Professional Documents
Culture Documents
العشق الالهى لطاهر أبو فاشا
العشق الالهى لطاهر أبو فاشا
العشق الالهى لطاهر أبو فاشا
"ط.أ"
أشواق و أذواق
كنا ثلثة نتحلق حول المائدة الثقافية التى يمدها التليفزيون العربى فى أمسيات الربعاءات :
الدكتور كمال جعفر أستاذ الفلسفة السلمية بجامعة القاهرة .و الستاذ فاروق شوشة .و
.كاتب هذه السطور
" أما الموضوع الذى وضع أمامنا على مائدة الحوار فهو " العشق اللهى
و العشق اللهى مقام من مقامات التصوف العليا ل يصل إليه السالكون إل بعد أن يجتازوا
طريق ًا طويلً من المجاهدة النفسية ،و الرياضة الروحية .و يتعرضوا لهزات عنيفة فى متاهات
.الوجود و الشهود
و من هذا المقام تسلل إلى أفكار أئمة المتصوفة بعض الشبهات .فكانوا هدفاً لسهام أهل الظاهر
.عندما احتدم الصراع بين الفقهاء و المتكلمين من ناحية .و هؤلء المتصوفة من ناحية أخرى
و اقتضانى هذا أن أعود إلى الغوص فى هذا البحر العميق للتمس تأصيلً لفكرة العشق اللهى
:.حقيقته ،و مراتبه ،و ظواهره ،و أعراضه
و انقطعت لذلك أياماً خرجت منها موقراً بزاد من شراب القوم حملته معى إلى تلك الندوة
.الثقافية
***
و لكن الستاذ فاروق كان يقود الندوة .و يوجهها فى الخط الذى حدده و رسمه .فكانت أسئلته
بمثابة حدود ليس لنا أن نتجاوزها ،أو نخرج عنها ،فلم يتسع المجال أمامى للشطح فى أودية
الذواق و الشواق التى يخوضها العشاق و أصحاب المواجيد من أهل الباطن ..و خرجت من
الندوة و ما زال فى الراووق أقباس لم يتسع لها وقت الندوة و لعلى أن أجد متسعاً لشئ منها
.فى هذه السطور إن شاء ال
على الطريق
و من المعروف أن بواكير النزعة الصوفية قد ظهرت فى مطالع السلم قبل بعثته عليه الصلة
و السلم .بتحنثه فى غار حراء .و فيما كان يأخذ به نفسه – بعد البعثة – من العبادة و
.الزهادة
و قد انتقلت هذه النزعة إلى الصحابة ،و من الصحابة انتقلت إلى التابعين ،و من هؤلء إلى
.تابع التابعين
و لكن هذه النزعة لم تأخذ وضعها كمنهج للحياة الروحية فى السلم إل فى أواخر القرن الثانى
.للهجرة
فقد هبت على العالم السلمى – منذ أواخر هذا القرن – نسمات لطيفة تحمل طيوب المجاهدات
.النفسية .و الرياضات الروحية الصوفية
لماذا ؟ و كيف ؟
ذلك أن الفتوحات العربية كانت قد بلغت مدى بعيداً .و حُملت إلى البلد العربية الموال و
الخيرات من كل مكان .و أخذت الثقافات الجنبية تطرق أبواب الفكر العربى .و جعلت
الحضارة العربية تزدهر .و ارتقت و تنوعت وسائل العيش ،و استبحر العمران .و خرج
العرب من بداوتهم ،و زايلتهم خشونتهم .و داخل الترف حياتهم .و ركنوا إلى زخرف الحياة
الدنيا ،و انعكست على صفحة حياتهم أعراض الترف ،و اللهو .و العبث .و جميع السلبيات
.التى تصيب المجتمعات الغنية المترفة
و كرد فعل لذلك ظهر تيار ينزع إلى الزهد ،و مجاهدة النفس ،و النقطاع للتأمل و العبادة .ثم
.أصبح ذلك منهجاً يميز السالكين طريق ال فى دروب الرياضة الروحية ،و المجاهدة النفسية
***
و فى القرن الثالث الهجرى عندما اتسع اتصال العرب بغيرهم ،و امتدت جسور الثقافات .و
تلقحت الحضارات – عندئذ داخلت التصوف السلمى عناصر كلمية ،و أخرى فلسفية .و
انشعبت مشارع الشريعة ،فأصبح هناك " علم الظاهر " و يختص به الفقهاء و المتكلمون .
.كما أصبح هناك " علم الباطن " و يختص به الصوفيون
و تحددت معانى الصوفية بأفكارها و رموزها و مصطلحاتها .و ظهرت كلمة " التصوف " و
اشتقوا منها فعلً .فقالوا " :تصوف " إذا سلك طريق الزهادة .و ضرب فى طريق الرياضة
.الروحية
ثم وقع الخلف فى اشتقاق الكلمة و نسبتها .فنظروا إلى مفهوم كلمة " التصوف " و قالوا :
إن الصوفى منسوب إلى الصفاء ..ثم قالوا :إن هذا ليس بشئ لن النسب إلى الصفاء صفوىّ
( .بفتح الصاد و الفاء ) ل صوفى
صفّة " و أهل الصفة فى مسجد الرسول ..و لما كان النسب إلى
و قالوا إنها منسوبة إلى " ال ُ
.الصفة " صفياً " ل " صوفياً " .فلذلك استظهروا أنها منسوبة إلى الصوف
و كان خصوم المتصوفة يأخذون عليهم ذلك .و ينددون بالخرقة و يقولون :
***
و فى مواجهة الحرب العنيفة التى شنها الفقهاء و المتكلمون على المتصوفة – لجأ هؤلء إلى
الرمز و الغموض ،و سارت المناهج الصوفية فى تيارين :
و ظهر فى سماء الحياة الروحية أقمار من أمثال السيدة رابعة العدوية التى كانت -بحق –
نغمة متقدمة من أنغام العشق اللهى الذى تردد بعد ذلك فى شعر الحسين بن منصور " الحلج
" و فى أشعار سلطان العارفين الشيخ الكبر " ابن عربى " ،و فى أشعار سلطان العاشقين "
ابن الفارض " و فى أشعار " السهروردى " الحكيم الشراقى يحيى بن حبش ..و غيرهم
ممن عرفوا الذواق .و خاضوا بحار الشواق .و ساروا على الطريق فكانت مجاهدتهم جسراً
إلى الحقيقة التى يتهدون إليها بما ورد فى الشرع ثم بقلوبهم و أرواحهم أكثر من عقولهم .
فهم كما يقول " فريد الدين العطار " ل يثقون بالعقل كثيراً .لن مقصد الصوفى وراء العقل ..
و لو أن الناس رجعوا إلى قلوبهم و أرواحهم لما وقعوا فى الخلفات و المشكلت التى يجرهم
إليها تحكيم العقول .
و يردد ابن عربى هذا المعنى فى أكثر من موضع مؤكداً أن الدراك العقلى يخطئ و يصيب ..
أما الدراك الروحى فهو ضمان وصولك إلى الحقيقة .
القلب و الروح .و ليس العقل على أى حال .و فى هذا يقولون من ( لزوم ما ل يلزم ) .
سرَّحه فى حيرة يلهو مَن رامه بالعقل مسترشداً
يقول من حيرته :هل هو ؟ و شاب بالتلبيس أسراره
و هذا المنهج الروحى هو الذى أدخلهم فى هياكل النورانية .و فتح أمامهم آفاق الشراق و
المحبة ،و تأدى بهم إلى العشق اللهى .
و من الذين سبقوا إلى تأصيل هذا المنهج ذو النون المصرى أبو الفيض ،فهو من أوائل من
تكلموا عن المقامات و الحوال .
و كان يرى أن المعارف مراتب أعلها معرفة الخاصة من الولياء و المقربين الذين يعرفون
ال بقلوبهم .و أن هذه المعرفة أسمى و أيقن لنها ل تحصل بالتعلم و التكسب و الستدلل و
لكنها إلهام يفيضه ال على قلب عبده .فيعرف ربه بربه .
و الحب بحسب متعلقاته أنواع و درجات .فمنه حب الذات الذى ينتهى إلى ما نسميه " النانية
" .و منه حب الغير الذى يصل إلى ما نسميه " اليثار " ..و منه حب الحياة .و منه حب
الكون كله و هو صورة من صور الحب اللهى لن مِن صِدق الحب أن تحب ما يصدر عن
المحبوب .
أما العشق .فهو – من الناحية اللغوية – إفراط المحب فى حب من أحب .و هو -أيضا – له
متعلقات و مراتب .تبدأ من الصورة المادية الحسية .ثم تنتقل فى مدارج الصعود حتى تصل
إلى الجمال المطلق و العشق اللهى .
و الفراط فى الحب الذى نسميه عشقاً يتطلب نوعاً من التسامى فى المعشوق ..أل ترى أنك
تستسيغ أن تقول " أحب التفاح " و لكنك ل تستسيغ أن تقول أعشق التفاح -مثلً -
و عن الحب و العشق يحدثنا " داود النطاكى " ،فى كتابه تزيين السواق بتفصيل أشواق
العشاق .و قد نُشر هذا الكتاب أخيراً فى ستة أجزاء خصص الجزء الول منها بالعشق اللهى .
و نلحظ أن كتاب داود النطاكى هذا أكثره نقولٌ من كتاب " مصارع العشاق " لبى بكر
السرّاج .
و يقول النطاكى إنه اعتمد على كتاب السراج ،و إنه أخذه و حذف منه العنعنات و السانيد و
التكرار .و أضاف إليه بعض الخبار .و رتبه فى فصول و بوّبه فى أبواب تتناول ماهية الحب
و حقيقته و مراتبه و علماته مستشهداً فى كل ذلك بالخبار و الشعار .
***
و يقرر داود النطاكى أن الحب يدل على أريحية فى الطبع .و لطافة فى الشمائل ،لن غاية
العاشق أن يحصل على رضا معشوقه .و هو ل يحصل على رضا المعشوق و إعجابه إل إذا
حصل على صفات الكمال التى تمل نفس المحبوب و تقربه منه .
و يروى أن ابن أبى كثير قال لبن الورقاء :هل عشقت حتى تكاتب و تراسل ؟ .قال :ل ..
فقال له :إذن لن تُفلح و ال أبداً .و أنشد :
و يرى الشيخ داود أن العشاق يعيشون فى مرتبة إنسانية أسمى و أعلى من حياة غيرهم :
فإذا كان هذا هو شأن الحب بعامة فكيف بالحب الكبير .العشق اللهى ..و كيف يصل إليه
السالكون ..و هل هو مقام .أو هو حال ؟
***
أولها :النفس المعدنية الجامدة التى ل تعقل ما يراد منها ..و ما يصدر عنها إنما يصدر
بالخاصية .أو بأمر أودعه ال فيها لمصالح يعلمها .
و ثانيها :النفس النباتية و هى أرفع من الولى باعتبار الذبول و التحلل .أى أنها تعيش و
تموت .ففيها نوع حياة .
و ثالثها :النفس الحيوانية ..و تفضل النفوس السابقة بالحركة الرادية ..و منها النفس
النسانية ،و هى أفضل النفوس لنها -كما يقول النطاكى -زبدة الكائنات .و ما دامت تملك
الحركة الرادية فهى مقتدرة على أن تتبع شهوات الجسم ،و عوارض التكثيف فتكون حيوانية
..أو تعمل على خلص النفس من ظلمة ماديتها .و إطلقها من قفص الجسم ،فتلحق بعالمها
الصلى ..و هذه هى النفس الملكية المتخلصة من عوارض الكثافة .المنتظمة فى محض
اللطافة .فالنسان منقسم كأصله ..متميز بفعله .
و بهذا يحدد النطاكى مفهوم العشق اللهى .فهو نزوع الروح إلى الروح الكبر .الذى منه
المبتدى .و إليه المنتهى .
