه طباع‪:‬‬

‫((يطبع المؤمن على الخالل كلها إال الخيانة والكذب ))‬


‫[رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]‬

‫فإذا كذب و خان فليس مؤمناً‪ ،‬المؤمن ال يكذب‪.‬‬

‫ِّ َّ‬ ‫صَّلى َّ‬ ‫ِّ‬ ‫أيها اإلخوة‪ ،‬عن أَِّبي هريرة ر ِّ‬
‫ال‪:‬‬
‫َّللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َق َ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َع ْن النَّب ِّي َ‬
‫ضي َّ‬
‫َُ ْ َ َ َ َ‬ ‫َْ‬

‫طى‪،‬‬
‫َع َ‬ ‫ِ‬
‫طى ِب َها أَ ْك َثَر م َّما أ ْ‬ ‫ف َعَلى ِسْل َع ٍة َلَق ْد أ ْ‬
‫َع َ‬ ‫ظُر ِإَلْي ِه ْم‪َ :‬ر ُج ٌل َحَل َ‬ ‫ام ِة‪َ ،‬وَال َيْن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(( َث َال َث ٌة َال ُي َكل ُم ُه ْم َّ ُ‬
‫َّللا َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫ال َر ُج ٍل ُم ْسِل ٍم‪َ ،‬وَر ُج ٌل َمَن َع َف ْض َل َم ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وهو َك ِاذب‪ ،‬ورجل حَلف عَلى ي ِم ٍ ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫ين َكاذَب ٍة َب ْع َد اْل َع ْص ِر لَي ْق َتط َع ب َها َم َ‬ ‫ٌ ََ ُ ٌ َ َ َ َ‬ ‫َ َُ‬
‫َمَن ُع َك َف ْضِلي َك َما َمَن ْع َت َف ْض َل َما َل ْم َت ْع َم ْل َي َد َ‬
‫اك ))‬ ‫َّللا اْلَي ْوَم‪ :‬أ ْ‬
‫ول َّ ُ‬
‫َفَيُق ُ‬
‫[ أخرجه البخاري ]‬

‫لذلك حتى في اإلعالنات التي توهم بخصائص لبضاعة ليست فيها‪ ،‬التي توهم بأنها من مصدر معين‪ ،‬وهي‬
‫من مصدر آخر‪ ،‬التي توهم أن فيها هذه الخصائص‪ ،‬وهي ليست فيها‪.‬‬

‫‪257‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫أيها اإلخوة‪ ،‬أن تضع عالمة تجارية لسلعة ليست من هذا المعمل قضية سهلة جدًا‪ ،‬اآلن هناك معامل بأعلى‬
‫مستوى من التقنية‪ ،‬توضع العالمات التجارية الرائجة على سلع من مستوى منخفض جداً‪ ،‬وتباع هذه السلع‬
‫بهذه الطريقة‪ ،‬لذلك قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( الكذب ينقص الرزق ))‬


‫[ الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند موضوع ]‬

‫هل هناك أوضح من هذا ؟ و‪:‬‬

‫ان ِب ِ‬
‫الخَي ِار‪))...‬‬ ‫البِي َع ِ‬
‫(( َ‬
‫[ أخرجه الجماعة عن حكيم بن حزام]‬

‫البِّي َع ِّ‬
‫ان‪ :‬المشتري والبائع‪:‬‬ ‫َ‬

‫ورك َل ُه َما ِفي َبْي ِع ِه َما ))‬


‫وبَّينا ُب ِ‬
‫فإن َص َدقا َ‬
‫((‪ ...‬ما لم َي َت َفَّرقا‪ْ ،‬‬
‫أنت حينما تخفي عيباً في بضاعة هللا عز وجل يتولى معاقبتك‪.‬‬

‫وهللا إن إنسانا أعرفه عنده مركبة فيها عيب خطير في المحرك فباعها‪ ،‬وتمكن أن يخفي هذا العيب‪ ،‬وقال لي‬
‫بالحرف الواحد‪ :‬لبستُها لشخص‪ ،‬ظن نفسه ذكيًا‪ ،‬فيها عيب خطير في المحرك‪ ،‬لكنه كتم هذا العيب‪ ،‬و أوهم‬
‫الشاري أن هذا المحرك طبيعي جداً‪ ،‬وباعها‪ ،‬واشترى مركبة على الصفر‪ ،‬هذا مصطلح عند من يشتري‬
‫كحلي‪ ،‬وهو مسرور بها‪ ،‬في ثالث يوم في أحد أحياء‬
‫ٍ‬ ‫المركبات‪ ،‬جميلة جدًا‪ ،‬لون طحيني‪ ،‬الفرش بلو ٍن‬
‫دمشق ارتكب حادثاً فتحطمت تحطماً بالغاً‪ ،‬فلما جاءني شاكياً قلت له‪ :‬ألم تقل لي قبل أيام‪ :‬أنت بعت هذه‬
‫السيارة التي كانت عندك إلنسان‪ ،‬وأخفيت عنه العيب‪ ،‬إخفاء العيب حرام‪:‬‬

