82

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 203

‫كيف حتب احلياة‬

‫كيف حتب احلياة‬


‫د‪ /‬نشوى عريان‬

‫الطبعة األولى ‪2011‬‬


‫حقوق الطبع محفوظة‬

‫دار المصري للنشر والتوزيع‬


‫دار السالم‪ ،‬القاهرة‬
‫ت‪0182343879 :‬‬
‫‪0146335098‬‬
‫‪Email: elmasrypublishing@gmail.com‬‬
‫املدير العام‪ :‬يوسف ناصف‬

‫تصميم الغالف‪ :‬عبد الرحمن الصواف‬


‫تصحيح لغوي‪ :‬سارة سرحان‬
‫رقم اإليداع‪2011/ 10482 :‬‬
‫‪978 - 977 - 6378 - 36 - 0 : I.S.B.N‬‬
‫كيف حتب احلياة‬

‫د‪ /‬نشوى عريان‬


‫كيف حتب احلياه‬

‫إهداء‬

‫�إىل‪...‬‬
‫�أرواح و�أهايل �شهداء ‪ 25‬يناير‪.‬‬
‫و‬
‫زوجي احلبيب وتو�أم روحي د‪� /‬صالح طلب‬
‫و‬
‫طفلي ال�صغري �أحمد‬
‫و‬
‫والدي ووالدتي‪� ,‬أخي و�أختي‬

‫‪5‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ما الذى دفعنى اىل كتابة هذا الكتاب؟‬

‫احب احلياة واقبل عليها بكل ما فيها وارى ان ال�سعادة لي�ست نهاية الطريق‬
‫الذى يجب الو�صول اليه بل هى الطريق نف�سه الذى يجب ان من�شيه كى ن�صل‬
‫اىل مانريد وهى حالة و�سلوك يجب ان نتبعه لكى نكون ارواحا راقية ت�شبه‬
‫الطيور احلرة الطليقة ترفرف فى هذا الكون ال ت�ستن�شق اال عبري اخلري واحلب‬
‫وال ت�سمع �سوى �صوت امل�ستقبل يهم�س با�ستمرار فى اذنيها قائال ان غدا‬
‫اف�ضل بكثري وال تن�شد اال اعذب االحلان وارق الكلمات وكانها تفرز بل�سما‬
‫ملداواة جروح االخرين ولكن ما ي�ؤملنى كثريا ويجعل �سعادتى دائما منقو�صة‬
‫هو ان ارى ا�شخا�صا غري �سعداء او رمبا ا�شخا�صا قرروا بكل عزمية وا�رصار‬
‫ان يعي�شوا كذلك ا�شخا�صا رفعوا �شعارات حتيل حياتهم اىل �سواد مثل‪:‬احلظ‬
‫يعاندنى ‪,‬الظروف لي�ست مهي�أة‪,‬انا غري ناجح‪,‬انا ال ا�ستطيع‪,‬م�ستحيل ان افعل‬
‫كذا وكل هذه ال�شعارات التى اوهم بها نف�سه حتى �صدقها عقله الباطن و�آمن‬
‫بها متام االميان فا�صبح يت�رصف على ا�سا�سها ‪.‬‬
‫فقررت ان اقدم م�ساعدة ولو ب�سيطة لكل ه�ؤالء الذين يظنون ان ال�سعادة‬
‫بعيدة عنهم فى حني انها قد تكون حتت اقدامهم يدو�سون عليها وال‬
‫يرونها‪,‬فبحثت فى معظم الكتب الغربية والعربية وجمعت منها ما ا�ستطعت‬

‫‪7‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وا�ضفت اليها قدر امل�ستطاع من بع�ض م�شاهداتى وقناعاتى اخلا�صة التى امتنى‬
‫ان تكون مفيدة وان اكون قد فعلت �شيئا ايجابيا قد يغري حياة ولو �شخ�ص‬
‫واحد فى هذا العامل اىل االف�ضل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كيف حتب احلياة؟‬


‫?"‪"How to Love Life‬‬

‫�أو ًال‪ :‬دعونا نتفق على �شيء‪ ،‬وهو �أننا جمي ًعا نحب الدنيا‪ ،‬فكما يقول‬
‫الإمام علي ر�ضي اهلل عنه‪" :‬النا�س �أبناء الدنيا‪ ،‬وال يالم الرجل على حب �أمه"‪.‬‬
‫كثريا عن حب‬
‫�أما ما نتحدث عنه هنا فهو حب احلياة‪ ،‬ويف ر�أيي �أنه يختلف ً‬
‫الدنيا‪� ،‬أو قد يكون على النقي�ض منه متا ًما‪.‬‬
‫فالدنيا لغة هي من الدنو‪ ،‬والتدين لأ�سفل‪ ،‬والقرب من الأر�ض‪،‬‬
‫والأ�شخا�ص الذين يحبون الدنيا ب�شدة يف ر�أيي ال�شخ�صي جتمعهم بع�ض‬
‫دائما يهتمون‪� ..‬إن عجز لديهم املال‬ ‫ال�صفات التي تدل على دنو الهم‪ ،‬فهم ً‬
‫اهتموا‪ ،‬و�إن زاد كان �شغلهم ال�شاغل كيف ي�ضاعفونه �أ�ضعافًا و�أ�ضعافًا‪ ،‬وهم‬
‫يف كل الأحوال غري را�ضني �أو �سعداء‪ ،‬كما �أنهم ال ي�ستطيعون ال�سيطرة على‬
‫رغباتهم �أ ًّيا كانت‪ ،‬وال ميلكون لأنف�سهم جلا ًما يكبح رغباتهم وملذاتهم‪،‬‬
‫وجتدهم يعتربون �أنف�سهم خالدين يف الدنيا‪ ،‬وباقني فيها �إىل الأبد‪ .‬هذا بعك�س‬
‫الأ�شخا�ص املقبلني على احلياة متا ًما‪ ،‬فاحلياة بالن�سبة لهم هي الروح‪ ،‬هي‬
‫ال�سمو‪ ،‬هي االرتقاء بالذات وعلو الهمة‪ ،‬الذي يجعلهم ال ير�ضون ب�أقل من‬

‫‪9‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�أعلى مراتب الكرامة وال�رشف‪ ،‬ويبعدون كل البعد عن مواقع الذل والتخاذل‪.‬‬


‫كما �أن املال بالن�سبة لهم و�سيلة حلياة ناجحة وكرمية‪ ،‬ولي�س غاية ما يطمحون‬
‫أي�ضا ي َّت�صفون بالكرم وحب العطاء‪ ،‬وعلى قدر عطائهم على‬ ‫�إليه‪ ،‬وتراهم � ً‬
‫قدر ما ت�صغر يف عيونهم عطاياهم‪ ،‬ويجيدون ال�سيطرة على �أنف�سهم لريتفعوا‬
‫بها �إىل �أعلى مقامات املجد‪ ،‬و�إىل �رشف الغاية وعلو الهمة‪ ،‬وتظل نفو�سهم‬
‫ت�ؤنبهم وتزجرهم عن مواقف الدعة والك�سل واكت�ساب الرذائل؛ حتى ي�صلوا‬
‫�إىل املراتب ال�سامية التي يطمحون �إليها‪.‬‬
‫ال�شيء الأخري عن الأ�شخا�ص املقبلني على احلياة قد يثري الده�شة‪� ،‬أنهم‬
‫بقدر �إقبالهم على احلياة بقدر عدم خوفهم من املوت‪ ،‬فقد اكت�شفت �أن الذي‬
‫أي�ضا يخ�شى احلياة‪� ،‬أما املقبل على احلياة فهو ال يخ�شى‬ ‫يخ�شى املوت هو � ً‬
‫املوت‪ ،‬بل يعرف متا ًما �أنه حق علينا‪ ،‬و�أنه نهاية حمتومة ملباراة احلياة‪ ،‬و�إنهاء‬
‫الر�سالة التي كلف كل �إن�سان من �أجلها‪.‬‬
‫�أردت فقط �أن �أو�ضح الفرق بني حب الدنيا وحب احلياة الذي �س�أحتدث‬
‫عنه الحقًا‪ ،‬لكي نكون متفقني يف البداية على املفهوم ذاته‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يقال �إن �أق�رص ق�صة حياة ميكن �أن يعي�شها �شخ�ص هي‪" :‬ولد وعا�ش‬
‫ً‬
‫ومات"! هكذا دون �أي �إجنازات تُذكر‪� ،‬أو �أهداف حتققت‪� ،‬أو تاريخ م�رشف‬
‫ميكن �أن ُيروى للأبناء والأحفاد‪...‬‬
‫ولكن من امل�ؤ�سف �أن تكون هناك ق�صة �أخرى �أق�رص من الأوىل‪ ،‬فتكون"ولد‬
‫ومات"! دون �أن يعي�ش حياته‪� ،‬أو ي�ستمتع ب�أيامها يو ًما يو ًما‪ ,‬يقول ال�شاعر‪:‬‬
‫فمن العجز �أن متوت جبانا‬ ‫�إذا مل يكن من املوت بد‬

‫‪10‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫و�س�أقتب�س منه نف�س الفكرة لأقول‪:‬‬


‫فمن العجز �أن تعي�ش تعي�سا‬ ‫�إذا مل يكن من احلياة بد‬
‫�إن احلياة كال�سيارة‪ ،‬والذي يخ�شى قيادة ال�سيارة وا�ض ًعا يف خميلته فقط‬
‫احلوادث التي تتعر�ض لها ال�سيارات‪ ,‬كالذي يخ�شى احلياة خوفًا من ال�شدائد‬
‫والأزمات‪.‬‬
‫ف�أقبل على احلياة بكل �شجاعة‪ ،‬وال تخف‪ ,‬افتح لها ذراعيك‪ ,‬حلق يف‬
‫�سمائها كالع�صفور ال�صغري‪ ،‬و�أن�شد مع الطيور �أغانيها الرائعة‪ ,‬ع�ش كل يوم‬
‫وكل �ساعة وكل حلظة‪ ،‬ال تفكر يف الأم�س وما كان‪ ،‬فكما يقول ون�ستون‬
‫ت�رش�شل‪" :‬لو بد�أنا معركة بني املا�ضي واحلا�رض ف�سوف نخ�رس امل�ستقبل"‪...‬‬
‫رغما عني ولكني �س�أعي�ش‬
‫رغما عني و�س�أموت ً‬ ‫وليكن �شعارك‪" :‬ولدت ً‬
‫كما �أريد"‪ .‬وتع َّلم كيف تعي�ش حياة رائعة جميلة داخل نف�سك ب�رصف النظر‬
‫عن اخلارج‪ ،‬فمن يجيد فن احلياة الرائعة مع نف�سه ال يعرف طريق ال�شقاء‪.‬‬
‫وعلى �أية حال‪ ،‬فهي نف�س احلياة‪� ،‬سواء ق�ضيناها يف البكاء �أو ال�ضحك‪,‬‬
‫ولكن �إذا بكيت �ستبكي وحدك‪� ،‬أما �إذا �ضحكت ف�سي�ضحك العامل معك‪..‬‬
‫ف�أيهما تختار؟‬

‫‪11‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫اخلع النظارة السوداء‬


‫"‪"Put off these dark glasses‬‬

‫عزيزي القارئ الكرمي‪� ،‬إذا كنت ممن يرتدون هذه النظارة ال�سوداء فاخلعها‬
‫بعيدا كي ت�ستطيع �أن ترى روعة احلياة و�سحر الطبيعة ونقاء‬ ‫فورا و�ألقها ً‬
‫ً‬
‫َ‬
‫تدعك ترى هذه‬ ‫القلوب و�سماحة الوجوة وجمال الورود‪ ،‬فهذه النظارة لن‬
‫جدا هذه الأبيات للرائع �إيليا �أبو ما�ضي‪ ،‬و�أراها‬
‫الأ�شياء الرائعة‪ ،‬وتعجبني ًّ‬
‫جدا على ال�شخ�ص املت�شائم‪:‬‬
‫تنطبق ًّ‬
‫كيف تغدو �إذا غدوت عليال‬ ‫�أ ُّيها ال�شاكي وما بك داء‬
‫تتوقَّى قبل الرحيل رحيال‬ ‫�رش اجلناة يف الأر�ض نف�س‬
‫�إنّ ّ‬
‫�أن ترى الندى فوقها �إكليال‬ ‫وترى ال�شوك يف الورود وتعمى‬
‫ال يرى يف الوجود �شي ًئا جميال‬ ‫والذي نف�سه بغري جمال‬
‫كن جمي ً‬
‫ال ترى الوجود جميال‬ ‫�أ ُّيهذا ال�شاكي وما بك داء‬

‫‪13‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫حقًّا‪َ ..‬مل يتوقع املت�شائم ً‬


‫دائما �أ�سو�أ التوقعات املحتملة؟ مل يظن باهلل ظن‬
‫ال�سوء؟ مل يتوقع �أن الغد بالن�سبة له جمهول كبري يخبئ له ما ال ي�رسه‪ ،‬مع �أنه قد‬
‫ال له الورود والهدايا؟ وقد خرج لنا علم امليتافيزيقا الآن ليقول‬ ‫يكون حام ً‬
‫لنا �إن العقل الب�رشي كاملغناطي�س‪ ،‬الأفكار جتتذب الأحداث امل�شابهة لها‪،‬‬
‫فالأفكار ال�سلبية جتتذب �أحدا ًثا �سلبية‪ ،‬والأفكار الإيجابية جتتذب � ً‬
‫أفكارا‬
‫�إيجابية‪ ،‬ومل ال‪..‬‬
‫هل تعرف ملاذا ي�ضحك الطفل حينما يلقيه والده �إىل �أعلى؟ لأنه يثق‬
‫متا ًما �أن يدي والده �ستلتقطه! فما بالك باهلل عز وجل‪� ،‬أال تثق به وب�أنه مهما‬
‫تقاذفتك الأقدار ف�إن رحمة اهلل �سبحانه �ستلتقطك وتنقذك من �أي �سوء؟‬
‫�إن اهلل �سبحانه وتعاىل بعزته وجالله يعدك ب�أنك لو توقعت منه اخلري‬
‫وتيقنت من ذلك فلن يخذلك‪ ،‬لذا �أنده�ش من ذلك املت�شائم الذي ي�ستقر‬
‫يف �أعماقه �سوء الظن باهلل‪ ،‬ومن توقعه للأ�سو�أ طوال الوقت‪ ،‬وبذلك فهو‬
‫يجلب ال�رش وال�سوء لنف�سه بتفكريه ال�سلبي ور�ؤيته الت�شا�ؤمية‪ ,‬يقول �أو�سكار‬
‫�رشين ف�إنه يختار‬
‫وايلد‪�" :‬إن املت�شائم هو �شخ�ص �إذا كان عليه �أن يختار بني َّ‬
‫متاما‪ ..‬و�أ�صحاب النظارة ال�سوداء هذه لهم هذه‬ ‫ال هو كذلك ً‬ ‫االثنني"! فع ً‬
‫ال�صفات امل�شرتكة‪:‬‬
‫دائما ي�ستخدمون هذه الكلمات‪ :‬ال حتاول‪ ..‬لي�س هناك‬ ‫•�أو ًال‪ :‬جتدهم ً‬
‫�أمل‪ ..‬ال �أ�ستطيع‪� ..‬أنا �أعرف مقدرة نف�سي‪� ..‬أنا غري قادر‪ ..‬يتحتم‬
‫علي‪ ..‬الظروف ت�ضطرين‪ ..‬يبدو �أن هذه امل�شكلة لي�س لها حل‪..‬‬ ‫َّ‬
‫يبدو �أن الظروف تعاندين �أنا بالذات‪� ..‬أنا من �أ�صحاب احلظ ال�سيئ‬
‫يف هذا العامل‪...‬‬
‫بعك�س الأ�شخا�ص املتفائلني �أو الإيجابيني الذين يقولون‪ :‬ال بد �أن هناك ح ً‬
‫ال‪..‬‬
‫دعنا نفكر يف البدائل‪� ..‬أنا واثق �أننا �سن�ستطيع‪ ..‬ميكننا اختيار طرق �أخرى‪...‬‬

‫‪14‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�شخ�صا �سي ًئا‬


‫ً‬ ‫دائما يقعون يف خط�أ التعميم‪ ،‬فهم �إن قابلوا‬
‫•جتدهم ً‬
‫�أ�صبحت النا�س كلها �سيئة‪ ,‬و�إن تعر�ضوا لبع�ض الأزمات �أو امل�شاكل‬
‫متاما كالذي يحرق بيته‬ ‫جحيما ال يطاق‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫�أ�صبحت احلياة كلها‬
‫ب�سبب ح�رشة‪ ,‬وللأ�سف يعممون ال�شيء ال�سلبي‪ ،‬وال يعممون‬
‫ال�شيء الإيجابي‪.‬‬
‫بعك�س املتفائلني‪ ،‬الذين يبتعدون متا ًما عن التعميم‪ ،‬فكل �شيء ينق�سم‬
‫تلقائيا �إىل جزء �إيجابي وجزء �سلبي‪ ,‬يرون �أن حتى �أ�سو�أ �شخ�ص يف‬
‫ًّ‬ ‫لديهم‬
‫العامل بداخله جزء ح�سن‪ ,‬حتى �أكرث الطرق ظال ًما ال بد �أن به بقعة �ضوء‪ ,‬يرون‬
‫كما يقول برنارد �شو‪" :‬يف كل �صعوبة فر�صة"‪ .‬بعك�س املت�شائمني الذين يرون‬
‫�صعوبة يف كل فر�صة‪.‬‬
‫•يركزون ب�شدة على التفا�صيل ال�صغرية غري املحببة �أو اجليدة‪ ،‬وال‬
‫جدا‪،‬‬
‫ينتبهون للأ�شياء الكبرية اجليدة �أو الرائعة‪ ,‬تزعجهم �أ�شياء �صغرية ًّ‬
‫ومع ذلك فالأ�شياء ال�صغرية الإيجابية ال ت�سعدهم‪.‬‬
‫جدا؛ لأنهم ال يريدون �أن يرتكوا خليالهم‬ ‫•�سقف تفكريهم قريب ًّ‬
‫العنان‪ ,‬ظ ًّنا منهم �أن هذه واقعية‪ ،‬لذلك �إن �أنت قلت لأحدهم �إنه‬
‫مت�شائم بع�ض ال�شيء‪ ،‬رد عليك قائ ً‬
‫ال‪ :‬ال‪ ..‬بل �أنا واقعي! ومن قال �إن‬
‫الواقعية هي الت�شا�ؤمية؟‬
‫�أما الأ�شخا�ص املتفائلني فتجد �أن �سقف تفكريهم وتوقعاتهم مرتفع‬
‫دائما حاملون باملثالية يف كل �شيء لهم‬
‫دائما يتوقعون الأف�ضل‪ً ,‬‬
‫جدا‪ ،‬هم ً‬ ‫ًّ‬
‫وملجتمعاتهم‪.‬‬
‫ولكن هل ي�ستطيع ال�شخ�ص املت�شائم اكت�ساب التفا�ؤل؟ االجابة‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقد �أثبتت الدرا�سات العلمية التي قام بها د‪ /‬مارتني �سليجمان يف كتابه‬

‫‪15‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫"التفا�ؤل املكت�سب" �شيئني مهمني‪:‬‬


‫•�إن التفا�ؤل ميكن اكت�سابه‪.‬‬
‫•�إن التفا�ؤل �أكرث فاعلية من الت�شا�ؤم‪ ،‬و�إن �أداء املتفائل يفوق �أداء‬
‫املت�شائم ب�شكل كبري‪..‬‬
‫ف�إذا كنت دائم القلق والتفكري ب�شكر ت�شا�ؤمي فعليك �أن تدرك ذلك �أو ًال‬
‫فهذه هي اخلطوة الأوىل‪ ،‬فكما يقول "ناثينال براندين"‪:‬‬
‫لي�س بالإمكان �أن ترتك مكانًا مل تكن فيه‪�" ،‬أي �إنك لن ت�ستطيع �أن ترتك‬
‫�أفكارك الت�شا�ؤمية �إال �إذا عرفت ذلك �أو ًال وواجهت به نف�سك‪.‬‬
‫حمام‬
‫اخلطوة الثانية‪ :‬هي �أن تبد�أ يف معار�ضة تفكريك القدمي‪ ،‬وتتخيل �أنك ٍ‬
‫يدافع عن �أفكاره التفا�ؤلية ويثبت خط�أ املت�شائم‪ ،‬و�سوف تنده�ش �أنت نف�سك‬
‫عندما جتد �أن التفا�ؤل يفتح الباب وراء الآخر �أمام املمكن‪ ،‬وهذا عك�س �أفكار‬
‫دائما يغلق الباب �أمام املمكن ويجعله م�ستحيل‪.‬‬
‫املت�شائم الذي كان بطبيعته ً‬
‫وإليك بعض الحجج والبراهين التي تستطيع أن تجادل بها تفكيرك‬
‫القديم‪:‬‬
‫•يقول الإمام الغزايل‪" :‬حياتك من �صنع �أفكارك"‪.‬‬
‫غدا‬
‫•يقول جيم�س الآن‪" :‬نحن الآن حيث �أح�رضتنا �أفكارنا و�سنكون ً‬
‫حيث ت�أخذنا �أفكارنا"‪.‬‬
‫•كالفني كوليدج‪�" :‬إن املت�شائمني ال يبدعون"‪.‬‬
‫•قانون التوقعات‪�" :‬إن كل ما تتوقعه بثقة تامة �سيحدث يف حياتك‬
‫فع ً‬
‫ال"‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫جدا‪ ،‬ولكن هناك �شخ�ص‬


‫جدا‪� ،‬أو �شيء ح�سن ًّ‬
‫•فلي�س هناك �شيء �سيئ ًّ‬
‫جدا‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬و�شخ�ص يجعل كل �شيء ح�سن ًّ‬ ‫يجعل كل �شيء �سيئ ًّ‬
‫فكل �شيء يتوقف على �شخ�صية الفرد‪ ،‬هناك �شخ�ص مييل �إىل الإ�رشاق‬
‫واالبتهاج‪ ،‬وجعل كل �شيء م�رشق ومبهج‪ ،‬و�شخ�ص مييل �إىل االكتئاب‬
‫واحلزن‪ ،‬وبالتايل يرى الأ�شياء كذلك‪ ،‬وجتد �أن الأ�شخا�ص ال�سعداء وهم‬
‫من مييلون �إىل الإ�رشاق واالبتهاج‪ ،‬يف�رسون املواقف بطريقة �إيجابية �أكرث من‬
‫غريهم ممن مييلون �إىل االكتئاب واحلزن‪.‬‬
‫واألشخاص السعداء أو المتفائلين تجد لديهم هذه العناصر المشتركة‪:‬‬
‫•الصراعات الداخلية أقل‪:‬‬
‫كلما كانت ال�رصاعات الداخلية �أقل كلما ازداد ال�شعور بال�سعادة‪،‬‬
‫وال�رصاعات الداخلية حدتها تتوقف على درجة التفاوت بني الذات والذات‬
‫املثالية‪� ،‬أي بني ما �أنت عليه الآن وما تود �أن تكون عليه‪ ,‬بني ما �أجنزته وما‬
‫تطمح �إليه‪ ،‬فكلما انخف�ضت درجة التفاوت كلما قلت ال�رصاعات الداخلية‬
‫وازدادت ال�سعادة‪.‬‬
‫•الضبط الداخلي مرتفع‪:‬‬
‫ه�ؤالء الأ�شخا�ص الذين ن�سميهم بال�سعداء �أو املتفائلني يتميزون ب�أن لديهم‬
‫قدرة عالية على ال�ضبط الداخلي‪ ،‬ويعتقدون ‪-‬بل وي�ؤمنون‪ -‬ب�أنهم هم من‬
‫داخليا‪ ،‬ولي�ست‬
‫ًّ‬ ‫ي�سيطرون على الأحداث بقدرتهم على �ضبط �أنف�سهم‬
‫الأحداث �أو احلظوظ هي التي ت�ؤثر عليهم‪.‬‬
‫على عك�س الأ�شخا�ص املت�شائمني الذين يجدون �أنهم ال ي�ستطيعون‬
‫التحكم يف الأحداث‪ ،‬و�أنها هي التي ت�ؤثر وتتحكم فيهم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫•لديهم نظرة إيجابية للوقت‪:‬‬


‫الوقت لديهم مليء بالأعمال وي�سريون وفق خطط حمددة وامل�ستقبل يبدو‬
‫لهم م�رشقًا‪ ،‬ويف �أيديهم �صنعه كما �أرادوا‪� ،‬أما الأ�شخا�ص املت�شائمني فالوقت‬
‫لديهم مفتوح دون التزام‪ ،‬والأحداث بطيئة‪ ،‬ويعتمدون على ت�أجيل الأ�شياء‪،‬‬
‫وينظرون للم�ستقبل بقلق ال مربرله‪.‬‬
‫•يتمتعون بقدر كافٍ من المرونة‪:‬‬
‫هذه املرونة ت�سمح لهم بالتكيف والت�أقلم مع الظروف بد ًال من ال�شكوى‬
‫منها‪ ,‬فبد ًال من ال�شكوى من الطق�س ‪-‬وهو ظرف ال ميكن تغيريه‪ -‬هم‬
‫يبحثون عن الطرف الآخر الذي ب�إمكانهم تغيريه‪ ،‬وهو ارتداء املالب�س‬
‫املالئمة‪ ,‬بد ًال من التفكري يف امل�شكلة هم يفكرون يف احللول‪ ,‬ويقول بيل‬
‫جوا �سي ًئا‪� ,‬إنها مالب�سك فقط يا‬
‫كونويل‪" :‬ال يوجد جو ميكن �أن نطلق عليه ًّ‬
‫�صديقي التي ال تالئم"‪.‬‬
‫فمن نعم اهلل على الإن�سان �أن ردود �أفعاله لي�ست مربجمة مثل الكمبيوتر‪،‬‬
‫�سلبا �أو �إيجا ًبا‪.‬‬
‫و�إمنا هو الذي يختار رد الفعل املنا�سب‪ ،‬والذي يريده �إما ً‬
‫يقول وليام جيم�س‪�" :‬إن �أعظم اكت�شاف يف جيلي هو �أن الإن�سان ي�ستطيع‬
‫تغيري ظروفه بتغيري نظرته لهذه الظروف"‪.‬‬
‫�إذن فلتقرر �أنت يا �صديقي �أيهما تريد �أن تكون املتفائل �أم املت�شائم الذي‬
‫يتوقع جوائز النجاح‪� ،‬أم الذي يتوقع عقوبات الف�شل‪ ,‬الأمر يرجع �إليك‬
‫وحدك‪ ،‬فلتخرت �أيهما ت�شاء‪.‬‬
‫يحكى أن‪:‬‬
‫يف ليلة ر�أ�س ال�سنة‪..‬‬

‫‪18‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫جل�س امل�ؤلف الكبري �أمام مكتبه و�أم�سك بقلمه‪ ،‬وكتب‪:‬‬


‫‪ -‬يف ال�سنة املا�ضية‪� ،‬أجريت عملية �إزالة املرارة‪ ،‬والزمت الفرا�ش عدة‬
‫�شهور‪..‬‬
‫‪ -‬وبلغت ال�ستني من العمر فرتكت وظيفتي املهمة يف دار الن�رش الكربى‬
‫التي ظللت �أعمل بها ثالثني عا ًما‪..‬‬
‫‪ -‬وتويف والدي‪.....‬‬
‫‪ -‬ور�سب ابني يف بكالوريو�س كلية الطب لتعطله عن الدرا�سة عدة �شهور‬
‫ب�سبب �إ�صابته يف حادث �سيارة‪..‬‬
‫ويف نهاية ال�صفحة كتب‪ :‬يا لها من �سنة �سيئة!‬
‫========‬
‫دخلت زوجته غرفة مكتبه‪ ،‬والحظت �رشوده‪ ..‬فاقرتبت منه‪ ،‬ومن فوق‬
‫كتفه قر�أت ما كتب‪..‬‬
‫فرتكت الغرفة بهدوء‪ ،‬وبعد دقائق عادت وقد �أم�سكت بيدها ورقة‬
‫�أخرى‪ ..‬و�ضعتها بهدوء بجوار الورقة التي �سبق �أن كتبها زوجها‪..‬‬
‫تناول الزوج ورقة زوجته وقر�أها‪:‬‬
‫‪ -‬يف ال�سنة املا�ضية‪� ..‬شفيت من �آالم املرارة التي عذبتك �سنوات طويلة‪..‬‬
‫‪ -‬وبلغت ال�ستني و�أنت يف متام ال�صحة‪..‬‬
‫‪ -‬و�ستتفرغ للكتابة والت�أليف بعد �أن مت التعاقد معك على ن�رش �أكرث من‬
‫كتاب مهم‪..‬‬

‫‪19‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪ -‬وعا�ش والدك حتى بلغ اخلام�سة والثمانني بدون �أن ي�سبب لأحد �أي‬
‫متاعب‪ ،‬وتويف يف هدوء بغري �أن يت�أمل‪..‬‬
‫‪ -‬وجنا ابنك من املوت يف حادث ال�سيارة و�شفي بغري �أية عاهات �أو‬
‫م�ضاعفات‪..‬‬
‫وختمت الزوجة عبارتها قائلة‪ :‬يا لها من �سنة تغلب فيها حظنا احل�سن على‬
‫حظنا ال�سيئ‪..‬‬
‫فلنغري �أيها الأ�صدقاء نظرة الت�شا�ؤم يف �أعيننا ملا حل بنا من حمن‪� ..‬إىل نظرة‬
‫حب وتفا�ؤل ملا عاد علينا من فائدة وخري بعد مرورنا بهذه املحن‪...‬‬

‫‪20‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال تذهب ً‬
‫بعيدا‪ ..‬ما تبحث عنه بداخلك‬
‫"‪"What you need is inside not outside‬‬

‫دعوين �أيها الأ�صدقاء �أخربكم ب�أن ال�سعادة التي تبحثون عنها موجودة‬
‫يف بيوتكم فال تبحثوا عنها يف بيوت الغرباء‪ ،‬وبيتك هو قلبك‪ ,‬وب�إمكانك‬
‫�أن جتعله حديقة‪ ,‬ب�أن تزرع فيه كل الأ�شياء اجلميلة‪� ،‬أو جتعله �سج ًنا ال حتمل‬
‫جدرانه غري امللل والك�آبة‪ ،‬كما �أن ال�سعادة موجودة يف كل مكان حولنا‪،‬‬
‫ولكن هناك �أ�شخا�ص لديهم �أجهزة ا�ستقبال ت�ستقبل �أ�شعة ال�سعادة التي تر�سلها‬
‫لنا ال�سماء يف كل �شعاع �شم�س ويف كل �ضوء قمر‪ ،‬وهناك �أ�شخا�ص �أجهزتهم‬
‫معطلة‪ ،‬فال ي�ستطيعون ا�ستقبالها‪ ،‬وبالتايل غري قادرين على �إر�سالها‪ ،‬فال�شخ�ص‬
‫بعيدا هنا‬
‫غري ال�سعيد غري قادر على �إ�سعاد الآخرين ال �شك؛ لذلك ال تذهب ً‬
‫وهناك‪� ،‬رشقًا وغر ًبا باح ًثا عن ال�سعادة‪ ،‬فهي بداخلك �أنت‪ ،‬وكلما كان جهاز‬
‫اال�ستقبال اخلا�ص بك يعمل بكفاءة‪ ،‬كلما �أتتك ال�سعادة ب�رسعة �أكرب‪ ،‬وهذا‬
‫فورا بقرار داخلي منك‪ ،‬تقر فيه ب�أنك �ستعي�ش‬ ‫اجلهاز ت�ستطيع �أن حت�صل عليه ً‬
‫�سعيدا مهما كانت الظروف والعوامل املحيطة بك‪ ،‬وعلى هذا القرار �ستتم‬ ‫ً‬
‫برجمة عقلك و�ستتحدد طريقة تفكريك‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫لذلك �إذا كنت ممن برجموا عقولهم على ال�شعور بالتعا�سة‪ ،‬وقلوبهم على‬
‫الإح�سا�س بالظلم واال�ضطهاد‪ ،‬فما عليك الآن �إال �أن تقف مع نف�سك وقفة‬
‫�سعيدا"‪ ..‬وعلى‬
‫ً‬ ‫جادة‪ ،‬وت�ضع معها اتفاقية ن�صها كالآتي‪�" :‬أنا قررت �أن �أعي�ش‬
‫قلبك �أن ي�صدق على هذه االتفاقية وي�شعر بها‪ ،‬وعلى عقلك �أن يقتنع بالفكرة‬
‫وتكرارا حتى يتربمج عليها‪ .‬فاحلياة التي‬‫ً‬ ‫مرارا‬
‫والقرار متا ًما ويظل يرددها ً‬
‫نعي�شها جمي ًعا واحدة‪ ،‬تظلنا نف�س ال�سماء‪ ،‬وحتملنا ذات الأر�ض‪ ،‬وت�رشق‬
‫علينا نف�س ال�شم�س‪ ،‬وي�ضيء لنا نف�س القمر‪ ،‬خلقنا اهلل �سبحانه وتعاىل بنف�س‬
‫قلبا �أو عق ً‬
‫ال �أو عي ًنا‪ ...‬ال‪ ،‬بل‬ ‫الهيئة ونف�س الرتكيب لأج�سادنا‪ ،‬ال �أحد يزيد ً‬
‫لنا جمي ًعا نف�س الرتكيب؛ �إذن �أتعجب ملاذا يحب البع�ض هذه احلياة وينجح‬
‫فيها والآخر ال؟‬
‫�إن الإجابة تكمن يف �شخ�صية الفرد نف�سه وطريقة تفكريه ولي�س يف‬
‫الظروف والعوامل املحيطة بنا‪ ،‬نعم قد ت�ؤثر هذه الظروف والعوامل بالطبع‪،‬‬
‫ولكن الفرق بني الإن�سان الذي قرر �أن يحب احلياة ويحيا حياة �سعيدة وبني‬
‫م�رسعا قبل‬
‫ً‬ ‫الآخر‪� ،‬أن الأول يتغلب على هذه الظروف ويتجاوزها‪ ،‬وينه�ض‬
‫أبدا مل ي�سلم �إن�سان من �صفعات‬
‫�أن يراه �أحد‪ ..‬يقول نابليون بونابرت‪ً �" :‬‬
‫قدرا منعوا به �أيديهم‬
‫الزمن‪ ،‬لكن الأقوياء فقط هم الذين امتلكوا من الإرادة ً‬
‫من �أن تتح�س�س مو�ضع ال�صفعة‪ ،‬فلم يلحظ �أملهم �أحد"‪ ..‬ويقول والت ديزين‪:‬‬
‫"كل ال�شدائد والعقبات التي واجهتها يف حياتي زادت من عزميتي‪ ،‬قد ال‬
‫تدرك هذا وقت املحنة‪ ..‬ولكن ركلة واحدة على �أ�سنانك قد تكون �أف�ضل ما‬
‫يحدث لك يف هذا العامل"‪.‬‬
‫�إذن كل ال�شواهد والأدلة ت�ؤكد �أنه مل ي�سلم �أحد من العقبات وال�شدائد‪،‬‬
‫ولكن الإرادة القوية يف عدم جعل هذه ال�شدائد عقبة يف طريق النجاح‪ ،‬هو‬
‫ال�سبيل الوحيد للخروج منها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫تقول هيلني كيلر ال�صماء البكماء والعمياء التي يعدها التاريخ من �أقوى‬
‫املعلمات والكاتبات‪" :‬كل �شيء له نكهته‪ ،‬حتى ال�صمت والظالم‪ ،‬و�أنا‬
‫تعلمت �أن �أكون �سعيدة ب�رصف النظر عن احلالة التي �أنا فيها"‪.‬‬
‫لذا ف�إن ال�سعادة يف حد ذاتها لي�ست هدفًا‪ ،‬و�إمنا هي طريق لتحقيق هدفك‪،‬‬
‫هي املحفز الذاتي ومولِّد الطاقة التي ن�ستمد منه القوة لال�ستمرار وامل�ضي قد ًما‬
‫يف حتقيق الذات‪.‬‬
‫فال�سعادة لي�ست كما يتخيل البع�ض يف املال �أو اجلاه �أو ال�شهرة‪ ،‬و�إال ما‬
‫كان قال نابليون بونابرت ‪-‬وهو ميتلك الثالث �أ�شياء‪" :‬مل �أعرف �ستة �أيام‬
‫�سعيدة يف حياتي"‪ ..‬بينما تقول هيلني كيلر ‪-‬التي ال متتلك حتى ال�سمع‬
‫جدا"‪� ..‬إذن فال�سعادة هي حالة ال عالقة‬ ‫والب�رص والكالم‪�" :‬أجد احلياة جميلة ًّ‬
‫لها باملال �أو ال�شهرة‪ ،‬و�إمنا بر�ؤيتك �أنت للعامل الذي حولك‪ ..‬ما �أريد �أن‬
‫�أقوله �أن الذي يريد �أن ي�ستمتع باحلياة �سي�ستمتع بها‪ ،‬و�سيجد يف عمله متعة‪،‬‬
‫دائما رائ ًعا‪� ،‬أما الآخر الذي ال يريد‬
‫ويف تربية �أطفاله متعة‪ ،‬و�سريى الطق�س ً‬
‫جدا‪،‬‬
‫ذلك ف�سيجد عك�س ذلك‪ ،‬فالعمل م�شقة‪ ،‬وتربية الأطفال �شيء مرهق ًّ‬
‫دائما �سيئ‪ ,‬وال �أعرف ملاذا يعتقد البع�ض �أن ال�سعادة �شيء ي�أتينا‬
‫وحتى الطق�س ً‬
‫منتظرا ذلك ال�شيء‪ ،‬وللأ�سف لن ي�أتي‪ ،‬لأن‬ ‫ً‬ ‫من اخلارج‪ ،‬فريهن حياته كلها‬
‫ال�سعادة ال ت�أتي من اخلارج‪ ،‬و�إمنا ت�أتي من داخلك �أنت وتخرج للعامل‪� ،‬أي‬
‫�إنها على العك�س متا ًما‪.‬‬
‫فال تنتظر �شي ًئا �أو �أحدً ا‪ ،‬بل ابد�أ �أنت يف تغيري نف�سك ويف خلق �سعادتك بيديك‪،‬‬
‫و�إحياء قلبك‪ ،‬فالقلوب الكئيبة هي يف احلقيقة قلوب ميتة‪ ،‬كما يقول ال�شاعر‪:‬‬
‫�إمنا امليت ميت الأحياء‬ ‫ ‬
‫لي�س من مات فا�سرتاح مبيت‬
‫كا�سفًا باله قليل الرجاء‬ ‫كئيبا ‬
‫�إمنا امليت من يعي�ش ً‬

‫‪23‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فالقلوب الناب�ضة بحب احلياة جتعل �أ�صحابها �أكرث حيوية و�إ�رشاقًا‪ ،‬وجتعلهم‬
‫ً‬
‫ن�شاطا وقدرة على العمل والإبداع‪.‬‬ ‫�أكرث‬
‫وقد وجد �أن الأ�شخا�ص الذين يف حالة مزاجية طيبة يفكرون بطريقة‬
‫�أف�ضل‪ ،‬ويكونون �أكرث قدرة على حل امل�شكالت‪ ،‬مقارنة بهم يف حاالت‬
‫مزاجية �سيئة‪ ،‬كما �أن احلالة املزاجية الطيبة ت�ؤدي ب�أ�صحابها �إىل مزيد من‬
‫التقدير الإيجابي وحمبة الآخرين‪.‬‬
‫أي�ضا �أنك عندما تكون يف حالة �سعادة ف�إنك تكون �أكرث قدرة على‬
‫ووجد � ً‬
‫تذكر الأحداث ال�سعيدة وال�سارة يف حياتك‪ ،‬والعك�س عندما تكون يف حالة‬
‫حزن �أو اكتئاب‪ ،‬ف�إن ذهنك يكون �أكرث قدرة على ُّ‬
‫تذكر الأحداث ال�سيئة‬
‫والأليمة‪ ..‬معنى ذلك �أن ال�سعادة جتر �سعادة �أخرى‪ ،‬واحلزن يجر حزنًا �آخر‪،‬‬
‫دائما‪ ،‬ويف حال مزاجية طيبة‬
‫�سعيدا ً‬
‫ً‬ ‫�إذن �ساعد نف�سك بقدرالإمكان لتكون‬
‫لكي تهن�أ باحلياة وتنعم بها‪..‬‬
‫ويحكى أن رجالً يقول‪:‬‬
‫جل�ست مهمو ًما حمزونًا على مقعد حجري على �شاطئ البحر‪� ،‬أتفكر‬
‫يف حايل وما �آل �إليه‪ ،‬وقد توقف ن�شاط ال�رشكة التي �أعمل بها‪ ،‬وان�ضممت‬
‫لطابور العاطلني‪� ،‬إنذار بالرفد من كليتي لأنني مل �أعد �أهتم بر�سالة الدكتوراه‬
‫التي بذلت فيها جمهو ًدا ملدة �ست �سنوات‪ ،‬وزوجتي حامل يف �شهرها الأخري‪،‬‬
‫وال �أعرف من �أين �أح�صل على م�صاريف الوالدة‪ ،‬و�سوف تبد�أ الدرا�سة‪،‬‬
‫و�أوالدي يحتاجون مل�صاريف بدء العام الدرا�سي‪ ،‬وحجز ق�ضائي على �شقتي‬
‫لأنني مل �أ�سدد �أق�ساطها منذ �شهور‪ ،‬والذي زاد �إح�سا�سي بالأمل �أنني فقط من‬
‫أمرا يف منتهى‬‫عدة �شهور كنت يف قمة النجاح‪ ,‬ولكني �أثناء جلو�سي الحظت � ً‬
‫الغرابة! فعلى الطرف الآخر من املقعد احلجري جل�س �ساعي بريد يبدو عليه‬
‫الب�رش وال�رسور‪ ،‬وقد فتح حقيبته التي حتتوي على اخلطابات ينظر �إىل املارين‬

‫‪24‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫بال�شاطئ بابت�سامة‪ ،‬ومن جاء �إليه �أدخل يده يف حقيبته و�أخذ منها خطا ًبا �أو‬
‫اثنني �أو �أكرث ثم يعطيها له‪ ..‬هكذا! بدون حتى �أن يعرف ا�سمه‪� ،‬أو يت�أكد‬
‫�أن هذه اخلطابات خا�صة بالرجل‪ ..‬وا�ستمر �ساعي الربيد يوزع اخلطابات‬
‫بهذا ال�شكل الغريب‪ ،‬و�أنا �أنظر �إليه بده�شة حتى فرغت حقيبته‪ ،‬فابت�سم‬
‫حتما هذا الرجل جمنون‪..‬‬ ‫براحة ثم �أغلق حقيبته وم�ضى؟! فقلت يف نف�سي‪ً :‬‬
‫و�سوف ُيف�صل من عمله لين�ضم معي لطابور العاطلني‪ ..‬و�أثناء تفكريي يف‬
‫هذا الرجل توقف �أمامي �أحد املارين وهو �شيخ كبري تبدو عليه احلكمة‪ ،‬وقد‬
‫الحظ ا�ستغرابي ال�شديد من ت�رصف �ساعي الربيد‪ ،‬ف�س�ألني‪ :‬هل تعرف من‬
‫كان يجل�س بجانبك؟ فقلت له ب�رسعة‪� :‬أعتقد �أنه رجل جمنون‪ .‬فرد علي وهو‬
‫ينظر يل ب�شفقة‪ :‬ال‪� ..‬إنه احلظ‪ ..‬يعطي كل من يقبل عليه ن�صيبه من الفر�ص‬
‫اجليدة‪ ..‬ولكنك حتى مل تكلف نف�سك لت�س�أله عمن يكون‪ ،‬مع �أنه كان‬
‫يجل�س بجانبك‪...‬‬
‫‪Every man is the architect of his own fortunes.‬‬
‫كل امرئ ي�صنع قدره (�أو م�صائره) بنف�سه‪.‬‬
‫ويقول �أحد احلكماء‪" :‬هناك �صنف من الب�رش تطرق الفر�صة بابه‪ ..‬فال‬
‫يفعل �شي ًئا �سوى ال�شكوى من ال�ضجة"‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫اجعل عينيك على النجوم وقدميك على األرض‬


‫‪"Put your eyes on stars & your feet on the‬‬
‫"‪ground‬‬

‫دائما عينيك على هدفك‪ ,‬ال‬


‫قالها تيودور روزفيلت‪ ،‬ومغزاها �أن جتعل ً‬
‫وا�ضحا و�ضوح‬
‫ً‬ ‫تغم�ض عينيك عنه ولو للحظة‪ ,‬هدفك الذي تراه يف خيالك‬
‫ال�شم�س‪ ،‬وتدونه كتابة‪ ،‬ويوقظك من نومك‪ ,‬هدف تتذوقه وت�شمه وتلم�سه‪,‬‬
‫دائما لتزداد حما�ستك وت�شتعل �إردتك‪ ،‬فمن‬
‫تذكر به نف�سك ً‬ ‫هدف حتب �أن ِّ‬
‫غري هدف وا�ضح حلياتك �ستجد نف�سك تدور يف دائرة مفرغة‪ ،‬ال �أنت تعرف‬
‫ماذا تريد‪ ،‬وال ماذا عليك �أن تفعل‪.‬‬
‫بعيدا‪ ،‬وكلما كانت �إرادتك‬
‫وا�ضحا ‪-‬مهما كان ً‬
‫ً‬ ‫وكلما كان هدفك‬
‫لتحقيقه �صادقة وقوية‪ ،‬كلما اقرتبت من حتقيق هدفك‪..‬‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫وترتيبا‬
‫ً‬ ‫تدريجا‬
‫ً‬ ‫ف�إن للمجد‬ ‫ ‬
‫ال ي�ؤي�س َّنك من جمد تباعده‬

‫‪27‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وكثري من النا�س ي�ضيعون حياتهم‪ ،‬ويف �آخرها يكت�شفون �أنهم مل يحققوا‬


‫ما �أرادوا‪ ،‬وذلك بب�ساطة لأنهم مل يحددوا بال�ضبط ماذا �أرادوا‪ ،‬ف�أول خطوة‬
‫للنجاح هي حتديد الهدف‪ ،‬تقول خولة القزويني‪" :‬ال�شخ�ص غري الهادف ال‬
‫يعرف كيف يغو�ص يف �أعماق روحه‪ ،‬وال يتكلم مع نف�سه عن �سبب وجوده‪،‬‬
‫وما يريد �أن يفعله بنعمة احلياة"‪.‬‬
‫عاليا؛ لأن تو�سيع الهدف يجعلك تفكر مب�ستوى �أعلى‪،‬‬
‫وليكن هدفك ً‬
‫أفكارا جديدة لتحقيق الهدف‪.‬‬
‫وبحافز �أكرب‪ ،‬ويجعلك تبدع � ً‬
‫والإن�سان الذي يقول �إنه لي�س له هدف‪ ،‬هذا لأنه مل يجل�س مع نف�سه‬
‫ويتحدث معها‪..‬‬
‫فنحن نتحدث عن �أنف�سنا �أكرث مما نتحدث معها‪ ،‬ورمبا لو كنا نتحدث‬
‫أبدا‪ ,‬ولكن البع�ض يعتقد �أن الهدف ي�أتيه‬
‫معها ملا احتجنا لأن نتحدث عنها � ً‬
‫من خارج نف�سه ال من داخلها‪ ..‬وقد عرف �أفالطون التفكري ب�أنه حديث‬
‫الروح مع نف�سها‪.‬‬
‫ف�إذا �أردت �أن تخطط حلياتك فلي�س هناك �شخ�ص �آخر حتدثه �أف�ضل من‬
‫نف�سك‪ ،‬ولي�س هناك من ميكنه �إفادتك �أكرث من نف�سك‪ ،‬حاول �أثناء حوارك‬
‫إيجابيا‪ ،‬و�أن حتدد لنف�سك‬
‫مع نف�سك �أنه بقدر ما يكون �صادقًا بقدر ما يكون � ًّ‬
‫نقاط قوتك ومهاراتك مهما كانت ب�سيطة‪.‬‬
‫وليكن طموحك عاليًا ما دامت المشقة نفسها‪:‬‬
‫فال تقنع مبا دون النجوم‬ ‫ ‬
‫غامرت يف �رشف مروم‬
‫َ‬ ‫�إذا‬
‫كطعم املوت يف �أمر عظيم‬ ‫ ‬‫فطعم املوت يف �أمر �صغري‬

