أيها الداعية هذا زادك الرسالة الدعوية لمكتب رسالة الأزهر أسامة الأزهري

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 26

‫الرابطة العالمية لخريجي الأزهر‬

‫مكتب ر�سالة الأزهر‬

‫اع َي ُة!!‬ ‫�أَ ُّي َها َّ‬


‫الد ِ‬

‫َه َذا َزا ُدك‬


‫(نحو خريطة للمعارف الدعوية‪ ،‬تعين الداعي �إلى‬
‫اهلل على �صناعة العقول‪ ،‬والفهم عن اهلل على ب�صيرة)‬
‫بقلم‬
‫�أ�سامة ال�سيد محمود الأزهري‬

‫للتوا�صل‬
‫بريد �إلكتروني (�إيميل) المكتب‪alazharmessage@hotmail.com :‬‬
‫رابط �صفحة مكتب ر�سالة الأزهر‪facebook.com/OfficeofAlAzharmessage :‬‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫مكتب ر�سالة الأزهر‬
‫(الآفاق‪ ،‬والطموح‪ ،‬وبرامج العمل)‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا وموالنا محمد‪ ،‬خير خلق اهلل �أجمعين‪،‬‬
‫ورحمة اهلل تعالى للعالمين‪ ،‬وخاتم النبيين والمر�سلين‪ ،‬اللهم �صل و�سلم وبارك عليه وعلى �آله و�أ�صحابه‬
‫ومن تبعهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪.‬‬

‫�أما بعد‪:‬‬
‫فبرعاية كريمة من الإمام الأكبر �شيخ الأزهر ال�شريف الأ�ستاذ الدكتور �أحمد الطيب‪ ،‬ومن �صاحب‬
‫الف�ضيلة‪ ،‬مفتي الديار الم�صرية‪ ،‬الأ�ستاذ الدكتور علي جمعة‪ ،‬ومن معالي وزير الأوق��اف الأ�ستاذ‬
‫الدكتور محمد عبد الف�ضيل القو�صي‪ ،‬وتحت مظلة الرابطة العالمية لخريجي الأزهر ينطلق (مكتب‬
‫ر�سالة الأزهر) لن�شر �أنوار المنهج الأزهري‪.‬‬

‫عميق بعلوم الأزهر‪ ،‬وجاللة‬


‫وعي ٍ‬ ‫الر�ؤية‪�:‬إنتاج الخطاب الأزهري الر�صين الم�ؤ�صل‪ ،‬النابع من ٍ‬
‫�أ�شياخه وعلمائه‪ ،‬القادر على مخاطبة كل فئة في المجتمع‪ ،‬وتزويدها بالب�صيرة العلمية والدعوية‬
‫الالئقة‪ ،‬وتن�شيط الدور الفاعل والم�ؤثر لل�شخ�صية الأزهرية‪ ،‬وم ّد ج�سور الثقة مع كل فئات المجتمع‪،‬‬
‫�سع ًيا لما فيه خير العباد والبالد‪.‬‬

‫الر�سالة‪:‬بيان حقيقة المنهج الأزهري الأ�صيل من خالل �إعادة تن�شيط العقل الأزهري‪ ،‬وتنمية‬
‫قدراته لقيادة التغيير الآم��ن للأمة الإ�سالمية في �ضوء �أ�صالة منهج الأزه��ر‪ ،‬وفي �ضوء متطلبات‬
‫الحا�ضر‪ ،‬وتحديات الم�ستقبل‪.‬‬

‫ِق َي ُم َنا‪:‬‬
‫‪( -1‬ثق ٌة) بالنف�س‪ٌ ،‬‬
‫وعي بالذات وب�شرف ما �أقامنا اهلل تعالى فيه �إذ جعلنا �أزهريين‪.‬‬
‫‪�( -2‬إيمانٌ) ب�أ�صالة الدور التاريخي للأزهر‪.‬‬
‫‪( -3‬وفا ٌء ووال ٌء وانتما ٌء) للمنهج الأزهري‪.‬‬
‫‪�( -4‬صد ٌق) في الن�صح للأمة المحمدية‪.‬‬
‫‪( -5‬امتدادٌ) ل�سل�سلة الإ�سناد العلمي الأزهري المنير‪.‬‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪2‬‬


‫‪�( -6‬إحيا ٌء) لقيم الأزهر ال�شريف في قلوب �أبنائه‪ ،‬وتفعيل لعلوم الأزهر في بناء الوطن‪.‬‬
‫‪ - 7‬تعاون مفتوح مع كل فئات المجتمع من �أجل مدِّ ج�سور الثقة مع الجميع‪.‬‬
‫‪ -8‬عودة �إلى الأركان الأ�صيلة التي يقوم عليها المنهج الأزهري‪ ،‬وهي‪ :‬العلم‪ ،‬والعبادة‪ ،‬والدعوة‪.‬‬

‫لمحة عن برنامج العمل ومنهجيته‪:‬‬


‫يهدف (مكتب ر�سالة الأزهر) �إلى ال�صناعة والبلورة وال�صياغة‪ ،‬للخطاب الأزهري الم�ستب�صر‪،‬‬
‫مع الك�شف والإبانة عن العمق الأزه��ري المتجذر في �أعماق المجتمع الم�صري‪ ،‬وال��ذي نجح عبر‬
‫التاريخ في �صناعة �شخ�صية الإن�سان الم�صري‪ ،‬ومع الك�شف عن معالم الجالل وال�شموخ لعلماء‬
‫حار�سا �أمينا‪ ،‬على �شعب م�صر‬
‫الأزهر‪ ،‬والمواقف التاريخية المجيدة‪ ،‬التي وقف فيها الأزهر ال�شريف ً‬
‫الكريم‪ ،‬مع الإي�ضاح لكيفية قيام الأزهر بمواريث النبوة‪ ،‬وتحمل �أمانة الدين‪ ،‬وتلقي العلوم ال�شرعية‬
‫عبر دوائرها المختلفة‪ ،‬مع العكوف على �صناعة العالم الأزهري المتين‪ ،‬ثم مع الك�شف عما هو كامن‬
‫وراء كل هذه العلوم والأحداث والمواقف الأزهرية التاريخية‪ ،‬من المنهج الأزهري العريق المعتمد‬
‫المن�ضبط‪ ،‬الذي تلقته الأمة بالقبول‪.‬‬
‫فـ(مكتب ر�سالة الأزه��ر) قائم على الحفر والتنقيب والغو�ص على التاريخ الم�صري والتاريخ‬
‫الأزهري العريق والممتد‪ ،‬وطبقات العلماء‪ ،‬ودوائر العلوم‪ ،‬والمواقف التاريخية المجيدة‪ ،‬من �أجل‬
‫الإبراز والك�شف عن هذا العمق الأزهري‪ ،‬والتاريخ العلمي العريق‪.‬‬
‫ثم يهدف المكتب � ً‬
‫أي�ضا �إلى التوجه بهذا الخطاب الأزهري المنير‪� ،‬إلى فئات المجتمع المختلفة‪،‬‬
‫على اختالف الم�ستويات الفكرية‪.‬‬
‫ومن المعلوم �أن هناك ثالثة م�ستويات تتركب منها الخريطة الذهنية للمجتمع‪ ،‬وهي‪ :‬العلم‪،‬‬
‫والفكر‪ ،‬والثقافة ال�شائعة‪� ،‬أما العلم ف�إنه خطاب متخ�ص�ص‪ ،‬عاكف في قاعة البحث والدر�س على‬
‫الدرا�سة والمباحثة العلمية العميقة والمتخ�ص�صة‪ ،‬مع التنظير‪ ،‬والتغلغل في �أعماق الم�سائل والبحوث‬
‫العلمية‪ ،‬ثم تخرج الع�صارة العلمية من هذا الم�ستوى‪ ،‬لكي ت�صب في محتوى �أو�سع‪ ،‬وهو دائرة الفكر‪،‬‬
‫التي يتوارد على النظر فيها الكتاب والمثقفون وال�صحفيون والمهتمون‪ ،‬فيتم تخفيف الم�س�ألة‪ ،‬وتو�سيع‬
‫المجاالت التي يمكن �أن توظف فيها تلك الق�ضية �أو الم�س�ألة‪ ،‬ومن هنا ي�شعر بها الم�ستوى الثالث وهو‬
‫الثقافة ال�شائعة‪ ،‬التي ت�صل �إلى العامة ورجل ال�شارع‪.‬‬
‫ف�أخذ (مكتب ر�سالة الأزهر) على عاتقه �أن يقوم ب�إنتاج خطاب �أزهري متعدد الوجوه‪ ،‬بحيث‬
‫يكون لكل م�ستوى حظ من الطرح الأزهري‪ ،‬وبحيث يلقي الأزهر ال�شريف عند كل م�ستوى في المجتمع‬
‫بر�ؤية وب�صيرة منيرة‪ ،‬فقام (مكتب ر�سالة الأزهر) ب�إن�شاء م�سارين للعمل‪:‬‬

‫‪3‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫الم�سار الأول‪ :‬قريب الثمرة‪ ،‬وي�شتمل على ثالثة �إ�صدرات‪:‬‬
‫‪ -‬الإ�صدار الأول‪�( :‬سل�سلة الأوراق البحثية)‪:‬تخاطب �سل�سلة الأوراق البحثية ال�صادرة‬
‫عن (مكتب ر�سالة الأزهر) فئة العلماء والباحثين والمتخ�ص�صين‪ ،‬ويتم و�ضعها بين �أيدي �أ�ساتذة‬
‫الجامعات‪ ،‬والباحثين والعلماء والخبراء‪ ،‬ذوي االخت�صا�ص واالهتمام البحثي الدقيق‪ ،‬وتدور �سل�سلة‬
‫الأوراق البحثية حول محور �أ�صيل ثابت وهو‪( :‬الأزهر و‪ ،)..‬حيث يتناول كل �إ�صدار عالقة الأزهر‬
‫ال�شريف بق�ضية �أو فكرة �أو ظاهرة �أو جانب من جوانب المجتمع‪ ،‬ف�صدرت الورقة البحثية الأولى تحت‬
‫عنوان‪( :‬الأزهر ال�شريف و�أثره في �صياغة ال�شخ�صية الم�صرية)‪ ،‬و�صدرت الورقة البحثية الثانية تحت‬
‫عنوان‪( :‬الأزهر ال�شريف وم�شاركته في �صناعة الثقافة العالمية)‪ ،‬وت�صدر الورقة البحثية الثالثة تحت‬
‫عنوان‪( :‬الأزهر ال�شريف و�أثره في القارة الأفريقية)‪ ،‬وهكذا‪ ،‬بحيث تغطي �سل�سلة الأوراق البحثية‬
‫عالقة الأزهر بكافة الق�ضايا والمحاور‪ ،‬وتك�شف عن العمق التاريخي‪ ،‬والأبعاد المجهولة الغائبة‪ ،‬التي‬
‫�صنعها الأزهر ال�شريف‪ ،‬من خالله علمائه وخريجيه‪� ،‬إذ من المعلوم �أن الطبقات والأعداد الهائلة من‬
‫خريجي الأزهر عبر الع�صور‪ ،‬كان يحدث لهم �أثر وا�سع في تحديد حركة المجتمع وتوجهه‪.‬‬

‫وت�شتمل كل ورقة من تلك الأوراق البحثية على بحث تاريخي واجتماعي مو�سع‪ ،‬يقوم با�ستقراء‬
‫تاريخي م�ستوعب‪ ،‬لأثر الأزهر ال�شريف في تلك الق�ضايا‪ ،‬من خالل ر�صد كتب التواريخ والتراجم‬
‫والمذكرات ال�شخ�صية للأعيان والزعماء‪ ،‬اللتقاط تلك ال�شذرات المنثورة هنا وهناك‪ ،‬والتي �إذا تم‬
‫�ضم بع�ضها �إلى بع�ض‪ ،‬ات�ضحت لنا الأبعاد الجليلة‪ ،‬للآثار االجتماعية‪ ،‬التي ترتبت على ن�شاط علماء‬
‫الأزهر و�أبنائه‪ ،‬ويقترح مبدئ ًيا �أن ت�صدر (�سل�سلة الأوراق البحثية) ب�صفة �شهرية �إن �شاء اهلل‪.‬‬