‫ور َك َل ُه َما ِفي َبْي ِع ِه َما‪َ ،‬وإ ْ‬


‫ِن َك َت َما‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ح َّتى َي َت َفَّرَقا‪َ ،‬فِإ ْن َص َد َقا‪َ ،‬وَبَّيَنا ُب ِ‬ ‫(( اْلبِيع ِ ِ ِ‬
‫ان باْلخَي ِار َما َل ْم َي َت َفَّرَقا‪ ،‬أ َْو َق َ‬ ‫َ َ‬
‫َوَك َذَبا ُم ِحَق ْت َبَرَك ُة َبْي ِع ِه َما ))‬
‫[ متفق عليه ]‬

‫إخواننا الكرام‪ ،‬من أروع األحاديث الشريفة‪:‬‬

‫ص َِ ِديقا‪،‬‬ ‫كتب ِعْند ِ‬


‫هللا ِ‬ ‫ق حتى ُي َ‬ ‫ِ‬ ‫(( ِإ َّن ِ‬
‫الص ْد َق َي ْهدي ِإلي الِب ِر‪ ،‬وإِن الِبَّر يهدي ِإلى‬
‫َ‬ ‫الر ُج َل َلَي ْص ُد ُ‬
‫الجنة‪ ،‬وإِن َّ‬
‫كذابا ))‬ ‫ِن الَّرجل ليكذب حتى يكتب عند ِ‬
‫هللا َّ‬ ‫ور يهدي ِإلى ِ‬ ‫الكذب يهدي ِإلى ال ُف ُج ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫النار‪َ ،‬وإ َّ ُ َ‬ ‫ِن ال ُف ُج َ‬
‫ور‪َ ،‬وإ َّ‬ ‫َ‬ ‫وإِن‬
‫[ أخرجه البخاري عن عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه ]‬

‫‪258‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫المؤمن ال يكذب‪ ،‬و بعض اآلباء دون أن يشعروا يعلمون أوالدهم الكذب‪ ،‬يقول البنه‪ :‬قل لهم‪ :‬إنني لست‬
‫هنا‪ ،‬هذا الكالم العملي يلغي ألف محاضرة في الصدق‪ ،‬الناس يتعلمون بعيونهم ال بآذانهم‪ ،‬ولغة العمل أبلغ‬
‫من لغة القول‪.‬‬

‫ال بمصر‪ ،‬وهو يمشي بمركبته مست مركبتُه مركبة أخرى‪ ،‬في المركبة‬
‫أحد إخوتنا الكرام والده فتح له معم ً‬
‫إنسان فوق التسعين‪ ،‬مات‪ ،‬هو شاب‪ ،‬فاتصل بمدير المعمل‪ ،‬هو موظف عنده‪ ،‬قال له هذا ما صار‪ ،‬قال‬
‫منتهيا‪ ،‬الضبط‬
‫ً‬ ‫له‪ :‬اطمئن‪ ،‬تعال بعد ساعة إلى المركز الشرطة الفالني‪ ،‬جاء بعد ساعة‪ ،‬كان كل شيء‬
‫وقع‪ ،‬قال له‪ :‬حصل‬‫بخالف الواقع‪ ،‬تلك السيارة التي فيها من مات هي التي ضربته‪ ،‬قال له المسؤول‪ِّ :‬‬
‫َ‬
‫خالف ذلك‪ ،‬قال له‪ِّ :‬‬
‫وقع‪ ،‬قال له‪ :‬ال أوقع‪ ،‬قال له‪ :‬عجيب‪ ،‬أول مرة إنسان أنا أخلصه‪ ،‬وهو ِّ‬
‫يوقع بنفسه‪،‬‬
‫قال له‪ :‬أنا ال أريد أن أنجو منك‪ ،‬أريد أن أنجو من هللا‪ ،‬ال أوقع إال على الذي حدث‪ ،‬فوقع أنه هو الذي‬
‫تسبب‪ ،‬و دفع الدية‪ ،‬وعين أوالده موظفين في المعمل‪.‬‬

‫أريد إنسانا كهذا اإلنسان‪ ،‬أريد مؤمنا إيمانه صارخ موظفين إيمانه يلفت النظر‪ ،‬ال نرقى إال بهذا‪ ،‬ال أوقع هذا‬
‫كالم فيه زور‪ ،‬أنا الذي صدمته‪ ،‬ما دمنا صادقين‪ ،‬ما دمنا نتحرى العدل فاهلل ينصرنا‪ ،‬فإذا ظلم بعضنا‬
‫بعضاً فاهلل يخذلنا‪.‬‬