و يوضح هذه الفكرة الدكتور عبد الوهاب عزام فى كتابه الممتع " فريد الدين العطار "
المؤرخ الصوفى الكبير الذى يقرر فى نصوص متعددة نقلها الدكتور عزام عن الفارسية -أن
روح النسان من روح ال .و أن الصوفية يحتجون لذلك بقوله تعالى ( :فإذا سويته و نفخت
فيه من روحى فقعوا له ساجدين ) و لهذا فإن صلة النسان بربه أقوى من صلته بالعالم ..
هكذا يقولون .
و يشير الدكتور عزام هنا إلى قصيدة الشيخ الرئيس " ابن سينا " المشهورة :
فالورقاء هنا رمز للنفس النسانية التى هبطت من عالم الروح العلى إلى عالم الرض ..
و لهذا يحن الواصلون من السالكين إلى التصال بالصل و الرجوع إليه .و ل يزالون يتدرجون
فى معارج الوصول حتى يصلوا إلى مقام العشق اللهى .
***
الطريق :
و ل يصل السالكون إلى هذا المقام إل بعد مكابدة رياضية .و مجاهدة نفسية يُصَفون فيها
أنفسهم .و يسمونها " طريقاً " .
و الطريق مراتب أو مراحل يسمونها " مقامات " و لكل مقام من هذه المقامات ظواهر
يسمونها " أحوالً "
فالمقام هو الذى يصل إليه السالك بالمجاهدة و المكابدة ،و العمل و العبادة ،و الزهادة .
فالمقام مجاهدة .و رياضة ،و سعى ،و عمل و اكتساب .
أما الحال فهو -عندهم – معنى يَرِد على القلب من غير تعمد أو اجتلب .مثل الحزن .و
الشوق ،و الطرب .و النس .
و لهذا قالوا " :الحوال مواهب .و المقامات مكاسب " .
مقامات و أحوال ..
و من هذه المقامات و تلك الحوال تأتينا أنفاس رجال الوقت من الصوفية و فيها عبق و أقباس
من أنغام الشراق .و النس ،و الطرب ،و الوله ،و الحزن ،و كل ما يتقلب فيه السالك من
أحوال المحبة التى تتوهج بها أشعارهم .
ففى مقام " الحفظ " يتجرد المحب للمحبوب وحده بحيث يكون الميل إلى سواه إشراكاً فى
الحب .أو ردة عن شرعة المحبة .و فى هذا يقول سلطان العاشقين :
و ل يزال العاشق يتدرج فى معارج الشوق و الوجد .و يضرب فى مقاماته حتى يصل إلى
سوَى ) بحيث يرى المعشوق فى كل شئ .فهو مرتبة يتحول فيها إدراكه عن غير المعشوق ( ال ّ
ل يرى فى كل ما يراه سواه :سوى المحبوب الذى ل يغيب عنه أبداً .أو كما يقولون :
و قد يكون عجيباً ذلك الشجن ،و هذا الشوق ..لن الشوق ل يكون حقيقة إل فى حالة البُعد .
فكيف به مع القرب .
و إذا وصل العاشق إلى مرتبة " العدم الكلى " فإنه ينصرف عن علئق هذه الحياة المادية
الفانية و يموت عنها ليعيش فى سلم مع نفسه حيث يرى أن " وجوده الحق " هو ذلك العدم ،
أو كما يقول الفارضى :
ت بغـُصتى
و إن لم أمت بالحب عش ُ فمَوتى بها وجداً حياة هنيئة
و قريب من هذه المرتبة مرتبة " الفناء " و يقصدون بها فناء العاشق فى المعشوق.
و لم تفنَ ما لم ( تُـجْـتـَلى ) فيك صورتى فلم تَـ ْهوَنِى ما لم تكن فىّ فاني ًا
و الحلج هو صاحب البيتين المشهورين .حيث يقول فى مقام الفناء عندما يفنى المحب فى
المحبوب فل يرى فى نفسه و فيما حوله سواه :
نحن روحان حلـلنا بدنـا أنا مَن أهوى و مَن أهوى أنا
و إذا أبصرتنى أبصرتنا فإذا أبــصـرتــَه أبصـــرتــنى
و ليس هذا المعنى مجرد خاطرة سنحت له ..و لكنه فكرة أصيلة ،تعاوده ،و تلح عليه و
يؤديها و يُعبر عنها بصور مختلفة .فهو يقول :
لو يشا يمشى على خدى مشى لـى حبـيـب حبـه بـيـن الحــشـا
ت .و إن شئتُ يشـا
إن يشا شئ ُ روحه روحى .و روحى روحه
و من أجل هذه الرموز التى قد يسمونها " شطحات " اصطدم أهل الظاهر بأهل الباطن .و قام
الصراع -كما قلنا -بين الفقهاء و المتكلمين من ناحية ،و المتصوفة من ناحية منذ القرن
الثالث الهجرى .و أوذى كثير من أعلم الصوفية و استشهد بعضهم .
أعلم و معالم ..
و فى تيه المحبة ما أكثر الذين تركوا لنا آثار أقدامهم على الرمال ..و ما أكثر الذين تقصوا
آثارهم .فوصل بعضهم و انقطعت السبيل ببعضهم .
و لكننا نحط رحالنا فى رحاب سلطان العارفين ،و سلطان العاشقين .
أو قل وحدة الوجود .و وحدة الشهود ..فهذه هى الوجازة الكافية الشافية التى تضع بين أيدينا
خلصة الفلسفة الروحية عند ابن عربى ،و عند ابن الفارض و من لف لفهما .
و وحدة الوجود مذهب يوحد بين الخالق و المخلوقات .أو يرد عناصر الكون فى تغيره و
ثبوته إلى أصل واحد عند من يقولون بالطبيعة .
و فى متاهات تفسير العلقة بين الوجود و الموجود شطحوا فظهرت فى كلمهم رائحة القول
بالطبع ،أو رائحة القول بالعلة الولى .أو علة العلل و هى نزعات غير مقبولة على إطلقها .
إذا أخذناها على ظاهرها .
و كنا فى أيام الحداثة و نحن نتعاطى الدروس الولى فى علم الكلم نستظهر من متن "
الخريدة .للمام الدردير " قوله :
***
و فى الحق أن وحدة الوجود طريق زلق شائك تزل فيه القدام ،و تتصارع الحقائق و الوهام .
و خلصة القول فيها -عندهم -أن ال و العالم شئ واحد .أليس ال موجودًا فى كل الوجود ..
فى كل مكان ؟ بلى .و لكن كيف ؟
قالوا -و ل المثل العلى -إن وجوده تعالى فى هذا العالم كوجود الماء فى الثلج .بمعنى أنهما
-فى الحقيقة -شئ واحد .فالثلج هو الماء .و الماء هو الثلج .و إن اختلفت الشكول و
المظاهر .
و هذا كلم قريب الشبه من كلم الرواقيين الذين يرون أن الحقيقة مادية ،تسودها و توجهها
قوة أزلية ( ال ) .
و فى هذا ملمح من الفلطونية الحديثة .و هى مذهب يجمع بين التصوف و الفلسفة أنشأه
فيلسوف " صعيدى " ولد بأسيوط فى القرن الثالث الميلدى و سمى نفسه " أفلطين " تأثرا
" بالمعلم الثانى " .
و كان أفلوطين هذا يقول بنظرية " الفيض " و فحواها أن الخالق الواحد -جل شأنه -فاضت
عنه جميع المخلوقات .و أن كمال النسان ل يتحقق إل بتجرده من الجسد .و اندماجه مع
الواحد .و معرفته بالشهود .
و هذا كما ترى فلسفة يمازجها التصوف .أو تصوف تشوبه الفلسفة .
إن القول بوحدة الوجود كالمشى على الشوك ..فهذا هو المنزلق الذى تردى منه المارقون إلى
الهاوية ..كما كان المعراج الذى صعد عليه الواصلون إلى عالم الذواق و الشواق على طريق
العشق اللهى حيث يرتفع اليقين إلى حقيقة أن روح النسان من روح ال ،و أن صلته بال
أقرب من صلته بالعالم .و فى هذا يقول أبو الفيض ذو النون المصرى " :إن بين الرب و
العبد حباً متبادلً ،و من ذاق الحب اللهى عرف الذات اللهية " .
***
و قالوا :إن الروح ليست محدودة بالجسم ،و إل كانت جسماً .و لكنها موصولة به تثير
الشوق إلى المتزاج بالصل الذى هو كل شئ ،و ليس فى عالم الحقيقة حقيقة سواه .
و فى بحار العشق اللهى .و فى متاهات الشوق تواجد القوم ،و ذهلوا عن أنفسهم ،و
شطحوا و أبعدوا فقال بعضهم " :أنا الحق " و نسب إلى بعضهم قوله " ما فى الجبة غير ال
" و صوروا تجاريبهم تلك الروحية العميقة فى أشعارهم الرمزية الغامضة فأثاروا عليهم أهل
الظاهر من الفقهاء و علماء الكلم الذين رموهم بالزيغ و المروق ،و اعتنوا بهم و أوسعوهم
رهقاً .و من هنا كانت المآسى و الفواجع التى امتحن بها هؤلء العلم .
محن و فتن
و يتهمون الصوفية بالسلبية ،و النقطاع للتأمل و الزهادة .و النعزال عن قضايا الحياة .و
مشاكل الجماهير .
و قد ل نرى رداً على هذه الدعوى أبلغ من الشارة إلى حياة الكثيرين من رجالهم فى " الربط
" يرابطون فيها مع المقاتلين ،و يستخدمون نفوذهم الروحى ،و يستثيرون الهمم ،و
يستنفرون الرجال ..
إن هذا يقودنا إلى اللمام بطرف من حياة رجل الوقت الصوفى الكبير الشهيد " الحسين أبى
منصور الحلج " و وقوفه راسخاً شامخ ًا كالجبل الشم فى وجه القوى التى تألبت عليه و هو
ل يملك غير دفء الحقيقة ،و عواطف الجماهير .
***
كانت بغداد يومئذ قد انتهت إلى درك بعيد من النحلل و الفساد ،و شاع فيها الترف .و انتشر
الميل إلى الجوارى و الغلمان .
و الناس على دين ملوكهم ،فقد كان على كرسى دولة الخلفة .الخليفة جعفر " المقتدر " و
كان صبياً لهياً يتدله فى حب جارية رومية شغفته حباً فأسلمها قياده ،و انصرف إلى العبث .
و اللهو ،و المجون بين جواريه و غلمانه .تاركاً تصريف شئون الملك لوالدته ،و هى أم ولد
اسمها " شغب " فصار فى يدها كل شئ ،و أصبح إليها المر و النهى .
و على الجانب الخر كانت الخلفات العقائدية تطحن " أهل الظاهر " و " أهل الباطن " معاً ،
فاحتربت الفرق الدينية من معتزلة .و حنابلة .و أشاعرة .و صوفية .
***
و فى هذا الجو المضطرب الخانق ارتفعت صيحة " الحلج " و هاجم النحلل و الفساد فى
غير هوادة .و دعا إلى تطهير الحكم و نظافته ،فكان صوته أعلى من صوت الحاكم و بطانته .
و التفت حوله الجماهير و قد أثارتهم دعوته ،و اهتز عرش الخلفة فى بغداد ،و اشتد
الصراع على الملك ،و نجحت الثورة و ارتفع إلى عرش الخلفة الشاعر البلغى المعروف "
عبد ال بن المعتز " .
و لكنه لم يستمر فى دست الحكم إل يومًا واحداً ،فقد نجحت الثورة المضادة و التف حول
المقتدر خواصه و أنصاره فاستعاد عرشه .و قبض على ابن المعتز و قتله .
***
و كان لبد لهم من إسكات ذلك الصوت الذى ظل مرتفعاً قوياً يطرب السماع و ينفذ منها إلى
القلوب .
و كان الحلج يناضل فى أكثر من جبهة ..كان يقاوم الجبهة التى يقودها الحكام و بطائنهم
الذين أفسدوا الحياة السياسية فى بغداد ..كما كان يقاوم الجبهة التى يقودها علماء الظاهر من
الفقهاء و المتكلمين الذين يناصبون الصوفية العداء ،فاجتمع عليه هؤلء و هؤلء .و أخذوه
بكلمات لم يصلوا إلى أغوار معانيها .و اختلقوا عليه بعضها .و واجهوه بقوله " أنا الحق "
و رموه بالشعوذة ،و اتهموه بالمروق و اللحاد ،و ادعاء اللهية ،و القول بالحلول و التحاد
.
