Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫الوجودية يف تنظريها األنطولوجي‬

‫أبو ذر‬
‫السنة النهائية للماجستري‬
‫قسم اللغة العربية وآداهبا‬
‫جامعة علي كره اإلسالمية‬

‫الوجودية من خالل منطلقاهتا الفلسفة الظاهراتية اهليوسرايلية الدايلكتيكية‪ ،‬ويف منهجياهتا الفلسفة الكري كيجاردية‬
‫الدامناركية واهليدجرية األملانية والسارترية "الفرنسية"‪ ،‬ومن مبادئها فلسفة شخصنة "شخصية" وأنسنة إنسان‪ ،‬قد‬
‫تبلورت يف تكهناهتا كحركة أدبية أكثر منها ابلفلسفة بفرنسا مما قد ألغت املثاليات الكالسيكية اليت قد فقد اإلنسان‬
‫نفسه يف ألغازها املاهياتية اليت كانت مسيطرة على اجملتمع الغريب منذ قرون‪ .‬الوجودية ثورة عنيفة ضد مجيع اإلجتاهات‬
‫الالفردية واأليدلوجيات القائمة ضد "ال أنسنة إنسان" والفلسفات التصورية اهليجلية اليت اهتمت ابلعقل والتصور‪،‬‬
‫وامليكانيكية للعصرنة اليت قد حولت الفرد إىل روبوط ميكانيكي‪ .‬واالشرتاكية املاركسية اليت وجد اإلنسان نفسه فيها‬
‫متذواب يف غمار اجملموع‪ .‬ويبتعد عن فردانيته وكذلك الفلسفة الوجودية صدى هائل ضد املسيحية األوربية املتوراثة‬
‫الضعيفة املضادة للحرية الفردية وقيدت الفرد بتقييدات رمسية مما جعلت اإلنسان اتبعا للنظام املرتب مما كان خمالفا‬
‫لوجود اإلنسان وفق معطيات الوجودية‪ .‬ال شك يف أن احلضارة األورربية املستحدثة املنرية اليت وفرت مجيع الوسائل‬
‫الضرورية لإلنسان وجعلت حياته سهلة من أقرب ما ميكن مبعطياهتا التكنولوجيا اليت سلبت منه اهلدوء والطمأنينة‬
‫وأانرت حياته اخلارجية وأظلمتها داخليا‪ .‬وأذابت الفرد يف بوتقة اجتماعية من حيث ال يقدر أن يطل من خالهلا‬
‫يف ذاتيته ‪ .‬وسخر اإلنسان األوريب القمر ووصل إليه ولكن مل تدع احلضارة األوربية فرصة له أن يتفكر يف ذاته‬
‫ويكشف حقيقة شخصيته واآللة امليكانيكية اليت أبدعها لقضاء حاجاته احلياتية قد أصبحت تستعبده وحولته إىل‬
‫اإلنسان اآليل‪ .‬هذه الفكرة قد تبلورت بصورة واضحة عند الفيلسوف األردي حممد إقبال إذ قام بنقد احلضارة‬
‫األوربية يف األبيات التالية‪:‬‬