‫‪ -‬الإ�صدار الثاني‪ :‬كتاب دوري عنوانه‪( :‬ر�سالة الأزهر)‪:‬تقوم �سل�سلة (ر�سالة الأزهر)‬
‫بمخاطبة المفكرين والكتاب والمثقفين وال�صحفيين‪ ،‬وتدور حول تاريخ الأزهر ال�شريف‪ ،‬ومنهجه العريق‬
‫المن�ضبط‪ ،‬ومواقفه التاريخية المجيدة‪ ،‬وا�ستيعابه للجن�سيات المختلفة من الوافدين والمبعوثين‪،‬‬
‫وقيادته للثورات‪ ،‬وانتزاعه لحقوق ال�شعب الم�صري من يد المحتلين والغا�صبين والفا�سدين‪ ،‬مع‬
‫قيامه الم�ستمر بتقويم المت�سلطين على ال�شعب الم�صري الكريم‪ ،‬مع و�صف الأجواء العلمية الجليلة‬
‫في الجامع الأزهر‪ ،‬مع بيان الآثار الخطيرة التي تترتب على االبتعاد عن المنهج الأزهري‪ ،‬حيث تنت�شر‬
‫المناهج المتطرفة المتع�صبة المت�سلطة‪ ،‬ويتوقع مبدئ ًيا �أن ت�صدر �سل�سلة‪( :‬ر�سالة الأزهر) ب�صفة‬
‫�شهرية‪.‬‬

‫‪ -‬الإ�صدار الثالث‪� :‬سل�سلة (الن�شرة الدعوية)‪:‬تقوم (الن�شرة الدعوية) بمخاطبة الخطباء‬


‫والدعاة و�أئمة الم�ساجد‪ ،‬حيث يقوم (مكتب ر�سالة الأزهر) ب�إعداد الخطباء وت�أهيلهم‪ ،‬و�إمدادهم‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪4‬‬


‫بالمواد العلمية الالزمة لتر�شيد خطابهم الدعوي‪ ،‬وو�ضع كل الإمكانيات المتاحة في خدمتهم‪.‬‬

‫‪ -‬الم�سار الثاني‪ :‬ثمرته بعيدة ن�سبيا‪ ،‬لكنه عمل ت�أ�سي�سي‪ ،‬تبقى ثماره للأجيال من بعدنا‪ ،‬حيث‬
‫يهدف �إلى الت�سجيل والجمع والتوثيق لذاكرة �أزهرية كاملة‪� ،‬أو دائرة معارف �أزهرية متكاملة‪ ،‬وي�شتمل‬
‫على الم�شاريع الأربعة‪:‬‬

‫• الم�شروع الأول‪( :‬جمهرة �أعالم الأزهر ال�شريف)‪� :‬إذ ال يوجد بين �أيدينا كتاب �شامل وم�ستوعب‬
‫لتراجم الأعالم الأزهريين‪ ،‬من ن�ش�أة الأزهر �إلى يومنا هذا‪ ،‬بحيث يكون موازيا مثال لكتاب (الأعالم)‬
‫للزركلي‪ ،‬بل بقيت تراجم الأزهريين م�شتتة في بطون كتب التراجم والتواريخ والأثبات‪ ،‬بل هناك عدد‬
‫من التراجم الأزهرية المهمة في الدوريات والمجالت ال�صادرة من �أوائل القرن الميالدي الما�ضي �إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬فكان البد من �إن�شاء جمهرة تاريخية �شاملة‪ ،‬تقوم بجمع ال�سير والتراجم لعلماء الأزهر‪،‬‬
‫ويترتب على هذا العمل الك�شف عن كنوز نفي�سة من �أخبار علماء الأزهر‪ ،‬و�سيرهم‪ ،‬و�أحوالهم العلمية‪،‬‬
‫ون�ش�أتهم العلمية‪ ،‬واهتماماتهم‪ ،‬مما يعود بالنفع الغزير على الأجيال القادمة‪.‬‬

‫• الم�شروع الثاني‪( :‬تاريخ الأزهر ويومياته من ن�ش�أته �إلى الع�صر الحا�ضر)‪ :‬ويعتمد هذا الم�شروع‬
‫على �إن�شاء جمهرة تر�صد الأحداث التاريخية التي مرت على الأزهر من ن�ش�أته �إلى الع�صر الحا�ضر‪،‬‬
‫مما يرجع �إلى �أبنيته وعمارته‪ ،‬ومناهجه‪ ،‬ومواقفه‪ ،‬والأح��داث التاريخية المهمة التي عاي�شها‪� ،‬أو‬
‫�شارك في �صناعتها‪ ،‬وهذا محور �شديد الأهمية‪.‬‬

‫• الم�شروع الثالث‪( :‬معالم المنهج الأزه��ري)‪� :‬إذ ال بد من �إن�شاء جمهرة مو�سعة حول المنهج‬
‫الأزهري‪ ،‬ومكوناته‪ ،‬و�سماته‪ ،‬ومعالمه‪ ،‬وخ�صائ�صه‪ ،‬حتى نورث الأجيال القادمة الأمانة الأزهرية‬
‫كاملة‪.‬‬

‫•الم�شروع الرابع‪( :‬ال�شبهات حول الأزهر)‪ :‬وهو م�شروع يعتمد على ر�صد كل ما يثار حول الأزهر‬
‫من �شبهات‪ ،‬مع التحليل والرد‪ ،‬والك�شف عن الحقائق‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫و�أ�س�أل اهلل تعالى كمال التوفيق لأع�ضاء مكتب ر�سالة الأزهر الأكارم‪ :‬ف�ضيلة ال�شيخ محمود ح�سن‬
‫محمد الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ �أحمد ربيع �أحمد ال�سيد الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ �أيمن عيد الحجار‬
‫الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ �أحمد نبوي المالكي الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ يو�سف �سفاني المالكي الأزهري‪،‬‬
‫وف�ضيلة ال�شيخ محمد عبد اللطيف الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ محمد ال�سيد ال�صياد الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة‬
‫ال�شيخ �أحمد جمال علي محمود الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ عبد الر�ؤوف بن محمد خير الحبال الحلبي‬
‫الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ محمد علوان الأزهري‪ ،‬وف�ضيلة ال�شيخ �أحمد ح�سن الأزهري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫هذه لمحة عن المهام التي ينه�ض بها (مكتب ر�سالة الأزه��ر)‪ ،‬ون�س�أل اهلل تعالى التوفيق‪،‬‬
‫والمعونة‪ ،‬ون�س�أله �سبحانه كمال الوفاء واالنتماء والخدمة لهذا المنهج الأزه��ري العريق العتيق‪،‬‬
‫و�صلى اهلل على �سيدنا محمد وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫�أ�سامة ال�سيد محمود الأزهري‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪6‬‬


‫�أيها الأزهري‬
‫العلم والعمل والإيمان‪ ،‬وقو َة‬
‫‪� -‬أيها الأزهري!! �أنت طاقة روحية‪ ،‬ت�سري بين النا�س‪ ،‬فتبعث فيهم َ‬
‫والقيام ب�إجالل مقام الربوبية‪ ،‬وتوقي َر الحق �سبحانه وتمجيده وتقدي�سه‪.‬‬
‫َ‬ ‫التعلق بالغيب ال�شريف‪،‬‬

‫‪� -‬أيها الأزهري!! �أنت من ورثة النبوة‪ ،‬ووراثة النبوة ال تقت�صر على العلوم والمعارف ال�شرعية‬
‫وحدها‪ ،‬بل تت�سع لت�شمل م�شاهد الغيب‪ ،‬وقوة المعرفة باهلل‪ ،‬والحر�ص على الخلق‪ ،‬وال�شفقة بهم‪،‬‬
‫وامتالء القلب �إقباال عليهم‪ ،‬وتوجها �إلى اهلل تعالى في �أوقات الأ�سحار ت�ضرعا وتبتال في �ش�أن العباد‬
‫والخالئق‪ ،‬مع تمام الأن�س باهلل‪ ،‬وقوة الهمة في ال�سعي �إليه‪ ،‬و�شدة اليقين فيه‪.‬‬

‫‪� -‬أيها الأزهري!! �أنت باب مفتوح ما بين ال�سماء والأر�ض‪ ،‬لك حظ وافر من المناجاة‪ ،‬والت�أله‪،‬‬
‫والخلوة �إلى اهلل‪ ،‬وتمام اليقظة في تعظيمه �سبحانه و�إجالله‪ ،‬وما يفي�ض به القلب من وهج التقوى‬
‫وتمام التوقير واالنطراح والفاقة بين يدي اهلل جل �شانه هو الذي يورث نفو�س النا�س من‬
‫والخ�شية‪ُ ،‬‬
‫حولك ثقة فيك وفي ديانتك‪ ،‬وانقيادا لك‪.‬‬

‫‪� -‬أيها الأزهري!! بواطن العباد و�أديانهم �أمانة بين يديك‪ ،‬وجواهر م�ستودعة عندك‪ ،‬والأم ُر ِدينٌ ‪،‬‬
‫فاتق اهلل فيهم‪ ،‬و�أح�سن القيامة بالأمانة‪ ،‬واقدر لها قدرها‪ ،‬وقم بحق اهلل تعالى فيهم‪.‬‬

‫‪� -‬أيها الأزهري!! �إن لم تدرك �أن وراثة النبوة‪ ،‬وح�سن خالفة النبي �صلى اهلل عليه و�سلم في �أمته‪،‬‬
‫�أمر جليل‪ ،‬و�ش�أن مهيب‪ ،‬ومطلب فخيم‪ ،‬فال خير فيك‪.‬‬

‫‪� -‬أيها الأزه��ري!! �أنت �سائ ٌر على درب النبيين‪ ،‬فانظر جاللة بواطن الأنبياء في معرفة اهلل‬
‫و�إجالله‪ ،‬والفهم عنه‪ ،‬وتمام االن�ضباط على م��راده‪ ،‬و�شدة القيام في �ش�أن الخلق‪ ،‬وبذل الأعمار‬
‫ال�شريفة في الهداية‪.‬‬

‫‪� -‬أيها الأزهري!! �إذا توالك اهلل برعايته‪ ،‬ووا�صلك بمعونته‪ ،‬فقد �أ�صبت �سعادة الدارين‪،‬‬
‫وحالفك التوفيق في كل مطلب‪ ،‬ف�أقم على بابه‪ ،‬وكنت قد نظمت هذا المعنى �شعرا فقلت‪:‬‬

‫‪7‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫�أ�� �ص ��اب ��ت م �� �س��اع �ي��ه و�� �ش���اع وداده‬ ‫�إذا ك� ��ان ع� ��ون اهلل ل �ل �ع �ب��د وا� �ص�لا‬
‫ودان � � ��ت ل� ��ه ال���دن� �ي���ا‪ ،‬وق � � � َّر ف � � ��ؤاده‬ ‫وح ��ال� �ف ��ه ال��ت��وف��ي��ق ف���ي ك���ل م�ط�ل��ب‬
‫وك � � ��ان ح �ك �ي �م��ا ف � �ك� ��ره واق � �ت � �ي� ��اد ْه‬ ‫وك��ان��ت ل��ه الأك�� ��وان ع��ون��ا و��س��اع��دت‬
‫وك�� ��ان ع �ل��ى ل �ط��ف الإل� � ��ه اع �ت �م��اده‬ ‫وع�� ��اد �إل�� ��ى ال� �م ��ول ��ى ن � ِ�ج� � ًّي ��ا م �ن��ورا‬

‫‪� -‬أيها الأزه��ري!! الأزه��ر ال�شريف م�صنع الرجال الأكابر‪ ،‬المت�ضلعين من العلوم‪ ،‬من ذوي‬
‫البواطن الموارة‪ ،‬الممتلئة ببحور اليقين والربانية‪ ،‬الفائ�ضة بالتقوى والرحمة‪ ،‬العامرة بالهمم العظام‬
‫في جمع العلوم‪ ،‬و�إدراك مقا�صد ال�شرع‪ ،‬و�شدة االعت�صام بالأكابر والتخلق ب�آدابهم‪ ،‬فافهم واحفظ‬
‫وانه�ض‪ ،‬واهلل حفيظ عليك‪ ،‬وهو يتولى هداك‪.‬‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪8‬‬