‫وهللاِّ أنا أعتز بهذا اإلنسان الذي أتيحت له فرصة أن ينجو من كل مسؤولية لكنه تربى تربية إيمانية عالية‪،‬‬
‫قال‪ :‬أنا ال أوقع إال على الذي حدث‪ ،‬ويدفع الثمن‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ االحتكار‪:‬‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‬


‫صَّلى َّ‬ ‫اب َقال‪ :‬س ِّمعت رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َ ْ ُ َُ َ‬
‫أيها اإلخوة‪ ،‬معصية أخرى هي االحتكار‪ ،‬عن عمر ب ِّن اْلخ َّ‬
‫ط ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ََ ْ‬
‫ول‪:‬‬
‫َيُق ُ‬

‫َّللا ِباْل ُج َذا ِم َو ِْ‬


‫اإل ْف َال ِ‬
‫س ))‬ ‫ِِ‬
‫اما َضَرَب ُه َّ ُ‬
‫ط َع ً‬
‫ين َ‬
‫اح َت َكَر َعَلى اْل ُم ْسلم َ‬
‫(( َم ْن ْ‬
‫( رواه ابن ماجه عن عمر مرفوعا )‬

‫هو أراد أن يمتع جسمه بهذا المال الوفير‪ ،‬أراد أن يزداد ماله فأصابه مرض عضال‪ ،‬وماله أصابه اإلفالس‪.‬‬

‫َّللا ِباْل ُج َذا ِم َو ِْ‬


‫اإل ْف َال ِ‬
‫س ))‬ ‫ِِ‬
‫اما َضَرَب ُه َّ ُ‬
‫ط َع ً‬
‫ين َ‬
‫اح َت َكَر َعَلى اْل ُم ْسلم َ‬
‫(( َم ْن ْ‬

‫‪259‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫أيها اإلخوة‪ ،‬االحتكار أن تحبس بيع البضاعة‪،‬‬
‫وال سيما البضاعة الغذائية التي يحتاجها‬
‫الناس‪ ،‬أن تحبسها من أجل أن يرتفع ثمنها‪،‬‬
‫هل تصدقون أنه كما يكون البائع محتك اًر يكون‬
‫الشاري محتك ًار‪ ،‬كيف ؟‬

‫أنت تحتاج في الشهر إلى عبوة من غذاء‬


‫معين‪ ،‬فشعرت بأزمة‪ ،‬فاشتريت خمس عبوات‪،‬‬
‫هذا المستهلك الذي يشتري فوق حاجته‪،‬‬
‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬
‫صَّلى َّ‬ ‫ويسبب نقص هذه البضاعة محتكر أيضًا‪ ،‬خذ حاجتك‪ ،‬لذلك َقال رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ‬

‫ئ ))‬ ‫ِ‬
‫اح َت َكَر َف ُه َو َخاط ٌ‬
‫(( َم ْن ْ‬
‫(أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود)‬

‫خاطئ ليس مشكلة‪ ،‬اسمع‪:‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين (‪﴾ )8‬‬
‫ود ُه َما َكاُنوا َخاطئ َ‬
‫ان َو ُجُن َ‬ ‫﴿إ َّن فْر َع ْو َن َو َه َ‬
‫ام َ‬
‫( سورة القصص )‬

‫ئ ))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اح َت َكَر َف ُه َو َخاط ٌ‬
‫كلمة خاطئ في القرآن تعني أنه إلى جهنم‪ ،‬ويئس المصير‪َ (( ،‬م ْن ْ‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صلَّى َّ‬ ‫َع ِّن ْاب ِّن ُعم َر َع ْن َِّّ‬
‫النب ِّي َ‬ ‫َ‬

‫َصَب َح ِف ِ‬ ‫طعاما أَرب ِعين َليَل ًة َفَق ْد برِئ ِمن َّ ِ‬


‫يه ْم‬ ‫َّللا َت َعاَلى ِمْن ُه‪َ ،‬وأَُّي َما أ ْ‬
‫َه ُل َعْر َص ٍة أ ْ‬ ‫ِئ َّ ُ‬
‫َّللا َت َعاَلى‪َ ،‬وَبر َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫اح َت َكَر َ َ ً ْ َ َ ْ‬
‫(( َم ْن ْ‬
‫امرٌؤ ج ِائع َفَق ْد ب ِرَئ ْت ِمْنهم ِذ َّم ُة َّ ِ‬
‫َّللا َت َعاَلى ))‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ ٌ‬
‫(رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في األوسط )‬

‫َّللاُ َعَل ْي ِّه َو َسَّل َم‪:‬‬


‫صَّلى َّ‬ ‫اب َقال‪َ :‬قال رسول َّ ِّ‬
‫َّللا َ‬ ‫َ َ َُ ُ‬
‫عن عمر ب ِّن اْلخ َّ‬
‫ط ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ ََ ْ‬

