Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 96

‫جامعة الجزائر ‪10‬‬

‫بن يوسف بن خدة – كلية الحقوق سعيد حمدين‬

‫الموضوع‪:‬‬

‫السبب األجنبي في مجال المسؤولية المدنية‬

‫مذكرة من متطلبات نيل شهادة الماستر‬

‫التخصص‪ :‬عقود ومسؤولية‬ ‫شعبة‪ :‬قانون خاص‬

‫تحت إشراف األستاذة‪:‬‬ ‫إعداد الطلبة‪:‬‬

‫– د‪ .‬أم الخير بوقرة‬ ‫‪ -‬سليم مهدي‬


‫‪ -‬فريدي عبد القادر‬

‫أعضاء لجنة المناقشة‬

‫د‪ .............. ............... .‬مشرفا‬


‫د‪ .................. ............. .‬رئيسا‬
‫د‪................... ............... .‬عضوا‬

‫السنة الجامعية‪0202/0202 :‬‬


‫كثيرا طيبًا مباركا فيه يوافي نعمة علينا‪ ،‬كما ينبغي‬
‫الحمد هلل حمدًا ً‬

‫لجالل وجهه وعظيم سلطانه أن وفقني إلعداد هذا العمل وصل اللهم‬

‫وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫جزيل الشكر التقدير لألستاذة المشرفة بوقرة أم الخير على إشرافها على‬

‫هذا العمل وتصويباتها الرشيدة لي في إعداد المذكرة فجزاها هللا‬

‫عني كل خير إن شاء هللا‪.‬‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫نحمد هللا عزوجل الذي جعل لنا الكف اح وسيلتنا والنجاح غايتنا إلى أعز ما أملك في‬

‫هذا الوجود إلى من ربياني وعلماني كيف أشق طريق الحياة إلى أمي وأبي‬

‫أطال هللا في عمرهما‪.‬‬

‫وإلى أعز من أحب عائلتي الذين كانوا سندي ألشق طريقي في هذه الحياة‬

‫وعوني في كل لحظة من حياتي وفي كل خطوة خطوتها‪.‬‬

‫إلى جميع أصدق ائي‪ ،‬طلبة العلم إلى كل من تسعه ذاكرتي ولم تسعه مذكرتي‪.‬‬

‫أهدي هذا العمل إلى طلبة العلم‬

‫رف اقي في الدراسة وأساتذتي الكرام‬

‫فريدي عبد القادر‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫إلى من بلغ الرسالة وأدى األمانة ونصح األمة إلى نبي الرحمة ونور العالمين‬
‫سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم الذي من كلله هللا بالهيبة والوق ار‪.‬‬

‫"أتشرف أن أهدي مذكري إلى الغالية جدتي رحمها هللا وجعل مثواها الجنة"‬

‫إلى من علمني العطاء بدون انتظار إلى من أحمل إسمه بكل افتخار‬

‫"إلى أبي العزيز"‬

‫‪ ،‬أرجوا من هللا أن يطيل في عمرك لتري ثمارا قد حان قطافها بطول انتظار‬

‫إلى مالكي في الحياة‪ ،‬ومعنى التف اني وسر الوجود‬

‫"إلى أمي العزيزة"‬

‫إلى إخوتي وجميع أصدق ائي طلبة العلم إلى كل من تسعه ذاكرتي ولم تسعه‬
‫مذكرتي‪.‬‬

‫وفي األخير أرجو من هللا تعالى أن يجعل عملي هذا نفعا يستفيد منه جميع الطلبة‬
‫المقبلين على التخرج‪.‬‬
‫سليم مهدي‬
:‫الملخص‬

‫ على السبب األجنبي‬701 ‫ُيعتبر السبب األجنبي وسيلة لنفي المسؤولية المدنية بصفة عامة فقد نصت المادة‬
‫المعفي من المسؤولية وذكرت أنه السبب الذي ال يد للشخص فيه كحادث مفاجئ أو القوة القاهرة أو خطأ‬
‫ فيما يخص مسؤولية حارس األشياء‬721/0 ‫أما نص المادة‬ ّ ،‫صدر من المضرور أو خطأ صدر من الغير‬
‫أن الضرر قد حدث‬ ّ ‫بأن للحارس أن يتخّلص من مسؤوليته إذا ثبت‬ ّ ‫الحية وتقضي في فقرتها الثانية‬
ّ ‫غير‬
.‫بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو الحالة الطارئة أو القوة القاهرة‬

ّ ‫يبدو أن هناك فرق واضح بين‬


‫النصين فيما يتعلق بالمضرور وبالغير والسؤال المثار ما ضرورة وجود نصين‬
‫مسوغ الختالف األلفاظ في نفس‬
ّ ‫لنفس النظم القانوني؟ وما هي الفكرة التي ينبني عليها كل نص؟ وهل من‬
‫األحكام القانونية؟ قد يكون تحديد مفهوم السبب األجنبي وبيان طبيعته وخصائصه ما يزيل هذا الغموض‬
‫أن النصوص القانونية مرنة يتوجب توسيع معانيها بألفاظ لتشمل النصوص صور السبب األجنبي‬ّ ‫خاصة و‬
.‫المشرع‬
ّ ‫بما كان يقصده‬

Résumé:

La cause étrangère est un moyen d'exonération de la responsabilité civile en


général, l'article 127 prévoit que la cause étrangère est exemptée de la
responsabilité, est déclaré que cas fortuit ou la force majeure ou une foute
commise par la victime ou la foute commise par le tiers, par contre le texte 138/2
dans l'alinéa 2, considéré que le fait de la victime ou le cas d'autrui.

Il semble y avoir une nette différence entre les deux textes concernant la victime
le tiers et la question est de savoir pourquoi il devrait y avoir deux textes pour le
même concept juridiques? Quelle est l'idée que chaque texte se construit?
Existe-t-il une justification pour des termes différents dans les mêmes
dispositions légales ? La définition de la notion de cause étrangère et de sa
nature et de ses caractéristiques peut être telle qu'elle élimine cette ambiguïté,
d'autant plus que les textes juridiques sont flexibles et doivent être élargis en
termes de textes de la cause étrangère comme le veut le législateur.
‫مقدمة‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫لقد صاغ المشرع الجزائري المادة ‪ 701‬من التقنين المدني لكي تجعل من السبب األجنبي‬

‫وسيلة لنفي المسؤولية التقصيرية وذلك في الفصل الثالث المعنون بالعمل المستحق التعويض‬

‫وفي القسم األول المعنون بالمسؤولية عن األفعال الشخصية وجاء نص المادة على النحو‬

‫أن الضرر قد نشأ عن سبب ال ‪ .‬يد له فيه كحادث مفاجئ‪ ،‬أو قوة‬
‫التالي‪« :‬إذا أثبت الشخص ّ‬

‫قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد‬

‫نص أو اتفاق يخالف ذلك‪ ».‬كما واصل في نفس السياق في القسم الثاني من نفس الفصل‬

‫حيث جاء نص المادة ‪ 721/0‬كاآلتي‪« :‬كل من تولى حراسة شيء وكانت له قدرة االستعمال‬

‫والتسيير والرقابة يعتبر مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء‪.‬‬

‫أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه‬


‫ويعفى من هذه المسؤولية الحارس للشيء‪ ،‬إذا أثبت ّ‬

‫مثل عمل الضحية‪ ،‬أو عمل الغير‪ ،‬أو الحالة الطارئة‪ ،‬أو القوة القاهرة»‪ .‬أما وأن كال النصين‬

‫معا‬
‫يوردان السبب األجنبي كوسيلة لإلعفاء من المسؤولية التقصيرية فما ضرورة وجود نصين ً‬

‫ألن النصين قد يثيران مسائل فيما يخص مفهوم السبب األجنبي‬


‫أحكاما متباينة ّ‬
‫ً‬ ‫ّإال إذا كان لهما‬

‫ألنهما يختلفان في خصائص وعناصر السبب األجنبي‪ ،‬إ ْذ أن المادة ‪ ،701‬تذكر عنصر‬

‫أن المادة ‪ 721/0‬تثير عدم‬


‫الخارجية وال تبرز عدم التوقع أو عدم إمكانية الدفع في حين ّ‬

‫أيضا يتضح جليًّا االختالف في صور السبب األجنبي فالمادة ‪ 701‬تذكر خطأ‬
‫التوقع‪ً ،‬‬

‫أما المادة ‪ 721/0‬تكتفي بأن يقع من المضرور أو من الغير عمل‬


‫المضرور أو خطأ الغير ّ‬

‫وهذا يثير مسألة المعيار المستند عليه لكي يرتقي عمل المضرور أو الغير المستوى القوة‬
‫أ‬
‫مقدمة‬
‫القاهرة أيضا فيما يخص المادة ‪ 701‬ما معيار الخطأ الذي ال يمكن توقعه وال يمكن دفعه‬

‫ليصل إلى مستوى القوة القاهرة‪.‬‬

‫الضحية أو خطأ الغير ثم عمل الضحية أو‬


‫ّ‬ ‫وبالتالي هل لصور المذكورة في النصين من خطأ‬

‫الغير منسجمة لتصبح سبب أجنبي وإذا كانت هذه الصور على سبيل المثال وليس الحصر‬

‫أن القوة القاهرة كل واقعة‬


‫كان من األجدر التأكيد على العناصر التي تجعل الواقعة قوة قاهرة إذ ّ‬

‫تجتمع فيها عناصر السبب األجنبي أيَّا كانت طبيعتها أو مصدرها لتكون أداة اإلعفاء من‬

‫المسؤولية لتحقق السبب األجنبي‪.‬‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫ابتداء من خالل التعامل مع أحكام‬


‫ً‬ ‫تنبع أهمية الدراسة مما يفرضه علينا الواقع العملي‬

‫المسؤولية المدنية والتعويض في العديد من المجاالت وامتالء ساحات المحاكم والقضاء‬

‫ن‬
‫بالدعاوى التي يكو أساسها المطالبة بالتعويض ً‬
‫بناء على أحكام المسؤولية المدنية‪ ،‬والتي غالباً‬

‫ما تكون الدفوع التي ستقدم حينها هي التمسك بالسبب األجنبي والدفع به مانعا من موانع‬

‫المسؤولية المدنية على اعتبار أن أساس قيامها مبني على مبدأ التعويض وجبر الضرر والذي‬

‫بناء على توافر أركان هذه المسؤوليه فمن الهام على الصعيد العملي توضيح‬
‫تحكم به المحكمة ً‬

‫أحكام السبب األجنبي بصورة تساعد القاضي واطراف الدعوى من فهم احكامه بشكل واضح‬

‫ودقيق حين االستناد عليه‪ ،‬هذا فيما يتعلق باألهمية العملية لموضوع الدراسة‪ ،‬أما بخصوص‬

‫األهمية العلمية لهذه الدراسة فإنها تكمن في البحث العميق بموضوع السبب األجنبي والتعمق‬

‫ب‬
‫مقدمة‬
‫في دراسة أحكامه وآثاره على المسؤولية المدنية كنوع من أنواع تجميع األحكام المتفرقة حول‬

‫هذا الموضوع حتى يكون لدينا مرجع متخصص بالسبب األجنبي‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‪:‬‬

‫البحث في موضوع المسؤولية المدنية ذو أهميه كبيرة في القوانين المدنية الحديثة‪ ،‬نظ اًر لما لهذا‬

‫الموضوع من تطبيق على ارض الواقع‪ ،‬والبحث في مسألة السبب األجنبي وأثره على أحكام‬

‫المسؤولية المدنية ال يقل أهمية عن دراسة موضوع المسؤولية المدنية بشكل عام‪ ،‬ورغم تناول‬

‫موضع صور السبب األجنبي في العديد من الكتب والدراسات واألبحاث غير أنه ولسوء الحظ‪،‬‬

‫لم يحظ هذا الموضوع بدراسة مفصلة وكاملة عنه وبشكل منفصل ومستقل حتى تعتبر مرجعا‬

‫لمن أراد العلم والمعرفة حول هذا الموضوع ليتسنى له االستفاده منه‪ ،‬فتثور إشكالية الدراسة‬

‫حينها في عدم وضوح أحكام وعناصر السبب األجنبي ومكوناتها وكيفية انطباقها‪ ،‬ومتى تتوافر‬

‫حتى تعتبر مانعا من موانع المسؤولية المدنية‪ ،‬وخصوصا عندما يكون هنالك نزاع قائم أمام‬

‫القضاء‪.‬‬

‫نطاق الدراسة‪:‬‬

‫إن نطاق هذه الدراسة سينحصر حول موضوع السبب األجنبي فقط اإلشارة إلى أبرز مع‬

‫األحكام العامة المتعلقة بالمسؤولية المدنية لتكون تمهيداً للدخول في موضوع الدراسة‪ ،‬ذلك من‬

‫خالل بيان مفهومها وأقسامها وأركانها ‪ ،‬حيث إن نطاق الدراسة باإلضافة لما تم ذكره سيكون‬

‫محصو اًر بما يتعلق بالقوانين المدنية محل المقارنة فقط دون البحث في أحكام قوانين مدنية‬

‫ج‬
‫مقدمة‬
‫لبلدان أخرى‪ ،‬ونطاق الدراسة لن يكون محصو اًر على فترة زمنية معينة ومحددة بل ستكون‬

‫دراسة شاملة للقوانين محل المقارنة فيما يتعلق بموضوع الدراسة منذ لحظة سن القانون إلى هذه‬

‫اللحظة دون اقتصارها على فترة زمنية معينة من تطبيقه‪.‬‬

‫منهجية الدراسة‪:‬‬

‫اعتمد الباحث في دراسته على المنهج الوصفي التحليلي المقارن من خالل تحليل النصوص‬

‫القانونية الواردة في مجلة األحكام العدلية والتي عالجت موضوع التعويض بشكل عام وما‬

‫يقبالها من نصوص في القانون المدني األردني واإلشارة للقانون المدني المصري وتسليط‬

‫الضوء على رؤية المشرع الفلسطيني في مشروع القانون المدني الفلسطيني‪ ،‬ونصوص قانون‬

‫المخالفات المدنية ساري المفعول في فلسطين وتعديالته بخصوص موضوع الدراسة ومقارنة‬

‫هذه النصوص واستنباط ما فيها من أحكام وبيان مدى مواءمتها مع بعضها بعضا‪.‬‬

‫أسئلة الدراسة‪:‬‬

‫تهدف هذه الدراسة لإلجابة عن العديد من األسئلة الهامة التي ال بد للبحث فيها ألتمكن من‬

‫الوصول إلجابات مباشرة ووافية عنها‪ ،‬ومن أهم هذه األسئلة‪:‬‬

‫‪ .7‬ما المقصود بالسبب األجنبي؟‬

‫‪ .0‬ما هي شروط السبب األجنبي وطرق إثباته؟‬

‫‪ .2‬ما مدى سلطة المحكمة في تقديرها لوجود السبب األجنبي؟‬

‫د‬
‫مقدمة‬
‫‪ .2‬من له الحق في إثبات السبب األجنبي ووقت التمسك به؟‬

‫‪ .5‬ماذا يترتب على وجود وإثبات السبب األجنبي بخصوص ركن عالقة السببية؟‬

‫‪ .6‬هل يؤثر وجود السبب األجنبي على جميع أقسام المسؤولية المدنية؟‬

‫‪ .1‬ما المقصود بنظرية االستغراق في إطار البحث في صور السبب األجنبي؟‬

‫بيانات الدراسة‪:‬‬

‫سيعتمد الباحث على مجموعة من المصادر والمراجع الرئيسية وكذلك الثانوية منها‪ ،‬فالمصادر‬

‫التي سيعتمد عليها الباحث في هذه الدراسة‪ :‬مجلة األحكام العدلية والقانون المدني رقم ‪22‬‬

‫لسنة ‪ 7716‬ومقارنتهما مع القانون المدني رقم ‪ 727‬لسنة ‪ 7721‬ومشروع القانون المدني رقم‬

‫‪ 2‬لسنة ‪ ،0270‬ومن المراجع التي سيعتمد عليها الباحث في دراسته عبارة عن كتب تحدثت‬

‫عن موضوع المسؤولية المدنية بشكل متخصص مع إشارتها لموضوع السبب األجنبي مانعا من‬

‫موانع قيام المسؤولية المدنية‪ ،‬وكذلك رسائل علمية بحثية حول موضوع المسؤولية المدنية‬

‫والسبب األجنبي وأحكام القضاء التي عالجت هذا الموضوع باإلضافة للعديد من المراجع‬

‫األصلية والثانوية التي سيقوم الباحث بالرجوع لها في متن الدراسة‪.‬‬

‫ه‬
‫الفصل األول‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫لقد جاء نص المادة ‪ 701‬من القانون المدني مبينا ّ‬


‫أن السبب األجنبي هو الحادث الفجائي‬

‫وخطأ المضرور وخطأ الغير والقوة القاهرة هل هذا التعداد هو أقصى حاالت السبب األجنبي‪.‬‬

‫لقد درج ذكر السبب األجنبي بقول القوة القاهرة أي ‪ force Majeurer‬بدل ‪la cause‬‬

‫‪ étrangère‬والوا قع أن القوة القاهرة أحد مكونات السبب األجنبي وهذا ما يستوجب تحديد‬

‫أيضا في نفي مسؤولية حارس‬


‫تبناها المشرع ً‬
‫مفهوم فكرة السبب األجنبي هذه الفكرة التي ّ‬

‫الشيء‪.‬‬

‫أن مسؤولية حارس الشيء تقوم بقوة القانون أي متى توافرت شروط قيامها وال يستطيع‬
‫فإلثبات ّ‬

‫حارس الشيء حسب المادة ‪ 721/7‬أن يعفي نفسه منها إال إذا أثبت انعدام شروط قيامها أو‬

‫إذا أثبت السبب األجنبي كسبب خارجي تنتفي به مسؤوليته‪ ،‬فما المفهوم بالسبب األجنبي‬

‫(المبحث األول) وكيف شروط وطرق إثبات السبب األجنبي كوسيلة لنفي مسؤولية التقصيرية‬

‫بصفة عامة والمسؤولية عن فعل األشياء بصفة خاصة (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول‬

‫مفهوم السبب األجنبي‬

‫أوردت بعض التشريعات المقارنة فكرة السبب األجنبي في أكثر من نص قانوني‪ ،‬ففي المادة‬

‫(‪ )077‬من القانون المدني العراقي جاء إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي‬

‫ال يد له فيه‪ ،‬كآفة سماوية‪ ،‬أو حادث فجائي‪ ،‬أو قوة قاهرة‪ ،‬أو فعل الغير‪ ،‬أو خطأ المتضرر‪،‬‬

‫كان غير ملزم بالضمان ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك"‪ .‬وتقابلها المادة (‪ )765‬من‬

‫القانون المدني المصري التي جاء فيها‪" :‬إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي‬

‫ال يد له فيه‪ ،‬كحادث مفاجئ‪ ،‬أو قوة قاهرة‪ ،‬أو خطا من المضرور‪ ،‬أو خطا من الغير‪ ،‬كان‬

‫غير ملزم بتعويض هذا الضرر‪.‬‬

‫المطلب األول‬

‫المقصود بالسبب األجنبي‬

‫لم تحدد نصوص القانون المدني في كال المادتين ‪ 701‬و ‪ 721/7‬المقصود بالسبب األجنبي‬

‫وإن كانت اقتصرت فقط على بيان األثر المترتب على ثبوته بل اكتفت فقط بإيراد صوره كالقوة‬

‫القاهرة ‪ Force Majeure‬أو الحادث الفجائي ‪ cast fortuit‬أو خطأ الضحية ‪faute de‬‬

‫‪ victime‬في المادة ‪ 701‬وقابله عمل الضحية ‪ la fait de la victime‬في المادة ‪،721/20‬‬

‫أو خطأ الغير ‪ la faute d'un Tiers‬في المادة ‪ 701‬ويقالبه عمل الغير ‪la fait du tiers‬‬

‫‪3‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫في المادة ‪ 721/20‬المالحظ أنه ورد في نص المادة ‪ 721/20‬ذكر الحالة الطارئة في النص‬

‫المشرع بدء‬
‫ّ‬ ‫إن أول ما يستدعي المالحظة أن‬
‫العربي والحادث الفجائي في النص الفرنسي‪ّ ،‬‬

‫يحدد معالم طبيعة السبب‬


‫وكأنه ّ‬
‫ّ‬ ‫بإعطاء وصف ضروري ولصيق بصورة السبب األجنبي‬

‫األجنبي ليستهدي بها القاضي لتقدير ما إذا كانت الواقعة تدخل في إطار السبب األجنبي فكان‬

‫الوصف في المادة ‪ 701‬بأن يكون الضرر غير منسوب للمدين ‪ imputabilité‬إذا أثبت‬

‫الشخص أن الضرر قد نشأ ال يد له فيه‪ 1»...‬أما المادة ‪ 721/20‬فقد أصبغت وصف عدم‬

‫التوقع ‪ imprévisibiliter‬على السبب األجنبي‪ ،‬هذا ويالحظ اختالف الفقه في تعريف السبب‬

‫استنادا إلى األساس الذي يأخذ به في قيام المسؤولية‪.2‬‬


‫ً‬ ‫األجنبي‬

‫معين ال ينسب إلى المدعى عليه‬


‫بأنه‪« :‬كل فعل أو حادث ّ‬
‫سبب عن فقد عرفه سليمان مرقس ّ‬

‫عرف بأنه‪« :‬أن تكون الواقعة التي‬


‫مستحيال»‪ ،‬كما ّ‬
‫ً‬ ‫ويكون قد جعل منع وقوع الفعل الضار‬

‫مما‬
‫يتمسك بها المدين ال يد فيها‪ ، »...‬كما عرف بأنه أمر غير متوقع حصوله وال يمكن دفعه ّ‬

‫يؤدي مباشرة إلى حصول الضرر له‪.‬‬

‫وعرفه علي فياللي بأنه‪ « :‬فعل أو حادث غير متوقع وغير ممكن الدفع من قبل المسؤول‬
‫ّ‬

‫وخارجا عنه نشأ عنه الضرر»‪.‬‬

‫نالحظ على ضوء هذه التعاريف أنها تجعل من السبب األجنبي نظام له دور وظيفي في منع‬

‫قيام لمسؤولية المدنية نتيجة تأثيره على اإلرادة أحيانا بحيث بفقد من يتمسك به قدرته على‬

‫‪ 1‬سليمان مرقس المسؤولية المدنية في البالد العربية القاهرة‪ ،7767 ،‬ص‪.750‬‬


‫‪ 2‬مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مجال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة‬
‫عمار ثليجي باألغواط‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪4‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫التصرف‪ ،‬لذلك فهي تتصل باإلرادة وإمكانية التخلص من المسؤولية عن طريق اثبات واقعة‬

‫توفرت فيها عناصر السبب األجنبي وهو بذلك يكشف عن طبيعة المسؤولية إن كانت تقوم على‬

‫فكرة الخطأ وإن كانت المسؤولية مفترضة فأيضا عناصر السبب األجنبي وخاصة جانب عدم‬

‫إمكانية التوقع تحقق هدف الفكرة وهو التيسير على المتضرر في الحصول على التعويض وهذا‬

‫يبرر الوصف الذي بدأت به كال من المادة ‪ 701‬والمادة ‪ ، 721/0‬وبالتالي قد يكون‬


‫مما ّ‬

‫التعريف المناسب للسبب األجنبي أنه كل واقعة أو حادثة تنشأ بدون إرادة المدين وال يكون‬

‫باستطاعة هذا األخير توقعها أو منع حدوثها تحدث أو تساهم في نشأة الضرر‪.1‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تطور السبب األجنبي‬

‫إن فكرة السبب األجنبي أصولها في القانون الروماني الذي كان ال يقبل إثبات نفي الخطأ‪ ،‬وال‬

‫يعفي المسؤولية إال بإثبات السبب األجنبي وهي ال تقتصر على المسؤولية التقصيرية بل أيضا‬

‫في المسؤولية العقدية ولقد أخذ القانون المدني الفرنسي قانون نابليون هذه الفكرة من القانون‬

‫الروماني‪ .‬ووضع لها تصنيفات في القانون المدني وذلك في المادة ‪ 7215/7212‬واقتبس عنه‬

‫المشرع الجزائري مثله مثل كثير من البلدان العربية المادة ‪ 765‬من القانون المدني المصري‬

‫والمادة ‪ 077‬القانون المدني العراقي والمادة ‪ 766‬من القانون المدني السوري‪ .‬ولقد أدخلت فكرة‬

‫السبب األجنبي في المسؤولية التقصيرية عن طريق المسؤولية الناشئة عن األشياء الحية‬

‫(الحيوان) المادة ‪ 7215‬ق‪.‬م‪.‬ف‪ ،2‬فقد كثرت الحوادث الناشئة عن الحيوانات جعلت القضاء‬

‫‪ 1‬عصمت عبد المجيد بكر‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني‪ ،‬ص‪.000‬‬


‫‪ 2‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬بند ‪ ،712‬ص‪.050‬‬
‫‪5‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫ألن المضرور صعب عليه أن يثبت الخطأ في جانب حارس‬
‫يستعين بفكرة السبب األجنبي ّ‬

‫أن‬
‫الحيوان الذي كان باستطاعته نفي المسؤولية عن نفسه‪ ،‬بإثبات انعدام الخطأ في جانبه إال ّ‬

‫هذا الوضع حتّم ضرورة أخذ بعين االعتبار جانب المضرور واألخذ بيده لحمايته فظهر اتجاه‬

‫فمكن حارس الحيوان من نفي المسؤولية عن‬


‫ينادي بأن ال تقام المسؤولية على أساس الخطأ ّ‬

‫نفسه بإثبات أن الضرر وقع بسبب أجنبي ال يد له فيه وأخذ القضاء بهذه الفكرة في أول أكتوبر‬

‫‪ 7115‬لكن بعد ظهور استخدام اآللة وتقدمت وسائل النقل وتعدد استخدامات األشياء‬

‫والماكنات ازدهرت فكرة السبب األجنبي وأصبحت أداة لنفي المسؤولية فكان في البداية أن كان‬

‫أساس المسؤولية عن فعل األشياء هو الخطأ المفترض غير القابل إلثبات العكس ّإال بالسبب‬

‫تبنت فيه المسؤولية عن األشياء طبقا‬


‫األجنبي وقد صدر عن محكمة النقض الفرنسية أول حكم ّ‬

‫للمادة ‪ 7212/7‬م‪.‬ف‪ .‬ولم يطلب من المسؤول إثبات عدم خطأه بل أخذ بافتراض الخطأ الذي‬

‫ال يقبل إثبات العكس واشترطت إلعفاء المسؤول من المسؤولية أن يثبت هذا األخير السبب‬

‫األجنبي‪.1‬‬

‫ّإال ّأنه لم يكن بالسهل تقبل فكرة السبب األجنبي لو لم يفرضها واقع العالقات الفردية والتطور‬

‫االقتصادي واالجتماعي الحاصل من ضرورة حماية المضرور وذلك باألخذ بيده وعدم ارهاقه‬

‫بإثبات الخطأ وهذا التصور الجديد للمضرور حيث برزت فكرة جيمعة الضرر واالنتصار شيئا‬