‫‪28‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫و�أنا عن نف�سي ال ير�ضيني عامل الفقراء‪ ،‬لي�س الفقراء ماد ًّيا‪ ،‬و�إمنا الفقراء‬
‫أخالقيا‪ ،‬وال �أقتنع ب�أن الأحالم ال بد �أن تكون مق َّننة وب�سيطة‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫أدبيا و�‬
‫ثقافيا و� ًّ‬
‫ًّ‬
‫فال �سلطة على الأحالم‪ ،‬وكلما كانت �أحالمك وطموحاتك بعيدة كلما كان‬
‫توه ًجا وا�شتعا ًال‪ ،‬فال تر�ضى‬‫احلافز لديك �أكرب‪ ،‬و�شعلة احلما�س والن�شاط �أكرث ُّ‬
‫�إال ب�أعلى الأ�شياء يف كل الأ�شياء يف الأخالق‪ ,‬يف احلب‪ ,‬يف النجاح‪ ،‬يف كل‬
‫تر�ض مبا دون القمة لت�صل �إليها‪ :‬يقول �سومر�ست موم‪" :‬لعل من‬ ‫�شيء‪ ..‬ال َ‬
‫دائما ما‬
‫عجائب احلياة �أنك �إذا رف�ضت كل ما هو دون م�ستوى القمة‪ ,‬ف�إنك ً‬
‫ت�صل �إليها"‪.‬‬
‫يقول �أحدهم‪ :‬و�أنا يف غرفتي وعلى فرا�شي‪ ،‬كنت �أ�س�أل نف�سي‪ :‬ما‬
‫�أ�سباب النجاح يف احلياة؟ وجدت اجلواب داخل الغرفة‪ ,‬ال�سقف يقول‪:‬‬
‫عاليا‪ ,‬النافذة تقول‪ :‬انظر للعامل‪ ,‬ال�ساعة تقول‪ :‬كل دقيقة غالية‪,‬‬
‫الطموح ً‬
‫املرايا تقول‪ :‬فكر قبل �أن تفعل‪ ,‬التقومي يقول‪ :‬تابع �أو ً‬
‫ال ب�أول‪ ,‬الباب‬
‫أن�س الأر�ض‪ ..‬قالت‪ :‬ا�سجد‬ ‫يقول‪ :‬ادفع بقوة للو�صول �إىل الهدف‪ ,‬ومل � َ‬
‫وادع من خلقك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫و�صل‬

‫‪29‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫احبث عن اللؤلؤة اليت بداخلك‬


‫"‪"Look for the Pearl inside yourself‬‬

‫�إن يف النف�س لدرر لو ا�ستطاع الإن�سان �أن يكت�شفها وي�صقلها لتغريت‬


‫حياته نحو الأف�ضل بكثري‪..‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫(وفيِ �أَ ْن ُف�سِ ُك ْم �أَفَلاَ ت ُْب رِ ُ‬


‫�صونَ )‬ ‫َ‬
‫�صدق اهلل العظيم‬
‫بداخل كل منا ل�ؤل�ؤة ثمينة‪ ،‬هذه هي ذاته‪ ،‬ولكن البع�ض يجيد تقديرها‪،‬‬
‫جيدا‪ ،‬والبع�ض الآخر يظل يبحث عنها‬
‫والبع�ض يبخ�سها حقها‪ ،‬وال يقدرها ً‬
‫دائما‪ ،‬وهذا خط�أ‪...‬‬
‫ً‬
‫فاحلياة رحلة ل�صنع الذات ولي�ست للبحث عنها‪ ,‬وتقدير الذات هو �أهم‬
‫خطوة للو�صول �إىل النجاح وحلب احلياة‪ ،‬وقيل �إن �أخطر الأ�رضار التي قد‬
‫ت�صيب الإن�سان هو ظنه ال�سيئ بنف�سه‪ ،‬ونظرته �إىل نف�سه على �أنها �أقل من‬

‫‪31‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الآخرين‪ ،‬مع �أنها لي�ست كذلك‪ ،‬ولكن عدم ثقته يف ذاته هي التي ت�صور له‬
‫هذه ال�صورة غري ال�صحيحة‪.‬‬
‫وهذه الثقة ال تولد مع املرء‪ ،‬و�إمنا تكت�سب وتتطور وتزداد كلما ازداد �إميان‬
‫املرء ب�أفكاره ومعتقداته وقدراته‪ ،‬و�أف�ضل ما يجعلك تعتز بذاتك هو اعتزازك‬
‫مببادئك وقيمك‪ ،‬فال �شيء يفوق �إح�سا�س الإن�سان ب�أنه غني مببادئه وقيمه‪،‬‬
‫فطاملا �أنك ت�سري على املبادئ والقيم ف�أنت ت�سري يف الطريق ال�صحيح ال �شك‪.‬‬
‫وال تت�صور �أن النا�س جمي ًعا و ِّزع عليهم كتب مكتو ًبا فيها كيف يجدون‬
‫ذواتهم‪ ،‬و�أنت الوحيد الذي مل حت�صل على هذا الكتاب‪ ،‬وبالتايل ال تعرف‬
‫كيف جتد ذاتك‪ ،‬ولكنك �ستجد ذاتك حينما ت�صنعها �أنت‪ ،‬حينما تتحلى‬
‫ب�إرادة قوية لتحقيق هدف ما‪ ،‬وقتها �ستجد ذاتك‪ ،‬والإرادة القوية هي �أول‬
‫طوبة تبني عليها م�ستقبلك‪ ،‬وت�صنع بها ذاتك‪ ..‬قيل لنابليون بونابرت ذات‬
‫يوم �إن جبال الألب �شاهقة و�ستمنع تقدمك‪ ،‬فقال‪ :‬يجب �أن تزول‪.‬‬
‫هذه هي قوة الإرادة والعزم على �إمتام �أمر ما‪ ،‬وحتقيق هدف ما‪ ،‬فاحذف‬
‫فورا من قامو�س كلماتك كلمة م�ستحيل �أو غري ممكن‪ ,‬يقول طاغور‪�" :‬س�أل‬ ‫ً‬
‫املمكن امل�ستحيل‪� :‬أين ت�سكن؟ فقال يف �أحالم العاجزين"‪ ..‬فالعاجز يرى‬
‫حلمه ويقول م�ستحيل‪ ،‬والذي يتمتع ب�إرادة قوية يرى حلمه ويقول ومل ال‪.‬‬
‫فالإرادة القوية للإن�سان ت�شبه القوة اخلفية التي ت�سري خلف ظهره وتدفعه دف ًعا‬
‫للأمام‪ ،‬وتتنامى مع الوقت حتى متنعه من التوقف �أو الرتاجع‪ ،‬ولقوة الإرادة‬
‫�سحر عجيب‪ ،‬فمجرد التلفظ بالكلمة ي�شعر املرء بطاقة جبارة وقوة غري عادية‪،‬‬
‫فال جتعل العقبات وال�شدائد ت�شعرك باليا�س‪ ،‬واجمع احلجارة التي تتعرث بها‪،‬‬
‫�سلما ت�صعد به نحو النجاح‪ ،‬فكل العظماء والناجحني واجهتهم �أكرب‬ ‫وابن بها ً‬
‫امل�صاعب والأزمات‪ ،‬ولكنهم قرروا �أن يقفزوا من فوقها لي�صلوا �إىل �أهدافهم‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫قالعا من �صخور‪،‬‬
‫يقول م�صطفى �أمني‪" :‬قد تثبت لك الأيام �أن ما ظنن َته ً‬
‫�إمنا هي ح�صون من ورق‪ ..‬فريق منا ت�رصعه ال�رضبة الأوىل‪ ،‬و�آخرون تخلق‬
‫منهم ال�رضبة الأوىل �أبطا ًال"‪...‬‬
‫وهذه ق�صة ال�شاب اللبناين الذي طرده عمه ذات يوم‪ ،‬ليجد نف�سه على‬
‫ر�صيف �أحد ال�شوارع ينام عليه‪ ،‬ويفت�ش يف �صندوق القمامة عن بع�ض الطعام‬
‫لي�سد به جوعه‪ ،‬وكلما وجد ورقة جريدة حاول بالكاد �أن يقر�أها من بقع‬
‫الزيت العالقة فيها‪ ،‬فبالكاد ي�ستطيع �أن يقر�أ الأ�سطر والكلمات‪ ،‬وبينما كان‬
‫�صحفيا؟! ملاذا‬
‫ًّ‬ ‫يقلب عينيه يف �صحيفة ممتلئة ببقايا الطعام فكر‪ ..‬ملاذا ال �أكون‬
‫ال �أكتب و�أنا �صاحب جتربة كبرية؟ كم من النا�س نام فوق الر�صيف بجوار‬
‫�صندوق النفايات وحتت الإنارة ال�صفرا ء؟ تلك ميزة‪� ..‬أنا متميز‪ ..‬ال بد‬
‫�صحفيا‪ ،‬وكي �أتعلم ال بد �أن �أعمل‪ ..‬ف�أ�رشق ال�صباح‪،‬‬‫ًّ‬ ‫�أن �أتعلم حتى �أكون‬
‫و�أ�رشق الطموح يف نف�سه‪ ,‬وانطلق يبحث عن م�ؤ�س�سات �صحفية كي يعمل‬
‫أخريا وجد الفر�صة يف وظيفة‬ ‫فيها‪ ،‬بحث وبحث حتى كاد �أن يي�أ�س‪ ،‬ولكن � ً‬
‫�صباحا‪ ،‬كانت وظيفة عامل ب�سيط مي�سح‬ ‫ً‬ ‫منا�سبة يعمل فيها بامل�ساء حتى يدر�س‬
‫الطاوالت‪ ,‬طاوالت املوظفني وماكينات الطباعة‪ ،‬وظيفة منا�سبة‪ ،‬على الأقل‬
‫ت�ضمن له �أن يقر�أ كل يوم �صحيفة نف�س اليوم‪ ،‬دون �أي بقع �أو زيت يلطخ‬
‫وجد وك�أنه رئي�س حترير تلك امل�ؤ�س�سة‪ ،‬ثم‬ ‫�أ�سطر املقاالت‪ ،‬بد�أ يعمل بعزمية ِ‬
‫يعود ليكتب مذكراته وخواطره يف دفرته‪ ..‬ويف يوم من الأيام كان يحمل‬
‫دفرته ومي�شي بخطى �رسيعة يف �أحد ممرات هذه امل�ؤ�س�سة‪ ،‬فارتطم برجل يظهر‬
‫عليه الكرب يف ال�سن والأدب‪ ،‬فقال له الرجل‪� :‬أنا �آ�سف‪ ..‬والتفت �إىل الدفرت‬
‫الذي وقع على الأر�ض من يد ذلك ال�شاب‪ ،‬فالتقطه و�أعطاه �إياه‪ ،‬و�س�أله‬
‫عما �إذا كان يعمل هنا‪ ،‬فقال له‪ :‬نعم‪� ..‬أعمل منذ �شهر‪ ،‬فقال له‪� :‬أنا رئي�س‬
‫حترير هذه اجلريدة‪ ..‬و�س�أله عن الدفرت الذي يف يده‪ ،‬فقال له‪ :‬هذه خواطرى‬
‫�أكتبها‪ ..‬انظر لعلك تقر�أ بع�ض �صفحاتها‪ ..‬و�شعر ب�أن الفر�صة قد �سنحت‬

‫‪33‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫له‪ ،‬ف�أخذه الرجل �إىل مكتبه ليقر�أ خواطره‪ ،‬ف�إذا بها تنطلق من جتربة �صادقة‬
‫ومعاناة بالغة‪ ،‬ف�أعجب بهذه املوهبة الواعدة‪ ،‬ووعده ب�أن يدعمه حتى ي�ستمر‬
‫يف التطوير‪ ،‬ون�رش له �أول مقال يف تلك اجلريدة‪ ،‬وكانت هذه البداية‪ ،‬ولكنها‬
‫مل تكن النهاية‪ ،‬فهذا ال�شاب ا�ستطاع بعد جمهود كبري وعزمية بالغة �أن ي�صبح‬
‫رئي�س حترير تلك اجلريدة‪ ،‬ثم ميتلكها‪ ،‬وميتلك �أكرب م�ؤ�س�سة �صحفية يف لبنان‪،‬‬
‫هنا ا�ستطاع �أن ي�صنع ذاته‪ ..‬كيف؟ بفكرة‪ ..‬جمرد فكرة‪ ..‬حتولت �إىل حلم‪،‬‬
‫ثم عمل‪ ،‬ثم حقيقة‪.‬‬
‫كان من املمكن �أن ينظر لنف�سه على �أنه �ضحية‪ ،‬و�أنه �أقل من الآخرين‪،‬‬
‫و�أنه‪ ،‬و�أنه‪ ...‬ولكنه ا�ستغل ميزة ب�سيطة بداخله لتكون �رشارة البدء لتكوين‬
‫الذات‪� .‬إذن فاحلياة لي�ست رحلة للبحث عن الذات‪ ،‬و�إمنا ل�صنع الذات‪،‬‬
‫فعندما ت�صنعها �ستجدها‪� ,‬ستجدها يف كل مكان‪ ،‬يف املر�آة �أمامك‪ ..‬يف‬
‫�أخالقك‪ ..‬يف جناحك‪ ..‬يف حبك للآخرين وحبهم لك‪ ..‬ا�صنع ذاتك جتدها‬
‫ولي�س العك�س‪.‬‬
‫فابد�أ يف تكوين ذاتك ويف �صنعها بيديك‪ ،‬وك�أنك ت�شكل عجينة‬
‫�صل�صال لينة‪� ,‬شكلها كما تريد‪ ،‬وكما حتب �أن تراها‪ ،‬وال تي�أ�س مهما ف�شلت‬
‫املحاوالت‪ ،‬ومهما بعدت امل�سافة‪ ،‬ومهما �شق عليك الطريق‪.‬‬
‫م�رسعا‬
‫ً‬ ‫يقول �إبراهام لنكولن‪�" :‬أن مت�شي بطي ًئا للأمام‪ ،‬خري من �أن مت�شي‬
‫�إىل اخللف"‪ ..‬فما دام لديك الهدف‪ ،‬ولديك الإرادة والعزمية‪ ،‬فام�ضِ ق ُُد ًما‬
‫وال تنظر للخلف‪ ،‬فالوقت الذي ت�ضيعه يف النظر للخلف ت�ستطيع �أن مت�شي به‬
‫خطوة �أو �أكرث للأمام‪..‬‬
‫فكن على ثقة تامة من قدراتك ومن �إمكانياتك‪ ،‬و�إن مل جتدها فلي�س‬
‫معنى ذلك �أنها غري موجودة‪ ،‬و�إمنا هي موجودة‪ ،‬وكثرية‪ ،‬ولكنك �أنت‬
‫الذي مل تكت�شفها بعد‪ ،‬ولن تكت�شفها �إال �إذا حاولت النجاح �أكرث من مرة‬

‫‪34‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وف�شلت‪ ،‬ففي كل مرة تف�شل فيها �ستكت�شف يف نف�سك �إمكانيات هائلة‪،‬‬


‫وطاقات جبارة‪ ،‬فتزداد عزميتك ورغبتك يف النجاح‪ ,‬فالل�ؤل�ؤة موجودة يف‬
‫�أعماق البحار‪ ،‬ولكن ال يعرف قيمتها �أحد �إال حينما يخرجها لتطفو على‬
‫ال�سطح‪ ،‬وكذلك افعل �أنت مع �إمكانياتك وقدراتك الكامنة‪� ،‬أخرجها للنور‬
‫لكي يراها الآخرون‪ ،‬ولكي تفيد بها النا�س واملجتمع‪ ،‬وبذلك تكون قد بنيت‬
‫نف�سك و�صنعت ذاتك‪.‬‬
‫•"ال تفكر بالأحالم التي تنا�سب قدراتك‪ ،‬وفكر يف القدرات التي‬
‫تنا�سب �أحالمك"‪.‬‬
‫•لي�س املهم �أن تكون الأف�ضل‪ ..‬املهم �أن تبذل �أف�ضل ما عندك‪..‬‬

‫‪35‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫قررت أن أغري العامل‬


‫"‪"I ´ll Change the world‬‬

‫حتما �ستغري العامل‪ ،‬ولكن فقط �إذا غريت نف�سك �أو ًال‪ ,‬كيف؟‬
‫ً‬
‫‪� -‬إذا �أنت غريت من نف�سك ف�ستتغري ر�ؤيتك للعامل الذي تريد تغيريه‪ ،‬ورمبا‬
‫اكت�شفت �أن العامل مل يكن بحاجة �إىل التغيري قدر حاجتك �أنت �إليه‪ ,‬وبالتايل‬
‫تكون وفرت على نف�سك جمهو ًدا هائ ً‬
‫ال �أنت �أوىل باال�ستفادة به‪.‬‬
‫‪ -‬كن �أنت التغيري الذي تريد �إحداثه يف العامل‪ ...‬غاندي‬
‫ناجحا �ست�ستطيع �أن تخدم الآخرين �أكرث منك لو‬
‫ً‬ ‫‪� -‬إذا �أنت �أ�صبحت‬
‫كنت يف �صفوفهم‪ ..‬يقول �إبراهام لنكولن‪�" :‬إنك ال تخدم الفقراء ب�أن تكون‬
‫واحدا منهم"‪ ..‬ف�إن �أردت تغيري عامل الفقراء‪ ،‬فلن تفيدهم �شفقتك‪� ,‬أما �إن‬
‫ً‬
‫مقتدرا رمبا غريت لهم عاملهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫�أ�صبحت‬
‫ناجحا �ستكون قدوة لكل من حولك‪ ،‬و�سيحاول الكثريين‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬عندما تكون‬
‫�أن يحذو حذوك‪ ,‬وبالتايل يتغري املجتمع كنتيجة لتغريك �أنت‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪( -‬القدوة احل�سنة خري من العظة ) "‪Example is better than pr e‬‬


‫‪."cept‬‬
‫‪( -‬الأفعال �أعلى �صوتًا من الأقوال) "‪Actions speak louder‬‬
‫‪."than words‬‬
‫حتمًا ستغير العالم عندما‪:‬‬
‫�صاف نقي‪ ،‬ال ت�سكنه هذه الأ�شباح امل�سماة باحلقد واحل�سد‬
‫ٍ‬ ‫‪1 .1‬تعي�ش بقلب‬
‫وغريها‪ ,‬قلب يت�سع لي�ضم العامل �أجمع وي�شملهم بحبه وعطفه‪.‬‬
‫كثريا من اليوم‪ ،‬وبالتايل تن�رش �أم ً‬
‫ال‬ ‫‪2 .2‬عندما تكون ر�ؤيتك للغد �أف�ضل ً‬
‫جديدا‪ ،‬وحتيي قلو ًبا يائ�سة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪3 .3‬عندما حتت�ضن �أطفالك و�أطفال الآخرين ومت�سح على ر�ؤو�سهم‪،‬‬
‫وبذلك ت�ساهم يف �إخراج جيل جديد حمب للحياة وللمجتمع‬
‫وللنا�س‪.‬‬
‫كتبا وتن�صحهم بالقراءة‪.‬‬
‫مفيدا‪� ،‬أو تعري الآخرين ً‬
‫�شخ�صا ما �شي ًئا ً‬
‫ً‬ ‫‪4 .4‬تع ِّلم‬
‫‪5 .5‬مت�سح دمعة من عني حزين وت�صنع مكانها ب�سمة‪ ,‬وحينما ت�ستمع‬
‫ل�شخ�ص بحاجة �إىل الكالم‪.‬‬
‫‪6 .6‬عندما تقول احلق ب�شجاعة وال تر�ضى باخلط�أ‪.‬‬
‫‪7 .7‬عندما حتافظ على نظافة بلدك وحترتم قوانينه‪.‬‬
‫جيدا ب�أنك قادر على النجاح؛ لأن �إميانك بقدرتك‬
‫‪8 .8‬عندما ت�ؤمن ً‬
‫يجعلك تثق يف كل خطواتك‪� ,‬أما انتظارك لأن ي�ؤمن الآخرون بك‬
‫فيجعلك ت�شك يف كل خطوة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪9 .9‬عندما تتم�سك بالقيم واملبادئ ال�سليمة‪ ،‬ويف نف�س الوقت تكون‬
‫متح�رضا وع�رص ًّيا‪..‬‬
‫ً‬ ‫�إن�سانًا‬
‫جاهدا �أن ي�صور لنا �أن احل�ضارة والتقدم تعني ترك املبادئ‬
‫ً‬ ‫فالغرب يحاول‬
‫والقيم‪ ،‬واللهث وراء كل ما هو جديد‪ ,‬ولكني �أ�شفق عليهم؛ لأنهم ال يعرفون‬
‫ً‬
‫متم�سكا بالقيم‬ ‫متح�رضا‪ ،‬بل ويف قمة ح�ضارته �إذا كان‬
‫ً‬ ‫كم يكون الإن�سان‬
‫واملبادئ ال�سليمة‪ ,‬وقمة الهمجية والرجعية هي يف التخلي عن هذه القيم‪.‬‬
‫واحدا للخلف‪،‬‬
‫ً‬ ‫ف�أنا عن نف�سي غري م�ستعدة لأن �أزحزح حجابي �سنتيمرتًا‬
‫ولكني على �أمت اال�ستعداد لأن �أكون �أكرث امر�أة متح�رضة وع�رصية يف العامل‪.‬‬
‫تخيل �أنك فعلت كل ذلك‪ ،‬وكل �شخ�ص ر�آك فعل مثلك‪� ..‬إىل �أي مدى‬
‫�سيتغري العامل؟!‬

‫‪39‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال تطفئ هذه الشمعة‬


‫"‪"Don’t turn off this candle‬‬

‫�إذا كنت قد �أطفات بع�ض ال�شموع‪ ،‬ك�شمعة احلب‪� ،‬أو �شمعة الإميان‪،‬‬
‫�أو �شمعة ال�سالم‪ ...‬ف�أرجوك ال تطفئ هذه ال�شمعة‪� ،‬شمعة الأمل؛ لأن بها‬
‫ت�ستطيع �أن ت�ضيء باقي ال�شموع املنطفئة‪.‬‬
‫ما األمل؟‬
‫الأمل هو ان�رشاح النف�س يف وقت ال�ضيق والأزمات بحيث ينتظر الفرج والي�رس‪،‬‬
‫وهو الذي يدفع الإن�سان �إىل ما ف�شل فيه من قبل‪ ،‬وال ميل حتى ينجح يف حتقيقه‪.‬‬
‫ولوال مت�سك الأنبياء والر�سل بالأمل ما ا�ستطاعوا موا�صلة الدعوة �إىل اهلل‬
‫عز وجل بالرغم من الإعرا�ض والنفور الذي القوه �أثناء الدعوة‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫�س ِم ْن َر ْو ِح اللهَِّ �إِلاَّ ا ْلق َْو ُم ا ْل َكا ِف ُرونَ )‬
‫(�إِ َّن ُه لاَ َي ْي َئ ُ‬
‫�صدق اهلل العظيم‬

‫‪41‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فالأمل هو ذلك ال�سيف الذي يقتل الي�أ�س والف�شل‪ ،‬وال�سم الذي نق�ضى‬
‫به على الأحزان والهموم‪ ..‬يقول توما�س �أدي�سون‪" :‬الآمال العظيمة ت�صنع‬
‫الأ�شخا�ص العظماء"‪ ..‬والأمل ال عالقة له باملنطق‪ ،‬كما يقول نورمان كازن�س‪،‬‬
‫ف�أحيانًا تكون م�شكلة ما معقدة كل التعقيد‪ ،‬وقد تظن �أن لي�س لها حل‪ ،‬ولكن‬
‫بقدرة اهلل �سبحانه وتعاىل جتدها فج�أة قد ُو ِجد لها حل واثنان وثالثة‪ ،‬واعلم‬
‫جدا‪ ،‬كلما قرب الفرج والي�رس‪ ،‬ف�أ�شد �ساعات الليل �سوا ًدا‬
‫�أنها كلما �ضاقت ًّ‬
‫هي ال�ساعة التي ت�سبق طلوع الفجر‪ ،‬فلتكن ا�ستعانتك باهلل و�أملك فيه �أكرب من‬
‫�إح�سا�سك بعظم امل�شكلة‪ ،‬وهناك مقولة تقول‪�" :‬إذا فقدت مالك فقد �ضاع‬
‫منك �شيء له قيمة‪ ..‬و�إذا فقدت �رشفك فقد �ضاع منك �شيء ال يقدر بقيمة‪..‬‬
‫�إذا فقدت الأمل فقد �ضاع منك كل �شيء"!‬
‫يتعكز عليها املري�ض حتى ي�شفى‪ ،‬وهو‬ ‫نعم‪ ..‬فالأمل هو الع�صا التي َّ‬
‫احلبل الذي مي�سك به الطموح واملكافح حتى ي�صل �إىل القمة‪ ،‬ف�إذا ‪-‬ال قدر‬
‫اهلل‪ -‬مات الأمل بداخلك‪ ،‬معناه �أنك �أ�صبحت ن�صف حي ون�صف ميت‪،‬‬
‫�أو للأ�سف‪� ..‬أقرب للموت من احلياة؛ لأن حياة بال �أمل لي�ست حياة‪ .‬وال‬
‫دائما‪ ،‬ال‪ ..‬فعليك م�سئولية �أكرب‪ ،‬وهي‬
‫تظن �أن عليك فقط �أن تتم�سك بالأمل ً‬
‫ن�رش الأمل يف كل مكان‪ ،‬وبني كل النا�س‪ ،‬بني �أ�صدقائك‪ ،‬و�أفراد �أ�رستك‪،‬‬
‫ويف مكان عملك‪ ،‬ويف �أي مكان تذهب �إليه‪ ،‬فهذه يف حد ذاتها ر�سالة من‬
‫الر�سائل التي علينا �أن ن�ؤديها يف احلياة وبنجاح‪.‬‬
‫ف�إن ا�ستطعت �أن حتيي نف�س حمبطة �أو يائ�سة بع�ض ال�شيء‪ ،‬فك�أمنا �أحييت‬
‫النا�س جمي ًعا‪...‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الَ ْر�ضِ ف ََك َ�أنمَّ َا َق َت َل ال َّن َ‬
‫ا�س َج ِمي ًعا َو َم ْن‬ ‫ْ�س �أَ ْو ف ََ�سادٍ فيِ ْ أ‬ ‫(�أَ َّن ُه َم ْن َق َت َل َنف ًْ�سا ِبغَيرِْ َنف ٍ‬
‫ا�س َج ِمي ًعا)‬ ‫اها ف ََك َ�أنمَّ َا �أَ ْح َيا ال َّن َ‬
‫�أَ ْح َي َ‬
‫�صدق اهلل العظيم‬

‫‪42‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ف�إذا قال لك �أحدهم �إن املجتمع قد ف�سد‪ ،‬قل له فعلينا م�سئولية �إ�صالحه‪،‬‬
‫ف�إن �أنا و�أنت �أ�صلحنا ما بداخلنا �أو ًال‪ ،‬وا�صطحبنا يف رحلتنا للإ�صالح‬
‫�أ�صدقاءنا وافراد عائالتنا وجرياننا‪ ،‬فلن يكون هناك جمتمع فا�سد‪ ،‬و�سنكون‬
‫وتقديرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫�أمة عظيمة تنحني لها �سائر الأمم �إجال ًال‬
‫ونهارا‬
‫ً‬ ‫يت�شدقون لي ً‬
‫ال‬ ‫ودعني �أقول لك �إنه ال يف�سد املجتمع �إال ه�ؤالء الذين َّ‬
‫دائما ب�أمل جديد‬
‫بف�ساد املجتمع‪ ،‬فدعنا منهم‪ ،‬ولنبد�أ نحن‪ ،‬ولنكن مب�رشين ً‬
‫وحياة جميلة‪ ،‬ما دامت ال�شم�س ت�رشق‪ ،‬والأنهار جتري‪ ،‬واحلب ما زال هو‬
‫الأقوى‪ ،‬واخلري هو الأبقى‪ ،‬ما دامت احلياة‪.‬‬
‫وقوة حب احلياة م�ستمدة من الأمل الدائم يف غد �أف�ضل‪ ،‬وم�ستقبل �أكرث‬
‫�إ�رشاقًا‪ ،‬ن�صنعه نحن ب�أيدينا‪ ،‬وبقدر القوة التي تريد بها احلياة‪ ،‬بقدر ما ت�ستطيع‬
‫حتقيق �آمالك وطموحاتك‪ ،‬وهذه ق�صة كنت قد قر�أتها يف �إحدى اجلرائد التي‬
‫�أعتز بها‪ ،‬وعنوانها كان (بالأمل �أنقذ الأبوان ابنهما من املوت)‪ ..‬وحتكي‬
‫الق�صة الآتي‪:‬‬
‫باألمل‪ ...‬أنقذ األبوان ابنهما من الموت‪..‬‬
‫دخلت الأم على املمر�ضة التي كانت تعتني بابنها‪ ,‬حيث �أبلغها الطبيب‬
‫ب�أنه يف النزع الأخري من حياته‪ ,‬فوجدتها تقر�أ على الطفل الق�صة التي تركتها‬
‫لكي تقر�أها عليه بفتور واكتئاب‪ ،‬فالطفل الذي �أمامها عبارة عن جثة هامدة‬
‫ال تتحرك وال تتكلم وال ترى‪� ,‬إال �أنه ما زال ي�سمع‪ ،‬فقد �أ�صابه مر�ض وراثي‬
‫نادر ي�ؤدي �إىل ت�آكل الغالف املحيط بالأع�صاب واملخ‪ ،‬في�صيبها بالتلف‬
‫وال�ضمور‪ .‬وما كادت الأم ترى هذا الفتور من املمر�ضة �أثناء قراءتها الق�صة‪،‬‬
‫حتى �رصخت فيها ثائرة‪� :‬أتظنني �أنك تقر�أين جلثة هامدة ال ت�شعر �أو حت�س‪..‬‬
‫�إن ي�أ�سك ينتقل �إليه من خالل نربات �صوتك اململة‪� ,‬أرجو �أن ترتكيه‪ ،‬فذلك‬
‫�أف�ضل من �أن تنقلي ي�أ�سك �إليه‪ ,‬وتركتها املمر�ضة وهي تظن �أن مر�ض ابنها‬

‫‪43‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الطويل قد �أ�صاب عقلها بلوثة‪ ،‬فهي ترف�ض �أن ت�صدق �أن ابنها على و�شك‬
‫فتمددت الأم بجانب ابنها على ال�رسير ويف يدها الق�ص�ص التي تعود‬ ‫املوت‪َّ ,‬‬
‫�أن ي�ستمع �إليها قبل مر�ضه‪ ,‬و�أخذت ت�رسدها عليه بكل احلب والعطف واحلنان‬
‫والأمل‪ ،‬ويف النهاية قالت له اجلملة التي تعودت �أن تقولها له قبل نومه منذ‬
‫‪� 8‬سنوات ‪-‬طوال فرتة مر�ضه‪" :‬لورينزو"‪ ..‬تذكر يا حبيب قلبي �أنك عاملي‬
‫ودنياي‪ ,‬وهوائي الذي �أتنف�سه‪ ،‬وعيني التي �أب�رص بها‪ ،‬وت�أكد �أن الغد �سوف‬
‫ي�أتي ب�أف�ضل ما فيه‪ ،‬واليوم �سريحل ب�أ�سو�أ ما فيه‪.‬‬
‫ومل تكن هذه الأم التي تعمل حمررة يف �إحدى ال�صحف الأمريكية‪� ،‬أو‬
‫زوجها املتخ�ص�ص يف االقت�صاد يف �أحد بنوك وا�شنطن واملنحدر من �أ�صل‬
‫�إيطايل‪ ..‬يتخيالن للحظة واحدة �أن ابنهما "لورينزو" الذي كان يفي�ض حيوية‬
‫وي�شع ذكاء حني كان يف ال�ساد�سة من عمره‪� ,‬سوف ي�صاب بذلك املر�ض اللعني‬
‫يورث من‬‫اخت�صارا (‪ ،)ALD‬وهو مر�ض نادر احلدوث‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫الذي يطلقون عليه‬
‫الأم �إىل الأبناء من الذكور‪ ،‬ويتميز بارتفاع يف الدهون امل�شبعة ذات ال�سل�سلة‬
‫الطويلة يف الدم (‪ ،)VLCSFA‬والتي ي�صنعها اجل�سم من الدهون التي توجد‬
‫يف الأغذية املختلفة بوا�سطة �أنزمي معني‪ ،‬ويف الإن�سان العادي يوجد �أنزمي �آخر‬
‫مهمته التخل�ص من الكميات الزائدة من هذه الدهون امل�شبعة حتى ال ت�رض‬
‫اجل�سم‪ ،‬ويف حالة مر�ض "لورينزو"‪ ،‬ف�إن الدهون امل�شبعة تتجمع يف الدم‪،‬‬
‫وتدمر الغ�شاء امليليني املحيط باملخ والأع�صاب‪ ،‬مما ي�سبب تلف الأع�صاب‬
‫املركزية والطرفية‪ ،‬وينتج عن ذلك فقدان احلركة والب�رص والكالم‪ ،‬ويف خالل‬
‫�شهور �أو على الأكرث �سنوات قليلة‪ ،‬وينتهي املر�ض باملوت بعد �سل�سلة من‬
‫التعب واملعاناة والعذاب للمري�ض و�أهله‪.‬‬
‫رمبا كانت املرة الأوىل التي ن�سمع فيها عما فعله والدا "لورينزو"‪ ،‬عندما‬
‫�أخربهما الطبيب املعالج بحقيقة مر�ض طفلهما‪ ،‬و�أنه ميت ال حمالة يف غ�ضون‬
‫�شهور قليلة‪ ،‬ا�ستقالت "�أودوين" والدة الطفل و"�أوجي�ستو" والد الطفل‪ ،‬وترك‬

‫‪44‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كل منهما مهنته الأ�صلية ‪-‬وهي ال�صحافة واالقت�صاد‪ ،‬وذهبا �إىل مكتبات‬
‫كليات الطب واملعاهد القومية لل�صحة‪ ،‬وجمعا كل ما كتب عن هذا املر�ض‪،‬‬
‫وعرفا كل من هو متخ�ص�ص بالبحث فيما يخ�ص هذا املر�ض‪ ،‬ومن خالل‬
‫طبيبهما املعالج كجهة ر�سمية عقدا �أول م�ؤمتر لعلماء العامل الذين يبحثون‬
‫يف هذا املر�ض‪ ،‬وكان ذلك بتمويل من �أهل اخلري؛ لأن اجلهات الر�سمية‬
‫رف�ضت متويله بحجة �أن هذا املر�ض نادر احلدوث‪ ،‬وظل الأبوان على د�أبهما‬
‫ج�سدا بال حراك ي�سمع ويتنف�س فقط‪.‬‬
‫ً‬ ‫وحما�سهما حتى بعد �أن ر�أيا ابنهما‬
‫وجمع الأبوان �أ�سماء وعناوين كل الأطفال الذين يعانون من نف�س املر�ض‪،‬‬
‫وظل الوالدان يدر�سان الكيمياء احليوية يف املكتبات‪ ،‬ومن خالل الدورات‬
‫العلمية والعاملية‪ ،‬ويطلعان على كل ما يكتب عن هذا املر�ض‪ ،‬حتى ا�ستطاعا‬
‫�أن ي�صال �إىل مفتاح حلل لغز هذا املر�ض‪ ،‬وتو�صال �إىل تركيب نوع من الزيوت‬
‫عندما يتناوله الطفل ف�إن ج�سمه ال ي�صنع هذه الدهون امل�شبعة‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬
‫ال�رضر الذي حتدثه على الأع�صاب وامل�ضاعفات اخلطرية للمر�ض تنتهي‪ ،‬وكان‬
‫الأطباء غري مقتنعني بهذا العالج‪ ،‬ولكن الأب ات�صل بكل ال�رشكات الكيميائية‬
‫التي ت�صنع الزيوت‪ ،‬وطلب �إليها ت�صنيع هذا النوع من �أجله‪ ،‬وقد مت له ذلك‬
‫بالفعل‪ ،‬وعندما مت جتريب الزيت على ابنه وعلى العديد من الأطفال امل�صابني‬
‫بذلك املر�ض كانت املفاجاة املذهلة‪ ،‬و�أ�صبح املر�ضى اجلدد بهذا املر�ض‬
‫طبيعيني متا ًما‪.‬‬
‫أقرته منظمة الأغذية والدواء‬
‫وتكرميًا لذلك االخرتاع املذهل‪ ،‬فقد � َّ‬
‫و�سمي على ا�سم االبن الذي عانى و�صرب‪" ..‬زيت لورينز"‪...‬‬
‫الأمريكية‪ُ ،‬‬

‫‪45‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الشمس والقمر‬
‫"‪"Sun & Moon‬‬

‫ال�شم�س والقمر‪ ..‬هذان هما والداك‪ ،‬ف�إن �أردت �أن حتيا حياة كرمية‬
‫وجميلة‪ ،‬ف�إياك وعقوقهما‪� ،‬أو �أن حتاول دون ق�صد منك �أن ت�شعرهما ب�أنهما ال‬
‫جيدا‪� ،‬أو �أنهما من زمن بعيد غري هذا الزمن الذي �أ�صبح الكمبيوتر‬‫يفهمانك ً‬
‫والإنرتنت عنوانًا له‪ ،‬و�أنهما ال ي�ستطيعان �أن يجاريا هذه الثورة التكنولوجية‬
‫الهائلة‪ ،‬و�أن عقلك وطريقة تفكريك تختلف متا ًما عن عقلهما وطريقة‬
‫تفكريهما‪ ،‬مما يجعلك تظن خمط ًئا �أنك ل�ست يف حاجة �إىل ن�صائحهما‪ ,‬ال يا‬
‫�أخي‪ ..‬فهما لديهما من اخلربة واحلكمة والفطرة ما يفوق �إمكانيات عقولنا‬
‫التي نظن �أنها كبرية‪ ،‬وما يجعلنا ننحني لهما �إجال ًال‪ِّ ،‬‬
‫ونقبل �أيديهما اعرتافًا‬
‫منا بف�ضلهما علينا‪.‬‬
‫يقول بيل جيت�س‪" :‬قبل والدتك مل يكن والداك �شخ�صني مملني كما تظن‬
‫الآن‪ ،‬لقد �أ�صبحا كذلك ب�سبب م�صاريف درا�ستك وارتفاع ثمن مالب�سك‬
‫اجلميلة‪ ،‬والنظر �إليك و�أنت تكرب يو ًما بعد يوم‪ ،‬لذلك وقبل �أن ت�رشع بتغيري‬

‫‪47‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫العامل‪ ،‬و�إنقاذ الغابات اال�ستوائية من الدمار‪ ،‬ابد�أ �أو ًال برتتيب دوالبك‬
‫وتنظيف غرفتك"‪..‬‬
‫ف�إذا كنت تريد �أن ت�صل �إىل حب احلياة احلقيقي والنجاح واملجد‪ ،‬فال تن�س‬
‫�أنه بدون حب والديك واحرتامهما ت�ست�شعر �أن حياتك ينق�صها �أهم �شيء‪،‬‬
‫وهو الدفء والراحة والطم�أنينة‪.‬‬
‫وتقول حكمة �أظن �أنها �صينية‪" :‬الأب ي�ستطيع العناية بع�رشة �أبناء‪ ،‬ولكن‬
‫ع�رشة �أبناء ال ي�ستطيعون العناية ب�أب واحد"‪...‬‬
‫وتقول وينما رودولف ‪�-‬أ�رسع امر�أة على وجه الأر�ض‪ ،‬وقد كانت م�صابه‬
‫ب�شلل يف �صغرها‪ ،‬وا�ستطاعت ال�سري بعد ذلك‪ ،‬لتمار�س ريا�ضة اجلري‪ ،‬وحترز‬
‫ثالث ميداليات ذهبية يف اوليمبياد ‪�" :1960‬أخربين الأطباء ب�أننى لن �أ�ستطيع‬
‫ال�سري ثانية‪ ،‬ولكن �أمي قالت يل �إنني �أ�ستطيع‪ ..‬ف�صدقت �أمي"‪.‬‬
‫ويحكى �أن‪ ... :‬كان هناك �شجرة تفاح يف غاية ال�ضخامة‪ ..‬وكان‬
‫يوميا‪ ..‬كان يت�سلق �أغ�صان هذه‬
‫هناك طفل �صغري يلعب حول هذه ال�شجرة ًّ‬
‫ال لينام يف ظلها‪ ..‬كان يحب‬ ‫ال�شجرة‪ ,‬ي�أكل من ثمارها‪ ..‬وبعدها يغفو قلي ً‬
‫ال�شجرة‪ ،‬وكانت ال�شجرة حتب لعبه معها‪ ..‬مر الزمن‪ ..‬وكرب هذا الطفل‪..‬‬
‫و�أ�صبح ال يلعب حول هذه ال�شجرة‪ ..‬يف يوم من الأيام‪ ..‬رجع ال�صبي‪،‬‬
‫وكان حزي ًنا‪ ..‬فقالت له ال�شجرة‪ :‬تعال والعب معي‪ ..‬ف�أجابها الولد‪ :‬مل �أعد‬
‫�صغريا لألعب حولك‪� ..‬أنا �أريد بع�ض اللعب‪ ،‬و�أحتاج بع�ض النقود ل�رشائها‪..‬‬
‫ً‬
‫ف�أجابته ال�شجرة‪ :‬ال يوجد معي �أية نقود‪ ..‬ولكن ميكنك �أن ت�أخذ كل التفاح‬
‫�سعيدا للغاية‪..‬‬
‫ً‬ ‫الذي لدي لتبيعه ثم حت�صل على النقود التي تريدها‪ ..‬كان الولد‬
‫�سعيدا‪..‬‬
‫ً‬ ‫فت�س َّلق ال�شجرة وجمع ثمار التفاح التي عليها ونزل‬
‫مل يعد الولد بعدها‪ ..‬كانت ال�شجرة يف غاية احلزن بعدها لعدم عودته‪..‬‬

‫‪48‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ولدا‪ ..‬بل �أ�صبح رج ً‬


‫ال‪..‬‬ ‫ويف يوم ما رجع هذا الولد لل�شجرة‪ ..‬ولكنه مل يعد ً‬
‫كانت ال�شجرة يف منتهى ال�سعادة لعودته‪ ..‬وقالت له‪ :‬تعال والعب معي‪..‬‬
‫ال لألعب حولك مرة �أخرى‪ ..‬فقد �أ�صبحت‬ ‫لكنه �أجابها وقال‪ :‬مل �أعد طف ً‬
‫ال م�سئو ًال عن عائلة‪ ..‬و�أحتاج بي ًتا ليكون لهم م�أوى‪ ..‬هل ميكنك‬‫رج ً‬
‫م�ساعدتي بهذا؟‬
‫قالت‪� :‬آ�سفة‪ ..‬فلي�س عندي لك بيت‪ ..‬ولكن ميكنك �أن ت�أخذ جميع‬
‫�أفرعي لتبني بها لك بي ًتا‪..‬‬
‫ف�أخذ الرجل كل الأفرع وغادر ال�شجرة وهو �سعيد‪ ..‬كانت ال�شجرة‬
‫�سعيدة ل�سعادته ور�ؤيته هكذا‪ ..‬ولكنه مل يعد �إليها‪� ..‬أ�صبحت ال�شجرة حزينة‬
‫مرة �أخرى‪..‬‬
‫ويف يوم حار‪ ..‬عاد الرجل مرة �أخرى‪ ..‬وكانت ال�شجرة يف منتهى‬
‫ال�سعادة‪ ..‬فقالت لها ل�شجرة ‪ :‬تعال العب معي‪ ..‬فقال لها الرجل‪� :‬أنا يف‬
‫غاية التعب‪ ..‬وقد بد�أت يف الكرب‪� ..‬أريد �أن �أبحر لأي مكان لأرتاح‪ ..‬هل‬
‫مركبا؟! ف�أجابته‪ :‬ميكنك �أخذ جذعي لبناء مركبك‪ ..‬بعدها‬‫ً‬ ‫ميكنك �إعطائي‬
‫�سعيدا‪ ..‬فقطع الرجل جذع ال�شجرة‬
‫ً‬ ‫ميكنك �أن تبحر به �أينما �شئت‪ ..‬وتكون‬
‫جدا‪..‬‬
‫مبحرا ومل يعد ملدة طويلة ًّ‬
‫ً‬ ‫و�صنع مركبه‪ ..‬و�سافر‬
‫جدا‪ ..‬لكن ال�شجرة‬
‫أخريا عاد الرجل بعد غياب طويل و�سنوات طويلة ًّ‬ ‫� ً‬
‫�أجابت وقالت له‪� :‬آ�سفة يا بني احلبيب‪ ..‬لكن مل يعد عندي �أي �شيء �أعطيك‬
‫عليك‪ ..‬مل يعد عندي �أ�سنان‬
‫ِ‬ ‫�إياه‪ ..‬قالت له‪ :‬ال يوجد تفاح‪ ..‬قال ‪ :‬ال‬
‫لأق�ضمه بها‪ ..‬مل يعد عندي جذع لتت�سلقه‪ ..‬ومل يعد عندي فروع لتجل�س‬
‫عليها‪ ..‬ف�أجابها الرجل‪ :‬لقد �أ�صبحت عجو ًزا اليوم وال �أ�ستطيع عمل �أي‬
‫ال ال يوجد لدي ما �أعطيك �إياه‪ ..‬كل ما لدي الآن‬ ‫�شيء‪ ..‬ف�أخربته‪� :‬أنا فع ً‬
‫ال‪ :‬كل ما �أحتاجه هو مكان‬‫هو جذور ميتة‪� ..‬أجابته وهي تبكي‪� ..‬أجابها قائ ً‬

‫‪49‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫لأ�سرتيح به‪ ..‬ف�أنا متعب بعد كل هذه ال�سنني‪ ..‬ف�أجابته‪ ..‬وقالت له‪ :‬جذور‬
‫ال�شجرة العجوز هي �أن�سب مكان لك للراحة‪ ..‬تعال‪ ..‬تعال اجل�س معي هنا‬
‫وا�سرتح معي‪ ..‬فنزل الرجل �إليها‪ ..‬وكانت ال�شجرة �سعيدة به و الدموع متلأ‬
‫ابت�سامتها‪..‬‬
‫قدر �أبويك الذين لطاملا بذال‬
‫هل تعرفون من هي هذه ال�شجرة؟ �إنها �أبواك! ّ‬
‫حياتهما ووقتهما وما ميلكان من �أجلك‪..‬‬
‫�أح�سن �إليهما كما �أمرك اهلل تعاىل‪ ،‬واتبع و�صية ر�سول اهلل فيهما‪..‬‬

‫‪50‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وحش ميكن ترويضه‬


‫"‪"Monster can be tamed‬‬

‫هذا الوح�ش هو الع�صبية واالنفعال والثورة لأتفه الأ�سباب‪ ،‬ولكن يف‬


‫�إمكانك �أن ترو�ضه‪ ،‬و�أن ال تدع الأ�شياء ال�صغرية ت�ستفزك‪.‬‬
‫�صغريا له القدرة على �أن يجعلك‬
‫ً‬ ‫تقول �سيدين هاري�س‪" :‬لو �أن �شي ًئا‬
‫تغ�ضب‪� ،‬أال ي�شري هذا �إىل حجمك؟"‬
‫ف�إذا تركت الأ�شياء ال�صغرية والتفا�صيل الب�سيطة للحياة اليومية تثري‬
‫متوترا وقلقًا طوال اليوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫�أع�صابك‪ ،‬ف�ستجد نف�سك‬
‫�شخ�صا بد�أ يومه بالع�صبية و�سوء املزاج‪ ،‬ف�ستجد �أن الأمور كلها‬
‫ً‬ ‫دعنا نرى‬
‫ت�سري �ضده وك�أنها ت�ستفزه �أكرث‪ ,‬فهو ي�ستيقظ ليتوجه �إىل العمل‪ ،‬فيذهب �إىل‬
‫�سيارته ليجد املحرك ال يدور‪ ..‬يا اهلل‪ ..‬ثم بعد عناء طويل قرر املحرك �أن‬
‫يعمل احلمد هلل! ثم ينطلق بال�سيارة ليتوقف عند الزحام‪ ..‬وبعد فرتة طويلة‬
‫�أو ق�صرية قد امتال فيها قلبه بالغيظ والغ�ضب من املجتمع كله ومن العامل‪..‬‬
‫ي�صل �إىل العمل ب�سالمة اهلل‪ ..‬ليجد املدير يف انتظاره ببع�ض النظرات ال�صارمة‬