‫ق‪َ ،‬واْل ُم ْح َت ِكُر َمْل ُعو ٌن ))‬


‫(( اْل َج ِال ُب َمْرُزو ٌ‬
‫[ ابن ماجه ]‬

‫ال تحتكر طعاماً‪ ،‬ويقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( من د َخل ِفي َشي ٍء ِمن أَسع ِار اْلمسِل ِمين ِلي ْغِليه عَلي ِهم َفِإ َّن حًّقا عَلى َّ ِ‬
‫َن ُي ْق ِع َد ُه ِب ُع ْظمٍ‬
‫َّللا َتَب َار َك َوَت َعاَلى أ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ ُ َُ َ ْ ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ام ِة ))‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن َّ‬
‫الن ِار َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫[ أحمد ]‬

‫‪260‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫الموظف له دخل محدود عشرة آالف‪ ،‬فرفعت عليه السعر‪ ،‬أنت أرباحك زادت‪ ،‬أما هذا صاحب الدخل‬
‫المحدود سحقته‪ ،‬عنده أوالد‪ ،‬عنده زوجة‪ ،‬وهو شريف ومستقيم‪ ،‬ال يأكل الحرام‪ ،‬لكنك أوقعته في حرج كبير‪،‬‬
‫أنت ضاعفت أموالك أضعافاً كثيرة‪ ،‬لكنك أوقعته في حرج شديد‪ ،‬إياك أن تبني مجدك على أنقاض اآلخرين‪،‬‬
‫إياك أن تبني غناك على إفقار اآلخرين‪ ،‬إياك أن تبني أمنك على إخافة اآلخرين‪ ،‬إياك أن تبني عزك على‬
‫إذالل اآلخرين إياك‪ ،‬هللا كبير هللا بالمرصاد‪ ،‬هللا عنده أورام خبيثة‪ ،‬عنده فشل كلوي‪ ،‬تشمع كبد‪ ،‬خثرة‬
‫بالدماغ‪ ،‬عنده أمراض تدع الحليم حيران‪ ،‬عنده عقاب يشيب لهوله الولدان‪ ،‬إياك أن تبني مجدك على أنقاض‬
‫اآلخرين‪ ،‬إياك أن تبتز أموالهم‪ ،‬إياك أن تلقي الرعب في قلوبهم‪ ،‬إياك أن تأخذ ما ليس لك‪ ،‬هناك إله عظيم‪.‬‬

‫َن ُي ْق ِع َد ُه ِب ُع ْظ ٍم‬ ‫(( من د َخل ِفي َشي ٍء ِمن أَسع ِار اْلمسِل ِمين ِلي ْغِليه عَلي ِهم َفِإ َّن حًّقا عَلى َّ ِ‬
‫َّللا َتَب َار َك َوَت َعاَلى أ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ َ ُ َُ َ ْ ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ام ِة ))‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن َّ‬
‫الن ِار َي ْوَم اْلقَي َ‬
‫[ أحمد]‬

‫‪ 9‬ـ الغش‪:‬‬

‫المعصية التاسعة الغش‪ ،‬أيها اإلخوة‪ ،‬أنواع الغش تحتاج إلى ُخطب‪ ،‬تغير صفات البضاعة‪ ،‬تغير منشأ‬
‫البضاعة‪ ،‬اللعب بالوزن‪ ،‬بالكيل‪ ،‬بالمساحة‪ ،‬باإليهام‪ ،‬هذا كله يؤدي إلى فقر‪ ،‬الغش أحد أسباب الفقر‪ ،‬يقول‬
‫عليه الصالة والسالم‪:‬‬

‫(( غبن المسترسل ربا ))‬


‫[ البيهقي عن أنس بسند فيه ضعف ]‬

‫البضاعة‪،‬‬ ‫بخصائص‬ ‫الجاهل‬ ‫المسترسل‬


‫والباعة عندهم حاسة سادسة‪ ،‬يشعرون أن هذا‬
‫المشتري جاهل بخصائص البضاعة فيبيعونه‬
‫أسوء بضاعة بأعلى ثمن‪ ،‬ويتوهمون أنهم‬
‫أذكياء‪.‬‬
‫حدثني أخ من إخواننا عن إنسان اشترى مركبة‬
‫جديدة‪ ،‬وهو ال يفهم ما فيها‪ ،‬فيها مشكلة‪ ،‬جاء‬
‫إلى أحد المصلحين‪ ،‬أعطاه وصفاً خطي اًر لعلة‬
‫فيها‪ ،‬وطلب مبلغا كبيرا‪ ،‬والمدة ثالثة أيام‪ ،‬وإصالح المركبة يحتاج إلى دقيقة واحدة‪ ،‬وال يكلف شيئًا‪ ،‬فأول‬