و جاءوا به مكبلً بالغلل ،و لم يعجزهم أن يدبروا الشهود ،و لم يكونوا فى حاجة إلى شهود
،فهم قد جاءوا به ليحكموا عليه ل ليحاكموه .
و لكن إذا كانوا يريدون قتله فلماذا يقتلونه على هذه الصورة الرهيبة الراعبة التى تناقلها
الرواة ؟ !
و ثارت الجماهير .و اهتزت قوائم الحكم من جديد .فعجل ذلك بالنهاية .
و العجيب العجيب أنهم اشتطوا فى تعذيبه ،و انصب عليه الجلدون بسياطهم و هو يبتسم ،و
يتواجد و يترنم قائلً :
و إذا كان هذا عجيباً فأعجب منه أنهم بتروا يديه ،و قطعوا قدميه و هو هو لم يجزع و لم يتألم
،و لم تفارق البتسامة شفتيه و هو يترنم و يتواجد و يقول :
ذلك -عند أهل الظاهر -من المستحيلت التى تخرق الناموس و تخرج عن المألوف .و لعل
هذه الخبار أن تكون من صنع الرواة .فهى -عندهم -شئ يخرج عن نطاق التصور و
التصديق .
و أنا رجل عقلنى .أميل إلى المادية ،و ل أومن بالخرافات .و ل أصدق أن الشئ يكون إل أن
يكون لحدوثه سبب طبعى يدخله فى نطاق المعقول المقبول .
و لكنى مع هذا أتصور أن ذلك شئ ممكن الوقوع ..و عندى لذلك أسباب و مبررات .و تفسير
مقنع .
ذلك أن الحساس باللم ل يحدث لمجرد وقوع المؤثر ( السبب ) و إنما بانتقال أثر هذا المؤثر
إلى المخ ..و هو ينتقل إلى المخ بواسطة شعيرات دقيقة تصب فى النسيج العصبى الذى يليها
عن طريق " العصب الوارد " الذى يخترق النخاع الشوكى و يصل إلى قشرة المخ حيث يوجد
مركز الحساس ،و عندئذ يحدث الشعور باللم .و يظهر الثر فى مكان المؤثر .
فالحساس عملية تتم فى المخ .و تظهر فى مكان حدوث المؤثر .
فإذا سكت مركز الحساس فى المخ عن عملية الحساس باللم لى سبب فعندئذ ينعدم الشعور
باللم – كما هو الشأن مع مشرط الطبيب فى العمليات الجراحية .
و اعتبر ذلك فى المخدور ،أو الواقع تحت تأثير " البنج " أو الغماء أو الستغراق ..فإذا
حدث شئ من ذلك فإن المخ ل يقوم بدوره فى عملية الحساس باللم .
من الممكن أن نتصور أن هذه هى حالة " الثمل الروحى " التى ارتفعت إليها روح الحلج ،و
استغرقته إلى الدرجة التى يتعطل فيها المخ عن الحساس باللم و هم يجلدونه و يقطعون يديه
و رجليه .
و قد نستأنس لذلك بما روته أخت الحلج عندما جاءها فى المنام بعد مصرعه فى قصة نذكرها
من باب الستئناس و ليس من باب الستدلل ،فقد ذكروا أن الحلج جاء لخته فى المنام بعد
مصرعه فقال لها :يا أخت إلى كم تبكين علىّ ؟ .فقالت :كيف ل أبكى و قد جرى عليك ما
جرى ..فقال لها :يا أخت ..عندما قطعوا يدى و رجلى .كان قلبى مشغولً بالمحبة ،و لما
صلبونى كنت شاهداً ربى فلم أدر ما فعلوا بى .
و الحكمة الشراقية
و كذلك فعلوا بالسهروردى " المقتول " أبى الفتوح يحيى بن حبش الحكيم الشراقى الذى
جمع بين الفلسفة و التصوف فيما كان يسميه " علم النوار " و كان جماع حكمته الشراقية
أن الحقائق العلوية ل تنكشف بالفكر و إنما تنكشف بالذوق .
و نجد فى أشعاره العذبة أقباس ًا من مواجيده و رموزه تتوهج فيها أشواقه التى يتغنى بها فى
قوله :
***
و تنبهنا المراجع الصوفية إلى أنهم يقولون السهروردى " المقتول " تمييزاً له عن أبى حفص
عمر السهروردى الفقيه المتصوف .و كلهما من مواليد سهرورد و هى بُليدة من أعمال
فارس .
و لقد كانت شطحات السهروردى و سبحاته الروحية فى مغاصات العشق اللهى و وحدة
الوجود أمرًا تعاظم أهل الظاهر من فقهاء الشام الذين ناظرهم فى حلب فظهر عليهم ،و
أحفظهم عليه فسعوا به لدى صلح الدين اليوبى ،فأمر ابنه " الظاهر " سلطان حلب بقتله
فقتلوه عام 1119م .
و سلطان العارفين
و كان سلطان العارفين الشيخ الكبر " ابن عربى " ممن أوغلوا فى مفازات وحدة الوجود ،و
انطلقوا منها إلى آفاق العشق اللهى و هو القائل .
و لم يقل ابن عربى بوحدة الوجود و حسب ،و إنما قال أيضاً بوحدة الديان ،فالدين كله ل .و
هى نظرة سمحة متقدمة .
و كان جماع فلسفته قوله " :سبحان من خلق الشياء و هو عينها " يعنى أن وجود
المخلوقات هو عين وجود الخالق ،و وجود ال تعالى هو الوجود الحقيقى و وجود العالم هو
الوجود الوهمى .
و قد مر بنا كيف أخذوا الحلج بظاهر قوله " أنا الحق " .
و كنا فى صدر الشباب نلم بكتاب ابن عربى الشهير " الفتوحات المكية .فى معرفة السرار
الملكية و الملكوتية " فنقرأ فيه ما يبهر عقولنا ،و يبلبل أفكارنا .كقوله فى مقدمة هذا الكتاب
" :و لما حيرتنى هذه الحقيقة .أنشدت على علم الطريقة .للخليقة :
و مثل ذلك أو أبعد منه إغراباً أبيات وردت فى " فصوص الحكم " تجدها فى " فص الحكمة
اللوطية " .
و كنا فى أيام الحداثة نستظهر هذه البيات و نرويها للغراب و المباهاة .و لم تسمح لنا حداثة
السن يومئذ أن نحلق فى هذه الجواء البعيدة ،أو أن نقترب من حقيقة معناها الباطن .فهل
اقتربنا من حقائق معانيها الن بعد أن كل العمر .و تجاوزنا حدود الشباب ؟
***
ثم كان ابن عربى -إلى هذا -يثير قضايا كلمية مثيرة تنبع من رؤيته لوحدة الخالق و
المخلوق كما ترى فى قوله :
و لهذا لم يكن مستغرباً أن يثور به الفقهاء .و أهل الظاهر و الرأى من أمثال ابن تيمية ،و ابن
خلدون و ابن حجر ( العسقلنى ) و غيرهم ممن فسقوه و رموه باللحاد و الحلول و القول
بوحدة الوجود -كما يفهمونها . -
و لم يكن مستغرباً -أيضاً -أن ينبرى للدفاع عنه أعلم من الفقهاء و أهل الرأى من أمثال
المام الرازى .و الصفدى .و مجد الدين الفيروزأبادى ( صاحب القاموس المحيط ) و غيرهم
ممن فهموه و عرفوا قدره و عدوه شيخهم الكبر .
و عندما جاء ابن عربى إلى القاهرة .و نزل على جماعة من أهل الطريق فى " زقاق القناديل
" بحى الزهر -عندئذ انتشرت أفكاره هذه فأثارت علماء الظاهر فى مصر فسعوا بينه و بين
الملك العادل .فأوغروا صدره عليه فكاد يوقع به و لكنه نجا بنفسه و انحدر إلى بلد الشام
ليلقى وجه ربه فى دمشق و يدفن بها فى عام 1240م .
و سلطان العاشقين
و ذاتى بآياتى علىّ استدلت إلىّ رسولً كنت منى مرسلً
و كان ممن ساروا على هذا الدرب سلطان العاشقين " شرف الدين أبو حفص عمر "
المعروف بابن الفارض الحموى أصلً .القاهرى مولداً و نشأة و وفاة ،فقد قدم أبوه من "
حماة " إلى مصر ،و تولى عملً يشبه عمل " القاضى الشرعى " من بعض الوجوه إذ كان
يقوم بإثبات ما يفرض للنساء من الحقوق على الرجال .و لهذا لقب بالفارض .
و ابن الفارض هو شاعر العشق اللهى غير منازع .و لهذا لقب بسلطان العاشقين ..و قد
سلك طريق المجاهدة و الرياضة النفسية ،فساح فى وادى المستضعفين بالجبل المقطم ،كما
ساح بأودية مكة حيث قضى خمسة عشر عاماً عاد بعدها إلى القاهرة ليعطر أجواءها بنفحات
من طيوب شعره الذى لم يأخذ من جماله بعض التكلف الذى جعل يثقل الشعر فى هذا العصر و
العصور التالية .بتراكم المحسنات ،و التقديم و التأخير .و المشاكلة اللفظية و الغراب كما
ترى فى قوله :
و لكنك إذا تجاوزت عما يعترضك من أمثال ذلك فإنك واقع على أطايب الفارضى و روائعه التى
يحلق بها فى سماء العشق اللهى .
و إذا كان ابن عربى يقول بوحدة الوجود فإن ابن الفارض يذهب إلى وحدة الشهود .و هى
ليست بعيدة عن وحدة الوجود و لكنها تزيد عليها باتخاذ المتزاج بين المحب و المحبوب سبيلً
للمعرفة عن طريق الشهود .
و مما يروى فى هذا الصدد أن ابن عربى قام بنفسه أن يضع شرحاً لقصيدة ابن الفارض " نظم
السلوك " و هى التائية الكبرى ..و سأل ابن عربى ابن الفارض فى ذلك فقال له :كتابك "
الفتوحات المكية " شرح لها .
ثم إن ابن الفارض -كابن عربى -يقول بوحدة الديان .و أن الدين كله ل .
و لبن الفارض ديوان شعر كبير شرحه البورينى " حسن البورينى " شرح ًا لغوياً و أدبياً .و
شرحه عبد الغنى النابلسى الصوفى الكبير شرحاً صوفياً ..و قد طبع الديوان مع شرح البورينى
و قطوف من شرح النابلسى فى جزأين كبيرين يقعان فى أكثر من خمسمائة صفحة من القطع
الكبير .
و من هذا الديوان نقع على قصيدة " الخمر اللهية " و نقتطف منها هذا العناقيد .
سكرنا بها من قبل أن تُخلق الكرم شربنا على ذكر الحــــبيب مدامــــــــة
ولول سناها ما تصورها الوهـــــم ولول شذاها ما اهتــــديتُ لحـــــــــانها
نشاوى ول عار عليهم ول إثــــــم إذا ذكرت في الحي أصبــــح أهــــــــله
أقامت به الفراح وارتحل الهــــــم وإن خطرت يوماً على خاطر امـــرىء
لعادت إليه الروح وانتعش الجسم ولو نضحوا منها ثـــرى قبر مـــــــيت
خبير .أجل عندي بأوصافها علـــم يقولون لي صِـــفها فأنت بوصفــــــها
ونور ول نار .و روح ول جســـم صفاء ول ماء .ولطـــف ول هــــــــوا
شربتُ التي في تركها عندي الثم وقالوا :شربت الثم ..كـــل .وإنمـــا
كذلك لم يسكن مع النغم الغــــــــم فما سكنتْ و الهم يوماً بموضــــــــــع
ومن لم يمت سكراً بها فاته الحزم فل عيش في الدنيا لمن عاش صاحي ًا
وليس له فيها نصيب ول سهم .. على نفسه فليبك من ضـــــــاع عمره
و سألنى الستاذ فاروق شوشة و نحن نجلس إلى مائدته الثقافية :هل هناك صلة بين الحب
اللهى و الحب البشرى ؟ .