‫فشيئا لفكرة السبب األجنبي وظل ذلك ردحا من الزمن لتستقر في أحكام القضاء وأذهان الفقه‪.2‬‬

‫‪ 1‬علي فياللي‪ ،‬نظرّية االلتزامات العمل المستحق للتعويض‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.022‬‬
‫‪ 2‬محمود جالل حمزة العمل غير المشروع باعتباره مصدر لاللتزام ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،7716 ،‬ص‪.701‬‬
‫‪6‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثاني‬

‫تعريف المسؤولية المدنية‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف المسؤولية المدنية‪ ،‬العقدية‪ ،‬التقصيرية‬

‫أوالً‪ :‬تعريف المسؤولية المدنية‬

‫المسؤولية في معناها العام هي المؤاخذة أو التبعة‪ .‬ويقصد بالمسؤولية المدنية بوجه عام‪:‬‬

‫(المسؤولية عن تعويض الضرر الناجم عن اإلخالل بالتزام مقرر في ذمة المسؤول)‪ .‬ويقابلها‬

‫مصطلح (الضمان) و(الكفالة) في الشريعة اإلسالمية‪ .‬فالخراج بالضمان‪ .‬ويعتبر المعنى الدقيق‬

‫لمصطلح (المسؤولية) في إطار الميدان المدني هو‪( :‬المؤاخذة عن األخطاء التي تضر بالغير‬

‫وذلك بإلزام المخطئ بأداء التعويض للطرف المضرور وفًقا للطريقة والحجم الذين يحددهما‬

‫القانون)‪ .‬وهو نفسه معنى الضمان الذي جاءت به الشريعة اإلسالمية للمحافظة على حقوق‬

‫وجبر لما انتقص من أموالهم‪ .‬فقد قال رسول‬


‫الناس وإلبعاد الضرر عنهم ودرًءا للعدوان عليهم ًا‬

‫هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬ال ضرر وال ضرار)‪.‬‬

‫ويمكن تعريف المسؤولية المدنية باعتبار المصلحة التي تحميها على أنها‪( :‬مسؤولية تهدف إلى‬

‫كال أو‬
‫حماية مصلحة خاصة يملك المضرور إمكانيات واسعة للتنازل عن حقه في التعويض ً‬

‫جزًءا ال فرق في ذلك بين أن يكون الضرر ً‬


‫ناتجا عن اإلخالل بالتزام عقدي أو التزام‬

‫تقصيري)‪ ،‬فالمسؤولية المدنية من حيث األساس تعني إلزام المسؤول بأداء التعويض للطرف‬

‫المضرور في الحاالت التي تتوافر فيها شروط هذه المسؤولية‪ .‬وتعتبر المسؤولية المدنية من‬
‫‪7‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫األسس الرئيسية للقانون المدني التي يلزم بيان أبعادها للوقوف على مسؤولية كل فرد في‬

‫الن ازعات التي تقع بين األشخاص وبيان ما يترتب على انعقاد هذه المسؤولية حيالهم‪ .‬وتعرف‬

‫القوانين المدنية المسؤولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف المسؤولية العقدية‪:‬‬

‫هي الجزء الذي يترتب على اإلخالل بااللتزامات التعاقدية‪ ،‬ألن العقد ُيعد شريعة المتعاقدين‪،‬‬

‫فمن الواجب احترام مضمونه وعدم اإلخالل به وتُحمل المسؤولية للطرف الذي أقدم على‬

‫اإلخالل بشروط العقد ويترتب عليه التعويض بسبب عدم الوفاء‪ ،‬فللعقد قوة ُملزمة لألطراف‪،‬‬

‫المطالبة‬
‫ويجب على المدين تنفيذ جميع االلتزامات الناشئة عنه‪ ،‬كما أن للدائن الحق في ُ‬

‫بالتعويض أمام الجهات القضائية عن الضرر الذي لحق به بسبب إخالل المدين‪ ،‬كما يجب أن‬

‫تتوفر جميع أركان المسؤولية العقدية حتى يستحق الدائن التعويض عن الضرر الذي لحق به‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬تعريف المسؤولية التقصيرية‪:‬‬

‫هي حالة تنشأ خارج إطار العقد القانوني‪ ،‬بين طرفين أو أكثر‪ُ ،‬يشكل القانون فيه مصدر‬

‫االلتزام‪ ،‬فعند قيام أحد أطراف العقد باإلقدام على فعل ينتج عنه ضرر لألطراف األخرى في‬

‫العقد هنا يلتزم المتسبب بالضرر بتعويض المتضرر‪ ،‬وبذلك تقوم المسؤولية التقصيرية على‬

‫مبدأ االلتزام بعدم اإلضرار بالغير‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثاني‬

‫الفرق بين المسؤولية المدنية‪ ،‬العقدية‪ ،‬التقصيرية‬

‫بالنظر لوجود رابطة عقدية أو عدمها تنقسم المسئولية المدنية الى عقدية أو غير عقدية‬

‫(تقصيرية)‪ ،‬فتترتب االولى على عدم تنفيذ االلتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه ؛‬

‫أما المسئولية غير العقدية أو التقصيرية فهى تقوم على التزام قانونى مصدره نص القانون يقع‬

‫على عاتق المسئول بتعويض المضرور دون عالقة عقدية بينهما بما فى ذلك مثال مسئولية‬

‫قائد المركبة عن إصابة أحد المارة أو عن قتله ومسئولية الجار عن تهدم المنزل المجاور أثناء‬

‫ترميم منزله‪.‬‬

‫والقدر المتيقن عندنا ان الفقه الحديث قد انتهى إلى أن العناصر الجوهرية في نوعى المسئولية‬

‫واحدة إال أنه يسّلم باختالفات عدة بينهما تتمثل في مدي أو نطاق التعويض‪:‬‬

‫التعويض في المسؤلية التقصيرية ابعد مدي و أوسع نطاقا منه في المسؤلية العقدية ففي االولي‬

‫يلتزم المدين بتعويض الضرر المباشر ‪ ,‬سواء كان متوقعا او غير متوقع بينما ال يشمل‬

‫التعويض في المسؤلية العقدية سوي الضرر المتوقع عادة وقت ابرام العقد‪.‬‬

‫‪ .0‬التقادم‪ :‬تنطبق علي المسؤلية العقدية القاعدة العامة في التقادم أي ان المسؤلية تسقط‬

‫بمضي خمس عشر سنة‪ .‬اما في المسؤلية التقصيرية فالقاعدة العامة انها تسقط بمضي ثالث‬

‫سنوات واستثناء بمضي خمس عشرة سنة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫‪ .2‬االعذار‪ :‬يلزم الستحقاق التعويض في المسؤلية العقدية اعذار المدين بينما يعفي الدائن من‬

‫اعذار المدين الستحقاق التعويض‪.‬‬

‫‪ .3‬التضامن‪ :‬ال تضامن في المسؤلية العقدية عند تعدد المسؤلين اال بنص في القانون او‬

‫باتفاق المتعاقدين بينما التضامن في المسؤلية التقصيرية مقرر بحكم القانون‪.‬‬

‫‪ .4‬اإلعفاء من المسؤلية‪ :‬يكون االتفاق علي االعفاء من المسؤلية باطال في المسؤلية‬

‫التقصيرية بين يكون صحيحا في المسؤلية العقدية‪.‬‬

‫وتترتب علي ذلك فإن االختالفات بين نوعي المسؤلية تؤدي الي نتائج عملية مهمة اخصها ان‬

‫احكام المسؤلية التقصيرية افضل للمضرور من زوايا عدة الن التعويض فيها يشمل الضرر‬

‫المتوقع وغير المتوقع بعكس المسؤلية التعاقدية المسؤلية التقصيرية يقوم التضامن بين المسؤلين‬

‫بنص في القانون بينما ال تضامن في غياب اتفاق علية في المسؤلية العقدية‪ ،‬وتبطل شروط‬

‫االعفاء من المسؤلية التقصيرية بعكس المسؤلية العقدية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث الثاني‬

‫شروط السبب األجنبي وطرق إثباته‬

‫يتناول الباحث خالل المبحث مطلبين رئيسيين‪ ،‬األول يبين فيه أهم الشروط التي يلزم توافرها‬

‫وقيامها في السبب األجنبي حتى يعتد به مانعا من موانع قيام المسؤولية المدنية بشكل عام‪،‬‬

‫وفي المطلب الثاني يتحدث عن طرق إثبات السبب األجنبي واألحكام المتعلقة بعملية اإلثبات‬

‫بشكل عام‪.‬‬

‫المطلب األول‬

‫شروط السبب األجنبي‬

‫دراسة التعريفات التي تم عرضها ومناقشتها آنفا بشأن السبب األجنبي وإن اختلفت صياغتها‬

‫وشموليتها بين الفقهاء لبعض األمور التي تم اإلشارة إليها؛ إال أن األمر الوحيد الذي اشتركت‬

‫بتضمينه لها‪ ،‬متعلق بشأن عناصر السبب األجنبي وشروطه‪ ،‬حيث تضمنت هذه التعريفات‬

‫جملة من العناصر واألركان التي ال بد من توافرها في السبب األجنبي حتى يعتد به مانعا من‬

‫موانع قيام المسؤولية المدنية‪ ،‬األمر الذي يترتب عليه انتفاؤها وعدم لحوقها بالشخص المدعى‬

‫عليه‪ ،1‬ومن خالل تحليل العناصر الواردة في التعريفات السابقة للسبب األجنبي نستطيع أن‬

‫فيشوش ساعد‪ ،‬السبب األجنبي المعفي من المسؤولية التقصيرية عن فعل األشياء في القانون الجزائري ماجيستير عقود‬ ‫‪1‬‬

‫ومسؤولية كلية الحقوق بن عكنون‪ ،0221/0227 ،‬ص ‪.21/27‬‬


‫‪11‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫نستشف الشروط الالزم توافرها في السبب األجنبي بشكل أساسي وضروري‪ ،‬على اعتبار أن‬

‫ابتداء‪.1‬‬
‫ً‬ ‫قيام السبب األجنبي منوط بتوافر وتحقق هذه الشروط فيه والالزم توافرها‬

‫بالمجمل العام فإن أي تعريف من التعريفات السابقة التي وردت بشأن السبب األجنبي‪ ،‬ال بد‬

‫وأن يشتمل على عنصرين أساسيين‪ ،‬يتمثل العنصر األول‪ :‬أن الضرر محقق الوقوع بشكل ال‬

‫يمكن معه منع وقوعه نتيجة السبب األجنبي الذي تسبب بحصوله‪ ،‬والعنصر الثاني المتمثل‬

‫بأجنبية العامل أو الظرف عن شخص المدعي عليه‪ ،‬وعدم إمكانية توقع حصوله أو دفعه‪ ،‬هذه‬

‫العناصر التي أدت ومن خالل األحكام المبطنة الواردة فيها إلى استنباط شروط رئيسية يلزم‬

‫توافرها في السبب األجنبي حتى يعتد به مانعا من موانع قيام أحكام المسؤولية المدنية‪.‬‬

‫لقد أنقسم الفقهاء القانوني بخصوص بيان الشروط الالزم توافرها في السبب األجنبي إلى أكثر‬

‫من رأي تمثل ذلك باختالف تحديدهم للشروط تلك‪ ،‬وذلك من حيث عددها ومضمونها‬

‫ومسمياتها؛ فنجد مثال أن األستاذ سليمان مرقس يتطلب وجود وتوافر شرطين أساسيين فقط في‬

‫السبب األجنبي األول‪ ،‬وهو ما أسماه بشرط السببية عدم إمكانية دفع السبب األجنبي واستحالة‬

‫ذلك"‪ ،‬والثاني شرط انتفاء اإلسناد "أجنبية الواقعة عن المدعى عليه"‪.2‬‬

‫‪ 1‬علي سليمان ضرورة إعادة النظر في القانون المدني‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،7770 ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ 2‬شارك‪ :‬أستاذ القانون المدني في فرنسا وأحد فقهاء القانون المدني‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫أشار األستاذ شارك‪ 1‬إلى ضرورة توافر ثالثة شروط في السبب األجنبي‪ ،‬فقد اشترط أن يكون‬

‫السبب األجنبي أوالً‪ :‬غير متوقع‪ ،‬وثاني ًا‪ :‬غير ممكن الدفع‪ ،‬وثالثاً‪ :‬خارجاً عن إرادة الحارس‪،‬‬

‫وهنا يتبين أن األستاذ "شارك" قد وسع بمفهومه هذا من دائرة شروط السبب األجنبي وذلك من‬

‫خالل إضفاء نوع من التفصيل بشأنها على عكس ما جاء به األستاذ مرقس‪ ،‬والذي اعتمد في‬

‫ذكره لشروط السبب األجنبي على خاصية الشمول وإبقاء التفاصيل في موضعها عند تحليل‬

‫الشرطين الذي قام بذكرهما‪ ،‬ويضاف إلى ذلك العديد من التقسيمات التي جاء بها أساتذة‬

‫وفقهاء القانون المدني بشأن شروط السبب األجنبي‪.2‬‬

‫يرى الباحث ومن خالل اإلطالع على جملة اآلراء التي سيقت بشأن تحديد شروط السبب‬

‫األجنبي‪ ،‬أن الفكرة العامة لجميع تلك الشروط التي وردت في هذه اآلراء باختالف مسمياتها‬

‫وتقسيماتها التي وردت بها‪ ،‬أنها تصب لفكرة ومعنى وفهم قانوني وتحليلي‪ ،‬بحيث تندرج جميعها‬

‫كل تلك التقسيمات التي ساقها األساتذة والفقهاء ومع‬


‫وتتلخص بشرطين أساسيين يشمالن َّ‬

‫االحترام آلرائهم‪ ،‬وهما‪ :‬أوالً‪ :‬شرط السببية‪ .‬وثانياً‪ :‬شرط انتفاء اإلسناد‪ ،‬وسيتم الوقوف على‬

‫أبرز أحكام ومالمح هذين الشرطين وذلك من خالل دراستها بشكل تفصيلي في الفرع األول‬

‫والفرع الثاني من المطلب‪.‬‬

‫الدسوقي‪ ،‬إبراهيم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 056-055‬وفي ذات السياق تناول الفقيه "بيدرو " موضوع تحديد شروط السبب‬ ‫‪1‬‬

‫األجنبي حيث اشترط ضرورة توافر ثالثة شروط تتمثل ب ‪ 7-‬ضرورة أن تنتج الواقعة عن سبب أجنبي ومستقل عن إرادة‬
‫الشخص ‪ -0‬أن تكون مماثله لمانع ال يمكن دفعه أو تجنبه ‪ -‬ضرورة أن تكون الواقعه غير متوقعه وال تدخل في حسبان‬
‫الشخص)‪.‬‬
‫‪ 2‬الدسوقي‪ ،‬إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.055‬‬

‫‪13‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫الفرع األول‪ :‬شرط السببية واستحالة دفع الضرر‬

‫فيما يتعلق بالشق األول من هذا الشرط وهو اشتراط وجود السببية فالذي يقصد به هنا "هو‬

‫ضرورة وجود فعل أو واقعة أجنبية قد تسببت بحدوث الضرر أو أدت إلى تدخل الشيء في‬

‫إحداث الضرر‪ ،‬إن كان الحديث في هذه الجزئية عن حراسة الشخص لألشياء"‪ ،‬وهذا هو الحكم‬

‫الذي تقتضيه طبيع ة الحال في رابطة السببية الالزم توافرها وقيامها فرضا ما بين السبب‬

‫سببا‬
‫األجنبي وما بين الضرر الذي نشأ عنه‪ ،‬فمن غير المعقول أو المقبول القول أن هنالك ً‬

‫أجنبيا يترتب عليه انتفاء للمسؤولية المدنية‪ ،‬وفي حقيقة األمر أنه ال عالقة أصال ما بين‬
‫ً‬

‫الظرف األجنبي والضرر الحاصل؛ أي بمعنى أن الضرر لم يكن نتيجة لوقوع الظرف األجنبي‪،‬‬

‫لذا فإن توافر السببية هو شرط مفترض ال حاجة للنص إلثبات وجوده كشرط أساسي من شروط‬

‫السبب األجنبي‪ ،‬ويترتب على السببية ما بين الظرف األجنبي وما بين الضرر حكم آخر‪ ،‬وهو‬

‫أن مسألة وقوع الضرر وحصوله لهو أمر حتمي ومؤكد ال يمكن في أي حال من األحوال أن‬

‫يكون لدى الشخص المدعى عليه إمكانية أو مقدرة على دفع الضرر الحاصل‪ ،‬وقد نصت‬

‫التشريعات المقارنة بشكل صريح على ضرورة توافر السببية بين الظرف األجنبي والضرر‪.‬‬

‫فنالحظ مثال أن المشرع المصري وفي نص المادة (‪ )765‬قد أشار لضرورة توافر السببية ما‬

‫بين الظرف األجنبي والضرر‪ ،‬وهذا ما يؤسس لوجود السبب األجنبي أصال‪ ،‬وكذلك ما جاء في‬

‫‪14‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫القانون المدني األردني ومشروع القانون المدني الفلسطيني من نصوص مشابهة للنص الوارد‬

‫في القانون المدني المصري‪.1‬‬

‫نتيجة لوجود عالقة السببية هذه بين الظرف األجنبي وبين الضرر فإن وقوع الضرر حينها‬

‫سيكون ال محال منه‪ ،‬فهو أمر حتمي ومؤكد كما تم اإلشارة آنفا؛ بحيث يستحيل معه قيام‬

‫الشخص المدعى عليه بدفع الضرر‪ ،‬وهنا ننتقل للحديث عن الشق الثاني من هذا الشرط وهو‬

‫استحالة دفع الضرر والذي تم استنباطه من عالقة السببيه ما بين الظرف األجنبي والضرر‪،‬‬

‫نصت المادة (‪ )765‬من القانون المدني المصري على انه "اذا أثبت الشخص أن الضرر قد‬

‫نشأ عن سبب اجنبي‪ " ...‬وهنا إشاره لضرورة القول بوجود السبب األجنبي نتيجة إلثبات‬

‫السببية بين الضرر والواقعة األجنبية‪ ،‬وكذلك ما جاء في هذا الخصوص في نص المادة‬

‫(‪ )067‬من القانون المدني األردني ونص المادة (‪ )717‬من مشروع القانون المدني"‪.‬‬

‫هو نتيجة طبيعية لتوافر هذه السببية من خالل القول بأن سببية الظرف األجنبي والضرر‬

‫يترتب عليها وقوع الضرر بشكل أكيد مما ال يمكن دفعه أو القدرة على تجنب وقوعه نتيجة‬

‫لتلك السببية‪.2‬‬

‫وفي إطار الحديث عن استحالة دفع الضرر‪ ،‬ينبغي أوال بيان ما هو المقصود بهذا الشرط‬

‫والذي انبثق عن فكرة السببية التي تم بيانها أعاله‪.‬‬

‫عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬المفهوم القانوني لرابطة السببية وانعكاساته في توزيع عبء المسؤولية المدني‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪1‬‬

‫الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0222 ،‬ص‪.275‬‬


‫‪ 2‬علي سليمان‪ ،‬ضرورة إعادة النظر في القانون المدني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.072‬‬
‫‪15‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫إن المقصود بشرط استحالة دفع الضرر‪" :‬هي الحال التي يكون فيها الشخص غير قادر على‬

‫دفع الضرر الحاصل أو حتى التغلب عليه أو مقاومته أصال ومنع وقوعه كامال أو أي جزء‬

‫منه"‪ ،‬والحال هنا أشبه بالشلل الذي يصيب الشخص؛ فيجعل منه غير قادر على الحركة ما‬

‫يدور حوله من أحداث وأمور ‪ ،‬عاج اًز عن فعل أي شيء نتيجة حال االنجماد التي تصيبه‪،‬‬

‫فيكون دوره حينها متمثال بالمترقب لألحداث فقط أي انه جعل من المستحيل على المتسبب في‬

‫الضرر التصرف بخالف ما فعل‪.1‬‬

‫وفي إطار البحث في مسألة لفظ االستحالة الواردة في الشرط‪ ،‬ضرورة بيان معنى االستحالة‬

‫بناء عليه الحكم بوجود االستحالة أو‬


‫بشكل مفهوم من حيث بيان نطاقها والمعيار الذي يتم ً‬

‫انتفائها وتوضيح لشروط االستحالة التي تقترن بالسبب األجنبي‪.‬‬

‫المقصود باالستحالة من حيث نطاقها والتي وردت في الشرط‪ ،‬هي تلك االستحالة التي يتساوى‬

‫بها جميع الناس‪ ،‬الذين لو أنهم قد كانوا في موقع الشخص المدعي عليه لما تمكنوا من دفع‬

‫الضرر الحاصل"‪ ،‬وبمعنى آخر نقول بأن االستحالة هي ظرف غير مقتصر على شخص‬

‫بعينه‪.‬‬

‫إن وجود الشخص في حال االستحالة التي يتمسك بها لدفع المسؤولية المدنيه عنه‪ ،‬لهو أمر ال‬

‫معيار يتم من خالله الحكم‬


‫ًا‬ ‫يتوقف ثبوته عليه وعلى ما يدلي به من أقوال‪ ،‬حيث إن هنالك‬

‫والقول‪ :‬إن كان هذا الشخص في حال استحالة لم تمكنه من تالفي وقوع الضرر وتجعله عاج از‬

‫‪ 1‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية في ‪ 05/20/7712‬ملف رقم ‪ 52225‬غير منشور‪ ،‬أشار له فيشوش المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪.77‬‬
‫‪16‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫عن تالفيه أم ال‪ ،‬فالمعيار الذي يتم من خالله قياس استحالة الشخص إذن‪ ،‬هو معيار‬

‫موضوعي بحت وليس معيا ار شخصيا يقتصر النظر فيه على شخص المدعى عليه وعلى‬

‫إمكانياته وقدراته في دفع الضرر‪ ،‬بل إن البحث يكون من خالل معيار موضوعي للتأكد من‬

‫صحة وجود االستحالة فعال كما يدعي المدعي عليه أم ال‪ ،‬ويتم ذلك من خالل قياس مقدرة‬

‫األشخاص العاديين ‪ -‬ال شديدي اإلهمال وال قليلي الحرص في حال تواجدهم في ذات‬

‫الظروف التي كانت محيطة بالمدعى عليه‪ ،‬والسؤال بعدها هل كان بمقدرتهم دفع الضرر أم أن‬

‫بناء على هذا القياس إن‬


‫ذلك قد كان مستحيال عليهم فجعلهم عاجزين عن دفعه؟‪ ،‬وحينها نقرر ً‬

‫كانت توجد استحالة أم ال‪ .‬نالحظ أن المعيار الموضوعي الذي تم االستناد اليه في التثبت من‬

‫وجود االستحالة حقاً أم ال بالنسبة للشخص المدعى عليه‪ ،‬أنه المعيار الصواب في القياس‬

‫هذا‪ ،‬وذلك على اعتبار أن األخذ بالمعيار الشخصي سيؤدي إلى حال من حاالت تقليص دائرة‬

‫وجود السبب األجنبي‪ ،‬ونشوء العدالة بمفهومها العام‪ ،‬ذلك أن قياس كل حال فردية وحدها لهو‬

‫أمر تختلف معه األحكام باختالف الظروف المحيطة في كل حال‪ ،‬مما يؤدي إلى تشتت في‬

‫بناء على حال الشخص‪.1‬‬


‫األحكام القضائية وتقليص من دائرة وجود السبب األجنبي ً‬

‫وال عبرة بالقول أن هنالك استحالة قد أحاطت بالشخص المدعى عليه او أي شخص آخر إن لم‬

‫تتوافر في هذه االستحالة شروط أساسيه ينبغي انطباقها عليها‪ ،‬فهنالك شروط يلزم توافرها في‬

‫االستحالة عن دفع الضرر حتى يعتد بها شرطا من شروط السبب األجنبي‪ ،‬فال بد بالضرورة‬

‫أن نكون بصدد استحالة مطلقة‪ ،‬وهذا اللفظ ينبثق عنه معنيان ضروريان يفسران لفظ اإلطالق‬

‫‪ 1‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية بتاريخ ‪ 01/27/7711‬ملف رقم ‪ 21207‬مشار إليه في‪ :‬علي فياللي‪ ،‬التزامات العمل‬
‫المستحق التعويض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.077‬‬
‫‪17‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫الذي يشترط في االستحالة هذه‪ ،‬فالمعنى األول ‪ :‬يتمثل بضرورة كون االستحالة استحالة تامة؛‬

‫أي بمعنى "عدم مقدرة الشخص التصرف بخالف ما فعل"‪ ،‬وهنا يجب االنتباه إلى أن الحديث‬

‫ينصب بشكل أساسي على إرادة الشخص المدعى عليه بحيث تكون اإلرادة هنا منعدمة وقدراته‬

‫كذلك بشكل تام‪ ،‬فال يستطيع أن يقوم بأي فعل تجاه الظرف األجنبي الحاصل لمنع وقوعه‬

‫فنقول‪" :‬إن هنالك استحالة تامة قد قيدته بشكل تام"‪.1‬‬

‫أما في حال كون أن هنالك إمكانية للتقليل من الضرر الحاصل وذلك عن طريق الخروج عن‬

‫هذا المعنى في االستحالة فإن ذلك لن يكون حجة يستند إليها بوجود استحالة تامة كونه قد كان‬

‫بمقدور الشخص أن يتصرف حيال الظرف األجنبي الحاصل‪ ،‬ومثال ذلك (الفيضان الذي‬

‫يصيب منطقة زراعيه كان قد تم التنبؤ بحدوثه مسبقا وكان بإمكان الحارس ان يقوم بجني ثمار‬

‫هذا المحصول بنسبة كبيره اال انه لم يقم بفعل ذلك " فهنا سيكون هذا الشخص في حال ال‬

‫يستفيد فيها من موضوع وجود السبب األجنبي‪ ،‬على اعتبار أن الحديث لم يكن عن حال‬

‫استحالة تامة منعته من دفع الضرر بل كان بمقدوره مواجهة ذلك على اعتبار انه حادث متوقع‬

‫كان بإمكانه دفع الضرر الحاصل أما بخصوص المعنى الثاني الذي يستدل عليه من ضرورة‬

‫كون االستحالة مطلقة‪ ،‬هو معنى عمومية االستحالة‪ ،‬أي ضرورة أن تكون االستحالة عامة‪،‬‬

‫ومؤدى هذا الشرط يتفق مع طبيعة أحكام السبب األجنبي‪ ،‬بمعنى أنه ينبغي على السبب‬

‫األجنبي الحاصل أن يكون ظرفا عاما ال يقتصر فقط على شخص بعينه‪ ،‬بل هو ظرف يشمل‬

‫مجموعة من الناس في ظروف معينة واحدة يشتركون بها بوقوع الظرف األجنبي عليهم‪ ،‬وحيث‬

‫‪ 1‬علي فياللي‪ ،‬التزامات العمل المستحق التعويض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.077‬‬
‫‪18‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫إن لفظ العمومية ليس المقصود به هنا أن يكون عاما بمعنى أن يشمل دولة كاملة مثال‪ ،‬ال بل‬