‫‪261‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫يوم أخذ أهله بهذه المركبة إلى الزبداني‪ ،‬وثاني يوم إلى الغوطة‪ ،‬وثالث يوم إلى طريق المطار‪ ،‬فقال له جاره‪:‬‬
‫يا رجل‪ ،‬اتق هللا‪ ،‬القضية تكلفك ربع ساعة وأنت جعلتها ثالثة أيام‪ ،‬وبمبلغ كبير جداً‪ ،‬قال له‪ :‬هكذا العمل‪،‬‬
‫أنا الذي أعمل الصواب‪ ،‬له ابن يعمل في مخرطة‪ ،‬دخلت نثرة فوالذ في عينه‪ ،‬كلفته العملية تقريباً خمسين‬
‫ألف ليرة‪ ،‬والقصة واقعية‪ ،‬هللاُ كبير‪.‬‬

‫َمن هو الغبي ؟ هو الذي يتوهم أن هللا ال يعاقب‪ ،‬قال أحدهم‪ :‬يا رب‪ ،‬لقد عصيتك‪ ،‬ولم تعاقبني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عبدي‪ ،‬قد عاقبتك ولم تدر‪ ،‬مليون مصيبة يسوقها هللا لك‪ ،‬أن تغش المسترسل فهذا ربا‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ التجارة في المحرمات‪:‬‬

‫آخر معصية‪ :‬التجارة في المحرمات‪ ،‬هناك مواد محرمة‪ ،‬ومشروبات محرمة‪ ،‬ولحوم محرمة‪ ،‬وبضاعة‬
‫محرمة‪ ،‬أشياء ال تعد وال تحصى‪ ،‬لمجرد أن تتاجر في المحرمات فقد وقعت في إثم كبير‪.‬‬
‫وهللا سبحانه وتعالى يريدنا أن نتعلم‪ ،‬فمن دخل السوق ِّمن دون فقه أكل الربا‪ ،‬شاء أم أبى‪ ،‬فمعرفة األحكام‬
‫الشرعية فرض عين على كل مسلم‪ ،‬ما الحالل وما الحرام‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ ،‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪ ،‬واعلموا أن ملك الموت‬
‫قد تخطانا إلى غيرنا‪ ،‬وسيتخطى غيرنا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪،‬‬
‫والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنى على هللا األماني‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫البَركة ‪:‬‬
‫المال الحالل فيه َ‬

‫أيها األخوة الكرام‪ ،‬المال الحالل فيه بركة‪.‬‬


‫إنسانا قال لي‪ :‬وهللا أنا عمري ست‬
‫ً‬ ‫وهللا زرت‬
‫فحوصا كاملة‪ ،‬فكانت‬
‫ً‬ ‫وتسعون سنة‪ ،‬وأجريت‬
‫النتائج طبيعية كلها‪ ،‬ثم أقسم لي باهلل إنه ما‬
‫أكل قرشًا حرامًا‪ ،‬وال يعرف الحرام النسائي‪،‬‬
‫فمن عاش تقياً عاش قوياً‪ ،‬حفظناها في الصغر‬
‫فحفظها هللا علينا في الكبر‪ ،‬هللا رزاق‪ ،‬رزاق‬
‫صيغة مبالغة‪.‬‬

‫‪262‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫(( وما ترك عبد شيئًا هلل إال عوضه هللا خي اًر منه في دينه ودنياه ))‬
‫[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]‬

‫هذه حقائق‪ ،‬لماذا نحن نأتي على المسجد ؟ كي نتعرف على الحقائق‪ ،‬نتعرف على منهج هللا‪ ،‬إلى أمر هللا‪،‬‬
‫إلى نهيه‪ ،‬إلى القوانين‪ ،‬إلى الخصائص‪ ،‬فلذلك مهمة المسجد أن تأخذ تعليمات الصانع‪ ،‬تعليمات الصانع‬
‫ليست من عند أحد من عند الخالق‪.‬‬

‫﴿ِإ ْن أ ََّتِب ُع ِإَّال َما ُي َ‬


‫وحى ِإَل َّي (‪﴾ )50‬‬
‫( سورة األنعام)‬

‫ال تقبلوا كلمة من دون دليل‪ ،‬ال تقبل كلمة واحدة‪.‬‬

‫هذه عشرة أسباب للفقر‪ ،‬كل أدلتها آيات أو أحاديث صحيحة‪ ،‬فإذا أراد اإلنسان أن يكون رزقه وفي اًر فليبتعد‬
‫عن هذه األسباب العشرة‪ ،‬والتعامل مع العباد وفق منهج‪ ،‬وليس هناك تعامل مزاجي‪ ،‬وأحيانا التعامل مع‬
‫إنسان مزاجي صعب‪ ،‬ليس له قاعدة‪ ،‬أما ربنا عز وجل فجعل التعامل معه مقننا بقوانين‪ ،‬النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم بين للناس ما نزل إليهم‪ ،‬فأنا أتمنى هذه القواعد العشر أن تحفظ‪ ،‬كل إنسان يعمل في البيع‬
‫والشراء‪ ،‬يكسب رزقه من التجارة عليه التقيد بهذه التعليمات التي أرادها هللا أن تكون منهجًا لنا‪.‬‬