‫ڈھونڈنے واال ستاروں کی گزرگاہوں کا‬

‫ا پنے افکار کی دنيا میں سفر کر نه سکا‬


‫اپنی حکمت کے خم وپيچ میں اجلھا ايسا‬

‫آج تک فيصلہ نفع وضرر کر نہ سکا‬

‫جس نے سورج کی شعاعوں کو گرفتار کيا‬

‫زندگی کی شب اتريک سحر کر نہ سکا‬

‫فرتة ما بني احلرب العاملية األوىل والثانية فرتة التنقالت اهلائلة والتغريات اهلامة‪ ،‬انقسمت دنيا اإلنسان يف كتالت‬
‫خمتلفة‪ ،‬فرتة صراع األيدلوجيات ووجهة األنظار وفرتة ظهور النازية كنظام‪ ،‬فوجدت أوراب أبنفسها متأكلة فيما بني‬
‫احلربني العامليتني‪ ،‬والظروف كانت متأزمة‪ ،‬والطبائع متنفرة‪ ،‬فرتة نضال قومي عنيف‪ ،‬فرتة املصائب والشدائد والشعور‬
‫ابألمل واحلزن والسأم والشعور ابخليبة والتملل والنفور من املدن واحلنني إىل الطبيعة واخللو إىل الذات يف أعماقها‬
‫القامتة‪ ،‬وهذه الظاهرة معروفة يف الفلسفة واألدب ابلرومانسية اليت مل تقدر على أن تنتج أنطولوجيا لذات اإلنسان‪.‬‬
‫ولكنها اقرتبت من حركة الوجودية اليت تعتقد بوجود اإلنسان مبا هو اإلنسان وتلغي مجيع املزركشات املثالية‪.‬‬

‫عاىن اإلنسان معاانة مما صبت عليه احلربني العاامليتني بدانءهتا املريعة‪ ،‬فكم من األطفال أيتموا؟ وكم من األمهات‬
‫ماتت؟ وكم من الرجال قتلوا؟ وكم من احلكومات انقضت؟ فتولدت الوجودية من حتت أنقاض احلرب العاملية الثانية‬
‫بشكلها املتكامل‪ ،‬إذ جيد اإلنسان الشيوعية والنازية واالشرتاكية غري قابلة إلنقاذه من الورطة احملاطة به فتوجه إىل‬
‫الوجودية ومتسك هبا حىت أصبحت فلسفة املراهقني واملراهقات بفرنسا وغريها من املدن والدول العاملية‪.‬‬

‫الوجودية كما رأى البعض‪-‬ليست فلسفة حديثة وإمنا نعثر على بصماهتا منذ أقدم العصور يف خمتلف التيارات‬
‫الفكرية الفلسفية والتصوفية عند سقراط (‪ 469-399‬ق م) وبر منيدس (‪501-470‬ق م) وأفلوطني (‪-204‬‬
‫‪ 270‬ق م) ويف الوسيط اإلسالمي عند احلالج (‪858‬م‪ )922-‬وشهاب الدين السهروردي املقتول (‪-1154‬‬
‫‪ )1191‬وابن سبعني (‪ )1269 -1217‬مث أبوراب الوسطى عند القديس أوغسطني (‪ 354-430‬م) وابسكال‬
‫(‪ .) 1662-1623‬وكذلك الوجودية مشرأبة بروح الفلسفة اهلندية النرفانية واملانوية والغنوص اإلسالمي واحلكمة‬
‫اإلشراقية واملدرسة اإلصفهانية مدرسة (صدر املتأهلني السيد سند صدر الدين الشريازي (‪ )1571-1640‬وبعض‬
‫سلسالت التصوف من أمثال القلندرية واملالمتية واجلاللية‪.‬‬
‫اإلنسان هو عنصر جوهري يف فلسفة الوجودية‪ ،‬وإمنا هو قطب يدور حوله رحى حياهتا الفلسفية والفكرية‪ ،‬وهو‬
‫مشكلة أساسية عند فالسفة الوجود أو الفالسفة الوجودية‪ .‬الوجودية مشرعة مسريهتا من الوجود وانتهت إىل الوجود‬
‫اإلنساين وتطالب منه أن يوجد بشكله املتكامل‪ ،‬ويف تعبري آخر "اإلنسان الكامل" عند فكرة وحدة الوجود‬
‫ا إلسالمية التصوفية‪ .‬ومن هنا تقرتب الوجودية من التصوف اإلسالمي‪ ,‬نظرية "اإلنسان الكامل" بعينها نظرية‬
‫"الرجل األوحد"‪ L` Unique‬عند الوجودية‪.‬‬