‫يكفي لكونه ظرفا عاما أن يكون شامال لمجموعة من األشخاص أو التجمعات وقد أصابهم‬

‫الظرف جميعا واشتركوا بوجوده‪ ،‬كالفيضان الذي يصيب سكان المنطفة الساحليه وال يصيب‬

‫سكان المناطق الجبلية في الدولة الواحدة‪.1‬‬

‫والذي يتضح أن هنالك دو ار كبي ار يقع على عاتق قاضي الموضوع بشأن التثبت من ظروف‬

‫تحقق االستحالة التي يتمسك بها المدعى عليه أم عدم ثبوتها‪ ،‬وذلك من خالل اقتناع القاضي‬

‫بتوافر شروط االستحالة وثبوتها حسب ما يدعيه المدعى عليه ليحاول بذلك أن يمنع لحوق‬

‫المسؤولية المدنية به‪.‬‬

‫يقول الدكتور سليمان مرقس في هذه الجزئية‪ :‬أنه ال يخفى أن مهمة القاضي في استقصاء‬

‫حسن نية المدعى ع ليه ومبلغ كفاءته الطبيعيه وموارده ووسائله مهمة شاقة‪ ،‬وليس له كبير في‬

‫النجاح فيها‪ ،‬خصوصا وأن للمدعى عليه الذي تبحث حالته‪ -‬مصلح ًة في التظاهر بحسن النية‬

‫وبالعجز التام ليدخل على القاضي أنه كان إزاء استحالة تامة‪ ،‬لذلك يضطر القاضي بطبيعة‬

‫الحال إلى التشكيك في أقوال المدعى عليه ونياته وتصرفاته‪ ،‬ويضرب صفحا من النيات‬

‫والعوامل غير الظاهرة‪ ،‬ويكتفي بتعيين مقدرة المدعى عليه بحسب ظروفه الظاهرة‪ ،‬فيجتهد في‬

‫أن يبحث ما إذا كان أي شخص متوسط‪ ،‬غير المدعى عليه‪ ،‬يستطيع أن يسلك خي ار من هذا‬

‫األخير إذا ما وجد في مكانه وفي مثل ظروفه الظاهرة‪ ،‬وبذلك يستغني عن ادعاءات المدعى‬

‫‪ 1‬فينوش ساعد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪72‬‬


‫‪19‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫عليه التي يغلب فيها أن ال تصدر إال عن هوى‪ ،‬ولكن بغير أن يرهقه بمقارنته بأي شخص‬

‫آخر أكثر قدرة منه بقطع النظر عن الظروف الظاهرة التي وجد فيها عند ارتكابه للخطأ)‪.‬‬

‫إن الفكرة التي ساقها الدكتور سليمان مرقس في كالمه المذكور أعاله تتمثل بخصوص الحال‬

‫النفسية والجسدية التي يكون بها المدعى عليه عند مثوله أمام القاضي‪ ،‬بحيث سيبذل المدعى‬

‫عليه جل استطاعته لكي يبدو أمام القاضي بأنه شخص حسن النية وأنه قد كان فعال إزاء‬

‫استحالة تامة فتكون مهمة القاضي حينها في إثارة المدارك الحسية للشخص المدعى عليه؛‬

‫ليكتشف هل هو فعال حسن النية أم أنه يلعب دو ار تمثيليا أمامه وذلك من خالل قياسه بأي‬

‫شخص متوسط لو كان مكان المدعى عليه‪ ،‬وبالتالي سيستغني القاضي حينها عن جميع أقوال‬

‫وادعاءات المدعى عليه والتي يغلب عليها الهوى كما أسماها الدكتور مرقس‪.1‬‬

‫يرى الباحث بشأن شرط السببية واستحالة دفع الضرر أن السببية أمر مفترض مسبقا ال يمكن‬

‫تناسيه وليس بحاجة أصال للنص عليه كشرط من شروط السبب األجنبي‪ ،‬فاألمر الذي يكون‬

‫بحاجة للنص عليه وذكره هو ما ال ُيفترض مسبقا‪ ،‬بمعنى أن شرط استحالة دفع الضرر يأتي‬

‫تبعا لشرط السببية فإن لم يكن هنالك سببية ما بين الظرف األجنبي وبين الضرر لما كان‬

‫هنالك سبب أجنبي أصال حتى نقول إنه يجب أن يستحيل على الشخص دفعه إذا‪ ،‬وال حاجة‬

‫‪ 1‬سليمان مرقس‪ ،‬المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية‪ ،‬ص‪ 277/270‬مشار إليه في‪ :‬فيشوش ساعد المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.71‬‬
‫‪20‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫إلدراج شرط السببية كشرط مستقل‪ ،‬بل إن القول باتباعه مع شرط استحالة دفع الضرر كشرط‬

‫متصل ينبثق عنه األخير‪ ،‬فنكون أمام شرط السببية واستحالة دفع الضرر‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬شرط انتفاء اإلسناد‬

‫ال يكفي وبالمطلق الحكم بوجود السبب األجنبي‪ ،‬وبالتالي نفي للمسؤولية المدنية بمجرد توافر‬

‫شرط السببية ما بين الواقعة األجنبية وبين الضرر الحاصل فقط‪ ،‬بل البد أن يقترن ذلك كله‬

‫بضرورة قيام وتوافر شرط هام يتمثل بعدم إمكانية إسناد الفعل المنشئ للسبب األجنبي إلى فعل‬

‫المدعى عليه بأي حال من األحوال وبصورة تجعل من المدعى عليه عاج از أصال عن توقع‬

‫حصول هذا الظرف األجنبي أو الفعل الذي أدى إلى حصول الضرر وهنا يتم الحديث عن‬

‫أمرين يقتضي وجودهما شرط انتفاء اإلسناد‪ ،‬وهما عنصر الخارجية‪ ،‬وعنصر انتفاء التوقع‬

‫وعدم إمكانية التالفي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عنصر الخارجية‪ :‬والمقصود بالخارجية هنا "هو أن ال يكون للمدعى عليه وال لألشياء التي‬

‫تكون تحت حراسته أي دخل في حدوث الواقعة األجنبية سواء كان ذلك بوساطته وبشكل‬

‫مباشر‪ ،‬أو كان بوساطة ما تحت يده من أشياء يكون حارسا عليها " ‪ .‬ويالحظ من المقصود‬

‫بالخارجية وفقا للتعريف المذكور؛ أنه ال يقتصر األمر على خارجية فعل المدعى عليه فقط‬

‫نتيجة لخطئه أو فعله المباشر بل إن ذلك يشمل الحال التي يكون المدعى عليه قد بدر منه أي‬

‫إهمال أو تقصير أدى وساعد في وقوع الظرف األجنبي‪ ،‬وكان مسلكه حيال الواقعة األجنبية هو‬

‫‪ 1‬صدر حكم الدائرة المدنية بتاريخ ‪ 77/22/7722‬ونشر في جازيت دي باليه لسنة ‪ 7722‬عدد ‪ 20‬رقم ‪ 757‬أنظر فينوس‬
‫ساعد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪72‬‬
‫‪21‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫مسلك يتسم بالتقصير واإلهمال‪ ،‬مما أدى إلى تسهيل نشوء الواقعة األجنبية واقترانها بإحداث‬

‫الضرر بشكل أو آخر‪ ،‬وهذا يعني ضرورة كون الواقعة األجنبية قد نشأت وتولدت بدون أي‬

‫تدخل من قريب أو بعيد‪ ،‬أو تدخل من شأنه أن ُي َس ِه َل نشوءها حتى‪.1‬‬

‫وحيث إن الخارجية كما سبق ذكره ‪ ،‬ال تقتصر على فعل المدعى عليه بذاته فقط‪ ،‬بل ذلك‬

‫يشمل أي فعل يكون بسبب األشياء التي تقع تحت حراسة المدعى عليه كذلك‪ ،‬حتى وإن كان‬

‫فعل الشيء هذا يتمثل بأمر داخل فيه؛ كالعيب الخفي مثال الموجود في السيارة وهذا ما يطلق‬

‫عليه بالخارجية المادية وهي التي تقترن بمادية الشيء وما يحتويه من عيوب‪ ،‬فلو افترضنا مثال‬

‫أن المدعى عليه وأثناء قيادته لسيارته في إحدى الطرق انزلقت السيارة عن مسارها واصطدمت‬

‫بالمارة نتيجة لتشكل صقيع على الطريق أدى إلى انزالقها‪ ،‬وبالبحث في ظروف الحادث تبين‬

‫أن ميزة تثبيت اإلطارات قد كان بها عطل داخل لوحة التحكم في السيارة مما أدى إلى عدم‬

‫ثبات السيارة على الطريق وبالتالي حدوث االنزالق‪ ،‬ففي مثل هذه الحال ال يستطيع المدعى‬

‫عليه أن يتمسك بوجود السبب األجنبي المتمثل بالصقيع كسبب أدى إلى حدوث االنزالق‪،‬‬

‫موجودا في السيارة ذاتها أدى إلى‬


‫ً‬ ‫عيبا‬
‫بالتالي دفع المسؤولية المدنية عنه‪ ،‬هذا ألن هناك ً‬

‫تسهيل انزالق السيارة‪ ،‬ولوال عدم وجود هذا العيب لما انزلقت السيارة بالشكل الذي أدى إلى‬

‫اصطدامها بالمارة بشكل كبير حتى في حال تشكل الصقيع المفاجئ‪.2‬‬

‫‪ 1‬الفقهاء مازو‪ ،‬ستارك‪ ،‬كاربونييه في محمود حمزة جالل المرجع السابق‪ ،‬ص‪722‬‬
‫‪ 2‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة المدنية ملف ‪ 65702‬بتاريخ ‪ ، 77/22/7772‬المجلة القضائية‪ 11 -20-7777 ،‬قرار مشار إليه‬
‫في علي فياللي االلتزامات النظرية العامة للعقد‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،0272 ،‬ص ‪212‬‬
‫‪22‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫أما بخصوص الخارجية األدبية أو القانونية فهي تلك المتمثلة بخطأ الحارس المباشر أو تقصيره‬

‫الذي أدى لوجود السبب األجنبي كما في حال عدم قيام الحارس بربط جواده بشكل آمن مما‬

‫أدى الى انطالق الجواد واصطدامه بإحدى السيارات وكسر زجاجها‪.‬‬

‫يمكننا إذن أن نستنتج مما سبق ذكره أن مسؤولية المدعى عليه تجاه الواقعة األجنبية قد تتحقق‬

‫في حالتين وهما‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬حال أن يصدر من المدعى عليه خطأ أو فعل أدى بأي شكل من األشكال إلى نشوء‬

‫الواقعة ووجودها التي ُيدعى بها أنها سبب أجنبي‪ ،‬سواء كان ذلك كما تم بيانه بسبب المباشر‪،‬‬

‫أو كان ذلك بسبب تقصير أو إهمال وقلة إحتراز قد بدر منه‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬حال كون هنالك فعل ناتج عن األشياء التي تكون تحت حراسة المدعى عليه سواء كان‬

‫ذلك بشكل خارجي من الشيء أم أم اًر داخليا فيه‪ ،‬كوجود عيب خفي في هذا الشيئ‪ ،‬أي بمعنى‬

‫أدق‪ ،‬إن الخارجية ال تقتصر فقط على اإلسناد األدبي والقانوني المتمثل بخطأ الحارس بشكل‬

‫مباشر كمثال عدم قيام الحارس بتأمين وقوف سيارته بالشكل الصحيح مما أدى الى تحركها‬

‫واصطدامها بالماره بل تشمل اإلسناد المادي المتمثل بالخلل الداخلي بالشيء دون ان يكون‬

‫للحارس عالقه مباشره بهذا الخلل الذي أدى الى وقوع الضرر كما سبق بيانه‪.‬‬

‫يمكننا أن نالحظ صفة الخارجية من خالل إلقائنا نظرة ثاقبة على النصوص القانونية التي‬

‫جاءت في التشريعات المدنية المقارنة‪ ،‬والتي تؤكد على أن اإلعفاء من المسؤولية المدنية يكون‬

‫بإثبات السبب األجنبي الذي يستند عليه المدعى عليه ‪ ،‬فعنصر الخارجية هو أمر ضروري ال‬

‫‪23‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫بد من وجوده وتحققه حتى نحكم بوجود السبب األجنبي‪ ،‬فال يمكن أبدا أن نستند للسبب‬

‫األجنبي في حال أن المدعى عليه قد تسبب بخطئه بحدوث السبب األجنبي أو خطأ ما هو‬

‫تحت حراسته أو بسبب إهمال وتقصير أدى إلى حدوث السبب األجنبي‪ ،‬وعلى الرغم من أن‬

‫غالبية فقهاء وشراح القانون قد أجمعوا على ضرورة توافر عنصر الخارجية في الواقعه‬

‫ابتداء ‪ ،‬إال أن االختالف قد كان بالنسبة لمدى‬


‫ً‬ ‫األجنبية‪ ،‬وأنه عنصر ال بد من توافره وقيامه‬

‫ربط عنصر الخارجية بكل من الخطأ أو الضرر‪ ،‬فنالحظ أن أنصار النظرية التقليدية الذين‬

‫بناء على أساس الخطأ‪ ،‬يربطون عنصر الخارجية بفكرة‬ ‫ن‬


‫يقيمو أحكام المسؤولية المدنية ً‬

‫الخطأ‪ ،‬فلديهم أنه وفي حال كون الحارس غير مخطئا‪ -‬فالواقعة ستكون حينها واقعة أجنبية‬

‫بناء‬ ‫ن‬
‫والعكس صحيح‪ ،‬أما أنصار النظرية الموضوعية والذين يقيمو أحكام المسؤولية المدنية ً‬

‫على أساس الضرر ال الخطأ‪ ،‬فقط ربطوا فكرة الخارجية بمسألة حدوث الضرر من عدمه‪،‬‬

‫ف لديهم أن الخارجية تتحقق في حال حصول الضرر وأنه قد كان مسلك وأداء المدعي عليه‬

‫خاليا من أي خطأ أو عيب والعكس صحيح‪.‬‬


‫ً‬

‫يرى الباحث أن عنصر الخارجية ال يمكن فصله أبدا عن شرط انتفاء اإلسناد‪ ،‬بل هو نتيجة‬

‫حتمية مرتبط به وجودا وعدما على مدى وجود أو انتفاء اإلسناد‪ ،‬فانتفاء اإلسناد يعني عدم‬

‫إسناد الفعل لفاعله‪ ،‬أي أن الظرف األجنبي ال يمكن إسناده للفاعل‪ ،‬وهذا األمر يتطلبه عنصر‬

‫الخارجية‪ ،‬وهذا انعكاس لفكرة انتفاء اإلسناد المتمثلة بخارجية هذا الفعل األجنبي عن فعل‬

‫المدعى تنص الماده (‪ )067‬من القانون المدني األردني على أنه إذا أثبت الشخص أن الضرر‬

‫قد نشأ عن سبب أجنبي ال يد له فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوة قاهرة أو فعل الغير‬

‫‪24‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫أو فعل المضرور كان غير ملزم بالضمان مالم يقض القانون أو االتفاق بغير ذلك"‪ ،‬وكذلك ما‬

‫ورد في نص الماده (‪ )765‬من القانون المدني المصري على أنه "إذا أثبت الشخص أن‬

‫الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي ال يد له فيه‪ ،‬كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من‬

‫المضرور أو خطأ من الغير‪ ،‬كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ‪ ،‬ما لم يوجد نص أو اتفاق‬

‫على غير ذلك‪ .‬ونصت المادة (‪ )717‬من مشروع القانون المدني الفلسطيني انه إذا أثبت‬

‫الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي ال يد له فيه‪ ،‬كقوة قاهرة‪ ،‬أو خطأ من المضرور‪،‬‬

‫أو من الغير‪ ،‬كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق يقضي بغير ذلك‪.‬‬

‫عليه نتيجة عدم وجود خطأ من المدعى عليه أدى إلى نشوئه أو ساعد على نشوئه نتيجة‬

‫إهمال أو تقصير أو قلة احتراز ‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للسببية المتمثلة في عدم وجود عالقة‬

‫سببية بين فعل المدعى عليه وبين الضرر الحاصل أي بمعنى اقتصار عالقة السببية فقط بين‬

‫الواقعة األجنبية والضرر‪ ،‬حيث ال يمكن أيضا فصل فكرة السببية والتي بنيت عليها فكرة السبب‬

‫األجنبي عن عنصر الخارجية‪ ،‬فجميع هذه األمور تصب في فكرة واحدة متمثلة بعدم تدخل‬

‫المدعى عليه في إحداث الضرر وعدم عالقته في نشوء الواقعة األجنبية أو المساعدة في‬

‫حصولها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عنصر انتفاء التوقع‪ :‬وهو العنصر الثاني الذي يتطلبه شرط انتفاء اإلسناد حتى يعتد به‬

‫طا من شروط قيام السبب األجنبي‪ ،‬وال يقل أهمية عن عنصر الخارجية الذي تم التطرق‬
‫شر ً‬

‫إليه‪ ،‬وهو أمر داخلي يمس القدرات العلمية الحسية للمدعى عليه وأمر يدخل في دائرة التوقع‬

‫واإلدراك‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫من المعروف أن قدرات اإلنسان العقلية والحسية قد نمت بشكل ملحوظ في ظل التطور العلمي‬

‫والتكنالوجي‪ ،‬حيث أصبح هنالك إمكانية عالية لتوقع اإلنسان ألمور معينة بحدوثها مستقبليا‬

‫وتحديد وقت وتاريخ حدوثها بشكل دقيق ‪ ،‬وأكثر من ذلك بيان مقدار الضرر الذي قد ينشأ عند‬

‫حدوث األمور المتوقعة تلك‪ ،‬وهذا أمر يندرج بصورة أساسية تحت مظلة الخصائص والقدرات‬

‫التي يمتلكها اإلنسان من إمكانية تصوره المسبق لألحداث‪ ،‬إال أن الحديث هنا عن أمر مختلف‬

‫كليا رغم التشابه الذي سوف يالحظ بشأن قدرة اإلنسان على التنبؤ والتوقع وما بين عدم القدرة‬

‫على التوقع وانتفائه في مجال المسؤولية المدنية والسبب األجنبي على وجه الخصوص‪.‬‬

‫يقصد بعنصر انتفاء التوقع هو عدم إمكانية المدعى عليه توقع حدوث الواقعة األجنبية بشكل‬

‫تام‪ ،‬أي أن عدم اإلمكانية هنا تأتي بمعنى االستحالة على التوقع" وهذا المعنى يختلف بشكل‬

‫تام عن حال أن المدعى عليه لم يدخل في حسابه توقع حدوث الواقعة األجنبية‪ ،‬فال يكفي‬

‫حينها إذن العتبار الواقعة هي سبب أجنبي االكتفاء بما يدعيه المدعى عليه أنه لم يتوقع فعال‬

‫حدوثها بل إنه يلزم إضافة لذلك عدم إمكانية توقع حدوث الواقعة األجنبية‪ ،‬فلو أخذنا بالمعنى‬

‫األول لدخلنا في دائرة واسعة جدا ال نهاية لها بخصوص شمول أمور عدة على أنها وقائع‬

‫أجنبيا‪ ،‬فيلزم إذن أن يكون‬


‫ً‬ ‫سببا‬
‫تشكل سببا أجنبيا‪ ،‬فليس كل ما ال يدخل في حساب الشخص ً‬

‫هنالك عدم إمكانية ومقدرة على توقع حدوث الواقعة األجنبية المدعى بها أنها سبب أجنبي‪.‬‬

‫نالحظ أن اشتراط عدم إمكانية الشخص توقع حدوث السبب األجنبي يشكل‪ -‬بصورة مباشرة‪-‬‬

‫الفيصل الهام في مدى اعتبار الواقعة الحاصلة تشكل سببا أجنبيا يتنفي معها قيام المسؤولية‬

‫المدنية أم ال‪ ،‬فاألمر هنا يبدو في غاية الدقة‪ ،‬ويلزم الكثير من االنتباه والتحري في البحث عما‬
‫‪26‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫يمكن توقعه من عدمه‪ ،‬فإن عدم إمكانية التوقع ال يمكن بأي حال من األحوال أن يتم قصرها‬

‫فقط على جميع األمور التي سبق وأن حدثت بقولنا‪ :‬إن جميع األمور غير الممكن توقعها‬

‫سوف تكون ًا‬


‫أمور ووقائع أجنبية باستثناء ما حدث منها مسبقا"‪ ،‬فهذا يعتبر ضرباً من ضروب‬

‫الخيال‪ ،‬على اعتبار أن حدوث الواقعة بشكل مسبق وألكثر من مرة‪ ،‬هذا ال يعني أنها ستكون‬

‫واقعة غير ممكنة التوقع بعد ذلك‪ ،‬فقد يكون سبب حصولها المسبق قد كان نتيجة توقع‬

‫حصولها أو أن حصولها قد كان أم اًر طبيعيا نظ اًر للظروف واألحوال التي كانت راهنة في تلك‬

‫الفترة‪ ،‬إال أنه لم يكن فعال هنالك إمكانية لتوقع حصولها وحدوثها مرة أخرى عند وقوعها أبدا‪.‬‬

‫إن إمكانية التوقع وحصول الوقائع األجنبية سيكون أم اًر ال عبرة فيه في حال كان ادعاء‬

‫المدعى عليه ينصب على أمور ووقائع تحدث بصورة دورية أو صورة دائمة أو في فترات‬

‫متباعدة وحاالت موسمية ؛ كالفيضانات في مناطق تكون أكثر عرضة لحصولها فيها أو‬

‫األمطار الموسمية‪ ،‬أو االنحباس الحراري في فترات ذروة الصيف وغيرها من األمور التي‬

‫مكنا توقعه تبعا للظروف واألحوال والمواعيد التي ظهرت بها هذه الوقائع‪،‬‬ ‫سيكون حدوثها ًا‬
‫أمر م ً‬

‫ولعل صفة عدم إمكانية التوقع ترتبط بشكل قريب من صفة الفجائية‪ ،‬حيث إن عدم إمكانية‬

‫توقع حدوث الواقعة األجنبية ونشوئها قد يكون بصورة فجائية‪ ،‬ومن غير الممكن أن يكون‬

‫هنالك تنبؤ أصال بحصولها‪ ،‬ويقول األستاذ سليمان مرقس "إذ إن المرء غير مطالب بكل ما في‬

‫وسعه بل إن للواجبات والتكاليف حدودا ال يجوز تخطيها‪ ،‬فال ُيسأل المرء إال عما كان يجب‬

‫توقعه‪ ،‬ال عن كل ما كان في إمكانه توقعه"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫هي سبب أجنبي لم يكن نسوق في إطار ما تم الحديث عنه مثاال توضيحيا فلو افترضنا جدال‬

‫حدوث عاصفة قوية ضربت منطقة زراعية أدت إلى إتالف المحصول الزراعي كامالً‪ ،‬والذي قد‬

‫قام بزراعته المدعى عليه في بداية الموسم‪ ،‬وأن المدعى عليه قد تمسك بكون هذه العاصفة‬

‫باستطاعته توقع حصولها ولم يكن بإمكانه ذلك ‪ ،‬وبالتدقيق تبين أن المدعى عليه قد الحظ في‬

‫شديدة مصحوبة بأمطار غزيرة‪ ،‬إال أنه استمر في‬


‫ً‬ ‫يحا‬
‫بداية زراعته للمحصول أن هنالك ر ً‬

‫زراعته للمحصول رغم ذلك‪ ،‬ففي هذه الحال إن تمسك المدعى عليه بقيام السبب األجنبي ينفي‬

‫عنه المسؤولية المدنية ألمر غير مقبول أبدا‪ ،‬وذلك ألن هنالك إمكاني ًة لتوقع حصول العاصفة‬

‫وقد كان بمقدور المدعى عليه إدراكها‪ ،‬نتيجة للمؤشرات التي دّلت ومهدت لحصولها‪ ،‬بالتالي‬

‫فإن صفة الفجائية وعدم إمكانية التوقع لم تتوفر في هذه الحال‪ ،‬بالتالي اختل شرط من شروط‬

‫اعتبار الواقعة أنها سبب أجنبي مما جعل من المسؤولية المدنية قائمة بحق الشخص المدعى‬

‫عليه في هذه الحال‪.‬‬

‫وفي إطار حديثنا عن المسؤولية العقدية بخصوص األمور التي تدخل في دائرة التوقع وإمكانية‬

‫توقع حصولها‪ ،‬فنقول إنها ‪ :‬جميع األمور التي كان ألطراف العقد عند إبرامهم للعقد وفي بدايته‬

‫قدرة على توقع حصولها نتيجة التعاقد‪ ،‬فما يدخل في دائرة إمكانية توقعه حين التعاقد ال يمكن‬

‫البناء عليه الحقاً واالستناد إليه على أنه واقعة غير ممكنة التوقع‪ ،‬بالتالي هي أجنبي ينفي‬

‫المسؤولية المدنية‪ ،‬كحال اختالف سعر صرف العملة األمر الذي حال دون قيام المشتري بدفع‬

‫الثمن نتيجة الزيادة الملحوظة التي حصلت‪ ،‬وكان األمر متوقعا حصوله نتيجة ‪ .‬كانت حروب‬

‫المنطقة التي تم بها التعاقد‪ ،‬أما حال كون االختالف في سعر صرف العملة قد نشأ نتيجة‬

‫‪28‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫لحرب لم يكن إمكانية لتوقع حصولها وحصلت بشكل مفاجئ‪ ،‬فإنه في مثل هذه الحال سيكون‬

‫هنالك إرهاق للمدين بتنفيذ التزامه‪ ،‬لكن لم يستحل تنفيذه‪ ،‬بالتالي ال يمكننا اعتبار ما حصل‬

‫على سبب أحنبي‪ ،‬إال أنه يكون دائ ار في دائرة الظرف الطارئ والذي سيتم شرحه الحقا‪ ،‬يكون‬

‫هنالك إمكانية تتيح ألطراف العقد تعديل آثار العقد بصورة ال تؤدي إلى حد اإلرهاق على‬

‫المتعاقدين‪ ،‬ويالحظ أنه لم يتم اعتبار ما حصل على أنه سبب أجنبي إلنه لم يتسبب في‬

‫حدوث استح الة في تنفيذ العقد ودفع الضرر الحاصل فيجب الربط بين شرط عدم إمكانية الدفع‬

‫والتي يترتب عليها أن الضرر ال يمكن تالفيه وسيقع حتما‪ ،‬وبين شرط انتفاء التوقع بشكل‬

‫كبير‪.‬‬

‫لم يشترط المشرع في التشريعات المقارنة صراحة ضرورة توافر شرط انتفاء التوقع بشكل صريح‬

‫في نصوص المواد المتعلقة بالسبب األجنبي وال يعني استبعاد توافره في الواقعة األجنبية‪،‬‬

‫فالعبرة بالمقاصد والمعاني ال باأللفاظ والمباني ‪ ،‬فالحديث عن السبب األجنبي يقتضي‬

‫بالضرورة أن ال يكون هنالك إمكانية لتوقع حصوله ابدا‪ ،‬وهذا أمر مفترض بخصوص السبب‬

