الكساح_العقلي_عند_القيسي_كتبه_د_أنيس_مجمل

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫من المعلوم أن الكساح هو مرض يؤدي إلى ليونة العظام وضعفها مع‬
‫ً‬
‫عادة بسبب النقص الشديد لبعض‬ ‫اضطراب في الهيكل العظمي‪ ,‬ويحدث‬
‫الفيتامينات المساعدة على صلابة العظام ونموها واستقامتها‪.‬‬

‫والكساح قد يصيب عقول بعض المفكرين من جراء قلة علمهم‪,‬‬


‫وضحالة تفكيرهم‪ ,‬وعدم سلامة نفسياتهم‪ ,‬فيؤدي ذلك إلى الإعاقة‬
‫النفسية والليونة في التفكير‪ ,‬والضعف في الطرح‪ ,‬وعدم الموضوعية في‬
‫النقد‪ ,‬مع اضطراب في الأحكام‪ ,‬وانحياز ثقافي تأكيدي أناني متمركس حول‬
‫ً‬
‫ملغيا كل ما يخالفه من أفكار أو أشخاص‪ ,‬ولديه نفور معرفي من‬ ‫الرات‪,‬‬
‫الموروث الإسلامي الأصيل مثله مثل ﴿ َّال ِري َي َت َخب َُّط ُه َّ‬
‫الش ْي َطانُ ِمنَ ْال َمس﴾‪.‬‬

‫وبعد‪ ...‬فقد طالعت كتاب (استعادة الإسلام) للقيسي‪ ...‬فوجدته كتابا‬


‫يؤصل صاحبه إلى إسلام جديد‪ ..‬ليس هو الإسلام الري جاء به سيد الخلق‬
‫ً‬
‫عصرا مثاليا‪ ,‬وينظر‬ ‫عليه الصلاة والسلام؛ فهو لا يعتبر عصر النبي ‪‬‬
‫لعصور التابعين ومن بعدهم بأنها عصور التحريف للإسلام‪ ..‬وهرا التأصيل‬
‫انطلق من شخص يعاني صراعا نفسيا داخليا‪ ,‬ولد عنده أزمة فكرية حادة‪..‬‬
‫نتج عن ذلك مولود ثقافي مشوه يؤسس للانتقال إلى إسلام جديد‪.‬‬

‫وفي هره العجالة سوف أتناول على سبيل الاستعراض بتعليق يسير‬
‫بعض ما دونه القيسي في هره الكتاب الري كان ينبغي أن يسميه (استبعاد‬
‫الإسلام) وليس استعادة كما زعم القيسي‪ ...‬مع الإشارة إلى أن القيسي لم‬
‫يأت بشيء جديد‪ ,‬فهو مقلد وإن عاب التقليد‪ ,‬وهو عالة يقتات على ما‬
‫تعلمه وقرأه من كلام المشككين في الإسلام قديما وحديثا‪ ,‬والرين كتب‬
‫حماة الدين المدونات الكبيرة في تفنيد شبهاتهم‪ ,‬وإزهاق باطلهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقبل الولوج في المقصود من التعليق على كتاب القيسي ننوه إلى أن‬
‫البعض قد يعترض ويقول‪ :‬إن التعليق على كتاب القيسي قد ُيساهم في‬
‫نشره‪ ,‬وفي ذلك فساد كبير‪ ,‬وأقول جوابا على ذلك‪ :‬إن القيسي ليس‬
‫بالشخص النكرة‪ ,‬فهو إعلامي معروف له مساحة إعلامية في قناة فضائية‬
‫يمنية‪ ,‬ومنر سنوات وهو يطعن في السنة وثوابت الدين من خلال سلسلة‬
‫من البرامج الإعلامية ومنشورات في مواقع التواصل‪ ,‬وكان لما يقول بعض‬
‫الأثر في انحراف بعض الشباب‪ ,‬وكتابه المركور يمثل باكورة أفكاره‬
‫المسمومة‪ ,‬والمشكلة ليست في القيسي وكتابه فحسب‪ ...‬فالكتاب كتب‬
‫بلغة بليدة ينفر منها ذوو الفطرة السليمة من عوام المسلمين فضلا عن‬
‫المتعلمين الواعين‪ ,‬ولكن المشكلة كرلك في النافخين في الكير‪ ,‬وأقصد‬
‫براك فئة المروجين لهرا الباطل في مواقع التواصل‪ ,‬وفي أوساط الشباب؛‬
‫بحجة الرأي والرأي الآخر‪ ,‬فهؤلاء هم من يسينون الباطل‪ ,‬ويسممون الأفكار‬
‫تحت سقف الانفتاح مع الآخر‪ ,‬وعدم احتكار الحقيقة‪.‬‬