‫الوجودية حل ملشكلة اإلنسان األساسية اليت تكيفه مستمرا من البدء إىل العدم‪ ،‬وجواب لعديد من التساؤالت اليت‬
‫حتري اإلنسان حلظة بلحظة‪ ،‬ويستمر يتفكر يف حقيقته‪ ،‬ويتسائل نفسه من أان؟ وكيف العالقة يب هلذه الكائنات؟‬
‫من أين جئت؟ وإىل أين انتهي؟ هل أان موجود؟ هل أان حر؟ وما اآلالم؟ وما املصائب؟ هل أان حميط ابلبيئة؟ وما‬
‫العقل؟ وما املشاعر فما معىن ختليقي دون احلر؟‬

‫ومن مثل هذه التساؤالت واملشكالت جترب اإلنسان على التفكري للبحث عن حقيقته وهتز كيانه‪ ،‬ومن أكرب العوامل‬
‫لتغيري تيار حياته الداخلية‪ ،‬ألن اإلنسان لغز من ألغاز الطبيعة ال تنحل عقدته على أن قامت املدارس امليتافيزيقا‬
‫املختلفة حلل مشكلة اإلنسان‪ ،‬وحاولت على التعرف حبقيقته وأصله ولكن فشلت وبقيت املشكلة كما هي‪.‬‬

‫مشكلة الوجود مشكلة أساسية عند الفالسفة واملتصوفة منذ قرون حىت ال تتنحى عنهم يف أي حلظة أو ثواين‬
‫وكذلك مسئلة غري الوجود ملتصقة هبم ابلنسبة إىل الوجود‪ ،‬وال يستطيع أحد من الفالسفة أن يصرف النظر عن‬
‫مسئلة األنطولوجي يف مرحلة ما‪ .‬والواقع أن احلد الفاصل بني الوجوديني وغري الوجوديني ليست مسئلة الوجود وإمنا‬
‫مسئلة "الكينونة" وإظهار الذات وتثبيته‪ ،‬ولذا يعتين فالسفة الوجود "ابلفرد" دون "الكل" والوجود دون "املاهية"‪.‬‬
‫الوجودية هتتم ابلعمل واالختيار واحلرية دون "العلم أو الفكر" و"التصور" ولديها أمهية أساسية ل "مل" دون "ما"‪.‬‬
‫الوجودية لفظة مرتمجة من )‪ (Existentialism‬اإلجنليزية‪ ،‬كانت مستخدمة إابن احلرب العاملية الثانية عند‬
‫جان فال سارتر (‪ )1905-1980‬وسيمون دي بوفوار (‪ )1908-1986‬وألبري كامو (‪ )1960-1913‬بني‬
‫األربعينيات واخلمسينيات من القرن العشرين يف القصص والرواايت واملسرحيات حىت أصبحت سائدة على بيئة‬
‫الفرنسية عند الشباب‪.‬‬

‫الوجودية كما تتبلور منها فلسفة تتعلق بوجود اإلنسان بوصفه إنساان‪ ،‬هلا أتثري عميق يف اجملتمع الغريب وأثرت على‬
‫مجيع مناحي احلياة األوربية من العلم والفن والالهوت وعلم النفس والعمران واخللق والسلوكيات واملعامالت البشرية‬
‫وما شاهبها ذلك‪ .‬وهي فلسفة حتيا الوجود واحلياة‪ ،‬أتثر الوجوديون من كتاابت نيتشه (‪)1900-1844‬‬
‫ودستوفسكي (‪ )1821-1881‬وفرانزكافكا (‪.)1924-1833‬‬

‫الوجودية من خالل معطياهتا الدوغماتية توزعت إىل قسمني هامني‪ .‬القسم األول يقود صاحبها إىل اإلميان ابهلل‪.‬‬
‫والقسم الثاين يقود صاحبها إىل إنكار هللا وإىل اإلحلاد وإىل قول أن هللا خرافة ضارة‪ ،‬نذكر يف القائمة التالية مشارهبا‬
‫املتباينة‪.‬‬