‫األجنبي‪ ،‬تتضمنه نصوص المواد في القوانين المقارنة حتى وإن لم يتم النص عليها بشكل‬

‫صريح‪.‬‬

‫هنالك فريق من الفقهاء‪ ،‬اتجه للقول باعتبار شرط انتفاء التوقع هو شرط ال فائدة من وجوده‬

‫أصال؛ على اعتبار أنه ال يوجد أمر أو حدث في الكون لم يتوقع حصوله‪ ،‬ولم يدخل أصال في‬

‫حساب الناس والعلماء والفقهاء‪ ،‬فجميع ما سيحدث بالمستقبل هو سيكون أم اًر قد توقع حصوله‬

‫مسبقاً ‪ ،‬وقد كان هنالك إمكانية لحصوله نتيجة التوقع المسبق هذا ‪ ،‬فحدوث الحرب مثال أمر‬
‫‪29‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫متوقع حصوله مسبقا‪ ،‬نتيجة لألحداث التي ساقها التاريخ والمعرفة اإلنسانية وكذلك العواصف‬

‫والفيضانات‪ .‬وهذا الجانب من الفقه لم يستند في قوله على أساس دقيق من الفهم المعمق لفكرة‬

‫انتفاء التوقع‪ ،‬حيث إن انتفاء التوقع ليس المقصود به كما تم تصويره من قبلهم على أنه تصور‬

‫مسبق في الذهن حصوله كحدوث الواقعة‪ ،‬وأن هذا التصور قد جاء بصورة عابرة وفي لحظة‬

‫معينة‪ ،‬وإنما المقصود به عدم إمكانية توقع حصول الواقعة األجنبية بصورة كافية والتي تجعل‬

‫من الشخص عاج اًز عن الوفاء بالتزامه وذلك ما يترتب عليه دفع المسؤولية عنه‪ ،‬والقول بغير‬

‫ذلك سيقودنا بالنتيجة إلى اعتبار أن كل واقعة أو حدث مستقبلي هو مستبعد من نطاق عنصر‬

‫التوقع‪ ،‬وبذلك يقول الفقيه الفرنسي "مازو"‪ :‬إن الحادث يعد غير ممكن التوقع أو التنبؤ به‬

‫لحظة أال يكون هنالك أي سبب خاص يدعوا للتفكير بأن مثل هذا الحادث يمكن تحققه‪.‬‬

‫فمن الالزم إيجاد معيار متخصص يتم اللجوء إليه ومن خالله يتم قياس درجة التوقع لدى‬

‫ممكنا أم ال‪ ،‬وتباينت آراء الفقه القانوني بشأن ذلك‪ ،‬فمنهم من استند إلى‬
‫ً‬ ‫الشخص هل كان ذلك‬

‫المعيار الموضوعي كأساس للتحديد إذا كان هنالك إمكانية لتوقع الحادثة األجنبية من عدمه‬

‫والجانب اآلخر استند إلى المعيار الشخصي‪.‬‬

‫فأصحاب المعيار الشخصي يرون ووفقاً لهذا المعيار ‪ -‬أن النظر بشكل خاص سيكون موجها‬

‫لشخص المدعى عليه بذاته وما يعتريه من ظروف وأحوال شخصية متعلقة به‪ ،‬في ثقافتة‬

‫وقدراته العقلية والجسمانية والبيئية التي نشأ بها‪ ،‬ومدى قدرته على تحليل األمور وملكاته‬

‫الخاصة والتي تميزه عن غيره من األشخاص والنظر لقدراته الطبيعة والمكتسبة‪ ،‬وذلك على‬

‫اعتبار أن هذه األمور بطبيعة الحال والمنطق هي أمور ليست مشتركة أو متشابهة بشكل دقيق‬
‫‪30‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫مع باقي أفراد المجتمع‪ ،‬أي أنها صفات تمييز الشخص عن غيره‪ ،‬فوفقاً لهذا المعيار فإنه سيتم‬

‫البحث فيما إذا كان الشخص المدعي عليه لديه إمكانية التوقع لحصول الحادث األجنبي أم ال‬

‫من خالل فحص هذه الصفات واستنباط الحكم بعد ذلك‪ ،‬فإمكانية توقع الشخص الذي يعمل في‬

‫مجال التجارة منذ اكثر ما يزيد عن ‪ 02‬سنة بحدوث ارتفاع في رسوم االستيراد نتيجة الخالفات‬

‫التي ظهرت بين البلدان‪ ،‬هو أمر ال يمكن مقارنته مع تاجر لم يتعد فترة أشهر في مجال‬

‫التجارة‪ ،‬ولم يكن لديه تجارب بعد في هذا المجال تؤهله إدراك حصول هذا السبب‪ ،‬وبشكل عام‬

‫إن االستناد إلى المعيار الشخصي يحقق نوعاً من العدالة غير المطلقة بشكل أو بآخر‪ ،‬وذلك‬

‫على اعتبار أنه سيتم دراسة كل حال وحدها من خالل البحث بدواخل شخصية المدعي عليه‬

‫وقدراته التي ال يتملكها أحد غيره والتي اختص بها هو فقط؛ أي أن البحث يقتصر على‬

‫المدعى عليه وحده كون أنه وحده الذي يعنينا بالبحث في إمكانية توقعه أم ال للحادث األجنبي‪،‬‬

‫كما أن هذا المعيار ال يطالب المدعى عليه بأكثر ما يتوقعه نتيجة الظروف الشخصية التي‬

‫تمتزج به‪.1‬‬

‫فيعاب عليه مسألة صعوبة الولوج واكتشاف تلك‬


‫يخل هذا المعيار من النقد بشكل ملحوظ‪ُ ،‬‬
‫لم ُ‬

‫القدرات أو العوامل النفسية أو البيئية والمجتمعية والقدرات المكتسبة لديه‪ ،‬فمن الصعب التحقق‬

‫منها على وجه يمكن معه القول ‪ :‬إن المدعى عليه قد كان بإمكانه توقع أو عدم توقع حصول‬

‫الحادث األجنبي‪ ،‬مما أدى بالنتيجة إلى استبعاد األخذ بهذا المعيار‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية ‪ 21101‬الصادر بتاريخ ‪ ، 71/26/7711‬المجلة القضائية‪ ،7727 ،‬العدد ‪ ،22‬ص‪.00‬‬
‫‪31‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫أرى أن النقد الذي وجه لهذا المعيار هو في محله؛ كون أن البحث في دواخل األشخاص أمر‬

‫ليس بالسهولة فهمه‪ ،‬خصوصاً أننا نتحدث عن مسألة هامة يترتب الحكم عليها بترتيب‬

‫مسؤولية على الشخص المدعى عليه‪ ،‬إضافة إلى عدم وجد ضوابط محددة يتم اللجوء إليها‬

‫لل قياس‪ ،‬بل إن الضوابط التي يستند إليها أصحاب هذا المعيار فضفاضة تعتمد على األمور‬

‫الحسية والداخلية‪.‬‬

‫أما أصحاب المعيار الموضوعي فإنهم ال يستندون في بحثهم على مدى إمكانية التوقع من‬

‫عدمه‪ ،‬من خالل النظر إلى شخص المدعى عليه وما لديه من قدرات أو ما يختص به من‬

‫ظروف خاصة ومتعلقة به ‪،‬وحده‪ ،‬بل إن النظر سيكون في إطار تحديد فيما إذا كان هنالك‬

‫استطاعة وإمكانية من المدعي عليه لتوقع حصول الحادث األجنبي أم ال من خالل قياسه‬

‫ومقارنته مع الرجل المعتاد إن كان باستطاعته توقع حصول الحادث األجنبي أم ال‪ ،‬أي أن‬

‫القياس هنا هو قياس بعيد كل البعد عن العوامل الشخصية المتعلقة بالمدعي عليه‪ ،‬فسيتم‬

‫مقارنة فعل المدعى عليه مع فعل الرجل العادي "المعتاد" في حال إن وجد في ذات الظروف‬

‫التي وجد بها المدعى عليه ومن ثم بناء الحكم بقولنا فيما إذا كان الحادث ممكن التوقع أم ال‪.‬‬

‫لقد تعرض أصحاب هذا المعيار للنقد كذلك ؛ فقد استبعد بشكل كامل ظروف المدعي عليه‬

‫وشخصيته وطبيعة حاله التي وجد بها أثناء حصول السبب األجنبي‪ ،‬من خالل مساواته بالرجل‬

‫العادي والذي قد ال يكون له أي صلة بظروف المدعى عليه‪ ،‬أي أن اإلطالق الذي جاء به‬

‫‪32‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫المعيار الموضوعي‪ ،‬قد افتقد جانبا من العدالة في كثير من األحيان نتيجة الجمود الذي اعتراه‬

‫في وضع ضابط واحد دون األخذ بأي ضوابط أخرى‪.1‬‬

‫ويرى الباحث أن األخذ بالمعيار الشخصي وحده‪ ،‬أو األخذ بالمعيار الموضوعي وحده للبحث‬

‫في مدى تحقق إمكانية توقع المدعى عليه لحدوث الواقعة األجنبية أم ال‪ ،‬هو أمر ال يمكن أن‬

‫يقودنا إلى نتائج عادلة وصحيحة‪ ،‬حيث إن العدالة تكون أكبر من خالل إيجاد نوع من‬

‫االنسجام بين كل من المعيار الشخصي والمعيار الموضوعي في قياس مدى إمكانية توقع‬

‫حصول الحادثة األجنبية من عدمه‪ ،‬وأن هذا الخلط والدمج بين المعيارين يتمثل في الحال التي‬

‫يتم فيها االستناد إلى معيار مبني على فكرة قياس المدعى عليه بغيره من األشخاص الذين‬

‫يشتركون معه في بعض الظروف التي وجد بها‪ ،‬أو اشتراكه ببعض الخصائص والسمات التي‬

‫يمتاز بها‪ ،‬فإن كان المدعى عليه مثالً يعمل في مجال التجارة ولديه خبرة واسعة في هذا‬

‫المجال‪ ،‬فالقياس حينها يجب أن يتم م ن خالل اإلتيان بتاجر يمتلك ذات الخبرة في مجال‬

‫التجارة والصفات التي يمتلكها المدعى عليه بشكل قريب ال بشكل انطباق‪ ،‬تام ومن ثم يجري‬

‫التحقق والقياس فيما إذا كان بإمكان المدعى عليه توقع حصول الحادث األجنبي أم ال‪.2‬‬

‫‪ 1‬فيشوش ساعد المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬


‫‪ 2‬حبيب‪ ،‬عادل جبري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.272‬‬

‫‪33‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬

‫المطلب الثاني‬

‫طرق إثبات السبب األجنبي‬

‫يتناول الباحث في هذا المطلب موضوع إثبات السبب األجنبي‪ ،‬كيفية إثباته وطرقه ولمن‬

‫سيكون الحق في إثبات وجود السبب األجنبي وعبء ذلك اإلثبات؟ ومن ثم التطرق إلى مدى‬

‫رقابة محكمة القانون على سلطة قاضي الموضوع في إثبات وجود السبب األجنبي‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬إثبات السبب األجنبي‬

‫لقد تم الحديث سابقاً عن عبء إثبات قيام المسؤولية المدنية‪ ،‬وأن هذا العبء يقع وبالدرجة‬

‫األولى على عاتق المتضرر والذي سيكون مكلفاً بإثبات توافر أركان المسؤولية المدنية الخطأ‬

‫والضرر وعالقة السببية‪ ،‬وهذا ما تقتضيه طبيعة عملية اإلثبات بشكل عام‪ ،‬حيث إنه ومن‬

‫الثابت أن على المدعى عليه إثبات ما يدعيه أو إثبات الحق الذي يتمسك به في ادعائه‪ ،‬ومن‬

‫هنا وفي إطار الحديث عن السبب األجنبي وعلى اعتبار أن المدعي عليه هو الشخص الوحيد‬

‫الذي يكون له المصلحة بالتمسك به‪ ،‬وبالتالي فإن عبء إثبات وجود السبب األجنبي وقيامه‬

‫سيكون على عاتق ا لمدعى عليه ؛ كونه صاحب المصلحة األولى في إثبات قيامه لدفع‬

‫المسؤولية المدنية عنه ‪ ،‬وهذا أمر غير قابل للنقاش ؛ فالمصلحة القائمة من عملية اإلثبات‬

‫مقررة فقط لمصلحة المدعى عليه‪ ،‬فنالحظ أن عملية اإلثبات هي عملية تقتضي بالضرورة‬

‫توافر مصلحة لمن سيكون هذا العبء عليه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫ال يقتصر عبء إثبات وجود السبب األجنبي بقيام المدعى عليه بإثبات أن الضرر قد نشأ‬

‫نتيجة السبب األجنبي‪ ،‬فالمطلوب أن يقوم المدعى عليه بإثبات قيام السبب األجنبي؛ بإثباته‬

‫قيام جميع عناصره التي سبق وتم شرحها‪ ،‬وبتوضيح أكثر ؛ فإنه ال يكفي فقط لدفع المدعي‬

‫عليه المسؤولية المدنية عنه‪ ،‬أن يثبت عدم ارتاكبه ألي خطأ بالتالي سيكون هنالك قيام للسبب‬

‫األجنبي نتيجة لذلك‪ ،‬بل يلزم أن يقوم المدعي عليه بإثبات الواقعة األجنبية بشكل واضح‬

‫ومحدد ال لبس فيه أو غموض‪ ،‬فال بد أن يكون هنالك تحديد ٍ‬


‫كاف لبيان الشكل الواضح لصورة‬

‫السبب األ جنبي التي ظهر بها ويدعي المدعى عليه قيامها سواء كانت هذه الصورة متمثلة بقوة‬

‫قاهرة وحادث فجائي أو فعل المضرور أو فعل الغير‪.1‬‬

‫هذا ما استقر عليه الفقهاء في اعتبار أن من أقام الدليل على قيام أحكام المسؤولية المدنية‬

‫بإثبات توافر عناصرها من الخطأ والضرر وعالقة السببية فيما بينهما‪ ،‬فإنه سيكون هنالك حق‬

‫متقابل ينشئ للمدعي‪.‬‬

‫عليه بنفي المسؤولية عن نفسه من خالل تمسكه بوجود السبب األجنبي‪ ،‬حتى وإن كان هنالك‬

‫توافر وقيام ألركان المسؤولية المدنية الثالثة‪.2‬‬

‫فيما يتعلق بطريقة إثبات المدعى عليه للسبب األجنبي‪ ،‬فإنه وفقا للقواعد العامة في اإلثبات؛‬

‫فإن الحديث أصال يدور وينصب على وقائع مادية تثبت بكافة طرق اإلثبات القانونية دون‬

‫‪ 1‬ملوكي‪ ،‬اياد عبد الجبار ‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.027‬‬


‫‪ 2‬الدسوقي‪ ،‬إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.252‬‬
‫‪35‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫حصر لها بطرق محددة‪ ،‬وللمدعى عليه أن يثبت وجود السبب األجنبي من خالل شهادة‬

‫الشهود أو من خالل القرائن القضائية والقانونية‪ ،‬وغيرها من الطرق المقررة قانونيا في اإلثبات‪.‬‬

‫إن القضاء في العديد من أحكامه قد أقر مبدأ اإلثبات الوارد شرحه أعاله في كون أن إثبات‬

‫السبب األجنبي يقع على عاتق المدعى عليه بإثباته أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي‪.1‬‬

‫وباإلضافة لما تم بيانه آنفاً من ضرورة قيام المدعي عليه بإثباته للواقعة األجنبية بتوافر وقيام‬

‫جميع عناصرها وإثباتها إثباتا محددا نافياً للجهالة‪ ،‬فإن عليه أيضاً أن يقيم الدليل على أن‬

‫الواقعة األجنبية المراد إثباتها هي واقعة خارجة عنه‪ ،‬وهنا يرى بعض شراح القانون ضرورة أن‬

‫يكون هنالك تفرقة بين نوعين من األسباب األجنبية في مسألة اإلثبات‪ ،‬النوع األول‪ :‬يتمثل بتلك‬

‫األسباب أو الوقائع التي ال يكون هنالك حاجة بقيام المدعي عليه بإثبات خارجيتها عنه‪ ،‬وذلك‬

‫لما تقتضيه طبيعة الحال والصفة التي تكون بها؛ كالصاعقة مثال أو البركان أو الحروب‪ ،‬أما‬

‫النوع الثاني‪ :‬فهو يتمثل بتلك الوقائع التي ال تقتضي طبيعة الحال بها اعتبارها وقائع أجنبية‬

‫وحينها يلزم المدعى عليه بإقامة الدليل على خارجيتها عنه كفعل المضرور مثال‪.‬‬

‫يرى الباحث أنه ال ضرورة من التفرقة المذكورة أعاله بشأن الوقائع التي تعتبر بطبيعة حالها‬

‫خارجية عن المدعي عليه والوقائع التي ال تعتبر كذلك بالتالي يلزم إثبات خارجيتها عنه‪ ،‬على‬

‫اعتبار أن إثبات الخارجية هو أمر مطلوب وضروري والزم من المدعي عليه القيام به في‬

‫جميع األحوال دون تمييز أو حصر على نوع معين من الوقائع‪ ،‬وهذا الشأن ما تم توضيحه‬

‫بشكل أكبر بخصوص شرط انتفاء اإلسناد‪ ،‬من افتراض كون أن اإلسناد ال يقتصر على‬

‫‪ 1‬زهدي‪ :‬المسؤولية المدنية أو االفعال الغير مباحة‪ .‬ط‪ .7‬بيروت‪ :‬منشورات المكتبه العصرية‪ .‬دون سنة نشر‪ .‬ص ‪.727‬‬

‫‪36‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫اإلسناد المادي فقط بل يشمل اإلسناد المعنوي المتمثل بعنصر اإلهمال والتقصير كإحدى‬

‫صوره‪.1‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬رقابة محكمة القانون في إثبات السبب األجنبي‬

‫من المعروف أن دور القاضي لم يعد مقتص اًر على كونه دو اًر سلبياً يكتفي بما يقدمه أطراف‬

‫الدعوى أمامه من بينات دون أن يكون له أي تدخل في وزن تلك البينات المقدمة‪ ،‬حيث أن‬

‫دور القاضي ووفقا للمدرسة الحديثة قد أصبح دو ار إيجابيا يستطيع القاضي من خالل ذلك أن‬

‫يشارك في إدارة الخصومة المعروضة عليه ‪ ،‬وأن يتدخل في تقديم البينات والسماح بتقديمها من‬

‫عدمه وأن ُيلزم أطراف النزاع مثالً بتقديم بينات إضافية‪ .‬وفي إطار الحديث عن المسؤولية‬

‫المدنية وعن إثبات السبب األجنبي‪ ،‬فإن لقاضي الموضوع مثالً الحق في الرقابة على مدى‬

‫تقدير وجود وقيام عالقة السببية ما بين خطأ المدعى عليه وما بين الضرر الحاصل‪ ،‬وأن‬

‫تقدير قاضي الموضوع في هذه الحال هو أمر يخرج عن رقابة محكمة القانون ما دام أن تقديره‬

‫قد كان في محله وغير مشوب بأي قصور في تعليله‪.2‬‬

‫وبخصوص السبب األجنبي ُيعتبر خليطاً من الواقع والقانون؛ األمر الذي يعني أن هنالك دو اًر‬

‫لقاضي الموضوع في تقدير الوقائع التي يدعي بها المدعي عليه على أنها وقائع أجنبية‪ ،‬وهذا‬

‫التقدير يكون للقاضي بحرية كاملة ‪ ،‬إال ّ‬


‫أن لمحكمة النقض أن تفرض رقابتها على ما اتبعه‬

‫قاضي الموضوع من تكييف لتلك الوقائع‪ ،‬وعلى التحقق من مدى إنطباق الشروط الالزمة فيها‬

‫‪ 1‬مرقس‪ ،‬سليمان مرجع سابق‪ ،‬ص‪.522‬‬


‫‪ 2‬الطباخ‪ ،‬شريف أحمد‪ :‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪.507‬‬
‫‪37‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫إلعتبارها سببا أجنبيا‪ ،‬وأكثر من ذلك رقابتها على التعريف المعطى للسبب األجنبي من قبل‬

‫قاضي الموضوع ذاته في إطار تسبيبه لحكمه‪ ،‬فرقابة محكمة القانون إذن هي رقابه موجوده‬

‫ومقررة على اعتبار أن الحديث ينصب على مسألة تعتبر من مسائل القانون التي يكون لمحكمة‬

‫النقض حق الرقابة على مدى حسن تطبيق القانون على الوقائع المدعى بها أمام قاضي‬

‫الموضوع‪.1‬‬

‫هذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية في أكثر من حكم لها في اعتبار أن رقابتها هي‬

‫مقررة وموجودة فعال بخصوص التثبت من مدى صحة التكييف المعطى من قبل قاضي‬

‫الموضوع للوقائع المدعى أنها سبب أجنبي ومدى صحة انطباق الشروط الالزمة‪.2‬‬

‫ونظ اًر لكون السبب األجنبي كما تم بيانه‪ ،‬يتعلق بمسألة من مسائل القانون‪ ،‬فإنه ال يمكن أن‬

‫ابتداء أن يتم‬
‫ً‬ ‫يتم التسمك به وإثارة الدفع بشأنه ألول مرة أمام محكمة النقض‪ ،‬بل من الالزم‬

‫التمسك به أمام محكمة الموضوع‪ ،‬ومن ثم ُيعالج قاضي الموضوع جميع الوقائع المتعلقة به‪،‬‬

‫وحتى يمر المدعى عليه في مراحل التقاضي التي ال بد من أن يسلكها بشكل صحيح وقانوني‪،‬‬

‫وبعد أن يتسمك بدفع السبب األجنبي أمام محكمة الموضوع فإنه يستطيع أن يطعن بالحكم‬

‫الصادر عن قاضي الموضوع بشأن هذه المسألة لتمارس محكمة القانون دورها في الرقابة على‬

‫مدى حسن تطبيق قاضي الموضوع ألحكام القانون‪.3‬‬

‫‪ 1‬الدسوقي‪ ،‬إبراهيم‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.256‬‬


‫‪ 2‬مرقس سليمان مرجع سابق ‪ .‬ص ‪.522‬‬
‫‪ 3‬الدسوقي‪ ،‬إبراهيم ‪ :‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪ .251‬وملوكي‪ ،‬اياد عبد الجبار ‪ :‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.077‬‬
‫‪38‬‬
‫ماهية السبب األجنيب واملسؤولية املدنية‬ ‫الفصل األول‬
‫خالصة الفصل‪:‬‬

‫تعتبر المسؤولية أهم الركائز التي يقوم عليها القانون المدني بشكل عام‪ ،‬والتي من خاللها يتم‬

‫صياغة أحكام القانون المدني ودراسته‪ ،‬والحديث هنا بشكل أساسي‪ -‬يدور حول المسؤولية‬

‫بناء على فكرة التعويض وجبر الضرر‪ ،‬وذلك على‬


‫تؤس ُس ً‬
‫المدنية على وجه الخصوص والتي َ‬

‫اعتبار أن القانون المدني في إطار المسؤولية المدنية يعالج موضوع الضرر الذي يصيب‬

‫المضرور والتعويض عنه‪.‬‬

‫إن قيام المسؤولية المدنية ال يكون دون قيام أركان ال بد من توافرها ابتداء؛ أركان وهي ثالثة‬

‫قيام المسؤولية المدنية بشقيها العقدية والتقصيرية بتوافرها وهي‪ :‬ركن الخطأ‪ ،‬وركن‬
‫رض ُ‬ ‫ُيفتَ ُ‬

‫الضرر‪ ،‬وركن عالقة السببية فركن الضرر ال خالف على ضرورة قيامه وتوافره فليس من‬

‫المعقول أن نرتب التعويض على شخص قام بفعل ولم يترتب على فعله هذا أي ضرر‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫صور السبب األجنيب وآاثرها يف جمال املسؤولية املدنية‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫تمهيد‪:‬‬

‫قد يترتب الضرر على أمر ليس للمدعى عليه وال ألي احد اخر شأن فيه ‪ ،‬فتنقطع العالقة‬
‫السببية فيما وقع من ضرر لتعذر اسناده الحد فترتفع المسؤولية وهذا تطبيق لمبدأ (ال التزام‬
‫بمستحيل ‪ ،‬وقد اخذ المشرع وكذلك المشرع في الدول المقارنة بفكرة القوة القاهرة بصورة صريحة‬
‫في القانون المدني كأحد صور السبب األجنبي التي تنقطع به العالقة السبية والسؤال الذي يثار‬
‫هنا هل اخذ المشرع بفكرة القوة القاهرة في القوانين اإلجرائية مثلما أخذ بذلك في القانون المدني؟‬
‫من جهة اخرى اذا كان المشرع اخذ بفكرة القوة القاهرة فما هي االثار التي تترتب على ذلك‬
‫وتؤثر على قيام المسؤولية المدنية الناشئة عن الطعون الكيدية ؟ لإلجابة على ذلك ستبين هذه‬
‫الفقرة من جانبين األول نتطرف فيه إلى القوة القاهرة في القوانين اإلجرائية والثاني نخصصه إلى‬
‫آثار القوة القاهرة على المسؤولية المدنية الناشئة عن الطعون الكيدية ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المبحث األول‬

‫القوة القاهرة و الحادث الفجائي في مجال المسؤولية المدنية‬

‫ال يفرق كثي ار من الفقهاء بين القوة القاهرة و الحادث الفجائي يرون أنهما مصطلحين مترادفين‬
‫لمعنا واحد و يؤكد الفقه انه ال مجال للتمييز بين التعبيرين إال أن كل منهما صور للسبب‬
‫األجنبي فالقوة القاهرة تدل على استحالة الدفع في حين أن الحادث الفجائي يدل على عدم‬
‫إمكانية التوقع‪.‬‬

‫المطلب األول‬

‫مفهوم القوة القاهرة و الحادث الفجائي‬

‫معظم التشريعات لم تتطرق إلى تعريف القوة القاهرة و الحادث الفجائي حتى المشرع الجزائري‬
‫لم يعرف في القانون المدني القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ ‪ ،‬و إنما أشار إليها كسبب أجنبي‬
‫يعفى من المسؤولية فيما نص عليه في المادة ‪" :701‬إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن‬
‫سبب ال يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ من الغير‬
‫كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص قانوني أو إنفاق يخالف ذلك"‪.‬‬

‫إال أن الحقيقة هي أن المشرع الجزائري لم يتطرق لتعريف القوة القاهرة في القانون المدني لكنه‬
‫عرفها في المادة ‪ 5‬فقرة ‪ 77‬من القانون رقم ‪ 21-25‬المتعلق بالمحروقات حيت جاء فيها "‬
‫القوة القاهرة كل حدث مثبت غير متوقع ال يمكن مقاومته وخارج عن إرادة الطرف الذي يثيره‬
‫والذي يجعل تنفيذ هذا األخير ألحد التزاماته التعاقدية أو العديد منها آنيا أو نهائيا غير ممكن"‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫أوال‪ :‬التعريف الفقهي‬