و من خصائص الحب أن يحب المحب كل ما يصدر عن المحبوب ..و من هنا كان حب
الواصلين للكون كله فما بالك بالنسان .
و اعتبر ذلك فى المنهج السلوكى الذى يعتمد على الشيخ و المريد " التلميذ " .
و هنا يرد قولهم :إن المريد كان مراداً قبل أن يكون مريداً.
و هنا تتجلى المحبة البشرية فى حب ال بين الشيخ و المريد .و بين المريد و المريدين .و
بين هؤلء و النسانية جمعاء .
***
أما فى منهج الفلسفة الروحية فمع التسليم بوجود هذه الصلة فإنها تختلف فى الدرجة .لن
المر هنا يرجع إلى المقامات التى يجتازها المسافرون إلى ال كما يرجع إلى الحوال التى
يتقلبون فيها .فمنهم من يحب الكون كله باعتباره مظهراً يتجلى فيه جمال الصانع الكبر ..و
منهم من يشغله حبه تعالى عن حب غيره بحيث يستغرقه هذا الحب فل يحب سواه ..و قد
سُئلت السيدة رابعة العدوية :كيف حبك لرسول ال :فقالت ،إن و ال أحبه حب ًا شديداً و لكن
حب الخالق شغلنى عن حب المخلوق .
إن هذا يعنى أن حب ال تعالى -إذا استغرق القلب -يطغى على كل حب فل يكون فى قلب
المحب مكان لغير المحبوب .أو كما يقول الحلج :
و لن الصوفيين يعيشون فى عالم من المواجيد الروحية دارت أنغامهم حول هذه المعانى .و
جاءت أشعارهم أقباس ًا من الوجد .و الشوق .و الذوق .و النس .و الطرب .و الحزن و
الفناء تبعاً للمقامات و الحوال ..على أى حال ،فعبقت أشعارهم بالنفحات القدسية .و النفاس
الروحانية .
و الشعر الصوفى لون فريد فى الشعر العربى .ليس من حيث موضوعه و حسب .و لكن
من حيث أسلوبه .و طريقة أدائه .و رموزه و كناياته .
و للشعر الصوفى معجمه الخاص ،و تعبيراته الرمزية الخاصة ،المر الذى شحنه
بالغموض ،و بخاصة بعد اتساع الفتوحات السلمية ،و اختلط الحضارات و لقاح الفكار
و الفلسفات ..عندما اختلط التصوف السلمى بعناصر كلمية .و أخرى فلسفية .
و أنت تلتمس الرمزية فى مأثور الشعر العربى فل تكاد تعثر عليها إل فى أشعار المتصوفة
.فهم يصوغون أفكارهم فى صور رمزية ل تخلو من ضبابية تتسم بالغموض فهم -مثلً -
يذكرون الخمر بأسمائها و أوصافها و يريدون بها المعرفة ،أو الشوق و المحبة .و
الحبيب .و يذكرون الندامى و يقصدون بهم السالكين .و يذكرون أهل الدير و يريدون بهم
أصحاب المعارف ..فهم يستخدمون الرموز فى التعبير الفنى عن تجاربهم الروحية .
و إذا سألت :لماذا الرمز ؟ و لماذا الغموض ؟ طالعك أكثر من جواب .
فمن قائل :إن هذا الغموض يراد به الحرص على المعانى الصوفية ،و صون القداسة و
أسرار الروحانيات .
و من الواضح أنهم حين يشطحون يخالفون فى شطحاتهم أهل الظاهر ،و يجتلبون
خصومتهم ،و يكونون هدفاً لحملتهم ،و لهذا لجئوا إلى الرمز و الغموض ليتسع لهم باب
التأويل ليخرجهم من مؤاخذة أهل الظاهر الذين يتربصون بهم ..و ربما كان أقرب مثل
لذلك ما حدث للشيخ الكبر " ابن عربى " عندما قال :
فقد أنكروا عليه ذلك ،و قالوا له :كيف تقول إنك تراه و ل يراك ؟ ! فقال :
فتخلص بذكر متعلقات للفعال بحيث يظهر المعنى بعيداً عما يوحى به ظاهر اللفاظ .
فقد وجد القوم أنفسهم فى عالم روحى ل يستطيعون اللمام بأطرافه أو كما يقولون :
من بحره غرقت فيه خواطره إذا تغلغل فكر المرء فى طرف
و قد وجدوا أنهم ل يستطيعون باللفاظ المحدودة ذات الحروف التسعة و العشرين أن
يعبروا عن هذا العالم غير المحدود .فلجئوا إلى الصيغ الرمزية و فى هذا يقولون :
***
و أخيرًا نقول :إن الغموض قد يكون مقصوداً لذاته ،لنه يحدث لذة فنية فى نفس المتلقى
إذا تأمل مطاوى الكلم و وصل إلى حل رموزه و فهم معناه ..و ذلك شبيه بالراحة النفسية
التى يجدها النسان عندما يصل إلى حل لغز من اللغاز ،و لهذا كانت اللغيز منذ كانت
رياضة عقلية محببة .
***
و هناك خصيصة أخرى ينفرد بها الشعر الصوفى و هى :وحدة الموضوع .
و إذا أنت تجولت فى بساتين الشعر الصوفى فسوف ترى أنها تنتظم أشجاراً متناظرة تنتمى
إلى أصل واحد .و تثمر نوعًا واحداً من الثمار ..و إذا كان هناك اختلف فهو فى الحجم ،
أو فى الجودة ،و ليس فى النوع على أى حال .
و عهدك بدواوين الشعر التقليدى أن ينتظم الواحد منها ألواناً متباينة من القصائد المختلفة
ألوانها و فنونها ،ففيها المدح و الهجاء .و الغزل و الوصف ..إلخ خلفا لدواوين
الشعراء الصوفيين التى تمثل خطوة متقدمة فى وحدة الديوان الشعرى و تناوله موضوعاً
واحداً يتناولونه مباشرة فيطرقون باب الندم و التوبة و الستغفار و الدعاء ..أو يتناولونه
بصورة غير مباشرة فتكون قصائد العشق اللهى الذى يفغم أشعارهم بطيوب المواجيد
الروحية .
***
و صحيح أنه قد سبقت محاولت لترجمة بعضه إلى العربية .و لكنها كانت بمثابة قطرات
من بحر ..ثم هى ل يمكن أن تنقل هذا الشعر إلى العربية بكل صناعته الفنية .و خصائصه
الجمالية ،لن قصارى المترجم أن ينقل إلينا المعانى ،و ليست المعانى هى كل الشعر .
و نحن نميل إلى رأى الجاحظ فإن شيخنا أبا عثمان يقول " :إن الشعر ل يترجم ،و ل
حوّل انقطع نظمه .و بطل وزنه .و سقط موضع العجب منه يجوز عليه النقل ،و إنه متى ُ
".
و غنى عن البيان .أن شيخنا أبا عثمان .يتكلم عن الشعر الغنائى الذاتى .فهذا هو الشعر
العربى فى أيامه فلم ينتظم ديوان الشعر العربى -إلى أيامه -الشعر الملحمى أو القصصى ،
أو التمثيلى و مثل هذه اللوان من الشعر الموضوعى تيسر الحداث فيها ترجمتها من لغة
إلى لغة .
***
و نحن نتجول فى بساتين الشعر الصوفى فنستروح أقسام هذه المواجيد ،و ننشق
عبيرها ،و نستجلى ملمحهم الصوفية فى تلك الشعار باعتبارها الصياغة الفنية لهذه
التجارب الروحية فى بحار الشوق و المحبة .
و ربما كانت السيدة " رابعة العدوية " هى المقدمة الموسيقية الرائعة المبكرة التى سبقت
إلى التعبير عن تجربتها الروحية بهذه النغام الشائقة و الشيقة معاً .
كانت تقول عن صلتها بال " :و ال ما عبدته خوفاً من ناره و ل طمعاً فى جنته .فأكون
كالجير السوء .إذا خاف عمل ..و لكنى أعبده حباً له .و شوقاً إليه " .
و سئلت مرة " :كيف رأيت الحب بينك و بين المحبوب ؟ " .فقالت " :ليس للمحب و
حبيبه " بين " و إنما هو نطق عن شوق ،و وصف عن ذوق ،فمن ذاق عرف .و من
وصف فما وصف ..
و كيف تصف شيئاً أنت فى حضرته غائب ،و بشهوده ذائب ،و بصحوك منه سكران .و
بفراغك منه ملن " .
و أنشدت :
و لكننا نجد فى هذه الشعار اختلفاً فى النفاس -المر الذى يدل على أن بعض ما نُسب
إليها من الشعار مضاف إليها .محمول عليها و قد نسبوا إليها بعض أبيات أبى فراس
المشهورة :
***
و قد بقى لنا من رابعة العدوية أخبار متناثرة ،نرى فى ضوئها ملمح السيدة رابعة ،كما
ى بتقديم
تبدو فى نفسى صورتها " شهيدة العشق اللهى " تلك الصورة التى أوحت إل ّ
السيدة رابعة فى هذه الصورة الفنية .التى صدحت بأغانيها أم كلثوم ..فهنا لنا وقفة بين
الحقيقة التاريخية .و الحقيقة الفنية إن صحّ هذا التعبير .
شهيدة العشق اللهى
شخوص
رابعة
المير
أبو حرام |
|
أصدقاء الحانة هشام |
|
حمزة |
مبروك :خادم
مالك :خادم
علقمة |
|
أصدقاء ابن زياد ورد |
|
همام |
اللص
مدينة البصرة .و كوخ صغير فى طرف المدينة تأوى إليه أسرة فقيرة :الشيخ عبد ال
( والد رابعة ) ،و زوجته أمة ال .و بناتهما الثلث .
إنه يستقبل مولودًا جديداً .و يرجو أن يكون غلماً على بناته الثلث ..و جلس الشيخ
ناحية يفكر .
و يعرف أن المولود بنت .و يرفع الب رأسه قائل و هو يتنهد :
عبد ال :هيه يا صغيرتى .أنت ل تعرفين الحياة ،و لكنك تستقبلينها بالبكاء ( .ثم يتنهد و
هو يقول ) ..هكذا الدنيا ..بكاء ساعة نستقبلها .و بكاء ساعة نخرج منها (.و يصل إليه
صوت بكاء المولود ) ابكى ..ابكى يا صغيرتى .
أسماء ( :و معها سكينة أختها تقبلن فى فرح ) ..أبى ..أبى .
أسماء ( :و فى صوتها لون الضحك ) ..أرأيت إلى أختنا الصغيرة يا أبى .
عبد ال ( :من قلبه ) ..يا رب أنت قدرتَ فدبر .
عبد ال ( :و هو ينهض متثاقل ) ..أنت تعلم .و غيرك ل يعلم ( .ثم بصوت مرتفع ) ..ل
تذهبا بعيداً .
عبد ال ( :يتجه إلى الكوخ و يفتح بابه و يدخل قائل ) ..كيف حالك الن يا أم البنات ؟
أمة ال ( :و هى تبكى ) ..كنت أرجو أن تكون هذه المرة ولداً تقر به عينك يا عبد ال .
عبد ال ( :و هو يقاوم و يغالب شعوره ) ..و لكن ال أرادها بنت ًا يا أمة ال .
أمة ال ( :فى حسرة ) ..إنهن ثلث بنات يا عبد ال .و هذه رابعة .
أمة ال ( :مستنكرة ) ..معاذ ال ..و لكن أل ترى إلى ما نحن فيه من فقر و سوء حال ؟
عبد ال ( :فى لطف ) ..رويدك أم البنات .إنك و ال ل تعرفين أين يكون الخير .
عبد ال :نعم يا أم البنات ..و قال لى الهاتف " :إن المير سيعطيك عقيقة المولود " .
عبد ال ( :يراجعها ) و لكنى قمت من نومى فاستعذت من الشيطان ..و قرأت ما تيسر من
القرآن ..ثم نمت .فإذا الهاتف هو الهاتف .و الكلم هو الكلم .