‫الدعاء ‪:‬‬

‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪ ،‬وعافنا فيمن عافيت‪ ،‬وتولنا فيمن توليت‪ ،‬وبارك لنا فيما أعطيت‪ ،‬وقنا واصرف عنا‬
‫شر ما قضيت‪ ،‬فإنك تقضي بالحق‪ ،‬وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت‬
‫ربنا وتعاليت‪ ،‬ولك الحمد على ما قضيت‪ ،‬نستغفرك و نتوب إليك‪ ،‬اللهم اهدنا لصالح األعمال ال يهدي‬
‫لصالحها إال أنت‪ ،‬اللهم اهدنا ألحسن األخالق ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو‬
‫عصمة أمرنا‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا‪ ،‬واجعل الحياة زاداً لنا‬
‫من كل خير‪ ،‬واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬موالنا رب العالمين‪ ،‬اللهم اكفنا بحاللك عن حرامك‪،‬‬
‫وبطاعتك عن معصيتك‪ ،‬وبفضلك عمن سواك‪ ،‬اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين‪ ،‬وانصر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأعز المسلمين‪ ،‬انصر المسلمين في كل مكان‪ ،‬في العراق‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬وفي شتى بقاع األرض يا‬
‫رب العالمين‪ ،‬اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم األكرمين‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪263‬‬ ‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق‬


‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫سؤال‪:‬‬

‫الرزق هل فيه تخيير أم تسيير‪.‬‬

‫وهل رزق اإلنسان المادي وزوجته وأوالده مما هو مكتوب عليه بالضرورة أم هي نتيجة أخذه باألسباب ؟‬
‫وجزاكم هللا عنا كل خير‬

‫الجواب ‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين وبعد‪.‬‬

‫األخ الكريم ‪ /‬األخت الكريمة‬

‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ‪ ،‬إجابة على سؤالكم‪ ،‬نفيدكم بما يلي‪:‬‬

‫قد يحرم المرء بعض الرزق بالمعصية‪ ،‬الرزق متبدل لكن له بعض العالقة بالطاعة والمعصية والدليل قال‬
‫تعالى‪:‬‬

‫َّ ِ‬
‫اء َغ َدقًا ﴾‬‫اه ْم َم ً‬ ‫اموا َعَلى الط ِر َيقة َأل ْ‬
‫َسَقْيَن ُ‬ ‫َن َل ِو ْ‬
‫اس َتَق ُ‬ ‫﴿وأ ْ‬ ‫َ‬
‫اه ْم ِب َما َكاُنوا‬ ‫ض َوَل ِك ْن َك َّذُبوا َفأ َ‬
‫َخ ْذَن ُ‬ ‫السم ِ‬
‫اء َو ْاألَْر ِ‬ ‫َهل اْلُقرى آَمُنوا و َّاتَقوا َل َف َتحَنا عَلي ِهم برَك ٍ ِ‬
‫ات م َن َّ َ‬ ‫ْ َ ْ ْ ََ‬ ‫َن أ ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫﴿وَل ْو أ َّ‬
‫َ‬
‫َي ْك ِسُبو َن ﴾‬

‫َكُلوا ِم ْن َف ْوِق ِه ْم َو ِم ْن َت ْح ِت أَْر ُجِل ِه ْم ِمْن ُه ْم أ َّ‬


‫ُم ٌة‬ ‫يل َو َما أُْن ِز َل ِإَلْي ِه ْم ِم ْن َربِ ِه ْم َأل َ‬ ‫الت ْوَار َة َو ِْ ِ‬
‫اإل ْنج َ‬ ‫﴿وَل ْو أََّن ُه ْم أَ َق ُ‬
‫اموا َّ‬ ‫َ‬
‫اء َما َي ْع َمُلو َن﴾‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْق َتص َدةٌ َوَكث ٌير مْن ُه ْم َس َ‬
‫ويقاس عليها القرآن‪:‬‬

‫طِبْر َعَلْي َها َال َن ْسأَُل َك ِرْزقًا َن ْح ُن َنْرُزُق َك َواْل َع ِاقَب ُة ِل َّلت ْق َوى ﴾‬ ‫اص َ‬ ‫﴿وْأمر أَهَلك ِب َّ ِ‬
‫الص َالة َو ْ‬ ‫َ ُْ ْ َ‬