‫لقد عرف الدكتور عبد الرزاق السنهوري القوة القاهرة بأنها "أمر غير متوقع الحصول وغير‬
‫‪1‬‬
‫ممكن الدفع يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال دون أن يكون هنالك خطأ في جانب المدين"‪.‬‬

‫ذهب سليمان مرقس إلى القول" أن القوة القاهرة و الحادث الفجائي تعبيران مختلفان يدالن على‬
‫معنى واحد يقصد به أمر غير متوقع حصوله و غير ممكن تالقيه يجبر الشخص على‬
‫‪2‬‬
‫اإلخالل بااللتزام "‪.‬‬

‫فيرى األستاذ لبيب شنب أن "الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة حادث خارجي ال يمكن توقعه وال‬
‫‪3‬‬
‫دفعه يؤدي مباشرة إلى حدوث الضرر"‪.‬‬

‫يعرفها مازو بأنها "أمر ال ينسب إلى المدين ليس متوقع حصوله و غير ممكن دفعه يؤدي إلى‬
‫استحالة تنفيذ االلتزام"‪.‬‬

‫ثاتيا‪:‬التعريف القضائي‬

‫القضاء الجزائري قد عرف القوة القاهرة من خالل القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ ‪77‬‬
‫جوان ‪ 7772‬والذي جاء فيه ما يلي " حيث أن التعريف القانوني للقوة القاهرة هي أنها حدث‬
‫تتسبب فيه قوة تفوق قوة اإلنسان‪ ،‬حيث ال يستطيع هذا األخير أن يتجنبها أو أن يتحكم فيها‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫كما تتميز القوة القاهرة أيضا بطابع عدم قدرة اإلنسان على توقعه"‪.‬‬

‫عرفتها المحكمة العليا بانها ‪ ":‬كارثة طبيعية غير متوقعة و ال يمكن التصدي لها و تفلت من‬
‫مراقبة اإلنسان "‪.‬‬

‫عبد الرزاق السنهرري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬نظرية االلتزام بشكل عام مصادر االلتزام‪ ،‬دار إحياء‬ ‫‪1‬‬

‫التراث العربي‪ ،‬بيروت ص‪. 116‬‬


‫‪2‬‬
‫سليمان مرقس‪ ،‬المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية ‪،‬ص ‪.277‬‬
‫محمد لبيب شنب‪ ،‬موجز في مصادر االلتزام‪ ،‬المصادر عير اإلرادية‪ ،‬األعمال غير المباحة و الكسب غير المشروع‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫النهضة العربية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،7761،‬ص‪.27‬‬


‫الملف رقم ‪ ، 02277‬تاريخ‪ ،0227/26/00 ،‬المحكمة العليا الغرفة التجارية‪ ،‬العدد األول سنة ‪0220‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪43‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫و جاء في حيثية أخرى بأنها ‪" :‬حدث تسببت فيه قوة تفوق قوة اإلنسان حيث ال يستطيع هذا‬
‫األخير أن يتجنبھا أو أن يتحكم فیھا كما تتميز القوة القاهرة أيضا بطابع عدم قدرة اإلنسان‬
‫‪1‬‬
‫على توقعها "‪.‬‬

‫أما عن تعريف القضاء المصري ممثال بمحكمة النقض المصرية اعتبرت أن القوة القاهرة حادث‬
‫غير ممكن التوقع‪ ،‬فإن أمكن توقع الحادث حتى لو استحالة دفعه‪ ،‬لم يكن قوة قاهرة ويجب أن‬
‫يكون الحادث غير مستطاع التوقع ال من جانب المدعى عليه فحسب‪ ،‬بل من جانب أشد‬
‫الناس يقظة وبص ار باألمور‪ ،‬فالمعيار هنا موضوعي ال ذاتي بل هو معيار ال يكتفي فيه‬
‫الشخص العادي ويتطلب أن يكون عدم اإلمكان مطلقا ال نسبيا وعدم إمكان التوقع في‬
‫المسؤولية العقدية يكون وقت إبرام العقد‪ ،‬فمتى كان الحادث غير ممكن التوقع وقت التعاقد‪،‬‬
‫كان هذا كافيا حتى ولو أمكن توقعه بعد التعاقد وقبل التنفيذ‪ ،‬أما في المسؤولية التقصيرية‬
‫‪2‬‬
‫فيكون عدم إمكان التوقع وقت وقوع الحادث‪.‬‬

‫عالج أيضا القضاء المصري المقصود بالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي‪ ،‬ما جاء في الحكم‬
‫المدني الصادر عن محكمة التقض المصرية‪ ،‬والذي جاء فيه " ان القوة القاهرة و بالمعنى‬
‫الوارد في المادة (‪ )765‬من القانون المدني المصري‪ ،‬تكون حربا أو زلزاال أو حريقا‪ ،‬كما قد‬
‫تكون ام أر إداريا واجب التنفيذ بشرط أن يتوافر فيها استحالة التوقع و استحالة الدفع وينقضي‬
‫‪3‬‬
‫بها التزام المدين من المسؤولية التقصيرية فال يكون هناك محل للتعويض في الحالتين"‬

‫قرار رقم ‪ 65.702‬تاريخ ‪ ،7772/26/77‬المحكمة العليا‪ ،‬يتضمن قضية مؤسسة ميناء وهران و شركة (أ‪.‬ن)‪ ،‬العدد‬ ‫‪1‬‬

‫الثاني‪ ،‬االبيار الجزائر العاصمة ‪. 7777‬‬


‫مصطفى عبد الغني عبد اإلله‪ ،‬القوة القاهرة في قضاء محكمة النقض المصرية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سليم محمد محي الدين‪ ،‬نظرية الظروف الطارئة بين القانون المدني و الفقه اإلسالمي‪ ،‬د ط القاهرة‪ ،‬دار المطبوعات‬ ‫‪3‬‬

‫الجامعية ‪ 0221‬ص ‪.501‬‬


‫‪44‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫وقد أوردت محكمة النقد الفرنسية تعريفا جاء فيه‪ ":‬الحادث الطارئ أو القوة القاهرة هي حادث‬
‫‪1‬‬
‫خارجي يحصل فجأة فال يستطاع توقعه وال درءه كالفيضانات و البراكين و الزلزال"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬

‫شروط القوة القاهرة و الحادث الفجائي‬

‫أوال‪ :‬عدم التوقع‬

‫يجب أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي غير ممكن التوقع‪ ،‬فإذا أمكن توقع الحادث‬
‫حتى لو استحال دفعه لم يكن قوة قاهرة أو حادثاً فجائياً‪ ،‬ويجب أن يكون الحادث غير مستطاع‬
‫التوقع ال من جانب المدعى عليه فحسب‪ ،‬بل من جانب أشد الناس يقظة وبص اًر باألمور‪،‬‬
‫فالمعيار هنا موضوعي ال ذاتي‪ ،‬بل هو معيار ال يكتفي فيه بالشخص العادي‪ ،‬ويتطلب أن‬
‫يكون عدم اإلمكان مطلقاً ال تسبياً‪ ،‬وال يكون الحادث ممكن التوقع لمجرد أنه سبق وقوعه فيما‬
‫مضى‪ ،‬فقد يقع حادث في الماضي‪ ،‬ويبقى مع ذلك غير متوقع في المستقبل إذا كان من الندرة‬
‫بحيث ال يقوم سبب خاص لتوقع حدوثه‪.‬‬

‫وهذا ما أخذت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ ‪ " 7717/21/27‬التزام مقاول‬
‫األدواح الصبيانية هو التزام سالمة بعبارة أخرى أن المقاول ضامن لسالمة األوالد وهو مسؤول‬
‫عن كل ضرر يقع للركاب ما لم يثبت أن الحادث وقع بسبب قوة قاهرة أو خطأ الضحية ودوخة‬
‫الصبي ال تعفي المقاول من المسؤولية ألن هذا شيء متوقع في مثل هذه األلعاب"‪ ،‬حيث‬
‫اعتبرت فيه أن دوخة الصبي ال تعفي المقاول من المسؤولية ألنها شيء متوقع في العاب‬
‫‪2‬‬
‫األدواح الصبيانية‪.‬‬

‫عبد الحكيم حجامي ‪ ،‬مصطفى هرندو ‪ ،‬خالد كيثا‪ ،‬القوة القاهرة بين التشريع والقضاء المغربي والمقارن مجلة العلوم‬ ‫‪1‬‬

‫القانونية المغرب‪www.marocdroit.com ،‬‬


‫قرار رقم ‪ 07122‬تاريخ ‪ ، 7717/21/27‬المحكمة العليا‪ ،‬يتضمن قضية االلعاب الصبيانية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬الغرفة المدنية‬ ‫‪2‬‬

‫‪.7717‬‬
‫‪45‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫من هنا كل ما هو متوقع وتسبب في وقوع حادث أو ضرر يعد المدين فيه مخطئا‪ ،‬خاصة في‬
‫هذه اللعبة يجب على صاحبها أن يقوم بكل االحتياطات لتفادي مثل هذه الحوادث‪ ،‬كما انه من‬
‫الواجب على العامل أن يقوم بحراسة مشددة وقت العملية ألن هذه اللعبة متعلقة باألطفال‬
‫الصغار و أن مثل هذه الدوخة متوقعة جدا‪.‬‬

‫أما بخصوص تقدير شرط عدم إمكان التوقع في المسئولية العقدية والتقصيرية ‪ ،‬يكون وقت‬
‫إبرام العقد فمتى كان الحادث غير ممكن التوقع وقت التعاقد ‪ ،‬كان هذا كافياً حتى لو أمكن‬
‫توقعه بعد التعاقد وقبل التنفيذ‪ ،‬أما في المسئولية التقصيرية فيكون عدم إمكان التوقع وقت وقوع‬
‫‪1‬‬
‫الحادث ذاته‪.‬‬

‫إن البحث في مدى حقيقة قيام شرط عدم إمكانية التوقع أو إمكانية ذلك يستدعينا إلى إيجاد‬
‫معيار دقيق للقياس والتحري في هذا الشأن بصورة ال تكون هنالك صعوبة أو تفاوت في النتائج‬
‫عند القياس بشان أكثر من حال‪ ،‬وعلى اعتبار أن هذا الشرط هو شرط جاء مطلقا ال نسبيا‪.‬‬

‫فالمعيار الشخصي في تقدير عدم إمكانية التوقع يرتبط بعناصر شخصية بحثة خاصة بالمدين‬
‫ذاته‪ ،‬كمقدراته العقلية الخاصة وطبيعة عمله و المركز المالي و االجتماعي و الوسائل التي‬
‫تمكنه من توقع األحداث‪.‬‬

‫ونظر لالنتقادات الموجه إلي المعيار الشخصي ذهب جانب آخر من الفقه إلى األخذ بالمعيار‬
‫الموضوعي أو كما يسمى التقدير المجرد لعدم التوقع ويقيس هذا المعيار عدم توقع الحدث وفقا‬
‫للظروف و األحوال التي ترافق العملية التعاقدية ذاتها‪ ،‬فهو يفترض وجود شخص معتاد ليس‬
‫من ذوي التفكير الثاقب و العبقرية الفذة و ال من ذوي التفكير الضحل و الهمة المتقاعسة أو‬
‫‪2‬‬
‫الغفلة الدائمة فهو وسيط بين االثنين‪.‬‬

‫المعيار الموضوعي هو المعيار الذي يمثل عامة الناس و عامة الناس هو الشخص العادي أي‬
‫نأخذ بمعيار رب األسرة الطيب‪ ،‬فهذا هو المعيار الموضوعي مع مراعاة اإللزام األصلي‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مرجع سابق ص‪.111‬‬ ‫‪1‬‬

‫عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬المفهوم القانوني لرابطة السببية و انعكاساته في توزيع المسؤولية المدنية ‪ ،‬دراسة مقارنة بأحكام‬ ‫‪2‬‬

‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ 0222 ،‬ص‪.270‬‬


‫‪46‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المنسوب للمدين اإلخالل به فإن تبين أن اإللزام من طائفة االلتزامات التي تنطبق عليه المادة‬
‫‪ 710‬من القانون المدني الجزائري التي تنص على انه‪ ":‬في اإللزام بعمل إذا كان المطلوب من‬
‫المدين أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإرادته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فإن‬
‫المدين يكون قد وفى بإإللتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي و لو‬
‫لم يتحقق الغرض المقصود هذا ما لم ينص القانون أو اإلنفاق على خالف ذلك"‪.‬‬

‫ولم يكتفي بعض الفقهاء بمعيار الرجل العادي كاألستاذ السنهوري الذي أخذ بمعيار " أشد‬
‫الناس يقظة " فيجب أن يكون الحادث غير مستطاع التوقع ال من جانب المدعى عليه فحسب‪،‬‬
‫بل من جانب أشد الناس يقظة وبص ار باألمور‪ ،‬فالمعيار هنا موضوعي ال ذاتي بل هو معيار‬
‫ال يكتفي فيه بالشخص العادي‪ ،‬ويتطلب أن يكون عدم اإلمكان مطلقا ال نسبيا‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬استحالة المقاومة‬

‫الحادث المستحيل مقاومته هو الحادث الذي ال يمكن التصدي له حتى ولو كان متوقعا ‪ ،‬و هو‬
‫الذي عندما يحصل يجعل المدين عاجز عن التنفيذ بحيث يجعله مستحيال فال يكون للمدين‬
‫طاقة لدفع وقوعه و ال تفاديه فال يكفي أن يكون الحادث مما ال يمكن توقعه بل يجب أن يتوفر‬
‫فيه شرط آخر هو أن يستحيل على المدعي عليه مقاومته‪ ،‬فان كان دفع الحادث مستطاع ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫فال يكون قوة قاهرة حتى لو استحال توقعه‪.‬‬

‫يجب أن يكون الحادث غير المتوقع مستحيل الدفع لكي نكون أمام قوة قاهرة‪ ،‬أما إذا أمكن دفع‬
‫الحائل فال يجوز اعتباره قوة قاهرة حتى إذا ثبتت استحالة توقعه وإمكانية الدفع تعني إما إمكانية‬
‫‪3‬‬
‫التغلب عن الوضع الراهن أو إمكانية اجتنابه‬

‫القوة القاهرة مستحيلة الدفع هي التي ال يمكن دفعها‪ ،‬فال يكفي للمدين إثبات أن الحادث كان‬
‫غير متوقع‪ ،‬بل يجب أن يبين الطابع القهري لهذا الحادث الذي جعل منه عاجز عن تنفيذ‬
‫التزامه‪ ،‬فلو استطاع دفعه فال يعد قوة قاهرة ولو توفر شرط عدم التوقع‪ ،‬مع مالحظة وجوب‬

‫‪1‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪،‬مرجع سابق ص‪111‬‬
‫العربي بلحاج النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري الواقعة القانونية ج‪ 0‬الطبعة الخامسة بن عكنون الجزائر‬
‫‪2‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ 0221‬ص ‪. 022‬‬
‫محمد الزين النظرية العامة لاللتزام ‪،‬الطبعة الثانية‪ ،‬تونس ‪ ،7771،‬ص ‪.757‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪47‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫قيام المدين بدوره كامال واتخاذ كل االحتياطات الالزمة التي كان من شانها أن تكفل تنفيذ‬
‫‪1‬‬
‫االلتزام‬

‫القوة القاهرة تكون السبب في استحالة التنفيذ إذا كان المدين قد وقف في مواجهتها كما يقف‬
‫الرجل العادي ‪ ،‬فأتخذ ما يلزم من االحتياطات و لم يتهاون في التنفيذ فإذا ما تمت كل هذه‬
‫المحاوالت و فشلت يكون سبب الحادث قهريا‪.‬‬

‫و يجب أيضا أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مستحيل الدفع فإذا أمكن دفع الحادث‬
‫حتى لو استحال توقعه لم يكن قوة قاهرة أو حادثا فجائيا‪ ،‬كذلك يجب أن يكون الحادث من‬
‫شانه أن يجعل تنفيذ االلتزام مستحيال و أن تكون االستحالة مطلقة‪ ،‬فال تكون استحالة بالنسبة‬
‫للمدين وحده بل االستحالة إلى أي شخص يكون في موقف المدين‪ ،‬وهذا الذي يميز بين نظرية‬
‫‪2‬‬
‫القوة القاهرة و نظرية الحوادث الطارئة‪.‬‬

‫ويقصد باستحالة دفع نتائج القوة القاهرة انه إضافة لعدم إمكانية دفع الحادث فهو محقق النتائج‬
‫ومحقق الوقوع وال قبل للمدين بمنعها ولو التقليل من حدتها‪ ،‬أو التغلب عليها بأي وسيلة متاحة‬
‫لديه‪ ،‬فمثال لو انه جراء زلزال انهار جسر اربط بين ضفتي مدينتين‪ ،‬وتعطلت حركة المبادالت‬
‫بينهما وترتب عن ذلك تخلف تموين مصنع بمادته األولية ونتج عن ذلك خسارة فادحة لعدم‬
‫االلتزام بإنجاز الطلبات في آجالها المحددة‪ ،‬فهنا الزلزال يمثل حادثة القوة القاهرة التي ال يمكن‬
‫مقاومتها وال دفعها في حين استحالة تنفيذ االلتزام ناتج عن انهيار الجسر وهي نتاج القوة القاهرة‬
‫‪3‬‬
‫التي ال يمكن التغلب عليها‬

‫ويقول مازو أن القضاء جد متشدد بالنسبة للمدين عندما ينظر إلى شرط عدم إمكان التوقع‬
‫واستحالة المقاومة سواء في المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية حتى وإن كنا نأخذ‬
‫بمعيار الرجل العادي ‪ ،‬فهو قلما يتقبل أن الناقل يعفى من مسؤوليته عن عدم تنفيذ التزامه‬
‫المتمثل في إيصال المسافرين سالمين إلى أماكن اتجاههم إال إذا أثبت أن الحادث غير متوقع‬
‫‪4‬‬
‫ومستحيل المقاومة‪.‬‬

‫نفس المرجع ص ‪.757‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪،‬مرجع سابق ص‪.117‬‬ ‫‪2‬‬

‫شريف محمد غانم‪ ،‬أثر تغير الظروف في عقود التجارة الدولية‪ ،‬مطبعة الفجر الوطنية‪ ،‬دبي الطبعة األولي ‪ 0272‬ص‪.21‬‬ ‫‪3‬‬

‫احمد سالمة‪ ،‬مذكرات في نظرية االلتزام‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬مكتبة عين شمس القاهرة ‪ 7717‬ص ‪. 601‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪48‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫ثالثا‪ :‬السبب الخارجي للحادث‬

‫هذا الشرط يتمثل بمعنى أن ال ينسب هذا الحادث الذي وقع لشخص المدين‪ ،‬وان يكون أجنبيا‬
‫‪1‬‬
‫عنه و خارجا عن إرادته بشكل ال يمكن معه القول بنسبته إليه بأي حال من األحوال‬

‫اشتراط خارجية الحادث عن اردة المدين أمر منطقي ويحقق العدالة ‪ ،‬كما انه يتماشى أيضا مع‬
‫مبدأ حسن النية فمن غير العدالة و غير منطقي أن يسمح للمدين باالستفادة من عدم تنفيذ‬
‫العقد إذا كان عدم التنفيذ يعزى إلي خطأه ‪ .‬كما أن اشتراط استقالل الحدث عن إرادة المدين‬
‫يفضي وبالضرورة إلى حماية الدائن من تدخل المدين سيئ النية في إحداث الضرر بصورة‬
‫‪2‬‬
‫مباشرة أو غير مباشرة‬

‫كما وان ما يجب اإلشارة إليه هو أن جانبا من الفقه قد اخذ بالسبب الداخلي إن لم يكن متوقعا‬
‫ولم يكن هنالك إمكانية لدفعه كالنوبة القلبية التي تصيب سائق السيارة فتؤدي إلى انحراف‬
‫مساره و إحداث ضرر نتيجة االصطدام‪ ،‬وهذا األمر فقط يكون في إطار المسؤولية التقصيرية‬
‫والتي تستند في قيامها إلى الخطأ‪.3‬‬

‫ويستنتج من ذلك أن المعيار الذي تم االستناد إليه للتأكد من مدى توافر شرط الخارجية من‬
‫عدمه هو معيار موضوعي بحت ينظر إلى الواقعة أو الحدث ذاته وذلك من خالل قياس هل‬
‫‪4‬‬
‫أن حدوثها قد كان خارجيا ام ال‬

‫سليم محمد محي الدين‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.522‬‬ ‫‪1‬‬

‫شريف محمد غانم ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪21.‬‬


‫‪2‬‬

‫العوجي مصطفى‪ ،‬القانون المدني المسؤولية المدنية‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬ط‪ 7‬بيروت مؤسسة بحوس ‪ 7776‬ص ‪.625‬‬ ‫‪3‬‬

‫حسين فرهاد‪ ،‬عوارض المسؤولية المدنية‪ ،‬ط‪ 7‬لبنان‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ 0272 ،‬ص ‪.022‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪49‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المطلب الثالث‬

‫اثر القوة القاهرة و الحادث الفجائي‬

‫الفرع األول‪ :‬اآلثار القانونية‬

‫تختلف اآلثار التي يرتبها القانون لدفع المسؤولية بالقوة القاهرة‪ ،‬فهناك حالتان الحالة التي تكون‬
‫بها القوة القاهرة هي السبب الوحيد في وقوع الضرر و الحالة التي تكن فيها القوة القاهرة سببا‬
‫من عدة أسباب أخرى أدت إلى وقوع الضرر وجب لتفرقة بين الحالتين‬

‫‪ -0‬الحالة التي تكون بها القوة القاهرة هي السبب الوحيد في وقوع الضرر‪:‬‬

‫عندما تتحقق شروط القوة القاهرة التي تعرضنا لها بالتفصيل وتثبت أنها هي السبب الحقيقي و‬
‫الوحيد في حدوث الضرر ‪ ،‬فان االلتزام ينقضي ما لم يكن متفق على غير ذلك و ال محل‬
‫لمساءلة المدين‪ ،‬ومؤدي هذه الفرضية يتمثل بحال كون القوة القاهرة التي قد توافرت بها‬
‫شروطها و عناصرها وتم التثبت من وجودها وقيامها بشكل صحيح‪ ،‬قد كانت هي السبب‬
‫الوحيد و المستقل بذاته في إحداث الضرر الواقع‪ ،‬وانه لم يكن هنالك أي اشتراك أو تأثير من‬
‫قبل أية عوامل أخرى أو من قبل أشياء أو أشخاص اشتركت في إحداثها للضرر‪ ،‬فسيكون‬
‫األثر المترتب في هذه الحال التي تكون بها القوة القاهرة هي السبب الوحيد في إحداث الضرر‬
‫هو انتفاء قيام المسؤولية المدنية بحق المدعى عليه نتيجة النتفاء رابطة السببية بشكل تام‬
‫مابين كل من فعل المدعي عليه وبين الضرر الحاصل‪ ،‬وهذا األمر يتمثل كنتيجة حتمية التفاء‬
‫‪1‬‬
‫رابطة السببية‬

‫ففي حالة هالك شيء معين بقوة قاهرة ليس للدائن أن يجبر المدين على تقديم غيره حتى و‬
‫لو كان ذلك في استطاعته ‪ ،‬و ليس للمستأجر في حالة هالك العين المؤجرة أن يطالب‬
‫المؤجر بتشييدها و ال أن يشيدها المستأجر على حساب المؤجر ألن العقد ينفسخ‪.‬‬

‫السيد عمر عبد هللا‪ ،‬مسؤولية الشخص عن فعله في قانون المعامالت المدنية اإلماراتي‪ ،‬ط‪ ،‬القاهرة دار النهضة العربية‬ ‫‪1‬‬

‫سنة ‪ 7772‬ص‪.717‬‬
‫‪50‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫‪ -2‬الحالة التي تكن فيها القوة القاهرة سببا من عدة أسباب أخرى أدت إلى وقوع الضرر‪:‬‬

‫وهنا ال نتحدث عن كون القوة القاهرة هي السبب الوحيد الذي ترتب عليه حصول الضرر‪ ،‬بل‬
‫هنا تكون القوة القاهرة هي إحدى األسباب التي أدت لوقوع الضرر‪ ،‬و أن هنالك أسبابا أخرى‬
‫قد اشتركت مع القوة القاهرة في إحداث الضرر‪ ،‬وهذه الحال هي التي تثير كثي ار من التساؤالت‬
‫‪1‬‬
‫حول ماهية األثر المترتب في هذا االفتراض على أحكام المسؤولية المدنية‬

‫إذا كانت القوة القاهرة مشتركة مع خطأ المدين في تحقيق عدم التنفيذ و كالهما ساهم فيه‪،‬‬
‫فطبعا تكون المسؤولية في هذه الحالة مقسمة فيما بين األسباب المساهمة في أحداث هذه‬
‫النتيجة الن رابطة السببية ليس من المفروض فيه أن يكون أحد األسباب هو السبب الوحيد‬
‫المنتج ‪ ،‬بل من الممكن أن تتواجد عدة أسباب و تكون كلها فعالة‪.‬‬

‫أما بعض الفقهاء فيعارضون فكرة انقسام المسؤولية و يقولون أن الحادث الذي اشترك مع خطأ‬
‫المدين هو قوة قاهرة ال أحد يتحمل تبعاتها حتى يرجع عليه الدائن أو المتضرر والقاعدة‬
‫عندهم انه إذا اشترك في أحداث الضرر سبب معلوم و آخر مجهول فان السبب المعلوم هو‬
‫‪2‬‬
‫الذي يتحمل تبعاته فتتقرر مسؤولية المدين الذي يعتبر خطأه سببا للضرر‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثار اتفاقية‬

‫تنص المادة ‪ 711‬من القانون المدني الجزائري على انه " يجوز اإلتفاق على أن يتحمل المدين‬
‫تبعية الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة و كذلك يجوز اإلتفاق على إعفاء المدين من أية‬
‫مسؤولية تترتب على تنفيذ التزامه التعاقدي إال ما ينشأ عن غشه‪ ،‬أو عن خطئه الجسيم غير‬
‫أنه يجوز للمدين أن يشترط إعفاؤه من المسؤولية الناجمة عن الغش‪ ،‬أو الخطأ الجسيم الذي‬
‫يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه"‪.‬‬

‫السيد عمر عبد هللا ‪ ،‬مرجع سابق ص‪.717‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مرجع سابق ص‪.7201‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪51‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫وكذلك ألن من الناحية العملية فانه يستحيل أن يعرف المضرور المسؤول قبل تحقق المسؤولية‬
‫التقصيرية‪ ،‬حتى يتفق معه على تعديلها أو اإلعفاء منها إال في الحالة التي تلي تحقق‬
‫المسؤولية واالتفاق في هذه الحالة صحيح كأن يعفي المضرور المسؤول من التعويض بالتنازل‬
‫‪1‬‬
‫عن حقه‪.‬‬

‫وبشان اتفاق الطرفين حول تحمل المسؤولية‪ ،‬يتصور أن يتحملها المدين أو الدائن بمجملها أو‬
‫أن يتم االتفاق على إعفاء كال الطرفين من ذلك وقد يتم االتفاق بشان ذلك في العقد أو باتفاق‬
‫الحق‪.‬‬