عبد ال ( :يزيدها دهشاً ) ..و قمت من نومى فزعاً .فتوضأت .و صليت .و استعذت .و
قرأت ثم نمت .فإذا الهاتف للمرة الثالثة .فلم يبق إل أن تكون رؤيا صدق يا أم البنات .
عبد ال ( :فى إشفاق ) يا للصغيرة المسكينة ( .ثم فى لطف ) ..انظرى أمة ال ..كم هى
جميلة .
عبد ال ( :مواسيا ) ..ل تبكى أمة ال ..و أمّلى خيراً ..أنا ذاهب إلى المير .
( و يظهر صهيل خيول و ترتفع بعض الصوات الخفيفة و هم يطرقون باب الكوخ ) .
عبد ال ( :و هو يسرع إلى الباب و يفتحه و يستقبل المير قائل ) ..يا سيدى ..لقد و ال
كنت على أن أسعى إلى المير .
المير :بل نحن الذين نسعى إليك أيها العبد الصالح .
: أسماء
( فى ذعر ) المير !
و سكينة :
عبد ال :ل أدرى ماذا أقول ..لقد كنت و ال فى طريقى إليك يا مولى .فساقك ال إلىّ .
المير ( :فى دهشة ) ..هذا عجيب ( ..ثم يستدرك بسرعة ) ..و لكن لماذا كنت تقصدنى
.
المير :قل لى أنت أولً :لماذا كنت تريد أن تسعى إلىّ ؟ .
عبد ال ( :و هو يتمثل الرؤيا التى رآها فى منامه ) ..إنه يا سيدى إنه .
المير ( :فى غاية التأثر ) ..ل إله إل ال ( .ثم يقبل عليه قائل ) ..و كلمك عن عقيقة
المولود ؟ .
المير ( :مواصلً كلمه ) لقد رأيت ما رأيت .و سمعت ما سمعت ..و لهذا أتيت ( .و
يقدم له الصرة و هو يقول ) ..خذ .خذ يا عبد ال .
عبد ال ( :مشيراً إلى حالته ) لقد صادف الغيث أوانه يا أمير .
المير ( :يرتفع صوته لتسمعه أمة ال ،فى الداخل فى الخباء ) سلم لك أيتها الم
الصالحة .
و مرت السنون ،و تعاقبت اليام ،و شبت البنات الثلث .و يفعت ( الرابعة ) .
و كانت سنة جدباء .قحط فيها الناس .و كلب الزمان .و اجتاح البصرة الطاعون .و
رصد الحاكم أفواه الطرق على البصرة يمنع الدخول إليها و الخروج منها .
أبو محمد ( :معترضاً ) ..كل هذا غير صحيح ..و النص صريح " :ل عدوى و ل هامة ،
و ل طيرة و ل صفر " .
عتبة ( :يعارضه ) ..و ما تقول فيما فعله عمر ؟ .
عتبة :أقول ما قاله الصدر الول " :ل عدوى مؤثرة بنفسها "
أبو أسامة ( :مقبلً عليهم .يصيح بهم بصوت يطغى على ضجيجهم ) ..يا قوم .يا قوم .
أبو أسامة :لقد رصد المير جنوده على أفواه الطرق .يمنعون من فى البصرة من الخروج
منها .و يمنعون القادمين من الدخول إليها .
مرة ( :فى غضب ) ..إذن فقد حبسنا المير مع الطاعون فى هذا البلد .
عتبة :ماذا ؟
عتبة ( :و هو يتجه بنظره نحو إشارته ) ..بلى .و هؤلء بناته يمشين وراءه على
استحياء ( .ثم يتركه و يسرع إلى عبد ال و هو يقول ) ..يا إلهى .إنه يتهالك على نفسه .
( و يقبل على عبد ال قائل ) ..عبد ال .عبد ال .
عبد ال ( :فى ألم مكتوم ) ..ل شئ ( .ثم يتنهد و يقول ) ..هيه .المر لصاحب المر .
عبد ال ( :فى تردد و ارتباك ) ..لقد كنت ..أردت ..لـ ..أقصد ( ثم يقطع كلمه و يلتفت
إلى بناته قائل ) ..أسماء .
عبد ال :خذى أختيك و انطلقى بهما بعيداً أكلم عمكن فيما ل ينبغى لكن أن تسمعن .
عبد ال :لقد جهدتنا الشدة يا عتبة .و كان المير عيسى ظلً فانحسر الظل .
عبد ال ( :فى مرارة ) ..البقاء ! .لقد تركت أم البنات يأكلها الجوع .و يفترسها
الطاعون .و خرجت أبيع بناتى ..أبيع بناتى .
عبد ال :فى لحظة من لحظات اليأس قد يفكر النسان فيما ل يقدم عليه إنسان .
عتبة ( :أشد استنكاراً ) .. .تبيع بناتك يا رجل ؟ ! .
عبد ال :و ماذا أصنع يا عتبة ؟ .إذا أبقيتهن هلكن جوعاً .و إذا بعتهن هلكن ذلً .ماذا
أصنع يا عتبة .
عبد ال :بل تركتها فى خدمة أمها المريضة و خرجت بهؤلء ..و ليتنى وجدت من
يشترى .
عتبة :عهدى بك غير هذا يا عبد ال ..ل يا رجل ( .و يخلع قباءه و هو يقول ) .ليس
هذا طريقك .
عبد ال :ل يا أخى .أمسك عليك قباءك .أنت فقير مثلى .
عتبة :و لكنى لست فى مثل حاجتك .هيا عبد ال ( .ثم ينادى ) .يا أسماء .يا أسماء .
عتبة :ارجع ببناتك عبد ال .و اعلم أن الذى خلق عباده ل ينساهم .
عبد ال :خذى بيدى يا ابنتى ( .و ينطلق مع بناته و هو يقول و صوته يبتعد
) .يا ما أنت كريم يا كريم ،يا ما أنت رحيم يا رحيم ..يا لطيف ..يا لطيف .
و على فراش الموت كانت ترقد أمة ال و قد اشتدت عليها وطأة الطاعون .و بجانب
منامتها ركعت رابعة و هى تجهش بالبكاء .
أمة ال ( :على فراش الموت ) .. .ل .ل تبكى .يا ابنتى .يكفى .ما أنا فيه يا رابعة . .
أمة ال ( :تخفى عنها الحقيقة ) .. .ذهب ..إلى الـ ..أمير عيسى زاذان .
رابعة ( :و تنفجر باكية ) .. .ل يا أماه ..أنت تخفين عنى الحقيقة .لقد مات المير
بالطاعون منذ أيام .
أمة ال ( :بصوت متقطع ) .. .أقضيها من عمرى ساعات ..إنه الطاعون يا عبد ال .أبم
تجد طعاماً ؟
عبد ال ( :و كأنه يكلم نفسه ) ليتنى استطعت ..إذن لبقيت عليهن الحياة ..و لكنى كنت
مخطئاً ..الناس فى البصرة يبحثون عن اللقمة و ل ينظرون إلى الجوارى .
عبد ال ( :يتهالك على نفسه قائل فى غاية الجزع ) ..أمة ال ..أمة ال .
عبد ال ( :على بكائهن ) ل حول و ل قوة إل بال ( و يقطع كلمته و يقع متهالكاً على
نفسه ) .
و خرجت البنات شاردات .و تفرقت بهن السبل .و هامت رابعة على وجهها حزينة و فى
يدها ناى تتنفس فيه أحزانها .
رابعة ( :يغلبها البكاء فترفع الناى و تتجه إلى السماء ) .غريبة الدار .يتيمة البوين .إذا
أمسيت ل أدرى أين أصبح .و إذا أصبحت ل أدرى أين أمسى .وا قلباه .إلى أين يا رباه .
( ثم تغنى و هى تبكى غناء حزينا ) .
***
***
( و تنفجر باكية )
عمار ( :صاحب الحانة الذى كان يمشى وراء أنغامها فى الصحراء و هى ل تشعر به ) .
مرحى .مرحى .
عمار ( :و قد استرعى نظره جمالها ..إلى جمال صوتها ) .بل من أنت يا ..جنية
الصحراء .
عمار :بل أنا وراءك منذ ساعة .و أنت مع هذه النغام .سابحة ل تحسين وقع القدام ..و
تسأليننى من أنا ؟ .
عمار ( :يواصل كلمه ) .. .فتاة تمشى وحدها فى البيداء ..ل أنيس لها غير هذا الناى
الباكى .و هذا الغناء الحزين .
عمار ( :يترك كلمه و يقبل عليها ) أو ..ل .ل تجزعى يا صغيرتى .إن هاتين العينين لم
تُخلقا للبكاء .
عمار ( :و يداعب خدها بيده قائلً ) .. .يا تبارك الخلق .ما أصبح و ما أملح .
عمار :ل تراعى يا صغيرتى ..إن جمالك هذا يجنبك كل هوان ..و ( ثم يستدرك قائلً ) .و
لكن .ما هذا الناى ؟ .
عمار (:مأخوذا بجمالها و منطقها ) ..ل ل .أنت يا ..ما اسمك يا صغيرتى ؟ .
عمار ( :ينفجر ضاحكاً ) . .رابعة ..إذن فأين الثالثة و أين الثانية و أين الولى .
رابعة :إنك ل تهزل .إنهن أخواتى .نحن أربع يتيمات ..مات أبوانا فى الطاعون الذى
دهم البلد .و لما اشتدت المجاعة بالبصرة و قحط الناس خرجنا نلتمس الحياة ،و تفرقت
بنا السبل .فهمتُ على وجهى ل أعرف أين أمسى و ل أعرف أين أصبح .
عمار :حسن .لقد وصلتِ يا جميلتى .و لكنى أعجب .كيف نجت الشاة من ذئاب الصحراء
( .ثم و هو مبهور بجمالها و قد اكتشف ملحتها أكثر ) ..يا ل ! ما هذا ؟ .
عمار ( :و هو يلتهمها بعينيه ) .طلعة كالصبح إذا أسفر ..و شعر كالليل إذا أظلم .و
صوت كالـ .كيف أصف صوتك يا ..يا رابعة ( .ثم يهمس لنفسه فى جشع ) .. .لقد وقعت
على صيد سمين ( .ثم يقبل عليها قائل ) . .أقبلى ..أقبلى .
عمار ( :يقاطعها ) .. .ل .ل تخافى يا صغيرتى .أنا ل أريد بك سوءاً ..و ل أريد لك إل
الخير ..أدبرى .
عمار :حسن حسن .ستكونين قينة تتحاكى بها حانات البُلــّة ..اسمك إذن رابعة ؟ .
عمار :هذا جميل ( .ثم يجرب وقع اسمها على السمع ) رابعة العدوية ..اسم جميل .و
مُسمَى أجمل ..تعالى ..تعالى .
عمار :ل تكونى حمقاء ..إنما أنتشلك مما أنت فيه ..تعالى معى .
عمار ( :و هو ينطلق بها ) .بهذا الصوت الساحر ..و بهذا الجمال النادر ..سأصنع منك
شيئاً يمل ليالى البلة .هيا يا رابعة .ها ها ها ( .و يقهقه و صوته يبتعد )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1موسيقى و ألحان كمال الطويل .و غناء أم كلثوم .
أوحال
و عرف عمار كيف يجعل من هذه الشاردة اليتيمة قينة تتحاكى بها ليالى البلة .
و تسامع الناس بهذه الشادية فتواكبوا على حانة عمار .و أقبلت عليه الدنيا .و أصبحت
عازفة الناى الشادية حديثاً تسرى به الركبان .
و جلس القوم ينتظرون الجارية المغنية بينما يصل إلى أسماعهم صوت نايها المحزون .
حمزة :على صحتك ( .يظهر صوت الناى من بعيد و يعلو صوت الناى ) .
أبو حرام ( :يلزمه الحجة ) ..أنت تطلب الصهباء .أم تطلب الوعاء ؟ .
حمزة ( :و فى صوته لون الضحك ) ..إذا وُجد الغناء وُجد المغنى .