‫اع َي ُة!! َه َذا َزا ُدك‬ ‫�أَ ُّي َها َّ‬
‫الد ِ‬

‫ت�أمالت في كيفية �صناعة الدعاة‬

‫بقلم‬
‫�أ�سامة ال�سيد محمود الأزهري‬
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �سيدنا محمد‪� ،‬سيد الأولين والآخرين‪ ،‬وخاتم‬
‫النبيين والمر�سلين‪ ،‬ورحمة اهلل تعالى للعالمين‪ ،‬اللهم �صل و�سلم وبارك عليه وعلى �آله و�أ�صحابه‪ ،‬ومن‬
‫تبعهم ب�إح�سان �إلى يوم الدين‪.‬‬

‫�أما بعد‪:‬‬
‫فهذه �أبعا ٌد وت�أمالتٌ وغ ْو ٌ�ص في تكوين الداعية‪ ،‬ومحاول ٌة للتنقيب والإلمام بم�سالك �صناعة‬
‫و�سعي في ك�شف النقاب عن الموارد التي ال بد من امتزاجها في عقلية الداعية‪.‬‬
‫الدعاة �إلى اهلل‪ٌ ،‬‬
‫كامل‪ ،‬عن المكونات النف�سية‬‫�صحيح ٍ‬
‫ٍ‬ ‫والحقيقة �أن �صناعة الدعاة فنٌّ دقيقٌ‪ ،‬يحتاج �إلى ت�صو ٍر‬
‫والعقلية والمعرفية واالجتماعية للداعية‪ ،‬و�أن يكون هذا الت�صور ناب ًعا من المعين النبوي ال�شريف‪ ،‬ثم‬
‫أمالت مو�سع ٍة في تكوينهم‬
‫وتتبع لم�شاهير الدعاة المعروفين‪ ،‬عبر طبقاتهم و�أعيانهم‪ ،‬مع ت� ٍ‬ ‫من درا�س ٍة ٍ‬
‫و�أدائ�ه��م‪ ،‬وخ�صو�صا من ا�شتهر منهم ب��الأداء الم�ؤ ِّثر ال ُموحي (الكاريزما)‪ ،‬القادر على تحريك‬
‫النا�س‪ ،‬كالإمام ابن الجوزي رحمه اهلل تعالى‪ ،‬و�أخبار ت�أثيره الدعوي العجيب منثورة في �أواخر كتابه‪:‬‬
‫طرف مهم جدً ا في رحلة ابن جبير رحمه اهلل‪ ،‬فجاء و�صفه مواف ًقا‬ ‫(الق�صا�ص والمذكرين)(((‪ ،‬ومنها ٌ‬
‫لما حكاه ابن الجوزي رحمه اهلل عن نف�سه‪ ،‬وو�صف به مجال�سه‪.‬‬
‫و�سوف �أ�سوق هنا ذلك الن�ص المطول‪ ،‬الذي و�صف فيه الرحالة ابن جبير مجال�س وعظ الإمام‬
‫�أبي الفرج ابن الجوزي ت‪597‬هـ‪ ،‬وهو جدي ٌر بالت�أمل والدرا�سة‪ ،‬والغو�ص فيما وراءه من مكونات‪.‬‬
‫قال محمد بن �أحمد بن جبير الكناني الأندل�سي‪ ،‬المتوفى �سنة ‪614‬هـ ‪-‬رحمه اهلل تعالى‪ -‬في‬
‫رحلته‪( :‬ثم �شاهدنا �صبيحة يوم ال�سبت بعده مجل�س ال�شيخ الفقيه‪ ،‬الإمام الأوحد‪ ،‬جمال الدين �أبي‬
‫الف�ضائل بن علي الجوزي‪ ،‬ب�إزاء داره‪ ،‬على ال�شط‪ ،‬بالجانب ال�شرقي‪ ،‬وفي �آخره على ات�صال من ق�صور‬
‫الخليفة‪ ،‬وبمقربة من باب الب�صلية �آخر �أبواب الجانب ال�شرقي‪ ،‬وهو يجل�س به كل يوم �سبت‪.‬‬
‫ف�شاهدنا مجل�س رجل لي�س من عمرو وال زيد‪ ،‬وفي جوف الفرا كل ال�صيد‪� ،‬آية الزمان‪ ،‬وقرة عين‬
‫الإيمان‪ ،‬رئي�س الحنبلية‪ ،‬والمخ�صو�ص في العلوم بالرتب العلية‪� ،‬إمام الجماعة‪ ،‬وفار�س حلبة هذه‬
‫ال�صناعة‪ ،‬والم�شهود له بال�سبق الكريم في البالغة والبراعة‪ ،‬مالك �أزمة الكالم في النظم والنثر‪،‬‬
‫مهياري االنطباع‪ ،‬و�أما نثره‬
‫ُّ‬ ‫فر�ضي الطباع‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والغائ�ص في بحر فكره على نفائ�س الدر‪ ،‬ف�أما نظمه‬
‫في�صدع ب�سحر البيان‪ ،‬ويعطل ال َم َث َل ب ُق ّ�س و�سحبان‪.‬‬
‫((( الق�صا�ص والمذكرين‪�/‬ص‪ ،/371‬ط‪ :‬المكتب الإ�سالمي‪ ،‬بيروت‪� ،‬سنة ‪1409‬هـ‪1988-‬م‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور‪ :‬محمد لطفي ال�صباغ‪.‬‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪10‬‬


‫ومن �أبهر �آياته‪ ،‬و�أكبر معجزاته‪� ،‬أنه ي�صعد المنبر‪ ،‬ويبتدئ ال ُق َّرا ُء بالقراءة‪ ،‬وعددهم َن َّي َف على‬
‫وت�شويق‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بتطريب‬
‫ٍ‬ ‫الع�شرين قار ًئا‪ ،‬فينتزع االثنان منهم �أو الثالثة �آي ًة من القر�آن‪ ،‬يتلونها على ٍ‬
‫ن�سق‪،‬‬
‫ف�إذا فرغوا‪ ،‬تلت طائفة �أخرى على عددهم �آي ًة ثانية‪ ،‬وال يزالون يتناوبون �آيات من �سو ٍر مختلفات‪� ،‬إلى‬
‫�أن يتكاملوا قراءة‪ ،‬وقد �أتوا ب�آيات م�شتبهات‪ ،‬ال يكاد ال ُم َّت ِق ُد الخاطر يح�صلها عددًا‪� ،‬أو ي�سميها ن�سقا‪.‬‬
‫بتد ًرا‪ ،‬و�أفرغ في �أ�صداف‬
‫الغريب ال�شان‪ ،‬في �إيراد خطبته‪َ ،‬ع ِجال ُم ِ‬
‫ُ‬ ‫إمام‪،‬‬
‫ف�إذا فرغوا �أخذ هذا ال ُ‬
‫الأ�سماع من �ألفاظه دررا‪ ،‬وانتظم �أوائل الآيات المقروءات في �أثناء خطبته ِف َق َرا‪ ،‬و�أتى بها على ن�سق‬
‫القراءة لها‪ ،‬ال مقدما وال م�ؤخرا‪ ،‬ثم �أكمل الخطبة على قافية �آخر �آية منها‪ ،‬فلو �أن �أبدع َمنْ في مجل�سه‬
‫تكلف ت�سمية ما قر�أ القراء به �آية �آية‪ ،‬على الترتيب‪ ،‬لعجز عن ذلك‪ ،‬فكيف بمن ينتظمها مرتجال‪،‬‬
‫ويورد الخطبة الغراء بها عجال‪� ،‬أف�سحر هذا �أم �أنتم ال تب�صرون‪� ،‬إن هذا لهو الف�ضل المبين‪ ،‬فحدث‬
‫وال حرج عن البحر‪ ،‬وهيهات لي�س ُ‬
‫الخ ْب ُر عنه َ‬
‫كالخ َبر‪.‬‬
‫ثم �إنه �أتى بعد �أن فرغ من خطبته برقائق من الوعظ‪ ،‬و�آيات بينات من الذكر‪ ،‬طارت لها القلوب‬
‫ا�شتياقا‪ ،‬وذابت بها الأنف�س احتراقا‪� ،‬إلى �أن عال ال�ضجيج‪ ،‬وتردد ب�شهقاته الن�شيج‪ ،‬و�أعلن التائبون‬
‫بال�صياح‪ ،‬وت�ساقطوا عليه ت�ساقط الفرا�ش على الم�صباح‪ ،‬كل يلقى نا�صيته بيده فيجزها‪ ،‬ويم�سح‬
‫على ر�أ�سه داعيا له‪ ،‬ومنهم من يغ�شى عليه‪ ،‬فيرفع في الأذرع �إليه‪ ،‬ف�شاهدنا هَ ْوال يملأ النفو�س �إنابة‬
‫وندامة‪ ،‬ويذكرها هول يوم القيامة‪.‬‬
‫فلو لم نركب َث َب َج البحر‪ ،‬ونعت�سف مفازات القفز‪� ،‬إال لم�شاهدة ٍ‬
‫مجل�س من مجال�س هذا الرجل‪،‬‬
‫لكانت ال�صفقة الرابحة‪ ،‬والوجهة المفلحة الناجحة‪ ،‬والحمد هلل على �أنْ منَّ بلقاء من ي�شهد الجمادات‬
‫بف�ضله‪ ،‬وي�ضيق الوجود عن مثله‪.‬‬
‫وفي �أثناء مجل�سه ذلك‪ ،‬يبتدرون الم�سائل‪ ،‬وتطير �إليه الرقاع‪ ،‬فيجاوب �أ�سرع من طرفة عين‪،‬‬
‫وربما كان �أكثر مجل�سه الرائق من نتائج تلك الم�سائل‪ ،‬والف�ضل بيد اهلل‪ ،‬ي�ؤتيه من ي�شاء‪ ،‬ال �إله �سواه‪.‬‬
‫ثم �شاهدنا مجل�سا ثانيا له‪ ،‬بكر َة ِ‬
‫يوم الخمي�س‪ ،‬الحادي ع�شر ل�صفر‪ ،‬بباب بدر‪ ،‬في �ساحة ق�صور‬
‫الخليفة‪ ،‬ومناظره م�شرفة عليه‪ ،‬وهذا المو�ضع المذكور هو من حرم الخليفة‪ ،‬خ�ص بالو�صول �إليه‪،‬‬
‫والتكلم فيه‪ ،‬لي�سمعه من تلك المناظر الخليفة ووالدته ومن ح�ضر من الحرم‪ ،‬ويفتح الباب للعامة‪،‬‬
‫فيدخلون �إلى ذلك المو�ضع‪ ،‬وقد ب�سط بالح�صر‪ ،‬وجلو�سه بهذا المو�ضع كل يوم خمي�س‪.‬‬
‫فبكرنا لم�شاهدته بهذا المجل�س المذكور‪ ،‬وقعدنا �إلى �أن و�صل هذا الحبر المتكلم‪ ،‬ف�صعد المنبر‪،‬‬
‫و�أرخى طيل�سانه عن ر�أ�سه‪ ،‬توا�ضعا لحرمة المكان‪ ،‬وقد ت�سطر القراء �أمامه على كرا�سي مو�ضوعة‪،‬‬
‫فابتدروا القراءة على الترتيب‪ ،‬و�شوقوا ما �شاءوا‪ ،‬و�أطربوا ما �أرادوا‪ ،‬وبادرت العيون ب�إر�سال الدموع‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫فلما فرغوا من القراءة‪ ،‬وقد �أح�صينا لهم ت�سع �آيات من �سور مختلفات‪� ،‬صدع بخطبته الزهراء‬
‫الغراء‪ ،‬و�أتى ب�أوائل الآيات في �أثنائها منتظمات‪َّ ،‬‬
‫وم�شى الخطبة على فقرة �آخر �آية منها في الترتيب‪،‬‬
‫�إلى �أن �أكملها‪ ،‬وكانت الآية‪( :‬اهلل الذي جعل لكم الليل لت�سكنوا فيه والنهار مب�صرا �إن اهلل لذو ف�ضل‬
‫وح�سن � َّأي تح�سين‪ ،‬فكان يومه في ذلك �أعجب من �أم�سه)(((‪.‬‬
‫على النا�س)‪ ،‬فتمادى على هذا ال�سين‪َّ ،‬‬
‫�إلى �أن قال ابن جبير رحمه اهلل‪( :‬وما كنا نح�سب �أنَّ متكل ًما في الدنيا‪ ،‬يعطى من ملكة النفو�س‪،‬‬
‫والتالعب بها‪ ،‬ما �أُعطي هذا الرجل‪ ،‬ف�سبحان من يخ�ص بالكمال من ي�شاء من عباده‪ ،‬ال �إله غيره)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويمكن التوقف عند هذا الن�ص وقفات مطولة‪ ،‬نجتهد فيها في الغو�ص في �أعماق هذه‬
‫النف�سية العجيبة للإمام ابن الجوزي‪ ،‬لن�ستخرج ال�سمات النف�سية‪ ،‬والطبائع ال�سارية‪ ،‬والمكونات‬
‫الفاعلة‪ ،‬التي �شكلت �شخ�صيته‪ ،‬ولتكون تلك الوقفات خطوة على طريق تجريد المكونات الم�ؤثرة‬
‫الكامنة في �شخ�صية الإمام ابن الجوزي‪ ،‬ليتحول بذلك من تجربة �شخ�صية ناجحة‪ ،‬رزقت التوفيق‬
‫والقبول‪� ،‬إلى منهج يمكن تطبيقه‪ ،‬و�صناعة �أ�شبا ٍه ونظائ َر له‪ ،‬كل ذلك مع مراعاة خ�صو�صية الموهبة‬
‫�سلطان‬
‫ٍ‬ ‫والمنحة التي اخت�صه اهلل تعالى بها‪ ،‬وما �أوقعه اهلل تعالى له من قبول و�صيت‪ ،‬وما �آتاه من‬
‫باطني‪ ،‬ي�ستر�سل به على النفو�س في�أ�سرها‪ ،‬ويمتلكها‪ ،‬ويحيط بها‪ ،‬وينفث فيها من حرارة باطنه ما‬‫ٍّ‬
‫ينفث‪.‬‬
‫فمن المهم جدا لكل من�سوب �إلى الدعوة �إلى اهلل تعالى �أن يجمع هذه النماذج الباهرة‪ ،‬و�أن يطيل‬
‫الت�أمل‪ ،‬ويمعن النظر‪ ،‬في كيفية امتالك ه�ؤالء لأدوات الت�أثير‪.‬‬
‫ينكب فترة طويلة على ت�أمل تلك ال�شخ�صيات ودرا�ستها‪ ،‬والتو�سع‬ ‫�إن من �أهم واجبات الداعية �أن َّ‬
‫في قراءة �سير �أ�صحابها‪ ،‬والنظر في كتبهم‪ ،‬والغو�ص على ما وراء الكالم والمواقف من َط ْب ِع متوقد‪،‬‬
‫وروح متوهجة‪ ،‬في غاية ال�صفاء والألق‪ ،‬يكاد زيتها ي�ضيء ولو لم تم�س�سه نار‪ ،‬نور على نور‪.‬‬
‫والبد من �أن يح�صل للداعية �شغف وتعلق وتولع ب�أولئك الأكابر‪ ،‬حتى ت�سري طباعهم �إلى طبعه‪،‬‬
‫وترتوي نف�سيته بمعالم نف�سيات �أولئك الأ�شياخ الكبار‪ ،‬وقد قال الإمام ابن الجوزي نف�سه في‪ :‬كتاب‪:‬‬
‫(تلبي�س �إبلي�س)‪( :‬وينبغي �أن ُي ْع َل َم �أن الطب َع ٌّ‬
‫ل�ص‪ ،‬ف�إذا ترك مع �أهل هذا الزمان َ�س َر َق من طبائعهم‪،‬‬
‫ف�صار مثلهم‪ ،‬ف�إذا نظر في �سير القدماء زاحمهم‪ ،‬وت�أدب ب�أخالقهم‪ ،‬وقد كان بع�ض ال�سلف يقول‪:‬‬
‫«حديث يرق له قلبي �أح��ب �إل��ي من مائة ق�ضية من ق�ضايا �شريح»‪ ،‬و�إنما قال هذا لأن رقة القلب‬
‫مق�صودة‪ ،‬ولها �أ�سباب)(((‪.‬‬
‫((( رحلة ابن جبير‪�/‬ص‪ ،/159‬ط‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬تقديم الدكتور‪ :‬محمد م�صطفى زيادة‪.‬‬
‫((( تلبي�س �إبلي�س‪�/‬ص‪ ،/151‬ط‪ :‬االمكتبة التوفيقية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وهو �أي�ضا في كتاب المده�ش البن الجوزي‪�/‬ص‪ ،/426‬ومنه �أخذه ابن‬
‫القيم في رحمه اهلل في بدائع الفوائد‪./755/3/‬‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪12‬‬