‫‪ -0‬االتفاق على تحمل المدين لتبعية القوة القاهرة‪ :‬في حال وجود اتفاق بين المتعاقدين على‬
‫تحمل المدين آلثار القوة القاهرة فإن لم يتمكن هذا األخير من تنفيذ التزامه عينا‪ ،‬التزم‬
‫بالتعويض في كل األحوال سوءا كان بسبب خطئه طبقا لقواعد المسؤولية بصفة عامة‪ ،‬أو‬
‫بسبب القوة القاهرة التي ال يد له فيها‪ ،‬وفي هذا تشديد لمسؤولية المدين‪ ،‬وبهذا المفهوم يصبح‬
‫‪2‬‬
‫هذا االتفاق بمثابة تامين للدائن‪.‬‬

‫للمتعاقدين أن يتفقا على أن يتحمل المدين تبعة القوة القاهرة فيجعل المدين مسؤوال حتى عن‬
‫السبب األجنبي فإن لم يتمكن من تنفيذ اإللتزام عينا‪ ،‬إلتزم بالتعويض بغض النظر عن كون‬
‫سبب عدم التنفيذ يرجع إلى خطئه أو إلى قوة القاهرة و يكون هذا بمثابة تأمين للدائن بحيث‬
‫‪3‬‬
‫يكون مطمئنا إلى أن حقوقه لن تضيع عند مدينه في كل األحوال‪.‬‬

‫‪ -2‬االتفاق على تحمل الدائن لتبعية القوة القاهرة‪ :‬بإمكان الدائن أن يتحمل تبعات القوة‬
‫القاهرة و يضمن هالك الشيء و يضمن تنفيذ ما عليه من التزام فتكون حقوق المدين الناشئة‬
‫عن نفس العقد مضمونة في ذمة الدائن و أن استحالة التنفيذ الراجعة للقوة القاهرة ال تستتبع‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.7725‬‬ ‫‪1‬‬

‫جدي نسيمة‪ ،‬القوة القاهرة في القانون المدني الجزائري‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل دفعة ‪ 0221 -0225‬المدرسة العليا للقضاء‬ ‫‪2‬‬

‫الجزائر ص‪.05‬‬
‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.207‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪52‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫إنقضاء حقوقه في ذمة دائنه و ال يترتب عليه إنفساخ العقد بل يبقى الدائن ملتزما بتنفيذ ماعليه‬
‫من التزام إال إذا أسندت استحالة التنفيذ إلى المدين و لم يتفق على إعفائه من المسؤولية عن‬
‫خطئه‪.‬‬

‫يجوز االتفاق على تحمل الدائن لتبعة القوة القاهرة وتبعا لذلك يبقى ملتزما بتنفيذ التزامه المقابل‬
‫في مواجهة المدين‪ ،‬بالتالي في حال تحققت القوة القاهرة واستحال على المدين تنفيذ التزامه فان‬
‫العقد ال ينفسخ‪ ،‬ويبقى الدائن ملزما بما عليه إال إذا كانت استحالة التنفيذ بسبب خطأ المدين‬
‫ولم يتفق على إعفائه من المسؤولية‪ ،‬إذ أن االتفاق يقضي باإلعفاء من نتائج القوة القاهرة وليس‬
‫من اآلثار المترتبة على خطئه ولو كان يسي ار‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬االتفاق على إعفاء طرفي العقد من المسؤولية‪ :‬باإلمكان من المتعاقدين أن يتفقا على‬
‫اإلعفاء الكلي أو الجزئي من التزاماتهم في حال وقوع قوة قاهرة أو حادث فجائي‪.‬‬

‫وهو بند أصبح كثير الوجود في العقود ذات األهمية في المجال التجاري و االقتصادي‪ ،‬فكثي ار‬
‫ما نجد النص على عدم تحمل أي طرف لتبعة القوة القاهرة في حالة تحققها‪ ،‬وقد يكون هذا‬
‫اإلعفاء مؤقتا جزئيا أو كليا‪ ،‬ويرجع تحديد ذلك لطبيعة العقود المبرمة والظروف التي يجب‬
‫مراعاتها بكل عقد‪.‬‬

‫وفي النهاية يمكن القول أن لألطراف الحرية الكاملة في تحديد مفهوم القوة القاهرة و في تحميل‬
‫المسؤولية إعماال لمبدأ الحرية التعاقدية‪،‬و مبدأ العقد شريعة المتعاقدين ضمانا للسير الحسن‬
‫للعقد و تجنبا لقهر احد المتعاقدين‪.‬‬

‫جدي نسيمة‪ ،‬مرجع سابق ص‪.06‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪53‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المبحث الثاني‬

‫فعل المضرور و فعل الغير في مجال المسؤولية المدنية‬

‫يعتبر فعل الغير و فعل المضرور من صور السبب األجنبي التي باإلمكان للشخص أن يدفع‬
‫عن نفسه المسؤولية المدنية بالتالي سيتم التطرق في المطلب األول إلى مفهوم فعل المضرور‬
‫وشروطه و مفهوم فعل الغير وشروطه في المطلب الثاني مع التطرق إلى اآلثار المترتب عليهم‬
‫في المطلب الثالث‪.‬‬

‫المطلب األول‬

‫مفهوم فعل المضرور وشروطه‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم فعل المضرور‬

‫نظ ار لغياب تعريفات تشريعية لفعل المضرور‪ ،‬كانت هناك اجتهادات فقهية محاولتا لوضع‬
‫تعريف له عرفه األستاذ بلحاج العربي بأنه" االنحراف الذي يصدر من المدعي أو المضرور و‬
‫‪1‬‬
‫الذي يؤدي إلى حدوث الضرر الذي أصابه أو إلى استفحاله"‪.‬‬

‫وقد عرفه األستاذ محمد لبيب "بأنه انحراف المضرور في سلوكه عن عناية الشخص المعتاد‬
‫‪2‬‬
‫انحرافا يؤدي إلى حدوث ضرر له بحكم السير العادي لألمور"‪.‬‬

‫كما و عرف الدكتور سليمان مرقس فعل المضرور على" انه الحال التي يكون فيها المضرور‬
‫قد قصر فيما يجب عليه من الحيطة و التبصر إذ لم يبذل ما في وسعه لتالفي حصول‬
‫الضرر‪ ،‬بعد أن شعر بقرب وقوعه‪ ،‬أو قصد أم يصيبه ضرر من فعل غيره أو عرض نفسه‬
‫‪3‬‬
‫للخطر"‪.‬‬

‫العربي بلحاج‪ ،‬مرجع سابق ص‪.025‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد لبيب شنب ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫سليمان مرقس‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني في االلتزامات ط‪ ،5‬مصر الجديدة ‪ 7711‬ص‪.072‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪54‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫وفقا لم مررنا به من تعريفات الفقهاء بشأن فعل المضرور فالمقصود بالمضرور هو كل شخص‬
‫غير المدعى عليه‪ ،‬قد لحقه الضرر و اتخذ صفه المدعي في المطالبة بالتعويض عن الضرر‬
‫‪1‬‬
‫الحاصل‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬شروط فعل المضرور‬

‫ان المشرع الجزائري لم يحدد شروط فعل المضرور بدقة في حين أن االتجاه الغالب في الفقه و‬
‫القضاء الفرنسي يشترط في خطأ المضرور لإلعفاء من المسؤولية المدنية توفر شروط القوة‬
‫القاهرة‪ ،‬ويرى القضاء الفرنسي أيضا أن شرط كون فعل المضرور خاطا حتى يرتب أثره المعفي‬
‫من المسؤولية‪.‬‬

‫‪ -7‬توفر شروط القوة القاهرة‪ :‬إن اغلب األحكام القضائية و الكتابات الفقهية تشير إلى ضرورة‬
‫توافر شرطين جنبا إلي جنب وهما نفس شروط القوة القاهرة عدم إمكان التوقع و استحالة الدفع‪.‬‬

‫بالرجوع إلى القضاء الجزائري نجد أنه إذا كان خطأ المضرور ال يتوفر على شروط القوة‬
‫القاهرة بأن يكون أم اًر متوقعا أو من الممكن دفعه فإن المحكمة العليا ترفض في هذه الحالة‬
‫إعفاء الحارس من المسؤولية هذا ما اقره المجلس األعلى في‪ " 7712/25/05 :‬حيث لكي‬
‫يعفى من يستغل حمام أو حارس الشيء من كل مسؤولية الحادث يجب عليه أن يثبت أن ذلك‬
‫الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه وليس باستطاعته تفاديه‪ ...‬لكن حيث إن سقوط شخص‬
‫تسبب فيه مياه متسربة من غرف االستحمام و مملوءة بمواد لزجة خاصة في األماكن التي يمر‬
‫بها الزبائن و المؤدية إلى تلك الغرف أم اًر متوقعا ويمكن تفاديه عن طريق االعتناء الكامل من‬
‫طرف حارس المؤسسة الذي عليه أن يقوم بتنظيفها باستمرار وال يسمح بالمرور عليها إال‬
‫‪2‬‬
‫بالتأكد من إزالتها"‬

‫إياد عبد الجبار ملوكي ‪ ،‬المسؤولية عن األشياء وتطبيقاتها على األشخاص المعنوية بوجه خاص‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬ط ‪، 7‬‬ ‫‪1‬‬

‫دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪ ،0227 ،‬ص‪.022‬‬


‫ملف رقم ‪ ،52225‬قرار غير منشور نقال عن‪ ،‬علي فياللي‪ ،‬الفعل المستحق للتعويض الطبعة الثانية‪ ،‬المؤسسة الوطنية‬ ‫‪2‬‬

‫للفنون المطبعية‪ ،‬الرغاية الجزائر ‪ 0272‬ص‪ 022‬عن الهامش‪.‬‬


‫‪55‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المقصود بعدم التوقع هو العلم الراجح أو المحتمل بأن واقعة معينة ستحدث أو أنها لن تحدث‬
‫في وقت ما بحيث يكون معلوما‪ ،‬أن حدوث هذه الواقعة أو عدم حدوثها سيترتب عليه وقوع‬
‫الضرر كأثر سلبي للسلوك في نطاق المسؤولية التقصيرية أو خلق استحالة مطلقة في تنفيذ‬
‫‪1‬‬
‫االلتزام العقدي في نطاق المسؤولية العقدية‪.‬‬

‫يرى إبراهيم الدسوقي المقصود بصفة عدم إمكان الدفع "مجرد بحث موقف المدعى عليه و‬
‫مسلكه حيال السبب األجنبي لمعرفة ما إذا كان هناك ما يمكن نسبته إليه"‪ 2.‬فالمقصود عنده‬
‫من شرطي عدم إمكان التوقع و الدفع هو التأكد من عدم صدور أي خطأ من المنسوب إليه‬

‫أن ذلك كان ممكنا ينطوي في ّ‬


‫حد ذاته على خطأ من‬ ‫بالرغم من ّ‬
‫الضرر‪ ،‬فعدم تفادي الضرر ّ‬
‫جانب المنسوب إليه الضرر‪.‬‬

‫و بهذا الموقف يكون األستاذ إبراهيم الدسوقي قد أخذ بنفس موقف القضاء الفرنسي فيما يخص‬
‫شرط التوقع‪.‬‬

‫كما ذهب األستاذ عادل جبري محمد حبيب للقول أن "عدم القدرة على الدفع ‪ ،‬أو استحالة‬
‫‪3‬‬
‫الدفع‪ ،‬كعنصر من عناصر السبب األجنبي ‪ ،‬يعد الترجمة القانونية لفقد القدرة على التصرف"‪.‬‬

‫لم يكتفي بعض الفقه بالنسبة لتقدير شرطي عدم التوقع و استحالة الدفع ‪ ،‬بما يتوقعه الشخص‬
‫العادي من حوادث و بما يمكن له من إمكانيات لدفع النتائج الضارة المترتبة عنه بل اشترط أن‬

‫يكون التقدير وفقا ّ‬


‫ألشد الناس يقظة و تبصر باألمور‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.275‬‬ ‫‪1‬‬

‫إبراهيم الدقوسي ‪ ،‬اإلعفاء من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات‪ ،‬دط‪ ،‬اإلسكندرية دار النهضة العربية‪7715 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.271‬‬
‫عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬مرجع سابق ص‪.271‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق ص‪..111‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪56‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫هذا ما ينطبق على خطأ المضرور ‪ ،‬إذ حتى يعتبر هذا الخطأ مستحيل التوقع و مستحيل‬
‫الدفع البد أن تكون هذه االستحالة ‪ ،‬استحالة مطلقة بالنسبة لكل شخص يوجد في الظروف‬
‫التي كان فيها المنسوب إليه الضرر‪.‬‬

‫المتشدد ‪ ،‬فقد كان يرى أنه ينبغي لإلعفاء من‬


‫ّ‬ ‫كان القضاء الفرنسي يأخذ بنفس هذا الموقف‬
‫المسؤولية أن يكون الحادث غير متوقع على اإلطالق ال من جانب المنسوب إليه الضرر‬
‫‪1‬‬
‫فحسب بل من أشد الناس تبص ار ويقظة فعدم إمكان التوقع مطلق غير نسبي‪.‬‬

‫كما يمكن استنتاج أخذ المشرع الجزائري بمعيار الرجل العادي في إطار المسؤولية العقدية من‬
‫خالل نص المادة ‪ 710‬من القانون المدني الجزائري ‪ ،‬وهو ذات المعيار في المسؤولية‬
‫التقصيرية أين يكون التزام ببذل عناية الرجل العادي في عدم اإلضرار بالغير‪ ،‬فإذا انحرف‬
‫‪2‬‬
‫المسؤول عن الضرر عن سلوك الرجل العادي تحقق خطأه و قامت مسؤوليته‪.‬‬

‫أن معيار استحالة التوقع واستحالة الدفع معيار‬


‫أما بالنسبة لألستاذ محمد حسنين فقد اعتبر ّ‬
‫أشد من معيار الرجل العادي بحيث يرى أن الشخص اليقظ لم يكن يستطيع‬
‫موضوعي ‪ ،‬و لكن ّ‬
‫‪3‬‬
‫أن يتوقعه و ال أن يدفعه‪.‬‬

‫فإن شرطي عدم إمكان التوقع و استحالة الدفع يقدران وفقا‬


‫ووفقا للمعيار الموضوعي ‪ّ ،‬‬
‫للظروف الخارجية عن شخص المنسوب إليه الضرر ‪ ،‬لذا يتعين البحث كما يقول ‪ :‬األستاذ‬
‫هنري مازو عما إذا كان يجب على المنسوب إليه الضرر توقع و دفع السبب األجنبي و ليس‬
‫‪4‬‬
‫ما إذا كان يستطيع المنسوب إليه الضرر توقعه و دفعه‬

‫حسن علي الذنون ‪ ،‬المبسوط في المسؤولية المدنية‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬األردن‪ 0221 ،‬ص‪.221‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي علي سليمان‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني الجائري‪ ،‬ط‪ 1‬بن عكنون الجزائر ديوان المطبوعات الجزائرية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.725‬‬
‫محمد حسنين‪ ،‬الوجيز في نظرية االلتزام‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،7712‬ص‪.765‬‬
‫إبراهيم الدقوسي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 202‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪57‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫‪ -0‬شروط خاصة بخطأ المضرور‪ :‬إن األساس األنسب الذي يتم بموجبه الحكم بقيام فعل‬
‫المضرور هو األساس الذي يأتي بمعنى االنحراف في فعل المضرور‪ ،‬وذلك في الحال التي‬
‫عتبر‬
‫وي ُ‬‫يصدر بها من المضرور سلوك غير سوي وغير مألوف يتناقض مع السلوك المعتاد‪ُ ،‬‬
‫ويشكل مخالفة للقانون‬
‫خروجا عن قواعد مفروضة سابقاً‪ ،‬أو الفعل الذي يصدر من المضرور ُ‬
‫أو اللوائح واألنظمة‪ ،‬وكذلك الفعل المتمثل باإلهمال والتقصير أو حتى التعمد المؤدي لفكرة‬
‫‪1‬‬
‫القبول بالمخاطر‪.‬‬

‫فلفظ اإلنحراف هو لفظ عام يأتي شامالً لجميع الصور التي تم ذكرها‪ ،‬أي أنه في حال أن‬
‫صدر من المضرور أي فعل أو تحققت أي صورة من هذه الصور وكان قد قصر فيما يجب‬
‫عليه من الحيطة والتبصر ‪ ،‬ولم يبذل كل ما يستطيع فعله؛ لتالفي وقوع الضرر عليه‪ ،‬فإنه‬
‫حينها سيختبر منحرفاً في سلوكه وفعله وسيعتبر مخطئاً‪ ،‬بالتالي سيكون هنالك فعل ضار لحق‬
‫‪2‬‬
‫به نتيجة انحرافه في سلوكه هذا ‪.‬‬

‫يذكر األستاذ الدكتور عمر السيد عبد هللا في موضوع االنحراف بقوله‪" :‬من البديهي أال يعتد‬
‫بفعل المضرور إذا لم يكن لهذا الفعل دخل في إحداث الضور النعدام رابطة السببية ومن‬
‫البديهي كذلك وجوب االعتداد بفعل المضرور إذا كان هذا الفعل هو السبب الوحيد في وقوع‬
‫الضرر النعدام رابطة السببية كذلك بالنسبة للمدعى عليه‪ ،‬أما حيث يشترك فعل المضرور مع‬
‫‪3‬‬
‫فعل المدعى عليه في إحداث الضرر فيتعين لكي يعتد بهذا الفعل أن ُيعتبر انحراف"‪.‬‬

‫على الرغم من هذا فإن من الفقه من أيد ما ذهبت إليه الدائرة المدنية الثانية على أساس أن‬
‫فعل المضرور خاطاً كان أم غير خاطئ يمكن أن يعتبر سبيا أجنبيا عن الحارس معفيا من‬

‫النقيب عاطف‪ ،‬المسؤولية المدنية عن األخطاء المهنية‪ ،‬ط‪ 7‬بيروت‪ ،‬الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬دون سنة نشر‪ ،‬ص‪206‬‬ ‫‪1‬‬

‫إياد عبد الجبار ملوكي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.027‬‬ ‫‪2‬‬

‫السيد عمر عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 72‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪58‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المسؤولية إعفاءا تاماً أو جري لقدر اشتراكه و تنبيه في إحداث الضرر‪ ،‬و في رأيهم أن العبرة‬
‫‪1‬‬
‫ليست بصفة الخطأ وإنما بمدى تسبب هذا الفعل في جعل الشيء يتدخل في الحادث‪.‬‬

‫يجب أن يكون خطأ المضرور هو السبب المباشر للضرر الحال به‪ ،‬أي أن تتوافر عالقة‬
‫السببية ليا بين خطأ المضرور والضرر الذي أصابه فإذا لم يكن الخطأ المضرور أي دور في‬
‫فإنه ال يكون له أي أثر‬
‫حصول الحادث أو لم يكن من شأنه أن يؤدي إلى حدوث الضرر عادة ّ‬
‫على مسؤولية المدعى عليه على ذلك إذا أوقف شخص سيارته في مكان ممنوع فيه الوقوف و‬
‫قام شخص بإلقاء جسم صلب من النافذة مما أدى لتحطيم زجاج السيارة فإن خطأ السائق‬
‫المضرور بالوقوف في مكان ممنوع فيه االنتظار ال يكون هو سبب الضرر الحاصل له و‬
‫بالتالي ال الضرر الحاصل له و بالتالي ال يقطع رابطة السببية بين خطأ ملقي الجسم وكسر‬
‫‪2‬‬
‫زجاج السيارات‪.‬‬

‫أما إذا استطاع المضرور إثبات أن الضرر ليس له إال سبب واحد هو خطأ المدعى عليه أو‬
‫استطاع المدعى عليه إثبات أن عمل المضرور وحده هو سبب الضرر فال إشكال يثور‪ ،‬حيث‬
‫إنه في الحالة األولى يكون المدعى عليه مسئوال عن تعويض الضرر تعويضاً كامالً و ال دخل‬
‫لفعل المضرور أو خطئه في الضرر الذي حدث و في الحالة الثانية يكون فعل المضرور وحده‬
‫هو السبب فيما أصابه من ضرر و ال دخل لخطأ المدعى عليه في هذا الضرر فال تتحقق‬
‫‪3‬‬
‫مسؤوليته أصالً‪.‬‬

‫إبراهيم الدقوسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 027‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد لبيب شنب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 7227‬عن الهامش‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪59‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المطلب الثاني‬

‫مفهوم فعل الغير و الشروط الواجب توافرها في الغير‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم فعل الغير‬

‫المقصود بالغير في المادتين ‪ 701‬و ‪ 0/721‬من القانون المدني الجزائري هو كل شخص غير‬
‫المضرور و غير الحارس وكل من يسأل عليهم الشخص‪ ،‬كالخاضع للرقابة أو أي شخص‬
‫يسأل عنه المدعى عليه قانونا وال يعتبرون من الغير الذي يعتبر سببا أجنبيا معفيا من‬
‫المسؤولية ففعل الغير ال يعتبر سببا أجنبيا إال إذا كان خارجيا بحيث لم يكن هذا الفعل بناءا‬
‫على طلب المدين أو كان ممن عليهم والية أو وصاية أو تربط به عالقة قانونية ويشترط في‬
‫الفعل أن يكون صادر عن عمله الشخصي و يتوجب توافر عناصر السبب األجنبي الباقية من‬
‫‪1‬‬
‫عدم القدرة على التوقع و عدم القدرة على الدفع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬فعل الغير في الفقه القانوني‪:‬‬

‫عرف األستاذ لبيب شنب الغير بأنه هو" كل شخص غير المضرور وغير الحارس وغير‬
‫األشخاص الذين يسأل عليهم الحارس قانون ًا مهم المشمولون بالرقابة من أوالد وصبيان وتالميذ‬
‫‪2‬‬
‫وتابعين"‪.‬‬

‫ويعرف الفقه الغير الذي يعتبر فعله احد صور السبب األجنبي بأنه " الشخص األجنبي عن‬
‫‪3‬‬
‫كل من المدعي المدعى عليه "‪.‬‬

‫عسالي عرعارة‪( ،‬السبب االجنبي في المادتين ‪ 701‬و ‪ ،)0/721‬المجلة األكاديمية للبحوث القانونية و السياسية‪ ،‬العدد‬ ‫‪1‬‬

‫الثاني‪ ،‬كلية الحقوق جامعة الجزائر ‪ 7‬ص ‪.222‬‬


‫محمود جمال الدين زكي الوجيز في النظرية العامة االلتزامات‪ ،‬في القانون المدني المصري الطبعة الثالثة ‪ ،‬مطبعة جامعة‬ ‫‪2‬‬

‫القاهرة سنة ‪ 7711‬الصفحة ‪.612‬‬


‫سليمان مرقس ‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني في االلتزامات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 277‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪60‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫عرفه الدكتور عاطف النقيب " الفعل الذي يصدر عن شخص متدخل في حادث شكا منه‬
‫المتضرر المدعي عليه في وجه المدعي عليه الذي اختصمه طلبا للتعويض عن ضرره‪ ،‬من‬
‫‪1‬‬
‫غير ان يشرك في الخصومة الغير الذي أتى بذلك الفعل"‪.‬‬

‫يذهب الفقه إلى القول بأنه " الغير كما هو معروف يختلف تحديده تبعا ألوضاعه المختلفة‬
‫فالغير في حجية الورقة العرفية قد حددناه ونحدده تحديدًا أخر في التاريخ الثابت وفي حجية‬
‫الشيء المقضي به‪ ،‬وفي الصورية وكذلك له تحديد خاص يختلف عما تقوم في اثر العقد او‬
‫سريانه وفي التسجيل وذو في كل وضع األوضاع يتحدد على نحو يتالءم مع هذا الوضع‬
‫والفكرة المشتركة في كل هذه األوضاع أن أث ار قانونياً معينا قد تحقق لشخص تقضي المبادئ‬
‫‪2‬‬
‫العامة للقانون بحمايته من أن يمتد إليه فيعتبر من الغير بالنسبة لهذا األثر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬فعل الغير في الفقه اإلسالمي‬

‫اعتبر فقهاء المسلمين فعل الغير سببا اجنبيا يؤدي الى عدم الضمان الجزئي حيث اعتبر‬
‫الحنفية وفي معرض الحديث عن هالك المعقود علية بفعل اجنبي ما يأتي‪ ،‬وان هلك المبيع‬
‫بفعل اجنبي فعليه ضمانه الشك فيه ألنه اتلف ماالً مملوكا لغيره بغير اذنه ال يد له عليه‪ ،3‬كما‬
‫ورد في مجمع الضمانات ما يأتي رجل في يديه مال إنسان فقال له السلطان الجائر إن لم تدفع‬
‫إلي هذا المال حبستك شه اًر أو ضربتك ضربا ال يجوز له أن يدفع المال فان دفع كان ضامنا‬
‫وان قال له إلى المال اقطع يدك أو أضربك خمسين سوطا فدفع إليه ال يكون ضامنا الن دفع‬
‫‪4‬‬
‫مال الغير إلى الجائر ال يجوز إال أن يخاف تلف عضوه والضرب المتوالي يخاف منه التلف‪.‬‬

‫النقيب عاطف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 251‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬اإلثبات أثار االلتزام ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 7761 - ،‬ص ‪ ، 776‬الهامش رقم ‪. 7‬‬


‫عالء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني ‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪ ،‬ط ‪ ، 0‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪0222 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬ص ‪. 26‬‬
‫أبي محمد غياث الدين بن غانم البغدادي ‪،‬مجمع الضمانات في مهذب اإلمام األعظم أبي حنيفة النعمان ‪ ،‬ط ‪ ، 7‬المطبعة‬ ‫‪4‬‬

‫الخيرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪7221‬هجري‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫‪61‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫وال يختلف حكم فعل الغير في المسؤولية العقدية عنه في المسؤولية التقصيرية فالقاعدة في‬
‫الفقه اإلسالمي انه إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر فلو حفر احد بئ اًر‬
‫‪1‬‬
‫تعديا وجاء إنسان ودفع أخر وألقاه في البئر فهلك فالضمان نلى الدافع دون الحافر‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬شروط فعل الغير‬

‫اوال‪ :‬شرط تحديد الغير‬

‫بالنسبة للتشريعات لم نعثر على نص يشير الى شرط ان يكون الغير محدوداً ومعلوما حتى‬
‫يعتبر فعله سببا أجنبيا معفي للمسؤولية المدنية‪ ،‬أما الفقه فقد اختلف في ضرورة وجود شرط‬
‫التحديد من عدمه العتبار فعل الغير سببا أجنبيا مانع من تحقق المسؤولية المدنية التقصيرية‪،‬‬
‫حيث يذهب اتجاه إلى انه يشترط أن يكون شخص الغير معينا ومعلوما حتى يقبل دفع المدعى‬
‫عليه العفاءه من المسؤولية فال يكون فعل الغير سببا أجنبيا إذا لم يحدد هذا الغير لعدم إمكانية‬
‫‪2‬‬
‫اعتبار ذلك الغير أجنبيا بشكل قاطع وجازم‪.‬‬