‫وقديما تكلم الفقهاء في مدونات الفقه على ما يسمى في لغة عصرنا‬


‫(الحجر الفكري)‪ ,‬والمقصود قيام السلطان بمنع ذوي الانحراف الفكري من‬
‫إفساد عقيدة المجتمع المسلم‪ ,‬إما بالسجن أو المنع من التدريس ونشر‬
‫الأفكار‪ ,‬وبهرا ينتهي الباطل‪ ,‬ولا يتكلف العلماء أمر الرد إلا في أضيق‬
‫الحدود‪ ,‬وهرا في واقعنا المعاصر صعب التطبيق‪ ,‬فصاحب الباطل يقف‬
‫خلفه رعاه لهرا الباطل‪ ,‬فهناك دول تدعم‪ ,‬وهناك منظمات تحرض‪ ,‬وهناك‬
‫قنوات تبث‪ ,‬وهناك فضاء مفتوح لنشر الباطل‪ ..,‬وهناك فئة السمارين الرين‬
‫يقتاتون على فتات الأفكار لسبب أو لآخر‪.‬‬

‫ولهرا وجب الرد‪ ,‬ووجب الدفاع‪ ,‬وهو من باب النهي عن المنكر‪ ..‬وتقدير أن‬
‫الرد يساهم في نشر الكتاب هو أمر نسبي‪ ...‬واهلل المستعان‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫شخصية القيسي مه خالل الكتاب‪:‬‬

‫دائما الطبيعة النفسية للكاتب مؤثرة فيما يكتب‪ ,‬إما من خلال الأفكار‬
‫المطروحة أو طريقة عرضها‪ ,‬وهناك عوامل أخرى تجعل من الشخص غير‬
‫متجرد للحقيقة لعل منها ردود الأفعال‪ ,‬والصدمات الثقافية‪ ,‬أو النفسية‬
‫المغرورة المتمركسة على الرات‪ ,‬والحديث عن ذلك ليست شخصنة للنقد‪,‬‬
‫وإنما هو بيان لنقطة البداية في الانحرافات الفكرية التي قد لا تكون‬
‫قناعات راسخة خصوصا إذا خالفت المنقول والمعقول‪.‬‬

‫يشعر القارئ عند قراءته للكتاب بأن القيسي قد مر بمراحل مختلفة في‬
‫حياته‪ ,‬ولدت عنده طريقة عدائية في قراءة التراث الإسلامي‪ ...‬نتج عن‬
‫ذلك أمراض نفسية‪ ,‬وسلوكيات ثقافية شاذة‪ ,‬وشخصية غير سوية متصفة‬
‫بعدة صفات َم َرضية‪ ,‬ظهرت من خلال ما دونه في هرا الكتاب‪ ...‬ومن معالم‬
‫شخصية القيسي من خلال الكتاب‪-:‬‬

‫الشخصية النرجسية‪ :‬والنرجسية هي اضطراب في الشخصية‬ ‫‪-‬‬


‫حيث تتميس بالغرور‪ ,‬والتعالي‪ ,‬والتكبر‪ ,‬والشعور بالأهمية‪ ,‬وهي‬
‫في علم النفس إحدى سمات الشخصيات في ثالوث الظلام‬
‫السلوكي إلى جانب كل من المكيافيلية والاعتلال النفسي‪ ...‬وقد‬
‫ظهرت النرجسية النفسية عند القيسي بكل وضوح في صفحات‬
‫الكتاب وكان لها أثرها الفكري‪ ,‬مما سبب له جنون العظمة‪,‬‬
‫والتعالم والغرور‪ ,‬والجرأة على الموروث الإسلامي الكبير‪,‬‬
‫وإعطاء قيمة علمية كبيرة لنظريته التفسيرية للإسلام وأنه يفهم‬
‫من ((كلمة الفقه ما هو أوسع وأعمق مما تعنيه عند الفقهاء))‪...‬‬
‫وفي مواضع عديدة من الكتاب يتهم القيسي كبار العلماء بعدم‬