‫وال�شخ�صيات الخطابية الم�ؤثرة‪ ،‬القادرة على تحريك النا�س‪ ،‬والت�أثير في نفو�سهم‪� ،‬شخ�صيات‬
‫م�شهورة هنا وهناك‪ ،‬بل وفي �سائر الح�ضارات والثقافات‪ ،‬ويمكن للباحث �أن يظفر ب�سهولة بعدد كبير‬
‫من الخطباء المتمكنين‪ ،‬الذين �أوتوا مقدرة عجيبة على التحريك والت�أثير‪ ،‬مما يدل على �أن الت�أثير‬
‫ملكة نف�سية‪ ،‬وطبيعة وهيئة نف�سانية معينة‪ ،‬ي�ستخدمها �صاحبها لجذب النا�س �إلى قناعاته‪ ،‬ف�إذا ما‬
‫�سخرت للدعوة �إلى اهلل تعالى فما �أح�سنها و�أح�سن بها‪.‬‬
‫وقد �ألف الأ�ستاذ مجدي كامل كتابا ا�سمه‪( :‬ملوك الكاريزما‪ ،‬زعماء وق��ادة وفنانون‪ ،‬كانت‬
‫الكاريزما �أخطر �أ�سلحتهم الفتاكة)(((‪ ،‬والم�ؤلفات الأجنبية في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬منها ما هو عميق‬
‫ومنها ما هو تجاري �سطحي‪.‬‬
‫و�إذا �أردنا �أن ن�صنع داعية م�ؤثرا‪ ،‬فالبد من عدد من المكونات‪ ،‬منها �أ�صل روحي‪ ،‬ومنها مكون‬
‫نف�سي‪ ،‬ومنها مكون علمي معرفي‪ ،‬ومنها مكون اجتماعي‪ ،‬ومنها مكون �إداري‪� ،‬إلى غير ذلك من‬
‫المكونات‪ ،‬وكلها منتزعة وم�أخوذة من مناهج الأنبياء الكرام‪ ،‬الذين هم �سادة الدعاة �إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫الخ ْل ِق في الدين؟ داال على اهلل‬
‫فمتى يكون الداعي �إلى اهلل تعالى كامال؟ قائ ًما بواجب تب�صير َ‬
‫تعالى بكالمه وعقله وفهمه و�سلوكه‪ ،‬م�ستلهما للمنهج النبوي الجليل في الهداية‪ ،‬بعد �أن فهم عن اهلل‬
‫تعالى مراده‪ ،‬حتى ينه�ض �إلى تعليم النا�س و�إر�شادهم؟؟‬
‫بمكونات و ِن َ�س ٍب ومعا ِل َم وموا ِر َد‪ ،‬تمتزج وتلتقي‪ ،‬فت�صنع عنده الب�صيرة‬
‫ٍ‬ ‫ال يكون الداعية كذلك �إال‬
‫الدعوية‪ ،‬حتى يرى ويعرف ما يقول‪ ،‬وال بد من وجود تلك المكونات‪ ،‬وتكاملها‪ ،‬وات�ساقها‪ ،‬و�إح�سان‬
‫تركيبها‪ ،‬والتدريب على كيفية ا�ستخدامها‪.‬‬
‫و�إذا تم تركيب تلك المكونات‪ ،‬مع �سبق التوفيق من المولى �سبحانه‪ ،‬تحول بها الداعية �إلى‬
‫ب�صير‪ ،‬وا�سع الأفق‪ ،‬متكامل الزاد‪ ،‬يتحرك وفق خريطة دعوية محكمة‪ ،‬وا�ضحة المعالم‪ ،‬جلية‬‫ٍ‬ ‫رجل‬
‫ٍ‬
‫التفا�صيل والم�شتمالت‪ ،‬وي�سلك بالنا�س م�سلك ر�شد‪ ،‬لأنه ت�صور الطريق الذي يقودهم فيه‪ ،‬وعرف‬
‫منعطفاته ومنعرجاته‪ ،‬و�ألم بدروبه وم�سالكه‪ ،‬وعرف معالمه كيف تبدو‪ ،‬ف�إذا به قد �صار مدركا لما‬
‫يريد �أن ي�صل بالنا�س �إليه‪.‬‬

‫ف�إذا �أ�ضيف �إلى ذلك كونه �شفاف النف�س‪ ،‬بعيد النظر‪ ،‬عميق الفكرة‪ ،‬مقبال على الخلق بالرحمة‪،‬‬
‫خبي ًرا بطبائع النا�س‪ ،‬ومداخل نفو�سهم‪ ،‬وكيفية فهمهم وتفهيمهم‪ ،‬وم�سالك الأخذ الرفيق ب�أيديهم‬
‫�إلى اهلل تعالى‪ ،‬ف�إنه �إذا ا�ستجمع ذلك كان داعيا كامال‪ ،‬على قدم النبوة‪.‬‬
‫((( طبع للمرة الثانية في‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬دم�شق‪-‬القاهرة‪� ،‬سنة ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫الرجل الخبير الماهر بتركيب الأدوية‪ ،‬ي�أخذ مقدا ًرا موزونا من هنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و�إنما َم َث ُل الداعي ِة ك َم َث ِل‬
‫ويخلطه ب َق ْد ٍر ُم َق َّن ٍن من هناك‪ ،‬وي�ضيف �إليه ن�سب ًة محددة من هذا‪ ،‬و ُي َق ِّل ُب الجميع على ذلك النحو‬
‫أ�صول َ�ص ْن َع ِة تركيب الأدوية‪� ،‬أَر ٌ‬
‫ِيب َف ِطنٌ ‪،‬‬ ‫ال ُم َع َّي ِن المدرو�س‪ ،‬وهو في كل ذلك ب�صي ٌر بما ي�صنع‪ٌ ،‬‬
‫عارف ب� ِ‬
‫ُيق ِْد ُم على ب�صير ٍة وهُ َدى‪ ،‬مقدرا خطورة ما ي�صنع‪ ،‬مدركا �أن الخلل في تركيب الن�سب قد ي�ضر وربما‬
‫قتل‪ ،‬وقد ق َّدم بين يدي ذلك كله ِعل ًما ودرا�س ًة‪ ،‬و َت َل ِّق ًيا وفه ًما‪ ،‬وفطنة وا�ست�شرا ًفا‪ ،‬ف�إذا به قد �صنع‬
‫عقا ًرا ناجعا‪� ،‬أو دواء يجلب ال�شفاء بف�ضل اهلل‪.‬‬