‫لألستاذ عاطف النقيب رأي أخر فيما يخص تحديد الغير حيث يرى انه يجب ان يكون محددا‬
‫لكنه لم يقصد تحديد هوية الغير كالحالة التي ينزلق بها السائق فينحرف عن مساره ليصعد إلى‬
‫الرصيف و يصطدم بأحد المارة فيلحق به األذى‪ ،‬ويبرر فعله هذا بأنه كان مالحقا من قبل‬
‫سائق كان ينوي إيذاءه وتبين من وقائع الدعوى أن هنالك فعال سائق تم مالحظته عبر‬
‫‪3‬‬
‫الكاميرات يالحق المدعى عليه لفترة طويلة‬

‫فلن يستطيع المدعى عليه أن يتمسك بفعل الغير هذا لرفع المسؤولية المدنية عنه إن لم يقم‬
‫بتحديد شخص الغير وتعيينه بحيث يصبح شخصا معلوما بصورة تمكننا من التعرف عليه‬
‫بشكل واضح و يبدو بان الحجة التي ساقها األستاذ مرقس تتمثل بالقول‪ :‬انه ال يمكن للمدعى‬

‫احمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصهناجي القرافي ‪ ،‬ج ‪ ، 0‬دار الكتب العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ 7226،‬ه‪ ،‬ص ‪. 021‬‬ ‫‪1‬‬

‫مصطفى مرعي ‪ ،‬المسؤولية المدنية في القانون المصري ‪ ،‬ج ‪ ، 0‬مطبعة االعتماد‪ ،‬القاهرة ‪ ،7722،‬ص ‪. 722‬‬ ‫‪2‬‬

‫النقيب عاطف ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.257‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪62‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫عليه أن يتمسك بفعل الغير هذا الخطأ إن لم يستطع تحديد و تعيين هذا الغير‪ ،‬وان يتم بعد‬
‫ذلك اعتبار هذا الفعل سببا أجنبيا معفيا من المسؤولية‪ ،‬على اعتبار انه لم يتم التأكد أو التوثق‬
‫من مدى كون هذا الغير أجنبي عن المدعى عليه أم انه ممن يخضعون لتبعيته و سلطته‬
‫بالتالي سيكون ملزما بضمانه‪ ،‬لذا فانه يتوجب على المدعى عليه بالدرجة األولى وحتى يستفيد‬
‫من إسناده لفعل الغير لدفع المسؤولية المدنية عنه أن يقوم بتحديد و تعيين هذا الغير بصورة‬
‫‪1‬‬
‫يسهل التعرف بها عليه‪.‬‬

‫وهناك اتجاه آخر من الفقه يذهب إلى القول انه " ال داعي الشتراط تعيين شخص الغير كما لو‬
‫هرب دون معرفة وعلم المدعي عليه ويبقى واجبا عليه أن يثبت أركان السبب األجنبي من‬
‫‪2‬‬
‫انتفاء توقع الفعل وانتفاء تالقيه حتى ولو كان الغير تابعا للمدعى عليه‪.‬‬

‫فيرى األستاذ سليمان مرقس انه ال حاجة حينها بل ليس واجبا على المدعى عليه ان يقوم‬
‫بتحديد و تعيين شخص الغير الذي يدعى بان حدوث الضرر قد كان نتيجة لفعله‪ ،‬بالتالي‬
‫‪3‬‬
‫يستطيع المدعى عليه ان يدفع المسؤولية عنه بمجرد قيامه باثبات وقوع فعل من الغير‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اشتراط صفة الخطأ‬

‫اختلفت التشريعات المدنية في ضرورة تحقق صفة الخطأ في فعل الغير من عدمه العتباره سببا‬
‫أجنبيا‪ ،‬فالبعض من التشريعات استعملت عبارة فعل الغير ومنها المشرع العراقي حيث في‬
‫ً‬
‫المادة‪ 077‬من القانون المدني والبعض األخر استعمل عبارة خطا الغير ومنها التشريع‬
‫الجزائري في المادة ‪ 701‬من القانون المدني وتم اقتباس ذلك من القانون المصري في نص‬
‫المادة ‪ 765‬من القانون المدني المصري‪.‬‬

‫إبراهيم الدقوسي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪026‬‬ ‫‪1‬‬

‫إياد عبد الجبار ملوكي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.005‬‬ ‫‪2‬‬

‫إبراهيم الدسوقي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.026‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪63‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫أما إذا وقع خطا من المدعى عليه‪ ،‬اشترك في إحداث الضرر مع هذا الخطأ فعل الغير‪ ،‬كان‬
‫هناك محل للتساؤل عن اثر فعل الغير في مسؤولية المدعى عليه ويشترط هنا أيضا كما‬
‫اشترط في فعل المضرور ان يكون فعل الغير خطأ له شأن في إحداث الضرر‪.‬‬

‫فان لم يكن فعل الغير خطأ فليس له اثر في مسؤولية المدعى عليه وكان هذا وحده المسؤول‪،‬‬
‫وكانت مسؤوليته كاملة فال بد إذا أن يكون فعل الغير خطأ له شأن في إحداث الضرر‪ ،‬و إال‬
‫‪1‬‬
‫لما جاز للمدعي عليه أن يحتج به إذ ال عالقة له بالضرر‪.‬‬

‫ويبرر أنصار اشتراط الخطأ لفعل الغير العتباره أجنبيا معفي لمسؤولية المدعى عليه باعتباره‬
‫‪2‬‬
‫السبب الوحيد إلحداث الضرر مما يؤدي إلى انقطاع العالقة السببية حكما‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬توافر شروط القوة القاهرة‬

‫يشترط القانون الجزائري في فعل الغير إضافة إلى شرط الخارجية الذي هو شرط أساسي‬
‫العتبار الفعل سببا أجنبيا أن تتوفر فيه شرطي عدم إمكانية التوقع وعدم إمكانية الدفع‪.‬‬

‫يذهب الفقه في إلزام تحقق شرط عدم إمكانية الدفع واستحالة الدفع من عدمه إلى افتراض‬
‫أمرين األول افتراض أن مسؤولية المدعى عليه مسؤولية غير مفترضة وهي التي يتوجب على‬
‫صاحبها أن يثبت عناصر المسؤولية المدنية وهي الخطأ والضرر والعالقة السببية‪ ،‬فيكون‬
‫واجب على المدعى عليه في هذا الصدد أن يثبت تحقق صفتي عدم إمكانية التوقع واستحالة‬
‫‪3‬‬
‫الدفع‪.‬‬

‫االتجاه الذي يتطلب توافر صفتي السبب األجنبي التي يتطلبها بشكل تام في جميع صوره من‬
‫عدم توقع واستحالة الدفع ألنهما شروط أساسية بدونهما ال يمكن الحديث عن وجود سبب‬
‫أجنبي فال يستطيع المدعى عليه التخلص من المسؤولية بمجرد نفي العالقة السببية بينه وبين‬

‫عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.176‬‬ ‫‪1‬‬

‫حسن علي الذنون ‪ ،‬مرجع سابق‪ 0221 ،‬ص ‪.712‬‬ ‫‪2‬‬

‫حسن علي الذنون ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.712.715‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪64‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫الضرر وإنما يلزم أن تتوافر في فعل الغير ما يتطلبه القانون بوجه عام من عناصر السبب‬
‫األجنبي وتطبيقها على فعل الغير فهما شرطان متالزمان ال يمكن تجزئتهما للتخلص من‬
‫‪1‬‬
‫المسؤولية‬

‫تبنى األستاذان مازو رأيا مفاده انه البد أن يتصف فعل الغير بصفات القوة القاهرة كي يكون‬
‫معفيا من المسؤولية‪ ،‬باعتبار انه إذا تراءى للحارس الفعل الصادر من الغير وكان بإمكانه‬
‫تفاديه و لم يفعل اعتب ار مخطئا ويكون بخطئه قد شارك في إحداث الضرر فيعمد إلى توزيع‬
‫‪2‬‬
‫المسؤولية‪.‬‬

‫و يقول األستاذ سليمان مرقس انه اذا اثبت المدعى عليه ان الضرر الذي لحق المصاب راجع‬
‫إلى خطأ شخص أجنبي عنه فانه بذلك يكون قد اثبت السبب األجنبي بركنيه‪ ،‬ركن استحالة‬
‫‪3‬‬
‫دفع الضرر و ركن انتفاء اإلسناد‪.‬‬

‫عصمت عبد المجيد بكر‪ ،‬المسؤولية التقصيرية في القوانين المدنية العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 7‬منشورات هين الحقوقية‪ ،‬لبنان‪0276 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،‬ص ‪.017‬‬
‫العوجي مصطفى‪ ،‬القانون المدني المسؤولية المدنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.627‬‬ ‫‪2‬‬

‫سليمان مرقس ‪ ،‬الوافي في شرح القانون المدني في االلتزامات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.271‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪65‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫المطلب الثالث‬

‫اثر فعل المضرور و فعل الغير على المسؤولية المدنية‬

‫الفرع األول‪ :‬اثر فعل المضرور على المسؤولية المدنية‬

‫وجب التفريق بين حالتين عند البحث في هذه المسألة‪ ،‬الحالة األولى الحال التي يكون بها‬
‫فعل المضرور هو السبب الوحيد الذي أدى إلى حدوث الضرر دون أن يكون له أي مساهمة‬
‫أو اشتراك مع فعل المدعى عليه في إحداثه للضرر‪ ،‬و بين استقالل كل من فعل المضرور او‬
‫فعل الغير امام فعل المدعى عليه عن األخر في إحداثهما للضرر‪.‬‬

‫‪ -0‬اإلعفاء الكلي من المسؤولية المدنية‬

‫حتى يعفى فعل المضرور المنسوب إليه الضرر إعفاءا تاما من المسؤولية التي تقع على عاتقه‬
‫‪ ،‬يجب أن يثبت أن السبب األجنبي المتمثل في خطأ المضرور هو السبب الوحيد في إحداث‬
‫الضرر ‪ ،‬و هذا بعدما كان يكفى في البداية بمجرد إثبات شرطي القوة القاهرة عدم إمكان التوقع‬
‫و استحالة الدفع ليترتب على ذلك إعفاء المنسوب إليه الضرر من المسؤولية كما سبقت اإلشارة‬
‫إليه أنها في المبحث األول الفصل الثاني‪.‬‬

‫إذا كان خطأ المضرور و خطأ المسؤول اشد جسامة من الخطأ األخر يعني أن يستغرق الخطأ‬
‫األشد جسامة من خطأ األخر‪.‬‬

‫ويظهر ذلك في صورتين خطأ المضرور أو خطأ المسؤول خطأ عمدي‪ ،‬و رضاء المضرور‬
‫بالضرر‪.‬‬

‫أ‪ -‬خطأ المضرور أو خطأ المسؤول خطأ عمدي‬

‫يذهب اغلب الفقه إلى اعتبار أنه في حالة وجود خطأ عمدي فإنه يتعين إلقاء عبء التعويض‬
‫كّلية على عاتق من توافر في جانبه قصد إحداث الضر‪ ،‬فالخطأ العمدي يستبعد الخطأ غير‬

‫‪66‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫العمدي باعتبار أن األول أكثر جسامة من الثاني فإذا تعمد المضرور إلحاق الضرر بنفسه‬
‫‪1‬‬
‫استغرق خطاه خطأ المنسوب إليه الضرر و انتفت مسؤولية هذا االخير النعدام رابطة السببية‪.‬‬

‫يرى الفقه في تقدير الخطأ العمد أنه مادام الخطأ العمد قوامه قصد اإلضرار بالغير فإن‬
‫القاضي يتعين عليه أن يبحث في نفس الفاعل عن توافر هذا القصد أو عدمه أي أن يكون‬
‫تقدير الخطأ تقدي ار شخصيا أو واقعيا ال تقدي ار موضوعيا مجردا‪.‬‬

‫في حين إن الفقيه عبد الرزاق السنهوري خالف باقي الفقهاء بحيث يرى أن تقدير الخطأ العمد‬
‫‪2‬‬
‫يكون بالمقياس الموضوعي كما يقاس خطأ اإلهمال‪.‬‬

‫بينما الفقيه سليمان مرقس أراد التوفيق بين الموقفين ‪ ،‬بحيث اعتبر أن الخطأ العمدي يمكن‬
‫قياسه بكلى المقياسين الشخصي والموضوعي ‪ ،‬ذلك أنه يتكون من عنصرين أحدهما مادي‬
‫وهو اإلخالل الذي حصل بالواجب و اآلخر نفسي و هو قصد اإلضرار ‪ ،‬فيقتضي تعيين مدى‬
‫الواجب القانوني الذي حدث اإلخالل به وفقا للمعيار الموضوعي ‪ ،‬أما قصد اإلضرار فيكون‬
‫‪3‬‬
‫تقديره شخصي‪.‬‬

‫يرى الدكتور محمد حسنين أن رضاء المضرور إذا وصل إلى حد إرادة إلحاق الضرر بشخصه‬
‫يعتبر خطأ متعمدا‪ ،‬فإذا رفض المريض مثال إجراء فحوصات معينة يعد هذا الرفض خطأ و‬
‫يفهم من ذلك أن المريض أراد الضرر لنفسه ‪ ،‬و تعمد إحداثه فتقع مسؤولية هذا الخطأ على‬
‫‪4‬‬
‫المريض وحده دون سواه‪.‬‬

‫اختلف الفقه بالنسبة للمعيار الواجب إتباعه من طرف القاضي في ما اعتبر البعض ان المعيار‬
‫الموضوعي هو الواجب إتباعه و ذهب البعض إلى األخذ بالمعيار الشخصي‪.‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪7222‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪ 115‬على الهامش‬ ‫‪2‬‬

‫سليمان مرقس‪ ،‬فعل الضار األحكام العامة المسؤولية المفترضة دار الكتب القانونية ‪ ،7771‬ص‪067‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد حسنين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪761‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪67‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫أن الخطأ العمدي يقاس بالمقياسين الموضوعي والشخصي‬
‫في حين ذهب جانب من الفقه إلى ّ‬
‫يتكون من عنصرين أحدهما مادي وهو اإلخالل بالواجب‪ ،‬ويقاس بمعيار موضوعي‬
‫ذلك ألنه ّ‬
‫هو سلوك الرجل المعتاد‪ ،‬واآلخر نفسي و هو قصد اإلضرار و يقاس وفقا لمعيار شخصي‪،‬‬
‫ومقتضاه أن يبحث القاضي في نية الشخص‪.‬‬

‫ب‪ -‬رضاء المضرور بالضرر‬

‫يقصد برضاء المضرور بالضرر أن المضرور قد رضي بالضرر لنفسه كأن يتعمد إلحاق‬
‫األذى بماله أو بنفسه و يكون الحال كذلك فيما لو طلب المضرور من المنسوب إليه الضرر‬
‫إحداث الضرر به أو أذن له في ذلك صراحة أو ضمنا ‪ ،‬مثال ذلك بأن يطلب شخص من‬
‫آخر أن يهدم داره أو يتلف منقوال مملوكا له ‪ ،‬أو يضع السم لكلب له أو يرى شخصا آخر يقوم‬
‫بتلك األفعال فيتركه المضرور دون أن يتعرض له ‪ ،‬ففي هذه الحاالت يكون المضرور قد‬
‫اتجهت إرادته إلى اإلذن للفاعل ‪ .‬صراحة أو ضمنا بإحداث الضرر و هذا هو ما يسمى‬
‫‪1‬‬
‫برضاء المضرور بالضرر الحال‪.‬‬

‫يقول الدكتور عبد الرزاق السنهوري" أن رضاء المضرور بالضرر منزلة وسطى بين إرادته‬
‫إلحاق الضرر بنفسه و مجرد علمه بالضرر ‪ ،‬أي ال يرتفع إلى حد أن يريده ‪ ،‬و ال ينزل إلى‬
‫‪2‬‬
‫مجرد العلم به‪.‬‬

‫فالمضرور ال يرضى إلحاق األذى بنفسه أو بأمواله كما هو الحال في الرضاء بالضرر الحال‬
‫و لكنه يقبل أن يعرض نفسه أمواله للخطر دون أن يرضى بالضرر الذي قد يحدث‪ ،‬فالمسافر‬
‫بالطائرة يعلم مقدما بخواطر السفر ‪ ،‬فهو يقبل الخطر و لكنه ال يريد الضرر‪ ،‬لهذا ال تخفف‬

‫سليمان مرقس‪ ،‬فعل الضار األحكام العامة المسؤولية المفترضة ‪ ،‬مرجع سابق ‪276‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.7222‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪68‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫مسؤولية المنسوب إليه الضرر ويتحمل المسؤولية كاملة‪ ،‬و الرياضي الذي يمارس الرياضات‬
‫‪1‬‬
‫القتالية كالمصارعة يعتبر قابال للضرر الذي قد يصيبه من خصمه أثناء النزال‪.‬‬

‫يكاد الفقه يجمع على أن بمجرد علم المضرور بالمخاطر ال يؤثر إطالقا على مسؤولية المدعى‬
‫عليه‪ ،‬حيث تضل المسؤولية كاملة و تطبق عليه القواعد العامة‪.‬‬

‫المضرور ال يكون راضيا بحدوث الضرر له إال إذا كان قد طلب هو من الفاعل المبادرة‬
‫بسلوك معين قد يلحق به أذا أو أذن له بذلك صراحة أو ضمنا‪ ،‬أو كان على األقل قد رضي‬
‫بالفعل الذي ّأدى إلى الضرر عالماً باحتمال حدوث الضرر منه‪ ،‬وكانت درجة هذا االحتمال‬
‫‪2‬‬
‫كبيرًة تجاوز الحد المألوف في الظروف العادية‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلعفاء الجزئي من المسؤولية المدنية‬

‫لقد تبنى المشرع الجزائري وحذا حذو باقي التشريعات كالتشريعات الفرنسية و العربية بمبدأ‬
‫اإلعفاء الجزئي من المسؤولية ‪ ،‬و لكن بالنسبة لخطأ المضرور فقط دون باقي األسباب المعنية‬
‫األخرى و ذلك حسب ما جاء به في المادة ‪ 711‬من القانون المدني ‪ ،‬و التي تتفق حرفيا مع‬
‫نص المادة ‪ 076‬من القانون المدني المصري على أنه "يجوز للقاضي أن ينقص مقدار‬
‫التعويض أو ال يحكم بتعويض إذا كان الدائن يخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه"‪.‬‬

‫يمكن ألحد أطراف النزاع أن يثيروا فكرة توزيع عبء المسؤولية وذلك عن طريق الدفع بالخطأ‬
‫المشترك بين طرفي النزاع‪ ،‬بالتالي في حالة مساهمة المضرور بخطاه إلى جانب خطأ المدعى‬
‫عليه في إحداث الضرر قد تستبعد بالضرورة توزيع عبء المسؤولية بينهما‪.‬‬

‫عرف عبد الرزاق السنهوري الخطأ المشترك بأنه " وقوع خطأ من المضرور و خطأ من المدعى‬
‫‪3‬‬
‫عليه يؤدي إلى إحداث ضرر بالمضرور دون أن يستغرق خطأ احدهما الخطأ األخر"‪.‬‬

‫العربي بلحاج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪021‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪72‬‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪،‬الجزء األول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪7221‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪69‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫بالتالي المشترك إذن هو الحالة التي ال تنقطع فيها رابطة السببية بين الخطأين و الضرر‪،‬‬
‫فقواعد العدالة والمنطق يقتضيان أن يتحمل المضرور بعض تبعات خطئه بقدر إسهامه في‬
‫وقوع الحادث وفي المقابل يساهم المنسوب إليه الضرر في عبء التمريض بدرجة مشاركة‬
‫خطئه في حدوث الضرر‪.‬‬

‫قد يكون الخطأ المفترض في جانب المسؤول يقبل إثبات العكس ومثال ذلك أن يرتكب صبي‬
‫غير مميز خطاً يلحق ضر اًر بشخص آخر‪ ،‬فيرجع المضرور على األب ليطالبه بالتعويض‬
‫على أساس الخطأ المفترض في األب‪ ،‬فإذا عجز األب على إثبات أنه لم يخطئ في رعاية ابنه‬
‫لكنه استطاع إثبات الخطأ في جانب المضرور فهنا يكون للضرر سببان خطأ المضرور الثابت‬
‫وخطأ المدعى عليه كما قد يكون الخطأ المفترض في جانب المسؤول ال يقبل إثبات العكس‬
‫مثل سائق السيارة يدهس شخصا يقطع الطريق‪ ،‬فإذا لم يتمكن الحارس سائق السيارة من دفع‬
‫المسؤولية عنه بإثبات السبب األجنبي غير المتوقع وغير ممكن الدفع‪ ،‬ولكنه استطاع إثبات‬
‫خطأ المضرور عابر الطريق فإننا نكون أمام خطأين الخطأ المفترض في جانب السائق والخطأ‬
‫الثابت في جانب المضرور المفترض‪ .‬وفي كلتا الحالتين تطبق قواعد الخطأ المشترك ويوزع‬
‫‪1‬‬
‫عبء المسؤولية بين المسؤول و المضرور‪.‬‬

‫يتم توزيع عبء المسؤولية بين المدعى عليه والمضرور بالتساوي فال يكون المدعى عليه‬
‫‪2‬‬
‫مسؤوالً إال عن نصف الضرر ويتحمل المضرور النصف األخر‪.‬‬

‫يعتبر جانب من الفقه أن هذه الطريقة تمتلك مميزات تجعلها األصلح لتطبيقها في جميع أحوال‬
‫الخطأ المشترك من مميزات هذه الطريقة حسب رأيهم كونها عادلة واتفاقها مع المنطق‬
‫وبساطتها إذ أنها تلزم كل من اشترك في إحداث الضرر يتحمل جزء منه بقدر ما تسبب في‬
‫إحداثه‪ ،‬كما أنها تتماشى ونظرية تعادل األسباب وهي نظرية لها وزنها عند جانب من الفقه‬
‫وأهم مميزاتها أنها تعني القاضي عن البحث الدقيق والعقيم غالبا في سبيل تعيين درجة كل‬

‫نفس المرجع ص ‪ 7270‬عن الهامش‬ ‫‪1‬‬

‫سليمان مرقس‪ ،‬فعل الضار األحكام العامة المسؤولية المفترضة ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪225‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪70‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫خطأ أو تقدير كل طرف من السببية‪ ،‬وتبدو صعوبة ذلك أكثر خاصة في حال كون أحد‬
‫‪1‬‬
‫الخطأين أو كالهما مفترضا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أثار فعل الغير على المسؤولية المدنية‬

‫يقصد من فعل الغير الذي يعتبر سببا أجنبيا مانع من المسؤولية المدنية وجود طرف ثالث له‬
‫الدور في إحداث الضرر الواقع على المضرور ويستطيع بموجبه المدعى عليه أن يحتج بهذا‬
‫الفعل للتخلص من المسؤولية بشكل كلي أو جزئي‪ ،‬فقد يكون هذا الفعل مستغرقا لخطأ المدعى‬
‫عليه ويشكل لوحده رابطة سببية ونتيجة وحيدة للضرر أو يشترك مع خطأ المدعى عليه واخرين‬
‫وله دور في تحقق الضرر‪.‬‬

‫‪ -0‬وحدة المسؤول في إحداث الضرر‬

‫الفكرة تدور حول أن الضرر وقع وأنتج أثره لسبب وحيد‪ ،‬أي أن المسؤول عن الضر في نظر‬
‫القانون عن تحمل المسؤولية المدنية هو شخص واحد‪ ،‬ففي هذه الحال إذا لم يكن للضرر الذي‬
‫حصل إال سبب واحد يتمثل يفعل المدعى عليه مثال‪ ،‬فإن هذا األخير هو وحده من سيتحمل‬
‫المسؤولية المدنية والتعويض الناتج عنها‪ ،‬وال يستطيع أن يتمسك في حال الثبوت هذه بفعل‬
‫الغير حتى وإن كان فعل الغير هذا خاطئا‪ ،‬طالما أن السببية قد اقتصرت على فعل المدعى‬
‫‪2‬‬
‫عليه والضرر الحاصل‪ ،‬بالتالي لم تؤكد بشأن الغير وفعله حتى في حال خطئه‪.‬‬

‫من الممكن أن يكون فعل الغير السبب الوحيد للضرر بان يقطع العالقة السببية بين خطأ‬
‫المدعى عليه وبين الضرر فان المسؤولية ال تقع على المدعى عليه برغم إسهامه في تحقق‬
‫الضرر فيكون الحق للمضرور بالرجوع بالتعويض الكامل على هذا الغير كما لو دس محمد‬
‫السم لعمر وقبل أن يسري مفعوله أصابه حسن بطلق ناري فهنا تنهض مسؤولية محمد لكن‬
‫حسن المسؤول الوحيد على الضرر‪ ،‬وقد ال يؤثر فعل الغير على خطأ المدعى عليه بان ال‬

‫نفس المرجع ص ‪225.221‬‬ ‫‪1‬‬

‫السيد عمر عبد هللا‪ ،‬مرجع سابقن ص ‪72‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪71‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫يقطع عالقة السببية بين فعل األخير وبين الضرر فتبقى مسؤولية المدعى عليه في هذه الحالة‬
‫كاملة كما لو أصاب شخص أخر بطلق ناري و اهمل الطبيب في عالج المصاب ثم حصلت‬
‫الوفاة ثم تبين من الكشف الطبي ان سبب الوفاة الرصاصة والتي يستحيل معها منع الوفاة بأي‬
‫‪1‬‬
‫عالج فيكون المدعى عليه في هذا المثال مسؤول بشكل كامل دون اثر لفعل الغير‬

‫‪ -2‬حالة تعدد المسؤولين‬

‫تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا‬


‫تنص المادة ‪ 706‬من القانون للدني الجزائري بقولها " إذا ّ‬
‫متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر‪ ،‬وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إال إذا عين‬
‫كل منهم في االلتزام بالتعويض"‬
‫القاضي ّ‬

‫تعدد للمسؤولون عن‬


‫تعدد للمسؤولين في إحداث ـضرر‪ ،‬فإذا ّ‬
‫"فأمام هذه المادة فنحن بصدد ّ‬
‫الضرر كانوا متضامنين في التعويض عنه‪ ،‬وكذا في حالة اشتراك كل من مسؤولية الغير و‬
‫فإن‬
‫المدعى عليه في إحداث الضرر كانا ملزمين بالتضامن تجاه المضرور و حسب أعاله ّ‬
‫التعويض ذاته يقسم بينهما بالتساوي إال إذا ّ‬
‫حدد القاضي نصيب كل واحد منهما في هذا‬
‫قرر النص‬
‫ويقدر ذلك بحجم مساهمة فعله في الضرر الذي لحق بالمضرور‪ ،‬ولقد ّ‬
‫التعويض ّ‬
‫مبدأ التضامن بين المسؤولين وعليه يمكن للمضرور الرجوع على أي من الغير أو المدعى‬
‫عليه بالتعويض كامال‪ ،‬ولمن دفع التعويض الحق في الرجوع على اآلخرين بقدر مساهمتهم في‬
‫‪2‬‬
‫إحداث الضرر"‪.‬‬