‫‪3‬‬
‫الفهم‪ ,‬وبكل غرور وتعالم يرهب في تحليل النصوص وتفسيرها‬
‫بفهمه الري يسعم أنه لم يفهمه أحد قبله‪.‬‬

‫الشخصية السفسطائية‪ :‬والسفسطة هي نوع من الاستدلال‬ ‫‪-‬‬


‫يقوم على الخداع والمغالطة‪ ,‬والشخص السفسطائي يعشق‬
‫طمس الحقائق وإنكارها‪ ,‬وكل شيء عنده قابل للنقد والاعتراض‪,‬‬
‫وهو وحده من يملك الحقيقة‪ ...‬وبالعودة للقيسي نجده لا يصدر‬
‫في كتابه عند استدلالاته لما يقرر ونقاشاته لمن ينقده‪ ...,‬عن‬
‫منهج منطقي له أصول معلومة وناضجة‪ ,‬بل جل كلامه عبارة عن‬
‫سفسطة مشككة في الأصول والثوابت‪ ,‬وطاعنة في حملة‬
‫الشريعة من التابعين ومن جاء بعدهم إلى عصرنا الحاضر‪ ,‬وكل‬
‫ما يطرحه إما عبارة عن دعاوى عريضة بلا برهان صحيح النظر‪,‬‬
‫وإما استدلالات غير مبنية على أسس صحيحة وقواعد ثابتة‪ ,‬كما‬
‫أنه في تفسيره للنصوص واستدلالاته بها لا ينطلق من قواعد‬
‫معتبرة‪ ,‬بل يتعامل معها بهواه السقيم وفهمه العقيم كل ذلك‬
‫ليضلل عوام المسلمين‪ ,‬وأنصاف المثقفين‪.‬‬

‫الشخصية الانتقائية‪ :‬أثرت النفسية النرجسية والمنهج‬ ‫‪-‬‬


‫السفسطائي على شخصية القيسي الفكرية‪ ,‬مما جعلته شخصا‬
‫انتقائيا ينتقي من النصوص ما يوافق فكره‪ ,‬وشخصا متحيسا‬
‫يميل إلى الأفكار المؤيدة لهواه الثقافي‪ ,‬وبالمقابل فالقيسي‬
‫عندما يريد أن ينقد النصوص أو الفتاوى أو الأشخاص نجده‬
‫يتعامل باختيارية غير عادلة‪ ,‬واستقراء خاطئ‪ ,‬ومن خلال ذلك‬
‫يعمم حكمه الجائر ورؤيته القاصرة‪ ,‬متجاهلا القطعيات النقلية‬
‫والثوابت الدينية التي قد تتعارض مع رؤيته الشخصية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الطعًن يالمزاعم القيسية‪:‬‬