عمار ( :مرتبكاً ) ..آ .مـ . ..معذرة يا سادة ( ..ثم ينادى ) ..يا رابعة ..رابعة .
( صوت باب )
رابعة ( :مقبلة عليهم تقول فى لطف و دلل ) ..و لكن النتظار تشويق .
أبو حرام ( :معترضاً عليه ) ..إنها ليست رابعة ..إنها رائعة .
هشام ( :ينظر إليها و يتظرف أمامها على حساب زميله ) ..بل مكانها فى القلب يا أبا
حرام .
أبو حرام ( :يفحمه قائلً ) ..أردت صدر المجلس يا لُـكَع .ها ها .
هشام :و خذ جيادنا إلى علئفها فما أظن أننا مغادرو هذه الحانة .
أبو حرام ( :راجعاً إلى الخلف بينهما ) بل نشرب على صوتها . ..
عمار ( :يتدخل قائلً و هو يضحك ضحكة باهتة ) ..اشرب على كلها .ها ها ها .
أبو حرام ( :معجباً بالفكرة ) جميل ..جميل ( .ثم يلتفت إلى رابعة قائلً ) ..أى نخب
تقترحين يا رابعة ؟ .
حمزة ( :و هو يرفع كأسه ) فلنشرب على الناى ( .ثم يستدرك بسرعة ) ..و لكن
أتُسمعيننا يا رابعة ؟ .
رابعة ( :فى إباء يشوبه دلل ) ..أنا يا سيدى ل أبيع الغناء .
سكَيْرَان
سكْرَى ُ
بهن طاف عــــلى ال َ
سكَيْرَان
سكْرَى ُ
بهن طاف عــــلى ال َ
أبو حرام ( :يقبل عليه مستنكراً ) ..ما هذا ..يا هذا ؟ .
عوْدٌ إلى الغناء ( .ثم يقبل على رابعة قائلً ) نعم .
حمزة ( :يقاطعه ) كفى يا أبا حرام َ ..
نعم يا روح روحى .
رابعة ( :التى كانت تغنى ..تقطع غناءها و تنهض و قد ضايقتها مقاطعتهم ) .
رابعة ( :فى سخرية ) يظهر أن السادة يجيدون الستماع أكثر من اللزم ..عموا مساء يا
سادة .
أبو حرام ( :و قد أخذته سورة الخمر ) ..أقول لك :دعها يا هشام .
هشام ( :فى غضب ) ..أكذا تكلمنى يا أبا حرام ؟ ( .و يترك يد رابعة و هو يقول لها )
اذهبى أنت .
عمار ( :مقبلً يجرى و هو يصيح فى وسط الضجة ) ..يا سادة ...يا سادة ...أغمدوا
سيوفكم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )1الموسيقى و اللحن لرياض السنباطى .و الغناء لم كلثوم .
يقظة
و انطلقت رابعة إلى حجرتها و أسرعت إليها خادمها عبدة و قد ملها الرعب مما كان .و
الخوف مما سيكون .
عبدة ( :داخلة تلهث ) ..ماذا فعلت يا سيدتى ..لقد انقلبت الحانة رأساً على عقب .
رابعة ( :ثائرة ) ..ل يا عمار ..إنى أختنق ..أنا ل أطيق هذه الحياة يا عمار .
رابعة ( :و صوتها مختنق ) ليتك تركتنى فى الصحراء ألقى مصيراً غير هذا المصير . .
رابعة :أفٍ لك يا عمار ..و أفٍ لهؤلء السكارى ..الخداع الذى أعيش فيه .كل .أنا ل
أطيق أن أتودد إلى من ل أود ..
رابعة :أجل يا عمار ..و سأغنى عندما أريد .و امسك عن الغناء عندما أريد ..و من الن
.إذا غنيت فل شراب .
رابعة ( :منفعلة ) ..بل أنا ملك نفسى .و صنع ربى ..و لن أرضى بهذا السجن أبداً .
عمار ( :ثائراً ) ..بل أنا الذى سأحطمه على رأسك يا فاجرة .
كان ابن زياد فاتكاً تداريه مكانته فى قومه .و كانت له ثلة يجمعهم اللهو و الشراب .
كانوا وجوهًا سمعوا برابعة .و ما انتهت إليه حانة عمار .
ابن زياد ( :و فى صوته لون الضحك ) ..أعرف هذا يا ورد ..لقد سمعت بها من أول يوم
.
ورد :و لكن ليس من يرى كمن يسمع يا ابن زياد .
ورد ( :و فى صوته لون الضحك ) تنتقل حانة عمار إلينا ؟ ! !.
علقمة ( :و فى صوته لون الضحك ) ..أنت اليوم مُغـْرب يا ابن زياد ..مُرْ لنا بالقِداح .
ابن زياد :بلى .و أنا قميرك يا علقمة ( .ثم ينادى ) ..يا مبروك ..مبروك .
ابن زياد :هات القداح يا مبروك ( .ثم يقبل على علقمة ) ..دونك الحلبة يا علقمة .
فى حانة عمار .و رسل ابن زياد يقتربون منها .و عمار على بابها .
مالك ( :و هو يشد زمام جواده ليهدئ من سرعته ) ..و هذه علماتها .ضجيج و صخب .
مبروك :و هذا عمار واقف على بابها يستقبل روادها .
عمار ( :دائم الشكوى ) ..حال ل تسر .و ل الحمد على أى حال .
مالك ( :متضاحكاً ) ..الناس فى الحانة يكادون يطيرون من الطرب و أنت وحدك على
بابها حزين ! .
مبروك ( :متضاحكاً يقول بلهجة التعجيب ) ..إذا كثر الحرفاء تقل الرباح ! ! .
حمزة ( :خارج وراءه يصيح به ) ..انتظر انتظر أبا حرام ..أبا حرام .
أبو حرام :ل و ال .لن أغشى هذه الحانة بعد اليوم .
أبو حرام ( :فى غاية الغضب ) ..أُرسل إليها فترفض أن تنزل إلىّ ! ! .
عمار :مصيبتى فيها أنها ل تشرب .و ل تغنى على الشراب .
أبو حرام ( :ساخراً ) ..نعم ؟ .منذ متى كان ذلك يا عمار ؟ ! .
عمار :كان ذلك فى أول عهدها بهذه الحانة ..أما الن .و قد جعلت منها شيئاً آخر .فقد
أصبحتْ شيئ ًا آخر .
أبو حرام :بل أنت الذى أصبحتَ شيئاً آخر ( .و يتركه و هو يقول ) .حرام علىّ حانتك بعد
اليوم يا عمار .
عمار ( :يلحقه قائل ) ..انتظر يا أبا حرام ..سيدى .سيدى ( .ثم يقول لنفسه ) ..تعساً
لك يا رابعة .
مبروك ( :و فى صوته لون الضحك ) يظهر أن وَرْقــَاءَك أصبحت صقراً يا عمار .
عمار :كان نحساً ذلك اليوم الذى لقيتُ فيه رابعة .
عمار ( :و هو يظن أنهم غير جادين و أن المسألة مجرد كلم ) ..أبوس رجلك .
عمار ( :و هو يظن أنهم غير جادين ) خذوها بتراب الفلوس .أريحونى منها ..لقد و ال
ضقتُ بها .
مالك ( :يهمس لمبروك و قد صدق عماراً ) يظهر أن مهمتنا أيسر مما كنا نتصور .
مبروك ( :يخرج الصرة و يرمى بها إليه ) ..خُذ .خذ يا عمار .
مبروك ( :و فى صوته لون الضحك ) ..و كنت تظن أننا نشتريها مجازاً ؟ .
عمار ( :و هو يضحك ضحكة باهتة ) ..لقد كنتُ أهزل يا سيدى .أتصدقون عماراً .أنا
كذوب .ها ها ها .
عمار :لن ترغمنى على ذلك ( .و يحاول أن يرد إليه الصرة ) ..خذ صرتك هذه يا سيدى .
عمار :أي ًا كان ..لن أبيعها ( ..ثم بلهجة التهويل ) أبيع رابعة ! ! كيف يا سيدى ! .
مبروك ( :متضاحكاً ) ..و مع ذلك ..فسيعوضك سيدى عن ورقائك الذهبية كثيراً يا عمار
.هيا بنا يا مالك .
الخادم ( :يعلو صوته فى وسط الضجة ) يا سادة .يا سادة ..مَن كان أمامه كأس فلينتهِ
منها ..و مَن كان أمامه شراب فليرفعه إنها رابعة .
عمار ( :يهمس فى حزن ) ..انظر يا سيدى ..هكذا أدب الغناء صمت .و ل شراب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) 1الموسيقى و اللحن :محمد الموجى ..و الغناء :لم كلثوم .
أمل
و كان صباح
فقد أرق عمار و لم ينم ليلته .و تردد فى الذهاب إلى رابعة ليفضى إليها بما كان .و تقع
عينه على عبدة و هى مقبلة من ناحية حجرة رابعة .
عمار ( :مقبل على الخادم و هو يتأمل الحانة ) ما هذا ؟ ما هذا أيها النادل ؟
عمار :هذه الوانى ..و تلك الحواشى ،و الحانة كلها كما كانت بالمس .
عمار ( :غاضباً ) ما بالك جامداً ل تتحرك ..أهو الفعل كلم يا بليد ( .ثم و هو يمسكه من
أذنه ) الناس يقدمون علينا من أجل رابعة ..و ل أريد أن أفقدهم إذا فقدوها ..أفاهم
أنت ؟ !
الخادم ( :متألماً ) آه .أذنى ..أذنى .
عمار ( :يدفعه ) انطلق إلى عملك أيها الغبى ..انطلق ( ..ثم يمشى و هو يغمغم ) حسبى
ال و نعم الوكيل .حسبى ال و نعم الوكيل ..هِه ِ ..ههْ .
عبدة :بل قامت منذ ساعة .و خلت إلى أحزانها .و ذلك شأنها فى هذه اليام .
عمار :انتظرى أنت .أنا ذاهب إليها بنفسى ( .و يتجه إلى حجرة رابعة و يطرق بابها
طرقا خفيفا .و يفتح الباب و يدخل ) ( و يتجه إليها حزيناً ) ..رابعة ..رابعة .
عمار ( :فى ألم ) أريد أن أقول إننى مضطر إلى بيعك يا رابعة .
رابعة ( :بصوت مختنق ) حقاً ؟ ! .متى يا عمار ؟ .متى أخرج من هذا السجن البغيض ؟
.
ت ابنتك ؟ ! .
رابعة ( :غاضبة ) الن صر ُ
رابعة ( :فى ألم و سخرية و مرارة ) ..لتقدمنى طعاماً لكل نهم أكول .
عمار :بل جعلت منك وردة تتعطر بأريجها نسمات البلة .
رابعة ( :ثائرة ) ..أل فاعلم يا عمار أن الوردة لها مكان آخر غير هذا التراب الذى
مرغتنى فيه .
عمار ( :حزيناً ) ..على أى حال .لقد خرج المر من يدى ..أنا مغلوب على أمرى يا
رابعة .إنه مولى من آل زياد سمع بك فأرسل فى شرائك .و ل قبل لى برده و لست أدرى
ما . ..
رابعة ( :تقاطعه ) ..لن يكون لى مولى واحد خير من أن أكون مولة كل عربيد مخمور .
رابعة :أكنت تحسب أنى راضية بما أنا فيه يا عمار ؟ .
رابعة :ليتنى كنت كما تقول ..ليتنى كنت ل أفهم يا عمار .إنه قضاء جرى و أيام أرجو أل
تعود .
عمار :لك ما تريدين ..و لكن اذكرى و أنت فى بيت ابن زياد .أننى أنا الذى رفعتك إليه ..
فلولى ما غنيت .و لول غناؤك ما اشتهرت ..و لول شهرتك ما ( ..ثم يقطع كلمته و قد
رآها تقوم و تتركه ) ..ال ! .رابعة .رابعة .
مبروك ( :و هو يقودها ) ..مِن هنا ( .يفتح بابًا و يقول لها ) ..هذه هى حجرتك يا رابعة
..ألست ترينها جميلة .