‫‪51‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫واملتوعدة ب�شيء ما‪ ..‬يا لهذا اليوم الغريب‪ ..‬ماذا فعلت يف حياتي حتى حتدث‬
‫يل كل هذه الأ�شياء؟‬
‫أقول لك ماذا فعلت‪:‬‬
‫�أو ًال‪ :‬بد�أت يومك ب�أفكار �سلبية وم�شاعر �سلبية �ساعدت ب�شكل كبري على‬
‫اجتذاب �أحداث �سلبية ‪-‬طبقًا لقانون اجلذب لنورمان فن�ست؛ ف�أنت بنف�سك‬
‫من �ساعدت الأحداث ال�سيئة لت�أتيك بالتفكري ال�سلبي م�سبقًا‪ ،‬وبعدم القدرة‬
‫على ال�ضبط الداخلي النفعاالتك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هناك �شيء مهم‪ ..‬رمبا ال تعرفه‪ ..‬وهو وجود ما ي�سمى بعالقة‬ ‫ً‬
‫حب و�شكر وامتنان بني الإن�سان وبني �أ�شيائه و�أدواته التي ي�ستخدمها‪ ،‬ف�إن‬
‫كانت هذه العالقة موجودة‪ ،‬ف�إن �أ�شياءك كلها �ستكون مطيعة لك‪ ..‬كال�سيارة‬
‫ال‪ ..‬ولن تغ�ضبك بتوقف املحرك �أو غريه‪ ,‬ف�إن �أنت توقعت منها الأف�ضل‬ ‫مث ً‬
‫بالفعل �ستكون �أف�ضل‪ ..‬و�ستكون عند ح�سن ظنك‪ ..‬ف�أنا عن جتربة �شخ�صية‬
‫يف حياتي مل يخذلني �أي �شيء من الأ�شياء التي �أ�ستخدمها‪ ..‬حتى الهاتف مل‬
‫تف�صل بطارية �شحنه والمرة و�أنا يف حاجة �إليه؛ لأين �أعلم �أنه لن يخذلني‪،‬‬
‫نت له‪ ,‬حتى حافظة نقودي‪ ،‬مل يخب ظني بها مرة‪ ،‬ومل ُ‬
‫تخل‬ ‫ودائما �أ�شكره و�أم ُّ‬
‫ً‬
‫من النقود‪ ..‬حتى �إين ذات مرة كنت قد نفدت نقودي‪ ،‬و�أنا يف حاجة �شديدة‬
‫ح�سابيا كنت‬
‫ًّ‬ ‫�إليها‪ ،‬ففتحت احلافظة فوجدت فيها ما �أحتاجه؛ بالرغم من �أين‬
‫مت�أكدة من �أنها نفدت‪ ،‬ولكن ح�سن ظني باهلل �أو ًال و� ً‬
‫أخريا‪ ،‬ثم ي�أتي بعد ذلك‬
‫عالقة ال�شكر واالمتنان التي تربطني ب�أغرا�ضي كلها‪ ..‬مل �أح�سن الظن ب�شيء‬
‫أبدا‪ ،‬و�أنا �أطبق هذا املبد�أ يف حياتي كلها‪ ،‬وبف�ضل اهلل تعاىل كل‬
‫وخيب ظني � ً‬
‫�شيء متنيته حتقق؛ لأين كنت �أتوقعه‪.‬‬
‫و�أعتقد �أن هذه النظرية هي نف�سها التي يطبقها مدربو الأ�سود يف التعامل‬
‫معها‪ ،‬فهم يحبونها �أو ًال‪ ،‬ثم يتوقعون منها �أن ال ت�ؤذيهم‪ ،‬فيطمئن �إليهم‬

‫‪52‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الأ�سود‪ ،‬وين�ش�أ ارتباط وثقة متبادلة بني الطرفني‪.‬‬


‫ثال ًثا‪ :‬ليكن لديك مبد�أ‪ ،‬وهو �أنه طاملا ال�شيء ال�سلبي حدث‪ ،‬ف�سواء ق�ضيت‬
‫الوقت يف غليان داخلي‪� ،‬أو يف هدوء ن�سبي‪ ،‬فلن يتغري �شيء‪� ،‬إذن فلتخرت الثانية‬
‫وتوفر على نف�سك كل العناء‪ ،‬وتك�سب �صحتك التي ي�ؤثر عليها الغ�ضب‬
‫�سلبيا‪ ،‬وكما قيل‪�" :‬إنك تخطو نحو ال�شيخوخة يو ًما‬ ‫أثريا ًّ‬
‫واالنفعال ال �شك ت� ً‬
‫مقابل كل دقيقة غ�ضب"‪..‬‬
‫�شخ�صا يريد بك ال�سوء‪� ,‬إذن فال تعطه الفر�صة‪ ،‬ويف‬
‫ً‬ ‫فتخيل الغ�ضب هذا‬
‫علي‪� ،‬س�أ�ستعيذ‬
‫�أي موقف تتعر�ض فيه للغ�ضب قل له‪ :‬ال لن ت�ستطيع �أن ت�سيطر َّ‬
‫بعيدا‪.‬‬
‫باهلل منك‪ ،‬ان�رصف عني ً‬
‫و�أعتقد �أن ذلك �سينجح بالتدريب‪ ،‬ف�إمنا احللم بالتح ُّلم‪ ،‬وكل مرة �ست�صبح‬
‫�أقوى من املرة ال�سابقة عليها يف مواجهة الغ�ضب ب�إذن اهلل‪.‬‬
‫راب ًعا‪� :‬ضع يف ذهنك �أنه باحللم يحبك النا�س ويلتفون حولك‪ ،‬و بالغ�ضب‬
‫تف�ضل؟‬
‫يتجنبون اجللو�س معك فين�رصفون عنك‪ ،‬ف�أيهما ِّ‬
‫خام�سا‪ :‬عليك �أن تعرف �أنه كما تقول احلكمة‪" :‬القلق والغ�ضب مثل‬
‫ً‬
‫كثريا دون �أن ت�صل �إىل �شيء‪.‬‬
‫ً‬ ‫تتحرك‬ ‫يجعلك‬ ‫الهزاز‪،‬‬ ‫الكر�سي‬
‫حلما‬
‫�ساد�سا‪ :‬لو �أنك ا�ستطعت ال�سيطرة على غ�ضبك و�أ�صبحت �أكرث ً‬ ‫ً‬
‫وهدو ًءا‪� ،‬سيكون ب�إمكانك �أن حتيا حياة �أجمل‪� ,‬أكرث �صحة‪� ,‬أكرث �صفاء‪،‬‬
‫جوا �أف�ضل‪ ،‬وحياة �أ�سعد‪� ،‬ستنعك�س بالطبع عليك‬
‫و�ستوفر لعائلتك ولأبنائك ًّ‬
‫�شخ�صيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫�أنت‬
‫�ساب ًعا‪ :‬قيل عن الغ�ضب‪:‬‬
‫ا�س)‪.‬‬ ‫ني ا ْلغ َْي َظ َوا ْل َعا ِف َ‬
‫ني َع ِن ال َّن ِ‬ ‫(وا ْل َك ِ‬
‫اظ ِم َ‬ ‫•يقول اهلل (عز وجل)‪َ :‬‬

‫‪53‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫•قال ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪" :‬لي�س ال�شديد بال�رصعة‪� ،‬إمنا‬
‫ال�شديد من ميلك نف�سه عند الغ�ضب"‪.‬‬
‫نادرا ما تكون �سلمية‪ .‬‬
‫دائما ما يكون وراء الغ�ضب حجة‪ ،‬ولكنها ً‬
‫• ً‬
‫�أنديرا غاندي‬
‫ ‬ ‫•�أعظم عالج لثورة الغ�ضب �أن ت�ؤجلها‪.‬‬
‫�سنيكا الأكرب‬
‫غالبا ما يعي�شون على �أع�صاب‬
‫•�إن الذين يعي�شون على �أع�صابهم ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫الآخرين � ً‬
‫�إذن‪ ..‬بعد كل ذلك‪ ،‬هل ت�ستطيع اجتياز الغ�ضب؟‬
‫تدريبا‬
‫ً‬ ‫ال من داخلك‪ ،‬وبد�أت يف تدريب نف�سك‬ ‫�أظن ذلك؛ �إذا نويت فع ً‬
‫جيدا‪ ،‬وا�ستعنت باهلل �سبحانه وتعاىل يف معركة الأفكار ال�سلبية كلما حاو َلت‬
‫ً‬
‫الت�سلل �إليك‪ ،‬واختيار �أفكار �أخرى �إيجابية للتفكري فيها‪� ،‬أو اال�ستماع �إىل‬
‫القر�آن‪� ،‬أو لأى �شيء حتبه وي�ساعدك على الهدوء واال�سرتخاء‪.‬‬
‫�شيء �آخر رمبا يكون له قيمة‪ ،‬وهو �أن تفرغ �شحنة الغ�ضب عن طريق‬
‫كتابتها على ورق‪ ،‬فتكتب ما يزعجك‪ ،‬رمبا جتد يف ذلك �سبي ً‬
‫ال يف التخل�ص‬
‫إزعاجا‪.‬‬
‫من الأ�سباب التي ت�سبب لك � ً‬
‫يحكى أن‪:‬‬
‫بينما كان الأب يقوم بتلميع �سيارته اجلديدة‪� ,‬إذ باالبن ذي ال�ستة �سنوات‬
‫حجرا ويقوم بعمل خدو�ش على جانب ال�سيارة‪ ,‬ويف قمة غ�ضبه‪� ،‬إذ‬ ‫ً‬ ‫يلتقط‬
‫بالأب ي�أخذ يد ابنه وي�رضبه عليها عدة مرات بدون �أن ي�شعر‪ ،‬كان ي�ستخدم‬

‫‪54‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫مفتاحا �إجنليز ًّيا‪ ،‬مما �أدى �إىل برت �أ�صابع االبن‪ ,‬ويف امل�ست�شفى كان االبن ي�س�أل‬
‫ً‬
‫الأب‪ :‬متى �ستنمو �أ�صابعي؟ وكان الأب يف غاية الأمل‪..‬‬
‫عاد الأب �إىل ال�سيارة وبد�أ يركلها عدة مرات‪ ،‬وعند جلو�سه على الأر�ض‪,‬‬
‫نظر �إىل اخلدو�ش التي �أحدثها ابنه‪ ،‬فوجده قد كتب‪�" :‬أنا �أحبك يا �أبي"‪..‬‬
‫قرارا تندم عليه مدى‬
‫فعندما تغ�ضب �أعط نف�سك فر�صة لتهد�أ قبل �أن ت�أخذ ً‬
‫احلياة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ذلك الذي جيري‪ ..‬ال تدعه يفلت منك‬


‫"‪"Catch It Before Escaping‬‬

‫ذلك هو الوقت الذي يجري منا دون �أن ن�شعر‪ ،‬ف�إما �أن ت�ضيعه �أنت �أو ًال‬
‫ثانيا‪ ،‬و�إما �أن تتحكم فيه وجتعله يف يدك فت�صل �إىل غايتك و�إىل‬
‫في�ضيعك هو ً‬
‫ما تريد‪.‬‬
‫يقول بنيامني فرانكلني‪" :‬هل حتب احلياة؟ �إذن ال ت�ضيع الوقت‪ ،‬فذلك‬
‫الوقت هو ما ُ�صنعت منه احلياة"‪...‬‬
‫ويقول جاك�سكون براون‪" :‬ال تقل �إنه لي�س لديك الوقت‪ ،‬فلديك كل يوم‬
‫نف�س عدد ال�ساعات الذي كان لدى "هيلني كلري" و"مايكل �أجنلو" و"ليوناردو‬
‫دافن�شي" و"توما�س جيفر�سون" و"�ألربيت �أين�شتاين" ‪.‬‬
‫ولكي ت�ستغل وقتك اال�ستغالل الأمثل عليك باتباع هذه اخلطوات‪:‬‬
‫التخطيط الجيد ‪:Good Technique‬‬
‫جيدا‪ ،‬فالتخطيط اجليد لليوم معناه‬ ‫ً‬
‫تخطيطا ً‬ ‫وهو �أن تخطط ليومك م�سبقًا‬

‫‪57‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫التخطيط اجليد للحياة‪ ،‬فاليوم �صورة م�صغرة للحياة‪ ،‬وتن�صح د‪ /‬مارتني‬


‫فو�سفانت يف كتابها "بناء العقل" ب�إعداد قائمة بكل املهام ال�صغرية التي ال بد‬
‫من فعلها على مدار الأ�سبوع مث ً‬
‫ال‪.‬‬
‫ثم القيام بهذه املهام يف احلال من خالل حترك مثري ومركز‪ ،‬فهي �رضبة‬
‫�رسيعة ومثرية‪� ،‬أو بعبارة �أخرى‪ ،‬قم ب�صهر املهام ال�صغرية م ًعا‪ ،‬واجعل منها‬
‫خاليا متا ًما لكي تبدع ما تريد‪.‬‬
‫مهمة واحدة‪ ،‬بحيث يكون بقية الأ�سبوع ً‬
‫وقيل عن التخطيط �إنه فن ارتكاب الأخطاء على الورق‪ ،‬وقيل �إن من ف�شل‬
‫أي�ضا �إن ق�ضاء �سبع �ساعات يف التخطيط‬
‫يف التخطيط فقد خطط للف�شل‪ ,‬وقيل � ً‬
‫ب�أفكار و�أهداف وا�ضحة‪ ،‬لهو �أف�ضل و�أح�سن نتيجة من ق�ضاء �سبعة �أيام دون‬
‫توجيه �أو هدف‪.‬‬
‫ولكن مبجرد �أن تنتهي من التخطيط فابد�أ يف العمل بجدية‪.‬‬
‫يقول نابليون بونابرت‪" :‬خذ الوقت الكايف للتدبري‪ ،‬لكن عندما يبد�أ وقت‬
‫العمل توقف عن التفكري ونفِّذ"‪.‬‬
‫استخدام طريقة الدمج ‪:Combination method‬‬
‫بارعا يف دمج بع�ض الأهداف التي تريد �إجنازها م ًعا‬
‫دائما �أن تكون ً‬
‫حاول ً‬
‫الخت�صار الوقت‪ ،‬ف�إن كنت تفعل �شي ًئا بيديك ‪-‬ك�أن ترتب غرفتك �أو تنظيم‬
‫ال‪ -‬فال ترتك �أذنك معطلة‪ ،‬ب�إمكانك اال�ستماع �إىل �أ�شياء حتبها‬ ‫مكتبتك مث ً‬
‫لال�ستفادة املثلى من وقتك‪ ،‬مثل �رشائط تعليمية يف كيفية النجاح‪� ،‬أو اال�ستماع‬
‫�إىل �رشائط لتعليم حفظ القر�آن والأحاديث النبوية‪ ،‬ف�أنا �أعرف ربة منزل كانت‬
‫ت�شتكي من �أن معظم وقتها ي�ضيع يف املطبخ‪ ،‬فن�صحها �أحد خرباء التنمية الذاتية‬
‫بو�ضع كا�سيت يف املطبخ واال�ستماع �إىل ما حتب‪ ،‬فا�ستطاعت �أن حتفظ القر�آن‬
‫الكرمي كام ً‬
‫ال‪ ،‬والكثري من الأحاديث النبوية ال�رشيفة بهذه الطريقة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�أو �أن ت�ستثمر وقت انتظارك يف عيادات الأطباء �أو على حمطات القطار‬
‫دائما‪� ,‬أو �أن ت�صطحب‬ ‫�أو داخل القطار �أو املرتو يف قراءة كتاب حتمله معك ً‬
‫ذاهبا لتت�سوق‪ ،‬وبذلك تكون ق�ضيت وق ًتا ممت ًعا مع‬
‫�أ�صدقاءك حينما تكون ً‬
‫�أ�صدقائك‪ ،‬ويف نف�س الوقت �أنهيت عملية الت�سوق‪ ،‬والكثري والكثري من‬
‫الأ�شياء التي ميكنك دجمها م ًعا لال�ستفادة الق�صوى من كل �ساعة يف يومك‪.‬‬
‫ميكنك و�أنت يف طريقك �إىل العمل ذها ًبا و�إيا ًبا �أن ت�ستغل هذا الوقت يف‬
‫ذكر اهلل باال�ستغفار �أو الت�سبيح‪.‬‬
‫أي�ضا �أنا �أدمج �شيئني �آخرين م ًعا‪ ,‬ف�أنا �أقر�أ اجلريدة التي على املائدة وحتت‬
‫� ً‬
‫الأطباق و�أنا �أتناول الطعام‪ ،‬وحينما �أفرغ من الطعام يكون عقلي هو الآخر‬
‫قد امتلأ ولي�س معدتي فقط!‬
‫والكثري والكثري من الأ�شياء التي ميكنك دجمها م ًعا لال�ستفادة الق�صوى من‬
‫كل �ساعة يف يومك‪.‬‬
‫ترتيب األولويات ‪:Rearrangment Of Priorities‬‬
‫عليك برتتيب �أولوياتك يف كل �شيء‪� ،‬سواء كان ذلك يف الأهداف‬
‫ال�صغرية اليومية‪� ،‬أو الأهداف الكبرية على مدى احلياة‪ ،‬و�أن حتدد درجة‬
‫الأولوية لكل عمل تريد �إجنازه‪ ،‬من خالل اختيار الأهم ثم املهم‪ ،‬و�أن ترتك‬
‫تاما؛ فاحلكمة ال�صينية تقول‪" :‬بالإ�ضافة �إىل تعلم الفن‬ ‫ما لي�س �رضور ًّيا ً‬
‫تركا ًّ‬
‫الرائع (�أداء الأمور)‪ ,‬تعلم الفن الرائع الآخر (عدم �أداء الأمور)"‪ ..‬ف�إن حكمة‬
‫احلياة تت�ضمن عدم �أداء ما لي�س ب�رضوري‪ ،‬ف�إن وجدت �أي ن�شاط غري منتج‬
‫يف حياتك فتوقف عنه‪ ،‬مثل م�شاهدة التليفزيون لفرتات طويلة‪� ،‬أو �ساعات‬
‫النوم الزائدة‪� ،‬أو املكاملات الهاتفية الطويلة‪� ،‬أو غري ذلك من الأ�شياء التي ت�ضيع‬
‫الوقت �سدى دون فائدة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وترتيب الأولويات يف الأعمال ينتج �أو ًال عن ترتيب وتنظيم الأفكار يف‬
‫جيدا‪ ،‬وعدم‬
‫عقلك‪ ،‬ف�إن كانت لديك القدرة والرباعة يف ترتيب �أفكارك ً‬
‫تركها يف �صورة فو�ضى داخل عقلك‪� ،‬ستجد ذلك ينعك�س على �أدائك‬
‫لأعمالك بال �شك‪.‬‬
‫احذر التسويف ‪:Be aware of procrastination‬‬
‫وفورا‪ ،‬وليكن‬
‫ً‬ ‫افعل كل �شيء تريده يف الوقت الذي تتذكر فيه هذا ال�شيء‬
‫ال ك�شعار �رشكة (‪ ،)Nike‬وهو‪ ،)Just do it( :‬افعلها دون‬ ‫�شعارك مث ً‬
‫ت�أجيل‪ ,‬فت�سويف الأ�شياء �أو �إلقا�ؤها على جزيرة "يو ًما ما" ‪-‬كما ي�سميها‬
‫دائما يف مكانك دون �أن تتحرك خطوة �إىل‬
‫ديني�س ويتلي‪� -‬سيجعلك تظل ً‬
‫الأمام‪ ,‬يقول دون ماركيز‪" :‬الت�سويف هو ذلك ال�شيء املاكر الذي يجعلك‬
‫تظل كما كنت بالأم�س"‪.‬‬
‫وقيل عن الت�أجيل �إنه ابن الرتدد وابن عم الت�سويف‪ ،‬وبهذا الثالثي يبقى‬
‫دائما ب�أنك تلعب داخل مباراة‬ ‫تذكر نف�سك ً‬ ‫الكثريون فقراء‪ ,‬وعليك �أن ِّ‬
‫حتما �ستك�سب املباراة‪� ،‬أما �إذا‬ ‫احلياة‪ ،‬ف�إن لعبت بحما�س ون�شاط واجتهاد ً‬
‫حتم�س‪ ,‬فللأ�سف �ستخ�رس املباراة‪.‬‬
‫لعبت ببطء وتكا�سل وعدم ُّ‬
‫وقيل‪ :‬الرتدد واملماطلة والت�أجيل �أ�شبه ببطاقة ائتمان لذيذ ا�ستعمالها �إىل‬
‫حني و�صول الفاتورة‪.‬‬
‫استيقظ مبكرًا ‪:Get Up Early‬‬
‫أخرا ال ي�ستيقظون �أ�ص ً‬
‫ال‪ ،‬و�إمنا يظلون‬ ‫�أعتقد �أن الذين ي�ستيقظون مت� ً‬
‫نيا ًما طوال اليوم؛ لأنهم ال يكونون بكامل ن�شاطهم الذهني والبدين كالذين‬
‫مبكرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ي�ستيقظون‬

‫‪60‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وب�رصف النظر عن متعة اال�ستيقاظ يف وقت �رشوق ال�شم�س �أو ما قبلها‬


‫ال‪ ،‬وا�ستن�شاق هذا الهواء النقي الذي ال ي�أتي مثله على مدار اليوم‪،‬‬ ‫قلي ً‬
‫واال�ستمتاع بجمال منظر ال�رشوق و�أنت ت�رشب فنجان القهوة �أو كوب ال�شاي‬
‫�سببا من �أ�سباب النجاح‪ ،‬واال�ستفادة من‬ ‫باللنب اخلا�ص بك من �رشفتك‪ ,‬ف�إن ً‬
‫مبكرا‪ ،‬باعتبار �أنه ميد الإن�سان بن�شاط وقوة‬
‫ً‬ ‫جيدا يكمن يف اال�ستيقاظ‬‫الوقت ً‬
‫متاخرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال ي�ستطيع �أن يح�صل عليها �إذا ا�ستفاق‬
‫تدريجيا‪ ،‬ك�أن‬
‫ًّ‬ ‫متاخرا �أن يفعلوا ذلك‬
‫ً‬ ‫وميكن للأ�شخا�ص الذين ي�ستيقظون‬
‫مبكرا �ساعة عن اليوم ال�سابق حتى يعتاد على ذلك؛ لأنه‬ ‫ً‬ ‫ي�ستيقظ كل يوم‬
‫بالطبع لن ي�ستطيع �أن ي�ستيقظ يف ال�ساد�سة من اعتاد على اال�ستيقاظ يف الثانية‬
‫أ�سبوعيا مث ً‬
‫ال‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫يوميا �أو �‬
‫يدرج ذلك ًّ‬‫ع�رشة‪ ،‬دون �أن ِّ‬
‫و�شيء �آخر ي�ساعد على ذلك‪ ،‬وهو عدم ال�سهر لفرتات طويلة‪ ،‬حدد‬
‫يوميا‪ ،‬ك�أن يكون ال�ساعة الثانية ع�رشة مث ً‬
‫ال؛ لت�ستطيع‬ ‫لنف�سك وق ًتا تنام فيه ًّ‬
‫�أن ت�ستيقظ يف ال�ساد�سة‪ ،‬وبذلك تكون قد �أخذت فرتة كافية من النوم‪ ،‬وهي‬
‫�ست �ساعات التي يحتاجها ج�سم الإن�سان ولي�س �أكرث‪.‬‬
‫يقول النبي‪" :‬جعلت بركة �أمتي يف البكور"‪.‬‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫فمن نام مل تنتظره احلياة‬ ‫ ‬
‫�أال انه�ض و�رس يف �سبيل احلياة‬
‫‪Early to bed and early to rise makes a man healthy,‬‬
‫‪wealthy, and wise.‬‬
‫استخدم حل خطوة بخطوة ‪:Step By Step method‬‬
‫يف كتاب خطوة بخطوة للكاتبة "�آن المون" تركز على �أن الأ�شياء ال�ضخمة‬

‫‪61‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ميكن �إجنازها من خالل الرتكيز على عمل ب�سيط كل مرة‪ ،‬وتقول �إنه عندما‬
‫كبريا مبا يكفي‪ ،‬و�إمنا لأننا مل‬
‫تغيريا ً‬
‫نظل كما نحن فلي�س ذلك لأننا مل ن�صنع ً‬
‫نفعل �أي �شيء يحركنا نحو التغيري‪.‬‬
‫مثال‪ :‬دعنا نرى �شخ�صني يريدان �أن يرتبا غرفتيهما التي متلأها الفو�ضى‬
‫يف كل الأرجاء‪ ،‬الأول �سيفتح الباب فيجدها كذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬ال‪ ..‬هذه حتتاج‬
‫�إىل وقت طويل‪ ..‬فيغلق الباب مرة �أخرى ويرتكها‪ ،‬والآخر �سيقول‪ :‬ح�س ًنا‪..‬‬
‫�س�أق�سمها �إىل �أربع �أجزاء‪ ،‬وكل يوم �أرتب جز ًءا‪ ..‬وبعد مرور �أربعة �أيام‪،‬‬
‫يكون الثاين قد انتهى من ترتيبها‪ ،‬بينما الأول ال يزال ي�ؤجلها؛ لأنه يريد �إما‬
‫�أن يرتبها مرة واحدة �أو ال‪ ،‬وهذا خط�أ‪ ..‬فما ال ُيدرك كله ال ُيرتك جله‪ ,‬وهذه‬
‫الطريقة يف �إجناز لأ�شياء �ضخمة مثمرة للغاية‪ ،‬جربها و�ستنده�ش من النتيجة‪..‬‬
‫‪.Slowly But Sure‬‬
‫النظام ‪:Order‬‬
‫�أعتقد �أن ال�شخ�ص الذي يحر�ص على النظام يوفر �ضعف الوقت الذي‬
‫دائما �إىل‬
‫يوفره ال�شخ�ص الفو�ضوي‪ ،‬ذلك لأن ال�شخ�ص الفو�ضوي يحتاج ً‬
‫وقت للعثور على �أغر�ضه املبعرثة وغري املو�ضوعة يف �أماكنها‪ ،‬كما �أنه يحتاج‬
‫كل فرتة �إىل وقت كبري لتنظيم هذه الفو�ضى التي هو ال�سبب فيها‪ ،‬فليكن‬
‫دائما يف كل �شيء داخل املنزل وخارجه‪ ،‬حتى لعقولنا‪ ..‬فتنظيم‬ ‫النظام �شعارك ً‬
‫جدا للتفكري بطريقة‬
‫الأفكار وعدم جعلها عائمة وغري مرتبة هو �شيء مهم ًّ‬
‫�أف�ضل واحل�صول على نتائج �سليمة‪.‬‬
‫االستثمار الهادف لوقت الفرا غ �‪Investment aimed of the lei‬‬
‫‪:sure‬‬
‫قد يكون ن�شاط وقت الفراغ �أكرث �أهمية لبع�ض النا�س من العمل نف�سه؛ ملا‬

‫‪62‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫له من ت�أثري على �شعورهم بالر�ضا والتوازن النف�سي‪ ،‬ولأنه ميار�س بدافع داخلي‬
‫ولي�س ب�ضغط خارجي‪.‬‬
‫ون�شاط وقت الفراغ الذي يجعل ال�شخ�ص ي�شعر بالر�ضا يختلف من‬
‫�شخ�ص لآخر‪ ،‬فهناك �شخ�ص يق�ضيه مع �أ�صدقائه‪ ،‬و�شخ�ص ي�ستمتع �إذا ق�ضى‬
‫وقت فراغه يف القراءة‪ ،‬و�آخر يف ق�ضاء الوقت مع الأطفال والزوجة‪ ،‬والبع�ض‬
‫ال‪� ،‬أو الذهاب �إىل �صاالت التمارين‬ ‫يف ممار�سة بع�ض الريا�ضات كامل�شي مث ً‬
‫الريا�ضية‪ ،‬و�آخرون يرون �أن متعتهم يف ممار�سة ال�شعائر الدينية‪� ،‬أو اال�سرتخاء‪،‬‬
‫�أو الت�سوق‪...‬‬
‫مثمرا يعود عليك بالطاقة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ن�شاطا فعا ًال‬ ‫�أيا كان الن�شاط‪ ،‬املهم �أن يكون‬
‫الإيجابية‪ ،‬ويجعلك �أكرث قدرة على العمل واال�ستمتاع باحلياة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫بيوت من قش‬
‫"‪"Hay houses‬‬

‫جدا‪ ،‬من ال�سهل �إقناعها ب�أي فكر‬


‫هي تلك العقول التي ال تقر�أ‪� ،‬ضعيفة ًّ‬
‫خاطئ �أو معتقدات غري �سليمة؛ لأنه لي�س لديها �أي ركائز قوية ت�ستند عليها‪،‬‬
‫ف�أي رياح �أفكار خاطئة تهب ت�ستطيع �أن ت�أخذها يف طريقها‪ ،‬لذا ف�إن مل يكن‬
‫بناء هذه البيوت ‪�-‬أق�صد العقول‪ -‬ب�سالح العلم والقراءة واملعرفة‪ ،‬ف�ستكون‬
‫عر�ضة للهدم يف �أي وقت ويف كل وقت‪� ،‬ألي�ست غريبة �أن نرتك وعاء العقل‬
‫فارغً ا؟ وهو الذي يحتاج ب�شدة �إىل االمتالء لي�صبح �أكرث قوة و�صحة‪ ,‬و�أن منلأ‬
‫جدا لت�صبح �أكرث قوة و�صحة؟‬‫وعاء املعدة التي ال حتتاج �إال القليل ًّ‬
‫وحقيقة �أنا ال �أعرف كيف للذي يحرم روحه وعقله من متعة القراءة‬
‫واملعرفة �أن يعي�ش حياة رائعة! فبالكتب ميكنك �أن حتيا �أكرث من حياة‪ ،‬كما‬
‫قال الأ�ستاذ عبا�س حممود العقاد‪�" :‬إين �أحب الكتاب‪ ،‬ال لأين زاهد يف احلياة‪،‬‬
‫ولكن لأن حياة واحدة ال تكفيني"‪ ..‬والب�رش بطبيعتهم يريدون املعرفة‪ ،‬كما‬
‫قال الفيل�سوف اليوناين �أر�سطو؛ لأن يف املعرفة قوة ‪Knowledge is‬‬
‫‪.power‬‬

‫‪65‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ولأن احلياة رحلة �إىل املعرفة‪ ،‬ولعل �أق�رص الطرق �إىل املعرفة هي القراءة‪،‬‬
‫فقد جتد كتابك �سفينة تتنقل من مر�سى �إىل مر�سى‪ ،‬وجتوب بها عامل البحار‪،‬‬
‫�أو طائرة حتلق يف �سماء البالد من بلد �إىل بلد لتتعرف عليها و�أنت جال�س‬
‫يف مكانك‪ ،‬ويقول الأ�ستاذ عبا�س حممود العقاد‪�" :‬إن الكتب كالنا�س‪ ،‬منهم‬
‫ال�سيد الوقور‪ ،‬ومنهم ال�سيد الظريف‪ ،‬ومنهم اجلميل الرائع‪ ،‬وال�ساذج‪،‬‬
‫ومنهم اخلائن واجلاهل والو�ضيع واخلليع‪ ...‬والدنيا تت�سع لكل ه�ؤالء‪ ،‬ولن‬
‫ال كام ً‬
‫ال للدنيا‪.‬‬ ‫تكون املكتبة كاملة �إال �إذا كانت مث ً‬
‫والآن‪ ..‬دعني �أ�س�ألك‪ ..‬كم كتا ًبا ت�شرتي يف ال�سنة؟‬
‫وكم كتا ًبا تقر�أه منها؟‬
‫وكم كتا ًبا مما تقر�أه تعمل مبا فيه؟‬
‫أخريا‪ ..‬كم كتا ًبا منها �أفادك يف حياتك‪ ،‬بل رمبا غري حياتك كلها؟‬
‫و� ً‬
‫�أرجوك يا �صديقي ال تغفل قيمة القراءة والكتب‪ ،‬فهي جتعل حياتنا �أجمل‬
‫كثريا‪ ،‬و�أكرث عمقًا‪.‬‬
‫ً‬
‫و�إن كنت ل�ست من هواة القراءة‪ ،‬ومن الذين يرون �أن حمبي القراءة ه�ؤالء‬
‫هم �أ�شخا�ص ثقالء الدم وغري لطفاء مقارنة به�ؤالء املرحني اللطفاء الذين ال‬
‫يقر�أون‪� ,‬أقول لك يا �صديقي �إن هذا غري �صحيح‪ ،‬بل العك�س متا ًما؛ فالقارئ‬
‫ومرحا من غريه‪ ,‬لأنه يجد ما ير ِّوح به عن نف�سه‪ ،‬وما‬
‫ً‬ ‫�أكرث �إقبا ًال على احلياة‬
‫ي�سمو بخياله و�أحالمه �إىل عامل �آخر و�سماء �أخرى‪.‬‬
‫ولكي تهوى القراءة ابد�أ بالقراءة يف املوا�ضيع التي حتبها‪ ،‬حتى و�إن كنت‬
‫تراها غري مفيدة‪..‬‬

‫‪66‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فمعظمنا بد�أ بروايات "رجل امل�ستحيل" و"ملف امل�ستقبل"‪ ،‬ولكني �أرى �إنها‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫دربتني جيدً ا على القراءة ال�رسيعة‪ ،‬وعلى التفكري ال�رسيع � ً‬
‫جدا‪ ،‬فقد َّ‬
‫�أفادتني ًّ‬
‫دائما‬
‫عظيما‪� ،‬إذ كان يحثني ً‬ ‫ً‬ ‫ولعل ف�ضل �أبي علي يف حبي للقراءة كان‬
‫على القراءة و�أنا �صغرية‪ ،‬حتى �إنه جعلني �أقر�أ معظم روايات الأديب العاملي‬
‫ت�شارلز ديكنز‪ ،‬والأديب العاملي �شك�سبري باللغة الإجنليزية؛ لأ�ستفيد من الرواية‬
‫نف�سها من ناحية‪ ،‬ومن اللغة من ناحية �أخرى‪ ،‬والآن �أنا ممت َّنة كل االمتنان لأبي‬
‫العظيم؛ لأنه جعلني ال �أ�ستطيع �أن �أعي�ش بدون قراءة‪ ،‬واليوم الذي مير دون �أن‬
‫�أقر�أ فيه �شي ًئا ‪-‬ولو حتى حكمة �صغرية‪� ،‬أ�شعر بعدم الر�ضا‪ ،‬وال يعرف قيمة‬
‫القراءة حقًّا �إال ال�شغوف بها‪ ،‬والذي تكون �سعادته احلقيقية يف �أن يجد كتا ًبا‬
‫جديدا عن �شيء يحبه‪� ،‬أو حينما يهديه‬ ‫ً‬ ‫يبحث عنه منذ فرتة‪� ،‬أو �أن ي�شرتي كتا ًبا‬
‫�صديقًا كتا ًبا رائ ًعا‪ ،‬وقتها ي�شعر ب�أنه يف �سعادة غري عادية‪ ،‬ف�أنا �أحيانًا حينما‬
‫�صربا حتى �أ�صل �إىل منزيل لأقر�أه‪ ،‬و�إن‬
‫�أ�شرتي كتا ًبا وي�شدين عنوانه ال �أطيق ً‬
‫�صباحا حتى انتهى‬‫ً‬ ‫�رشعت يف قراءته يجافيني النوم م�ساء‪ ،‬ويوقظني الكتاب‬
‫منه‪ ،‬فهي حقًّا متعة غري عادية‪� ،‬أمتنى �أال يحرم �أحد منها نف�سه‪..‬‬
‫وهذا هو الإمام ال�شافعى يف حبه للعلم‪ ،‬حينما �سئل كيف �شهوتك للعلم؟‬
‫أ�سماعا تنعم بها‬
‫قال‪�" :‬أ�سمع باحلرف ما مل �أ�سمعه‪ ،‬فتود �أع�ضائي لو �أن لها � ً‬
‫جلموع‬ ‫مثل ما تنعمت الأذنان"‪ ..‬قيل‪ :‬وكيف حر�صك عليه؟ قال‪" :‬حر�ص ا َ‬
‫املَنوع على بلوغ املال"‪ ،‬قيل‪ :‬وكيف طلبك له؟ قال‪" :‬طلب املر�أة امل�ضلة‬
‫ولدها ولي�س لها غريه"‪.‬‬
‫جدا ما يقوله عنا الغرب �أن �أمة اقر�أ ال تقر�أ‪ ,‬ال نحن نقر�أ‪ ،‬ولدينا‬
‫ويحزنني ًّ‬
‫من العلماء الأجالء والأدباء العظام ما يجعل الغرب كله ينحني لهم �إجال ًال‬
‫وتعظيما‪ ,‬ويف ف�ضل العلماء يذكر عن ابن عبا�س �أن ال�شياطني قالوا لإبلي�س‪:‬‬ ‫ً‬
‫يا �سيدنا‪ ..‬ما لنا نراك تفرح مبوت العامل ما مل تفرح مبوت العابد؟! فقال‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫انطلقوا فاذهبوا �إىل العابد وا�س�ألوه "هل ي�ستطيع ربك �أن يجعل الدنيا يف‬
‫جوف بي�ضة؟" فقال‪ :‬ال �أعرف‪ ..‬قال‪� :‬أترون؟! كفر يف �ساعة‪ ..‬قال‪ :‬فاذهبوا‬
‫�إىل العامل وا�س�ألوه نف�س ال�س�ؤال‪ ..‬فقال‪ :‬نعم‪ ..‬قالوا‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬يقول له كن‬
‫فيكون‪ ..‬فقال �إبلي�س‪� :‬أترون ذلك ال يعدو نف�سه‪ ..‬وهذا يف�سد عاملًا ً‬
‫كبريا‪.‬‬
‫لذا فعلينا جمي ًعا طلب العلم واملعرفة واحلكمة‪� ،‬إما مبجال�س العلماء‬
‫جدا مع انت�شار‬
‫واال�ستماع �إليهم �أو القراءة‪ ،‬والآن �أ�صبح كالهما ي�سري ًّ‬
‫التكنولوجيا وعامل الإنرتنت‪ ،‬فيمكنك �أن ت�صنع مكتبة كاملة على الكمبيوتر‬
‫متوفرا للأجيال التي �سبقتنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫اخلا�ص بك ب�أوفر جهد‪ ،‬وهذا مل يكن‬
‫جناحا ونه�ضة‪ ،‬فلن يكون ذلك‬ ‫و�إذا �أردنا �أن ننه�ض ونكون من �أكرث الدول ً‬
‫�إال بالعلم واملعرفة‪ ..‬ليتنا ن�ستفيد من كل وقت من �أوقاتنا ونحوله �إىل وقت‬
‫أ�شخا�صا يف القطار يجل�سون لأكرث من ثمان �ساعات وهم ال‬ ‫ً‬ ‫مثمر‪ ،‬ف�أنا �أرى �‬
‫يفعلون �شي ًئا‪ ،‬وال يحملون كتا ًبا ليقر�أوه يف هذا ال�سفر الطويل‪ ،‬ولو كان الأمر‬
‫بيدي جلعلت عليهم غرامة مالية لإهدارهم �أوقاتهم‪ ،‬التي لو ا�ستفادوا منها‬
‫لأفادوا املجتمع كله‪ ,‬ليتنا نتحول جمي ًعا �إىل جمتمع قارئ نحمل يف جيوبنا‬
‫الكتب �أينما ذهبنا‪ ,‬وعلى كل فرد يف جماله �أن يبني للآخرين دور القراءة والعلم‬
‫يف بناء املجتمعات احلديثة‪ ,‬على �أئمة امل�ساجد وق�ساو�سة الكنائ�س �أن يوجهوا‬
‫ال�شباب �إىل �أهميتها‪ ،‬وللإعالم دور كبري‪ ،‬وللمعلمني يف املدار�س و�أ�ساتذة‬
‫فيلما كان بطله يقر�أ كتا ًبا يف الفيلم‬
‫اجلامعات‪ ،‬وحتى ال�سينما‪ ،‬ف�أنا مل �أر ً‬
‫ليكون قدوة لل�شباب الذين ي�شاهدونه‪ ،‬ف�إن حتولنا جمي ًعا �إىل جمتمع قارئ‪،‬‬
‫أخالقيا‪ ،‬وهذا هو‬
‫ًّ‬ ‫علميا و�‬
‫ًّ‬ ‫ف�سنكون وبعد ع�رش �سنوات ال �أكرث الدولة الأوىل‬
‫حلمي مل�رص �إن �شاء اهلل‪ ،‬و�أن يكون �شعارنا يف الفرتة القادمة‪" :‬وارفعوا دولتي‬
‫على العلم والأخالق"‪ ..‬كما يف ق�صيدة "م�رص تتحدث عن نف�سها" لل�شاعر‬

‫‪68‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫العظيم حافظ �إبراهيم‪ ،‬هذه الق�صيدة التي لو قر�أتها مائة مرة يف اليوم لبكيت‬
‫يف كل مرة من �شدة حبي لها وت�أثري بكلماتها‪.‬‬
‫فلن�ضع جمي ًعا �أيدينا م ًعا‪ ،‬ولتكن هذه هي البداية‪ ،‬ولي�ساعدنا يف ذلك‬
‫�أبا�ؤنا و�أ�ساتذتنا الكبار‪ ،‬وجميع الأدباء واملثقفني‪ ،‬لننه�ض بهذه الأمة العظيمة‬
‫ون�ضعها يف املرتبة التي ت�ستحقها‪.‬‬
‫فالفرق بني الإن�سان املثقف والإن�سان غري املثقف متا ًما كالفرق بني ك�أ�س‬
‫ذهبا وك�أ�س مملوءة هواء‪.‬‬
‫مملوءة ً‬
‫وال�أعرف ملاذا اختفت فكرة ال�صالون الثقايف يف املنازل؟ وملاذا ال يكون‬
‫ال مرة كل �شهر‪،‬‬ ‫هناك �صالون ثقايف لي�س يف منزل‪ ،‬بل يف كل حمافظة مث ً‬
‫يتجمع فيه القراء وي�ستعر�ضون جمي ًعا ما قر�أوه في�ستفيد اجلميع؟ �أمتنى �أن‬
‫يحدث ذلك يو ًما ما‪.‬‬
‫وأخيرًا‪...‬‬
‫قيل يف طلب احلكمة‪:‬‬
‫‪ -‬اكتبوا �أح�سن ما ت�سمعون‪ ،‬واحفظوا �أح�سن ما تكتبون‪ ،‬وحتدثوا‬
‫ب�أح�سن ما ت�سمعون‪.‬‬
‫عبد اهلل بن املقفع‬
‫‪ -‬الفرق بني احلكيم واجلاهل �أن الأول يناق�ش يف الر�أي‪ ،‬والثاين يجادل‬
‫يف احلقائق‪.‬‬
‫‪ -‬الكت�ساب املعرفة على املرء �أن يدر�س‪ ،‬والكت�ساب احلكمة عليه �أن‬
‫يالحظ‪.‬‬
‫أبدا‪.‬‬
‫‪ -‬القارئ ال يهزم � ً‬

‫‪69‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫أبدا �أي حمن مل تخففها �ساعة �أق�ضيها يف القراءة‪.‬‬


‫‪ -‬مل متر بي � ً‬
‫�آرثر �شوبنهاور‬
‫‪ -‬التجارب ال تُقر�أ يف الكتب‪ ،‬ولكن الكتب ت�ساعد على االنتفاع‬
‫بالتجارب‪.‬‬
‫ًعبا�س العقاد‬
‫‪ -‬ال تقر�أ لتعار�ض وتنقد‪ ،‬وال لت�ؤمن وت�سلم‪ ،‬وال لتجد ما تتحدث عنه‪،‬‬
‫بل لرتيد وتفكر‪..‬‬
‫فران�سي�س بيكون‬
‫‪� -‬أ�صغر مكتبة حتتوي بداخلها على �أفكار �أكرث قيمة مما مت تقدميه طوال‬
‫التاريخ يف التليفزيون‪.‬‬
‫�أندرورو�س‬
‫‪� -‬أول العلم ال�صمت‪ ،‬والثاين اال�ستماع‪ ،‬والثالث احلفظ‪ ،‬والرابع العمل‪،‬‬
‫واخلام�س الن�رش‪..‬‬
‫الأ�صمعي‬
‫عذرا‪ ،‬بل هو �أ�صل امل�شكلة‪.‬‬
‫‪ -‬اجلهل لي�س ً‬
‫�إيرين بيرت‬
‫النا�س �إىل العلم �أحوج منهم �إىل الطعام وال�رشاب‪ ,‬لأن الرجل يحتاج �إىل‬
‫الطعام وال�رشاب يف اليوم مرة �أو مرتني‪ ،‬وحاجته �إىل العلم بعدد �أنفا�سه‪.‬‬
‫�أحمد بن حنبل‬

‫‪70‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫احذر العمى العقلي‬


‫"‪"Be aware of the blind mind‬‬

‫�إذا كان العمى الب�رصي هو عدم القدرة على الر�ؤية‪ ,‬ف�إن العمى العقلي هو‬
‫عدم القدرة على اخليال‪.‬‬
‫�إذا كنت حتلم ب�أن تكون �شي ًئا ما يف امل�ستقبل فعليك �أن تتخيل �صورتك‬
‫التي تريدها وب�شكل وا�ضح؛ لأن العقل الباطن ال يتعامل �إال مع ال�صور‬
‫احلقيقية‪� ،‬أو ال�صور املتخيلة ب�شكل وا�ضح‪ ،‬فلن ي�سعى �إىل �إيجاد �صورة يف‬
‫حياتك ال ميكنك ت�صورها‪.‬‬
‫بطريقة أبسط‪:‬‬
‫عندما تبحث عن �شيء و�أنت مغم�ض العينني �ستجده �أ�رسع �أم و�أنت‬
‫مفتوح العينني وتب�رص ما حولك؟‬
‫بالطبع و�أنت مب�رص‪ ،‬وكذلك العقل؛ فال�شخ�ص الذي ال يتخيل ميكن �أن‬
‫عقليا)‪� ،‬أو (عمى ت�صور ًّيا)؛ �أي �إنه غري قادر على ر�ؤية‬
‫نقول �إن لديه (عمى ًّ‬

‫‪71‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ما يتخيله‪ ،‬وبالتايل فمن ال�صعب �أن يجد ما يبحث عنه يف اخليال على �أر�ض‬
‫قادرا على خلق‬‫ال‪ ،‬فكلما كنت ً‬ ‫الواقع؛ لأنه ال ي�ستطيع �أن يراه يف خياله �أ�ص ً‬
‫جيدا ك�أمنا يراه حقًّا كلما‬
‫ما تريده ب�صورة وا�ضحة يف خيالك‪ ،‬ويب�رصه عقلك ً‬
‫اقرتبت من حتقيقه على �أر�ض الواقع‪.‬‬
‫يقول �أين�شاين‪" :‬اخليال �أهم من املعرفة"‪.‬‬
‫ويقول عزيز �أباظة يف ق�صيدته عن بناء ال�سد العايل‪:‬‬
‫ثم �أ�ضحى حقيقة ال خياال‬ ‫فخاطرا فاحتماال‬
‫ً‬ ‫حلما‬
‫كان ً‬
‫فكل ما ت�ستطيع فعله يف اخليال ثق متا ًما �أنك ت�ستطيع فعله يف الواقع‪،‬‬
‫دائما يف اخليال كلما كانت قدرتك على‬ ‫وكلما �أ�رصرت عليه وعلى ر�ؤيته ً‬
‫حتقيقه �أ�رسع‪.‬‬
‫و�أنا عن نف�سي جربت هذه التجربة عدة مرات يف حياتي‪ ،‬ويف كل مرة‬
‫كانت تنجح؛ لأين مل �أكن �أفعلها على �أ�سا�س التجربة‪ ،‬ولكن عن يقني تام ب�أين‬
‫�س�أعي�ش ما �أتخيله‪ ،‬ورمبا كانت �آخر ق�صة متنيتها يف خيايل و�شاهدتها �آالف‬
‫املرات قبل �أن ت�صبح حقيقة‪ ،‬هي ق�صة حب كنت �أحلم بها‪ ,‬حب مالئكي‬
‫روحاين طاهر من نوع خا�ص‪ ،‬وقد حتقق احللم الذي ع�شته يف اخليال �أو ًال‪،‬‬
‫ثانيا‪ ،‬وتزوجت ممن �أحببت ‪-‬بالرغم من �أن البداية كانت عدوانية‬ ‫ويف الواقع ً‬
‫وال تدل على �أنها �ستنتهي بق�صة حب‪ -‬على �أي حال‪ ،‬ما �أريد �أن �أقوله هو ما‬
‫قاله توين كيد بامبريا‪�" :‬إن الأحالم حقيقية �أيها الأ�صدقاء‪ ,‬الف�شل يف حتقيقها‬
‫هو ال�شيء الوحيد الزائف‪.‬‬
‫بعيدا بع�ض‬
‫والآن �أنا �أتخيل �شي ًئا �آخر �ستعرفونه عندما يتحقق‪ ،‬رمبا يكون ً‬
‫ال�شيء‪ ،‬ولكن مل ال؟‬