‫يعاني القيسي من مراهقة فكرية‪ ,‬وثقافة نقدية غير موضوعية‪,‬‬


‫والتفكير الرغبوي القائم على الهوى‪ ,‬مما أدى به إلى الوقوع في مجازفات‬
‫غير منطقية‪ ,‬بأسلوب كتابي ضعيف وركيك ليس عليه أثارة من علم‪ ,‬يسعم‬
‫القيسي من خلال ذلك أنه يريد استعادة الإسلام الري دل عليه القرآن‪...‬‬
‫والري حرفه المحدثون بالسنة‪ ,‬وشوهه الفقهاء بالفقه‪ ...‬وزعمه هرا عبارة‬
‫عن غطاء مشروخ يغطي به سلسلة من الطعون الخطيرة‪ ,‬وعلى رأسها‪:‬‬
‫الطعن في السنة‪ :‬للسنة النبوية مكانة عظيمة في التشريع‬ ‫‪-‬‬
‫الإسلامي‪ ,‬فهي الأصل الثاني بعد القرآن الكريم في الحجية‬
‫والاستدلال‪ ,‬وهي التطبيق العملي لما جاء في القرآن الكريم‪,‬‬
‫وهي الكاشفة لغوامضه‪ ,‬المجلية لمعانيه‪ ,‬الشارحة لألفاظه‬
‫ومبانيه‪ ,‬وإذا كان القرآن قد وضع القواعد والأسس العامة‬
‫للتشريع والأحكام‪ ,‬فإن السنة قد عنيت بتفصيل هره القواعد‪,‬‬
‫وبيان تلك الأسس‪ ,‬وتفريع الجسئيات على الكليات‪ ,‬والسنة‬
‫المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام وهي كالقرآن في تحليل الحلال‬
‫ل يمكن للدين أن يكتمل ولا للشريعة‬ ‫وتحريم الحرام‪ ,‬ولرا فإنه ا‬
‫جنبا إلى جنب مع القرآن‪ ,‬وقد جاءت‬‫ً‬ ‫أن تتم إلا بأخر السنة‬
‫الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة آمرة بطاعة الرسول ‪,‬‬
‫والاحتجاج بسنته والعمل بها‪ ,‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّي َها َّال ِرينَ َ‬
‫آم ُنوا‬
‫ول﴾‪ ,‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ف ْل َي ْح َر ِر َّال ِرينَ‬ ‫الر ُس َ‬ ‫يعوا َّ‬ ‫اَّلل َو َأ ِط ُ‬
‫يعوا َّ َ‬ ‫َأ ِط ُ‬
‫يم﴾‪,‬‬ ‫اب َأ ِل ٌ‬
‫ُي َخا ِل ُفونَ َع ْن َأ ْم ِر ِه َأن ُت ِصي َب ُه ْم ِف ْت َن ٌة َأ ْو ُي ِصي َب ُه ْم َع َر ٌ‬
‫وه َو َما َن َها ُك ْم َع ْن ُه‬ ‫ول َف ُخ ُر ُ‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫آتا ُك ُم َّ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َما َ‬
‫اَّلل َش ِد ُ ْ‬ ‫َفان َت ُهوا ۚ َو َّات ُقوا َّ َ‬
‫اب﴾‬ ‫يد ال ِع َق ِ‬ ‫اَّلل ۖ ِإ َّن َّ َ‬

‫‪5‬‬
‫بلغت الجرأة مبلغها عند القيسي إلى درجة الطعن بالسنة‪ ,‬وعدم‬
‫اعتبارها مصدرا من مصادر التشريع‪ ,‬ووصف النبي الأكرم عليه‬
‫الصلاة والسلام بأنه مجرد شخص مجتهد ومكلف‪ ,‬كغيره من‬
‫المسلمين‪ ,‬وليس له حق التشريع‪ ,‬وزعم أن الصحابة كانوا‬
‫ينظرون له بأنه مبلغ وليس بمشرع‪ ,‬ولهرا فالمسلمون غير‬
‫ملسمين بما يقول‪ ,‬لأنه تصرفاته كانت تصرفات شخصية في‬
‫دائرة زمنية قد مضت وليست شرعا متبعا‪ ,‬وأنه ينبغي تحرير‬
‫القرآن من سلطان السنة‪ ,‬لأن السنة عند المسلمين هي بمقام‬
‫التلمود عند اليهود؛ كانت السبب في انحراف المسلمين عن‬
‫القرآن كما كان التلمود سببا في انحراف اليهود عن التوراة‪...‬‬
‫كرا زعم‪ ,‬وأن ((الكتب الدينية لليهود والمسيحيين أكثر حجية‬
‫في نظر القرآن من كتب الحديث النبوي))‪ ,‬وزعم القيسي أنه لا‬
‫يوجد نص واحد ((قطعي الدلالة من القرآن يدعم القول بحجية‬
‫الحديث والسنة))‪.‬‬
‫الطعن في علماء المسلمين‪ :‬من المعلوم أن العلماء هم ورثة‬ ‫‪-‬‬
‫يحم ُله‬
‫ِ‬ ‫لم ُيفضي إلى َ‬
‫الق ْد ِح فيما‬ ‫الع ِ‬
‫حام ِل ِ‬ ‫الأنبياء‪ ,‬وأن َّ‬
‫الطعنَ في ِ‬
‫من العلم‪ ,‬وعليه فالطعن في حملة الشريعة سبيل للطعن في‬
‫الشريعة نفسها‪ ,‬وهرا ما وصل له القيسي عند طعنه في‬
‫المحدثين والفقهاء والعلماء‪ ,‬فقد أفضى به ذلك إلى الطعن في‬
‫علم الحديث وعلم الفقه‪ ,‬بل وسائر علماء الشريعة‪ ,‬فقد اتخر‬
‫أعراض العلماء سبيلا للطعن فيما يعلمون‪ ,‬ورحم اهلل الرهبي‬
‫ً‬
‫حقيرا)‪.‬‬ ‫حين قال‪( :‬سنة اَّلل في كل من ازدرى العلماء بقي‬
‫اتهم القيسي العلماء بالبلادة وعدم الفهم والتحايل على الدين‪,‬‬
‫فلم يسلم المحدثون كالبخاري من السخرية‪ ,‬ولم ُيبعد الفقهاء‬