‫والداعية الذي كمل تكوينه كذلك‪� ،‬سواء ب�سواء‪ ،‬ي�أخذ مقدارا موزونا من ذلك العلم‪ ،‬ويخلطه‬
‫بقدر معلوم من الترغيب‪ ،‬وي�ضيف �إليه ن�سبة محددة من التلطف‪ ،‬وح�سن الت�أني‪ ،‬ولطف الت�أتي‪،‬‬
‫وي�صب على ذلك كله ع�صارة من فهم طبائع النا�س ومداخل عقولهم وقلوبهم‪ ،‬و ُي َق ِّل ُب ذلك كله في‬
‫النا�س‬
‫عقله ولبه وف�ؤاده‪ ،‬حتى تختمر المعاني عنده‪ ،‬فيرى �آفاقها وم�آالتها ونتائجها‪ ،‬ف�إذا ما ح َّدث َ‬
‫إدراك‪ ،‬مقدرا خطورة ما ي�صنع‪ ،‬مدر ًكا �أنه �أمين على �أديان الخلق‪ ،‬قائم‬ ‫وب�صر و� ٍ‬
‫ٍ‬ ‫تكلم عن معرف ٍة‬
‫مقام النبوة في البالغ عن اهلل‪ ،‬والبد من �أن يقدم بين يدي ذلك كله �صفاء ذهن‪ ،‬ونقاء �سريرة‪ ،‬و�شدة‬
‫وارت�ساما وفه ًما‬
‫ً‬ ‫تجرد للحق‪ ،‬و�صدقا في ن�صح النا�س وتب�صيرهم‪ ،‬وعلما ودرا�سة وحفظا وتح�صيال‪،‬‬
‫للم�سلك النبوي الرحيم الهادي‪ ،‬في الداللة على اهلل‪ ،‬والأخذ ب�أيدي الخالئق �إليه‪.‬‬

‫ف�إن �شفع ذلك بعروج في معارج الت�أله والتعلق بالمولى‪ ،‬ومعرفة جالل الربوبية‪ ،‬والتحلي بالتقوى‪،‬‬
‫قائما بواجب تعظيم المولى وتوقيره وتمجيده‪ ،‬حتى يكون روحا �صافية تم�شي بين النا�س‪ ،‬ونبعا من‬
‫اليقين قد تفجر بين العباد‪ ،‬ودفقا من النور‪ ،‬وبابا مفتوحا بين النا�س وبين الغيب ال�شريف‪ ،‬فذلك هو‬
‫الذي ي�ستحق ا�سم الداعية على �أكمل �أو�صافه‪ ،‬و�أح�سن هيئاته‪.‬‬

‫خبير‪ ،‬يحمل النا�س ب�سيارته من مكان �إلى مكان‪ ،‬فما لم تكن‬


‫و�سائق ٍ‬‫ٍ‬ ‫ماهر‪،‬‬
‫قائد ٍ‬‫�أر�أي��ت �إلى ٍ‬
‫خرائط الطرق‪ ،‬وموا�ضع الأماكن‪ ،‬وا�ضحة جلية في ذهنه‪ ،‬يخبر دروبها‪ ،‬ويعرف طرقها‪ ،‬وي�ستدل‬
‫�إليها‪ ،‬ويحفظ ت�شابك ال�سبل الم�ؤدية �إليها‪ ،‬ويح�سن التو�صل �إلى �أماكنها‪ ،‬فخبرني بربك كيف يقود‬
‫النا�س �إلى مبتغاهم‪ ،‬وكيف ي�صل بهم �إلى مراداتهم‪.‬‬

‫و�إال فهو حائر م�ضطرب‪ ،‬ي�ستوقف النا�س عند كل مفترق طرق‪ ،‬لي�س�أل‪ ،‬ثم يخطيء الدخول �إلى‬
‫موا�ضع الطريق‪ ،‬ثم يتخبط وي�ضل ال�سبيل‪ ،‬فكذلك الداعي‪� ،‬إذا لم يح�سن الإلمام بم�سالك المعارف‪،‬‬
‫وفنون العلوم‪ ،‬وطرائق الخطاب‪ ،‬ومعالم الفكر‪.‬‬

‫وقدر معي مبلغ ال�ضرر الكامن في داعية قد خال من مثل هذا الت�أهيل‪ ،‬ف�إذا به لي�س له من الإدراك‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪14‬‬


‫والإلمام بمعارف ال�شرع‪ ،‬ما يدرك به المكونات والن�سب والمقادير والأوزان والأن�صبة المعرفية‪ ،‬التي‬
‫ينبغي �أن تتزن في خطابه وطرحه‪ ،‬حتى يخلط للنا�س من هذا وذاك ما يغذي به عقولهم و�أرواحهم‪،‬‬
‫در�س �أو خطبة �أو موعظة مقادير محكمة موزونة من تلك العلوم‪ ،‬فك�أنه‬ ‫مجل�س �أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وحتى ُي َ�ض ِّمنَ كل‬
‫ذهب يخبط بالنا�س خبط ع�شواء‪ ،‬ويتردى بهم في م�سالك ال يعرفها‪ ،‬ويبني في �شخو�صهم وعقولهم‬
‫وفهمهم عن اهلل بنا ًء �شائها‪ ،‬م�شتتا‪ ،‬يكاد ينهدم ل�شدة وهائه واختالل ن�سبه و�أوزانه‪.‬‬

‫وليت �شعري‪ ،‬كيف ينه�ض رجل للدعوة �إلى اهلل تعالى‪ ،‬وهو ال يدري المخارج لما ي�ؤ�س�سه من‬
‫مداخل‪ ،‬وال يرى نتائج ما ي�شيده من مقدمات‪ ،‬وال يلم بت�صور كلي لطريقة بناء المدعو‪ ،‬وال يعرف‬
‫الم�سالك والمزالق في الطريق الذي يزج بالنا�س فيه‪ ،‬وال ي�ستبين ما يحدثهم عنه‪ ،‬بل َي ْب ُر ُز عليهم‬
‫ُم َ�شت ََّت الفكر‪ ،‬مبعثر الر�ؤى‪ ،‬يدفع بكل در�س في اتجاه‪ ،‬وتتهاوى منه خطب الجمعة‪ ،‬ممزقة‪ ،‬متناثرة‪،‬‬
‫بحيث تذهب كل خطبة في مهيع �أو طريق غام�ض مبهم‪.‬‬

‫و�إجمال القول �أنه البد له من وجود خريطة معرفية محكمة‪ ،‬ي�ست�شف منها الت�ضاري�س والمعالم‬
‫والم�شتمالت والمكونات التي البد من �أن يخو�ض مع النا�س فيها‪ ،‬وتظهر وت�سري في طرحه الدعوي‪ ،‬مع‬
‫غو�ص تام في ال�سيرة النبوية المطهرة‪ ،‬وت�أمل تام في هدي النبوي العظيم‪ ،‬وكثرة مطالعة في الأحوال‬
‫روحي‪ ،‬وطاقة معنوية متدفقة‪ ،‬تملأ قلوب النا�س يقينا عند‬
‫زاد ٍّ‬‫النبوية ال�شريفة الهادية‪ ،‬كل ذلك مع ٍ‬
‫�سماعه‪.‬‬

‫و�سوف نتابع ب�إذن اهلل تعالى التنقيب والغو�ص على تلك المكونات‪ ،‬التي ترت�سم بها الخريطة‬
‫المعرفية الدعوية عند الداعية‪ ،‬ونطيل النظر في �سير الدعاة الأكابر‪ ،‬من �أعيان الأمة و�أعالمها‪ ،‬في‬
‫الم�شرق والمغرب‪ ،‬حتى ن�ستخل�ص من �سيرهم و�أخبارهم خرائط المعارف عندهم‪ ،‬ثم نكتب ذلك‬
‫تباعا هنا في هذه ال�سل�سلة ب�إذن اهلل‪.‬‬

‫و�أول ما �أف�ضي به �إليك �أيها الداعية‪� ،‬أنه البد من �أن يت�ضمن خطابك الدعوي محاور �أربعة‪،‬‬
‫يدور كالمك وطرحك في فلكها‪ ،‬وي�ستمد منها‪ ،‬ويغزل من خيوطها ن�سيجا فكريا ودعويا رائقا‪ُ ،‬م ْع ِج ًبا‬
‫َح َ�س ًنا‪ ،‬وهذه المحاور هي‪� :‬إحياء مقا�صد العبادات‪ ،‬وثانيها‪� :‬إحياء مقا�صد العقائد‪ ،‬وثالثها‪� :‬إحياء‬
‫التاريخ الإ�سالمي بكل ما فيه من علوم و�آداب وفنون وح�ضارة‪ ،‬وتجربة ب�شرية راقية‪ ،‬يظهر فيها �أثر‬
‫�سريان الوحيين ال�شريفين في حياة الب�شر‪ ،‬و�أن ال�شرع عندما عا�ش به النا�س قادهم �إلى �سعادة الدنيا‬
‫ات ال َع ْ�صر‪ ،‬و�إليك البيان والتف�صيل‪:‬‬
‫والآخرة‪ ،‬ورابعها‪� :‬إدراك ِ�س َم ِ‬

‫‪15‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫�أوال‪� :‬إحياء مقا�صد العبادات‬
‫فالبد من �أن ي�شتمل كالمك في �سائر خطبك ومحا�ضراتك وندواتك ودرو�سك على تب�صير النا�س‬
‫بمقا�صد العبادات‪ ،‬و�أنها ُ�شرعت في الحقيقة لمق�صدين جليلين‪� ،‬أولهما التعبد‪ ،‬وثانيها‪ :‬التخلق‪.‬‬

‫و�أن التعبد معناه‪ :‬التزام المكلف الإتيان بهذه العبادات في مواقيتها‪ ،‬وبكيفياتها وهيئاتها‬
‫الم�شروعة‪ ،‬والمواظبة على ذلك‪ ،‬تعبدا وتقربا �إلى اهلل رب العالمين‪ ،‬وقياما ب�أمره الجليل‪َ ،‬ج َّل �شانه‪،‬‬
‫وال ين�صرف عنها لعدم خ�شوعه فيها‪ ،‬بل يواظب عليها‪ ،‬ثم يعالج النف�س حتى تتح�صل على الخ�شوع‬
‫والتدبر‪.‬‬

‫وينبغي �أن يقوم المكلف بذلك المق�صد‪ ،‬بالتوازي مع المق�صد الثاني‪ ،‬والذي هو التخلق‪ ،‬والتخلق‬
‫معناه القيام بالم�ضمون التربوي الأخالقي الكامن في العبادة‪ ،‬فالبد من �إيقاع العبادة على نحو‬
‫معين من المعاي�شة والفهم‪ ،‬وا�ستلهام المرامي والمقا�صد‪ ،‬مما ي�ؤدي �إلى تحقيق‬ ‫وبنمط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫مخ�صو�ص‪،‬‬
‫ذلك الم�ضمون التربوي‪ ،‬و�إلى �سريان المعاني القد�سية‪ ،‬والآداب العليا �إلى �سلوك الإن�سان‪ ،‬ل�شدة فهمه‬
‫عن اهلل‪ ،‬ول�شدة �إدراكه مقا�صد العبادة‪ ،‬و�أنها لها حرم يحيط بها‪ ،‬من الآداب الرفيعة‪ ،‬فال ي�صح �أن‬
‫تقع في الأداء الب�شري جرداء‪ ،‬معزولة من ال�سياق العام من الت�صرف الإن�ساني‪ ،‬بل البد من تطويع‬
‫ال�سلوك العام لقيمها و�آدابها و�أ�سرارها‪.‬‬

‫النا�س مقا�صد العبادة في التعبد فقط‪ ،‬ويغيب عنهم الم�ضمون التربوي‬‫والذي يقع الآن �أن َيخْ ت َِز َل ُ‬
‫الأخالقي تماما‪ ،‬فتراهم ي�صلون وي�صومون‪ ،‬ويقومون ب�سائر الفرائ�ض‪ ،‬ثم ترى مع ذلك نمط ال�سلوك‬
‫االجتماعي عندهم في غاية العدوانية والتحامل والظلم‪ ،‬والبعد عن قيم ال�شرع ال�شريف‪ ،‬مع �أن اهلل‬
‫تعالى قال‪( :‬اتل ما �أوحي �إليك من كتاب ربك و�أقم ال�صالة �إن ال�صالة تنهى عن الفح�شاء والمنكر‬
‫بم�ضمون تربوي �أخالقي‪ ،‬يف�ضي‬‫ٍ‬ ‫ولذكر اهلل �أكبر) (العنكبوت‪� ،‬آية ‪ ،)45‬فربط �سبحانه ال�صالة‬
‫بالإن�سان �إلى معاي�شة العبادات على نح ٍو راقٍ من الفهم عن اهلل‪ ،‬والقيام بواجب الإجالل والخ�شية‬
‫والتوقير‪ ،‬تنح�سر به عن النف�س المطامع والأه��واء‪ ،‬وتذوب به رعونات النف�س و�شهواتها‪ ،‬و ُي ِفيقُ به‬
‫الإن�سان من الغفلة‪ ،‬حتى تكون ال�صالة بابا من المعارج الروحية‪ ،‬التي يرى فيها العبد جالل مقام‬
‫الربوبية‪ ،‬ف�إذا بال�صالة قد حجزت الإن�سان عن المعا�صي والظلم والمكر وال�شحناء والبغ�ضاء وما‬
‫�أ�شبه‪.‬‬