‫‪72‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ويقول الكاتب �ستيف ت�شاندلر �إنه عندما �س�أل العب كمال الأج�سام‬
‫املعتزل عما ينوي فعله بعد اعتزاله ريا�ضة كمال الأج�سام‪ ،‬فقال له‪�" :‬أنوي �أن‬ ‫ِ‬
‫�أكون النجم رقم واحد يف هوليوود"‪ .‬فانده�ش الكاتب من الطريقة الب�سيطة‬
‫التي يقولها بها الالعب‪ ,‬وقال له‪ :‬وما طريقك �إىل ذلك؟ فقال له‪" :‬بنف�س‬
‫الأ�سلوب الذي كنت �أتبعه يف كمال الأج�سام‪ ،‬وهو �أن �أتخيل ال�صورة التي‬
‫�أريد �أن �أكونها‪ ،‬ثم �أعي�ش هذه ال�صورة كما لو كانت واق ًعا"‪ .‬يقول الكاتب‪:‬‬
‫"ومل مير الكثري �إىل �أن �أ�صبح هذا الالعب هو النجم ال�سينمائي الأول يف العامل"‪.‬‬
‫ف�صوب عينيك على الهدف حتى حتققه‪ ،‬وا�ستخدم خيالك يف خلق الواقع‬
‫ِّ‬
‫ال يف الهرب منه‪.‬‬
‫أي�ضا �أن تدون هدفك يف ورقة وتكتبه بخط وا�ضح‪ ،‬وت�ضع هذه‬ ‫وت�ستطيع � ً‬
‫مهما من‬
‫دائما‪ ،‬حتى يحتل الهدف حي ًزا ًّ‬ ‫الورقة يف حجرتك بحيث تراها ً‬
‫ذاكرتك‪ ،‬فال ت�ستطيع ن�سيانه �أو االن�شغال عنه‪ ،‬وقد كنا نقوم بهذه الطريقة يف‬
‫مادة لدينا يف كلية ال�صيدلة ت�سمى الكيمياء ال�صيدلية‪ ،‬وهي عبارة عن تركيبات‬
‫�شديدة التعقيد‪ ،‬ومهما حفظتها ال ميكنك تذكرها ب�سهولة‪ ،‬فكنا ندونها يف‬
‫ورقة كبرية‪ ،‬ونعلقها على جدار يف الغرفة بجوار الدوالب �أو املر�آة‪ ،‬بحيث‬
‫كثريا طوال اليوم‪ ،‬وبالتايل تنطبع يف الذاكرة وي�سهل تذكرها‪ ،‬وبنف�س‬ ‫نراها ً‬
‫الأ�سلوب ميكننا �أن نكتب �أهدافنا على الورق؛ لنك�سب هذا الهدف قوة‬
‫دائما كلما ر�أيناه على التقدم للأمام والبدء يف تنفيذه‪.‬‬
‫بالكتابة‪ ،‬ولكي يحثنا ً‬
‫عندما تريد حتقيق حلمك العامل كله يت�آزر دون �أن تدري لتحقيق ذلك‬
‫احللم‪ ،‬و�إليكم دليل �آخر على قوة التخيل والتمني بثقة‪ ,‬يحكى �أن‪:‬‬
‫اجتمع عبد اهلل بن عمرو بعروة بن الزبري وم�صعب بن الزبري وعبد امللك بن‬
‫مروان بفناء الكعبة‪ ،‬فقال لهم م�صعب‪" :‬متنوا"‪ .‬فقالوا‪" :‬ابد�أ �أنت"‪ ..‬فقال‪ :‬والية‬
‫وتزوج �سكينة ابنة احل�سني‪ ،‬وعائ�شة بنت طلحة بن عبيد اهلل‪ ..‬فنال ذلك!‬
‫العراق‪ُّ ،‬‬

‫‪73‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ومتنى عبد امللك اخلالفة‪ ،‬ونالها!‬


‫ومتنى عبد اهلل بن عمر اجلنة؛ فكان من املب�رشين بها‪..‬‬
‫حقًّا‪ ..‬لي�س كل ما يتمناه املرء يدركه‪ ،‬ولكن كل ما يتمناه بقوة يحققه‪..‬‬
‫‪“We should help children to grow up not as ma-‬‬
‫‪chines but as imaginative human beings”.‬‬
‫عن رواية �أوقات ع�صيبة لت�شارلز ديكينز‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ورقة وقلم‬
‫"‪"A paper& a pen‬‬

‫مبنا�سبة الورقة والقلم‪ ,‬هناك بع�ض الأ�شخا�ص تنتهي عالقتهم بالورقة‬


‫كثريا‪,‬‬
‫والقلم مبجرد التخرج من اجلامعة‪� ،‬أنا ال �أمزح‪ ،‬هذه حقيقة �أ�شاهدها ً‬
‫وال �أعرف كيف يعي�ش الإن�سان حياة ناجحة هادفة بدون الورقة والقلم‪ ،‬لي�س‬
‫كاتبا‪ ،‬ولكن على الأقل اكتب خططك امل�ستقبلية‪،‬‬ ‫املطلوب منك �أن تكون ً‬
‫�أو �أعد قائمة تكتب فيها �أ�سماء �أ�صدقاءك و�أفراد عائلتك املقربني و�أعياد‬
‫ال لكي تتذكرها‪ ،‬وقائمة �أخرى اكتب فيها كل الأ�شياء التي فعلتها‬‫ميالدهم مث ً‬
‫يف حياتك وحتبها وت�شعرك بالإجناز وبالتحفيز لكي تنظر �إليها عندما تريد‬
‫داف ًعا لعمل �شيء ما‪� ،‬أو حتى قائمة بكل الكتب التي قر�أتها والق�صائد واحلكم‬
‫واخلواطر‪� ،‬أو الأماكن التي زرتها حتى ولو مل تكن كثرية‪.‬‬
‫كل هذه القوائم �إذا �أعددتها �ست�شعر ب�أن حياتك ثمينة ومليئة بالأحداث‬
‫ولي�س كما تظنها �أنت فارغة ولي�س بها �شيء‪.‬‬
‫اجعل من عادتك الكتابة‪ ،‬حتى ولو �صفحة كل يوم تكتب فيها خواطرك‪،‬‬

‫‪75‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�أو ر�سائل حب لأ�شخا�ص حتبهم‪� ،‬أو �شكر لأ�شخا�ص �ساعدوك‪ ،‬لي�س بال�رضورة‬
‫�أن تر�سلها لهم‪ ،‬ولكن لكي تتذكر ذلك كلما قر�أته‪.‬‬
‫ورقة تفرغ فيها م�شاعرك وم�شكالتك وال تخزنها بعقلك كي ال ترهقك‪،‬‬
‫وكي ت�ساعدك على �إيجاد حل عملي‪.‬‬
‫م�شهدا‬
‫ً‬ ‫ورقة وقلم و�أنت خارج منزلك لت�سجل موقفًا �أثار �إعجابك‪� ،‬أو‬
‫ال تريد �أن تن�ساه‪.‬‬
‫ورقة وقلم و�أنت ذاهب للت�سوق حتى ال تن�سى �شي ًئا‪.‬‬
‫ورقة وقلم حتى و�أنت جال�س ت�شاهد التلفزيون لت�سجل �شي ًئا خرجت به‬
‫من امل�شاهدة‪ ،‬رمبا معلومة �أو حكمة �أوعربة ما‪� ...‬إلخ‪.‬‬
‫ورقة وقلم و�أنت ذاهب ل�صديقك تكتب فيها املوا�ضيع التي تريد �أن‬
‫تناق�شها معه كي ال تن�سى �شي ًئا وتتذكره بعدما تعود للمنزل فتقول لنف�سك‪:‬‬
‫يا اهلل‪ ..‬لقد ن�سيت �أن �أحدثه يف املو�ضوع الذي ذهبت �إليه باخل�صو�ص من‬
‫كثريا معنا‪.‬‬
‫�أجله‪ ..‬يحدث ذلك ً‬
‫•فلتجعل في حياتك وفي جيبك مكانًا للورقة والقلم‬
‫يجعالن هما لك مكانًا في الحياة‪..‬‬

‫‪76‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫احبث عن اهلدية‬
‫"‪"Look for the gift‬‬

‫"كل م�شكلة حتمل لك يف داخلها هدية"‪..‬‬


‫ريت�شارد بات�ش م�ؤلف كتاب �أوهام‬
‫ُ‬
‫تخل من امل�شاكل‬ ‫ال تنظر للم�شكلة على �أنها نهاية العامل‪ ،‬فالدنيا مل‬
‫والأزمات؛ لأن هذه هي طبيعتها‪..‬‬
‫�صفوا من الآالم والأكدار‬
‫ً‬ ‫تريدها‬ ‫ ‬
‫جبلت على كدر و�أنت‬
‫متطلب يف املاء جذوه نار‬ ‫ومك ِّلف الأيام �ضد طباعها‬
‫جيدا يف كيفية اخلروج من امل�شكلة بد ًال من الوقوف �أمامها‪،‬‬
‫ولكن فكر ً‬
‫وهناك نوعان من الأزمات وامل�شاكل‪:‬‬
‫مشكلة يمكن حلها مهما كانت صعبة ومعقدة‪:‬‬
‫وهذه يمكنك التعامل معها إما‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪1 .1‬بالتفكري والبحث عن حل‪ ،‬وك�أنك تلعب �شطرجن مث ً‬


‫ال‪� ،‬أو حتل لغ ًزا‪،‬‬
‫وك�أنك تريد �أن جتمع �أكرب عدد من احللول‪� ،‬سواء كانت واقعية �أو‬
‫خيالية‪ ،‬واكتبها جمي ًعا يف ورقة‪ ،‬وحاول �أن تكت�شف مهاراتك يف‬
‫�إيجاد احللول‪ ،‬ثم ا�ستخدام احلل الأكرث واقعية والأن�سب‪.‬‬
‫ال عن امل�شكلة‪ ،‬حتى ت�ستطيع التفكري بطريقة �أف�ضل‪،‬‬ ‫‪�2 .2‬أو االبتعاد قلي ً‬
‫ف�إذا تخيلنا �أن هذه امل�شكلة �صندوق مث ً‬
‫ال‪ ،‬و�أنت تنظر �إليه مبا�رشة‪،‬‬
‫كبريا بع�ض ال�شيء‪ ،‬و�إذا ابتعدت عنه قلي ً‬
‫ال �سرتاه �أ�صغر‪ ،‬وكلما‬ ‫�سرتاه ً‬
‫ابتعدت عنه كلما ر�أيته �أ�صغر‪ ،‬فابتعد عنه �أو عن امل�شكلة قلي ً‬
‫ال‪ ،‬ك�أن‬
‫ال‪� ،‬أو تذهب �إىل �صديق‪� ،‬أو ت�ستمع �إىل �شيء حتبه‬ ‫تذهب للم�شي مث ً‬
‫ويعطيك �إح�سا�س بالتفا�ؤل ثم عد مرة �أخرى للم�شكلة بعد �أن تكون‬
‫قد �أ�صبحت �أكرث قدرة على التفكري‪ ،‬ويكون ذهنك �أهد�أ و�أ�صفى‪..‬‬
‫�سلما ي�سمى �سلم الأنف�س‪ ،‬ويف‬
‫وقد ر�سم الكاتب �ستيف ت�شاليندر ً‬
‫�أدنى ال�سلم كتب البدن‪ ،‬ويف الو�سط العاطفة‪ ،‬ويف القمة كتب العقل‪،‬‬
‫ً‬
‫هبوطا عرب ذلك ال�سلم‪ ،‬من خالل‬ ‫وقال �إنه ب�إمكاننا �أن نتحرك �صعو ًدا �أو‬
‫قوة الإرادة فقط‪ ،‬ولكن امل�شكلة يف �أن الكثريون ال يتجاوزون حدود‬
‫جزء العاطفة من ال�سلم‪ ،‬ويظلون هناك دون حراك‪ ،‬ون�ستمر يف التفكري‬
‫جيدا يقود �إىل‬
‫علميا ً‬
‫ًّ‬ ‫تفكريا‬
‫ً‬ ‫مب�شاعرنا ال ب�أفكارنا‪ ،‬وهذا ما ال يجعلنا نفكر‬
‫حل امل�شكلة ال �إىل تعقيدها‪.‬‬
‫وهذه القصة سأرويها كما حكاها صاحبها‪:‬‬
‫كان والدي ُيحب �أن يبذل اخلري للنا�س‪ ،‬يحب �أن ي�ساعد الآخرين‪ ،‬يحب‬
‫�أن يقف �إىل جانبهم‪ ,‬كان حمبو ًبا منهم جمي ًعا‪ ,‬كانوا يحبونه‪ ,‬ويف يوم من‬
‫الأيام ركب والدي �سيارته و �سافر من املدينة التي ي�سكنها �إىل مدينة �أخرى‪,‬‬
‫بينما هو يف الطريق �شاهد رجلني ي�ؤ�رشان له‪ :‬توقف‪ ،‬و�أو�صلنا على طريقك‪..‬‬

‫‪78‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫مبا�رشة �أوقف ال�سيارة‪ ،‬للأ�سف ال�شديد‪ ..‬مبجرد �أن �أوقف لهما ال�سيارة �أقبال‬
‫على ال�سيارة ب�رسعة وفتحا الباب‪� ,‬أنزاله من ال�سيارة‪� ,‬أخذا ما معه من نقود‪,‬‬
‫�رضباه‪ ,‬فتحوا �شنطة ال�سيارة ورموه يف ال�شنطة و�أغلقوها عليه‪ ,‬ملاذا؟ �أخذمت‬
‫النقود‪ ,‬اتركوه‪ ,‬ال‪ ..‬حتى ال ي�ستطيع �أن يت�صل بال�رشطة وتدركنا على الطريق‪,‬‬
‫حتى يك�سبا وق ًتا �أكرث‪ ,‬والدي داخل حقيبة ال�سيارة داخل �شنطة ال�سيارة‪,‬‬
‫ي�رصخ‪� :‬أخرجوين‪� ,‬ساعدوين‪� ,‬أنقذوين‪� ..‬أخذ ي�رصخ ي�رصخ ي�رصخ وال �أحد‬
‫ي�ستمع‪ ,‬ال �أحد يجيب‪ ،‬مل يكن بقرب ال�سيارة �أي �أذن ت�صغي �إليه‪ ،‬وال �أي‬
‫عني تنظر �إليه‪ ،‬م�ضى الوقت بطي ًئا بطي ًئا بطي ًئا‪ ..‬كان يعاين من حرارة وجوده‬
‫مر �أكرث من‬‫املارة ب�أنه ّ‬
‫داخل �شنطة تلك ال�سيارة‪ ،‬يف اليوم التايل فوجئ �أحد ّ‬
‫مرة فوجد نف�س ال�سيارة واقفة‪ ,‬ات�صل مبا�رشة على ال�رشطة‪ :‬اح�رضوا؛ فهناك‬
‫�سيارة واقفة يف مكان غريب‪ ..‬اقرتبوا من ال�سيارة‪ ،‬بد�أوا ينظرون �إليها‪،‬‬
‫فت�شوا ال�سيارة‪ ,‬فتحو احلقيبة فوجدوا والدي داخل حقيبة ال�سيارة‪ ..‬لقد‬
‫جئت �أنا ذاه ً‬
‫ال‬ ‫تويف‪� ,‬أخرجوه من احلقيبة‪ ,‬بد�أ العزاء‪ ..‬جاء النا�س ُيع ّزون‪ُ ..‬‬
‫ال‪ ..‬نظرت �إىل ال�سيارة‪ ..‬نف�س ال�سيارة كانت تقف عند‬ ‫م�ستغر ًبا حزي ًنا مت�سائ ً‬
‫باب البيت‪ ..‬فتحت حقيبة تلك ال�سيارة ودخلت �إىل داخلها‪� ,‬أغلقت على‬
‫�شاهدت يف �سقف‬
‫ُ‬ ‫نف�سي باب احلقيبة‪ ..‬بد�أت �أت�ساءل كيف ح�صل املوقف‪,‬‬
‫تدل على �أنه كان ي�رضب بقوة لعله ي�سمع‬ ‫الباب بع�ض ال�ضرّ بات التي كانت ُ‬
‫�صوته �أحد‪ّ � ,‬أي �أحد‪ ..‬بدون جدوى‪ ..‬نظرت فوجدت ركن الإنارة اخللفي‬
‫مك�سورا‪ ..‬يبدو �أنه ك�رس ركن الإنارة لعله يتنف�س بع�ض الهواء‪ ,‬عرفت ال�سبب‪,‬‬ ‫ً‬
‫لقد مات من �شدة احلرارة‪ ,‬الآن �أنا انتبهت‪� ,‬أنا الآن �أريد �أن �أخرج من �شنطة‬
‫ال�سيارة‪ ,‬ن�سيت �أين �أغلقت �شنطتها‪� ..‬أغلقت احلقيبة‪� ..‬أريد �أن �أخرج‪ ,‬بد�أت‬
‫�أطرق يف نف�س املكان الذي كان يطرق عليه والدي‪ ..‬بد�أت �أ�رصخ‪ ..‬لكن‬
‫يل‪ ,‬نظرت �إىل ركن الإنارة اخللفي املك�سور‪ ,‬ك�رسته �أكرث‪,‬‬ ‫أحدا مل ي�ستمع �إ َّ‬
‫� ً‬
‫لعل الأذن التي ال ت�ستمع يل تنتمي �إىل وج ٍه فيه عني تنظر‬ ‫أخرجت يدي‪ّ ,‬‬ ‫ُ‬ ‫�‬
‫�إيل‪ ،‬بالفعل جنحت‪ ..‬بد�أت �أ�ؤ�رش‪� ..‬أخي من بعيد نظر �إىل يدي تخرج من‬ ‫ّ‬

‫‪79‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫حقيبة ال�سيارة‪ ..‬عرف �أنني يف داخلها‪ ..‬اقرتب‪ :‬ما الذي �أدخلك داخل‬
‫حقيبة ال�سيارة؟ �أخرجني الآن وبعدين نتفاهم‪ ..‬يا �أخي يدك خارج احلقيبة‬
‫الآن‪ ,‬ا�ضغط على مفتاح ال�شنطة �ستفتح لك ال�شنطة و�ستخرج منها‪� ,‬أ�ضغط‬
‫على مفتاح ال�شنطة! �صحيح‪� ,‬ضغطت على مفتاح ال�شنطة وانفتح الباب‪..‬‬
‫خرجت‪ ,‬لكن والدي بقي يومني داخل ال�شنطة ومل ي�ضغط على املفتاح‪ ..‬ومل‬
‫يخرج‪ ..‬ومات‪...‬‬
‫ن�صا‪ ..‬تلك الق�صة �أفادتني‬‫تلك الق�صة قر�أتها‪ ..‬وكما قر�أتها نقلتها لكم ًّ‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ب�أ ّننا مهما بقينا نفكر يف امل�شكلة فلن ن�صل �إىل احلل � ً‬
‫‪ .2‬النوع الثاين وهو �أزمة �أو ابتالء ال ميكن تغيريه‪:‬‬
‫ويف هذه احلالة عليك �أن ت�سلم بق�ضاء اهلل و�أال جتزع‪ ،‬و�أن تعلم �أن اهلل‬
‫�سبحانه وتعاىل �إمنا يبتلي �أ�صحاب الر�ساالت وال�صاحلني‪ ،‬ووقتها عليك �أن‬
‫تتذكر الهدايا التي يحملها لك االبتالء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫"ما �أ�شبه النكبة بالبي�ضة‪ ،‬حت�سب �سج ًنا ملا فيها‪ ،‬وهي حتوطه وتربيه وتعينه‬
‫على متامه‪ ،‬ولي�س عليه �إال ال�صرب �إىل مدة‪ ،‬والر�ضا �إىل غاية‪ ،‬ثم تنفلق البي�ضة‬
‫فيخرج خلقًا �آخر‪.‬‬
‫وقد روي عن ذي القرنني �أنه ملا رجع من م�شارق الأر�ض ومغاربها وبلغ‬
‫�شديدا‪ ،‬فلما �أ�شفق �أن ميوت كتب �إىل �أمه قائ ً‬
‫ال‪ :‬يا‬ ‫ً‬ ‫مر�ضا‬
‫�أر�ض بابل‪ ،‬مر�ض ً‬
‫قدرت عليه‪ ،‬وال ي�أكل طعامك من �أ�صيب‬ ‫ِ‬ ‫�أماه‪ ..‬ا�صنعي طعا ًما‪ ،‬واجمعي من‬
‫دائما؟ �إين قد علمت‬ ‫باقيا وخيا ًال ً‬
‫قرارا ً‬
‫مب�صيبة‪ ،‬واعلمي‪ ..‬هل وجدت ل�شيء ً‬
‫�أن الذي �أذهب �إليه خري من مكاين‪..‬‬

‫‪80‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فلما و�صل الكتاب لأمه‪� ،‬صنعت طعا ًما‪ ،‬وجمعت النا�س‪ ،‬وقالت‪ :‬ال ي�أكل‬
‫هذا من �أ�صيب مب�صيبة‪ ..‬فلم ي�أكل �أحد؛ فعلمت ما �أراد‪ ،‬و�أن لي�س هناك من‬
‫يبتل �أو ي�صاب‪ ..‬فقالت‪ :‬ما يبلغك عني �أنك وعظتني فاتعظت‪ ،‬وع َّزيتني‬ ‫مل ِ‬
‫حيا �أو مي ًتا‪.‬‬
‫يت‪ ،‬فعليك ال�سالم ًّ‬
‫فتع َّز ُ‬
‫األزمات تخلق إبداعًا‪:‬‬
‫قد يكون املر�ض لبع�ض النا�س هو النهاية‪ ،‬وقد يكون للبع�ض الآخر هو‬
‫فر�صة للتغيري و�إثبات الذات‪..‬‬
‫كان "�أنتوين بريج�س" يف الأربعني من عمره عندما علم ب�أنه يعاين من ورم‬
‫مفل�سا متا ًما‪ ،‬ومل يكن‬
‫ً‬ ‫يف املخ �سي�ؤدي �إىل وفاته خالل عام‪ ،‬وقد كان وقتها‬
‫لديه �أي �شيء يرتكه لزوجته التي �ست�صبح عما قريب �أرملة‪ ،‬ومل يكن بريج�س‬
‫قد احرتف كتابة الق�صة‪ ،‬ولكن كان يدرك �أن بداخله الإمكانات التي ِّ‬
‫متكنه‬
‫كاتبا‪ ،‬فما كان منه �إال �أن يكتب ويهدي زوجته ثمرة ما يكتبه‪،‬‬ ‫من �أن يكون ً‬
‫أكدا باملرة من �أن ما كتبه �سوف ُين�رش‪ ،‬ويقول‪ :‬كنت وقتها يف يناير‬ ‫ومل يكن مت� ً‬
‫للتكهنات‪ ..‬مل يكن �أمامي �سوى ال�شتاء والربيع وال�صيف‬ ‫ُّ‬ ‫عام ‪ ،1960‬وطبقًا‬
‫لأعي�ش فيها ثم �أموت يف اخلريف مع �سقوط �أوراق الأ�شجار‪ ..‬وخالل هذه‬
‫الفرتة كتب بريج�س بحما�س؛ حتى �أنهى خم�س روايات ون�صف قبل مرور‬
‫العام‪ ،‬و�أ�شهر رواياته هي (الربتقالة الآلية)‪ ،‬ولكن بريج�س مل ميت‪ ..‬حيث‬
‫خفَّت حدة ال�رسطان �إىل �أن اختفى متا ًما‪ ،‬وخالل حياته الطويلة احلافلة كتب ما‬
‫يزيد عن ‪ 70‬كتا ًبا‪ ،‬ولوال هذه الهدية التي �أتته رمبا مل يكتب �شي ًئا على الإطالق‪.‬‬
‫نف�سا �إذا حكم الق�ضاء‬
‫وطب ً‬
‫ِ‬ ‫ ‬
‫دع الأيام تفعل ما ت�شاء‬
‫فما حلوادث الدنيا بقاء‬ ‫ ‬
‫وال جتزع حلادثة الليايل‬
‫قد يكون اخلري كله يف هذه امل�صيبة �أو االبتالء‪..‬‬

‫‪81‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫(و َع َ�سى �أَنْ ت َْك َر ُهوا َ�ش ْي ًئا َو ُه َو َخيرْ ٌ َل ُك ْم َو َع َ�سى َ�أنْ تحُِ ُّبوا َ�ش ْي ًئا َو ُه َو �شرَ ٌّ َل ُك ْم‬
‫َ‬
‫َواللهَّ ُ َي ْع َل ُم َو�أَ ْن ُت ْم لاَ ت َْع َل ُمونَ )‬
‫�صدق اهلل العظيم‬
‫بعض الهدايا األخرى‪:‬‬
‫‪� -‬أن تعلم �أن مرارة الدنيا هي بعينها حالوة الآخرة‪..‬‬
‫‪� -‬أن تتوكل على اهلل وت�ستعني بال�صرب وال�صالة‪..‬‬
‫‪� -‬أن حتمد اهلل على �أن امل�صيبة مل تكن يف الدين‪..‬‬
‫‪� -‬أن تعلم ب�أن عدم ال�صرب ال يرد امل�صيبة بل قد يزيدها‪..‬‬
‫‪� -‬أن تعلم �أن امل�صائب تخ ِّل�ص العبد من ِ‬
‫الكرب والعجب‪..‬‬
‫‪� -‬أن تعلم �أن البالء يرفعك درجات يف اجلنة‪..‬‬
‫‪� -‬أن تعلم �أن اهلل يغفر الذنوب ويطهر القلوب بهذه االبتالءات‪..‬‬
‫‪� -‬أن تعلم �أنك م�سافر‪ ،‬وال�سفر كله م�شقة‪..‬‬
‫‪� -‬أن تقرتب �إىل اهلل �أكرث بكرثة الدعاء‪..‬‬
‫عبدا قط هم وال حزن‪،‬‬
‫قال ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪" :‬ما �أ�صاب ً‬
‫ما�ض يف‬
‫فقال‪ :‬اللهم �إين عبدك‪ ،‬وابن عبدك‪ ،‬وابن �أمتك‪ ،‬نا�صيتي بيدك‪ٍ ،‬‬
‫�سميت به نف�سك‪� ،‬أو‬
‫حكمك‪ ،‬عدل يف ق�ضائك‪� ،‬أ�س�ألك بكل ا�سم هو لك‪َّ ،‬‬
‫أحدا من خلقك‪� ،‬أو �أنزلته يف كتابك‪� ،‬أو ا �ست�أثرت به يف علم الغيب‬
‫علمته � ً‬

‫‪82‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫عندك‪� ،‬أن جتعل القر�آن الكرمي ربيع قلبي‪ ،‬ونور �صدري‪ ،‬وجالء حزين‪،‬‬
‫فرحا"‪.‬‬
‫وذهاب همي‪� ..‬إال �أذهب اهلل همه وحزنه‪ ،‬و�أبدله مكانه ً‬
‫ي�رسا‪ ،‬و�أنه لو ُوجد الع�رس يف ُجحر ُلو ِجد الي�رس معه‪.‬‬
‫�أن تعلم �أن مع الع�رس ً‬
‫وقيل عن الهموم‪" :‬هي قوة ت�صنع منك �شجرة �صمودها �أو �سقوطها يعود‬
‫على مدى قوة مت�سكك باجلذور"‪..‬‬
‫ويقول الشاعر‪:‬‬
‫ويف طي احلوادث حمبوب ومكروه‬ ‫جتري الأمور على حكم الق�ضاء‬
‫بت �أرجوه‬
‫ورمبا �ساءين ما ُّ‬ ‫بت �أحذره‬
‫فرمبا �رسين ما ُّ‬

‫‪83‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫أخرج العصفور من القفص‬


‫ِ‬
‫"‪"Set the bird free‬‬

‫روحك هي الع�صفور‪ ،‬فال حتب�سها يف قف�ص اخلوف �أو الأوهام �أو اجلمود‬
‫وال�سكون‪ ،‬واجعلها تتحرر من القيود‪� ،‬أي قيود كانت‪ ..‬اجعلها حت ِّلق ِّ‬
‫وتغرد‬
‫وتروح وتغدو‪ ،‬وتبدع وحتلم‪ ،‬ومترح وت�ضحك‪� ..‬أخرج الطفل الذي‬
‫بداخلك وا�ضحك على قدر براءته وحبه للحياة‪ ،‬ال تخجل‪ ..‬فمن منا لي�س‬
‫بداخله طفل يريد �أن يجري ويقفز ويلعب دون خوف من نظرة املحيطني بنا‪,‬‬
‫وال تلتفت �إىل ال�صوت الذي ي�أتيك من داخلك ليقول لك ماذا تفعل؟‬
‫فهذا �صوت العقل‪ ،‬ونحن نحتاج �أحيانًا �إىل بع�ض اجلنون لكي نقتل‬
‫الروتني اململ للعقل‪.‬‬
‫و�أخرج ال�صديق الذي بداخلك وحتدث معه بكل �رصاحة‪ ،‬فهو �آ َم ُن �إن�سان‬
‫على �أ�رسارك‪ ،‬حتدث معه عن عيوبك لكي ت�ستطيع �إ�صالحها‪ ،‬وعن �أمنياتك‬
‫لكي ت�ستطيع حتقيقها‪ ،‬وعن مميزاتك ونقاط قوتك لكي تزداد ثقتك بنف�سك‪،‬‬
‫وعن خططك لكي ت�ستطيع كتابتها والعمل بها‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫و�أخرج الفنان الذي بداخلك‪� ،‬أعطه الفر�صة ليبدع‪ ،‬فالإبداع لي�س‬


‫كما يظن بع�ض النا�س �أنه اخرتاع �شيء جديد مل يكن له وجود‪ ،‬و�أن‬
‫املبدعني �أ�شخا�ص قليلون منحهم اهلل بع�ض املواهب دو ًنا عن غريهم‪...‬‬
‫فهذا غري �صحيح‪ ،‬فكل �إن�سان بداخله الكثري من املواهب‪ ،‬ولكن كونه مل‬
‫يكت�شفها فلي�س معنى ذلك �أنها غري موجودة‪ ،‬فيمكنك �أن تبدع يف عمل‬
‫جيدا‪ ،‬و�أ�ضفت �إليه ر�ؤيتك اخلا�صة ومل�ستك املتميزة‪،‬‬
‫ما �إن �أنت �أتقنته ً‬
‫فهناك �شاعر يبدع يف �شعره‪ ،‬وكاتب يبدع يف مو�ضوعاته‪ ،‬وخياط يبدع‬
‫كنا�سا ‪-‬بكل احرتام بالطبع لكل املهن ال�رشيفة‪-‬‬
‫يف اخلياطة‪ ،‬حتى ولو كان ً‬
‫فهو يبدع يف �إتقان الكن�س‪� ...‬أي �شيء تفعله �إن �أحببته �ستبدع فيه مهما‬
‫كانت ب�ساطة ذلك ال�شيء‪.‬‬
‫ويل ر�أيي اخلا�ص‪ ،‬ورمبا ال يتفق معي الكثريون فيه‪ ،‬وهو �أنك �إن �أردت �أن‬
‫تبدع‪ ،‬و�أن تخرج ما بداخلك‪� ،‬أغلق جهاز التليفزيون اخلا�ص بك ملدة �أ�سبوع‬
‫كافيا للتحاور مع نف�سك‪ ،‬ولتعمل �أنت‪ ،‬ال لت�شاهد ما‬ ‫ال؛ لكى جتد وق ًتا ً‬ ‫مث ً‬
‫أجرا‬
‫أ�شخا�صا يعملون ويجتهدون وي�أخذون � ً‬‫ً‬ ‫يعمل الآخرون‪ ،‬ف�أنت ت�شاهد �‬
‫على ذلك‪ ،‬و�أنت تكتفي مب�شاهدتهم‪� ،‬إذن متى �ستعمل �أنت ومتى �ستبدع‬
‫ومتى �ستنجز؟ ومتى �سرتى حلمك �أنت يتحقق؟ ه�ؤالء كانت هذه هي‬
‫�أحالمهم وحققوها‪� ,‬إذن ا�س�أل نف�سك ماذا �أنتظر لكي �أحقق ذاتي؟ والوقت‬
‫ي�رسق منك ب�رسعة فائقة‪ ,‬وبعد ذلك حدد لنف�سك وق ًتا للم�شاهدة‪ ،‬ك�ساعة‬
‫أي�ضا حاول �أن‬
‫ال يف اليوم؛ لكي ال ينق�ضي الوقت منك دون �أن ت�شعر‪ً � ،‬‬‫فقط مث ً‬
‫تختار من الوجبات التي يقدمها لك الإعالم؛ لأن هناك وجبات م�سمومة قد‬
‫وواعيا‪ ،‬وال تلتهم كل ما يقدم لك‪ ،‬ويف‬
‫ً‬ ‫ت�ؤدي �إىل ت�سمم العقل‪ ،‬فلتكن متنب ًها‬
‫هذا ال�صدد �أتذكر مقولة للأ�ستاذ الدكتور م�صطفى ال�سباعي‪:‬‬
‫"حببوا �إىل هذا اجليل العبث واال�ستمتاع باللذة‪ ,‬ثم اعتذروا عن �إر�ضاء‬
‫َّ‬
‫رغباته يف الإذاعة والتليفزيون وال�صحافة والكتب ب�أنه يريد ذلك‪� ،‬أفلي�س‬

‫‪86‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫مثلهم كمن �أغرى �إن�سانًا باملخدرات حتى اعتادها‪ ,‬ثم جاء ي�شكو منه‪,‬‬
‫�صربا؟"‬
‫ويعتذر عن تقدمي املخدر له ب�أنه ال ي�ستطيع عنه ً‬
‫وواعيا بالدرجة الكافية التي جتعلك تختار ما ت�شاهده؛ لكي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متيقظا‬ ‫فلتكن‬
‫حتافظ على �سالمة تفكريك وعقلك‪.‬‬
‫والروح عادة متل اجلمود واالعتياد على ال�شيء‪ ،‬وتع�شق التغيري والتجدد؛‬
‫لأنه يعطيها الطاقة والقوة الدافعة لال�ستمتاع باحلياة‪.‬‬
‫دائما ب�شيء من التغيري حتى ولو كان ب�سيط‪ ،‬ف�إن‬
‫فحاول �أن تقطع الروتني ً‬
‫أخرا يو ًما؛ لكي ت�شعر‬
‫مبكرا اقطع الروتني وا�ستيقظ مت� ً‬
‫ال ت�ستيقظ كل يوم ً‬‫كنت مث ً‬
‫ب�شيء من التغيري‪ ،‬و�إن كنت تخرج من منزلك كل يوم فاجل�س يو ًما يف املنزل‪،‬‬
‫والعك�س �إن كنت من حمبي املنزل‪ ،‬فاخرج يو ًما مع �أ�صدقائك‪ ...‬املهم �أال تقع‬
‫فري�سة مللل الروتني واالعتياد على ال�شيء؛ حتى ال حتب�س روحك من االنطالق‪.‬‬
‫فاجل�سد ما هو �إال كال�سيارة‪� ،‬أما املحرك والقوة فهما الروح‪ ،‬ف�أعطها ما‬
‫تعطك ما يفوق حاجتك‪.‬‬ ‫حتتاجه ِ‬
‫ويقول مصطفى السباعي عن الروح‪:‬‬
‫"�أفكارنا الروحية ت�صنع لنا م�رسات ال تنتهي‪� ،‬أما �أفكارنا املادية فتخلق‬
‫لنا متاعب ال تنتهي"‪..‬‬
‫و�أحيانًا بع�ض النا�س ي�سجنون �أرواحهم يف �سجن اخلوف‪ ,‬اخلوف من �أي‬
‫�شيء‪ ،‬قد يكون من احلياة‪ ,‬من املوت‪ ,‬من امل�ستقبل‪ ,‬من املر�ض‪ ,‬من احلب‪,‬‬
‫من الف�شل‪ ...‬من �أي �شيء‪ ،‬ويقول اجلرنال جورج باتون‪�" :‬إن اخلوف يقتل‬
‫�أكرث مما يقتل املوت‪ ,‬فاملوت يقتلنا مرة واحدة‪ ،‬وعادة ال نح�س بها‪� ،‬أما اخلوف‬
‫فيقتلنا املرة تلو املرة‪ ،‬برفق �أحيانًا وبوح�شية �أحيانًا �أخرى"‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ويقول وليام �شك�سبري‪�" :‬إن اجلبان ميوت �آالف املرات‪ ,‬ولكن ال�شجاع ال‬
‫يذوق املوت �إال مرة واحدة"‪.‬‬
‫فواجه نف�سك بال�شيء الذي تخ�شاه‪ ،‬وقل لنف�سك‪ :‬حتى لو حدث ذلك‪،‬‬
‫فال ب�أ�س‪� ..‬س�أكون قو ًّيا‪ ،‬و�سيكون اهلل معي‪ ،‬ولن يرتكني؛ ولأنه ال يغني حذر‬
‫من قدر‪ ،‬فكرثة خوفك لن متنع قدر اهلل‪..‬‬
‫�إذن‪ ..‬مل اخلوف؟ وعمو ًما‪ ..‬كلما مر الزمن �سن�ضحك على ما كنا نخاف‬
‫منه �سابقًا‪ ،‬متا ًما كالأطفال عندما يخافون من خياالت و�أوهام تداعبهم‪..‬‬
‫أخريا يقول توما�س كارليل‪" :‬ال�شجاعة التي نريدها ونكافئ عليها لي�ست‬
‫و� ً‬
‫�شجاعة املوت بطريقة م�رشفة‪ ،‬بل �شجاعة احلياة برجولة‪� ,‬إذن فحرر روحك‬
‫جيدا؛ لأنها هي �أكرث �شيء ي�ستحق العناية‪..‬‬
‫من �أي قيود‪ ،‬واهتم بها ً‬
‫ويحكى أن‪:‬‬
‫جنونيا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫حبا‬
‫كان مللك يف قدمي الزمان ‪ 4‬زوجات‪ ..‬كان يحب الرابعة ًّ‬
‫أي�ضا‪ ،‬ولكنه ي�شعر‬
‫ويعمل كل ما يف و�سعه لإر�ضائها‪� ..‬أما الثالثة فكان يحبها � ً‬
‫�أنها قد ترتكه من �أجل �شخ�ص �آخر‪ ..‬زوجته الثانية كانت هي من يلج�أ �إليها‬
‫دائما ت�ستمع �إليه وتتواجد عند ال�ضيق‪� ..‬أما الزوجة‬ ‫عند ال�شدائد‪ ،‬وكانت ً‬
‫كثريا‪،‬‬
‫الأوىل فكان يهملها وال يرعاها وال ي�ؤتيها حقها‪ ،‬مع �أنها كانت حتبه ً‬
‫وكان لها دور كبري يف احلفاظ على مملكته‪..‬‬
‫مر�ض امللك و�شعر باقرتاب �أجله‪ ،‬ففكر وقال‪�" :‬أنا الآن لدي ‪ 4‬زوجات‪،‬‬
‫وال �أريد �أن �أذهب �إىل القرب وحدي"‪ ..‬ف�س�أل زوجته الرابعة‪�" :‬أحببتك �أكرث‬
‫ولبيت كل رغباتك وطلباتك‪ ،‬فهل تر�ضني �أن ت�أتي معي‬
‫ُ‬ ‫من باقي زوجاتي‪،‬‬
‫فورا بدون �إبداء �أي‬
‫لت�ؤن�سيني يف قربي؟" فقالت‪" :‬م�ستحيل"‪ .‬وان�رصفت ً‬
‫تعاطف مع امللك!‬

‫‪88‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ف�أح�رض زوجته الثالثة وقال لها‪�" :‬أحببتك طيلة حياتي‪ ،‬فهل ترافقيني �إىل‬
‫قربي؟" فقالت‪" :‬بالطبع ال‪ ،‬احلياة جميلة‪ ،‬وعند موتك �س�أذهب و�أتزوج‬
‫من غريك"‪.‬‬
‫دائما �أجل�أ �إليك عند ال�ضيق‪ ،‬وطاملا‬
‫ف�أح�رض الثانية وقال لها‪" :‬كنت ً‬
‫�ضحيت من �أجلي‪ ،‬و�ساعدتني‪ ،‬فهال ترافقيني يف قربي؟" فقالت‪�" :‬ساحمني‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ال �أ�ستطيع تلبية طلبك‪ ،‬ولكن �أكرث ما �أ�ستطيع فعله هو �أن �أو�صلك �إىل قربك"‪.‬‬
‫�شديدا من جحود ه�ؤالء الزوجات‪ ،‬و�إذا ب�صوت ي�أتي‬
‫ً‬ ‫حزن امللك حزنًا‬
‫من بعيد ويقول‪�" :‬أنا �أرافقك يف قربك‪� ..‬أنا �س�أكون معك �أينما تذهب"‪ ..‬نظر‬
‫امللك ف�إذا بزوجته الأوىل وهي يف حالة هزيلة �ضعيفة مري�ضة ب�سبب �إهمال‬
‫علي‬
‫زوجها لها‪ ،‬فندم امللك على �سوء رعايته لها يف حياته‪ ،‬وقال‪" :‬كان ينبغي َّ‬
‫�أن �أعتني بك �أكرث من الباقيات‪ ،‬ولو عاد بي الزمان لكنت �أنت �أكرث من �أهتم‬
‫به من زوجاتي الأربع"‪.‬‬
‫يف احلقيقة كلنا لدينا ‪ 4‬زوجات‪ ..‬الرابعة‪ ..‬اجل�سد‪ ،‬مهما اعتنينا ب�أج�سادنا‬
‫فورا عند املوت‪..‬‬
‫و�أ�شبعنا �شهواتها ف�سترتكنا الأج�ساد ً‬
‫الثالثة‪ ..‬الأموال واملمتلكات‪ ،‬عند موتنا �سترتكنا وتذهب لأ�شخا�ص‬
‫�آخرين‪..‬‬
‫الثانية‪ ..‬الأهل والأ�صدقاء‪ ،‬مهما بلغت ت�ضحياتهم لنا يف حياتنا فال نتوقع‬
‫منهم �أكرث من �إي�صالنا للقبور عند موتنا‪..‬‬
‫الأوىل‪ ..‬الروح والقلب‪ ،‬نن�شغل عن تغذيتها واالعتناء بها على ح�ساب‬
‫�شهواتنا و�أموالنا و�أ�صدقائنا‪ ،‬مع �أن �أرواحنا وقلوبنا هي الوحيدة التي �ستكون‬
‫معنا يف قبورنا‪..‬‬

‫‪89‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫يا ترى �إذا متثلت روحك لك اليوم على هيئة �إن�سان‪ ..‬فكيف �سيكون‬
‫�شكلها وهيئتها؟ هزيلة �ضعيفة مهملة؟ �أم قوية مدربة معتنى بها؟‬
‫‪• The Spirit is willing, but the flesh is weak.‬‬
‫الروح تواقة‪ ,‬ولكن اجل�سد �ضعيف‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال تلتفت وراءك‬


‫"‪"Let bygons be bygons‬‬

‫�إذا كنت من كثريي التفكري يف الأم�س والتح�رس على ما فات‪ ,‬فا�سمح‬


‫تدمر حياتك بهذه الطريقة دون �أن ت�شعر‪ ،‬يقول‬ ‫يل ب�أن �أقول لك �إنك ِّ‬
‫�صالح الدين الأيوبي‪" :‬ال يوجد ما ي�ستحق الندم غري ما ي�ضيع من العمر‬
‫يف هذا الندم"‪ ..‬فخذ من الأم�س العربة واخلربة والذكريات الرائعة‪ ،‬و�أطلق‬
‫نريان م�سد�سك على الذكريات امل�ؤملة‪ ,‬فتحقيق الأماين لن يكون باحل�رسة‬
‫على ما م�ضى واجرتار الأحزان‪ ،‬و�إمنا يكون بالعمل واجلد واغتنام الفر�ص‪،‬‬
‫يقول الشاعر (نابغة بني جعدة)‪:‬‬
‫�إذا ما الأمر وىل و�أدبرا‬ ‫�أمل تريا �أن املالمة نفعها قليل‬
‫ال تغري �شي ًئا غري ما كان قدرا‬ ‫تهيج بالبكاء والندامة ثم‬
‫ويقول البارودي‪:‬‬
‫ول�ست على �شيء م�ضى �أتع َّتب‬
‫ُ‬ ‫ل�ست لأمر مل يكن متوق ًعا‬

‫‪91‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فلترتك الأم�س وراءك‪ ،‬وال تدعه ي�ؤرقك وي�سلب بهجتك باحلا�رض‬


‫و�إعدادك للم�ستقبل‪ ,‬لأن ان�شغالك به لن يجعلك ترى جمال ما حولك‪,‬‬
‫يقول ريت�شارد متبلر‪�" :‬إن كنت تعتقد �أن �أحدهم قد دمر لك الع�رشين عا ًما‬
‫الأوىل من حياتك‪� ,‬ألي�س من املنطقي �أن حتر�ص على �أال تدمر اخلم�سني عا ًما‬
‫التالية �أو ما �شاء اهلل �أن يزيد من عمرك؟‬
‫ويقول الشيخ عائض القرني في كتابه "ال تحزن"‪:‬‬
‫حزنت على ر�سوب ابنك‪ ..‬فهل جنح؟‬
‫حزنت على وفاة والدك‪ ..‬فهل عاد؟‬
‫حزنت على مال فقدته‪ ..‬فهل وجدته؟‬
‫ويحكى �أن �أحد احلكماء جل�س بني جمموعة من الأ�شخا�ص‪ ،‬ف�ألقى عليهم‬
‫مزحة ف�ضحكوا جمي ًعا‪ ,‬ثم �ألقاها مرة �أخرى ف�ضحك عدد قليل‪ ,‬ثم �ألقاهاعدة‬
‫مرات �أخرى فلم ي�ضحك �أحد‪ ,‬عندئذ قال لهم‪� :‬إذا كنتم ال ت�ضحكون على‬
‫ال�شيء عدة مرات‪ ،‬فلم ت�ستمرون يف البكاء على نف�س ال�شيء؟‬

‫‪92‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كم أنا ّ‬
‫غين‬
‫"‪"How much I am Rich‬‬