‫‪6‬‬
‫كالشافعي من الطعن "بل خص الشافعي بقرابة مائة وثمانين‬
‫صفحة من النقد الوقح وأنه أشد تحريفا للدين من بولس الري‬
‫حرف المسيحية"‪ ,‬ولم يأمن المجددون كابن تيمية من الاتهام‪,‬‬
‫ولم يصن عرض المفسرين كابن عاشور من الهمس واللمس‪ ...‬فكل‬
‫هؤلاء الأئمة وغيرهم نالهم من قبح كلام القيسي ما نالهم‪ ,‬تارة‬
‫بأنهم لا يفهمون ولا يفطنون‪ ,‬وأخرى بأنهم يحرفون النصوص‬
‫بما يخدم مرهبهم‪ ,‬وتارة بقلة بضاعتهم في العلم والحديث‪,‬‬
‫وتارة بأنهم مرقعون لخلل السنة‪ ,‬وتارة أنهم يدلسون بتبريرات‬
‫ساذجة‪ ,‬وتارة بوسم المفسرين بالتفكير الخرافي أو الأسطوري‬
‫وأنهم أصحاب أوهام‪ ,‬وأن العقل الفقهي هو عقل عبثي بصورة‬
‫مريبة‪ ,‬وما إلى ذلك من التهم الباطلة والبهتان الكاذب‪ ,‬وقلة‬
‫الأدب مع علماء المسلمين‪ ,‬بل بلغ به الحال أن اعتبر احترام‬
‫العلماء للسنة بأنها مبالغة في تبجيل النبي عليه الصلاة والسلام‪,‬‬
‫ولا أدري هل رسول اهلل ‪ ‬هو إنسان عادي لا يبجل ولا يعظم؟‪,‬‬
‫والقيسي في غالب كتابه لا يركر النبي عليه الصلاة والسلام إلا‬
‫باسمه المجرد "محمد" وكأنه إنسان عادي دون أن يصلي عليه‪,‬‬
‫أو يقول "النبي" من غير أن يصلي عليه كرلك‪ ,‬ووصف‬
‫الصحابة بأنهم ((كانوا يجهلون بعض ما قضى به النبي)) عليه‬
‫الصلاة والسلام‪ ....‬وإذا كان الصحابة يجهلون فمن يعلم؟‪ ,‬وزعم‬
‫أن ((عصر الصحابة لم يكن عصر بلوغ الفكرة الإسلامية غايتها‬
‫المثلى لا على مستوى ثمثيلها في الواقع‪ ,‬ولا على مستوى إدراك‬
‫العقل لأسرارها المختلفة‪ ,‬أو حتى إدراك فلسفة القرآن في‬
‫مجالات نظرية المعرفة ونظرية الأخلاق))‪ ,‬فإذا لم يكن‬
‫الصحابة هم الممثلون للإسلام حقا فمن مثله؟ واهلل ‪ ‬يقول‬