‫الوجودية املسيحية‬

‫سورن كري كجارد (‪)1813-1855‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫غابريل مارسيل (‪)1889-1973‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫العارف الروسي نقوال بردائيف (‪)1948-1874‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كارت ابرت (‪)1968-1886‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ابل تيليج (‪)1965-1884‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫رودلف بتمان (‪)1976-1884‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫مارتن بوبر (‪)1965-1878‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫الوجودية امللحدة‪:‬‬

‫مارتن هيدجر (‪)1976-1889‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫جان فال سارتر (‪)1905-1980‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ألبري كارمو (‪)1965-1913‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سيمون دي بوفورا (‪)1986-1908‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫الوجودية هلا مقوالت خاصة يف تركيزها األنطولوجي‪ ،‬وتستخدم مصطلحات فلسفية تتعلق هبا كالوجود والعدم‬
‫واحلرية واالختيار واإلرادة وما إىل ذلك‪.‬‬

‫(الوجود)‬
‫الوجودية مت تشييد صرحها الشامخ من خالل معارضتها العنيفة لكوجيتو الديكاريت الذي قال "الفكر يسبق‬
‫الوجود" ولذا قال ديكارت (‪ ) 1650-1596‬مقولته الشهرية "أان أشك أو أان أفكر فأان موجود" ألن الفلسفة‬
‫الديكارتية قامت على الشك‪ ،‬وافرتض الشك للوصول إىل اليقني‪ ،‬فبدأ حيلل بوجود العامل ابلذات املفكرة‪ ،‬ولكنه‬
‫ابلعكس قال أبو الوجودية "سورين كري كجارد" أان موجود‪ ،‬إذن أان أفكر‪ .‬وهذا املبدأ هو نقطة بؤرية يف انطالق‬
‫الوجودية‪ .‬ومن هنا عارض "كري كجارد" اخليال اهليجلي التصوري‪ .‬وحاول إجياد فلسفة ختتلف عن املزركشات‬
‫الكالسيكية‪ ،‬تعرف فيما بعد ابلفلسفة الوجودية‪ ،‬معىن الوجود عند كري كجارد الوجود الفردي مع مجيع إمكانياته‬
‫من اإلرادة واالختيار واحلرية‪ .‬قد قلب "كري كجارد" املوازين واملعايري السالفة إبعطاء الوجود مرتبة األولية أو األسبقية‬
‫على املاهية حىت أصبحت هذه املقولة نقطة رئيسية للوجودية‪ .‬وكذلك مني دي بريان (‪ )1824-1766‬استبدل‬
‫مقالة ديكارت حني قام بنقدها على أساس الفكرة لإلرادة مبقالة له (أان أريد‪ ،‬أان أفعل‪ ،‬فأان إذن موجود"‪.‬‬

‫وأما هيدجر (‪ ) 1976-1889‬فمعىن الوجود لديه خمتلف‪ .‬ألن فلسفته قائمة على حتليل الذات دون الوجود‪،‬‬
‫واستفاد كثريا يف التفكري املنهجي الوجودي من املنهجية اهلوسرلية الظاهراتية للوصول إىل حل مشكلة الوجود‪ .‬ولذا‬
‫حلل ‪( Dasien‬اآلنية أوالكينونة) للوصول إىل الذات‪ ،‬الكينونة هو اإلنسان‪ ،‬فهو غري قابل للتعريف‪ .‬والكينونة‬
‫دائما يف اإلمكانيات وتظهر الوجود‪ ،‬الوجود هو البعد‪ ،‬الوجود هو ما يعيشه اإلنسان خارج نفسه وهو خيلق لنفسه‬
‫عاملا‪ .‬فألجل ذلك احليواان ت واجلمادات توجد ولكن ليس هلا وجود‪ ،‬إمنا الوجود هو اإلنسان الذي يعرف نفسه‪،‬‬
‫ومعىن كون الوجود الشعور بذاته والتوتر والفكر والقلق‪ ،‬من هنا ارتفعت مشكلة وجود األمثل وغري األمثل‪ ،‬الوجود‬
‫األمثل يضمر ليس يف الشعور فحسب بل إمنا هو عبارة عن احلرية واإلرادة واالختيار واملسؤلية وهو مرتبط ابلعالقات‬
‫االجتماعية وليس له فرار منها‪ ،‬والنفور واالبتعاد عن املسؤلية وعدم مواجهة املصائب والشدائد يقود صاحبه إىل‬
‫وجود غري األمثل‪ ،‬وإن يكن كذلك فال يكون وجودا بل حتول إىل حمرد الشيئ أو الالشيئ‪.‬‬