‫لي�س هناك �شعور �أجمل من ال�شعور بال�سالم النف�سي‪ ،‬وحالة الوفاق بينك‬
‫وبني نف�سك‪ ،‬وهذا ال�شعور ال ينتج �إال عن الر�ضا والقناعة مبا ق�سمه اهلل لنا‪.‬‬
‫فدائما‬
‫ً‬ ‫يقول �أفالطون‪" :‬توفِّر القناعة ل�صاحبها الوقت الكايف للتمتع باحلياة"‪..‬‬
‫جتد الذي ميتلك نعمة الر�ضا والقناعة ي�شعر وك�أنه �أغنى النا�س‪ ،‬حتى و�إن كان‬
‫دائما يرى نعم اهلل املوجودة ولي�ست املفقودة‪ ,‬ي�شكر‬ ‫ال ميتلك �إال القليل؛ لأنه ً‬
‫على النعم احلا�رضة‪ ،‬وال يفكر يف النعم الغائبة‪ .‬هو يرى �أن الغنى احلقيقي‬
‫يكمن يف امتالكه ثروات �أخرى �أعلى قيمة‪ ،‬و�أكرث �إثراء ل�صاحبها من ثروة‬
‫املال والذهب‪ ،‬هذه الرثوات هي‪ :‬القيم واملبادئ واملثل العليا‪ ,‬الأخالق‬
‫العالية‪ ,‬قلب مملوء باخلري يت�سع للعامل كله‪ ,‬ر�أي قوي ي�ستطيع �أن يعرب به عن‬
‫نف�سه‪� ,‬صوت عالٍ يدافع به عن املظلومني‪� ,‬إح�سا�س مرهف وم�شاعر رقيقة‬
‫ت�شعر ب�آالم النا�س‪ ,‬عقل يع�شق القراءة والتثقيف‪...‬‬
‫�ألي�س هذا ي�ستحق �أن يكون على ر�أ�س قائمة �أغنى �أغنياء العامل؟‬
‫يقول �أو�سكار وايلد‪" :‬الأغنياء العاديون ميكن �رسقتهم‪� ,‬أما الأغنياء‬

‫‪93‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫احلقيقيون فال‪ ,‬ففي داخلهم ما ال نهاية له من الأ�شياء الثمينة التي ال ميكن‬


‫�أخذها منهم"‪.‬‬
‫دائما يريد املزيد دون اكتفاء‪،‬‬
‫أبدا‪ ،‬فهو ً‬
‫والذي ال يقنع ال يعرف الراحة � ً‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫و�إذا تُرد �إىل قليل تقنع‬ ‫والنف�س راغبة �إذا رغَّ بتها ‬
‫ويقول آخر‪:‬‬
‫ومل ينهها تاقت �إىل كل مطلب‬ ‫�إذا املرء �أعطى نف�سه كل ما ا�شتهت‬
‫فار�ض مبا ق�سمه اهلل لك تكن �أغنى و�أ�سعد النا�س‪..‬‬
‫وهذه ق�صة ق�صرية‪:‬‬
‫يف حجرة �صغرية فوق �أ�سطح �أحد املنازل‪ ،‬عا�شت الأرملة الفقرية مع‬
‫طفلها ال�صغري حياة متوا�ضعة يف ظروف �صعبة‪� ،‬إال �أن هذه الأ�رسة كانت تتميز‬
‫بنعمة الر�ضا والقناعة‪ ،‬ولكن �أكرث ما كان يزعج الأم هو �سقوط الأمطار يف‬
‫ف�صل ال�شتاء‪ ,‬فالغرفة عبارة عن �أربع جدران وبها باب خ�شبي‪ ،‬ولكن لي�س لها‬
‫�سقف‪ ,‬وذات مرة جتمعت الغيوم وامتلأت �سماء املدينة بال�سحب الداكنة‪ ,‬ثم‬
‫هطل املطر بغزارة‪ ،‬فاحتمى اجلميع مبنازلهم‪ ،‬وكان على الأم وابنها مواجهة‬
‫هذا املوقف الع�صيب‪ ,‬نظر الطفل �إىل �أمه نظرة حائرة‪ ،‬واند�س يف �أح�ضانها‪،‬‬
‫وكانت ثيابها غارقة يف البلل‪ ..‬ف�أ�رسعت الأم �إىل باب الغرفة فخلعته وو�ضعته‬
‫ال على �أحد اجلدران‪ ،‬وخب�أت طفلها خلف الباب لتحجب عنه �سيل املطر‪,‬‬ ‫مائ ً‬
‫فنظر الطفل �إىل �أمه يف �سعادة بريئة وقد علت على وجهه ابت�سامة الر�ضا‪،‬‬
‫وقال‪" :‬ترى يا �أمي ماذا يفعل الفقراء الذين لي�س لديهم باب حني ميطر املطر؟"‬
‫لقد �أح�س ال�صغري �أنه ينتمي �إىل طبقة الأثرياء يف هذه اللحظة!‬
‫حقًّا ما �أجمل الر�ضا!‬

‫‪94‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ما أروع الفشل‬


‫"‪"Wonderful failure‬‬

‫�إذا كان الف�شل هو املحاولة‪� ,‬إذن فيكفيك �رشف املحاولة‪..‬‬


‫�إذا كان الف�شل هو �أنك تعلمت �شي ًئا ما‪ ،‬واكت�سبت خربة ال ب�أ�س بها‪ ،‬فما‬
‫�أروع الف�شل!‬
‫�إذا كان الف�شل معناه �أنك تخطو نحو النجاح‪ ،‬و�أنك جترب طرقًا خمتلفة‬
‫للوقوف على الطريق ال�صحيح‪ ،‬فما �أروع الف�شل!‬
‫�إذا كان الف�شل ي�صنع منك �إن�سانًا �أقوى و�أكرث قدرة على مواجهة‬
‫ال�صعاب‪ ..‬فما �أروع الف�شل!‬
‫كل هذا لي�س معناه �أن نتمنى الف�شل‪ ،‬ولكن معناه �أنك �إذا ف�شلت فال تي�أ�س‪،‬‬
‫وا�ستمر يف املثابرة والعمل حتى ت�صل �إىل النجاح‪ ,‬فال توجد خطوة عمالقة‬
‫ت�صل بك �إىل ما تريد‪ ،‬و�إمنا يحتاج الأمر �إىل كثري من اخلطوات ال�صغرية‪,‬‬
‫وليتنا جمي ًعا نتعلم من �صديقتنا النملة‪ ,‬فهي حقًّا مثال ُيحتذى به يف املثابرة‬

‫‪95‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫واالجتهاد‪ ,‬راقبها وهي حتمل حبة الطعام لت�صعد بها على احلائط‪ ،‬و�سرتى كم‬
‫مرة �ستقع منها احلبة فتعود لتلتقطها وت�صعد بها مرة �أخرى وهكذا دون ي�أ�س‬
‫حتى ت�صل �إىل مكانها‪ .‬ف�إذا كانت النملة �أ�ضعف املخلوقات ال تي�أ�س‪� ،‬أفلي�س‬
‫الأجدر بنا نحن مع�رش الإن�سان �أن نكون كذلك؟‬
‫�أيها الأ�صدقاء‪ ..‬الف�شل احلقيقي هو الف�شل يف �إ�سعاد الآخرين‪ ,‬هو �أن‬
‫تعجز عن �إر�ضاء ربك و�إر�ضاء والديك‪ ,‬هو �أن تعجز عن �إ�سعاد زوجتك‪،‬‬
‫أنت عن �إ�سعاد زوجك‪ ,‬هوعدم ا�ستطاعتك م�ساعدة‬ ‫و�أن تعجزي � ِ‬
‫الآخرين‪ ,‬هو عجزك عن �إطعام جائع �أو �إغاثة ملهوف‪� ،‬أو ن�رصة مظلوم‬
‫و�أنت ت�ستطيع ذلك‪.‬‬
‫كما �أن النجاح احلقيقي لي�س جمرد الو�صول �إليه‪ ,‬و�إمنا با�ستمرار النجاحات‬
‫ف�سيحا‬
‫ً‬ ‫واحدا تلو الآخر‪ ..‬يقول �أندريه مورو‪" :‬يبدو �أن القمة لي�ست مكانًا‬ ‫ً‬
‫ومريحا‪ ,‬ذلك �أن الكثريين ممن يبلغونها ي�ست�سلمون للنوم ويهوون �إىل القاع"‪.‬‬
‫ً‬
‫فكل خطوة على الطريق ال�صحيح هي جناح‪..‬‬
‫وكل كلمة ت�شجيع منك للمجتهد هي جناح‪..‬‬
‫وكل ابت�سامة و�أنت حزين هي جناح‪..‬‬
‫وكل حماولة منك لتغيري نف�سك للأح�سن هي �أكرب جناح‪..‬‬
‫ال‪�" :‬سيد‬‫�س�أل �أحدهم يف حديث مع و�سائل الإعالم توما�س �أدي�سون قائ ً‬
‫�أدي�سون‪ ..‬لقد ف�شلت �آالف املرات‪� ،‬إنك فا�شل عاملي‪ ،‬فلماذا ال تتوقف عن‬
‫هذه التجارب الفا�شلة؟" ف�أجابه توما�س �أدي�سون قائ ً‬
‫ال‪" :‬الفا�شلون هم �أنا�س مل‬
‫يعرفوا كم كانوا قريبني من النجاح حينما توقفوا"‪.‬‬
‫ناجحا لو مل يتوقف‪..‬‬
‫ً‬ ‫فن�أخذ من هذا القول �أن كل فا�شل كان �سيكون‬

‫‪96‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فاملثابرة �أ�سا�س به تدرك مبتغاك‪ ،‬والتواين مما يبعدك عنه‪..‬‬


‫يقول بيل جيت�س‪" :‬ر�سبت يف بع�ض املواد يف اجلامعة‪ ..‬بينما جنح �صديقي‬
‫يف ِّ‬
‫تخطيها‪� ..‬صديقي الآن مهند�س يف �رشكة مايكرو�سوفت‪ ..‬فيما �أنا �أملك‬
‫ال�رشكة!"‬
‫هل تريد و�صفة �سحرية للنجاح؟ تعر�ض للف�شل �أكرث من (توما�س‬
‫وات�سون)‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ضع بصمتك يف كل مكان‬


‫"‪"Put your special touch everywhere‬‬

‫اجعل لك ب�صمة خا�صة ت�ضعها يف كل مكان تدل على وجودك فيه‪ ،‬وهذه‬
‫الب�صمة هي جعل املكان �أجمل مما كان عليه‪� ،‬سواء كان منزلك‪� ،‬أو ال�شارع‬
‫الذي ت�سكن فيه‪� ،‬أو مكان عملك‪ ،‬لتكن لك مل�ستك اجلمالية اخلا�صة‪ ،‬بو�ضع‬
‫جوا �أف�ضل‪،‬‬
‫الزهور والأ�شجار؛ حتى لو كانت �صناعية‪ ،‬فهي تُك�سِ ب املكان ًّ‬
‫�شخ�صيا‪ ،‬وجتعل مزاجك‬
‫ًّ‬ ‫وتريح عني ونف�س الزائر‪ ،‬كما تريحك بالطبع �أنت‬
‫يف حالة �أف�ضل‪ ،‬وحقيقة ال �أعرف ملاذا تخلت الكثري من الأ�رس عن و�ضع‬
‫ق�صاري الزهور وزرع بع�ض النباتات داخل �رشفات املنازل؛ لأننا �أ�صبحنا‬
‫يف ع�رص ال�رسعة‪ ،‬وال وقت لدينا لذلك؟ ال �أعرف‪ ..‬ولكن ال �شيء يغني عن‬
‫وجود زهور ونباتات باملنزل فهي ت�ضفي عليه بهجة وراحة نف�سية ال مثيل لها‪.‬‬
‫ولو �أن كل �شخ�ص و�ضع �أمام مكتبه زهرة واحدة يف العمل‪ ،‬لأ�صبحت‬
‫�أماكن العمل كلها وك�أنها حدائق‪ ،‬ول�ساعدت �أ�صحابها على حب و�إتقان‬
‫العمل‪ ،‬وقللت من ال�ضغوط والتوترات الع�صبية �أثناء فرتات العمل‪ ،‬نعم‪..‬‬
‫زهرة واحدة ت�صنع كل ذلك‪ ،‬فما بالنا لو �أن حول كل م�صلحة عمل �أو �رشكة‬

‫‪99‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�أو م�صنع وجدت حديقة �صغرية‪ ،‬و�أمام كل منزل وجدت �شجرة‪ ،‬وعلى‬
‫�رشفة كل منزل بع�ض الزهور والنباتات‪� ،‬أعتقد �أن امل�شهد �سيكون بدي ًعا‪،‬‬
‫و�سيجعل بلدنا اجلميلة �أجمل و�أجمل‪ ,‬يقول املثل الياباين‪" :‬زهرة يف البيت‬
‫جتلب لك الربيع"‪.‬‬
‫�شيء �صغري �أحب �أن �أذكره‪ ،‬وهو اقتناء قف�ص من الع�صافري يف البيت‪ ،‬فهو‬
‫ون�شاطا غري عاديني ‪-‬يف نظرى‪ ،‬بيت �صغري به قف�ص ع�صافري‬ ‫ً‬ ‫يبعث حيوية‬
‫�أجمل من ق�رص كبري متلأه التحف الثمينة‪.‬‬
‫أخريا‪ ..‬ف�إن البيوت اجلميلة هي التي متتلئ ب�ضحكات �أ�صحابها وروحهم‬
‫و� ً‬
‫دائما للأقارب‬
‫العالية التي ترفرف حولها كالع�صافري‪ ،‬والتي �أبوابها مفتوحة ً‬
‫والأ�صدقاء والفقراء ولكل النا�س‪ ,‬تلك هي البيوت الرائعة حقًّا‪ ،‬ولي�ست‬
‫البيوت ال�صماء البكماء مهما حوت �أفخم التحف و�أثمنها‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الفصل الثاني‬

‫‪101‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كيف تتعامل مع اآلخر‬


‫"‪"How to deal with others‬‬

‫الأ�شخا�ص الذين يعي�شون يف وحدة وعزلة من النا�س يعانون من القلق‬


‫ً‬
‫انب�ساطا و�أكرث ع�صبية‪ ..‬ملاذا؟‬ ‫وامللل وانخفا�ض تقدير الذات‪ ،‬وهم �أقل‬
‫ذلك لأن العالقات االجتماعية عمو ًما �أحد �أهم م�صادر ال�سعادة؛ لأنها‪:‬‬
‫‪ -‬تزيد من تقدير الذات والثقة بها‪.‬‬
‫‪ -‬تولِّد درجة من امل�شاعر الإيجابية‪.‬‬
‫‪ -‬تخفف من العناء وتزيد من ال�شعور بالبهجة‪.‬‬
‫‪ -‬تقلل من الت�أثري ال�سلبي للأحداث اخلارجية‪.‬‬
‫اجتماعيا وكيف تتعامل مع الآخر؟‬
‫ًّ‬ ‫�إذن كيف تنجح‬

‫‪103‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫األخالق الرائعة‬
‫"‪"The good manners‬‬

‫قيل‪" :‬لتجذب الرائعني يجب �أن تكون رائ ًعا‪ ،‬ولتجذب الأقوياء يجب �أن‬
‫خمل�صا‪ ،‬فبد ًال من العمل على‬
‫تكون قو ًّيا‪ ،‬ولتجذب املخل�صني يجب �أن تكون ً‬
‫حتويل النا�س على ما لي�سوا عليه‪ ،‬اعمل على ذاتك؛ ف�إذا �أ�صبحت كما تريد‬
‫اجتذبت �إليك من تريد"‪.‬‬
‫�سعيدا‬
‫ً‬ ‫ال بد �أو ًال �أن نعرتف ب�أنه على املرء �أن يكون فا�ض ً‬
‫ال �إذا �أراد �أن يعي�ش‬
‫كما قال �أر�سطو‪.‬‬
‫والأخالق الرائعة ال نحتاج لأن ن�ستوردها من اخلارج‪ ،‬بل هم �إن �أرادوا‬
‫منا كتب يف ذلك �أعطيناهم عن طيب خاطر؛ لأننا نحن العرب �أ�صل الأخالق‬
‫الرائعة‪.‬‬
‫أي�ضا‪� :‬إن اجلمال قد يفتقر �إىل الف�ضيلة‪ ،‬ولكن الف�ضيلة ال تفتقر �إىل‬
‫وقيل � ً‬
‫اجلمال‪..‬‬

‫‪105‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫والف�ضائل ورثناها من الأنبياء جمي ًعا عامة‪ ،‬ومن �سيد اخللق �سيدنا وحبيبنا‬
‫و�شفيعنا �سيدنا حممد (�ص)‪ ،‬ثم التابعني‪ ،‬وتابعيهم‪ ،‬ولنا يف الر�سول (�ص)‬
‫قدوة و�أ�سوة‪ ،‬لو اتبعناها جمي ًعا لعدنا كما كنا �أقوى و�أعظم �شعوب الأر�ض‬
‫يقول ر�سول اهلل (�ص)‪" :‬وخا ِلق النا�س بخلق ح�سن"‪.‬‬
‫وكثري من النا�س يظن �أن الدين والتقرب من اهلل عز وجل يكون بالعبادات‬
‫فقط كال�صوم وال�صالة والزكاة‪ ،‬ولكن ال يعلمون �أن ح�سن الأخالق هي �رشط‬
‫من �رشوط الإميان‪ ,‬عن �أبي هريرة ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬عن ر�سول اهلل (�ص)‪:‬‬
‫"�أكمل امل�ؤمنني �إميانًا �أح�سنهم خلقًا"‪ ..‬كما قال (�ص)‪" :‬ما يف �شيء �أثقل‬
‫يف ميزان العبد امل�ؤمن يوم القيامة من ح�سن اخللق‪ ،‬و�إن اهلل يبغ�ض الفاح�ش‬
‫و�سئل ر�سول اهلل (�ص) عن �أكرث ما يدخل النا�س اجلنة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫البذيء"‪ُ ..‬‬
‫"تقوى اهلل وح�سن اخللق"‪ ..‬وعن عائ�شة ‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪� :‬سمعت‬
‫ر�سول اهلل (�ص) يقول‪�" :‬إن امل�ؤمن يدرك بح�سن خلقه درجة ال�صائم القائم"‪..‬‬
‫وعن �أبي �أمامة الباهلي ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال ر�سول اهلل (�ص)‪�" :‬أنا زعيم‬
‫بيت يف رب�ض اجلنة ملن ترك املراء و�إن كان حمقًّا‪ ,‬وبيت يف و�سط اجلنة ملن ترك‬
‫مازحا‪ ,‬وبيت يف �أعلى اجلنة ملن ح�سن خلقه"‪ ..‬وعن جابر‬ ‫ً‬ ‫الكذب و�إن كان‬
‫‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪� -‬أن ر�سول اهلل (�ص) قال‪�" :‬إن من �أحبكم �إ َّ‬
‫يل و�أقربكم مني‬
‫جمل�سا يوم القيامة‪� ,‬أحا�سنكم �أخالقًا"‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال بع�ض احلكماء‪ :‬من �ساء خلقه �ضاق رزقه‪.‬‬
‫ويقول �أن�س ابن مالك‪� :‬إن العبد ليبلغ بح�سن خلقه �أعلى درجة يف اجلنة‬
‫وهو غري عابد‪ ،‬ويبلغ ب�سوء خلقه �أ�سفل درك يف جهنم وهو عابد‪.‬‬
‫ليت النا�س جمي ًعا تتحلى بالأخالق والف�ضائل من �أمانة و�صدق وعدل‬
‫ورحمة وبر وطهارة ونظافة ووفاء بالوعود‪ ..‬وليتهم جمي ًعا يرتكون الظلم‬
‫والغ�ش واخلداع و�أكل �أموال النا�س بالباطل واالعتداء على احلرمات والتملق‬

‫‪106‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫والنفاق الذي ال داعي له‪� ,‬آه لو �أننا �سقينا الأطفال يف املدار�س �رشاب الأخالق‬
‫الرائعة ك�أن ندر�سها لهم منذ ال�صغر كمادة �إجبارية ولي�ست اختيارية‪� ,‬آه لو �أننا‬
‫�أ�صبحنا جمتم ًعا يقيم بع�ضه البع�ض على �أ�سا�س الأخالق ولي�س على �أ�سا�س املال‬
‫�أو اجلاه �أو �أي �شيء �آخر‪.‬‬
‫وقيل إن أمهات األخالق وأصولها أربعة‪:‬‬
‫•الحكمة‬
‫•الشجاعة‬
‫•العدل‬
‫•العفة‬
‫‪ -‬فمن احلكمة ن�أخذ ح�سن التدبري وجودة الذهن و�صواب الر�أي وح�سن‬
‫الظن‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ال�شجاعة ي�صدر الكرم وال�شهامة والنجدة واالحتمال والثبات‬
‫واحللم وكظم الغيظ والوقار وغريها من الأخالق املحمودة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن العفة ي�صدر احلياء وامل�ساحمة والقناعة والنظافة وامل�ساعدة وقلة‬
‫الطمع وال�صرب وال�سخاء وغري ذلك من حما�سن الأخالق‪.‬‬
‫‪ -‬ومن العدل تكون الرحمة و�إن�صاف املظلومني والعطف واللني وغري‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ودعونا ن�أخذ مقتطفات من بع�ض الأخالق التي علينا �أن نتح َّلى بها‬
‫ونتعامل بها يف معامالتنا اليومية‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الحلم‪:‬‬
‫احللم والأناة والرفق هي من �أجمل الأخالق‪ ،‬ولكنها حتتاج �إىل �ضبط‬
‫جيدا و�إق�صائها عن الغ�ضب‪ ،‬وقدرة عالية على املقاومة واالحتمال‪،‬‬ ‫النف�س ً‬
‫كبريا‬
‫را�سخا من طباعك فقد اكت�سبت �شي ًئا ً‬ ‫ً‬ ‫ف�إذا ا�ستطعت �أن جتعل ذلك طب ًعا‬
‫يقدر مبال‪ ،‬وهو ي�أتي بتدريب النف�س وتروي�ضها �شي ًئا ف�شي ًئا‪�" ،‬إمنا احللم‬ ‫ال َّ‬
‫بالتح ُّلم"‪.‬‬
‫أي�ضا من �أهم �صفات احلكماء‬
‫وهي غري �أنها �صفه الأنبياء والر�سل‪� ،‬إال �أنها � ً‬
‫والعظماء‪.‬‬
‫األناة‪:‬‬
‫هي التمهل والرتفق وعدم التعجل يف الأمور والت�رصف بحكمة‪ ،‬وهي‬
‫تدل على قوة �إرادة �صاحبها على �ضبط نف�سه جتاه االنفعاالت‪ ،‬وتختلف كل‬
‫االختالف عن التباط�ؤ والتواين التي تدل على العجز والك�سل والتهاون وعدم‬
‫وجود الهمة التي ت�شد �إىل �أعلى وحتث �صاحبها على القيام بالواجب‪.‬‬
‫وهذه ال�صفات ت�سمح ل�صاحبها ب�أن يحكم على الأمور باحلكمة واملنطق‬
‫والتمهل �إىل �أن ت�صبح الأمور وا�ضحة ال التبا�س فيها وال غمو�ض‪ ،‬فيكون على‬
‫ب�صرية من �أمره‪ ،‬وبذلك ي�أمن الندم والإخفاق والتعرث واالرتباك‪ ،‬ورمبا العودة‬
‫�إىل حيث بد�أ‪.‬‬
‫غالبا يبني �آراء خمطئة؛ لأنه مبجرد �سماع خرب ما �أو قراءة‬
‫واملت�رسع يف حكمه ً‬
‫ِّ‬
‫�سي�صدر حكمه �أو ر�أيه‪ ،‬ورمبا بعد ذلك يظهر �أن اخلرب كان مكذو ًبا‪� ،‬أو‬ ‫نب�أ ما ُ‬
‫حمرفًا‪� ،‬أو مبالغًا فيه‪� ،‬أو ُمرا ًدا به غري ما فهمه هو‪ ،‬وبذلك فهذا املت�رسع �سرتاه‬
‫َّ‬
‫يغري ر�أيه يف اليوم �آالف املرات؛ لأنه ال يعطي نف�سه الفر�صة الكافية لتكوين‬
‫ر�أي �سليم على �أ�س�س �صحيحة‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وقد قال ر�سول اهلل (�ص) للأ�شج‪�" :‬إن فيك �صفتني يحبهما اهلل‪ ..‬احللم‬
‫والأناة"‪.‬‬
‫الرفق واللين‪:‬‬
‫الرفق هو اللطف ولني اجلانب‪ ،‬وهو �ضد العنف‪ ،‬واللني هو �سهولة‬
‫الأخالق وكرثة االحتمال‪ ،‬وهو �ضد اخل�شونة‪.‬‬
‫ولو �أن املجتمع جميعه حتلى بالرفق واللني ولطف الل�سان ولني الأفعال‬
‫لعمت الألفة والتقارب‪ ،‬ورمبا اختفت‬ ‫والبعد عن الغلظة واخل�شونة َّ‬
‫امل�شاحنات وامل�شكالت بني الأزواج وبني العائلة وبني الأ�صدقاء وبني كل‬
‫النا�س‪ ،‬و�أ�صبحت لغة احلب هي اللغة ال�سائدة يف املجتمع ككل‪.‬‬
‫وعن عائ�شة ‪-‬ر�ضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪ :‬قال ر�سول اهلل (�ص)‪�" :‬إذا �أراد اهلل‬
‫خريا �أدخل عليهم الرفق"‪.‬‬
‫ب�أهل بيت ً‬
‫وقال ر�سول اهلل (�ص)‪" :‬يا عائ�شة‪� ..‬إن اهلل رفيق يحب الرفق‪ ،‬يعطي على‬
‫الرفق ما ال يعطي على العنف‪ ,‬وما ال يعطي على ما �سواه"‪.‬‬
‫وقال (�ص)‪" :‬من يحرم الرفق يحرم اخلري"‪.‬‬
‫وهناك مثل �أمريكي يقول‪" :‬بال�شجار لن حت�صل على �شيء‪� ،‬أما بالرفق‬
‫واللني حت�صل على �أكرث مما تتوقع"‪.‬‬
‫يحكى أن‪:‬‬
‫تقابلت الريح وال�شم�س ذات يوم‪ ،‬ال�شم�س قالت للريح‪ :‬نحن �أقوى ما يف‬
‫الطبيعة‪ ،‬ال يوجد �شيء مثلنا يف القوة‪.‬‬
‫أوافقك يا �صديقتي على ما تقولني‪ ،‬لكن ال تن�سي‬
‫ِ‬ ‫الريح قالت يف غرور‪� :‬‬
‫منك‪.‬‬
‫�أنني �أقوى ِ‬

‫‪109‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ت�ضايقت ال�شم�س من كالم الريح‪ ،‬وفكرت قلي ً‬


‫ال ثم قالت‪� :‬أعرف �أنك‬
‫ب�صوتك القوي‪ ،‬لكنني �أ�ضيء الكون‬
‫ِ‬ ‫متلأين الدنيا بوجودكِ‪ ،‬وتخيفني النا�س‬
‫لغطت الثلوج الأر�ض كلها‬‫الدفء يف كل مكان‪ ،‬ولوالي ّ‬
‫َ‬ ‫أبعث‬
‫بنوري‪ ،‬و� ُ‬
‫ومات الزرع وجميع احليوانات والنا�س‪.‬‬
‫�ضحكت الريح من كالم ال�شم�س وقالت‪ :‬ال حت�سبينني �ضعيفة عندما‬
‫ن�سيما رقيقًا‪� ،‬أما عندما �أثور‬
‫ً‬ ‫جتدينني هادئة �ساكنة‪ ،‬ف�أنا عندما �أهد�أ �أكون‬
‫ريحا قوية بل عا�صفة هوجاء تقتلع كل ما يقف �أمامها‪.‬‬ ‫�شديدا �أو ً‬
‫ً‬ ‫أ�صبح هوا ًء‬
‫� ُ‬
‫يف ذلك الوقت كان هناك رجل ي�سري يف الطريق ويلب�س عباءة �صوفية‬
‫تتحداها‪ :‬من ت�ستطيع �أن‬
‫ّ‬ ‫ثقيلة‪ ،‬نظرت الريح �إىل ال�شم�س وقالت لها وهي‬
‫تنزع عباءة هذا الرجل �أ�رسع من الأخرى تكون هي الأقوى‪.‬‬
‫أنت‪.‬‬
‫قالت ال�شم�س للريح‪ :‬ابدئي � ِ‬
‫بدأت الريح التجربة األولى‪:‬‬
‫ب�شدة‪ ،‬و�أخذت تع�صف بكل قوتها‪ ،‬هاجمت الريح الرجل‬ ‫هبت الريح ّ‬ ‫ّ‬
‫بعنف ودارت حوله تريد �أن تخلع عنه عباءته‪ ،‬ولكن دون فائدة‪ ،‬وكلما‬
‫ا�شتدت الريح �أم�سك الرجل العباءة بحر�ص ولفَّها حول ج�سده‪ ،‬وكلما زادت‬
‫أخريا‬
‫و�ضمها حول ج�سده �أكرث و�أكرث‪ً � ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الريح من قوتها �أم�سك الرجل بالعباءة‬
‫قالت الريح يائ�سة‪� :‬س�أتوقف عن املحاولة‪� ،‬أنا ال �أ�ستطيع �أن �أنزع عباءة هذا‬
‫الرجل‪ ،‬فابدئي يا �صديقتي ال�شم�س‪ ،‬و�أريني ماذا �ستفعلني؟‬
‫بدأت الشمس المحاولة‪:‬‬
‫�أخذت تر�سل �أ�شعتها الدافئة �شي ًئا ف�شي ًئا‪ ،‬و�رسعان ما �أح�س الرجل باحلرارة‪،‬‬
‫ففك العباءة‪ ،‬ثم �أ�رشقت ال�شم�س بنورها وزادت من حرارتها‪ ،‬حينها �شعر‬

‫‪110‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الرجل باحلر ال�شديد‪ ،‬فخلع عباءته و�سار يف الطريق دون عباءة‪.‬‬


‫عرفت الآن من فينا الأقوى يا �صديقتي؟‬
‫ِ‬ ‫قالت ال�شم�س للريح‪ :‬هل‬
‫العربة من الق�صة‪�" :‬إننا ن�ستطيع �أن ننال باللني والرفق ما ال نقدر �أن نحققه‬
‫بالعنف والقوة"‪.‬‬
‫الرحمة‪:‬‬
‫ال كل من حوله بالعطف‬ ‫هي خلق جميل يجعل الإن�سان حنونًا داف ًئا �شام ً‬
‫والرقة‪ ,‬الرحمة لل�شيوخ وكبار ال�سن‪ ,‬للن�ساء والأطفال‪ ,‬للمر�ضى وال�ضعفاء‪,‬‬
‫للأيتام وامل�ساكني‪ ,‬وللم�سلم وغري امل�سلم‪ ,‬الرحمة والعطف على اجلميع �أ ًّيا‬
‫كان جن�سه �أو دينه �أو �أ�صله هي �شعور رائع وخلق نبيل‪.‬‬
‫وعن �أبي هريرة ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬عن النبي (�ص) �أنه قال‪�" :‬إمنا �أنا رحمة‬
‫مهداة"‪.‬‬
‫ومبا �أن ر�سول اهلل (�ص) هو قدوتنا‪� ،‬إذن ال بد �أن نكون جمي ًعا رحمة‬
‫مهداة للخلق �أجمعني‪.‬‬
‫ليت الرحمة تكون هي �أ�سلوب التعامل ال�سائد يف احلياة بني الزوج‬
‫وزوجته‪ ,‬الآباء والأبناء‪ ,‬املعلمني والطالب‪ ,‬احلكمام وال�شعوب‪ ،‬حتى يف‬
‫التعامل مع احليوان والأ�شجار والزهور وكل �شيء يف احلياة نتعامل معه يحتاج‬
‫�إىل الرحمة والعطف لكي يعي�ش اجلميع حياة �أف�ضل‪.‬‬
‫الصدق‪:‬‬
‫ال�صدق هو الدليل الأول على مروءة ال�شخ�ص و�شهامته‪ ,‬والإن�سان ال�صادق‬
‫يف نيته وقوله وفعله هو �إن�سان �صادق يف م�شاعره ويف �إخال�صه‪ ,‬يحبه النا�س‬

‫‪111‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ويثقون به وي�شعرون باالطمئنان �إليه والأن�س به‪ ،‬على عك�س الكاذب الذي‬
‫يحذره الآخرون ويتجنبون احلديث معه بل والتعامل معه‪.‬‬
‫وقيل عن الصدق‪:‬‬
‫"�أف�ضل و�أق�رصطريق يكفل لك �أن تعي�ش يف هذه الدنيا موفور الكرامة‪,‬‬
‫هو �أن يكون ما تبطنه يف نف�سك كالذي يظهر منك للنا�س"‪.‬‬
‫�أر�سطو‬
‫"ال يكذب من يثق بنف�سه‪ ,‬وال يخون من يعتز ب�رشفه"‪.‬‬
‫م�صطفى ال�سباعي‬
‫وقيل في الكذب‪:‬‬
‫علي‪� ,‬إمنا يزعجني �أنه ال ميكن ت�صديقك‬
‫"ما يزعجني لي�س �أنك كذبت َّ‬
‫بعد الآن"‪.‬‬
‫فريدريك نيت�شه‬
‫"ال�شيء الوحيد الذي يو�صل �إليه الكذب هو فقدان امل�صداقية حني تكون‬
‫�صادقًا"‪.‬‬
‫�أر�سطو‬
‫"حينما نكذب ف�إننا نكذب على �أنف�سنا"‪.‬‬
‫اإلخالص‪:‬‬
‫هو �أن يكون عملك يف الظاهر هو نف�س عملك يف الباطن‪ ،‬وال�صدق يف‬
‫خريا من عملك يف الظاهر‪,‬‬‫الإخال�ص �أن يكون عملك الباطن �أعمق و�أكرث ً‬
‫�أن تعمل عملك ال تبتغي به �شي ًئا �سوى ر�ضى اهلل عليك‪ ،‬وتقدمي اخلدمة والنفع‬

‫‪112‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫انتظارا ل�شكر النا�س �أو تقربهم منك‪.‬‬


‫ً‬ ‫للنا�س واملجتمع �أكمل‪ ،‬ولي�س‬
‫وليت املجتمع يخلو من ه�ؤالء الذين يجيدون الرياء والنفاق والتملق‬
‫حبا يف الثناء واملديح‪ ,‬فاهلل وحده‬
‫وطلبا للمنا�صب وال�شهرة‪� ،‬أو ًّ‬
‫ً‬ ‫�إر�ضاء للنا�س‬
‫�سبحانه هو الذي ينفع وي�رض‪ ،‬ويعز ويذل‪ ،‬ويعطي ومينع‪ ...‬ولي�س النا�س‪.‬‬
‫ونهارا دون‬
‫ً‬ ‫ليت اجلميع يكرث من �أعمال اخلري و�إتقان عمله واالجتهاد لي ً‬
‫ال‬
‫اكرتاث لذم �أو مدح �أحد لكي يكون املجتمع �أف�ضل و�أرقى‪.‬‬
‫غريبا يف‬
‫طلبا ً‬‫يحكى �أنه حدثت جماعة بقرية فطلب الوايل من �أهل القرية ً‬
‫كبريا‬
‫درا ً‬ ‫حماولة منه ملواجهة خطر القحط واجلوع‪ ،‬و�أخربهم ب�أنه �سي�ضع ِق ً‬
‫القدر كو ًبا من اللنب‪،‬‬
‫يف و�سط القرية‪ ،‬و�أن على كل رجل وامر�أة �أن ي�ضع يف ِ‬
‫ب�رشط �أن ي�ضع كل واحد الكوب وحده من غري �أن ي�شاهده �أحد‪..‬‬
‫هرع النا�س لتلبية طلب الوايل‪ ..‬كل منهم تخفى بالليل و�سكب ما يف‬
‫الكوب الذي يخ�صه‪ ،‬ويف ال�صباح فتح الوايل القدر‪ ،‬فماذا �شاهد؟‬
‫القدر قد امتلأ باملاء! �أين اللنب؟! وملاذا و�ضع كل واحد من الرعية املاء بد ًال‬
‫من اللنب؟‬
‫كل واحد من الرعية قال يف نف�سه‪�" :‬إن و�ضعي لكوب واحد من املاء لن‬
‫ي�ؤثر على كمية اللنب الكبرية التي �سي�ضعها �أهل القرية!"‬
‫وكل منهم اعتمد على غريه‪ ،‬وكل منهم فكر بالطريقة نف�سها التي فكر بها‬
‫�أخوه‪ ،‬وظن �أنه هو الوحيد الذي �سكب ماء بد ًال من اللنب!‬
‫والنتيجة التي حدثت �أن اجلوع عم هذه القرية ومات الكثريون منهم ومل‬
‫يجدوا مايعينهم وقت الأزمات‪..‬‬

‫‪113‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫هل ت�صدق �أنك متلأ الأكواب باملاء يف �أ�شد الأوقات التي نحتاج منك �أن‬
‫متلأها باللنب؟‬
‫عندما ال تتقن عملك بحجة �أنه لن يظهر و�سط الأعمال الكثرية التي‬
‫�سيقوم بها غريك من النا�س ف�أنت متلأ الأكواب باملاء‪.‬‬
‫عندما ال تخل�ص نيتك يف عمل تعمله ظ ًّنا منك �أن كل الآخرين قد �أخل�صوا‬
‫نيتهم‪ ،‬و�أن ذلك لن ي�ؤثر‪ ،‬ف�أنت متلأ الأكواب باملاء‪.‬‬
‫عندما حترم فقراء امل�سلمني من مالك ظ ًّنا منك �أن غريك �سيتكفل بهم ف�أنت‬
‫متلأ الأكواب باملاء‪.‬‬
‫عندما تتقاع�س عن الدعاء للم�سلمني بالن�رصة والرحمة و املغفرة ف�أنت متلأ‬
‫الأكواب باملاء‪.‬‬
‫عندما ترتك ذكر اهلل واال�ستغفار وقيام الليل ف�أنت متلأ الأكواب باملاء‪.‬‬
‫عندما ت�ضيع وقتك وال ت�ستفيد منه بالدرا�سة والتعلم والدعوة �إىل اهلل تعاىل‬
‫ف�أنت متلأ الأكواب باملاء‪.‬‬
‫فابد�أ بنف�سك وحاول �أن متلأ الأكواب لب ًنا بد ًال من املاء‪..‬‬
‫الحياء‪:‬‬
‫قر�أت الكثري من الكتب الغربية والروايات الأجنبية فلم �أجد لهذه‬
‫الكلمة اجلميلة مكا ًنا‪ ,‬هذا الثوب الذي ُيك�سب �صاحبه جما ً‬
‫ال �آخر‪ ،‬وهو‬
‫ورقة ال�سوليفان الرقيقة التي تغلف �أجمل باقة ورد‪ ,‬ليت هذه الكلمة تعود‬
‫لتحتل مكا ًنا �أكرب يف جمتمعاتنا؛ لأنه �إذا ذهب احلياء حل البالء‪ ،‬فاحلياء �سبب‬
‫يف زيادة اخلري‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫اإليثار‪:‬‬
‫وهو �أن ت�ؤثر اخلري لأخيك على نف�سك‪ ,‬وهو �شيء رائع �أن تغلب م�صلحة‬
‫الآخرين على م�صلحتك ال�شخ�صية‪.‬‬
‫أخريا‪ ..‬يقول الأ�ستاذ الكبري عبا�س العقاد‪" :‬كن �رشيفًا �أمي ًنا‪ ،‬ال لأن النا�س‬
‫و� ً‬
‫ي�ستحقون ال�رشف والأمانة‪ ،‬ولكن لأنك �أنت ال ت�ستحق ال�ضعة واخليانة"‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ً‬
‫بشوشا‬ ‫كن وج ًها‬
‫"‪"Be a smile face‬‬

‫يقول �إيليا �أبوما�ضي‪:‬‬

‫التجهم يف ال�سما‬
‫ُّ‬ ‫قلت ابت�سم‪ ..‬يكفي‬ ‫قال ال�سماء كئيبة وجتهما‬
‫املت�رصما‬
‫ِّ‬ ‫لن يرجع الأ�سف ال�صبا‬ ‫قال ال�صبا ولىَّ ‪ ..‬فقلت له ابت�سم‬
‫قال ‪ :‬التي كانت �سمائي يف الهوى �صارت لنف�سي يف الغرام جهنما‬
‫أتب�سما‬
‫قلبي فكيف �أطيق �أن � َّ‬ ‫خانت عهودي بعد ما م َّلك ُتها‬
‫ق�ضيت عمرك كله مت�ألمِّ ا‬
‫َّ‬ ‫قلت ابت�سم واطرب‪ ..‬فلو قارنتها‬
‫مثل امل�سافر كاد يقتله الظما‬ ‫هائل‬
‫�رصاع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫قال التجارة يف‬
‫وتنفث كلما لهثت ِدما‬ ‫�أو غادة م�سلولة حمتاجة لدم‬
‫ابت�سمت فرمبا‬
‫َ‬ ‫و�شفائها‪ ,‬ف�إذا‬ ‫قلت ‪ :‬ابت�سم ما �أنت جالب دائها‬

‫‪117‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�رصت �أنت املجرما؟‬


‫َ‬ ‫جل ك�أنك‬
‫َو ٍ‬ ‫�أيكون غريك جمر ًما وتبيت يف‬
‫احلما؟‬ ‫�أ�أُ ُّ‬
‫�رس والأعداء حويل يف ِ‬ ‫العدا حويل علت �صيحاتهم‬
‫قال ِ‬
‫والدمى‬
‫وتعر�ضت يل يف املالب�س ُّ‬
‫َّ‬ ‫قال املوا�سم قد بدت �أعال ُمها‬
‫لكن كفِّي لي�س متلك ِدرهما‬ ‫فر�ض الز ٌم‬
‫وعلي للأحباب ٌ‬
‫َّ‬
‫حيا‪ ..‬ول�ست من الأحبة معدما‬
‫ًّ‬ ‫قلت ابت�سم‪ ..‬يكفيك �أنك مل تزل‬
‫قلت ابت�سم‪ ..‬ولئن جرعت العلقما‬ ‫قال الليايل جرعتني علقما‬
‫جانبا وترنمَّ ا‬
‫طرح الك�آبة ً‬ ‫فلعل غريك �إن ر�آك ُمرنمِّ ا‬
‫�أم �أنت تخ�رس بالب�شا�شة مغنما؟‬ ‫�أتُراك تغنم بالتربم درهما‬
‫تتثلما‪ ,‬والوجه �أن يتحطما‬ ‫خطر على �شفتيك �أن‬
‫ٌ‬ ‫�صاح‪ ..‬ال‬
‫يا ِ‬
‫فا�ضحك ف�إن ال�شهب ت�ضحك والدجى متالطم‪ ,‬ولذا نحب الأجنما‬
‫ي�أتي �إىل الدنيا ويذهب مرغما‬ ‫قال الب�شا�شة لي�س ت�سعد كائ ًنا‬
‫تتب�سما‬
‫بعد لن َّ‬
‫�شرب‪ ,‬ف�إنك ُ‬
‫ٌ‬ ‫قلت ابت�سم ما دام بينك والردى‬

‫الب�شا�شة هي تهلل �أ�سارير الوجه‪ ,‬والنا�س عادة ما حتب ال�شخ�ص الب�شو�ش‪،‬‬


‫وتبتعد عن �أ�صحاب الوجوة العاب�سة‪.‬‬
‫دائما هو وجه مقبل على احلياة متفائل لها‪ ،‬حمب للنا�س‬
‫والوجة الب�شو�ش ً‬
‫يتمتع بروح عالية و�إيجابية مهما كانت الظروف التي مير بها‪ ,‬فالر�سول (�ص)‬
‫بالرغم من ثقل املهمة التي �أر�سله اهلل عز وجل من �أجلها‪ ،‬وهم الدعوة‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫أب�ش‬
‫و�إعرا�ض املكذبني‪ ،‬و�إيذاء امل�رشكني‪� ،‬إال �أنه (�صلى اهلل عليه و�سلم) كان � َّ‬
‫تب�سما و�إ�رشاقًا‪..‬‬
‫ً‬ ‫النا�س وج ًها‪ ،‬و�أكرث‬
‫ِ‬
‫فلتكن لغة االبت�سامة هي اللغة التي تخاطب بها جميع النا�س‪ ،‬الفقراء‬
‫والأغنياء والب�سطاء والعظماء‪ ،‬والأ�صدقاء وغري الأ�صدقاء‪ ،‬ف�ستجد حياتك‬
‫خمتلفة ميلأها حب النا�س ورغبتهم يف الأن�س بك والقرب منك‪ ،‬و�ستفتح‬
‫لك الأبواب املغلقة‪ ،‬يقول وليام �شك�سبري‪�" :‬شق طريقك بابت�سامتك خري من‬
‫ت�شقه ب�سيفك"‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬احر�ص على �أن يكون الوجه الذي تراه يف املر�آه كل �صباح م�رشقًا‪،‬‬
‫فقد ال تراه بقية اليوم‪ ،‬ولكن الآخرين �سوف يرونه"‪.‬‬
‫الزخم�رشي‪" :‬ابت�سامتك لقبيح �أدل على مروءتك من �إعجابك باجلميل"‪.‬‬
‫ويقول جورج �إليوت‪�" :‬إذا ابت�سمت �أتاك الأ�صدقاء و�إذا عب�ست �أتتك‬
‫التجاعيد"‪.‬‬
‫إبهارا من‬
‫حقًّا‪ ..‬لي�س �أ�سو�أ من الوجوه العاب�سة‪ ،‬ولي�س �أجمل وال �أكرث � ً‬
‫الوجوه امل�رشقة املبت�سمة‪..‬‬
‫و�أنا ‪-‬عن نف�سي‪ -‬لو خريوين بني امتالك املاليني وحويل �أ�شخا�ص‬
‫عاب�سني‪� ،‬أو عدم امتالك �شيء وحويل �أ�شخا�ص متفائلني وم�رشقني‪ ،‬الخرتت‬
‫االختيار الثاين‪.‬‬
‫أخريا‪ ..‬ملاذا عليك �أن تبت�سم‪:‬‬
‫و� ً‬
‫لأن ربك موجود ورزقك مكتوب وعملك حمدود‪.‬‬
‫لأن االبت�سامة هي عنوان ال�شعور وال�شعور هو عنوان الإن�سانية‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫لأن ابت�سامتك قد تكون �رس �سعادة غريك‪.‬‬


‫منحن ي�ستقيم به كل �شيء‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫لأن االبت�سامة هي خط‬
‫لأن االبت�سامة حتمل �إىل الآخرين الكثري من الر�سائل‪ ،‬منها‪ :‬حبك للآخرين‪,‬‬
‫�أنك �إن�سان مقبل على احلياة مهما كانت الظروف حولك‪� ,‬أن لديك اال�ستعداد‬
‫أخريا‪� ..‬أنك �إن�سان تت�سم بالطيبة والعفوية ورقة‬
‫للت�سامح حتى مع �أعدائك‪ ،‬و� ً‬
‫امل�شاعر‪.‬‬
‫لأنك عندما تبت�سم و�أنت يف قمة احلزن‪ ،‬وت�ضحك ب�صوت مرتفع و�أنت‬
‫تريد �أن جته�ش بالبكاء‪ ،‬فهذا �أكرب دليل على رقيك و�إن�سانيتك‪ ،‬و�أنك قد‬
‫�سببا يف عبو�س الآخرين‪.‬‬
‫تتحمل الأمل ولكن ال تر�ضى �أن تكون ً‬
‫‪Lough, and the world loughs with you; weep, and‬‬
‫‪you weep alone.‬‬
‫ابك تبكي وحدك‪..‬‬
‫ا�ضحك ي�ضحك معك العامل‪ ،‬ولكن ِ‬
‫يُحكى أن‪:‬‬
‫كانت هذه الفتاة ال�صغرية التي ال يتجاوز عمرها ال�ست �سنوات بائعة‬
‫املناديل الورقية ت�سري حاملة ب�ضاعتها على ذراعها ال�صغري‪ ..‬فمرت على �سيدة‬
‫تبكي‪ ،‬توقفت �أمامها حلظة تت�أملها‪ ،‬فرفعت ال�سيدة ب�رصها للفتاة والدموع‬
‫تغرق وجهها‪ ،‬فما كان من هذه الطفلة �إال �أن �أعطت لل�سيدة مناديل من‬
‫ب�ضاعتها‪ ،‬ور�سمت على �شفتيها ابت�سامة من �أعماق قلبها املفعم بالرباءة‬
‫وان�رصفت عنها حتى قبل �أن تتمكن ال�سيدة من �إعطائها ثمن علبة املناديل‪،‬‬
‫وبعد خطوات ا�ستدارت ال�صغرية ملوحة لل�سيدة بيدها ال�صغرية وما زالت‬
‫ابت�سامتها الرائعة تتجلى على حمياها‪ ..‬عادت ال�سيدة الباكية �إىل �إطراقها‪ ،‬ثم‬