‫﴿و َم ْن َي َّت ِق َّ َ‬
‫َّللا َي ْج َع ْل َل ُه َم ْخَرجاً﴾‬ ‫َ‬
‫االستغفار يزيدك رزقًا‪ ،‬صلة الرحم تزيدك رزقًا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫‪264‬‬ ‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق‬


‫السماء عَلي ُكم ِم ْد ار ًار * ويم ِد ْد ُكم ِبأَمو ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم‬
‫ال َوَبن َ‬ ‫َُ ْ ْ َْ‬ ‫ان َغ َّفا ًار * ُيْرِس ِل َّ َ َ َ ْ ْ َ‬ ‫اس َت ْغفُروا َرَّب ُك ْم ِإَّن ُه َك َ‬
‫﴿ َفُقْل ُت ْ‬
‫َجَّن ٍ‬
‫ات َوَي ْج َع ْل َل ُك ْم أَْن َها اًر﴾‬
‫الصدقة‪ ،‬واتقان العمل‪ ،‬واألمانة‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬والتقوى‪ ،‬وإقامة القرآن الكريم‪ ،‬هذه عوامل زيادة الرزق‪.‬‬
‫إذا كان أحدهم كافر ورزقه واسع هذا موضوع آخر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫اب ُك ِل َش ْي ٍء َح َّتى ِإ َذا َف ِر ُحوا ِب َما أ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َخ ْذَنا ُه ْم َب ْغ َت ًة َفِإ َذا ُه ْم‬
‫ُوتوا أ َ‬ ‫﴿ َفَل َّما َن ُسوا َما ُذكُروا ِبه َف َت ْحَنا َعَلْي ِه ْم أَْب َو َ‬
‫ُمْبِل ُسو َن﴾‬
‫يقسم قسم‪.‬‬

‫أما الشطر الثاني من السؤال‪:‬‬

‫األسباب وحدها ال تكفي لخلق النتائج‪ ،‬األسباب أمرنا أن نأخذ بها واألسباب ترافق النتائج‪ ،‬أما أن تتوهم أنها‬
‫تخلق النتائج فهذا شرك‪ ،‬قلت البارحة أن اإلنسان يأخذ باألسباب ويعتمد على هللا‪ ،‬إن اعتمد عليها فقد أشرك‬
‫وإن لم يأخذ بها فقد عصى‪ ،‬أنت بين المعصية والشرك يجب أن تأخذ بها وأن تعتمد على هللا وحده‪.‬‬
‫الدكتور محمد راتب النابلسي‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫سؤال‪:‬‬

‫فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم‬

‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬

‫هل رضى الوالدين وغضبهم له عالقة بالرزق والتوفيق بالعمل ؟‬

‫لي أخ عاق لوالديه‪،‬وأنا والحمد هلل أعتقد أني بار لهم ‪ .‬وأنا أفكر في مشاركته لتأسيس عمل سوية ‪ .‬فهل من‬
‫الممكن نصحي بهذا الموضوع من الناحية الدينية ؟‬

‫وجزاكم هللا عنا كل خير ‪.‬‬

‫‪265‬‬ ‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق‬


‫الجواب‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين وبعد ‪.‬‬

‫األخ الكريم ‪ :‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ‪ ،‬إجابة على سؤالكم‪،‬نفيدكم بما يلي‪:‬‬

‫الشك أن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب والعياذ باهلل‪،‬ولكن هل كل مذنب يحرم الرزق‪..‬؟ هذا أمر متروك‬
‫هلل عز وجل وهو الذي (ال يسأل عما يفعل ) فقد يعجل العقوبة‪،‬وقد يؤخرها‪،‬وقد يتجاوز عنها لتوبة أو‬
‫حسنات ماحية‪ .‬وكم من عصاة بل كفرة يرزقون‪،‬في دنياهم‪،‬أكثر من أهل االستقامة والدين‪ !..‬وحديث (إن‬
‫الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ضعيف ‪.‬‬

‫بقي السؤال هل تشارك أخاك العاق‪..‬؟ ال‪...‬لقوله صلى هللا عليه وسلم (ال تصاحب إال مؤمنا وال يأكل‬
‫طعامك إال تقي ) و الشراكة عالقة أوسع وأعمق من الصحبة والمؤاكلة‪،‬وعاق والديه عاق لكل الناس ‪ .‬وهللا‬
‫أعلم‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫سؤال‪:‬‬

‫فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم‬


‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬
‫إذا كان هللا قد كتب الرزق لكل إنسان فلماذا يموت الناس من الجوع ؟‪.‬‬
‫وجزاكم هللا عنا كل خير‬

‫الجواب‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين وبعد‪.‬‬

‫األخ الكريم ‪ :‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫‪266‬‬ ‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق‬