رابعة ( :فى غاية الفرح ) أجمل منها يا مبروك أننى تركت حانة عمار .و تركت الليل و
الهوى .
رابعة :كل السعادة ( .ثم تقول و قد رأته ينصرف ) ..إلى أين يا مبروك .
مبروك :انتظرى رابعة .لن أغيب كثيراً ..سأحضر لك ما أعده لك مولى و هو شئ كثير .
رابعة ( :و قد خلت بنفسها ) ..بعداً لك يا حانة عمار .مرحباً بالحياة النظيفة فى بيت
سيدى .اليوم ل خمر و ل سكارى .ل خمر و ل سكارى ( .ثم بصوت يتهدج ) .. .إلهى
كما قدّرت لى أن أخرج من ذُل المعصية ...ف َيسّر لى أن أدخل فى عز الطاعة ..يا تواب ..
يا تواب ..يا تواب .
فجيعة
و اجتمع أصحاب ابن زياد فى قصره .و قد جمعهم الشراب و القمار و الطرب .
همام ( :متضاحكاً ) ..و ال لو أنك جئتنا برابعة التى هى رابعة ما تطاولتَ هكذا يا ابن
زياد .
ابن زياد ( :فى غاية النشوة ) ..إنها اليوم هنا ( ..و يرفع كأسه قائلً ) ..كأسك يا ورد .
رابعة ( :داخلة ) ..سيدى الـ ( .و تقطع كلمتها و تشهق فى فزع و قد فوجئت بمجلس
الشراب ) هيه .وىْ .
ابن زياد ( :و أصحابه يشاركونه فى الضحك من حركة خوفها ) ..اجلسى ..اجلسى يا
رابعة .
رابعة ( :بصوت يتهدج ) ..و لكنى .ل أجد مكانى يا سيدى .
رابعة ( :بصوت فيه لون البكاء ) ..و هل بقى فى الكأس شراب ؟ .
رابعة ( :فى غاية الحزن ) ..و خمر يا سيدى ؟ ! ..لقد كنتُ فى حانة عمار أغنى و ل
أشرب .
ابن زياد ( :غاضباً ) بل الغناء و الشراب ..رابعة كما نريد .و لسنا كما تريد رابعة .
ابن زياد ( :فى غضبه ) ..و من يستطيع غيرك يا ابنة الليل و الهوى ؟ .
ابن زياد ( :منفعلً ) ..رابعة ..أقول لك اشربى ..أقول لك تمنى ..هل سمعت ؟ .
رابعة ( :بصوت فيه لون البكاء ) ..كان ذلك و نحن على ضفاف البلة .
رابعة ( :بصوت يرتعش ) ..اغفر لى يا سيدى ..أنت ل تعرف قلوب الغوانى ..نحن نحن
إلى الحياة الشريفة حتى و نحن نتمرغ فى الوحال .لقد حسبت أننى صالحتُ ربى حين
طوانى بيتك و تركت حانة عمار .
صهْ.
ابن زياد ( :يقاطعها غاضباً و هو يصفعها ) َ ..
رابعة ( :و يدها على خدها ) ..و ..و تصفعنى يا سيدى ! ! .
ابن زياد ( :بلهجة الوعيد ) ..إذن فقد اخترت جزاءك ( .ثم ينادى ) ..يا مبروك ..يا
مبروك .
و فى محبسها انطوت رابعة على نفسها تبكى و تناجى ربها فى قمة رياضتها الروحية .
رابعة ( :و هى تبكى ) ..إلهى و سيدى .أنا فى طريقى إليك .أخوض بحار الندم .فهل
أصل إليك يا سيدى ؟ .و إذا وصلت فهل تقبلنى ؟ ( .ثم بصوت يتهدج ) وا غوثاه .كم من
شهوة ذهبتْ لذتها ..و بقيتْ تبعتها ( .ثم تبكى و تغنى ) :
على عينــــــــــــــــــى
على روحـــــــــــــــــى
فيا غوثاه يا غوثــــــاه
و من طول النوى أوّاه
و آهٍ آهْ
***
***
***
( ثم تنخرط فى بكاء شديد ) ( و فى أثناء بكائها يفتح الباب و يدخل مبروك و فى يده
السوط )
رابعة ( :فى مرارة ) ..ظننتُ أننى انتهيت من حانة عمار .فإذا بيت سيدى حانة أخرى .
مبروك ( :ثائراً ) ..أنت عنيدة .و أنا أشد منك عنادًا .و سيدى أشد منى و منك ..و
سوف أنصب عليك بالسوط هكذا ( و هو يمشقها بسوطه ) .
و كانت رابعة فى محبسها تخوض بحار التجربة و تمارس رياضتها الروحية ،و هى
تتواجد و تبكى و تغنى ،و وصل صوتها إلى سمع مبروك .فنظر من خصاص الباب فإذا
قنديل يتحرك فوق رأسها و يتوهج .و هو غير معلق بشئ .
رابعة ( :باكية على الناى منفردة فى مناجاتها ) ..يا حبيبى .سجا الليل و نامت العيون .
و سكنت الوحوش فى الفلة .و هجعت الطيور فى الشجار ..و هدأت السماك فى البحار .
و أنت وحدك ل تنام .فكيف أنام يا حبيبى .حبيبى :يقولون لى غنى ،لن أغنى لسواك .
يعذبوننى ،ل أحس غير هواك ( .و يتهدج صوتها و هى تغنى ) .
***
***
يقولون لى :غنى وبالقلب لوعـــــة
أغنى بها فى خلوتى و أنـــــــــــــــوح
ولى فى طريق الشوق والليل هائــــــم
معالم تخفى تارة وتلــــــــــــــــــــــوح
و لى فى مقام الوجد حال و لوعــــــة
دموعى غبوق عندها و صــــــــــبوح
و أنت وجودى فى شهودى و غيبتى
و سرك نور النور أو هـــــــــو روح
و ما رحلت إل إليك مواجـــــــــــدى
و داعى الهوى بالوالهين يصــــــيح
غريب على باب الرجاء طريـــــــــح
رابعة ( :تشهق ..و قد فوجئت به داخلً فى هذه الساعة من الليل ) هيه .
مبروك :ل .ل تخافى يا رابعة ..لن أعذبك بعد اليوم .ماذا كنت تقولين يرحمك ال .
رابعة ( :و هى تبكى ) ..و كيف أفر من عذاب نفسى يا مبروك ؟ .
مبروك :ل .ل تبكى رابعة ( .و يرمى بالسوط و هو يقول ) ..هذا هو السوط .لن أمسك
بسوء بعد اليوم .و ليذهب سيدى إلى الجحيم .
ابن زياد ( :الذى سمع هو الخر و رأى يدخل قائل ) ..و لكنه ذهب إلى الجنة .
ابن زياد :ل بأس عليك يا مبروك .لقد سمعت كما سمعت .
ابن زياد :انهض يا مبروك .إنى أعفو عنك ( .و يقبل على رابعة قائلً ) ..أما أنتِ يا
رابعة .فلست أدرى كيف أُكفر عن إساءتى إليك ..تعالى يا ابنتى ..خذ بيدها يا مبروك . ..
طريق السالكين
و أنكر أصحاب ابن زياد و ندمانه ما كان من أمره .فقد رأوه غير ما كان بالمس ،و قد
جف مجلس الشراب ،و انطوى بساطه .فأقبلوا عليه لئمين ساخرين :
همام ( :و فى صوته لون الضحك ) ..اسمع يا ابن زياد ..إنك هنا فى خمّارة الهوى ل
تدرى بما يقال .
ابن زياد ( :ينزل على إرادتهم ) و هو كذلك ..سترون بأعينكم ( .ثم يصفق و هو ينادى )
..يا مبروك ..مبروك .
مبروك ( :مقبلً عليه ) ..سيدى .
علقمة ( :و هو يضحك معهم ) ..لعلك قد جعلت منها سيدة بيتك يا ابن زياد .
ابن زياد :يا قوم .يا قوم .أشهد ال أنى ما تأدبتُ كما أدبتنى هذه السيدة ( .ثم يتدفق فى
حديثه ) ..قمتُ ليلة أتحسس أمرها فسمعتها فى جوف الليل تدعو دعا ًء انفطر له قلبى ..
ثم سمعتها تغنى غناءً كأنه يتنزل من السماء و نظرتُ من خصاص الباب فما راعنى إل
قنديل يضئ و يتحرك فوق رأسها و هو غير معلق بشئ .
علقمة ( :بلهجة الشك ) ..أو كذا خيل إليك يا ابن زياد ؟ .
ابن زياد :بل كذا سمعت .و كذا رأيت .و إذا كذبتنى أذنى فلن تكذبنى عينى أبداً .
علقمة ( :فى سخرية ) ..و تذهب فى تدليلها إلى هذا الحد ؟ .
رابعة :و مَن لى بأدب الشراب .و شهوده غياب .و حلوته عذاب .و بساط الندامى تراب
.
رابعة ( :مستمرة ) ..و قد شرب الشاربون فغابوا عن الوجود ..و فنوا فى حقيقة
الموجود .
ابن زياد ( :فى غاية التأثر ) ..أى رابعة .أيتها الخت الطيبة .لقد ندمتُ على سوء
معاملتى لك طوال هذه الشهور .
ابن زياد :غناء سمعته فخيل إلىّ أنى أرتفع فى السماء .
رابعة :ذلك حديث بينى و بين سيدى .و ليس للعبد أن يتحدث بحديث سادته .فكيف
بالسيد الكبر ؟ .
ابن زياد ( :يتمثل شعرها الذى سمعها تغنيه ) ..غريب على باب الرجاء طريح .
ابن زياد ( :فى غاية التأثر ) انهضى يا ابنتى .إنى أهبك نفسك ..أنت حرة لوجه ال ..
فإن شئت بقيت فى بيتى ل لتخدمينا نحن .و لكن لنخدمك أنت ..و إن شئت رحلت .
رابعة :إليه .إليه هو ..و ليس إلى سواه ( .ثم تنهض خارجة و هى تقول فى ضراعة و
صوتها يبتعد ) ..سيدى .سيدى خذ بيدى .أنا فى طريقى إليك ..أنا فى طريقى إليك .
دروس
و مرت اليام و تعاقبت السنون و كبر الصغير .و شيخ الكبير .و صارت رابعة حديث أهل
ال فى البصرة ..
تلك هى البصرة منذ أنشأها عتبة بن غزوان ..لهو بجانبه جد .و عبث إلى جواره زهد .
عمار ( :بلهجة الستنكار ) ..و أنا فى هذه السن يا ابن أخى ؟ ! .
عمار :قلت إنها قطعت صلتها بدنيا الناس .و لم أقل إنها قطعت صلتها بالناس .
عمار :بل رفضت ما هو أكثر ..إنها رفضت محمد بن سليمان الهاشمى !! .
عمار :إنك تنظر إليها بعينك التى تنظر بها إلى الناس ..إنها طراز آخر يا بنى .
خالد :و لكن أل تأكل ؟ .أل تشرب ؟ ..كيف تعيش يا سيدى ؟ .و من أين ؟ .
عمار :هذا مقام ل تفهمه أنت يا بنى ..إنى و ال أشعر فى حضرتها بريح الجنة .
عمار ( :و فى صوته لون الضحك ) ..مجلسها ( ..ثم يقبل عليه قائل ) ..و تسميه
مجلساً يا بنى ..صومعة ليس بها غير إبريق .و منامة هى محرابها ،و مشجب قصب
علقت عليه أكفانها ..و عليه نايها القديم .ذلك هو مجلسها ..و مع ذلك فهو قبلة القلوب .
و ندوة أهل ال .
خالد :يا إلهى ..وددتُ لو أخذتنى معك إليها ذات يوم .
عمار ( :فى شئ من غضب ) َمهْ يا ابن أخى ..تريد أن تسلك الطريق من نهايته ..
الطريق مراتب يا بنى .
صالح :حديث رابعة يمل البصرة و يمل كل مكان ..و لكن إذا أردتم أخبارها ثقة فعليكم
بابن دينار .
صالح :إنه يدون أخبار رابعة ..يمليها على تلميذه أبى الحسن فى جامع البصرة .