‫أما سارتر (‪ )1905-1980‬فهو نقطة بؤرية يف احلركة الفلسفية الوجودية "الواهب نفسه" ما هلا وما إليها‬
‫للوجودية‪ .‬وجعلها فلسفة يف يد الرجل الشارعي الفرنسي والربازيلي واألملاين واإليطايل والدامناركي وما إىل ذلك‪.‬‬
‫وتنفس صباحا ومساءا لفلسفته‪ .‬عاجل مشكلة الوجود يف ضوء أبعاده الفكرية اخلاصة وقسم الوجود إىل ثالثة أنواع‪:‬‬

‫الوجود يف ذاته (‪ )......‬هو الوجود غري الواعي فهو وجود األشياء ووجود العامل ووجود الظاهرة‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الوجود لذاته (‪ ).......‬هو الشعور أو الوعي منظورا إليه يف ذاته‪ ،‬وكأنه يف وحدة وانعزال وهو انعدام‬ ‫(‪)2‬‬
‫للوجود يف ذاته‪ ،‬إنه رغبة يف الوجود والشوق إىل الوجود وهو اإلنسان مبا هو اإلنسان‪ ،‬وهو الذات أو‬
‫الذاتية ومتضمن يف كل معرفة‪.‬‬
‫الوجود للغري(‪ )......‬هذا فضاء جديد يف مساء الوجود‪ ،‬وهو الشعور من حيث عالقته ابلشعورات‬ ‫(‪)3‬‬
‫األخرى‪ ،‬أي من وجهة النظر اإلجتماعية والوجود مع اآلخرين‪.‬‬

‫العدم‪:‬‬

‫فكرة العدم ليست فكرة رئيسية عند بعض الفالسفة الوجوديني أو فالسفة الوجود‪ ،‬ولكن جندها كفكرة فلسفية‬
‫عند هيدجر وسارتر متيزا من اآلخرين بكوهنما فالسفة امليتافزيقا‪ .‬عاجلا مسئلة امليتافيزيقا كنقطة هامة لفلسفتها‬
‫الوجودية ولذا يعرض هيدجر فلسفة املوت وإمنا املوت عنصر جوهري لفكرته العدمية ويصل هبا إىل العدم‬
‫وانتهاء اإلمكانيات ويف املوت يكون عدمنا ونواجهه وجها بوجه‪.‬‬

‫أما سارتر فرأى أن العدم يف الوجود‪ .‬الوجود حيمل يف طيه العدم وابلعكس‪ ،‬الوجود ال يكون يكتمل إال ابلعدم‪،‬‬
‫العدم يرتبط ابلوجود‪ ،‬ال يوجد العدم بدون الوجود‪ ،‬العدم يتبىن صرحا على الوجود‪ .‬وعارض اخليال الديكاريت‬
‫الذي يؤكد "أان أفكر إذن أان موجود" لقوله (أان‪-‬موضوع‪-‬العدم فأان أفكر) النسيج العدمي منسوج على منوال‬
‫املخاطرة والتشكك‪ ،‬ألن شعور املخاطرة يتمخض العدم والالشئ‪ ،‬ولذا العدم جوهر أصيل للوجود‪ ،‬العدم‬
‫مصدر الوجود إن مل يوجد الوجود‪ ،‬فكيف يوجد العدم‪ ،‬العدم ال يكون من قبل الوجود وال من بعده وإمنا‬
‫العدم خيتفي يف حيز الوجود‪ .‬ولذلك يقال إن احلياة البشرية ابتدأت من العدم وتظل تتقدم إىل العدم ويف‬
‫األخري انتهت مسريهتا يف غمار العدم‪.‬‬