‫إجابة على سؤالكم‪ ،‬نفيدكم بما يلي‪:‬‬

‫ال يمكن أن نكتشف عدل هللا بعقولنا‪ ،‬ألننا ال نملك علمًا كعلم هللا‪ ،‬ولكننا نعتقد به يقينًا من إخبار هللا لنا (‬
‫وما كان هللا ليظلمهم )‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫سؤال‪:‬‬

‫فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم ‪.‬‬

‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬

‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬قال هللا عز وجل‪:‬‬

‫يا ابن آدم ال تخافن من ذي سلطان مادام سلطاني باقياً وسلطاني ال ينفذ أبداً‪ ،‬يا ابن آدم ال تخشى من‬
‫ضيق الرزق وخزائني مآلنة وخزائني ال تنفذ أبدًا‪ ،‬يا ابن آدم ال تطلب غيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني‪،‬‬
‫وإن فتني فتك وفاتك الخير ‪.‬‬

‫يا ابن آدم خلقتك للعبادة فال تلعب‪ ،‬وقسمت لك رزقك فال تتعب‪ ،‬فإن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك‬
‫وبدنك‪ ،‬وكنت عندي محموداً‪ ،‬وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجاللي ألسلطن عليك الدنيا تركض فيها‬

‫ركض الوحوش في البرية ثم ال يكون لك منها إال ما قسمته لك‪ ،‬وكنت عندي مذموماً‬
‫يا ابن آدم خلقت السماوات السبع واألراضين السبع ولم أعي بخلقهن‪ ،‬أيعييني رغيف عيش أسوقه لك بال‬
‫تعب ؟؟‬

‫يا ابن آدم أنا لم أنس من عصاني فكيف من أطاعني ؟ وأنا رب رحيم وعلى كل شيء قدير ‪.‬‬

‫ياابن آدم ال تسألني رزق غد كما لم أطالبك بعمل غد ‪.‬‬

‫يا ابن آدم أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محبًا ‪.‬‬

‫نرجو منكم اإلفادة إن كان الحديث صحيحاً وذكر إسناده‪ ،‬ولكم منا جزيل الشكر ‪.‬‬

‫وجزاكم هللا عنا كل خير‬

‫‪267‬‬ ‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق‬


‫الجواب‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم والصالة والسالم على سيدنا محمد الصادق الوعد األمين وبعد ‪.‬‬

‫األخ الكريم ‪ :‬السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته ‪.‬‬

‫إجابة على سؤالكم‪ ،‬نفيدكم بما يلي‪:‬‬

‫هذا الحديث ال وجود له في كتب الحديث المعتمدة‪ ،‬وإنما ذكر في بعض كتب التصوف بعد عبارة ( وجاء‬
‫في بعض اآلثار ) دون ذكر سند أو إشارة إلى مرجع ‪.‬‬

‫وللفائدة أذكرك أن نسبة األحاديث الموضوعة في األحاديث القدسية أعلى بكثير منها في األحاديث األخرى‪،‬‬
‫ألن الوضاعين استغلوا قدسية تلك األحاديث في أعين الناس‪ ،‬وظنهم جهال أنها كالقرآن فكلها صحيحة ‪.‬‬
‫لذلك يجب التحري والبحث الدقيق‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪268‬‬ ‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق‬


‫محتويات الكتاب‬

‫مقدمة عن الكتاب ‪1.................................................................................‬‬

‫تمهيد ‪2.............................................................................................‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬مفهوم الرزق ‪26.....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )1-1‬حكمة هللا في الرزق ‪27.............................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )2-1‬الرزق في القرآن والسنة ‪33.........................................................‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬أحكام الرزق ‪47.....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )1-2‬الرزق و شروطه ‪48................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )2-2‬أبواب الرزق ‪67....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )3-2‬أنواع الرزق ‪74.....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )4-2‬الرزق الكفاف ‪90...................................................................‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬طلب الرزق ‪96.....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )1-3‬كسب الرزق ‪97....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )2-3‬طرق كسب الرزق ‪110.............................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )3-3‬قانون الرزق ‪119..................................................................‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬زيادة الرزق ‪126.....................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )1-4‬اسباب زيادة الرزق ‪127............................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )2-4‬التقوى ‪140........................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )3-4‬القناعة ‪153 ......................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )4-4‬صلة الرحم ‪166..................................................................‬‬

‫‪269‬‬ ‫محتويات الكتاب‬


‫الدرس (‪ : )5-4‬الشكر ‪179........................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )6-4‬العمل الصالح ‪194................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )7-4‬العبادات ‪213......................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )8-4‬قراءة القرآن الكريم ‪227.............................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )9-4‬الهجرة ‪242........................................................................‬‬

‫الدرس (‪ : )10-4‬األسباب التي تقلل الرزق ‪251....................................................‬‬

‫خاتمة ‪ :‬أسئلة و أجوبة عن الرزق ‪264..................................................................‬‬

‫‪270‬‬ ‫محتويات الكتاب‬

You might also like