‫‪7‬‬
‫اَّلل َو َّال ِرينَ‬
‫يل َّ ِ‬ ‫َ‬
‫اج ُروا َو َجاه ُدوا ِفي َس ِب ِ‬ ‫آم ُنوا َو َه َ‬ ‫عنهم ﴿ َو َّال ِرينَ َ‬
‫يم﴾‪,‬‬ ‫ص ُروا ُأ َٰ‬
‫ولَ ِئ َك ُه ُم ْال ُم ْؤ ِم ُنونَ َح ًّقا ۚ َّل ُهم َّم ْغ ِف َر ٌة َو ِر ْز ٌق َك ِر ٌ‬ ‫آووا َّو َن َ‬
‫َ‬
‫وعليه لا أدري أي إسلام يريد استعادته‪ ,‬طالما أن عصر الصحابة‬
‫ليس هو عصر الإسلام‪ ,‬وأن من جاء بعدهم كانت عصورهم‬
‫عصور الظلام‪ ,‬وأن العصر المثالي للإسلام لم يأت بعد‪.‬‬

‫‪ -‬الطعن في علوم الشريعة‪ :‬تجرأ القيسي بالطعن على علوم‬


‫الطعن في الشريعة‬
‫ُ‬ ‫وي َ‬
‫قصد بها‬ ‫الشريعة بعد طعنه في العلماء‪ُ ,‬‬
‫تضبط‬
‫ِ‬ ‫الشرعية التي‬
‫َّ‬ ‫امية من خلال الطعن في أهم ُ‬
‫العلوم‬ ‫الإسل َّ‬
‫عملية َ‬
‫الفهم والاستدلال‪ ,‬حيث لم تسلم العلوم الشرعية من همس‬ ‫َّ‬
‫ولمس وطعن القيسي‪ ,‬الري زعم أن "علوم القرآن" صورة من‬
‫صور خرلان المسلمين الواسع للقرآن‪ ,‬وأن اجتهادات الفقهاء في‬
‫مدونات الفقه عبارة عن عبث وشرك‪ ,‬وقال‪(( :‬إذا لم يكن هرا‬
‫عبثا بالدين فما هو العبث؟‪ ,‬وإذا لم يكن شركا فما هو الشرك))‪,‬‬
‫وأن علم الأصول إنما وضعه الشافعي بقصد تحقيق رغبته في‬
‫السيطرة‪ ,‬وأنه مجرد تعبير عن هره الرغبة الكامنة‪ ,‬وأن ((علم‬
‫أصول الفقه هو عراب العقل الإسلامي))‪ ,‬وأن في علم الحديث‬
‫ثغرات كبرى بمثابة ثقوب سوداء تبتلع ((جهود المحدثين كلها‬
‫في عملية ضبط الأخبار وتوثيق الرواة))‪ ,‬ولم يكتف القيسي‬
‫برلك بل طعن في مختلف علوم الشريعة التي كانت في العصور‬
‫الأولى‪ ,‬وزعم أن ((العلم في عصر الشافعي كان في مرحلة‬
‫الطفولة‪ ,‬بما تعنيه كلمة طفولة من سراجة ونقص وضعف))‪...‬‬
‫وكأننا أمام عالم جهبر حوى علوم الأولين والآخرين ومن خلال‬
‫علمه يضع تحت مجهر النقد العلوم والعلماء‪ ...‬هسلت!!!‬

‫‪8‬‬
‫الىتيجة يالمحصلة الىهائية‪:‬‬

‫من الطبيعي أن الكساح العقلي الري يعاني منه القيسي‪ ,‬والنفسية‬


‫القلقة المتولدة من القراءة الخاطئة للموروث الحديثي والإنتاج الفقهي‪,‬‬
‫جعلت القيسي يخرج بجملة من المخرجات الخطيرة وعلى رأسها‪:‬‬