‫وقل مثل ذلك في ال�صيام‪ ،‬وكيف �أن ال�شرع ال�شريف ربطه بال�سلوك االجتماعي‪ ،‬فقال �صلى اهلل‬
‫�صوم �أحدكم فال يرفث وال ي�صخب‪ ،‬ف�إن �سا َّبه �أح ٌد �أو قاتله فليقل‪� :‬إني‬
‫يوم ِ‬‫عليه و�سلم‪( :‬و�إذا كان ُ‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪16‬‬


‫امر�ؤ �صائم)‪ ،‬رواه البخاري وم�سلم من حديث �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬ف�أبان هنا عن مق�صدين‬
‫جليلين لل�صوم‪� ،‬أولهما‪ :‬التعبد المح�ض‪ ،‬والثاني‪� :‬أن ي�أتي به المكلف على نحو يحقق م�ضمونه التربوي‬
‫المري�ض الأ�ش ّل‪ ،‬العاجز عن‬
‫ِ‬ ‫الأخالقي‪ ،‬وير�شد به ال�سلوك‪ ،‬حتى يكون للتعبد �أثر‪ ،‬وال يكون كالرجل‬
‫القيام ب�أثر ونتيجة‪.‬‬

‫وقل مثل ذلك في الحج‪ ،‬والزكاة و�سائر العبادات‪ ،‬حتى ترجع العبادة في ذهن الم�سلم و�سلوكه‬
‫منبعا للخلق‪ ،‬الذي هو �شعار هذه الملة ال�سمحة‪.‬‬

‫فانتبه �أيها الداعية �إلى �سريان هذا المعنى الجليل في خطابك الدعوي‪ ،‬وا�ستخرج من مقا�صد‬
‫ال�صالة ومن مقا�صد ال�صيام ومن مقا�صد الحج و�سائر العبادات مادة لخطبك ودرو�سك‪ ،‬ويمكنك‬
‫�أن ت�ستعين في هذا الباب بكتاب‪�( :‬إحياء علوم الدين) لحجة الإ�سالم �أبي حامد الغزالي ت‪505‬هـ‪،‬‬
‫م�صحوبا بتخريج �أحاديثه للحافظ الناقد الجليل زين الدين �أبي الف�ضل عبد الرحيم بن الح�سين‬
‫العراقي ت‪806‬هـ‪ ،‬وقد طبع تخريج الحافظ العراقي مع الإحياء غير مرة‪ ،‬ومن �أجود تلك الطبعات‬
‫على الإطالق طبعة ال�شعب‪.‬‬

‫ولعل �أجل ن�سخ الإحياء على الإطالق‪ ،‬تلك الن�سخة التي طبعت م�ؤخرا في دار المنهاج‪ ،‬في ع�شرة‬
‫مجلدات كبار‪ ،‬ف�إنها ن�سخة فائقة الجودة‪ ،‬في غاية ال�ضبط والإتقان‪ ،‬وقد روجعت على ع�شرين ن�سخة‬
‫خطية‪ ،‬فجاء الكتاب في تلك الطبعة ق�شيبا محبرا‪.‬‬

‫ويمكنك �أي�ضا اال�ستعانة في هذا الباب بكتاب‪( :‬مقا�صد ال�صالة)‪ ،‬ل�شيخ الإ�سالم العز بن‬
‫عبدال�سالم ت‪660‬ه �ـ‪ ،‬رحمه اهلل تعالى‪ ،‬وقد بلغ من جاللة �ش�أن هذا الكتاب �أن الملك ال�سلطان‬
‫الأ�شرف كان يطلب �أن يقر�أ عليه الت�صانيف ال�صغار للإمام العز بن عبد ال�سالم‪ ،‬قال الإمام المجتهد‬
‫التاج ال�سبكي في‪( :‬طبقات ال�شافعية الكبرى)‪( :‬مثل‪« :‬الملحة في اعتقاد �أهل الحق»‪ ،‬التي ذكر‬
‫بع�ضها في الفتيا‪ ،‬وقرئت عليه «مقا�صد ال�صالة» في يوم ثالث مرات‪ ،‬تقر�أ عليه‪ ،‬وكلما دخل عليه‬
‫�أحد من خوا�صه يقول للقارئ‪« :‬اقر�أ مقا�صد ال�صالة البن عبد ال�سالم حتي ي�سمعها فالن ينفعه اهلل‬
‫ب�سماعها»‪ ،‬حتى قال والدي ‪-‬يق�صد والده �شيخ الإ�سالم التقي ال�سبكي‪ -‬رحمه اهلل‪« :‬لو قرئت مقا�صد‬
‫ال�صالة على بع�ض م�شايخ الزوايا‪� ،‬أو على متزهد‪� ،‬أو مريد‪� ،‬أو مت�صوف‪ ،‬مرة واحدة‪ ،‬في مجل�س‪ ،‬لما‬
‫�أعادها فيه مرة �أخرى»)(((‪ ،‬ي�شير �إلى �شدة ح�ضور �أثرها‪ ،‬في الك�شف والتبيين لمقا�صد ال�صالة‪.‬‬

‫((( طبقات ال�شافعية الكبرى‪ ،/239/8/‬ط‪ :‬دار هجر للطباعة‪� ،‬سنة ‪1413‬هـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور محمود الطناحي‪ ،‬وال�شيخ عبد الفتاح‬
‫الحلو‪ ،‬رحمهم اهلل‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫ثانيا‪� :‬إحياء مقا�صد العقائد‬
‫العقيدة هي الأ�صل الكبير‪ ،‬الكامن في باطن العبد وعقله‪ ،‬والذي يتحدد على �أ�سا�سه نظرته للكون‬
‫والحياة‪ ،‬فالم�سلم ي�ؤمن بالغيب‪ ،‬في�ؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ور�سله‪ ،‬واليوم الآخر‪ ،‬وي�ؤمن بالقدر‪،‬‬
‫وي�ؤمن بق�ضية الوحي‪ ،‬وي�ؤمن بق�ضية النبوة‪ ،‬وي�ؤمن بق�ضية الخلق والإيجاد‪ ،‬وي�ؤمن بالبعث بعد الموت‪،‬‬
‫وي�ؤمن ب�أن هذا الكون ب�أ�سره مخلوق‪ ،‬و�أنه له غاية‪ ،‬و�أن هناك موقفا عظيما‪ ،‬يقف فيه الخلق بين يدي‬
‫بارئهم للح�ساب‪ ،‬ومجموع هذه العقائد هو الذي يدفع الإن�سان ويحركه في ت�صرفاته‪.‬‬

‫ف�إيمانه باهلل تعالى‪ ،‬و�أ�سمائه الح�سنى‪ ،‬و�صفاته العلى‪ ،‬ينبغي �أن يملأ القلب والعقل والوجدان‬
‫رهبة وتعلقا وتمجيدا وتقدي�سا لرب العالمين َج َّل �شانه‪ ،‬ليكون ذلك محو ًرا و� ً‬
‫أ�سا�سا ل�صدور الت�صرفات‬
‫من الإن�سان‪ ،‬فكيف ي�ؤمن ب�أن اهلل تعالى علي ٌم‪ ،‬ال يخفى عليه �شيء في الأر�ض وال في ال�سماء‪ ،‬ثم هو‬
‫يت�ستر بعد ذلك بالمعا�صي ويخلو بالإثم‪ ،‬وال يبالي �أن يمتلئ خاطره مكرا و�شحناء وتحايال‪ ،‬و�إيقاعا‬
‫للأذى بالخلق‪ ،‬وكيف ي�ؤمن ب�أن اهلل حكيم ثم يت�سخط على �أقداره‪.‬‬

‫توارت في العقل‪ ،‬وتحولت �إلى كلمات خاوية‪ ،‬لي�س‬ ‫والحقيقة �أن المعاني العليا لجالل الربوبية قد ْ‬
‫لها امتداد وال فروع وال ثمار‪ ،‬فهو ي�ستح�ضر معنى الغيب‪ ،‬ف�إذا به ي�ؤمن بمدلول الكلمة �إيمانا عقليا‬
‫مجردا‪ ،‬يكفل له النجاة في الآخرة‪ ،‬لكنه لي�س حا�ضرا وال ناب�ضا وال ُم ِ�ش ًّعا وال م�ؤ ِّثرا‪ ،‬ف َم َث ُل هذا الإيمان‬
‫كمثل الرجل المقيد‪ ،‬الذي ال يتحرك وال ي�سعى في الأر�ض بالعمران‪.‬‬‫ِ‬

‫فانتبه �أيها الداعية �إلى وجوب �أن يت�ضمن خطابك الدعوي تحريكا وبعثا و�إنعا�شا لهذه العقائد‬
‫ال�شريفة الكامنة في القلوب‪ ،‬و�أنها تقت�ضي من العبد االرتباط بالحقائق الكونية الكبرى‪ ،‬و�شدة اليقين‬
‫فيها‪ ،‬و�شدة ح�ضور �أثرها في كالم المكلف وفكره وت�صرفاته وحركة حياته‪.‬‬

‫وخذ عندك مثاال على ذلك‪ :‬ق�ضية المالئكة‪ ،‬وهي ركن من �أركان الإيمان ال�ستة‪ ،‬والكل ي�ؤمن‬
‫بها بف�ضل اهلل تعالى �إيمانا منجيا في الآخرة‪ ،‬لكنها ق�ضية غائبة تماما عن �شعور المكلف ووجدانه‬
‫وت�صرفه و�سلوكه‪ ،‬بل لي�س لها �أدنى ح�ضور في كالمه وتعامله‪ ،‬ف�أين هو من ا�ستح�ضار كونهم كراما‬
‫كاتبين‪ ،‬يعلمون ما نفعل‪ ،‬و�أنهم ر�ضي اهلل عنهم يحلمون العر�ش في �أرفع مراتب الغيب‪ ،‬وبينما هم في‬
‫ات ال ُق ْد�سية الممجدة‪ ،‬البالغة العظمة والجالل‪� ،‬إذا هم ي�سبحون بحمد ربهم‪ ،‬وي�ؤمنون‬ ‫ال�س ُب َح ِ‬
‫تلك ُ‬
‫به‪ ،‬وي�ستغفرون للذين �آمنوا‪ ،‬ويتوجهون �إلى اهلل تعالى في �ش�أن التائبين‪ ،‬و�أنهم يتعاقبون فينا بالليل‬
‫والنهار‪ ،‬و�أنهم حفظة كرام‪ ،‬و�أنهم يرافقون العبد في كل حال‪ ،‬و�أنهم يت�أذون مما يت�أذى منه بنو �آدم‪،‬‬
‫وقد �ألف الحافظ ال�سيوطي رحمه اهلل تعالى كتابا حافال جليال‪ ،‬ح�شد فيه الأحاديث والآثار الواردة‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪18‬‬


‫في �ش�أنهم الجليل‪ ،‬ا�سمه‪( :‬الحبائك‪ ،‬في �أخبار المالئك)‪ ،‬وهو مطبوع‪ ،‬و�ألف العالمة المحدث ال�سيد‬
‫محمد بن جعفر الكتاني كتابا مهما جدا ا�سمه‪( :‬بلوغ الق�صد والمرام‪ ،‬ببيان بع�ض ما تنفر منه‬
‫المالئكة الكرام)(((‪ ،‬وقد �أح�صى فيه ب�ضعة وخم�سين �سببا مما ينفر المالئكة‪ ،‬ف�أين �أثر هذه العقيدة‬
‫في تر�شيد �سلوك الملكف‪ ،‬ورفعه �إلى نمط من الرقي والطهر واليقظة‪ ،‬ومراقبة المولى‪ ،‬لأنه يعي�ش‬
‫على الدوام بح�ضور �أرواح طاهرة قد�سية‪ ،‬وهم مالئكة الرحمن �سبحانه ‪.‬‬