‫‪120‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫علي)‪..‬‬
‫�أخرجت هاتفها اجلوال‪ ،‬و�أر�سلت ر�سالة‪�( ..‬آ�سفة‪ ..‬حقك َّ‬
‫و�صلت هذه الر�سالة �إىل زوجها اجلال�س يف املطعم مهمو ًما حزي ًنا‪ ..‬فلما‬
‫قر�أها ابت�سم‪ ،‬وما كان منه �إال �أن �أعطى (اجلر�سون) ‪ 50‬جني ًها‪ ،‬مع �أن ح�ساب‬
‫فاتورته ‪ 5‬جنيهات فقط‪..‬‬
‫عندها فرح هذا العامل الب�سيط بهذا الرزق الذي مل يكن ينتظره‪ ،‬فخرج‬
‫من املطعم وذهب �إىل �سيدة فقرية تفرت�ش نا�صية ال�شارع تبيع احللوى‪ ،‬فا�شرتى‬
‫مبت�سما‪..‬‬
‫ً‬ ‫�سعيدا‬
‫ً‬ ‫منها بجنيه‪ ،‬وترك لها ‪ 20‬جني ًها‪ ،‬وان�رصف عنها‬
‫جتمدت نظرات العجوز على اجلنيهات‪ ،‬فقامت بوجه م�رشق وقلب‬
‫فرحا‪ ،‬ومللمت فر�شتها وب�ضاعتها املتوا�ضعة‪ ،‬وذهبت للجزار ت�شرتي‬ ‫يرق�ص ً‬
‫�شهيا وتنتظر عودة‬
‫منه قط ًعا من اللحم‪ ،‬ورجعت �إىل بيتها لكي تطبخ طعا ًما ًّ‬
‫حفيدتها وكل ما لها من الدنيا‪ ،‬جهزت الطعام وعلى وجهها نف�س االبت�سامة‬
‫التي كانت ال�سبب يف �أنها �ستتناول اللحم‪..‬‬
‫حلظات وانفتح الباب‪ ،‬ودخلت البيت ال�صغرية بائعة املناديل متهللة‬
‫الوجه‪ ،‬وابت�سامة رائعة تنري وجهها اجلميل الطفويل الربيء‪..‬‬

‫‪121‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫أسعد تسعد‬
‫ِ‬
‫(العطاء دون مقابل)‬
‫"‪"Endless giving‬‬

‫هل ت�شكر ال�شم�س كل يوم على �أنها م�صدر الدفء لك؟‬


‫هل ت�شكر القمر كل يوم على �أنه ينري طريقك؟‬
‫نورا وتزين لك ال�سماء؟‬
‫هل ت�شكر النجوم التي تبث لك ً‬
‫�شكرا‪ ،‬فلماذا ال نكون مثلهم ونظل نعطي‬
‫ه�ؤالء يعطوننا وال ينتظرون منا ً‬
‫ونعطي دون انتظار لكلمة �شكر �أو مدح؟‬
‫�إذا فعلنا ذلك �أرحنا �أنف�سنا و�أ�سعدناها هي ذاتها قبل �أن ن�سعد الآخرين‪.‬‬
‫�سببا من �أ�سباب ال�سعادة هو �إ�سعاد الآخرين و�إدخال ال�رسور على‬
‫�إن ً‬
‫قلوبهم‪ ،‬والأ�شخا�ص الذين يعطون دون انتظار مقابل هم �أكرث الأ�شخا�ص‬
‫مت ُّت ًعا بالر�ضا والراحة؛ لأنهم يجدون يف �إ�سعاد الآخرين متعة ال تو�صف‬
‫و�شعورا بالراحة ال يعادله �شعور‪.‬‬
‫ً‬

‫‪123‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فهناك نوع من النا�س يعطون وينتظرون‪ ،‬وك�أنهم يلعبون ال�شطرجن‪ ,‬لقد‬


‫حان دورك �أنت يف اللعب‪� ،‬أنا لعبت‪� ،‬أو �أنا �أعطيت‪ ،‬ماذا �ستعطيني؟ ويظل‬
‫منتظرا دون لعب �أو عطاء‪ ،‬حتى يفعل الطرف الآخر مثله! هذا الأ�سلوب يف‬ ‫ً‬
‫الرقي الإن�ساين وال�سمو الروحاين‪ ,‬فنحن ُخ ِلقنا للعطاء ولي�س‬
‫العطاء يخلو من ُّ‬
‫اللتهام كل ما يقدم لنا‪ ,‬وقمة ال�سعادة حينما تبلغ قمة العطاء‪.‬‬
‫هناك �أ�شخا�ص حباهم اهلل �سبحانه وتعاىل بقدرات ال حمدودة على العطاء‪،‬‬
‫ه�ؤالء عليهم �أن يغدقوا على �أ�صحاب القدرات املحدودة‪ ،‬ويف هذه احلالة �سي�شعر‬
‫الطرف الأول بال�سعادة الغامرة‪ ،‬وي�شعر الطرف الآخر باالمتنان والتقدير‪،‬‬
‫نوعا من احلب والألفة واالحرتام املتبادل‪.‬‬
‫وبذلك ت�سود العالقات الإن�سانية ً‬
‫يقول اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫وهبات‬
‫وال�سعد ال �شك تارات َّ‬ ‫النا�س بالنا�س ما دام احلياة بهم‬
‫تُق�ضى على يده للنا�س حاجات‬ ‫و�أف�ضل النا�س ما بني الورى رجل‬
‫مقتدرا فال�سعد تارات‬
‫ً‬ ‫ما دمت‬ ‫ال متنعن يد املعروف من �أحد‬
‫جعلت �إليك ال لك عند النا�س حاجات‬ ‫ ‬
‫وا�شكر ف�ضائل �صنع اهلل �إذ‬
‫قادرا على العطاء‪ ,‬فم�س�ؤلية العطاء تقع على من لديه قدرة‬
‫فلتعط ما دمت ً‬ ‫ِ‬
‫�شكرا من �أحد‪ ،‬فاهلل �سبحانه وتعاىل يرزق الكافر‬
‫ً‬ ‫�أكرب وطاقة �أكرث‪ ,‬وال تنتظر‬
‫جمو�سيا‬
‫ًّ‬ ‫على الرغم من كفره وعدم اعرتافه بوجود احلق �سبحانه‪ ،‬وقد ُروي �أن‬
‫مر على �إبراهيم اخلليل ‪-‬عليه ال�سالم‪ -‬وطلب منه �أن ي�ضيفه‪ ،‬فقال �إبراهيم �إن‬
‫أ�سلمت �أ�ضف ُتك‪ ،‬فذهب املجو�سي‪ ،‬فقال اهلل عز وجل لإبراهيم‪ :‬يا �إبراهيم‪..‬‬
‫َ‬ ‫�‬
‫مل تطعمه �إال بتغري دينه‪ ،‬ونحن من �سبعني �سنة نطعمه على كفره‪ ،‬فلو �أ�ضفته‬
‫ليلة ماذا كان عليك؟‬

‫‪124‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فمر �إبراهيم ي�سعى خلف املجو�سي‪ ،‬فر َّده و�أ�ضافه‪ ،‬فقال له املجو�س‪:‬‬
‫علي‬
‫اعر�ض َّ‬
‫ما ال�سبب فيما بدا لك؟ فذكر له‪ ..‬فقال‪� :‬أهكذا يعاملني‪ِ ..‬‬
‫الإ�سالم‪ ..‬ف�أ�سلم‪.‬‬
‫فلتعمل الخير لوجه اهلل‪..‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫(�إِنمَّ َا ُن ْط ِع ُم ُك ْم ِل َو ْج ِه اللهَِّ لاَ ُن ِر ُيد ِم ْن ُك ْم َج َزا ًء َولاَ ُ�ش ُك ً‬


‫ورا)‬
‫�صدق اهلل العظيم‬
‫ف�أول امل�ستفيدين من �إ�سعاد الآخرين هو �أنت‪ ،‬ملا جتنيه من ثمرة االن�رشاح‬
‫واالنب�ساط‪ ،‬بل �إنه �إذا �أهمك هم‪� ،‬أو �أ�صابتك �ضائقة‪ ،‬فلت�رسع ب�إ�سداء معروف‬
‫لأحد‪� ،‬أو �إطعام جائع‪� ،‬أو ن�رصة مظلوم‪� ،‬أو تفريج كرب‪ ،‬و�ستجد ال�سعادة‬
‫تغمر قلبك والهم ينجلي منه ب�إذن اهلل‪.‬‬
‫فهناك �أ�شخا�ص �أكرث ما ي�رسهم هو �أن ي�س�ألهم �شخ�ص ما �شي ًئا ما‪ ،‬يقول‬
‫زهري بن �أبي �سلمى ميدح حذيف بن بدر‪:‬‬
‫ك�أنك تعطيه الذي �أنت �سائله‬ ‫تراه �إذا ما جئته متهل ً‬
‫ ‬
‫ال‬
‫وه�ؤالء الأ�شخا�ص على قدر عطائهم على قدرما ت�صغر يف �أعينهم‬
‫عطاياهم‪ ،‬وي�شعرون ب�أنهم مل يعطوا �شي ًئا‪� ،‬أو �أن ما زال لديهم الكثري ليعطوه‪،‬‬
‫بعك�س �أقرانهم الذين يعطون على م�ض�ض‪ ،‬فيبيتون ليلهم وهم ي�ؤنبون �أنف�سهم‬
‫وتكرارا‪ ،‬ورمبا عاهدوا �أنف�سهم على �أال يفعلوا ذلك مرة �أخرى‪..‬‬ ‫ً‬ ‫مرارا‬
‫ً‬
‫مهما‬
‫مهتم بالقراءة كتا ًبا ًّ‬
‫�شخ�صا ما غري ٍّ‬
‫ً‬ ‫(�أ�شعر بهذا ال�شعور فقط عندما �أعري‬
‫لدي)‪ ..‬ولكنهم للأ�سف مل يجربوا متعة العطاء بال مقابل وحب العطاء‪ ،‬فهو‬ ‫َّ‬
‫حقًّا �سعادة ال تو�صف‪..‬‬

‫‪125‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ويحكى �أن غاندي كان يجري ب�رسعة للحاق بالقطار‪ ..‬وقد بد�أ القطار‬
‫بال�سري‪ ،‬وعند �صعوده للقطار �سقطت �إحدى فردتي احلذاء‪ ..‬فما كان منه �إال‬
‫�أن خلع الفردة الثانية‪ ،‬وب�رسعة رماها بجوار الفردة الأوىل على �سكة القطار‪،‬‬
‫فتعجب �أ�صدقا�ؤه و�س�ألوه‪ :‬ماحملك على ما فعلت؟ ملاذا رميت فردة احلذاء‬
‫الأخرى؟ فقال غاندي احلكيم‪� :‬أحببت للفقريالذى يجد احلذاء �أن يجد‬
‫فردتني‪ ،‬في�ستطيع االنتفاع بهما‪ ،‬فلو وجد فردة واحدة لن ي�ستفيد هو ولن‬
‫أي�ضا‪ ..‬هذا هو حب الآخرين والرغبة يف �إ�سعاد كل النا�س‪..‬‬
‫�أ�ستفيد �أنا � ً‬
‫حقًّا‪ ..‬ما فائدة الإن�سان �إن مل ي�ستطع �إ�سعاد الآخرين؟! واهلل �إين لأمتنى‬
‫�أن يكون معي املال الذي يكفي لأ�شرتي لكل �شخ�ص يف العامل الهدية التي‬
‫يتمناها‪ ,‬ورمبا يكون يف ذلك �أنانية مني؛ لأين وقتها �س�أكون �أكرث �شخ�ص يف‬
‫العامل �سعادة‪..‬‬
‫تن�س �أن تدير وجهك عن الذي �أمامك‬
‫"�أنت رحيم �إذا �أعطيت‪ ،‬ولكن ال َ‬
‫حتى ال ترى حياءه عاريًا �أمام عينيك"‪..‬‬
‫جربان خليل جربان‬

‫‪126‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫اهتم باآلخرين‬
‫"‪"Care for others‬‬

‫ال جتعل ان�شغالك بجمع املال �أو حتقيق �أهدافك �أو �صناعة ذاتك ين�سيك‬
‫حب النا�س واالهتمام بهم‪ ،‬فمالك وم�صاحلك لن تقول "�ألف �سالمة"؛ �إذا‬
‫ال قدر اهلل �أ�صبت بنوبة برد وجل�ست يف فرا�شك يومني‪ ،‬ولن يقوال لك "كل‬
‫عام و�أنت بخري"‪ ،‬عندما متر بك منا�سبة �سعيدة‪ ،‬ف�إن �أردت �أن حتظى باهتمام‬
‫النا�س‪ ,‬فابد�أ باالهتمام بهم‪ ،‬ومراعاة م�شاعرهم‪ ،‬وتقدمي العون لهم متى‬
‫�أرادوا‪ ,‬وا�شعر ب�آالمهم وافرح ل�سعادتهم‪ ,‬فما ي�سمونه بالذكاء العاطفي هو‬
‫القدرة العالية على الإح�سا�س بالآخرين‪ ،‬و�أن ت�ضع نف�سك مكانهم قبل �أن‬
‫حتكم عليهم‪ ،‬وقبل �أن تتعامل معهم‪.‬‬
‫وال�شخ�ص الذي ي�شعر بالآخرين هو �شخ�ص رائع مبعنى الكلمة‪ ،‬ذلك‬
‫�شخ�صيا‪ ,‬ورمبا ال‬
‫ًّ‬ ‫ال�شخ�ص الذي يبكي �إذا ت أ�لمَّ غريه‪ ،‬وقد ال يبكي �إذا ت أ�لمَّ هو‬
‫ي�ستطيع �أن ي�ضحك �إذا كان الآخر حزي ًنا حتى يذهب حزنه‪ ،‬هذا ال�شخ�ص‬
‫الذي ميثله ت�شي جيفارا يف قوله‪�" :‬إنني �أح�س على وجهي ب�أمل كل �صعفة‬
‫توجه �إىل مظلوم يف هذه الدنيا"‪ ..‬يا لروعة الإح�سا�س العايل ورقَّة القلب‬ ‫َّ‬
‫ونقاء العاطفة‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فقد يكون االهتمام بالآخر هو النقطة التي حتول حياته من ال�رش �إىل اخلري‬
‫حتو ًال جذر ًّيا‪ ,‬ف�أنا �أرى �أن معظم املجرمني واخلارجني على القانون لو كانوا‬
‫وجدوا اهتما ًما من �شخ�ص ما‪ ،‬وعوملوا بالإن�سانية الكافية‪ ,‬ما �أقدموا على‬
‫هذه الأفعال‪ ,‬فاحلب واالهتمام قد يغري �سلوك �إن�سان من �أق�صى درجات‬
‫الق�سوة والعنف �إىل �أق�صى درجات اللني والرقة‪ ،‬ومن حالة الالحب �إىل احلب‬
‫والعطف‪ ,‬من الإهمال والالمباالة �إىل العمل واالجتهاد‪ ،‬و يف هذه الق�صة‬
‫دليل على ذلك‪:‬‬
‫وقفت املعلمة �أمام ال�صف اخلام�س يف �أول يوم تُ�ست�أنف فيه الدرا�سة‪,‬‬
‫و�ألقت على م�سامع التالميذ جملة لطيفة جتاملهم بها‪ ,‬نظرت لتالميذها‬
‫ً‬
‫تلميذا‬ ‫وقالت لهم‪� :‬إنني �أحبكم جمي ًعا‪ ..‬ولكنها كانت ت�ستثني يف نف�سها‬
‫يجل�س يف ال�صف الأول يدعى تامر �إبراهيم‪ ..‬لقد راقبت ال�سيدة فريدة الطفل‬
‫تامر خالل العام ال�سابق‪ ،‬والحظت �إنه ال يلعب مع بقية الأطفال‪ ,‬و�أن مالب�سه‬
‫�شخ�صا غري‬
‫ً‬ ‫دائما يحتاج �إىل حمام‪ ,‬بالإ�ضافة �إىل �أنه يبدو‬
‫دائما مت�سخة‪ ,‬و�أنه ً‬
‫ً‬
‫مبهج‪ ,‬وقد بلغ الأمر �أن ال�سيدة فريدة كانت جتد متعة يف ت�صحيح �أوراقه بقلم‬
‫�أحمر عري�ض اخلط‪ ,‬وت�ضع عليها عالمات (×) بخط عري�ض‪..‬‬
‫ويف هذه املدر�سة‪ ,‬كان ُيطلب منها مراجعة ال�سجالت الدرا�سية ال�سابقة‬
‫لكل تلميذ‪ ,‬وبينما كانت تراجع امللف اخلا�ص بتامر لت�ضع �سجل الدرجات‪،‬‬
‫فوجئت ب�شيء ما‪ ..‬لقد كتب معلم تامر يف ال�صف الأول ما يلي‪" :‬تامر طفل‬
‫ذكي‪ ،‬ويتمتع بروح مرحة‪� ,‬إنه ي�ؤدى عمله بعناية واهتمام‪ ,‬وبطريقة منظمة"‪..‬‬
‫وكتب عنه معلمه يف ال�صف الثاين‪" :‬تامر تلميذ جنيب‪ ,‬وحمبوب لدى زمالئه‬
‫يف ال�صف‪ ,‬ولكنه منزعج وقلق ب�سبب �إ�صابة والدته مبر�ض ع�ضال‪ ,‬مما جعل‬
‫احلياة يف املنزل ت�سودها املعاناة وامل�شقة والتعب"‪ ..‬بينما كتب معلمه يف‬
‫ال�صف الثالث‪" :‬لقد كان لوفاة �أمه وقع �صعب عليه‪ ،‬لقد حاول االجتهاد‪,‬‬
‫مهتما‪ ،‬واحلياة يف‬
‫ًّ‬ ‫وبذل �أق�صى ما ميلك من جهود‪ ,‬ولكن والده مل يكن‬

‫‪128‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫منزله �ست�ؤثر عليه �إن مل تتخذ بع�ض الإجراءات"‪� ..‬أما معلمه يف ال�صف الرابع‬
‫منطو على نف�سه‪ ,‬وال يبدي الكثري من الرغبة يف الدرا�سة‪,‬‬
‫فكتب‪" :‬تامر تلميذ ٍ‬
‫ولي�س لديه الكثري من الأ�صدقاء‪ ,‬ويف بع�ض الأحيان ينام �أثناء الدر�س"‪..‬‬
‫وهنا �أدركت ال�سيدة فريدة امل�شكلة‪ ،‬و�شعرت باخلجل واال�ستحياء من‬
‫نف�سها‪ ,‬وقد ت�أزم موقفها �إىل الأ�سو�أ عندما �أح�رض �إليها تالميذها هدايا عيد‬
‫امليالد ملفوفة يف �أ�رشطة جميلة وورق براق‪ ,‬ما عدا تامر‪ ,‬فقد كانت الهدية‬
‫التي تقدم بها يف ذات اليوم ملفوفة بعدم انتظام‪ ،‬ويف ورق داكن اللون‪ ،‬وقد‬
‫ت�أملت ال�سيدة وهي تفتح الهدية‪ ،‬وانفجر بع�ض التالميذ بال�ضحك عندما‬
‫عقدا م�ؤلفًا من ما�سات مزيفة ناق�صة الأحجار‪ ,‬وقارورة عطر‬ ‫وجدت فيها ً‬
‫لي�س فيها �إال الربع فقط‪ ..‬ولكن �رسعان ما توقف التالميذ عن ال�ضحك‪،‬‬
‫عندما عبرَّ ت ال�سيدة عن �إعجابها ال�شديد بالعقد ثم لب�سته على عنقها‪،‬‬
‫وو�ضعت قطرات من العطر على مع�صمها‪ ,‬ومل يذهب تامر بعد الدرا�سة �إىل‬
‫ال من الوقت ليقابل ال�سيدة فريدة‪ ،‬ويقول لها‪:‬‬ ‫منزله ذلك اليوم‪ ,‬بل انتظر قلي ً‬
‫"�إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي"‪..‬‬
‫وعندما غادر التالميذ انفجرت ال�سيدة فريدة يف البكاء؛ لأن تامر �أح�رض‬
‫لها زجاجة العطر التي كانت والدته ت�ستعملها‪ ,‬ووجد يف معلمته رائحة �أمه‬
‫الراحلة‪ ..‬ومنذ ذلك الوقت بد�أت بتدري�س الأطفال املواد كافة‪ ،‬وقد �أولت‬
‫خا�صا‪ ،‬وحينما بد�أت الرتكيز عليه بد�أ عقله ي�ستعيد ن�شاطه‪,‬‬ ‫ًّ‬ ‫تامر اهتما ًما‬
‫وكلما �شجعته كانت ا�ستجابته �أ�رسع‪ ,‬وبنهاية ال�سنة الدرا�سية �أ�صبح تامر من‬
‫�أكرث تالميذ الف�صل متي ًزا‪ ،‬و�أبرزهم ذكاء‪ ,‬و�أ�صبح �أحد التالميذ املدللني عندها‪.‬‬
‫وبعد م�ضي عام وجدت مذكرة عند بابها من تامر يقول فيها �إنها �أف�ضل‬
‫معلمة قابلها يف حياته‪ ،‬م�ضت �ست �سنوات ثم �أر�سل لها مذكرة يقول فيها‬
‫�إنه �أكمل درا�سته الثانوية‪ ،‬و�إنها ما زالت حتتل موقع �أف�ضل معلمة قابلها طيلة‬

‫‪129‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫حياته‪ ،‬وبعد �أربع �سنوات �أخرى �أر�سل لها خطا ًبا ليقول لها �إنه ح�صل على‬
‫أي�ضا ال تزال �أف�ضل معلمة قابلها‪ ,‬ثم �أر�سل �إليها بعد‬
‫البكالوريو�س‪ ،‬و�إنها � ً‬
‫فرتة خطا ًبا �آخر ليخربها ب�أنه ح�صل على املاجي�ستري ثم الدكتوراه‪ ،‬و�أنه �أحب‬
‫فتاة و�سيتزوجها‪ ,‬و�أخربها ب�أن والده قد تويف قبل عامني‪ ،‬وطلب منها �أن‬
‫ت�أتي لتجل�س مكان والدته يف حفل زواجه‪ ,‬وافقت ال�سيدة فريدة على ذلك‪,‬‬
‫والعجيب يف الأمر �أنها كانت ترتدي العقد نف�سه‪ ،‬وت�ضع ذات العطر الذي‬
‫�أهدها �إياه؛ فاحت�ضنها د‪.‬تامر‪ ،‬وقال لها‪�" :‬أ�شكرك على ثقتك يفَّ‪ ،‬وعلى �أنك‬
‫جعلتيني �أ�شعر ب�أنني مهم"‪.‬‬
‫د‪.‬تامر هذا هو ا�سم اخرتته ليكون �سه ً‬
‫ال‪ ،‬ولكنه يف احلقيقة ا�سمه "تيدي‬
‫�ستودارد"‪ ،‬وهو الطبيب امل�شهور الذي لديه جناح با�سم مركز "�ستودارد"‬
‫لعالج ال�رسطان يف م�ست�شفى ميثودد�ست يف دي�س مونتي�س بالواليات‬
‫املتحدة الأمريكية‪ ،‬ويعد من �أف�ضل مراكز العالج على م�ستوى الواليات‬
‫املتحدة الأمرييكية‪.‬‬
‫‪It is only LOVE that makes world go round.‬‬

‫‪130‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ً‬
‫تعاطفا‬ ‫كن أقل ً‬
‫نقدا وأكثر‬
‫"‪"More kind Less Judge‬‬

‫دائما �إىل الآخر نظرة العطف والتما�س العذر بد ًال من نظرة القا�ضي‬
‫انظر ً‬
‫يقيم ويحكم‪ ،‬ف�إن �أنت �أ�رسفت يف تقييم النا�س فلن جتد وق ًتا لتحبهم‪،‬‬ ‫الذي ِّ‬
‫حاول �أن تربر الت�رصفات التي ال تر�ضيك‪ ،‬وتعزوها للظروف �أو البيئة التي‬
‫ن�ش�أوا فيها‪� ،‬أو رمبا كان لهم عذر ما على هذا الت�رصف‪ ،‬فلن ت�ستطيع �أن حتكم‬
‫على �إن�سان من خالل موقف �أو جتربة؛ لأن وقتها �ستكون ال�صورة غري مكتملة‬
‫وينق�صها الكثري من الأجزاء‪ ،‬ورمبا عندما تكتمل يكون حكمك ور�أيك‬
‫خمتلفني‪ ،‬فال داعي للت�رسع يف �إلقاء الأحكام �أو التقييم‪ ،‬ولنرتك الزمن واحلياة‬
‫تبني لنا ما ال نعرفه‪.‬‬
‫و�أحيانًا ننتقد �شي ًئا ما‪ ،‬ثم نفعل ذلك ال�شيء نف�سه الذي انتقدناه دون ق�صد‬
‫قطارا �أجد بنف�س‬
‫�أو م�ضطرين‪ ..‬فقد حدث معي عدة مرات �أنني كلما ركبت ً‬
‫ال‪ ،‬ويظل يبكي هذا الطفل حتى يزعج كل الركاب‪،‬‬ ‫العربة التي �أجل�س فيها طف ً‬
‫فكنت �أنتقد ب�شدة والدة هذا الطفل‪ ،‬و�أقول يف نف�سي‪�" :‬أال ت�ستطيع والدته‬
‫�أن تالعبه وتالطفه كي يهد�أ‪ ..‬يا لهذه الأم هادئة الأع�صاب وابنها قد �أزعجنا‬
‫�صغريا‪ ،‬وركبنا القطار‪ ..‬وبعد فرتة‬
‫ً‬ ‫جمي ًعا"‪� ..‬إىل �أن تزوجت و�أجنبت طف ً‬
‫ال‬

‫‪131‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ظل يبكي ويبكي و�أنا ال �أعرف ماذا �أفعل كي يكف عن البكاء‪ ،‬حاولت بكل‬
‫الطرق �أن �أالعبه �أو �أعطيه حلوى �أو �أي �شيء �آخر لي�سكت‪ ،‬ولكنه مل يكف‬
‫عن البكاء �إال بعد فرتة طويلة‪ ،‬وقتها قلت لنف�سي‪" :‬لن �أنتقد �أي �شيء �أو �أي‬
‫�شخ�ص بعد الآن"‪.‬‬
‫كما �أنه �أحيانًا علينا �أن نغم�ض �أعيننا عن بع�ض الأمور كي ال ن�ضع �صاحبها‬
‫مو�ضع احلرج‪ ،‬فال داعي �إن �أخطا من �أمامك يف �شيء ما‪� ،‬أو ت�رصف ت�رصفًا‬
‫وتكرارا كيف �أنه �أخط�أ‪ ،‬و�أنه مل يكن عليه فعل‬
‫ً‬ ‫مرارا‬
‫خاط ًئا‪� ،‬أن تو�ضح له ً‬
‫ذلك‪ ,‬فالأجمل منك �أن تتغا�ضى عن خطئه وك�أنك مل تره مث ً‬
‫ال‪..‬‬
‫يقول الإمام علي‪:‬‬
‫وانى على ترك الغمو�ض قدير‬ ‫ ‬
‫�أغم�ض عيني عن �أمور كثرية‬
‫تعامى املرء وهو ب�صري‬ ‫ ‬
‫وما من عمى �أغ�ضي ولكن لرمبا‬
‫ولي�س علينا يف املقال �أمري‬ ‫ ‬
‫�شئت قلتها‬
‫و�أ�سكت عن �أ�شياء لو ُ‬
‫و�إين ب�أخالق اجلميع ب�صري‬ ‫ ‬
‫�أ�صبرِّ نف�سي باجتهادي وطاقتي‬
‫يا اهلل‪ ..‬ما �أروع �شهامتك يا �سيدنا علي بن �أبي طالب‪ ،‬وما �أروع �أخالقك‬
‫النبيلة‪ ،‬ليتنا جمي ًعا نحذو حذوك‪ ،‬ونتعامل مع الآخرين ب�أخالق الفر�سان التي‬
‫نتعلمها منك‪.‬‬
‫أي�ضا �أحيانًا نحكم على الظاهر من الأمور دون �أن نعرف نية فاعلها‪،‬‬‫� ً‬
‫فنت�رسع يف احلكم عليه‪ ،‬ثم نكت�شف �أننا �أخط�أنا يف هذا احلكم‪� ,‬س�أو�ضح‬
‫ذلك بهذه الق�صة‪:‬‬
‫دخل �صبي يبلغ من العمر ع�رش �سنوات �إىل مقهى‪ ،‬وجل�س على الطاولة‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ف�س�أل ال�صبي‪ :‬بكم الأي�س كرمي بالكاكاو؟ ف�أجابته اجلر�سونة‪ :‬بخم�س‬


‫دوالرات‪ ,‬ف�أخرج ال�صبى يده من جيبه و�أخذ يعد النقود‪ ،‬ف�س�ألها مرة �أخرى‪:‬‬
‫ح�س ًنا‪ ..‬وبكم الأي�س كرمي وحده فقط بدون كاكاو؟ يف هذه الأثناءكان هناك‬
‫الكثري من الزبائن ينتظرون خلو طاولة يف املقهى للجلو�س عليها‪ ،‬فبد�أ �صرب‬
‫اجلر�سونة بالنفاد‪ ،‬و�أجابته بفظاظة‪� :‬أربعة دوالرات‪ ..‬فعد ال�صبى نقوده‬
‫وقال‪� :‬س�آخذ الأي�س كرمي العادي‪� ..‬أنهى ال�صبي الأي�س كرمي ودفع ح�ساب‬
‫الفاتورة وغادر املقهى‪ ،‬وعندما عادت اجلر�سونة �إىل الطاولة‪� ،‬أغرقت عينيها‬
‫الدموع �أثناء م�سحها الطاولة‪.‬‬
‫دوالرا يكرم‬
‫ً‬ ‫لقد حرم ال�صبي نف�سه من الأي�س كرمي بالكاكاو ليوفر لنف�سه‬
‫به اجلر�سونة‪.‬‬
‫‪Judge not, that ye be not judged.‬‬
‫ال تدينوا لكي ال تدانوا‪..‬‬

‫‪133‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ً‬
‫خامال‬ ‫ً‬
‫عنصرا‬ ‫ال تكن‬
‫"‪"Be active Man‬‬

‫در�سنا يف الكيمياء �أن هناك عنا�رص خاملة وعنا�رص ن�شطة‪ ,‬العنا�رص اخلاملة‬
‫هي التي ال تتفاعل مع باقي العنا�رص‪ ،‬والعنا�رص الن�شطة هي التي تتفاعل مع‬
‫باقي العنا�رصلتعطي نتائج خمتلفة‪.‬‬
‫أي�ضا قد ينطبق عليهم هذا الت�صنيف �إىل حد ما‪ ،‬فهناك‬ ‫و�أرى �أن النا�س � ً‬
‫�أ�شخا�ص جتدهم غري متفاعلني ب�أي حال من الأحوال مع الآخرين‪ ،‬ال بروحهم‬
‫وال بتعبريات وجوههم وال ب�صوتهم‪ ،‬جتد الأمور كلها لديهم �سواء‪ ،‬الظالم‬
‫و�ضوء النهار‪ ,‬الفرح واحلزن‪ ,‬ال�سعادة والك�آبة‪ ,‬املفاج�آت واملتوقعات‪ ,‬ت�شعر‬
‫معهم وك�أنهم يحتاجون �إىل �صدمة كهربائية‪� ،‬أو �صفعة قوية ليعودوا �إىل‬
‫احلياة‪ ,‬امللل هو ال�شيء الوحيد الذي ت�ستطيع �أن ت�ست�شفه من التعامل معهم‪,‬‬
‫ورمبا تكون حياتهم مليئة بالأ�شياء الرائعة‪ ،‬ولكنهم ال يرونها وال ي�شعرون‬
‫بها‪ ،‬وك�أن هذه الأ�شياء هي حق لهم‪ ،‬ولي�ست هبة من اهلل �سبحانه وتعاىل لهم‪،‬‬
‫رمبا حرم منها كثريون غريهم‪ ,‬ال �أعرف هل هذا جحود �أم جمود �أم حتت �أي‬
‫م�سمى يندرج؟‬

‫‪135‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫رمبا بكل الفرحة واحلما�س تخرب �أحدهم عن جناحك لريد عليك بكل بالدة‬
‫بكلمة "مربوك"‪ ..‬جمردة من �أي م�شاعر �أو تفاعل‪� ،‬أو تريه مولودك اجلديد‬
‫ؤخرا‪ ..‬يف حني جتد الأ�شخا�ص‬ ‫فال يت�أثر‪ ،‬وك�أنك تريه ميدالية ا�شرتيتها م� ً‬
‫املتفاعلني مع احلياة‪ ،‬والذين يتمتعون بحما�س احلياة كما �أ�سميهم‪� ,‬إن �أنت‬
‫�سعيدا‪ ،‬رمبا عربوا عن �سعادتهم وك�أنهم �أ�سعد‬
‫ً‬ ‫ي�رسك وجعلك‬
‫�أخربتهم ب�شيء ُّ‬
‫�شخ�صيا‪ ،‬وكم �إن تعبريات وجوههم و�أ�صوتهم تعك�س فرحتهم‪,‬‬ ‫ًّ‬ ‫منك �أنت‬
‫وتنطق قبل ل�سانهم؛ لأنهم مبنتهى الب�ساطة والذكاء يقي�سون الأمور على مدى‬
‫�أهميتها لديك �أنت ولي�س لديهم هم‪ ،‬ولي�س يف ذلك مبالغة �أو نفاق؛ لأنهم‬
‫جدا لك فعلي قدر �أهميته عندك‪،‬‬ ‫يدركون بالذكاء العاطفي �أن هذا الأمر مهم ًّ‬
‫يحاولون �أن ينقلوا لك م�شاعرهم ال�صادقة جتاهك‪ ،‬وه�ؤالء الأ�شخا�ص �أكرث‬
‫قدرة بالطبع على تكوين �صداقات وك�سب الآخرين عن الأ�شخا�ص غري‬
‫املتفاعلني �أو اخلاملني كما �أ�سميناهم‪.‬‬
‫ه�ؤالء الأ�شخا�ص اخلاملني عندما تقابل �أمثالهم يف حياتك تتمنى لو �أن‬
‫أقرا�صا �أو كب�سوالت تعطي احليوية واحلما�س لتعطيهم �إياها ليعودوا‬ ‫هناك � ً‬
‫ال مع �أنف�سهم �أو ًال ومع‬ ‫ً‬
‫�إىل احلياة‪� ,‬أو �رشا ًبا يتجرعونه فيمتلئون ن�شاطا وتفاع ً‬
‫ثانيا‪.‬‬
‫املجتمع ً‬
‫بقي �شيء �أود �أن �أذكره يف هذا ال�سياق‪� ،‬إن ال�صوت الذي ننطق به الكلمة‬
‫فكثريا ما نرف�ض فكرة ملجرد �أن النربة‬
‫ً‬ ‫معربا �أكرث من الكلمة نف�سها‪،‬‬
‫رمبا يكون ً‬
‫التي قيلت بها تثري الفتور‪ ،‬و�أحيانًا نقبل فكرة لأنها قيلت بحما�س �شديد‪،‬‬
‫حما�سا‬
‫ً‬ ‫فال�صوت ال�صادق والناطق بحب احلياة والنابع من نف�س مت�أججة‬
‫كثريا ما يلتف حوله الآخرون ويحبونه‪.‬‬
‫ً‬
‫مرحبا ب�صوت ميلأه امللل وبدون‬‫ً‬ ‫ال‪� :‬أه ً‬
‫ال �أو‬ ‫فحتى يف الهاتف عندما ترد قائ ً‬
‫ال باملرة‪ ،‬بل رمبا يفهم املت�صل العك�س متا ًما‪� ،‬أو‬ ‫حما�س ت�صبح الكلمة غري �أه ً‬

‫‪136‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ك�أنك تقول له‪ :‬نعم‪ ..‬ماذا تريد؟ هذا فقط لأن ال�صوت هو العامل الأ�سا�سي‬
‫يف نقل امل�شاعر والتعبريات املختلفة‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫مهدئ لألعصاب سريع املفعول‬


‫"‪"Asoft answer turneth away wrath‬‬

‫تلك هي الكلمات اللطيفة التي حتمل جميل املعاين‪ ،‬والتي تهدئ ثورة‬
‫الغا�ضب‪ ،‬وترفع معنويات املحبط‪ ،‬وتنع�ش ال�سامع‪ ،‬وجتدد ما فيه من �أمل‪،‬‬
‫فهناك �أ�شخا�ص حينما يتحدثون �إليك وك�أمنا يهدونك هدايا �أو زهور‪ ،‬وهناك‬
‫�أ�شخا�ص ال يقولون كلمات بل يفجرون قنابل يف وجه �سامعها‪.‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫وجه طليق وكالم لني‬ ‫�أخي �إن الرب �شيء هني‬
‫فاحر�ص على انتقاء الألفاظ احل�سنة الرقيقة‪ ،‬فكما يقول لورد ت�سرتفيلد‪:‬‬
‫"الألفاظ هي الثياب التي ترتديها �أفكارنا‪ ،‬فيجب �أال تظهر �أفكارنا يف ثياب‬
‫دائما �أن �أفكارك لك‪ ،‬لكن �أقوالك لغريك‪..‬‬
‫بالية"‪ ..‬وتذكر ً‬
‫فكثري من النا�س قد تغري جمرى حياتهم‪..‬كلمة‪.‬‬
‫وكثري من النا�س تبد�أ حياتهم بكلمة‪..‬‬

‫‪139‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫أي�ضا‪ ،‬قد تكون‬


‫فقد تكون كلمة ت�شجيع هي �سبب جناح �شخ�ص‪ ,‬وبالعك�س � ً‬
‫كلمة توبيخ وانتقاد �سبب ف�شل �شخ�ص �إذا كان �ضعيفًا وغري واثق من نف�سه‪.‬‬
‫وقد تكون كلمة هي ال�سبب يف افرتاق �صديقني �أو حبيبني‪ ,‬وقد تكون‬
‫كلمة هي ال�سبب يف تالقيهما‪.‬‬
‫وقد تكون كلمة هي ال�سبب يف م�شاجرة �أو معركة‪.‬‬
‫فعلينا �أن نختار كلماتنا بعناية‪ ,‬ومهما كان املوقف يحتاج �إىل النقد‪ ،‬فلنخرت‬
‫�أقل الكلمات ق�سوة‪ ،‬و�أكرثها لياقة وذوقًا؛ فالت�أين يف اختيار الكلمات يجنبنا‬
‫ودائما هناك �أكرث من بديل للكلمة نف�سها‪ ,‬فعلينا �أن‬
‫ً‬ ‫كثريا من الندم فيما بعد‪،‬‬
‫ً‬
‫أثريا‪ ،‬ويف الكلمات الناقدة‬‫نختار يف الكلمات الطيبة البديل الأكرث عمقًا وت� ً‬
‫�أو امل�ستهجنة ل�شيء ما البديل الألني �أوالأخف وق ًعا على الأ�سماع‪ ،‬حتى ال‬
‫�سببا يف جرح م�شاعر الآخرين‪ ,‬كما �أن امل�س�ؤولية ال تقع فقط على‬ ‫نكون ً‬
‫أي�ضا‪ ،‬فقد نرف�ض كلمة جيدة لأن الأ�سلوب الذي‬ ‫الكلمة‪ ،‬و�إمنا على الأ�سلوب � ً‬
‫تقال به قد يكون غري لطيف‪ ,‬فالكلمة والأ�سلوب ونربة ال�صوت كل هذه‬
‫الأ�شياء مكملة لبع�ضها البع�ض لن�ستطيع التحدث بطريقة راقية مهذبة يرتاح‬
‫لها الآخرون ويحبونها وتكون عنوانًا على �شخ�صيتك املهذبة‪.‬‬
‫يقول اهلل تعاىل‪:‬‬

‫ِت َوف َْر ُع َها فيِ‬ ‫ف �ضرَ َ َب اللهَّ ُ َم َثلاً َك ِل َم ًة َط ِّي َب ًة َك َ�ش َج َر ٍة َط ِّي َب ٍة �أَ ْ�ص ُل َها َثاب ٌ‬‫(�أَلمَ ْ ت ََر َك ْي َ‬
‫ا�س َل َع َّل ُه ْم‬ ‫ال�س َما ِء * ُت�ؤْ ِتي �أُ ُك َل َها ُك َّل ِحنيٍ بِ�إِذ ِْن َر ِّب َها َو َي�ضرِْ ُب اللهَّ ُ ْالأَ ْم َث َ‬
‫ال ِلل َّن ِ‬ ‫َّ‬
‫الَ ْر�ضِ َما َل َها‬ ‫اج ُت َّث ْت ِم ْن ف َْو ِق ْ أ‬ ‫ْ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ث‬
‫َ‬ ‫ِي‬
‫ب‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫ج‬
‫َ َ‬ ‫�ش‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ث‬
‫َ‬ ‫ِي‬
‫ب‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ة‬‫ٍ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ث‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ََ‬‫و‬ ‫*‬ ‫ونَ‬ ‫َي َت َذ ُ‬
‫ر‬ ‫َّ‬
‫ك‬
‫ِم ْن ق ََرارٍ )‬
‫�صدق اهلل العظيم‬

‫‪140‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فالكلمة الطيبة ميوت �صاحبها وال متوت هي‪ ,‬تظل ثابتة كال�شجرة لي�ستفيد‬
‫منها اجلميع‪� ,‬إذن فلنخرت �أجمل الكلمات وق ًعا و�أكرثها عذوبة‪ ،‬وال نتفوه‬
‫بالأخرى التي هي لكمات ولي�ست كلمات‪..‬‬
‫وهذه قصة قصيرة توضح ما أريده‪:‬‬
‫ر�أى �أحد امللوك باملنام (�أن كل �أ�سنانه تك�رست)‪ ،‬ف�أتى ب�أحد مف�رسي‬
‫الأحالم‪ ،‬فحكى له احللم‪ ..‬فقال املف�رس‪� :‬أمتاكد �أنت؟ فقال امللك‪ :‬نعم‪..‬‬
‫فقال له‪ :‬الحول وال قوة �إال باهلل‪ ،‬هذا معناه �أن كل �أهلك ميوتون �أمامك!‬
‫فتغري وجه امللك وغ�ضب على الفور و�سجن الرجل‪ ،‬و�أتى مبف�رس �آخر‪،‬‬
‫أي�ضا �سجنه!‬
‫فقال له نف�س الكالم‪ ،‬و� ً‬
‫فجاء مف�رس ثالث‪ ،‬وحكى امللك له احللم‪ ،‬فقال املف�رس‪� :‬أمت�أكد �أنك حلمت‬
‫هذا احللم �أيها امللك؟ مربوك يا �أيها امللك مربوك‪ ..‬قال امللك‪ :‬ملاذا؟! فقال‬
‫عمرا‪ ،‬فقال‬
‫م�رسورا‪ :‬ت�أويل احللم �أنك ما �شاء اهلل �ستكون �أطول �أهلك ً‬
‫ً‬ ‫املف�رس‬
‫امللك م�ستغر ًبا‪� :‬أمت�أكد؟ فقال‪ :‬نعم‪ ..‬ففرح امللك و�أعطاه هدية!‬
‫عمرا‪� ،‬ألي�س من الطبيعي �أن �أهله �سيموتون‬
‫�سبحان اهلل‪ ..‬لو كان �أطول �أهله ً‬
‫قبله؟‬
‫لكن انظروا �إىل خمرجات الكالم كيف تتكلم؟‬
‫ذاتيا كما �أ�سماها "�ستيفن كويف"‪ ،‬وهي‬‫واحذر النبوءة التي حتقق �أغرا�ضها ًّ‬
‫املفردات ال�سلبية التي نرددها فت�صبح جز ًءا من الت�صور الذهني‪� ،‬إىل �أن تتحقق‬
‫ملمو�سا‪ ،‬مثل‪ :‬يبدو �أين �س�أف�شل‪� ,‬أ�شعر �أنه �سيحدث يل مكروه‪,‬‬
‫ً‬ ‫وت�صبح واق ًعا‬
‫وما �إىل ذلك من امل�شاعر ال�سلبية التي ت�ؤكدها الألفاظ بقوة �أكرث‪ ,‬فحتى �إن‬
‫�شعرت ببع�ض امل�شاعر ال�سلبية فال تف�صح عنها‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫عفوا‪ ,‬ح�رضتك‪ ,‬من‬


‫عذرا‪ً ,‬‬
‫و"�شكرا"‪ً ,‬‬‫ً‬ ‫كما �أن كلمات مثل "�آ�سف"‪،‬‬
‫ف�ضلك‪ ...‬وعبارات مثل‪�" :‬إذا مل يكن فيها �إ�ساءة �أدب مني �أرجو‪."...‬‬
‫�إذا مل ي�ضايقك �أن �أفعل‪...‬‬
‫نت لك‪...‬‬
‫كم �أنا مم ٌّ‬
‫لي�س حلياتنا اليومية وتعامالتنا احلوارية �أن تخلو منها ب�أي حال من الأحوال‬
‫كي تكون ثقافة االحرتام ولغة احلب هي اللغة ال�سائدة بني �أطياف املجتمع‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫يف احلوار مع اآلخرين‬


‫"‪"Dialoging with others‬‬

‫حتدث �إليهم مبا يحبونه هم‪ ,‬ال ما حتب �أنت احلديث عنه‪ ،‬وال بد �أن نعرف‬
‫ال غري ما تتحدث �إىل �شيخ عجوز‪ ,‬فمن غري‬ ‫�أنه عندما تتحدث �إىل �شاب مث ً‬
‫جدا‬
‫ال يف الريا�ضة وكرة القدم وكيف �أنك حتبها ًّ‬ ‫الالئق �أن نحدث ال�شيخ مث ً‬
‫ال‪،‬‬‫لأنها ت�ساعدك على االحتفاظ بال�شباب واحليوية‪ ،‬و�أهمية ريا�ضة اجلري مث ً‬
‫ُ�شعره ب�أنك ترغب‬‫فمن الأف�ضل �أن تتحدث معه عن خربته يف احلياة‪ ،‬و�أن ت ِ‬
‫يف اال�ستماع �إىل جتاربه وحكمته‪ ،‬و�أنك يف حاجة �إىل ن�صائحه‪ ،‬وقتها �سي�شعر‬
‫ب�سعادة بالغة‪ ،‬و�ستجده يتحدث �إليك بكل افتخار وزهو بنف�سه‪ ،‬و�ست�شعر‬
‫�أنت بالر�ضا لأنك �أر�ضيته‪ ..‬ولكن عليك �أن تتحلى باحللم وطول البال و�سعة‬
‫أي�ضا حديثك مع عالمِ غري حديثك مع جاهل‪ ،‬ومع �أختك غري‬ ‫ال�صدر‪ ,‬و� ً‬
‫فحدث كل �شخ�ص باحلديث الذي يلقى هوى يف نف�سه‪ ،‬واحلديث‬ ‫زوجتك‪ِّ ،‬‬
‫الذي يجعله ين�صت لك ب�شغف‪ ،‬ويتحدث �إليك بروح عالية وحما�س �شديد‪،‬‬
‫كثريا‪..‬‬
‫واترك له الفر�صة ليعرب عن نف�سه دون مقاطعته ً‬
‫أي�ضا �أثناء حوارك مع الآخرين حاول بقدر الإمكان �أال ت�س�ألهم عن �شيء‬
‫� ً‬