‫احلرية‪:‬‬

‫النسيج الوجودي تنسجه احلرية ويقوم بناء الوجودية الشامخ على عماد احلرية‪ ،‬وهبتها الوجودية معاين جديدة‬
‫وأبعاد واسعة مما كانت ال نصادفها يف املثاليات الكالسيكية واملزركشات املثالية‪ ،‬واهليكل الوجودي مت هبا‪.‬‬
‫احلرية هي نقطة قد أحدثت ضجة بني أيب الوجودية "كري كجارد" و"هيجل"‪ .‬يقول كري كجارد‪ :‬احلرية‬
‫دايليكتيك ملقولتني‪ ،‬اإلمكان والضرورة‪ .‬الوجود ال يتصور دون احلرية‪ ،‬واحلرية ال توجد بغري الوجود‪ .‬وإمنا مها‬
‫شيئان متالصقان‪ .‬إن يوجد الوجود فاحلرية توجد‪ ،‬ألن الوجود دون احلرية أصبح شيئا حمضا دون الوجود‬
‫احلركي‪ ،‬احلرية هي اإلنسان واإلنسان هي احلرية‪ .‬ال نقدر أن نتصور الوجود أو علم الوجود دون احلرية‪.‬‬
‫الوجودية عبارة عن احلرية املطلقة عند سارتر‪ ،‬ومجيع األحوال االجتماعية والسياسية واالقتصادية سلبت‬
‫احلرية‪ ،‬فاإلنسان يكون خاضعا للنظام‪ .‬ودحضت الوجودية مثل هذه األعمال‪ ،‬ألن الوجود هو ما يصنع‬
‫اإلنسان نفسه من خالل احلرية هو الوجود األصيل‪ ،‬وإن توضع عليه العراقيل وقيدت بتقييدات فال يكون‬
‫وجودا وإمنا هو الالشيئ‪ .‬احلرية ال توجد من قبل الوجود وال من بعده وإمنا هي نفس الوجود‪ .‬الوجود ال‬
‫ي وجد إال يف حضن احلرية‪ ،‬احلرية جاءت ابلعمل وجعلته الشرط األول للوجود‪ .‬يرى سارتر أن العمل هو‬
‫شرط أويل للحرية‪ .‬احلرية ليست صفة وإمنا هي وجود اإلنسان‪ .‬واحلرية تولد اإلمكانيات‪ ،‬اإلمكانيات تنتج‬
‫فكرة االختيار‪ ،‬فكرة االختيار تتمخض املسئولية‪ ،‬املسؤلية انتهت ابلدهشة واخلوف والقشعريرة‪ ،‬اخلوف يف‬
‫العدم‪ ،‬والعدم يف الوجود‪ .‬ومن خالل الوجود تتبىن فكرة "األوحدية" أو "اإلنسان الكامل ‪ .‬وهو تصور يف‬
‫الوجودية تصور ‪L`Unique.‬‬