و فى جامع البصرة كان الناس يتحلقون حول ابن دينار و هو يروى لهم أخبار رابعة و
يمليها على تلميذه أبى الحسن .
ابن دينار :و خلعت ثوب الشباب .و خاضت بحار الندم .و سلكت طريق الواصلين .حتى
صارت ما هى عليه الن يا فتى .
ابن دينار :اكتب يا فتى .و دخل عليها لص ذات ليلة و هى ساجدة ..فلم يتبينها اللص فى
الظلم و لم تحس هى به .و لما لم يجد شيئاً يسرقه همّ بالخروج .و فى هذه اللحظة انتهت
رابعة من صلتها و رفعت صوتها بالسلم .
***
رابعة ( :و هى تختم صلتها ) ..السلم عليكم و رحمة ال .السلم عليكم و رحمة ال .
اللص ( :فى غاية الرعب و قد فوجئ بها ) ..إه ..بـ بسم ال الرحمن الرحيم .
ت بحق ال ؟ .
اللص :أين كن ِ
اللص ( :فى ذهول ) تناديننى بأخيك و تُلقين إلىّ بالسلم .و قد دخلتُ بيتك سارقًا !! .
رابعة ( :تقاطعه فى لطف ) قل لى أولً :لماذا تمد يدك إلى عبد مثلك ؟ .
رابعة :أتكلم عنه ..هو ..السيد الكبر الذى ل يُغلَق بابه ..و ل يضيق رحابه .
ى سواه .
رابعة :قم يا مسكين و توضأ من هذا البريق .و اتجِه إلى الغنى الذى ل غن ّ
رابعة :لنك تراه ( .ثم بصوت يتهدج ) ..و حتى ل نشغل العين بشئ سواه .
رابعة :إلهى .و سيدى .و حبيبى :هذا عبد قد أتى بابى و لم يجد شيئاً ..و قد دللتُه على
بابك ..و وقفتُه برحابك ..و جعلته يلوذ بجنابك .فل تحرمه من فضلك و ثوابك يا غنى ..
يا غنى ..يا غنى .
***
ابن دينار ( :يكمل قصتها مع اللص ) ..و استغرقت رابعة فى صلتها ..و استغرق اللص
فى صلته ..و انشطر الليل و هما غارقان فى صلتهما و دعائهما .فلما كان الفجر أفاقت
رابعة من استغراقها .فوجدت اللص ساجداً و هو يبكى و يقول :
رابعة ( :تقبل على اللص قائلة فى عطف ) ..هون عليك يا أخى .
اللص ( :و صوته يتهدج ) ..وقفتُ على بابه بذلى و فقرى ..فقبل عذرى ..و جبر كسرى
( و يبكى ) .
اللص :إننى أصلى بدموعى ..لقد تحررت روحى ..لقد وجدت نفسى أخيراً ( .ثم ينهض
صائحاً ) ..كل .أنا لست عبداً ..أنا حر طليق ..لقد عرفت طريقى ( .ثم يخرج و هو
يصيح ) ..أنا فى طريقى إليه ..أنا فى طريقى إليه ..
رابعة ( :و هى تتجه إلى السماء ) ..إلهى .هذا عبد وقف ببابك ساعة فقبلته .و أنا مذ
عرفتك بين يديك ..أتراك قبلتنى ( .و تبكى ) .
***
ابن دينار ( :يكمل قصتها مع اللص ) .و خرج اللص هائماً على وجهه .
أبو الحسن ( :يضع القلم و يقبل على شيخه قائل ) ..يا عجباً يا سيدى .
ابن دينار :إنها رابعة يا بنى ..إنك لم تدركها فى صدر شبابها .لقد كانت شيئاً يدير
الرءوس .
أبو الحسن :يا عجباً للخطيئة تورث الـ ( ..ثم يقطع كلمته و يقول متحرزاً ) ..أستغفر ال
على أى حال .
أبو الحسن ( :يهمس لشيخه ابن دينار ) ..هذا شيخنا سفيان .
ابن دينار :و عليكم السلم و رحمة ال ..من أين يا سفيان ؟ .
ابن دينار :ل حول و ل قوة إل بال ( .ثم يقبل على تلميذه قائل ) ..النهاية .اكتب يا فتى
.
سفيان :أخبارها ؟! .و هل تحتاج أخبار رابعة إلى كتابة يا ابن دينار ؟ .
سفيان :إذا أردتم مزيداً من أخبار رابعة فعليكم بخادمها عبدة .
ابن دينار :خادمها عبدة .لقد أذكرتنى يا سفيان ( ..ثم لتلميذه ) ..اكتب ..اكتب يا أبا
الحسن ( .ثم بلهجة الملء ) ..حدثنى جعفر بن سليمان ..قال :حدثنى العباس بن الوليد
..قال :قالت خادمها عبدة .
***
عبدة :كنت أقوم على خدمة سيدتى رابعة منذ أعتقت ..و ما زلت فى خدمتها إلى اليوم .
فبينا أنا نائمة ذات ليلة خيل إلى أنى رأيت نوراً مل ما بين السماء و الرض ..فقمت من
نومى فزعة فسمعتها تبكى فى كبد الليل .حتى خيل إلى ان كل شئ يبكى معها .ثم سمعتها
تقول :
رابعة :إلهى أنارت النجوم .و نامت العيون ..و غلقت الملوك أبوابها .و خل كل حبيب
بحبيبه و هذا مقامى بين يديك .و عزتك يا رب ما عبدتُك لجنتك .بل لمحبتك .و ليس من
أجلها قطعت عمرى فى الوصول إليك ..إنه الحب .الحب ..و الشوق .و كيف حبيك و
شوقى إليك ؟ .
( ثم تبكى و هى تغنى )
***
()2 ( أحبك حبين :حب الهــــــوى
وحباً لنك أهل لذاكــــــــــــــا
فأما الذى هو حب الهـــــــوى
فشغلى بذكرك عمن سواكـــــا
وأما الذى أنت أهل لــــــــــــه
فكشفك لى الحجب حتى أراكا
فل الحمد فى ذا ول ذاك لـــى
ولكن لك الحمد فى ذا وذاكـــا )
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و فى الكوخ الذى أصبح ندوة أهل ال .و على المنامة التى هى محراب رقدت رابعة -أو
ما بقى منها -تودع آخر ساعاتها من هذه الحياة الدنيا .و تستقبل أول ساعاتها من الخرة
.
خلق كثير من العلماء و المراء و السابلة وقوف على بابها ينتظرون قضاء ال .
***
عمار ( :و قد صار شيخاً أرعشت صوته اليام ) ..ل حول و ل قوة إل بال .
ابن زياد ( :بصوت مختنق ) ..أل نستطيع أن نلقى عليها نظرة يا سفيان ؟ .
ابن زياد ( :و فى صوته لون البكاء ) ..و لكنى ..كنت ..أريد أن ..تسامحنى على ما فرط
منى يا سفيان .
سفيان :غفر ال لك يا ابن زياد ..أل تزال تذكر هذه اليام ؟ .
ابن زياد ( :فى غاية الضيق و اللم ) ..أل تجيبين سؤاله بدلً من هذا البكاء يا عبدة ؟ .
سفيان ( :فى حزن عميق ) ..بل أجابت بهذه الدموع يا ابن زياد .انطلقى عبدة ..انطلقى
فلعلها فى حاجة إليك الن .
***
رابعة ( :بصوت يرتعش من الشيخوخة و المرض ) ..عجوز سُحلت مريرتها ..و قد
أوفت على الثمانين .يا حبيبى .لقد أنفقتها ثمانين عام ًا و أنا أسعى إليك ..و ما زلت أسعى
يا حبيبى ..فمتى أصل إليك يا روح روحى ؟ .
( و فجأة ينبعث فى الجو صوت الناى ليعيد لرابعة أيامها الولى ..و يصل صوته إلى رابعة
وحدها فل يسمعه أحد سواها ) .
رابعة ( :فى دهشة و بصوت متقطع ) ..يا إلهى .هذا هو الناى ..الناى .
عبدة :سيدتى .إن خلقاً كثيراً من العلماء و المراء و السابلة وقوف على بابك يبكون .
رابعة ( :بصوت ضعيف ) ..دعى الخلق للخالق ( .ثم فى دهشة تشير إلى صوت الناى
الذى تسمعه هى ) ..و لكن .اسمعى .عبدة .
عبدة :أنا ل أسمع شيئاً ( .ثم تشهق و هى تكاد تصعق من الدهش ) ..هيه .يا إلهى .
عبدة ( :فى دهشتها تصيح ) ..إن وجهك تعود إليه نضرة الشباب ! .
( و الناى مستمر تسمعه رابعة وحدها )
رابعة :أدخلى سفيان يحضر هذه الساعة ( .ثم تنخرط فى مناجاة عميقة و قد خرجت عبدة
) ..يا حبيبى ..هأنذى صاعدة إليك .و لكنى خائفة .ليس من نارك .و لكن من هجرك يا
حبيبى .
( الناى مستمر )
رابعة :سفيان ..تعال يرحمك ال ..أخبرنى ..أل تسمع صوت الناى ؟ .
سفيان ( :ل يسمع شيئاً فهى وحدها التى تسمعه ) ..أى ناى يا أم الخير ؟ .
رابعة ( :مشيرة إلى الصوت المستمر ) ..هذا ..أل تسمع يا سفيان ؟ ! .
سفيان :ل عليك يا أختاه .إنك اليوم تسمعين ما ل نسمع ..و ترين ما نرى .
رابعة :عبدة !
رابعة :الناى القديم ..إنه على هذا الكفن ..لقد عزفت عليه يوماً يا عبدة ..و أنا الن
ضعيفة ل أستطيع و ل أقوى .
رابعة :بل اعزفى عليه يا أختاه ..إن أنغامه اليوم ليست من الرض ..إنها أنغام من
السماء !
عبدة :ل .ل .إنى أراها الن فى ثوب الصبا .إن وجهها يضئ .إنها تبتسم .
عبدة :إنهم يزفونها فى السماء .عروس فى ثوب العرس .وراءها حوريات من السماء .
بأيديهن المزاهر و الدفوف ( .ثم تنادى بأعلى صوتها ) .سيدتى ...سيدتى .
( ترتفع دقات الدفوف فتطغى على صياحها ) .
***
***
***
***
كله ..جروح
والمنى قطوف
فى السما تطوف
أنقروا الدفوف
***
رابعة :طاف بالسلم ..طائف السلم
يوقظ النيام
عهده الوثيق ..واحة النجاة
أول الطريق ..هو منتهاه
والمنى قطوف
فى السما تطوف
أنقروا الدفوف
***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) 1الموسيقى و اللحن :محمد الموجى ..و الغناء :أم كلثوم .
فهرس
صفحة
أشواق و أذواق 7 ......................................................................
على الطريق 9 ..........................................................................
بين المحبة و العشق 15 ................................................................
مقامات و أحوال 21 .....................................................................
أعلم و معالم 26 ........................................................................
محن و فتن 30 ...........................................................................
و الحكمة الشراقية 36 .................................................................
و سلطان العارفين 38 ...................................................................
و سلطان العاشقين 41 ..................................................................
الحب اللهى و الحب البشرى 45 .....................................................
الشعر الصوفى 48 .......................................................................
شهيدة الحب اللهى 55 .................................................................
شخوص 56 ...............................................................................
ميلد 57 ...................................................................................
فواجع 66 .................................................................................
على فراش الموت 72 ...................................................................
الشاردة 75 ................................................................................
أوحال 83 ..................................................................................
يقظة 93 ...................................................................................
مراحل 97 .................................................................................
على الطريق 100 ..........................................................................
أمل 110 .....................................................................................
و رجاء 114 ...............................................................................
فجيعة 116 ..................................................................................
فى بحار الندم 122 ........................................................................
و حدث ذات ليلة 127 .....................................................................
طريق السالكين 131 ......................................................................
دروس 136 ................................................................................
المحبة 140 .................................................................................
نهاية و بداية 150 .........................................................................
4268/1985 رقم اليداع