‫‪143‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال �إذا كنت تتحدث �إىل �شخ�ص ولديه ابن متعرث‬‫ال يحبون التحدث فيه‪ ,‬مث ً‬
‫يف الدرا�سة‪ ،‬فال ت�رص يف احلديث يف هذا املو�ضوع‪ ،‬وكيف حال ابنك؟ و�إىل‬
‫�أين و�صل يف الدرا�سة؟‪ ...‬وهذه الأ�سئلة التي قد ت�شعر الآخر باحلرج من‬
‫أي�ضا يف هذا ال�سياق من غري املحبب �أن تتحدث عن‬ ‫مناق�شة هذه الأمور‪ً � ،‬‬
‫تفوق ابنك ومتيزه‪ ،‬وكيف �أنك تنوي �أن تكافئه على هذا التفوق‪ ,‬ذلك كي ال‬
‫جترح م�شاعره‪ ،‬فهذه الأمور قد متر عليك مرور الكرام‪ ،‬او تفعلها دون ق�صد‪،‬‬
‫�سلبا على م�شاعر الآخرين‪.‬‬
‫ولكنها قد ت�ؤثر ً‬
‫أي�ضا هذه بع�ض من �آداب احلوار الب�سيطة‪ ،‬ولكنها مهمة �أثناء التحاور مع‬
‫� ً‬
‫الآخرين‪:‬‬
‫•التحدث ب�صوت وا�ضح ولكن غري مرتفع مهما احتد النقا�ش‪:‬‬
‫أي�ضا دليل على‬
‫لأن ارتفاع ال�صوت غري �أنه لي�س من �آداب احلوار‪� ،‬إال �أنه � ً‬
‫�ضعف املوقف‪.‬‬
‫كثريا مبتدئًا بعبارة‪�" :‬أنا ال �أحب �أن �أحتدث‬
‫•ال تتحدث عن نف�سك ً‬
‫كثريا"‪ ..‬فمعظم الذين يقولون هذه العبارة ال يتحدثون �إال‬ ‫عن نف�سي ً‬
‫عن �أنف�سهم‪ ,‬فقد �أجرت �رشكة تليفونات نيويورك درا�سة مف�صلة عن‬
‫فوجد‬ ‫املحادثات التليفونية الكت�شاف �أي الكلمات �أكرث ا�ستخدا ًما ُ‬
‫�أنه �ضمري املتكلم"�أنا"!‬
‫فامنح الفر�صة للآخرين ليتحدثوا هم‪ ،‬وكن �أنت املن�صت اجليد للآخر‬
‫دون مقاطعات كثرية منك‪ ،‬ولكن جتاوب معه باهتمام‪ ،‬وانظر �إليه مبا�رشة كي‬
‫ي�شعر باهتمامك‪.‬‬
‫ومن �أدب العرب ما قاله الأحنف‪�" :‬إن الرجل ليحدثني بحديث �أعرفه من‬
‫قبل �أن تلده �أمه‪ ,‬ف�أ�صغي �إليه حتى ينتهي منه‪ ,‬و�أظهر له �أين �أ�سمعه لأول مرة"‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال جاه ً‬
‫ال‪ ،‬فاعلم �أنك لن ت�ستطيع‬ ‫•يف املجادلة‪� :‬إذا كنت جتادل رج ً‬
‫أبدا‪ ،‬فمن الأف�ضل لك ترك النقا�ش‪.‬‬
‫هزميته � ً‬
‫وكما قال الإمام علي (كرم اهلل وجهه)‪" :‬ال جتادل الأحمق‪ ،‬فقد يخطئ‬
‫النا�س يف التفريق بينكما"‪.‬‬
‫ال‪ ،‬وعلى م�ستوى احلوار‪ ،‬ولكن يختلف‬ ‫�شخ�صا عاق ً‬
‫ً‬ ‫•�إذا كنت جتادل‬
‫معك يف الر�أي‪ ،‬فاترك له الفر�صة ليعرب عن ر�أيه بحرية تامة‪ ،‬رمبا‬
‫�أدركت �أن وجهة نظره �صحيحة‪ ,‬و�إن مل تكن كذلك‪ ،‬فبعد �أن ينتهي‬
‫من حديثه ا�س�أله‪ :‬هل انتهيت؟ هل يل �أن �أطرح عليك وجهة نظري‪،‬‬
‫وب�إمكانك قبولها �أو رف�ضها؟‬
‫هذه الطريقة جتعله يرتاح �إىل حديثك‪ ،‬و�إىل فكرة احلوار‪ ،‬حتى لو مل يتفق‬
‫معك يف املو�ضوع املطروح‪ ،‬كما �أنك لو و�ضحت له �أنك تتفق معه يف نقاط‬
‫معينة‪ ،‬ولكن تختلف يف نقاط لأخرى و�إيجاد نقاط م�شرتكة هو �شيء جيد‬
‫ومفيد لإنهاء احلوار بنتيجة �إيجابية‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬وتريد �أن تقنع بها‬
‫•�إذا كنت تدافع عن فكرة معينة ت�ؤمن بها ًّ‬
‫الطرف الآخر‪ ،‬فذلك لن يكون بالتع�صب وال�شد واجلذب‪ ،‬بل‬
‫بالعك�س‪ ..‬قد ي�رض ذلك بالفكرة اجليدة التي تتبناها‪ ..‬و�إمنا يكون‬
‫با�ستخدام املنطق واحلجة والربهان‪� ،‬أو التب�سيط والتحليل‪ ،‬لت�سهيل‬
‫تو�صيل الفكرة والإقناع بها‪ ،‬وهذا هوالإمام �أبو حنيفة النعمان‬
‫عندما كان لديه موعد مع بع�ض الأ�شخا�ص الذين يكفرون بوجود‬
‫اهلل عز وجل‪ ،‬فت�أخر عليهم‪ ،‬وعندما و�صل �إليهم �س�ألوه‪ :‬مل هذا‬
‫قاربا يحملني‬
‫الت�أخري؟ فقال لهم‪ :‬كنت �أقف على ال�شاطئ‪ ،‬ومل �أجد ً‬
‫�إليكم‪ ،‬فانتظرت‪ ,‬ف�إذا بخ�شبة جتتمع مع خ�شبة �أخرى وهكذا حتى‬
‫اكتمل القارب‪ ،‬فركبته وجئتكم‪ ،‬فقالوا له‪ :‬كيف اكتمل القارب‬

‫‪145‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫قاربا‬
‫بال�صدفة؟ هل تهز�أ بنا؟ فقال لهم‪� :‬إذا كنتم ت�شكون يف �أن ً‬
‫يوجد بال�صدفة‪ ،‬فكيف ت�ؤمنون ب�أن الكون كله ُوجد �صدفة دون‬
‫وجود اخلالق عز وجل؟ هذا هو الإقناع باحلجة واملنطق‪ ،‬ولي�س‬
‫بال�صوت املرتفع وال�شجار‪.‬‬
‫مهم من �آداب احلوار هو بخ�صو�ص املزاح‪ :‬ال بد �أن نعرف �أن‬
‫•جزء ٌّ‬
‫املزاح يف الكالم كامللح يف الطعام‪ ،‬هو مطلوب ولكن ب�شكل ب�سيط‪،‬‬
‫جوا من املرح �أو الدعابة‪ ،‬ولكن �إن زاد عن حده �أ�صبح‬‫لي�ضفي ًّ‬
‫مذمو ًما يقول الشاعر‪:‬‬
‫وتوق منه يف املزاح جماحا‬ ‫ ‬
‫مازِ ح �صديقك �إذا �أحب مزاحا‬
‫كانت لباب عداوة مفتاحا‬ ‫ ‬‫فلر مبا فرح ال�صديق مبزحة‬
‫أي�ضا جتنب املزاح الذي يكون بال�سخرية من الآخرين لأنه غري حمبب على‬
‫� ً‬
‫الإطالق‪.‬‬
‫•ال تتحدث عن �أحد مهما كان بطريقة غري حمببة‪ ،‬وال ينطق ل�سانك‬
‫ب�سوء عن �أي �شخ�ص؛ لأن ذلك يقلل من �ش�أنك ولي�س من �شان الذي‬
‫تتحدث عنه‪.‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ودينك موفور وعر�ضك هني‬ ‫الردى‬
‫�سليما من َّ‬
‫مت �أن حتيا ً‬
‫�إذا ُر َ‬
‫فكلك �سوءات وللنا�س �أل�سن‬ ‫ ‬
‫فال ينطقن منك الل�سان ب�سو�أة‬
‫فدعها وقل يا عني للنا�س �أعني‬ ‫ ‬
‫معائبا‬
‫ً‬ ‫وعيناك �إن �أبدت �إليك‬

‫‪146‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ودافع ولكن بالتي هي �أح�سن‬ ‫وعا�رش مبعروف و�سامح من اعتدى‬


‫وقيل من الأف�ضل �أن تنزلق قدمك على �أن ينزلق ل�سانك‪..‬‬
‫دائما �إىل �أن يثبت العك�س‪ ،‬فمن ح�سنت �أفعاله‬ ‫•�أح�سِ ن الظن بالنا�س ً‬
‫ح�سن ظنه بالنا�س‪ ،‬ومن �ساءت �أفعاله ظن �أن كل النا�س �أفعالها �سيئة‪،‬‬
‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫و�صدق ما يعتاده من توهم‬
‫َّ‬ ‫ ‬
‫�إذا �ساء فعل املرء �ساءت ظنونه‬
‫ف�أ�صبح يف ليل من ال�شك مظلم‬ ‫وعادى حمبيه بقول عداته ‬

‫‪147‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫احلياة مسرحية‬
‫"‪"Life is a play‬‬

‫احلياة م�رسحية‪ ،‬كما قال �شك�سبري الرائع‪ ،‬ولكن نحن نختار �أدوارنا‬
‫ب�أنف�سنا‪ ،‬فال تقبل �سوى دور البطولة‪ ،‬دور الفار�س املقدام‪ ،‬دور القائد‬
‫ال�شجاع‪ ،‬واحذر �أن تقبل دور ال�ضحية كثري ال�شكوى؛ لأنه �أ�سو�أ دور يف‬
‫امل�رسحية كلها على الإطالق؛ لأنهم كما يقولون‪ :‬ي�شكو احلر والقر وال�شتاء‬
‫ويحمل الظروف والعوامل‬ ‫ِّ‬ ‫يتذمر على كل �شيء‪،‬‬
‫وال�صيف والغنى والفقر‪َّ ,‬‬
‫املحيطة �أ�سباب م�شاكله كلها ومعاناته‪ ،‬وكما يقول �آرثر جيرتمان‪" :‬ال ت�رشح‬
‫للنا�س م�شاكلك ال�صحية‪ ,‬فقولهم‪( :‬كيف حالك)‪ ،‬جمرد حتية ولي�ست �س�ؤا ًال"‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬يخطئ الكثريون عندما ي�س�ألهم �شخ�ص ما كيف حالك؟ فيمطرونه‬
‫بوابل من امل�شاكل ال�صحية والنف�سية واالجتماعية‪..‬‬
‫يقول إبراهيم طوقان‪:‬‬
‫بالت� ُّأوه وا َ‬
‫حل َزن‬ ‫ ‬
‫�أفنيت يا م�سكني عمرك‬
‫تقول حاربني الزمن‬ ‫ ‬
‫وقعدت مكتوف اليدين‬

‫‪149‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فمن يقوم به �إذن‬ ‫ ‬


‫ما مل تقم بالعبء �أنت‬
‫و�أنت من �أمرا�ضها‬ ‫ ‬
‫كم قلت �أمرا�ض البالد‬
‫فت�شت عن �أعرا�ضها‬ ‫ ‬
‫وال�ش�ؤم علتها فهل‬
‫والنا�س عادة ال حتب ال�شخ�ص كثري ال�شكوى‪ ،‬بل �أحيانًا تتجنب احلديث‬
‫أ�ضف على حديثك نربة الر�ضا والقناعة �إذا �أردت �أن يحبك النا�س و�أن‬
‫معه‪ ،‬ف� ِ‬
‫حتيا حياة �سعيدة‪.‬‬
‫بل واحذر جمال�سة هذا ال�شخ�ص ذي التفكري ال�سلبي لأنه حتما يثبط‬
‫خطرا على املجتمع من‬ ‫ً‬ ‫من عزميتك وروحك العالية‪ ,‬و�أنا �أرى �أنه �أ�شد‬
‫أفكارا قيمة‬
‫ال و� ً‬‫ال فقط‪� ،‬أما الثاين في�رسق �آما ً‬‫ال�سارق‪ ،‬فال�سارق ي�رسق �أموا ً‬
‫قد تبني �أمة عظيمة‪.‬‬
‫يقول روديارد كيلغنج‪" :‬اقرت�ض لنف�سك ما �شئت من امل�شاكل‪� ،‬إذا كانت‬
‫هذه هي طبيعتك‪ ،‬ولكن ال تقر�ضها للآخرين"‪.‬‬
‫ال ليت هذا الرجل �صاحب الأفكار ال�سلبية كثري ال�شكوى يرتك النا�س‬ ‫فع ً‬
‫أبدا �أن ين�رشها‬
‫تعي�ش يف �سالم‪ ،‬ويحتفظ بنظرته ال�سوداوية لنف�سه‪ ،‬فال داعي � ً‬
‫تاك�سيا‪� ،‬أو زار عيادة طبيب‪� ،‬أو جل�س يف �أي جتمع؛ كي ال يهدم‬
‫ًّ‬ ‫كلما ركب‬
‫الأفكار اجليدة والآمال املتجددة‪.‬‬
‫هال كنت الطائر المبصر؟‬
‫كان هناك تاجر �صالح‪� ،‬أثناء �سفره جل�س بعد �صالة الفجر يف �إحدى زوايا‬
‫ال‪ ،‬جل�س ينظر �إليه ويت�أمله‪ ،‬ثم اقرتب منه‪ ،‬واقرتب‬ ‫طائرا جمي ً‬
‫الطريق‪ ،‬فر�أى ً‬
‫كثريا وجل�س‬‫�أكرث‪ ،‬والطائر مل يتحرك من مكانه‪ ,‬فعلم �أن الطائر �أعمى‪ ،‬فت�أثر ً‬
‫يفكر كيف ي�أكل وي�رشب هذا الطائر؟ وبينما هو يفكر �إذ بطائر �آخر ي�أتي �إىل‬

‫‪150‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫فتعجب هذا الرجل وقال‪� :‬إذا كان اهلل �سبحانه‬ ‫الأول ويحمل له الطعام‪َّ ..‬‬
‫فلم‬
‫وتعاىل يرزق هذا الطائر ويبعث �إليه الطعام وال�رشاب وهو يف مكانه‪َ ،‬‬
‫وي�سارا ما دام اهلل �سبحانه وتعاىل يتكفل‬
‫ً‬ ‫�أنا �أتعب نف�سي و�أ�سافر و�أذهب ميي ًنا‬
‫برزق الطائر دون عناء �أو تعب؟ فقرر عند ذلك �أن يعود �إىل قريته وال ي�سافر‬
‫أبدا‪ ,‬وعندما و�صل قريته مر على �شيخه ليزوره‪ ،‬وق�ص عليه ق�صة الطائر‬ ‫بعدها � ً‬
‫الأعمى‪ ،‬وذكر له ما تركته يف نف�سه من �أثر‪ ،‬فقال له ال�شيخ الذي يجمع بني‬
‫العقل وال�صالح‪ :‬يا بني‪ ..‬هال كنت الطائر املب�رص؟‬

‫‪151‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫مرحبًا بالنقد‬
‫"‪"Welcome to criticism‬‬

‫دائما‬
‫يقول �أحد الناجحني‪" :‬ل�ست الأف�ضل‪ ،‬ولكن يل �أ�سلوبي �س�أظل ً‬
‫�أتقبل الناقد واحلا�سد‪ ،‬فالأول ي�صحح م�ساري‪ ،‬والثاين يزيد من �إ�رصاري"‪.‬‬
‫ف�إذا جاءك النقد من �أحد �أ�صدقائك املقربني �أو املحبني لك‪ ،‬فعليك �أن‬
‫ت�ستفيد منه‪ ،‬رمبا يرون ما ال تراه‪ ،‬بل عليك �أن ت�شكره لأنه لفت نظرك �إىل‬
‫�شيء رمبا كان �سي�رضك بع�ض ال�شيء �إن مل تلفت �إليه‪ ،‬وهذا هو النقد الب َّناء‪،‬‬
‫جائرا ولي�س هدفه �إال م�ضايقتك‪ ،‬فال‬‫والن�صيحة ال�صادقة‪� ،‬أما �إذا جاءك النقد ً‬
‫تلتفت �إليه؛ لأنك �إن �أ�صغيت �إليهم وتفاعلت بكالمهم حققت لهم �أمنيتهم‬
‫الغالية يف تعكري �صفوك وتكدير حياتك‪.‬‬
‫�إنك لن ت�ستطيع �أن تغلق �أفواههم �أو تلجم �أل�سنتهم ولكن ب�إمكانك‬
‫الإعرا�ض عنهم وجتاهلهم‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫يقول الشاعر‪:‬‬
‫ لأ�صبح احلجر مثقا ًال بدينار‬
‫حجرا‬
‫ً‬ ‫لوكل كلب عوى �ألقمته‬
‫فام�ضِ يف طريقك بكل قوة وثقة‪ ،‬واعلم �أن احلا�سدين واحلاقدين ال‬
‫يكرهون الناجحني لعيوبهم‪ ،‬بل ملميزاتهم‪ ،‬فنقدهم هو ترجمة عما يحتمل‬
‫أي�ضا �أن �إر�ضاء كل النا�س �رضب من اخليال‪،‬‬
‫يف �صدرورهم من حقد‪ ،‬واعلم � ً‬
‫و�إال فكان �أوىل النا�س بذلك �سيدنا حممد (�صلى اهلل عليهم و�سلم)‪� ،‬أعظم‬
‫و�أكمل الب�رشية كلها‪ ،‬فهناك من اتهمه بال�سحر‪ ،‬ومن اتهمه باجلنون‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من االتهامات الباطلة‪ ،‬بل هلل �سبحانه وتعاىل املثل الأعلى‪� ،‬إذ �أوجد اخللق‬
‫من العدم ف�شكوا يف وجوده‪ ،‬و�أطعمهم من جوع ف�شكروا غريه‪ ،‬و�آمنهم من‬
‫خوف فبارزوه باملعا�صي‪ ،‬فاترك من لديهم وقت زائد وكلمات زائدة‪ ،‬بل‬
‫وتقبل هذه اللكمات الباط�شة بابت�سامة رقيقة‪ ،‬فال�شجرة املثمرة عندما يرميها‬
‫النا�س باحلجارة ال ترد �إال بالثمار‪ ،‬فلتكن كذلك جتد حياتك �أ�صفى و�أهد�أ‪،‬‬
‫وحتظى براحة البال و�صفاء ال�رسيرة‪.‬‬
‫يقول (�ألربت هوبارد)‪" :‬لكي تتجنب النقد ال تعمل �شي ًئا وال تفعل �شي ًئا‬
‫وال تكن �شي ًئا"‪.‬‬
‫كثريا‬
‫و�إذا كنت على �أعتاب النجاح وكرثت مهاجمتك فاعلم �أنك اقرتبت ً‬
‫دائما مقولة غاندي احلكيم‪" :‬يف البداية‬
‫من حتقيق الهدف‪ ،‬و�ضع يف ذهنك ً‬
‫�سيتجاهلونك‪ ،‬ثم ي�سخرون منك‪ ،‬ثم يهاجمونك‪ ،‬ثم تنت�رص"‪ .‬فما دام الأمر‬
‫مرحبا بالنقد‪...‬‬
‫ً‬ ‫كذلك فلتقل‪:‬‬

‫‪154‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫اشكر الناس حبرارة‬


‫"‪"Warmly thank People‬‬

‫هذا �شيء يف غاية الأهمية‪ ،‬قد يغفله البع�ض‪ ،‬وهو �شكر النا�س‪ ..‬لي�س‬
‫فقط‪ ،‬ولكن ال�شكر بحرارة‪ ،‬واالعرتاف بف�ضل الآخر‪ ،‬وال�شكر يكون هلل‬
‫�أو ًال عز وجل على كل نعمة ظاهرة وباطنة‪ ،‬واهلل عز وجل يقول‪َ ( :‬ل ِئ ْن َ�ش َك ْرتمُ ْ‬
‫ور)‪ .‬ف�إظهار ال�شكر‬ ‫ال�ش ُك ُ‬
‫يل ِم ْن ِع َب ِاد َي َّ‬ ‫لَزِ َيد َّن ُك ْم) ويقول جل وعال‪َ :‬‬
‫(و َق ِل ٌ‬ ‫َأ‬
‫هلل عز وجل يكون بالقلب والل�سان واجلوارح‪..‬‬
‫بالقلب؛ ب�أن ي�ضمر اخلري لنف�سه وللخلق كافة‪.‬‬
‫بالل�سان؛ ب�إظهار ال�شكر بالتحميد‪.‬‬
‫با�ستخدام اجلوارح يف الطاعة ال يف املع�صية‪..‬‬
‫�شخ�صا ما معروفًا فا�شكره‪ ،‬واعرتف له‬
‫ً‬ ‫ثانيا‪� ،‬إذا قدم �إليك‬
‫و�شكر النا�س ً‬
‫بف�ضله عليك‪ ،‬ال تغفل عن ذلك وال تتكرب‪ ،‬فمن مل ي�شكر النا�س ال ي�شكر اهلل‪.‬‬
‫أ�شعر �صاحب الف�ضل عليك ب�أنك لواله ملا ا�ستطعت �إمتام الأمر و�أنك‬
‫و� ِ‬

‫‪155‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ت�شعر باالمتنان ال�شديد له‪ ،‬وال تكتف بكلمة ال�شكر املجردة من �أي �إح�سا�س‬
‫جيدا ما‬
‫تقدر ً‬‫باالمتنان‪ ،‬ف�شعورك باالمتنان للآخرين يجعلهم يعلمون ب�أنك ِّ‬
‫يفعلون وال تتجاهله‪ ,‬كما �أنه ي�شجعهم �أكرث و�أكرث على فعل املعروف معك‬
‫ومع غريك‪ ,‬هذا ما يفعله ال�شكر يف الآخرين‪� ،‬أما ما يفعله بداخلك ف�إنه يدربك‬
‫دائما ما‬
‫جيدا على التوا�ضع‪ ،‬ويقلل من الإعجاب الزائد بالنف�س‪ ،‬فاملتوا�ضع ً‬ ‫ً‬
‫تراه يحب �أن يرفع من �ش�أن الآخرين‪ ،‬وي�شعرهم بعظمتهم‪� ،‬أما املعجب بنف�سه‬
‫ودائما غروره ي�صور له �أنه‬
‫ً‬ ‫في�ستكرب عن ال�شكر واالعرتاف بف�ضل الآخر‪،‬‬
‫لي�س بحاجة �إىل �أحد‪ ،‬وكما يقال �إنه كالواقف على قمة اجلبل يرى النا�س‬
‫�صغريا‪ ،‬ويف هذا ال�صدد يقول عميد الأدب‬‫ً‬ ‫أي�ضا تراه‬
‫�صغارا‪ ،‬ولكن النا�س � ً‬
‫ً‬
‫العربي طه ح�سني‪�" :‬إياك والر�ضى عن نف�سك‪ ،‬ف�إنه ي�ضطرك �إىل اخلمول‪،‬‬
‫و�إياك والعجب‪ ،‬ف�إنه يورطك يف احلمق‪ ,‬و�إياك والغرور‪ ،‬ف�إنه يظهر للنا�س‬
‫نقائ�صك كلها وال يخفيها �إالعليك"‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫تقبل اآلخر‬
‫"‪"Accept the other‬‬

‫علينا �أن نتقبل الآخر ونحرتم �أفكاره مهما كانت تتعار�ض مع �أفكارنا‪,‬‬
‫فمن العبث واخليال �أن تتوقع �أن يفكر كل النا�س بنف�س تفكريك‪ ،‬ويكون‬
‫لهم نف�س املعتقدات والأفكار‪ ،‬فكل �شخ�ص له عقليته وتعليمه وثقافته‬
‫وبيئته التي تختلف من فرد لآخر‪ ،‬فكيف �إذن يفكر اجلميع نف�س التفكري‬
‫وي�ؤمن الكل بنف�س املعتقدات والأفكار؟ هذا غري طبيعي على الإطالق‪،‬‬
‫جيدا كيف ن�ستمع �إىل الآخر ونتفهمه ونحرتمه‪ ،‬ويف النهاية‬
‫فعلينا �أن نتعلم ً‬
‫خذ ما ينفعك واترك ما ال ينفعك من حديثه‪ ,‬خذ ما يتنا�سب مع �أفكارك‬
‫ومبادئك واترك ما ال يتما�شى معك‪ ،‬ولكن بكل احرتام وتقدير لوجهة‬
‫النظر الأخرى‪ ,‬فحتى لو �أن كالم ال�شخ�ص املقابل ال يقنعك‪ ،‬ف�إنه قد يحمل‬
‫أفكارا جديدة لك‪.‬‬
‫يف طياته � ً‬
‫أخريا‪ ..‬فلي�س ما يجمعنا هو الدين �أو الوطن �أو �أي �شيء �آخر �سوى كوننا‬
‫و� ً‬
‫جمي ًعا ب�رش‪ ،‬اتفقنا �أو اختلفنا‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫جدا‪ ،‬ف�أحيانًا نظن �أننا على �صواب‪ ،‬و�أن‬


‫تفهم الآخر �شيء مهم ًّ‬ ‫أي�ضا ُّ‬
‫� ً‬
‫الآخر خمطئ‪ ،‬بينما يت�ضح العك�س‪ ،‬وقد تكون على �صواب ويكون غريك‬
‫أي�ضا‪ ،‬ف�أي مو�ضوع يف العامل له �أكرث من جانب‪ ،‬ف�أنا �أراه‬‫على �صواب � ً‬
‫بر�ؤيتي‪ ،‬و�أنت تراه بر�ؤيتك‪ ،‬وغرينا يراه بر�ؤيته‪ ،‬ويف النهاية نكون جمي ًعا‬
‫�شخ�صا ملجرد �أن ر�أيه مل‬
‫ً‬ ‫على حق‪ ،‬ولكن كل على وجهة نظره‪ ,‬فال تهاجم‬
‫يتفق مع ر�أيك‪� ،‬أو لأنك تظن �أنه هو املخطئ‪.‬‬
‫وهذه ق�صة طريفة تو�ضح �أننا �أحيانًا نت�رسع ونخطئ يف حق �أحد ما ملجرد‬
‫جيدا‪:‬‬
‫�أننا مل نفهمه ً‬
‫كان رجل يقود �سيارته‪ ،‬ويف نف�س الطريق ويف التجاه املعاك�س كانت‬
‫تقود امر�أة �سيارتها‪ ،‬وعندما �أ�صبحا كالهما بجوار الآخر فتح النافذة وقال‬
‫لها‪ :‬بقرة‪ ..‬وانطلق‪ ،‬وبنف�س ال�رسعة ردت هي عليه‪ :‬حمار‪ ..‬وانطلقت وهي‬
‫معجبة بنف�سها وب�رسعة بديهتها‪ ..‬لتجد �أمامها بقرة‪ ..‬ف�أدركت �أن الرجل كان‬
‫ينبهها وح�سب!!‬

‫‪158‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫من هم أصدقاؤك‬
‫"‪"Who are your freinds‬‬

‫جيدا‬
‫�أجمل �شيء يف احلياة �أن يكون لك �أ�صدقاء خمل�صني‪ ،‬يفهمونك ً‬
‫ويقبلونك كما �أنت‪ ،‬وال بد �أن تتوافر فيهم بع�ض ال�رشوط لكي ت�ضمن �أنهم‬
‫حقًّا �أ�صدقاء خمل�صني‪ ،‬منها و�أهمها �أن يعينك على طاعة اهلل و�أداء فرو�ضه‪،‬‬
‫ثانيا �أن يحب لك اخلري ويتمناه كما‬
‫وال يبعدك عنها ب�أي حال من الأحوال‪ً ,‬‬
‫�رسا ولي�س عل ًنا‪ ،‬وال‬
‫يتمناه لنف�سه و�أكرث ‪ ,‬ثال ًثا �أن ي�صارحك ب�أخطائك‪ ،‬ولكن ًّ‬
‫كافيا من املرونة و�سعة‬
‫قدرا ً‬
‫يجملها لك ليك�سب ر�ضاك‪ ,‬راب ًعا �أن يكون لديه ً‬
‫أي�ضا كذلك؛ لكي ت�ضمن‬ ‫ال�صدر والقدرة على الت�سامح‪� ،‬رشط �أن تكون �أنت � ً‬
‫ال ولي�س‬ ‫جدا‪� -‬أن يكون متفائ ً‬
‫مهما ًّ‬
‫خام�سا ‪-‬و�أراه ًّ‬
‫ً‬ ‫ل�صداقتكما اال�ستمرار‪,‬‬
‫يهون عليك متاعبك ويب�سط لك احلياة ويدفعك‬ ‫مت�شائما‪ ،‬فال�صديق املتفائل ِّ‬
‫ً‬
‫�إىل الأمام ال للخلف‪.‬‬
‫يقول ديل كارينجي‪�" :‬إذا �أردنا تكوين �أ�صدقاء‪ ,‬ال بد �أن نعمل من �أجلهم‬
‫�أ�شياء تتطلب وق ًتا وطاقة و�شجاعة ومراعاة مل�شاعر الآخرين"‪ .‬ويقول الطبيب‬
‫النف�سي �ألفريد �أولد يف كتابه (ماذا تعني لك احلياة)‪�" :‬إن الفرد الذي ال يهتم‬

‫‪159‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ب�أ�صدقائه هو الذي لديه �أ�ضخم ال�صعوبات يف احلياة‪ ,‬ويلحق �أكرب الأذى‬


‫بالآخرين‪� ,‬إنه من بني ه�ؤالء الأفراد يظهر الف�شل الذريع للإن�سان"‪.‬‬
‫وقيل عن ال�صديق‪" :‬بعرثة الأ�صدقاء �أ�شد حمقة من بعرثة املال"‪.‬‬
‫فاعف‬
‫ُ‬ ‫"بع�ض �أ�صدقائك يريد �أن يح�سن �إليك في�سيء‪ ,‬ف�إن كان اجتها ًدا‬
‫عنه‪ ,‬و�إن كانت غفلة منه فال تعتمد عليه"‪.‬‬
‫م�صطفى ال�سباعى‬
‫"من مل ي�صبح اليوم �صديقك‪ ,‬مل يكن �صديقك بالأم�س"‪.‬‬
‫‪A man is known by the company he keeps.‬‬
‫يعرف املرء ب�أ�صدقائه‪.‬‬
‫‪Evil communications corrup good manners.‬‬
‫�صحبة ال�سوء مف�سدة للأخالق‪.‬‬
‫وهذه ق�صة تعلمنا معنى و�أهمية ال�صداقة احلقيقية‪:‬‬
‫دائما مالز ًما له‪ ،‬هذا ال�صديق هو �صقره‪..‬‬‫وفيا ً‬
‫كان جلنكيز خان �صديقًا ًّ‬
‫فيخرج به ويرتكه على فري�سته ليطعم منها ويعطيه ما يكفيه‪ ,‬فخرج يو ًما‬
‫جنكيز خان �إىل اخلالء ومل يكن معه �إال �صديقه ال�صقر‪� ،‬إىل �أن انقطع بهما‬
‫ينبوعا �أ�سفل اجلبل‬
‫ً‬ ‫امل�سري وعط�شا‪ ,‬ف�أراد جنكيز خان �أن ي�رشب املاء‪ ،‬ووجد‬
‫فملأ كوبه‪ ،‬وكلما هم لي�رشب انق�ض ال�صقر على الكوب لي�سكبه‪ ..‬حاول‬
‫جنكيز خان عدة مرات ال�رشب ولكن يف كل مرة كان ال�صقر يفعل نف�س‬
‫غ�ضبا و�أخرج �سيفه وحينما اقرتب ال�صقر‬ ‫ً‬ ‫ال�شيء‪ ,‬فا�ست�شاط جنكيز خان‬
‫لي�سكب املاء �رضبه �رضبة واحدة فقطع ر�أ�سه ووقع ال�صقر �رصي ًعا‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ثم �أح�س باللأمل‪ ..‬لقد قتل �صديقه‪ ،‬وتقطع قلبه ملا ر�أى ال�صقر ي�سيل‬
‫دمه‪...‬‬
‫وقف للحظة‪ ..‬و�صعد فوق الينبوع لريى بركة كبرية يخرج من بني ثنايا‬
‫�صخرها منبع الينبوع‪ ،‬وفيها حية كبرية ميتة وقد ملأت الربكة بال�سم‪..‬‬
‫�أدرك جنكيز خان �أن �صاحبه كان يريد منفعته‪ ,‬ولكن مل يدرك ذلك �إال‬
‫بعد فوات الأوان‪ ..‬وعاد بعد ذلك �إىل حر�سه و�أمرهم ب�صنع �صقر من ذهب‬
‫متثا ًال ل�صديقه‪ ،‬و�أن ينق�ش على �أحد جناحيه‪�" :‬صديقك يبقى �صديقك ولو‬
‫فعل ما ال يعجبك"‪ ..‬وعلى اجلناح الآخر‪" :‬كل فعل �سببه الغ�ضب عاقبته‬
‫الإخفاق"‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كبسولة التسامح‬
‫"‪"Forgaving Capsule‬‬

‫دائما معك ب�أقرا�ص الت�سامح لت�أخذها عند حدوث �أي موقف‬ ‫احتفظ ً‬
‫يزعجك‪ ,‬و�ستجد �أنها تقيك من الأزمات القلبية و�أمرا�ض �ضغط الدم وكثري‬
‫من الأمرا�ض الع�صبية والنف�سية‪.‬‬
‫جيدا‬
‫توطن نف�سك ً‬ ‫ف�إن �أردت �أن تعي�ش حياة �سعيدة هادئة‪ ،‬فعليك �أن ِّ‬
‫اج ُك ْم‬
‫ين �آ َم ُنوا �إِنَّ ِم ْن �أَ ْز َو ِ‬
‫على الت�سامح مع الآخر‪ ،‬يقول اهلل تعاىل‪َ ( :‬يا �أَ ُّي َها ا َّل ِذ َ‬
‫اللهَّ َ‬
‫وه ْم َو�إِنْ ت َْعفُوا َوت َْ�صف َُحوا َو َت ْغ ِف ُروا َف�إِنَّ غَ ف ٌ‬
‫ُور‬ ‫َو�أَ ْولاَ ِد ُك ْم َع ُد ًّوا َل ُك ْم ف ْ‬
‫َاح َذ ُر ُ‬
‫يم) �صدق اهلل العظيم‪.‬‬ ‫َر ِح ٌ‬
‫لقد اكت�شف علماء النف�س احلديث �أهمية الت�سامح يف عالج اال�ضطرابات‬
‫ؤخرا ات�ضح �أن هناك عالقة وثيقة بني الت�سامح‬
‫النف�سية‪ ،‬ويف درا�سة �أجريت م� ً‬
‫واملغفرة والعفو من جهة‪ ،‬وبني ال�سعادة والر�ضا من جهة �أخرى‪.‬‬
‫فقد قاموا ب�إجراء درا�سة دقيقة على عدد من الأ�شخا�ص‪ ،‬من حيث واقعهم‬
‫االجتماعي وظروفهم املادية واملعنوية‪ ،‬ووجهوا �إليهم العديد من الأ�سئلة التي‬

‫‪163‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ؤ�رشا على �سعادة الإن�سان يف احلياة‪ ،‬وكانت النتيجة هي �أن‬


‫تعطي مبجموعها م� ً‬
‫الأ�شخا�ص الأكرث �سعادة هم الأكرث ت�سا ًحما مع غريهم‪.‬‬
‫ثم �أجروا درا�سة �أخرى الكت�شاف العالقة بني الت�سامح و�أهم �أمرا�ض الع�رص‬
‫تعودوا على العفو وال�صفح‬‫وهو مر�ض القلب‪ ،‬فوجدوا �أن الأ�شخا�ص الذين َّ‬
‫�أقل انفعا ًال‪ ،‬وال يعانون من �ضغط الدم‪ ،‬وعمل القلب لديهم يف انتظام �أكرث‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫من غريهم‪ ،‬وقدرتهم على الإبداع �أكرث � ً‬
‫يعود نف�سه على الت�سامح‪ ،‬ف�إن �أي‬ ‫ولقد خل�صت هذه الدرا�سة �إىل �أن الذي ِّ‬
‫موقف يتعر�ض له بعد ذلك ال يحدث له �أي توتر نف�سي �أو ارتفاع يف �ضغط الدم‪،‬‬
‫مما يريح ع�ضلة القلب يف �أداء عملها‪ ،‬كذلك يتجنب املت�سامح الكثري من الأحالم‬
‫املزعجة والقلق والتوتر الذي ي�سببه التفكري امل�ستمر باالنتقام ممن �أ�ساء �إليه‪.‬‬
‫مزعجا حدث لك �أوفر بكثري من �أن‬
‫ً‬ ‫ويقول العلماء‪� :‬إنك لأن تن�سى موقفًا‬
‫ت�ضيع الوقت وت�رصف طاقة كبرية من دماغك للتفكري باالنتقام‪.‬‬
‫ف�إذا �أردت �أن ت�رس عدوك ِّ‬
‫فكر باالنتقام منه؛ لأنك �ستكون اخلا�رس الوحيد‪..‬‬
‫ف‬ ‫الُ ُمورِ )‪( ،‬ف ْ‬
‫َاع ُ‬ ‫(ولمَ َ ْن َ�صبرَ َ َوغَ ف ََر �إِنَّ َذ ِل َك لمَِ ْن َع ْز ِم ْ أ‬
‫ويقول اهلل عز وجل‪َ :‬‬
‫ا�س َت ْغ ِف ْر َل ُه ْم َو َ�ش ِاو ْر ُه ْم)‪.‬‬
‫َع ْن ُه ْم َو ْ‬
‫أي�ضا علماء الربجمة اللغوية والع�صبية �أن �أف�ضل منهج لرتبية الطفل‬ ‫وقد وجد � ً‬
‫ال�سوي هو الت�سامح؛ لأن يف كل ت�سامح معه ر�سالة �إيجابية يتلقَّاها الطفل‪،‬‬
‫يعود نف�سه على ذلك‪.‬‬ ‫وبتكرارها ِّ‬
‫إذن‪:‬‬
‫فلتت�سامح مع والديك‪ :‬فهما ربياك بالطريقة التي يعرفانها‪ ،‬ومل يكونا‬
‫ورب �أوالدك بالطريقة التي‬
‫يعرفان غريها‪ ،‬ف�ساحمما �إن كنت تراهما خمطئني‪ِّ ،‬‬
‫تراها �أف�ضل‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كبريا؛ لأنه �سواء �ساحمته �أوعاقبته فقد‬


‫ت�سامح مع ابنك‪� :‬إذا �أف�سد لك �شي ًئا ً‬
‫خ�رست ذلك ال�شيء‪ ،‬فال تخ�رس ال�شيء وابنك‪.‬‬
‫ت�سامح مع �صديقك‪ :‬لأن الأوقات احللوة التي جمعتكما وال�ضحكات‬
‫التي ت�شاركتما فيها والهموم التي تقا�سمتماها كفيلة ب�أن جتعلك تغفر له �إ�ساءته‪.‬‬
‫ت�سامح مع نف�سك‪ :‬لأنها تتحمل كل �أخطائك وم�شاكلك‪ ،‬ف�ساحمها حتى‬
‫ت�ستطيع �أن تتحمل �أكرث و�أكرث دون �أن ينفد �صربها‪.‬‬
‫ت�سامح مع عائلتك‪ :‬لأنها عزوتك و�سندك و�رشفك �شئت �أم �أبيت‪ ,‬ولن‬
‫ت�ستطيع �أن تنف�صل عنها‪.‬‬
‫ت�سامح مع زوجتك‪ :‬لأنها رفيقة دربك وهدية اهلل �سبحانه لك‪ ،‬ولأنها اليد‬
‫التي تربت على كتفك حينما تكون مهمو ًما‪ ،‬والوجه امل�رشق الذي يجعلك‬
‫�أكرث �إقبا ًال على احلياة‪ ،‬وال�ضحكة التي تنت�شلك من بئر امل�شاكل والأحزان‪.‬‬
‫ت�ساحمي مع زوجك‪ :‬لأنه احلبيب املخل�ص‪ ،‬وال�صديق الويف‪ ،‬والأخ‬
‫وحمل ِته م�س�ؤوليتك كاملة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫احلنون‪ ،‬وال�شخ�ص الوحيد الذي اخرت ِته �أنت‪،‬‬
‫و َقبِلها هو بكل احلب‪.‬‬
‫أخريا يا �صديقي‪� ..‬سامح قبل �أن يفوت وقت الت�سامح وي�أتي وقت‬
‫و� ً‬
‫الأ�سف‪...‬‬

‫‪165‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫إظهار احلب‬
‫"‪"Declaring Love‬‬

‫احلب هو الأ�سا�س الأول الذي تُبنى عليه بعد ذلك كل املثل واملبادئ والقيم‬
‫يف احلياة‪ ،‬ولكن �أهم من احلب نف�سه �إظهار ذلك احلب وعدم �إخفائه‪ ..‬كيف؟‬
‫أو ًال مع اهلل عز وجل‪:‬‬
‫تكتف بحبك هلل‪ ،‬واخفا�ؤه يف قلبك‪ ،‬و�إمنا �أظهر ذلك على ل�سانك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‬
‫ويف دعائك‪ ،‬ويف كرثة عبادتك‪ ،‬ويف امتثالك لأوامره‪ ,‬فبدون �إظهار احلب‬
‫دائما‪ :‬يا ربي‪..‬‬
‫يبقى احلب �ضعيفًا‪ ,‬ف�إن كنت حتب اهلل ‪-‬وهذا يقني‪ -‬فقل له ً‬
‫كم �أنا �أحبك‪ ..‬قلها بل�سانك ليزداد احلب قوة‪ ,‬قلها ب�أفعالك ليكون �إميانك‬
‫كثريا‪ ،‬وباتباع‬
‫حقيقيا ولي�س رياء‪� ,‬أظهر حبك لر�سوله (�ص) بال�صالة عليه ً‬‫ًّ‬
‫�سنته‪� ,‬أظهر حبك هلل يقوى �إميانك ويزداد يقينك‪.‬‬
‫ثانيًا مع الوطن‪� :‬أظهر لوطنك حبك له مبحافظتك عليه‪ ،‬وباجتهادك‬
‫وتقدمك لكي تكون واجهة م�رشفة له‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ً‬
‫ثالثا مع أبنائك‪:‬‬
‫معظم الآباء والأمهات يحبون �أوالدهم بجنون‪ ،‬ولكن للأ�سف‪ ..‬الكثري‬
‫منهم ال يظهر ذلك احلب‪ ،‬وبالتايل يظن الأبناء �أن �آباءهم ال يحبونهم‪� ،‬أو �أنهم‬
‫يعربون عن حبهم بطرق �أخرى خمتلفة يظنون �أنها �أكرث �أهمية‪ ,‬ك�أن يدخلونهم‬
‫�أف�ضل املدار�س‪ ،‬وي�شرتون لهم �أف�ضل الثياب و�أغالها‪ ...‬وغري ذلك من و�سائل‬
‫االهتمام املختلفة‪ ,‬ورمبا ان�شغالهم وعملهم الدائم لتوفري م�ستوى �أف�ضل وحياة‬
‫�أكرث رفاهية تن�سيهم �أن ح�ض ًنا داف ًئا منهم لطفلهم هو �أجمل ما ميكن �أن ي�شعر‬
‫ق�ص�صا قبل النوم‪،‬‬
‫ً‬ ‫به طفل على الإطالق‪� ,‬أو ق�ضاء وقت ب�سيط معه لرتوي له‬
‫�أو اال�ستماع �إىل حكايات هذا الطفل و�أحالمه‪ ،‬رمبا يكون �أف�ضل له من تقدمي‬
‫العامل له بني يديه‪.‬‬
‫يحكى أن‪:‬‬
‫طلبت معلمة من طلبتها يف املدر�سة االبتدائية �أن يكتبوا �أحالمهم‪ ،‬وماذا‬
‫يريدون‪ ،‬وبعد العودة �إىل منزلها جل�ست لتقر�أ ما كتبوا‪ ,‬ف�أثار عاطفتها‬
‫مو�ضوع كتبه �أحد الأطفال فبكت‪ ،‬دخل زوجها البيت ووجدها تبكي‪،‬‬
‫ف�س�ألها‪ :‬ما يبكيك يا حبيبتي؟ فقالت له‪ :‬ما كتبه هذا الطفل‪ ..‬و�أعطته الورقة‪،‬‬
‫جدا‪ ..‬اجعلني تلفا ًزا؛‬ ‫خا�صا ًّ‬
‫ًّ‬ ‫طلبا‬
‫ف�أخذ يقر�أ‪�" :‬إلهي‪� ,‬أ�س�ألك هذا امل�ساء ً‬
‫خا�صا يف املنزل‪ ،‬فتلتف الأ�رسة حويل‪ ,‬ويزداد اهتمامهم بي‪،‬‬ ‫لأحتل مكانًا ًّ‬
‫يف حتى‬ ‫وي�سمعونني دون مقاطعة �أو توجيه �أ�سئلة‪� ,‬أريد من �أمي �أن ترغب َّ‬
‫وهي منزعجة �أو حزينة‪ ,‬و�أريد من �إخوتي �أن يت�شاجروا لكي يفوز كل منهم‬
‫ب�صحبتي‪ ,‬و�أن يعود �أبي من العمل فيجل�س �أمامي‪� ،‬أريد �أن �أ�شعر ب�أن �أ�رستي‬
‫أخريا‪� ..‬أريد منك يا �إلهي �أن جتعلني �أ�ستطيع‬
‫جانبا من �أجلي‪ ،‬و� ً‬‫ترتك كل �شيء ً‬
‫�أن �أ�سعد الآخرين‪� ،‬أنا ال �أريد الكثري‪ ،‬فقط‪� ..‬أريد �أن �أعي�ش مثل �أي تلفاز"‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫انتهى الزوج من القراءة وقال‪� :‬إنه فع ً‬


‫ال طفل م�سكني! فقالت‪� :‬إنه املو�ضوع‬
‫الذي كتبه ولدنا‪...‬‬
‫راب ًعا مع كل النا�س‪:‬‬
‫�إظهار احلب للنا�س ال ينبغي �أن يكون و�سيلة للح�صول على �شيء ما‪� ,‬أو‬
‫هدف وغاية‪ ،‬و�إمنا هو �أ�سلوب حياة يتبعه من يريد �أن يحيا حياة �سعيدة‪ ,‬حتى‬
‫يكن هو‬
‫�شخ�صا‪ ،‬على الأقل ال تظهر له كرهك‪ ،‬رمبا ُّ‬
‫ً‬ ‫و�إن مل ت�ستطع �أن حتب‬
‫م�شاعر حب لك ولكن ال يظهرها‪ ،‬فتكون قد جرحت �إح�سا�سه‪.‬‬
‫خام�سا مع الأ�شياء‪:‬‬
‫ً‬
‫كما قلنا يف نقطة �سابقة‪ ،‬ف�إن حتى الأ�شياء والأدوات �إذا �أحببتها بادلتك‬
‫حبا بحب‪ ،‬وكانت مطيعة لك‪ ،‬كال�سيارة والهاتف واملنزل واملالب�س وكل‬ ‫ًّ‬
‫�شيء‪ ،‬ال �أعرف ال�رس يف ذلك‪ ،‬ولكن هكذا يحدث معي ومع كثريين �آخرين‪,‬‬
‫رمبا يثبت العلم ذلك فيما بعد‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫تهادوا حتابوا‬
‫"‪"Presents make Love‬‬

‫راق للتعبري عن امل�شاعر‪� ،‬أو لالعتذار بطريقة لطيفة‪� ،‬أو‬


‫الهدية‪ :‬هي فن ٍ‬
‫أثرا جمي ً‬
‫ال‬ ‫للذكرى‪� ،‬أو للت�شجيع على �شيء‪ ...‬ومهما كان �سببها فهي ترتك � ً‬
‫لدى �صاحبها‪.‬‬
‫ولي�س لزا ًما �أن تكون الهدية �شي ًئا مكلفًا‪ ،‬بل على العك�س متا ًما‪ ،‬فهي كلما‬
‫كانت ب�سيطة ورمزية كلما كانت م�ؤثرة و�صادقة‪ ,‬فقد تكون جمموعة زهور‬
‫هي �أجمل هدية تقدم لإن�سان‪ ،‬و�أغلى من مئات الكليوجرامات من الذهب‪,‬‬
‫والدليل على ذلك كلمات �أغنية مامون ال�شناوى التي تغنيها الرائعة جناة يف‬
‫أيظن)‪ ،‬حيث تبد�أ قائلة‪:‬‬
‫ق�صيدة (� ُّ‬
‫�أنا ال �أفكر يف الرجوع �إليه‬ ‫ ‬
‫�أيظن �أين لعبة يف يديه‬
‫وت�رص على هذا املوقف يف تكرار الأبيات‪ ..‬ثم فج�أة يتغري موقفها لتقول‪:‬‬
‫من قال �إين قد حقدت عليه‬ ‫ون�سيت حقدي كله يف حلظة‬