‫اخلامتة‪:‬‬

‫الوجودية من خالل أبعادها الكينونية واإلنسانية والفكرية صوات جداي ضد الطغيان العاملي واجلرب التهذييب‬
‫والقيمي ابلرغم أن لديها سلبيات أكثر منها ابإلجيابيات‪ .‬ينهدم بنائها الشامخ إذ مل تقدر على عرض تصورها‬
‫املعاد واحلشر والنشر‪ ،‬فال يبقى معانيها دوهنا فأصبحت الالشيئ‪ .‬إذا مل توجد غاية ألي فكرة فانتهت ابلفشل‪،‬‬
‫الوجودية تدور حول الوجود ومتت ابلوجود‪ ،‬على كل ذلك إهنا حاولت لبيان حقيقة اإلنسان واطالعه أبنه هو‬
‫هو مع مجيع القضااي واملشاكل البشرية‪ ،‬الوجودية مل تسيطر على اجملتمع الغريب والعاملي وال احتلت العقائد‬
‫واألفكار مبعىن الكلمة حىت اقتحمتها البنوية وما بعد البنوية‪ .‬الوجودية يف حاجة ماسة إىل وجودية جديدة وإىل‬
‫إصالحها الفكرية‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫الوجود والعدم‪ ،‬حبث يف أنطولوجيا والظاهراتية‪ ،‬ترمجة عبد الرمحن بدوي‪ ،‬منشورات دار اآلداب‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬أغسطس‪.1966 ،‬‬
‫دراسات يف الفلسفة الوجودية‪ ،‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪.1980‬‬
‫الزمان الوجودي‪ ،‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬دارالثقافة بريوت‪ ،‬لبنان الطبعة الثالثة‪.1973 ،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الوجودية‪ ،‬أنيس منصور‪ ،‬دار النهضة مصر للنشر‪ ،‬الطبعة التاسعة‪.2010 ،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫اإلنسانية والوجودية يف الفكر العريب‪ ،‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪1947 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اإلنسان الكامل يف اإلسالم‪ ،‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪.1950 ،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الوجودية واإلسالم‪ ،‬حممد لبيب البوهي‪ ،‬دار املعارف مبصر‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫عقائد املفكرين يف القرن العشرين‪ ،‬عباس حممود العقاد‪ ،‬مؤسسة اهلنداوي للتعليم والثقافة‪.2012 ،‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫الوجودية‪ ،‬مقدمة قصرية جدا‪ ،‬توماس أرفلني‪ ،‬ترمجة مروة عبد السالم‪ ،‬مؤسسة اهلنداوي للتعليم‬ ‫(‪)9‬‬
‫والثقافة‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2014 ،‬‬
‫(‪ )10‬اإلجتاهات الوجودية يف الشعر العريب احلديث‪ ،‬د‪ .‬حممد ثناء هللا الندوي‪ ،‬قسم اللغة العربية وآداهبا‪،‬‬
‫جامعة علي كره اإلسالمية اهلند‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2007،‬‬
‫(‪ )11‬شعراء وجوديون من غرب آسيا‪ ،‬د‪.‬ثناء هللا الندوي‪ ،‬دار اآلداب اإلنسانية علي كره‪.‬‬
‫(‪ )12‬الوجودية فلسفة الوهم اإلنساين‪ ،‬دكتور حممد إبراهيم الفيومي‪ ،‬اهليئة العامة لشؤن املطابع األمريية‪،‬‬
‫‪.1984‬‬
‫(‪ )13‬األدب ومذاهبه‪ ،‬دك تور حممد مندور‪ ،‬هنضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬ستمرب‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫(‪ )14‬الفلسفة اإلسالمية يف العصر احلديث‪ ،‬د‪ .‬حامد طاهر‪ ،‬هنضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬أكتوبر ‪2005‬‬
‫‪(15) What‬‬ ‫‪is‬‬ ‫‪existentialism,‬‬ ‫‪jonathan‬‬ ‫‪Webber,Rethinking‬‬
‫‪Existentialism, Draft, November-2015‬‬
‫‪(16) Existentialism is a Humanism, Jean Paul Sarter-from a public‬‬
‫‪lecture given in 1946, Translated by Phillip Mairet.‬‬
‫‪(17) Aspect of western philosophy, Dr. Sreekumar Nellicka Pally,‬‬
‫‪IIT Madras.‬‬
‫‪(18) Existentialism , Draft Jonathan Webber in the Routledge,‬‬
‫‪Comapanion to Ethics.‬‬
‫(‪ )19‬وجوديت‪ ،‬ڈاکٹر حيات عامر حسينی‪ ،‬بتول پبلی کيشنز‪ ،‬سری نگر‪ ،‬اشاعت اول‪۱۹۹۰،‬‬
‫(‪ )20‬کليات اقبال (اردو)‪ ،‬استقالل پريس‪،‬الہور‪ ،‬سال اشاعت ‪۱۹۹۰‬‬

You might also like