‫فنحن نريد للمخاطبين �أن تنجلي الحقائق الإيمانية �ساطع ًة را�سخة م�س ِف َر ًة في قلوب العباد‪،‬‬
‫ك َف َل ِق ال�صبح‪ ،‬وكالم�صباح المنير ال�ساطع ال ُم َّت ِق ِد في ال�صدور النقية‪ ،‬حتى يتحرك �أحدهم على ظهر‬
‫متالطم من العالقات واالرتباطات‪،‬‬‫ٍ‬ ‫بحر‬
‫الأر�ض‪ ،‬في�سعى في �ش�أن معا�شه‪ ،‬ويخالط النا�س‪ ،‬ويغرق في ٍ‬
‫و�شئون العباد‪ ،‬وتقلبات الأحداث‪ ،‬و�أخبار االقت�صاد وال�سيا�سة‪ ،‬فال يطغى ذلك كله على ذلك النور في‬
‫قلبه‪ ،‬وال تتراكم تلك ال�شئون عليه‪ ،‬فتبهت لها حقائق ارتباطه بالغيب ال�شريف‪ ،‬بل يبقى رجا�ؤه ومحبته‬
‫وتعلقه وخ�ضوعه وا�ستمداده من رب العالمين جل �شانه �ساطعا في القلب‪ ،‬الم ًعا منيرا مزهرا كال�سراج‪،‬‬
‫بحر من الرجاء‬
‫ويظل ذلك العبد قائما بواجب وقته‪ ،‬مخالطا للنا�س‪ ،‬وقلبه في كل ذلك غارق في ٍ‬
‫الئحا‬
‫والفاقة واالنطراح بين يدي المولى‪ ،‬يناجيه ويتوجه �إليه‪ ،‬وي�شهد فعل اهلل وتدبيره ل�شئون العباد‪ً ،‬‬
‫جليا من وراء عالم الأ�سباب والقوانين والأ�شخا�ص والزحام والق�ضايا والأزمات والأحداث‪.‬‬

‫ومن �ش�أن تلك الحقائق العليا �أن تبهت في القلب‪ ،‬و�أن ت�ضعف وتتوارى‪ ،‬حتى ينعدم �أثرها‪ ،‬لأنها‬
‫معان قد�سية �شريفة غالية‪ ،‬تتفلت من ال�صدر‪� ،‬إال �إذا حر�ص العبد عليها‪ ،‬وتعلق بها‪ ،‬وتفقدها في‬
‫نف�سه ما بين حين و�آخرها‪ ،‬و�أمدها بالوقود كل حين‪ ،‬والوقود هو دوام اال�ستح�ضار لها‪ ،‬ودوام التعر�ض‬
‫لمجال�س البر والخير‪ ،‬التي تذكر العبد باهلل‪ ،‬وتزيح عن قلبه الركام المنهمر عليه كل يوم من �شئون‬
‫العباد و�أخبار النا�س‪ ،‬والجرائم‪ ،‬والعنف‪ ،‬وال��زواج والطالق‪ ،‬وال�صحة والمر�ض‪ ،‬و�أح��وال الأقارب‬
‫والأرحام‪ ،‬وم�شكالت العمل‪ ،‬و�أخبار الجيران‪ ،‬وق�ضايا المجتمع‪ ،‬مع �سيل موازٍ من الأهواء والمطامع‬
‫والأغرا�ض وال�شهوات وال�شبهات والمفاهيم العقلية الملتب�سة ال�شائكة‪.‬‬

‫يومي‬
‫فال�سبيل �إلى �إبقاء تلك العقائد والمعاني حية ناه�ضة ناب�ضة م�ؤثرة هو �أن يكون للعبد ِو ْر ٌد ٌ‬
‫دائم من التذكير باهلل تعالى وجالله‪ ،‬وعظمته وقيوميته وحكمته وتدبيره‪ ،‬و�أن يكون هناك تذكير دائم‬
‫ب�أن اهلل تعالى خالق مدبر على الدوام‪ ،‬و�أنه ال تخلو لحظ ٌة �أو بره ٌة من خلق ِه و�إيجا ِده و�إمدا ِده‪ ،‬وتنزل‬
‫ال�شئون الإلهية لتدبيره �أمور الخالئق‪ ،‬و�أن �شئون الخالئق �أجمعين بيده‪ ،‬و�أنه يخف�ض ويرفع‪ ،‬ويعطي‬
‫ويمنع‪ ،‬ويعز ويذل‪ ،‬و�أ َّنه له العزة والجبروت والكبرياء والعظمة‪ ،‬و�أن النا�س والأبنية والأحداث‪ ،‬والمدن‬

‫((( طبع الكتاب في المطبعة الح�سينية‪ ،‬القاهرة‪� ،‬سنة ‪1325‬هـ‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫والقرى‪ ،‬والبلدان والعوا�صم‪ ،‬والأ�شخا�ص‪ ،‬والجبال والبحار‪ ،‬والكواكب والنجوم‪ ،‬وال�سموات والأر�ض‪،‬‬
‫طوع يمينه‪ ،‬وتحت قهره وعظمته وتدبيره‪ ،‬و�أنه �سبحانه الرحمن الرحيم‪ ،‬البر التواب‪ ،‬الغفور الحليم‪،‬‬
‫الحكيم الر�ؤوف‪ ،‬و�أن رحمته و�سعت خلقه‪ ،‬و�سبقت غ�ضبه‪� ،‬سبحانه‪.‬‬
‫�إنْ ُك� � ْن�� َ�ت ُم� � � ْر َت�� ��ادًا ُب � � ُل� ��و َغ َك� �م � ِ‬
‫�ال‬ ‫وذ ِر ال � � ُوج� ��و َد وم���ا ح��وى‬ ‫اهلل ُق � � ْ�ل‪َ ،‬‬
‫�ال‬
‫َع� � � َ�د ٌم ع �ل��ى ال �ت �ف �� �ص �ي��ل والإِ ْج� � �م � � ِ‬ ‫ف� ��ال � � ُك � � ُّل دون اهلل �إنْ َح� � َّق� � ْق� � َت ��ه‬
‫�ال‬
‫ل � ��واله ف ��ي َم�� ْ�ح� � ٍو وف� ��ي ا� ْ��ض��مِ � ْ�ح�ل ِ‬ ‫واع� � �ل � � ْ�م ب� � ��أ َّن � ��ك وال � �ع� ��وال� ��م ك �ل �ه��ا‬
‫�ال‬‫ف� � ��وج� � ��وده ل� � � ��واله َع � � � ْي� � ��نُ ُم � � َ�ح � � ِ‬ ‫َم� � ��نْ ال ُوج� � � ��و َد ل� ��ذات� ��ه ِم� � ��نْ ذات� ��ه‬
‫�ال‬ ‫� �ش �ي � ًئ��ا �� �س ��وى ِف � � ْع� � ٍ�ل م���ن الأَ ْف� � �ع � � ِ‬ ‫ف��ال�م��ح ب�ع�ق�ل� َ�ك �أو ب�ط��رف��ك ه��ل ت��رى‬
‫ن � � �ظ� � ��را ت � � � ��ؤي� � � ��ده ب� ��اال��� �س�� �ت� ��دالل‬ ‫وان� �ظ ��ر �إل� ��ى ُع� � ْل� � ِو ال ��وج ��ود و��س�ف�ل��ه‬
‫ب� �ل� ��� �س ��ان ح� � ��ال �أو ل� ��� �س ��ان م��ق��ال‬ ‫ت �ج��د ال �ج �م �ي��ع ي �� �ش �ي��ر ن �ح��و ج�لال��ه‬
‫�� �س� �ف���ل‪ ،‬وم� �ب���دع� �ه���ا ب� �غ� �ي ��ر م� �ث ��ال‬ ‫ه��و م�م���س��ك الأ���ش��ي��اء م��ن ع �ل��و �إل��ى‬

‫ويمكن اال�ستعانة هنا بكتاب‪( :‬مو�سوعة �أ�سماء اهلل الح�سنى)‪ ،‬لف�ضيلة ال�شيخ محمد راتب‬
‫النابل�سي‪ ،‬حفظه اهلل تعالى‪ ،‬حيث يتعر�ض ل�شرح الأ�سماء الح�سنى على نحو يقرب معانيها‪ ،‬ويعين‬
‫على ا�ستح�ضار جالل اهلل تعالى‪ ،‬ويب�سط ما يقت�ضيه كل ا�سم من �أ�سمائه الم�شرفة‪ ،‬من تعلق وتخلق‪،‬‬
‫والكتاب مطبوع‪.‬‬

‫وقد جمع الباحث الدكتور �إبراهيم علي �أحمد محمد خليل �أطروحة جامعية �شديدة الأهمية‪،‬‬
‫ا�سمها‪( :‬ظاهرة االنف�صام بين العقيدة وال�سلوك‪ ،‬درا�سة ميدانية على عينة من طلبة الجامعات‬
‫الم�صرية)‪ ،‬وهي مطبوعة(((‪.‬‬

‫ثالثا‪� :‬إحياء التاريخ الإ�سالمي بكل ما فيه من علوم و�آداب وح�ضارة‬


‫ح َّول الم�سلمون ن�صو�ص الوحيين ال�شريفين �إلى مناهج تطبيق‪ ،‬وبرامج عمل‪ ،‬ف�أنتجوا ح�ضارة‬
‫مبنية على علوم الإ�سالم وهويته‪ ،‬وا�ستلهموا قيم الوحي ال�شريف في علوم العمارة والفلك‪ ،‬وفي‬
‫العمران والتمدن‪ ،‬وفي تحقيق رخاء الإن�سان ورفاهيته‪ ،‬وفي �إقامة الم�ؤ�س�سات الوقفية التي تنه�ض بكل‬
‫احتياجات الإن�سان التعليمية وال�صحية واالجتماعية‪.‬‬

‫((( طبع الكتاب في دار ال�سالم‪ ،‬القاهرة‪� ،‬سنة ‪1431‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪20‬‬


‫ف�أن�ش�أ الم�سلمون المرا�صد الفلكية‪ ،‬و�شيدوا المدار�س العظيمة‪ ،‬و�أقاموا الم�ست�شفيات‪ ،‬وقاموا‬
‫ببناء الخانات والفنادق والتكايا والزوايا والأربطة‪ ،‬و�أن�ش�أوا الوقفيات لإ�صالح القناطر والطرقات‬
‫والج�سور‪ ،‬وعمروا ميادين المدن بالم�ساقي‪.‬‬

‫لقد قامت ح�ضارة الم�سلمين على العمل والإنتاج والتعب والجهد‪ ،‬حتى رجعت عليهم عوائد‬
‫العمل زراع ًة و�صناع ًة‪ ،‬وبنا ًء وعمرانا م�ستبحرا‪ ،‬وتوفرت عندهم احتياجات الإن�سان‪ ،‬وحققوا الكفاية‬
‫والكفاءة‪ ،‬ومن لم يكفه عمله �أنفقوا عليه من الزكاة‪ ،‬ف�إن لم تكفه الزكاة �أنفقوا عليه من ال�صدقة‪ ،‬ف�إن‬
‫لم تكفه �أنفقوا عليه من الوقف‪ ،‬وما �أدراك ما دور الوقف في تاريخ الم�سلمين‪.‬‬

‫لقد �أن�ش�أوا من الوقف م�ؤ�س�سات خيرية ل�شراء �أكفان الموتى وتجهيزهم ودفنهم‪ ،‬وم�ؤ�س�سات‬
‫لليتامى واللقطاء‪ ،‬ورعايتهم وكفالتهم‪ ،‬وم�ؤ�س�سات للمقعدين والعميان والعجزة‪ ،‬وم�ؤ�س�سات خيرية‬
‫وقفية لتح�سين �أحوال الم�ساجين ورفع م�ستواهم‪ ،‬وم�ؤ�س�سات وقفية لتزويج من ال ي�ستطيع الزواج‪،‬‬
‫وتحجيج من ال ي�ستطيع الحج‪ ،‬وم�ؤ�س�سات لإمداد الأمهات بالحليب وال�سكر‪ ،‬كل ذلك مجانا‪ ،‬بل لمح�ض‬
‫العطاء والرخاء للإن�سان‪ ،‬حتى حقق الم�سلمون بالعمل والزكاة وال�صدقة والوقف الرخاء للإن�سان في‬
‫كافة احتياجاته‪ ،‬فانتقلوا �إلى رعاية الأكوان وخدمتها‪ ،‬ف�أن�ش�أوا من الوقف م�ؤ�س�سات خيرية مجانية‬
‫لعالج الحيوانات المري�ضة‪ ،‬و�إطعامها‪ ،‬ورعايتها عند عجزها‪ ،‬حتى كان وقف المرج الأخ�ضر في‬
‫دم�شق لرعاية الخيول والحيوانات الم�سنة �إلى �أن تموت‪.‬‬