‫الحكم بانحراف المسلمين‪ :‬حكم القيسي بانحراف المسلمين‬ ‫‪-‬‬


‫عبر القرون‪ ,‬وأن من أسباب انحرافهم انشغالهم بالسنة‪ ,‬ولهرا‬
‫نص القيسي على أنه ((انحرف المسلمون بالسنة عن القرآن‪ ,‬كما‬
‫انحرف اليهود بالتلمود عن توراة موسى))‪ ,‬وأنه طالما جاز‬
‫وقوع جمهور العلماء المتقدمين في بعض الأخطاء في مسائل‬
‫انتقدت عليهم‪(( ,‬فما المانع أن يخطئوا في غيرها))‪ ,‬وعليه فكل‬
‫المسائل العلمية المنقولة هي محل شك ونقد‪ ,‬وأن أحكام‬
‫الشريعة غير مهيمنة على أفعال المكلفين من المسلمين‪ ,‬ولهرا‬
‫فإن مسألة الصواب والخطأ هي مسألة نسبية‪ ,‬ولا يمكن‬
‫للمسلمين أن يبلغوا الرروة في التفكير إلا بالتخلي عن ما يعده‬
‫القيسي مجرد أوهام تؤسس للخرافة من الإنتاج الفقهي أو‬
‫الموروث الحديثي‪ ,‬أو التاريخ الإسلامي في عصوره الأولى‪.‬‬
‫فتح الباب في فهم الدين بالهوى‪ :‬بالطعن في السنة‪ ,‬وتسفيه‬ ‫‪-‬‬
‫فقهاء المسلمين دعا القيسي صراحة إلى فتح الباب لكل أحد‬
‫بأن يقول برأيه ما يشاء في دين اهلل سبحانه‪ ,‬وأن الإنسان‬
‫العادي يصل بتفكيره البسيط إلى ما وصل إليه الفقهاء‬
‫باجتهاداتهم المبنية على القوانين الدقيقة‪(( ,‬مما يدل على أن‬
‫عمل الفقيه بالنتيجة لا يضيف جديدا جوهريا يعجس غير‬

‫‪9‬‬
‫المجتهد عن الوصول إليه))‪ ,‬وزعم القيسي أن ((الفقه في‬
‫الإسلام نشاط يومي يقوم به المسلم المكلف مهما كانت درجته‬
‫في الفهم والعلم وليس نشاطا نخبويا لمن بلغ رتبة الاجتهاد في‬
‫العلم كما تسعم المراهب التقليدية))‪ ,‬وهرا يفتح باب التأويل‬
‫المنحرف لإبطال مدلول النص الري يدل عليه تحت مظلة‬
‫المقاصد التي كرر ذكرها القيسي‪ ,‬ولكنها مقاصد بلا ضوابط‪,‬‬
‫بدعوى تغير المعرفة للنص بتغير السمان والمكان‪.‬‬

‫التأصيل لدين جديد يتناسب مع العصر الحديث‪ :‬من خلال ما‬ ‫‪-‬‬
‫سبق ذكره نجد القيسي يؤسس لإسلام جديد منقطع الصلة عن‬
‫ما سماه القيسي ((بالإسلام التاريخي))‪ ,‬بل ناقد له‪ ,‬لأنه كما‬
‫زعم أن ((الخبرة النقدية للنخبة الإسلامية في القرون الأولى لم‬
‫تكن بالمستوى الري يؤهلها لرصد التحولات الدقيقة والبطيئة‬
‫في العقل الإسلامي‪ ,‬أو إدراك الحقائق ذلك المستوى الفلسفي‬
‫الكلي‪ ,‬وهي الخطر مثل العلاقة الجدلية بين الوحي والسمن))‪,‬‬
‫والقيسي بهرا الكلام بعد طعنه بالسنة والموروث الفقهي‪,‬‬
‫يؤسس على استحياء لفكرة أن القرآن الكريم عبارة عن وثيقة‬
‫تاريخية لحقبة زمنية مضت‪ ,‬لا تتناسب أحكامه مع واقعنا‬
‫المعاصر‪ ,‬وحقها فقط القراءة والتلاوة‪ ,‬ولا نأخر من الإسلام إلا‬
‫القيم البشرية فقط ولهرا نص القيسي أن الشريعة لا تهيمن على‬
‫أفعال المكلفين إلا ((بقيمها ومبادئها العامة لا بأحكامها‬
‫التفصيلية التي افترضها الفقهاء بدون دليل))‪ ,‬وأن السمن الأول‬
‫ليس هو السمن المثالي لتطبيق الإسلام‪ ,‬وقال‪(( :‬فنحن نعتقد أن‬
‫العصر المثالي للإسلام لم يأت بعد))‪ ,‬فهل سيأتي به القيسي؟‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الخالصة‪..‬‬