‫‪171‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫حمل الزهور إليَّ كيف أرده؟‬


‫فهي ت�ستنكر‪ ..‬كيف ي�أتي �إليها حام ً‬
‫ال الزهور وترده مرة �أخرى‪ ،‬وهنا‬
‫حتول موقفها �إىل النقي�ض متا ًما‪ ..‬ون�سيت كل احلقد و�شحنة الغ�ضب التي‬
‫كانت بداخلها بفعل جمموعة زهور‪.‬‬
‫يا للروعة‪ ..‬حقًّا‪ ..‬لي�س هناك �أجمل من هدية الزهور‪ ،‬فهي تُوائم كل‬
‫املنا�سبات وكل الأ�شخا�ص‪.‬‬
‫ف�إن عجزت عن التعبري عن ح�سن النية و�صدق امل�شاعر بالكالم فعرب‬
‫بالورود التي �ستتوىل عنك هذا الدور‪ .‬والهدية عادة تكون �أجمل �إذا كانت‬
‫مفاجئة وغري متوقعة من ناحية‪ ,‬ومنا�سبة للآخر من ناحية �أخرى‪.‬‬
‫مرب�أة من �أي ق�صد �أو هدف‪ ،‬و�إال‬
‫ولكن بالطبع ال بد �أن تكون الهدية َّ‬
‫�أ�صبحت ر�شوة ولي�ست هدية‪ .‬فكما تقول احلكمة‪�" :‬إذا ر�أيت الهدية تدخل‬
‫باب القا�ضي اعرف �أن الأمانة خرجت من النافذة"‪..‬‬
‫�أما ما نتحدث عنه فهو الهدية الرقيقة التي تكون ملفوفة مب�شاعر احلب‬
‫ال يف قلب �صاحبها‪.‬‬ ‫أثرا جمي ً‬
‫ومغلفة مب�شاعر الإخال�ص وال�صدق‪ ,‬والتي ترتك � ً‬
‫ف�إن حدث اختالف بينك وبني �شخ�ص ما‪ ،‬فبادر �أنت بباقة الورد الأوىل‪,‬‬
‫�شخ�صا ما على �شيء‬
‫ً‬ ‫يبادرك هو بباقة احلب والت�سامح‪ .‬و�إن �أردت �أن ت�شجع‬
‫�شخ�صا ما يتذكرك �إن غاب‪� ،‬أهده هدية‬
‫ً‬ ‫جيد‪� ،‬أهده هدية‪ ,‬و�إن �أردت �أن جتعل‬
‫فتكون ذكرى منك‪ ,‬حتى نف�سك ميكنك �أن تكافئها بهدية كلما فعلت �شي ًئا‬
‫جيدا‪ ..‬فلم نكافئ اجلميع ونن�سى �أن نكافئ �أنف�سنا؟‬
‫ً‬

‫‪172‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الفصل الثالث‬

‫‪173‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كيف تتعامل مع صحتك؟‬


‫‪?How to deal with your health‬‬

‫ترتبط ال�صحة ً‬
‫اتباطا قو ًّيا بال�سعادة وحب احلياة‪ ،‬فكما �أن ال�صحة ت�ؤدي‬
‫أي�ضا ال�سعادة وحب احلياة يزيدان من �صحة املرء وقوة‬ ‫�إىل ال�سعادة‪ ،‬ف�إن � ً‬
‫اجلهاز املناعي‪.‬‬
‫وعن ابن عبا�س ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪ -‬قال‪" :‬نعمتان مغبون فيهم كثري من النا�س‬
‫ال�صحة والفراغ"‪..‬‬
‫ما هي الصحة؟‬
‫واجتماعيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫وعقليا‬
‫ًّ‬ ‫هي اكتمال ال�سالمة ج�سد ًّيا‬
‫وباعتبار �أن ما حتدثنا عنه �سابقًا يندرج حتت ال�صحة النف�سية واالجتماعية‪،‬‬
‫�إذن ف�سيكون حديثنا الآن عن ال�صحة البدنية‪.‬‬
‫كيف تكون ال�صحة البدنية‪�( :‬أو ًال من الناحية الطبية)‪..‬‬

‫‪175‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫التغذية السليمة‬
‫"‪"Healty Food‬‬

‫وتكون باتباع نظام غذائي �صحي تبتعد فيه عن الأغذية عالية ال�سعرات‬
‫احلررية (‪ )high calories‬والأغذية التي ت�سبب ارتفاع الكولي�سرتول‬
‫يف الدم‪ ،‬مما ي�ؤثر على �صحة القلب واجلهاز املناعي‪ ،‬وي�ؤدي �إىل كثري من‬
‫الأمرا�ض التي نحن يف غنى عنها لو �أننا اتبعنا �إر�شادات طبيب متخ�ص�ص يف‬
‫علم التغذية‪.‬‬
‫ولي�س اتباع نظام غذائي �صحي معناه �أن ت�ضع نف�سك حتت �ضغط الريجيم‬
‫القا�سي الذي قد ي�ؤدي بالبع�ض �إىل االكتئاب وعدم الإقبال على احلياة‪ ،‬وبذلك‬
‫نكون قد فقدنا الهدف الأ�سا�سي الذي من �أجله نحافظ على �أج�سامنا‪ ،‬وهو‬
‫حب احلياة واال�ستمتاع بها‪ ,‬و�إمنا يكون ب�أن ت�ضع لنف�سك قواعد معينة ت�سري‬
‫عليها مدى احلياة‪ ،‬ولي�س لفرتة ثم متل ثم تعود وهكذا‪ ,‬هذا لي�س نظا ًما‬
‫تعود نف�سك على عادات �صحية جديدة‪:‬‬ ‫�صحيحا‪� ,‬إذن كيف ِّ‬
‫ً‬
‫�أو ًال عليك با�ستخدام نظرية الإحالل‪ :‬وهي �أن ت�ستبدل �شي ًئا خاط ًئا ب�شيء‬

‫‪177‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال ميكنك �أن ت�ستبدل احللويات بالفاكهة‪ ،‬وت�ستبدل املقليات‬ ‫�صحيح‪ ,‬مث ً‬
‫وامل�أكوالت املحمرة يف الزيوت بامل�أكوالت امل�شوية �أو امل�سلوقة‪ ،‬واخلبز‬
‫الأبي�ض باخلبز الأ�سمر‪� ..‬إلخ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تناول ال�سلطة با�ستمرار مع كل الوجبات‪.‬‬
‫ً‬
‫كثريا‪.‬‬
‫ثال ًثا‪� :‬رشب املياه ً‬
‫جدا على حاجة اجل�سم للمياه‪.‬‬
‫ال تنتظر العط�ش لأنه �شعور مت�أخر ًّ‬
‫راب ًعا‪ :‬الإكثار من اخل�رضوات؛ لأنها متد اجل�سم بكل الفيتامينات التي‬
‫يحتاجها‪.‬‬
‫وليكن هذا نظامك اليومي‪ ،‬والذي ت�ستمر عليه مدى احلياة؛ كي تنعم‬
‫بال�صحة وبالتايل ال�سعادة �إن �شاء اهلل‪.‬‬
‫ثانيا‪( :‬من الناحية الأدبية)‪..‬‬
‫ً‬
‫وهنا ن�ستعر�ض ما قاله الأدباء‪ ،‬وما ذكره الإ�سالم يف كرثة الأكل وت�أثريه‬
‫على ال�صحة‪.‬‬
‫قال لقمان عليه السالم‪" :‬يا بني‪� ..‬إذا امتلأت املعدة نامت الفكرة‬
‫وخر�ست احلكمة وقعدت الأع�ضاء عن العبادة"‪.‬‬
‫وقال سيدنا عمر بن الخطاب‪" :‬من كرث �أكله مل يجد لذكر اهلل لذة"‪.‬‬
‫وقال سيدنا علي بن أبي طالب‪�" :‬إن كنت بط ًنا فعد نف�سك زم ًنا"‪.‬‬
‫ويقول جورج برنارد �شو‪�" :‬أف�ضل تدريب لالحتفاظ بالر�شاقة هو �أن تهز‬
‫الر�أ�س من اليمني �إىل الي�سار وبالعك�س كلما قدم �إليك طبق �شهي"‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وقال �أحد احلكماء‪�" :‬أقلل طعا ًما حتمد منا ًما"‪.‬‬


‫وقال أحد الشعراء‪:‬‬
‫بلذة �ساعة �أكالت دهر‬ ‫ ‬‫كم من لقمة منعت �أخاها‬
‫و�ضيعه هالكه لو كان يدري‬
‫َّ‬ ‫ ‬‫كم من طالب ي�سعى لأمر‬
‫خا�صا تتبعه دون احلاجة‬
‫ريجيما ًّ‬
‫ً‬ ‫و�أنا عن نف�سي‪ ،‬فقد تعلمت من والدتي‬
‫�إىل الطبيب‪ ،‬ا�سمه (القناعة يف الأكل‪ ،‬والنظر �إليه بعني القناعة ال بعني‬
‫دائما ما كانت تقول لنا �إن جز ًءا من عزة النف�س يكمن يف عدم‬ ‫ال�رشاهة)‪ً ،‬‬
‫التلهف على الطعام والإكثار منه‪ ،‬واحلقيقة �أين �أتبع هذا النظام الذي �أخذته‬
‫من والدتي‪ ،‬و�أ�ستطيع �أن �أقول لكم عن جتربة �إنه �أجنح من �أي ريجيم غذائي‬
‫يف العامل‪ ,‬فلي�س �أجمل من معدة فارغة وعقل ممتلئ ولي�س �أ�سو�أ من العك�س‪.‬‬
‫وهذا هو ما و�صى عليه الر�سول (�ص)‪ ،‬فقال‪" :‬ما ملأ ابن �آدم وعاء �رش من‬
‫بطنه‪ ،‬فبح�سب ابن �آدم لقيمات يقمن �صلبه‪ ,‬ف�إن كان ال حمالة فثلث لطعامه‬
‫وثلث ل�رشابه وثلث لنف�سه"‪.‬‬
‫(و ُك ُلوا َوا�شرْ َ ُبوا َولاَ ُت�سرِْ فُوا)‪ ،‬منهج رباين لتلخي�ص كل‬
‫ويف قول اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫ما �سبق احلديث عنه‪ ،‬وبالعمل به تكون �صحتنا يف �أح�سن حاالتها‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الرياضة‬
‫"‪"Sports‬‬

‫الكثري منا يعتقد �أن الريا�ضة مفيدة للج�سم فقط‪ ،‬وال يعرف �أنها مفيدة‬
‫للمخ �أكرث من اجل�سم؛ لأنها تعطيه الأك�سجني الذي يعطي املخ الطاقة التي‬
‫مبدعا ب�شكل متجدد‪ ,‬وال ميكن �أن جتعل عقلك‬ ‫ً‬
‫ن�شيطا ً‬ ‫يتغذى عليها‪ ،‬في�صبح‬
‫ن�شطا وج�سمك خامل‪..‬‬ ‫ً‬
‫من الفوائد األخرى للرياضة‪:‬‬
‫‪1 .1‬تقليل الإ�صابة مبر�ض ال�سكر‪.‬‬
‫‪2 .2‬تقليل الإ�صابة ب�أمرا�ض القلب وال�رشايني‪.‬‬
‫‪3 .3‬املحافظة على الوزن واجل�سم املثايل‪.‬‬
‫‪4 .4‬تزيد من كفاءة اجلهاز املناعي‪ ،‬وبالتايل تقي من نزالت الربد ب�شكل‬
‫كبري‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪5 .5‬ت�ساعد على نوم �أف�ضل‪.‬‬


‫‪6 .6‬تزيد من الثقة بالنف�س‪.‬‬
‫‪7 .7‬تقلل من التوتر وال�ضغوط الع�صبية‪.‬‬
‫‪ُ 8 .8‬وجد �أن الريا�ضة تزيد من الإح�سا�س بال�سعادة؛ لأنها ت�ساعد على‬
‫�إفراز هرمون الإندروفني الذي ي�شبه مادة املورفني التي ت�سبب‬
‫ال�سعادة والإح�سا�س بالراحة‪.‬‬
‫‪9 .9‬ت�ساعد على قدرة التذكر ب�شكل �أف�ضل‪.‬‬
‫ما هي �أنواع الريا�ضة التي من ال�سهل ممار�ستها؟‬
‫المشي‪:‬‬
‫امل�شي هو �أب�سط و�أي�رس ريا�ضة ميكنك �أن متار�سها على الأطالق‪ ،‬يغنيك‬
‫عن ق�ضاء �ساعات يف �صاالت التمرينات الريا�ضية �إذا واظبت عليه با�ستمرار‬
‫وجعلته جز ًءا من برناجمك اليومي‪.‬‬
‫أي�ضا نوع من �أنواع الريا�ضة الب�سيطة‪،‬‬
‫�أو حتى �صعود وهبوط ال�سلم‪ ،‬يعترب � ً‬
‫بد ًال من ا�ستخدام ال�سلم الكهربائي‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫االسرتخاء‬
‫"‪"Relaxation‬‬

‫ي�ساعد اال�سرتخاء على ا�ستدعاء م�شاعر كامنة ت�سمى م�شاعر العمق‪ ،‬هذه‬
‫امل�شاعر ت�ستثار باملو�سيقى �أو القراءة �أو م�شاهدة الطبيعة‪ ،‬وقد و�صف العمق‬
‫ب�أنه �إلهام ومزيج من احلزن وال�رسور م ًعا‪ ،‬و�أنه �شعور روحاين‪ ,‬وهو ي�ؤثر على‬
‫�شعور الإن�سان بالتوازن والتكامل والهوية؛ لذا فعندما يكون يف اال�سرتخاء‬
‫إيجابيا على ال�صحة النف�سية والبدنية‬
‫ا�ستثارة لهذه امل�شاعر العميقة ف�إنها ت�ؤثر � ًّ‬
‫وروحانيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫جدا ج�سد ًّيا‬
‫للإن�سان‪ ..‬فعليك �أال تغفل عن�رص اال�سرتخاء لأنه مفيد ًّ‬

‫‪183‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الفصل الرابع‬

‫‪185‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫كيف تتعامل مع إميانك‬


‫"‪"How to deal with your believe‬‬

‫هل يعمل هاتفك املحمول �إذا مل ت�شحن بطاريته؟ بالطبع ال‪ ،‬وهكذا قلوبنا‬
‫ال تعمل بدون �شحن‪..‬‬
‫وكيف ن�شحن قلوبنا؟ ال �شك بالإميان‪ ,‬فجدد �إميانك يتجدد قلبك ويعود‬
‫للعمل‪.‬‬
‫الإميان هو �أ�صل احلياة نف�سها‪ ،‬وبالتايل فهو طريقك الأول �إىل حب احلياة‪،‬‬
‫نب على الإميان باهلل عز وجل‪,‬‬ ‫وكل ما �سبق وذكرناه لي�س له قيمة �إذا مل ي َ‬
‫والإميان هو ذلك ال�شيء الذي يجعل قلبك م�ضي ًئا‪ ,‬وبالك هادئًا‪ ,‬ويجعلك‬
‫تنام مطمئ ًّنا‪� ,‬آم ًنا‪ ،‬فاهلل �سبحانه وتعاىل بعزته وجالله يحر�سك ويرعاك‪ ،‬فكيف‬
‫يعرف اخلوف قلب �آمن ب�أن له ر ًّبا ال يغفل وال ينام؟ كيف يخ�شى قلة الرزق‬
‫من �أدرك �أن له ر ًّبا كرميًا كتب له رزقه منذ والدته ولن ي�أخذه غريه‪ ..‬فالإن�سان‬
‫بدون �إميان كطفل �صغري تائه من والديه ال يعرف �أين عليه �أن يذهب وال يهد�أ‬
‫أبدا وال ي�شعر بالطم�أنينة �إال بالعودة �إليهما‪ ،‬وكذلك حال امل�ؤمن ال ي�شعر‬
‫باله � ً‬
‫بالطم�أنينة �إال بالعودة �إىل خالقه وبارئه عز وجل‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫اوال دعونى اخربكم ببع�ض احلقائق التى قد تبدو لكم من الوهلة االوىل ال‬
‫عالقة لها بهذا املو�ضوع ولكنها فى احلقيقة هى العامل اال�سا�سى للنجاح فى‬
‫اى �شئ ومنها احلفاظ على ال�صحة والوزن املثاىل‪:‬‬
‫•ت�ستطيع ان حتقق فى حياتك املزيد منال�سلطة وال�صحة والرثوة‬
‫وال�سعادة من خالل الو�صول اىل قوة العقل الباطن واخراجها‬
‫من مكمنها ‪.‬‬
‫•احلقيقة انك لك عقل واحد ولكن له وظيفتان وظيفة العقل الواعى او‬
‫الظاهر ووظيفة العقل الداخلى او الباطن ويختلف العقل الباطن عن‬
‫العقل الواعى فى انه ال مينطق اال�شياء وال يجادل فيها وال ميتلك القدرة‬
‫على الت�شكيك وامل�ساءلة مبعنى انه اذا تلقى فكرة معينة �سواء ايجابية او‬
‫�سلبية فانه �سيتقبلها على الفور ويبد�أ فى تنفيذها فورا حتى ت�صبح عادة‬
‫او �سلوك اى انه مبثابة تربة �صاحلة لزراعة اى بذور فهو ي�ستجيب‬
‫الفكار اخلري وال�رش دون متييز لذلك فعندما يطبق هذا القانون بطريقة‬
‫�سلبية فانه يكون ال�سبب وراء الف�شل واالحباط والتعا�سة وعندما يطبق‬
‫بطريقة ايجابية غانه يكون وراء النجاح وال�سعادة‪.‬‬
‫•مما �سبق اذا انت اعطيت عقلك الباطن فكرة انك ال حتتاج اىل كمية‬
‫كبرية من الطعام وانك فقط بحاجة اىل ما ي�ساعدك على احلياة بطريقة‬
‫طبيعية ولن الطعام ال ميثل لك اهمية كربى وهو لي�س للت�سلية وامنا‬
‫فقط ال�ستمرار احلياة واقتنعت متاما بهذه الفكرة وظللت حتدث بها‬
‫نف�سك دائما فان عقلك الباطن �سي�ستجيب لهذه الفكرة و �ستتغري‬
‫على ا�سا�سها عاداتك و�سلوكياتك فى الطعام ح�سب االمالءات التى‬
‫�ستمليها عليه ‪(.‬قوة العقل الباطن جوزيف مريفى)‬
‫•وال تن�سوا ا�صدقائى انه ال ميكن اجناز اى �شئ بدون رغبة �صادقة‬

‫‪188‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وحقيقية فاذا كنت ترغب فى ان يظل وزنك مثاىل طول العمر‬


‫فحول هذه الرغبة اىل فعل واداء عن طريق اتباع عادات غذائية‬
‫�سليمة و�صحيحة‪.‬‬
‫ولكن كيف تجدد إيمانك؟‬
‫ذكر اهلل‪:‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫( أ�َلاَ ب ِِذ ْك ِر اللهَِّ ت َْط َم ِئ ُّن ا ْل ُق ُل ُ‬
‫وب)‬
‫�إذا �أردت �أن يهد�أ قلبك وت�سعد نف�سك فاذكر اهلل‪.‬‬
‫وحيدا فاذكر اهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫�إذا �ضاقت بك الدنيا ووجدت نف�سك‬
‫�إذا وجدت نف�سك ت�شكو من الأرق وعدم القدرة على النوم‬
‫الطبيعي فاذكر اهلل‪.‬‬
‫�إذا وجدت نف�سك تت�أمل من �شيء وتبكي كالأطفال فاذكر اهلل‪.‬‬
‫�إذا وجدت الهم واحلزن والأ�سى يقرع بابك فاذكر اهلل‪.‬‬
‫�إذا �شعرت ب�أنك تغو�ص يف بحر والظلمات من حولك و�أردت �أن تخرج‬
‫للنور فاذكر اهلل‪.‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫ي�ش ًة َ�ض ْن ًكا)‬ ‫(و َم ْن �أَ ْع َر َ‬
‫�ض َع ْن ِذ ْك ِري َف�إِنَّ َل ُه َم ِع َ‬ ‫َ‬
‫�صدق اهلل العظيم‬

‫‪189‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ملاذا يلجـ�أ الكثري من النا�س يف دول الغرب �إىل االنتحار‪ ،‬ومنهم الكثريين‬
‫ممن حققوا �شهرة وثراء وا�س ًعا؟‬
‫لأنهم عندما ت�ضيق بهم الدنيا ال يجدون ما يلج�أون �إليه‪ ،‬وال يعرفون �أن‬
‫هناك �شي ًئا ا�سمه ذكر اهلل ومناجاته‪ ،‬وا�ستغفارهايل يجل الهموم والغموم‪،‬‬
‫ويجعل الإن�سان �أكرث قوة‪ ،‬ويجعل قلبه �أكرث راحة وطم�أنينة‪ ،‬و�أقل خوفًا‬
‫�سليما‬
‫ً‬ ‫منهجا‬
‫ً‬ ‫وتوترا‪ ,‬وهم الآن ي�صولون ويجولون �رشقًا وغر ًبا ليجدوا‬ ‫ً‬
‫معاهدا لتعليم الأخالق‪ ،‬وتارة يقيمون م�ؤمترات‬ ‫ً‬ ‫يتبعونه‪ ،‬فتارة ي�ضعون‬
‫تدريبية لتعليم الت�سامح‪ ،‬و�أخرى لكيفية معاملة النا�س‪ ،‬ولكنهم يغفلون �أهم‬
‫منهجا‬
‫ً‬ ‫�شيء‪ ،‬وهو الإميان باهلل عز وجل‪ ،‬و�أن اهلل �سبحانه وتعاىل قد �أنزل �إلينا‬
‫�سماو ًّيا فيه كل ما يحتاجه الإن�سان ليحيا حياة كرمية‪ ،‬وهو القران الكرمي‬
‫وال�سنة النبوية‪ ،‬وال�رشيعة التي نتعلم منها كيف يكون الطريق ال�صحيح الذي‬
‫ن�سري عليه‪.‬‬
‫وبالرغم من �أننا نحن امل�سلمون لدينا هذا املنهج الرباين وال�سنة النبوية‬
‫وال�رشيعة‪� ،‬إال �أننا �أحيانا كثرية ت�أخذنا احلياة ونبتعد عنهما‪ ،‬فنتوه ون�ضل‬
‫الطريق‪..‬‬
‫خرجت فتاة عربية (م�سلمة) من النوع امللتزم بتعاليم الدين احلنيف �إىل‬
‫زيارة �إحدى �صديقاتها‪ ،‬و�أم�ضت معظم الليل عندها‪ ،‬ومل تدرك ذلك �إال‬
‫عندما دقت ال�ساعة م�شرية �إىل �أن الوقت قد تعدى منت�صف الليل‪ ،‬الآن هي‬
‫مت�أخرة عن املنزل‪ ،‬والذي هو بعيد عن املكان الذي هي فيه‪..‬‬
‫ن�صحت ب�أن تذهب �إىل بيتها باحلافلة‪ ،‬مع �أن القطار قد يكون �أ�رسع‪،‬‬
‫وتعلمون �أن لندن (مدينة ال�ضباب) مليئة باملجرمني والقتلة وخا�صة يف مثل‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬وبالأخ�ص حمطات القطارات‪ ،‬فحاولت �أن تهدئ نف�سها‪ ،‬و�أن‬
‫تقتنع ب�أن لي�س هناك �أي خطر‪..‬‬

‫‪190‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وقررت الفتاة �أن ت�سلك طريق القطار لكي ت�صل �إىل البيت ب�رسعة‪ ،‬وعندما‬
‫نزلت �إىل‬
‫املحطة‪ ،‬والتي عادة ما تكون حتت الأر�ض‪ ،‬ا�ستعر�ضت مع نف�سها احلوادث‬
‫التي �سمعتها وقر�أتها عن جرائم القتل التي حتدث يف تلك املحطات يف فرتات‬
‫ما بعد منت�صف الليل‪ ،‬فما �إن دخلت �صالة االنتظار حتى وجدتها خالية من‬
‫النا�س �إال ذلك الرجل‪ ،‬خافت الفتاة يف البداية لأنها مع هذا الرجل وحدهما‪،‬‬
‫ولكنها ا�ستجمعت قواها وحاولت �أن تتذكر كل ما حتفظه من القر�آن الكرمي‪،‬‬
‫وظلت مت�شي وتقر�أ حتى م�شت من خلفه وركبت القطار وذهبت �إىل البيت‪..‬‬
‫ويف اليوم التايل كان اخلرب الذي �صدمها‪..‬‬
‫قر�أت يف اجلريدة عن جرمية قتل لفتاة حدثت يف نف�س املحطة وبعد خم�سة‬
‫دقائق من مغادرتها �إياها‪ ،‬وقد قب�ض على القاتل‪..‬‬
‫ذهبت الفتاة �إىل مركز ال�رشطة وقالت �إنها كانت هناك قبل خم�سة دقائق‬
‫وطلب منها �أن تتعرف على القاتل‪ ،‬فتعرفت عليه‪ ،‬وهو‬ ‫من وقوع اجلرمية‪ُ ،‬‬
‫ذاك الرجل الذي كان معها باملحطة!‬
‫هنا طلبت الفتاة �أن ت�س�أل القاتل �س�ؤا ًال‪ ،‬وبعد الإقناع قبلت ال�رشطة‬
‫الطلب‪..‬‬
‫�س�ألت الفتاة الرجل‪ :‬هل تذكرين؟‬
‫رد الرجل عليها‪ :‬هل �أعرفك؟‬
‫قالت‪� :‬أنا التي كنت يف املحطة قبل وقوع احلادث‪..‬‬
‫قال‪ :‬نعم تذكرتك‪..‬‬
‫قالت‪َ :‬مل ْمل تقتلني بد ًال من تلك الفتاة؟‬

‫‪191‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫قال‪ :‬وكيف يل �أن �أقتلك؟ و�إن قتلتك ماذا �سيفعل بي الرجالن ال�ضخمان‬
‫اللذان كانا خلفك؟‬
‫�سبحان اهلل‪ ..‬فقد كان يحر�سها مبلكان وهي مل ترهما‪..‬‬
‫ف�إن �أردنا �أن نحب احلياة بحق فعلينا بذكر اهلل عز وجل‪ ،‬وذكر اهلل يكون‬
‫بالآتي‪:‬‬
‫قراءة القران الكرمي‪ :‬م�ساكني هم من يحرمون �أنف�سهم من متعة قراءة‬
‫القر�آن الكرمي �أو �سماعه‪ ..‬ليكن لك ورد يومي تقر�أه كل يوم‪ ،‬حتى ولو‬
‫تدريجيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫�صفحة واحدة؛ حتى تواظب على ذلك ثم تبد�أ يف الزيادة‬
‫يقول ر�سول اهلل (�ص)‪" :‬من �أراد الدنيا فعليه بالقر�آن‪ ..‬ومن �أراد الآخرة‬
‫فعليه بالقر�آن‪.‬؟ ومن �أرادهما م ًعا فعليه بالقر�آن"‪� ..‬صدق ر�سول اهلل (�صلى‬
‫اهلل عليه و�سلم)‪.‬‬
‫فلي�س هناك �أروع وال �أجمل من متعة قراءة القر�آن الكرمي‪ ،‬الذي هو نعمة‬
‫من اهلل لنا ليزيل عنا همومنا‪ ،‬ويفرج عنا كروبنا وي�رشح �صدورنا ويجلو‬
‫�أحزاننا و�إن مت�سكنا به وب�سنة نبينا وحبيبنا حممد (�ص) فلن يعرف ال�شقاء طريقًا‬
‫أبدا‪.‬‬
‫�إلينا � ً‬
‫االستغفار‪:‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫ال�س َم َاء َع َل ْي ُك ْم ِم ْد َر ًارا *‬ ‫ا�س َت ْغ ِف ُروا َر َّب ُك ْم �إِ َّن ُه َكانَ غَ ف ً‬
‫َّارا * ُي ْر�سِ ِل َّ‬ ‫( َف ُق ْل ُت ْ‬
‫ارا)‬ ‫ات َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم �أَ ْن َه ً‬
‫ني َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم َج َّن ٍ‬
‫َويمُ ْ ِد ْد ُك ْم بِ�أَ ْم َوالٍ َو َب ِن َ‬
‫�صدق اهلل العظيم‬

‫‪192‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫�إذا �ضاق بك الرزق فا�ستغفر اهلل‪.‬‬


‫�إذا �أردت الأوالد فا�ستغفر اهلل‪.‬‬
‫�إذا �أردت جنات من حتتها الأنهار يف الآخرة فا�ستغفر اهلل‪.‬‬
‫و�أذكر ق�صة واقعية قر�أتها تقول �صاحبتها‪:‬‬
‫مات زوجي و�أنا يف الثالثني من عمري‪ ،‬وعندي خم�س �أطفال بنني‬
‫وبنات‪ ،‬ف�أظلمت الدنيا يف وجهي‪ ،‬وبكيت حتى خفت على نظري‪،‬‬
‫وطوقني الهم من كل جانب‪ ،‬ف�أبنائي �صغار‪ ،‬ولي�س لنا دخل يكفينا‪ ،‬وبينما‬
‫�أنا يف غرفتي فتحت املذياع على �إذاعة القر�آن الكرمي‪ ،‬و�إذا ب�شيخ يقول‪ :‬قال‬
‫خمرجا‪ ،‬ومن كل‬
‫ر�سول اهلل (�ص)‪" :‬من �أكرث اال�ستغفار جعل اهلل له من كل هم ً‬
‫فرجا"‪..‬‬
‫�ضيق ً‬
‫تقول‪ :‬ف�أكرثت من اال�ستغفار‪ ،‬و�أمرت �أبنائي بذلك‪ ،‬وما مر بنا واهلل ‪6‬‬
‫�أ�شهر‪ ،‬حتى جاء تخطيط م�رشوع على �أمالك لنا قدمية‪ ،‬ف ُع ِّو�ضت فيها مباليني‪،‬‬
‫ال‪ ،‬و�صار‬‫و�صار ابني الأول على طالب منطقته‪ ،‬وحفظ القر�آن الكرمي كام ً‬
‫كثريا‪ ،‬و�أ�صلح اهلل يل كل �أبنائي‬
‫خريا ً‬‫حمل عناية النا�س ورعايتهم‪ ،‬وامتلأ بيتنا ً‬
‫وبناتي‪ ،‬و�أذهب عنا الهم واحلزن والغم‪.‬‬
‫أي�ضا ق�صة �أخرى‪ ،‬عن رجل وامر�أة تزوجا‪ ،‬ومر على زواجهما ‪ 11‬عا ًما‬ ‫� ً‬
‫طبيبا �إال وذهبا �إليه‪ ،‬والكل �أجمع على �أنهما‬ ‫دون �أن ُيرزقا ب�أطفال‪ ،‬ومل يرتكا ً‬
‫ُ‬ ‫لي�س بهما ما يعوق الإجناب �إىل �أن �سمعا هذه الآية‪َ ( :‬ف ُق ْل ُت ْ‬
‫ا�س َت ْغ ِف ُروا َر َّبك ْم‬
‫ال�س َم َاء َع َل ْي ُك ْم ِم ْد َر ًارا * َويمُ ْ ِد ْد ُك ْم بِ�أَ ْم َوالٍ َو َب ِن َ‬
‫ني َو َي ْج َع ْل‬ ‫َّارا * ُي ْر�سِ ِل َّ‬ ‫�إِ َّن ُه َكانَ غَ ف ً‬
‫ارا)‪ ..‬فقاال‪� :‬إذن �سنبد�أ العالج بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫ات َو َي ْج َع ْل َل ُك ْم �أَ ْن َه ً‬‫َل ُك ْم َج َّن ٍ‬
‫ونهارا �آالف املرات‪ ،‬حتى رزقهما اهلل بطفل‪ ،‬ثم �آخر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وبدءا باال�ستغفار لي ً‬
‫ال‬
‫�إىل �أن �أ�صبح لديهما ‪ 4‬بنني وابنة وهذا بف�ضل اال�ستغفار‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫التسبيح‪ :‬هو قول اهلل �سبحانه‪ ،‬وميكنك �أن تقول �سبحان اهلل وبحمده‬
‫�سبحان العظيم‪ ،‬فهما كلمتان خفيفتان على الل�سان ثقيلتان يف امليزان‪..‬‬
‫التحميد‪ :‬وهو قول احلمد هلل‪.‬‬
‫ويمكن أن تقول‪ :‬ربي‪ ..‬لك احلمد كما ينبغي جلالل وجهك الكرمي‬
‫وعظيم �سلطانك‪ ..‬فهذه ملقولة ال تعرف املالئكة كيف تكتب ح�سناتها من‬
‫ف�ضلها فترتكها للموىل عز وجل‪.‬‬
‫التهليل‪ :‬وهو قول ال �إله �إال اهلل‪.‬‬
‫مثل ال �إله اال اهلل وحده ال �رشيك له له امللك وله احلمد وهو على كل �شيء‬
‫قدير‪.‬‬
‫التكبير‪ :‬وهو قول اهلل أكبر‪.‬‬
‫رطبا‪ ،‬فهي كلمات ب�سيطة‬ ‫دائما‪ ،‬ول�سانك ً‬‫عامرا بذكر اهلل ً‬
‫فلتجعل قلبك ً‬
‫فمرن‬
‫و�سهلة على الل�سان‪ ،‬ولكن لها ف�ضل كبري‪ ،‬وعدد كبري من احل�سنات‪ِّ ،‬‬
‫ل�سانك على الذكر‪� ،‬سواء يف منزلك �أو يف طريقك للعمل �أو عودتك �أو �أي‬
‫عمل تقوم به‪ ،‬اعترب نف�سك يف م�سابقة وتريد �أن جتمع �أكرب عدد من النقاط‪،‬‬
‫وهذه النقاط هي احل�سنات‪ ،‬فا�ستغل كل حلظة وكل �ساعة يف حياتك يف جتميع‬
‫هذه احل�سنات‪ ،‬و�إذا ا�ستخدمنا نظرية الدمج التي حتدثنا عنها م�سبقًا‪ ،‬فيمكننا‬
‫�أن نطبق الذكر مع �أي عمل �آخر نقوم به‪.‬‬
‫الدعاء‪ :‬ثم قيل عن الدعاء‪:‬‬
‫�أنت املعد لكل ما يتوقع‬ ‫ ‬
‫يا من يرى ما يف ال�ضمري وي�سمع‬
‫يا من �إليه امل�شتكى واملفزع‬ ‫ ‬
‫يا من يرجى لل�شدائد كلها‬

‫‪194‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫هي عبارة عظيمة تتحقق بها الأمنيات وحتلو بها احلياة‪..‬‬


‫وقيل‪� :‬إنه مخ العبادة‪ ،‬فال تكتمل العبادة بدونه‪.‬‬
‫وقيل‪� :‬إنه امل�ضاد احليوي �ضد �أي �أنات قلبية‪.‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫َال َر ُّب ُك ُم ا ْد ُعونيِ �أَ ْ�س َت ِج ْب َل ُك ْم �إِنَّ ا َّل ِذ َ‬
‫ين َي ْ�س َت ْك رِ ُبونَ َع ْن ِع َبا َد ِتي‬ ‫(وق َ‬
‫َ‬
‫ين)‬ ‫ر‬ ‫اخ‬ ‫د‬ ‫م‬
‫َ َ َّ َ َ ِ ِ َ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ونَ‬‫ل‬‫ُ‬ ‫خ‬ ‫د‬
‫ََْ ُ‬ ‫ي‬ ‫�س‬
‫�صدق اهلل العظيم‬
‫راغبا يف جنته ونعمته‪ ،‬طام ًعا يف‬
‫راجيا عفوه‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫طالبا مغفرته‪،‬‬
‫فادع اهلل ً‬ ‫ُ‬
‫فرا خائبني �إذا‬
‫عطائه وغناه‪ ،‬فهو �سبحانه وتعاىل ي�ستحي �أن يرد يدي عبده ُ�ص ً‬
‫�س�أله‪ ،‬قال ر�سول اهلل (�ص)‪�" :‬إن ربكم تبارك وتعاىل كرمي‪ ،‬ي�ستحي من عبده‬
‫فرا"‪.‬‬
‫�إذا رفع يديه �إليه �أن يردها ُ�ص ً‬
‫ملحا يف دعائك‪ ،‬معل ًنا احتياجك وافتقارك �إىل اهلل عز وجل‪ ،‬واثقًا‬‫فكن ًّ‬
‫م�ستح�رضا قلبك‪ ،‬معرتفًا بذنبك وبف�ضل اهلل‬
‫ً‬ ‫من الإجابة‪ ،‬ولكن غري متعجل‪،‬‬
‫عليك ونعمته �سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫وا�س�أل الذي �أبوابه ال حتجب‬ ‫ ‬
‫ال ت�س�ألن بني �آدم حاجة‬
‫وترى ابن �آدم حني ُي�س�أل يغ�ضب‬ ‫اهلل يغ�ضب �إن تركت �س�ؤاله‬
‫ف�أنت �إن �س�ألت العبد غ�ضب اهلل عز وجل‪ ،‬غ�ضب �إن مل ت�س�أله‪..‬‬
‫وحتر الأوقات التي يكون فيها الدعاء جما ًبا‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪195‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫وأخيرًا يُحكى أن‪:‬‬


‫كان هناك راهب �سمع عن �شجرة ي�سكنها �شيطان ويعبدها النا�س‪ ،‬فدفعه‬
‫حبه هلل �سبحانه وتعاىل وغريته على دينه �إىل الذهاب �إىل هذا ال�شيطان ليقاتله‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬ما دخلك بي؟ دعني و�ش�أين‪ ،‬ملاذا تريد �أن تقطعني؟ فقال له الراهب‪:‬‬
‫كيف �أتركك و�أنت ت�ضل النا�س وتبعدهم عن عبادة الإله احلقيقي؟ فقال‬
‫دمت ال تعبد ال�شجرة؟ قال الراهب‪ :‬من‬ ‫ال�شيطان‪ :‬يا �أخي‪ ..‬ماذا يهمك ما َ‬
‫واجبي �أن �أنقذ النا�س منك ومن �أمثالك‪..‬‬
‫وهنا دارت معركة بني الراهب وال�شيطان‪ ،‬حتى متكن الراهب منه بعد‬
‫فرتة‪ ،‬وهم ب�أن يقطع ال�شجرة‪ ،‬فقال له ال�شيطان‪ :‬اتركني و�أنا �أ�ضع لك كل‬
‫ذهبيا‪ ..‬فرتاجع الراهب وقد �أعجبته الفكرة‪ ..‬حتى‬ ‫دينارا ًّ‬
‫يوم حتت و�سادتك ً‬
‫كان ذلك اليوم رفع الراهب و�سادته فلم يجد �شي ًئا‪ ..‬فثار وهاج وحمل ف�أ�سه‬
‫وذهب ليقطع ال�شجرة‪ ،‬فاعرت�ضه ال�شيطان وت�صارعا‪ ،‬ولكن هذه املرة تغلب‬
‫ال�شيطان على الراهب‪ ،‬فت�ساءل الراهب‪ :‬ملاذا مل �أنت�رص هذه املرة؟‬
‫�ساخرا‪ :‬املرة ال�سابقة كنت حتارب من �أجل اهلل‪� ،‬أما الآن‬
‫ً‬ ‫فقال ال�شيطان‬
‫ف�أنت حتارب من �أجل الدنانري‪ ،‬و�شتان بني الهدفني‪ ..‬اترك قطع ال�شجرة ملن‬
‫ال تغويه �شهوة الدنانري‪.‬‬
‫أخريا �س�أختم كتابي هذا بهذه الكلمات للرائع جربان خليل جربان‪،‬‬
‫و� ً‬
‫يقول‪:‬‬
‫النصف حياة‪:‬‬
‫ال جتال�س �أن�صاف الع�شاق‪ ،‬وال ت�صادق �أن�صاف الأ�صدقاء‪..‬‬
‫ال تقر�أ لأن�صاف املوهوبني‪..‬‬

‫‪196‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫ال تع�ش ن�صف حياة‪ ،‬وال متت ن�صف موتة‪..‬‬


‫ال تخرت ن�صف حل‪ ،‬وال تقف يف منت�صف احلقيقة‪.‬‬
‫ال حتلم ن�صف حلم‪ ،‬وال تتعلق بن�صف �أمل‪.‬‬
‫�صمت فا�صمت حتى النهاية‪ ,‬و�إذا تكلمت فتكلم حتى النهاية‪ ,‬ال‬
‫َّ‬ ‫�إذا‬
‫ت�صمت كي تتكلم‪ ،‬وال تتكلم كي ت�صمت‪.‬‬
‫الن�صف هو حياة مل تع�شها‪ ،‬وهو كلمة مل تقلها‪ ،‬وهو ابت�سامة � َّأجلتها‪ ،‬وهو‬
‫حب مل ت�صل �إليه‪ ,‬فعبرِّ عن رف�ضك؛ لأن ن�صف الرف�ض قبول‪.‬‬
‫غريبا عن �أقرب النا�س �إليك‪ ،‬وهو ما يجعل �أقرب‬
‫الن�صف هو ما يجعلك ً‬
‫النا�س �إليك غرباء عنك‪.‬‬
‫الن�صف هو �أن ت�صل و�أال ت�صل‪� ,‬أن تعمل و�أال تعمل‪� ,‬أن تغيب و�أن حت�رض‪.‬‬
‫الن�صف هو �أن ال تعرف من �أنت‪ ,‬ومن حتب لي�س ن�صفك الآخر‪ ،‬ولكن‬
‫هو �أنت يف مكان �آخر يف الوقت نف�سه‪.‬‬
‫ن�صف �رشبة لن تروي ظم�أك‪ ,‬ون�صف جوعة لن ت�شبع جوعك‪.‬‬
‫ن�صف طريق لن يو�صلك �إىل �أي مكان‪ ،‬ون�صف فكرة لن تعطيك نتيجة‪.‬‬
‫الن�صف هو حلظة عجزك‪ ،‬و�أنت ل�ست بعاجز؛ لأنك ل�ست ن�صف �إن�سان‪.‬‬
‫�أنت �إن�سان وجدت كي تعي�ش احلياة ولي�س ن�صف احلياة‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫أهم املراجع‬

‫•املفاتيح الع�رشة للنجاح ‪ -‬د‪� .‬إبراهيم الفقي‪.‬‬


‫•مائة طريقة لتحفيز نف�سك ‪� -‬ستيف �شاندلر‪.‬‬
‫•ال حتزن ‪ -‬ال�شيخ عائ�ض القرين‪.‬‬
‫•حياة الأنبياء ‪ -‬ال�شيخ حممود امل�رصي‪.‬‬
‫•كيف تك�سب الأ�صدقاء وت�ؤثر يف الآخرين ‪ -‬ديل كارينجي‪.‬‬
‫•حدائق احلكمة ‪ -‬نبيل �أحمد‪.‬‬
‫•�صناعة الذات ‪� -‬أ‪ .‬مريد الكالب‪.‬‬
‫•العادات ال�سبع للنجاح ‪� -‬ستيفن كويف‪.‬‬
‫•�أفعال قليلة ونتائج كبرية‪.‬‬
‫جوزيف مريفى‬ ‫ ‬
‫•قوة العقل الباطن‬
‫كرمي ال�شاذىل‬ ‫ ‬
‫•ال�شخ�صية ال�ساحرة‬

‫‪199‬‬
‫ ابراهيم الفقى‬‫•قوة الت�سامح‬
‫مايكل ارجايل‬ ‫•�سيكولوجية ال�سعادة ‬
‫على الطاهر عبد ال�سالم‬ ‫•متعة الف�شل ‬
‫•ا�س�س التفكري االيجابى بحث علمى ومن�شور فى احدى املجالت العلمية‬
‫د‪�.‬سعيد بن �صالح الرقيب‬ ‫ ‬ ‫بقلم‬
‫•مواقع انرتنت‪:‬‬
‫•�شبكة �صيد الفوائد‬
‫•مكتبة عبد احلق غازى االلكرتونية‬
‫•موقع مدينة الكتب‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫الفهرس‬
‫رقم ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬
‫‪5‬‬ ‫�إهداء‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪9‬‬ ‫كيف حتب احلياة؟‬
‫‪13‬‬ ‫اخلع النظارة ال�سوداء‬
‫‪21‬‬ ‫بعيدا‪ ..‬ما تبحث عنه بداخلك‬
‫ال تذهب ً‬
‫‪27‬‬ ‫اجعل عينيك على النجوم وقدميك على الأر�ض‬
‫‪31‬‬ ‫ابحث عن الل�ؤل�ؤة التي بداخلك‬
‫‪37‬‬ ‫قررت �أن �أغري العامل‬
‫‪41‬‬ ‫ال تطفئ هذه ال�شمعة‬
‫‪47‬‬ ‫ال�شم�س والقمر‬
‫‪51‬‬ ‫وح�ش ميكن تروي�ضه‬
‫‪57‬‬ ‫ذلك الذي يجري‪ ..‬ال تدعه يفلت منك‬
‫‪65‬‬ ‫بيوت من ق�ش‬
‫‪71‬‬ ‫احذر العمى العقلي‬

‫‪201‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪75‬‬ ‫ورقة وقلم‬


‫‪77‬‬ ‫ابحث عن الهدية‬
‫‪85‬‬ ‫أخرج الع�صفور من القف�ص‬
‫� ِ‬
‫‪91‬‬ ‫ال تلتفت وراءك‬
‫‪93‬‬ ‫غني‬
‫كم �أنا ّ‬
‫‪95‬‬ ‫ما �أروع الف�شل‬
‫‪99‬‬ ‫�ضع ب�صمتك يف كل مكان‬
‫‪101‬‬ ‫الف�صل الثاين‬
‫‪103‬‬ ‫كيف تتعامل مع الآخر‬
‫‪105‬‬ ‫الأخالق الرائعة‬
‫‪117‬‬ ‫ب�شو�شا‬
‫ً‬ ‫كن وج ًها‬
‫‪123‬‬ ‫أ�سعد ت�سعد‬
‫� ِ‬
‫‪127‬‬ ‫اهتم بالآخرين‬
‫‪131‬‬ ‫نقدا و�أكرث تعاطفًا‬
‫كن �أقل ً‬
‫‪135‬‬ ‫عن�رصا خام ً‬
‫ال‬ ‫ً‬ ‫ال تكن‬
‫‪139‬‬ ‫مهدئ للأع�صاب �رسيع املفعول‬
‫‪143‬‬ ‫يف احلوار مع الآخرين‬
‫‪149‬‬ ‫احلياة م�رسحية‬

‫‪202‬‬
‫كيف حتب احلياه‬

‫‪153‬‬ ‫مرحبا بالنقد‬


‫ً‬
‫‪155‬‬ ‫ا�شكر النا�س بحرارة‬
‫‪157‬‬ ‫تقبل الآخر‬
‫‪159‬‬ ‫من هم �أ�صدقا�ؤك‬
‫‪163‬‬ ‫كب�سولة الت�سامح‬
‫‪167‬‬ ‫�إظهار احلب‬
‫‪171‬‬ ‫تهادوا حتابوا‬
‫‪173‬‬ ‫الف�صل الثالث‬
‫‪175‬‬ ‫كيف تتعامل مع �صحتك؟‬
‫‪177‬‬ ‫التغذية ال�سليمة‬
‫‪181‬‬ ‫الريا�ضة‬
‫‪183‬‬ ‫اال�سرتخاء‬
‫‪185‬‬ ‫الف�صل الرابع‬
‫‪187‬‬ ‫كيف تتعامل مع �إميانك‬
‫‪199‬‬ ‫�أهم املراجع‬
‫‪201‬‬ ‫الفهر�س‬

‫‪203‬‬

You might also like