‫فهذا هو التطبيق المبا�شر للقر�آن الكريم‪ ،‬والهدي النبوي العظيم‪ ،‬وهذا هو االمتداد الطبيعي‬
‫للوحيين ال�شريفين‪ ،‬حتى يتحقق للإن�سان كفايته من كل وجوه الحياة وخدماتها‪ ،‬فيتفرغ للكماالت‬
‫النف�سية والأخالقية والروحية‪ ،‬ويبدع ويفكر ويت�أمل‪ ،‬وي�ؤلف ويخترع‪ ،‬ويقبل على اهلل تعالى بنف�س‬
‫�ساكنة را�ضية‪ ،‬تحب اهلل وتحب الخلق‪.‬‬

‫كانت مدينة قرطبة في عهد عبد الرحمن الثالث الأم��وي عا�صمة الأندل�س الم�سلمة‪ ،‬تنار‬
‫بالم�صابيح ليال‪ ،‬وي�ست�ضيء الما�شي ب�سرجها ع�شرة �أميال (�ستة ع�شر كيلومترا) ال ينقطع عنه‬
‫ال�ضوء‪� ،‬أزقتها و�شوارعها مبلطة‪ ،‬قمامتها مرفوعة من ال�شوارع‪ ،‬محاطة بالحدائق الغناء‪ ،‬حتى كان‬
‫القادم �إليها يتنزه �ساعات في ريا�ضها وب�ساتينها قبل �أن ي�صل �إليها‪ ،‬وكانت حماماتها ت�سعمائة حمام‪،‬‬
‫وبيوتها مائتين وثالثة وثمانين �ألف بيت‪ ،‬وق�صورها ثمانون �ألف ق�صر‪ ،‬وم�ساجدها �ستمائة م�سجد‪،‬‬
‫وكان كل من فيها متعلما‪ ،‬وكان في جانبها ال�شرقي مائة و�سبعون امر�أة كلهن يكتبن الم�صاحف بالخط‬
‫الكوفي‪ ،‬وكان فيها ثمانون مدر�سة يتعلم فيها الفقراء مجانا‪ ،‬هذا في ناحية واحدة من نواحيها‪ ،‬وهكذا‬
‫كانت �سائر المدن والحوا�ضر في ديار �أهل الإ�سالم‪ ،‬كبغداد‪ ،‬ودم�شق‪ ،‬وقرطبة‪ ،‬وغرناطة‪ ،‬و�إ�شبيلية‪،‬‬

‫‪21‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫والقاهرة‪ ،‬وغيرها من الحوا�ضر‪.‬‬

‫كل هذا في الوقت الذي ي�صف فيه الأفي�س ورامبو في التاريخ العام انجلترا في القرن ال�سابع‬
‫الميالدي �إلى ما بعد العا�شر ب�أنها فقيرة في �أر�ضها‪ ،‬منقطعة ال�صالت بغير بالدها‪� ،‬سمجة وح�شية‪،‬‬
‫تبنى البيوت بغير حجارة منحوتة‪ ،‬وت�شيدها من تراب مدقوق‪ ،‬وتجعلها في وطاء من الأر�ض‪ ،‬م�ساكن‬
‫�ضيقة المنافذ‪ ،‬غير محكمة الإغ�لاق‪ ،‬وا�صطبالت وحظائر ال نوافذ لها‪ ،‬وكانت البيوت في باري�س‬
‫ولندن تبنى من الخ�شب والطين المعجون بالق�ش والق�صب (كبيوت القرى عندنا منذ ن�صف قرن)‪،‬‬
‫ولم يكن فيها منافذ وال غرف مدففة‪ ،‬وكانت الب�سط مجهولة عندهم‪ ،‬ال ب�ساط لهم غير الق�ش ين�شرونه‬
‫على الأر�ض‪.‬‬

‫ف�أكثر �أيها الداعية من المطالعة والقراءة في هذا التاريخ‪ ،‬العامر بالعلوم‪ ،‬والآداب‪ ،‬والعمران‪،‬‬
‫والفنون‪ ،‬والح�ضارة‪ ،‬والعطاء‪ ،‬والرخاء‪ ،‬وافتح للنا�س نافذة يطلون منها على �أثر القر�آن وال�شريعة في‬
‫بناء الإن�سان والرحمة به و�إ�سعاده في الدنيا والآخرة‪ ،‬و�ضمن �أيها الداعية خطابك الدعوي �أطرافا‬
‫من ذلك كله‪ ،‬حتى ال يت�صور النا�س �أن ال�شريعة تعني العقوبة والقهر‪ ،‬بل يفهمون عن اهلل مراده‬
‫بعباده‪ ،‬ويمكن اال�ستعانة هنا بكتاب في غاية الأهمية‪ ،‬للدكتور م�صطفى ال�سباعي رحمه اهلل تعالى‪،‬‬
‫ا�سمه‪( :‬من روائع ح�ضارتنا)((( وكتاب‪( :‬روائع الأوقاف في الح�ضارة الإ�سالمية)(((‪ ،‬للدكتور راغب‬
‫ال�سرجاني‪ ،‬وما �أ�شبه تلك الكتب‪.‬‬

‫رابعا‪َ :‬م ْع ِر َف ُة ِ�س َم ِات ال َع ْ�صر‬


‫ومعنى ذلك �أن يعتني الم�سلم المعا�صر بتلخي�ص الواقع من حوله في عوالم محددة‪ ،‬هي عالم‬
‫الأ�شياء‪ ،‬وعالم الأ�شخا�ص‪ ،‬وعالم الأفكار‪ ،‬وعالم الأح��داث‪ ،‬ولكل عالم منها منهج علمي معتمد‬
‫في ا�ستك�شافه ومعرفته‪ ،‬والخلط بين تلك المناهج البحثية ي�ؤدي �إلى ك��وارث‪ ،‬ثم البد من الإلمام‬
‫بالأطروحات والمقوالت الفل�سفية التي ت�شكل ثقافة الع�صر‪ ،‬والتي ت�صنع عقلية العالم من حولنا‪ ،‬والتي‬
‫تكون النموذج المعرفي للأمم وال�شعوب المحيطة بنا‪ ،‬حتى نقتدر على فهم ت�صرفاتهم و�سيا�ساتهم‪.‬‬

‫و�سمات الع�صر تبد�أ بالنظر والفكر الفل�سفي‪ ،‬وتتحول بعد ذلك �إلى �سلوك عام‪ ،‬وواقع ملمو�س‪،‬‬
‫وثقافة �شائعة‪ ،‬وهي �سمات كثيرة‪ ،‬تقارب الثالثين �سمة‪ ،‬منها‪ :‬ال�شعبية �أو الم�ساواة المطلقة‪� ،‬أو تذويب‬
‫النخبة‪ ،‬ومنها‪ :‬الن�سبية‪ ،‬ومنها �سبق الن�شاط على الفكر‪ ،‬ومنها‪ :‬معيارية الإنجاز دون الأخالق‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫((( طبع الكتاب في‪ :‬دار الوراق للن�شر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪� ،‬سنة ‪1420‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫((( طبع الكتاب في دار نه�ضة م�صر‪ ،‬القاهرة‪� ،‬سنة ‪2010‬هـ‪.‬‬

‫الن�شرة الدعوية‬ ‫‪22‬‬


‫المناف�سة المختلة التي ال تحتكم �إلى القيم العليا‪ ،‬ومنها‪ :‬مقيا�سية القانون‪ ،‬ومنها‪ :‬التجاوز‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫هاج�س التطور‪ ،‬ومنها‪ :‬تحكم نظرية العقد‪ ،‬ومنها‪ :‬التفكيك‪ ،‬ومنها‪ :‬ال�ضو�ضاء‪ ،‬ومنها‪ :‬نظام ال�سوق‪،‬‬
‫�إلى غير ذلك من ال�سمات‪ ،‬التي تعين الم�سلم على فهم ثقافة الع�صر‪ ،‬وطريقة تفكير المعا�صرين‪،‬‬
‫والفائدة الكبرى لمعرفة �سمات الع�صر هي وقاية الإن�سان من �صدمة المعرفة‪ ،‬التي تجعل الإن�سان‬
‫عاجزا عن فهم الدنيا من حوله‪.‬‬

‫فالبد لك �أيها الداعية من نظر طويل‪ ،‬وقراءة وا�سعة في باب‪�( :‬سمات الع�صر)‪ ،‬حتى تقتدر‬
‫على اال�ستيعاب والإلمام بالأحداث المتالحقة في الدنيا من حولك‪ ،‬لأن الإن�سان �إذا عجز ذهنه عن‬
‫ا�ستيعاب الواقع من حوله‪ ،‬وتالحقت عليه الأحداث ال�صاخبة من احتالل وحروب و�أزمات‪ ،‬و�أحداث‬
‫دولية‪ ،‬وتحوالت في الفكر والثقافة ونمط المعي�شة‪ ،‬ف�إنه ي�شعر في داخله بالعجز‪ ،‬وين�سحب من الحياة‬
‫بالتدريج‪ ،‬وال ي�شارك فيها م�شاركة فاعلة م�ؤثرة‪� ،‬أو �أنه يندفع �إلى الخو�ض فيها‪ ،‬مع جهل تام بالن�سب‬
‫والمكونات والأفكار والر�ؤى والفل�سفات والعوامل التي تحرك الواقع من حولنا‪ ،‬ويمكن اال�ستعانة هنا‬
‫بكتاب �شديد الأهمية ل�شيخنا �سماحة العالمة ال�شيخ علي جمعة حفظه اهلل تعالى‪ ،‬ا�سمه‪�( :‬سمات‬
‫الع�صر‪ ،‬ر�ؤية مهتم)(((‪.‬‬

‫كانت هذه �صفحات وت�أمالت في تكوين الدعاة على مختلف م�ستوياتهم‪ ،‬الروحية والنف�سية‬
‫والمعرفية‪ ،‬و�أ�س�أل اهلل تعالى التوفيق‪ ،‬و�سوف نتابع ب�إذن اهلل تعالى التقاط هذه المالمح والمعاني‪،‬‬
‫ونفي�ض الحديث فيها‪ ،‬حر�صا على تقديم الزاد اللزم والمالئم للدعاة �إلى اهلل‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا‬
‫وموالنا محمد‪ ،‬وعلى �آله و�صحبه و�سلم‪.‬‬

‫((( طبع الكتاب في دار الفاروق‪ ،‬القاهرة‪� ،‬سنة ‪2006‬م‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫الن�شرة الدعوية‬


‫الفهر�س‬
‫ال�صفحة‬
‫‪7‬‬ ‫‪� -‬أيها الأزهري‬

‫‪9‬‬ ‫‪�-‬أَ ُّي َها ال َّد ِاع َي ُة !! هَ َذا َزادُك ‪ ،‬ت�أمالت فى كيفية �صناعة الدعاة‬

‫‪10‬‬ ‫‪ -‬مقدمة‬

‫‪16‬‬ ‫�أوال ‪� :‬إحياء مقا�صد العبادات‬

‫‪18‬‬ ‫ثانيا ‪� :‬إحياء مقا�صد العقائد‬

‫‪20‬‬ ‫ثالثا‪� :‬إحياء التاريخ الإ�سالمي بكل ما فيه من علوم و�آداب وح�ضارة‬

‫‪22‬‬ ‫رابعا‪َ :‬م ْع ِر َف ُة ِ�س َم ِات ال َع ْ�صر‬

‫‪24‬‬ ‫‪ -‬الفهر�س‬

You might also like