‫ليست مشكلة القيسي مع السنة والمحدثين‪ ,‬ولا مع الفقه والفقهاء‪ ,‬بل‬


‫مشكلته مع الإسلام ذاته الري اعتبره القيسي عبارة عن (نص وتجربة)‪,‬‬
‫والإسلام الري يريد استعادته ليس الإسلام الري كان في عهد النبي ‪ ‬ولا‬
‫في عصر الصحابة ومن جاء بعدهم؛ لأنه تلك العصور عنده عصور الظلام‪..‬‬
‫بل يسعى القيسي إلى إسلام جديد بلا إسلام‪ ,‬فهو إسلام يفصل ثوبه‬
‫القيسي بعقله السقيم والمصاب بالكساح‪ ,‬بما يرضي أسياده الداعمين‪.‬‬

‫ومشكلة القيسي مع الإسلام ناتجة عن نفسية متأزمة‪ ,‬من جراء‬


‫صدمات فكرية‪ ,‬ولدت ردة فعل عنيفة جعلته يقرأ الموروث قراءة خاطئة‪,‬‬
‫متأثرا بأفكار من سبقه من الحداثيين المعاصرين من أمثال محمد أركون‪,‬‬
‫ونصر حامد أبو زيد‪ ,‬وعبد المجيد الشرفي‪ ,‬وجورج طرابيشي‪ ,‬وغيرهم‪.‬‬

‫لم يأت القيسي بشيء جديد يستحق الرد المطول‪ ,‬وفيما سبق تسطيره‬
‫كفاية في تسليط الضوء على الكتاب والكاتب‪ ,‬كما أن الجدال المباشر‬
‫والنقاش العلمي مع القيسي هو جدال بيسنطي عقيم لا طائل منه‪ ,‬لأنه لا‬
‫توجد مرجعية صحيحة يستند عليها القيسي يتفق عليها مع غيره‪ ,‬وإنما‬
‫كل ما لديه مجرد شكوك‪ ,‬وفهم سقيم‪ ,‬واختلال في التوازن الفكري‪.‬‬

‫ونختم هره العجالة بآيتين من القرآن تلخصان عشرات المجلدات التي‬


‫ترد على شبهات المنكرين للسنة والطاعنين في أئمة الإسلام‪َ ﴿ ,‬و َم ْن َأ ْص َد ُق‬
‫ل ُي ْؤ ِم ُنونَ َح َّت َٰى ُي َح ِّك ُموكَ ِف َ‬
‫يما‬ ‫ل َو َر ِّب َك َ ا‬
‫اَّلل َح ِدي ًثا﴾‪ ,‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ف َ ا‬ ‫ِمنَ َّ ِ‬
‫ت َو ُي َس ِّل ُموا َت ْس ِل ً‬
‫يما﴾‪,‬‬ ‫نف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِّم َّما َق َ‬
‫ضيْ َ‬ ‫ل َي ِج ُدوا ِفي َأ ُ‬
‫َش َج َر َبيْ َن ُه ْم ُث َّم َ ا‬
‫ول ِمن َب ْع ِد َما َت َبيَّ نَ لَ ُه ْال ُه َد َٰى َو َي َّت ِب ْع َغيْ َر‬ ‫الر ُس َ‬ ‫اق ِق َّ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َمن ُي َش ِ‬
‫يرا﴾‪.‬‬ ‫ت َم ِص ً‬ ‫اء ْ‬ ‫ص ِل ِه َج َه َّن َم ۖ َو َس َ‬‫يل ْال ُم ْؤ ِم ِنينَ ُن َو ِّل ِه َما َت َو َّل َٰى َو ُن ْ‬
‫َس ِب ِ‬
‫‪11‬‬

You might also like