‫" فمبدأ التضامن في حالة تعدد أسباب الضرر التي أقرتها للمادة ‪ 706‬المذكورة سالفا ال تنطبق‬
‫إال في حالة تدخل فعل الغير خاطئا كان أو غير خاطئ مع فعل الشيء في إحداث الضرر‪،‬‬
‫مشترك مسؤولية الغير مع مسؤولية حارس الشيء ‪ ،‬وللمضرور الرجوع على أي منهم بكامل‬

‫حمودي بكر حمودي‪ ،‬فعل الغير وأثره على أحكام المسؤولية التقصيرية‪ ،‬مجلة المنصور‪) ،‬الجهة المصدرة عير متوفرة(‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫العراق‪ ،0202 ،‬ص ‪.27‬‬


‫ساعد فيشوش ‪ ،‬السبب االجنبي المعفى من المسؤولية التقصيرية عن فعل األشياء في القانون المدني الجزائري‪ ،‬بحث لنيل‬ ‫‪2‬‬

‫شهادة الماجستير في الحقوق فرع عقود و مسؤولية‪ ،‬دفعة ‪ ،0221.0227‬ص ‪52‬‬


‫‪72‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫التعويض ولمن دفع التعويض الرجوع على المسؤول اآلخر بمقدار ما دفعه للمضرور‪ ،‬ويحل‬
‫محله للمضرور حينئذ للمطالبة بحقه طبقا لما جاءت به المادة ‪ 067‬الفقرة األولى والرابعة من‬
‫القانون المدني الجزائري والتي تنص على أنه " إذا قام شخص بالوفاء غير المدين حل الموفي‬
‫مثل الدائن الذي استوفى حقه في األحوال اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان الموفي ملزما بالدين مع المدين‪ ،‬أو ملزما بالوفاء عنه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬إذا كان هناك نص خاص يقرر للموفي حق الحلول"‪.‬‬

‫لقد ساق الدكتور عمر عبد هللا السيد حال مفادها "أنه لو اشترك خطأ المضرور وخطأ الغير‬
‫وخطأ المدعى عليه في إحداثهم للضرر‪ ،‬وأن الخطأ هذا قد ثبت لكل منهم‪ ،‬ففي هذه الحال‬
‫يتحمل المضرور ثلث المسؤولية عن الضرر بينما يتحمل كل من الغير والمدعى عليه الثلثين‬
‫‪2‬‬
‫الباقين"‪.‬‬

‫وحيث ُيفهم من النص والنصوص األخرى التي وردت في مع التشريعات المدنية المقارنة ‪ ،‬أن‬
‫الحديث يدور حول فكرة اشتراك كل من فعل الغير أو خطئه فعل المدعى عليه أو خطئه في‬
‫إحداث الضرر‪ ،‬بحيث يكون كل منهم سبباً مستقالً في وقوع الضرر دون أن يكون هنالك أي‬
‫‪3‬‬
‫استغراق منهما على اآلخر‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص ‪57‬‬ ‫‪1‬‬

‫السيد عمر عبد هللا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪2‬‬

‫حسين فرهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪070‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪73‬‬
‫ور السبب األجنيب وثرا ها ي اجال املسؤولية املدنية‬ ‫الفصل الثاين‬
‫خالصة الفصل‪:‬‬

‫إذا كانت القوة القاهرة السبب الوحيد في وقوع الضرر؛ فإنها تؤدي إلى نفي المسؤولية عن‬
‫المدعي عليه ‪ ،‬وذلك ألنها أدت إلى انقطاع عالقة السببية بين فعل المدعى عليه وبين‬
‫الضرر‪.‬‬

‫أما إذا اشتركت القوة القاهرة مع خطأ المدين في إحداث الضرر‪ ،‬فإن المدين يسأل مسؤولية‬
‫تامة عن ذلك الضرر‪ ،‬وذلك ألنه ال يمكن في مثل هذه الحال تقسيم المسؤولية بين المدين‬
‫وشخص آخر‪.‬‬

‫علماً أن القوة القاهرة يمكن أن تؤدي إما إلى اإلعفاء من تنفيذ االلتزام نهائياً‪ ،‬أو إلى وقف تنفيذ‬
‫االلتزام حتى زوال الحادث‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن القوة القاهرة التي تثار أمام القضاء اإلداري تحمل طابع فعل األمير‬
‫الذي سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬ومن جهة أخرى تطغى نظرية الظروف الطارئة في مجال القضاء‬
‫اإلداري على نظرية القوة القاهرة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫اخلامتة‬
‫الخــاتـمـــــــة‪:‬‬

‫تمكن الباحث من خالل ما تم تقديمه من دراسة وصفية وتحليلية مقارنة إليضاح أبرز األحكام‬

‫القانونية المتعلقة بالسبب األجنبي وصوره وأثرها على أحكام المسؤولية المدنية بصورة مبسطة‬

‫وغنية باألحكام والمضامين القانونية التي عالجتها التشريعات المدنية المقارنة وفقا لرؤية المشرع‬

‫في كل من هذه التشريعات والوقف على أبرز تطبيقات صور السبب األجنبي‪ ،‬وهذا ما أوصلني‬

‫لنتائج عدة أجملها باآلتي‪:‬‬

‫‪ .7‬أقام القانون المدني وكذلك مجلة األحكام العدلية المسؤولية المدنية على أساس الضرر دون‬

‫االلتفات لمدى كون الفعل الصادر خاطنا أم ال وهذا بالنسبة لألفعال التي تكون بالمباشرة وذلك‬

‫على عكس ما أخذ به القانون المدني المصري في إقامته للمسؤولية المدنية على أساس الخطأ‪،‬‬

‫فلن يعتبر الفعل الصادر سببا إلقامة المسؤولية المدنية بحق الفاعل إال إن كان خاطئا‪ ،‬كما‬

‫ورد ذات الحكم في مشروع القانون المدني‪.‬‬

‫‪ . 0‬لم تتضمن التشريعات المدنية المقارنة تعريفا واضحا وجليا للسبب األجنبي بل إنها قد‬

‫اكتفت بتعداد أبرز صوره التي يظهر من خاللها‪ ،‬كما وتباينت آراء الفقهاء حول فكرة تكييف‬

‫قيام ونشوء السبب األجنبي‪ ،‬فكانت المدرسة الشخصية تسند قيام السبب األجنبي نتيجة النتفاء‬

‫الخطأ من جانب المدعى عليه‪ ،‬أما أصحاب المدرسة الموضوعية فأسندوا قيام السبب األجنبي‬

‫نتيجة النتفاء عالقة السببية بين فعل المدعي عليه وخطته والضرر الحاصل‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫اخلامتة‬
‫‪ . 2‬إن نصوص المواد الناظمة لموضوع السبب األجنبي في التشريعات المقارنة لهي تعتبر من‬

‫قبيل النصوص المكملة‪ ،‬فيجوز لكل من المدعي والمدعى عليه االتفاق على قيام التعويض‬

‫حتى في حال تحقق إحدى صور السبب األجنبي وفقا لنظرية تحمل المخاطر‪ ،‬إال أن هذا‬

‫االتفاق لن يكون في إطار المسؤولية التقصيرية إال بعد وقوع الفعل الضار فال يجوز االتفاق‬

‫المسبق على ذلك وسيعتبر هذا االتفاق حينهما بمثابة عقد صلح ما بين االطراف‪ ،‬على عكس‬

‫ما هو مقرر في المسؤولية العقدية فيجوز االتفاق على قيام التعويض حتى في حال قيام إحدى‬

‫صور السبب األجنبي‪ ،‬كما أن صور السبب األجنبي التي ذكرت في المواد تلك فإنها قد ذكرت‬

‫على سبيل المثال ال الحصر إال أنها تعتبر الصور األكثر حصوال وتحققا‪ ،‬بالتالي للقاضي‬

‫اعتبار أي واقع أو حدث على أنه سبب أجنبي إن انطبقت شروطه وعناصره عليه‪.‬‬

‫‪ . 2‬ال بد من توافر شروط عامة في السبب األجنبي حتى تتحقق إحدى صوره‪ ،‬فشرط خارجية‬

‫الواقعة األجنبية ال يقتصر على مجرد الخارجية القانونية بل يشمل كذلك الخارجية المادية‪،‬‬

‫وكذلك شرط استحالة تنفيذ االلتزام فقد يأتي بمعنى االستحالة المادية أو االستحالة المعنوية او‬

‫االستحالة القانونية‪ ،‬وأن وقت عدم إمكانية توقع القوة القاهرة يختلف بين كل من المسؤولية‬

‫العقدية والتقصيرية بحيث تكون العبرة بالنسبة لألولى عند التعاقد وإبرام العقد‪ ،‬أما بشأن‬

‫المسؤولية التقصيرية فتكون العبرة بعدم التوقع لحصول القوة القاهرة عند وقوع الحادث أو الفعل‬

‫الضار وأن المعيار الذي يستند إليه للتحقق من مدى قيام وتوافر هذه الشروط هو معيار‬

‫موضوعي (معيار الرجل المعتاد)‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫اخلامتة‬
‫‪ .5‬يكون إثبات السبب األجنبي على عاتق المدعى عليه‪ ،‬وال يقتصر قيامه بهذا األمر على‬

‫مجرد تحقق الواقعة األجنبية‪ ،‬بل ال بد أن ينصب اإلثبات أيضا على جميع عناصرها‬

‫وشروطها‪ ،‬وسيكون له الحق بإثبات قيام السبب األجنبي بطرق اإلثبات القانونية كافة‪.‬‬

‫‪ .6‬اختالف آراء الفقهاء حول مسألة وحدة القوة القاهرة والحادث الفجائي‪ ،‬فهنالك جانب يرى‬

‫بوجود فرق ما بينهما من خالل عدة أمور وأن الغاية من هذا التمييز قد يقصد بها إما التضييق‬

‫أو التوسع من حاالت تمسك المدعى عليه بالسبب األجنبي‪ ،‬والجانب اآلخر وهو السائد فيرى‬

‫بوحدة القوة القاهرة والحادث الفجائي‪ ،‬وبذات الوقت فإن القوة القاهرة ال تقتصر صورها فقط‬

‫على الظواهر الطبيعية التي ال يكون لإلنسان يد بها‪ ،‬بل إنه سيعتبر أي واقعة أو حادثة قد‬

‫توافرت بها شروطها من قبيل القوة القاهرة كإصدار تشريعات وقوانين أو أوامر من السلطة‪.‬‬

‫‪ . 1‬تتقارب كثي ار نظرية الظروف الطارئة مع القوة القاهرة‪ ،‬إال أن االختالف فيما بينهما واضح‬

‫جدا في الكثير من األمور على اعتبار أن األولى تدور في نطاق المسؤولية العقدية فقط بينما‬

‫األخيرة فهي موجودة في كل من المسؤولية العقدية والتقصيرية‪.‬‬

‫‪ .1‬ال يمكن أن يترتب أي أثر معفي من المسؤولية المدنية إال في الحال التي تكون بها القوة‬

‫السبب الوحيد في إحداث الضرر‪.‬‬

‫‪ . 7‬اختالف اآلراء الفقهية حول مدى تحديد من هو الغير الذي يعتبر فعله سببا أجنبيا وحول‬

‫مسألة تعيين شخص هذا الغير واشتراط كون فعله خاطنا أم ال‪ ،‬فتالحظ أن هنالك ً‬
‫جانبا فقهنا‬

‫يرى أنه سيكون من الغير كل شخص غير المدعي والمدعى عليه‪ ،‬وجانب آخر يرى أنه‬

‫‪77‬‬
‫اخلامتة‬
‫سيكون من الغير كل شخص غير المدعي والمدعى عليه واألشخاص الذين يسأل عنهم‬

‫المدعى عليه‪ ،‬وأن المستقر عليه هو هذا الرأي األخير‪ ،‬أما بشأن مسألة تعيين شخص الغير‬

‫واشتراط كون فعله خاطئ ا أم ال؛ فنالحظ أن الرأي السائد بذلك هو عدم اشتراط تعيين شخص‬

‫أجنبيا‪ ،‬حتى في ظل التشريعات‬


‫ً‬ ‫الغير وكذلك عدم اشتراط كون فعله خاطنا حتى يعتد به ً‬
‫سببا‬

‫المدنية التي تأخذ بالنظرية الشخصية لفكرة الخطأ وفقا لما استقر عليه قضاؤها مؤخرا‪.‬‬

‫‪ . 72‬يختلف أثر كل من فعل الغير وفعل المضرور باختالف طبيعة إحداثهم للضرر فيما إذا‬

‫كانا السبب الوحيد في إحداثه أو أنهما قد ساهما مع أسباب أخرى في إحداث الضرر واستغرق‬

‫أحدهم اآلخر‪ ،‬أو في حال أن اشتركا في إحداث الضرر من أفعال أخرى بحيث يشكل كل‬

‫منهم سبيا مستقال في إحداث الضرر‪.‬‬

‫‪ . 77‬يلزم من المدعى عليه أن يقوم بإثبات شرطي استحالة التوقع وعدم إمكانية الدفع بالنسبة‬

‫لفعل المضرور في حال اإلعفاء الكلي من المسؤولية بينما ال يشترط ذلك في حال اإلعفاء‬

‫الجزئي من المسؤولية المدنية على عكس فعل الغير الذي يلزم المدد عليه بإثباتهما في كلتا‬

‫الحالين‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫اخلامتة‬
‫التوصيات‪:‬‬

‫لتجسيد أحكام السبب األجنبي وأثره على أحكام المسؤولية المدنية بصورة واضحة يوصي‬

‫الباحث بما يأتي‪:‬‬

‫‪ .7‬ينصح المشرع األردني بتعديل نص المادة (‪ )065‬من القانون المدني والتي نصت على أنه‬

‫إذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار‪ ،‬كان كل منهم مسؤوال بنسبة نصيبه‪ ،‬وللمحكمة أن تقضي‬

‫بالتساوي أو بالتضامن والتكافل فيما بينهم" من خالل إضافة عبارة في نهاية المادة هذه وهي‬

‫إذا تعذر ذلك التحديد‪ ،‬بمعنى ضرورة توضيح متى يحق للمحكمة أن تحكم بالتضامن والتكافل‬

‫ما بين المسؤولين وهو في حال أن تعذر عليها تحديد نسبة نصيب ومساهمة كل منهم في‬

‫إحداث الضرر‪.‬‬

‫‪ .0‬ضرورة تعديل نص المادة (‪ )767‬من القانون المدني والمتعلقة بمسألة توزيع المسؤولية في‬

‫حال االشتراك بين المسؤولين‪ ،‬وذلك من خالل جعل توزيع هذه المسؤولية ابتداء بنسبة مساهمة‬

‫ونصيب كل منهم في إحداث الضرر من ثم في حال تعذر ذلك أن يتم الحكم عليهم بالتضامن‬

‫والتساوي والتكافل فيما بينهم وليس العكس كما هو وارد‪ ،‬على اعتبار أنه ليس من العدل‬

‫والمنطق إقامة التضامن والتكافل بين المسؤولين ابتداء كون قد تكون هنالك مساهمات متفاوتة‬

‫بين المسؤولين يطغي بعضها على اآلخر بمقدار الجسامة‪.‬‬

‫‪ .2‬إزالة الغموض الوارد في المادة (‪ )715‬من مشروع القانون المدني والتي نصت على أنه إذا‬

‫تعدد المسؤولون عن الفعل الضار‪ ،‬التزم كل منهم بمواجهة المضرور لتعويض كل الضرر‪،‬‬

‫‪79‬‬
‫اخلامتة‬
‫وزع عليهم غرم المسؤولية بالتساوي والتي يفهم منها أنها تتحدث عن‬
‫فإن تعذر تحديد هذا الدور ّ‬

‫حال تعدد المدعي عليهم في إحداث الضرر‪ ،‬بالتالي لن يكون لها انطباق في حال اشتراك‬

‫المضرور مع المدعى عليه في إحداث الضرر من خالل عبارة "بمواجهة المضرور"‪ ،‬لذا فإنه‬

‫ال بد من إلغاء هذه العبارة لتصبح المادة إذا تعدد المسؤولون عن الفعل الضار التزم كل منهم‬

‫بتعويض الضرر‪ ،‬فإن تعذر تحديد هذا الدور وزع عليهم غرم المسؤولية بالتساوي"‪.‬‬

‫‪ .2‬ضرورة تعديل لفظ "خطأ الغير" و "خطأ المضرور" الواردان في نص المادة (‪ )717‬من‬

‫المشروع بلفظ فعل الغير وفعل المضرور كما هو وارد في نص المادة (‪ )067‬من القانون‬

‫المدني ذلك على اعتبار أن لفظ "الخطأ والذي جاء في القانون المدني هو نتيجة لرؤية المشرع‬

‫التي اتجهت بإقامة المسؤولية المدنية على أساس الخطأ بعنصرية االنحراف واإلدراك‪ ،‬وكون أن‬

‫المشرع قد تبنيا نظرية الضمان للتعويض عن الفعل الضار الواردة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬لذا فإنه‬

‫البد من تحقيق االنسجام بين صياغة نصوص المشرع بما يتماشى مع الرؤية التي جاء بها‬

‫الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫قائمة املصاد واملاراج‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -7‬سليمان مرقس المسؤولية المدنية في البالد العربية القاهرة‪ ،7767 ،‬ص‪.750‬‬

‫‪ -0‬عصمت عبد المجيد بكر‪ ،‬مصادر االلتزام في القانون المدني‪ ،‬ص‪.000‬‬

‫‪ -2‬سمير عبد السيد تناغو‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬بند ‪ ،712‬ص‪.050‬‬

‫‪ -2‬علي فياللي‪ ،‬نظرّية االلتزامات العمل المستحق للتعويض‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،‬‬

‫الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.022‬‬

‫‪ -5‬محمود جالل حمزة العمل غير المشروع باعتباره مصدر لاللتزام ديوان المطبوعات‬

‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،7716 ،‬ص‪.701‬‬

‫‪ -6‬فيشوش ‪،‬ساعد السبب األجنبي المعفي من المسؤولية التقصيرية عن فعل األشياء في‬

‫القانون الجزائري ماجيستير عقود ومسؤولية كلية الحقوق بن عكنون‪ ،0221/0227 ،‬ص‬

‫‪.21/27‬‬

‫‪ -1‬أنظر على على سليمان ضرورة إعادة النظر في القانون المدني‪ ،‬ديوان المطبوعات‬

‫الجامعية‪ ،7770 ،‬ص ‪.72‬‬

‫‪ -1‬عادل جبري محمد حبيب‪ ،‬المفهوم القانوني لرابطة السببية وانعكاساته في توزيع عبء‬

‫المسؤولية المدني‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،0222 ،‬ص‪.275‬‬

‫‪ -7‬علي علي سليمان ‪ ،‬ضرورة إعادة النظر في القانون المدني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.072‬‬

‫‪81‬‬
‫قائمة املصاد واملاراج‬
‫‪ -77‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية في ‪ 05/20/7712‬ملف رقم ‪ 52225‬غير منشور‪،‬‬

‫أشار له فيشوش المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬

‫‪ -70‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية بتاريخ ‪ 01/27/7711‬ملف رقم ‪ 21207‬مشار إليه‬

‫في‪ :‬علي فياللي‪ ،‬التزامات العمل المستحق التعويض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر والتوزيع‪،‬‬

‫الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.077‬‬

‫‪ -72‬علي فياللي‪ ،‬التزامات العمل المستحق التعويض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار النشر والتوزيع‪،‬‬

‫الجزائر‪ ،0220 ،‬ص ‪.077‬‬

‫‪ -72‬محمود جالل حمزة المرجع السابق‪725 ،‬‬

‫‪ -75‬فينوس ساعد المرجع السابق‪ ،‬ص‪72‬‬

‫‪ -76‬صدر حكم الدائرة المدنية بتاريخ ‪ 77/22/7722‬ونشر في جازيت دي باليه لسنة‬

‫‪ 7722‬عدد ‪ 20‬رقم ‪ 757‬أنظر فينوس ساعد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪72‬‬

‫‪ -71‬الفقهاء مازو‪ ،‬ستارك‪ ،‬كاربونييه في محمود حمزة جالل المرجع السابق‪ ،‬ص‪-71 722‬‬

‫إبراهيم الدسوقي‪ ،‬في محمود حمزة جالل المرجع األسبق‪ ،‬ص‪.722‬‬

‫‪ -77‬سليمان مرقس‪ ،‬المسؤولية المدنية في تقنينات البالد العربية‪ ،‬ص‪ 277/270‬مشار إليه‬

‫في‪ :‬فيشوش ساعد المرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪82‬‬
‫قائمة املصاد واملاراج‬
‫‪ - 02‬المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة المدنية ملف ‪ 65702‬بتاريخ ‪ ، 77/22/7772‬المجلة‬

‫القضائية‪ 11 -20-7777 ،‬قرار مشار إليه في علي فياللي االلتزامات النظرية العامة للعقد‪،‬‬

‫موفم للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،0272 ،‬ص ‪212‬‬

‫‪ -07‬هذا الرأي الفقهي لألستاذ علي علي سليمان رحمه هللا يؤيده محمود جالل حمزة‪ ،‬ويستند‬

‫في هذا إلى رأي رصين‪ .‬لـ ‪ G. viney‬تحت عنوان خارجية الحادث الفجائي في كتابهما‬

‫المسؤولية ص‪.227‬‬

‫‪ -00‬فيشوش ساعد المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪ 02‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية ‪ 21101‬الصادر بتاريخ ‪ ، 71/26/7711‬المجلة‬

‫القضائية‪ ،7727 ،‬العدد ‪ ،22‬ص‪.00‬‬

‫‪ -02‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدنية ‪ 21101‬الصادر بتاريخ ‪ ، 71/26/7711‬المجلة‬

‫القضائية‪ ، 7727 ،‬العدد ‪ ،22‬ص‪.00‬‬

‫‪ -05‬قرار المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة المدنية‪ ،‬بتاريخ ‪ ،21/70/7710‬المجلة القضائية‪،7715 ،‬‬

‫عدد‪ ،7‬ص‪.16-15‬‬

‫‪ -06‬قرار المحكمة العليا‪ ،‬الغرفة المدنية الصادر بتاريخ ‪ 27/21/7716‬ملف رقم ‪25772‬‬

‫قرار غير منشور‪ ،‬أشار إليه علي فياللي‪ ،‬االلتزامات العمل المستحق التعويض ديوان‬

‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائري‪ ،‬ص‪ 002‬هامش ‪.71‬‬

‫‪83‬‬
‫قائمة املصاد واملاراج‬
‫‪ -01‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬ج‪ ، 7‬نظرية االلتزام بوجه عام‪،‬‬

‫مصادر االلتزام بند ‪ ،570‬ص‪.127‬‬

‫‪ -01‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬ص ‪.725‬‬

‫‪ 07‬قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ ‪ 71/72/0222‬ملف رقم ‪ ، 007176‬الغرف‬

‫المدنية ‪ ،‬قرار غير منشور‪ ،‬ذكره فيشوش المرجع السابق‪ ،‬هامش‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫‪ -22‬فيشوش ساعد المرجع السابق‪ ،‬ص‪.76‬‬

‫‪ -27‬قرار المحكمة العليا الغرفة المدني بتاريخ ‪ 27/21/7716‬ملف رقم ‪ ،25772‬قرار غير‬

‫منشور‪ ،‬أشار إليه علي فياللي االلتزامات العمل المستحق التعويض‪ ،‬ص‪ 002‬هامش‪.71‬‬

‫‪ -20‬فيشوش ساعد المرجع السابق‪ ،‬ص ‪76‬‬

‫أن المشرع الجزائري أخذ بما توصل إليه القضاء الفرنسي في األخذ‬
‫‪ -22‬فيشوش ساعد يرى‪ّ « :‬‬

‫بفعل المضرور غير الخاطئ لإلعفاء الجزئي من المسؤولية» ص‪720‬‬

‫‪ -22‬الجريدة الرسمية‪ ،‬العدد ‪ 07‬الصادرة بتاريخ ‪ 77‬فيفري ‪ ،7712‬أنظر المراسيم قوانين‬

‫‪ 12/22/25/26/21‬الصادرة بتاريخ ‪ 76‬فيفري ‪ 7712‬وكذلك قانون رقم ‪ 27-111‬الصادر‬

‫في ‪ 77‬جويلية ‪ ،7711‬الجريدة الرسمية رقم ‪ 07‬السنة ‪ 7711‬والمعدل والمتمم بقانون ‪26/22‬‬

‫في ‪.01/20/0226‬‬

‫‪84‬‬
‫الفهارس‬

‫الصفحة‬ ‫العنـــــوان‬
‫الشكر والعرفان‬
‫اإلهداء‬
‫أ–و‬ ‫المقدمة‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية السبب األجنبي والمسؤولية المدنية‬


‫تمهيد‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم السبب األجنبي‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف السبب األجنبي ومراحل تطورها‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬تعريف السبب األجنبي‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬التطور السبب األجنبي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف المسؤولية المدنية‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬تعريف المسؤولية المدنية‪ ،‬العقدية‪ ،‬التقصيرية‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬الفرق بين المسؤولية العقدية والتقصيرية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬شروط السبب األجنبي وطرق إثباته‬
‫المطلب األول‪ :‬شروط السبب األجنبي‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬شرط السببية وإستحالة دفع الضرر‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬شرط إنتفاء اإلسناد‬
‫المطلب الثاني‪ :‬طرق إثبات السبب األجنبي‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬إثبات السبب األجنبي‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬رقابة محكمة القانون في إثبات السبب األجنبي‬
‫خالصة الفصل‬

‫الفصل الثاني‪ :‬صور السبب األجنبي وآثارها في مجال المسؤولية المدنية‬


‫تمهيد‬
‫المبحث األول‪ :‬القوة القاهرة والحادث الفجائي في مجال المسؤولية المدنية‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم القوة القاهرة والحادث الفجائي‬

‫‪85‬‬
‫الفهارس‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬فقهي‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬قضائي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط القوة القاهرة والحادث الفجائي‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬عدم التوقع‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬إستحالة المقاومة‬
‫‪ -‬الفرع الثالث‪ :‬السبب الخارجي للحادث‬
‫‪ -‬الفرع الرابع‪ :‬عالقة المدير بالحادث‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثر القوة القاهرة والحادث الفجائي على المسؤولية المدنية‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬اآلثار القانونية‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬اآلثار اإلتفاقية‬
‫المبحث الثاني‪ :‬فعل الغير وفعل المضرور في مجال المسؤولية المدنية‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم فعل المضرور وشروطه‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬مفهوم فعل المضرور‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬شروط فعل المضرور‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم فعل الغير والشروط الواجب توافرها في الغير‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬مفهوم فعل الغير‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬الشروط الواجب توافرها في الغير‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أثر فعل الغير وفعل المضرور في المسؤولية المدنية‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬أثر فعل المضرور على المسؤولية المدنية‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬آثار فعل الغير على المسؤولية المدنية‬
‫خالصة الفصل‬
‫الخاتمة‬
‫قائمة المراجع‬
‫الفهرس‬

‫‪86‬‬

You might also like